مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 0٤

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

كتاب الصلاة

اشارة

و لها معان، منها: المعروف بين المتشرعة. و ليست فيه حقيقة لغوية، لأصالة عدم الاشتراك. و عدّه جماعة من اللغويين من

معانيها «1» لا يدلّ على حقيقتها، بل هي فيه حقيقة شرعية، لحكم الحدس بحصول التبادر لها فيه بكثرة الاستعمال في زمان الشارع.

ثمَّ المعلوم كثرة الاستعمال فيه- الموجبة لحصول الحقيقة- هو الذي لا يصح إلّا مع الطهور و الركوع و السجود، فصلاة الميت ليست من أفراده الحقيقة، وفاقا لصريح جماعة. [1]

للأصل، و نفي الصلاة في المستفيضة عمّا لا فاتحة فيها و لا طهور «2».

و الأصل في النفي تعلّقه بالماهية لا الخارج.

و خصوص الرضوي- المنجبر ضعفه بالعمل-: «و قد كره أن يتوضّأ إنسان عمدا للجنازة، لأنه ليس بالصلاة، إنما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 9، و صاحب المدارك 3: 8، و السبزواري في الذخيرة: 182.

______________________________

(1) انظر: القاموس المحيط 4: 355، و معجم مقاييس اللغة 3: 300.

(2) انظر الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 و ج 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 8

و السجود» «1».

و دعوى: عدم صحة السلب عرفا عن صلاة الميت، ممنوعة. و لو سلّمت فعدمها في عرفنا لعرف الشارع- لأصالة تأخّر الحادث- غير نافع، و دلالة بعض النصوص على كونها صلاة غير مسلّمة، و إنّما المسلّم الاستعمال، و هو أعمّ من الحقيقة.

ثمَّ الكلام فيها إمّا في مقدماتها، أو ماهيتها و أفعالها، و فيه بيان أقسامها و أعدادها و كيفية كلّ منها، أو في منافياتها و مبطلاتها و أحكام الخلل الواقع فيها، أو في سائر ما يتعلّق بها من الجماعة و السفر و نحوهما، ففيه أربعة مقاصد:

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 9

المقصد الأول: في المقدمات

اشارة

و هي

خمسة، تقدّم واحد منها و هو الطهور، و بقيت أربعة: المواقيت، و القبلة، و اللباس، و المكان، و يتبعها الأذان و الإقامة، فهاهنا خمسة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 10

الباب الأول: في المواقيت

اشارة

و الكلام فيها إمّا في تحديدها و تعيينها، أو في أحكامها، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 11

الفصل الأول: في تحديد الأوقات
اشارة

و الكلام إمّا في أوقات الصلاة اليومية، أو غيرها ممّا له وقت محدود. و الثاني يذكر عند ذكر كلّ صلاة بخصوصه.

فالكلام هنا في مواقيت اليومية، و هي إمّا فرائض أو نوافل، ففي هذا الفصل بحثان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 12

البحث الأوّل: في بيان مواقيت الفرائض اليومية
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا ريب في كون أول وقت صلاتي الظهر و العصر- على الترتيب أو التشريك على الخلاف الآتي- هو الزوال،
اشارة

و عليه إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، و الكتاب يرشد إليه «1»، و النصوص المستفيضة بل المتواترة معنى تدلّ عليه «2».

و ما في بعض الأخبار من جعله بعده بقدر القدم أو القدمين، أو القامة أو ثلثيها، أو غير ذلك «3»، فعلى استحباب التأخير بقدره لأجل التنفّل أو التبرّد في [الحرّ] [1] محمول، جمعا بينه و بين ما ذكر، بشهادة المستفيضة بذلك:

منها: صحيحة محمد بن أحمد، المصرّحة بنفي التوقيت بهذه الأمور، و التحديد بالزوال، روي عن آبائك: القدم، و القدمين، و الأربع، و القامة، و القامتين، و ظل مثلك، و الذراع، و الذراعين. فكتب: «لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت، ثمَّ صلّ الفريضة، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة، و هي ثمان ركعات، إن شئت طوّلت و إن شئت قصرت ثمَّ صلّ العصر» «4».

______________________________

[1] في النسخ: الخبر، و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ .. الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(3) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(4) التهذيب 2: 249- 990، الاستبصار 1: 254- 913، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 13

ثمَّ الاختلاف في قدر التأخير يمكن أن يكون لأجل اختلاف الناس في تطويل النافلة و تخفيفها، كما يومئ إليه الصحيحة المتقدّمة، أو من جهة التقية، كما صرّح به في صحيحة أبي خديجة: ربما دخلت المسجد، و بعض أصحابنا يصلّي العصر، و بعضهم يصلّي الظهر، فقال: «أنا أمرتهم بهذا، لو صلّوا على

وقت واحد لعرفوا فأخذوا برقابهم» «1».

و في العدّة: عن الصادق عليه السلام، عن اختلاف أصحابنا في المواقيت، فقال: «أنا خالفت بينهم» «2».

و كذا لا ريب في كون آخر وقتهما الغروب للمعذور و المضطر و ذوي الحاجات، على الترتيب أو التشريك، وفاقا للمعظم من الأصحاب، بل لغير المحكي عن الحلبي «3»، فعليه الإجماع أيضا، و هو الحجة فيه، مضافا إلى أصالة عدم المنع من التأخير، و عمومات بقاء وقتهما إلى الغروب كما تأتي.

و خصوص رواية الكرخي، المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، و فيها:

«وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، و ذلك من علّة».

و فيها أيضا: «لو أنّ رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم يقبل منه» «4» دلّ بالمفهوم على القبول لو أخّر من علّة.

و بما مرّ يخصّ ما دلّ على انتهاء الوقت قبل ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 276 الصلاة ب 5 ح 6، التهذيب 2: 252- 1000، الاستبصار 1: 257- 921، الوسائل 4: 137 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(2) عدة الأصول 1: 343.

(3) الكافي في الفقه: 137.

(4) التهذيب 2: 26- 74، الاستبصار 1: 258- 926، الوسائل 4: 149 أبواب المواقيت ب 8 ح 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 14

خلافا لمن ذكر، فقال بانتهاء وقت المضطر بصيرورة ظلّ كلّ شي ء مثله «1»، لبعض العمومات المندفع بما تقدّم.

و هو الأقوى في غير المعذور و أخويه أيضا، وفاقا للإسكافي «2» و السيد و الحلّي و ابني زهرة و سعيد، و الفاضلين «3»، و معظم المتأخّرين «4»، و عليه دعوى الشهرة مستفيضة «5»، بل في السرائر و عن الغنية: الإجماع عليه «6».

للأخبار المستفيضة جدّا، كمرسلة الفقيه: «لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب

الشمس، و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» «7».

و روايتي عبيد:

الاولى: عن وقت الظهر و العصر، فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين: الظهر و العصر جميعا، إلّا أنّ هذه قبل هذه. ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس» «8».

و الثانية، و فيها: «و منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى

______________________________

(1) الكافي للحلبي: 137.

(2) حكاه عنه في المختلف: 67.

(3) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 193، الحلي في السرائر 1: 197، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 60، المحقق في النافع: 21، العلامة في القواعد 1: 24.

(4) كالشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 179، و الفيض في المفاتيح 1: 87، و السبزواري في الذخيرة: 185 و 186، و صاحب الرياض 1: 101.

(5) كما في الروضة البهية 1: 179، و الرياض 1: 101.

(6) السرائر 1: 197، و الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(7) الفقيه 1: 232- 1030، الوسائل 4: 159 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.

(8) الفقيه 1: 139- 647، التهذيب 2: 24- 68، الاستبصار 1: 246- 881، الوسائل 4:

126 أبواب المواقيت ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 15

غروب الشمس، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «1».

و رواية زرارة: «أحبّ الوقت إلى اللّه [أوله ] حين يدخل وقت الصلاة، فصلّ الفريضة، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتى تغيب الشمس» «2».

و صحيحة معمر: «وقت العصر إلى غروب الشمس» «3».

و مرسلة داود: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس

مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس» «4».

«و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي [ثلاث ] «5» ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» «6».

و المروي في السرائر عن الأئمّة عليهم السلام: «لا يخرج وقت صلاة ما لم

______________________________

(1) التهذيب 2: 25- 72، الاستبصار 1: 261- 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 2: 24- 69، الوسائل 4: 155 أبواب المواقيت ب 9 ح 12، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) التهذيب 2: 25- 71، الاستبصار 1: 261- 937، الوسائل 4: 155 أبواب المواقيت ب 9 ح 13.

(4) التهذيب 2: 25- 70، الاستبصار 1: 261- 936، الوسائل 4: 127 أبواب المواقيت ب 4 ح 7.

(5) في النسخ: أربع، و الصحيح ما في المتن موافقا للمصادر.

(6) التهذيب 2: 28- 82، الاستبصار 1: 263- 945، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 16

يدخل وقت أخرى» «1» إلى غير ذلك.

و الأخبار الدالّة على بقاء وقت صلاة الغداة إلى طلوع الشمس «2»، و العشاءين إلى نصف الليل «3»، بضميمة الإجماع المركّب.

و القدح في بعض ما ذكر: بأنّ الوقتية تصدق بكونه وقتا للمعذور، فإنّ وقته لطائفة وقت له، مردود: بأنّ إطلاق صلاة الظهر و العصر و النهار و الليل و نحوهما يشمل جميع الأفراد حتى صلاة غير ذوي

الأعذار، فإنّه يدلّ على أنّ الوقت للماهية، و الأصل عدم التقييد.

خلافا للمحكي عن المفيد و العماني و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و نهاية الشيخ و جمله و مصباحه و عمل اليوم و ليلته و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «4»، و بعض المتأخّرين «5»، فقالوا بانتهاء وقتهما قبل الغروب و إن اختلفوا في النهاية إلى أقوال كثيرة [1].

______________________________

[1] فقيل بانتهاء وقت الظهر بصيرورة ظل كل شي ء مثله، و وقت العصر بصيرورته مثلين، اختاره الشيخ في المبسوط و الخلاف، و القاضي. و قيل في الأول بصيرورته أربعة أقدام، و هو لنهاية الشيخ و عمل اليوم و ليلته، و الحلبي. و قيل فيه بأحد الأمرين المتقدمين، و هو للاقتصاد و المصباح. و قيل فيه برجوعه الى القدمين، و هو للمفيد و العماني. و قيل في الثاني بالانتهاء بقدر الإتيان بها و بنوافلها بعد الظهر، و هو للنهاية، و قيل فيه بتغير لون الشمس باصفرارها، و هو للمفيد. و قيل فيه بأربعة أقدام، و هو للعماني. و قد ينقل فيهما أقوال أخر أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 198.

(2) انظر الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26.

(3) انظر الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17.

(4) المفيد في المقنعة: 93، حكاه عن العماني في المختلف: 69، المبسوط 1: 72، الخلاف 1: 82، 83، 87، الاقتصاد: 256، النهاية: 58 و 59، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143، الحلبي في الكافي: 137، القاضي في شرح الجمل: 66، ابن حمزة في الوسيلة: 83.

(5) كصاحب الحدائق 6: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 17

للروايات المتكثّرة جدّا، الدالّة على الانتهاء

قبل الغروب «1»، المختلفة في تحديد النهاية أيضا، أدنى ما تدلّ عليها انتهاء وقت كلّ منهما بالأربعة أقدام، و هي المراد بالذراعين، و أقصاه انتهاء وقت الظهر بصيرورة الظلّ قامة، و وقت العصر بصيرورته قامتين.

و تلك الأخبار و إن كانت في أنفسها متعارضة و لكنها بأجمعها مشتركة الدلالة على عدم كون ما بعد القامة و القامتين وقتا.

و الروايات المصرّحة بأنّه ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر «2»، و الناطقة بأنّ أول الوقت رضوان اللّه، و آخره عفو اللّه، و لا يكون العفو إلّا عن ذنب «3».

و روايتي الكرخي و الربعي، المتقدّمة أولاهما «4»، و الثانية: «إنا لنقدّم و نؤخّر، و ليس كما يقال: من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، و إنما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها» [1].

و صحيحتي ابن سنان و أبي بصير، بضميمة عدم الفصل:

الاولى: «وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام» «5» الحديث.

______________________________

[1] التهذيب 2: 41- 132، الاستبصار 1: 262- 939، الوسائل 4: 139 أبواب المواقيت ب 7 ح 7. و أدنف المريض: ثقل- الصحاح 4: 1361.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.

(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 140- 651، الوسائل 4: 123 أبواب المواقيت ب 3 ح 16.

(4) في ص 13.

(5) التهذيب 2: 39- 123، الاستبصار 1: 276- 1003، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 18

و الثانية: عن الصائم، متى يحرم

عليه الطعام؟ فقال: «إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء» قلت: فمتى تحلّ الصلاة؟ قال: «إذا كان كذلك» قلت:

أ لست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: «لا، إنما نعدّها صلاة الصبيان» [1].

و مثل الأولى حسنة الحلبي، إلّا أنه ليس فيها «أو سها» «1».

و نجيب أمّا عن غير الطائفة الاولى من الروايات: فبضعف الدلالة.

أمّا الثانية: فلأنّ فيها- مضافا إلى إجمال الوقتين، و عدم دلالتها على حرمة التأخير، لاحتمال إرادة نفي كونه حريا أو حسنا، كما يشعر به قوله: «لا ينبغي» في بعض الروايات- أنّ الآخر حقيقة هو الجزء القريب إلى النهاية، و لا شك أنه لا يجوز جعله وقتا. نعم، لو كان ذلك لعذر، بحيث أدرك ركعة في الوقت يجوز ذلك.

و على هذا فتكون تلك الروايات في مقابل الروايات الواردة في أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت «2»، و دفعا لتوهّم جواز فعل ذلك عمدا.

بل يمكن أن يكون المراد بالوقتين فيها الوقت المقدّر أولا لكلّ صلاة، و المقدّر ثانيا بقوله: «من أدرك ركعة» و مع قطع النظر عن اختصاص الآخر بذلك فلا شك في شموله له، فتعارض هذه الأخبار مع أخبارنا المختصة قطعا بأن يصلّي على نحو يتمّ صلاته بتمام النهار بحيث لا يخرج شي ء منها عن الوقت بالعموم و الخصوص المطلقين، فيجب تخصيصها بها.

______________________________

[1] التهذيب 2: 39- 122، الاستبصار 1: 276- 1002، الوسائل 4: 213 أبواب المواقيت ب 28 ح 2، و القبطية: ثياب بيض رقاق من كتان، تتخذ بمصر، و قد يضم- الصحاح 3:

1151.

______________________________

(1) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 5، التهذيب 2: 38- 121، الاستبصار 1: 276- 1001، الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26 ح 1.

(2)

قد ورد مؤداه في الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 19

بل يمكن دعوى ظهور أنّ ورود تلك الروايات لبيان ذلك المطلب.

و منه يظهر ضعف دلالة القسم الثالث من الروايات أيضا، بل الرابع، أي رواية الكرخي.

و أمّا الخامس: فلجواز كون قوله: «إنّما الرخصة» إلى آخره من تتمّة ما يقال.

و أمّا السادس: فلدلالة مفهوم غايتها على نفي وقتية ما بعدها مطلقا، فهي أعم مطلقا من الأخبار الدالّة على بقاء الوقت إلى طلوع الشمس، فيجب تخصيصها بها.

و لو خصّت بغير ذوي الأعذار- للأخبار المصرّحة ببقاء الوقت لهم إلى الطلوع- يكون التعارض بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى استصحاب جواز التأخير، المزيل لأصالة الاشتغال.

و أمّا قوله: «لا ينبغي» فلا دلالة له على حرمة التأخير.

و أمّا قوله: «و لكنه وقت» فلا ينفي الوقتية عن غير المذكور.

و يمكن أن يكون الاختصاص بالذكر، لأفضلية عدم التأخير لغيرهم.

و أمّا الاستدراك الظاهر في الاختصاص، ففيه: أنّه إنما يصح إمّا بالتجوّز في الاستدراك، أو في «لا ينبغي» بجعل المراد منه الحرمة، مع كونه للأعم، أو في الوقت بإرادة الأفضلية، و لا ترجيح.

و أمّا السابع: فلظهور أنه ليس المراد أنه ليس شي ء ممّا بين تلك الساعة و طلوع الشمس وقتا، إذ الوقت الثاني الذي أتى به جبرئيل كان بعد ذلك «1»، و ورد في الصحيح: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي الغداة إذا أضاء الفجر حسنا» «2» فالمراد أنّ كلّ جزء منه ليس وقتا، و هو كذلك، لما مرّ في الثانية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(2) التهذيب 2: 36- 111، الاستبصار 1: 273- 990، الوسائل 4: 211 أبواب المواقيت ب 27 ح

5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 20

و أمّا الثامن: فلما مرّ في مثله.

و أمّا عن الطائفة الأولى: فبأنّا إن أغمضنا عن معارضة بعض من أخبارها بعضا، و اعتبرنا دلالة المجموع من حيث هو على نفي وقتية ما بعد القامة و القامتين، تعارض مع الأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في إتيان جبرئيل بالأوقات للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنه أتى في الغد بالوقت للظهر حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى الظهر، و قامتان، فأمره فصلّى العصر، و كذا في سائر الصلوات، حيث دلّت على عدم انتهاء الوقت بالقامة و القامتين، مع ظهورها في الاختيار، و كونه مقتضى أصالة عدم العذر.

و مع موثقة زرارة: «إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر» «1».

فلو رجّحت الأخيرة بموافقة الشهرة فهو، و إلّا فتتساقطان و تبقى أخبارنا مع أصالة عدم المنع من التأخير خالية عن المعارض.

و قد يجاب عن الطائفة الأولى أيضا: بأنها و إن تعارضت مع أخبارنا و لكن أخبارنا راجحة عليها بموافقة الكتاب، مع مرجوحيتها بعدم صراحة الدلالة، إذ كما تضمّنت جملة منها المنع عن التأخير، كذا تضمّنت ما هو صريح في الأفضلية.

و صرفها إلى ما يوافق المنع و إن أمكن، إلّا أنه ليس أولى من العكس، بل هو أولى مع تبديل النهي في بعضها ب «لا ينبغي» مع التصريح بعفو اللّه في بعض، و هو صريح في عدم العقاب على التأخير، فلا يجب التقديم، فالمراد تأكّد الاستحباب. و لا ينافيه الذنب، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات.

و فيه: عدم ظهور دلالة الكتاب فيما يوافق المطلوب، و منع اشتمال تلك الطائفة على ما يدلّ على أنّ المنع إنّما هو على

سبيل الأفضلية.

______________________________

(1) التهذيب 2: 22- 62، الاستبصار 1: 248- 891، الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 21

نعم من الأخبار ما يدلّ على أنّ الوقت الأول أفضل من الثاني، و هو غير مناف للمنع عن التأخير للمختار.

و قوله: «لا ينبغي» و إن لم يدلّ على التحريم و لكنه لا ينافيه، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ فائدة هذا الخلاف إنما تظهر في النهي عن المنكر، و تحتّم الإتيان في الوقت الأول، و إلّا فالظاهر اتّفاق الفريقين على وجوب الفعل في الوقت الثاني أداء إن لم يفعل، فهو وقت ترتيبي، كما يدلّ عليه قوله: «فإن لم تفعل فإنك في وقت» «1» فلا تجب نية القضاء- على القول بوجوبها- للمختار. بل و لا إثم أيضا، للتصريح بالعفو، فإنّ قوله: «آخره عفو اللّه» ليس للمضطر، إذ لا ذنب عليه، فيكون للمختار.

فرعان:

أ: اعلم أنّ القائلين ببقاء وقت الإجزاء للمختار إلى الغروب جعلوا وقت الاختيار عند المخالف وقتا للفضيلة، و اختلفوا في انتهائها كاختلاف المخالفين.

و لا يخفى أنّ ما يستندون إليه في تحديد وقت الفضيلة من أخبار القامة و القامتين و الذراع و الذراعين و أمثالها لا دلالة لها على أنها أوقات الفضيلة، و إنما يحملونها عليها، لمعارضة أخبار الإجزاء.

و كما يمكن حملها على ذلك يمكن الحمل على التقية أيضا، كما يستفاد من أخبار أخر، كما مرّ «2»، أو على محمل آخر.

مع أنه على الحمل على الفضيلة لا يدلّ على انتهاء وقتها، لإمكان الحمل على مرتبة منها. و حينئذ فلا وجه لتحديد وقت الفضيلة، و الاختلاف فيه، إذ أوقات الفضل أيضا مترتّبة في الفضل، بل و كذلك بعدها.

و أمّا ما دلّ على أن

لكلّ صلاة وقتين و أوّلهما أفضلهما، فلا يتعيّن أن يكون

______________________________

(1) راجع ص 15 رواية زرارة.

(2) في ص 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 22

المراد منه هذا الوقت المذكور في أخبار القامة و الذراع، فلعلّهما الوقتان اللذان أتى بهما جبرئيل، أو أوّل الوقت و آخره عرفا مطلقا، كما يستفاد من بعض الأخبار، أو الوقت المطابق للفعل، و المطابق لركعة منه، كما مرّ «1»، و كذا الكلام فيما ذكروه في وقت الفضيلة للعشاءين و الصبح.

ب: يختص الوقت بعد الزوال بمقدار صلاة الظهر بها، تامة أو مقصورة، بل و لو بتسبيحتين، كما في الخوف، سريعة حركاتها أو بطيئة، بل- كما قيل «2»- مستجمعا للشرائط قبل الوقت أو فاقدا لها، ثمَّ يشترك مع العصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أدائها كذلك، ثمَّ يختص بها.

على الأشهر الأظهر في الجميع، بل بالإجماع، كما سيظهر وجهه، فهو الحجّة في المقام.

مضافا في الجميع إلى رواية داود، المتقدّمة «3».

و في الأول خاصة إلى رواية مسمع: «إذا صلّيت الظهر دخل وقت العصر» «4».

و المروي في العلل و العيون: «و لم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها» «5».

و الرضوي: «أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ الظلّ قدمين، و أول وقت العصر الفراغ من الظهر» «6» الحديث.

و في الأخير فقط رواية الحلبي: فيمن نسي الظهر و العصر ثمَّ ذكر عند

______________________________

(1) في ص 18.

(2) المسالك 1: 19.

(3) في ص 15.

(4) الكافي 3: 277 الصلاة ب 5 ح 8، الوسائل 4: 132 أبواب المواقيت ب 5 ح 4.

(5) علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108 الوسائل 4: 159 أبواب المواقيت ب 10 ح 11.

(6)

فقه الرضا عليه السلام: 103، مستدرك الوسائل 3: 112 أبواب المواقيت ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 23

غروب الشمس، قال: «إن كان في وقت لا تفوت إحداهما، فليصلّ الظهر ثمَّ العصر، و إن خاف أن تفوته، فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فيكون قد فاتتاه جميعا» «1».

و رواية إسماعيل بن همام: في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر:

«إنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلّي الظهر» «2».

و نحو الظهرين العشاءان في الأحكام الثلاثة في الجملة [1]، بالإجماع المركّب، و خصوص بعض الروايات:

نحو: رواية داود، السابقة «3».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» «4».

و مرسلة الفقيه: «إذا صلّيت المغرب فقد دخل العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» «5».

و المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة، قال: «يصلّي العشاء ثمَّ المغرب» «6».

و بما ذكرنا تقيّد إطلاقات نحو قولهم: «إذا زالت الشمس فقد دخل

______________________________

[1] التقييد بذلك لما يأتي من الاختلاف في آخر وقت المغرب و أول وقت العشاء. (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.

(2) التهذيب 2: 271- 1080، الاستبصار 1: 289- 1056، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 17.

(3) في ص 15.

(4) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ملحق بحديث 4.

(5) الفقيه 1: 142- 662، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 2.

(6) قرب الإسناد: 197- 752.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

24

الوقتان» «1» إذ المراد منه إمّا أن بعد الزوال يتحقّق الوقتان، أو أنه إذا زالت الشمس دخل أول وقتي الصلاتين، و كلّ منهما أعم من كون الوقتين على الترتيب أو التشريك، إذ كون قطعة من الوقت وقتا لشيئين أعم من تشريكهما أو ترتيبهما.

و بهذا يندفع ما يتوهّم من أنّ التعارض بالتساوي دون الإطلاق و التقييد.

و أمّا الاستدلال للحكم الأول: بما في عدّة من الأخبار من قولهم عليهم السلام: «إلّا أنّ هذه قبل هذه» [1] غير جيّد، لأنّ وجوب كون إحدى الصلاتين قبل الأخرى لا يدلّ على عدم صحة الأخرى في الوقت الأول مطلقا لأجل أنه وقته، كما هو مقتضى عدم الوقتية و إن دلّ على عدم الصحة من جهة وجوب الترتيب. و تظهر الفائدة فيما إذا سقط هذا الوجوب لنسيان أو مثله.

و ممّا ذكر ظهر عدم تمامية ما استدلّ به في المدارك من أنّ المراد بوقت الفعل ما جاز ذلك الفعل فيه و لو على بعض الوجوه، و لا يجوز فعل العصر أول الزوال عمدا إجماعا، و لا نسيانا على الأظهر «2».

(فإنه لقائل أن يقول: إنّ وقت الفعل ما صحّ فيه من جهة الوقت و إن بطل من جهة أخرى، و على هذا) [2] فوجوب تقديم الظهر لا ينافي كون أول الزوال وقتا لهما، فإنّ لازمه صحة العصر فيه من جهة الوقتية لا مطلقا و لو من جهة انتفاء الترتيب الواجب.

نعم يلزمه أنه لو سقط الترتيب بسهو أو نسيان يكون العصر صحيحا.

و كذا يظهر عدم تمامية ما في المختلف من أنه لو لم يختص أول الوقت لزم

______________________________

[1] الاستدلال في الرياض 1: 101 و قال: في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة كما صرح به

جماعة.

[2] ما بين القوسين: ليس في «س».

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(2) المدارك 3: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 25

إمّا خرق الإجماع، أو التكليف بما لا يطاق، إذ التكليف إمّا يكون بالفعلين، أو بالعصر، أو بواحد تخييرا، و الأول الثاني، و الثانيان الأول «1».

ثمَّ بما ذكر ظهر فساد القول بالاشتراك مطلقا، كما عن الصدوقين «2»، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص، كما يظهر من كلام السيد «3»، فيرتفع الخلاف كما في المختلف.

المسألة الثانية: أول وقت المغرب غروب الشمس اتّفاقا نصّا و فتوى

و إن وقع الخلاف فيما يعرف الغروب به.

فالأقوى، الموافق للمحكي عن الإسكافي و العلل و الهداية و الفقيه و المبسوط و الناصريات: أنه عبارة عن غيبوبة الشمس عن الأنظار تحت الأفق «4»، و هو محتمل كلام الميافارقيات، و الديلمي و القاضي «5»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي و شيخنا البهائي «6»، و اختاره صاحب المعالم في اثني عشريته، و قوّاه في المدارك و البحار و الكفاية و المفاتيح «7»، و والدي العلّامة قدّس سرّه، و نسبه في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثالثة.

للمستفيضة المصرّحة بأنّ وقت المغرب إذا غابت الشمس، كصحيحتي

______________________________

(1) المختلف: 66.

(2) الصدوق في المقنع: 27، و حكى عنهما في الرياض 1: 101.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، علل الشرائع: 350، الهداية: 30، الفقيه 1: 141، المبسوط 1: 74، الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(5) الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى 1): 274، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب 1: 69.

(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 22، البهائي في الحبل المتين: 142.

(7) المدارك 3: 53، البحار 80: 51، كفاية الأحكام: 15، و مفاتيح الشرائع 1: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 26

زرارة «1»، و

صحيحة ابن سنان «2»، و مرسلة داود «3»، و المرويات في مجالس الصدوق «4»، و قرب الإسناد «5».

أو إذا توارى القرص، كرواية عمرو بن أبي نصر «6»، فإنّ المفهوم من الغيبوبة و التواري عرفا هو الاستتار عن الأنظار، بل صرّح به في مرسلة علي بن الحكم: عن وقت المغرب، فقال: «إذا غاب كرسيها» قلت: و ما كرسيها؟ قال:

«قرصها» قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: «إذا نظرت إليه فلم تره» «7».

و هذا الاستتار إنّما يتحقّق بالسقوط عن الأفق الترسي الذي هو الحسّي عرفا، المتأخّر عن السقوط عن الأفق الحقيقي، و الحسّي باصطلاح أهل الهيئة، و هو الحسّي للبصر الملاصق للأرض.

فالقول بأنّ المراد بغيبوبتها سقوطها عن الأفق الحقيقي قطعا، و هو إنّما يتحقّق بعد غيبوبتها عن الحسّ و لو بمقدار دقيقة- و حينئذ فيجب رفع اليد عن المفهوم اللغوي و العرفي، و اعتبار شي ء زائد عليه، و يسقط الاستدلال بالأخبار

______________________________

(1) الاولى: الفقيه 1: 140- 648، التهذيب 2: 19- 54، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 261- 1039، الاستبصار 2:

115- 376، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.

(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 7، التهذيب 2: 28- 81، الاستبصار 1: 263- 944، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16.

(3) التهذيب 2: 28- 82، الاستبصار 1: 263- 945، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

(4) أمالي الصدوق: 74- 10، 11، 15.

(5) قرب الإسناد: 37- 119.

(6) التهذيب 2: 27- 77، الاستبصار 1: 262- 940، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 16 ح 30.

(7) التهذيب 2: 27- 79، الاستبصار 1: 262-

942، الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 27

المزبورة بالتقريب المذكور، مع أنّ مقدار الدقيقة لكونه مجهولا غير منضبط لا يمكن جعله مناط التكليف، سيما للعوام، فوجب التأصيل على الأمر المنضبط، و ليس هو إلّا ذهاب الحمرة- اشتباه واضح، لأنّ السقوط عن الأفق الحقيقي متقدّم على الغيبوبة عن الحسّ، التي هي تحصل بالسقوط عن الأفق الترسي باصطلاح الهيويين، الحسّي عرفا بمقدار دقيقة قطعا، و ليس تحته أفق آخر أصلا.

نعم، السقوط عن الأفق الحسّي باصطلاح أهل الهيئة، و هو أفق بصر يلاصق للأرض يتقدّم على السقوط عن الأفق الحقيقي، و هو ليس بغيبوبة أصلا، مع أنّ لزوم السقوط عن الأفق الحقيقي لا دليل عليه شرعا.

و تدلّ على المطلوب أيضا: رواية الخثعمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي المغرب و يصلّي معه حي من الأنصار يقال لهم: بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلّون معه، ثمَّ ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع سهامهم» «1».

و المروي في مجالس الصدوق: كنّا بوادي الأخضر [1] إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هو شاب من شباب المدينة، فلمّا أتينا فإذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام، فنزلنا و صلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟ فقال: «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت» «2».

و حمله على التقية بلا دليل لا وجه له.

و صحيحة الأزدي: عن وقت المغرب، قال: «إنّ اللّه يقول في كتابه

______________________________

[1] في المصدر: الأجفر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 142- 659،

الأمالي: 74- 14، الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 5.

(2) أمالي الصدوق: 75- 16، الوسائل 4: 180 أبواب المواقيت ب 16 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 28

لإبراهيم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً «1» فهذا أول الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق» «2» حيث روي أنّ هذا الكوكب كان هو الزهرة «3»، و لا شك في أنه يرى بمجرد غيبوبة القرص مع بقاء الحمرة. [1]

و رواية الصباح و الشحام: عن المغرب، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداك ننتظر حتى يطلع الكوكب؟ فقال: «خطابية» «4» الحديث، فإنّ الظاهر أنّ مع زوال الحمرة يظهر بعض الكواكب المضيئة بل يتقدّم عليه.

و تؤيّده بل تدلّ عليه أيضا: صحيحة الشحام: «صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب، إنّما توارت خلف الجبل من الناس، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فأخبرته بذلك، فقال لي: «و لم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم تجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها، فإنّما عليك مشرقك و مغربك، و ليس على الناس أن يبحثوا» «5».

و موثّقة سماعة: في المغرب، إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، فقال: «ليس عليك صعود

______________________________

[1] و مما ذكرنا يظهر فساد ما قيل من نفي هذا القول عن الفقيه لأجل نقله هذا الحديث. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الأنعام: 76.

(2) الفقيه 1: 141- 657، التهذيب 2: 30- 88، الاستبصار 1: 264- 953، الوسائل 4:

174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6.

(3) تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 207.

(4) التهذيب 2: 258- 1027، الاستبصار 1: 262-

943 (بتفاوت)، الوسائل 4: 190 أبواب المواقيت ب 18 ح 16.

(5) الفقيه 1: 142- 661، التهذيب 2: 264- 1053، الاستبصار 1: 266- 961، أمالي الصدوق: 74- 12، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 29

الجبل» «1».

خلافا للأكثر، كما في المنتهى و التذكرة و شرح القواعد «2»، بل في المعتبر: أنّ عليه عمل الأصحاب «3»، و اختاره الشيخ في النهاية «4»، فقالوا: إنه يعرف بذهاب الحمرة المشرقية.

للاستصحاب، و توقيفية العبادة، و لزوم الاقتصار في فعلها على المتيقّن ثبوته.

و المستفيضة من الأخبار، كموثّقة عمار: «إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة من قبل المغرب» «5».

و مرسلة ابن أشيم: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق- إلى أن قال-: فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا» «6».

و موثّقة يونس، الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس:

متى تفيض من عرفات؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلى المشرق «7».

و في الأخرى: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: «إذا ذهبت الحمرة، يعني

______________________________

(1) الفقيه 1: 141- 656، التهذيب 2: 264- 1054، الاستبصار 1: 266- 962، أمالي الصدوق: 74- 13، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(2) المنتهى 1: 203، التذكرة 1: 76، جامع المقاصد 2: 17.

(3) المعتبر 2: 51.

(4) النهاية: 59.

(5) التهذيب 2: 259- 1033، الاستبصار 1: 265- 960 و فيه: حين تغيب، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.

(6) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 1، التهذيب 2: 29- 83، الاستبصار 1: 265- 959، الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.

(7) التهذيب 5: 186- 618،

الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 30

من الجانب الشرقي» «1».

و رواية ابن شريح: عن وقت المغرب، قال: «إذا تغيّرت الحمرة، و ذهبت الصفرة، و قبل أن تشتبك النجوم» «2».

و رواية العجلي: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب- يعني من المشرق- فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» «3».

و موثّقة ابن شعيب: «مسّوا بالمغرب قليلا، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا» «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار، و سقط القرص» «5».

و الرضوي: «و أول وقت المغرب سقوط القرص، و علامة سقوطه أن يسود أفق المشرق».

و فيه أيضا: «و الدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق».

و فيه أيضا: «و قد كثرت الروايات في وقت المغرب و سقوط القرص، و العمل

______________________________

(1) الكافي 4: 466 الحج ب 61 ح 1، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 3.

(2) التهذيب 2: 257- 1024، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 12.

(3) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 2، التهذيب 2: 29- 84، الاستبصار 1: 265- 956، الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16 ح 1.

(4) التهذيب 2: 258- 1030، الاستبصار 1: 264- 951، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 13.

(5) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 4، التهذيب 4: 185- 516، الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 31

في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» «1».

و أجاب هؤلاء عن الأخبار الأوّلة تارة: بعدم تعارضها مع أخبارهم، إذ غاية ما دلّت عليه هو كون وقت المغرب غيبوبة الشمس و غروبها، و لا خلاف فيه، بل فيما يتحقّق به ذلك، و قد دلّت الأخيرة على أنه زوال الحمرة، فهذه مفسّرة للأولى، فيعمل بهما معا.

و أخرى: بأنهما لو تعارضتا لكانت الاولى من قبيل المطلق بالنسبة إلى الأخيرة، فيجب حملها عليها.

و نجيب: أمّا عن أدلّتهم، فعن الثلاثة الأولى: بزوال الاستصحاب، و حصول التوقيف، و تحقّق اليقين بما ذكرنا.

و عن الروايات: بعدم دلالة غير الأوليين و الأخيرة.

و أمّا الثالثة و الرابعة: فلأنّ- مع معارضتهما مع أخبار أخر، جاعلة وقت الإفاضة هو الغيبوبة- لا دلالة لهما على الوجوب، إذ أولاهما لا تدلّ إلّا على أنّ الإمام يفيض بعد ذهاب الحمرة، و هو لا يفيد الوجوب. و ثانيتهما إمّا سؤال عن وقت إفاضة الإمام أو القوم، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ، فعدم دلالتها واضحة، و إمّا عن زمان وجوب الإفاضة أو زمان أفضليتها، و لا يتعيّن أحدهما، فلا تتم الدلالة.

و أمّا الخامسة: فلأنّ تغيّر الحمرة و ذهاب الصفرة غير زوال الحمرة، بل لا ريب في تغيّر الاولى و ذهاب الثانية بمجرّد الغيبوبة في الأفق، فهي على خلاف مطلوبهم أدلّ.

و أمّا السادسة: فلأنّها لا تدلّ إلّا على أنها إذا غابت الحمرة غابت الشمس من شرق الأرض و غربها، و كون ذلك وقت وجوب المغرب ممنوع، بل هو غيبوبتها عنّا، فيحتمل أن يكون غرضه عليه السلام بيان الوقت الأفضل.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 73 و 104، مستدرك الوسائل 3: 130 أبواب المواقيت ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 32

و أمّا السابعة: فلأنّ- مع عدم دلالتها على زوال الحمرة- الظاهر منها أنّ تعليل الأمر بالإمساء قليلا بغيبوبة الشمس عندهم قبل غيبوبتها عندهم لأجل ما في أفقهم من الحائل، فلا دلالة على المطلوب، و ليس لمجرّد تفاوت الآفاق، و إلّا لزم التأخير مدّة مديدة تغيب عن جميع الآفاق، لبطلان وجوب التأخير عن بعض الآفاق دون بعض.

و أمّا الثامنة: فلأنّ غاية ما يدلّ عليها أنّ ذلك وقت سقوط القرص الذي يمكن أن يكون وقت الأفضلية و وجوب الإفطار الذي هو تأكّده، دون الوجوب الحقيقي.

فبقيت الثلاثة: الأوليان و الأخيرة، و مدلول الأولى: إيجاب الصلاة على أبي الخطاب بعد زوال الحمرة، سواء صلّى قبل الغروب أو بعده و قبل الزوال، أو لم يصلّ، فهي أعم مطلقا من الأخبار الأوّلة، لدلالتها على عدم الوجوب لو صلّى بعد الأول و قبل الثاني، فيجب التخصيص.

و كذلك الثانية و آخر الرضوي، إذ دلالتها على نفي وقتية ما قبلها بعموم مفهوم الحصر الدالّ على أنّه ليس شي ء من قبل الذهاب وقتا.

و أمّا أوّله فدلالته إنّما تتوقّف على لزوم الانعكاس في العلامة و الدليل، و هو غير لازم، سيما مع وجود الدليل على علامة و دليل آخر.

هذا، مع أنّ حمل الحمرة في بعض هذه الروايات على أشعّة الشمس، المائلة إلى الحمرة غالبا في حوالي الغروب، المرتفعة على أعالي الجبال الشرقية في مثل مكة و مدينة- اللتين هما بلد الأحاديث- ممكنة، كما يدلّ عليه أيضا قوله في مكاتبة عبد اللّه بن وضاح: «و ترتفع فوق الجبل حمرة» [1].

و يردّ أمّا جوابهم الأول عن الأخبار الأولة: فبعدم الإجمال في معنى غيبوبة

______________________________

[1] التهذيب 2: 259- 1031، الاستبصار 1: 264- 952 و فيه: عبد اللّه

بن صباح، و الصواب ما في المتن، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 33

الشمس أصلا، بل هو معلوم لغة و عرفا، و لم يرد في أخبارهم ما يدلّ على أنّ معنى غيبوبة الشمس، أو المراد منها هو ذهاب الحمرة أيضا، حتى يكون دليلا على التجوّز في الغيبوبة، غاية ما في بعضها أنه علامة سقوط القرص.

و يحتمل أن يكون هو غير الغيبوبة، مع أنه- كما مرّ- لا يشترط الانعكاس في العلامة.

و أمّا قوله في بعض الأخبار: «وقت المغرب ذهاب الحمرة» فهو لا يدلّ على أنه المراد بالغيبوبة، بل يعارض مع ما دلّ على أنها وقته. و كون ذلك قرينة على التجوّز في الغيبوبة ليس أولى من العكس، من كون أحاديث الغيبوبة [قرينة] [1] على إرادة ضرب من التجوّز من جعل الوقت ذهاب الحمرة، كالأفضلية و الاستحباب و غيرهما.

و أمّا قوله في مرسلة ابن أشيم: «فإذا غابت الشمس ..» فلا يدلّ إلّا على أنها إذا غابت عن المغرب ذهبت الحمرة من المشرق، و ليس معنى غيبوبة الشمس غيبوبتها عن المغرب، بل عنّا، كما مرّ.

و لا يمكن أن يكون المراد من قوله: «إذا غابت هاهنا» غابت في المغرب، لعدم صلاحيته للتفريع على ما قبله من قوله: «إنّ المشرق مطلّ على المغرب» و نحوه قوله في رواية العجلي.

و أمّا قوله في الرضوي: «و الدليل على غروب الشمس» فهو لا يدلّ على أنّ المراد بالغيبوبة زوال الحمرة، بل غايته دلالته على حصر الدليل على الغروب فيه، و هو إنما يعمل به لو لا دليل على دليل آخر، و ما دلّ على معرفته بالغيبوبة، و بأنه إذا نظرت إليه فلم تره «1»،

دليل على دليل آخر.

هذا، مع أنه لا فرق بحسب الاعتبار بين غروب الشمس و طلوعها، فلو

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء العبارة.

______________________________

(1) راجع ص 26 مرسلة علي بن الحكم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 34

كان وجود الحمرة دليلا على عدم الغروب لكان وجودها دليلا على طلوعها في الأفق الشرقي أيضا، فيلزم عدم جواز صلاة الفجر بعد حصول الحمرة في الأفق الغربي.

و القول بأنّ الغروب هو السقوط عن الأفق، و لمّا لم يكن هو معلوما فيعلم بذهاب الحمرة، فمعها لا يحصل القطع الذي هو المعيار في قطع استصحاب عدم الغروب، و لازمه حصول الشك بذلك في الطلوع، فينعكس الأمر «1»، مبني على ما عرفت فساده من تأخّر السقوط عن الأفق الحقيقي عن الغيبوبة عن الحس، و إلّا فالقطع بالغيبوبة حاصل.

مع أنه إذا كان ذهاب الحمرة قاطعا لاستصحاب عدم الغروب يكون حصولها أيضا قاطعا لاستصحاب عدم الطلوع.

و أمّا جوابهم الثاني: فبمنع إطلاق الأوّلة بالنسبة إلى الأخيرة، بل الأمر بالعكس في البعض، كما عرفت.

و منه يظهر فساد ترجيح الأخيرة بموافقة الشهرة و مخالفة العامة، فإنه إنما هو في المتباينين كلّيّا أو من وجه.

مضافا إلى أنه يأبى الحمل قوله: «ليس عليك صعود الجبل» و «لم فعلت ذلك؟» و «بئس ما صنعت» في الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين «2».

مع أنّ في أشهرية القول الثاني كلاما، إذ من نقل الأول منه من المتقدّمين أكثر ممّن نقل عنه الثاني منهم، و ميل أكثر متأخّري المتأخّرين أيضا إليه «3»، مع أنّ عبارة المبسوط مشعرة بأنّ الثاني قول غير مشهور «4».

فرع: المراد بغروب الشمس و غيبوبتها و تواريها المتبادر منها- كما أشرنا إليه-

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 107.

(2) في ص 28.

(3) راجع ص 25.

(4) المبسوط 1: 74.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 35

غروبها عن بلد المصلّي و أرضه، و هو إنّما يتحقّق بغيبوبتها عن كلّ مكان يعدّ منه عرفا و عادة، كرؤوس جباله و أعالي أماكنه، فمع بقاء شعاع الشمس و لو في رأس جبل شامخ لا يصدق شي ء من هذه الألفاظ، بل و كذا لو كان بحيث علم أنه لو كان هناك مكان أعلى ممّا هو موجود ممّا يمكن تحقّق مثله عادة يرى فيه الشعاع، و لذا صرّح بعضهم بعدم صدق الغيبة و الاستتار الواردين في الأخبار مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا «1».

و بالجملة: المراد من الغروب: الغروب عن أرض المصلّي و بلده، و من قوله: «إذا نظرت إليه فلم تره» «2» أي: إذا نظرت في أرضك و بلدك أعاليه و أسافله.

و بذلك ظهر ضعف ما قيل من أنه لو كان مجرّد الاستتار مغربا، لزم كون مغرب النائم قبل القاعد، و القاعد قبل القائم، و القائم قبل الراكب، و الراكب قبل الصاعد، و هكذا [1]، مع أنّ بقاء الشعاع على مكان يراه الصاعد ليس مغربا لأحد من أهل هذه الأرض قطعا.

ثمَّ إنه كما لا يتحقق الغروب مع بقاء الشعاع، كذا لا يتحقق باستتارها بغيم أو ظلمة أو نحوهما، إجماعا و نصّا، كما مرّ.

و أمّا الاستتار بالجبل بحيث ذهب الشعاع عن كلّ مكان مرتفع- و لو فرضا- في كلّ موضع ممّا يعدّ من تلك الناحية عرفا، فالمستفاد من الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين «3» تحقّق الغروب به، و إذ لا معارض لهما فالعمل بهما- مع زوال الشعاع و عدم ظهوره أصلا على النحو المقرّر- لا بأس به.

و أمّا الشعاع المذكور في رواية المجالس «4» فيمكن أن لا يكون هو ضوء

______________________________

[1]

شرح المفاتيح (المخطوط) للوحيد البهبهاني.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 108.

(2) راجع ص 26.

(3) راجع ص 27 و 28.

(4) راجع ص 27 و 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 36

الشمس الواقع على المقابل لها، بل شعاعها المرئي في المغرب، الذي يقال له حواجب الشمس و ذوائبها.

المسألة الثالثة: آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الغربي مطلقا،

عند الصدوق في الهداية، و السيد في الناصريات «1»، و عن الخلاف و جمل الشيخ و مصباحه و عمل اليوم و ليلته «2»، و القاضي و الديلمي «3»، بل العماني كما في المنتهى «4».

للنصوص المستفيضة، كصحيحة الأزدي، المتقدّمة «5».

و صحيحة زرارة و الفضيل: «و وقت فوتها سقوط الشفق» «6».

و رواية ابن مهران: ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب: «كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة، و مصيرها إلى البياض في أفق المغرب» «7».

و موثّقة إسماعيل بن جابر: عن وقت المغرب، قال: «ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق» «8».

______________________________

(1) الهداية: 30، الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(2) الخلاف 1: 261، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143.

(3) القاضي في شرح الجمل: 66، الديلمي في المراسم: 62.

(4) المنتهى 1: 203.

(5) في ص 27.

(6) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 9، الوسائل 4: 187 أبواب المواقيت ب 18 ح 2.

(7) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 16، التهذيب 2: 260- 1037، الاستبصار 1: 270- 976، الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 4.

(8) التهذيب 2:

258- 1029، الاستبصار 1: 263- 950، الوسائل 4: 182 أبواب المواقيت ب 16 ح 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 37

و في رواية زرارة: «و آخر وقت المغرب إياب الشفق، فإذا آب دخل وقت العشاء الآخرة» «1».

و حمل تلك الأخبار على الأفضلية لا وجه له.

و الاستشهاد بالأخبار الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين أوّلهما أفضلهما «2»، و باختلاف الأخبار في التقدير بالغيبوبة و الربع و خمسة أميال و ستة «3»، غير صحيح، لمنع شهادة الأول على أنّ ذلك أحد الوقتين، و لا على أنّ الوقتين للمختار كما مرّ، و عدم دلالة الاختلاف على الأفضلية و الاستحباب.

و قبل انتصاف الليل قدر صلاة العشاء، عند السيد في الجمل و الإسكافي «4» و الحلّي «5» و الحلبي [1]، و الإشارة و الجامع، و المحقّق «6»، و سائر المتأخّرين «7». و عليه الشهرة في كلام جماعة «8»، بل عن السرائر و الغنية الإجماع عليه «9» و إن ظهر من الناصريات عدم اشتهار هذا القول بين القدماء «10».

للأصل، و للروايات الدالّة على أنّ وقت العشاءين من الغروب إلى نصف

______________________________

[1] قال في الكافي ص 137: و آخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب و آخر وقت المضطر ربع الليل.

______________________________

(1) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.

(3) انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 69.

(5) الحلي في السرائر 1: 195.

(6) الإشارة: 85، الجامع للشرائع: 60، المحقق في الشرائع 1: 60.

(7) كالعلامة في المختلف: 69، و الشهيد في اللمعة (الروضة 1): 180، و صاحب المدارك 3: 54.

(8) كصاحب الحدائق

6: 175، و الرياض 1: 102.

(9) السرائر 1: 196، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(10) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 38

الليل، كمرسلة داود، المتقدّمة «1».

و روايتي عبيد:

إحداهما: «و منها صلاتان، أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «2».

و الأخرى: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «3».

و ما دلّ على أنّ فيما بين الزوال إلى غسق الليل- الذي هو انتصافه- أربع صلوات «4».

و ردّ المرسلة بضعف السند، و غيرها بضعف الدلالة، لأنّ كون وقت ظرفا لصلاتين، كما يمكن أن يكون بالاشتراك يمكن أن يكون بالتوزيع، بل هو بالتوزيع قطعا، لاختصاص أول الوقت بالأولى و آخره بالأخيرة، و ليس هذا التوزيع أولى من غيره، مردود: بعدم ضرر في ضعف السند، سيما مع التأيّد بالشهرة و لو من المتأخّرين، و بظهور كون مدّة ظرفا لهما [في ] [1] صلاحيتها لاجتماع كل منهما، بل هو حقيقة في ذلك فقط مجاز في غيره، و التخصيص القليل الثابت بالدليل أولى من غيره قطعا.

و قبل طلوع الفجر قدر العشاء عند بعضهم «5»، استنادا إلى مرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الاولى «6»، و غيرها ممّا سيأتي، و حملا لسائر الأخبار على

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) في ص 26.

(2) التهذيب 2: 52- 72، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 2: 27- 78، الاستبصار 1: 262- 941 بتفاوت يسير، الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 24.

(4) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(5) حكاه في المبسوط 1: 75 عن بعض أصحابنا، و في المعتبر 2: 40 عن عطاء و طاوس.

(6) راجع

ص 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 39

الأفضلية.

و حين الغروب خاصة عند آخر «1»، لإتيان جبرئيل في اليومين بوقت واحد للمغرب «2»، فيعارض به سائر الأخبار، و يبقى أصل الاشتغال و عدم التوقيف في غيره سالما عن المعارض.

و الأول للمختار، و الثاني لذوي الأعذار، عند السيد في المصباح «3»، و الشيخ في المبسوط «4»، و اختاره في المفاتيح و الحدائق «5»، جمعا بين القسمين من الأخبار، بشهادة ما دلّ على جواز التأخير عن الغيبوبة لذوي الأعذار، كموثّقة جميل: ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال: «لعلّة لا بأس» قلت: فالعشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال: «لعلّة لا بأس» «6».

و الأول للأول، و ربع الليل للثاني، عند الشيخ في أكثر كتبه «7»، و ابن حمزة و الحلبي «8»، لتخصيص القسم الأول بموثّقة جميل، المتقدّمة، و صحيحتي محمد ابن علي الحلبي و ابن يقطين، الدالّتين على جواز التأخير في السفر إلى مغيب الشفق «9»، و تقييد هذه الثلاثة بالمستفيضة المصرّحة ببقاء الوقت لذوي الأعذار

______________________________

(1) حكاه في المهذب 1: 69 عن بعض أصحابنا.

(2) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(3) حكاه عنه في المنتهى 1: 203.

(4) المبسوط 1: 74.

(5) المفاتيح 1: 87، الحدائق 6: 188.

(6) التهذيب 2: 33- 101، الاستبصار 1: 268- 969، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 13.

(7) كالنهاية: 59، و الاقتصاد: 256.

(8) ابن حمزة في الوسيلة: 83، الحلبي في الكافي: 137.

(9) صحيحة الحلبي: التهذيب 2: 35- 108، الاستبصار 1: 272- 984، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 4، صحيحة ابن يقطين: التهذيب 2: 32- 97، الاستبصار 1:

267- 967، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب

19 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 40

مطلقا أو بعضهم- إلى الربع، كرواية عمر بن يزيد: عن وقت المغرب، فقال:

«إذا كان أرفق بك، و أمكن لك في صلاتك، و كنت في حوائجك، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل» فقال: قال لي و هو شاهد في بلده «1».

و صحيحته قال: «وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل» «2».

و بذلك يجمعون هؤلاء بين القسم الأول و بين ما دلّ على بقاء الوقت إلى ربع الليل مطلقا، كرواية عمر بن يزيد أيضا، و فيها: «فإنك في وقت إلى ربع الليل» «3» بشهادة ما ذكر.

و عليه يحملون ما دلّ على جواز التأخير في السفر إلى خمسة أميال من الغروب، كموثّقة أبي بصير «4»، أو ستّة، كروايتي ابني جابر و سالم «5».

و يردّون القسم الثاني من الأخبار بما مرّ ذكره من ضعف السند و الدلالة.

و الأول في غير المسافر و المفيض من عرفات، و ربع الليل لهما، عند الصدوق «6» و المفيد «7» و الشيخ في النهاية «8»، تضعيفا للقسم الثاني بما ذكر، و لما دلّ على التعميم في القدر، في السند، و تخصيصا للقسم الأول بما دلّ على جواز التأخير لهما إلى الربع.

و الثاني للأول و الثالث للثاني، عند المعتبر و المدارك و الكفاية، و المحقّق

______________________________

(1) التهذيب 2: 259- 1034، الاستبصار 1: 267- 964، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 8.

(2) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 14، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.

(3) التهذيب 2: 30- 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.

(4) التهذيب 3: 234- 611، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 6.

(5) رواية

ابن جابر: التهذيب 3: 234- 614، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7. رواية ابن سالم: التهذيب 2: 258- 1028، الوسائل 4: 191 أبواب المواقيت ب 18 ح 17.

(6) الفقيه 1: 141 و الهداية: 61.

(7) المقنعة: 93- 95.

(8) النهاية: 59 و 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 41

الخوانساري في شرح الروضة «1»، جمعا بين القسم الثاني و ما دلّ على البقاء إلى طلوع الفجر، كمرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الأولى «2»، بشهادة المستفيضة كصحيحة ابن سنان، السالفة في الفرع الثاني من المسألة الاولى «3» و رواية أبي بصير، و هي أيضا قريبة منها، إلّا أنها مختصة بالنائم «4».

و رواية ابن حنظلة: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر، صلّت المغرب و العشاء» «5» و نحوها رواية الكناني «6».

و حملا للقسم الأول و روايات الربع على الأفضلية.

و الأول للمختار، و الثاني لذوي الأعذار غير النائم و الناسي و الحائض، و الثالث للثلاثة، عندي.

لوجوب تخصيص القسم الأول بغير ذوي الأعذار، بما مرّ من الأخبار و غيره ممّا لم يذكر، كصحيحة عمر بن يزيد: «وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل» «7».

و مرسلة الكافي: «إنه إلى نصف الليل» «8».

و رواية الصرمي، المصرّحة بأنّ أبا الحسن الثالث عليه السلام أخّر المغرب حتى غاب الشفق «9»، و غير ذلك.

______________________________

(1) المعتبر 2: 40، المدارك 3: 55، الكفاية: 15، الحواشي على شرح اللمعة: 169.

(2) راجع ص 14.

(3) راجع ص 23.

(4) علل الشرائع: 367- 2، الوسائل 4: 201 أبواب المواقيت ب 21 ح 6.

(5) التهذيب 1: 391- 1206، الاستبصار 144- 492، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 12.

(6) التهذيب 1: 390- 1203، الاستبصار 2: 143- 489، الوسائل 2: 363

أبواب الحيض ب 49 ح 7.

(7) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 5، الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.

(8) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 5، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 3.

(9) التهذيب 2: 30- 90، الاستبصار 1: 264- 955، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 42

و بذلك يصير هذا القسم أخصّ مطلقا من القسم الثاني و ما دلّ على البقاء إلى الربع أو الفجر مطلقا، فيجب تخصيص الجميع به، لما دلّ على البقاء لذوي الأعذار، فلا يبقى له معارض في المختار، و يتعيّن الأول له. و يبقى الكلام في المعذور.

و لكون أخبار الربع (مع ما في أخبار توقيت السفر من التعارض) [1] لدلالتها على أنه لا وقت بعد الربع أصلا أعمّ مطلقا من أخبار النصف، فيجب تخصيص الأولى بالثانية قطعا، و مقتضاها توقيت النصف للمضطر.

و لكون ما مرّ من روايات النائم و الناسي و الحائض أخصّ مطلقا من أخبار النصف أيضا- للتقريب المتقدّم، و لخصوصية العذر- يجب تخصيص الثانية بهذه الروايات أيضا، فيكون الوقت لغير الثلاثة النصف، و لهم طلوع الفجر، و هو أيضا مقتضى أصالة جواز التأخير، التي هي المرجع لو فرض التعارض، فعليه الفتوى.

و لا ينافيه ما مرّ من إتيان جبرئيل بوقت واحد، إذ لا دلالة له على التخصيص أصلا.

و لا ما ورد من أنّ لكلّ صلاة وقتين، إذ يمكن كونهما وقتي الفضيلة و الإجزاء للمختار، أو وقتي الاختيار و الاضطرار و إن كان المضطرّون مختلفين في الوقت.

و لا ما ورد من ذم النائم عن صلاة العشاء إلى نصف الليل «1»، و هو ظاهر.

و لا

ما ورد من الأمر بصوم اليوم لمن نام عن صلاة العشاء إليه «2»، سيما مع استحبابه، كما هو الحقّ.

و لا مرسلة الفقيه: «من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل يقضي

______________________________

[1] انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19. و ما بين القوسين ليس في «س» و «ح».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.

(2) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 43

و يصبح صائما» «1».

و مرفوعة ابن مسكان: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» «2».

لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في القضاء، و لذا ورد في مرسلة ابن المغيرة: في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلّا بعد انتصاف الليل، قال: «يصليها» «3».

المسألة الرابعة: أول وقت العشاء مضيّ قدر ثلاث ركعات من الغروب،

على الأشهر الأظهر، وفاقا للمحكي عن السيد و الاستبصار و الجمل و العقود، و الصدوق و الإسكافي و الحلبي و الحلّي و القاضي، و الوسيلة و الغنية «4»، و جملة من تأخّر عنهم، و نسبه في المنتهى إلى العماني «5».

لروايات عبيد، و داود، و ابن مهران، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة جميعا «6».

و صحيحة زرارة: «إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء الآخرة» «7».

و موثّقته: «و صلّى بهم- أي صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس- المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، و إنما فعل ذلك رسول اللّه ليتّسع الوقت على أمته» «8».

______________________________

(1) الفقيه 1: 142- 658، الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 2: 276- 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.

(3) الكافي 3: 295 الصلاة ب 12 ح

11، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.

(4) حكاه عن السيد في المختلف: 69، الاستبصار 1: 263، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

174، الصدوق في الفقيه 1: 142، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، الحلبي في الكافي:

137، الحلي في السرائر 1: 195، القاضي في المهذب 1: 69، الوسيلة: 83، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(5) المنتهى 1: 205.

(6) راجع ص: 14 و 15 و 23 و 36.

(7) الفقيه 1: 140- 648، التهذيب 2: 19- 54، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17 ح 1.

(8) الكافي 3: 286 الصلاة ب 9 ح 1، التهذيب 2: 263- 1046، الاستبصار 1: 271- 981، الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 44

و الأخرى: عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال: «لا بأس» «1»، و قريبة منها موثّقة عبيد اللّه و عمران «2».

و رواية إسحاق: يجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ قال: «لا بأس» «3».

خلافا للهداية للصدوق «4»، و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و المصباح و عمل اليوم و الليلة «5»، كلّها للشيخ، فقالا: إنه غيبوبة الشفق، لإتيان جبرئيل بها في المرّة الأولى التي كانت لبيان أول الوقت بعد سقوط الشفق «6».

و لصحيحتي بكر و الحلبي:

الاولى: «و أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل، نصف الليل» «7».

و الثانية: متى تجب العتمة؟ قال: «إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة» «8».

______________________________

(1) التهذيب 2: 34- 104، الاستبصار 1: 271- 978، الوسائل 4: 203 أبواب المواقيت ب 22 ح 5.

(2) التهذيب 2: 34- 105، الاستبصار 1: 271- 979، الوسائل 4: 203 أبواب

المواقيت ب 22 ح 6.

(3) التهذيب 2: 263- 1047، الاستبصار 1: 272- 982، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 8.

(4) الهداية: 30.

(5) المبسوط 1: 75، الخلاف 1: 262، الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143.

(6) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(7) الفقيه 1: 141- 657، التهذيب 2: 30- 88، الاستبصار 1: 264- 953، الوسائل 4:

174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6.

(8) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 11، التهذيب 2: 34- 103، الاستبصار 1: 270- 977، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 45

و يجاب عن الأول: بأنه لعلّه للأفضلية.

و عن الثانية: بأنه يمكن أن يكون المراد ذهاب الحمرة المشرقية، الذي هو أول المغرب في كثير من الأخبار، بل قيل بذلك في الثالثة أيضا، و لكنه بعيد نظرا إلى تتمتها. بل يجاب عنها: بأنّ دلالتها على نفي وقتية قبل الغيبوبة ليست إلّا بمفهوم الزمان، الضعيف، و مع ذلك معناه أنه ليس بواجب قبل غياب الشفق مطلقا، فيكون أعم مطلقا من أخبارنا جميعا إن أبقيت الثالثة على إطلاقها، و من بعضها إن خصّت بغير المسافر أو غير المعذور، فيخصّص بها.

و لو سلّم التعارض فالترجيح لنا قطعا، بالكثرة التي هي معنى الشهرة في الرواية، التي هي من المرجحات المنصوصة، و بموافقة الشهرة العظيمة، و مخالفة العامة، فإنّ القول الثاني موافق لمذهب العامة بتصريح الجميع.

و للمقنعة و النهاية للشيخ و التهذيب، فالثاني للمختار، و الأول لذوي الأعذار، كما في الأولين «1»، أو لمن علم أو ظنّ أنه لا يتمكّن بعد الغيبوبة، كما في الثالث «2»، جمعا بين القسمين المتقدّمين، بشهادة

طائفة من الأخبار، كموثّقة جميل، المتقدّمة «3».

و صحيحة الحلبي: «و لا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» «4».

و رواية البطيخي: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمَّ ارتحل «5».

فتلك الأخبار يخصّص القسم الثاني، و به يصير أخصّ من الأول،

______________________________

(1) المقنعة 93- 95، النهاية: 59.

(2) التهذيب 2: 33.

(3) في ص 39.

(4) التهذيب 2: 35- 108، الاستبصار 1: 272- 984، الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.

(5) التهذيب 2: 34- 106، الاستبصار 1: 271- 980، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 46

فتخصّصه.

و جوابه: أنه يصير أخصّ من وجه فيصار إلى الترجيح، و هو معنا.

مع أن بعض الأول صريح في غير المعذور، فيكون أخصّ مطلقا بالتقريب السابق.

هذا كله مع ما عرفت من عدم انتهاض القسم الثاني، و عدم دلالة أخبار المعذور على الاختصاص.

المسألة الخامسة: آخر وقت العشاء ثلث الليل مطلقا،

عند الهداية و المقنعة و الخلاف و جمل الشيخ و اقتصاده و مصباحه، و القاضي «1».

للروايات الواردة في نزول جبرئيل بها ثانية حين ذهب الثلث، ثمَّ قال: «ما بين الوقتين وقت» «2».

و مرسلة الفقيه: «وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل» «3».

و رواية زرارة، و فيها: «و آخر وقت العشاء ثلث الليل» «4».

و المروي في الهداية: «و وقت العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل» «5».

و لروايات أخر غير دالّة جدّا.

و نصفه كذلك، عند السيد و الإسكافي و الديلمي و ابن زهرة و الحلبي «6»،

______________________________

(1) الهداية: 30، المقنعة: 93، الخلاف 1: 264، الجمل و العقود (الرسائل العشر) 174، الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، القاضي في المهذب 1: 69.

(2) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت 10 ح

5- 8.

(3) الفقيه 1: 141- 657، الوسائل 4: 200 أبواب المواقيت ب 21 ح 4.

(4) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(5) الهداية: 30.

(6) السيد في جوابات المسائل الميافارقيات (رسائل السيد المرتضى) 1: 274، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الحلبي في الكافي: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 47

و أكثر المتأخّرين «1»، بل مطلقا.

لمرسلتي داود و الفقيه، المتقدّمتين في المسألة الاولى «2»، و روايتي عبيد، السالفتين في الثالثة «3»، و صحيحة بكر، السابقة في الرابعة «4»، و صحيحة زرارة و رواية عبيد، المتضمّنتين لتفسير الآية «5».

و موثّقة أبي بصير، و فيها: «و أنت في رخصة إلى نصف الليل» «6».

و رواية المعلى: «آخر وقت العتمة نصف الليل» «7» و نحوها الرضوي «8»، و غير ذلك.

و الأول للمختار، و الثاني للمضطر، عند المبسوط و ابن حمزة «9»، للجمع بين الصنفين من الأخبار.

و الثاني للأول، و طلوع الفجر للثاني، عند المحقّق و المدارك «10»، و جملة من

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 121، و صاحبي المدارك 3: 59 و فيه و هو مذهب الأكثر، و الرياض 1:

101.

(2) راجع ص 15 و 23.

(3) راجع ص 38.

(4) راجع ص 44.

(5) صحيحة زرارة: الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124- 600، التهذيب 2:

241- 954، الوسائل 4: 10 أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 1، رواية عبيد: التهذيب 2:

25- 72، الاستبصار 1: 261- 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(6) التهذيب 2: 261- 1041، الاستبصار 1: 272- 986، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت ب

17 ح 7.

(7) التهذيب 2: 262- 1042، الاستبصار 1: 273- 987، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت ب 17 ح 7.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.

(9) المبسوط 1: 75، ابن حمزة في الوسيلة: 83.

(10) المحقّق في المعتبر 2: 43، و الشرائع 1: 60، المدارك 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 48

متأخّري المتأخّرين «1»، منهم صاحب البحار «2».

و عن الخلاف: نفي الخلاف في بقائه إلى الطلوع للمضطر «3»، و هو الأقوى عندي، استنادا- بعد تضعيف رواية الهداية، و منع دلالة روايات نزول جبرئيل- إلى أنّ لدلالة الصنف الأول على نفي وقتية بعد الثلث مطلقا يكون أعم مطلقا من الثاني، فيخصّص الأول بالثاني.

مع أنّ على فرض التباين- كما يحتمله بعض الروايات- يكون الترجيح للثاني، لموافقة الكتاب، و الأصل.

ثمَّ يخصّص الصنف الثاني بما دلّ على بقاء وقت ذوي الأعذار إلى الفجر، كما تقدّم. و لأجل ذلك يصير هذا الصنف أخصّ من مرسلة الفقيه، الدالة على بقاء الوقت مطلقا إلى الفجر «4»، فتخصّص المرسلة به.

فرع: الأفضل المبادرة إلى العشاء بعد المغرب و نافلتها، لعمومات أفضلية أول الوقت، المعتضدة بالأمر بالاستباق إلى الخيرات و المسارعة إلى المغفرة.

و قد يقال بأفضلية التأخير إلى غياب الشفق «5»، للأخبار المتقدّمة، و هي على ذلك غير دالّة. و الاحتياط، و هو كان حسنا لو لا العمومات.

و قيل: ربما يظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بعد غياب الشفق أيضا «6».

و نظره إلى ما ورد من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لو لا أنّي أخاف أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل» و في بعض الأخبار «إلى ربعه» و في

______________________________

(1)

كالمحقق السبزواري في الكفاية: 15 و صاحب كشف الغطاء: 221.

(2) البحار 80: 53.

(3) الخلاف 1: 271.

(4) المتقدمة في ص 14.

(5) كما في الحدائق 6: 193.

(6) كما في المدارك 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 49

آخر «إلى نصفه» «1» و ما ورد من أنه صلّى اللّه عليه و آله أخّرها ليلة من الليالي ما شاء اللّه حتى نام النساء و الصبيان «2».

و يردّ الأول: بأن غاية ما يدلّ عليه أنه لو لا خوف المشقّة لجعل فضيلة العشاء في التأخير، و لكنه لم يفعله، فهو في الدلالة على خلاف المقصود أشبه.

و حمل قوله: «أخّرت» على أوجبت التأخير حتى يشعر بالفضيلة، أو على إرادة إني صليتها في الثلث أو النصف لو لا خوف مشقة المأمومين، لا دليل عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    49     المسألة السادسة: لا خلاف في أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني، ..... ص : 49

الثاني: بأنّ الظاهر أنّ تأخيره صلّى اللّه عليه و آله تلك الليلة دون سائر الليالي إنما كان للعذر دون الاستحباب.

المسألة السادسة: لا خلاف في أنّ وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني،

و هو المنتشر الذي لا يزال يزداد في الأفق، و الإجماعات المحكية «3»- كالنصوص المصرّحة «4»- عليه مستفيضة.

و إنّما الخلاف في آخره. و الحقّ الموافق للمعظم، و منهم: المقنعة «5»، و الجملان [1]، و الاقتصاد و المصباح و مختصره و عمل اليوم و الليلة و شرح جمل السيد، و الكافي، و الإسكافي و الديلمي و القاضي «6»، و الحلبيان «7»، و الحلّي

______________________________

[1] جمل العلم و العمل، و قد سقط منه في نسختنا باب المواقيت، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

174.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17.

(2) التهذيب 2: 28- 81، الوسائل 4: 199

أبواب المواقيت ب 21 ح 1.

(3) كما في المعتبر 2: 44، و المنتهى 1: 206، و الذكرى: 121.

(4) انظر الوسائل 4: 209 أبواب المواقيت ب 27.

(5) المقنعة: 94.

(6) الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 24، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143، شرح الجمل 66، الكافي في الفقه: 138، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب 1: 69.

(7) علاء الدين الحلبي في الإشارة: 85، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 50

و الجامع «1»، و سائر المتأخّرين: أنه طلوع الشمس.

للأصل المتقدّم، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و رواية زرارة: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» «3».

و مقتضى إطلاقهما كونه وقتا لمطلق صلاة الفجر الذي منه صلاة المختار، فالقول بأنه يكفي في صدقهما كونه وقتا لذوي الأعذار غير صحيح.

و ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» «4» و حمله على ذوي الأعذار حمل بلا حامل، و ضعفه كضعف المتقدّمتين- لو سلّم- بالشهرة منجبر.

خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف و النهاية و المبسوط و التهذيب و الاستبصار، و عن العماني، و الوسيلة «5» و الإصباح، فخصّوه بأولى الأعذار، و جعلوا نهايتها للمختار ظهور الحمرة المشرقية، كبعضهم «6»، أو الإسفار، كبعض آخر «7».

حملا للمطلقات المذكورة على المقيّدات، كرواية يزيد بن خليفة: «وقت

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 195، الجامع للشرائع: 61.

(2) راجع ص 14.

(3) التهذيب 2: 36- 114، الاستبصار 1: 275- 998، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 6.

(4) التهذيب 2: 38- 119، الاستبصار 1: 275- 999، الوسائل

4: 207 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(5) الخلاف 1: 267، النهاية: 60، المبسوط 1: 75، التهذيب 2: 38 و 39، الاستبصار 1:

276، حكاه عن العماني في المختلف: 70، الوسيلة: 83.

(6) كما في المبسوط 1: 75.

(7) كما في الخلاف 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 51

الفجر حين يبدو حتى يضي ء» «1».

و صحيحتي ابن سنان و أبي بصير، و حسنة الحلبي، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و موثّقة عمّار: «في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر أن يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس، و ذلك في المكتوبة خاصة، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمَّ طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته» «3».

و الرضوي: «أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق، و هو بياض كبياض النهار، و آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، و قد رخص للعليل و المسافر و المضطر إلى قبل طلوع الشمس» «4» و قريب منه المروي في الدعائم «5».

و يجاب عنها- بعد ردّ الأخيرين: بالضعف الخالي عن جابر في المقام، و سابقتهما: بعدم الدلالة جدّا، لخلوّها عن اشتراط غلبة العينين أو تعويق أمر، و الأربع «6» المتقدّمة عليها: بما سبق في المسألة الاولى «7»، و سابقتها: بما يظهر منه أيضا من كون مفهومها عاما مطلقا يجب تخصيصه، أو من وجه يوجب الرجوع إلى الأصل، و معارضتها مع الأخبار الآتية- أنّ شيئا منها لا يدلّ على مطلوب من قال: إنّ الانتهاء ظهور الحمرة، و لا أكثرها على قول من قال بالانتهاء بالإسفار.

______________________________

(1) الكافي 3: 283 الطهارة ب 7 ح 4، التهذيب 2: 36- 112، الاستبصار 1: 274- 991، الوسائل 4: 207

أبواب المواقيت ب 26 ح 3.

(2) راجع ص 17 و 18.

(3) التهذيب 2: 38- 120، الاستبصار 1: 276- 1000، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 7.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 137 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 139، مستدرك الوسائل 3: 138 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

(6) كذا في النسخ، و الصحيح: الثلاث كما يظهر بالتأمل.

(7) راجع ص و 17 و 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 52

مع منافاة الأخير لأخبار أخر أيضا، كأخبار إتيان جبرئيل بالأوقات. ففي بعضها: أنه أتى بالوقت الثاني حين أسفر الصبح «1»، بل لصحيحة أبي بصير، المذكورة، فإنّ إسفار الفجر هو بياضه.

و حسنة ابن عطية: «الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى» «2».

و صحيحة زرارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ركعتي الصبح، و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا» «3».

و مرسلة الفقيه: «وقت الفجر إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا» «4».

و المروي في الهداية: عن وقت الصبح، فقال: «حين يعترض الفجر و يضي ء حسنا» «5».

و في الفردوس «6»: «صلّ صلاة الغداة إذا طلع الفجر و أضاء حسنا».

إلّا أن يريدوا من الإسفار انتشار الضوء في أطراف السماء- كما قيل-

______________________________

(1) الوسائل 4: 158 أبواب المواقيت ب 10 ح 8.

(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 3، الفقيه 1: 317- 1440، التهذيب 2: 37- 118، الاستبصار 1: 275- 997، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 2.

و سورى على وزن بشرى: موضع بالعراق من أرض بابل و هي مدينة السريانيين .. (معجم البلدان 3: 278) و قال في الحبل المتين ص 144: و

المراد ببياضها نهرها، كما في رواية هشام بن الهذيل عن الكاظم عليه السلام: و قد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال: «حين يعترض الفجر كأنه نهر سورى».

(3) التهذيب 2: 36- 111، الاستبصار 1: 273- 990، الوسائل 4: 211 أبواب المواقيت ب 27 ح 5.

(4) الفقيه 1: 317- 1441، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 3.

(5) الهداية: 30.

(6) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصواب: العروس للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمي.

و قد نقل عنه في البحار 80: 74- 6، انظر: الذريعة 15: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 53

و خصّ الضياء و الأسفار (في الأخبار) «1» بما دون ذلك.

فرع

: هل الأفضل في صلاة الفجر أن يؤخّر حتى يتنوّر الصبح و يضي ء أطراف الأفق حسنا، أو يصلّي بدء طلوع الفجر؟ المستفاد من أكثر الروايات المتقدّمة: الأول، و لكن قد تضمّنت جملة من أخبار أخر: الثاني، و استحباب التغليس «2» بها، كالمروي في مجالس الشيخ: إن أبا عبد اللّه عليه السلام كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو و قبل أن يستعرض، و كان يقول وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً إن ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا أحبّ أن تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي» «3».

و رواية إسحاق: أخبرني عن أفضل الوقت في صلاة الفجر، فقال: «مع طلوع الفجر» إلى أن قال: «فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين، أثبتها ملائكة الليل و ملائكة النهار» «4».

و مرسلة الفقيه: عن صلاة الفجر، لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار، و إنما الجهر في

صلاة الليل؟ فقال: «لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يغلس بها يقرّبها من الليل» «5».

و في الذكرى: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي الصبح فتنصرف النساء و هن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس» «6».

______________________________

(1) لا توجد في «س».

(2) يقال: غلس بالصلاة يريد صلّاها بالغلس، و الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل. مجمع البحرين 4: 90.

(3) أمال الطوسي: 704، الوسائل 4: 213 أبواب المواقيت ب 28 ح 3.

(4) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 2، التهذيب 2: 37- 116، الاستبصار 1: 275- 995، علل الشرائع: 336- 1، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 212 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.

(5) الفقيه 1: 203- 926، الوسائل 6: 84 أبواب القراءة ب 25 ح 3.

(6) الذكرى: 121 و المروط جمع مرط: كساء من صوف أو خزّ كان يؤتزر به مجمع البحرين 4: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 54

فقد يقال بترجيح الأول، لكون أخباره مقيدة بالنسبة إلى أخبار الثاني. و قد يرجّح الثاني، لصراحة أكثر أخباره في الأفضلية، و كونه معلّلا.

أقول: إطلاق أخبار الثاني بإطلاقه ممنوع، لمنع الإطلاق في الأولين، مع أنّ إرادة وضوح الصبح و تيقّنه- الذي لا خلاف في اشتراطه من أخبار الأول- ممكنة. و لو فرض التعارض تبقى عمومات أفضلية أول الوقت عن المعارض خالية، فالراجح هو الثاني.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 55

البحث الثاني: في بيان مواقيت النوافل اليومية
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في دخول وقت النافلة للظهر بالزوال،
اشارة

و للعصر بالفراغ من الظهر، و اختلفوا في آخرهما.

و الحقّ أنه يمتد إلى وقت الفريضة، وفاقا لجماعة ممّن تأخّر «1»، منهم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد. و هو المحكي عن الحلبي «2»، بل ظاهر المبسوط و الإصباح و الدروس و البيان «3»، بل محتمل كلّ من قال ببقاء وقتهما إلى المثل و المثلين من القائلين بأنهما وقتان للمختار.

للأصل، و العمومات المصرّحة بجواز فعلهما في أيّ وقت أريد «4».

و خصوص رواية سماعة، و فيها: «و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة» إلى أن قال: «و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت» «5».

و مرسلة ابن الحكم: «صلاة النهار ست عشرة ركعة، صلّها أيّ النهار شئت، إن شئت في أوله، و إن شئت في وسطه، و إن شئت في آخره» «6».

______________________________

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 16.

(2) الكافي في الفقه: 158.

(3) المبسوط 1: 76، الدروس 1: 140، البيان: 109.

(4) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(5) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257- 1165، التهذيب 2: 264- 1051، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.

(6) التهذيب 2: 8- 15، الاستبصار 1: 278- 1008، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 56

خلافا لنهاية الإحكام «1»، و المصباح و الوسيلة و الشرائع و النافع «2»، و الفاضل في طائفة من كتبه «3»، بل قيل هو الأشهر «4»، فقالوا بالامتداد للظهر إلى أن يصير الفي ء على قدمين، و للعصر أربعة.

لصحيحة زرارة: «حائط مسجد رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله كان قامة، و كان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثمَّ قال: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟» قلت: لم جعل ذلك؟

قال: «لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة» «5».

و تضمّن صدرها القدمين و الأربعة، و أنهما مع الذراع و الذراعين بمعنى، كما صرّح به الأصحاب و جملة من الأخبار.

و قريبة منها موثّقتاه «6».

و موثّقة عمّار: «للرجل أن يصلّي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان، و إن كان بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصحيح هو النهاية للشيخ (ص 60) لأن العلامة قد تردد في نهاية الاحكام في نافلة الظهر بين القدمين و المثل، و في نافلة العصر بين أربعة أقدام و المثلين. نهاية الأحكام 1: 311.

(2) مصباح المتهجد: 24، الوسيلة 83، الشرائع 1: 62، المختصر النافع: 22.

(3) كالقواعد 1: 24 و المنتهى 1: 207.

(4) كما في الرياض 1: 103.

(5) الفقيه 1: 140- 653، التهذيب 2: 19- 55، الاستبصار 1: 250- 899، الوسائل 4:

141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3 و 4.

(6) الأولى: الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 1، التهذيب 2: 245- 974، الاستبصار 1:

249- 893، علل الشرائع: 349- 2، الوسائل 4: 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20، الأخرى:

التهذيب 2: 250- 992، الاستبصار 1: 255- 915، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8 ح 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 57

حتى يصلّي تمام الركعات، و إن مضى قدمان

قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك، و للرجل أن يصلّي من نوافل العصر ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام، فإن مضت الأربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل» «1» الحديث «2».

و الأخبار الموقّتة للظهرين بالذراع و الذراعين، مع المصرّحة بأنّه إنّما جعل كذلك لئلّا يكون تطوّع في وقت الفريضة «3».

و يجاب عنها مع معارضتها بصحيحة محمد بن أحمد، المتقدّمة في وقت الظهرين «4»، و موثّقة أبي بصير، و فيها: «فإذا ذهبت ثلثا القامة بدأت بالفريضة» «5»: بعدم دلالة شي ء منها على الزائد على الرجحان، لمكان الجملة الخبرية.

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

(2) اعلم أن الموثقة صريحة في نافلة العصر، و أما الظهر فيتم الحكم فيها بعدم القائل بالفرق، و أما قوله: «فإن مضى قدمان ..» و إن كان ظاهرا في حكمها و لكنه يحصل فيه الإجمال بملاحظة الشرطية الاولى، و هي قوله: «و إن كان بقي ..»، و من قال بصراحة الموثقة في الحكمين فقد اقتصر على الشرطية الثانية. و قد يفسر الأولى بأنه إن بقي من وقت الزوال، أي وقت نافلة الزوال قدر ركعة، أو من الوقت المبتدأ من الزوال إلى القدمين قدر ركعة. و على التقديرين قوله: «أو قبل أن يمضي قدمان» يعبّر عنه بعبارة أخرى للتوضيح، أو للترديد من الراوي. و قيل: يمكن أن يكون هناك سهو من النساخ، و تكون العبارة: قد صلّى، مكان: قد بقي، و يكون أو سهوا. و كل هذه الاحتمالات خلاف الظاهر.

نعم يمكن أن يقال: إن مفهوم الشرطية الأولى أنه إن لم يبق ركعة واحدة ..

و ظاهر معناه أنه لم يبق فيها شي ء، فلا ينافي الثانية، بل يمكن أن يقال: إن منطوق الأولى يعاضدها أيضا، لأن بقاء ركعة واحدة أعم من أن يبقى منها غيرها أيضا أم لا. منه رحمه اللّه تعالى.

(3) انظر الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(4) راجع ص 12.

(5) التهذيب 2: 248- 985، الاستبصار 1: 253- 908، الوسائل 4: 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 58

و أمّا مفهوم الغاية في قوله: «لك أن تتنفّل» و نحوه و إن كان ظاهره نفي الجواز في هذا العرف، إلّا أنّه ليس مقتضى معناه اللغوي، و الأصل تأخّر العرف الطارئ.

مضافا إلى أنّ بعد ما عرفت من دخول وقت الظهرين بالزوال تعلم أنه لم يرد الحقيقة من الأخبار الموقّتة لهما، و لا يتعيّن المجاز المثبت للمطلوب، هذا.

ثمَّ إنه على فرض دلالة جميعها فتعارض الروايتين بالتباين، و الحمل على الأفضل طريق الجمع.

و الشاهد له رواية الغساني «1»: صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال:

«ست عشرة، أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها، إلّا أنك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» «2».

مع أنه لو لا ذلك أيضا لكان الترجيح للروايتين، لموافقتهما الأصل و العمومات.

و القول بشذوذهما باطل، سيما مع ما ذكرنا من الاحتمال «3».

و لجماعة، فقالوا بالامتداد إلى المثل لنافلة الظهر، و المثلين للعصر، إمّا مطلقا، كالمحكي عن الحلّي و المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و النهاية «4»، أو غير مقدار الفرضين، كما عن الجمل و العقود و المهذّب و الجامع «5».

للصحيحة المذكورة و ما يقرب منها، بناء على أنّ الحائط كان ذراعا، لتفسير

______________________________

(1) هذا موافق للاستبصار و مورد من التهذيب، و أما في مورد

آخر منه و كذا في الوسائل: الغفاري.

(2) التهذيب 2: 9- 17 و كذا: 267- 1063، الاستبصار 1: 277- 1007، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 18.

(3) أي احتمال كون ذلك مذهب القائلين بالمثل و المثلين. منه رحمه اللّه تعالى.

(4) الحلّي في السرائر 1: 199، المعتبر 2: 48، المنتهى 1: 207، تحرير الأحكام 1: 27، التذكرة 1: 76، نهاية الإحكام 1: 311، و قد ذكرنا أنه تردد فيها بين المثل و القدمين.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، المهذب 1: 70، الجامع للشرائع: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 59

القامة به في النصوص.

و موثّقة زرارة: «إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» «1» بناء على أنّ التأخير لأجل النافلة.

و للأخبار المصرّحة بالنافلة من غير تعيين مقدار لها.

و يردّ الأول: بعدم تفسير النصوص القامة في الصحيحة بذلك، فلا يحمل فيها عليه، لكونه معنى مجازيا، بل لا يصح، لقوله: «فإذا بلغ فيئك ذراعا و ذراعين» مع أنّ في الرضوي: «إنّما سمّي ظلّ القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول اللّه كان قامة إنسان» «2».

و الثاني: بمنع كون التأخير لما ذكر، مع المعارضة بأخبار كثيرة آمرة بأداء الفرضين قبل المثل و المثلين.

و الثالث: بعدم الدلالة، و لعلّ المستدل بذلك نظره إلى الاحتمال الذي ذكرناه.

فروع:

أ: من يقول بأحد التحديدين من القدم أو المثل يقول بكون النافلة بعده قضاء.

و هل يجوز القضاء مقدّما على الفريضة، أو لا؟ صرّح والدي- رحمه اللّه- في التحفة بالثاني، و في الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه «3».

و هو مقتضى أدلّتهم.

ب: قد عرفت أنّ المختار أنّ الأفضل فعل النافلة قبل القدمين أو الأربعة، و

كذا الأفضل تأخيرها بعدهما عن الفريضة، للأخبار المذكورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 22- 62، الاستبصار 1: 248- 891، الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.

(2) فقه الرضا «عليه السلام»: 76.

(3) الحدائق 6: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 60

و هل يكون مع التأخير أداء أو قضاء؟ الظاهر الثاني، إذ مقتضى النصوص المصرّحة بمثل قوله: «منها ثمان ركعات قبل الظهر، و أنها بين يديها» «1» أنّ وقتها المقدّر أولا هو ما قبل الفريضة.

ج: إذا تلبّس بإحدى النافلتين و لو بركعة، ثمَّ خرج الوقت المقدّر لها أو لفضلها- على الخلاف- أتمّها مقدمة على الفريضة، من غير خلاف بينهم مطلقا، كما في كلام بعضهم «2»، أو بين المتأخّرين، كما في كلام آخر «3»، لموثّقة عمّار، المتقدّمة «4».

و أمّا رواية إسماعيل بن عيسى: عن الرجل يصلّي الاولى ثمَّ يتنفل فيدركه وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر أو يؤخّرها حتى يصلّيها في وقت آخر؟ قال: «يصلّي العصر و يقضي نافلته في يوم آخر» «5» فمع ما في معناها إجمالا «6»، و عدم دلالتها على وجوب ذلك، أعم من التلبّس بأقلّ من ركعة، فتخصّ به.

ثمَّ صريح الأكثر، و منهم السرائر و المعتبر: اشتراط التخفيف في المزاحمة «7».

و المراد الاقتصار على أقلّ ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها، و تسبيحة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.

(2) الحدائق 6: 215.

(3) الرياض 1: 109.

(4) في ص 56.

(5) التهذيب 2: 275- 1092، الاستبصار 1: 291- 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 18.

(6) حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إن الظاهر أن معناها إما أنه فهل يبطئ فريضة العصر حتى يقضي نافلته

بعد دخول وقت العصر قبل أداء الفريضة أو يؤخر النافلة؟ أو أنه فإن أتم نافلته يبطئ بفريضة العصر، أ يقضي نافلته بعد الفريضة أو يؤخرها؟ و الجواب بقضاء النافلة في يوم آخر لكراهة التطوع بعد العصر. و يمكن تفسيرها بمعنى آخر أيضا.

(7) السرائر 1: 202، و لم نعثر عليه في المعتبر و لكنه مذكور في الشرائع 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 61

في محلها، بل عن بعض المتأخّرين «1» أنه لو تأدّى التخفيف بالجلوس آثره.

و هو كذلك، لإطلاق النص، و هو رواية أبي بصير، قال: ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أول الوقت و فضله، فقلت: كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال:

«خفّف ما استطعت» «2».

فإنه إن جعلنا المراد بالوقت فيها هو المخصوص بالفريضة حتما أو فضلا، بجعل اللام للعهد، فالدلالة واضحة.

و إن عمّمناه بحيث يشمل الوقت المشترك فنقول: خرج قبل القدمين و الأربع عن وجوب التخفيف بالإجماع و الأخبار القائلة بأنّه إن شئت قصّرت و إن شئت طوّلت، فيبقى الباقي، فالقول بانتفاء النص على التخفيف «3» فاسد.

و الاستناد إلى الموثّقة- و إن كانت مذيّلة باشتراط المزاحمة، بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر، و بعد الأربعة قدم في العصر- غير صحيح. و إلى المسارعة إلى فعل الواجب لإثبات حرمة النافلة بدون التخفيف- كما هو ظاهرهم- غير ناهض و إن قلنا بالمنع من تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا.

و لا يختلف حكم التلبّس بركعة في صلاة الظهر بالنسبة إلى يوم الجمعة و غيره، لعموم النص.

نعم، الظاهر اختصاصه بغير صلاة الجمعة بحكم التبادر و تكثّر الأخبار بضيقها.

و هل حكم غير المتلبّس مع بقاء قدر ركعة حكم المتلبّس؟ الظاهر لا، و كذا المتلبس بأقلّ من الركعة.

و ما في ذيل الموثّقة من قوله: «من نوافل الأولى شيئا» يحمل على الركعة، حملا للمطلق على المقيد.

د: في جواز تقديم نافلة الظهرين على الزوال مطلقا، و عدمه كذلك،

______________________________

(1) لم نعثر على شخصه.

(2) التهذيب 2: 257- 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.

(3) كما في الرياض 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 62

و الأول مع خوف فواتها في وقتها و عدم التمكن من قضائها و الثاني مع عدمه، أقوال.

الأول ممّا استوجهه طائفة من متأخّري المتأخّرين «1»، للمستفيضة المصرّحة بأنّ النافلة أو التطوّع بمنزلة الهدية متى أتي بها قبلت «2»، و روايتي ابن الحكم و الغساني، المتقدّمتين «3».

و صحيحة زرارة: «ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الضحى قط» قال: فقلت: ألم تخبرني أنه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال: «بلى، إنه كان يصلّي يجعلها من الثمان التي بعد الظهر» «4».

و الحمل على النافلة المبتدأة و الاعتداد بها مكان الزوال خلاف الظاهر، و ما يأتي من صحيح ابن جابر من الشهادة له- كما قيل- قاصر، مع أنه لو تمَّ لتمّ في صورة خوف الفوات، و أمّا مطلقا فلا، لأنّ قصد الاعتداد مطلقا ينافي نية الابتداء.

و الثاني للمعظم، للمستفيضة المصرّحة بأنّ الثمان ركعات إذا زالت الشمس «5»، الظاهرة بل الصريحة في أنه أول وقتها، المعتضدة بروايات أخر ناطقة بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الولي كانا لا يصلّيان من النهار شيئا قبل الزوال «6».

و الثالث للشيخ في كتاب حديثه «7»، و للشهيد «8»، و الحدائق «9»، و والدي في

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 92، و السبزواري في الذخيرة: 199.

(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب

37.

(3) في ص 55 و 58.

(4) الفقيه 1: 358- 1567، الوسائل 4: 100 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 31 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(6) انظر: الوسائل 4: 229 أبواب المواقيت ب 36.

(7) الاستبصار 1: 278.

(8) الذكرى: 123.

(9) الحدائق 6: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 63

المعتمد، لرواية محمد: عن الرجل يشتغل عن الزوال، أ يعجّل من أول النهار؟

فقال: «نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار» «1».

و صحيحة ابن جابر: إني أشتغل، قال: «فاصنع كما نصنع، صلّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر- يعني ارتفاع الضحى الأكبر- و اعتدّ بها من الزوال» «2».

أقول: لا شك أنّ أدلّة الثالث خاصة بالنسبة إلى أدلّة الثاني، فيجب تخصيصها بها، و معه تصير أدلّة الثاني أخصّ من أدلّة الأول، فتخصّص بها. بل يمكن تخصيصها بمفهوم أدلّة الثالث أيضا. فالحقّ هو القول الثالث، و لكن في اشتراط خوف فوات القضاء أيضا نظر، و العدم أظهر.

و الظاهر من الأخبار جواز التوزيع بأن يقدّم بعضها و يؤخّر البعض.

الثانية: أول وقت نافلة المغرب بعد صلاة المغرب،

و آخرها آخر وقت الفريضة على الأظهر، وفاقا للحلبي و الشهيد و المدارك «3»، بل أكثر الثالثة «4»، و منهم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

للأصل، و إطلاق النصوص الدالّة على استحبابها بعدها، ففي بعضها:

«أربع ركعات بعد المغرب، لا تدعهن في حضر و لا سفر» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 90 ح 1، التهذيب 2: 268- 1067، الاستبصار 1:

278- 1011، الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.

(2) التهذيب 2: 267- 1062، الاستبصار 1: 277- 1006، الوسائل 4: 232 أبواب المواقيت ب 37 ح 4.

(3) الحلبي في

الكافي في الفقه: 158، الشهيد في الدروس 1: 141، المدارك 3: 74.

(4) كالفيض في المفاتيح 1: 92، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 161، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 199.

(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 2، التهذيب 2: 14- 35، الوسائل 4: 86 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 64

و في آخر: «لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر و لا حضر» «1».

و في ثالث: «و يصلّي بعد المغرب ركعتين» «2» و هكذا.

و كون ورودها لبيان أصل الاستحباب خاصة من غير نظر إلى الوقت، فلا يفيد إطلاقها فيه، ممنوع، كيف؟! و صرّحت فيها باستحباب بعد المغرب.

و احتمال كون قوله: «بعد المغرب» صفة لأربع غير ضائر، لأنّ الوصفية نفسها أيضا مفيدة لحكم الوقت، مع أنّ هذا الاحتمال غير قائم في الثالث.

و تدلّ أيضا رواية سماعة، المتقدّمة في المسألة السابقة «3»، و صحيحة ابن تغلب: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب المزدلفة- إلى أن قال- فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات «4».

و لا يعارضها نحو الصحيحة: عن صلاة المغرب و العشاء بجمع، فقال:

«بأذان و إقامتين، لا تصلّ بينهما شيئا» «5» لعمومها المطلق بالنسبة إلى الصحيحة السابقة من وجهين «6»، مع أنّ النهي فيها غير باق على حقيقته.

و بما ذكر تقيّد إطلاقات النهي عن التطوّع وقت الفريضة، مع أنها معارضة بمعتبرة أخرى دالّة على الجواز «7». و لذا حمل جماعة الأولى على وقت تضيّق الفريضة.

مضافا إلى ما في بعض الأخبار من أنّ المراد منها ليس ظاهرها، كما في صحيحة عمر بن يزيد: عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوّع في

وقت

______________________________

(1) التهذيب 2: 15- 39، الوسائل 4: 89 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 9.

(2) التهذيب 2: 7- 13، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 1.

(3) راجع ص 55.

(4) الكافي 3: 267 الصلاة ب 2 ح 2، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.

(5) التهذيب 3: 234- 615، الوسائل 4: 225 أبواب المواقيت ب 34 ح 1.

(6) أحدهما باعتبار النافلة، و الثاني باعتبار ذهاب الحمرة و عدمه. منه رحمه اللّه تعالى.

(7) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 65

فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة» فقال له: الناس يختلفون في الإقامة، فقال: «المقيم الذي يصلّى معه» «1».

و يؤيّد ذلك بل يبيّنه رواية محمد، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟» قال: «فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت الفريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع» «2».

خلافا للمشهور، فقالوا: وقتها بعد صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المغربية، بل ظاهر المعتبر و المنتهى و شرح القواعد و المدارك: عدم الخلاف فيه «3»، بل ظاهر الأولين الإجماع عليه.

لما مرّ بجوابها من إطلاقات المنع عن التطوّع وقت الفريضة، خرج منها الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المعيّنة، و للمغرب إلى ذهاب الحمرة بالاتّفاق، فيبقى ما عداها.

و لعموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين، و هو أن لا يزاحم الفريضة، و لا حدّ هنا لها إلّا ذهاب الحمرة.

و يظهر جوابها ممّا ذكر هنا و في المسألة السابقة «4».

و

لنقل الإجماع، و هو بمعزل عن الحجية، مع أن في الحدائق و المعتمد:

المناقشة في دلالته على هذا الحكم «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 252- 1136، التهذيب 3: 283- 841، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.

(2) التهذيب 2: 167- 661 و بسند آخر في ص 247- 982، و الاستبصار 1: 252- 906، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.

(3) المعتبر 2: 53، المنتهى 1: 207، جامع المقاصد 2: 20، المدارك 3: 73.

(4) راجع ص 57 و 58.

(5) الحدائق 6: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 66

الثالثة: يمتد وقت ركعتي الوتيرة بامتداد وقت العشاء،

بلا خلاف أجده، بل عليه الاتّفاق في المعتبر و المنتهى «1». و يدلّ عليه الأصل، و عمومات استحبابها بعد العشاء من غير معارض «2».

و يستحب جعلها خاتمة النوافل التي يريد أن يصلّيها في تلك الليلة، كما عن الشيخين «3»، لفتوى هذين الجليلين، و إلّا فلا أعرف عليه دليلا آخر.

و أمّا حسنة زرارة: «و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» «4» فلا تدلّ عليه، و إطلاق الوتر عليهما في بعض الأخبار لا يعيّن إرادته هنا، بل غايته الاحتمال الغير المفيد في الاستدلال.

ثمَّ الظاهر أنّ مرادهما جعلها خاتمة النوافل التي غير صلاة الليل و ما بعدها، لعدم تجاوز وقت العشاء عن النصف، و كونه أول وقت صلاة الليل عندهما، فلا يمكن إثبات استحباب الختام المذكور بالنسبة إلى صلاة الليل على القول بتجاوز وقت العشاء عن النصف، أو جواز تقديم صلاة الليل عليه بفتواهما.

الرابعة: أول وقت صلاة الليل لغير خائف الفوت نصف الليل،
اشارة

و له بعد صلاة العشاء مطلقا. وفاقا للأكثر. بل على الأول (في غير المسافر) «5» الإجماع محققا، و محكيا عن السيد و الخلاف و السرائر و المعتبر و المنتهى «6»، و في أمالي الصدوق: أنه من دين الإمامية «7»، و هو الحجة فيه.

______________________________

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.

(2) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29.

(3) المفيد في المقنعة: 166، الطوسي في النهاية: 60.

(4) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 12، التهذيب 2: 274- 1087، الوسائل 8: 166 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 42 ح 5.

(5) ليس في «ق» و «ه».

(6) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الخلاف 1: 532، السرائر 1: 196 و 202 المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.

(7) أمالي الصدوق: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

67

مضافا إلى مرسلة الفقيه: «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» «1».

و مفهوم موثّقة أبي بصير: «إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك برد، فصلّ صلاتك و أوتر في أول الليل» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي، إلّا أنّ فيها: «و كانت بك علّة» و زاد في آخره:

«في السفر» «3».

المؤيّدتين بغير واحد من الأخبار، المصرّحة بأنّ النبي و الولي صلوات اللّه عليهما ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل» «4».

و بخبر مرازم: متى أصلي صلاة الليل؟ فقال: «صلّها آخر الليل» «5».

و مفهوم رواية الحسين بن علي: كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب «عند الزوال- و هو نصفه- أفضل، فإن فات فأوله و آخره جائز» «6».

و جعل الأخيرين دليلين غير جيّد، لعدم كون الأمر في الأول للوجوب، و كون الظاهر من الفوات في الثاني هو القضاء، فالمراد- و اللّه سبحانه أعلم- أنّ الأفضل في الأداء نصف الليل، و أمّا القضاء فالكل جائز.

و منطوق الموثّق و الصحيح هو حجة الثاني، مضافا إلى مناطيق مستفيضة أخرى معتبرة، مؤيّدة بالإجماع المحكي عن الخلاف «7»، مرخّصة للتقديم في السفر

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.

(2) التهذيب 2: 168- 667، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 12.

(3) الفقيه 1: 289- 1315، التهذيب 3: 227- 578، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43.

(5) التهذيب 2: 335- 1382، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 6.

(6) التهذيب 2: 337- 1392، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13.

(7) الخلاف 1:

537.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 68

مطلقا، كرواية أبي جرير «1»، و موثّقة سماعة «2»، و رواية ابن سعيد على ما في الفقيه «3».

أو فيه مع تخوّف الجنابة، أو البرد، أو العلّة، أو عدم استطاعة الصلاة في آخر الليل، كرواية الحلبي «4»، و رواية ابن سعيد على ما في التهذيب «5».

أو فيه و في البرد، كصحيحة ليث المرادي «6»، و رواية يعقوب بن سالم «7».

أو فيه، و في المرض، بل كل شغل و ضعف، كالمروي في العلل: «قال:

فإن قال: فلم جاز للمسافر و المريض أن يصلّيا صلاة الليل في أول الليل؟ قيل:

لاشتغاله و ضعفه» «8» الحديث.

أو في خوف عدم الاستيقاظ لقصر الليل، كصحيحتي ليث و يعقوب الأحمر «9».

و يظهر لك من تلك الأخبار عدم الاقتصار في تجويز التقديم على خوف الفوت فقط، بل يجوز مع العلّة و المرض و البرد و تخوّف الجنابة، و الاشتغال أيضا،

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 6.

(2) الفقيه 1: 289- 1317، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.

(3) الفقيه 1: 289- 1316، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 4.

(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 10، التهذيب 2: 168- 664، الاستبصار 1:

280- 1017، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 8.

(5) التهذيب 2: 169- 670، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ذ ح 5.

(6) الفقيه 1: 302- 1382، الوسائل 4: 249 أبواب المواقيت ب 44 ح 1.

(7) التهذيب 2: 168- 665، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 10.

(8) علل الشرائع: 267، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 3.

(9) صحيحة ليث: التهذيب

2: 168- 668، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 16، صحيحة يعقوب الأحمر: التهذيب 2: 168- 669، الوسائل 4: 254 أبواب المواقيت ب 44 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 69

فعليه الفتوى و إن اقتصر جمع على الأول خاصة «1».

خلافا في الأول للمعتمد لوالدي طاب ثراه، فجوز التقديم في أول الليل مطلقا، و نفى عنه البعد في الذكرى و الدروس «2».

لرواية سماعة: «لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» «3».

و صحيحة ابن عيسى: يا سيدي، مرويّ عن جدك أنه قال: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أول الليل» فكتب «في أيّ وقت صلّى فهو جائز» «4».

و يجاب عنهما: بأنهما أعم مطلق من المفهوم المتقدّم، بل من المرسلة أيضا، لما عرفت من اختصاصها بغير خائف الفوات، فيجب تخصيصهما بهما، مع أنّ شذوذ عمومهما يمنع عن العمل به لو لا التخصيص أيضا.

و لمن جوّز التقديم للمسافر مطلقا، كبعضهم «5»، لما أشير إليه من المرخّصات له في السفر كذلك.

و يجاب: بوجوب تخصيصها بمفهوم صحيحة الحلبي.

و في الثاني للمحكي عن زرارة «6»، و الحلّي «7»، و الفاضل في طائفة من كتبه «8»، فمنعوا عن التقديم مطلقا.

______________________________

(1) لم نعثر على من اقتصر على خوف الفوت إلّا ما حكي عن المحقق الثاني في حاشيته على الإرشاد، كما في الجواهر 7: 206.

(2) الذكرى: 125، الدروس 1: 141.

(3) التهذيب 2: 337- 1394، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.

(4) التهذيب 2: 337- 1393، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 14.

(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 74.

(6) انظر: الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت

ب 45 ح 7 (رواية محمّد بن مسلم) و في ذيلها: «كان زرارة يقول: كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها، إنما وقتها بعد نصف الليل».

(7) السرائر 1: 203.

(8) كالمختلف: 74، و التذكرة 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 70

لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته.

و لظاهر صحيحة ابن وهب: إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم، فقال: إني أريد القيام بالصلاة من الليل، فيغلبني النوم حتى أصبح، فربما قضيت صلاة الشهر المتتابع و الشهرين، أصبر على [ثقله ]؟ «1» قال:

«قرة عين له» و لم يرخّص له في الصلاة في أول الليل، و قال: «القضاء بالنهار أفضل» «2».

و يضعّف الأول: بمنع التوقيت بالنصف على إطلاقه. و الثاني: بعدم الدلالة، إذ عدم الترخيص أعم من المنع و السكوت، مع أنّ في قوله: «القضاء بالنهار أفضل» دلالة على جواز التقديم.

و لو سلّمت دلالتها فمع ما مرّ معارضة، و لمخالفتها للأصل و الشهرة العظيمة مرجوحة.

و للعماني «3»، و الصدوق «4»، فلم يجوّزا التقديم إلّا للمسافر، لكثرة أخباره.

و جوابه ظاهر.

و للمنتهى و التذكرة، فلم يجوّزاه إلّا مع خوف القضاء أيضا «5»، لما في آخر صحيحة ابن وهب: قلت: فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير و أهله، و تحرص على الصلاة، فيغلبها النوم حتى ربما قضت، و ربما ضعفت عن قضائه، و هي تقوى عليه في أول الليل، فرخص لهنّ في الصلاة أول الليل إذا ضعفن

______________________________

(1) في النسخ الأربع: فعله، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(2) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302- 1381، التهذيب 2: 119- 447، الاستبصار 1: 279- 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1 و

2.

(3) حكاه عنه في المختلف: 74.

(4) الفقيه 1: 302.

(5) المنتهى 1: 212، التذكرة 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 71

و ضيّعن القضاء «1».

و جوابه: ما مرّ من أعمية عدم الترخيص المستفاد من مفهوم كلام الراوي عن المنع.

نعم، لو كانت الرخصة في كلام الإمام مشروطا، لأفاد مفهومه عدم الترخّص الظاهر في المنع عند انتفاء الشرط، بخلاف عدم الترخيص، فتأمّل.

فروع:

أ: لا يجوز التقديم- في صورة جوازه- على الغروب، لتصريح النص و الفتوى بأول الليل.

و يجب كونها بعد صلاة العشاء، لموثّقة سماعة: عن وقت صلاة الليل في السفر، فقال: «من حين يصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» «2».

و اختصاصها بالمسافر- لعدم الفصل- غير ضائر.

و ما روي في قرب الإسناد من المنع قبل ذهاب الثلث «3»، لا تعويل عليه، لضعفه و عدم حجيته.

ب: لا شك في دخول الوتر في الحكم المذكور، و في كثير من الأخبار تنصيص عليه.

و أمّا ركعتا الفجر فقد يقال بدخولهما أيضا، لكونهما من صلاة الليل، و تسمّيان الدساستين، لدسّهما فيها.

و فيه: أن دخولهما فيها في بعض الأحكام لا يقتضي التعميم، مع أنّ ما دلّ على أنهما من صلاة الليل يمكن أن يراد به ما يقابل صلاة النهار، كما تشهد له

______________________________

(1) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302- 1381، التهذيب 2: 119- 447، الاستبصار 1: 279- 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1 و 2.

(2) الفقيه 1: 289- 1317، التهذيب 2: 227- 577، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.

(3) قرب الإسناد: 198- 759، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 72

رواية ابن مهزيار: الركعتان اللتان

قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار؟ «1» الحديث.

ج: صرّح الأكثر بأنه كلّما قرب الفجر كان صلاة الليل أفضل. و هو كذلك.

لا لما ذكروه من الأخبار الدالّة على أنّ أفضل ساعات الوتر الفجر الأول، أو المرغّبة لصلاة الليل في آخر الليل أو في السحر، أو الواردة في فضل الثلث الأخير و استجابة الدعاء فيه «2»، لعدم دلالة شي ء منها:

لاختصاص الأول بالوتر، و عدم الفرق ممنوع، بل قد يستفاد الفرق من المدارك «3» و غيره «4»، و بالفجر الأول. كاختصاص الثاني بآخر الليل، و الثالث بالسحر، و الرابع بالثلث الأخير. و هو غير الكلية المطلوبة من تفاوت أجزاء النصف الباقي «5» و ترتّبها في الفضل، مع أنّ آخر الليل- كما قيل- للنصف الأخير محتمل.

و أيضا لا دلالة لفضل جزء من الليل و استجابة الدعاء فيه على أفضلية كونه ظرفا لصلاة الليل، مع معارضتها مع ما دلّ على فضيلة السدس الرابع و استجابة الدعاء فيه بعد الصلاة، كصحيحة عمر بن يزيد «6»، و رواية السابوري «7».

و لأجلها حكم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد بأفضلية إيقاع الثمان فيه و الوتر في

______________________________

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 35. التهذيب 2: 132- 510، الاستبصار 1:

283- 1028، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 8.

(2) انظر الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.

(3) المدارك 3: 77.

(4) كالدروس 1: 141.

(5) في «ق»: الثاني.

(6) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 19، التهذيب 2: 117- 441، الوسائل 7: 69 أبواب الدعاء ب 26 ح 1.

(7) التهذيب 2: 118- 444، أمالي الطوسي: 148، الوسائل 7: 70 أبواب الدعاء ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 73

قبيل الفجر، و يظهر ضعف الاستناد إليه ممّا ذكر.

بل لما مرّ من فتاوى الأكثر، بل الإجماع المنقول في المعتبر و المنتهى و عن الناصريات «1»، لحمل المقام المسامحة، و عدم منافاة ما مرّ من أفضلية آخر الليل أو السحر لتلك الكلية.

كما لا ينافيها و لا أفضلية آخر الليل موثّقة زرارة: «إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم، فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة، ثمَّ إن شاء جلس فدعا، و إن شاء نام، و إن شاء ذهب حيث شاء» «2» لعموم ما بعد النصف، مع خلوّها عن ذكر الأفضلية.

و لا الصحيحان المصرّحان بتوزيع النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاة الليل على تمام الوقت بالتثليث، فيأتي بالأربع ثمَّ الأربع ثمَّ الثلاث مع توسيط النومتين «3»، لاحتمال كون التوزيع في آخر الليل، لعدم تصريح بالموزّع فيه فيهما، و كون المراد بالكلية أفضلية صلاة الليل مع ما يستحب معها من الآداب و الأدعية كلّما قرب الفجر، و يمكن أن تكون النومتان منها نعم، ما مرّ من رواية الحسين بن علي «4» ينافي الكلية ظاهرا، فإنّ ظاهرها أفضلية إيقاع صلاة الليل عند الانتصاف.

و قد يجمع بينها و بين الكلية بحمل الأول على مريد التفريق و الثاني على مريد الجمع. و هو جمع بلا شاهد.

______________________________

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(2) التهذيب 2: 137- 533، الاستبصار 1: 349- 1320، الوسائل 6: 495 أبواب التعقيب ب 35 ح 2.

(3) صحيحة ابن وهب: التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1، صحيحة الحلبي: الكافي 3: 445 الصلاة ب 89 ح 13، الوسائل 4: 270 أبواب المواقيت ب 53 ح 2.

(4)

راجع ص 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 74

و لو جمع بحمل الكلية و ما دلّ على فضيلة الآخر على أفضلية وقت صلاة الليل من حيث هي، و حمل ما دلّ على فضيلة نصف الليل و ما بمعناه، كمرسلة الفقيه في وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات، و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات» «1» على الأفضلية باعتبار إرادة الاشتغال بمتمماتها، و تعقيباتها، و النومتين، و السواك، و غيرها، كان جمعا حسنا، يشهد له ذيل رواية المروزي: «و من أراد أن يصلّي صلاة الليل في نصف الليل فيطول، فذلك له» «2».

د: قضاء صلاة الليل و الوتر أفضل من أن يقدّم لمن يجوز له التقديم، اتّفاقا فتوى و نصا، و منه- مضافا إلى ما مرّ من صحيحة ابن وهب «3»- صحيحة محمد:

الرجل من أمره القيام بالليل، فتمضي عليه الليلة و الليلتان و الثلاث لا يقوم، فيقضي أحبّ إليك أم يعجّل الوتر أول الليل؟ قال: «لا، بل يقضي و إن كان ثلاثين ليلة» «4» و غير ذلك.

الخامسة: تجوز صلاة الليل بعد الفجر قبل الفريضة،
اشارة

وفاقا للمحكي عن الصدوق و التهذيب و المعتبر «5»، و في المدارك و المنتقى و الذخيرة و المفاتيح «6» و المعتمد، إمّا مطلقا، كبعض من ذكر «7»، أو بشرط عدم اتّخاذ ذلك عادة، كأكثرهم.

______________________________

(1) الفقيه 1: 146- 678، الوسائل 4: 61 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 6.

(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 6، التهذيب 2: 118- 445، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 5.

(3) راجع ص 70.

(4) التهذيب 2: 338- 1295، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.

(5)

الصدوق في المقنع: 41، التهذيب 2: 339، المعتبر 2: 60.

(6) المدارك 3: 84، منتقى الجمان 1: 449، الذخيرة: 200، المفاتيح 1: 93.

(7) و هو المعتبر و المدارك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 75

لإطلاقات فعل النافلة متى شاء.

و صحيحة ابن عيسى، المتقدّمة في المسألة السابقة، في خصوص صلاة الليل «1» و خصوص صحيحتي عمر بن يزيد:

الاولى: عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال: «صلّها بعد الفجر حتى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمد ذلك في كل ليلة» و قال: «أوتر أيضا بعد فراغك منها» «2».

و الثانية: أقوم و قد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أول وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء. فقال: «ابدأ بصلاة الليل و الوتر و لا تجعل ذلك عادة» «3».

و صحيحة سليمان: قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «ربما قمت و قد طلع الفجر و أصلّي بصلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر، ثمَّ أصلّي الفجر» قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال: «نعم، و لا يكون منك عادة» «4».

و رواية إسحاق: أقوم و قد طلع الفجر و لم أصلّ صلاة الليل، فقال: «صلّ صلاة الليل و الوتر و صلّ ركعتي الفجر» «5».

و صحيحتي إسماعيل بن سعد، و ابن سنان:

______________________________

(1) راجع ص 69.

(2) التهذيب 2: 126- 480، الاستبصار 1: 282- 1024، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 1.

(3) التهذيب 2: 126- 477، الاستبصار 1: 281- 1022، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 5.

(4) التهذيب 2: 339- 1403، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 3.

(5) التهذيب 2: 126-

478، الاستبصار 1: 281- 1023، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 76

الاولى، و فيها: سألته عن الوتر بعد فجر الصبح، قال: «نعم، قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح» «1».

و الثانية: «إذا قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالوتر، ثمَّ صلّ الركعتين، ثمَّ صلّ الركعات إذا أصبحت» «2».

و احتمال إرادة الفجر الأول في كثير منها غير ممكن، و في بعض آخر بعيد مخالف للظاهر.

خلافا للمشهور، فقالوا بفوات وقت النافلة الليلية عدا ركعتي الفجر بطلوع الفجر.

للمستفيضة المانعة عن التطوّع وقت الفريضة «3».

و الروايات الدالّة على أنّ وقت ركعتي الفجر- اللتين وقتهما بعد صلاة الليل- قبل الفجر «4».

و صحيحة زرارة الآتية، المانعة من فعل ركعتي الفجر بعده، معلّلا بأنهما من صلاة الليل «5».

و صحيحة سعد بن سعد: عن الرجل يكون في بيته و هو يصلّي و هو يرى أنّ عليه ليلا، ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب، فقال: قد أصبحت، هل يعيد الوتر أم لا؟ أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال: «يعيد إن صلّاها مصبحا» «6».

و الأخبار الدالّة على أنّ آخر الليل آخر وقت صلاة الليل، كمرسلة

______________________________

(1) التهذيب 2: 339- 1401، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 2.

(2) التهذيب 2: 340- 1407، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 9.

(3) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

(4) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.

(5) انظر: ص 86.

(6) التهذيب 2: 339- 1404، الاستبصار 1: 292- 1070، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 77

الفقيه «1»، و رواية سماعة، المتقدّمة «2»، و المستفيضة المتضمّنة لمثل

قوله: «و ثمان ركعات في آخر الليل و السحر» «3».

و صحيحة إسماعيل بن جابر: أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ فقال: «لا» «4» و المنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بالأولوية و الإجماع المركّب.

و رواية المفضّل و فيها: «و إذا أنت قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالفريضة و لا تصلّ غيرها» «5» و مفهوم رواية مؤمن الطاق: «إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة، طلع أم لم يطلع» «6».

و تؤيّده الإضافة إلى الليل المشعرة بوجوب إيقاعها فيه.

و يجاب عن الأولين: بمعارضتهما مع المستفيضة بل المتواترة، المجوّزة للتطوع وقت الفريضة «7»، و فعل ركعتي الفجر بعد الصبح «8»، الراجحة على المانعة.

و منه يظهر جواب الثالث أيضا.

و عن الرابع: بأنّ غايته استحباب الإعادة، و هو لا يثبت بطلان الأول، كما في ركعتي الفجر إذا نام بعدهما قبل الصبح «9».

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.

(2) في ص 69.

(3) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(4) التهذيب 2: 126- 479، الاستبصار 1: 281- 1021، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 6.

(5) التهذيب 2: 339- 1402، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.

(6) التهذيب 2: 125- 475، الاستبصار 1: 282- 1025، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 1.

(7) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(8) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52.

(9) كما في موثقة زرارة: الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 78

و عن البواقي: بأعميتها من أخبار الجواز، لعمومها بالنسبة إلى تضيق وقت

الفريضة و عدمه، و اختصاص الجواز بالأول «1» إجماعا، و بالنسبة إلى جعل ذلك عادة و عدمه، و اختصاص روايات الجواز بالثاني. و ذلك و إن تعارض اختصاص أخبار المنع بمن لم يدرك أربعا و بالأداء، و عموم أدلة الجواز بالنسبة إليهما، و لكن به يحصل العموم من وجه بين الصنفين، و لعدم الترجيح يرجع إلى الأصل، و إطلاقات التطوّع.

و ترجيح المانع بالشهرة و الاستفاضة القريبة من التواتر، مردود: بعدم صلاحية الشهرة في الفتوى للترجيح، سيما مع مطابقة المخالف لفتاوي جمع من الأعيان «2». و الاستفاضة التي هي الشهرة في الرواية حاصلة في الطرفين، بل في طرف الجواز أكثر.

هذا، مع عدم صراحة دلالة أكثر البواقي أيضا، لعدم إفادة رواية سماعة للتوقيت أصلا، و صحيحة ابن جابر للحرمة «3»، و لا نفي الاستحباب، لجواز إرادة المرجوحية الإضافية.

و كذا رواية مؤمن الطاق، لأنّ الأمر بالإتمام في منطوقها ليس للوجوب الذي هو حقيقته قطعا، و مجازه كما يمكن أن يكون الاستحباب الذي لا يجتمع انتفاؤه المدلول عليه بالمفهوم مع مشروعية العبادة، يمكن أن يكون الراجحية الإضافية بالنسبة إلى التأخير، و انتفاؤها للمشروعية غير مناف.

و مع ذلك كله حمل المنع على الاستحباب بقرينة أخبار الجواز ممكن، فترجيح ما اخترناه من الجواز واضح، إلّا أنّه على ما نختاره من جواز التطوّع وقت الفريضة مطلقا و عدم اشتراط نية الأداء و القضاء لا يترتب كثير فائدة على ذلك

______________________________

(1) كذا.

(2) راجع ص 74.

(3) مع أن الأولوية المدعاة في صحيحة ابن جابر و الإجماع المركب فيها محلّان للمنع. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 79

الخلاف.

فروع:

أ: المراد بالفجر الذي هو محل النزاع هو الثاني، عند الأكثر، لصدق الليل على

ما قبله- و إن طلع الأول- لغة و شرعا و عرفا، و لأنه المتبادر. و خالف فيه شاذ «1»، لوجه ضعيف.

ب: هل الأفضل- على القول بالجواز- البدأة بالفريضة بعد الطلوع، أو بصلاة الليل؟ الظاهر الأول، لأخبار فضيلة أول الوقت.

ج: لو تلبّس من صلاة الليل بأربع فطلع الصبح، كان الأفضل إتمامها، بلا خلاف أجده، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «2».

لخبر مؤمن الطاق المتقدّم «3»، المنجبر ضعفه- لو كان- بالعمل، و صدر خبر المفضّل السابق بعضه «4».

و لا ينافيهما ما في رواية يعقوب: أقوم قبل الفجر بقليل، فأصلّي أربع ركعات، ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال: «لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار» «5».

لأن موردهما الذي هو المسألة أن طلع الفجر بعد التلبس بالأربع، فيصير الأمر دائرا بين الإتمام و التلبّس بالفريضة، و موردها إن خشي الطلوع بعده، فيصير دائرا بين إتمام الثمان و الإيتار، لعدم سعة الوقت بزعمه، فأمر عليه السلام بتقديم

______________________________

(1) حكاه عن السيّد المرتضى في المختلف: 71.

(2) المدارك 3: 82.

(3) في ص 77.

(4) صدره هكذا: «أقوم و أشك في الفجر، فقال: صلّ على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر و صلّ الركعتين». و قد تقدم بعضه في ص 75.

(5) التهذيب 2: 125- 476، الاستبصار 1: 282- 1026، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 80

الوتر ليدركه في أحب ساعاته، و نحن أيضا نقول به.

و أمّا قوله: «تقضيها في صدر النهار» فيمكن أن يكون المراد منه: تفعلها أول طلوع الفجر، أو يكون القضاء بالمعنى المصطلح، باعتبار وقوع الثمان بعد الوتر.

ثمَّ إنه قد ذكر جماعة هنا أيضا التخفيف «1».

و لا بأس به، لفتواهم.

و يمكن إثباته برواية أبي بصير، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و قد يؤيّد برواية [إسماعيل بن جابر أو عبد اللّه بن سنان ] «3»: إنّي أقوم آخر الليل و أخاف الصبح، قال: «اقرأ الحمد و اعجل» «4».

و فيه نظر «5».

و الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان أتم الأربع، بأن يفرغ من ركوع الرابعة بل من سجدتيها، لأنه مورد الخبر، فلا يتم في الأقل، إلّا أن يثبت في الأثناء أيضا بالنهي عن إبطال العمل.

د: لو تنبّه في وقت لا يسع الأربع، فهل يجوز له الاكتفاء بما دونها و ترك الباقي؟ أو تنبّه في وقت لا يسع التمام إلى ظهور الحمرة أو تضيّق الفريضة- على الخلاف- فهل يجوز الإتيان بما يسع؟ الظاهر لا، لعدم التوقيف.

و منه يظهر عدم جواز الاقتصار ببعض الركعات عمدا، و كذا في جميع

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 62، الدروس 1: 141، الحدائق 6: 233.

(2) راجع ص 61.

(3) في «ح»: محمّد بن يعقوب، و في النسخ المخطوطة يوجد بياض موضع اسم الراوي، و ما ضبطناه موافق للمصادر.

(4) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 27، التهذيب 2: 124- 473، الاستبصار 1:

280- 1019، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.

(5) لجواز أن يكون الأمر بالتعجيل لوقوع مجموع صلاة الليل في وقتها الأفضل، و لا كذلك بعد خروجه منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 81

النوافل اليومية و غيرها ممّا له عدد خاص، بل الظاهر عدم جواز الاقتصار على أداء البعض و قضاء الباقي، بل يرد الإشكال في قضاء الباقي إذا ظنّ السعة فلم يسع التمام.

ه: المستفاد من الروايات الموافق لفتوى جماعة أنه إذا ضاق الوقت إلّا عن

الوتر و ركعتي الفجر فالأفضل تقديم ذلك على صلاة الليل «1»، ففي صحيحة محمد: عن الرجل يقوم من آخر الليل، و هو يخشى أن فاجأه الصبح، ابتدأ بالوتر أو يصلّي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال: «بل يبدأ بالوتر» و قال: «أنا كنت فاعلا ذلك» «2».

و صحيحة ابن وهب: «أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح، و يوتر، و يصلّي ركعتي الفجر، و يكتب له بصلاة الليل؟» «3».

ثمَّ لو انكشف بقاء الليل بعد فعل الوتر خاصة، فالظاهر من الأخبار تخييره بين الاعتداد بالوتر بما فعل، و يصلّي بعده صلاة الليل، و بين جعل وتره من صلاة الليل و يضيف إليه ما يتمّها، ثمَّ يوتر بعدها. و لو كان الانكشاف بعد ركعتي الفجر يحسبهما من الليلية، و يضيف إليها ست ركعات، و يعيد الفجرية.

السادسة: أول وقت ركعتي الفجر لمن صلّى صلاة الليل و الوتر: الفراغ منها،
اشارة

و لو في أول الليل فيما يجوز تقديمها، على الأشهر الأظهر، بل عن ظاهر الغنية و السرائر: الإجماع عليه «4».

للمستفيضة الدالّة على أنهما من صلاة الليل، و الآمرة بحشوهما فيها «5»،

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 131، و المفاتيح 1: 33، و الحدائق 6: 238.

(2) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 28، التهذيب 2: 125- 474، الاستبصار 1:

281- 1020، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 2: 337- 1391، الوسائل 4: 258 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.

(5) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 82

و إطلاق المعتبرة المرخّصة لفعلهما قبل الفجر و معه و بعده «1»، و المجوّزة لفعلهما بعد انتصاف الليل، كصحيحة زرارة، و فيها: «و

بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر، و منها ركعتا الفجر» «2». و موثّقته المتقدّمة في المسألة الرابعة «3»، و قبل النصف مع العذر، كرواية أبي جرير: «صلّ صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل و الوتر و ركعتي الفجر» «4».

و لمن لم يصلّها: الليل مطلقا و لو في أوله و إن لم يخف الفوت، لظاهر الإطلاقات المرخّصة لفعلها قبل الفجر الثاني بلا معارض. و تخصيصه بما يقرب منه خلاف الأصل، و توقيتهما بما بعد النصف في بعض الأخبار إنما هو مع صلاة الليل و الوتر «5».

خلافا للمحكي عن السيد و المبسوط و المراسم و الشرائع و الإرشاد و القواعد «6»، فذهبوا إلى أنّ أول وقتهما طلوع الفجر الأول، و إن جوّز في الثلاثة الأخيرة فعلهما قبله، و لكن الظاهر منها أنه من باب الرخصة في التقديم دون الوقتية.

لصحيحة [البجلي ] «7»: «صلّهما بعد ما طلع الفجر» «8». و قريبة منها رواية

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52.

(2) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(3) راجع ص 73.

(4) الفقيه 1: 302- 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 6.

(5) كما في صحيحة زرارة المتقدمة.

(6) حكاه عن السيّد في المختلف: 71، المبسوط 1: 76، المراسم: 81، الشرائع 1: 63، الإرشاد 1: 223، القواعد 1: 24.

(7) في النسخ: الحلبي، و الصواب ما في المتن، لأن المضبوط في المصادر: عبد الرحمن بن الحجاج، و هو البجلي كما يظهر من الكتب الرجالية.

(8) التهذيب 2: 134- 523، الاستبصار 1: 284- 1040، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 83

يعقوب «1».

و يضعّفان: بالإجمال من جهة مرجع الضمير، المحتمل كونه صلاة الصبح، بل هي الظاهر، لإطلاق الفجر المتبادر منه الثاني.

و منه يظهر تضعيف آخر لهما، إذ ليس الفجر الثاني أول وقتهما إجماعا، و طرق المجازات كثيرة، مع أن الأمر فيهما ليس للوجوب الذي هو حقيقته قطعا، فمجازه يمكن أن يكون الرخصة، فلا تنافيان المجوّزة لفعلهما قبل الفجر.

و لظاهر الإسكافي، فجعل أولهما أول السدس الأخير «2»، و لعلّه لخبر محمد:

عن أول وقت ركعتي الفجر، فقال: «سدس الليل الباقي» «3».

و لضعفه سندا، و مخالفته لشهرة القدماء، و عمل صاحب الأصل لا يصلح للحجية، فيحمل على الأفضل، كما هو من كلام الإسكافي محتمل.

فروع:

أ: الأفضل تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأول، للخروج عن شبهة الخلاف.

لا لصحيحة البجلي، السابقة، لما سبق.

و لا للأخبار الدالّة على أنّ أفضل أوقات الوتر بعد ذلك «4»، و هما مترتّبان عليه، لأنه لا يدلّ على أنه أفضل أوقاتهما من حيث نفسهما أيضا، مع عدم الجريان فيمن لا يريد صلاة الوتر.

و لا لصحيحة حمّاد: «ربما صلّيتهما و عليّ ليل، فإن قمت و لم يطلع الفجر

______________________________

(1) التهذيب 2: 134- 521، الاستبصار 1: 284- 1038، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 6.

(2) حكاه عنه في المختلف: 71.

(3) التهذيب 2: 133- 515، الاستبصار 1: 283- 1033، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 5.

(4) انظر: الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 84

أعدتهما» «1» و في بعض النسخ: «نمت» مقام «قمت».

و موثّقة زرارة: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّي لأصلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي و أصلّي ركعتين و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع

الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» «2».

لأنّ الإعادة فيهما لعلّهما لتوسيط النوم، بل صرّح بعض المتأخّرين بأنها مخصوصة بمن نام بعدهما «3»، مع أنه لا تصريح فيهما بكون الإعادة بعد الفجر الأول قبل الثاني، كما هو المدّعى.

ب: لا يلزم كون الركعتين منضمّتين مع صلاة الليل، بل يجوز فعلهما بدونها، للأصل، و الإطلاقات.

نعم من يصلّي الجميع يلزم عليه الترتيب، فيؤخّرهما عن الوتر، بلا خلاف أجده، بل ظاهر بعضهم عدم الخلاف فيه «4».

و تدلّ عليه رواية أبي بصير، و فيها: «و من السحر ثمان ركعات، ثمَّ يوتر، و الوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثمَّ ركعتان قبل صلاة الفجر» «5». و بمضمونها موثّقة سليمان «6».

ج: عن الشيخ و جماعة: استحباب إعادة الركعتين بعد الفجر الأول لو

______________________________

(1) التهذيب 2: 135- 527، الاستبصار 1: 285- 1044، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 8.

(2) التهذيب 2: 135- 528، الاستبصار 1: 285- 1045، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.

(3) كما في كشف اللثام 1: 162، و الحدائق 6: 253.

(4) قال في المعتبر 2 ص 55: أما أنهما بعد الوتر فهو مذهب أهل العلم.

(5) التهذيب 2: 6- 11، الاستبصار 1: 219- 777، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2.

(6) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 85

صلّاهما قبله «1». و لم أعثر على مستندهم، و لعلّ فتواهم- مع الخروج عن خلاف الشيخ و السيد- كاف في المستند له.

و أمّا الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتان فغير صالحتين له، لأنّ ظاهرهما الاختصاص بالنوم بعدهما لا مطلقا.

نعم الحكم بذلك أيضا حسن لذلك.

د: يكره

النوم بعد صلاة الليل و قبل الصبح، لرواية سليمان المروزي:

«إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر، و لكن ضجعة بلا نوم، فإنّ صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته» «2».

و لا تنافيه الموثّقة السابقة، المصرّحة بنوم الإمام بعدها «3»، لأنّهم قد يفعلون المكروه لبيان الجواز.

و الظاهر أنّ المراد بصلاة الليل- المكروه بعدها النوم- هو ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة، لما مرّ من استحباب توسيط النوم بين الثمان و الوتر.

السابعة: آخر وقت الركعتين ظهور الحمرة المشرقية، و الإسفار،

على المختار الأشهر، سيما عند من تأخّر، بل ظاهر الغنية و السرائر: الإجماع عليه «4»، لمرسلة إسحاق، المتمّمة دلالتها- لو كان فيها قصور- بالإجماع المركّب: «و صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» «5».

______________________________

(1) الشيخ في الاستبصار 1: 285، و المحقق في المعتبر 2: 56، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 38، و الفيض في المفاتيح 1: 93.

(2) التهذيب 2: 137- 534، الاستبصار 1: 349- 1319، الوسائل 6: 495 أبواب التعقيب ب 35 ح 1.

(3) راجع ص 84.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.

(5) التهذيب 2: 134- 524، الاستبصار 1: 284- 1041، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 86

و تؤيّده صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر، أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: «يؤخّرهما» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي «2»، و الشيخ في كتابي الحديث «3»، فقالا:

طلوع الفجر الثاني. و اختاره في الحدائق «4».

لعدم جواز النافلة وقت الفريضة، و رواية المفضّل، المتقدّمة في المسألة الخامسة «5».

و خصوص صحيحة زرارة: عن ركعتي

الفجر، قبل الفجر أو بعد الفجر؟

فقال: «قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل» «6» الحديث. و سائر ما دلّ على أنهما من صلاة الليل، و أمر بحشوهما فيها.

و حسنته: الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال: «قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» «7».

و يردّ- بعد ردّ الأول بالمنع كما مرّ «8»- بمعارضة تلك الأخبار مع أكثر منها و أشهر، كصحيحة سليمان، المتقدّمة في الخامسة «9».

______________________________

(1) التهذيب 2: 340- 1409، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    87     السابعة: آخر وقت الركعتين ظهور الحمرة المشرقية، و الإسفار، ..... ص : 85

(2) حكاه عنه في الحدائق 6: 240.

(3) التهذيب 2: 6، الاستبصار 1: 284.

(4) الحدائق 6: 240.

(5) راجع ص 77.

(6) التهذيب 2: 133- 513، الاستبصار 1: 283- 1031، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 3.

(7) الكافي 3: 448 الصلاة ب 89 ح 25، التهذيب 2: 132- 509، الاستبصار 1:

282- 1027، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 7.

(8) راجع ص 77.

(9) راجع ص 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 87

و صحيحة إسحاق: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال: «قبيل الفجر، و معه، و بعده» قلت: و متى أدعهما؟ قال: «إذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة» «1».

و رواية ابن أبي العلاء: الرجل يقوم و قد نور بالغداة، قال: «فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة، ثمَّ ليصلّ الغداة» «2».

و صحيحة محمد: «صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر، و معه، و بعده» «3».

و قريبة منها: صحيحة أخرى له «4»، و روايته «5»، و صحيحة ابن أبي يعفور «6»، و مرسلة الفقيه

«7».

و احتمال إرادة الفجر الأول منها- كما قيل «8»- مردود بمنعه، لتبادر الثاني من مطلقه، فهو حقيقته التي يجب الحمل عليها، مع عدم إمكانه في الثلاثة الاولى.

و ردّها بمرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الأولى، لموافقتها لمذهب كثير من العامة، على ما ذكره جماعة من أنّهما لا تصلّيان إلّا بعد طلوع الفجر الثاني «9»،

______________________________

(1) التهذيب 2: 340- 1408، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 5.

(2) التهذيب 2: 135- 525، الاستبصار 1: 285- 1042، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.

(3) التهذيب 2: 133- 518، الاستبصار 1: 284- 1035، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 1.

(4) التهذيب 2: 134- 522، الاستبصار 1: 284- 1039، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 3.

(5) التهذيب 2: 134- 520، الاستبصار 1: 284- 1037، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 4.

(6) التهذيب 2: 134- 519، الاستبصار 1: 284- 1036، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 2.

(7) الفقيه 1: 313- 1422، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 6.

(8) انظر المعتبر 2: 56.

(9) انظر: البحار 80: 73، و الحدائق 6: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 88

و تدلّ عليه رواياتهم «1»، و تصرّح به رواية أبي بصير: متى أصلي ركعتي الفجر؟

قال: فقال لي: «بعد طلوع الفجر» قلت له: إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: «يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين، فأفتاهم بمرّ الحق، و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقية» «2».

ضعيف، لأنّ مذهبهم- كما صرّحوا به- تحتم بعد الفجر، و عدم جواز فعلهما قبله و لا معه، و الأخبار الأوّلة أباحت الجميع، فالكلّ لمذهبهم

مخالف.

و إرادة تقية السائل في فعلهما بعده، بعيد غاية البعد، فيبقى الأصل- الذي هو المرجع- مع الاولى، مع إمكان ترجيحها بالخصوصية، حيث إنها مختصة بما لم تظهر الحمرة أو لم تتضيّق الفريضة، و نفي وقتية البعد في الأخبار الثانية أعم منها.

و لمحتمل الشرائع «3»، و مستقرب الذكرى «4»، و مختار المعتمد، فيمتد وقتهما إلى وقت الفريضة، لعمومات التوسعة في النوافل كما مرّ «5».

و رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله لهما قبل الغداة في قضاء الغداة «6»، فالأداء أولى.

و صحيحة سليمان بن خالد: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال:

«تتركهما حين تترك الغداة» «7».

______________________________

(1) كما ورد عن حفصة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أذن المؤذن و طلع الفجر يصلي الركعتين (انظر: مسند أحمد 6: 284) منه رحمه اللّه تعالى.

(2) التهذيب 2: 135- 526، الاستبصار 1: 285- 1043، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 2.

(3) الشرائع 1: 63.

(4) الذكرى: 126.

(5) انظر الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(6) الذكرى: 134، و عنه في الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(7) التهذيب 2: 133- 514، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 89

و في الذكرى: إنّ بخط الشيخ: تركعهما، بدل تتركهما «1».

و في بعض النسخ: حين تنزل الغداة، من النزول.

و في رواية أخرى: حين تنور «2».

و يضعّف الأول: بعمومه الذي لا يفيد مع ما مرّ من المخصّص. و الثاني:

بمنع الأولوية جدّا. و الثالث: باختلاف النسخ الموجب لاختلاف المعنى، و عدم إفادته للمطلوب على بعض النسخ.

______________________________

(1) الذكرى: 126.

(2) الاستبصار 1: 283- 1032، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 90

الفصل الثاني: في أحكام المواقيت و سائر ما يتعلّق بها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا بدّ في شرعية الصلاة الموقّتة من العلم بدخول وقتها،

فلا يجزئ غيره و لو كان ظنا، لأصالة عدم مشروعيتها، و عدم دخول وقتها، و عدم جواز اتّباع غير العلم، و عدم حصول الشرط، و استصحاب الشغل و الوقت السابق.

و المستفيضة من الأخبار، كرواية علي: في الرجل يسمع الأذان، فيصلّي الفجر، و لا يدري أطلع الفجر أم لا، غير أنه لمكان الأذان يظن أنه طلع، فقال:

«لا يجزئه حتى يعلم أنه طلع» «1».

و رواية ابن مهزيار: قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، إلى أن قال:

فكتب عليه السلام «فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتى تبيّنه» «2».

و مرفوعة ابن عيسى: «فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر» «3».

و المروي في السرائر: «فإذا استيقنت أنها قد زالت فصلّ الفريضة» «4».

و مع ذلك فهو في غير ما يأتي استثناؤه إجماعي، كما صرّح به جماعة «5». و كلام

______________________________

(1) الذكرى: 129، و عنه في الوسائل 4: 280 أبواب المواقيت ب 58 ح 4.

(2) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 1، التهذيب 2: 36- 115، الاستبصار 1: 274- 994، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 4.

(3) التهذيب 2: 27- 75، الوسائل 4: 162 أبواب المواقيت ب 11 ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 30- 22، الوسائل 4: 279 أبواب المواقيت ب 58 ح 1.

(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 52، و الفيض في المفاتيح 1: 95، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 91

[النهاية] [1] و إن أشعر بكفاية الظن مطلقا، إلّا أنّ إرجاعه إلى مذهب الأصحاب ممكن [2].

ثمَّ من المستثنيات في المشهور غير المتمكّن من العلم في الحال و إن أمكنه العلم بالصبر إلى أن تيقّن بالوقت، بل نسب إلى التنقيح

دعوى الإجماع عليه «1»، و في النسبة كلام [3].

و استندوا في استثنائه إلى المعتبرة الآتية، المعتبرة للمظنة الحاصلة من الأذان و صياح الديوك «2»، بحملها على عدم التمكن جمعا.

و المستفيضة المجوّزة للإفطار عن ظن الغروب «3»، لعدم القول بالفرق.

و موثّقة بكير: ربما صلّيت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صلّيت حين زوال النهار، فقال: «لا تعد و لا تعد» «4».

و خبر إسماعيل بن رباح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنك في وقت [و لم يدخل الوقت ] فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» [4] فإنّ قوله: «و أنت

______________________________

[1] في النسخ: نهاية الإحكام، و ما أثبتناه هو الصواب، لأن الكلام المذكور يوجد في النهاية للشيخ، لا في نهاية الإحكام للعلامة، و قد ذكر رحمه اللّه نصّه في الهامش.

[2] قال الشيخ في النهاية: لا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول وقتها، أو يغلب على ظنه ذلك. (النهاية: 62) و الإرجاع بأن يجعل لفظة أو لبيان الأفراد. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] فإنه ادعى الإجماع على الكبرى و هو العمل بالظن مع تعذر العلم، ثمَّ قال: و هو الفرض هنا، مع أنه رد العمل بالظن حينئذ. منه رحمه اللّه تعالى.

[4] الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 11، الفقيه 1: 143- 666، التهذيب 2: 141- 550، الوسائل 4: 206 أبواب المواقيت ب 25 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التنقيح الرائع 1: 171.

(2) انظر: ص 95- 97.

(3) انظر: الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16.

(4) التهذيب 2: 246- 979، الاستبصار 1: 252- 903، مستطرفات السرائر: 137- 5، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 92

ترى» ظاهر في الظن.

و رواية سماعة: عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال: «اجتهد برأيك و تعمد القبلة جهدك» «1».

و صحيحة زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت فأعد الصلاة و مضى صومك» «2». فإنّها ظاهرة في صورة الظن، لأنها التي تتصوّر معها الرؤية بعدها، و مفهومها: أنه إن لم يره بعد ذلك تكون صلاته صحيحة، و معلوم أنّ عدم الرؤية لا يجعل ظنّه علما.

و مفهوم المروي في تفسير النعماني: «إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها اللّه دليلا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلاة، ليتبيّن لهم الوقت و يستيقنوا أنها قد زالت» «3».

هذا كلّه مضافا إلى أنّ مع بقاء التكليف و عدم التمكّن من العلم لا مناص عن العمل بالظن.

و يضعّف الأول: بأنّ تلك المعتبرة مع تسليمها لا تثبت إلّا مواردها من غير تقييد بعدم التمكن من العلم، و أمّا التقييد به ثمَّ التعدّي إلى كلّ ظن فلا، و القول باعتبار موردها مطلقا موجود [1]، بل قيل: لو ثبت اعتباره فيكون من العلم «4»، مع أنّ الجمع بهذا الطريق يتوقّف على الشاهد، و هو مفقود، و غيره ممكن.

______________________________

[1] توجد في «ه» و «ق»: فدعوى الإجماع على عدم اعتباره مع إمكان العلم غير مسموعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46- 147، الاستبصار 1: 295- 1089، الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 261- 1039، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.

(3) رسالة

المحكم و المتشابه للسيّد المرتضى: 15، نقلا عن تفسير النعماني، الوسائل 4: 279 أبواب المواقيت ب 58 ح 2.

(4) كما في كشف اللثام 1: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 93

و الثاني- بعد تسليم دلالتها و خلوّها عن المعارض-: بأنّه لا ملازمة بين جواز الإفطار و جواز الصلاة.

و دعوى عدم القول بالفرق غريبة، كيف؟! مع أنّ صاحب المدارك- الذي نقل المنع عن الإسكافي هنا و اختاره- نفى الخلاف عن الجواز في الإفطار و اختاره، بل بعض الأخبار الذي استندوا إليه في الإفطار صريح في الفرق، و هو صحيحة زرارة المتقدّمة، حيث حكم فيها بإعادة الصلاة و مضيّ الصوم [1].

و الثالث: بعدم دلالة فيه على أنّه صلّى مع ظن، لاحتمال كونه عالما.

و النهي عن العود إلى مثله إمّا لأنّه فعل من لا يصلّي النوافل، و الاستمرار عليه مرجوح، أو لأنّ التعجيل إلى الصلاة في الغيم- و لو مع العلم- ربما يفضي إلى الصلاة قبل الوقت.

و الرابع: بمنع ظهور الرؤية في الظن لو لم ندّع ظهورها في العلم.

و الخامس: باختصاصه بالقبلة و منع شموله للوقت.

و السادس: بلزوم تجوّز في قوله: «غاب القرص» و هو إمّا الجزم به أو الظن، فالاستدلال به لأحدهما عن الاعتبار ساقط، بل الظاهر منه العلم، لأنه الأقرب إلى الغياب الواقعي.

و السابع: بالضعف الخالي عن الجابر كما يظهر وجهه، مع ما فيه من ضعف الدلالة، إذ معنى توسعة التأخير إمّا جوازه أو اتّساع مدته، و على التقديرين لا يفيد المفهوم مطلوبهم، و لذا جعله بعضهم دليلا على لزوم تحصيل العلم.

و الثامن: بأنّه لو سلّمت بدلية الظن عن العلم حين عدم التمكن منه، فإنما هو إذا لم يتمكن منه مطلقا، و أمّا مع التمكن

منه بالصبر فلا، بل ليس حينئذ من باب عدم التمكن من العلم أصلا.

نعم، لو لم يتمكن منه و لو بالصبر، كخوف طلوع الشمس و نحوه، فلا

______________________________

[1] هذا إن أريد بمضيه صحته، كما حمله المستدل عليها. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 94

مناص عن العمل بالظن أو فرد منه، و الظاهر عدم الخلاف في جواز التعويل حينئذ عليه، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب على ذلك، كما صرّح به المحقّق الخوانساري رحمه اللّه «1»، بل هو الظاهر من عدم التمكن من العلم.

و على هذا فيظهر القدح فيما اعتضد به القول بالجواز من الشهرة و الإجماع المنقول، لورودهما على صورة عدم التمكن من العلم المحتمل، بل الظاهر في تعذّره بالكلية.

و لأجل ضعف تلك الأدلّة خالف الإسكافي من القدماء «2»- بل السيد على ما يظهر من الكفاية «3»- في الاستثناء، و اختاره من المتأخّرين صاحب المدارك «4»، و المحقّق الخوانساري في حواشيه على الروضة، و بعض شرّاح المفاتيح [1]، و نفى عنه البعد المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد «5»، فلم يستثنوه إلّا مع اليأس المطلق عن حصول العلم، و احتمله الفاضل في نهاية الإحكام أيضا «6»، و هو الأقرب.

و من المستثنيات، في المعتبر و المعتمد: سماع أذان الضابط الثقة «7»، لقوله عليه السلام: «المؤذّن مؤتمن» «8». و مثله رواية الهاشمي «9».

و قوله: «خصلتان معلّقتان في أعناق المؤذّنين للمسلمين: صلاتهم،

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): الأقوى قول المشهور، و الأحوط ما قاله ابن الجنيد.

______________________________

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 172.

(2) حكاه عنه في المدارك 3: 98.

(3) كفاية الأحكام: 15.

(4) المدارك 3: 99.

(5) مجمع الفائدة 2: 53.

(6) نهاية الإحكام 1: 328.

(7) المعتبر 2: 63.

(8)

مسند أحمد 2: 382، سنن الترمذي 1: 133- 207.

(9) التهذيب 2: 282- 1121، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 95

و صيامهم» «1».

و مرسلة الفقيه: في المؤذّنين «إنهم الامناء» «2».

و الأخرى: «إنّما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيرا للناسي، و منبّها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عنه» «3».

و ثالثة، و فيها: «فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: إنّ ابن مكتوم يؤذّن بليل، فإذا سمعتم بأذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» «4».

و رابعة، و فيها: «المؤذّنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم» «5».

و رواية خالد: أخاف أن أصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس، قال: «إنّما ذلك على المؤذّنين» «6».

و صحيحة المحاربي: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشد شي ء مواظبة على الوقت» «7» و مقتضى تعليلها جواز الاعتماد على أذان كلّ من كان كذلك.

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت، و أذّن المؤذّنون، و قعد فأطال الجلوس حتى شك، فلم يدر هل طلع الفجر أم لا، فظن أنّ المؤذّن لا يؤذّن حتى يطلع الفجر، قال: «أجزأه أذانه» «8».

و في تفسير العياشي: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو مغضب

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 236- 712.

(2) الفقيه 1: 189- 898، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 6.

(3) الفقيه 1: 195- 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 14.

(4) الفقيه 1: 189- 905، الوسائل 5: 389 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 2.

(5) الفقيه 1: 189- 905،

الوسائل 5: 380 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 7.

(6) التهذيب 2: 284- 1137، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 3.

(7) الفقيه 1: 189- 899، التهذيب 2: 284- 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 1.

(8) قرب الإسناد: 182- 674، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 96

و عنده نفر من أصحابنا و هو يقول: «يصلّون قبل أن تزول الشمس» قال: و هم سكوت، فقلت: أصلحك اللّه ما نصلّي حتى يؤذّن مؤذّن مكة، قال: «فلا بأس، أما إنه إذا أذّن فقد زالت الشمس» «1».

خلافا للأكثر، فلم يعتبروه إمّا مطلقا، أو إلّا مع عدم التمكن من العلم، لعمومات اشتراط العلم، و خصوص رواية علي، المتقدّمة «2»، و كون روايات الاعتبار بين غير دالّ و ضعيف.

أقول: لا شك في ضعف كثير من رواياته، و عدم تمامية دلالة بعضها، إلّا أنّ أكثر مراسيل الفقيه و صحيحة المحاربي حجة ظاهرة الدلالة على المراد.

و لوجوب تخصيص العام منها بالعارف الضابط، للإجماع على عدم اعتبار غيره، و للتفرقة بين أذان ابن مكتوم و بلال، و التعليل المذكور في الصحيحة، و لموثّقة عمار: عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف، إلى أن قال: «فإن علم الأذان فأذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته، و لا يقتدى به» «3» و في بعض النسخ: «لا يعتد به» تصير أخص من رواية علي، فيجب تخصيصها به.

فقول المعتبر و المعتمد معتبر و معتمد.

و المراد بالعارف الثقة من يكون عارفا بالوقت موثوقا به عن التقديم و التأخير عمدا.

و لا بدّ من

إمكان علمه بالوقت، كما قيّد به في المدارك «4»، فلو كان السماء بحيث لم يتصوّر حصول العلم لا يعوّل عليه، لفقدان فائدة المعرفة التي رتّب

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 309- 140، الوسائل 5: 380 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 9.

(2) في ص 90.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277- 1101، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) المدارك 3: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 97

التعويل عليها حينئذ، بل يكون مبنى أذانه على الظن و الاجتهاد، فلا يصلح للتعويل و الاعتماد.

ثمَّ بعد ملاحظة اعتبار أذان الثقة العارف يعلم بتنقيح المناط القطعي اعتبار إخبار العدل العارف الواحد، و أولى منه العدلان العارفان، و هما أيضا موضعان من مواضع الاستثناء، و استثناهما بعض من لم يستثن الأذان أو مطلق الظن أيضا و لو مع عدم التمكن من العلم «1».

و ممّا قد يستثنى: صياح الديوك لمعرفة الزوال، عن ظاهر الصدوق و الذكرى «2»، لروايتي أبي عبد اللّه الفراء «3»، و الحسين بن المختار «4».

و لا بأس به مع اشتراط تجاوب الديوك بعضها بعضا، كما في الرواية الاولى، و تحقّق ثلاثة أصوات ولاء، كما في الثانية.

و يشترط أن يكون ذلك حيث تشهد به العاد، كما في شرح القواعد «5»، للإجماع على عدم الاعتبار مع خلاف ذلك.

و ظاهر إطلاق الجواب في الروايتين: عدم اشتراط عدم التمكن من العلم و إن اختص السؤال بيوم الغيم.

الثانية: لو صلّى ظانا دخول الوقت فظهر خلافه،

فإن كان من الظنون الغير المعتبرة فيه، أو قطع بدخول الوقت مع علمه بوجوب مراعاته و بأنه ما هو، فظهور الخلاف إمّا بعد تمام الصلاة أو قبله.

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 74.

(2) الصدوق في الفقيه

1: 144، الذكرى: 128.

(3) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 2، الفقيه 1: 143- 668، التهذيب 2: 255- 1010، مستطرفات السرائر: 109- 63، الوسائل 4: 171 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 5، الفقيه 1: 144- 669، التهذيب 2: 255- 1011، الوسائل 4: 170 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

(5) جامع المقاصد 2: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 98

فعلى الأول: فمقتضى الأصل صحة الصلاة و عدم وجوب القضاء، سواء ظهر وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت أو بعضها، لأنّه متعبّد بعلمه و ظنه، فيكون ما أتى مأمورا به، و هو يقتضي الإجزاء.

و القول بأنه يقتضيه لذلك المأمور به، لا للمأمور به في الوقت، مردود:

بالعلم بكون الأول بدلا عن الثاني، فإنّا نعلم أنه ليس ها هنا أمران، بل أمر واحد، و سبب التكليف و الدالّ عليه هو الأمر الواحد، فليس هنا إلّا سبب واحد، فلا تجري أصالة عدم تداخل الأسباب، و الحاصل هنا واحد و هو الأمر بالصلاة في الوقت، و ذلك الزمان وقت باعتبار علمه [1].

و لأنّ المراد بالوقت المضروب للصلاة: الظاهري، و هو ما علم أنه وقت، أو ظن بالظن المعتبر شرعا، دون النفس الأمري، فيكون إتيانه في وقته.

و تدلّ عليه في صورة وقوع بعضها خارج الوقت رواية ابن رباح، المتقدّمة في المسألة السابقة «1».

لكن خرج ما إذا وقع تمامها قبله بالدليل، و هو ليس- كما قيل «2»- أنه أدّى ما لم يؤمر به. أو موثّقة أبي بصير: «من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» «3». أو صحيحة زرارة: في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس، فأخبر

أنه صلّى بليل، قال: «يعيد صلاته» «4» أو رواية سماعة: «إياك

______________________________

[1] و ذلك بخلاف ما يأتي في الجاهل، فإنه أمر بالصلاة في غير الوقت لأجل خطاب العقل كما يأتي.

و مما ذكر ظهر أن بدلية أحد الأمرين عن الآخر ليس بمحض الإجماع حتى يناقش فيه في بعض المواضع، بل باعتبار عدم التحقق إلّا لأمر واحد. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 91.

(2) انظر: المنتهى 1: 213.

(3) التهذيب 2: 254- 1005، الوسائل 4: 168 أبواب المواقيت ب 13 ح 7.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 4، التهذيب 2: 254- 1008، الوسائل 4: 167 أبواب المواقيت ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 99

أن تصلّي قبل أن تزول» «1».

لما في الأول من منع عدم كونه مأمورا به، فإنه متعبّد بظنه. و في الثاني من منع وقوع الصلاة في غير الوقت، لوقوعها في الوقت الظاهري الذي يجب أن يكون هو المراد من الوقت جدّا. و في الثالث من عدم دلالته على وجوب الإعادة. و في الرابع من أن المراد: قبل أن يعلم الزوال، و إلّا جاء التكليف بما لا يطاق.

بل للإجماع المحقّق و المحكي في المدارك «2»، و في السرائر: بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك «3»، و في شرح القواعد: لا خلاف فيه «4»، و صحيحة زرارة، المتقدّمة في المسألة السابقة «5»، و مفهوم الشرط في رواية ابن رباح [1].

و على الثاني فمقتضى الأصل الفساد، لأنّ ما بقي من صلاته غير مأتي به بعد، فلا مقتضي للإجزاء، و لم يعلم أن أول الوقت وقت لآخر الصلاة أيضا فلم يعلم الأمر به، فلا يكون صحيحا، و بفساده تفسد الأجزاء المتقدمة أيضا.

إلّا أن مقتضى رواية

ابن رباح الإجزاء، و لكن الثابت منها إنما هو في صورة العلم، لأنّه المتيقّن إرادته، مع أنه لو كان يرى بمعنى يظن- كما قيل- يثبت في صورة العلم أيضا بالأولوية، و لا عكس، بل في صورة الظهور في الأثناء حين دخول الوقت دون ما إذا ظهر الخطأ قبله، لعدم ظهور الرواية فيه.

و المتحصّل ممّا ذكر: وجوب الإعادة مع وقوع تمامها قبل الوقت مطلقا، أو

______________________________

[1] هذا على إرادة العلم من قوله «ترى» كما هو الظاهر، و فسّره به في الصحاح، فيدل على الحكم في صورة العلم و يتعدى إلى الظن بالأولوية. و إن كان بمعنى الظن- كما في النهاية الأثيرية- اختصت دلالتها بصورة الظن. و القول باستحالة حمله على العلم- كما في المعتبر و المنتهى- لا وجه له، لأن مرادنا من العلم الجزم، سواء طابق الواقع أم لا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 141- 549، الوسائل 4: 167 أبواب المواقيت ب 13 ح 6.

(2) المدارك 3: 100.

(3) السرائر 1: 200.

(4) جامع المقاصد 2: 28.

(5) راجع ص 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 100

بعضها مع ظهور الخطأ قبل دخول الوقت و إن علم أنه يدرك الوقت في الأثناء، أو بعده مع دخوله في الصلاة بظن الوقت دون علمه، و عدمه مع وقوع بعضها قبله و ظهور الخطأ بعد الصلاة، أو في الأثناء بعد دخول الوقت مع دخوله في الصلاة بالعلم بالوقت [1].

إجماعا في الأول، بل الثاني على الظاهر، و وفاقا للقديمين و السيد في المسائل الرسيات و المختلف و الأردبيلي و المدارك، في الثالث «1»، و للأكثر و منهم: الشيخان و الديلمي و الحلّي و القاضي و الحلبي و المنتهى، في الأخيرين «2».

و خلافا لهؤلاء

في الثالث، فجعلوه كالأخيرين، لرواية ابن رباح بجعل قوله: «ترى» ظاهرا في الظن.

و فيه منع ظاهر.

و لمن تقدّم عليهم في الأخيرين، فجعلوهما كالثالث، لضعف الرواية، و موثّقة أبي بصير، المتقدّمة، و النهي عن الصلاة قبل الوقت الموجب للفساد، و عدم الامتثال، للأمر بإيقاعها في الوقت، و وجوب تحصيل اليقين بالبراءة، و انتفاء الوقت الخاص الذي هو شرط الصحة.

و يضعّف الأول: بانجبار الضعف- لو كان- بالشهرة، مع صحة الرواية عن ابن أبي عمير الذي على تصحيح ما يصح عنه أجمعت العصابة.

______________________________

[1] و لا يضرّ عدم ظهور قول بالفصل بين العلم و الظن، و لا بين ظهور الخطأ في الأثناء و بعد الفراغ، لعدم العلم بالإجماع المركب. مع أن كلام الأكثر مخصوص بالظن، فلا يعلم قول القائلين بوجوب الإعادة في صورة العلم أيضا. إلّا أن في نسبة الخلاف إلى الإسكافي حينئذ إشكالا، لأنه لا يجوّز العمل بالظن مطلقا، فالصلاة مع الظن عنده فاسدة مطلقا. و لذا احتمل بعضهم أن يكون مورد الخلاف أعم من الظن و الجزم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) العماني و الإسكافي، و حكاه عنهما في المختلف: 73، المسائل الرسيات (رسائل الشريف المرتضى 2): 350، المختلف: 73، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 53، المدارك 3: 101.

(2) المفيد في المقنعة: 94، الطوسي في النهاية: 62، الديلمي في المراسم: 63، الحلي في السرائر 1:

201، القاضي في المهذب 1: 72، الحلبي في الكافي: 138، المنتهى 1: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 101

و الثاني: بما مرّ سابقا، مضافا إلى عمومها بالنسبة إلى وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها [1]، و خصوص الرواية.

و بهما يضعّف الثالث أيضا، و البواقي بما ظهر وجهه ممّا ذكرنا، مع أنّ بعد

الدليل على كفاية العلم أو الظن نمنع اشتراط الوقت الخاص، بل يكون الشرط العلم به أو الظن.

الثالثة: لو صلّى قبل الوقت عامدا، أو شاكّا في دخوله،

أو في تعيينه كمن صلّى بعد الفجر الأول جهلا منه بأنه الوقت أو بعد الفجر الثاني، أو جاهلا بوجوب مراعاته، أو ناسيا لها، أو للظهر- مثلا- فأدّى العصر في الوقت المختص به، أو خاطئا في الوقت، كمن صلّى بعد الفجر الأول جازما بأنه الوقت المقرر لصلاة الصبح، أو غافلا، لم يجزئ عن المأمور به، و وجب عليه الإعادة و القضاء مطلقا، سواء وقع جزء منها في الوقت أو لا، و سواء احتمل الخلاف في الرابع أم لم يخطر بباله أصلا.

للأمر بالصلاة بعد الزوال- مثلا- أو بعد العلم أو الظن المعتبر به، و لم يأت بذلك في شي ء من الصور، فيكون مأمورا بها في الوقت، و بالقضاء- لعموماته- في خارجه.

و معذورية بعض أقسام غير الثلاثة الاولى لا تفيد هنا، إذ غاية مقتضاها عدم الإثم، أو مع صحة عبادته، لأنّ العبادة التي أتى بها هي ما أمر به باعتبار جزمه بأنه مأمور به، و هو أمر آخر غير الأمر بالصلاة بعد العلم أو الظن بالزوال مثلا، فإنّ الأول أمر تعلّق به بخطاب العقل الحاكم بأنّ كلّ من قطع بتعلّق حكم به يتعلّق به، و إلّا فلا خطاب شرعيا بالصلاة في الفجر الأول مثلا، و الثاني بخطاب الشرع، و لم تثبت بدلية الأول عن الثاني.

فالخلاف المحكي عن بعض فيما إذا صادف بعض الصلاة الوقت في

______________________________

[1] بل قد يقال بظهور الموثقة في وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت، و فيه نظر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 102

العامد، كما هو ظاهر نهاية الإحكام [1]، و المحكي عن المهذب «1»،

أو في الناسي كما عنهما، و عن الكافي و في البيان «2»، لرفع النسيان، و تنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل، و لما تقدّم من خبر ابن رباح «3»، ضعيف غايته، و معنى رفع النسيان رفع الإثم، و التنزيل المذكور على الإطلاق ممنوع، و الخبر غير شامل للمطلوب.

و لو صادفت صلاة هؤلاء الوقت بتمامها، فإن كان من الثلاثة الأولى، أو المقصّر من الجاهل و الخاطئ، وجب عليه الإعادة و القضاء، لكون صلاته منهيا عنها.

و إن كان من الجاهل أو الخاطئ الغير المقصّر، أو الناسي، أو الغافل، فإن علم بالزوال- مثلا- تصح صلاته و لا يجب عليه الإعادة و القضاء و إن كان جاهلا أو ناسيا أو غافلا لوجوب مراعاته، لأصالة عدم اشتراط العلم بوقتية الزوال.

و إن جهل بالزوال، فالأصح وجوب الإعادة و القضاء، لمثل قوله: «لا يجزئك حتى تعلم أنه طلع» «4» و لأن الأمر بالصلاة في الوقت معناه حال العلم بالوقت و هو لم يمتثل ذلك، فيجب عليه امتثاله، و لا تنافيه معذورية الجاهل.

و هاهنا قسم آخر، و هو من صلّى في وقت مختلف فيه، كبعد الغروب قبل زوال الحمرة، أو سائر ما اختلف فيه في الاختيار و الاضطرار، من غير تقليد لمن يقول بالوقتية، و حكمه الصحة مع العلم بالوقتية من غير خطور خلاف، و البطلان بدونه، كما بيّن وجهه في الأصول.

الرابعة: جواز فعل النوافل المرتبة أداء في أوقاتها مع دخول وقت الفريضة

______________________________

[1] لم نعثر عليه في نهاية الاحكام، بل هو موجود في النهاية للشيخ ص 62.

______________________________

(1) المهذب 1: 72.

(2) الكافي: 38، البيان: 112.

(3) راجع ص 91.

(4) راجع ص 90، رواية علي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 103

ظاهر. و كذا يجوز أن يصلّي الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق

وقت الحاضرة، فتقدّم حينئذ، إجماعا في المقامين على الظاهر المصرّح به في جملة من كلمات الأصحاب.

و هو الحجة، مضافا إلى الأصل، و العمومات السليمة عن المعارض، و خصوص النصوص الآتية في بحث القضاء و الصلوات الآتية.

و كذا يجوز التنفّل بغير أداء الرواتب في وقت الفريضة، على الأظهر، وفاقا لظاهر المهذب للقاضي، و الذكرى و شرح القواعد و الدروس و روض الجنان و المدارك و الذخيرة و شرح الإرشاد للأردبيلي و المفاتيح «1»، و المعتمد. و في الدروس:

إنه الأشهر.

للأصل، و الأخبار المتكثرة، المصرّحة بالجواز عموما أو خصوصا.

فمن الأول: العمومات الناطقة بأنّ التطوّع بمنزلة الهدية متى يأتي بها قبلت، و هي كثيرة جدا «2». و بأنّ الفائتة- الشاملة لقضاء النوافل- تقضى في كلّ وقت أو ساعة أو حين ذكرها، كصحيحتي ابن أبي يعفور و أبي بصير «3»، و روايات زرارة و نعمان و ابن أبي العلاء و ابن عمار «4»، و غيرها. و بأنّ خصوص النوافل يقضى

______________________________

(1) المهذب 1: 71، الذكرى: 114، جامع المقاصد 2: 24، الدروس 1: 142، روض الجنان:

184، المدارك 3: 88، الذخيرة: 202، مجمع الفائدة 2: 42، المفاتيح 1: 97.

(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(3) صحيحة ابن أبي يعفور: التهذيب 2: 174- 692، الاستبصار 1: 290- 1063، الوسائل 4:

243 أبواب المواقيت ب 39 ح 12، صحيحة أبي بصير: الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 1، التهذيب 2: 171- 682، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.

(4) رواية زرارة: الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1، رواية نعمان: التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244

أبواب المواقيت ب 39 ح 16، رواية ابن أبي العلاء: التهذيب 2: 173- 691، الاستبصار 1:

290- 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 13، رواية ابن عمار: الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 104

في كلّ وقت، كصحيحة حسان «1»، و مكاتبة محمد بن يحيى «2»، و رواية سليمان «3».

و بأنّ الفائتة تصلّى في وقت الفريضة أيضا، كحسنة الحلبي «4»، و خبر محمد «5»، بل صحيحتهما.

و من الثاني: خبر أبي بصير: «إن فاتك شي ء من تطوّع النهار و الليل فاقضه عند زوال الشمس، و بعد الظهر عند العصر، و بعد المغرب، و بعد العتمة» «6» و نحوه المروي في قرب الإسناد [1].

و موثّقة إسحاق: قلت: أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: «نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» «7».

و الأخبار المتكثّرة المصرّحة باستحباب بعض الصلوات في بعض أوقات الفرائض، كمرسلة علي بن محمد في عشر ركعات بين العشاءين «8»، و أخرى في

______________________________

[1] قرب الإسناد: 211- 828، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت ب 37 ح 9 (بتفاوت).

______________________________

(1) التهذيب 2: 272- 1084، الاستبصار 1: 290- 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.

(2) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272- 1083، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 3.

(3) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(4) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163- 639، الوسائل 4:

241 أبواب المواقيت ب 39 ح 7.

(5) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.

(6) التهذيب 2: 163- 642، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.

(7) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 4، التهذيب 2: 264- 1052، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 2.

(8) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 4، التهذيب 3: 310- 963، الوسائل 8: 117 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 105

ركعتين بينهما يقرأ في أولاهما بعد الحمد عشرا من أول البقرة و آية السخرة «1»، و رواية الجعفري في ركعتين بين الأذان و الإقامة «2»، و روايات الغفيلة «3»، و في الصلوات الواردة بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة، و صلوات الرغائب «4»، و كثير من نوافل شهر رمضان، و غير ذلك ممّا لا يعدّ كثرة.

خلافا لنهاية الإحكام و السرائر و القواعد و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و عن المقنعة و المبسوط و الجمل و العقود «5»، و الاقتصاد [1]، و الإصباح و الوسيلة و الجامع «6»، إلّا أنّ المذكور في كلام الثلاثة الأول هو: قضاء النوافل خاصة، بل المشهور، كما في شرح القواعد و الروضة «7»، و غيرهما. و ظاهر المعتبر:

نسبته إلى علمائنا «8».

لما مرّ من الأخبار في تحديد نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة «9»، و في عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر «10».

______________________________

[1] لم نعثر فيه على حكم فعل النافلة في وقت الفريضة، انظر ص 256.

______________________________

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 6، التهذيب

3: 188- 428، الوسائل 8: 118 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 16 ح 2.

(2) التهذيب 2: 64- 227، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 2.

(3) انظر: الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20.

(4) انظر: الوسائل 8: 98 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 6.

(5) نهاية الإحكام 1: 325، السرائر 1: 203، القواعد 1: 24، المعتبر 2: 60، الشرائع 1:

63، المختصر النافع: 23، المنتهى 1: 208، التذكرة 1: 82، المقنعة: 212، المبسوط 1:

128، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175.

(6) الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 61.

(7) جامع المقاصد 2: 23، الروضة 1: 362.

(8) المعتبر 2: 60.

(9) راجع ص 56.

(10) راجع ص 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 106

مضافا إلى مستفيضة أخرى، منها: موثقات محمد، و نجية، و أديم: الاولى مرّت في نافلة المغرب «1»، و الثانية: تدركني الصلاة فأبدأ بالنافلة؟ فقال: «لا، ابدأ بالفريضة و اقض النافلة» «2». و الثالثة: «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة» قال: و قال: «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» «3».

و روايتي زياد و الحضرمي:

الأولى: «إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل» «4».

و الثانية: «إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع» «5».

و صحيحتي زرارة المرويتين في الذكرى:

إحداهما: «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة» «6».

و الأخرى: أصلّي نافلة و عليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال: «لا تصلّى نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أ كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه»؟ قال: قلت: لا، قال: «فكذلك الصلاة» قال: فقايسني و ما كان يقايسني «7».

و المروي في السرائر صحيحا: «لا تصلّ من

النافلة شيئا في وقت فريضة،

______________________________

(1) راجع ص 65.

(2) التهذيب 2: 167- 662، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 5.

(3) التهذيب 2: 167- 663، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 6.

(4) التهذيب 2: 247- 984، الاستبصار 1: 253- 907، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 4.

(5) التهذيب 2: 167- 660، الاستبصار 1: 292- 1071، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 7.

(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(7) الذكرى: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 107

فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» «1».

و في الخصال: «لا يصلّي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلّا من عذر، و لكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء» إلى أن قال: «لا تقضى نافلة في وقت الفريضة، ابدأ بالفريضة ثمَّ صلّ ما بدا لك» «2».

و الرضوي: «لا تصلّى النافلة في أوقات الفرائض إلّا ما جاءت من النوافل في أوقات الفرائض [مثل ] ثمان ركعات بعد زوال الشمس» [1] الحديث.

و يجاب عنها- بعد ردّ الأولين بما مرّ في موضعهما «3»، و بأنّ الوقت في الأول غير محل النزاع، لأنّ الوقت الممنوع فيه النافلة هو بعد الذراع و الذراعين لا مطلق وقت الفريضة كما هو المطلوب، مع كون موردهما الراتبة الحاضرة التي هي غير المتنازع فيه، و كذا الموثّقة الثانية لمكان الحكم بالقضاء، بل الرواية الأولى كما هو الظاهر من قوله: «ما قبلها من النوافل» بل رواية الخصال لقوله: «و لكن يقضي».

مع ما في الموثّقة من إمكان إرادة تضيّق الصلاة أو حضور الجماعة من الإدراك، بل هي ليس بأخفى من إرادة دخول الوقت، و ما

في الرواية الاولى من إمكان إرادة الثاني أو حضور الصلاة بشروع المؤذّن في الإقامة كما يستفاد من بعض المعتبرة، و ما في رواية الخصال من أنّ جزأها الأول يدل على الجواز مع العذر، المثبت للجواز مطلقا بالإجماع المركّب، و ردّ الرضوي باشتماله على النفي الغير الصريح في التحريم-:

أولا: بأنه يمكن إرادة الوقت المضيّق من الجميع، لكفاية أدنى الملابسة في

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 111، و فيه «لا تصلّ» بصورة النهي، و ما أثبتناه موافق للنسخة الحجرية من فقه الرضا: 9، مستدرك الوسائل 3: 144 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 73- 7، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.

(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10.

(3) راجع ص 57 و 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 108

الإضافة، بل الاختصاص الظاهر من الإضافة أنسب بها، و يرجّحها إيجابها سلامة الجميع عن تخصيص النافلة بغير الرواتب.

بل تشهد لها موثّقة سماعة: عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حقّ اللّه، ثمَّ ليتطوّع بما شاء، الأمر موسّع أن يصلّي الإنسان في أول وقت دخول الفريضة النوافل إلّا أن يخاف فوت الفريضة» «1» الحديث، بل لا وجه للعدول عن ذلك مع وجود مثل تلك القرينة و الشاهد.

و ثانيا: بأنه يمكن إرادة الأفضلية من الأمر بالبدأة بالفريضة، و المرجوحية من النهي عن النافلة، بل تتعيّن تلك الإرادة- بناء على تعميم الوقت- بشهادة ما مرّ من المستفيضة المجوّزة، و بقرينة قوله

في الموثّقة المذكورة بعد ما مرّ: «و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى آخر الوقت».

و أيّ قرينة أوضح من نفي الحظر عنه عن ذلك مع التصريح بالفضل فيها، و في صحيحة محمد: إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال: «إنّ الفضل أن يبدأ بالفريضة» «2».

و المناقشة: بأنّ الفضل غير الأفضلية و هو يحصل في الواجب أيضا، باردة جدا، فإنّ مع التصريح بالجواز و نفي الحرمة- كما في الموثّقة- يصير صريحا في الاستحباب.

و أيضا: الفضل هو الزيادة في الثواب، و هي لا تكون إلّا مع شي ء من

______________________________

(1) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257- 1165، التهذيب 2: 264- 1051، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.

(2) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 5، الوسائل 4: 230 أبواب المواقيت ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 109

الثواب في غيره أيضا، مع أنّ المتبادر عرفا من إثبات الفضل لشي ء على آخر هو ثبوت الأقلّ للآخر أيضا، و لذا يقال للواجب: الفضل على النافلة، و لا يقال له:

الفضل على الحرام.

و نفي إمكان حمل جميع أخبار المنع على الكراهة، باعتبار اشتمال بعضها على المقايسة، و تنظير النافلة بمن عليه صوم الفريضة، المانعة عن التطوّع اتّفاقا، مدفوع- بعد تسليم الاتّفاق على المنع في النظير- بأنّ القياس على الممنوع ليس بأصرح من المنع، فكما يمكن إرادة الكراهة من صريحه يمكن من المنع المستفاد من القياس أيضا تجوّزا، بل إمكانها حينئذ أظهر، لأنّ مرجعه إلى التشبيه المستدعي لكون المشبّه به

أقوى.

مع أنّ إحدى الروايتين المشتملتين على المقايسة «1» غير واضحة الحجية، لخلوّ كتب الأحاديث عنها [1]، و الأخرى [2] غير صريحة في كون القياس من الإمام، لاحتمال أن يكون قوله: «أن تقايس» مبنيا للفاعل و يكون المعنى: أ تضمر القياس على تطوّعك لو كان عليك من شهر رمضان، و تريد أن تقيس عليه إن أجبت بالجواز؟ مع أنّ أكثر المانعين مجوّزون لفعل نافلة الفجر- التي هي المقيس عليه- في وقت الفريضة [3].

______________________________

[1] و يمكن أيضا أن يراد من بعض نفس شهر رمضان، و يكون المعنى: باقيا عليك منه، ليكون مضيقا و يكون قرينة على إرادة التضيّق في المقيس أيضا، و يكون «تقضيه» بمعنى تفعله. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] و هي صحيحة زرارة و قد تقدم صدرها في ص 86، و إليك متنها بتمامه: «قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر إنهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟! لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

[3] و يظهر مما ذكرنا أن لقوله: «أن تقايس» أربعة احتمالات: الأول: بالبناء للمفعول و المراد حينئذ:

و يصحّ أن أقايس لك. و الثاني: بالبناء للفاعل كما في المتن، و الثالث: كذا أيضا و يكون المراد أ تريد أن تقايس ذلك بنوافل الظهرين؟ و الرابع: أ تريد أن تقايس الخصم و أعلمك القياس؟ منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) و هي صحيحة زرارة المذكورة في الذكرى، المتقدمة في ص 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 110

و القول بأنّ هذين الحملين جمع، و هو فرع المكافأة، و هي في المقام مفقودة، لصحة أكثر أخبار

المنع، و استفاضتها، و اعتضادها بالشهرة، مردود: بأنّ وجه الحمل لا ينحصر في الجمع، بل القرينة عليه- كما مرّ- متحقّقة «1»، مع أنّ فقدان التكافؤ غير مسلّم، كما سيظهر وجهه.

مع أنّ مقتضى صحيحة عمر بن يزيد- المتقدّمة في بحث نافلة المغرب «2»- أنّ المراد بوقت الفريضة الذي منع عن التطوّع فيه غير ما هو مطلوب المانع، فيسقط الاستدلال بأخبار المنع رأسا.

و عدم القول بالحرمة في هذا الوقت غير ثابت، و لو ثبت فغير ضائر، لأنّ مدلول الصحيحة أنّ المراد بالوقت في أخبار المنع وقت الإقامة، و لا إجماع على نفي ذلك، بل لو كان لكان على عدم المنع حينئذ بخصوصه، و لازمه خروج أخبار المنع عن الحجّية و بقاء المنع بلا حجّة، مع أنّ القول بالكراهة في هذا الوقت بخصوصه مشهور، فلو سلّم الإجماع المذكور يصير قرينة على أنّ المنع في أخباره على الكراهة محمول، لا أنّ تلك الصحيحة عن الحجية خارجة.

و أمّا ما ردّ به أخبارنا من أنّ أخبار المنع أخص من القسم الأول من أخبار الجواز، فتخصيصها بها لازم. و القسم الثاني فما دلّ منه على جواز بعض النوافل بخصوصه لا يضر، لأنّه في حكم الاستثناء، و الباقي لقصوره إسنادا عن إثبات الحكم عاجز في مقابلة أخبار المنع، الواضحة الدلالة و الاستناد، المعتضدة بعمل الأصحاب، المخالفة للعامة على ما يستفاد من قوله: «يصنع الناس» في الموثّقة السابقة «3»، بل ربما تومئ إليه المقايسة المذكورة، فإنّ الظاهر أنّ المقصود منها الردّ

______________________________

(1) و هي موثقة سماعة المتقدمة في ص 108.

(2) راجع ص 64.

(3) راجع ص 65، موثقة محمّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 111

على العامة.

فمجاب عنه أولا: بمنع أعمية القسم الأول مطلقا، حيث إنّ

تلك العمومات مخصّصة بغير وقت ضيق الفريضة قطعا، و أخبار المنع- على تسليم الدلالة- شاملة له أيضا، فغايته العموم من وجه الموجب للتساقط، و بقاء الأصل و جملة من العمومات خاليا عن المعارض.

و ثانيا: بعدم الضرر في قصور السند في الأخبار الموجودة في تلك الكتب المعتبرة، مع أنه منها الموثّق، و هو في نفسه حجة، و مع أنّ الخبر الضعيف في مقام الاستحباب في حكم الصحيح و لا يعجز عن إثبات الحكم.

و ثالثا: بمنع ما ذكره من وضوح دلالة الأخبار المخالفة كما عرفت، و لو سلّم فأوضحيتها من دلالة أخبار الجواز ممنوعة.

و رابعا: أنّ وضوح اسناد أخبار المنع في حيّز المنع جدّا، كيف؟! و صحيحتا زرارة لا يعلم سندهما، و إنما يحكم فيهما بالصحة تقليدا لمن وصفه بها، لعدم ظهور السند، و كذا رواية السرائر.

و أمّا صحيحة زرارة، الواردة في ركعتي الفجر «1»، فهي لعدم عمل المجيب بها في موردها في غاية الضعف من الدلالة، و ليس في البواقي خبر صحيح و لا حسن.

و أمّا اعتضاد أخبار المنع بالعمل فغير محقّق، كيف؟! و شهرة المتأخّرين على الجواز قطعا، و أمّا القدماء و من يليهم فلم ينقل القول بالمنع إلّا عن طائفة قليلة منهم، و أقوال البواقي غير معلومة، بل الظاهر من عدم تصريحهم بالمنع القول بالجواز [1]، و قول أكثر المانعين أيضا مختص بقضاء الرواتب، فعدم الشهرة في

______________________________

[1] مع أن المحكي عن الإسكافي و الصدوق في المسألة الآتية الجواز، و قد صرّح في الروض و بعض من تأخر عنه أيضا بأنه لا فرق بين المسألتين، و القائل بالجواز في إحداهما يقول به في الأخرى و كذا المنع. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 109 هامش

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 112

المطلق مقطوع به.

و أمّا الشهرة المدّعاة فمعارضة بادّعاء الشهيد الشهرة على الجواز «1»، و أمّا قول المحقّق فهو غير صريح بل لا ظاهر في دعوى الإجماع في محل النزاع [1].

و خامسا: أنّ كون الجواز مذهبا للعامة غير ثابت، و لم يدّعه من علمائنا أحد، و أمّا قوله: «كما يصنع الناس» فلا يدلّ على أنهم كانوا يتطوّعون بغير الرواتب كما هو المدّعى، فلعلّهم كانوا يتطوّعون بها حينئذ، و لكراهته- كما هي مذهبنا- لم يفعله الإمام، بل يمكن أن يستحب عندهم تطوّع خاص بين الأذان و الإقامة، كما أنّ لنا أيضا تطوّعات مستثناة بالإجماع، و لكراهتها وقت الفريضة كان الإمام لا يفعلها.

و أمّا المقايسة فمع ما عرفت فيه لا دلالة لها دلالة صالحة للتمسّك على كون الجواز مذهب العامة، كما لا يخفى.

الخامسة: تجوز النوافل المبتدأة و قضاء الرواتب لمن عليه قضاء فريضة،

وفاقا للإسكافي «2»، و الصدوق «3»، و كلّ من قال بالجواز في المسألة المتقدّمة.

للأصل، و العمومات السالفة، بل و إطلاق جميع الأخبار المتقدّمة، حيث يشمل ما لو كان عليه فريضة أيضا.

و رواية عمّار: «إذا أردت أن تقضي شيئا من الفرائض مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ، فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثمَّ اقض

______________________________

[1] فإنه قال: و يصلّي الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيق الحاضرة، و النوافل ما لم يدخل وقت الفريضة، و هو مذهب علمائنا. (المعتبر 2: 60) فإن الظاهر أن مرجع الضمير هو المنطوق دون المفهوم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الدروس 1: 142.

(2) حكاه عنه في المختلف: 148.

(3) الفقيه 1: 315، و المقنع: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 113

ما شئت» «1».

و موثّقة أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى

طلعت الشمس، قال:

«يصلّي ركعتين ثمَّ يصلّي الغداة» «2».

و ما روي بطرق عديدة- منها الصحيح- من نومه صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الصبح حتى آذاه حرّ الشمس، ثمَّ استيقظ و ركع ركعتي الفجر، ثمَّ صلّى الصبح بعدهما «3».

و كونه أخص من المدّعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل، كما يظهر من استناد الجماعة في التجويز المطلق إليه.

خلافا لأكثر من منع في المسألة السابقة، للروايات الدالّة على وجوب ترتب الفريضة الحاضرة على الفائتة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة «4»، و إذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق أولى، و أولى منها غير نافلتها.

و صحيحة زرارة الثانية، المروية في الذكرى، المتقدّمة «5».

و صحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال: «يصلّي حين يستيقظ» قلت:

أ يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: «بل يبدأ بالفريضة» «6».

و قوله في صحيحة زرارة: «و لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 257 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 2: 265- 1057، الاستبصار 1: 286- 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 2.

(3) راجع الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 61.

(4) انظر: الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62.

(5) في ص 106.

(6) التهذيب 2: 265- 1056، الاستبصار 1: 286- 1047، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 4.

(7) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 172- 685، الاستبصار 1: 286- 1046، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 114

و يضعّف الأول- بعد الإغماض عن الروايات

المعارضة لها و تسليم وجوب الترتب-: بمنع الأولوية.

و الثاني- مضافا إلى ما تقدّم-: بمنع الدلالة، لأنّ المتبادر من وقت الفريضة التي نفى صلاحية النافلة فيها هو وقت الأداء. و قول السائل و عليّ فريضة أو وقت فريضة، لا يدلّ على إرادة المعنيين عنه في الجواب، و ترك جوابه عن الأول لمصلحة كما ورد في الأخبار ليس بأبعد من حمل الوقت على المعنيين.

و البواقي: بعدم الدلالة على الحرمة، لخلوّها عن النهي الصريح فيها، سيما بملاحظة ما مرّ من المجوّزات.

السادسة: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة بعد دخول الوقت،

فقد مرّ حكمه في بحث الحيض، و هو كأخبار المقام و إن اختص بالحيض و لكن يتم المطلوب بعدم الفصل.

و لو زال في آخر الوقت بقدر الصلاتين و لو بأقلّ الواجب بحسب حاله وجبتا أداء، بالإجماع، و الأخبار، كخبري منصور و الكناني، و موثّقة ابن سنان:

الأول: «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» «1».

و الثاني: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر» «2».

و الثالث: «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر،

______________________________

(1) التهذيب 1: 390- 1202، الاستبصار 1: 142- 487، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض ب 49 ح 6.

(2) التهذيب 1: 390- 1203، الاستبصار 1: 143- 489، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض ب 49 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 115

و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء» «1».

و بقدر أحدهما وجبت الأخير خاصة كذلك، لقطع الشركة بالتفصيل في خبر منصور، المتقدّم.

و لصحيحة معمّر: الحائض تطهر عند العصر تصلّى الاولى؟ قال: «لا، إنما تصلّي الصلاة التي تطهر

عندها» «2».

و بهما تقيد الإطلاقات السابقة.

و بهما أيضا يثبت وجوب التمام لو بقي من وقت الأخيرة قدر ركعة، مضافين إلى الإجماع، و الإطلاقات، و النبويين.

أحدهما: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «3».

و الآخر: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «4».

و رواية ابن نباتة: «من أدرك من الغداة ركعة فقد أدرك الغداة تامة» «5».

و ضعف بعضها سندا و اختصاصه موردا منجبر بالعمل و الإجماع المركّب.

بل يثبت من عموم أول النبويين، بل المتعقّبين له بضميمة الإجماع المركّب، بل عموم الثلاثة الاولى، و صحيحتي الحذّاء و عبيد الآتيتين، ما هو الأظهر الأشهر بل عليه الوفاق عن الخلاف «6»، من وجوب إتمام الأولى أيضا لو

______________________________

(1) التهذيب 1: 390- 1204، الاستبصار 1: 143- 490، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 10.

(2) الكافي 3: 102 الحيض ب 16 ح 2، التهذيب 1: 389- 1198، الاستبصار 1: 141- 484، الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 3.

(3) مسند أحمد 2: 265، صحيح مسلم 1: 423- 161.

(4) مسند أحمد 2: 260، صحيح مسلم 1: 425- 165.

(5) التهذيب 2: 38- 119، الاستبصار 1: 275- 999، الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(6) الخلاف 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 116

أدرك مقدار خمس ركعات مطلقا.

خلافا للمحكي عن طهارة المبسوط و الإصباح و المهذب، فقالوا باستحباب الظهرين و العشاءين «1».

كما يثبت من مفهوم النبويين و رواية ابن نباتة عدم وجوب إتمام الاولى لو أدرك أقلّ من ركعة منها و وجوب إتمام الأخيرة، و لا إتمام الأخيرة لو أدرك أقلّ من ركعة منها، و به يقيّد بعض الإطلاقات، فاحتمال بعضهم العمل به

ضعيف جدّا، كضعف ما عن النهاية من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع الشمس على كل حال «2».

ثمَّ القضاء هنا تابع للأداء، فيجب فيما يجب لو ترك، إجماعا، و لعموم قضاء الفوائت. و لا يجب فيما لا يجب كذلك، للأصل.

و تدلّ عليه في الجملة أيضا صحيحتا الحذّاء و عبيد:

الأولى: «إذا رأت المرأة الطهر و هي في وقت الصلاة ثمَّ أخّرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها» «3».

و الثانية: «أيّما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة ففرّطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة و دخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، و تصلّي الصلاة التي دخل وقتها» «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 45، المهذب 1: 36.

(2) النهاية: 27.

(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 3، التهذيب 1: 391- 1208، الاستبصار 1: 145- 496، الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 4.

(4) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 4، التهذيب 1: 392- 1209، الوسائل 2: 361 أبواب الحيض ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 117

و يستفاد من الأخيرة عدم كفاية مجرد الطهر و بقاء ركعة، بل يلزم بقاء قدر تتمكّن من الغسل و سائر الشرائط المفقودة أيضا، كما عن جماعة «1»، و في الروضة و الدروس و المسالك «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: في المرأة تقوم في وقت الصلاة- يعني للغسل- فلا تقضي طهرها- أي لا تفرغ من غسلها- حتى تفوتها الصلاة و يخرج

الوقت، أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: «إن كانت توانت قضتها، و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي» [1].

السابعة: تكره النوافل المبتدأة- أي غير ذوات السبب
اشارة

- بعد الصبح و العصر، و عند طلوع الشمس و غروبها و قيامها، على الأظهر، وفاقا للاقتصاد و المبسوط و الخلاف «3»، بل عامة من تأخّر، و نسبها في المنتهى و شرح القواعد و المدارك و البحار إلى الأكثر «4»، بل عن الغنية الإجماع عليها «5».

للمستفيضة، منها: صحيحة محمد: «يصلّى على الجنازة في كلّ ساعة، إنها ليست بصلاة ركوع و سجود، و إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها التي فيها الخشوع و الركوع و السجود» «6».

و المروي في العلل: «لا ينبغي لأحد أن يصلّي إذا طلعت الشمس، لأنها

______________________________

[1] التهذيب 1: 391- 1207، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 8. دأب فلان في عمله، أي جدّ و تعب- الصحاح 1: 123.

______________________________

(1) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 336.

(2) الروضة 1: 110، الدروس 1: 101، المسالك 1: 9.

(3) الاقتصاد: 256، المبسوط 1: 76، الخلاف 1: 520.

(4) المنتهى 1: 214، جامع المقاصد 2: 34، المدارك 3: 105، البحار 80: 152.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(6) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 321- 998، الاستبصار 1: 470- 1814، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 118

تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت و صفت فارقها» إلى أن قال: «فإذا انتصف النهار قارنها، فلا ينبغي لأحد أن يصلّي في ذلك الوقت» «1».

و صحيحة ابن سنان: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» «2».

و موثّقة الحلبي: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس» إلى أن

قال:

«و لا صلاة بعد العصر حتى يصلّى المغرب» «3» و قريبة منها رواية ابن عمّار «4».

و صحيحة ابن بلال: كتبت إليه في قضاء النافلة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و بعد العصر إلى أن [تغيب الشمس ] فكتب: «لا يجوز ذلك إلّا للمقتضي، فأمّا غيره فلا» [1].

و المروي في مجالس الصدوق: «نهى عن الصلاة في ثلاث ساعات: عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند استوائها» «5».

و في السرائر: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ يونس كان يفتي الناس عن آبائك عليهم السلام أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و بعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فقال: «كذب- لعنه اللّه- على أبي» «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 175- 696، الاستبصار 1: 291- 1068، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 38 ح 3، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: يغيب الشفق، و ما أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) علل الشرائع: 343- 1، الوسائل 4: 237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9.

(2) التهذيب 3: 13- 44، الاستبصار 1: 412- 1576، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 6.

(3) التهذيب 2: 174- 694، الاستبصار 1: 290- 1065، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.

(4) التهذيب 2: 174- 695، الاستبصار 1: 290- 1066، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 38 ح 2.

(5) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 4: 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.

(6) مستطرفات السرائر: 63- 44، الوسائل 4: 239 أبواب المواقيت ب 38 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 119

و في المجازات النبوية: عن النبي: «إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلّوا حتى تبرز، و إذا غاب حاجب الشمس

فلا تصلّوا حتى تغيب» «1».

ثمَّ إنّ ظاهر غير الأولين و إن كان التحريم إلّا أنه معارض مع غيره الدالّ على الجواز، كرواية ابن فرج: «صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت، و صلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» «2».

و رواية سليمان: عن قضاء الصلاة بعد العصر، قال: «نعم إنما هي من النوافل فاقضها متى شئت» «3» دلّت بعموم التعليل على جواز جميع النوافل.

و المروي في الفقيه مقطوعا [1]، و في الاحتجاج و إكمال الدين عن صاحب الزمان عليه السلام: «أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس، و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع عند قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان، فما أرغم أنف الشيطان شي ء مثل الصلاة، فصلّها و أرغم الشيطان» «4».

و تؤكّده الروايات الكثيرة العامية «5»، المتضمّنة لفعل النبي ركعتين بعد

______________________________

[1] و هذه الرواية و إن لم تكن في الفقيه مسندة إلّا أنه أسندها إلى مشايخه، و هو يدل على استفاضتها، مع أن كونهم مشايخه كاف في اعتبار الرواية، و قد ذكر المشايخ في كتاب إكمال الدين. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) المجازات النبوية: 374- 290، المستدرك 3: 146 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(2) التهذيب 2: 275- 1091، الاستبصار 1: 289- 1059، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(3) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(4) الفقيه 1: 315- 1431، الاحتجاج: 479، إكمال الدين: 520- 49، الوسائل 4: 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 8.

(5) انظر: سنن البيهقي 2: 458، و سنن أبي داود 2: 25- 1279، و سنن النسائي 1: 281، و صحيح

البخاري 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 120

العصر، و في بعضها: إنه صلّى اللّه عليه و آله لم يتركهما سرّا و علانية.

ثمَّ إنّ تلك الروايات- مع موافقتها للشهرة العظيمة، بل للإجماع في التذكرة على أن هذه النواهي إنما هي للكراهة «1»، و المحكي في المختلف على الجواز «2»، بل المحقق على ما قيل من عدم نصوصية عبارات المحرّمين في التحريم «3»، و للعمومات و الإطلاقات- موافقة لقوله سبحانه أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى «4». و مخالفة لطريقة العامة، فإنهم في غاية التشديد في المنع، كما يستفاد من أخبار الأطياب، و به صرّح جملة من الأصحاب «5». و مع ذلك بعضها متأخّرة من جميع الروايات المخالفة و أحدث منها، و كل ذلك من المرجّحات المنصوصة.

هذا، مع أن الأخيرة من روايات المنع ضعيفة، و حجيتها غير ثابتة.

و السابقين عليها و إن كانتا في الأصول المعتبرة و هو عندنا عن اعتبار السند مجز، إلّا أنّهما لمخالفتهما لعمل الصدوق و الحلّي اللذين هما صاحبا الأصلين معزولان عن الحجية.

و السابقة عليهما خارجة عن محل النزاع، لورودها في قضاء النافلة الذي هو من ذوات الأسباب، فيعارض كلّ مجوّزاتها التي هي أكثر عددا و أصح سندا و أوضح دلالة منها. و تفسير المقتضي بالقاضي للنوافل حتى يصير من أخبار موضع النزاع و يتخلّص عن التعارض المذكور لا دليل عليه، و إطلاق المقتضي عليه غير معلوم، و إرادة الداعي المرجّح للفعل أو ذي الحاجة الذي أراد قضاءها ممكنة،

______________________________

(1) التذكرة 1: 80.

(2) المختلف: 76.

(3) الرياض 1: 112.

(4) العلق: 9 و 10.

(5) انظر المختلف: 76، التذكرة 1: 80، المدارك 3: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 121

بل هي للمعنى اللغوي

أوفق، و لمرجع الإشارة في قوله: «ذلك» أنسب، غاية الأمر تساوي المعنيين و معه تنتفي الدلالة.

و الثلاثة السابقة عليها غير دالّة، إذ الظاهر منها نفي الصلاة الموظّفة بهذه الأوقات، ردّا في بعضها على العامة، و لو سلّم فإرادته مع نفي الجواز متساوية، فدلالتها على التحريم غير معلومة [1].

و بذلك يجاب عن ترجيح أخبار المنع على أخبار الجواز بكون الاولى باعتبار تخصيصها بالمبتدأة- كما يأتي- أخص من الثانية، فتقدّم عليها من غير ملاحظة وجوه التراجيح.

و من جميع ذلك يظهر ضعف مخالفة المشهور و القول بالتحريم- لبعض أخبار المنع- في الأول ممتدا منه إلى الزوال، و في الثاني كالناصريات «1»، أو في الثالث إلى الزوال كالانتصار «2»، أو فيه و في الثاني إلى الغروب كما عن العماني «3»، أو في الثلاثة الأخيرة كما عن الإسكافي «4»، و إليه يميل كلام بعض متأخّري المتأخّرين طاب ثراه [2]، أو في الثالث و الرابع كما عن ظاهر المفيد «5».

كما يظهر- من صراحة الأوليين من روايات المنع في المرجوحية، و كذا الثلاثة الأخيرة بضميمة التسامح في أدلة الكراهة، و خلوّها عن المعارض في ذلك، لعدم منافاتها للجواز بل في العبادات للرجحان الذاتي الذي هو معنى

______________________________

[1] بل لو أغمض النظر عن إرادة التوظيف فنفي الجواز الذي هو معنى مجازي لذلك التركيب ليس بأولى من مجاز آخر و هو الكراهة بأحد معانيها. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قال في كشف اللثام 1: 165: لمّا ورد النهي و لا معارض له كان الظاهر الحرمة.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(2) الانتصار: 103.

(3) حكاه عنه في المختلف: 76.

(4) حكاه عنه في المختلف: 76.

(5) المقنعة: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 122

الاستحباب- ضعف مخالفة أخرى للمشهور بنفي الكراهة

رأسا، كما هو ظاهر الصدوق في الخصال «1»، و عن الطبرسي في الاحتجاج «2»، و المفيد في كتابه المسمّى ب «افعل لا تفعل» «3»، و نقل عن طائفة من محقّقي متأخّري المتأخّرين [1]، أو التوقّف فيها و في الإباحة، كما هو ظاهر الفقيه و السرائر «4»، لضعف أدلّة المرجوحية و موافقتها للعامة.

فإنّ الضعف- لو كان- بالتسامح يجبر، و التوافق لهم مع عدم المعارض غير معتبر.

و كما يظهر- من اشتمال جميع الروايات على الأوقات الخمسة- ضعف مخالفة ثالثة هي تخصيص الكراهة بالثالث و الرابع، كالشيخ في النهاية «5»، أو مع الخامس، كما عن الجعفي «6».

ثمَّ مقتضى عموم غير صحيحة ابن بلال من روايات المنع أو إطلاقها و إن كان كراهة الصلاة في الأوقات المذكورة مطلقا، إلّا أنّ الفرائض مستثناة منها أداء و قضاء، بالإجماع المحقّق، و المحكي في صريح المنتهى و السرائر «7»، و ظاهر

______________________________

[1] انظر الذخيرة: 204، و قال في الرياض 1: 112 بعد نقل قول المفيد في افعل لا تفعل: و مال إليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين، و هو غير بعيد، سيما مع إطلاق النصوص بنفل النوافل في الأخيرين، إلى أن قال: و لكن كان الأولى عدم الخروج عما عليه الأصحاب من الكراهة نظرا إلى التسامح في أدلتها كما هو الأشهر الأقوى.

______________________________

(1) الخصال: 71.

(2) الاحتجاج: 479.

(3) حكاه عنه في المدارك 3: 108.

(4) الفقيه 1: 315، السرائر 1: 201.

(5) النهاية: 62.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 127.

(7) المنتهى 1: 215، السرائر 1: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 123

الناصريات و التذكرة «1»، و نفى الأردبيلي- قدس سره- عنه الشك في شرح الإرشاد «2»، و هو الحجة فيه [1].

مضافا في الجميع: إلى صحيحة ابن أبي

خلف: «الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قصب الآس» إلى أن قال: «فعليكم بالوقت الأول» «3». دلّت على رجحان أول وقت جميع الفرائض و لو كان أحد الأوقات المذكورة.

و في قضاء الفرائض: إلى حسنة زرارة: «فإن استيقنت- أي فوت الصلاة- فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «4».

و رواية نعمان الرازي: عن رجل فاته شي ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكره» «5».

و رواية زرارة و غيره: عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا» [2].

و في خصوص صلاة الميت: إلى صحيحة محمد، المتقدّمة «6».

______________________________

[1] و قد يستدل أيضا في بعضها بحسنة ابن عمار: «خمس صلوات لا تترك على كل حال» الحديث، و فيها مناقشة، فإن مطلوبية عدم الترك لا تنافي مطلوبية التأخير. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] التهذيب 2: 266- 1059، الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57 ح 1.

دلّت هذه الأخبار على وجوب القضاء في أي وقت كان أو حين التذكر مطلقا، على المضايقة، و على استحبابه، الموجب لرجحانه على التأخير عنهما، على المواسعة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، التذكرة 1: 80.

(2) مجمع الفائدة 2: 47.

(3) التهذيب 2: 40- 128، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.

(4) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(5) التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.

(6) في ص 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 124

و فيما يفوت الوقت بتأخيره: إلى دليل تعيّنه.

و خصوصية روايات الكراهة باعتبار الوقت عن بعض هذه غير ضائرة، لخصوصيتها أيضا باعتبار الصلاة، فلو رجّح بموافقة الشهرة بل الإجماع، و إلّا فيرجع إلى الأصل.

و به يجاب عن خبر عبد الرحمن: «تكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس و حين تطلع» «1». مع موافقته للعامة «2».

و أمّا صحيحة محمد: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: «وقتهما إذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها» «3» فلا تنافيه، لرجوع الضمير إلى الطواف.

و به يدفع توهّم منافاة صحيحة أخرى له: عمّن يدخل مكة بعد الغداة، قال: «يطوف و يصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها» «4» مع شمولها للطواف المندوب أيضا.

و أمّا خبر أبي بصير فيمن فاتته العشاءان: «إن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» «5» و حسنة زرارة، و فيها في قضاء المغرب و العشاء: «أيّهما ذكرت

______________________________

(1) التهذيب 3: 321- 1000، الاستبصار 1: 470- 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

(2) انظر: صحيح البخاري 1: 109، و سنن ابن ماجه 1: 486.

(3) التهذيب 5: 141- 467، الاستبصار 2: 236- 822، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 7.

(4) التهذيب 5: 141- 468، الاستبصار 2: 237- 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 8.

(5) التهذيب 2: 270- 1077، الاستبصار 1: 288- 1054، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 125

فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» «1». فهما و إن دلّا على رجحان تأخير

قضاء العشاء من حين طلوع الشمس، إلّا أنّ لعدم القول بالفصل بين الصلوات بل الأوقات تعارضهما رواية الرازي، المتقدّمة و غيرها، و الترجيح لمعارضتهما، لمخالفة العامة.

و قد يستدلّ على نفي الكراهة في الفرائض: بوجوه أخر ضعيفة.

و أمّا النوافل ذوات الأسباب: فالمشهور استثناؤها أيضا، بل يستشمّ من الناصريات اتفاق أصحابنا عليه «2».

للجمع بين مطلقات الجواز و مطلقات المنع، و عموم شرعية ذوات الأسباب عند حصولها، و عمومات قضاء الفوائت أو صلاة النهار أو خصوص قضاء النوافل في أيّ وقت شاء أو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها أو بعد العصر، و قضاء صلاة الليل قبل طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر و بعد العصر و أنه من سرّ آل محمد المخزون، و ما دلّ على أن خمس صلوات تصلّى في كلّ حال و منها صلاة الإحرام و الطواف «3»، إلى غير ذلك.

و الكلّ ضعيف.

أمّا الأول: فلأنّه جمع بلا شاهد، مع ما عرفت من عدم التعارض بعد قصر المنع على الكراهة، سيما بالمعنى المراد في المقام من المرجوحية الإضافية.

و هو الوجه في ضعف دلالة البواقي، إذ لا منافاة بين الكراهة بذلك المعنى و بين شي ء منها أصلا، كما هو ظاهر.

و به صرّح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد، و مال إلى ثبوت الكراهة إلّا

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(3) انظر الوسائل 4: أبواب المواقيت ب 39، 45، 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 126

في الصلوات الخمس المشار إليها [1]، و هو جيّد، إلّا أنّ في دلالة الروايات المتضمّنة للخمس على انتفاء الكراهة عنها أيضا نظرا.

نعم، في حسنة

زرارة: «صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها» «1». و هي تدلّ على رجحان أداء الفوائت مطلقا حال التذكّر كذلك على تركها حينئذ، و هو مناف للكراهة، فيتم استثناؤها و إن أمكنت المناقشة فيها أيضا على المراد من الكراهة، و أمّا غيرها فلا وجه له.

و لذا قال بعض الأجلّة: و إن قيل: إنّ ذوات الأسباب إن كانت المبادرة إليها مطلوبة للشارع- كالقضاء و التحية- لم تكره و إلّا كرهت، كان متّجها «2».

انتهى.

و نظره في استثناء التحية إلى قوله عليه السلام: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين» «3» و في دلالته نظر.

و بالجملة: لا دليل تاما على استثناء غير قضاء النوافل، فالتعميم في الكراهة و الاقتصار في الاستثناء على قضاء النوافل- كما في المقنعة «4»، و الهداية [2]،

______________________________

[1] فإن المحقق الأردبيلي بعد أن استدلّ على الكراهة بمفهوم ما دلّ على أن خمس صلوات أو أربع تصلّى في كل وقت، و على عدمها في تلك الخمس أو الأربع بمنطوقه، و بعد أن صرّح بإرادة أقلية الثواب من الكراهة هنا، قال: على أنه لا منافاة بين الكراهة و جواز فعل ذات السبب، بل المطلق، إلّا أن يثبت نفي الكراهة و ليس بظاهر إلّا في الصلوات الخمس أو الأربع. نعم لو ثبتت المنافاة أو كانت الكراهة منتفية عن ذات السبب مطلقا و ثابتة للمطلق كان الجمع المشهور جيدا. و ليس ذلك بظاهر، بل الظاهر إما عدم الكراهة مطلقا لعدم صحة الدليل الخاص و عدم حجية المفهوم، أو الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة. (مجمع الفائدة 2: 49). منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الهداية: 38. اقتصر في الفقيه (ج 1: ص 278) على استثناء الأربع الواردة في حسنة زرارة: القضاء

مطلقا و ثلاثة من الفرائض.

______________________________

(1) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الخصال: 247- 107، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.

(2) كشف اللثام 1: 166.

(3) ورد مؤداه في مكارم الأخلاق: 298، و عنه في البحار 81: 25- 17.

(4) المقنعة: 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 127

و الجمل و العقود و الوسيلة و الجامع «1»، إلّا أن غير الأول زاد صلاتي الإحرام و الطواف من غير تقييد بالفرض، و الأخير صلاة التحية أيضا- أولى، و إن كان في استثناء القضاء أيضا تأمّل، بل الظاهر عدمه، كالشيخ في النهاية «2»، فإنه لم يستثن صلاة نافلة مطلقا، بل هو محتمل كلّ من قال بكراهة ابتداء النوافل في تلك الأوقات كلا أو بعضا من غير استثناء، لجواز إرادة الإحداث من الابتداء، احترازا عمّن دخل عليه تلك الأوقات و هو في الصلاة.

فروع:

أ: النهي في الأوقات الثلاثة الأخيرة [1] متعلّق بالوقت، و أمّا في الأولين [2] فالمصرّح به في كلام الأكثر، بل المدّعى عليه الإجماع، أنهما متعلّقان ببعد الصلاتين، فمن لم يصلّهما لا يكره له التنفّل على القول بجواز النافلة وقت الفريضة. و يطول زمان الكراهة و يقصر بإتيان الصلاتين أول الوقت و آخره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    127     فروع: ..... ص : 127

ن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالمصرّح به في النصوص: بعد الفجر و العصر، اللذين هما حقيقتان في الوقت، بل في بعضها الذي منه الصحيح: بعد طلوع الفجر «3».

و على هذا فلو قلنا بتعلّقهما أيضا بالوقت- كما هو ظاهر المعتبر و النافع و الإرشاد «4»، و غيرها- لم يكن بعيدا. و لا يلزم منه

كراهة الفرضين و لا نافلتهما، لاستثنائهما بالنصوص و الإجماع، مع أنّ كراهة التطوّع في وقت الفريضة ثابتة

______________________________

[1] أي عند طلوع الشمس و غروبها و قيامها.

[2] أي بعد الصبح و بعد العصر.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 69.

(2) النهاية: 62.

(3) راجع ص 118 صحيحة ابن بلال.

(4) المعتبر 2: 60، المختصر النافع: 23، الإرشاد 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 128

قطعا.

ب: المستفاد من الأخبار أنّ منتهى الأولين طلوع الشمس و غروبها، و أمّا الثالث فمبدؤه بعد طلوع الشمس في الانتصار «1»، و عنده في كلام الأكثر «2»، و هو مقتضى الروايات. و لا يبعد إرادة المعنى العرفي حتى يشمل ما قارب الطلوع أيضا.

و يدلّ عليه خبر المجازات إن فسّر الحاجب بالشعاع «3».

و منتهاه الزوال عند السيد «4»، و انتفاء حمرة الشمس و ذهاب شعاعها عند جماعة «5».

و يدلّ عليه بعض الروايات، كخبر أبي بصير و حسنة زرارة المتقدمتين «6»، و رواية عمّار، المتضمّنة للنهي عن سجدتي السهو حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها «7». و أطلق آخرون.

و يستفاد من رواية العلل «8»، و أخرى عامية أصرح منها «9»: أنه ارتفاع الشمس، و هو مؤخّر عن زوال الحمرة. و لا بأس به للتسامح.

و مبدأ الخامس قرب الزوال، لصدق نصف النهار و الاستواء عرفا، و لعدم إمكان إرادة النصف الحقيقي، لعدم امتيازه عن الزوال الذي هو المنتهى إجماعا.

______________________________

(1) الانتصار: 50.

(2) كالمعتبر 2: 60، المنتهى 1: 214، الحدائق 6: 303.

(3) راجع ص 119.

(4) الانتصار: 50.

(5) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 320، صاحب المدارك 3: 105، صاحب الحدائق 6: 303.

(6) في ص 124.

(7) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في

الصلاة ب 32 ح 2.

(8) راجع ص 117.

(9) سنن البيهقي 2: 454، سنن ابن ماجه 1: 397.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 129

و مبدأ الرابع قرب الغروب، لما مرّ، و للعامي: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة إذا تضيّفت الشمس للغروب» «1» أي: مالت، و لآخر المتضمّن للتعليل بدنوّ قرن الشيطان، و فيه: «و إذا دنت للغروب قارنها» «2».

و منتهاه الغروب، المتحقّق بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة المشرقية. و حدّ في بعض الأخبار بصلاة المغرب «3». و لا بأس به، سيما مع كراهة التطوع وقت الفريضة.

ج: هل الكراهة مختصة بالشروع، أو يكره لمن دخل عليه أحد هذه الأوقات و هو في النافلة؟

قيل بالأول «4»، لأنّ قطع النافلة مكروه، و لأنّ المنهي عنه الصلاة لا بعضها، و يؤكّده عدم انصراف المطلقات إلى مثله.

الثامنة: اتّفقوا على جواز قضاء كلّ من النوافل الليلية و النهارية في كلّ من الليل و النهار، للنصوص المستفيضة «5».

و أمّا رواية عمار: عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز له، و لا يثبت له، و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل» «6»، و موثّقته: عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال:

______________________________

(1) سنن البيهقي 2: 454.

(2) الموطأ 1: 219- 44، سنن ابن ماجه 1: 397- 1253، سنن النسائي 1: 275.

(3) كما في موثقة الحلبي و رواية ابن عمار، المتقدمتين في ص 118.

(4) كما في كشف اللثام 1: 164.

(5) انظر: الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.

(6) التهذيب 2: 272- 1081، الاستبصار 1: 289- 1057، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

130

«نعم يقضيها بالليل على الأرض» «1». فمحمولتان بشهادة ما قد ذكر على الأفضلية، و لولاه لخرجتا بالشذوذ عن الحجية، مع إمكان تخصيص الأخيرة بالفريضة.

ثمَّ اختلفوا في الأفضل، فالأكثر- كما في المدارك و شرح القواعد «2»، و غيرهما- على أفضلية التعجيل و لو بقضاء النهارية في الليل و بالعكس، لآيتي المسارعة و الاستباق «3».

و خبر عنبسة: [سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ ]:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً «4»، قال:

«قضاء صلاة الليل بالنهار و صلاة النهار بالليل» «5».

و صحيحة أبي بصير: «إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل» «6».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما فاتك في الليل فاقضه بالنهار» «7».

و رواية إسحاق و فيها أنّ بعد أن رأى الصادق عليه السلام رجلا يقضي صلاة الليل بالنهار: «إنّ اللّه يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي [كيف ] يقضي ما لم أفترضه عليه» «8».

و موثّقة محمد: «إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان إذا فاته شي ء من

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.

(2) المدارك 3: 109، جامع المقاصد 2: 38.

(3) آل عمران: 133، البقرة: 148، و المائدة: 48.

(4) الفرقان: 62.

(5) التهذيب 2: 275- 1093، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(6) التهذيب 2: 163- 641، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 9.

(7) الفقيه 1: 315- 1428، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 4.

(8) الذكرى: 137، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 131

الليل قضاه

بالنهار، و إن فاته من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو الشهر» «1».

و في المرسل: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ، أي يديمون على أداء السنة، فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار، و إن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل» «2».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار لو تمّت دلالتها لدلّت على أفضلية قضاء الليلية بالنهار و بالعكس، لتكون الفضيلة لخصوصية النهار و الليل و إن نافى التعجيل [1].

و ليس ذلك بمطلوبهم البتة، كما صرّح به غير واحد منهم، و يدل عليه استدلالهم بالآيتين. و تخصيص النهار و الليل فيها بالمتصل بليلة الفوت و نهاره، و بما إذا لم يعجّل قضاء الليلية في هذه الليلة و النهارية في هذا النهار تقييد بلا دليل. و جعل الإجماع على عدم رجحان النهار الذي بعده على الليل السابق عليه و كذا على نهار الفوات دليله، ليس بأولى من حمل تلك الأخبار على بيان الجواز، مع أنّ الاولى لا تدلّ على الأزيد منه، و كذا الرابعة و ما بعدها. و أمّا المباهاة المذكورة فيها فيمكن أن يكون لمجرد القضاء دون خصوص كونه بالنهار و إن خصه بالذكر لكون الواقعة من ذلك القبيل، و يؤيّده بل يعينه ذيله من أن المباهاة على قضاء ما لم يفترض، من غير تقييد.

و أيضا تؤيّده صحيحة اخرى: «إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة، فيعجب الرب و ملائكته عنه و يقول: ملائكتي، يقضي ما لم أفترضه عليه» «3».

كما يمكن أن يكون عمل السجّاد عليه السلام لعلّة اخرى غير الأفضلية، كأن تكون لليلته وظائف و لأجلها لا تسع الليلة لقضاء.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ الثابت منها- لو دلّت- ليس إلّا الفضل، و هو غير

______________________________

[1] كما إذا أمكن قضاء نافلة المغرب

في ليلتها، أو الظهرين في يومهما، أو انقضى النهار الأول و دار الأمر بين القضاء في الليل الحاضر أو النهار الآتي. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 164- 644، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 8.

(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10. (بتفاوت فيهما).

(3) الكافي 3: 488 الصلاة ب 105 ح 8، الفقيه 1: 315- 1432، التهذيب 2: 164- 646، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 132

مناف لأفضلية غيره لو ثبت بدليل، كما في ذلك المقام، حيث دلّت الروايات على أفضلية مراعاة المماثلة و قضاء الليلية في الليل و النهارية في النهار، كرواية الجعفي:

«أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل و صلاة النهار بالنهار» «1».

و صحيحة ابن عمّار: «اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار، و ما فاتك من صلاة الليل بالليل» «2».

و صحيحة العجلي: «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل، و لا بأس أن تقضيها بالنهار و قبل أن تزول الشمس» «3».

و موثّقة زرارة: عن قضاء صلاة الليل، فقال: «اقضها في وقتها الذي صلّيت فيه» «4».

و خبر إسماعيل: عن الرجل يصلّي الاولى، ثمَّ يتنفّل، فيدركه وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته، فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر، أو يؤخّر حتى يصلّيها في وقت آخر؟ قال: «يصلّي العصر و يقضي نافلته في يوم آخر» «5».

و تخصيص الأوليين بليلة الفوات و نهاره و إن كان محتملا، بعد تعارضهما مع الآيتين و ما دلّ على أن اللّه عزّ شأنه يحب من الخير ما يعجّل، و لكن ذلك في البواقي غير ممكن، فبها تخصّص الآيتان

و ما يؤدّي مؤدّاهما، و تظهر قوة القول

______________________________

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 5، التهذيب 2: 163- 643، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 7.

(2) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 3، التهذيب 2: 162- 637، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 6.

(3) الفقيه 1: 316- 1433، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 3.

(4) التهذيب 2: 164- 645، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 11.

(5) التهذيب 2: 275- 1092، الاستبصار 1: 291- 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 133

بأفضلية اعتبار المماثلة، كما عن الإسكافي و أركان المفيد «1»، و اختاره صاحب المدارك «2».

و ذهب والدي- رحمه اللّه- في المعتمد إلى تساوي التعجيل و المماثلة، قال- بعد الإشارة إلى روايات الطرفين-: و الأولى عندي الحمل على التخيير- كما هو صريح الخبر- و القول بترجيح كلّ منهما على الآخر بوجه، فإنّ العقل لا ينقص من اشتراك فعلين في أصل الفضيلة مع اختصاص كلّ منهما بنوع خاص منها، بأن تكون مزية كلّ منهما بوجه بحيث تتكافأ المزيتان في نظر العقل و لم يرجّح إحداهما على الأخرى، و حينئذ يتعيّن التخيير، و الحكم هنا كذلك، فإنّ قضاء الفائت في أحدهما في الآخر له مزية التعجيل و المبادرة إلى فعل الخير، و في مثله مزية مراعاة المماثلة في الوقت. انتهى.

و جوابه يظهر مما مرّ، و قوله- رحمه اللّه-: صريح الخبر، إشارة إلى رواية ابن أبي العلاء: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار، كلّ ذلك سواء» «3».

و دلالتها على التخيير في المقام محل نظر، لجواز إرادة

تسوية الساعات في الجواز ردّا على القائلين بالحرمة في بعضها من العامة.

ثمَّ الظاهر اختصاص ما مرّ من أفضلية المماثلة و فضيلة التعجيل بغير حالة السفر.

و الأفضل فيها القضاء في الليل مطلقا، لرواية عمّار و موثّقته، المتقدّمتين في صدر المسألة «4».

______________________________

(1) حكاه عنهما في الذكرى: 137.

(2) المدارك 3: 111.

(3) التهذيب 2: 173- 691، الاستبصار 1: 290- 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 13.

(4) راجع ص 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 134

التاسعة: الأفضل في كلّ صلاة تقديمه في أول وقته.

لا للخروج عن شبهة الخلاف في الفرائض، لأنّه قد يقتضي التأخير [1]. بل للإجماع، و أدلّة استحباب المسارعة و التعجيل و الاستباق إلى الطاعات، و النصوص المستفيضة، بل تستفاد من كثير منها أفضلية الأول فالأول، كصحيحة زرارة: «أول الوقت أبدا أفضل، فعجّل الخير ما استطعت» «1».

و العلّة المنصوصة في صحيحة سعد: «إذا دخل عليك الوقت فصلّها، فإنك لا تدري ما يكون» «2» و في أخرى: «فإنك لا تأمن الموت» [2].

إلّا أنهم استثنوا من الكلية، و فضّلوا التأخير في مواضع قد مرّ الكلام في بعضها، و يأتي في بعض آخر في مواضعه.

و ممّا استثنوه: فاقد شرط يتوقّع زوال عذره، لصحيحة عمر بن يزيد: أكون في جانب المصر فيحضر المغرب و أنا أريد المنزل، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي و أدركني المساء، أ فأصلّي في بعض المساجد؟ فقال: «صلّ في منزلك» «3».

و أخرى: أكون مع هؤلاء و انصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت معهم لم أستمكن من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة، فقال: «ائت منزلك و انزع ثيابك، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ، فإنك في وقت إلى

ربع الليل» «4».

______________________________

[1] كما في المغرب عند القائل بأن أول وقته الغروب، و العشاء. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] لم نعثر على صحيحة بتلك العبارة، نعم ورد في فقه الرضا عليه السلام: 71: «ما يأمن أحدكم الحدثان في ترك الصلاة و قد دخل وقتها و هو فارغ» و الحدثان بالتحريك: الموت.

______________________________

(1) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 8. التهذيب 2: 41- 130، مستطرفات السرائر: 72- 6، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 2: 272- 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 2: 31- 92، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب 19 ح 14.

(4) التهذيب 2: 30- 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 135

و المروي في قرب الإسناد في من غرقت ثيابه: «لا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت، ينبغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا» «1».

و أوجبه السيد و الإسكافي «2»، و الديلمي [1]، لوجوب تحصيل الشروط مهما أمكن.

و التحقيق: أنه يجب الرجوع في كلّ شرط إلى أدلّة اشتراطه و أدلّة معذورية الفاقد له، و ينظر في كيفية تعارضهما في حق مثل ذلك الشخص. فإن لم تثبت المعذورية فيحكم بالوجوب، كما في فاقد ماء يظن حصوله في الوقت، و إلّا فلا.

و أمّا الاستحباب فلا دليل عليه إلّا رواية قرب الإسناد، و هو خاص بموضع لا دليل على التعدّي عنه و الخروج عن الخلاف، المعارض بأدلّة المسارعة.

إلّا أن يستند فيها إلى فتوى العلماء بالاستحباب، التي هي خاصة بالنسبة إلى دليل المسارعة، و لا بأس به.

و منها: المدافع لأحد الأخبثين إلى أن يقضي حاجته، لصحيحة هشام: «لا

صلاة لحاقب و لا حاقن، و هو بمنزلة من هو في ثيابه» [2].

و ظاهرها و إن كان وجوب التأخير إلّا أنهم حمولها على الاستحباب، للإجماع، و صحيحة البجلي، المتضمّنة لجواز الصبر عليه مع عدم خوف الإعجال «3».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المراسم، و حكاه عنه في الذكرى: 130.

[2] التهذيب 2: 333- 1372، المحاسن: 83- 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2، في المصادر: الحاقن و الحاقنة، و ما في المتن موافق لنسخة الوافي. و قال ابن الأثير في النهاية ج 1 ص 416: الحاقن هو الذي حبس بوله كالحاقب للغائط.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 142- 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 130.

(3) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 136

و لا يخفى أنه يتعارض دليل التأخير مع أدلّة أفضلية أول الوقت بالعموم من وجه، و لازمه الرجوع إلى الأصل.

فإن أرادوا استثناء أفضلية أول الوقت فيتم الاستدلال، و إن أرادوا أفضلية التأخير فلا دليل له إلّا إذا أوجب التدافع فوات الحضور، فيرجع إلى الصورة المتعقبة لذلك.

و منها: ما إذا كان التأخير موجبا لإدراك صفة كمال، كاستيفاء الأفعال، و مزيد الإقبال، و اجتماع البال، و السعي إلى مكان شريف، و نحو ذلك، لروايتي عمر بن يزيد، المتقدمتين.

و لا يخفى أنهما مختصتان بإدراك الأذان و الإقامة و الأمكنية التي هي اجتماع البال، و التعدّي إلى غيرهما لا دليل عليه، و عدم الفصل غير ثابت.

فالتحقيق فيه: أنّ ما لا دليل فيه بخصوصه على

ترجيحه على أول الوقت من المكملات يعارض دليله مع أدلّة أول الوقت، فإن علم مزية إحدى الفضيلتين على الأخرى بالأخبار أو غيرها فالحكم له، و إلّا فالتساوي، إلّا أن يستند في ترجيح التأخير إلى الشهرة، و ليس ببعيد.

و منها: التأخير لإدراك فضيلة الجماعة، لرواية جميل، المصرّحة بأفضلية التأخير له «1».

و منها: تأخير المتنفّل كلا من الظهرين إلى أن يأتي بنافلتهما، للإجماع، و الأمر في المستفيضة بتقديم النافلتين عليهما «2».

أمّا غير المتنفّل لعذر- كالسفر أو الجمعة- أو بدونه، فالأفضل له الإتيان بالصلاة أول الوقت دون التأخير بقدر النافلة، على الأظهر الأشهر، بل يظهر من

______________________________

(1) الفقيه 1: 250- 1121، الوسائل 8: 308 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 137

المنتهى اتّفاق أصحابنا عليه «1»، لأدلّة فضيلة أول الوقت.

و منها: تأخير الظهر إلى القدمين، و العصر إلى أربعة أقدام أو قامة، ذكره جماعة «2»، للروايات الدالّة على أنهما وقتهما، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّيهما كذلك، و أنّ جبرئيل أتى بالعصر في الوقت المذكور «3».

و صحيحة عبيد: عن أفضل وقت الظهر، قال: «ذراع بعد الزوال» «4».

و مكاتبة عبد اللّه، و فيها: و قد أحببت- جعلت فداك- أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب: «القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعا» «5».

و لا يخفى أن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله غير ثابت، و لو ثبت فلعلّه للنافلة و التعقيب، و كذا إتيان جبرئيل.

و أمّا الأخبار فإنها معارضة مع أخبار أخر، كرواية يزيد بن خليفة: «فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك» «6».

و رواية أبي بصير: ذكر أبو عبد اللّه

عليه السلام أول الوقت و فضله، فقلت:

كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال: «خففت ما استطعت» «7».

و رواية محمد بن الفرج، و فيها: «و أحبّ أن يكون فراغك من الفريضة

______________________________

(1) المنتهى 1: 211.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 2: 26، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 50، و السبزواري في كفاية الأحكام: 15.

(3) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(4) التهذيب 2: 249- 988، الاستبصار 1: 254- 911، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8 ح 25.

(5) التهذيب 2: 249- 989، الاستبصار 1: 254- 912، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8 ح 30.

(6) الكافي 3: 275 الصلاة ب 5 ح 1، التهذيب 2: 20- 56، الوسائل 4: 133 أبواب المواقيت ب 5 ح 6.

(7) التهذيب 2: 257- 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 138

و الشمس على قدمين، ثمَّ صلّ سبحتك، و أحبّ أن يكون فراغك من العصر و الشمس على أربعة أقدام» «1».

و موثّقة ذريح: «إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك معه إلّا سبحتك تطيلها أو تقصرها» [فقال بعض القوم: إنا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام ] فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «النصف من ذلك أحب إليّ» [1].

و موثّقة الجمّال: العصر متى أصلّيها إذا كنت في غير سفر؟ قال: «على قدر ثلثي قدم بعد الظهر» «2». و قريبة منها صحيحته «3».

و بعد التعارض تبقى روايات أول الوقت و فضيلته عن المعارض خالية، مع أنه قد وقع التصريح في رواية محمد بن أحمد- المتقدّمة في وقت الظهرين «4»- بعدم اعتبار القدم و القدمين و الأربع و نحوها، مضافا إلى ما

يستفاد من المستفيضة أن جعل القدم و نحوه وقتا للظهر لأجل النافلة.

و المراد من التحديد بهذه الأخبار أن هذا القدر وقت أفضلية التنفّل، و بعده يكون الأفضل الاشتغال بالفريضة، ففي موثّقة زرارة: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان»؟ قلت: لم؟ قال: «لمكان الفريضة [2]، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة» «5» و نحوها

______________________________

[1] التهذيب 2: 246- 978، الاستبصار 1: 249- 897، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 12 و أورد ذيله في ص 146 ب 8 ح 22، و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] في الفقيه و التهذيب و الوسائل: النافلة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 250- 991، الاستبصار 1: 255- 914، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8 ح 31.

(2) التهذيب 2: 257- 1020، الوسائل 4: 153 أبواب المواقيت ب 9 ح 5.

(3) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 1، الوسائل 4: 143 أبواب المواقيت ب 8 ح 8.

(4) راجع ص 12.

(5) الفقيه 1: 140- 653، التهذيب 2: 19- 55، الاستبصار 1: 250- 899، علل الشرائع: 349- 2، الوسائل 4: 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 139

غيرها.

فالمراد من جعل هذا القدر أفضل أنه بواسطة التنفّل، و لذا أسقطه عن غير المتنفّل، و به صرّح في رواية زرارة: «صلاة المسافر حين تزول الشمس، لأنه ليس قبلها في السفر صلاة، و إن شاء أخّرها إلى وقت الظهر في الحضر، غير أن أفضل ذلك أن يصلّيها في أول وقتها حين تزول الشمس» «1».

على أنه لمّا كانت ملاحظة الذراع و الأقدام و القامة ممّا كان يهتم به

العامة، و كان عليها مدارهم، فلذلك ورد في الأخبار، و قد كان يأمرون أصحابهم بمراعاتها و يكرهون اتّخاذهم تركها عادة، كما يشعر به رواية زرارة: أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي، ثمَّ صلّيت الظهر، ثمَّ صلّيت نوافلي، ثمَّ صلّيت العصر، ثمَّ نمت، و ذلك قبل أن يصلّي الناس، فقال:

«يا زرارة، إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، و لكن أكره لك أن تتّخذه وقتا دائما» «2».

و في قوله: «لك» و التقييد بالدوام إشعار بكونه تقية، مع أنه يمكن أن يكون لأجل النوم بعد الظهر، أو يكون الضمير للزوال، و الوقت للظهر بترك النافلة.

و على ذلك تحمل رواية ابن ميسرة: إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلّي الظهر و العصر؟ قال: «نعم، و ما أحبّ أن يفعل ذلك كلّ يوم» «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 234- 612، الوسائل 4: 135 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 2: 247- 981، الاستبصار 1: 252- 905، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 2: 247- 980، الاستبصار 1: 252- 904، الوسائل 4: 128 أبواب المواقيت ب 4 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 140

و موثّقة ابن بكير: إني صلّيت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صلّيت الظهر حين زال النهار، قال: فقال: «لا تعد، و لا تعد» «1».

و يمكن أن يكون النهي عن العود في الأخيرة أيضا، لأنّ تعجيل الصلاة في يوم الغيم ربما يفضي إلى وقوع الصلاة قبل الوقت.

و منها: تأخير العصر عن صلاة الظهر بقدر يتحقّق التفريق و لو لم يتنفّل.

و هذا هو التفريق المطلق، و يقابله مطلق الجمع، كما أن ما مرّ من تأخيرها إلى الأقدام

و القامة التفريق في الوقت، و يقابله الجمع فيه.

فقيل باستحباب ذلك «2»، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و تفريقه إلّا مع حاجة، و لروايتي زرارة و ابن ميسرة، المتقدّمتين، و لما في الذكرى من أنه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما، بشهادة النصوص و المصنفات بذلك «3».

و يضعف الأول: بأنه إنما هو لمكان النافلة و التعقيب، و التفريق لأجلهما مستحب إجماعا، و تفريقه بدونهما غير مسلّم.

مع أنه صرّح في الأخبار بأنه قد كان يجمع من غير علة أيضا، كما في صحيحة ابن سنان: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان و إقامتين» «4».

و حمل الجمع على الجمع في أحد الوقتين اللذين أتى به جبرئيل خلاف ظاهر

______________________________

(1) التهذيب 2: 246- 979، الاستبصار 1: 252- 903، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.

(2) كما في الذكرى: 119، و جامع المقاصد 2: 26.

(3) الذكرى: 119.

(4) الفقيه 1: 186- 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 141

الكلام و ترك الأذان، و (في) [1] رواية ابن حكيم: «الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع، و إذا كان بينهما تطوّع فلا جمع» «1».

و الروايتان: بما مرّ، و ما في الذكرى بأنه لا يثبت إلّا استحباب التنفل، كما يستفاد ممّا استشهد به.

فالأظهر عدم استحبابه، بل أولوية أول الوقت، لأخبارها، كما صرّح بها المحقّق الخوانساري في شرح الروضة و صاحب الحدائق «2».

و منها: تأخير المغرب حتى زالت الحمرة المشرقية،

لموثّقة ابن شعيب المتقدّمة في أول وقت المغرب «3».

و رواية جارود: «يا جارود، ينصحون فلا يقبلون- إلى أن قال:- قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلا، فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» «4».

و مكاتبة ابن وضاح: يتوارى القرص و يقبل الليل، ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا و تستتر عنّا الشمس، و ترتفع فوق الجبل حمرة، و يؤذّن المؤذّنون، فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إليّ:

«أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك» «5».

و رواية الساباطي: «إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت

______________________________

[1] ليس في «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 3، التهذيب 2: 263- 1050، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 2.

(2) الحواشي على شرح اللمعة: 165، الحدائق 6: 151.

(3) راجع ص 30.

(4) التهذيب 2: 259- 1032، الوسائل 4: 177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.

(5) التهذيب 2: 259- 1031، الاستبصار 1: 264- 952، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 142

الحمرة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، فكان يصلّي حين يغيب الشفق» «1».

و رواية شهاب: «إني أحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا» «2».

و للفرار من خلاف من جعله أول الوقت «3».

و في الكل نظر:

أمّا الأول: فلأنّ الإمساء قليلا أعم من زوال الحمرة المشرقية، و يمكن أن يكون لتحصيل اليقين بغياب القرص، سيما في البلاد الجبالية كما هو الظاهر من الرواية.

و منه يظهر ما في الثاني.

و أمّا الثالث: فلأنّ المراد بالحمرة فيها يمكن أن تكون الحمرة الباقية من ضوء الشمس على الأعالي، بل

هو الظاهر من قوله: «ترتفع فوق الجبل».

و منه يظهر ما في الرابع.

و أمّا الخامس: فلأنّه لا يدلّ إلّا على مطلوبية رؤية كوكب بعد تمام الصلاة، فلعله لأجل استحباب التأنّي في صلاة المغرب، فإنّ الظاهر أن بأدائها مع تؤدة يرى الكوكب بعد الفراغ، سيما الزهرة و المشتري.

و أمّا السادس: فلأنّ مطلوبية الفرار عن خلاف المخالف إنما هي لأجل الاحتياط، و دليله أعم من وجه من أدلة أفضلية أول الوقت، مع ترجيح الأخيرة

______________________________

(1) التهذيب 2: 259- 1033، الاستبصار 1: 265- 960، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.

(2) التهذيب 2: 261- 1040، الاستبصار 1: 268- 971، علل الشرائع: 350- 2، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 9.

(3) راجع ص 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 143

بموافقة آيتي المسارعة و الاستباق، و معاضدة ظاهر الإجماع المنقول في المنتهى، قال: لا يستحب تأخير المغرب عن الغروب في قول أهل العلم «1»، و مطابقة ما في مرسلة محمد بن أبي حمزة: «ملعون ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» «2».

و منها: تأخير الظهر في اليوم الحارّ حتى تسكن شدة الحرارة، لصحيحة ابن وهب: «كان المؤذّن يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الظهر فيقول له الرسول صلّى اللّه عليه و آله: أبرد أبرد» «3».

و المروي في العلل: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة، فإن الحرّ من فيح جهنم» [1].

و لكن إرادة تأخير الصلاة حتى يسكن الحرّ من قوله: «أبرد» مجاز، كما أن إرادة السرور من البرد، أو التعجيل لذلك [2] مجاز آخر محتمل، بل الأخير هو الأظهر من المروي في الغوالي: «شكونا إلى رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله الرمضاء، فقال: أبردوا بالصلاة، فإنّ شدّة الحر من فيح جهنم» «4». (بل يمكن أن يراد أنه لمّا كانت الحرارة من فيح جهنم تسكن بدخول الصلاة فحصلوا البرد بها. و اللّه يعلم) [3].

العاشرة: لو اشتغل بالعصر أو العشاء أولا،

فإن ذكر و هو فيها و لو قبل

______________________________

[1] علل الشرائع 1: 247، الوسائل 4: 142 أبواب المواقيت ب 8 ح 6. الفيح: سطوع الحرّ و فورانه. لسان العرب 2: 550.

[2] قال الصدوق في ذيل صحيحة ابن وهب: قال مصنف هذا الكتاب: يعني عجّل عجّل، و أخذ ذلك من التبريد.

[3] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) المنتهى 1: 211.

(2) التهذيب 2: 33- 100، علل الشرائع: 350- 6، الوسائل 4: 192 أبواب المواقيت ب 18 ح 20.

(3) الفقيه 1: 144- 671، الوسائل 4: 247 أبواب المواقيت ب 42 ح 1.

(4) غوالي اللئالي 1: 161- 152، و عنه في المستدرك 3: 149 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 144

التسليم- على القول بكونه جزءا و لو مستحبا- عدل مع إمكانه، بلا خلاف فيه ظاهر.

لصحيحة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، و إن ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب، و إن كان صلّى العتمة وحدها فصلّى منها ركعتين، ثمَّ ذكر أنه نسي المغرب أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمَّ يصلّي العتمة بعد ذلك» «1».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم أنه لم يكن صلّى الاولى، قال: «فليجعلها الأولى التي فاتته

و يستأنف بعد صلاة العصر» «2».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر، فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغها فانوها الاولى، ثمَّ صلّ العصر، فإنما هي أربع مكان أربع، فإن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى فصلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر» إلى أن قال: «و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم، ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة» «3».

و لا فرق بين أن يكون الاشتغال بالثانية في الوقت المشترك أو المختص

______________________________

(1) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 7، التهذيب 2: 269- 1072، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 3.

(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 145

بالأولى، للإطلاق، و صحة ما أتى به بنية الثانية، لتعبّده بظنه.

و إن ذكر عند تعذّر العدول أو عند الفراغ، فإن وقع الجميع في الوقت المختص بالأولى بطلت الثانية، لما مرّ في مسألة من صلّى قبل الوقت «1». و به يعارض بعض الإطلاقات فتقيّد بما إذا وقع في الوقت.

و إن وقع في الوقت المشترك أو دخل و هو فيها، فقالوا بصحة ما فيه، و عليه الإتيان بالأولى بعده خاصة.

و الحكم فيما إذا ذكر بعد

التمام و إن كان موافقا للأصل، لأنّ المتصوّر إمّا بطلان ما أتى به، و هو مخالف لما علم قطعا بالإجماع و النصوص، من أنه لو لم يتذكر حتى خرج الوقت ليس عليه إلّا قضاء الاولى فقط. أو وقوعه صحيحا للأولى، و هو أيضا مخالف لما ذكر، و لعموم قولهم عليهم السلام: «لكل امرئ ما نوى» «2» أو العدول، و هو مخالف للأصل. أو صحته للثانية، و هو المطلوب. و مع ذلك فهو في العشاءين موافق لنصّ خال عن المعارض.

و لكنه مخالف في الظهرين لقوله في صحيحة زرارة: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر ..» و لرواية الحلبي: عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتى صلّى العصر، قال: «فليجعل صلاته التي صلّى الاولى، ثمَّ ليستأنف العصر» «3» و الرضوي: عن رجل نسي الظهر حتى صلّى العصر، قال: «يجعل صلاة العصر التي صلّى الظهر، ثمَّ يصلّي العصر بعد ذلك» «4».

و فيما إذا ذكر في الأثناء حال تعذّر العدول للأصل.

______________________________

(1) راجع ص 101.

(2) انظر: الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 4.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 3: 162 أبواب المواقيت ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 146

إلّا أنّ الحكمين مقطوع بهما في كلام من تعرّض المسألة، بل قيل في الأول إنه متّفق عليه «1». فإن ثبت الإجماع فلا مفرّ عنه، و إلّا- كما هو الظاهر حيث إنه لا تعرض للمسألة في كلام كثير من الأصحاب، و غاية ما يتحقّق هنا عدم ظهور الخلاف و لا حجية فيه- فالخروج عن الأصل في

الثاني، و عن مقتضى النص الخالي عن المعارض في الأول بلا دليل مشكل.

و لذا قال في المفاتيح- بعد ذكر ورود جواز العدول بعد الفراغ في الصحيح-: و هو حسن [1]، و قال بعض شرّاحه: و لعله الصحيح، و قال الأردبيلي: و لو كان به قائل لكان القول به متعيّنا «2».

و أمّا جعله معارضا مع ما ورد في العشاء فلا وجه له، إذ لا يمكن جعل العشاء مغربا، و عدم القول بالفصل غير معلوم.

و أمّا صحيحة صفوان: عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمَّ صلّاها» «3».

فهي و إن كانت معارضة لما دلّ على العدول بعد الفراغ، و لكن محل التعارض إنما هو إذا كان التذكّر بعد خروج وقت الصلاتين، و لازمه تخصيص دليل العدول بها، و أمّا قبله فلا دليل.

و المسألة قوية الإشكال، و القول بالعدول في الوقت بعد الفراغ أقوى، و الاحتياط لا يترك في كلّ حال.

______________________________

[1] لم نعثر على هذا التعبير في المفاتيح، و قال: يحتمل إجزاؤها عن الاولى في الظهرين، كما يدل عليه الصحيح و غيره .. المفاتيح 1: 96.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 165.

(2) مجمع الفائدة 2: 56.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269- 1073، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 147

الباب الثاني في القبلة

اشارة

و وجوب التوجّه إليها في الصلاة إجماعي في الجملة.

و الكلام إمّا في تعيين القبلة، أو فيما يستقبل له، أو في أحكامها، فهاهنا ثلاثة فصول

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 148

الفصل الأول في تعيين القبلة
اشارة

و لنقدّم مقدمة، و هي: أنّ معنى كون الشي ء قبلة، أنه يجب استقباله، بحيث يصدق استقباله و التوجّه إليه و المواجهة نحوه عرفا، و هو أمر يختلف باختلاف قرب المستقبل و بعده منه سعة و ضيقا.

فقد تشترط المحاذاة الحقيقية لعينه، بحيث لو أخرج خط مستقيم من بين عيني المستقبل أو قدميه يقع على عين المستقبل له، و ينتفي صدق التوجّه و الاستقبال عرفا بوقوع الخط خارجا عنه و لو بيسير.

و قد لا يضرّ عدم المحاذاة الحقيقيّة بكثير أيضا إذا كثر البعد بينهما. فإنّه لو كانت هناك منارة رفيعة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة، فإنّ من يكون عندها لا يكون متوجّها إليها، مستقبلا لها عرفا، إلّا مع المحاذاة الحقيقة بالمعنى المذكور، بحيث لو وقع طرف خط المحاذاة خارجا عنها- و لو بيسير- ينتفي صدق الاستقبال، و كلّما بعد عنها يتّسع ميدان التوجّه و الاستقبال، حتّى إنه إذا زاد البعد كثيرا قد يصدق التوجّه العرفي على جميع أشخاص صفّ واحد متوجّه إليها، يزيد طوله عن مائة ذراع، مع أنه لا يحاذيها حقيقة إلّا نحو من أربعة نفر أو خمسة منهم مثلا، بل يصدق التوجّه على من علم انتفاء التحاذي الحقيقي منه أيضا، فالمناط صدق الاستقبال و التوجّه العرفيين.

و ليس المراد بسعة ميدان التوجّه أنّ المتوجّه إليها لا يخرج عن التوجّه العرفي إليها بالانحراف و الميل عنها عرفا و لو يسيرا، كما يوهمه قول من يقول: أمر القبلة سهل «1». بل المراد أنه لا تشترط المحاذاة الحقيقية بالمعنى المذكور.

و إن أردت تصويره فانظر إلى القمر عند طلوعه عن المشرق، فإذا واجهت

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 121، و مجمع الفائدة 2: 59.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 149

خط المشرق حينئذ، يقال: إنك مستقبل للقمر و متوجّه إليه، و كذا من قام جنبك موازيا لك، و من قام جنبه كذلك، و هكذا إلى أن يحصل صف طوله أكثر من عشرة فراسخ، فالكلّ له مواجهون و مستقبلون مع أنّ الفصل بين طرفي الصف أكثر من عشرة فراسخ.

و لكن لو انحرف أحد هذه الأشخاص قدرا يسيرا من المشرق إلى إحدى جهتي الجنوب أو الشمال و لو بقدر عشر الدور بل أقلّ، يقال: مال عن القمر و انحرف عنه، و ليس مستقبلا له.

و لو اختلج في صدرك شي ء لأجل سعة جرم القمر في الحقيقة، و قلت: إن الصدق مع الطول الكذائي لهذا السبب، فافرض منارة محاذية لنقطة المشرق على رأس جبل بينك و بينه خمسة فراسخ أو عشرة مثلا، فإنك إذا واجهت نقطة المشرق تكون مستقبلا للمنارة و متوجّها إليها، و كذا من قام بجنبك موازيا لك إلى نحو من ألف شخص، مع أن المحاذاة الحقيقية ليست إلّا لأربعة أو خمسة، و لكن إذا انحرف أحدهم عن نقطة المشرق و لو بقدر يسير، يخرج عن الاستقبال للمنارة.

فليس المراد باتّساع جهة التوجّه بالبعد أنّ المستقبل لا يخرج عن الاستقبال بالميل اليسير، بل المراد أنه يصدق الاستقبال و لو كان المستقبل خارجا عن المحاذاة الحقيقية بكثير، فإذا كانت المنارة على رأس فرسخ مثلا، يصدق الاستقبال لها على جميع أهل صف طوله مائة ذراع، و لا يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع مثلا، و إذا كانت على رأس عشرة فراسخ يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع أيضا، و هكذا ..

و تشريحه و السرّ فيه أنه إذا زاد البعد بين

المستقبل و المستقبل له، يعدّ المستقبل لما يقاربه مستقبلا له عرفا، و يكون المحاذي له محاذيا له عرفا، و ليس للفصل بين المتقاربين قدر محسوس مع البعد، فالمحاذي للمنارة المذكورة حقيقة محاذ لها عرفا، و كذا المحاذي لما يبعد عنها بذراع أو عشرة أذرع أو مائة، و يزيد ذلك بزيادة البعد، و ذلك بخلاف ما لو انحرف المستقبل عنها يسيرا، فإنه يزيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 150

البعد بين خط المحاذاة الأول و بين خط الانحراف شيئا فشيئا، حتى إنه قد يصير البعد بينهما عند محاذاة المنارة نحوا من فرسخ أو أكثر، بحيث لا يعدّ المتوجّه إلى جزء البعد متوجّها إلى المنارة.

و على هذا فالمستقبل إليه في كلّ حال هو العين، و لكن تتّسع جهة استقبالها عرفا بالبعد عنها.

و المراد بجهة استقبالها خط يخرج من جنبتي المستقبل له مقابلا للخط الخارج من جنبتي المستقبل المارّ على طرفي يمينه و يساره، بحيث يكون المحاذي حقيقة لكلّ جزء منه متوجّها و مستقبلا للمستقبل إليه عرفا.

و المراد باتّساعها، أنّه كلّما يزيد البعد يزيد خطّ الجهة طولا، فمن قام بعيدا عن المنارة بقدر ذراع مثلا، يكون خط الجهة بقدر قطر المنارة الذي هو ذراعان مثلا، فإذا بعد بقدر ميل عنها، يمكن أن يصير الخطّ بقدر خمسين ذراعا، فإنّ المواجه لكلّ جزء منه في بعد ميل، مواجه للمنارة عرفا، و إذا بعد فرسخا، يصير الخطّ أطول، و هكذا ..

و تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ استقبال الشي ء عبارة عن التوجّه إليه و المواجهة له عرفا، بحيث يعدّ في العرف مستقبلا له، متوجّها إليه غير مائل و لا منحرف عنه، و أنّ العين و الجهة بالمعنى الذي ذكرنا و إن اختلفتا حقيقة،

و صارت الجهة أوسع من العين بزيادة البعد، إلّا أنه لا اختلاف في استقبال عين الشي ء و جهته عرفا، فإنّ مستقبل العين مستقبل للجهة، و مستقبل الجهة مستقبل للعين، سواء في ذلك القريب و البعيد، فإنّ من له غاية القرب بالمستقبل له و إن اشترط في استقباله المحاذاة الحقيقية، و لكنّ الجهة حينئذ أيضا هي الخط المساوي لقطر العين، و لذا يقال للقريب المتوجّه إليها: ملتفت إلى جهتها و جانبها و نحوها و سمتها و طرفها.

و الكلّ بمعنى واحد.

و لذا قال الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته في القبلة- التي عليها تعويل العلماء المتأخّرين منه، كما صرّح به في البحار-: إنّ من كان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 151

بمكة خارج المسجد الحرام أو في بعض بيوتها وجب عليه التوجّه إلى جهة الكعبة مع العلم «1»، إلى آخر ما قال، فإنه استعمل التوجّه إلى الجهة في مقام استقبال العين.

إذا عرفت تلك المقدمة، فلنذكر قبلة المكلّفين في مسائل:

المسألة الأولى:
اشارة

قبلة كلّ أحد هي الكعبة، سواء كان قريبا منها أو بعيدا عنها، متمكّنا من مشاهدتها أو غير متمكّن، داخلا في المسجد أو الحرم أو خارجا عنهما.

لفعل الحجج، و المستفيضة من النصوص المتضمّنة لأنّها القبلة، كالنبويّ المنجبر بالعمل: إنه صلّى اللّه عليه و آله صلّى إلى عين الكعبة و قال: «هذه قبلتكم» «2».

و موثّقة ابن سنان: صلّيت فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزئ ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: «نعم إنّها قبلة من موضعها إلى السماء» «3».

و المرويّ في العلل و التوحيد و [المجالس ] [1]: «هذا بيت اللّه» إلى أن قال:

«جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلّين له» «4».

و في قرب الإسناد: «إنّ للّه تعالى حرمات ثلاث» إلى

أن قال: «و بيته الذي جعله قياما للناس، لا يقبل من أحد توجّها إلى غيره» «5».

و في الاحتجاج عن مولانا العسكري، و في تفسير الإمام في احتجاج النبي

______________________________

[1] في النسخ الأربع: المحاسن، و الظاهر أنه تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) البحار 81: 72 و 82.

(2) انظر: سنن النسائي 5: 220.

(3) التهذيب 2: 383- 1598، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 1.

(4) علل الشرائع: 403- 4، التوحيد: 253- 4، أمالي الصدوق: 493- 4.

(5) رواها في الوسائل 4: 300 أبواب القبلة ب 2 ح 10، و كذا في البحار 81: 68- 22 عن قرب الإسناد، و لكنها لم توجد في النسخة المطبوعة منه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 152

صلّى اللّه عليه و آله على المشركين: «قال: إنّا عباد اللّه- إلى أن قال-: أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة، أطعنا، ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا» «1».

و لاستصحاب اشتغال ذمّة من صلّى إلى غيرها بالصلاة، أو الصلاة إلى القبلة.

و تؤيّده المستفيضة المصرّحة بتحويل وجه النبيّ في الصلاة إلى الكعبة حين تحويل القبلة و هو في المدينة، و هي كثيرة:

منها: موثّقة ابن عمّار: متى صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: «بعد رجوعه من بدر» «2» إلى غير ذلك.

و معنى كون الكعبة قبلة، أنّه يجب التوجّه إليها، بحيث يعدّ الشخص محاذيا مستقبلا لها، متوجّها إليها عرفا، سواء كان محاذيا حقيقة لعين الكعبة، أو لجزء من جهتها بالمعنى الذي ذكرنا، فإنه لا التفات إلى المحاذاة الحقيقية، فإنّ معاني الألفاظ هي المصداقات العرفيّة. ثمَّ إن شئت سمّيت ذلك استقبال العين أو الجهة، فإنّهما متحدان عرفا.

خلافا للمفيد «3»، و

ابني شهرآشوب و زهرة «4»، فقالوا: إنّ القبلة لأهل المسجد الكعبة، و لغيرهم المسجد، إمّا مقيّدا بالبعد عن الكعبة كالأول، أو بعدم مشاهدتها كالثانيين، لظاهر الآية الشريفة [1]، خرج القريب أو المشاهد بالإجماع،

______________________________

[1] فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 البقرة: 144.

______________________________

(1) الاحتجاج: 27، الوسائل 4: 302 أبواب القبلة ب 2 ح 14.

(2) رواها في الوسائل 4: 298 أبواب القبلة ب 2 ح 3، و البحار 81: 76 عن إزاحة العلة في معرفة القبلة لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي.

(3) المفيد في المقنعة: 95.

(4) حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام 1: 173، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 153

فيبقى الباقي.

و فيه: أنّ شطر المسجد في الآية مطلق شامل لما كان شطر الكعبة أيضا أم لا، و أخبار كون الكعبة قبلة سيما رواية الاحتجاج مقيّدة، و المقيّد و إن كان خبرا يحمل عليه المطلق و إن كان كتابا.

مع أنّه يحتمل أن يكون المراد بالمسجد الكعبة، و هو و إن كان مجازا إلّا أنه لو لم يرتكب لزم تخصيص الآية بغير أهل المسجد إجماعا، و ليس أحدهما أولى من الآخر، على الأظهر.

هذا، مع أنهم لو أرادوا من البعد أو عدم المشاهدة حدّا يتّحد معه سعة جهة الكعبة و المسجد، فيتّحد القولان.

نعم، يختلفان لو أرادوا الأعم، فإنّ من يواجه المسجد- و إن كان منحرفا عن الكعبة عرفا- يكون إلى القبلة مع البعد أو عدم المشاهدة، على قولهم دون قولنا.

و لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل «1»، و المبسوط و الجمل و العقود و الإصباح و الوسيلة و المهذب و الصدوق و الخلاف و النهاية و

الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و الشرائع «2»، بل عليه الإجماع في الخلاف، و الشهرة في كلام الشهيدين «3».

فقالوا: الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد لأهل الحرم و لو بالانحراف عن الكعبة، و الحرم لمن كان خارجا عنه و لو مع الانحراف عن المسجد، مقيّدا

______________________________

(1) حكاه عنه في البحار 81: 75.

(2) المبسوط 1: 77، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 85، المهذب 1: 84، الصدوق في الفقيه 1: 177، الخلاف 1: 295، النهاية: 62، الاقتصاد: 257، مصباح المتهجد: 24، المراسم: 60، الشرائع 1: 65.

(3) الذكرى: 162، المسالك 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 154

بشرط عدم التمكّن من مشاهدة الكعبة و لو بمشقّة يمكن تحمّلها عادة، كالستة الأول، أو مطلقا، كالبواقي على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم، بل بعض أدلّتهم، و إن صرّح جمع- منهم صاحب البحار «1»- بأنّ الظاهر عدم مخالفتهم في التقييد المذكور، كما يرشد إليه دعوى جماعة- منهم التذكرة و المعتبر و كنز العرفان «2»- الإجماع على كون الكعبة قبلة مع التمكّن عن المشاهدة.

للأخبار المشتملة على ذلك التفصيل، كمرسلة الحجال: «إنّ اللّه جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» «3».

و رواية أبي الوليد: «البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعا» «4» و مثلها في العلل «5». خرج المتمكن من المشاهدة عند الأولين بالإجماع.

و يضعّف: بأنّها معارضة مع الأخبار المتقدّمة، فإن رجّحنا المتقدّمة بالشهرة، و الكثرة، و اعتبار السند، و الأحدثية في بعضها فهو، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و هو مع المتقدّمة، لاستصحاب الاشتغال المذكور.

و لا يتوهّم أخصيّة تلك الأخبار مطلقا

عن المتقدّمة، باعتبار المصلّي، حيث إنه في المتقدّمة عام، و في هذه خاص بأهل المسجد بالنسبة إلى الكعبة، لأنّه و إن كان كذلك في بعضها، إلّا أنه ليس كذلك في رواية الاحتجاج.

مع أنّ لهذه الأخبار أيضا جهة عموم باعتبار الموضع، فإنّ كون المسجد أو

______________________________

(1) البحار 81: 51.

(2) التذكرة 1: 100، المعتبر 2: 65، كنز العرفان 1: 85.

(3) علل الشرائع 1: 415- 2، التهذيب 2: 44- 139، الوسائل 4: 303 أبواب القبلة ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 2: 44- 140، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 2.

(5) علل الشرائع: 318- 2، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 155

الحرم قبلة أعم من أن يكون باعتبار كلّ جزء منهما، أو باعتبار بعضه.

و لا ينافيه التفصيل، بجعل الكعبة لأهل المسجد، و المسجد لأهل الحرم، و الحرم لأهل البلدان، لانقطاع الشركة بكون بعض أجزاء المسجد و الحرم قبلة لغير أهل المسجد، بخلاف من فيه، و تعارف مثل ذلك في المحاورات، فيقال لمن يسافر من الهند للحج: مقصوده الحجاز، و لمن في الحجاز:

مقصوده مكة، و لمن في مكة: مقصوده البيت، مع أنّ مقصد الكلّ واحد.

هذا، مع انقطاع الشركة من جهة أخرى أيضا، لأنّ من بعد كثيرا يكون جميع أجزاء المسجد و الحرم له قبلة، باعتبار ما ذكرنا من صدق المحاذاة العرفية للكعبة للمحاذي لبعض أجزائهما حقيقة، بخلاف من في المسجد.

و لا يتوهّم أيضا موافقة أخبارهم للآية، و هي من المرجّحات المنصوصة، لما عرفت من جواز كون المراد بالمسجد الكعبة، مع أنها- لدلالتها على أن قبلة الخارج من الحرم الحرم- للآية مخالفة، بل مخالفة تلك الأخبار لها أكثر من مخالفة الأخبار

المتقدمة، كما لا يخفى.

هذا، مع أنهم إن أرادوا عين المسجد و الحرم، بحيث تجب المحاذاة الحقيقية مطلقا- كما هو صريح بعضهم «1»- فالآية غير مثبتة لها، لما عرفت من معنى كون الشي ء قبلة. و إن أرادوا الاستقبال العرفي- كما يظهر من بعض آخر حيث زاد الجهة «2»- فيتّحد مقتضى هذا القول مع ما ذكرنا في البعيد.

نعم يظهر الخلاف و الثمرة في القريب.

و قال جماعة من الأصحاب، بل لعلّهم الأكثرون و منهم السيد

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 77.

(2) كالشيخ في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، و حكاه عن رسالة شاذان في البحار 81:

75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 156

و الإسكافي «1»، و الحلبي و الحلّي و المعتبر و النافع «2»، و جميع كتب الفاضل «3»، و الدروس و البيان و الذكرى و المدارك و شرح القواعد «4»، و المعتمد، بل جملة المتأخرين: إنّ قبلة المتمكن من مشاهدة الكعبة- و لو بمشقّة- عينها، لما ذكرنا من الأخبار، مضافا إلى عدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية، و فعل الحجج.

و لغيره جهتها، لظاهر الآية، و لزوم إرادتها عند تعذّر العين، و ظهور ما دلّ على تحويل القبلة فيها، و المعتبرة المتضمّنة لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة «5»، و لرواية الاحتجاج، المتقدّمة، و لأنه لولاها لزم القطع ببطلان صلاة بعض الصفّ المتطاول زيادة على طول الكعبة أو الحرم، و صلاة أهل إحدى البلدتين المتفقتين في القبلة.

و يرد على استدلالهم للشقّ الأول: بأنّهم إن أرادوا من العين ما توجبه المحاذاة الحقيقية، بحيث يقع الخط الخارج من بين عيني المصلّي على نفس الكعبة، و لو كان المتمكّن بعيدا بحيث يصدق الاستقبال العرفي بدون المحاذاة المذكورة، فالأخبار- كما

عرفت- لا تدلّ عليها، مع أن مراعاتها لكلّ متمكن من المشاهدة في كلّ وقت تستلزم العسر و الحرج.

و إن أريد الأعمّ منها و من العرفية، فلا يختلف فيه المتمكّن من المشاهدة و غيره.

نعم، لو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة المسجد أو الحرم، و كان

______________________________

(1) حكاه عنهما في المختلف: 76.

(2) الحلبي في الكافي: 138، الحلي في السرائر 1: 204، المعتبر 2: 65، المختصر النافع: 23.

(3) المختلف: 76، التحرير 1: 28، المنتهى 1: 217، القواعد 1: 26، التبصرة: 21، التذكرة 1: 100، الإرشاد 1: 244.

(4) الدروس 1: 158، البيان 114، الذكرى: 161، المدارك 3: 119، جامع المقاصد 2: 48.

(5) انظر: الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 157

استدلالهم للردّ عليه- كما يدلّ عليه استدلالهم بعدم انضباط المسجد أيضا- فيتمّ ما ذكروه، و إن كان دليلهم هذا غير تام، لأنّ شأن الفقيه البحث عن الحكم و إن لم يكن موضوعه مضبوطا في الخارج، و كذا استدلالهم بفعل الحجج، فإنّ صلاتهم خارج المسجد و إن كانت إلى الكعبة، و لكنها تكون إلى المسجد أيضا لا محالة، فلعلّها باعتبار المسجد دون الكعبة.

و أمّا ما استدلّوا به للشق الثاني، فإن أرادوا من الجهة ما ذكرناه، فلا تخصيص له بالشق الثاني، و لا حاجة إلى تلك الأدلّة الناقصة، كما يأتي.

و إن أرادوا غيره من المعاني المختلفة المذكورة في كتبهم للجهة، فمع كونها مخالفة لبعض الأخبار الدالّة على ما هو التحقيق من اتّحاد استقبال العين و الجهة، كما في تفسير العياشي [1]، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: في قوله تعالى:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 2: 144 قال: «معنى شطره

نحوه إن كان مرئيا، و بالدلائل و العلامات إن كان محجوبا» الحديث، و كون أكثرها مقتضيا لجواز الالتفات بكلّ البدن في الصلاة عمدا، و هو منفي إجماعا و نصّا، ففي التفسير المذكور: «استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب وجهك فتفسد صلاتك» «1» لا ينطبق «2» شي ء من تلك الأدلّة على شي ء منها، بل لا دليل على اعتبار شي ء منها أصلا، إلّا ما قيل من أنّ المراد بالجهة ما تقتضيه العلامات المقرّرة في الشرع لقبلة البعيد «3»، و ما قيل من أن المراد بها الطرف الذي يظن باستقباله استقبال

______________________________

[1] كذا في النسخ الأربع، و لكنها لم توجد في تفسير العياشي بل وجدناها في رسالة المحكم و المتشابه للسيد المرتضى نقلا من تفسير النعماني (ص 96) و نقلها عن الرسالة في الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 4.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 64- 116.

(2) جواب قوله: و إن أرادوا ..

(3) الرياض 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 158

الكعبة «1».

و لكن في الأول: أنّ العلامات لم ترد إلّا لبعض البلاد، فلا يصح جعلها قبلة لغير المتمكن مطلقا، و أمّا ما ذكره الفقهاء من العلامات فغير واردة في الشرع، و اعتبارها موقوف على الدليل.

و في الثاني: أنّه يختص بغير المتمكن من تحصيل العلم بالاستقبال العرفي، و غير المتمكن من المشاهدة قد يتمكن من تحصيل العلم به.

مع أنّ منهم من يذكر حكم غير المتمكن من العلم بالقبلة أيضا في مسألة على حدة، و يستدلّ عليه بأخبار التحري لمن لا يعلم وجه القبلة.

و لو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة لغير المتمكن من المشاهدة المسجد أو الحرم- كما يشعر به استدلالهم ببطلان صلاة بعض أهل الصف

المتطاول زيادة عن الحرم- و كان غرضهم الردّ عليه، و أرادوا من الجهة ما ذكرنا، فحينئذ و إن كان مطلوبهم صحيحا، و لكن لا يكون وجه للتفصيل المذكور، مع أن بعض أدلّتهم لا ينطبق عليه كالاستدلال ببطلان صلاة بعض أهل الصف المتطاول زيادة عن الكعبة.

هذا، مع ما في جميع أدلّتهم من القصور، لما عرفت من إجمال الآية، و لو قطع النظر عنه، فعلى جهة المسجد أدلّ من جهة الكعبة.

و لمنع لزوم إرادة الجهة بالمعاني التي ذكروها مع تعذّر العين لو كانت العين هي مقتضى الدليل، لإمكان إرادة غيرها كالمسجد أو الحرم. و القول بأنّ غير الثلاثة منفية بالإجماع، و استقبال جهة الكعبة يستلزم استقبال المسجد أو الحرم و لا عكس، فهي بالأصل أوفق. قلنا: هذا في البعيد بالعكس لو أريد عين المسجد أو الحرم.

و لمنع ظهور أخبار التحويل في أنه إلى جهة الكعبة، فإنه يمكن أن يكون

______________________________

(1) الذكرى: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 159

إلى عينها، أو إلى المسجد، أو إلى الحرم. و ورود التحويل إلى الكعبة في الأخبار لعلّه لاستلزامه التحويل إليهما، فعبّر بأشرف أجزائهما، و ليس هذا من باب الأمر و النهي المثبت لما هو مدلول اللفظ، بل إخبار عنه.

و لتعارض ما دلّ على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مع ما ينفي ذلك، كموثّقة عمّار: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم» «1» الحديث.

و لعدم التفرقة لغة و عرفا بين التوجّه إلى الشي ء و نحوه الواردين في رواية الاحتجاج، بل كلاهما متّحدان كما ذكرنا.

و أما التفصيل

الواقع فيها فيمكن أن يكون باعتبار الإطاعة في الأمر بالعبادة في مكة و بالإطاعة في الأمر بها في سائر البلدان، لا في الإطاعة في الأمر بالتوجّه إلى العين و إلى النحو، بل الأول أظهر و أليق.

و لمنع لزوم بطلان صلاة بعض الصف أو أهل إحدى البلدتين، لإمكان كون تجويز محاذاة العين كافيا عند تعذّرها، و هو لكلّ من المصلّين متحقّق.

و بالجملة كلام هؤلاء في المقام غير خال عن القصور و الاضطراب و إن جرى عليه أعاظم الأصحاب.

و الصواب أن يتكلّم أولا في القبلة، و يجعل هي الكعبة بالأخبار و الأدلّة كما ذكرنا، و يردّ قول من جعلها المسجد أو الحرم، ثمَّ يتكلّم في وظيفة من لا يتمكن من العلم بها من التحري بالرجوع إلى العلامات المقرّرة شرعا فيما توجد فيه، و بما يحصل الظن باستقبال الكعبة عرفا، لأدلّة التحرّي، ثمَّ يتكلّم في وظيفة من لا يتمكن من التحرّي و تحصيل الظن أيضا، و قد ذكرنا المسألة الاولى و نذكر البواقي أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 160

فروع:

أ: المراد بالكعبة التي هي القبلة ليس نفس البنية المعمولة من الحجر و المدر، بل الفضاء المشغول بها، بالإجماع، و لأنّه الكعبة التي جعلت في الأخبار قبلة دون البنية، كما تدلّ عليه المعتبرة.

ففي رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي- و هي طويلة- و فيها: «فأخذ جبرئيل عليه السلام بيد آدم حتى أتى به مكان البيت، فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت، فقال جبرئيل عليه السلام: يا آدم خطّ برجلك حيث أظل

الغمام فإنه قبلة لك و لآخر عقبك من ولدك، فخط آدم برجله حيث [أظل ] الغمام» [1].

و قريب منها في رواية أبي حمزة «1».

و في مرسلة الفقيه: «فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثمَّ مدّت الأرض منها» «2». و ظاهر أن أول مخلوق من الأرض لم تكن عليه البنية بل هو الفضاء، فهو الكعبة.

و يؤيّده ما روي من أنه «سمّيت الكعبة كعبة لأنها وسط الدنيا و لأنها مربعة» «3».

ثمَّ الفضاء الذي هو القبلة ليس هو القدر المشغول بالبناء خاصة، بل منه إلى أعنان السماء و تخوم الأرض، بالإجماع، كما في المدرك و المفاتيح «4»، و في المنتهى: و لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم «5»، بل قيل: بالضرورة من الدين

______________________________

[1] الكافي 4: 191 الحج ب 4 ح 2، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 7، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 4: 190 الحج ب 4 ح 1، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 6.

(2) الفقيه 2: 156- 670.

(3) الفقيه 2: 124- 539، 540.

(4) المدارك 3: 122، المفاتيح 1: 112.

(5) المنتهى 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 161

فيهما «1».

و تدلّ على الأول أيضا موثّقة ابن سنان، المتقدّمة «2»، و صحيحة خالد بن [أبي ] إسماعيل: الرجل يصلّي على أبي قبيس مستقبل القبلة، قال: «لا بأس» «3».

و في دلالتها نظر.

و عليهما مرسلة الفقيه: «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى السماء السابعة العليا» [1].

ب: المتمكن من تحصيل العلم باستقبال العين عرفا يجب عليه تحصيله ما لم يلزم الحرج، لعدم حصول العلم ببراءة الذمة الواجب تحصيله إلّا به. فالمصلّي في مكة يجب عليه صعود السطح، و في الحرم و نواحيه صعود

الجبل، إن أمكن بدون حرج، و جعله حرجا مطلقا- كما في المدارك «4»- لا وجه له.

نعم، لو علم بدون الصعود و المشاهدة لكفى، إذ لا تجب عليه المشاهدة بنفسها، لعدم دليل عليه، و على ذلك ينزّل كلام من أطلق وجوب المشاهدة للمتمكن منها.

ج: هل الحجر من الكعبة بعضا أو كلا، حتّى يكفي استقباله كذلك لمن في المسجد أم لا؟ صريح الفاضل في النهاية و التذكرة الأول «5».

و في الذكرى: إن ظاهر كلام الأصحاب أنه من الكعبة، قال: و قد دلّ

______________________________

[1] الفقيه 2: 160- 690، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 3. و فيهما: «إلى الأرض السابعة العليا».

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) في ص 151.

(3) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 19 و فيه: خالد عن أبي إسماعيل، التهذيب 2: 376- 1565، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 2.

(4) المدارك 3: 122.

(5) نهاية الإحكام 1: 392، التذكرة 1: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 162

عليه النقل أنه كان في زمن إبراهيم و إسماعيل إلى أن بنت القريش الكعبة، فأعوزتهم الآلات، فاختصروها بحذفه، و كان ذلك في عهده صلّى اللّه عليه و آله، و نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، و بذلك احتجّ ابن الزبير حيث أدخله فيها، ثمَّ أخرجه الحجّاج بعده و ردّه إلى مكانه «1». انتهى.

و ردّه في المدارك و غيره: بعدم ثبوت ذلك النقل من طرق الأصحاب و إن ذكره العامة «2». و هو كذلك، إلّا أنّ في مرفوعة علي بن إبراهيم و مرسلة الفقيه:

«إنّ طول بناء إبراهيم كان ثلاثين ذراعا» «3» و هو قد يعطي دخول شي ء من الحجر فيه،

لأنّ الطول الآن- على ما حكي- خمس و عشرون ذراعا، و لا خلاف في عدم خروج شي ء منه عن الطرف المقابل للحجر.

و لكن بإزاء ذلك أخبار أخر مستفيضة تدلّ على خلاف ذلك، ففي صحيحة معاوية بن عمّار: عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ قال:

«لا، و لا قلامة ظفر، و لكن إسماعيل دفن فيه أمّه، فكره أن توطأ، فحجر عليها حجرا و فيه قبور الأنبياء» «4» و قريبة من صدرها صحيحة زرارة «5».

و في مرسلة الفقيه: «و صار الناس يطوفون حول الحجر و لا يطوفون فيه، لأنّ أمّ إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها، فطيف كذلك كي لا يوطأ قبرها» «6».

______________________________

(1) الذكرى: 164.

(2) المدارك 3: 123، الحدائق 6: 382، و انظر سنن الترمذي 2: 181، و السيرة الحلبية 1:

169.

(3) مرفوعة علي بن إبراهيم: الكافي 4: 217 الحج ب 9 ح 4، الوسائل 13: 214 أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 10، مرسلة الفقيه: الفقيه 2: 161- 695، الوسائل 13: 217 أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 14.

(4) الكافي 4: 210 الحج ب 7 ح 15، الوسائل 13: 353 أبواب الطواف ب 30 ح 1.

(5) التهذيب 5: 469- 1643، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 2.

(6) الفقيه 2: 124- 541، الوسائل 13: 354 أبواب الطواف ب 30 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 163

و روي: «أن فيه قبور الأنبياء، و ما في الحجر شي ء من البيت و لا قلامة ظفر» «1».

و رواية يونس بن يعقوب: إني كنت أصلّي في الحرج، فقال رجل: لا تصلّ المكتوبة في هذا الموضع، فإنّ في الحجر من البيت، فقال: «كذب، صلّ فيه حيث

شئت» «2».

و هذه الأخبار أكثر عددا، و أصح سندا، و أوضح دلالة، و أوفق بأصالة عدم براءة الذمة، و لذلك أفتى الأكثر بعدم جواز استقباله، و هو كذلك. و وجوب كون الطواف خارجه لا يدلّ على كونه من البيت بوجه.

د: لا خلاف في جواز النافلة مطلقا، و الفريضة مع الاضطرار داخل الكعبة، و عليه الإجماع في المنتهى و المدارك و عن المعتبر «3».

للأصل، و إطلاقات فضل الصلاة في المسجد الحرام «4»، مع دلالة المعتبرة على أن الكعبة منه «5»، و مجوّزات الفريضة فيها، الآتية، المثبتة للأولى بعدم الفصل، و للثانية بالإطلاق، و روايات استحباب الصلاة للداخل فيها، في الأولى بانضمام عدم الفرق بين النوافل، و صحيحة محمد في الثانية: «لا تصلح صلاة المكتوبة جوف الكعبة، و أمّا إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس أن يصلّيها في جوف الكعبة» [1].

______________________________

[1] التهذيب 5: 279- 954، الاستبصار 1: 298- 1101 و لم يرد فيه الذيل: (و أما إذا خاف ..) و نقلها من التهذيب مع الزيادة في الوافي 7: 471- 10، 11. و لكن الذي يظهر من ملاحظة التهذيب أنّ الذيل من كلام الشيخ (ره) قد أدرج في الرواية و لهذا لم يروه في الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 4، و كذا في جامع الأحاديث 4: 586- 1788 و يؤكده عدم وروده في موضع آخر من التهذيب 2: 383- 1597 حيث نقل فيه الرواية بسند آخر عن محمّد بن مسلم. فراجع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 126- 542، الوسائل 13: 355 أبواب الطواف ب 30 ح 6.

(2) التهذيب 5: 474- 1670، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 1.

(3) المنتهى 1: 218، المدارك 3: 123، المعتبر

2: 67.

(4) انظر: الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 52.

(5) انظر الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 164

و الأظهر عدم جواز الفريضة فيه اختيارا، وفاقا للخلاف و المهذب «1»، بل عن الكليني «2»، و غيره، و اختياره بعض مشايخنا المحقّقين «3»، و مال إليه بعض آخر من متأخّري المتأخّرين «4»، و عليه الإجماع في الأول.

للصحيحة المتقدّمة منطوقا و مفهوما، و الصحيحين الآخرين: «لا تصلّ المكتوبة في الكعبة» كما في أحدهما «5»، و «في وجوب الكعبة» كما في الآخر «6»، و لوجوب استقبال الكعبة التي هي اسم للمجموع، بمعنى وقوع الجميع في القدّام كما هو المتبادر من استقبالها و إن لم يكن الجميع محاذيا للمصلّي، و هو في جوفها غير ممكن، و لذا ورد في بعض الأخبار: «الصلاة فيه إلى الأربع» «7»، و في آخر: «إلى الفضاء إيماء» «8»، و في ثالث: «إنّ القائم فوق الكعبة ليس له قبلة» «9».

خلافا للشيخ في النهاية بل سائر كتبه «10»، و الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «11»، بل معظم المتأخّرين «12»، لدعوى الإجماع، و الأصل، و موثّقة يونس: حضرت

______________________________

(1) الخلاف 1: 439، المهذب 1: 76.

(2) الكافي 3: 391.

(3) الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (المدارك): 152.

(4) كصاحب الحدائق 6: 378- 380.

(5) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 18، التهذيب 2: 376- 1564، الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 17 ح 1.

(6) التهذيب 2: 382- 1596، الاستبصار 1: 298- 1101، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.

(7) الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 17 ح 2.

(8) الوسائل 4: 338 أبواب القبلة ب 17 ح 7.

(9) الوسائل 4: 340 أبواب القبلة ب

19 ح 2.

(10) النهاية: 101، المبسوط 1: 85، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 178.

(11) السرائر 1: 266.

(12) منهم المحقق في الشرائع 1: 72، و العلامة في القواعد 1: 28، و الشهيد الأول في الدروس 1: 154، و الكركي في جامع المقاصد 2: 136، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 21، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 165

الصلاة المكتوبة و أنا في الكعبة فأصلّي فيها؟ قال: «صلّ» «1».

و يضعّف: بأنّ الإجماع المنقول ليس بحجة، مع أنه بمثله معارض.

و الأصل بما مرّ مندفع. و الموثّق- مع كونه أقلّ مما مرّ عددا، و أضعف سندا، و موافقا لجماعة من العامة منهم أبو حنيفة «2»- أعم من الصحيحة المتقدّمة، بل جميع الأخبار المانعة، لتخصيصها بغير المضطر إجماعا، فليخصّ بها [1].

ثمَّ المضطر هل يصلّي قائما مستقبلا لأيّ جزء منه اتّفق كما هو ظاهر الأصحاب، أو مستلقيا، أو إلى الأربع، كما ورد بهما الرواية؟! الظاهر الأول، لظاهر الإجماع، و وجوب القيام و الركوع و السجود، و الأصل، و انتفاء الاستقبال الثابت على جميع الأحوال. و الروايتان شاذتان.

ه: لو استطال صف المأمومين في المسجد الحرام حتى خرج بعضهم عن محاذاة الكعبة، بطل صلاة ذلك البعض، و كذا لو خرج بعض شخص عن المحاذاة.

المسألة الثانية:

قد عرفت أنّ الواجب هو استقبال الكعبة، أي التوجّه إليها عرفا، الذي هو عبارة عن المحاذاة العرفية لها، و أنه بعينه معنى التوجّه إلى جهتها.

ثمَّ الواجب هو تحصيل العلم بتلك المحاذاة و التوجّه، كما هو مقتضى الأصول و النصوص و الفتاوى، من غير خلاف يعرف، و لكن وجوبه مقيّد بإمكان

______________________________

[1] و حمل أخبار المنع على الكراهة و إن أمكن إلا أن قاعدة

تقدم الخاص يأبى عنه مع أن قوله في الموثقة «صلّ» حقيقة في الوجوب الممكن إرادته حال الاضطرار، و لو أبقيت على العموم لوجب حمله على الجواز الخالي عن الرجحان، لعدم القول بالرجحان، و هو مع كونه مجازا مرجوحا ليس بأولى من التخصيص، بل هو أولى منه بوجوه. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 5: 279- 955، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 6.

(2) انظر: المحلى لابن حزم 4: 80، و الفقه على المذاهب الأربعة 1: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 166

تحصيله قطعا، فإن لم يمكن- كمن بعد عن مكة- وجب عليه أن يجتهد في تحصيل الظن بالمحاذاة العرفية- التي هي الاستقبال- من الأمارات المفيدة له، بلا خلاف فيه، بل هو اتّفاق أهل العلم كما في المعتبر «1»، و عليه الإجماع كما في المنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى «2».

للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» «3».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال: «اجتهد برأيك و تعمّد القبلة جهدك» «4».

و صحيحة أخرى: في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة، قال: «يعيد و لا يعيدون، فإنهم قد تحرّوا» «5».

و مرسلة ابن المغيرة: في الرجل يكون في السفينة فلا يدري أين القبلة، قال:

«يتحرّى فإن لم يدر صلّى نحو رأسها» «6».

و الأخبار الآتية الدالّة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت في صورة التحرّي «7»، إذ لو لم يكن كافيا لكانت صلاته باطلة.

و لا ينافيه الأمر بالإعادة في الوقت، لأنها غير منحصرة في بطلان الصلاة،

______________________________

(1) المعتبر 2: 70.

(2) المنتهى 1: 219، التحرير 1: 29، التذكرة 1: 102،

الذكرى: 164.

(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45- 146، الاستبصار 1: 295- 1087، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

(4) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46- 147، الاستبصار 1: 295- 1088، الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 7.

(6) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 3، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 15.

(7) انظر: ص 206 و 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 167

فلعلّها تعبّد على حدة.

و أمّا مرسلة الفقيه: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» «1» و صحيحة ابن عمّار: الرجل يقوم في الصلاة، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف من القبلة يمينا و شمالا، قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة» «2» فهما غير مكافئين لما مرّ، لعدم قائل بمضمونهما في حق العالم و المتمكن عن الاجتهاد، مع معارضتهما لموثّقة عمّار، المتقدمة في المسألة السابقة «3».

مع أنه لا يمكن أن يكون المراد منهما أنّ ما بين المشرق و المغرب جنوبا و شمالا، لأنّ معناه انتفاء القبلة رأسا، و هو مخالف لضرورة الدين.

بل المراد إمّا أنه من أحد الطرفين قبلة للمصلّي في الطرف الآخر. و هو أيضا لا يمكن إبقاؤه على الإطلاق، لعدم قائل به كذلك، فإنّ صلاة من تنحرف قبلته عن الجنوب بقليل- كالعراقي- إلى قريب المغرب غير جائز قطعا، و مخالف لطريقة المسلمين، بل هو مناف لضروري الدين.

أو المراد أنّ كلّ جزء منه قبلة للمجتهد،

بمعنى أنّ كلّ جزء أدّى إليه ظنه قبلة له. أو أن كلّ جزء منه قبلة لغير المتمكن من الاجتهاد، حيث إنّه يصلّي على أيّ جانب شاء.

و كلّ من هذين المعنيين أولى من الأول، لما فيه من أقليّة التخصيص. غاية الأمر التساوي، فلا تثبت المنافاة لما ذكرنا.

مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد من الاولى عدم إمكان تحديد القبلة

______________________________

(1) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(2) الفقيه 1: 179- 846، التهذيب 2: 48- 157، الاستبصار 1: 297- 1095، الوسائل 4:

314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

(3) راجع ص 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 168

الذي سئل عنه، يعني أنّ كلّ جزء ممّا بين المشرق و المغرب قبلة لموضع من الأرض، فلا يمكن تحديدها بحدّ.

و بالجملة: المسألة واضحة جدّا.

نعم، نقل نادر هنا المخالفة عن المبسوط، و أنه أوجب الصلاة إلى أربع جهات. و عبارته- كما قيل «1»- غير ظاهرة في المخالفة «2»، لاحتمال إرادة صورة فقد أمارات الظن بالكلّية، و لو سلّمت مخالفته فهي شاذة مخالفة للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا، بل على خلافه إجماع المسلمين على ما صرّح به بعضهم حيث قال: و هل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟ الظاهر إجماع المسلمين على تقديمه وجوبا على الأربع قولا و فعلا، و أنّ فعل الأربع حينئذ بدعة، فإنّ غير المشاهد للكعبة و من بحكمه ليس إلّا مجتهدا أو مقلّدا، فلو تقدّمت الأربع على الاجتهاد لوجبت على عامة الناس و هم غيرهما أبدا، و لا قائل به .. إلى آخر ما قال «3».

و ما يستدل لقوله من كون لزوم الأربع موافقا لأصل الاشتغال، و مرسلة خراش: جعلت فداك،

إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: «ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ إلى أربع وجوه» «4» حيث إنها ظاهرة في نفي الاجتهاد من أصله.

ففيه: أنّ الأصل المذكور مع ما ذكر من الأخبار لا يفيد شيئا. و المرسلة غير

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 118.

(2) انظر المبسوط 1: 78 و 80.

(3) كشف اللثام 1: 177.

(4) التهذيب 2: 45- 144، الاستبصار 1: 295- 1085، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 169

دالّة، إذ يمكن أن يكون المراد بالاستواء في الاجتهاد حينئذ الاستواء في كيفيته، أو في الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم و الظن، و هو سقوط اعتبار القبلة، و بالجملة ليس فيها دلالة واضحة على ما ذكره.

فائدة

: و إذ عرفت وجوب التحرّي في تحصيل الظن لغير المتمكن من العلم، فلا بدّ له من معرفة الطرق المحصلة للظن.

فمنها: القواعد الهيوية، و هي محصّلة للظن القوي بجهة القبلة بالمعنى الذي ذكرنا، أي بالمسافة التي يكون البعيد المحاذي لأيّ جزء منها حقيقة محاذيا للكعبة عرفا، و هي كما عرفت تتّسع بزيادة البعد عنها.

و ما في كلام جماعة من أنها محصّلة للظن بالعين و القطع بالجهة «1»، كلام غير محصّل جدّا، فإنّه لا سبيل للقواعد الهيوية إلى تحصيل العين التي هي لا تزيد طولا و عرضا عن نحو من ثلاثين ذراعا بوجه من الوجوه، و كيف يظن بتلك القواعد خصوص موضع هذا القدر من المكان في البعد؟! فإنه أمر لا سبيل إليه منها.

و كذا القطع بالجهة، فإنّ تلك القواعد مأخوذة من كلام أهلها الذي يجوز على كلّ منهم

الخطأ، و مبنيّة على الأرصاد المختلفة عن بعض الآحاد، مع بعض اختلاف فيها أيضا. و مع ذلك فيها وجوه أخر من منافيات القطع.

فالحاصل من تلك القواعد: تعيين الموضع الذي يظن المستقبل له المحاذاة العرفية للكعبة، لكونه إمّا عينها أو ما يقاربها، بحيث لا يخرج المحاذي له في البعد عن محاذاة الكعبة عرفا، و يعدّ المتوجّه إليه متوجّها إليها كذلك.

و مقابل هذا القول ما قيل من أنها غير مفيدة للظن أيضا، لابتنائها على كروية الأرض التي ليس عليها دليل، بل لا توافق ظواهر الآيات. مضافا إلى أنها خالية عن الدليل التام و مأخوذة من كلام الهيويين الذين لا وثوق لنا بإسلامهم

______________________________

(1) كما في الذكرى: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 170

فضلا عن عدالتهم، فلا يفيد كلامهم علما و لا ظنّا [1].

و هو ضعيف غايته، فإنها و إن كانت مبتنية على الكروية و لكن دعوى أنه لا دليل عليها إن أريد القطعي فلا بأس به، و إن أريد الأعم فخلاف الواقع، حيث إنّ إفادة الأدلة الآتية- المفصّلة في محالّها- للظن القوي بكرويتها ممّا لا مجال للريب فيها، بل لا يبعد أن يحصل من اجتماعها العلم العادي للممارس المتفرّس.

و أمّا القول بأنها لا توافق ظواهر الشرع فلم نعثر على ظاهر واحد ينافيها، و بعض الآيات التي ذكروها غير دالّة على خلافها جدّا.

مع أنّ أكثر عظماء علماء الشريعة صرّحوا بكرويتها، منهم الفاضل في كتاب الصوم من التذكرة «1»، و ولده فخر المحقّقين في الإيضاح «2»، و غيرهما «3».

و أمّا أنّ شيئا من تلك القواعد ليس عليه دليل تام فكلام خارج عن الإنصاف جدّا، كيف و مع أنّ أكثرها يثبت بالدلائل الهندسية و البراهين المجسطية [2] التي لا يتطرق

إليها ثبوت شبهة.

و أمّا حديث عدم الوثوق بأهله و عدم عدالتهم فلا يصلح الإصغاء إليه، فإنه لا يشترط في ذلك حصول اليقين. و رجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه في كلّ فن إلى علمائه و تعويلهم على قواعدهم إذا لم يخالف الشرع شائع ذائع، كما في مسائل النحو و اللغة و الطب و الحساب، من غير بحث عن عدالتهم. بل يأخذون تلك المسائل مسلّمة، للظن الغالب بأنّ جماعة من حذّاق صناعة إذا اتّفقت كلمتهم

______________________________

[1] قد أنكر صاحب الحدائق كروية الأرض في كتاب الصوم (ج 13 ص 226) و قال: إن ساعدني التوفيق أكتب رسالة شافية في دفع هذا القول. و استشكل صاحب المدارك من ناحية إسلام الهيويين و عدالتهم. المدارك 3: 121.

[2] المجسطي: موسوعة فكلية برهانية، ألّفها بطليموس، و ترجم إلى العربية أكثر من مرة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 269.

(2) إيضاح الفوائد 1: 252.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 59، و المجلسي في مرآة العقول 17: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 171

على شي ء ممّا يتعلّق بها فهو أبعد عن الخطأ.

و ليت شعري كيف يفيد كلام الجوهري- مثلا- الظن في اللغة (و يتّبع) [1] و لا يفيد كلام حجة الفرقة مع جمّ غفير من علماء الهيئة؟! بل كيف يعوّل على قول فلان اليهودي المتطبّب، و لا يقبل قول جماعة من علماء الإسلام فيما يتعلّق بفنّهم؟! مع إطباق العام و الخاص على بلوغ حذاقتهم في ذلك الشأن بما لا مزيد عليه، و شهادة المشاهدات الكثيرة في رؤية الأهلّة و الخسوف و الكسوف و نحوها على صدق مقالهم، و اتّفاق جميع الفقهاء على الرجوع في ذلك إلى أقوالهم، بل تصريح جماعة بإفادتها العلم بالجهة، و بالجملة فذلك أمر ظاهر

جدّا.

ثمَّ معرفة القبلة بالقواعد الهيوية يمكن من وجوه كثيرة نحن نذكر شطرا منها:

فتارة تعرف بالشمس، و توضيحه: إنّ الشمس تكون مارّة بسمت رأس مكة- شرّفها اللّه تعالى- حين كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء و الثانية و العشرين من السرطان وقت انتصاف نهار مكة، لأنّ ميل كلّ منهما عن المعدّل بقدر عرضها، و التفاوت بين نصف نهار كلّ بلد و نصف نهارها بقدر الفصل بين طوليهما، لأنه قوس من المعدّل واقع بين دائرتي نصف نهار البلدين.

و على هذا فإذا رصد يوم كون الشمس في إحدى الدرجتين و أخذ لكلّ خمس عشرة درجة من التفاوت بين الطولين ساعة، و لكلّ درجة أربع دقائق، و يجمع الحاصل، فإذا مضى بقدره من نصف نهار البلد، إن كان شرقيا من مكة أي زاد طوله على طولها، و إذا بقي بقدره إليه إن كان غربيّا منها أي نقص طوله عن طولها، فسمت ظلّ الشاخص حينئذ هو القبلة، و هي إلى خلاف جهة الظل، فإذا جعل المصلّي الظل بين قدميه و سجد عليه متوجّها إلى الشاخص يكون متوجّها إلى

______________________________

[1] ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 172

القبلة.

و إن لم يكن فصل ما بين الطولين بل اتّحد طول البلد و مكة، فيؤخذ الظل حال وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار، أو يؤخذ الشمس حال زوالها بلا مهلة على طرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف.

ثمَّ الطريقة المشهورة في استخراج سمت القبلة بالأسطرلاب- و هي أن تضع إحدى الدرجتين السابقتين من منطقة البروج على خط وسط السماء في صفحة البلد حال كون الشمس في تلك الدرجة، و تعلم موضع المري من الحجرة، ثمَّ تدير العنكبوت بقدر ما بين طول البلد و مكة

إلى المغرب إن زاد طوله، و إلى المشرق إن نقص، فحيث انتهت الدرجة من مقنطرات الارتفاع رصد بلوغ ارتفاع الشمس عند المقنطرة، فظل الشاخص حينئذ على سمت القبلة- لا تخرج عن الطريقة المذكورة، بل هي هي في الحقيقة.

و أخرى تعرف بالدائرة الهندية، و معرفتها منها على نوعين:

أحدهما: إنّ بعد تسوية الأرض، و رسم الدائرة، و استخراج خطي الاعتدال و الزوال القاسمين لها أرباعا على الطريقة المشهورة، يقسّم كلّ ربع تسعين قسما متساوية، ثمَّ يعدّ من نقطة الجنوب أو الشمال بقدر ما بين الطولين [إلى المغرب ] [1] إن زاد طول البلد على طول مكة شرّفها اللّه تعالى، و إلى المشرق إن نقص، و من نقطة المشرق أو المغرب بقدر ما بين العرضين إلى الشمال إن نقص عرضه، و إلى الجنوب إن زاد. و يخرج من منتهى الأجزاء الطولية خطا موازيا لخط الزوال، و من منتهى الأجزاء العرضية خطا موازيا لخط الاعتدال، و يتقاطع الخطان داخل الدائرة غالبا. فصل بين مركزها و نقطة التقاطع بخط منته إلى محيطها، فهو على صوب القبلة.

هذا إذا كان البلد مخالفا لمكة طولا و عرضا. و إن اتّحدا طولا فخط الزوال

______________________________

[1] أضفناه لتمامية المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 173

على صوبها، منتهيا إلى نقطة الجنوب إن زاد عرض البلد، و إلى نقطة الشمال إن نقص. و إن اتّحدا عرضا فقط يعدّ من نقطة المغرب إلى الشمال بقدر العرض إن زاد طول البلد، و من نقطة المشرق إليه بقدره إن نقص، فالخط الواصل بين مركز الدائرة و منتهى الأجزاء العرضية على صوب القبلة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    173     المسألة الثانية: ..... ص : 165

ثانيهما: إنّ بعد رسم الدائرة

و استخراج خط الزوال و تقسيم الأرباع، يعدّ من القوس التي في جهة انحراف البلد بقدر أجزاء الانحراف، و يوصل بين منتهاه و مركز الدائرة فهو خط صوب القبلة. و جهة الانحراف من الجنوب إلى المغرب إن كان البلد شرقيا شماليا من مكة، أي زاد عليها طولا و عرضا. و منه إلى المشرق إن كان غربيا كذلك، أي نقص طولا و زاد عرضا، و من الشمال إلى المغرب إن كان شرقيا جنوبيا، أي زاد طولا و نقص عرضا، و منه إلى المشرق إن كان غربيا كذلك، أي نقص طولا و عرضا، و لا انحراف مع الاتّحاد طولا كما مرّ، و مع الاتّحاد عرضا من الشمال إلى المغرب بقدر تمام العرض إلى التسعين [1] إن زاد طول البلد، و منه إلى المشرق كذلك إن نقص.

و قد رسمنا جدولا على حدة مشتملا على أطوال البلاد المشهورة و عروضها و جهات انحرافها و مقادير الانحراف، لئلّا يحتاج الطالب إلى كتاب آخر. [2]

______________________________

[1] أي بقدر ثمان و ستين درجة و عشرين دقيقة، لأن عرض مكة- على ما في الجدول- إحدى و عشرون درجة و أربعون دقيقة.

[2] سيأتي في ص 179. و لا يخفى أن القدماء اتفقوا على أنّ مبدأ الطول منتهى العمارة في جانب الغرب، و كانت في عصرهم جزيرة من الجزائر المسماة بالخالدات، الواقعة في مغرب إفريقيا قريبة من ساحل اقيانوس المسمى بالبحر المحيط، و تابعهم المصنف- قدس سره- في ذلك. و لكن استقر اتفاق القوم في هذه الأعصار على أنّ المبدأ قرية بالجنوب الشرقي من لندن تسمّى ب «كرينويج» و معرّبة: «جرينوش». و الاختلاف في مبدأ الطول لا يضرّ بمقدار انحراف القبلة، لأن التفاوت بين طول البلد

و مكّة على التقديرين واحد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 174

و ثالثة: بالمشرق و المغرب أي بالشمس، بجعل الأول على الأيسر و الثاني على الأيمن، فيكون المستقبل إليه قبلة لبلد كان مساويا لمكة طولا و زائدا عنها عرضا، و إن نقص عرضا فيجعل الأول على الأيمن و الثاني على الأيسر.

و قيّدهما الشهيدان «1»، و المحقّق الشيخ علي «2»، و صاحب التنقيح «3»، و غيرهم «4» بالاعتدالين، أي مشرق أوّلي الحمل و الميزان.

و نقل شيخنا البهائي عن والده عدم الاحتياج إلى التقييد، معلّلا بأنّ الخط الواصل بين مشرق كلّ يوم و مغربه يقاطع خط الجنوب و الشمال على القوائم، فلو جعل مغرب أيّ يوم كان على اليمين و مشرقه على اليسار في الأول و عكس في الثاني يواجه القبلة. و استجوده «5». و تبعهما على ذلك بعض من تأخّر عنهما «6».

و هو غفلة واضحة، لأنّ الفصل بين اليمين و اليسار نصف الدور دائما لا ينقص عنه البتة، و الفصل بين مشرق كلّ يوم غير يوم الاعتدال و مغربه أقلّ من النصف البتة، فلا يمكن جعلهما على اليمين و اليسار، بل ينحرف اليسار عن مغرب الاعتدال على خلاف جهة انحراف مشرق كلّ يوم عن مشرق الاعتدال بقدر انحرافه، ففي أول الشتاء يكون البعد بين المشرقين بقدر الميل الكلّي إلى جانب الشمال أي أربع و عشرين درجة، فإذا جعل على اليمين ينحرف اليسار عن المغرب إلى الجنوب بهذا القدر، و يلزمه انحراف القبلة عن الجنوب إلى المشرق بهذا القدر، و ليس هذا تقريبيا حتى يتسامح فيه، بل التفاوت بينهما بعد المشرقين.

______________________________

(1) البيان: 114، روض الجنان: 196.

(2) جامع المقاصد 2: 55.

(3) التنقيح الرائع 1: 174.

(4) كصاحب المدارك 3:

128.

(5) الحبل المتين: 193.

(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 175

فالصواب فيما ذكروه هو التقييد بارتكاب تقريب و تخصيص و تجوّز.

نعم، يمكن أن يعرف بكلّ واحد من المشرق و المغرب الغير الاعتداليين منفردا لا مجتمعا قبلة بعض البلاد المنحرفة.

و بيانه: أنّ من جعل مشرق الاعتدال على اليسار يقابل المغرب يمينه و نقطة الجنوب بين عينيه، فإذا انحرف مشرق جزء عن الاعتدال إلى الشمال كما في الربيع مثلا ينحرف يمينه بقدر سعة مشرق هذا الجزء من المغرب إلى الجنوب، و بين عينيه من الجنوب إلى المشرق، و إذا انحرف المشرق إلى الجنوب كما في الخريف ينحرف اليمين من المغرب إلى الشمال، و بين العينين من الجنوب إلى المغرب، و لمواجهة نقطة الشمال يلاحظ المغرب على اليسار أو المشرق على اليمين.

و على هذا فكلّ جزء من أجزاء المنطقة يساوي بعد مطلعة عن مطلع الاعتدال في بلد- أي سعة مشرقه- انحراف قبلة البلد، فإذا جعل المشرق في يوم كانت الشمس في ذلك الجزء على اليسار يكون مواجها للقبلة إن كان البلد أكثر عرضا من مكة، و إذا جعل على اليمين يكون مواجها لها إن كان أقل.

و رابعة: بالكواكب، و توضيحه: أنّ كلّ كوكب من الكواكب في أيّ ارتفاع كان من الارتفاعات يمكن أن يفرض له وضع خاص مع كلّ شخص بالنسبة إلى أجزاء بدنه، بحيث يوجب ذلك الوضع كون هذا الشخص مواجها للقبلة. و لكن لمّا لم يكن جميع الكواكب معروفة بين الناس، و جميع الارتفاعات معلومة بالسهولة، و جميع الأوضاع منضبطة منقّحة، اقتصروا في تعريف القبلة بهذه الطريقة على بعض الكواكب المعروفة حال كونه في نصف النهار، أو المشرق أو المغرب،

لمعلوميته في بعض الأوضاع المنضبطة، ككونه على أحد المنكبين، أو بين الكتفين، أو العينين و أمثالها.

و الكواكب التي ذكروها سبعة: الجدي، و بنات النعش، و شولة، و النسر الطائر، و الثريا، و العيّوق، و سهيل.

أما الأول فقد وردت به الروايات أيضا، ففي موثّقة ابن مسلم: عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 176

القبلة، قال: «ضع الجدي في قفاك و صلّ» «1».

و في مرسلة الفقيه: إنّي أكون في السفر و لا أهتدي إلى القبلة في الليل، فقال: «أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟» قلت: نعم، قال: «اجعله على يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك» «2».

و في تفسير العياشي: عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . هو الجدي، لأنه نجم لا يزول، و عليه بناء القبلة» «3».

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة إلّا أنّ الفقهاء لمّا رأوا امتناع إبقائها على ذلك الإطلاق ضرورة اختلاف قبلة البلاد، قيّدوها بأهل العراق بقرينة رواتها، مع أنه الموافق للاعتبار، ثمَّ لأجل تفاوت قبلتهم أيضا ارتكبوا فيه التفصيل أيضا.

و التحقيق: أنّ العمل بإطلاقها غير متصوّر قطعا، و لا قرينة تامة على خصوصيات التقييد إلّا ملاحظة ما تقتضيه القواعد الهيوية، و هي بأنفسها في المقام حجة كاملة، فالأولى الرجوع في ذلك إليها أيضا، و مقتضاها جعل الجدي بين الكتفين في بلد ساوى مكة طولا تقريبا و زاد عنها عرضا، كأطراف العراق الغربية، من الموصل، و أرز الروم، و ما والاهما. و بين العينين فيما ساواها طولا و نقص عرضا، كالطائف، و صنعاء دار الملك يمن. و على خلف المنكب الأيمن، أي أوائل الكتف بالنسبة إلى بين

الكتفين- كما ذكره والدي رحمه اللّه في المعتمد- في أواسط العراق من بغداد، و الكوفة، و المشهدين، و الحلّة. و على خلف أواسط الكتف الأيمن في أطرافه الشرقية، من البصرة و ما يقربها انحرافا، كأصبهان و كاشان و قم و جرباذقان [1] و الري و أستراباد و سمنان و دامغان و بسطام و آمل. و على

______________________________

[1] جرباذقان بالفتح، و العجم يقولون كرباذكان: بلدة قريبة من همذان بينها و بين الكرج و أصبهان. و أيضا: بلدة بين أسترآباد و جرجان من نواحي طبرستان. معجم البلدان 2: 118.

______________________________

(1) التهذيب 2: 45- 143 الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

(2) الفقيه 1: 181- 860، الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 2.

(3) تفسير العياشي 2: 256- 12، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 177

خلف أواخر الكتف الأيمن المتصل بالعضد فيما يزيد انحرافه نحو المغرب، كأكثر بلاد الهند و السند. و على خلف المنكب الأيسر فيما كان انحرافه شرقيا من الجنوب، مبتدئا من أوائل الكتف إلى أواخره بزيادة الانحراف، ثمَّ تحريفه من بين العينين إلى الخد الأيمن شيئا فشيئا بزيادة الانحراف من الشمال إلى المشرق، و إلى الأيسر كذلك بزيادة منه إلى المغرب.

و بالجملة: لكون الجدي ساكنا حسّا يصلح في جميع حالاته لجعله علامة، كما تقتضيه رواية العياشي. و قاعدته جعله بين الكتفين لما قبلته نقطة الجنوب و تحريفه شيئا فشيئا من أوائل الكتف الأيمن إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى المغرب حتى ينتهي إلى مقابل اليد اليمنى فيما قبلته نقطة المغرب، و تحريفه كذلك من أوائل الكتف الأيسر إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى المشرق حتى

ينتهي إلى مقابل اليد اليسرى فيما كانت قبلته نقطة المشرق، و جعله بين العينين لما قبلته نقطة الشمال و تحريفه منه إلى الخدّ [الأيمن ] [1] شيئا فشيئا بزيادة الانحراف الغربي حتى ينتهي إلى اليد اليمنى لما قبلته نقطة المغرب، و إلى [الأيسر] [2] كذلك بزيادة الانحراف منه نحو المشرق حتى ينتهي إلى اليد اليسرى لما قبلته نقطة [المشرق ] [3].

و تبديل الجدي بنجم خفي يراه حديد النظر، و جعله آكد دلالة من الجدي، معلّلا بأنّ الأول لا يزول عن مكانه بخلاف الثاني، فإنه عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبهما، و بعده عن القطب كبعد الفرقدين، كما في المعتبر و التذكرة و التنقيح «1»، خطأ، فإنّ الجدي في جميع حالاته أقرب إلى القطب

______________________________

[1] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

[2] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

[3] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

______________________________

(1) المعتبر 2: 69، التذكرة 1: 101، التنقيح 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 178

من ذلك النجم و أقلّ حركة منه، بل لا يحسّ بحركة الجدي، و الفرقدان يتحرّكان حوله محسوسا. و تؤكّده رواية العياشي أيضا.

و أمّا البواقي فليس ذكرها في رواية، و ذكرها جماعة من الأصحاب علامة عند الطلوع و الغروب بما فيه تفاوت فاحش، و مخالفة في بعضها بعضا، و اختلاف في كلماتهم بعضا للبعض، كما جعل بعضهم وضع النسر عند الطلوع بين الكتفين علامة للبصرة و البحرين و يمامة «1»، مع أنّ لكون سعة مشرقه تسع درجات شمالية و كون انحراف

البلدة الاولى من نقطة الجنوب سبعا و عشرين [1] و انحراف الباقيتين أقل، تختلف القبلة نحوا من ستين درجة، و مع ذلك جعل وضع المشرق على المنكب الأيمن أيضا علامة لهم. و في العلامتين مخالفة كثيرة.

و جعل بعضهم وضع بنات النعش على خلف أواسط الكتف الأيمن عند الطلوع علامة لأهل الهند و السند، و آخر وضعها على الخد الأيمن علامة لهم «2»، إلى غير ذلك ممّا يستدعي استقصاؤها كتابا.

و التحقيق في كيفية معرفة القبلة من الكواكب المذكورة و غيرها: أن يعلم كوكب يساوي أو يقرب سعة مشرقه أو مغربه انحراف البلد، فيوضع مطلع كوكب سعته مساوية للبلد المطلوب جنوبية على مقابل اليد اليسرى، أو مغرب ما سعته شمالية مقابل اليمنى إن كان انحراف البلد جنوبيا غربيا، و يوضع مغرب الأول على اليمنى أو مطلع الثاني على اليسرى إن كان انحرافه جنوبيا شرقيا، و يوضع مطلع ذي السعة الجنوبية على اليمنى، أو مغرب ذي الشمالية على اليسرى إن كان الانحراف شماليا شرقيا، و مغرب الأول على اليسرى أو مطلع الثاني على اليمنى إن كان شماليا غربيا.

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن المضبوط في الجدول انحراف البصرة سبع و ثلاثون درجة تقريبا.

______________________________

(1) رسالة إزاحة العلّة، المنقولة في البحار 81: 81.

(2) رسالة إزاحة العلّة، المنقولة في البحار 81: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 179

و هذه قاعدة مطّردة جيّدة، و لكن لتفاوت سعة كلّ كوكب بتفاوت البلدان عرضا يجب أن يكون علامة كلّ بلدة كوكب تساوي سعته فيها لانحرافها و لو تقريبا.

و على هذا فعلامة القبلة لأهل البصرة و شوشتر و كاشان و قم و الري و سمنان و أستراباد و دامغان و بسطام و إيروان و

بارفروش و ما يقرب منها: وضع نير الفكة مقابل اليد اليمنى عند الغروب. و لأهل سرّ من رأى، و بغداد و كوفة و خوي و موقان و أرومية و ما والاها: وضع النسر الطائر عليه عنده. و لأهل هرات و قاين و بلخ و بدخشان: وضع العيّوق عليه عنده. و لأهل همدان و قزوين و سلطانية و فومن: وضع سماك الرامح عليه عنده. و لأهل لاهيجان: وضع قلب العقرب مقابل اليسرى عند الطلوع، و هكذا.

و نحن نضع هنا جدولا لمعرفة سعة مشرق بعض الكواكب المشهورة و مغربه في بعض العروض، ليسهل الوصول إلى المطلوب بانضمامه مع الجدول المتقدم، و نتبعه بجدول آخر لمعرفة سعة مشرق أوائل البروج و أواسطها في بعض العروض، ليعرف بوضع مطلع الشمس أو مغربها عند حلولها فيها على اليسار أو اليمين قبلة بلد ذلك العرض إذا كان انحرافه مساويا للسعة. و هذا هو الجدول:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 184

ثمَّ إنه وقع في المقام لكثير من الفقهاء- سيما الشيخ الجليل أبي الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته التي نقلها في البحار «1»- اختلافات كثيرة من حيث نفس العلامات المنفردة، و من حيث جمع بعضها مع بعض، بحيث لا يحتمل حملها على التقريبات المغتفرة.

هذا أول الشهيدين أطلق كغيره جعل الثريا و العيّوق عند طلوعهما على اليمين و الشمال علامة لأهل المغرب «2».

و قيّده ثانيهما- رحمه اللّه- ببعضهم «3».

______________________________

(1) البحار 81: 73- 85.

(2) انظر اللمعة (الروضة 1: 197)، و كشف اللثام 1: 174.

(3) الروضة البهية 1: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 185

و ظاهر أنه غير معقول، إذ الفصل بين مقابلي اليمين و الشمال نصف الدور، و بين مطلعي الكوكبين نصف

عشره، فلا يتأتّى وضع أحدهما على اليمين و الآخر على الشمال في موضع واحد.

و التوجيه: بأنّ المراد أنّ قبلتهم بين مطلعيهما، بحيث يكون الثريّا على جهة اليمين و العيّوق على جهة الشمال، غير خال عن التكلّف و التخصيص الغير المرضي، و البعد. و بأنّ العيوق علامة للغربي الشمالي، و الثريا للجنوبي غير صحيح، لأنّ كليهما شماليان عن مشرق الاعتدال، إلى غير ذلك ممّا في كلماتهم من الاختلافات التي يتمكن من استخراجها من أحاط بما ذكرنا.

و خامسة: بالقمر، فجعلوا جعله بين العينين عند غروب الشمس في الليلة السابعة من كلّ شهر، و عند انتصاف الليل في الرابعة عشرة منه، و عند الفجر في إحدى و عشرين علامة لأهل العراق.

و فيه من التغريب من وجهين ما لا يخفى [1].

و سادسة: بمنازل القمر، و هو في الحقيقة راجع إلى المعرفة بالكواكب، فحكمها حكمها.

و من الطرق المفيدة للظن: إخبار العدلين، بل العدل، بل جماعة الفسّاق، بل الفاسق الواحد و إن كان في قبول الأخير نظر يظهر في ما سيأتي في الأعمى، و إخبار أهل البيت بقبلة البيت، سواء كان إخبارهم مستندا إلى المشاهدة أو الاجتهاد.

و ليس التعويل على ذلك تقليدا، لأنّه الأخذ بقول الغير تعبّدا من غير ملاحظة إفادته العلم أو الظن، و المناط هنا تحصيل الظن المندرج في التحرّي. و لو عمّم التقليد بحيث يشمله أيضا فيكون بعض أفراده داخلا في التحرّي و الاجتهاد أيضا، فلا مانع من الأخذ به.

______________________________

[1] أحدهما باعتبار بلاد العراق، و الآخر باعتبار سير القمر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 186

نعم، لو تمكن من الاجتهاد الأقوى، لم يجز التعويل عليه كما يأتي.

و هذا مراد من منع من التقليد للمتمكن

من الاجتهاد، فأراد بالاجتهاد استعمال القواعد، و بالتقليد العمل بخبر الغير و إن أفاد الظن، و إلّا فغير المفيد له لا يجوز التعويل عليه مع عدم التمكن من الاجتهاد أيضا.

و منها: محاريب مساجد بلد الإسلام، صغيرا كان أو كبيرا، و قبوره و بيوته، و محاريب الطرق المسلوكة، لبعد اتّفاق أهلها و استمرارهم على الخطأ.

و جعله من علائم القطع لذلك- كجماعة «1»- غير جيّد، لإمكان بنائهم أوّلا على ما تمكنوا من الاجتهاد المجزئ لهم و استمرارهم عليه، سيما في القرى الصغار، إلّا إذا كان من المواضع القريبة إلى الكعبة جدّا، كمكّة و ما يقربها، فيمكن حصول العلم بما جرى عليه أهله من القبلة، و أما في البعيد فلا.

ثمَّ على ما عرفت تعلم أنّ التعويل على ما لا يفيد العلم منها مختص بغير المتمكن من العلم، و تعويله لأجل إفادته الظن أيضا لا تعبّدا، لعدم دليل عليه بخصوصه، و أمّا الإجماعات المنقولة فلا تفيد زيادة على ذلك.

و على هذا فلو لم يحصل الظن منها في موضع، لظهور مخالفتها لما يحصل من بعض قواعد القبلة، يسقط عن الاعتبار و يرجع إلى ما يحصل منه الظن.

نعم، الظاهر سيما في بلد كبير كون الظن الحاصل من قبلته المتداولة أقوى من الحاصل من استعمال القواعد، إلّا إذا كانت المخالفة قليلة.

و أمّا الكثيرة الواصلة إلى قريب من ربع الدور و نحوه، فإن فرض تحقّقها فالظاهر عدم سقوط الظن، بل يظن الخطأ في إجراء القاعدة.

و من هنا يظهر سرّ ما ذكره بعضهم من عدم جواز الاجتهاد في الجهة و جوازه

______________________________

(1) منهم: الشهيد الأول في الذكرى: 163، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 72، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 195.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 187

في التيامن و التياسر «1»، يعني أنه لو أدّى الاجتهاد إلى خلاف الجهة لا يعوّل عليه لحكم الحدس بخطئه.

المسألة الثالثة: هل يكتفي غير المتمكن من العلم بمطلق الظن،
اشارة

فتكفيه أمارة محصّلة له و لو تمكّن من أمارة أقوى؟ أو يجب عليه تحصيل أقوى ما يتمكّن منه من الظنون؟

الظاهر الثاني، كما به صرّح طائفة «2»، لأنه المفهوم من التحرّي و تعمّد الجهد- الواردين في النص- في العرف و اللغة، فإنّ التحرّي هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن، ذكره الجوهري و الطريحي «3»، أو الاجتهاد في الطلب، ذكره ابن الأثير «4»، و الاجتهاد: بذل الجهد و استفراغ الوسع، كما ذكره أهل اللغة، بل في النهاية الأثيرية: أنه استفراغ ما في الوسع و الطاقة، و قال أيضا:

يقال جهد الرجل إذا جدّ فيه و بالغ «5». و الجهد هو الطاقة، فتعمده: صرفها، و هو بذل أقصى ما يمكن من السعي.

فلا يكفي للمتمكن من استعمال قواعد الهيئة الاقتصار على الإخبار و لا على قبلة منصوبة، إلّا إذا كان الظن الحاصل منها أقوى، كقبلة المساجد الجامعة في البلاد، أو إخبار جماعة كثيرة من أهل بلد. و لا يكفي إخبار الواحد مع إمكان الأزيد، و هكذا. و بالجملة اللازم بذل الجهد و صرف ما في الوسع.

الرابعة: لو اجتهد فأخبر واحد بخلاف اجتهاده، عمل بالأوثق عنده و لو

______________________________

(1) كما في الذكرى: 163.

(2) منهم الفيض في المفاتيح 1: 114، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 180، و صاحب الرياض 1: 118.

(3) الصحاح 6: 2311، و مجمع البحرين 1: 98.

(4) النهاية 1: 376.

(5) النهاية 1: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 188

كان الخبر، وفاقا لجماعة «1»، لوجوب العمل بظنّه. و خلافا للشيخ «2»، و أتباعه

«3»، لكونه تقليدا غير جائز للمجتهد. و ضعفه ظاهر.

و لو تساويا فيصلّي بهما، كما يأتي.

الخامسة: الأعمى و فاقد الأمارات و غير العارف بها و العارف الغير المتمكن من استعمالها لضيق وقت أو مانع، يعوّل على قول الغير وجوبا، وفاقا لظاهر الإسكافي «4»، و المبسوط و الجامع و الشرائع و الدروس و التحرير «5»، بل الأكثر، لأنّه التحرّي بالنسبة إليه و تعمّد الجهد.

و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بأن يؤمّ الأعمى للقوم إن كانوا هم الذين يوجّهونه» «6».

و بهما يندفع استصحاب الشغل، و تقيّد مرسلة خراش، المتقدّمة «7».

و خلافا للخلاف، فأوجب الصلاة إلى الأربع مع السعة و خيّر مع الضيق، للمرسلة «8». و جوابه ظاهر.

و لمن قال بالأول في الأعمى، و بالثاني أو تردّد في غيره [1].

و لمن قال بالأول لغير العارف بالاجتهاد، و بالثاني للعارف الغير المتمكن

______________________________

[1] قال في القواعد 1: 27: و الأعمى يقلّد المسلم العارف بأدلة القبلة، و لو فقد المبصر العلم و الظن قلد كالأعمى مع احتمال تعدد الصلاة.

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 66، و الشهيد في البيان: 116، و الذكرى: 164، و صاحب المدارك 3: 133.

(2) كما في المبسوط 1: 80.

(3) منهم القاضي البراج في المهذب 1: 87.

(4) انظر المختلف 1: 77.

(5) المبسوط 1: 79، الجامع: 63، الشرائع 1: 66، الدروس 1: 159، التحرير 1: 28.

(6) التهذيب 3: 30- 105، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 7 ح 1 (وردت بتفاوت).

(7) راجع ص 168.

(8) الخلاف 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 189

منه [1]. و يدفعان بعموم ما ذكر.

نعم يمكن الخدش في قبول قول الفاسق، لآية النبإ، فهي للروايتين معارضة، و كلّ خبر لم يوافق كتاب اللّه فهو زخرف، و

لذا منع من قبول قوله جماعة، كما عن الإسكافي «1»، و المبسوط و الإصباح و المهذب و نهاية الإحكام و التذكرة و الذكرى و الدروس و البيان «2». و هو قويّ.

السادسة: هل يجب تعلّم طرق معرفة القبلة عينا مطلقا؟ أو مع ظهور الحاجة إلى التعلّم و التمكن منه؟

الظاهر الثاني، للأصل، و وجوب مقدمة الواجب. و الأولى للمسافر إذا ورد بلدة أو قرية معلومة القبلة أو مظنونها أن يعيّن كوكبا أو نحوه علامة لقبلة ما يقربها من الطرق.

السابعة: قد يوجد في بعض العبارات سهولة الخطب في أمر القبلة «3».

و يستند فيها تارة إلى ما ورد من قولهم: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» «4» و أخرى إلى ما يوجد في كلمات الأصحاب من الخلف و الاختلاف، و ثالثة إلى استنادهم بالعلامات الغير المفيدة لغير الظن غالبا، و رابعة إلى عدم ورود غير خبر «5» في خصوص قبلة البعيد و بيان علامتها.

______________________________

[1] قال الشيخ في موضع من المبسوط (1: 79): إنّ فاقد أمارات القبلة أو الذي لا يحسن ذلك يجوز له التقليد و الرجوع إلى قول الغير. ثمَّ قال في موضع آخر منه (1: 80): إن العالم بأمارات القبلة متى اشتبه عليه الأمر لا يجوز له التقليد، بل يصلي إلى أربع جهات.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 77.

(2) المبسوط 1: 80، المهذب 1: 87، نهاية الاحكام 1: 395، التذكرة 1: 103، الذكرى:

164، الدروس 1: 159، البيان: 116.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 59، و المدارك 3: 121، و الحدائق 6: 387.

(4) انظر الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10.

(5) راجع ص 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 190

و هو كلام خال عن التحقيق بعيد عن الصواب،

لأنّ بعد التصريح في الكتاب و السنّة بأنّ الكعبة أو مع المسجد و الحرم قبلة يجب استقبالها ما الذي يسهل خطبها و يجوّز التسامح فيها؟

و أمّا كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فقد عرفت ما يعارضه و ما يراد منه «1»، مع أنك تراهم لا يعملون بذلك أبدا و يبطلون الصلاة بأدنى انحراف عمّا أدّى إليه العلامات عمدا.

و أمّا الخلف و الاختلاف، فهو ناش إمّا عن الخطأ في مقتضى العلامة أو الاختلاف في فهم مقتضياتها.

و أما الاستناد إلى العلامات: فلأنّه المرجع عند سدّ باب العلم، بتصريح الأخبار.

و أما عدم تعيين العلامات في الأخبار: فلأنّه من باب تعيين الموضوع، و هو على المكلّف نفسه، و لا اهتمام للشارع في بيانه، فالواجب هو استقبال الكعبة بحيث يصدق عليه عرفا أنه استقبلها و توجّه إليها، و لا تجوز المسامحة في ذلك.

نعم، كما أنه إذا كانت هناك منارة رفيعة قطرها ذراعان مثلا، يخرج في قربها بعض من الصفّ المشتمل على العشرة عن الاستقبال العرفي لها، و لا يخرج في بعد فرسخين منها مثلا أحد من الصفّ المشتمل على المائة، و يقال لكلّ منهم: إنّه متوجّه إلى المنارة، و لا في بعد مائة فرسخ أحد من الصف المشتمل على الألف بل عشرة آلاف، كما مرّ بيانه «2»، تتّسع دائرة صدق الاستقبال العرفي في البعيد، لا بمعنى أنّ جهة توجّه شخص واحد متّسعة يجوز له الميل إلى كلّ جزء منها، لأنّ الميل اليسير من البعيد يوجب الانحراف الكثير غاية الكثرة عن الكعبة بحيث ينتفي صدق الاستقبال العرفي، و لذا لا يجوّزون لأحد ميلا عمّا اقتضته العلامة

______________________________

(1) راجع ص 167.

(2) راجع ص 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 191

أبدا، بل

بمعنى أنّ سمت توجّه الأشخاص المتوازية الكثيرة في البعيد واحد، و يكون سمت توجّه الأماكن القريبة متّحد، و يزداد الاتّساع بذلك المعنى بزيادة البعد.

و سبب التفرقة ما مرّ من أنّ بميل شخص واحد في خراسان مثلا بقدر شبر عمّا اقتضته العلامة قد يصير البعد بين طرف خط العلامة و طرف خط سمت الميل في مكة أزيد من مائة فرسخ، بخلاف الشخصين المتوازيين اللذين بينهما فرسخ مثلا، فإنّ البعد بين سمتي توجّههما لا يزيد عن الفرسخ و إن ذهب السمتان إلى غير النهاية.

الثامنة: المشهور رجحان التياسر قليلا لأهل العراق، إمّا مع وجوبه كما هو ظاهر جماعة من القدماء منهم: الشيخ في كثير من كتبه منها الخلاف مدّعيا فيه عليه الإجماع «1»، و ابن حمزة «2»، و الشيخان أبو الفتوح «3»، و أبو الفضل شاذان بن جبرئيل «4». أو استحبابه كما هو المشهور عند القائلين بالرجحان، و هو المحكي عن الشيخ في المصباح «5» و مختصره، و ابن سعيد مبدلا للعراقي بالمشرقيين [1].

لرواية المفضل: عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه، فقال: «إنّ الحجر الأسود لمّا أنزل من الجنة و وضع في موضعه، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، و عن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات

______________________________

[1] الجامع للشرائع: 63 قال فيه: يستحب للعراقيين و المشرقيين أن يتياسروا قليلا.

______________________________

(1) كما في الاقتصاد: 257، و المبسوط 1: 78، و الجمل و العقود: 176، النهاية: 63، الخلاف 1:

297.

(2) الوسيلة: 85.

(3) تفسير روح الجنان 1: 422.

(4) رسالة إزاحة العلة المنقولة في البحار 81: 77.

(5) مصباح المتهجد: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 192

اليمين خرج عن القبلة لقلة أنصاب الحرم، و إذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم يكن خارجا من حدّ القبلة» «1».

و مرفوعة محمد: لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: «إن للكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، و اثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» «2».

و في الفقه الرضوي: «إذا أردت توجّه القبلة فتياسر [مثلي ] ما تيامن، فإنّ الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال» [1].

و المراد بيمين الكعبة و يسارها يمين مستقبلها و يساره، كما تدلّ عليه المرفوعة.

خلافا لجماعة، كالمحكي عن روض الجنان و المحقّق الثاني و النافع و ظاهر الدروس «3»، و جملة ممّن تأخّر عنهم «4»، فبين مانع من الرجحان مطلقا، و متردّد، لكونه- كما هو ظاهر التعليل، و صريح الأكثر- مبنيا على اعتبار الحرم، و لذا عدّ من أدلّته. و قد عرفت ضعفه.

و قد يمنع الابتناء و يحتمل اطّراده على القولين، بل الاطّراد ظاهر الفاضل في المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد «5»، و الشهيد في الذكرى «6»، و غيرهما «7»،

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 98، مستدرك الوسائل 3: 180 أبواب القبلة ب 3 ح 1، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مثل، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 178- 842، التهذيب 2: 44- 142، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.

(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 105 ح 6، التهذيب 2: 44- 141، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 1.

(3) روض الجنان: 198، جامع المقاصد 2: 56، النافع: 24، الدروس 1: 159.

(4) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 176، و الفيض في مفاتيح

الشرائع 1: 113.

(5) المختلف 1: 77، التحرير 1: 28، الإرشاد 1: 245، القواعد 1: 26.

(6) الذكرى: 162.

(7) كصاحب كشف الغطاء: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 193

حيث صرّحوا بهذا الحكم مع اختيارهم اعتبار جهة الكعبة دون الحرم، لأنّ فيها من السعة ما لا يخفى، فيمكن استحباب التياسر و لو لم يعتبر الحرم.

و لا ينافيه التعليل، إذ استقبال الأقرب إلى الحرم فالأقرب راجح، و تحصيل الظن به مع الإمكان مندوب، فمع أكثرية أنصاب الحرم على اليسار يوجب التياسر- عند استعمال العلائم المحصّلة للجهة- قوة الظن بالأقربية منه.

أقول: لا يخفى ضعف كلّ ما ذكروه من الابتناء و الاطّراد و رجحان التياسر.

أمّا الأول: فلأنّه إنّما يتمّ إذا كانت علامات القبلة مفيدة للظن بعين الكعبة و استحب توسيط الحرم، فحينئذ يمكن أن يقال: إنه يستحب له التياسر حتى يحصل التوسيط، إذ لو لا الأول فلا تفيد أكثرية الحرم ذات اليسار رجحان التياسر، إذ لا يعلم المصلّي إلّا أنه متوجّه إلى عين الحرم أو جهته، فلعلّه يكون متوجّها إلى يسار الحرم بحيث لو تياسر خرج عن الحرم، أو وقع في أواخر اليسار، فلا يفيد التعليل. و لو لا الثاني فلا فائدة في التياسر، لأنّ استقبال الحرم عينا أو جهة حاصل، و خصوص موضع المستقبل إليه من الحرم غير معلوم و لا مظنون حتى يفيد التياسر فيه شيئا.

و شي ء من الأمرين لا يثبت.

أمّا الأول: فلما مرّ من عدم إمكان الظن بإصابة عين الكعبة.

و أمّا الثاني: فلعدم دليل عليه.

هذا، مع أنه لو سلّم حصول ذلك الظن فيحصل التوسيط بالتياسر الذي تبلغ نهايته عند الحرم نحو ميلين حتى يحصل التوسيط، و ذلك محال في حق العراقي قطعا، إذ لو حصل التياسر بأدنى

ما يمكن أن يتصوّر و يحسّ به، يزيد التفاوت في الحرم عن فرسخ و فرسخين بل عشرة فراسخ.

و القول بأنّ ذلك يقدح على اعتبار عين الحرم دون الجهة، إذ الممكن- على اعتبارها- إيجابه الأبعدية عن العين دون الخروج عن الجهة، إلّا أنّ احتمال إيجابه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 194

الأقربية إليها أظهر، لأكثرية الأنصاب في اليسار. مدفوع: بأنّا لو سلّمنا عدم إيجاب التياسر الخروج عن الجهة، مع أنه غير مسلّم سيما على ما ذكرنا من معنى الجهة، فليس الكلام في الخروج عن القبلة، بل في موافقة التعليل. و إيجاب أكثرية الأنصاب بقدر ميلين في جانب لأظهرية الأقربية إليها في هذا البعد البعيد ظاهر البطلان.

و أمّا الثاني: فلأنّ جهة الكعبة و إن كانت متّسعة، و استقبال الأقرب فالأقرب إلى الحرم راجحا، و تحصيل الظن به مع الإمكان مندوبا، إلّا أنّ هذه الأمور غير مفيدة لرجحان التياسر و لو كانت أنصاب الحرم في جانب اليسار أكثر إلّا إذا كان استعمال العلائم المحصّلة للجهة موجبا للظن بإصابة خارج الحرم عن اليمين، فالتياسر يوجب الأقربية، و لم يقل بذلك أحد، بل يمكن أن تكون الإصابة مع استعمالها على يسار الحرم فيبعد عنه بالتياسر.

نعم، لو قلنا بأنّ استعمال العلائم يفيد الظن بعين الكعبة و يستحب توسيط الحرم، لكان لذلك وجه أيضا، و لكن فيه ما مرّ.

و بالجملة لا يتصوّر معنى للتياسر و ما يضاف التياسر إليه موافقا للتعليل المذكور أصلا، و منه يحصل في التعليل الإجمال المخرج له عن الاعتبار بالمرة.

بل في متن الأخبار في أصل الحكم أيضا إجمال- لا من وجهين- لا يمكن الاستناد إليها أصلا، لأنّ المتياسر عنه فيها غير معلوم، فإنه و إن كان القبلة- كما

به صرّح في الرواية الاولى- و لكن المراد من القبلة فيها لا يمكن أن يكون ما جعله الشارع قبلة من الكعبة أو مع المسجد و الحرم أو مع جهتها أيضا، لأنّ التحريف عنها عمدا غير جائز إجماعا. بل المراد إمّا ما تقتضيه العلامات و يظن به من الأمارات، أو ما كانوا يتوجّهون إليه في زمان الخطاب أو بخصوص بلدة أيضا و كان عليه بناء قبلتهم، لكون المعنى: لم وقع التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة التي يستقبلونها في بلادهم؟ و لعلّه كان لعلم الإمام بحصول تيامن في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 195

قبلتهم، كما يؤيّده ما ورد في وصف مسجد غنى و أنّ قبلته لقاسطة «1»، و ما ورد من أنه إذا قام القائم سوّى قبلة مسجد الكوفة «2»، و ما ورد في إخبار أمير المؤمنين ببناء مسجد الكوفة من المطبوخ و تغيير قبلته و الذم عليه «3».

و يعضده أيضا ما ذكره بعض مشايخنا من أن انحراف قبلة مسجد الكوفة إلى اليمين أزيد ممّا تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا، و كذا مسجد سهلة و مسجد يونس «4».

و لمّا كان أكثر تلك المحاريب مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها، فأمروا بالتياسر و علّلوه بعلّة يمكن إظهارها لكلّ أحد و يرتضيها المخالف أيضا.

و على هذا فلا يثبت الاستحباب لأهل سائر البلاد، بل لأهل بلد السائل أو السؤال في هذا الزمان أيضا.

و من هذا يظهر وجه ضعف الثالث و عدم رجحان التياسر أيضا.

التاسعة: الفاقد للظن يصلّي إلى أربع جوانب على الأظهر، وفاقا للجليلين: شاذان بن جبرئيل «5»، و علي بن إبراهيم «6» و الشيخين «7» و السيدين «8»

______________________________

(1) البحار 80: 360- 13 نقلا عن

كتاب الغارات.

(2) البحار 52: 364- 139.

(3) البحار 52: 332- 60.

(4) البحار 81: 53. و نقله عنه في الحدائق 6: 386.

(5) رسالة إزاحة العلّة نقلها في البحار 81: 81.

(6) تفسير القمي 1: 80.

(7) المفيد في المقنعة: 96، و الطوسي في النهاية: 63، و الاقتصاد: 57، و الجمل و العقود: 176، و الخلاف 1: 302.

(8) المرتضى في جمل العلم و العمل (نقله عنه في شرح الجمل): 76، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 196

و الفاضلين «1» و الإسكافي «2» و الحلّي و الحلبي و القاضي و الديلمي «3»، و غيرهم «4»، بل هو الأشهر كما صرّح به جماعة «5»، بل عليه الإجماع في المعتبر و المنتهى و التذكرة و عن الغنية «6».

لا لاستصحاب الشغل الغير المندفع إلّا بالصلاة إلى الأربع، لعدم اندفاعه بها أيضا، إذ لا يحصل العلم معها بالاستقبال الذي هو المحاذاة العرفية لمكة و لا الظن.

مضافا إلى إمكان منع الاشتغال اليقيني باستقبال القبلة حينئذ، لتقييد أوامره بالعلم قطعا [1].

و العلم بحصر المكلّف به بين أمور يمكن الإتيان بها بسهولة و إن كان كافيا، إلّا أنه هنا غير حاصل، لعدم محصورية موضع القبلة- بالمعنى الذي ذكرنا- عرفا، مع أنّ وجوب الإتيان بهذا المعلوم منفي إجماعا [2].

و لا لما قيل من وجوب الأربع من باب المقدمة «7»، لما ذكر من عدم وجوب

______________________________

[1] و التكليف بهذا العلم هنا منتف، و غيره غير متحقق. منه رحمه اللّه.

[2] و قد يردّ دليل الاشتغال بعدم الإجماع على حصول البراءة بالأربع أيضا، لاحتمال تعين القرعة كما قيل بها. و فيه: ان القول بالقرعة مخالف للإجماع، لعدم قدح مخالفة من قال بها فيه، لندرته. منه

رحمه اللّه.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 1: 66، و النافع: 24، و المعتبر 2: 70، و العلامة في المختلف 1: 77، و التبصرة: 22، و المنتهى 1: 219.

(2) حكاه عنه في المختلف: 77.

(3) الحلي في السرائر 1: 205، الحلبي في الكافي: 139، القاضي في المهذب 1: 85، و شرح الجمل: 77، الديلمي في المراسم: 61.

(4) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 63، و الشهيد في البيان: 115.

(5) انظر البيان: 115، و البحار 81: 65.

(6) المعتبر 2: 70، المنتهى 1: 219، التذكرة 1: 103، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(7) انظر: كشف اللثام 1: 179، و رياض المسائل 1: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 197

ذي المقدمة، و عدم حصول العلم من الأربع [1].

بل لمرسلة خراش، المتقدّمة «1».

و تضمّن المرسلة لنفي الاجتهاد الثابت إجماعا و نصّا، و هو يخرجه عن الحجّية، ممنوع، لما مرّ في توجيهها «2».

مع أنّه لو سلّم فلا يلزم من خروج جزء من الحديث عن الحجية خروج الباقي أيضا.

و مرسلة الكافي: و روي أيضا «أنّه يصلّي إلى أربعة جوانب» «3» و الفقيه: و قد روي فمن لا يهتدي القبلة في مفازة أن «يصلّي إلى أربعة جوانب» «4».

و ضعف تلك الروايات- لو كان- بما مرّ منجبر، و قصور بعضها عن إفادة الوجوب- بعد انتفاء القول بالرجحان المجرد بل الجواز- غير مضرّ، و إشعار ظاهر ما في الكافي بالتخيير- لو سلّم- في الإجماع المركّب لا يقدح، مع أنّ أولاها في الوجوب صريحة.

خلافا للمحكي عن العماني «5»، و ظاهر الصدوق طاب ثراهما «6»، فقالا:

يصلّي على جهة واحدة أيّها شاء، و مال إليه في المختلف و الذكرى «7»، و قوّاه الأردبيلي و صاحب المدارك و المحقّق الخوانساري في شرح الروضة

«8»، و جمع آخر

______________________________

[1] و قد يردّ دليل وجوب المقدمة بتيقن البراءة بثلاث صلوات، لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة كما في الأخبار، سيما في المتحيّر. و قد عرفت ضعفه، و عدم دلالة الأخبار عليه و معارضته مع غيره. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) راجع ص 168.

(2) راجع ص 168.

(3) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 4.

(4) الفقيه 1: 180- 854، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 8 ح 1.

(5) حكاه عنه في المختلف: 77.

(6) الفقيه 1: 179.

(7) المختلف: 78، الذكرى: 166.

(8) مجمع الفائدة 2: 67، المدارك 3: 136، الحواشي على شرح اللمعة: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 198

من متأخّري المتأخّرين منهم الحدائق «1»، و والدي العلّامة، قدّس اللّه أسرارهم.

للأصل، و صحيحة زرارة و محمد: «يجزئ المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم وجه القبلة» «2».

و مرسلة ابن أبي عمير: عن قبلة المتحيّر، فقال: «يصلّي حيث شاء» «3».

و صحيحة ابن عمار المروية في الفقيه: الرجل يقوم في الصلاة، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا، قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة، و نزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ » «4».

و الجواب: أمّا عن الأصل: فباندفاعه بما مرّ.

و أمّا عن الأخبار: فبأنّ- مع عدم صلاحيتها لمقاومة ما ذكر، لمخالفتها للشهرة التي يخرج بها الخبر عن الحجية. و وهن الأول: بأنّ زرارة قد رواه أيضا بتبديل المتحيّر بالتحرّي، فيمكن كون الأصل ذلك، و إن ضعف هذا الاحتمال بنوع اختلاف في السندين، بل في المتن في

غير موضع التبديل أيضا [1]، و بأنه يدلّ على عدم وجوب التحرّي إذا فقد العلم و إن أمكن للمتحيّر تحصيل الظن، و هو خلاف الإجماع و الأخبار، و حمل المتحيّر على من كان عاجزا من العلم و الظن كما هو المتبادر يوجب زيادة قوله «إذا لم يعلم» إلى آخره، بل حزازته، و هذا و هن من جهة أخرى. و الثالث: بأنّ ذيله الذي هو محل الدلالة يمكن كونه من كلام

______________________________

[1] و إليك متنها: «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45- 146، الاستبصار 1: 295- 1087، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

______________________________

(1) الحدائق 6: 400، و انظر مفاتيح الشرائع 1: 114، و الذخيرة: 218.

(2) الفقيه 1: 179- 845، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 2.

(3) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 1: 179- 846، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 199

الفقيه، بل هذا أظهر من سياق الخبر، و من روايته في التهذيب من غير هذه الزيادة «1»، و بمعارضة المستفيضة المروية في المجمع، و تفسيري القمي و العياشي في أنّ هذه الآية نزلت في النافلة خاصة «2»- أنها لا تنافي ما مرّ.

أمّا الأولان و ذيل الثالث- لو كان من الحديث- فلأنّه لا كلام في أنّ المتحيّر يجزئه أينما توجّه و يصلّي حيث شاء، و إنّما الكلام في أنه هل يصلّي صلاة واحدة كذلك أو أربع، و المقيّد مقدّم على المطلق.

نعم غاية

الأمر أنّ بعد إتيانه بصلاة واحدة حيث شاء يتعيّن عليه جعل الجهات بعضها مقابلا لبعض بدليل آخر.

و أمّا صدر الثالث: فلإطلاقه بالنسبة إلى كون ما استقبل ما ظنّه بعد التحرّي أو لا، فيجب تقييده.

هذا كلّه، مع أنّ لهذه الروايات عموما بالنسبة إلى آخر الوقت الذي لا يسع الأربع، و ما مرّ مخصوص بغيره كما يأتي، و الخاص مقدّم على العام قطعا.

فضعف هذا القول ظاهر جدّا.

و أضعف منه ما حكي عن ابن طاوس «3»، و نفى عنه البأس في المدارك «4»، من وجوب القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشكل، لانتفاء الإشكال هنا على كلّ من القولين، لاستناد كلّ منهما إلى حجة شرعية.

فروع:

أ: لو اجتمع فرضان في وقت كالظهرين، فهل يشرع في الثاني بعد إتمام أربع الأول، أو يقدّم الأول من كلّ جهة على الثاني إليها؟ كل محتمل، و الأول

______________________________

(1) التهذيب 2: 48- 157، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

(2) مجمع البيان 1: 191، تفسير القمي 1: 59، تفسير العياشي 1: 56- 80.

(3) الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان: 94.

(4) المدارك 3: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 200

أحوط بل أظهر، و على هذا فلو بقي من الوقت قدر أربع صلوات اختصت بالعصر، فتأمّل.

ب: لو ضاق الوقت عن الأربع، فهل يجب الإتيان بالممكن من الثلاث فنازلا، أو يكفي الواحدة مطلقا؟

مقتضى أصل الاشتغال، و استصحاب وجوب ما أمكن إذا تقدّمت الحيرة على الضيق، و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «1»: الأول.

و مقتضى أصالة عدم وجوب الزائد على الواحدة الثابتة إجماعا حين سقوط الأربع بعدم التكليف بما لا يطاق: الثاني. و هو الحقّ، لذلك، و ضعف ما تقدّم:

أمّا أصل الاشتغال: فبمنعه إن أريد بالزائد

عن ماهية الصلاة هنا، و زواله بالواحدة إن أريد بها.

و أمّا الاستصحاب: فلأنّ الثابت وجوب الأقلّ من الأربع في ضمن الأربع أي لتحقّقها، فالواجب هو ذلك المقيّد، فإذا انتفى القيد لا يمكن الاستصحاب.

و أما الأخير: فلعدم الدلالة، كما بيّنّاه في كتاب عوائد الأيام «2».

ج: من وظيفته الأربع لو صلّى البعض و ظهر في الأثناء كونه إلى القبلة، سقط الباقي، لخروجه عن الموضوع.

و في إجزاء ما صلّاه، و عدمه فيعيده إليها وجهان، المصرّح به في كلام بعضهم الأول «3».

و فيه نظر: لأنّ ما ثبت أجزاؤه الصلاة إلى القبلة المعلومة. و الإعادة إليها أحوط.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(2) عوائد الأيام: 90.

(3) البيان: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 201

د: المعتبر من الأربع عند الأكثر كونها متقاطعة على القوائم، لأنّه المتبادر، و لتوقّف حصول العلم بالقبلة بذلك.

و قيل بكفايتها كيف اتّفق، لإطلاق الأخبار «1».

و في البيان: اشتراط التباعد بين كلّ اثنتين بحيث لا تعدّان قبلة واحدة «2».

أقول: الظاهر وجوب نوع بعد بين كلّ اثنتين بحيث يصدق أربع جوانب أو وجوه عرفا، و الظاهر تحقّقه بالإتيان بالأربع بثلاثة أرباع الدور بل أقلّ [1].

و التبادر الذي ادّعي لو سلّم فهو في العرف الجديد الذي تأخّره مقتضى الأصل. و العلم بالقبلة لا يحصل بالأربع بالنحو المذكور أيضا، و لو بني على ما بين المشرق و المغرب فيحصل بغير هذا النحو أيضا.

ه: لو اشتبهت القبلة في بعض الجهات كنصف معيّن من الدور، فهل هو كالاشتباه في الجميع؟

الظاهر نعم و إن عرف المشرق و المغرب، فيجب الأربع على ذلك النصف، لشمول إطلاق أخبار الأربع لذلك أيضا، بل و كذا إذا كان الاشتباه في الأقلّ من النصف.

و يظهر من بعضهم أنه إذا

عرف المشرق و المغرب يصلّي صلاة واحدة بينهما، لقوله: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» و قد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة.

و: لو علم أنّ القبلة لا تخرج عن جهتين معيّنتين أو ثلاثة أو أكثر إلى حدّ لا يستلزم العسر و الحرج، تجب الصلاة إلى الجميع، لاشتغال ذمته بالصلاة إلى الجهة المعلومة أو المظنونة و لو إجمالا، و هو حاصل.

______________________________

[1] كأن يتقابل اثنتان و يتقاطع واحدة معهما بالقائمة دون الباقي. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 179.

(2) البيان: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 202

الفصل الثاني: فيما يستقبل له من الصلوات

. و أمّا غيرها ممّا يجب فيه الاستقبال أو يستحب فيأتي في محله.

ثمَّ إنه لا خلاف في وجوب التوجه إلى القبلة في الصلوات المفروضة يومية كانت أو غيرها مع القدرة، و عليه إجماع المسلمين، بل هو ضروري الدين، و الأخبار به مستفيضة.

ففي حسنة زرارة: «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن اللّه تعالى قال لنبيه صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «1».

و في الصحيح: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال:

«يعيد» «2».

و في آخر: عن الفرض في الصلاة، قال: «الوقت، و الطهور، و القبلة» «3».

و في ثالث: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» [1].

و في الموثّق: عن قول اللّه سبحانه وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، قال: «هذه هي القبلة» «4».

و أمّا النوافل: فالمشهور فيها أيضا ذلك مع الاستقرار على الأرض، بمعنى

______________________________

[1] ليس هذا صحيحا آخر بل هو صدر الصحيح الأول فراجع.

______________________________

(1) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1:

180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3. و الآية في البقرة: 144.

(2) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(3) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 241- 955، الوسائل 4: 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 2: 43- 134، الوسائل 4: 296 أبواب القبلة ب 1 ح 3. و الآية في الأعراف: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 203

الشرطية، لأنه المعهود من الحجج و المسلمين في الأعصار، و لو صحّت إلى غير القبلة لاقتضت العادة صدوره من واحد من الحجج، و لو صدر لشاع، لتوفّر الدواعي على نقله، بل هو بمنزلة الضروري من المذهب حيث إنه لو صلّى احد كذلك إلى غير القبلة لتبادر المسلمون إلى إنكاره.

و لأنّ الشارع صلّاها مستقبلا، و يجب التأسّي به.

و لقوله سبحانه وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ 2: 144 إلى آخره، خرج منه ما أجمع على عدم وجوب الاستقبال فيه، فيبقى الباقي.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «1».

و عموم الصحاح الثلاث، المتقدّمة، بل الموثّق أيضا، و مفهوم المروي في تفسير علي- المنجبر بالشهرة- في قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ : «إنها نزلت في صلاة النافلة، فصلّها حيث توجّهت إذا كنت في سفر» «2».

و يضعّف الأول: بأنّ فعلهم لا يوجب الاشتراط، لمواظبتهم على الاستحباب، مع أنّ استمرارهم غير معلوم.

و توفّر الدواعي على نقل الخلاف في الصدر الأول ممنوع، لجواز ظهور الأمر فيه و شيوع عدم الاشتراط.

و إنكار جميع المسلمين ممنوع، و إنّما هو من المقلّدين للمشهور.

و الثاني: بأن التأسي غير واجب، مع أنّه لو كان لا

يكون إلّا بعد العلم بالوجه، و انتفاؤه في المقام ظاهر.

و الثالث: بالتصريح في الحسنة السابقة بأنّ الآية نزلت في الفريضة، و مثله ورد في روايات أخر أيضا.

و الرابع: بعدم عمومه أولا، و عدم دلالته إلّا على وجوب المتابعة في أفعال

______________________________

(1) صحيح البخاري 1: 162.

(2) تفسير القمي 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 204

الصلاة و أجزائها ثانيا، و لا نسلّم أن التوجّه إلى جهة أيضا من الصلاة.

و الخامس: بعدم دلالة أولى الصحاح على وجوب الإعادة، غايتها الرجحان و هي غير مفيدة، لإمكان رجحان إعادة النافلة المؤدّاة إلى غير القبلة و لو جاز، و الإجماع على انتفائه غير معلوم. مع أن احتمال إرادة الوجوب من قوله:

«يعيد» قائم، لأنّه أحد مجازاته، و معه تخصيص الصلاة بالفرض متعيّن، لانتفاء وجوب إعادة النفل البتة. و يؤكّده ذكر الوقت فيها و به يسقط الاستدلال.

و منه يستنبط وجه عدم دلالة ثانيتها أيضا، إذ الفرض بمعناه الحقيقي في النفل غير متحقق، و التجوّز فيه بإرادة ما يعم الشّرطي أيضا ليس بأولى من تخصيص الصلاة بالفريضة.

و كذا ثالثتها، إذ ليس المراد نفي الحقيقة على ما هو الأصح من كون الألفاظ للأعم، و مجازه يمكن أن يكون نفي الفضيلة، و حكاية أقربية نفي الصحة إلى الحقيقة ضعيفة.

و يضعّف الموثّقة بمثل ذلك أيضا، إذ حمل «أقيموا» على الوجوب لا يتأتّى مع عموم المسجد.

و كذا مفهوم الرواية حيث إنّ مجاز قوله: «صلّها» يمكن أن يكون التساوي دون الجواز المنتفي بملاحظة المفهوم.

و على هذا فيبقى الأصل في المقام سالما عن المعارض، و مقتضاه يكون جواز التنفل مع الاستقرار حيث شاء، كما اختاره المحقق «1»، و عن الوسيلة «2»، بل الخلاف كما في البحار [1]، و هو

ظاهر الأردبيلي بل الفاضل في الإرشاد و صاحب الكفاية «3».

______________________________

[1] الخلاف 1: 298 و قيده بالسفر، البحار 81: 48.

______________________________

(1) الشرائع 1: 67.

(2) الوسيلة: 86.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 60، الإرشاد 1: 244، الكفاية: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 205

و ليس ببعيد، لما ذكر مؤيدا بالمروي في قرب الإسناد و المسائل: عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» «1».

و في فقه القرآن للراوندي: روي عنهما عليهما السلام أنّ قوله تعالى:

وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 في الفرض، و قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، قال: «هو في النافلة» «2».

و في تفسير العياشي: «أنزل اللّه هذه الآية في التطوّع خاصة فَأَيْنَما تُوَلُّوا الآية» «3».

إلّا أنّ المروي في المجمع أنّ الآية مخصوصة بالنوافل في حال السفر خاصة «4»، و نحوه روي في التبيان و نهاية الشيخ «5». و معه و إن ضعف التأييد إلّا أنه لا يثبت وجوب الاستقبال في غير السفر، لأنّ اختصاص الآية بالسفر لا ينافي عدم الوجوب في غيره، فتأمّل.

و الأولى ملاحظة الاستقبال فيها مع الاستقرار، و أمّا بدونه فيأتي حكمه و حكم حال عدم القدرة في بحث المكان.

______________________________

(1) قرب الإسناد 210- 820، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(2) فقه القرآن 1: 91.

(3) تفسير العياشي 1: 56- 80، المستدرك 3: 191 أبواب القبلة ب 11 ح 6.

(4) مجمع البيان 1: 191.

(5) التبيان 2: 15، النهاية: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 206

الفصل الثالث: في الأحكام
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

من صلّى إلى غير القبلة: فإن كان عمدا أعاد وقتا و خارجا، و لو يسيرا، إجماعا محققا، و محكيا مستفيضا «1»، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، مضافا إلى النهي المفسد، مع النصوص المصرّحة بإعادة الصلاة بترك القبلة مطلقا «2»، خرج منها ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و إن كان خطأ في ظنّه المعوّل عليه شرعا: فإمّا لا يبلغ الانحراف إلى المشرق أو المغرب، أو يبلغ إليه و لا يتجاوز، أو يتجاوز.

فعلى الأول لا يعيد الصلاة مطلقا، وفاقا للفاضلين «3»، و أكثر من تأخّر عنهما «4»، و في المعتبر و المنتهى و التذكرة و التنقيح و عن روض الجنان: الإجماع عليه «5».

لصحيحة ابن عمار، المتقدّمة في المسألة التاسعة من الفصل الأول «6»، و المروي في قرب الإسناد للحميري: «من صلّى إلى غير القبلة و هو يرى أنه إلى

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 72، و التذكرة 1: 103.

(2) انظر: الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9.

(3) المحقق في النافع: 24، و المعتبر 2: 72، و الشرائع 1: 68، و العلامة في التبصرة: 22، و التحرير 1: 29، و القواعد 1: 27، و التذكرة 1: 103.

(4) كالشهيد في الدروس 1: 160، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 73، و صاحب المدارك 3:

151، و الفيض في مفاتيح الشرائع 1: 114.

(5) المعتبر 2: 72، و المنتهى 1: 223، التذكرة 1: 103، التنقيح 1: 177، روض الجنان:

203.

(6) راجع ص 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 207

القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق و المغرب» «1».

و في نوادر الراوندي: «من صلّى على غير القبلة و كان إلى غير المشرق و المغرب فلا

يعيد الصلاة» [1].

و قد يستدلّ: بموثّقة الساباطي الآتية «2». و هو غير جيّد، لورودها في المطّلع في الأثناء خاصة. و بالمصرّحة بأنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة. و هو غير تام، لما مرّ و يأتي «3».

خلافا لإطلاق عبارات كثير من القدماء، كما في الناصريات و عن المقنعة و المبسوط و الخلاف «4»، و نهاية الإحكام [2]، و الحلّي و الديلمي و ابني زهرة و حمزة «5»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»، و عن السرائر نفي الخلاف فيه «7»، فأطلقوا وجوب الإعادة في الوقت، و هو الظاهر من الروضة «8»، و إن جوّز في البحار [3] رجوعه إلى الأول و حمل كون الإطلاق باعتبار ما اشتهر من أنّ ما بين المشرق

______________________________

[1] لم نجده في النوادر، و نقله عنه في البحار 81: 69- 26 و فيه: .. و كان إلى المشرق ..

[2] كذا في النسخ، و الظاهر الصحيح: النهاية للشيخ: 64، و يشهد له أن المصنف عدّ العلامة أولا من جملة القائلين بعدم الإعادة، و قد صرح بذلك في نهاية الإحكام ج 1: 399، مع أنه نسب الخلاف إلى القدماء و العلامة ليس منهم.

[3] البحار 81: 63، قال: و لعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق و المغرب، لما اشتهر من أن ما بين المشرق و المغرب قبلة.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 113- 394، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 5.

(2) انظر ص 214.

(3) راجع ص 167، و يأتي في ص 209.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.

(5) السرائر 1: 205، المراسم: 61، الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99.

(6) الخلاف 1: 304.

(7) السرائر

1: 205.

(8) الروضة 1: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 208

و المغرب قبلة [1].

و كيف كان فدليلهم على الإطلاق: المستفيضة الآتية المصرّحة بوجوب الإعادة في الوقت على من صلّى إلى غير القبلة «1».

و يجاب عنها: بأنّها و إن كانت أخص من الصحيحة باعتبار الوقت، و لكنها أعم منها باعتبار قدر الانحراف، فإن الصحيحة لا تشمل المتجاوز عن حدّ التشريق و التغريب بل إليهما عرفا أيضا.

فإن رجّحنا الاولى باعتبار الاعتضاد بالإجماعات المحكية الصريحة المستفيضة، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و هو مع الأولى، لأصالة عدم وجوب الإعادة، و ارتفاع الاشتغال بحصول الامتثال، لكونه متعبدا بظنّه، فما أتى به موافق للمأمور به و هو موجب للإجزاء.

و توهّم أنّه موجب للإجزاء لذلك المأمور به دون غيره، مندفع: بأنه ليس هنا إلّا أمر واحد، و هو الأمر بالصلاة إلى القبلة بحسب اعتقاده، و ما أتى به مجز عن ذلك الأمر و ليس غيره، و اختلاف ظنّه إنّما هو في تعيين القبلة دون أمر آخر، فلم يحصل من تعبده بظنه أمر و تكليف على حدة كما مرّ في بحث الوقت.

ثمَّ مرادنا من المشرق و المغرب هنا اليسار و اليمين للقبلة و إن عبّرنا بهما تبعا للفاضلين «2» و جمع ممّن تأخّر عنهما «3». و أمّا من تقدّم عليهما فلم أر من ذكر المشرق و المغرب، بل في الناصريات و الاقتصاد و الخلاف و الجمل و العقود و المصباح

______________________________

[1] و ربما يؤيّد ذلك بنقل الشيخ في التهذيب صحيحة ابن عمار المتقدمة من جملة أدلة ما أطلقه في المقنعة من غير تعرض لتوجيه أو تأويل، التهذيب 2: 48- 157، منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) انظر ص 210.

(2) المحقق في المعتبر 2: 72، و

النافع: 24، و العلامة في المنتهى 1: 223.

(3) انظر التنقيح 1: 177، و روض الجنان: 203، و مفاتيح الشرائع 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 209

و مختصره و الوسيلة و الروضة: التعبير باليمين و اليسار «1»، و لعله أيضا مراد من عبّر بالانحراف اليسير، كما في الشرائع و القواعد و البيان «2».

و بالجملة: المعتبر في هذا القسم عدم الوصول إلى حد يمين القبلة و يسارها المنتهى في كل طرف إلى ربع الدور. فما لم يصل إليه لا يعيد مطلقا، لصدق الانحراف يمينا و شمالا- الذي هو المذكور في الصحيحة- على ذلك أيضا، بل على المنتهى إلى الربع أيضا، و لكنه خرج بالإجماع كما يأتي.

و أمّا اعتبار المشرق و المغرب و جعل ما بينهما قبلة فلا دليل عليه تاما، لأنّ ما تضمّن قوله: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» فيه إجمال لا يصلح للاستدلال كما مرّ، بل من جهة عدم إفادة لفظة «ما» فيه العموم أيضا.

و مع ذلك معارض بما دلّ على أنه ليس بقبلة مطلقا، كموثّقة الساباطي «3».

و ما تضمّن عدم الإعادة مع عدم الوصول إلى المشرق و المغرب- كروايتي النوادر و قرب الإسناد «4»- ضعيف غير صالح للحجية، و انجباره بالعمل غير معلوم، إذ لم يصرّح بالمشرق و المغرب سوى الفاضلين و بعض من تأخّر عنهما.

هذا كلّه، مع أنّ اعتبارهما موجب لأنّ من تكون قبلته قريبة من المشرق بخمس درجات مثلا لو انحرف إلى مثل ذلك من المغرب، حتى يكون انحرافه من القبلة مائة و سبعين درجة، يكون مغتفرا، و لو انحرف خمس درجات إلى المشرق لم يكن مغتفرا، و هو بعيد جدّا، بل الظاهر مخالفته للإجماع.

و على الثاني يعيد في الوقت

دون خارجه، بالإجماع المحقّق و المحكي في

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الاقتصاد: 262، الخلاف 1: 303 (الرسائل العشر):

186، مصباح المتهجّد: 25، الوسيلة: 99، الروضة 1: 202.

(2) الشرائع 1: 68، القواعد 1: 27، البيان: 118.

(3) الآتية في ص 214.

(4) المتقدمتين في ص 206 و 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 210

الناصريات و السرائر و التنقيح و المنتهى و المدارك «1»، و عن الخلاف و المختلف «2»، و غيرهما «3»، إلّا أنّ ظاهر الفاضل في التذكرة و النهاية عدم الجزم بالحكم و احتمال الإعادة و لو في الخارج «4»، و هو شاذّ غير قادح في الإجماع، فهو الحجة في المقام.

للصحاح المستفيضة و غيرها الناطقة بأنّ من صلّى إلى غير القبلة تجب الإعادة في الوقت و لا تجب في خارجه، كصحاح: ابني خالد و يقطين و البصري «5»، و موثّقتي: البصري و زرارة «6»، و غير ذلك [1].

و بالإجماع و تلك الأخبار يدفع الأصل المتقدّم، كما أنّ بالأول تخصّص الصحيحة المتقدّمة «7»، الشاملة لنفس اليمين و اليسار أيضا.

______________________________

[1] و ليس لأحد أن يقول: إنه لما كانت القبلة المأمور بها هي ما علم أنه قبلة و قد توجّه إليه هذا الشخص فهو خارج عن تحت تلك الأخبار، و هي مخصوصة بمن تعدى عمدا، لأن ذلك مناف لنفي الإعادة خارج الوقت، بل لصريح الأخبار المذكورة، كما لا يخفى. فالمراد بها القبلة الواقعية بحسب اجتهاده ثانيا. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، التنقيح 1: 177، المنتهى 1:

224، المدارك 3: 151.

(2) الخلاف 1: 303، المختلف 1: 78.

(3) انظر كشف اللثام 1: 179، و رياض المسائل 1: 119.

(4) التذكرة 1: 103، نهاية الإحكام 1: 400.

(5) صحيحة ابن خالد:

الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 9، التهذيب 2: 47- 152، الاستبصار 1: 296- 1091، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 6 صحيحة ابن يقطين: التهذيب 2: 48- 155، الاستبصار 1: 296- 1093، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة ب 11 ح 2.

صحيحة البصري: الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 3، التهذيب 2: 142- 554، الاستبصار:

296- 1090، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11 ح 1.

(6) موثقة البصري: التهذيب 2: 47- 154، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 5: موثقة زرارة: التهذيب 2: 48- 156، الاستبصار 1: 297- 1094، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة ب 11 ح 3.

(7) راجع ص 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 211

و كذا على الثالث، فيعيد في الوقت دون الخارج، وفاقا للإسكافي «1»، و الصدوق و السيد و الحلّي و ابن سعيد و المحقّق «2»، و المنتهى و التذكرة و المختلف و البيان و الدروس و الذكرى و المدارك و الكفاية «3»، و والدي- رحمه اللّه- في المعتمد، بل معظم المتأخّرين.

لإطلاق الأخبار المتقدّمة، السليمة عن المعارض المقاوم، مضافا إلى الإجماع في الوقت، و الأصل في خارجه.

و خلافا للشيخين في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف «4»، و ابني زهرة و حمزة و الديلمي و الحلبي و القاضي «5»، و الإرشاد و القواعد و شرحه للكركي، و اللمعة «6»، و نسبه في الروضة و شرحه للخوانساري إلى المشهور «7»، فقالوا بوجوب الإعادة في الخارج أيضا.

لاشتراط الصلاة بالقبلة نصّا و إجماعا، و المشروط منتف عند انتفاء شرطه، فالصلاة قد فاتته، و من فاتته الصلاة وجب عليه القضاء، و خرج غير المستدبر بالدليل.

و لخبر معمّر: عن

رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن له القبلة و قد دخل وقت

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 78.

(2) الفقيه 1: 79، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، الجامع للشرائع:

63، النافع: 24.

(3) المنتهى 1: 224، التذكرة 1: 103، المختلف 1: 78، البيان: 117، الدروس 1: 160، الذكرى: 166، المدارك 3: 152، الكفاية: 16.

(4) المقنعة: 97، النهاية: 64، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99، المراسم: 61، الكافي في الفقه: 139، المهذب 1: 87، شرح الجمل: 78.

(6) الإرشاد 1: 245، القواعد 1: 27، جامع المقاصد 2: 74، اللمعة (الروضة 1): 202.

(7) الروضة 1: 202، الحواشي على شرح اللمعة: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 212

صلاة أخرى، قال: «يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها» «1» الحديث.

و صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «2» فكما تعاد من الأربعة مطلقا، فكذا القبلة إلّا ما خرج بالدليل.

و المروي في الناصريات و في نهاية الشيخ، المنجبرين بعمل كثير من الأصحاب، كما صرّح به في شرح القواعد «3».

الأول: و قد روي «أنّه إن كان خطؤه يمينا و شمالا أعاد في الوقت، فإن خرج فلا إعادة، فإن استدبر أعاد على كلّ حال» «4».

و الثاني: و في رواية: «أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمَّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة» «5».

و يجاب عن الأول: بمنع اشتراط القبلة الواقعية بل بظنّها، فلم يفت الشرط، فلم يفت المشروط.

و عن البواقي: بعمومها بالنسبة إلى المتحرّي و المقصّر، و صحيحة ابن يقطين من الأخبار المفصّلة صريحة في المتحرّي، فهي أخصّ مطلقا من خبر معمّر

و صحيحة زرارة، فيخصّصان بها، و من وجه من البواقي، فيرجع إلى الأصل.

مضافا إلى ما في الاولى من أنها معارضة مع جميع ما دلّ على عدم الإعادة في الخارج بالعموم من وجه، فإن رجّحناه بالأكثرية و الأصحية، و إلّا فيرجع إلى الأصل.

و ما في الثانية من أنّها معارضة معه بالعموم المطلق من جهة الوقت و خارجه

______________________________

(1) التهذيب 2: 46- 150، الاستبصار 1: 297- 1099.

(2) الفقيه 1: 181- 857، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.

(3) جامع المقاصد 2: 74.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(5) النهاية: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 213

أيضا، فيجب تخصيصها.

و ما فيهما و في الثالثة من عدم الدلالة على الوجوب بل غايتها الاستحباب، و قد احتمله في المقام بعض أجلّة الأصحاب «1».

و ما في الأخيرين من الضعف و عدم الحجية.

ثمَّ على ما اخترناه لا يتفاوت الحال بين الاستدبار العرفي و غيره ممّا وصل إلى اليمين و اليسار.

و هل الموجب للقضاء- على قول من أوجبه- العرفي، أو مطلق التجاوز عن الطرفين؟ مقتضى بعض أدلّتهم: الأول، كما هو مختار بعض الأجلّة «2»، و مقتضى بعض آخر: الثاني، كما عن الشهيد الثاني «3».

و إن كان الانحراف نسيانا أو غفلة، فإن كان في أصل القبلة مع تذكّر وجوب مراعاتها فكالخطإ حكما و دليلا، و إن كان في وجوب مراعاتها أو جهل به من غير تقصير، فيعيد في الوقت مطلقا و لو لم يصل الانحراف إلى اليمين و اليسار، لأن الأصل حينئذ مع الإعادة، لعدم صدق التوجّه إلى القبلة بحسب ظنّه حتى يصدق امتثال الأمر به، و بقاء وقت الأمر بأدائه، فيرجع إليه بعد التعارض. و لا يعيد في الخارج،

للأصل، و عدم صدق فوت الصلاة، لأنّ ما فعله تكليفه حينئذ و إن صدق فوت الصلاة إلى القبلة.

و الأحوط في جميع الأقسام: الإعادة في الوقت مطلقا، و القضاء مع التجاوز عن اليمين و اليسار.

المسألة الثانية:

لو ظهر الانحراف في أثناء الصلاة، فمع عدم التشريق أو التغريب بالمعنى المتقدّم، صحّ ما فعل، و يحوّل وجهه إلى القبلة، بلا خلاف كما

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 76.

(2) كشف اللثام 1: 180.

(3) الروضة 1: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 214

صرّح به جماعة «1»، بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى رواية ابن الوليد: عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنه على غير القبلة، قال: «يستقبلها إذا ثبت ذلك» «3».

و موثّقة الساباطي: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة» «4».

و كذا معه بدون التجاوز، على الأصح، وفاقا للمحكي عن المبسوط مدعيا عليه الإجماع «5»، للأصل، و إطلاق الرواية.

و قد يقال بالقطع «6»، للموثّقة، فإنّ الظاهر شمولها للتشريق و التغريب بقرينة التفصيل.

و فيه: منع دلالة التفصيل عليه، لأنّ استيفاء الأقسام غير واجب سيّما مع ندرة هذا القسم.

فإن قيل: مفهوم قوله: «إن كان متوجّها ..» أولا، يدلّ على أنّ في صورة انتفائه لا يحوّل كذا، فإمّا يبقى كذلك أو يقطع، و الأول خلاف الإجماع، فتعيّن

______________________________

(1) منهم: صاحب الرياض 1: 120.

(2) كما في المدارك 3: 154.

(3) التهذيب 2: 48- 158،

الاستبصار 1: 297- 1096، الوسائل 3: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 3.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

(5) المبسوط 1: 81.

(6) كما في المعتبر 2: 72، و الذكرى: 166، و روض الجنان: 203، و مجمع الفائدة و البرهان 2:

76، و الدرة النجفية: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 215

الثاني.

قلنا- مع أنّ اعتبار المفهوم في مثل ذلك الكلام المشتمل على التفصيل غير معلوم، لعدم تبادر المفهوم-: إنّه يعارض بمفهوم قوله: «و إن كان متوجّها ..»

ثانيا، لعدم شمول الدبر عرفا و لا لغة للتشريق و التغريب قطعا، فإنّ الدبر مقابل القبلة، و هما ليسا بمقابلين لها. [1]

و مع التجاوز يقطع و يستقبل، بلا خلاف و عليه التصريح في الموثّقة.

و لا فرق في جميع ما ذكر بين الخاطئ و الناسي و الغافل و الجاهل الغير المقصّر، لعموم الروايتين. و لا في صورة الاستئناف بين بقاء الوقت للصلاة المستأنفة و عدمه. و لا في صورة العدم بين ما إذا أدرك ركعة في الوقت أو لا.

و قد يستشكل في صورة العدم: بأنّ الظاهر أنّ مراعاة الوقت مقدّمة على سائر واجبات الصلاة من الأجزاء و الشرائط. بل قد يرجّح تحويله إلى القبلة حينئذ، لذلك، و لفحوى ما دلّ على عدم القضاء مع التبيّن بعد الفراغ، و لأصالة عدم وجوب القضاء، فلم يبق إلّا التحويل.

و في الأول: منع الكلية سيّما عند إدراك الركعة.

و في الثاني: منع الأولوية سيّما مع عدم القطع بالعلّة.

و في الثالث: أنّ القضاء بعد القطع يقيني، و الكلام إنّما هو في وجوب القطع.

و لو قيل بتعارض الإطلاق المذكور

مع مشترطات الوقت فيرجع إلى التخيير، لكان حسنا و إن كان الاحتياط بإتمام الصلاة و القضاء بعدها أحسن، إلّا أنّ ذلك في صورة إدراك الركعة ليس للاحتياط موافقا.

المسألة الثالثة:

لا يتجدّد الاجتهاد بتجدّد الصلاة إلّا مع تجدّد الشك، للأصل، و الاستصحاب، و بقاء الظن.

______________________________

[1] في «ه» و «س»: فإن الدبر مقابل القبل و هما ليسا بمقابلين له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 216

خلافا للمحكي عن المبسوط، فأوجب التجديد لكلّ صلاة ما لم تحضره الأمارات، للسعي في إصابة الحق، و لأنّه لا يخلو إمّا يوافق الاجتهاد الثاني الأول أو يخالفه، و الكلّ واجب.

أمّا الأول: فلإيجابه قوة الظنّ الواجب تحصيلها مهما أمكن.

و أما الثاني: فلأنّه لا يكون إلّا مع الظنّ الأقوى بالخلاف، فتحصيله أيضا واجب «1».

و بعبارة أخرى: إمّا يحصل الظن الأقوى بالمخالف أو الموافق، و أيّهما كان فهو واجب.

و استجوده في المدارك مع احتمال تغيّر الأمارات «2».

و هو تقييد زائد، إذ ظاهر أنّه أيضا مراد الشيخ، كما صرّح به في المبسوط «3».

و كيف كان فهو ضعيف، لما مرّ.

و يضعّف أول دليليه بتحقّق السعي. و الثاني بمنع الحصر، لإمكان حصول ظنّ بالخلاف مساو للظنّ الأول، فلا يقطع بالأقوى، و معه لا دليل على وجوب الاجتهاد.

المسألة الرابعة:

لو تغيّر اجتهاده بالاجتهاد يعني ظنّ خطأه أوّلا، فإن كان في الأثناء يحوّل وجهه.

و قيل بذلك إن لم يبلغ موضع القطع و إلّا أعاد «4».

و يضعّف: بعدم دليل على القطع و الإعادة، و الموثّقة مخصوصة بصورة العلم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 81.

(2) المدارك 3: 155.

(3) المبسوط 1: 81.

(4) المدارك 3: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 217

و إن كان بعد الفراغ، لم يعد ما لم يتيقّن بالخطإ الموجب للإعادة. و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا.

و وجهه: أصالة عدم وجوب الإعادة، و ظهور الأخبار الموجبة لها في صورة العلم بالخطإ، لتضمّنها الألفاظ التي هي حقيقة فيه «1». و هو كذلك.

و لا

يتوهّمن أنه على ذلك لا تظهر فائدة مسألة ظهور الخطأ على ما ذكرنا من عدم إمكان تحصيل العلم بالجهة العرفية للبعيد، و إنّما يفيد على ما ذكره جماعة من حصول العلم بالجهة، إذ عدم إمكان العلم بالجهة لا يستلزم عدم إمكان حصول العلم بالخطإ، فإنّا و إن لم نقطع بأنّ نقطة الجنوب جهة محاذاة الكعبة لأهل الموصل مثلا، و لكن نقطع بأنّ المواجه لنقطة المشرق فيه خاطئ، بل لا يتفاوت الحال على القولين، إذ مع الانحراف الغير البالغ إلى أحد الطرفين تجب الإدارة في الأثناء مع الظنّ أيضا، و لا تجب الإعادة بعد الفراغ مع القطع بالخطإ أيضا، و مع البلوغ إلى أحدهما يحصل العلم بالخطإ غالبا.

و مثل تغيّر الاجتهاد ما لو قلّد مجتهدا و تغيّر اجتهاده أو أخبره بخطئه.

و لو تبيّن الخطأ في طريق الاجتهاد- كأن عمل بخبر شخص ظنّ أنّه عدل مسلم ثمَّ تبيّن أنّه كافر، و يرى عدم قبول خبره، أو علم بالدائرة الهندية ثمَّ علم خطأه في عملها، أو ظنّ كوكبا الجدي فظهر أنّه غيره- فإن ظهر مصادفته لمقتضى الاجتهاد الصحيح، صحّت صلاته مطلقا. و إن ظهرت المخالفة، فإن كان في الأثناء، ينحرف مع عدم التجاوز عن اليمين و اليسار، و يعيد معه، و إن كان بعد الفراغ لم يعد إلّا مع العلم بالخطإ في القبلة أيضا.

و إن لم يظهر شي ء منهما- كأن علم بكفر المخبر مثلا من غير إخبار مسلم بخلافه- فإن كان في الأثناء، يتمّ صلاته مع عدم التمكّن من الاجتهاد الصحيح، و يضمّ معها ثلاث صلوات أخرى، لكونه متحيّرا، و يقطعها مع

______________________________

(1) المنتهى 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 218

التمكّن و توقّف الاجتهاد على القطع. و

إن كان بعد الفراغ، فالظاهر عدم الإعادة مطلقا إلّا مع حصول العلم بالخطإ في نفس القبلة.

و لو صلّى بقول واحد، فأخبره آخر بخلافه، فإن كان بعد الفراغ، لم يلتفت إليه و لو كان أوثق، إلّا مع فرض حصول العلم بالخطإ. و إن كان في الأثناء، يتبع الأوثق مع الاختلاف، و يتمّ صلاته و يضمّ معها أخرى إلى الجهة الأخرى مع التساوي.

المسألة الخامسة:

لو خالف اجتهاده و صلّى فصادف القبلة لم تصحّ، لأنه متعبّد بظنّه فلم يأت بالمأمور به، و لعدم تأتّي قصد القربة منه.

و عن المبسوط: الصحة [1]. و هو ضعيف.

و كذا من صلّى من دون مراعاة القبلة، لعدم المبالاة أو الجهل بالحكم من تقصيره، و صادفها.

المسألة السادسة:

لو اختلف المجتهدون في القبلة، فالمشهور: عدم جواز ائتمام بعضهم بعضا مع توجّه كلّ منهم إلى ما اجتهده، لاعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر.

و قيل بالصحّة «1»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في المعتمد. و هو الأصح، لمنع اعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر، بل يعتقد صحتها له و إن اعتقد خطأه في القبلة، و هو غير مؤثّر في البطلان، لعمومات جواز الاقتداء بمن تصح صلاته «2».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المبسوط، و حكاه عنه في الذكرى: 165، و المدارك 3: 155. و قال في الحدائق 6:

443: و قد تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 180.

(2) انظر الوسائل 8: أبواب صلاة الجماعة ب 10- 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 219

الباب الثالث: في لباس المصلّي

اشاره

و الكلام فيه إمّا في الستر اللازم في الصلاة، أو فيما يشترط في لباس المصلّي و يجوز له في لباسه و لا يجوز، أو فيما يستحب و يكره، فهاهنا ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 220

الفصل الأول: في الستر
اشارة

و البحث فيه إمّا في أصل الستر أو فيما يستر، فهاهنا بحثان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 221

البحث الأول: في أصل الستر
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الستر واجب في الصلاة و شرط لها، تبطل بانتفائه مع الإمكان، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1»، بل بالضرورة من الدين. و في النصوص المستفيضة دلالة عليه صريحا و ظاهرا، منطوقا و مفهوما:

منها: صحيحة علي: عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: «إذا أصاب حشيشا ليستر به عورته، أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا ليستر به عورته، أومأ و هو قائم» «2».

و سائر ما ورد في صلاة العراة منفردين و جماعة، حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع و السجود و القيام بفقد السائر، فمن لم يستر ما وجب ستره مع القدرة إمّا لا يأتي بتلك الأركان فتبطل صلاته إجماعا، لكون الأركان مطلقة بالنسبة إلى الستر المقدور قطعا، أو يأتي بها فكذلك أيضا، لعدم موافقة المأمور به حيث إنّه الإيماء مع عدم الستر.

و يدلّ عليه أيضا استصحاب الشغل اليقيني [1].

ثمَّ إنّ شرطيته هل هي ثابتة مع المكنة على الإطلاق، أو مقيّدة بالعمد؟

______________________________

[1] و أصالة عدم الشرطية الموجبة لحصول البراءة اليقينية هنا غير جارية قطعا، إذ كما بيّنا في الأصول جريانه ليس إلّا بواسطة أصالة عدم الوجوب المنتفية هنا قطعا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 99، و المنتهى 1: 235، و الذكرى: 139، و جامع المقاصد 2: 93، و روض الجنان: 204، و كشف اللثام 1 186.

(2) التهذيب 2: 365- 1515، الوسائل 4: 448 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 222

الأصح: الثاني، وفاقا للمحكي عن الأكثر منهم المنتهى و المعتبر «1»، للأصل السالم عن المعارض و لو عن دليل وجوب الستر، لانتفائه

مع الجهل بالكشف أو نسيانه قطعا.

و لصحيحة علي: عن الرجل يصلّي و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال: «لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته» «2».

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فيعيد في الوقت «3». و لا دليل له تامّا.

و عن الشهيد «4»- و استحسنه في المدارك «5»- ففرّق بين نسيان الستر ابتداء و عروض الكشف في الأثناء، فأبطل في الأول دون الثاني.

و مرجعه- على ما صرّح به والدي رحمه اللّه- إلى البطلان بالنسيان مطلقا، إذ عروض الكشف في الأثناء مع عدم العلم به يرجع إلى الجهل بالموضوع المغتفر قطعا لا إلى النسيان، و حمله على الغفلة عنه بعد العلم به في الأثناء بعيد جدّا.

و حكم الجاهل بالحكم كما مرّ مرارا.

و حكم الكشف في الأثناء عمدا حكم كشفه أوّلا كذلك.

و حكم الانكشاف فيه بلا اختيار حكم الناسي، فتصحّ صلاته و يستر فورا، فإن تعذّر ينتقل إلى صلاة العاري.

و حكم بعض ما يجب ستره حكم الكلّ، لعدم تحقّق الستر المأمور به مع انكشاف البعض.

الثانية:

المعتبر في تحقّق الستر ما يعدّ سترا عرفا، فلو لبس قميصا طويلا و لكن كان بحيث لو نظر أحد من التحت يرى العورة لم يكن به بأس، لتحقّق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    223     الثانية: ..... ص : 222

____________________________________________________________

(1) المنتهى 1: 238، المعتبر 2: 106.

(2) التهذيب 2: 216- 851، الوسائل 4: 404 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 83.

(4) الذكرى: 141.

(5) المدارك 3: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 223

الستر عرفا، و لعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار و الإجماع.

و كذا لو كان لطرف ثوبه من اليمين أو اليسار فرجة ضيّقة لو

نظر إليها ناظر وصل شعاع بصره إلى العورة، أو كان له جيب لو نظر إليه يرى العورة. بخلاف ما إذا قام مؤتزرا على طرف سطح بحيث يرى عورته من الأسفل، فإنّ الظاهر- كما في التذكرة و عن نهاية الإحكام «1»- عدم تحقّق الستر عرفا و إن احتملت الصحة حينئذ أيضا كما في الذكرى «2»، لما قد ذكرنا من عدم ثبوت الأزيد.

و بالجملة: الستر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.

و منهم من شرط في تحقّق الستر الستر من الجوانب الأربع و من الفوق دون التحت «3». و هو تحكّم بحت.

الثالثة:

يجب في تحقّق ستر البشرة استتار لونها إجماعا. فلو كان الساتر رقيقا بحيث يحكي بشرة ما تحته و لونها لم يكف قولا واحدا، لعدم تحقّق الستر معه قطعا، و لمفهوم قوله عليه السلام في إحدى صحيحتي محمد بعد سؤاله عن الرجل يصلّي في قميص واحد: «إن كان كثيفا فلا بأس به» «4».

و في الأخرى: «إذا كان القميص صفيقا» «5».

و هل يعتبر فيه كونه ساترا للحجم و الخلقة أيضا أم لا؟ قيل بالأول «6»، لتوقيفية العبادة، و تبادر ستر الحجم أيضا من الستر، و لذا يصح السلب بدونه

______________________________

(1) التذكرة 1: 94، نهاية الإحكام 1: 372.

(2) الذكرى: 141.

(3) كالشهيد في الذكرى: 141.

(4) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 2، التهذيب 2: 217- 855، الوسائل 4: 387 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216- 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

(6) كما في الذكرى: 146، جامع المقاصد 2: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 224

و يقال: ما ستر العورة

بل ستر لونها.

و لمرسلة أحمد بن حماد: «لا تصلّ فيما شفّ أو صفّ» يعني الثوب المصقّل «1».

قال في الذكرى: إنه وجده كذلك بخط الشيخ و إنّ المعروف: «أو وصف» بواوين. قال: و معنى شفّ: لاحت منه البشرة، و وصف: حكى الحجم «2».

و ذهب الفاضلان إلى الثاني «3»، للأصل، و صدق الستر عرفا، و منطوق الصحيحتين المتقدّمتين الشامل لما إذا لم يفد الكثافة و الصفاقة سوى ستر البشرة دون الحجم، و لأنّ جسد المرأة كلّه عورة، و لا شك في عدم استتار حجمه باللباس، فلو لم يكن ذلك سترا لما أمكن لها الاستتار.

و لرواية المرافقي: إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يدخل الحمام فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو صاحب الحمام فيطلي سائر بدنه، فقال له يوما: الذي تكره أن أراه فقد رأيته، فقال: «كلّا إن النورة سترة» «4».

و التقريب: تصريحه عليه السلام بكون النورة ساترا مع أنّها لا تستر إلّا البشرة، فلا يرد ما أورده بعض الأجلّة من أنّها لا تدلّ على استتار حجم السوأة بالنورة و الكلام فيه، بل على استتار العانة «5».

و مرسلة [محمد بن عمر] [1] و فيها: فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر، فلما

______________________________

[1] في النسخ: محمّد بن عمران، و الصحيح ما أثبتناه موافقا للمصادر.

______________________________

(1) التهذيب 2: 214- 837، الذكرى: 146، الوسائل 4: 388 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 4.

(2) الذكرى: 146.

(3) المحقق في المعتبر 2: 95، العلامة في القواعد 1: 27، و التذكرة 1: 92.

(4) الكافي 6: 497 الزي و التجمل ب 43 ح 7 و فيه: الدابقي، الفقيه 1: 65- 250، الوسائل 2:

53 أبواب آداب الحمام 18 ح 1: و فيه

الرافقي.

(5) كما في كشف اللثام 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 225

أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت و أمّي إنك لتوصينا بالمئزر و لزومه و قد ألقيت عن نفسك، فقال: «أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة» «1».

أقول

: انكشاف حجم الشي ء و خلقته بعد استتار اللون و البشرة تارة يكون برؤية شبحه بنفسه من وراء الساتر، كما يرى الشي ء من وراء الزجاجة الكثيفة أو من وراء ثوب قريب من العين، فإنّه كثيرا ما يرى شبح ما وراءهما بنفسه و لا يتميّز لونه، و من ذلك القبيل من يرى في الليلة إذا لم يكن لها شديد ظلمة فإنه يرى شبحه و إن لم يتميّز لونه، فالمرئي حينئذ ليس هو الحائل بل شبح الشي ء.

و أخرى يكون بعدم رؤية الشبح أيضا، بل يكون المرئي هو الحائل فقط و إن حكى هو حجم الشي ء أيضا للصوقه به كالشي ء الملفوف بالكرباس أو المطبق بالنورة و الطين.

فإن أريد من حكاية الحجم ما كان من قبيل الأول فالحقّ مع الأول، لعدم تحقّق الستر معه قطعا، و عدم جريان أدلّة الثاني في دفعه، و هو ظاهر.

و إن أريد الثاني فالحقّ مع الثاني، لأدلّته. و لا تنافيه توقيفية العبادة كما لا يخفى، و يمنع تبادر ستر الحجم من الستر، و صحة السلب، و تخصّ المرسلة بما ذكر، مع أنّ في شمولها لمثل ذلك نظرا، و تفسير الشهيد الوصف بما وصف لا حجية فيه، مع أنّ النسخ مختلفة.

الرابعة:

لا شك في جواز الستر و تحقّقه بالثوب مطلقا، و كذا بالحشيش و الورق و مثلهما حال الانحصار، و في صحيحة علي، المتقدّمة تصريح به «2».

و هل يجوز الاستتار

بهما مع وجود الثوب أيضا، أم لا؟ المحكي عن جماعة:

الثاني، و اختاره في المدارك «3»، و والدي في المعتمد، و نسب إلى الشيخ و الحلّي

______________________________

(1) الكافي 6: 502 الزي و التجمل ب 43 ح 35، الوسائل 2: 53 أبواب آداب الحمام ب 18 ح 2.

(2) راجع ص 222.

(3) المدارك 3: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 226

و الفاضلين «1»، و البيان «2»، و عزي إلى المشهور.

و في البحار نسب إليهم جميعا القول الأول، و نسبه إلى المشهور «3».

و التحقيق: أنّ ظاهر كلام بعض هؤلاء يوافق الأول و بعضهم الثاني.

و على أيّ حال فدليل الثاني: عدم تبادر مثل ذلك من إطلاق الستر.

و اقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية. و صحيحة علي. و إطلاق الأخبار الواردة في أنّ من ليس له غير الثوب النجس يصلّي فيه «4»، أو من لم يجد ثوبا يصلّي إيماء «5» الشامل لواجد الورق و الحشيش. و ما دلّ على أنّ أدنى ما تصلّي المرأة فيه درع و ملحفة «6»، و يتمّ في الرجل بالإجماع المركّب.

و يضعّف الأول- مع عدم إطلاق كذائي-: بأنه لو كان، لوجب حمله على ما يصدق عليه لغة، و صدقه على الستر بمثل ذلك ظاهر جدا.

و الثاني: بعدم تيقّن الشغل بالزائد على مطلق الستر.

و الثالث: بعدم الدلالة، و السؤال عمّن ليس له ثياب لا يدلّ على تقدّمها على الحشيش.

و الرابع: بعدم قول المستدلّ بالإطلاقين المذكورين، لتجويزه التستّر بالحشيش حينئذ، بل الظاهر إجماعيته، و مع ذلك يندفع ثاني الإطلاقين بصحيحة علي.

و الخامس: بعدم وجوبهما بخصوصهما إجماعا، فليحمل على ضرب من

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 87، الحلي في السرائر 1: 260، المحقق في الشرائع 1: 70، العلامة في القواعد 1: 28،

و التحرير 1: 31.

(2) البيان: 125.

(3) البحار 80: 212.

(4) انظر: الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45.

(5) انظر: الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.

(6) التهذيب 2: 217- 853، الاستبصار 1: 388- 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 227

الاستحباب.

و قال طائفة بالأول «1»، و هو الأظهر، لا للصحيحة كما قيل «2»، لعدم دلالتها جدّا، بل للأصل، و عدم دليل على وجوب الأزيد من الستر المتحقّق بكلّ ما يستر به، بل مرّ التصريح بتحقّق الستر بالنورة أيضا.

و منهما بل و من التعليق بوصف الستر في الصحيحة يظهر جواز الستر بها و بالطين أيضا و لو مع القدرة على الثوب و الحشيش.

خلافا لمن لم يجوّزه إمّا مطلقا «3»، لأنّ الظاهر من الأخبار تعيّن الإيماء عند تعذّر الثوب «4»، خرج الحشيش بالصحيحة، فيبقى الباقي.

و فيه: أن مفهوم قوله في ذيل الصحيحة: «و إن لم يصب شيئا» شامل لمثلهما أيضا.

أو مع القدرة على الثوب فقط و إن قدر على الحشيش، أو مع القدرة عليه أيضا، لمثل ما مرّ في الحشيش و الورق. و قد عرفت دفعه.

و كذا يجوز الستر باليد، بل يجب مع الانحصار، و لكنه لا يفيد حالتي الركوع و السجود فيجب الإيماء، فلا يمكن الاكتفاء بها مع غيرها.

الخامسة:
اشارة

لو لم يجد المصلّي ساترا مطلقا تجب عليه الصلاة عاريا قائما إذا لم يكن هناك ناظر محترم، و جالسا إن كان، وفاقا للشيخين و الفاضل و الشهيدين [1]،

______________________________

[1] لم نعثر على كلام المفيد في المقنعة و قد حكاه عنها في المعتبر 2: 104، الطوسي في النهاية: 130، و المبسوط 1: 87، و الخلاف 1: 399، الفاضل في التذكرة

1: 93، و التحرير 1: 31، و نهاية الإحكام 1: 368، الشهيد الأول في البيان: 125، و الدروس 1: 149، الشهيد الثاني في المسالك 1: 24، و الروضة 1: 205، و روض الجنان: 216.

______________________________

(1) كالشيخ في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 177، و الاقتصاد: 259، و الشهيد في الذكرى:

141، و الكركي في جامع المقاصد 2: 99.

(2) كما في الذكرى: 141.

(3) كما في الذكرى: 141.

(4) انظر الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 228

و أكثر المتأخّرين، بل الأكثر مطلقا، كما به صرّح غير واحد «1».

لمرسلة ابن مسكان: في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: «يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالسا» «2».

و المروي في المحاسن: في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: «إذا كان لا يراه أحد فليصلّ قائما» «3».

و في نوادر الراوندي: «في العريان إن رآه الناس صلّى قاعدا و إن لم يره الناس صلّى قائما» «4».

و ضعف سندها بالشهرة منجبر، مع أنّ الاولى بنفسها حجّة، و مع ذلك عن ابن مسكان المجمع على تصحيح ما يصح عنه صحيحة.

خلافا للمحكي عن الفقيه و المقنع و مصباح السيد و جمله و المقنعة و التهذيب «5»، فأطلقوا الأمر بالجلوس، لأصالة وجوب الستر عن الناظر.

و حسنة زرارة: رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه، فقال: «يصلّي إيماء، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما» «6».

و صحيحة ابن سنان: عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة،

قال: «يتقدّمهم

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 141، و الفيض في المفاتيح 1: 105.

(2) التهذيب 2: 365- 1516، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 3.

(3) المحاسن: 372- 135، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7.

(4) نوادر الراوندي: 51، البحار 80: 212- 1.

(5) الفقيه 1: 296، المقنع: 36، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، المقنعة:

216، التهذيب 3: 178.

(6) الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 16، التهذيب 2: 364- 1512، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 229

الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» «1».

و موثّقة إسحاق: قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومئ إيماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» «2».

و المروي في قرب الإسناد: «من غرقت ثيابه فلا ينبغي أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت، يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى» «3».

و للحلّي «4»، فأطلق الأمر بالقيام، لأصالة وجوبه، و صحيحة علي، السابقة «5».

و صحيحة ابن سنان: «و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد بالسيف و يصلّي قائما» «6».

و لحصول استتار الدبر بالأليين، و القبل باليدين، فيأمن عن الناظر دائما.

و للمعتبر و بعض من عنه تأخّر «7»، مخيّرا بين الأمرين، لتعارض الأخبار مع ضعف روايات التفصيل.

______________________________

(1) التهذيب 2: 365- 1513، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.

(2) التهذيب 2: 365- 1514،

الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 142- 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

(4) السرائر 1: 260.

(5) في ص 222.

(6) الفقيه 1: 166- 782، التهذيب 2: 366- 1519، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 4.

(7) المعتبر 2: 105، و انظر المدارك 3: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 230

و يجاب عن دليل الأول: باندفاع الأصل بعدم وجود الناظر، و إطلاق الأخبار بالنسبة إلى وجوده و عدمه، فيجب حملها على المقيّد، و ليس التباعد المأمور به في ذيل الأخير صريحا في قدر يمنع الرؤية، فلا يقدح في إطلاقه، فيمكن أن يكون التباعد في الجملة مطلوبا تعبدا.

مع أنّ الحسنة ليست نصّا في الجلوس للصلاة، لاحتماله للإيماء للسجود، كما هو المحكي عن السيد عميد الدين «1»، بل هو الظاهر منها، لمكان لفظة: «ثمَّ» و قوله: «فيومئان» بعد: «يجلسان».

و الصحيحة و الموثّقة ظاهرتان بل صريحتان في وجود الناظر. و الأخيرة ضعيفة، و بالشهرة غير منجبرة.

و عن دليل الثاني: بمعارضة أصله مع أصل الأول في صورة وجود الناظر، فيتساقطان لو لم يرجّح الأول بالشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول في الخلاف على لزوم الجلوس مع عدم الأمن عن الناظر «2»، و تقيّد إطلاقاته بالمقيدات المتقدمة، و اندفاع دليله الأخير بمنع حصول استتار القبل باليد مطلقا إلّا مع الخروج عن حد القائم، و الدبر بالأليين مع الهزال الكثير، و لو سلّم فلا يخرج الشخص بذلك عن مصداق العريان الذي ورد في النصوص المفصّلة، و كون العلّة محض استتار العورة غير معلوم.

و عن دليل الثالث: بمنع ضعف دليل المفصل، كما مرّ.

ثمَّ مقتضى الأخبار المفصلة: القيام مع عدم الناظر و

لو احتمل دخوله بعده أو وجوده حينئذ، و هو مقتضى أصالة عدمه و أصالة وجوب القيام أيضا.

و المصرّح به في كلام أكثر المفصّلين التفصيل بين عدم الأمن من الناظر و الأمن منه، فيجلس في الأول. و لا دليل له تاما [1].

______________________________

[1] التقييد بالتام لإمكان الاستدلال باختيار وجوب الحفظ من الناظر الدال على المحافظة مع احتماله كما مرّ في بحث الخلوة، و عدم تماميته لمعارضتها مع أخبار وجوب القيام في الصلاة و بقاء الأخبار التفصيلية بلا معارض. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 142.

(2) الخلاف 1: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 231

و لو أمن أولا ثمَّ ورد الناظر، جلس في الباقي، للأمر بالصلاة جالسا مع النظر، و لو انعكس الأمر قام في الباقي.

و لو أمن من الناظر من إحدى الجهتين كالقدام دون الآخر و كان له ما يستر الجهة الأخرى فقط، يستر و يقوم، لأنّ معنى قوله: «فإن رآه» أو: «لم يره» رؤية ما يحرم رؤيته، فيصدق عدم الرؤية، و يلزمه لزوم القيام لو ستر القدام فقط، لاستتار الدبر بالأليين كما صرّح به في النص «1».

ثمَّ في حالة القيام هل يجب عليه ستر قبله باليدين إن أمكن؟ الظاهر:

نعم، للتمكن من الستر الواجب الغير المختص بساتر مخصوص كما مرّ.

و لأنّ كلّ من قال بتحقّق الستر بشي ء قال بوجوبه مع الإمكان، و تؤيّده حسنة زرارة، المتقدّمة «2».

و هل التفصيل مخصوص بالرجال كما هو مورد الروايات، أو يعمّ النساء أيضا؟ الظاهر: الأول، لاختصاص الروايات، و عدم معلومية الإجماع المركّب، و كون جميعها عورة فلا يتفاوت الحال بالقيام و القعود، و الأصل وجوب القيام فيقمن أبدا و يسترن فرجهن باليد إن أمكن، كما به صرّح في

الحسنة.

فروع:

أ: لا خلاف في وجوب الإيماء بالركوع و السجود لغير المأمومين في حالة الجلوس، و في الأخبار المتقدّمة تصريح به «3». و اختلفوا في حال القيام، و في حقّ المأمومين.

أمّا الأول: فصرّح بالإيماء فيه أيضا الأكثر. و هو الأظهر، لصحيحة علي.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2 و 3.

(2) في ص 228.

(3) راجع ص 228 و 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 232

و عدم نصوصيتها في الإيماء بالركوع و السجود معا غير ضائر، لعدم الفاصل، مع أنها فيه ظاهرة و هو كاف في المطلوب.

و خالف فيه ابن زهرة، فأوجب الركوع و السجود على القائم «1»، و تردّد فيه الفاضل في النهاية «2»، و لم يتعرّض له الشيخ و الديلمي و القاضي و ابن حمزة، إمّا لأصالة وجوبهما، أو لما قيل من أنّ القيام لا يكون إلّا في حال الأمن، و معه لا وجه لتركهما «3».

و الأول تمسّك بالأصل في مقابلة النص، و الثاني اجتهاد كذلك.

و أمّا الثاني، فعن الأكثر أيضا- و منهم: المفيد و السيد و الحلّي- الإيماء في حقّهم «4»، بل عن السيد و موضعين من السرائر الإجماع عليه [1]، لصحيحة، و سائر مطلقات الإيماء بهما، و عموم التعليل في الحسنة بقوله: «فيبدو ما خلفهما» «5».

و عن الإصباح و الشيخ و ابن حمزة و القاضي و الجامع و المعتبر و المنتهى و الدروس: وجوب الركوع و السجود عليهم «6». و هو الأقوى.

لموثّقة إسحاق، المتقدّمة «7» الخاصة بالنسبة إلى ما دلّ على الإيماء مطلقا حتى التعليل المذكور.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتب السيّد التي بأيدينا، السرائر 1: 355 و 260.

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 561.

(2) نهاية الإحكام: 368.

(3) كما

في كشف اللثام 1: 190.

(4) المفيد في المقنعة: 216، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الحلي في السرائر 1: 260 و 355.

(5) راجع حسنة زرارة في ص 228.

(6) الشيخ في النهاية: 130، ابن حمزة في الوسيلة: 107، القاضي في شرح الجمل: 147، المهذب 1: 117، الجامع للشرائع: 91، المعتبر 2: 107، المنتهى 1: 240، الدروس 1: 149.

(7) في ص 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 233

و حمل قوله: «على وجوههم» على الوجه الذي لهم و هو الإيماء بعيد جدّا، بل مناف للتفصيل، مع أنّ الركوع و السجود حقيقتان في غير الإيماء.

و أصالة وجوب الإيماء على العاري الذي عنده غيره مطلقا حتى في حق المأموم ممنوع.

و في الذكرى: التفصيل بين وجود مطّلع غيرهم و عدمه، فالإيماء في الأول و الركوع و السجود في الثاني «1». و يدفعه عموم الموثّق [1].

و في التحرير و المختلف و التذكرة: التردّد «2». و لا وجه له.

ب: الإيماء بالرأس، للحسنة. فإن تعذّر فبالعينين، للإجماع. و يجعل السجود أخفض إجماعا، لرواية قرب الإسناد، المنجبرة «3».

و هل يجب الانحناء فيهما بحسب الإمكان مع عدم بدوّ العورة؟ الظاهر لا، للأصل.

و في الذكرى و المسالك: نعم «4»، استصحابا لوجوبه.

و يندفع: بأن المسلّم وجوبه للانتقال إلى الركوع و السجود الواجبين، فهو

______________________________

[1] و أجاب في المنتهى أيضا بأن ذلك فيما إذا خاف من المطلع و هو مفقود هنا، إذ كل منهم مع سمت صاحبه لا يمكن له أن ينظر إلى عورته حالتي السجود و الركوع. و فيه: انه إذا كان كذلك لوجب عليهم القيام على ما اختاره و يخرج عن مورد الموثقة و لا يمكن الاستدلال بها له، إلّا أن يكون

مراده عدم إمكان النظر حالتي الركوع و السجود خاصة و إن أمكن في غيرهما، و يرد عليه حينئذ منع عدم الإمكان. و في الذكرى بعد اختيار التفصيل المذكور في المتن قال: و أمّا هم أي المأمومون فغير ضائر، لكونهم في حيّز التستر باستواء الصف و اعتبار النظام، ثمَّ استشكل بأنهم لو كانوا في حيّز التستر لوجب القيام، و أجاب بأنهم كذلك في حال الجلوس. و لا يخلو ما ذكره من تعسف و تمحل. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الذكرى: 142.

(2) التحرير 1: 32، المختلف: 84، التذكرة 1: 94.

(3) راجع ص 229.

(4) الذكرى: 142، المسالك 1: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 234

مقيّد بذلك الحال و تبعي، لا أنّه من أجزاء الصلاة، و لذا لم يعدّه أحد منها، فلا يمكن الاستصحاب.

و منه يظهر حال ما احتمله الشهيد من وضع الأعضاء السبعة في السجود «1»، و ما نفى عنه البعد في المدارك «2» بل أوجبه في المسالك «3»، من وجوب رفع شي ء يسجد عليه.

و الاستدلال له: بما ورد في صلاة المريض «4» نوع من القياس، و عدم الفصل غير ثابت، مع أنّ ما ورد فيها غير دالّ على الوجوب فيها أيضا كفتوى الأصحاب.

ج: المصرّح به في كلام جماعة أنّ القائم لا يجلس لإيماء السجود «5»، لظاهر صحيحة علي.

و عن السيد عميد الدين أنه يجلس «6»، لأنّه أقرب إلى هيئة السجود، و لمثل قوله: «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم» «7» و لاستصحاب وجوب الجلوس للسجود.

و يضعّف الأول: بمنع وجوب تحصيل الأقرب.

و الثاني و الثالث: بمثل ما مرّ من منع وجوب الجلوس للسجود إلّا من باب المقدّمة للسجود، فينتفي بانتفائه.

______________________________

(1) الذكرى: 142.

(2) المدارك 3: 195.

(3) المسالك 1:

24.

(4) انظر الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.

(5) كما في الذكرى: 142، جامع المقاصد 2: 102، المدارك 3: 195، المفاتيح 1: 105، الحدائق 7: 44.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 142.

(7) عوالي اللئالي 4: 58- 206، سنن النسائي 5: 110- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 235

إلّا أنه يمكن أن يقال: الأصل عدم وجوب القيام للسجود أيضا، إذ لا إجماع فيه و لا دليل، و الأخبار المفصّلة لا تفيد، لأنّ المراد بالقيام فيها المتعارف، و ظاهر الصحيحة و إن يشمل إيماء السجود أيضا إلّا أنه معارض مع ظاهر الحسنة، مع أنّ إفادة الصحيحة أيضا للوجوب ممنوعة. فالتخيير أقوى إلّا مع إيجاب الجلوس بعد القيام و عكسه لبدوّ العورة فلا يجوز، للعلّة المصرّح بها في الحسنة.

د: يجب على القائم الجلوس للتشهد و السلام، للاستصحاب الخالي عن المخرج إلّا مع إيجابه البدوّ المذكور.

ه: لو صلّى العاري بغير إيماء، بطلت صلاته و لو أتى بالركوع عمدا أو سهوا أو نسيانا، لا لإتيانه بالمنهي عنه حتى يرد عدم توجّه النهي مع النسيان، بل لعدم إتيانه بالمأمور به. و حكم الجاهل ما مرّ مرارا.

و: لا يجب على العاري أول الوقت التأخير و إن ظنّ حصول الستر له، وفاقا للشيخ و الحلّي «1» حاكيا له كغيره «2» عن الأكثر. بل و لو علم الحصول أيضا، للأصل، و إطلاقات صلاة العاري. و أدلة وجوب الستر مقيّدة بإمكانه حال الصلاة. و كون التأخير مقدّمة للستر غير مفيد، لمنع وجوبه المطلق حتى في هذه الصورة [1]، مع أنّ الواجب من المقدّمة هي المقدورة، و هي للصلاة في أول الوقت غير مقدورة، فتصح الصلاة فيه عريانا، و عدم جواز الصلاة فيه يحتاج إلى دليل.

و

توهّم أنه مع عدم الستر في أول الوقت لا يصدق الامتثال، للتمكّن من الستر و لو بالصبر، مردود: بأنّ الكلام في امتثال ذلك الأمر الوارد في أول الوقت تخييرا بملاحظة دليل التوسعة، و لا شك أنّ الستر له غير ممكن، و إنّما يمكن

______________________________

[1] مع أنه لو تمَّ لأفاد في صورة العلم بحصول الستر بالتأخير. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 58، الحلي في السرائر 1: 355.

(2) المنتهى 1: 239، الرياض 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 236

لامتثال فرد آخر من الموسّع.

و أمّا رواية قرب الإسناد، المتقدّمة «1»: فمع عدم حجيتها غير ناهضة لإثبات الوجوب، بل ظاهرة في الاستحباب مع الاحتمال، و هو مسلّم معه، له و للاحتراز عن مخالفة المعتبر و المنتهى في صورة الظن «2»، فإنّهما أوجباه حينئذ معه، بل بدونه أيضا تجنّبا عن خلاف السيد و الديلمي «3»، حيث أوجبا التأخير مطلقا.

ز: شراء الساتر و لو زائدا عن ثمن المثل ما لم يستضرّ به و قبول إعارته وهبته واجب على الأصح، لقوله في صحيحة علي: «و إن لم يصب شيئا أومأ» دلّ بمفهومه على عدم الإيماء مع الإصابة الصادقة هنا، فإمّا يركع و يسجد بدون الشراء و القبول، و هو باطل إجماعا، أو يشتري و يقبل، و هو المطلوب.

ح: لو لم يجد إلّا الحرير، فظاهر الأصحاب- كما قيل «4»- أنه يصلّي عاريا، لاستصحاب حرمة لبسه قبل صلاته، و أدلّة عدم جواز الصلاة فيه «5».

و يخدشه: أنّهما معارضتان مع أدلّة وجوب الستر، فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالتخيير قويّ جدّا. و كذا لو لم يجد إلّا جلد الميتة أو ما لا يؤكل.

و لو لم يجد إلّا النجس أو المغصوب، فسيأتي

حكمه، و كذا حكم ما لو اضطرّ إلى لبس الحرير أو النجس.

ط: لو وجد الستر في أثناء الصلاة، فمع عدم توقّف الستر على الفعل المنافي يستر و يتمّ الصلاة.

و قيل: يستأنف مع السعة، لعدم تحقّق الامتثال [1].

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) في ص 229.

(2) المعتبر 2: 108، المنتهى 1: 239.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الديلمي في المراسم: 76.

(4) انظر: الحدائق 7: 46.

(5) انظر الوسائل 4: 367 أبواب لباس المصلي ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 237

و فيه منع ظاهر، و وجوب الصلاة كلها مستورا حينئذ لا دليل عليه.

و مع التوقّف فمع ضيق الوقت يستمرّ و يتمّ الصلاة إجماعا، و بدونه يقطع و يستر و يصلّي، لمفهوم صحيحة علي، بل منطوق قوله: «فإن أصاب حشيشا» إلى آخره، لصدق الإصابة حينئذ، فإن لم يستر فإمّا يصلّي إيماء، فقد خالف النصّ، أو يركع و يسجد عريانا، فقد خالف الإجماع بل النصوص.

ي: لو كان في الثوب خرق محاذ للعورة، بطلت الصلاة إن لم يمكن جمعه بحيث يتحقّق الستر بالثوب. و إن أمكن، وجب و صحّت بلا إشكال إن لم يمنع ذلك من واجب في الصلاة، كوضع اليد على الأرض للسجود، و إن منع فيحصل الإشكال من جهة التعارض بين مراعاة الستر و ذلك الواجب، و إن أمكن الستر بوضع اليد عليه بحيث يكون الساتر هو اليد، فحكمه حكم العاري عند من لا يرى الستر باليد سترا، و حكم الأول على الأصح.

يا: لو وجد ساترا لإحدى العورتين أو المرأة لبعض جسدها، وجب الستر عن الناظر المحترم إذا كان، و مطلقا في الصلاة، لا لنحو قوله: «ما لا يدرك كلّه لا يترك

كلّه» «1» لعدم تمامية دلالته، بل لدلالة أدلّة وجوب الستر عليه تضمّنا أو التزاما، و الأصل عدم الارتباط بين ستر هذا الجزء و ستر غيره، و دلالة الدليل عليه تبعا لا يجعل وجوبه تبعيا. و تكون الصلاة مع انكشاف الباقي صلاة العراة.

و منه يظهر عدم شرطية ستر البعض مع عدم إمكان ستر الجميع للصلاة و إن وجب، فلا تبطل الصلاة بتركه حينئذ [1].

______________________________

[1] فرع: يستحب الجماعة للعراة بالإجماع كما صرّح به بعض الأعيان، و هو دليل عليه، مع عموم أدلة أفضليته و خصوص الموثقة المتقدمة. و أما خبر قرب الإسناد فلا يكافئ ما تقدم، لعدم عامل به سوى الصدوق على ما نقل عنه في باب صلاة الخوف و المطاردة، مع أن حمله على عدم إرادة الجماعة أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما ممكن. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 4: 58- 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 238

المسألة السادسة:

لا يعتبر الستر في صلاة الجنازة، للأصل، و عدم معلومية إرادتها من الصلاة المطلقة. و قيل: يعتبر «1»، و هو ضعيف.

و لا فرق في سائر الصلوات بين واجبها و مندوبها بالإجماع، و إليه يرشد إطلاق الأخبار.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 239

البحث الثاني: فيما يجب ستره
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

يجب على الرجل ستر القبل- الذكر و الخصيتين- و الدبر لا غيرهما.

أمّا وجوب سترهما: فبالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1»، و صحيحة علي المتقدّمة حيث إنّ الثلاثة داخلة في العورة إجماعا.

و تردّد الفاضل في التحرير «2» في دخول البيضتين فيها، شاذ جدّا مردود بالعرف، بل النص و هو رواية الواسطي: «العورة عورتان، القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» «3».

و عدم جريان الصحيحة فيمن وظيفته الصلاة الإيمائية غير ضائر، لتتميم المطلوب بالإجماع المركّب.

و أمّا عدم وجوب ستر غيرهما: فللأصل الخالي عن المعارض، بل الإجماع في غير ما بين السرّة و الركبة.

و منه يظهر عدم منافاة صحيحة زرارة: «أدنى ما يجزيك أن تصلّي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف» «4» و صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يؤمّ في سراويل و قلنسوة؟ قال: «لا يصلح» «5» و نحو ذلك، لوجوب

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 393، و المعتبر 2: 99، و الذكرى: 139.

(2) التحرير 1: 31.

(3) الكافي 6: 501 الزيّ و التجمّل ب 43 ح 26، التهذيب 1: 374- 1151، الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.

(4) الفقيه 1: 166- 783، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 6.

(5) التهذيب 2: 366- 1520، الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 240

حملها على الاستحباب، للإجماع، بل إطلاق الأخبار المصرّحة بكفاية الثوب الواحد للرجل «1».

و الاستدلال لعدم الوجوب: بصحيحة علي- كما في المدارك «2»- غير جيّد جدّا.

خلافا للمحكي عن القاضي «3»، و الطرابلسي «4»، فأوجبا ستر ما بين السرّة

و الركبة.

و لعلّه لبعض الأخبار العامية «5»، و رواية قرب الإسناد: «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، و العورة ما بين السرة و الركبة» «6» و ما في بعض الأخبار من أنّ أبا جعفر عليه السلام اتّزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرته، ثمَّ أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثمَّ قال: «اخرج عنّي» ثمَّ طلى هو ما تحته بيده، ثمَّ قال: «هكذا فافعل» «7».

و يضعّف- مع ضعف الأولين بنفسهما- بمعارضتها مع رواية الواسطي و غيرها كرواية ابن حكيم: «الفخذ ليس من العورة» «8» المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، الموجبة لطرحها، لموافقتها لأكثر العامة كما في المنتهى «9». و ظهور الثاني في عورة المرأة أو مطلقا لا الرجل، و على التقديرين يخالف الإجماع، و تقييده بالرجل بعيد غايته.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53.

(2) المدارك 3: 191.

(3) القاضي في المهذب 1: 83، و شرح الجمل: 73.

(4) حكاه عنه في الدروس 1: 147 و جعله أحوط.

(5) المغني 1: 652.

(6) قرب الإسناد: 103- 345، الوسائل 21: 148 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 44 ح 7.

(7) الكافي 6: 501 الزيّ و التجمّل ب 43 ح 22، الوسائل 2: 67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.

(8) التهذيب 1: 374- 1150، الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.

(9) المنتهى 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 241

و معارضة الثالث مع ما مرّ من أنه عليه السلام كان يطلي عانته و ما يليها ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو قيّم الحمام «1»، فحمله على الأفضلية متعيّن.

و للمحكي عن الحلبي، فجعل العورة من السرّة إلى نصف

الساق «2».

و لم أعثر على دليل له، بل يردّه ما في بعض الأخبار من أن الركبة ليست من العورة [1]، و مرسلة الفقيه: «صلّى الحسين بن علي عليهما السلام في ثوب قد قلص عن نصف ساقه و قارب ركبتيه» الحديث «3».

و أمّا مرسلة رفاعة: عن الرجل يصلّي في ثوب واحد يأتزر به، قال: «لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين» «4» فلا تدلّ على مطلوبه، بل هو ممّا لم يقل أحد بوجوبه، فعلى الاستحباب محمولة قطعا.

مع أنّ المحكي عنه في المختلف «5»- كما قيل- و في الدروس «6» موافقته للقاضي، إلّا أنه أوجب الستر إلى نصف الساق من باب المقدّمة.

و هل يستحب للرجل ستر سائر بدنه أو لا؟ ففي المعتبر و الإرشاد و القواعد و التذكرة و الدروس و البيان: استحباب ستر جميع الجسد «7». و في الشرائع: كراهة الصلاة عريانا إذا ستر قبله و دبره «8». و في المدارك: يكره للرجل الصلاة في غير

______________________________

[1] لم نعثر عليه.

______________________________

(1) راجع ص 224.

(2) الكافي في الفقه: 139.

(3) الفقيه 1: 167- 784، الوسائل 4: 392 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 10.

(4) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216- 849، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 3.

(5) المختلف: 83.

(6) الدروس 1: 147.

(7) المعتبر 2: 99، الإرشاد 1: 247، القواعد 1: 27، التذكرة 1: 93، الدروس 1: 147، البيان: 122.

(8) الشرائع 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 242

الثوب الساتر لما يعتاد ستره، و استدلّ بأخبار لا تثبت إلّا استحباب التردّي بشي ء و التعمّم «1»، و ظاهر أنهما خارجان عن المقصد.

و قد يستدل بحصول المبالغة في الستر، و بفعلهم عليهم السلام

ذلك في الأكثر، و بما نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله من أنه: «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبه، فإن اللّه جلّ شأنه أحقّ أن يتزيّن له» «2» و بأنه زينة و قال سبحانه خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «3» أي صلاة.

و الكلّ كما ترى، بل ظاهر ما في الدعائم- من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الحسين عليه السلام و الباقر عليه السلام صلّوا في ثوب واحد «4»-: عدمه، حيث إنّ الثوب الواحد لا يشمل جميع البدن و لا جميع ما يعتاد ستره.

و قيل: يستحب ستر أعالي البدن «5».

و هو أيضا غير معلوم الوجه، إلّا أن يجعل فتوى العالم على جميع ما ذكر دليلا، و لا بأس به.

الثانية:

يجب على المرأة ستر جميع جسدها، عدا الوجه و الكفّين و القدمين ظاهرا و باطنا، بالإجماع في المستثنى منه، و الأصل في المستثنى، و هما الحجة في المقامين.

لا في الأول ما ذكروه من الأخبار الناطقة بأن المرأة تصلّي في درع و مقنعة «6»، أو في إزار و درع و خمار، فإن لم تجد ففي ثوبين «7». أو أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة

______________________________

(1) المدارك 3: 192.

(2) المهذّب في فقه الشافعي 1: 65.

(3) الأعراف: 29.

(4) دعائم الإسلام 1: 175. مستدرك الوسائل 3: 212 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.

(5) كما في الحدائق 7: 33.

(6) الفقيه 1: 243- 1081، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 3.

(7) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217- 856، الاستبصار 1:

389- 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 243

درع و ملحفة «1». أو أنّه

لا تصلّي المرأة في ثوب واحد «2»، و أمثالها، و إن كانت صحاحا، لعدم وفائها بتمام المطلوب حتى تمام الصدغين و الأذنين و قدام العنق و جميع الساعدين و الساقين.

و القول بورودها على ما هو المتعارف في زمان صدور الروايات من طول الأذيال و الأكمام بحيث يغطّي اليدين و الأقدام، ضعيف كما سيظهر وجهه، فالمناط هو الإجماع.

و مخالفة الإسكافي «3» و جعله إيّاها كالرجل كما هو المشهور عنه، أو عدم إيجابه ستر رأسها خاصة كما حكى عنه بعضهم «4»، شاذة في الإجماع غير قادحة، مع أنّ قوله مردود بالأخبار المذكورة قطعا، فلا يبقى إلّا ما ذكرنا بالإجماع المركّب أيضا، إلّا أنّ في دلالة تلك الأخبار على الوجوب نظرا سيّما مع وجود المعارض لبعضها.

و لا في الثاني عدم كون الثلاثة عورة، أو عدم تستّرها بما يدلّ الأخبار على وجوب الاستتار بها، لضعف الأول: بعدم الملازمة، و الثاني: برجوعه إلى ما ذكرنا من الأصل.

خلافا في الأول لمن ذكر، فلم يوجب إمّا ستر غير السوأتين، للأصل المندفع بما مرّ. أو الرأس، لموثّقة ابن بكير: «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس» «5» المردودة بمخالفتها لعمل الفرقة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 217- 853، الاستبصار 1: 388- 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

(2) الفقيه 1: 244- 1082، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 4.

(3) حكاه عنه في المختلف: 83.

(4) حكاه عن ابن الجنيد في المهذب البارع 1: 330.

(5) التهذيب 2: 218- 857، الاستبصار 1: 389- 1481، الوسائل 4: 410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 244

و في الثاني لجماعة، و هم بين غير

مستثن لشي ء سوى موضع السجود، و هو المحكي عن الوسيلة، و عزي إلى الجمل و العقود و الغنية أيضا «1».

و كأنه لكون الستر الأصل فيها إلّا ما اضطرّت إلى كشفه و هو الجبهة.

و فيه منع الأصل.

و مقتصر في الاستثناء على الوجه خاصة، و هو المنقول عن الاقتصاد «2»، و قد ينسب إلى الأخيرين [1] أيضا «3».

و لعلّه للنصّ الدالّ على لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين «4»، و ضمّها معهما يستلزم ستر الكفين و القدمين أيضا.

و فيه- مع كونه مخالفا للإجماع المحكي في المختلف و المنتهى و روض الجنان و الذكرى و شرح القواعد «5»، و معارضته مع ما دلّ على كفاية الخمار و الدرع من الصحاح «6»-: أنّ الاستلزام المذكور ممنوع سيّما في القدمين، بل قال الأردبيلي:

إنّ الغالب في العرف أنّ الملحفة تلبس بحيث يبقى القدمان، بل الظاهر أنّ دلالتها على عدم ستر القدمين أقوى منها على الستر «7». انتهى.

و مقتصر على الوجه و الكفّين، فلم يستثن القدمين إمّا متردّدا فيهما «8»، أو

______________________________

[1] في «ق»: الأخير.

______________________________

(1) الوسيلة: 89، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 176، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(2) الاقتصاد: 258.

(3) كما في الرياض 1: 134.

(4) التهذيب 2: 218- 860، الاستبصار 1: 390- 1484، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.

(5) المختلف: 83، المنتهى 1: 236، روض الجنان: 217، الذكرى: 139، جامع المقاصد 2:

96.

(6) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.

(7) مجمع الفائدة 2: 105.

(8) كما في الشرائع 1: 70، المختصر النافع: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 245

مصرّحا بعدم الاستثناء إمّا مطلقا «1»، أو باطنهما فقط «2»، للاحتياط، و كون جميع جسدها عورة فلا يخرج إلّا ما

قطع بخروجه، و ما دلّ على لزوم ملحفة منضمة مع الثوبين «3».

و صحيحة علي: عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال:

«تلتفّ فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليست تقدر على غير ذلك فلا بأس» «4» دلّت بالمفهوم على البأس في خروج الرجلين مع القدرة.

و ما دلّ على وجوب الدرع و القميص، حيث إنّ دروعهنّ كانت مفضية إلى أقدامهنّ كما يشاهد الحال في نساء أكثر الأعراب.

و يؤيّده ما في الموثّق: في الرجل يجرّ ثوبه قال: «إنّي أكره أن يتشبّه بالنساء» «5».

و يضعّف الأول: بعدم إفادته الأزيد من الاستحباب.

و الثاني: بما مرّ من عدم الملازمة، و لو سلّمت فبمنع كونهما عورة، لعدم القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع لمكان الخلاف، و لا من جهة الأخبار، لقصور ما دلّ عليه سندا و اعتبارا، و خلوّه عن الجابر المعلوم.

و دعوى: صدق العورة عليها كلّها لغة و عرفا ممنوعة جدا [1].

و الثالث: بما سبق.

______________________________

[1] و من هنا يظهر أنه لا يتفاوت الحال في المرأة لو سلّمنا الإجماع على أن الواجب ستره في الصلاة هو ما يصدق عليه العورة، إذ لم يثبت كون جسد المرأة عورة إلّا بالقدر الذي ثبت الإجماع فيه على وجوب ستره في الصلاة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 393.

(2) كما في القواعد 1: 27.

(3) راجع ص 244.

(4) الفقيه 1: 244- 1083، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2.

(5) الكافي 6: 458 الزي و التجمل ب 12 ح 12، الوسائل 5: 42 أبواب أحكام الملابس ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 246

و الرابع: بأنّ الرجل اسم للمجموع المركّب من

القدم و ما فوقها، مع أنّ الاستدلال به إنّما يتمّ على جعل الواو حالية، و لو جعلت عاطفة لم يتمّ أصلا.

و الخامس: بما قد يدّعى من ظهور عدم لزوم سترهما منه، و لو منع الظهور فلا شك في عدم ظهور اللزوم.

و من أين علم أنّ ثياب النساء في وقت صدور الأخبار كانت طويلة هذا القدر؟ بل كثير من علماء العرب الذين هم أكثر اطّلاعا و أقرب زمانا منّا بهذا الوقت و بعادة نساء العرب لم يحتملوا ذلك، بل منهم من صرّح بخلافه، قال في المنتهى: و ليس القميص غالبا ساترا لظهور القدمين «1». انتهى.

و الاعتماد على عرف الآن لا وجه له، مع أنّ المشاهد منهنّ في زماننا هذا عدم ستر قميصهنّ لأقدامهنّ و إن كانت طويلة بحيث تجرّ على الأرض فإنّها لا تستر رؤوس الأقدام، و هذا القدر كاف في استثناء القدمين بجميعهما، لعدم القائل بالفرق، فلا يتمّ الاستدلال مطلقا [1].

ثمَّ بما ذكرنا ظهر عدم وجوب ستر شي ء من الوجه و الكفّين و القدمين من باب المقدّمة أيضا، إذ لا يثبت من الإجماع بل و لا من صدق العورة وجوب ستر غير المذكورات على نحو يحصل العلم باستتار جميع أجزائه، بل القدر الثابت وجوب ستره على نحو لم يحصل العلم بظهور شي ء منه، فتأمّل.

و منه يظهر الحال في الشعر و أنّه لا يجب ستره كما صرّح به بعضهم «2»، بل العنق كما عن بعضهم «3»، بل الأذنين أيضا، مع احتياط في الأخير بل الثاني [2].

______________________________

[1] أي و لو سلّم ورود الأخبار على متعارف هذا الزمان أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قال المحقق الأردبيلي: و لو لا خوف الإجماع المدعى لأمكن القول باستثناء غيرها أي غير

الوجه و الكفين و القدمين من الرأس و ما يظهر غالبا. منه رحمه اللّه تعالى. مجمع الفائدة 2: 105.

______________________________

(1) المنتهى 1: 237.

(2) انظر المدارك 3: 189 و 190.

(3) انظر المدارك 3: 189 و 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 247

و المراد بالشعر الذي لا يجب ستره ما انسدل من الرأس و وقع على الوجه و نحوه، و أمّا الواقع على الرأس فوجوب ستره مجمع عليه، و في الأخبار دلالة عليه «1» [1].

و منه يظهر ضعف ما استند به بعضهم «2»- في لزوم ستر الشعر مطلقا، و في تضعيف قول من استثناه- ممّا يدلّ على لزوم الخمار أو القناع.

و أمّا الاستناد إلى كونه من العورة المجمع على وجوب سترها في الصلاة فقد عرفت ما فيه، مع أنه يمكن أن يكون شعر الرأس ممّا يجب ستره و إن لم يكن عورة، أو تكون العورة غير ما انسدل منه.

و أمّا ما في بعض المعتبرة من أنّ فاطمة عليها السلام صلّت في درع و خمار و ليست عليها أكثر ممّا وارت شعرها و أذنيها «3» فلا يدلّ على الوجوب أصلا.

الثالثة:

لا فرق في المرأة فيما ذكر بين الحرّة و الأمة إلّا في الرأس، فلا يجب ستره على الأمة إجماعا محقّقا و محكيا، حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضلان و الشهيدان و المحقّق الثاني «4»، و غيرهم «5»، بل في كلام كثير ادّعاء إجماع علماء الإسلام سوى الحسن البصري، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى الأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحتي

______________________________

[1] و لا ينافي ذلك كون المصرّح به في كلامهم هو البدن أو الجسد، لأن مرادهم ما يعم الشعر أيضا لا ما يقابله و إلّا لما كان وجه

لأمرهم بالخمار لستر جلد الرأس بالشعر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.

(2) كصاحب الحدائق 7: 13.

(3) الفقيه 1: 167- 785، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1.

(4) الخلاف 1: 396، المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في المنتهى 1: 237، الشهيد الأول في الذكرى: 140، الشهيد الثاني في روض الجنان: 217، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 98.

(5) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 188، و صاحب الرياض 1: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 248

محمد «1»، و صحيحة البجلي «2»، و رواية السكوني [1].

و لا فرق في الأمة بين أنواعها، إلّا أنّ القوم أوجبوا الستر على المكاتبة المطلقة مع أداء البعض.

و يدلّ عليه مفهوم إحدى صحيحتي محمد، بل مقتضاه الوجوب و لو لم يؤدّ شيئا، فهو الأقوى إلّا أن يثبت الإجماع على خلافه.

و قد يقال باحتمال الوجوب على أمّ الولد مع حياة ولدها أيضا، و هو مقتضى صحيحته الأخرى.

و لكن يعارضه ذيل الاولى، و التعارض- بعد اختصاص الاولى بمن يكون مولاها حيّا إجماعا و عموم الثانية- يكون بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل مع ترجيح الاولى من وجوه أخر أيضا [2].

و الأعناق و الرقاب في الإماء تابعة للرأس، للأصل، و ظهوره من نفي الخمار و القناع عنهن، و رواية قرب الإسناد [3]، فاحتمال وجوب سترها كما في شرح

______________________________

[1] الصحيح: رواية أبي بصير (التهذيب 4: 281- 851، الاستبصار 2: 123- 398، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3) و أما السكوني فله رواية مروية في التهذيب و الاستبصار بعد رواية أبي بصير- بلا فصل- و هي غير مرتبطة بمحل البحث. و

لعلّ تتابع الروايتين في المصدر أوجب السهو في الإسناد في قلمه الشريف فراجع و تأمل.

[2] و هي موافقة معارضها لفتوى جماعة من العامة، و موافقتها للإجماع المنقول في الخلاف و للصحاح المجوّزة. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال: لا بأس (قرب الاسناد: 224- 876، الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 10) منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الصحيحة الأولى: الفقيه 1: 244- 1085، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 7، الصحيحة الثانية: التهذيب 2: 218- 859، الاستبصار 1: 390- 1483، الوسائل 4: 410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 4.

(2) التهذيب 2: 217- 854، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 249

الإرشاد «1» ضعيف [1].

و في استحباب ستر الرأس للأمة كما في المعتبر و النافع و التحرير و المنتهى و التذكرة «2»، و عن صريح الوسيلة و الغنية و الجامع «3»، و ظاهر المهذّب و المراسم «4»، لما فيه من الستر و الحياء. أو عدمه كما عن جماعة «5»، لعدم الدليل كما اعترف به الفاضلان «6»، و عدم صلاحية ما ذكر للتعليل، قولان. أقواهما: الثاني، لما ذكر، بل لوجود دليل العدم، و هو المروي في العلل: عن الخادم تقنّع رأسها في الصلاة، فقال: «اضربوها حتى تعرف الحرّة من المملوكة» «7».

و فيه و في المحاسن و الذكرى: عن المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت، قال:

«لا، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي و هي مقنّعة ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة» «8».

و ظاهرهما و إن كان التحريم، إلّا أنّ ضعف البعض، و عدم القائل به، و

معارضتهما للمروي في الذكرى المنجبر بالعمل: عن [الأمة] تقنع رأسها؟ فقال:

«إن شاءت فعلت و إن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كنّ يضربن» الحديث «9». و الخبر الآخر: «على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار إلّا أن تكون

______________________________

[1] حيث عرفت انحصار الدليل بالإجماع المنتفي هنا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) روض الجنان: 218.

(2) المعتبر 2: 103، المختصر النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 237، التذكرة 1: 93.

(3) الوسيلة: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الجامع للشرائع: 65.

(4) المهذب 1: 84، المراسم: 64.

(5) كالشهيد في الذكرى: 140، و صاحب المدارك 3: 199، و صاحب الحدائق 7: 19.

(6) المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في التحرير 1: 31، و المنتهى 1: 237.

(7) علل الشرائع: 345- 1، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 8.

(8) علل الشرائع: 345- 2، المحاسن: 318- 45، الذكرى: 140، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 9.

(9) الذكرى: 140، الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 250

مملوكة فإنّه ليس عليها خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر» «1» لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب عدم الستر.

و القول بأنّ الخبرين ضعيفان، و التقية فيهما ممكنة كما يشعر به نسبته ضربهنّ إلى أبيه، مع أنّه نقل عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة و قال:

اكشفي «2». و مع ذلك، الخبران صريحان فيما لم يقل أحد به من الوجوب، و غير قابلة للحمل على الندب لمكان الضرب، فلا يحتملان غير التقية، مدفوع: بأن ضعف السند- لو كان- لم يضرّ في مقام الاستحباب. و احتمال التقية مع عدم المعارض- كما عرفت اعترافهم به- غير

مفيد. و عدم إمكان الحمل على الندب غير مسلّم، لإمكان التجوّز في الضرب بإرادة المنع و النهي التنزيهي.

مع أنّ إثبات الكراهة بهما ليس بحملهما عليها، بل لأنّ ضعفهما مانع من إثبات مدلولهما الذي هو التحريم و لكن لتضمّن التحريم راجحية الترك يثبت ذلك من أدلّة التسامح [1].

الرابعة:

الصبية الغير البالغة كالأمة في عدم اشتراط ستر الرأس، لا لأنّه

______________________________

[1] فرعان: الأول: لو أعتقت الأمة في الأثناء و أمكن الستر بدون المنافي سترت رأسها لصدق الحرّة عليها فيثبت لها أحكامها، و إن لم يمكن بدونه فمع ضيق الوقت عن درك ركعة تتم الصلاة و مع سعتها تستأنف كذا قالوا، فإن ثبت على ما ذكروا الإجماع و إلّا ففي وجوب القطع و الستر مع السعة بل على وجوب الستر في الأثناء عليها مطلقا نظر يظهر وجهه مما ذكرنا متكررا من انحصار دليل وجوب تفاصيل الستر بالإجماع و لذا نفى وجوب القطع و أوجب الاستمرار الشيخ في الخلاف 1:

396 بل هو ظاهر المحقق في المعتبر 2: 103، و في المدارك 3: 200 إنه لا يخلو من قوة.

الثاني: المبعّض يجب عليها ستر الرأس، لمفهوم صحيحة محمد بضميمة الإجماع المركب، لا لتغليب الحرّية كما قيل، لعدم الدليل، و لا لعدم صدق الأمة، لعدم دليل على وجوب الستر على كلّ امرأة لا يصدق عليها الأمة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 4: 281- 851، الاستبصار 2: 123- 398، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3.

(2) حكاه عنه في المغني 1: 674.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 251

تكليف و ليست من أهله، و لا لموثّقة ابن بكير، المتقدّمة «1»، لأنّ التكليف هو الوجوب الشرعي و الكلام في الشرطي و هي

من أهله، و الموثّقة واردة في المرأة الظاهرة في البالغة. بل للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «2»، و الأصل المتقدّم ذكره متكرّرا، و الخبر السابق في المسألة السابقة المنجبر بالعمل ضعفا لو كان «3».

______________________________

(1) في ص 243.

(2) كما في المعتبر 2: 103، و المنتهى 1: 237، و الذكرى: 140، و جامع المقاصد 2: 98، و روض الجنان: 217، و كشف اللثام 1: 188.

(3) راجع ص 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 252

الفصل الثاني: فيما يشترط في لباس المصلّي
اشارة

و هو أمور:

الأول: أن يكون طاهرا كالبدن،
اشارة

فلو صلّى مع نجاسة أحدهما فله صور نذكرها في مسائل:

المسألة الاولى:

من صلّى في نجاسة عالما عامدا بطلت صلاته، و تجب عليه الإعادة وقتا و خارجا، إجماعا محقّقا و محكيا في السرائر و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى «1»، و غيرها «2».

فهو الحجة فيه مع المستفيضة، كصحاح ابن أذينة و محمد و زرارة و البصري، و حسنتي محمد و ابن سنان، و موثّقة أبي بصير، و روايتي الجعفي و يونس، و الصحيح المروي في قرب الإسناد و المسائل:

الأولى: الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته» «3».

و ثانيتها: «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «4».

و ثالثتها: توضّأت يوما و لم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت [فسألت أبا عبد اللّه عليه

______________________________

(1) السرائر 1: 183، المعتبر 1: 441، المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97، الذكرى: 17.

(2) كروض الجنان: 168.

(3) التهذيب 1: 48- 137، الاستبصار 1: 53- 154، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 253

السلام فقال:] «اغسل ذكرك و أعد صلاتك» «1».

و رابعتها: عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة إنسان أو سنّور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «2».

و خامستها: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت

غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «3».

و سادستها: «إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى فيه، و إن كان لم يعلم فليس عليه إعادة» «4».

و سابعتها: عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: «علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم» «5».

و ثامنتها: «في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد صلاته» «6».

و تاسعتها: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعني المسكر- فاغسله إن عرفت

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 51- 149، الاستبصار 1: 56- 164، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 11، التهذيب 2: 359- 1487، الاستبصار 1:

180- 630، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

(3) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 254- 736 بتفاوت في صدرها، الاستبصار 1: 175- 609، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

(4) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 9، التهذيب 2: 359- 1488 و ليس فيه: و إن كان لم يعلم فليس عليه إعادة، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 3.

(5) التهذيب 2: 202- 792، الاستبصار 1: 182- 639، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح

9.

(6) التهذيب 1: 255- 739، الاستبصار 1: 175- 610، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 254

موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك» «1».

و عاشرتها: عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: «إن كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي و لا ينقص منه شي ء، و إن رآه و قد كان صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة» «2».

و هذه الرواية ناصّة على الشمول للقضاء أيضا من حيث الأمر بلفظ القضاء، و التعبير بقوله: «جميع ما فاته».

و يؤكّده أن فرض الرؤية للنجاسة إنّما وقع من الغد.

و قريبة منها في النصوصية و الشمول: الخامسة، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكثرة فيها ما يزيد على صلاتي الفريضة بل و الخمس، و احتمال النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب.

هذا، مع أنّ إطلاق الإعادة في سائر الروايات شامل للقضاء لغة و عرفا أيضا.

و مقتضى إطلاق الأخبار و أكثر كلمات الأخيار، بل صريح بعضهم: عدم الفرق بين العالم بالحكم و الجاهل به، و لا في الجاهل بين الجاهل بوجوب إزالة النجاسة أو بأنّ بول ما لا يؤكل مثلا نجس.

و قال طائفة من المتأخّرين «3» بالتفصيل في الجاهل، فوافق القوم في الذي يحتمل الخلاف، أي يكون شاكّا أو ظانّا، و خالفهم في الغافل الساذج الذي لا يخطر بباله الخلاف أصلا، فقال بصحة صلاته، لعدم توجّه الخطاب إليه و انتفاء

______________________________

(1) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 4، التهذيب 1: 278- 818، الاستبصار 1: 189- 661، الوسائل 4: 469 أبواب النجاسات ب 38

ح 3.

(2) قرب الإسناد: 208- 810، و نقله عن المسائل في البحار 10: 282.

(3) منهم صاحب الحدائق 1: 82 و ج 5 ص 409، و السيّد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 255

التكليف عنه.

و منهم من أوجب الإعادة على الغافل في الوقت، لبقاء وقت الخطاب، و نفى عنه القضاء، لتوقّفه على أمر جديد «1».

و قد يفصّل بذلك في الجاهل مطلقا «2».

أقول

: ما ذكره المفصّلان الأخيران في الإعادة إنّما يتمّ لو كان هناك خطاب لفظي شامل للعالم في أثناء الوقت بعد فعله أوّلا بمقتضى تكليفه، فيقال حينئذ:

إنّ مقتضى جهله عدم توجّه الخطاب بالصلاة مع الطهارة إليه حين جهله، و ذلك لا ينافي تعلّقه به بعد علمه و إمكان الامتثال ببقاء الوقت، بل مقتضى الأصل تعلّقه به، لدخوله تحت العنوان و وجوب الامتثال، و لكن وجود مثل ذلك غير معلوم، و مع ذلك يعلم قطعا بدلية ما فعل لما يفعل، و صحته يوجب الإجزاء عن المبدل منه أيضا، فالأصل في الإعادة أيضا العدم كالقضاء. و لكن الأصل فيهما إنما كان يفيد لو كانا تابعين لوجوب الأداء، و ليس كذلك، بل يجوز الأمر بإعادة ما أمر به أو قضائه على ما أمر به بنحو آخر، كما في الصلاة بظن الطهارة إذا ظهر خلافه.

و على هذا فاللازم في كلّ مورد ملاحظة موجبات الإعادة و القضاء، فإن كانت معلّقة على البطلان، فيحكم بانتفائه في حق الغافل الكذائي، و إن كانت مطلقة، كما في المقام، فيحكم بثبوته له، و لا يلزم تكليف الغافل، لأنّ ذلك تكليف مستأنف بعد زوال الغفلة.

المسألة الثانية:

من صلّى في نجاسة ناسيا لها ففي وجوب الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، أو

الأول فقط، أو عدم وجوب شي ء منهما أقوال:

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 410.

(2) كما في المدارك 2: 344.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 256

الأول للشيخين في النهاية «1»، و المقنعة [1]، و الحلّي، و الذكرى و النافع و الشرائع و القواعد و التذكرة و التنقيح و شرح القواعد و الدروس و البيان «2»، و جماعة من مشايخنا «3»، و عن الفقيه و المبسوط و الخلاف و مصباح السيد و الديلمي و ابني حمزة و زهرة و القاضي «4»، نافيا عنه الثالث الخلاف، و ناسبا له الرابع و الخامس إلى أشهر الروايتين، و مدّعيا عليه الأخيران الإجماع، و في المعتبر و اللوامع منسوب إلى الأكثر «5»، و في الحدائق إلى المشهور بين المتقدمين «6».

لأصالة عدم معذورية الجاهل إلّا في المؤاخذة. و إطلاق غير الاولى من الأخبار المتقدّمة.

و خصوص رواية أبي بصير في الدم، و فيها: «و إن علم قبل أن يصلي و نسي فعليه الإعادة» «7».

و صحيحة ابن أبي يعفور في نقط الدم «8»، و زرارة في دم رعاف أو غيره أو

______________________________

[1] لم نعثر فيها على صورة النسيان. انظر المقنعة: 149.

______________________________

(1) النهاية: 52، 94.

(2) الحلي في السرائر 1: 183، الذكرى: 17، المختصر النافع: 19، الشرائع 1: 54، القواعد 1:

8، التذكرة 1: 97، التنقيح الرائع 1: 152، جامع المقاصد 1: 150، الدروس 1: 127، البيان: 96.

(3) منهم السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية: 56، و صاحب كشف الغطاء: 178.

(4) الفقيه 1: 43 و 161، المبسوط 1: 90، الخلاف 1: 479، الديلمي في المراسم: 89 و 91، ابن حمزة في الوسيلة: 98، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555، القاضي في المهذب 1:

153 لم نعثر على ادعاء

الإجماع منه في المهذب، شرح الجمل: 99 و 101.

(5) المعتبر 1: 441 و 442.

(6) الحدائق 5: 418.

(7) التهذيب 1: 254- 737، الاستبصار 1: 182- 637، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 7.

(8) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 257

شي ء من مني «1».

و رواية ابن مسكان في نكتة من البول «2»، و سماعة في الرجل يرى بثوبه الدم «3».

و ابن بكير و الحسن بن زياد في نسيان الاستنجاء من البول «4». و الأخبار الآمرة بالإعادة مطلقا في نسيان الاستنجاء «5».

و الثاني للاستبصار و التحرير و الإرشاد «6»، و ظاهر الصدوقين [1]، و الإسكافي و إن حكي عنه في ترك غسل البول خاصة «7»، و نفى عنه البأس في المنتهى «8»، و البعد في الحبل المتين «9»، و استجوده الأردبيلي «10»، و في التذكرة: إنّه قول مشهور لعلمائنا «11». و في الحدائق: إنّه المشهور بين المتأخّرين «12».

للجمع بين ما مرّ و ما يأتي مستندا للثالث.

______________________________

[1] المقنع: 5، و لم نعثر على ما حكي فيه عن والده.

______________________________

(1) التهذيب 1: 421- 1335، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 10، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 19 ح 3.

(3) التهذيب 1: 254- 738، الاستبصار 1: 182- 638، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

(4) رواية ابن بكير: الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 2، رواية الحسن بن زياد: الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 10، التهذيب 1:

268-

789، الاستبصار 1: 181- 632، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19 ح 2.

(5) انظر الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(6) الاستبصار 1: 181 و 182 و 184، التحرير 1: 25، الإرشاد 1: 240.

(7) حكاه عنه في الحدائق 5: 418.

(8) المنتهى 1: 183.

(9) الحبل المتين: 174.

(10) مجمع الفائدة 1: 345.

(11) التذكرة 1: 97.

(12) الحدائق 5: 418 و 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 258

و صحيحة ابن مهزيار المكاتبة، و فيها بعد السؤال عمّن أصاب كفّه نقطة من البول ثمَّ نسي أن يغسله: «فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللاتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت» «1» الحديث.

و أجاب هؤلاء عن أدلّة الأول: بأنّها مطلقة بالنسبة إلى المكاتبة، فتقيّد بها، و هي الشاهد للجمع المذكور أيضا.

و أجاب الأولون عن دليل هؤلاء: بأنّ الجمع مع دليل الثالث فرع التكافؤ، و ليس كذلك، كما يأتي.

و المكاتبة و إن كانت صحيحة إلّا أنّ السائل و المسؤول عنه فيها مجهولان، و متنها مضطربة من وجوه، لإفادتها صحة الوضوء و إن لم يطهر محالّه، و اقتضائها صحته مع المسح برطوبة نجسة، و دلالتها على اختصاص الإعادة بذلك الوضوء مع اشتراك غيره معه في العلّة، مع أنّه لا قائل بها سوى الاستبصار الذي أكثر المحامل فيه للجمع دون الفتوى فتصير شاذّة.

و الثالث عن الشيخ في بعض أقواله «2»، و للمدارك و الذخيرة «3»، و اللوامع و المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، و يظهر من المعتبر الميل إليه «4».

لكون

الصلاة مشروعة مأمورا بها، فلا وجه لإعادتها أو قضائها.

و قوله عليه السلام: «عفى عن أمتي الخطأ و النسيان» [1].

______________________________

[1] يستفاد مؤداه من روايات مروية من طرقنا و طرق الجمهور فمن طرقنا عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ و النسيان ..» انظر الوسائل 15: 369 أبواب جهاد النفس ب 56. و من طرق الجمهور: «إن اللّه عفى لكم عن ثلاث: الخطأ و النسيان ..» و «إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ..» انظر: الأشباه و النظائر للسيوطي: 188. و السنن لابن ماجه 1: 659- 2043.

______________________________

(1) التهذيب 1: 426- 1355، الاستبصار 1: 184- 643، الوسائل 3: 479 النجاسات ب 42 ح 1.

(2) حكاه عنه في التذكرة 1: 97.

(3) المدارك 2: 349، الذخيرة: 168.

(4) المعتبر 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 259

و صحيحة العلاء: عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه، فنسي أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ تذكّر أنه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» «1».

و المستفيضة النافية للإعادة عمّن نسي الاستنجاء «2».

و أجاب هؤلاء عن أدلّة القولين الأولين: بأنّها تعارض ما ذكرنا، و الأصل معنا فيرجع إليه، مع أنّ الجمع بحملها على الاستحباب ممكن بل متعيّن، لأنّ دليلنا قرينة على عدم إرادة الوجوب منها.

و أجاب أربابهما عن أول أدلّة هؤلاء: بأنّ كون ما فعله مشروعا لا يوجب نفي مشروعية غيره بدليل.

و عن ثانيها: بأنّ المراد العفو عن المؤاخذة، أو رفع الخطاب أيضا حين النسيان، و ذلك لا ينافي توجّه خطاب آخر إليه.

و عن ثالثها: بضعفة عن مكافاة ما مرّ، لوحدته، و لندرة العامل به، و حكم

الشيخ الذي هو راويه في التهذيبين بشذوذه «3»، و مخالفته للشهرة العظيمة فتوى- بل الإجماع على ما صرّح به جماعة «4»- و رواية كما مرّ حكايتها، و هي من المرجّحات المنصوصة، و لشهرة القدماء و هي موجبة لضعف الخبر، بل قيل: هذا

______________________________

(1) التهذيب 2: 360- 1492، الاستبصار 1: 183- 642، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 3.

(2) انظر الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41.

(3) التهذيب 2: 360، الاستبصار 1: 183.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 260

القول إنما نشأ عن زمان المعتبر «1»، و لعمل صاحب الأصل الذي هو الشيخ و هو أيضا مخرج للخبر عن الحجية.

و عن رابعها: باحتمال الفرق بين نسيان غسل المخرج و غيره، كما قال به جماعة «2».

هذا، مع أنّ الأصل الذي جعلوه مرجعا مرتفع بأصالة عدم معذورية الجاهل، حيث إنّه غير آت بالمأمور به قطعا، فعليه الإتيان به مع إمكانه كما في الوقت، لدخوله في العنوان، و توجّه الخطاب إليه مع بقاء الوقت، و دخوله في عمومات قضاء الفوائت مع عدمه.

أقول: ما أجابوا به عن أدلّة الثالث و مرجوحيتها بل عدم حجّيتها صحيح تام لا مجال للخدشة فيه- و إن كان جعل الأصل مع الإعادة و القضاء مع قطع النظر عن روايات المقام محل كلام مرّت الإشارة إليه- فلا ينبغي الريب في سقوط هذا القول.

و أمّا جواب الأولين عن أدلّة الثاني، فيضعّف: بأنّ جهالة السائل بعد تصريح الثقة بقوله: «قرأته بخطه» غير ضائر، و كذا جهالة المسؤول عنه، لأنّ الظاهر أنّه الإمام، كما صرّحوا به في سائر المضمرات.

و أمّا اضطراب بعض أجزاء الحديث أو إجماله فهو غير ناف لحجّية ما لا إجمال

فيه و لا اضطراب، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب.

و لا اضطراب في محطّ الاستدلال هنا، بل في اضطراب غيره أيضا نظر، لمنع وجوب طهارة محل الوضوء قبله، و عدم القطع بنجاسة رطوبة المسح سيّما مع كفاية المسمّى فيه، و عدم دلالته على الزائد على رجحان الإعادة في الوقت.

و يحتمل اختصاصه بذلك الوضوء لرفع الحدث و الخبث فيه بماء واحد.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 92.

(2) منهم صاحب الحدائق 5: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 261

و أمّا نفي القائل به سوى الشيخ فبعد شهادة التذكرة «1» بأنّه قول مشهور بين علمائنا غير مسموع، و دعوى الإجماع على خلافه لا ينافيه، لاجتماعه مع الخلاف، و نفي الخلاف عنه في السرائر «2» و إن عارضه إلّا أنّ الإثبات على النفي مقدّم.

و الحكم بشذوذها- بعد هذه الشهادة من مثل الفاضل و فتواه بمقتضاها في طائفة من كتبه «3»، و نقل القول به عن الشيخ و الإسكافي، و ظهور كلام الصدوقين فيه، و نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين، و ذهاب طائفة كثيرة من الطبقتين الثانية و الثالثة- غريب.

و من ذلك تظهر سلامة دليل القول الثاني عن الخلل و الضعف، و تتمّ معارضته مع أدلّة الأول، أي: المطلقات «4» و رواية أبي بصير «5»- لعدم دلالة غيرهما ممّا ذكروه، أمّا أخبار الاستنجاء «6» منها: فلما تقدّم من القول بالفرق، و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور و ما تأخّر عنها «7»: فلعدم اشتمالها على ما يفيد الوجوب- فهما تتعارضان مع المكاتبة «8» التي هي دليل الثاني.

و المطلقات أعم مطلقا من المكاتبة موضوعا، لشمولها للعامد و الناسي، و حكما، لعمومها الإعادة و القضاء، و خصوصية المكاتبة من الوجهين، و الرواية

أعم منها كذلك حكما، و الخاص مقدّم على العام قطعا، فيجب تقييدهما بها

______________________________

(1) التذكرة 1: 97.

(2) السرائر 1: 183.

(3) كالمنتهى 1: 183، و التحرير 1: 25، و الإرشاد 1: 240.

(4) راجع ص 252 و 253 و 254.

(5) المتقدمة في ص 256.

(6) راجع ص 259.

(7) راجع ص 256 و 257.

(8) المتقدمة في ص 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 262

و الحكم باختصاص الإعادة بالوقت، كما هو القول الثاني، فعليه الفتوى و إن كان القضاء أيضا في الخارج أحوط.

الثالثة:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    262     الثالثة: ..... ص : 262

صلّى في نجاسة جاهلا بها إلى أن يفرغ فلا قضاء عليه و لا إعادة، وفاقا في الأول للأكثر، بل عليه الإجماع في السرائر و التنقيح و اللوامع «1»، و عن المهذّب و الغنية «2»، و في المدارك: إنّ الظاهر اتّفاق الأصحاب عليه «3».

لآخر المكاتبة الصحيحة المتقدّمة، و للثانية و الرابعة و السادسة و الثامنة و العاشرة من الأخبار السابقة في المسألة الاولى «4».

و صحيحة زرارة الطويلة، و فيها: فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة» «5».

و روايتي أبي بصير:

إحداهما: عن رجل صلّى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم، قال: «قد مضت صلاته و لا شي ء عليه» «6».

و الأخرى: «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه» «7».

و في الثاني للاستبصار و باب تطهير الثياب من نهاية الشيخ و من السرائر «8»،

______________________________

(1) السرائر 1: 183، التنقيح الرائع 1: 153.

(2) المهذب البارع 1: 246، الغنية (الجوامع الفقهية):

555.

(3) المدارك 2: 348.

(4) راجع ص 252 و 253 و 254.

(5) التهذيب 1: 421- 1335، الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41 ح 1.

(6) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360- 1489، الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.

(7) التهذيب 1: 254- 737، الاستبصار 1: 182- 637، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 7.

(8) الاستبصار 1: 181، النهاية: 52 و 94، السرائر 1: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 263

و المفيد و السيد [1]، و المعتبر و الشرائع و المنتهى و الإرشاد «1»، لغير الاولى من الأخبار المذكورة.

و خلافا في الأول لظاهر الصدوقين «2»، و بحث المتغيّر من الماء من المقنعة و من السرائر «3»، و الديلمي «4»، للسابعة من أخبار الاولى، و صحيحة ابن عبد ربه: في الجنابة يصيب الثوب و لم يعلم بها صاحبه فصلّى فيه ثمَّ يعلم، قال: «يعيد إذا لم يكن علم» «5».

و في الثاني لمن ذكر، و لباب المياه من النهاية «6»، و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و القواعد و المسالك «7»، و المحقّق الثاني في الجعفرية و موضعين من حاشيته على الإرشاد، بل يميل إليه في شرح القواعد أيضا «8».

و عن المبسوط، و ظاهر التذكرة التردّد «9»، لهاتين الروايتين و المكاتبة.

و يجاب عن الجميع- مع خلوّ غير الاولى عن الدالّ على الوجوب، و احتمال

______________________________

[1] قال في المقنعة ص 149: من صلّى في ثوب يظن أنه طاهر ثمَّ عرف بعد ذلك أنه كان نجسا، ففرّط في صلاته فيه من غير تأمل له، أعاد ما صلّى فيه في ثوب طاهر من النجاسات. و لم نعثر على المسألة فيما بأيدينا من

كتب السيد، و لكن نسب إليهما كلّ من تعرض للمسألة القول بعدم لزوم الإعادة، انظر: المنتهى 1: 183، المدارك 2: 348.

______________________________

(1) المعتبر 1: 442، الشرائع 1: 54، المنتهى 1: 183، الإرشاد 1: 240.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 42 و 161، و حكاه عن والده في المختلف: 14.

(3) المقنعة: 66، السرائر 1: 89.

(4) المراسم: 89.

(5) التهذيب 2: 360- 1491، الاستبصار 1: 181- 635، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 8.

(6) النهاية: 8.

(7) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 14، القاضي في المهذب 1: 27، 153، ابن حمزة في الوسيلة 98، القواعد 1: 8، المسالك 1: 18، رسائل المحقق الكركي 1: 115.

(8) جامع المقاصد 1: 150.

(9) المبسوط 1: 38، التذكرة 1: 97 و 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 264

الاستفهام في الاولى، و قرب سقوط حرف النفي في الثانية، لمكان الشرط في ذيلها-: أنّها معارضة لما مرّ، فيتساقطان، و يرجع إلى الأصل في القولين، و إلى المكاتبة أيضا في الأول، بل لو جعلنا عدم العلم أعم من النسيان- كما هو مقتضى اللغة- تكون الروايتان أعمّين مطلقا مع بعض ما مرّ، كصحاح محمد و قرب الإسناد و زرارة و رواية الجعفي «1»، فتخصّصان به قطعا.

ثمَّ إطلاق الأخبار كأكثر الفتاوى و إن كان عدم الفرق في عدم الإعادة و القضاء بين ما لا يحتمل النجاسة أو يحتملها، و فحص أو لم يفحص، إلّا أنّ ظاهر الشيخين و الذكرى و الدروس: التفرقة «2»، فحكموا بعدم الإعادة مع الفحص، و بها بدونه، و مال إليه بعض مشايخنا «3».

و هو الأقوى، لصحيحة محمد، المتقدّمة «4».

و رواية الصيقل و فيها- بعد السؤال عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلّى، فلما

أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة-: «إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» «5».

و تؤيّده مرسلة الفقيه: «إن كان الرجل جنبا قام و نظر و طلب و لم يجد شيئا فلا شي ء عليه، و إن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته» «6».

و ظاهر هذه الأخبار و فتاوى من ذكر أنّ وجوب الإعادة مع عدم الفحص

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 253 و 254 و 255.

(2) الطوسي في التهذيب 1: 424، الاستبصار 1: 183، المفيد في المقنعة: 149، الذكرى: 17، الدروس 1: 127.

(3) كصاحب الرياض 1: 92.

(4) في ص 253.

(5) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 7، التهذيب 2: 424- 1346، الاستبصار 1: 182- 640، الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.

(6) الفقيه 1: 42- 167، الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 265

إنّما هو إذا قارن الاحتمال لا مطلقا، و هو كذلك.

فائدة

: لو صلّى ثمَّ رأى النجاسة و احتمل تأخّرها عن الصلاة لم تجب الإعادة إجماعا، ذكره في التذكرة و المنتهى و غيرهما «1»، و هو الدليل عليه، مضافا إلى الأصول العديدة.

الرابعة:
اشارة

لو علم بالنجاسة في الأثناء، فإن علم سبقها على الصلاة، قطعها و استأنفها، أمكنه الإزالة أم لا، علم النجاسة قبل الصلاة و نسيها أو لم يعلمها، وفاقا لوالدي و بعض مشايخي «2»، و هو المحكي عن جماعة، و جعله في المدارك أولى «3».

لصحيحة محمد، المتقدّمة «4»، و صحيحتي أبي بصير و ابن سنان:

الاولى: في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به، قال:

«عليه أن يبتدئ الصلاة» [1].

و الثانية و هي المروية في السرائر: «إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّي و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك فإن انصرفت فاغسله، فإن كنت رأيته قبل أن تصلّي و لم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك، فانصرف و اغسله و أعد صلاتك» «5».

و تؤيده صحيحة زرارة و موثّقة سماعة «6».

خلافا للمنقول عن الأكثر، فيزيلها مع الإمكان و يتمّ الصلاة، و يقطعها مع

______________________________

[1] الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360- 1489، الاستبصار 1: 181- 634 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.

______________________________

(1) التذكرة 1: 98، المنتهى 1: 184، المعتبر 1: 441.

(2) كصاحب الرياض 1: 92 و حكاه عن جماعة أيضا.

(3) المدارك 2: 352.

(4) في ص 252.

(5) مستطرفات السرائر: 81- 13.

(6) صحيحة زرارة: التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 479 أبواب النجاسات ب 42 ح 2، موثقة سماعة: التهذيب 1: 254- 738، الاستبصار 1:

182- 638، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 266

عدمه.

لفحوى ما تقدّم من النصوص الحاكمة بعدم وجوب الإعادة على الجاهل، لأولوية المعذورية في البعض منها في المجموع.

و للجمع بين ما مرّ و ما دلّ على الإتمام مطلقا كموثّقة داود: في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما، قال: «يتم» «1».

و صحيحة علي: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلا يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: «إن دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله» «2».

و حسنة محمد، المتقدّم

ذيلها في المسألة الأولى: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته» إلى آخر ما مرّ في المسألة الأولى «3»، بحمل ما مرّ على تعذّر الإزالة، و هذه عليها مع إمكانها.

و في الأولويّة منع، لعدم العلم بالعلّة، و لو سلّمت لا تفيد مع النصوص الآمرة بالإعادة.

و في الجمع نظر، لعدم شاهد عليه، مع بعده في الأخيرة، لعدم وجوب الطرح مع إمكان الإزالة قطعا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 423- 1344، الوسائل 3: 483 أبواب النجاسات ب 44 ح 2.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 6، التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 3: 417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.

(3) راجع ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 267

مع أنّها و الاولى أعمّان مطلقا ممّا مرّ، لشمولهما لما إذا لم يعلم السبق، و اختصاصه بما إذا علم، للقطع بعدم حصول المني حال الصلاة، و شمولهما للمعفو عن الدم، و اختصاصه بغير المعفو من النجاسة، فتخصيصهما به لازم.

مضافا إلى أنّ بعد عدم العلم بالسبق يجب البناء على عدمه، عملا بالأصل، فلعلّ عليه بناء الإمام، فتكونان مختصّتين بصورة عدمه.

و أيضا: ذيل الأخيرة مخصوص بما لم يزد الدرهم- على ما في الكافي و الفقيه- فهي بمفهومها ظاهرة الدلالة على الإعادة فيما زاد عليه و إن أمكن الغسل إذا لم يكن عليه ثوب غيره، و هو مناف للمطلوب، و موافقة

جزئها الأول له- مع ذلك- غير مفيدة.

نعم لا منافاة على ما في التهذيب، و لكنه لا اعتماد عليه مع اختلافه مع ما تقدّم عليه، بل مع ما في الاستبصار أيضا.

و الثانية غير دالّة، لأنّ حكم ما قبل الاستثناء إنّما هو لحالة عدم نجاسة الثوب بقرينة الأمر بالنضح، و ما بعده مع رجوعه إلى الشرطين لا يدلّ على حكم الصلاة حال وجود الأثر، و مع الرجوع إلى الأخير كما هو الأظهر لا يفيد أصلا.

و للمدارك حيث يظهر منه الميل إلى التخيير بين الاستئناف و الإتمام مع الإزالة إن أمكن، و بدونها إن لم يمكن، مع استحباب الأول، للتعارض و فقد الترجيح «1».

و جوابه يظهر ممّا ذكر، مع أنّ عدم القول به- كما في اللوامع- ينفيه.

و إن لم يعلم السبق، أزال النجاسة إن أمكن بأن لا يكون مفتقرا إلى ما ينافي الصلاة و أتمّها، و إلّا أبطلها على ما هو المصرّح به في كلامهم، و في اللوامع:

الظاهر وفاقهم عليه. و قيل: بلا خلاف أجده «2».

______________________________

(1) المدارك 2: 352.

(2) كما في الرياض 1: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 268

و أمّا في المعتبر «1»- من القول بلزوم الإعادة على الإطلاق بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل- فمع ما فيه من منع اللزوم، ظاهر في الصورة الأولى، لأنّها التي يتحقّق معها الجهل، و مع ذلك يخالف مختاره في المبسوط و النهاية «2» على ما حكي.

و كيف كان: فالحقّ ما عليه الأكثر.

أمّا المضي مع إمكان الإزالة: فلصحاح محمد و إسماعيل و معاوية و الحلبي و ابن أذينة و زرارة:

الأولى: عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال:

«ينفتل و يغسل أنفه و يعود

في صلاته، و إن تكلّم فليعد صلاته» «3».

و قريبة منها الثانية «4».

و الثالثة: «لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فقال برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها» «5».

و الرابعة: عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال: «إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمَّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» «6».

______________________________

(1) المعتبر 1: 443.

(2) المبسوط 1: 90، النهاية: 52 و 96.

(3) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323- 1323، الاستبصار 1:

403- 1536، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.

(4) التهذيب 2: 328- 1345، الاستبصار 1: 403- 1537، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 12.

(5) التهذيب 2: 327- 1344، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.

(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 2، التهذيب 2: 200- 783، الاستبصار 1: 404- 1541، الوسائل 7: 239 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 269

و الخامسة: عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه و عن شماله و عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة» «1».

و السادسة: «و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة» «2».

و تدلّ عليه أيضا حسنة محمد، المتقدّمة «3».

و الأوليان

و إن أطلقتا البناء مع عدم الكلام، و الأخيرة معه أيضا، إلّا أنه خرج منها ما إذا استلزمت الإزالة شيئا من المبطلات بالإجماع و الرابعة و الخامسة.

و أمّا البطلان مع عدم إمكان الإزالة: فلطائفة من الصحاح المذكورة، و يؤيّده الإجماع المنقول، و بها تخصّص عمومات المضيّ، المتقدّمة [1]، كما أنّ بها يخصّص ما دلّ على ناقضية الرعاف مطلقا، أو عدمها كذلك «4».

فائدة فيها فروع:

لو علم بالنجاسة في الأثناء و علم سبقها على حالة العلم و أنه صلّى بعض صلاته بالنجاسة فهل يلحق بالصورة الأولى أو الثانية؟ الحقّ هو الثاني، لإطلاق طائفة من أخبار الثانية، و ظهور روايات الاستئناف في السبق على الصلاة «5».

و لو لم يزل العارض في الأثناء مع الإمكان حتى صلّى شيئا من الصلاة فهل

______________________________

[1] كصدر رواية السرائر و موثقة داود و حسنة محمّد، مع ما في الثانية من عموم الدم بالنسبة إلى قدر الدرهم و الأقل، و في الثالثة من اختلاف النسخ. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الفقيه 1: 239- 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

(3) في ص 266.

(4) أنظر: الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 270

يبطل أو يزيل و يتم؟ فيه إشكال، و الأحوط: الإزالة و الإتمام ثمَّ الإعادة.

و لو زال الإمكان بعد فعل شي ء من الصلاة، استأنفها قطعا.

و لو علم بالنجاسة المعلومة سبقها أو غير المعلومة في الأثناء و ضاق الوقت عن الإزالة و الاستئناف، فإطلاق النصوص بالأمرين- كإطلاق كلام جماعة- يثبتهما حينئذ أيضا، و ندرة

وجودها غير مفيدة للتقييد عندنا، و لكن قطعية أدلّة وجوب الصلاة في أوقاتها، و عدم معلومية اشتراط إزالة النجاسة على هذا الوجه، بل شهادة الاستقراء، و العفو عن كثير من أمثالها لأجل تحصيل العبادة في وقتها يوجب الحكم بعدم الاشتراط، إلّا أن يقال: إن إطلاق تلك النصوص كاف في إثبات الاشتراط في هذه الصورة، و لعله الأظهر.

الخامسة:

المربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد تكتفي بغسله كلّ يوم مرة على الأظهر الأشهر، و في الحدائق من غير خلاف يعرف «1»، لرواية [أبي ] [1] حفص، المنجبرة: عن امرأة ليس لها إلّا قميص و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: «تغسل القميص في كلّ يوم مرة» «2».

و اللازم الاقتصار على المتيقّن من موردها، فيقتصر على الصبي، وفاقا للّوامع و الشرائع و النافع و المنتهى و الإرشاد «3»، للشك في إرادة الصبية من المولود، بل في المعالم عن بعض الأصحاب أنّ المتبادر منه هو الصبي «4». و به صرّح الفاضل في النهاية «5».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر و هو الظاهر من كتب الرجال أيضا.

______________________________

(1) الحدائق 5: 345.

(2) الفقيه 1: 41- 161، التهذيب 1: 250- 719، الوسائل 3: 399 أبواب النجاسات ب 4 ح 1.

(3) الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، المنتهى 1: 176، الإرشاد 1: 239.

(4) المعالم: 306.

(5) نهاية الإحكام 1: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 271

و منهم من تعدّى إليها أيضا «1» إمّا لشمول المولود لها، و هو غير معلوم. أو لإلحاقها به، و هو بالفرق بين بولهما- كما يستفاد من الاكتفاء بالصبّ في بوله دونها- مردود.

و على البول فلا يتعدّى إلى غيره. و احتمال الكناية عمّا يشمل الغائط بالبول

لا يكفي للإثبات. و عدم تعقّل فرق- بوجوده من تكرّر البول و الاكتفاء بالصبّ- مدفوع.

و نحوه الكلام في المربي، و ذات الولدين، و الثياب المحتاجة إلى الجميع لبرد و نحوه، و البدن، و غير ذلك من التعدّيات التي تعدّى إلى كلّ منها متعدّ، التفاتا إمّا إلى عدم تعقّل الفرق، أو إلى الاشتراك في العلّة و هي المشقة.

و الأول يردّ: بعدم الملازمة بين عدم التعقل و العدم.

و الثاني: بأنه استنباط علّة لا حجية فيه، و هذه العلّة بنفسها و إن أوجبت التعدية أيضا لكن لا دخل لها بمورد الرواية، و لا خصوص اليوم و الليلة، بل يتقدّر الرخصة بقدر المشقة.

و المتمكّنة من تحصيل غير الثوب الواحد- بنحو شراء أو عارية- ذات واحد، لصدق أنّه ليس لها إلّا قميص.

و ما يكتفى به هو الغسل، فلا يكفي الصبّ و إن كان بعد لم يطعم.

و الاكتفاء به مع تكرير الإزالة كلّما حصل لا يدلّ عليه مع الاقتصار على المرة في اليوم.

ثمَّ المتبادر من الرواية كفاية الغسل في اليوم فلا حاجة إليه في الليلة، كما إذا قيل: يكفي غسل ثوبك كلّ خميس مرة، فإنّه يتبادر منه كفايته عن غسل سائر الأيام أيضا، و هذا هو السرّ في الكفاية في اليوم و الليلة لا شموله لها وضعا أو بتبعيته.

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 204، و صاحب الحدائق 5: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 272

و الأفضل- كما صرّح به جماعة «1»- الإتيان بالغسل في آخر النهار مقدّمة له على الظهر، آتية بعده بالأربع صلوات، بل ربما احتمل الوجوب «2».

و إطلاق النص يدفعه، فيجوز في أيّ وقت شاء. و الأحوط بل الأظهر أن يكون من آناء اليوم دون الليلة.

و لو

أخلّت بالغسل، فلا شكّ في عدم قضاء غير الصلاة الأخيرة، لجواز تأخيره إلى وقتها. و هل تقضي الأخيرة؟ قيل: نعم [1]. و فيه إشكال.

السادسة:

إذا كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس لا يعلمه بعينه و لا يمكنه غسلهما، صلّى كلّ صلاة في كلّ واحدة وجوبا، وفاقا للأكثر، إذ لولاه فإمّا يكفي الصلاة في كلّ واحد منهما، أو تجوز الصلاة عريانا، أو تجب، و الأوّلان باطلان بالإجماع، و الثالث بحسنة صفوان حيث إنّ فيها بعد السؤال عن ذلك:

«يصلّي فيهما جميعا» «3» إذ ليس المراد الجمع بينهما في صلاة قطعا، فلم يبق إلّا التبادل. و لو لا خلوّها عن الدلالة على الوجوب لبطل بها الأولان أيضا، كما أنه لو لا الإجماع لكان الأول متّجها، لأنّ المانع في كلّ واحد بخصوصه غير متيقّن و الأصل عدمه.

و الاستدلال بتوقّف تيقّن البراءة عليه مردود بحصوله بعد حكم الأصل بالطهارة، و بأنّ الذمة لم تشتغل إلّا بالصلاة في ثوب لم يقطع بنجاسته لا ما علم طهارته.

______________________________

[1] نقله صاحب مفتاح الكرامة 1: 181، عن أستاذه.

______________________________

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 98، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 205، و صاحب الحدائق 5: 349، و صاحب الرياض 1: 94.

(2) كما في التذكرة 1: 98.

(3) الفقيه 1: 161- 757، التهذيب 2: 225- 887، الوسائل 3: 505 أبواب النجاسات ب 64 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 273

و خلافا لابني سعيد و إدريس «1»- بل غيرهما أيضا كما يظهر من الخلاف و غيره «2»- فأوجبا الصلاة عريانا لوجه اجتهادي لا يلتفت إليه مع دلالة النص على خلافه، مع عدم وروده من الأصل، و وروده عليه لو ورد.

فروع:

[أ]: لو وجد معهما متيقّن الطهارة، فصرّح في

المنتهى و التذكرة بوجوب الصلاة فيه و عدم جوازها فيهما لا متعدّدة و لا منفردة «3». و هو كذلك.

أمّا عدم جوازها في واحد منهما: فللإجماع.

و أمّا في كلّ منهما: فلأنّ تعدّد الصلاة- لكونها عبادة- لا يكون إلّا مع الطلب، و هو في المقام منتف، لظهور النص في الانحصار، و عدم دليل آخر، فلم يبق إلّا الصلاة في الطاهر أو عاريا، و الثاني مع وجود مقطوع الطهارة ممتنع نصّا و إجماعا، فبقي الأول. فما في المدارك «4»، و اللوامع من أولوية الصلاة في الطاهر دون تعيّنها غير صحيح.

[ب ]: و لو كان معه طاهر و متنجّس بما عفى عنه أو متنجّسان منه بالأقلّ و الأكثر، صلّى في أيهما شاء.

و قال جماعة بأولوية الأولين «5»، و بعض المتأخّرين بأولوية الاولى من الأول خاصة «6».

[ج ]: ثمَّ الحكم في المشتبهين هل يختص بالثوبين أو يتعدّى إلى الأكثر

______________________________

(1) ابن سعيد في الجامع للشرائع: 24، ابن إدريس في السرائر 1: 185.

(2) الخلاف 1: 481، المبسوط 1: 91.

(3) المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97.

(4) المدارك 2: 358.

(5) كالعلامة في المنتهى 1: 182، و صاحب المدارك 2: 358.

(6) كصاحب الحدائق 5: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 274

أيضا؟ ظاهر كثير من المتأخّرين: الأخير «1»، و النص مخصوص بالأول، و الإجماع البسيط أو المركّب في المقام غير معلوم، و أصالة الطهارة في كلّ منها عن المعارض خالية، فالأول متّجه جدّا.

و كذا القول فيما إذا تعدّدت الثياب النجسة المشتبهة بالطهارة، و من تعدّى في الحكم من الثوبين أيضا قال بوجوب الصلاة فيما زاد على عدد النجسة «2».

[د]: و لو فقد أحد المشتبهين، صلّى في الثاني، لما مرّ.

و قيل: يصلّي فيه و عريانا «3».

و قيل: يبتني

على مسألة من انحصر ثوبه في النجس [1].

و الأجود [2] ما ذكرنا، لما ذكرنا.

[ه]: و لو ضاق الوقت عن الصلاة في المتعدّد ففي الوجوب فيما يسعه أو عريانا قولان، بل فيهما أو في التخيير بينهما أو الإتيان بما لا يسعه الوقت في خارجه أو الاكتفاء بواحدة احتمالات.

و التحقيق: أنّ قوله: «يصلّي فيهما جميعا» إن اختص بالوقت فمع عدم إمكانه يرجع إلى الأصل المتقدّم من جواز الصلاة في كلّ واحد، و يتعيّن الاحتمال الأخير، و إن عمّ غيره أيضا يتعيّن ما قبله، و حيث يحتمل الأمرين و الأصل مع الأخير فالقول به أظهر، إلّا أن يرجّح ما قبله بعموم قضاء الفوائت، و لا بأس به.

و دعوى الإجماع في أمثال المقام مجازفة.

______________________________

[1] كما في المدارك 2: 358، و الذخيرة: 166. و في حاشية منه رحمه اللّه: فيصلي في الثاني على القول فيها بالصلاة في النجس و عاريا على القول به فيها و يتخير على التخيير.

[2] في «س»: و الأحوط.

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 181.

(2) كصاحب المدارك 2: 358.

(3) كما في القواعد 1: 6، و الذكرى: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 275

و الاحتجاج لأول القولين بالاستصحاب- كما في شرح القواعد «1»- مع اختصاصه بما إذا حصل الاشتباه و عدم التمكن من الغسل في الوقت، مدفوع:

بأنّ الثابت وجوب الصلاة في الجميع في السعة بشرطها، فلا يمكن الاستصحاب في غيرها.

[و]: و لو كان عليه صلوات مرتّبة، وجب مراعاة الترتيب فيها، فيصلّي الظهر مثلا في أحد الثوبين ثمَّ ينزعه و يصلّيها في الآخر، ثمَّ يصلّي العصر و لو في الثاني ثمَّ يصلّيها في الآخر.

و لو صلّى الظهر و العصر في أحدهما ثمَّ نزعه و صلّاهما في الآخر، فقد صرّح

جماعة بالصحة «2»، لترتّب الثانية على الاولى على كلّ تقدير.

و قيل بالبطلان «3»، للنهي عن الشروع في العصر حتى تتحقّق البراءة عن الظهر. و هو جيّد. بل عدم العلم بجواز الشروع في العصر قبل اليقين بالبراءة عن الظهر كاف في ذلك أيضا، لتوقيفية العبادة، إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الأصل تحقّق الظهر و العصر الأصليين المكلّف بهما بفعلهما في ثوب واحد، و أمّا الإتيان بهما في الثوبين فهو أمر تعبّدي لم يثبت فيه الترتيب، و الأصل عدمه.

السابعة:

من انحصر ثوبه في نجس و لم يضطر إلى لبسه، ففي وجوب الصلاة عريانا أو فيه أو تخييره بينهما أقوال:

الأول عن المبسوط و النهاية و الخلاف- مدّعيا فيه الإجماع- و القاضي «4»، و للحلّي و الشرائع و النافع و التذكرة و القواعد و التحرير «5»، و في الذكرى جعله

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 177.

(2) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 282، و الشهيد في البيان: 97، و صاحب المدارك 2: 359.

(3) كما في الحدائق 5: 407.

(4) المبسوط 1: 90 و 91، النهاية: 55، الخلاف 1: 474، نقله في المنتهى 1: 182 عن القاضي ابن البراج في الكامل.

(5) الحلي في السرائر 1: 186، الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، التذكرة 1: 94، القواعد 1: 8، التحرير 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 276

المشهور «1»، و في الدروس الأشهر «2»، و نسبه في المدارك إلى الأكثر «3».

و الثاني ظاهر الصدوق «4»، و إليه مال في المدارك و المعالم و الذخيرة «5»، و عزاه في اللوامع إلى أكثر الثالثة، إلّا أنه قيل: إنّه قول من شذّ ممّن تأخّر «6».

و الثالث عن الإسكافي و المعتبر و المنتهى و الذكرى و الدروس و

البيان و الثانيين «7»، و جمع من الثالثة «8»، و نسب إلى أكثرها، و ظاهر المنتهى «9» الإجماع على الجواز الظاهر في التخيير. و هو الحق.

أمّا جواز الصلاة عريانا: فللروايات الثلاث: موثّقتي سماعة و رواية الحلبي «10».

و أمّا جوازها في الثوب: فللصحاح الأربع لعلي و الحلبي و البصري «11»،

______________________________

(1) الذكرى: 17.

(2) الدروس 1: 127.

(3) المدارك 2: 359.

(4) الفقيه 1: 40 و 160.

(5) المدارك 2: 361، المعالم: 312، الذخيرة: 169.

(6) كما في الرياض 1: 94.

(7) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، المعتبر 1: 445، المنتهى 1: 182 و 239، الذكرى:

17، الدروس 1: 127، البيان 96، المحقق الثاني جامع المقاصد 1: 177، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 169.

(8) كالفيض في المفاتيح 1: 107، و صاحب الحدائق 5: 353، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55.

(9) المنتهى 1: 182.

(10) موثقة سماعة الاولى: الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 15، التهذيب 2: 223- 881، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 1، الثانية: التهذيب 1: 405- 1271، الاستبصار 1:

168- 582، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 3، رواية الحلبي: التهذيب 2:

223- 882، الاستبصار 1: 168- 583، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 4.

(11) صحيحة علي: الفقيه 1: 160- 756، التهذيب 2: 224- 884، الاستبصار 1: 169- 585، قرب الإسناد: 191- 718، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 5، صحيحة الحلبي الأولى: الفقيه 1: 40- 155، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 224- 883، الاستبصار 1: 169- 584، الوسائل 4: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7، صحيحة البصري: الفقيه 1: 160-

754، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 277

و خبرين آخرين «1».

و لا تعارض بين الفريقين من الأخبار على المختار، لورود الكلّ بلفظ الإخبار، و هو لا يثبت الأزيد من الجواز.

و القول بأنه يفيد الإيجاب بعيد غايته عن الصواب.

مع أنّهما لو تعارضا لكان المرجع إلى التخيير الذي هو المرجع عند فقد ما يصلح للترجيح كما في المقام.

و ترجيح الأول بالأشهرية عملا و الاعتضاد بنقل الإجماع معارض بترجيح الثانية بالصحة سندا و الأكثرية عددا و الأحدثية في بعضها صدورا و الأوفقية للاعتبارات، مع أنّ شهرة القدماء لو سلّم تعارض شهرة المتأخّرين في الثانية.

و منه يظهر فساد ما قيل من أن الأصل في الوجوب العيني و الحمل على التخييري مجاز [1]، فإنه ليس لهذا الحمل بل إمّا لعدم الدلالة على الوجوب أو بواسطة الأخبار العلاجية.

دليل الأول: الروايات الثلاث، و عمومات المنع من الصلاة في النجس، و الإجماع المنقول، و مفهوم الشرط في رواية الحلبي، الآتية، مع ردّ معارضاتها بالشذوذ، أو حملها على محامل بعيدة.

و فيه: أن الشذوذ لو سلّم إنما يكون لو كانت المعارضات دالّة على الوجوب

______________________________

[1] انظر شرح المفاتيح (المخطوط) ففيه ما مفاده: إن حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب النجس على صورة عدم تيسّر النزع ليس بأندر من حمل الوجوب التعييني على التخييري.

______________________________

(1) الأول: الفقيه 1: 40- 156، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 2.

الثاني: الفقيه 1: 160- 755.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 278

و ليس كذلك.

و العمومات بما ذكر مخصّصة.

و الإجماع المنقول لا حجية فيه سيّما بعد ظهور المخالف كثيرا قديما و حديثا.

و مفهوم الشرط لا يدلّ على أزيد من عدم وجوب الصلاة

في الثوب إذا انتفى الاضطرار، أمّا عند من يقول بإفادة قوله: «يصلّي» للوجوب فظاهر، و أمّا عندنا:

فلأنّا نقول: إنّ معناه- لكونه مجازا و متعدّدا- غير معلوم، و الوجوب منفي بالأصل لا باللفظ، و بعد فاللفظ له محتمل، و حينئذ فيحتمل أن يكون المنفي في المفهوم هو الوجوب فلا يمكن الاستدلال [1].

و دليل الثاني: الصحاح الأربع و ما بمعناها. و جوابه قد ظهر.

و قوله: «لم يصلّ عريانا» في الصحيحة الاولى.

و في دلالته على الوجوب نظر، غايته مرجوحية الصلاة عريانا، و هو كذلك، كما ذهب إليه الإسكافي و الشهيدان «1»، و جمع آخر «2».

نعم، ظاهر إطلاق كلام الأول وجوب الإعادة في الوقت إن تمكّن فيه من الغسل و استحبابه خارجه، و لعلّه لقوله: «أعاد الصلاة» في الخبرين الآخرين، و هو عن إفادة الوجوب قاصر، و أمّا الاستحباب فليس ببعيد.

و إن اضطرّ إلى لبس الثوب فيصلّي فيه وجوبا بلا خلاف، لإطلاق

______________________________

[1] نعم لو قلنا بدلالة نحو قوله: «يصلي» على الوجوب لتعيّن ترجيح ذلك القول من جهة تلك العمومات السالمة بعد تعارض النوعين من الأخبار بل يترجح أخبار العريان بالخصوصية أيضا حيث انها مخصوصة بحالة إمكان الصلاة عريانا قطعا و معارضها أعمّ فيخصص بصورة عدمه و هي أيضا من الصور المتحققة كثيرا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، الشهيد الأول في البيان: 96، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 169.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 1: 178، و صاحب المدارك 2: 361، و الفيض في المفاتيح 1:

107، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 279

الصحاح المتقدّمة الشاملة لهذه الصورة الخالية فيها عن المعارض، لاختصاص ما دلّ

على الصلاة عريانا بغير حال الاضطرار قطعا.

و لخصوص رواية الحلبي: عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» «1».

و لو نوقش بخلوّ تلك الأخبار عن الدالّ على الوجوب أتممناه بأنها دالّة على جواز الصلاة في الثوب، و لعدم إمكان غيره و عدم جواز ترك الصلاة متعيّن.

و القول بأنه إنّما يتم لو كانت صلاته في آخر الوقت، و أمّا في السعة فلا، لأنّ جواز الصلاة في النجس إنما هو مع عدم التمكن من التطهير و مع السعة لا يعلم ذلك، مدفوع: بعدم التمكّن في حال الصلاة التي هي أيضا من أجزاء زمان التوسعة الشاملة لها الأمر التوسّعي، و إخراجها من بين الأجزاء يتوقّف على الدليل.

و في إعادتها مع التمكّن من الطهارة قولان: الأصح الأشهر: العدم، لأصل البراءة و الخروج عن العهدة، و ظواهر الصحاح المتقدّمة الواردة في مقام الحاجة، مع تضمّن البعض الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من دون تعرّض للإعادة.

خلافا للنهاية «2»، و طائفة [1]، فأوجبوها، لموثّقة الساباطي: عن رجل ليس معه إلّا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: «يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» «3».

______________________________

[1] حكى في المدارك 2: 362، و الرياض 1: 94 عن جماعة، و قال في الحدائق 5: 349: و انفرد الشيخ من بينهم بإيجاب إعادة الصلاة فيه حال الضرورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 224- 883، الاستبصار 1: 169- 584، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7.

(2) النهاية: 55.

(3) التهذيب 2: 224- 886، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 280

و هي عن إفادة الوجوب قاصرة، فإرادة الاستحباب منها- كما استظهره بعض أعيان المتأخّرين ناسبا له إلى الصدوق- طاب ثراه- أيضا [1] ممكنة، و مع ذلك بالصلاة في النجس متيمّما مخصوصة، بل لا دلالة فيها على كون صلاته في الثوب أصلا.

فروع:

أ: لو نجس البدن و تعذّرت الإزالة، صلّى معها بلا إشكال و لا خلاف، كما في الحدائق «1»، لتقييد موجبات إزالتها عنه للصلاة بحال الإمكان ضرورة، فأمّا ينتفي الاشتراط و هو المطلوب، أو وجوب المشروط و هو خلاف الإجماع.

مضافا إلى أنّ بعد التقييد تبقى أوامر الصلاة حال عدم الإمكان خالية عن المقيّد، و تؤيّده الأخبار الواردة في السلس و المبطون «2».

ب: إذا نجس الثوب و البدن معا و تعذّرت الإزالة عن أحدهما، وجبت في الآخر، إذ لكلّ منهما أمر برأسه، فيجب امتثاله ما أمكن، و عدم إمكانه في أحدهما لا يوجب انتفاء وجوبه في الآخر.

ثمَّ لو تعيّن الممكن تطهيره منهما طهّره، و إلّا تخير.

و لو لم يمكن التطهير و أمكن نزع الثوب، فهل يجوز تخفيفا للنجاسة على التخيير في الأصل و يجب على القول بالوجوب فيه، أم لا؟ ظاهر بعض القائلين بالصلاة عريانا فيه: عدمه هنا، و وجوب الستر.

و الظاهر التخيير، للروايات المتقدمة «3».

و لو تنجّس أحدهما و أمكن تطهير بعضه دون بعض، فإن كانت فيه

______________________________

[1] قد حمل الرواية على الاستحباب في الذكرى: 17 و الذخيرة: 169، و لم نعثر على من نسبه إلى الصدوق.

______________________________

(1) الحدائق 5: 349.

(2) انظر الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19.

(3) في ص 276 و 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 281

النجاسات المختلفة [1] و أمكن إزالة أحدهما وجبت أيضا، للأمر بإزالة كلّ منهما على حدة،

فلا ينتفي بامتناع امتثال الآخر. و إن كانت من نوع واحد و كانت دما و أمكن تقليله إلى الدرهم، وجب أيضا، و إلّا فقيل بالوجوب مع التفرّق مستشكلا فيه مع الاجتماع «1».

و الحقّ: الوجوب مطلقا، لدلالة ما يدلّ على وجوب إزالة الكلّ على وجوب إزالة البعض أيضا بدلالة المطابقة على السواء، و تعذّر امتثال الكلّ غير صالح لرفع وجوب امتثال البعض.

و أيضا: تجب إزالة كلّ بعض لو لم يكن معه غيره، و وجود الغير غير مانع عن الوجوب.

نعم، كان الإشكال إنّما يرد لو كان المأمور به في الأخبار هو مطلق التطهير، و ليس كذلك، بل هو إزالة كلّ نجاسة بخصوصها.

ج: لو أمكن إزالة العين بمسح و نحوه دون الأثر بالغسل، فهل يجب أم لا؟ الظاهر هو الأول، لمثل ما مرّ، مع إشكال فيه، لأنّ المانع من الصلاة هو الأثر الحاصل من العين في المحل دون العين نفسها.

د: لو أمكن بعض الغسلات فيما يلزم فيه التعدّد دون بعض، فهل يجب أم لا؟ الظاهر نعم، لوجوب مطلق الغسل بمطلقاته أيضا، و وجوب المقيّد بأمر آخر لا ينافيه.

نعم، لو انحصر الدليل في المقيّد، لم يثبت وجوب المطلق رأسا.

الثامنة:

لا خلاف في جواز الصلاة في كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده للرجال مع نجاسته و لو بمثل دم الحيض و نجس العين، كالتكّة و القلنسوة و الجورب و الخف و النعل.

______________________________

[1] كالبول و المني مثلا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في المعالم: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 282

و عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و السرائر «1»، و ظاهر التذكرة «2» و غيرها «3»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى النصوص المستفيضة:

منها: موثّقة زرارة: «كل ما كان

لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب» «4».

و روايته: إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمَّ صلّيت، فقال: «لا بأس» «5».

و المراسيل الثلاث لأبناء سنان و عثمان و أبي البلاد:

الاولى: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة [1] و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك» «6».

و الثانية: في الرجل يصلّي في الخف الذي قد أصابه قذر، قال: «إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه فلا بأس» «7».

و الثالثة: «لا بأس في الصلاة في الشي ء الذي لا تجوز فيه الصلاة وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة و التكة و الجورب» «8».

______________________________

[1] الكمرة و هي الحفاظ. و في بعض كلام اللغويين: الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس- مجمع البحرين 3: 477.

______________________________

(1) الانتصار: 38، الخلاف 1: 480، السرائر 1: 264.

(2) التذكرة 1: 96.

(3) كجواهر الفقه: 22، و المفاتيح 1: 107.

(4) التهذيب 2: 358- 1482، الوسائل 3: 455 أبواب النجاسات ب 31 ح 1.

(5) التهذيب 2: 357- 1480، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 3.

(6) التهذيب 1: 275- 810، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 5.

(7) التهذيب 1: 274- 807، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 2.

(8) التهذيب 2: 358- 1481، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 283

و الرضوي: «إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكّة أو الجورب أو الخفّ مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة

فيه، و ذلك أنّ الصلاة لا تتمّ في شي ء من هذه وحده» «1».

ثمَّ مقتضى أكثر هذه الأخبار بملاحظة تعلّق الحكم فيها بما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا: العفو عن نجاسة ما لا تتمّ فيه مطلقا، كما ذهب إليه السيد و المحقّق و الشهيدان «2» طاب ثراهم، من غير اختصاص له بالملابس كما عن الحلّي «3»، و غيره «4»، و لا بها مع كونها في محالّها، فلو وضع التكة على رأسه و الخف على يده، بطلت الصلاة، كالفاضل في أكثر كتبه «5» و الشهيد في البيان «6»، و لا منها بخمسة:

القلنسوة و التكة و الجورب و الخف و النعل، كما عن الراوندي «7».

بل في الموثّقة و أولى المراسيل العموم الشامل للملابس و غيرها.

و في الأولى منها الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه، و هو كالتصريح بنفي اشتراط كونها في محالّها. مع أنّ أصل الحكم في غير الملابس، و فيها إذا كان في غير محالّها بأصالة البراءة عن وجوب إزالة النجاسة عنها السالمة عن المعارض ثابت، إذ غاية ما يستفاد من الأدلّة اشتراط طهارة جسد المصلّي و ثوبه، و صدق ثوبه على الملابس إذا لم تكن في محالّها ممنوع.

و تصريح الأصحاب باستثنائها المستلزم لدخولها تحت أدلّة المنع عنها إنّما هو

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 95، المستدرك 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.

(2) السيّد في الانتصار: 38، المحقق في المعتبر 1: 434، الشرائع 1: 54، الشهيد الأول في الذكرى: 16، و الدروس 1: 126، و البيان: 95، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 166، و الروضة 1: 61.

(3) السرائر 1: 184.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 174، و المختلف: 61.

(5) كالمختلف:

61، و المنتهى 1: 174، و التحرير 1: 24.

(6) البيان: 96.

(7) حكاه عنه في المختلف: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 284

في الملابس منها و مع كونها في محالّها، و صدق الثوب عليها حينئذ ظاهر.

و خروجها بما مرّ من أدلّة العفو، و استدعاء الشغل اليقيني بالعبادة للبراءة اليقينية غير مفيد لوجوب الإزالة مطلقا، للقطع بالبراءة اليقينية بمعاونة الأصول القطعية.

و بما ذكر يظهر فساد ما استدلّ به للتقييد بكونها في محالّها بتبادر ذلك من سياق الأخبار.

فروع

: أ: ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس- أي ما لا يستر العورة منها- إمّا ليس من شأنه ستر العورة، أو يكون من شأنه ذلك و إن لم يكن بالفعل كذلك.

و الثاني على أقسام، لأنّه إمّا تكون فعليته موقوفة على تغيير و تبديل فيه، إمّا بنفسه كالقلنسوة الكبيرة التي لو غيّر وضعها و قطّعت و ضمّ بعضها مع بعض بوضع آخر أمكن ستر العورة بها، أو بهيئته العارضة له في اللبس، كالعمامة الساترة للعورة بنفسها غير الساترة مع الكيفية المخصوصة لها حال اللبس، أو يكون في نفسه و هيئته بقدر يصلح لستر العورة و لكن لا يمكن استقراره فيها إلّا بضمّ شي ء آخر معه، كوضع اليد عليه أو شدّه بما يشدّه و لا يمكن بدون ذلك، أو لا يتوقّف إلّا على وضعه على العورة، كالقميص القصير الذي لو وضع على العورة سترها و لكن لبسه بحيث لم يصل إلى العورة.

فلو أريد من قولهم: ما لا تتم الصلاة فيه، ما لا يستر العورة بالفعل، لدخل جميع تلك الأقسام فيه، و لو أريد منه ما لم يكن من شأنه ذلك، خرج بعضها منه.

و التحقيق: أنّ الأصل في الملابس وجوب إزالة النجاسة

عنها في الصلاة إلّا ما علم فيه العفو بوضوح دخوله في المراد ممّا لا تتم الصلاة إلّا به.

و لا خفاء في دخول الأول و الثاني من تلك الأقسام فيه، فيحكم فيهما بالعفو قطعا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 285

و كذا الرابع، إذ- لتوقّف ستر العورة به على غيره- يصدق أنه ممّا لا تجوز فيه الصلاة وحده، و أنّها لا تتمّ فيه وحده، مضافا إلى التصريح في الأخبار بالعفو عن الخفّ الذي يستر العورتين لو وضع عليهما بمعونة اليد.

و أمّا البواقي: فلخفاء دخولها فيه تكون باقية تحت الأصل. و إخراج الرضوي العمامة لا يفيد، لضعفه الغير المعلوم انجباره، مع احتمال إرادة الصغيرة.

ب: يستحب تطهير النعل، لصحيحة عبد الرحمن «1»، و به قال الشيخ في النهاية «2»، و ابن زهرة في كل ما لا تتمّ الصلاة إلّا به «3». و لا بأس به.

ج: حمل مثل الحقّة و القارورة التي فيها نجاسة غير متعدّية إلى الثوب أو البدن لا يبطل الصلاة، للأصل المتقدّم.

و كذا حمل المنديل النجس، و جبر العظم بالعظم النجس سواء اكتسى اللحم أم لا. و نجاسة اللحم بملاقاته غير ضائرة، لأنّه من البواطن.

و ما قيل: من أنّ غاية ما ثبت عدم تعلّق التكليف بما في الباطن من النجاسات الخلقية، لانصراف الحكم إلى الأفراد الشائعة «4»، مردود: بأنّ غاية ما ثبت تعلّق التكليف بما في ظاهر البدن من النجاسات، لأنّه موضع الإجماع و المتبادر من الأخبار.

و منه يظهر عدم وجوب إخراج الدم المحتقن تحت الجلد من نفسه أو من الخارج، و عدم بطلان الصلاة بشرب نجس أو أكله.

و هل يجب قيئه أو قي ء محرّم أكله؟ الحقّ هو الثاني، لأنّ الثابت حرمة

______________________________

(1) الفقيه 1: 358- 1573،

الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 1.

(2) النهاية: 54.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(4) كما في الحدائق 5: 342.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 286

الشرب و الأكل، و أمّا وجوب القي ء بعد حصولهما فلا دليل عليه.

نعم يستحب ذلك، لموثّقة عبد الحميد بن سعيد [1].

د: لو التحف بلحاف أو تردّى برداء طويل بحيث وقع بعضه على الأرض و كان ذلك البعض نجسا لم تصح صلاته، لصدق نجاسة ثوبه، و لولاه لزم عدم البطلان بنجاسة الكمّ الطويل المتجاوز عن الأصابع، بل طرف الثوب عند الجلوس لكونه على الأرض.

التاسعة:
اشارة

العفو عن دم القروح و الجروح حال الصلاة في الثوب و البدن قليلا كان أم كثيرا في الجملة إجماعي، و النصوص- كما تأتي- به مستفيضة.

و هل يعتبر فيه استمرار سيلان الدم و عدم انقطاعه مطلقا و لو لمحة؟ كما هو ظاهر المقنعة و الخلاف و السرائر و التذكرة و المنتهى و التحرير و النافع و الدروس «1»، بل لعله الأشهر. أو مقيّدا بزمان يتّسع أداء الفريضة؟ كما في المعتبر و الذكرى «2»، و لعلّه مراد الأولين أيضا بحمل الاستمرار على العرفي الصادق مع عدم الانقطاع في زمان يتسع أداء الفريضة. أو لا يعتبر مطلقا، فيكون معفوا ما لم يبرأ الجرح؟

كما عن الصدوق و النهاية و المبسوط و الثانيين «3»، و جماعة «4»، و إن كان في استفادته من كلام الأول خفاء [2]

______________________________

[1] و هي أنّه: «بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا و أخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلمّا أتى به أكله، فقال مولى له: إنّ فيه من القمار، قال: فدعا بطشت فتقيّأه» منه رحمه اللّه. الكافي 5: 123 المعيشة ب 40

ح 3.

[2] قال في الفقيه: و إن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا يغسل حتى يبرأ أو ينقطع الدم.

______________________________

(1) المقنعة: 69- 70، الخلاف 1: 252 و 476، السرائر 1: 176، التذكرة 1: 8، المنتهى 1:

172، التحرير 1: 24، المختصر النافع: 18، الدروس 1: 126.

(2) المعتبر 1: 429، الذكرى: 16.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 43، النهاية: 51، المبسوط 1: 35، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:

171، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و الروضة 1: 50.

(4) منهم صاحب المدارك 2: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 287

الحقّ هو الأخير، لإطلاق صحيحة المرادي: الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوة دما و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده؟ قال: «يصلّي في ثيابه و لا شي ء عليه» «1» و قريبة منها حسنته «2».

و صحيحة البصري: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي، فقال: «دعه فلا يضرّك أن لا تغسله» «3» أطلق فيها الأمر بالدعة سواء كان حال السيلان أو بعده.

و صحيحة محمد: عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟

قال: «يصلّي و إن كانت الدماء تسيل» «4» دلّت على أنّ حالة عدم السيلان أولى بالعفو.

و لا ينافيه: «لا تزال تدمي» لأنّه كلام السائل، مع أنّ الظاهر منه تكرّر خروج الدم لاتّصاله.

و الأخبار الجاعلة للبرء غاية العفو، كموثّقة سماعة: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» «5».

و رواية أبي بصير: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو يصلّي، فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له: إنّ

قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما، قال: «إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ» «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 349- 1029، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ملحق بحديث 5.

(2) التهذيب 1: 258- 750، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.

(3) التهذيب 1: 259- 751، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6.

(4) التهذيب 1: 258- 749، و 348- 1025، الاستبصار 1: 177- 615، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 4.

(5) التهذيب 1: 259- 752، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 7.

(6) الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 1، التهذيب 1: 258- 747، الاستبصار 1: 177- 616، الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 288

و منافاته لما اعتبروه واضحة، لعدم اتّصال السيلان بالبرء عادة.

و توصيف الجرح في صدر الموثّقة بالسائل غير ضائر، لأنّه غير المتّصل، مع أنه على فرض الاتّحاد لا يدلّ على الاشتراط إلّا بمفهوم الوصف الذي لا عبرة به.

و عطف الانقطاع في ذيلها على البرء غير مناف، لاستلزام البرء له، فيدلّ على أنّ الأمرين غاية عدم الغسل، فلا يكفي تحقّق الانقطاع فقط.

دليل المخالف الأول: الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم و الحاكمة بإعادة الصلاة منه «1»، المستلزم للاقتصار في العفو على موضع اليقين.

و قوله: «لا تزال تدمي» في الصحيحة الثالثة، و صدر الموثّقة و ذيلها.

و دلالة بعض الروايات على أنّ علة العفو الحرج و المشقّة و هو لا يكون إلّا مع عدم الانقطاع، ففي موثّقة سماعة: [سألته عن الرجل به ] القرح و الجرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال: «يصلّي و لا يغسل

ثوبه فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» [1].

و مفهوم رواية محمد، المروية في السرائر: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» «2».

و يجاب عن الأول: بلزوم تقييد الإطلاق بما مرّ، و القول بعدم صلاحيته له لا وجه له.

و عن الثاني و الثالث: بما قد ظهر، مضافا إلى أنّ غاية الأمر اختصاص

______________________________

[1] الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 2، التهذيب 1: 258- 748، الاستبصار 1: 177- 617، الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1 و 2 و ب 40 ح 3 و 7 و 10.

(2) مستطرفات السرائر: 30- 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 289

الجواب في الثاني بما اختصّ به السؤال لو لا الفقرة الأخيرة، و هو لا ينفي الحكم عن غيره بعد وجود الدليل.

و عن الرابع: بأنّ كون العلّة في القرح الذي لا يستطاع ربطه و غسله ما ذكر لا يدلّ على انتفاء الحكم فيما لم يكن كذلك، و لا يعارض ما دلّ على ثبوته في غيره أيضا.

و عن الخامس: أنّه مفهوم وصف لا عبرة به.

و دليل المخالف الثاني بعض ما ذكر بجوابه.

ثمَّ بما ذكر من الإطلاقات ظهر عدم اعتبار المشقة في الإزالة أيضا، وفاقا لجماعة «1». و خلافا للقواعد «2»، و عن الغنية و نهاية الإحكام «3»، بل هو ظاهر كلّ من استدلّ للعفو بلزوم الحرج أو المشقة لولاه، كالتهذيب و المعتبر و التذكرة «4»، للأصل المتقدّم، و الروايتين الأخيرتين. و جوابهما قد ظهر.

و جمع في الشرائع

و المنتهى و التحرير «5» بين الاعتبارين. و وجهه و جوابه يظهر مما مرّ.

فروع:

أ: الأقوى عدم وجوب إزالة بعض الدم و لو مع إمكانها، و لا عصب موضع الجرح، و لا إبدال الثوب، بالإجماع في الأولين كما عن الخلاف «6»، لإطلاق الأدلّة، و قوله: «لا شي ء عليه» في الصحيحة الأولى، خلافا لمحتمل نهاية

______________________________

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 171، و صاحب المدارك 2: 309.

(2) القواعد 1: 8.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، نهاية الإحكام 1: 285.

(4) التهذيب 1: 257، المعتبر 1: 429، التذكرة 1: 8.

(5) الشرائع 1: 53، المنتهى 1: 172، التحرير 1: 24.

(6) الخلاف 1: 252 و 476.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 290

الإحكام في الأول «1»، و له و للمنتهى في الثالث «2».

ب: الحقّ- كما صرّح به جماعة منهم والدي رحمه اللّه- أنّ غاية العفو البرء «3»، للاستصحاب، و موثّقة سماعة، و رواية أبي بصير، و هو الاندمال عرفا، فيعفى عن كلّ ما كان قبله و لو حصل الانقطاع و بقي في الثوب أو البدن. و حمل البرء على الأمن من خروج الدم تجوّز.

ج: لو تعدّى الدم من محل الضرورة في الثوب و البدن، فذهب في المنتهى و المعالم و اللوامع إلى عدم تعدّي العفو «4».

و احتمل في المدارك التعدي «5». و هو الأقوى، لإطلاق أكثر الأدلّة.

و لكن الأظهر تقييد التعدّي بما إذا كان بنفسه، لا إذا تعدّى بمتعدّ، كأن وضع يده أو طرف ثوبه الطاهرين عليه، كما نبّه عليه و اختاره في الحدائق «6»، لتصريح أكثر الأخبار بإصابة الدم الظاهرة في إصابته بنفسه، و عدم إطلاق شامل لإصابته بواسطة الغير إلّا في صحيحة المرادي، و في شمولها لها أيضا خفاء

جدّا.

و منه يظهر أنه إذا أصاب الدم جسما آخر غير الثوب و البدن ثمَّ لاقى هذا الجسم بدن صاحب الدم أو ثوبه، لم يثبت فيه العفو.

د: لو لاقى هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو، للأصل. و كذا إن تنجّس به مائع طاهر ملاق للبدن أو الثوب كالعرق و الماء، لأنّ هذا المائع نجس غير الدم و لم يثبت العفو عنه، و العفو عما نجّسه لا يوجبه، و كون المتنجّس أخفّ نجاسة لا يصلح دليلا.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 285.

(2) نهاية الإحكام 1: 286، المنتهى 1: 172.

(3) انظر الفقيه 1: 43، و المسالك 1: 18، و المدارك 2: 309، و الحدائق 5: 303.

(4) المنتهى 1: 172، المعالم: 289.

(5) المدارك 2: 309.

(6) الحدائق 5: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 291

ه: قيّد جماعة- منهم الشيخ «1»، و الفاضل في الإرشاد [1]- القروح بالدامية و الجروح باللازمة. و منهم من وصفهما باللازمة «2». و منهم من عكس «3».

و المراد من الدامية ظاهر.

و فسّر في روض الجنان اللازمة: بالتي يستمر خروج دمها «4»، و المحقق الثاني: بالتي لم يبرأ، ليكون احترازا عن جراحة برئت و تخلّف دمها «5».

و ظنّي أنّ المراد منها الجروح البطيئة الاندمال، ليكون احترازا عن مثل الفصد و الحجامة إذا لم يتعدّيا عن الحدّ، و جراحة مثل الشوكة المندملة سريعا و أمثالها، فلا تكون دماؤها معفوة عنها. و هو الظاهر، لعدم ظهور شمول أخبار العفو لها «6».

أمّا ما يتضمّن منها الدماميل و القروح: فظاهر.

و أمّا صحيحة البصري: فلمكان سيلان القيح.

و أمّا الموثقة الاولى: فلقوله: «به جرح سائل» فإنّ المتبادر منه نوع لزوم و دوام للجرح و السيلان، فلا يشمل ما يحدث و ينقطع سريعا، مع أنّ

ما يترشّح منها قليل دم يخرج بقيد: «سائل» قطعا.

و أمّا الأخيرة: فلتقيدها بعدم استطاعة الربط و غسل الدم، و التعليل بعدم استطاعة غسل الثوب كلّ ساعة، فتكون هذه الدماء باقية على أصالة عدم العفو.

و تؤكّده رواية المثنى: حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: «إذا اجتمع

______________________________

[1] قال فيه: و عفى في الثوب و البدن عن دم القروح و الجروح اللازمة. الإرشاد 1: 239.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، المبسوط 1: 35، الاقتصاد: 253، النهاية: 51.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 8، المختلف: 60.

(3) كما في المعتبر 1: 429، القواعد 1: 8.

(4) روض الجنان: 165.

(5) جامع المقاصد 1: 171.

(6) راجع ص 287 و 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 292

منه قدر حمصة فاغسله و إلّا فلا» «1».

و صراحة بعض المعتبرة في عدم العفو عن دم الحجامة، كصحيحة علي المروية في قرب الإسناد، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و: إذا كان قروح أو جروح متعدّدة به و برئ بعضها و تخلّف دم منه في الثوب أو البدن و لم يبرأ الجميع، فهل يختص العفو بدم ما لم يبرأ منها، أو يعفى عن الكلّ حتى يبرأ الكل؟ مقتضى إطلاق الموثقة الأولى: الأول، و مقتضى إطلاق رواية أبي بصير: الثاني. و لا يبعد ترجيحه، لتعارض الإطلاقين و الرجوع إلى استصحاب العفو.

ز: يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه كلّ يوم مرة، لرواية السرائر «3». و أمّا البدن فلا، للأصل.

العاشرة:

ما دون الدرهم من الدم- غير ما استثني- معفوّ عنه في الصلاة إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة «4»، و عن نهاية الإحكام و المختلف «5»، و هو الحجة في المقام، مضافا إلى المستفيضة، كحسنة

محمد، المتقدّمة في المسألة الرابعة «6»، و رواية الجعفي، السابقة في الاولى «7».

و صحيحة ابن أبي يعفور: «فيغسله- أي الدم- و لا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا يغسله» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 255- 741، الاستبصار 1: 176- 613، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.

(2) راجع ص 254.

(3) المتقدمة في ص 288.

(4) المعتبر 1: 429، المنتهى 1: 172، التذكرة 1: 8.

(5) نهاية الاحكام 1: 285، المختلف: 60.

(6) راجع ص 266.

(7) راجع ص 253.

(8) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 293

و مرسلة جميل: «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب و فيه الدم متفرّقا شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» «1».

و الرضوي: «إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف، و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا، و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه، و إن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلّا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قلّ أم كثر» «2».

و أمّا قدر الدرهم فهو كالزائد عليه، وفاقا للأكثر.

فروع:

أ: المذكور في الأخبار و إن كان قدر الدرهم المحتمل للوزن و السعة إلّا أن المقطوع به في كلام الأصحاب هو الثاني، و هو الذي يقتضيه الأصل عند التردّد، لأنّه القدر المتيقّن، فإنّ ما كان وزنه درهما تبلغ سعته أضعاف ذلك قطعا.

ب: لا عفو في دم الحيض بغير خلاف عندنا

كما في السرائر «3»، و يشعر به كلام المعتبر «4»، بل إجماعا كما في اللوامع، للرضوي المتقدّم، و النبوي الآمر لأسماء في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» [1]، و ضعفهما منجبر بالشهرة القوية بل الإجماع.

______________________________

[1] صحيح مسلم 1: 240- 110، سنن أبي داود 1: 99- 362، و فيهما بتفاوت يسير.

______________________________

(1) التهذيب 1: 256- 742، الاستبصار 1: 176- 612، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 4.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 95، مستدرك الوسائل 2: 565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.

(3) السرائر 1: 176.

(4) المعتبر 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 294

و رواية إسحاق: «الحائض تصلّي في ثوبها ما لم يصبه دم» «1».

و يؤيّده خبر ابن كليب: «في الحائض تغسل ما أصاب من ثيابها» «2» و المروي في الكافي و التهذيب: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» [1].

و أمّا أخبار العفو فهي أعم مطلقا من الرضوي، فتخصيصها به لازم، و من وجه من النبوي و ما بعده، فإن قدّما بموافقة الشهرة و إلّا فيرجع إلى عمومات غسل الدم.

بل قد يقال بعدم شمول أخبار العفو لدم الحيض، لاختصاص الخطابات فيها بالذكور، و احتمال إصابة ثيابهم من دم الحيض نادر و لم يكن من الأفراد المتبادرة.

و هو كذلك في غير رواية الجعفي «3»، و أمّا فيها فلا خصوصية بالذكور.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالأصل المستفاد من الأخبار الآمرة بغسل الدم و استصحاب شغل الذمة.

ثمَّ إنه ألحق الشيخ «4»، و السيد «5» بل و غيرهما من القدماء أيضا- كما قيل «6»- به دم النفاس و

الاستحاضة، بل ظاهر الخلاف و صريح الغنية الإجماع

______________________________

[1] الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 3، التهذيب 1: 257- 745. و إنما جعلناهما مؤيدين لأن المذكور في منطوق الأول: «تغسل» و في مفهوم الثاني: «تعاد» و إفادتهما للوجوب غير معلومة، مع أن في الثاني حكم بالإعادة مع عدم الرؤية أيضا، و وجوبها حينئذ خلاف الفتوى. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 2، الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 3.

(2) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 1، التهذيب 1: 270- 796، الاستبصار 1: 186- 652، الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 1.

(3) المتقدمة في ص 253.

(4) المبسوط 1: 35، النهاية: 51، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، الخلاف 1: 476، الاقتصاد: 253.

(5) الانتصار: 14.

(6) السرائر 1: 176، المراسم: 55، و نسب إلى القدماء في الرياض 1: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 295

عليه «1»، و في السرائر نفي الخلاف عنه «2».

للأصل المتقدّم، و عدم عموم في أخبار العفو، و قد عرفت ضعفهما. و لغلظ نجاستهما الموجب للغسل، و ضعفه ظاهر.

و قد يستدلّ لإلحاق الأول بما يستفاد من بعض المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس و أنه حيض حقيقة «3».

و فيه: أنه و إن سلّم و لكن المتبادر من دم الحيض غير ذلك.

و يظهر من بعض المتأخّرين التردّد فيه «4»، و هو في موقعه، بل القوة لعدم إلحاقهما، كما اختاره بعض متأخّري المتأخّرين «5».

و كذا دم نجس العين، وفاقا لجماعة منهم الحلّي مدّعيا عليه الوفاق «6»، لعموم أخبار العفو.

و خلافا للمحكي عن الراوندي «7»، و ابن حمزة و الفاضل في جملة من كتبه «8»، و ظاهر المعالم

«9».

للأصل المتقدم. و اكتسابه بملاقاة البدن النجس نجاسة غير معفوة. و عدم شمول أخبار العفو له، لأن المتبادر منها هو الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) السرائر 1: 176.

(3) انظر الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 13 و 14.

(4) كما في المعتبر 1: 429، المدارك 2: 316.

(5) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 160، و صاحب الحدائق 5: 328.

(6) السرائر 1: 177.

(7) حكاه عنه في السرائر 1: 177، و المختلف: 59.

(8) ابن حمزة في الوسيلة: 77، الفاضل في المختلف: 59، و التحرير 1: 24، و القواعد 1: 8، و التذكرة 1: 8، و المنتهى 1: 173، و التبصرة: 17.

(9) حكاه عنه في الحدائق 5: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 296

و مرفوعة البرقي: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله» «1».

و يندفع الأول: بمطلقات العفو.

و الثاني: بأنّ المستند في اكتساب الملاقي للنجاسة النجاسة مطلقا ليس إلّا الإجماع، و تحقّقه في النجاسة الملاقية لها غير معلوم.

و الثالث: بأنّه لو أوجب عدم شمول أخبار العفو له لأوجب عدم شمول مطلقات الأمر بالغسل و إعادة الصلاة له أيضا، فيرجع إلى أصل عدم وجوب الإزالة.

و الرابع: بأنّ مقتضاه عدم العفو عن دم الغير، و هو و إن أفتى به بعض المحدّثين من المتأخّرين [1]، إلّا أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه، كما تدلّ عليه إطلاقاتهم، و ينادي به خلافهم في دم نجس العين، و لا أقلّ من مخالفته للشهرة القديمة و الجديدة المخرجة له عن الحجية. و قصره على دم نجس العين إخراج لغير

الواحد، و هو غير جائز.

ج: مورد أكثر روايات العفو و إن كان الثوب خاصة، و لذا حكي عن جماعة «2» الاقتصار عليه، و يظهر من البعض التردّد «3»، إلّا أنّ في المنتهى أسند إلحاق البدن إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه «4»، بل في الانتصار عليه الإجماع «5».

______________________________

[1] المحدث البحراني في الحدائق 5: 328، و نقله أيضا عن المولى الأمين الأسترابادي.

______________________________

(1) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 7، الوسائل 3: 432 أبواب النجاسات ب 21 ح 2.

(2) منهم الصدوق في الفقيه 1: 161، الهداية: 15، و المفيد في المقنعة: 70، و الشيخ في المبسوط 1: 36، و سلّار في المراسم: 55.

(3) كما في الحدائق 5: 308- 310.

(4) المنتهى 1: 173.

(5) الانتصار: 13 و 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 297

و هو الحقّ، لا لما استدلّ عليه من اشتراك العلّة و هي مشقّة الإزالة، لأنّ العلّة مستنبطة، بل لإطلاق رواية المثنى السابقة في المسألة التاسعة «1».

قيل: إن أريد من الحمصة فيها وزنها، لم يقل أحد بالعفو عنها، لزيادته عن الدرهم في السعة، و إن أريد سعتها، فلا قائل بوجوب غسلها، لأنّها أقلّ من سعة الدرهم، فالرواية للإجماع مخالفة، و لأجلها عن الحجية خارجة «2».

قلنا: المتبادر قدر وزنها أو جسمها دون مساحتها، إذ لا مساحة معينة للحمصة سوى سطحها المدوّر، و قياس المسطّح على المدوّر غير متعارف، و قدر الوزن أو الجسم لا يزيد عن سعة الدرهم لو بسط بنفسه، و زيادته لو بسط باليد غير ضائرة، لأنّه غير مراد، و إلّا فكلّ قطرة صغيرة من الدم يمكن بسطها باليد في أضعاف من سعة الدرهم.

مع أنه لو سلّمنا الزيادة فيكون المخالف للإجماع عموم قوله: «و

إلّا فلا» و خروج بعض أفراد العام و هو ما بلغ سعة الدرهم لا يخرجه عن الحجية.

و قد يقرأ الخمصة بالخاء المعجمة، و هي سعة ما انخفض من الراحة، و عليه فيوافق الدرهم على ما نقل عن بعضهم من تقدير الدرهم سعة بها «3».

د: إزالة عين الدم عن الموضع بغير مطهّر لا يزيل العفو، للاستصحاب.

و خلطه مع نجاسة أخرى يزيله، لما مري في المسألة السابقة. و كذا لمائع طاهر و إن لم يبلغ مجموعهما قدر الدرهم، وفاقا للمنتهى و البيان و الذخيرة «4»، لما مرّ فيها أيضا.

و خلافا للذكرى و المعالم و المدارك «5»، لأصالة البراءة، و إطلاق النص،

______________________________

(1) راجع ص 291.

(2) كما في الرياض 1: 87.

(3) كما في السرائر 1: 178.

(4) المنتهى 1: 174، البيان: 95، الذخيرة: 159.

(5) الذكرى: 16، المعالم: 299، المدارك 2: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 298

و كون المتنجّس أخفّ من منجّسة.

و الأول مندفع: بما دلّ على وجوب تطهير ما ينجس من الثوب أو البدن في الصلاة.

فإن قيل: لا دليل عليه سوى الإجماع البسيط أو المركّب، و هما منتفيان في المورد.

قلنا: بل متحقّقان، فإنّ الإجماع على وجوب [تطهير] [1] ما لم يثبت العفو عنه ممّا ثبتت نجاسته منعقد.

و الثاني: بأنّ الإطلاق يثبت العفو فيما يشمله من الدم دون غيره.

و الثالث: بأنّه تعليل عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام.

ه: لو أصاب الدم وجهي الثوب، فالظاهر عدم الخلاف في أنه إن لم يكن بالتفشّي فدمان، و في اللوامع الوفاق عليه.

و إن كان بالتفشّي، فدم واحد عند الأكثر مطلقا.

و فصّل في البيان فواحد مع رقة الثوب، و اثنان مع غلظته «1».

و في المعالم تحكيم العرف في ذلك «2».

و الظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب

أيضا، و اختلافهم إنّما هو فيما يحكم به العرف، و الظاهر حكمه بالاتّحاد مع التفشّي رقيقا كان الثوب أو صفيقا و لكن بشرط اتّحاد الثوب، فلو تألّف من أجزاء متعدّدة كالظهارة و البطانة و القطن المحشوّ بينهما، كان كلّ منها ثوبا منفردا، و يعتبر دماؤها كلا و لو تفشّي من بعضها إلى بعض.

و: لو كان في موضع دم أقلّ من درهم و بلغ ذلك الموضع أيضا دم آخر

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة المتن.

______________________________

(1) البيان: 95.

(2) المعالم: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 299

من غير تجاوز عنه و لكن كان بحيث لو أصاب موضعا آخر كانا معا أكثر من الدرهم، فهل يعدّان دما أو دمين؟ فيه إشكال.

و كذا في اعتبار غلظة الدم، فإنّ الدم الغليظ يبسط في الموضع أقلّ من الرقيق، بل الرقيق المبسوط بمعاون يسع من الموضع أكثر ممّا يسعه لو بسط بنفسه، و الأخذ بالمتيقّن عفوه متعين.

ز: المذكور في أكثر الأخبار هو الدرهم من غير تقييد، و لذا حمله البعض على الشرعي المتعارف في عصر الحجج عليهم السلام «1».

و هو كان حسنا لو لا الحجة على التقييد بغيره، و ليست هي ما قيل من كون الأحكام متلقّاة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، فتكون مبنية على عرف زمانه، و المتعارف في عصرهم غير متعارف عصره، مع أنّ حدوث الشرعي في قريب من عصر الصادقين عليهم السلام لا يوجب تعارفه و انتفاء تبادر ما تعارف قبله «2»، لأنّ الحكم و إن كان مخلفا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و لكن التكلّم في كلّ عصر بمتعارفه، و لذا تحمل الألفاظ المنقولة عن حقائقها اللغوية في عصر الصادقين على المنقول إليه و إن لم يعلم

النقل في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و أمّا تبادر الشرعي في زمانهم فهو ظاهر، فإنّ أمر الدراهم المسكوكة مختلف مع سائر الألفاظ، فإن السكة المتقدّمة على زمان سلطان يترك بمضي مدّة يسيرة من زمان السلطان اللاحق كما يشاهد في عصرنا.

بل الحجة هي الرضوي الذي قيّده بالوافي «3»، و قدّر وزنه بدرهم و ثلث، و به قيّده أكثر الأصحاب، كالصدوق في الفقيه و الهداية «4»، و والده، و المفيد في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    300     العاشرة: ..... ص : 292

____________________________________________________________

(1) كما في المدارك 2: 314.

(2) انظر: الحبل المتين: 177.

(3) المتقدم في ص 293.

(4) الفقيه 1: 42، الهداية: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 300

المقنعة «1»، و السيد في الانتصار «2»، و الحلّي و ابن زهرة و المحقّق و الفاضل و الشهيدين «3»، و غيرهم «4»، بل في الذخيرة: إنه المشهور «5». و نسبه بعضهم إلى أكثر الأصحاب «6»، بل في الحدائق: ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه «7».

و بذلك يجبر ضعف الرضوي، و به يقيّد سائر المطلقات.

و قيّده بعضهم بالبغلي «8»، و بعضهم بهما معا «9»، و يظهر من بعضهم الاتّفاق على التقيد بالثاني و أنّه متّحد مع الأول «10». و ظاهر الحلّي مغايرتهما «11».

و ليس على ذلك التقييد و لا على اتّحادهما حجة مقبولة، إلّا أنّ بعد حكم الجميع باتّحادهما وزنا لا تترتّب فائدة على تحقيق مغايرتهما أو اتّحادهما، و المهم تحقيق سعته التي عليها بناء العفو:

فعن العماني أنها سعة الدينار «12»، و الإسكافي أنها سعة العقد الأعلى من

______________________________

(1) المقنعة: 69.

(2) الانتصار: 13.

(3) الحلي في السرائر 1: 177، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المحقق في المعتبر 1:

429، الفاضل

في التذكرة 1: 8، الشهيد الأول في الذكرى: 16، الشهيد الثاني في روض الجنان: 165، و الروضة 1: 50، و المسالك 1: 18 و لكن الموجود في كتب الشهيد الثاني التقييد بالبغلي.

(4) كالشيخ في المبسوط 1: 36، و سلّار في المراسم: 55.

(5) الذخيرة: 158.

(6) كما في كشف اللثام 1: 51، و الرياض 1: 87.

(7) الحدائق 5: 331.

(8) كالشهيد الأول في البيان: 95، و الدروس 1: 126، اللمعة (الروضة 1): 50، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 165، و الروضة 1: 50، و المسالك 1: 18، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 12.

(9) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 51، و صاحب الرياض 1: 87.

(10) كما في الحدائق 5: 329.

(11) السرائر 1: 177.

(12) حكاه عنه في المختلف: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 301

الإبهام «1»، و بعضهم من السبابة و الوسطى «2»، و الحلّي أنّها تقرب من سعة أخمص الراحة، و لكنه ذكر أنها سعة البغلي الذي هو غير الوافي عنده «3».

و هذه التقديرات و إن كانت متقاربة إلّا أنّه ليست على شي ء منها حجة تامة.

و الاستدلال للأول: بالمروي عن مسائل علي: «و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصلّ فيه حتى تغسله» «4» ضعيف.

كالاحتجاج [للرابع ] [1] بإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك، و ليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد مع اعتضاده بالشهرة المحكية، لضعف الرواية، و خلوّها عن الجابر، و مخالفتها لروايات الدرهم ظاهرا، و عدم دليل على حجية كلّ خبر بحيث يشمل مثل ذلك أيضا، مع أنّ ما أخبر عنه الحلّي هو البغلي، و قد عرفت أن كلامه مشعر بمغايرته مع الوافي.

و بالجملة: لا حجة واضحة على تعيين سعته،

مع أنّ اختلاف سعة الدراهم المضروبة بوزن واحد أمر معلوم.

و الموافق للقواعد الأخذ بأكثر المقادير، بل أكثر ما يمكن أن يكون سعة الدرهم، إذ لأجل إجمال الدرهم تكون عمومات وجوب إزالة الدم مخصّصة بالمجمل، و العام المخصّص بالمجمل ليس بحجة في موضع الإجمال إمّا مطلقا، أو إذا كان المخصّص مستقلا، كما هو الأظهر، و المورد كذلك.

ح: عدم العفو عن مقدار الدرهم فصاعدا هل يختص بما كان مجتمعا

______________________________

[1] في النسخ الأربع: للثاني، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 59.

(2) كما في كشف الغطاء: 175.

(3) السرائر 1: 177.

(4) البحار 10: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 302

فيعفى عن المتفرّق و إن زاد المجموع عن الدرهم ما لم يبلغ واحد من المتفرقات درهما، أو يعم فلا يعفى عن الزائد مطلقا؟ الأول- و هو الأقوى- للشيخ و الحلّي و ابن سعيد و الشرائع و النافع و التلخيص و المدارك و الذخيرة و الحدائق «1»، و جعله الثاني الأظهر في المذهب، و في الذكرى: إنه المشهور «2».

لإطلاق نفي البأس في مرسلة جميل عمّا فيه الدم متفرّقا شبه النضح «3»، بل لجزئه الأخير أيضا بجعل قوله: «مجتمعا» حالا محقّقة و: «قدر الدرهم» خبرا، أو بجعل الأول خبرا [و الثاني ] [1] منصوبا بنزع الخافض أو خبرا بعد خبر.

و أظهر منه صحيحة ابن أبي يعفور بجعل: «مجتمعا» حالا محقّقة أو خبرا، أو خبرا بعد خبر «4».

و أمّا الحال المقدّرة الموجبة لسقوط الاستدلال فهي فيهما غير متصوّرة، لظهور اتّحاد زماني الاجتماع و الكون بقدر الدرهم، مع أنّ تغايرهما شرط في المقدّرة اتّفاقا. بل قد يقال بامتناع المحقّقة في الصحيحة أيضا، لامتناعها في النقط المفروضة فيها.

و يندفع بإمكان إرجاع المستتر إلى الدم

المضاف إليه دون النقط، بل هو أنسب بتذكير الحال، مع أنّ كون نقطة منها بقدر الدرهم ممكن.

و الثاني- و هو الأحوط- للديلمي و القاضي و ابن حمزة و الفاضل «5»، و نسب

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 36، النهاية: 51، الحلي في السرائر 1: 178، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 23، الشرائع 1: 53، المختصر النافع: 18، المدارك 2: 318، الذخيرة: 159، الحدائق 5: 316.

(2) الذكرى: 16.

(3) راجع ص 293.

(4) راجع ص 292.

(5) الديلمي في المراسم: 55، القاضي في المهذب 1: 51، ابن حمزة في الوسيلة: 77، الفاضل في التحرير 1: 24، و المنتهى 1: 173، و التذكرة 1: 8، و القواعد 1: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 303

إلى أكثر المتأخّرين [1]، و اختاره والدي رحمه اللّه.

للصحيحة المتقدّمة، و الجزء الأخير من المرسلة، لا بجعل: «مجتمعا» حالا مقدرة حتى يرد ما ذكر، بل بجعله حالا محقّقة مع تقدير التقدير أي حال تقديره مجتمعا، مثل زيد مفطرا أعبد منه صائما، مدّعيا كون هذا المعنى متبادرا.

و للأصل المتقدّم، و إطلاق حسنة محمد، و رواية الجعفي، و الرضوي المتقدّمة «1»، و استصحاب شغل الذمة، مع الاعتضاد بالاعتبار من عدم التفرقة بين المجتمع و المتفرّق.

و يردّ الأول: بأنه محتاج إلى تقدير لا دليل عليه، و جعل رجوع المستتر إلى النقط قرينة عليه مردود بما مرّ، و تبادر الحالية ثمَّ المحتاجة منها إلى التقدير ممنوع، و تبادرها في المثال المذكور لعدم إمكان اجتماع الحالين، و لذا لا يتبادر في غير مثله كما لو قيل- بعد السؤال عن الحوض النجس يرد عليه الماء شيئا فشيئا هل يطهره-: لا يطهره إلّا أن يرد قدر كر مجتمعا، فإنّ المتبادر

منه ورود قدر كر مجتمعا.

و البواقي: بأنّ الصحيحة و المرسلة بعد ما عرفت من تحقّق دلالتهما أخصّان مطلقا منها فيخصّصانها، و الاعتبار المذكور لا اعتبار به.

و ها هنا مذهب ثالث اختاره الشيخ في النهاية و المحقّق في المعتبر «2»، و هو:

تعليق وجوب الإزالة على التفاحش. و صرح الأكثر بعدم مستند له، و يمكن جعل الجزء من المرسلة له دليلا بتنزيل شبه النضح على غير المتفاحش، و لكنه لا يتم بعد ملاحظة المعارضات له، فتدبّر.

ثمَّ على القول بتقدير الاجتماع ففي جريانه فيما لو كانت التفرقة في أكثر من

______________________________

[1] نسبه إليهم السبزواري في الذخيرة: 159، و صاحب الحدائق 5: 315.

______________________________

(1) في ص 266، 253، 293.

(2) النهاية: 52، المعتبر 1: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 304

ثوب أو في البدن أو الثوب و البدن، و عدمه، أو انفراد كلّ منهما في حكمه، وجوه أظهرها: التقدير في الجميع.

الثاني من شرائط لباس المصلّي:

أن لا يكون جلد ميتة، فلا تجوز الصلاة فيه و لو دبغ سبعين مرة، إجماعا محقّقا و محكيا في المعتبر و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه، مع ما مرّ من نجاسته المانعة عن الصلاة فيه، بل و كذا لو قلنا بطهارته- حتى منع الإسكافي القائل بها بعد الدباغ «3»- للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة «4».

و في حكم المعلوم كونه ميتة ما لم يعلم تذكيته، كما مرّ في كتاب الطهارة سوى ما استثني فيه.

و الظاهر- كما هو مقتضى عموم أكثر الأخبار، و خصوص مرسلة ابن أبي عمير: في الميتة قال: «لا تصلّ في شي ء منه و لا شسع» «5»- عموم المنع لما لا تتمّ الصلاة فيه أيضا، كما صرّح به جماعة

«6».

و أما موثّقة الهاشمي: عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين، قال: «أمّا النعال و الخفاف فلا بأس بها» [1] فلمعارضة ما مرّ غير صالحة، مع أنّها لما سبق في بحث الجلود من عدم جواز الانتفاع بالميتة

______________________________

[1] التهذيب 2: 234- 922، الوسائل 4: 427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 3، و فيهما: المصلين بدل المسلمين.

______________________________

(1) المعتبر 2: 77، المنتهى 1: 225، التذكرة 1: 94، جامع المقاصد 2: 80.

(2) كالذكرى: 142، و روض الجنان: 212، و كشف اللثام 1: 183، و الحدائق 7: 50، و الرياض 1: 121.

(3) حكاه عنه في المختلف: 64 و 79.

(4) انظر الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1.

(5) التهذيب 2: 203- 793، الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.

(6) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 212، و صاحب المدارك 3: 161، و صاحب الرياض 1:

122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 305

مطلقا منافية، و لإرادة غير الميتة محتملة، بل عليها- جمعا- محمولة.

بل الظاهر تعدّي المنع إلى ما يصاحبه المصلّي و إن لم يكن لباسا و لا جزأه.

لا لمفهوم صحيحة عبد اللّه: يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة مسك؟ فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيا» «1» لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للتذكية، فإرادة الطهارة منها هنا كما فسّرها بها في الذكرى «2»، و إرادة الكراهة من البأس الثابت بالمفهوم حيث إنها مما لا تتم الصلاة فيه محتملة.

مع أنه لو أريد منها التذكية الشرعية، لزم التجوّز في مرجع المستتر في:

«كان» إن أرجع إلى الظبي، و في التذكية إن أرجع إلى الفأرة، و لا ترجيح لشي ء منهما على إرادة

الكراهة من البأس و الطهارة من التذكية لو كانت مجازا شرعيا فيها.

بل لموثّقة سماعة: عن تقليد السيف في الصلاة فيه الغراء و الكيمخت، قال: «لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة» [1].

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّي فيه؟ قال:

«نعم» فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت!! فقال: «و ما الكيمخت؟» فقال: «جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، فقال: «ما علمت أنه ميتة فلا تصلّ فيه» «3».

و بهما يقيّد إطلاق صحيحة علي: عن فأرة المسك يكون مع الرجل يصلّي و هي معه في جيبه أو ثيابه، فقال: «لا بأس بذلك» «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 172- 811، التهذيب 2: 205- 800، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 12، الغراء مثل كتاب ما يلصق به معمول من الجلود و قد يعمل من السمك. المصباح المنير:

446، و الكيمخت بالفتح فالسكون و فسّر بجلد الميتة المملوح- مجمع البحرين 2: 441.

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1500، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.

(2) الذكرى: 149.

(3) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4.

(4) الفقيه 1: 164- 775، التهذيب 2: 362- 1499، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 306

ثمَّ الميتة الممنوعة من الصلاة فيها هل هي عامة لما لا نفس له أيضا؟ كما عليه بعض أصحابنا «1»، لإطلاق الأخبار بل عمومها. أو مختصة بما له نفس؟ كما عليه الآخرون، لكونه المتبادر من الإطلاق، و لأنّ الميتة في مقابل المذكّى و ليس لما لا نفس له تذكية. الحقّ هو الأول، لما مرّ، و منع التبادر جدّا،

فإنّه لا يفرّق اللغة و لا العرف بين العصفور و الوزغة و السمك في عدّ غير الحي منها ميتة، و عدم اقتضاء المقابلة المذكورة لعدم الصدق، فإنّ مقتضاها كون غير المذكّى من الحيوان ميتة، و المفروض منها، و لا يجب أن يكون قابلا للتذكية و إلّا لما صدق على ميتة نجس العين و المسوخات.

نعم، الظاهر عدم التبادر في مثل القمل و الذباب و البرغوث و النمل.

مع أنه لو قلنا بالصدق أيضا، فالظاهر الاتّفاق على خروجه و عدم البأس بالصلاة فيه.

مضافا إلى أنّ التعدّي إلى كلّ ميتة إنّما هو بعدم القول بالفصل، و تحقّقه في أمثال ذلك ممنوع.

ثمَّ إنّ مثل جلد الميتة جميع أجزائها التي تحل فيها الحياة بالإجماع. دون ما لا تحلّه، فتجوز الصلاة فيه إذا كان ممّا يؤكل لحمه إجماعا، له، و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» «2».

و يجب غسل الصوف و نحوه سواء جزّ أو قلع، كما مرّ في كتاب الطهارة.

الثالث:
اشارة

أن لا يكون من جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا و لو كان ممّا يذكّى و ذكّي و دبغ، و لا في صوفه و شعره و وبره و ريشه- إلّا ما يجي ء استثناؤه-

______________________________

(1) كالبهائي في الحبل المتين: 180.

(2) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 4: 457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 307

بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا بل متواترا «1»، بل الظاهر أنه من شعار الشيعة يعرفهم به العامة، و هو الحجة في المقام.

مضافا إلى المستفيضة:

منها: رواية عليّ بن أبي حمزة: عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال: «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه

ذكيّا» قال: قلت: أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟

فقال: «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه» قلت: و ما [1] يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال:

«لا بأس بالسنجاب، فإنه دابّة لا تأكل اللحم و ليس هو ممّا نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «2».

و صحيحة الأحوص: عن الصلاة في جلود السباع، فقال: «لا تصلّ فيها» «3».

و موثّقتي سماعة و ابن بكير:

الاولى: عن لحوم السباع و جلودها، إلى أن قال: «و أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيها» «4».

و الثانية: من الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إن الصلاة في كلّ شي ء

______________________________

[1] في التهذيب: و ما لا يؤكل ..

______________________________

(1) نقله في المنتهى 1: 226، و التذكرة 1: 94، و شرح القواعد 2: 81، و المدارك 3: 161، و المعتبر 2: 78، 81، و عن الخلاف 1: 63 و 511، و الغنية (الجوامع الفقهية): 555، و نهاية الإحكام للفاضل 1: 373، و روض الجنان: 213، و السرائر 1: 262 و غيرها. منه رحمه اللّه تعالى.

(2) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 3، التهذيب 2: 203- 797، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 3.

(3) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، التهذيب 2: 205- 801، الوسائل 4: 354 أبواب لباس المصلي ب 6 ح 1.

(4) الفقيه 1: 169- 801، التهذيب 2: 205- 802، الوسائل 4: 353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 308

حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده

و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحل اللّه أكله- إلى أن قال- و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسدة ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» «1».

و مرسلة الفقيه: «يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه» «2».

و المروي في العلل: «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأن أكثرها مسوخ» «3».

و ضعف سند بعضها كاختصاص طائفة منها بالسباع غير ضائر، لانجبار الأول بالعمل، و الثاني بالإجماع المركّب.

و صحيحة ابن مهزيار: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب عليه السلام: «لا تجوز» «4» و قريبة منها رواية الأبهري «5». إلى غير ذلك.

و لا ينافيه خبر الوشّاء: « [كان أبو عبد اللّه عليه السلام ] يكره الصلاة في شعر و وبر كل شي ء لا يؤكل لحمه» [1] للأعميّة، حيث إنّ الكراهة في اللغة أعم

______________________________

[1] التهذيب 2: 209- 820، علل الشرائع: 342- 2، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 4: 265- 824، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 6.

(3) علل الشرائع: 342- 1، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 7.

(4) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65

ح 9، التهذيب 2: 206- 806، الاستبصار 1: 383- 1451، الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.

(5) التهذيب 2: 206- 805، الاستبصار 1: 383- 1452، الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 309

من الحرمة.

و لا صحيحة ابن يقطين: عن لباس الفراء [و السمّور] و الفنك و الثعالب و جميع الجلود، قال: «لا بأس بذلك» [1] لعدم دلالتها على انتفاء البأس في الصلاة فيها.

و لا مطلقات نفي البأس عن الصلاة فيما يشترى في السوق أو سوق المسلمين أو بلد غالب أهله المسلمون حتى تعلم أنه ميتة «1»، للإجماع على اختصاصها بالمأكول باعتبار السوق و الإسلام، و أنّ كل غير مأكول شك فيه من هذه الجهة كالسمور و الثعلب لا يصير سوق المسلمين و الإسلام سببا لحلية الصلاة فيه.

كما لا ينافي الإجماع ما يظهر من المعتبر من الميل إلى العمل بصحيحة ابن يقطين في الصلاة أيضا [2]، لشذوذه، مع احتمال أن يكون تجويزه العمل في السمور و الثعالب و السنجاب و الفنك خاصة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الاولى:

لو علّق شي ء من فضلات ما لا يؤكل بالثوب كالشعرة الملقاة عليه، لا تجوز الصلاة فيه على الأصح، وفاقا لجماعة منهم المحقّق الثاني و المحدّث المجلسي- رحمه اللّه- و الفاضل الخوانساري «2».

لا لما دلّ على عدم جواز الصلاة في وبر ما لا يؤكل و شعره، لعدم تحقّق

______________________________

[1] التهذيب 2: 211- 826، الاستبصار 1: 385- 1560، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: السنّور، و ما أثبتناه من المصادر.

[2] المعتبر 2: 87. قال بعد نقل تلك الرواية، و صحيحة الحلبي الواردة في السمّور و

السنجاب و الثعالب و أشباه الفراء: و طريق هذين الخبرين أقوى و لو عمل بهما عامل جاز، لكن على الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي ب 55.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 81، المجلسي في البحار 80: 221، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 310

الظرفية المستفادة من لفظة: «في» في المورد.

و لا لموثقة ابن بكير، حيث إن ذكر البول و نحوه ينفي إرادة الظرفية و يعيّن مطلق الملابسة قطعا، لاحتمال أن يكون المعنى المجازي هو نوع خاص من الملابسة و هو ما يتلطّخ أو يتلوّث به اللباس دون مطلق التعلّق و المصاحبة، كما فرّق فيه بعضهم، منهم والدي العلّامة- رحمه اللّه- في المعتمد «1».

بل لرواية إبراهيم بن محمد: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب: «لا تجوز الصلاة فيه» «2».

و ضعف سندها عندنا غير ضائر، مع أنّه بالشهرة المحكية في البحار «3»، و بعض آخر من الأجلّة منجبر «4».

و تؤيّده أيضا أخبار المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت وبر الأرانب و فوقه «5».

خلافا للشهيدين و المدارك «6»، و بعض آخر «7»، و نسبه والدي- رحمه اللّه- إلى أكثر الثالثة، فخصّوا المنع بالملابس، للأصل.

و صحيحة الصهباني، المكاتبة: هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: «لا تحلّ الصلاة في الحرير

______________________________

(1) و كذا الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 110.

(2) التهذيب 2: 209- 819، الاستبصار 1: 384- 1455، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي

ب 2 ح 4.

(3) البحار 80: 223.

(4) كما في المعتبر 2: 82.

(5) انظر: الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(6) الشهيد الأول في الذكرى: 146، الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و روض الجنان: 214، المدارك 3: 165.

(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 311

المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه» «1».

و مكاتبة عليّ بن ريّان: هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه من شعر الإنسان و أظفاره قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع: «تجوز» «2».

و نحوهما صحيحته الأخرى، إلّا أنها تتضمّن شعر المصلّي و أظفاره «3».

و يضعّف الأول: باندفاعه بما مرّ.

و الثاني- مع كونه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بما لا تتمّ الصلاة فيه، و عدم ثبوت الإجماع المركّب-: بأنه لمّا لم يمكن إرادة الحقيقة اللغوية التي هي الطهارة من التذكية، لعدم اشتراطها في غير الساتر إجماعا، و مجازها متعدّد، فكما يمكن أن يكون المراد منها مطلق الذبح الشرعي و إن ورد على غير المأكول كما استعملها فيه في موثّقة ابن بكير، يمكن أن يكون الذبح الوارد على خصوص مأكول اللحم كما خصّا به في رواية عليّ بن أبي حمزة، و لا مرجّح لأحد المجازين.

بل يمكن أن يكون المراد منه كونه من مأكول اللحم مطلقا و إن لم يذكّ. بل الظاهر تعيّن ذلك المعنى، للإجماع من غير الحنبلي على عدم اشتراط التذكية المطلقة أيضا.

مع أنه لو سلّمت دلالتها و تعارضها مع ما مرّ، لكان الترجيح لما مرّ، لمخالفة العامة- كما صرّح بها الجماعة- و يستفاد من قوله: «من غير تقية» بل هو معلوم قطعا، حيث إنهم يجوّزون في الملابس فكيف بما عليها

«4».

مضافا إلى مرجّحات أخر اجتهادية كالشهرة المحكية، و الرواية مشافهة التي هي أرجح من المكاتبة بوجوه عديدة سيما إذا كانت موافقة للعامة، و أظهرية

______________________________

(1) التهذيب 2: 207- 810، الاستبصار 1: 383- 1453، الوسائل 4: 377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.

(2) التهذيب 2: 367- 1526، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 2.

(3) الفقيه 1: 172- 812، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 1.

(4) انظر الأم للشافعي 1: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 312

الدلالة.

و الثالث: باختصاصه بشعر الإنسان و ظفره، فلا يفيد في التعميم، و ظاهر جماعة منهم: الشهيد الثاني و المحقّق الخوانساري: جواز الفصل «1»، بل تحقّقه، بل قد يقال بخروج الإنسان من أخبار المنع رأسا بحكم تبادر غيره ممّا لا يؤكل «2».

و لكنه في محل المنع.

و كيف كان فلا ينبغي الريب في استثناء ما دلّت عليه الصحيحة من ظفر الإنسان و شعره، بل جميع فضلاته الطاهرة من لبنه و عرقه و وسخه و بصاقه و مخاطه و مذيه و وذيه و دمعة، من نفسه و غيره، لما مرّ، و للزوم العسر و الحرج في الأكثر.

و رواية الكفرثوثي و فيها- بعد السؤال عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب-:

«إن كان من حلال فصلّ فيه» «3».

و صحيحة ابن عمّار في عرق الحائض «4»، و حسنة زرارة في المذي و الوذي «5».

و قد ورد في المستفيضة أنّ المذي بمنزلة البصاق و المخاط «6»، فيثبت الحكم فيهما أيضا.

و ما دلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي تقيّأ فيه «7» و على صحة الصلاة في

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(2) انظر الحواشي على

شرح اللمعة: 187.

(3) الذكرى: 14، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12.

(4) التهذيب 1: 269- 793، الاستبصار 1: 186- 649، الوسائل 3: 450 أبواب النجاسات ب 28 ح 4.

(5) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، التهذيب 1: 21- 52، الاستبصار 1: 94- 305، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.

(6) انظر الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 و ج 3: 426 أبواب النجاسات ب 17.

(7) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 13، التهذيب 2: 358- 1484، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 313

ثوب الغير مطلقا، و ثوب المرأة كما في صحيحة العيص «1».

و لموثّقة الساباطي: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي أو ترضعه و هي تتشهّد» «2» فإن الإرضاع لا ينفك عن وصول بصاق الصبي إلى ثدي امّه.

و رواية الحسين بن زرارة: عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ سنّ ميت مكانه، قال: «لا بأس» «3».

و الظاهر أنّ السنّ المأخوذ ليس بحيث يقلع في أوقات الصلاة.

و ما دلّ على جواز البكاء في الصلاة «4».

بل الظاهر إجماع المسلمين، بل الضرورة على عدم التجنّب من ذلك في الصلاة، كما يظهر من ملاحظة مصافحاتهم و معانقاتهم و مضاجعاتهم مع زوجاتهم سيما في الأيام الحارّة، و لبسهم ثياب غيره و هكذا.

نعم، لو نسج ثوب من شعر إنسان أو شبه قلنسوة من ذوائبه فالظاهر المنع.

و الظاهر عدم المنع في وصل شعره بشعره مطلقا و لو كان كثيرا.

فروع:

أ: لا بأس باستصحاب شي ء ممّا لا يؤكل في الصلاة من غير تعلّق و استمساك و تشبّث له بالثوب أو البدن، كعروة السيف المقلّد

و عروة السكّين، للأصل، و عدم دلالة أخبار المنع على مثل ذلك، و قد صرّح بمثله والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

و فيما يماسّ الثوب من غير تشبّث له به- كقطعة من العاج في الجيب أو على المنطقة- تردد، و الأظهر الجواز، و الأحوط المنع. و لو فصل بينه و بين الثوب بشي ء،

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 19، الفقيه 1: 166- 781، التهذيب 2: 364- 1511، الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.

(2) التهذيب 2: 330- 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.

(3) التهذيب 9: 78- 332، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 12.

(4) انظر الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 314

زال المنع قطعا.

ب: هل تجوز الصلاة على فرش من جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره؟

الظاهر نعم، للأصل، و عدم صدق كونه على الثوب بل الثوب عليه، و لم يثبت المنع في مثل ذلك.

ج: لو وصل مثل عرق غير المأكول أو لبنه ثوبا، يزول المنع بجفافه لو لم تبق منه عين، و لو بقيت يزول بزواله بالفرك و نحوه، و لا يحتاج إلى الغسل.

الثانية:

لا فرق في الملابس بين ما تتم الصلاة فيه و ما لا تتم [1]، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة «1»، لصحيحة ابن مهزيار و رواية الأبهري المتقدّمتين «2»، بل جميع روايات المنع، لعدم اختلاف الظرفية بتمامية الصلاة فيه و عدمها، فليست العمامة ممّا يصلّي فيها دون القلنسوة، فلا حاجة إلى ضمّ الإجماع المركّب في الجلد إلى الوبر، أو غير التكة و القلنسوة إليهما، لتطرّق المنع في الإجماع

المذكور في الجملة.

خلافا لجماعة منهم والدي رحمه اللّه، فجوّزوا الصلاة في التكة و القلنسوة المعمولتين، أو مع ضمّ الجورب، أو ما لا تتم الصلاة فيه مطلقا المعمولة من وبر ما لا يؤكل، أو من الجلد أيضا، مع التصريح بالكراهة أو بدونه «3».

و منهم من تردّد في الجواز و عدمه مع جعل الأحوط المنع «4»، أو بدونه «5».

______________________________

[1] فلا تصح الصلاة في قلنسوة من جلد ما لا يؤكل أو وبره أو تكة أو خفّ أو نعل منه. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 82، و المحقق الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 186، و صاحب الرياض 1: 122.

(2) في ص 308.

(3) انظر: المبسوط 1: 84، و المنتهى 1: 227، و المفاتيح 1: 109.

(4) كما في المنتهى 1: 227، و التحرير 1: 30، و المدارك 3: 167.

(5) كما في النهاية: 98، و الرياض 1: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 315

للأصل المندفع بما مرّ.

و صحيحة الصهباني المجاب عنها بما ظهر «1».

و خبر ابن الصلت: سأل [أبا الحسن الرضا] [1] عليه السلام عن أشياء منها الخفاف عن أصناف الجلود، فقال: «لا بأس بهذا كله إلّا الثعالب» «2».

و هو مع عدم ذكر الصلاة فيه و موافقته للعامة أعم مطلقا من بعض روايات المنع، فيجب تخصيصه به.

و الرضوي: «و قد تجوز الصلاة فيما [لم ] تنبته الأرض و لم يحل أكله، مثل السنجاب و الفنك و السمور و الحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة» [2].

و هو ضعيف لا يصلح للمعارضة مع الأخبار المعتبرة.

فرع

: في حكم الملابس أجزاؤها المتصلة بها و إن كانت صغيرة، لفحوى رواية إبراهيم، المتقدّمة «3»، و مرفوعة أحمد: «في الخزّ

الخالص أنه لا بأس به، و أمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه» «4».

الثالثة:

لو مزج صوف ما لا يؤكل أو نحوه مع نحوه ممّا يؤكل و نسج منه ثوب، لا تجوز الصلاة فيه، للفحوى و المرفوعة المتقدّمتين. و ما يجوّز بظاهره الصلاة في الخزّ المخلوط سيأتي دفعه.

الرابعة:

لو شكّ في الجلد أو غيره أنه من المأكول أو غيره، قال في المنتهى:

______________________________

[1] في النسخ: الصادق، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

[2] فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) راجع ص 310 و 311.

(2) التهذيب 2: 369- 1533، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.

(3) في ص 310.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212- 830، الاستبصار 1:

387- 1470، الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 316

إنه لا تجوز الصلاة فيه- و هو بإطلاقه شامل لما إذا كان الشك لأجل التردّد في أنه من أيّ حيوان، أو في أنّ هذا الحيوان الذي هو منه هل هو مأكول اللحم أم لا- و استدلّ: بأنّ الصلاة مشروطة بالستر بما يؤكل، و الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط «1».

و ردّ بمنع الاشتراط، بل الشرط الستر و الأصل فيه الإطلاق، و أخبار المنع دلّت على فساد الصلاة أو عدم جوازها فيما لا يؤكل، و هي لا تدلّ إلّا على الفساد فيما علم أنه ممّا لا يؤكل «2».

و أجيب بأن معنى: كلّ ما يحرم أكله- كما في الموثّقة «3»- ليس إلّا ما كان كذلك واقعا من غير مدخلية للمعلومية في معناه، مع أنّ الواجب تحصيل البراءة اليقينية «4».

أقول: نظر الرادّ إلى أنّ

النهي لمّا كان تكليفا و هو مشروط بالعلم قطعا فلا مفرّ من تقييد النواهي به، و نظر المجيب إلى أنه إنّما هو فيما يتضمّن النهي، و لكن قوله في الموثّقة: «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء- إلى قوله-: لا تقبل تلك الصلاة» إخبار عن الواقع و ليس أمرا و لا نهيا، فلا دليل على تقييده، فيجب إبقاؤه على إطلاقه، و بملاحظة وجوب تحصيل البراءة اليقينية لا يبرأ إلّا بالصلاة فيما علم أنّه ليس ممّا [لا] [1] يؤكل.

ثمَّ أقول: إن الجواب إنما يتم لو لا المعارض للموثّقة، و لكن تعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين «5»، و فيما

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء الكلام.

______________________________

(1) المنتهى 1: 231.

(2) كما في المدارك 3: 167، و الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(3) المتقدمة في ص 307.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 317

يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة «1»، و تعارضهما بالعموم من وجه، و الأصل مع الجواز، فهو الأظهر، كما عليه جماعة ممّن تأخّر منهم صاحب المدارك و الأردبيلي و الخوانساري و المجلسي «2»، و والدي العلّامة رحمه اللّه.

و يؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس، بل إجماع المسلمين، حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب- المعمولة من الصوف و الوبر و الشعر من الفراء و السقر لاب، و ما عمل لغمد السيف و السكين- ممّا يؤكل جزما، و مع ذلك يلبسها و يصاحبها الناس من العوام و الخواص في جميع الأمصار و الأعصار و يصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار، بل لولاه لزم العسر و الحرج في الأكثر.

و

تدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه «3».

بل لنا أن نقول: إنّ قوله في الموثّقة: «كلّ شي ء حرام أكله» يتضمّن الحكم التكليفي، فيقيّد بالعلم قطعا، أي كلّ شي ء علمت حرمة أكله، إذ لا حرمة مع عدم العلم، بل نقول: إنّ ما حرم أكله ليس إلّا ما علمت حرمته، لحلّية ما لم يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم.

ثمَّ إنّ ذلك إنما هو إذا أخذ من يد أحد أو وجد جزء الحيوان و لم يمكن الفحص عن حال الحيوان، و أمّا لو كان هناك حيوان مشكوك فيه، فيرجع فيه إلى قاعدة حلّية اللحم و حرمتها مع الشك، كما يأتي في باب المطاعم و المشارب- إن شاء اللّه- مع زيادة بيان لما ذكر أيضا.

الخامسة:

إطلاق كثير من الفتاوى و إن يشمل ما لا نفس له أيضا كأكثر

______________________________

(1) التهذيب 2: 368- 1532، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 3.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 2: 95، المدارك 3: 167، البحار 80: 222، الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(3) الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 318

الأخبار فلا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه منه أيضا، إلّا أنّ الظاهر أنّ مرادهم غير مثل القمّل و البقّ و البرغوث و الذباب و الزنبور و النحل، لعدم تبادر ما لا يؤكل لحمه من أمثالها، بل لا لحم لها حتى يصدق ذلك عليها، فلا تشملها الأخبار المانعة عن الصلاة في فضلات ما لا يؤكل لحمه أيضا «1»، فتكون باقية تحت الأصل.

و أمّا قوله في آخر الموثّقة: «و إن كان غير

ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله» إلى آخره حيث لم يقيّد باللحم فهو و إن شملها ظاهرا، إلّا أنّ ظاهر قوله فيها أخيرا: «ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» أنه فيما من شأنه ورود الذبح عليه، فإنّه لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلّا فيما يصلح له.

مع أنه على فرض الشمول يجب الحكم بالخروج، بالإجماع القطعي في مثل دم البراغيث و القمل و البق و فضلة الذباب و نحوها، و يلزم العسر و الحرج الشديدين لولاه.

و بصحيحة الحلبي: عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: «لا و إن كثر» «2».

و صحيحة ابن مهزيار: عن الصلاة في القرمز و إنّ أصحابنا يتوقّفون فيه، فكتب: «لا بأس به مطلق» «3» و قد ذكروا أنّ القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم «4».

و المروي في نوادر الراوندي: «عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال

______________________________

(1) الوسائل 3: 404 أبواب النجاسات ب 8.

(2) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 8، التهذيب 1: 259- 753، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 7.

(3) الفقيه 1: 171- 806، التهذيب 2: 363- 1502، الوسائل 4: 435 أبواب لباس المصلي ب 44 ح 1.

(4) كما في القاموس المحيط 2: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 319

الخنافس و دماء البراغيث، فقال: «لا بأس» «1».

فروع:

أ: الممنوع من الصلاة فيه ما كان ممّا حرم أكله و نهي عنه، كما صرّح به في الموثّقة، فلا منع فيما يكره و ما لا يعتاد في بعض البلاد، بل المراد من قوله: «ما لا يؤكل لحمه» «2» الوارد في بعض الأخبار أيضا ما ليس بحلال بقرينة قوله

في الموثّقة:

«حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله».

ب: لو حمل حيوانا غير مأكول فالمصرّح به في كلام جماعة عدم بطلان الصلاة به «3»، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حمل امامة و هو يصلّي «4»، و ركب الحسين على ظهره و هو ساجد، و هذه الحكاية نقلها الفريقان «5»، و مع ذلك تدلّ عليه موثّقة الساباطي، المتقدّمة «6»، و صحيحة مسمع «7»، إلّا أنّ جميع ذلك في خصوص الإنسان دون غيره، إلّا أن يطّرد الحكم بعدم ظهور أدلّة المنع في مثل ذلك، و هو كذلك.

ج: لو وضع شيئا ممّا لا يؤكل في فيه، كسنّ حيوان غير مأكول مكان سنّه، فالظاهر عدم البطلان، لأنّ الثابت من أدلّة المنع إنّما هو فيما كان على الثوب أو ظواهر البدن، و أمّا مثل باطن الفم فلا. و مطلقات منع الصلاة فيما لا يؤكل قد عرفت عدم دلالتها.

تتميم

: الصدف حيوان لا يؤكل لحمه، لصحيحة علي: عن اللحم الذي

______________________________

(1) بحار الأنوار 80: 260- 9.

(2) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(3) كما في التذكرة 1: 96.

(4) صحيح مسلم 1: 385.

(5) انظر المناقب 4: 71، و مسند أحمد 2: 513.

(6) راجع ص 313.

(7) التهذيب 2: 329- 1350، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 320

يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال: «ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله» «1».

و صرّح الأطبّاء في كتبهم بكونه حيوانا، و أثبتوا للحمه خواصّا، و قد أخبر عنه التجّار و الغوّاصون أيضا.

و لذلك استشكل بعضهم في الصلاة في اللؤلؤ لكونه جزءا من الصدف.

و أجاب عنه في البحار بمنع كونه جزءا من ذلك الحيوان،

و الانعقاد في جوفه لا يستلزم الجزئية، بل الظاهر أنه ظرف لتولّد ذلك.

و بمنع الإشكال فيما لا نفس له ممّا لا يؤكل، مع أنه لو سلّم الجميع لوجب الحكم باستثنائه، لقوله سبحانه وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها «2» و شيوع التحلّي بها في أعصار الأئمة مع عدم ورود منع في خصوصه، و لو كان ممنوعا لورد المنع منه «3».

و ضعف غير الأخير ظاهر.

و يمكن الاستناد في الاستثناء بعمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير نكير، مع أنه في بعض الروايات أنه كان لسيدة النساء عليها السلام قلادة فيها سبعة لآلي «4».

السادسة:

قد استثني ممّا لا يؤكل لحمه أمور:

منها: الخز، و استثناء وبره الخالص مجمع عليه، و في المنتهى و التذكرة

______________________________

(1) الكافي 6: 221 الصيد ب 12 ح 11، التهذيب 9: 12- 46، قرب الإسناد: 279- 1109، الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1.

(2) النحل: 14.

(3) البحار 80: 172.

(4) المنتخب للطريحي: 64، و نقله في البحار 45: 189 عن بعض مؤلفات الأصحاب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 321

و المعتبر و شرح القواعد و البحار «1»، و عن نهاية الاحكام و الذكرى «2»، و غيرهما «3»:

دعوى الإجماع عليه، و في التنقيح نفي الخلاف عنه «4»، فهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة، منها: رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: «لا بأس بالصلاة فيه- إلى أن قال-: فإن اللّه تبارك و تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «5».

و رواية يحيى بن عمران: في السنجاب و الفنك و الخزّ، و قلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطّه: «صلّ فيها»

«6».

و موثّقة معمّر: عن الصلاة في الخز، فقال: «صلّ فيه» «7».

و في صحيحة الجعفري: «إنّ أبا الحسن الرضا عليه السلام صلّى في جبّة خزّ» «8».

و في رواية ابن مهزيار: «إنّ أبا جعفر الثاني صلّى الفريضة و غيرها في جبّة خزّ و أمر بالصلاة فيها» «9».

______________________________

(1) المنتهى 1: 231، التذكرة 1: 95، المعتبر 2: 84، جامع المقاصد 2: 78، البحار 80:

219.

(2) نهاية الاحكام 1: 374، الذكرى: 144.

(3) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، و الرياض 1: 124، و الحدائق 7: 60.

(4) التنقيح الرائع 1: 178.

(5) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

(6) الفقيه 1: 170- 804، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 6، و فيهما: عن يحيى بن أبي عمران.

(7) التهذيب 2: 212- 829، الوسائل 4: 360 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5.

(8) الفقيه 1: 170- 802، التهذيب 2: 212- 832، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 1.

(9) الفقيه 1: 170- 803، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 322

و في مجالس ابن الشيخ: إنّ الرضا عليه السلام خلع على دعبل قميصا من خزّ و قال: «صلّيت فيه ألف ليلة في كلّ ليلة ألف ركعة» «1».

و مرفوعتي أحمد و النخعي: «في الخز الخالص أنه لا بأس به، فأمّا الذي خلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه» «2».

و مقتضى الأخيرتين: اختصاص الاستثناء بالخالص من الاغتشاش بوبر ما لا يؤكل لحمه أو شعره أو صوفه. و في المنتهى «3»، و عن الخلاف و

الغنية الإجماع عليه في الجملة «4».

و يدلّ عليه أيضا الرضوي المنجبر: «و صلّ في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب» «5».

و أمّا رواية الصرمي «6» المجوّزة للصلاة في المغشوشة فلا تصلح لمعارضة ما ذكر، لضعفها بمخالفتها للعمل، و موافقتها للعامة.

و قول الصدوق «7» بالرخصة فيها شاذّ، و إرادته الرخصة في حال الضرورة ممكنة.

و الحقّ استثناء جلده أيضا، وفاقا للأكثر، كما صرّح به جماعة «8»، لإطلاق

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 369، الوسائل 4: 99 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 30 ح 7.

(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212- 830، 831، الاستبصار 1:

387- 1469، 1470، علل الشرائع: 357- 2، الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

(3) المنتهى 1: 231.

(4) الخلاف 1: 512، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(5) فقه الرضا: 157، مستدرك الوسائل 3: 202 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

(6) الفقيه 1: 170- 805، التهذيب 2: 212- 833، الاستبصار 1: 387- 1471، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 2.

(7) كما في الفقيه 1: 171.

(8) منهم صاحب الرياض 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 323

الروايات الثلاث الأول، بل خصوص الاولى منها، للتصريح فيها بالذكاة، و هي إنّما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر ممّا لا تحلّه الحياة.

و تقييد الإطلاق بالوبر- كما قيل «1»- لا وجه له، و دعوى التبادر ممنوعة جدا.

و صحيحة سعد: عن جلود الخز، فقال: «هو ذا نحن نلبس» فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: «إذا حلّ وبره حل جلده» «2». و عموم التلازم في الجواب يثبته في الصلاة أيضا، فعدم التصريح فيها بالإذن في الصلاة لا ضير فيه.

و صحيحة البجلي: عن جلود

الخزّ، فقال: «ليس بها بأس» «3». نفى فيها مطلق البأس عنها، و منه البأس في الصلاة فيها.

خلافا للسرائر و المنتهى و التحرير «4»، فخصّوا الاستثناء بالوبر، لعموم المنع من جلد ما لا يؤكل «5».

و التوقيع المروي في الاحتجاج فيما سئل عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام: إنه روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقّع: «يجوز» و روي عنه أيضا: أنه لا يجوز، فأيّ الأمرين يعمل به؟ فأجاب عليه السلام: «فإنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فحلال» و في بعض النسخ: «فأمّا الأوبار فكلّها حلال» «6».

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 124.

(2) الكافي 6: 452 الزي و التجمل ب 9 ح 7، التهذيب 2: 372- 1547، الوسائل 4: 366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357- 1، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(4) السرائر 1: 261 و 262، المنتهى 1: 231، التحرير 1: 30.

(5) الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(6) الاحتجاج: 492، الوسائل 4: 366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 324

و العموم مدفوع بما مرّ، و التوقيع بعدم الدلالة، إذ التحريم بوبر و جلد معيّن كما يفيده قوله: «هذه» لا يثبته في غيره، فلعلّه عليه السلام أراد المنع عمّا يؤخذ من أيدي هؤلاء المجوّزين لاستعمال ذبيحة الكفّار، و لذا جوّز منها الأوبار.

ثمَّ إنّه اختلفت الأخبار و كلمات أهل الفقه و اللغة في حقيقة الخزّ، و لكن المعلوم اختلافه إنّما هو التعبير و لم يتحقّق اختلاف المعنى، و يمكن أن

تكون العبارات باختلافها واردة على مصداق واحد.

ففي رواية ابن أبي يعفور المتقدم بعضها: «إنه دابّة تخرج من الماء .. و إنه دابّة تمشي على أربع» «1».

و في روايته الأخرى: عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «2».

و في صحيحة البجلي: عن جلود الخزّ- إلى أن قال-: جعلت فداك إنّها في بلادي و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من الماء تعيش خارجه؟» فقال الرجل: لا، فقال: «لا بأس» «3».

و في رواية حمران: عن الخزّ، فقال: «سبع يرعى في البر و يأوي في الماء» «4» و صرّح في العلل أيضا بأنه كلب الماء «5».

و لا شك أنه لا تنافي بين هذه الروايات، و المستفاد منها أنه كلب الماء.

و أمّا كلمات القوم ففي بعضها: إنه القندس «6»، و صرّح بعضهم أنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

(2) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357- 1، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 2.

(5) علل الشرائع: 357.

(6) انظر السرائر 3: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 325

القندس هو كلب الماء «1»، و في آخر: إنه ما خصيته جند بيد ستر [1]، و قد اشتهر أنه خصية كلب الماء.

فلم يعلم اختلاف فيه نصّا أو فتوى، و الظاهر أنه كلب

الماء، كما لم يعلم اختلاف ذلك المصداق مع ما يسمّى في هذا الزمان خزا فيجب فيه الحكم باتّحادهما، تمسّكا بأصالة عدم النقل و عدم التعدّد و عدم التغيّر.

و أمّا ما قيل من أنّ المستفاد من الأخبار أنّهم كانوا ينسجون الثياب من صوف الخز و وبره و كان ذلك شائعا، و الخزّ المعروف الآن كأنّه لا يصلح لذلك [2]، ففيه: منع عدم الصلاحية، بل يصير صالحا بالغزل كما في شعر الغنم، مع أنّ المذكور في الأخبار كونه معمولا من وبره، و صلاحيته للغزل ظاهر جدّا.

ثمَّ هل هو مأكول اللحم أم لا؟ مقتضى الجمع بين الأخبار، بل صريح بعضها كما مرّ، و إليه أشار بعض المتأخّرين «2»: أنه على نوعين: مأكول و غير مأكول، و الاستثناء في الثاني مخصوص بالجلد و الوبر، و في الأول يعم كلّ ما لا روح له منه خاصة مع عدم التذكية و جميع أجزائه معها، و مع الشك في التذكية يرجع إلى القاعدة المتقدمة في كتاب الطهارة، و مع الشك في كون جلد خز من قسم المأكول أو غيره يرجع إلى قاعدة الشك في مأكول اللحم و غيره، فتحلّ الصلاة فيما أخذ من يد المسلمين و سوقهم، فتجوز الصلاة في بعض جلود الخز التي عليه ذنب فيه عظم إذا أخذ من المسلم أو سوقه لذلك.

و توهّم أنّ استثناء القوم الخز يدلّ على كونه غير مأكول مطلقا فاسد، لأنّ الاستثناء يتمّ على كون بعض أفراده غير المأكول بل على الفرض و التقدير مطلقا.

______________________________

[1] حكاه عن القانون في كشف اللثام 1: 181. جند بيدستر اسم مركب من جند- معرّب گند- و هو الخصية، و بيدستر و هو كلب الماء.

[2] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) نسبه

إلى البعض في كشف اللثام 1: 181.

(2) كما في الحدائق 7: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 326

و منها: السنجاب. فتجوز الصلاة في وبره و جلده، وفاقا للمقنع «1»، و المبسوط نافيا عنه الخلاف «2»، و صلاة النهاية و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد و المنتهى و التلخيص و الشهيدين «3»، و جعله الصدوق في أماليه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به «4». و نسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب، و الرواية الدالّة عليه إلى الاشتهار «5»، و في شرح القواعد إلى كبرائهم «6»، و في الذخيرة «7» و غيره «8» إلى المشهور بين المتأخّرين، و هو كذلك، بل كما قيل: لعلّه عليه [عامتهم ] غير نادر منهم [1].

للأصل، و النصوص المستفيضة، كروايتي عليّ بن أبي حمزة و يحيى بن عمران، المتقدّمتين «9».

و صحيحة أبي عليّ بن راشد و فيها: «فصلّ في الفنك و السنجاب، و أما السمّور فلا يصلّى فيه» قلت: فالثعالب يصلّى فيها؟ قال: «لا» «10».

و رواية مقاتل: عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعلب، فقال: «لا

______________________________

[1] كما في الرياض 1: 124، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المقنع: 24.

(2) المبسوط 1: 82.

(3) النهاية: 97، المعتبر 2: 85، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، المنتهى 1: 228، الشهيد الأول في الذكرى: 144، و الدروس 1: 150، و البيان: 120، الشهيد الثاني في روض الجنان: 207، و المسالك 1: 23، و الروضة 1: 206.

(4) أمالي الصدوق: 513.

(5) المنتهى 1: 228.

(6) جامع المقاصد 2: 79.

(7) الذخيرة: 226.

(8) كالحدائق 7: 68.

(9) في ص 307 و 321.

(10) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 14، التهذيب 2: 210- 822،

الاستبصار 1:

384- 1457، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 327

خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب» «1».

و رواية الوليد: أصلّي في الفنك و السنجاب؟ قال: «نعم» فقلت: يصلّي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: «لا تصلّ فيها» «2».

و رواية بشير: عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمّور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلّي فيه لغير تقية؟ فقال: «صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور» «3».

و صحيحة الحلبي: عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه، قال: «لا بأس بالصلاة فيه» «4».

و ضعف إسناد بعضها غير ضائر، و لو كان فبما مرّ منجبر، و تضمّن بعضها لما لا يقولون به لا يضرّ.

خلافا للمحكي عن الشيخ في قوله الآخر في أطعمة النهاية «5»، و عن المختلف و نهاية الإحكام «6»، و الحلّي و القاضي «7»، و ظاهر الإسكافي «8»، و الحلبي

______________________________

(1) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 16، التهذيب 2: 210- 821، الاستبصار 1:

384- 1456، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 2: 207- 811، الاستبصار 1: 382- 1450، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 7.

(3) التهذيب 2: 210- 823، الاستبصار 1: 384- 1458، مستطرفات السرائر: 66- 6، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 4.

(4) التهذيب 2: 210- 825، الاستبصار 1: 384- 1459، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.

(5) النهاية: 586.

(6) المختلف: 79، نهاية الإحكام 1: 375.

(7) الحلي في السرائر 1: 262، القاضي في المهذب

1: 75، و شرح الجمل: 74.

(8) حكاه عنه في المختلف: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 328

و السيد و ابن زهرة و المفيد «1»، و الخلاف و الجمل و الاقتصاد و المصباح «2» و مختصره، إلّا أنّ بعض الأجلّة حكى عن غير الخمسة الأولى الاحتياط بالمنع «3». و نسب المنع في شرح القواعد إلى ظاهر قول الأكثر «4»، و عن الذكرى و روض الجنان: نسبته إلى الأكثر «5»، و عن ابن زهرة: دعوى الإجماع عليه «6»، و عن التحرير و القواعد و الإيضاح و الصيمري: التردّد «7»، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.

و صرّح بالتوقّف شيخنا البهائي «8».

كلّ ذلك لموثّقة ابن بكير، المتقدّمة «9»، و العمومات «10»، و الرضوي: «و لا تجوز الصلاة في سنجاب و سمّور و فنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك» «11».

و عن موضع آخر منه: «و إن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك و أردت الصلاة فيه فانزعه» [1].

و المروي في العلل: «و علّة أن لا يصلّى في السنجاب و السمور و الفنك قول

______________________________

[1] لم نعثر عليه في فقه الرضا عليه السلام، و لكنه موجود في الفقيه 1: 170 نقلا عن والده في رسالته.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 140، حكاه القاضي عن جمل السيد في شرحه: 74، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المفيد في المقنعة: 150.

(2) الخلاف 1: 511، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 177، الاقتصاد: 259، مصباح المتهجد: 25.

(3) كما في كشف اللثام 1: 182.

(4) جامع المقاصد 2: 79.

(5) الذكرى: 144، روض الجنان: 207.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(7) التحرير 1: 30، القواعد 1: 27، الإيضاح 1: 83، حكاه عن الصيمري في الرياض 1:

124.

(8) الحبل

المتين: 182.

(9) في ص 307.

(10) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(11) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 329

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «1».

و رواية أبي حمزة: عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إن السنجاب يأوي الأشجار، قال: فقال: إن كان له سبلة كسبلة السنّور و الفأرة فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه، ثمَّ قال: «أمّا أنا فلا آكله و لا احرّمه» [1].

و مع مخالفة هذه للعامة، و هي المرجّحة لها على ما مرّ، مع اعتضادها بالمنقول من الإجماع و الشهرة، و خلوّها عن التضمّن لما لم يقل به أحد من الطائفة.

و يضعّف الأخير بعدم الدلالة جدّا، لكون التحريم فيها مشروطا بأمر غير محقّق، بل دلالته على أكل اللحم المجوّز للصلاة أظهر.

و سابقة بالخلوّ عن الدالّ على التحريم.

و سابقة بالضعف، و الانجبار بالشهرة إنّما يفيد لو كانت محقّقة أو محكية خالية عن المعارض، و كذا نقل الإجماع، مع أنّ الظاهر استناد حكايتهم الشهرة إلى إطلاق المنع فيما لا يؤكل من غير استثناء في كلام جملة من القدماء، و نقل الإجماع هنا أيضا على العموم و في الجواز على خصوص السنجاب.

مع أن فيه- بعد قوله أولا: «فانزع عنك»-: «و قد أروي فيه رخصة» و هو مشعر بأن الأصل المنع و الجواز رخصة، كما عن ظاهر الصدوق و الخلاف و التهذيبين و الديلمي و الجامع «2».

و سابقاه بوجود المخصص.

______________________________

[1] التهذيب 9: 50- 206، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرمة ب 41 ح 1. و السبلة:

الشارب راجع الصحاح 5: 1724.

______________________________

(1)

حكاه عن العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم في البحار 80: 235- 32.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 170، الخلاف 1: 511، التهذيب 2: 211، الاستبصار 1: 385، الديلمي في المراسم: 64، الجامع للشرائع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 330

و دعوى جماعة صراحة الموثّقة في المنع عن السنجاب «1»- لابتناء الجواب العام فيه عليه، لسبق السؤال الذي يصير كالنص في المسؤول عنه- غير صحيحة، كما صرّح به طائفة، منهم والدي رحمه اللّه «2»، لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال: كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلّا السنجاب الذي سألت عنه، و حيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا، لعدم الفرق، و جريان أدلّة حمل العام على الخاص.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فيتعارض الدليلان، و الترجيح لدليل الجواز، لاشتهار أخباره و أكثريتها و موافقتها للشهرة المحقّقة.

و جعلها مرجوحة باعتبار الموافقة للعامة مردود بأن أكثرها يتضمّن المنع عمّا ظاهرهم الاتّفاق على الجواز فيه كما حكاه جماعة «3»، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم، فيصدق عليه أيضا أنه لهم مخالف.

و القول بأنّ للتقية ضروبا فلعلّ مقتضاها هنا التفصيل، مدفوع بأنّ ما يدلّ على ترجيح مخالف العامة لا يجري هنا، و محض احتمال تصحيح التقية غير كاف في الترجيح.

مع أنّ السؤال في رواية بشير عن الصلاة فيه لغير تقية، و جوّزها في السنجاب و الحواصل، و منعها في السمور و الثعالب، فالجواز ممّا لا ينبغي الريب فيه.

نعم، لا يبعد القول بالكراهة كما عن الوسيلة «4»، خروجا عن شبهة الخلاف دليلا و فتوى، و تحصيلا ليقين البراءة.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 171، و الذخيرة: 226، و الحدائق 7: 69.

(2) و صاحب الرياض 1: 124.

(3) منهم الشهيد

الثاني في روض الجنان: 214.

(4) الوسيلة: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 331

و منها: الثعالب و الأرانب، ورد استثناؤهما في الأخبار المستفيضة «1»، و قد مال إليه المحقّق كما مرّ «2»، و بعده في المدارك «3».

و هو ضعيف غايته، لمعارضة تلك الروايات بأكثر منها من روايات المنع المتقدّمة كثير منها، مضافة إلى عمومات المنع في مطلق ما لا يؤكل «4»، و المانعة عن الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب و ما يشبهه «5»، و التوقيع المروي في الخرائج:

«فأما السمّور و الثعالب فحرام عليك و على غيرك الصلاة فيه» «6» و رجحان الأخيرة بالأكثرية و مخالفة العامة.

مع أن الظاهر عدم حجية الاولى، لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة المحقّقة، و المحكية مستفيضة في كلام جماعة، منهم المعتبر و المدارك «7»، بل في الأخير إجماعهم على المنع بحسب الظاهر، و عن الخلاف نفي الخلاف عنه [1].

و يشعر به كلام الدروس و البيان «8»، حيث جعلا رواية الجواز مهجورة متروكة مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما هو صريح الانتصار «9». مضافا إلى ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب، فطرحها أو حملها على التقية لازم، سيما مع عمومها بالنسبة إلى الضرورة و التقية،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الخلاف.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(2) في ص 309.

(3) المدارك 3: 173.

(4) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(5) انظر الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9.

(6) الخرائج و الجرائح 2: 702- 18، مستدرك الوسائل 3: 197 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.

(7) المعتبر 2: 86، المدارك 3: 173.

(8) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(9) الانتصار: 38.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 332

و خصوص بعض أخبار المنع «1» بالنسبة إليهما، مع أنه لو قطع النظر عن الترجيح يكون المرجع عمومات المنع.

و منها: السمّور بفتح السين ثمَّ الميم المشدّدة، و هو- كما ذكره الشهيد الثاني في حاشية المسالك- حيوان يشبه السنور.

و في المصباح المنير: حيوان ببلاد الروس و يشبه النمس منه أسود لامع و أشقر [1].

و في التحفة: حيوان يشبه الدلق [2]، و أسود منه.

و الفنك بفتح الفاء و النون، و هو كما في المصباح المنير: نوع من الثعلب الرومي «2».

و في الصحاح: هو الذي يتخذ منه الفراء «3».

و في القاموس: دابة فروتها أطيب أنواع الفراء «4».

و في التحفة: إنّ جلده يكون أبيض و أشقر و أبلق، و حيوانه أكبر من السنجاب، و يؤخذ من بلاد الروس و الترك.

و في الحبل المتين: حيوان غير مأكول اللحم «5».

و في البحار: لا نعرفه في تلك البلاد على التعيين «6». و هو كذلك.

______________________________

[1] المصباح المنير: 288 و النمس بالكسر: دويبة بمصر تقتل الثعبان. القاموس المحيط 2: 266.

[2] في مفردات التحفة: دلق اسم حيواني است شبيه به سمّور و در أصفهان موسوره، و بفارسى دله گويند. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كرواية بشير المتقدمة في ص 327، و صحيحة علي بن مهزيار: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3، و رواية الأبهري: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.

(2) المصباح المنير: 481.

(3) الصحاح 4: 1605.

(4) القاموس المحيط 3: 327.

(5) الحبل المتين: 180.

(6) البحار 80: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 333

استثناهما في المقنع و الأمالي [1]، و قد عرفت ميل المحقّق إليه أيضا «1»، لبعض الروايات الغير الصالح للحجية، من جهة مخالفتها لعمل

معظم الفرقة، و متروكيتها بشهادة الشهيد «2»، و معارضتها لأكثر منها الراجح عليها باعتبار مخالفة العامة و أحدثية البعض، و هما من المرجّحات المنصوصة، و وجوب الرجوع إلى عمومات المنع لو لا الترجيح.

و منها: الحواصل، و هي كما في حياة الحيوان: طيور كبار لها حواصل عظيمة «3».

و قال ابن البيطار: و هذا الطائر يكون بمصر كثيرا، و يعرف بالبجع و هو جمل الماء «4».

استثناها الشيخ في النهاية و المبسوط «5»، و ادّعى الإجماع فيه عليه.

و في المنتهى بعد نقل ذلك: و هذا يدلّ على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب «6». انتهى.

و استثناه والدي- رحمه اللّه- في المعتمد أيضا مدّعيا ظاهر الوفاق عليه.

لأخبار تدلّ عليه بظاهرها تقدّم بعضها، و منها التوقيع الرفيع: «و إن لم يكن

______________________________

[1] قال في المقنع ص 24: لا بأس بالصلاة في السنجاب و السمّور و الفنك. و قال في الأمالي ص 513:

ما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره و وبره إلّا ما رخّصه الرخصة و هي الصلاة في السنجاب و السمّور و الفنك و الخزّ، و الأولى أن لا يصلّى فيها، و من صلّى فيها جازت صلاته، و أما الثعالب فلا رخصة فيها إلّا في حال التقية. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 309.

(2) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(3) حياة الحيوان 1: 388.

(4) حكاه عنه في البحار 80: 228.

(5) النهاية: 97، المبسوط 1: 83.

(6) المنتهى 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 334

لك ما تصلّي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلّي فيه» «1».

و التقريب: أنه لو لم تجز الصلاة فيه لم تجز مع عدم الساتر أيضا كما في الحرير، فالتقييد محمول على الاستحباب كما جوّزه في البحار.

و هذه الأخبار

خالية عن غير المعارض العام، فالمصير إليها متعيّن.

و قول الشهيد في الدروس و البيان بأنّ رواية الجواز في الحواصل مهجورة «2»- بعد نفي مثل الشيخ «3» الخلاف الدالّ على الاشتهار في الصدر المتقدّم كما صرّح به في المنتهى «4»- غير ضائر.

و أمّا الرضوي: «و قد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض و لم يحل أكله، مثل السنجاب و الفنك و السمور و الحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة تجوز لك الصلاة فيه» «5» فدلالته على المنع فيما تجوز فيه الصلاة بالمفهوم الساقط هنا قطعا، لسقوط منطوقه الذي هو له تابع.

و منها: القاقم، قال في المصباح المنير: القاقم حيوان ببلاد الترك على شكل الفأرة إلّا أنه أطول و يأكل الفأرة هكذا أخبرني بعض الترك «6».

و قال في حياة الحيوان: دويبة يشبه السنجاب إلّا أنه أبرد منه مزاجا و أرطب و لهذا هو أبيض يقق و يشبه جلد الفنك و هو أعزّ قيمة من السنجاب [1].

و في مفردات التحفة ما ترجمته: القاقم جلد حيوان أكبر من الفأرة و أبيض، و مؤخّره قصير و رأس مؤخّره أسود، و لبسه أحرّ من السنجاب و أبرد من السمور،

______________________________

[1] حياة الحيوان 2: 195، و أبيض يقق أي شديد البياض ناصعه. الصحاح 4: 1571.

______________________________

(1) الخرائج و الجرائح 2: 702- 18.

(2) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(3) المبسوط 1: 83.

(4) المنتهى 1: 228.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.

(6) المصباح المنير: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 335

و في الخواص كالفنك.

و استثناه في روايتين مرويتين في قرب الإسناد و كتاب المسائل بإسنادهما عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه

السلام: عن لبس السمور و السنجاب و الفنك و القاقم، قال: «لا يلبس و لا يصلّي فيه إلّا أن يكون ذكيا» «1».

و لكن بإزائهما رواية أخرى مانعة في دعائم الإسلام: عن الصادق عليه السلام عن فرو الثعلب و السنور و السمور و السنجاب و الفنك و القاقم، قال:

«يلبس و لا يصلّى فيه» الحديث «2».

و لكنها غير صريحة في التحريم، لمكان النفي، و مع ذلك غير ثابتة الحجّية و إن كانت روايتا الجواز أيضا كذلك، فاللازم الرجوع إلى كونه غير مأكول اللحم و مأكوله، و المظنون- من عدّه في الروايات مع ما عدّ، و من قول صاحب المصباح:

أنه يأكل الفأرة- عدم أكل لحمه، فالأحوط ترك الصلاة فيه.

الرابع من شرائط لباس المصلي:
اشارة

أن لا يكون حريرا محضا إن كان رجلا، فتبطل معه بالإجماع المحقّق و المحكي في الانتصار و المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك و البحار «3» و المعتمد، و عن الخلاف و الذكرى «4»، و غيرها «5»، و هو الحجة في المقام.

مضافا إلى النصوص المتكثرة، كصحيحتي الصهباني، إحداهما التي تقدّمت «6».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 282- 1116، مسائل علي بن جعفر: 152- 205، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 6.

(2) دعائم الإسلام 1: 126، المستدرك 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 1.

(3) الانتصار: 37، المعتبر 2: 87، المنتهى 1: 228، التذكرة 1: 95، المدارك 3: 173، البحار 80: 239.

(4) الخلاف 1: 504، الذكرى: 145.

(5) ككشف اللثام 1: 185، و الرياض 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    336     الرابع من شرائط لباس المصلي: ..... ص : 335

(6) في ص 310.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 336

و الثانية: هل يصلّى في قلنسوة

حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب: «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» «1».

و صحيحتي الأحوص:

إحداهما: هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: «لا» «2».

و الأخرى: عن الثوب الإبريسم هل يصلّي فيه الرجال؟ قال: «لا» «3».

و التوقيع المروي في الاحتجاج: إنّ ثيابا عتابية على عمل الوشي من قزّ أو إبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه السلام: «لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان» «4».

و الرضوي: «و لا يصلّى في ديباج و في حرير و لا في وشي و لا في ثوب إبريسم محض و لا في تكة إبريسم، و إذا كان سداه إبريسم و لحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها» «5».

و يدلّ عليه أيضا عن لبسه للرجال و عدم جوازه لهم في غير ما استثني بإجماع الأمة كما هو محقّق و محكي «6» متواترا، بل عدّ من ضروريات الدين و مسلّمات المسلمين، و تواترت به النصوص من الطريقين.

ففي موثّقة إسماعيل بن الفضل: «لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في

______________________________

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 10، التهذيب 2: 207- 812، الاستبصار 1:

385- 1462، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 2.

(2) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، الاستبصار 1: 385- 1463، الوسائل 4: 367 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 2: 207- 813.

(4) الاحتجاج: 492، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 8.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 206 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1.

(6) في الانتصار: 37، و المعتبر 2: 87، و المنتهى 1: 228، و التذكرة 1: 95،

و شرح القواعد (جامع المقاصد) 2: 83، و المدارك 3: 173، و الخلاف 1: 504 و 649، و الذكرى: 145، و التحرير 1: 30، و روض الجنان: 207، و المعتمد و غيرها (البحار 80: 239). منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 337

الحرب» «1».

و الأخرى: في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: «إن كان فيه خلط فلا بأس» «2».

و رواية عبيد: «لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته مع قطن أو كتان» «3» إلى غير ذلك.

و لكن الدليل الأخير يختص بما إذا كان اللباس مستورا به العورة كما صرّح به في المدارك «4» و المعتمد و غيرهما «5»، حيث إنّ صحة الصلاة حينئذ موجبة لاجتماع الواجب و الحرام في شي ء واحد باعتبارين، و هو محال باتّفاق العقلاء.

فالتعميم فيه- كبعضهم «6»- غير سديد، لعدم استلزام النهي عن غير ما يستر به العورة لبطلان الصلاة بوجه، بل صرّح والدي- رحمه اللّه- في المعتمد بالإجماع على عدم الفساد لذلك حينئذ.

بل الظاهر القدح في الاستدلال في صورة الاستتار به أيضا، لعدم وجوب الستر و اللبس إلّا توصّلا، بل شرط الصلاة هو مستورية العورة، و لذا يكفي حصولها بأيّ نحو كان و لو من غير المكلّف بل و لو من غير شخص، كما لو أسقط عليه ثوب و ستره، فحينئذ لا يجب عليه ستر أصلا.

و يظهر منه أنّ وجوب الستر على المصلّي ليس إلّا كوجوب غسل ثوبه، فكما

______________________________

(1) الكافي 6: 453 الزي و التجمل ب 11 ح 4، الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 1.

(2) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13

ح 4.

(3) الكافي 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 10، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 2.

(4) المدارك 3: 174.

(5) كالمعتبر 2: 87.

(6) انظر: الذكرى: 145، و جامع المقاصد 2: 83، و كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 338

أنّه لا تبطل الصلاة بالغسل بالماء المغصوب فكذا هنا.

و السرّ أن زوال النجاسة و حصول المستورية و نحوهما ليسا من العبادات الفاسدة بالنهي، فمع التوصّل إليهما بالطريق المنهي عنه يحصلان، و بعد حصولهما يتحقّق شرط الصلاة، و الشرط ليس منهيا عنه، بل المنهي عنه طريق تحصيله.

و من هنا نقول بعدم فساد الواجب بالتوصّل إليه بمقدّمة منهية عنها مع قولنا بوجوب المقدّمة و عدم جواز الاجتماع الأمر و النهي و لو في الواجبات التوصّلية، فنقول: إنّ الواجب هو الإتيان بالمقدّمة المباحة للتوصّل إلى ذيها، و لكن لكون وجوبها مشروطا بتوقّف الواجب عليه ينتفي وجوب المقدّمة بعد حصولها بأيّ نحو كان، و لذا يحكم ببراءة الذمة بالتوصّل بالمقدّمة المنهية عنها إلّا مع الانحصار.

نعم لو كانت المقدّمة ممّا يفسد بالنهي كالوضوء و الغسل يفسد ذوها بفسادها، و تمام التحقيق في ذلك في كتبنا الأصولية.

و أمّا القول ببطلان الصلاة للنهي المذكور المستلزم للأمر بالنزع الموجب للنهي عن ضدّه الذي هو الصلاة، فمردود بعدم التضاد، لاجتماعهما، مع أنه معارض بالأمر بالصلاة الموجب للنهي عن النزع لو كان ضدّا له. فالمناط في الاستدلال بالبطلان: الإجماع و النصوص.

و أمّا صحيحة ابن بزيع: عن الصلاة في ثوب ديباج، فقال: «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» «1» فمحمولة على غير المحض حيث لم يعلم كون الديباج حقيقة في المحض، أو على حال الضرورة، أو الحرب، أو

النساء، حملا للعام على الخاص.

و لو منع ذلك، يجب طرحها قطعا، لمخالفتها الإجماع و موافقتها العامة [1].

______________________________

[1] انظر المغني 1: 661، و قد نسب فيه القول بالصحة إلى أبي حنيفة و الشافعي.

______________________________

(1) التهذيب 2: 208- 815، الاستبصار 1: 386- 1465، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 339

و هاهنا مسائل:
المسألة الاولى:

لا خلاف في جواز لبس الحرير حال الضرورة و الحرب مطلقا و لو من غير ضرورة، و نقل الإجماع عليه متكرّر «1»، و العمومات عليه دالّة، و النصوص به مستفيضة «2»، و هي كعبارات الأصحاب ناطقة بجواز اللبس من غير ذكر الصلاة، و لكن يشعر بجوازها فيه في الحالين بعض عبارات الأصحاب. و لا شك فيه مع اقتضاء الضرورة له أيضا، و أمّا بدونه ففيه إشكال [1].

و لا يبعد ترجيح الجواز، لمعارضة إطلاق جواز اللبس في حال الحرب مع إطلاق المنع حال الصلاة الموجبة للرجوع إلى أصل الجواز، بل لا يبعد دعوى الإجماع على عدم الفصل بين الجوازين، كما يستفاد من احتجاجاتهم، و صرّح به بعض الأجلّة [2] و إن ظهر خلافه من شرح الجعفرية [3].

الثانية:

مقتضى أكثر الأخبار المتقدّمة و المصرّح به في كلام جميع علمائنا:

اختصاص تحريم اللبس و إبطال الصلاة بالحرير المحض، فلا تبطل بغيره و لو كان الخليط قليلا ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم.

قال في المعتبر و المنتهى: إنه مذهب علمائنا «3»، بزيادة «أجمع» في الثاني، و عليه الإجماع في شرح القواعد أيضا «4».

و في المعتمد: و لو كان الخليط عشرا. و كذا في التذكرة «5»، إلّا أنّه لم يتعرّض

______________________________

[1] و تظهر الفائدة في حال الحرب بدون ضرورة اللبس. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] لم نعثر على شخصه.

[3] حيث قال فيه: لكن عدم جواز اللبس في غير الصلاة ليس عاما بل إذا كان في غير الحرب و غير الضرورة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر المعتبر 2: 88، و المنتهى 1: 228، و الذكرى: 145، و روض الجنان: 207.

(2) انظر الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلي ب 12.

(3) المعتبر

2: 90، المنتهى 1: 229.

(4) جامع المقاصد 2: 83.

(5) التذكرة 1: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 340

للقلّة و الكثرة.

و هو الحجة في المقام، مضافا إلى عدم صدق ثوب الحرير و لا القزّ و لا الإبريسم المذكورة في الأخبار بدون التمحض أو استهلاك الخليط.

و المستفيضة: منها: موثّقة ابن الفضل، المتقدّمة «1».

و صحيحة البزنطي: عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن، و القز أكثر من النصف، أ يصلّي فيه؟ قال: «لا بأس، و قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جباب» «2».

و المروي في المكارم: «لا بأس بإبريسم إذا كان معه غيره» «3» و غير ذلك.

و لا ينافيه التوقيع المذكور «4»، لعدم تصريح فيه بوجوب كون جميع السداء و اللحمة قطنا أو كتانا.

و مقتضى إطلاق جميع ما ذكر: كفاية ما صرّحوا به من الخليط القليل و لو كان عشرا كما مرّ، و هو كذلك.

و اللازم- كما صرّح به غير واحد منهم الحلّي و المحقّق الثاني «5»- اشتراط كون الخليط ممّا تجوز فيه الصلاة، فلو لم تجز لم تجز، لا لأجل صدق الحرير، بل لأنه أيضا يبطلها.

نعم، يشترط في الإبطال به أن لا يشترط فيه أيضا ما يشترط في الإبريسم

______________________________

(1) في ص 336.

(2) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 11، الوسائل 4: 373 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 1.

(3) مكارم الأخلاق 1: 237- 700.

(4) راجع ص 336.

(5) الحلي في السرائر 1: 263، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 83.

و منهم الشهيد في الذكرى، و صاحب المفاتيح، و شارحه، و المحقق الخوانساري. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 341

من المحوضة، بل كان مبطلا مطلقا، كأوبار غير ما استثني ممّا لا

يؤكل. و أمّا غيره كالذهب- على أن يكون المبطل لبسه محضا- فلا يبطل، للأصل، و عدم تحقّق ما يصدق عليه المبطل.

و لا يفيد الخلط بالقزّ، لأنّه إبريسم كما صرّح به في رواية موسى «1».

ثمَّ الجواز مختص بالممتزج، فلو خيط الحرير بغيره أو كانت البطانة أو الظهارة حريرا و الآخر غيره لم يرتفع المنع إجماعا، لصدق الحرير المحض.

و أمّا المحشوّ بالقزّ فالظاهر فيه الجواز، وفاقا لجماعة من المتأخّرين «2»، منهم والدي رحمه اللّه، للأصل السالم عن معارضة الإجماع، و أخبار المنع المشتملة إمّا على الثوب الممنوع صدقه على المورد، أو الحرير الغير المعلوم صدقه على غير الثوب، بل في الصحاح: إنّ الحرير من الثياب «3».

و لصحيحة ابن سعيد: عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه و قرأته:

«لا بأس بالصلاة فيه» «4». و نحوها رواية السمط «5».

و مكاتبة إبراهيم بن مهزيار: في الرجل يجعل في جيبه بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب: «نعم لا بأس» «6».

خلافا للمحكي عن الأكثر «7»، تمسّكا بالعمومات، و تضعيفا للروايات، و مخالفة للعامة.

______________________________

(1) الكافي 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 9، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 4.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 145، و صاحب المدارك 3: 176، و المحقق السبزواري في الذخيرة:

227، و المجلسي في البحار 80: 239، و المحقق الخوانساري في حواشي شرح اللمعة: 196، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 185.

(3) الصحاح 2: 628.

(4) التهذيب 2: 364- 1509، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 1.

(5) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 3.

(6) الفقيه 1: 171- 807، الوسائل

4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 4.

(7) كما في البحار 80: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 342

و الأول غير دالّ، و لو دلّ لما يفيد مع الخاص المنافي.

و الثاني ممنوع.

و الثالث إنّما يفيد مع وجود المعارض، و هو هنا مفقود.

الثالثة:

حرمة لبس الحرير مختصة بالرجال، فيجوز للنساء لبسه بإجماع المسلمين، بل كما قيل: بالضرورة من الدين «1». و الأخبار به مستفيضة «2»، و الدالّة بظاهره على ما ينافيه متروكة أو مؤوّلة.

و كذا تجوز صلاتهن فيه بلا خلاف ظاهر، إلّا من الصدوق في الفقيه حيث منع «3»، و الفاضل في المنتهى حيث توقّف «4»، و المحقّق الأردبيلي حيث مال إليه «5».

بل عن صريح المختلف «6»، و ظاهر الذكرى و روض الجنان «7»: اتّفاق ما عدا من ذكر من الأصحاب على الجواز، و هو كذلك كما يظهر على المتتبّع.

فالمسألة بحكم الحدس إجماعية، و هي في بعض العبارات مصرّحة «8» و مخالفة الشاذ فيها غير قادحة، و ملاحظة حال المسلمين في الأعصار من عدم منعهنّ من الصلاة فيه لها مؤكدة، فهي في المسألة الحجة، مضافة إلى الأصل و الاستصحاب السالمين عن معارضة غير ما يأتي من بعض الإطلاقات المعارض لمثله الموجب للتساقط، و بعض الروايات البعيد عن الحجية، لمخالفته عمل المعظم من القدماء و المتأخّرين، المؤيّدين باختصاص أكثر الأخبار سؤالا أو حكما بصلاة الرجال، مع أنه لو شملهن المنع لكان السؤال عن صلاتهن فيه أولى، لجواز

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) انظر الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16.

(3) الفقيه 1: 171.

(4) المنتهى 1: 229.

(5) مجمع الفائدة 2: 84.

(6) المختلف: 80.

(7) الذكرى: 145، روض الجنان: 208.

(8) انظر حاشية المدارك (المدارك): 140، و الرياض 1: 126.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 343

لبسهن له في غيرها.

و قد يستدلّ بمفهوم الحصر في رواية يوسف بن محمد: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما يكره الحرير المبهم للرجال» [1]. و هو ضعيف.

خلافا لمن تقدّم، لما تقدّم من الإطلاق.

و رواية زرارة: «سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان، و إنّما يكره المحض للرجال و النساء» «1» حيث لا يمكن حملها على مطلق اللبس إجماعا، فينبغي التقييد بحال الصلاة.

و المروي في الخصال: «يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد» «2».

و يضعّف الأول: بمعارضته مع إطلاق النصوص المرخّصة لهن في لبسه الشامل لحال الصلاة، بل عموم بعضها كموثّقة ابن بكير: «النساء تلبس الحرير و الديباج إلّا في الإحرام» «3».

و التعارض بالعموم من وجه، و حينئذ و إن أمكن تقييد كلّ منهما بالآخر، إلّا أنّ تقييد إطلاقات المنع بخصوص الرجال أولى من العكس و تقييد إطلاق الجواز بغير حال الصلاة، لوقوع التقييد الأول في كثير من الأخبار، و موافقته

______________________________

[1] الفقيه 1: 171- 808، التهذيب 2: 208- 817 و فيهما: البهم، الاستبصار 1:

386- 1467، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6، و المراد بالمبهم الخالص الذي لا يمازجه شي ء- مجمع البحرين 6: 20.

______________________________

(1) التهذيب 2: 367- 1524، الاستبصار 1: 386- 1468، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.

(2) الخصال: 588- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.

(3) الكافي 6: 454

الزي و التجمل ب 11 ح 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 344

للشهرة العظيمة، بل كما عرفت الإجماع، مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع الجواز.

و الثانيان: بعدم الحجية كما مرّ، مع أنّ تقييد أولاهما بحال الصلاة- مع عدم إشعار به فيها، و أقليتها بالنسبة إلى سائر الأحوال، و عدم وجه له في الرجال- ليس بأولى من حمل النهي على المرجوحية الشاملة للحرمة و الكراهة بعموم المجاز، خصوصا بملاحظة آخر الخبر. و حمل عدم الجواز في الثانية على الكراهة أولى من طرح أحد جزأيها، و هو عدم جواز لبسه في الإحرام، حيث إنه يجوز للأخبار.

نعم، الظاهر كراهة الصلاة في الحرير لهنّ و أفضلية تركها، كما عن الوسيلة و النزهة و الجامع و المبسوط «1»، و في النهاية و السرائر «2»، لما ذكر.

و في كون المشكل من الخنثى كالذكر أو الأنثى قولان:

الأول هو الأظهر، لإطلاقات المنع، خرجت النساء فيبقى الباقي.

و الثاني، للأصل المندفع بما مرّ، و تبادر الاختصاص بالرجال المردود بالمنع.

و لكن ذلك في الصلاة، و أمّا في اللبس فالحقّ كونه كالثاني، لاختصاصه بالرجال إجماعا نصّا و فتوى.

و لا شك في عدم تحريم لبسه على الصبي، لأنه حكم شرعي مشروط بالتكليف، و تؤكّده رواية عبد الملك بن عتبة «3».

و هل على الولي منعه منه؟ الأظهر الموافق لقول الأكثر: لا، للأصل، و عدم الدليل.

و قيل: نعم «4»، لعموم النبوي: «هذان- أي الذهب و الحرير- محرّمان على

______________________________

(1) الوسيلة: 87، النزهة: 24، الجامع للشرائع: 65، المبسوط 1: 83.

(2) النهاية: 97، السرائر 1: 263.

(3) الكافي 4: 229- 1، الفقيه 2: 164- 709، التهذيب 5: 449-

1567، الوسائل 13: 257 أبواب مقدمات الطواف ب 26 ح 1.

(4) كما في المعتبر 2: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 345

ذكور أمتي دون إناثهم» [1].

و قول جابر: «كنّا ننزعه عن الصبيان و نتركه على الجواري» «1».

و هما ضعيفان غير صالحين للحجية، مع أن الأول مخصّص بالمكلّفين قطعا، و الثاني غير دالّ على الوجوب، فلعلّه للاستحباب و التمرين.

و تصح معه صلاته التمرينية.

الرابعة:

لو لم يجد المصلّي إلّا الحرير و أمكنه التعرّي صلّى عاريا، لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه، و ظاهر المدارك و المعتمد: الإجماع عليه «2».

و لو وجد النجس معه صلّى مع النجس لو اضطر إلى اللبس، لورود الإذن فيه. و مع عدم الاضطرار يتخيّر بينه و بين العريان كما مرّ.

الخامسة:

في جواز الصلاة في نحو التكة و القلنسوة ممّا لا تتم الصلاة فيه من الحرير للرجال قولان:

المنع، و هو للمفيد و الصدوق و الإسكافي «3»، و الشيخ في النهاية «4»، و الديلمي و ابن حمزة «5»، و المختلف و المنتهى و البيان و المدارك و المعالم «6»، و الأردبيلي و الخوانساري و المجلسي و السبزواري «7»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، و نسب إلى اللمعة و القواعد «8»، و لم أجده فيهما، و كأنّه أخذ من إطلاقهما النهي عن لبس

______________________________

[1] مسند أحمد 1: 16، سنن ابن ماجه 2: 1189- 3595 بتفاوت يسير.

______________________________

(1) المغني و الشرح الكبير 1: 664.

(2) المدارك 3: 178.

(3) المفيد في المقنعة: 150، الصدوق في الفقيه 1: 172، المقنع: 24، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 80.

(4) النهاية: 96.

(5) الديلمي في المراسم: 63 و 64، ابن حمزة في الوسيلة: 88.

(6) المختلف: 80، المنتهى 1: 229، البيان: 120، المدارك 3: 179.

(7) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 84، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 195، المجلسي في البحار 80: 241، السبزواري في الذخيرة: 227، و الكفاية: 16.

(8) نسب إليهما في الرياض 1: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 346

الحرير «1»، و فيه تأمل.

و منه يظهر التأمل في النسبة إلى بعض آخر ممّن ذكر أيضا.

و كيف كان، فدليله: الاحتياط في الدين، و تحصيل اليقين، و عمومات المنع،

و عدم جواز الصلاة في الحرير- و القدح في دلالتهما بعدم استلزام نفي الحلّية الحرمة ضعيف، فإنّ المتبادر من عدم الحلّية هو الحرمة- و الرضوي المتقدّم «2»، و صحيحتا الصهباني، السابقتان «3»، و موثّقة الساباطي: عن الثوب يكون علمه ديباجا، قال: «لا يصلّى فيه» «4».

و الجواز، و هو للمبسوط «5»، و الحلّي و الحلبي «6»، و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد و التلخيص و التذكرة و الدروس و روض الجنان و الروضة و الذكرى «7»، و بعض مشايخنا «8»، و جعله في التنقيح: الأظهر بين الأصحاب «9»، و في الوافي:

أشهر فتوى بينهم «10»، و في الذخيرة و البحار و الحدائق «11»، و غيرها «12»: المشهور مطلقا، و في المعتمد: بين المتأخّرين.

______________________________

(1) انظر اللمعة (الروضة 1): 206، القواعد 1: 27.

(2) في ص 328.

(3) راجع ص 310 و 336.

(4) التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 4: 369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.

(5) المبسوط 1: 83 و 84.

(6) الحلي في السرائر 1: 269، الحلبي في الكافي: 140.

(7) المعتبر 2: 89، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، التذكرة 1: 95، الدروس 1: 150، روض الجنان: 207، الروضة البهية 1: 206، الذكرى: 145.

(8) كالسيد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 103.

(9) التنقيح الرائع 1: 181.

(10) الوافي 7: 425.

(11) الذخيرة: 227، البحار 80: 241، الحدائق 7: 97.

(12) كالمفاتيح 1: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 347

للأصل، و رواية الحلبي: «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزّنّار يكون في السراويل و يصلّى فيه» «1».

و رواية يوسف بن محمد، المتقدّمة «2».

و رواية يوسف بن

إبراهيم، «لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم و لا زرّه و لا علمه» «3».

و ضعف تلك الأخبار لو سلّم لكان منجبرا بالشهرة و لو محكية.

و لا تضرّها معارضة ما مرّ، لعدم دلالة الأخيرين منه على الحرمة، مضافا إلى ضعف الرضوي الخالي عن الجابر، و عموم البواقي بالنسبة إليها.

و ابتناء الصحيحتين على السؤال عن القلنسوة لا يجعل عموم الجواب فيهما خاصا.

بل قد يناقش في شمول عمومهما و سائر العمومات أيضا من جهة أنّ الوارد فيها النهي عن الصلاة في الحرير أو الثوب الإبريسم، و الحرير أيضا هو الثوب الكذائي كما يدلّ عليه كلام أهل اللغة. و صدق الثوب على أمثال ما نحن فيه محلّ كلام.

و يشهد لذلك استدلال مثل الشيخ في الجواز بالأصل «4»، مع اطّلاعهم على العمومات قطعا.

ثمَّ على تسليم خصوص الصحيحتين يجب تقديم رواية الحلبي عليهما، لمخالفته العامة، حيث تدلّ على الفرق بين ما تجوز الصلاة فيه و ما لا تجوز، و هو

______________________________

(1) التهذيب 2: 357- 1478، الوسائل 4: 376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.

(2) في ص 343.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 5، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1.

(4) الخلاف 1: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 348

ممّا لا يقول به العامة قطعا.

و احتمال عدم قول العامة بهذا المفهوم في زمان الصدور مدفوع: بالتبادر المنضم مع أصالة عدم النقل، و لو تمَّ هذا الدخل لجاء القدح في كثير ممّا يرجح بموافقة العامة.

و موافقة الصحيحتين لهم، حيث إنّهم لقولهم بحرمة لبس الحرير لا يستحلّون الصلاة فيه قطعا و إن لم يحكموا ببطلانها بعد إيقاعها فيه، و انفهام مدخلية الصلاة في المنع إنّما

يفيد لو لم تكن الصلاة في السؤال مذكورة، و أمّا معه فمقتضى التقية ليس إلّا ما أجاب.

مع أنه لو قطع النظر عن ذلك فلا أقلّ من تساويهما مع الرواية، و جعل الرواية أوفق بالعامة خلاف الصواب جدّا. فيتعيّن الرجوع إلى الأصل و هو مع الجواز، لعدم وجود الأعم منهما الشامل لمثل المقام.

هذا، مع أنهما من المكاتبات المرجوحة بالنسبة إلى المشافهات.

فالقول بالجواز أقوى بالنسبة إلى المنع، و إلى التردّد كالفاضل في التحرير «1»، و الصيمري «2».

ثمَّ الروايات كما دلّت على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده دلّت على جواز لبسه أيضا، إذ نفي مطلق البأس عن الصلاة فيه يستلزم ذلك، فبها تخصّص عمومات المنع لو كانت.

السادسة:

المحرّم هو لبس الحرير، فيجوز استصحابه بدونه و افتراشه و الركوب و القيام و النوم و الصلاة عليه، على الأظهر الأشهر، بل ظاهر المدارك و الذخيرة الإجماع على بعض ما ذكر «3»، للأصل، و صحيحة علي «4»، و رواية

______________________________

(1) التحرير 1: 30.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 126.

(3) المدارك 3: 179، الذخيرة: 228.

(4) الكافي 6: 477 الزي و التجمل ب 28 ح 8، التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 185- 687، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1، مسائل علي بن جعفر:

180- 342.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 349

مسمع «1».

و عن المبسوط [1]، و الوسيلة «2»، و المعتبر [2]، و في النافع «3»: المنع عن غير الأول. و عن الصيمري التردّد «4».

لعموم بعض النصوص بالمنع كالنبوي المتقدّم «5»، و الرضوي، و هو قوله مشيرا إلى نحو الحرير و الذهب: «و لا تصلّ على شي ء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه» [3].

و هما ضعيفان،

مع أن الأول غير دالّ، لعدم تعلّق التحرير بالأعيان إلّا باعتبار منفعة منها، و لعدم تعيّنها ينصرف إلى المتعارف و هو هنا اللبس قطعا.

و منه يظهر الخدش فيما كان إطلاقه كذلك.

مع أنه على فرض الدلالة يكون أعم ممّا مرّ فيخصّص به. و الجمع بحمل الحرير و الديباج على الممتزج و إن أمكن، لكن التخصيص إمّا مقدّم على المجاز فيقدّم، أو مساو معه فيتوقّف و يرجع إلى الأصل.

و ممّا ذكر ظهر حكم التوسّد و أنه يجوز، و كذا الالتحاف كما ذكره جماعة «6»،

______________________________

[1] لم نعثر عليه فيه، و حكاه في كشف اللثام 1: 186.

[2] المعتبر 2: 89 قال: فيه تردد.

[3] فقه الرضا عليه السلام: 158 و فيه: إلّا ما لا يصلح لبسه، مستدرك الوسائل 3: 218 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 2.

______________________________

(1) الفقيه 1: 172- 809، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 2.

(2) الوسيلة: 367.

(3) المختصر النافع: 24.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 127.

(5) في ص 344.

(6) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و الروض 1: 206، و صاحب المدارك 3: 180، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 228، و صاحب الرياض 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 350

للأصل، و عدم دليل يعتد به إلّا ما دلّ على تحريم اللبس الغير المعلوم صدقه عليه و إن قد يستعمل، و لكنه أعم من الحقيقة.

بل و كذلك التدثّر، كما صرّح به الشهيد الثاني «1»، و احتمله جماعة من متأخّري المتأخّرين «2»، لمثل ما ذكر، خلافا للمدارك «3» و المعتمد، بل الأخير منع الالتحاف أيضا، لصدق اللبس.

و هو ممنوع، و الاستعمال أحيانا غير مفيد.

بل و كذلك التردّي، لذلك.

و ممّا ذكر يظهر الجواز في

مثل شالات العجم المستعمل مقام المنطقة، بل يمكن التعدّي إلى مثل التعمّم أيضا.

هذا في اللبس، و أمّا الصلاة فالظاهر عدم جوازها في التردّي و التدثّر، بل التعمّم و التمنطق [1]، لصدق الصلاة فيه ظاهرا.

و التعدّي منه إلى اللبس لعدم الفصل يتوقّف على ثبوته، و هو مشكل جدّا.

و الاحتياط لا يترك في حال.

السابعة:

المعروف من مذهب الأصحاب- كما في المعتمد- جواز لبس المكفوف بالحرير و الصلاة فيه، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه «4»، و في المدارك: إنه مقطوع به بين المتأخّرين «5»، بل الظاهر أنه

______________________________

[1] توجد. في «ه» و «ح» زيادة: حينئذ إشكال.

______________________________

(1) المسالك 1: 23، الروضة البهية 1: 206.

(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 228، و الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 196، و صاحب الحدائق 7: 100، و صاحب الرياض 1: 127.

(3) المدارك 3: 180.

(4) الذكرى: 145.

(5) المدارك 3: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 351

مجمع عليه كما يظهر من عدم نقلهم الخلاف في المسألة أصلا مع أنه طريقتهم.

و كيف كان فلا ريب فيه، للأصل السالم عن المعارض حيث إنّ النهي إنّما ورد عن لبس الحرير أو لباسه أو لبس الثوب الحرير، و صدق شي ء منها على المورد غير معلوم إن لم نقل بكون عدمه معلوما، كصدق الصلاة في الحرير، فإنّ ذلك صلاة في ثوب فيه الحرير لا الحرير، و إرادة معنى يشمله من الظرفية المجازية غير معلومة.

و للعاميين المنجبرين:

أحدهما: «نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع» «1».

و آخر: «كان للنبي جبة كسراوية لها لبنة ديباج و فرجاه مكفوفان بالديباج» [1].

و يؤيّده بل يدلّ عليه روايتا يوسف، المتقدّمتان «2» المصحّحتان عن صفوان المجمع على تصحيح

ما يصح عنه.

و عدم ذكر الصلاة فيهما غير ضائر، لكفاية الشمول الإطلاقي، و نفي جميع أفراد البأس في إحداهما الشامل لحرمة الصلاة أيضا.

و قد يستدل برواية الجرّاح أيضا «3». و هو غير جيّد، لأعمية الكراهة عن الحرمة لغة، إلّا أن يقال بظهورها في المعنى المصطلح هنا، إذ لا يتعارف التعبير عن الحرام بمثل ذلك.

______________________________

[1] صحيح مسلم 3: 1641- 10، و اللبنة هي رقعة تعمل موضع جيب القميص و الجبة- النهاية لابن الأثير 4: 230.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1643- 15.

(2) في ص 343 و 347.

(3) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 27 و ج 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 6، التهذيب 2:

364- 1510، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9، و استدل بها في الذكرى:

145، كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 352

خلافا للمحكي عن السيد في بعض مسائله «1»، و القاضي «2»، و إن كان في دلالة كلام الأخير عليه خفاء، للعمومات.

و موثّقة الساباطي، المتقدّمة «3».

و مفهوم موثّقة إسماعيل: في الثوب يكون فيه الحرير، قال: «إن كان فيه خلط فلا بأس» «4».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: عن الرجل هل يصلح له الطيلسان فيه الديباج و البرّكان [1] عليه حرير؟ قال: «لا» [2].

و للاحتياط في الدين و تحصيل اليقين.

و يضعّف الأول: بوجوب تقديم الخاص عليه.

و الثاني: بعدم دلالته على الكف و لا على الحرمة، مع أنه مع الدلالتين يعارض الروايتين [3] فيتساقطان من البين.

و الثالث: بأنه أعم ممّا مرّ أيضا فيخصّص، مع أنّ دلالته موقوفة على إرجاع المجرور الثاني إلى الحرير، و هو غير معلوم، لجواز إرجاعه إلى الثوب، و يؤكّده منافاة الخلط مع

الحرير، فلا وجه للشرط، و لذا استدلّ به بعض مشايخنا المحقّقين على القول الأول «5».

______________________________

[1] البركان: الكساء الأسود. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قرب الإسناد: 282- 1117، مسائل علي بن جعفر: 137- 146، الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 12 و فيه: .. الديباج و القزّ كان عليه حرير؟ قال: «لا بأس».

[3] أي: روايتي يوسف بن محمّد و يوسف بن إبراهيم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 3: 181، و الرياض 1: 127.

(2) المهذب 1: 75.

(3) في ص 346.

(4) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 4.

(5) كما في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 353

و الرابع: بأنّه ضعيف غير صالح للحجية في غير مقام الانجبار.

و الأخيران بمنع الوجوب، و حصول اليقين اللازم تحصيله.

ثمَّ المقدّر عند جماعة «1» في الكف المجوّز ما قدّره النبوي من الأربع أصابع.

بل ادّعى بعض متأخّري المتأخّرين ظاهر اتّفاقهم على حرمة الزائد «2»، اقتصارا فيما خالف دليل المنع على القدر المتيقّن، و اقتفاء للنبوي المنجبر ضعفه بالعمل، و اتّباعا لما يشهد به العرف و العادة.

و الأول كان حسنا لو شمل دليل المنع له، و الثاني لو ثبت الانجبار في التقدير أيضا، و الثالث لو سلّمت شهادة العرف بذلك، سيما مع جعل الأصابع مضمومة. و الكلّ في حيّز المنع.

و دعوى الاتّفاق على حرمة الزيادة الموجبة لانجبار العامي ممنوعة، كيف؟! و كلام الأكثر خال عن التقدير، بل الأكثر و منهم الشيخ في النهاية «3»، و الفاضلان في المعتبر و النافع و التذكرة و المنتهى «4»، و غيرها «5»، و الشهيد في الدروس

و البيان «6»:

أطلقوا.

فالظاهر الحوالة إلى العرف و التجويز فيما يسمّى كفّا عرفا، و إن كان الأحوط الاجتناب عن الزيادة عن القدر المذكور.

الثامنة:

لا ينبغي الريب في جواز اللبنة من الحرير، للأصل، و النبوي «7»،

______________________________

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 86، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و الروضة البهية 1:

206، و صاحب المدارك 3: 180، و صاحب الرياض 1: 127.

(2) كما في الذخيرة: 228، و الحواشي على شرح اللمعة: 196.

(3) النهاية: 96.

(4) المعتبر 2: 90، المختصر النافع: 24، التذكرة 1: 96، المنتهى 1: 229.

(5) كالقواعد 1: 27، و التحرير 1: 30.

(6) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(7) المتقدم في ص 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 354

و ضعف ما يوهم المنع. و كذا الأزرار و الأعلام، لما مرّ.

و يظهر من الجواز في الإعلام الجواز في ثوب بعض أجزائه حرير و بعضها غيره سواء كان جمع الجزءين بالنسج أو بالخياطة، لأنّ ذلك أيضا مثل الأعلام و لا يصلح التسمية بالعلم للعرف.

مع أنّ الأصل أيضا مع الجواز، لعدم صدق لبس الثوب الحرير المحض أو لبس الحرير المحض، إلّا أن يقال: يصدق الصلاة فيه إذا كان بحيث يشمل شيئا من البدن، فلا تجوز الصلاة فيه بشرط أن يكون ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

و لا تفيد رواية قرب الإسناد، لعدم انجبارها في المقام.

نعم، الظاهر الانجبار فيما إذا كانت الأجزاء بقدر تتم الصلاة فيه.

و أمّا غير الأجزاء ممّا يجعل على الثوب أو فيه من الرقعة و الوصلة و الطراز فالظاهر عدم المنع مطلقا، لعدم صدق اللبس، و عدم معلومية شمول المراد من الثوب لذلك المعنى أيضا، و الأحوط الاجتناب، سيما إذا كان ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

و أمّا

الظهارة و البطانة: فالظاهر المنع كما مرّ، لرواية قرب الإسناد المنجبرة في المورد قطعا.

و أمّا خيط الحرير بغيره أو العكس فإن كانت الخياطة تحيط بجميع الثوب المخيط، فالظاهر أنّ الحكم لها، و كذا إذا استهلك الظاهر من المخيط جنب ما خيط عليه، و إلّا فالحكم لما خيط عليه.

تتميم

: جملة الكلام في ذلك المقام التي يجب أن يكون عليها بناء الأحكام أنّ القدر الثابت أوّلا من الإجماع و الأخبار حكمان: عدم جواز لبس الحرير المحض أو ثوب الإبريسم للرجال، و عدم جواز الصلاة فيه.

فاللازم في الحكم بعدم الجواز في الأول أمور أربعة: العلم بصدق اللبس حقيقة، و كون الملبوس حريرا أو ثوبا، و محوضة الحرير، و الرجولية، فما لم يعلم أحدها يحكم بمقتضى الأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 355

فيتفرّع على الأول: جواز الافتراش و القيام و الاتّكاء و النوم و التوسّد و الالتحاف و التدثّر و التعمّم و التردّي و التمنطق، و جعل الحرير في الثوب أو عليه كالأزرار و الكف و اللبنة و العلم و الوصلة.

و أمّا ما يدلّ على عدم جواز بعض ذلك فمنحصر في موثّقة إسماعيل، و رواية قرب الإسناد «1»، و الأولى مجملة، و مع ذلك البأس الثابت في مفهومه نكرة في سياق الإثبات فلا يفيد، و الثانية ضعيفة ففي غير مقام الانجبار غير مفيدة.

و عليه و على الثاني جواز الحشو بالإبريسم، لعدم صدق الثوب عليه بل الحرير، لاشتراط النسج فيه لغة و عرفا.

و على الثالث جواز لبس غير المحض، سواء كان الخليط قليلا أم كثيرا، و سواء كان الخلط بالمزج أو الضم، كما في المرقّع الذي بعض رقاعه حرير أو ثوب بعض أجزائه كذلك، و سواء كان الضم بالوصل

بالخياطة أو النساجة ما لم يكن الجزء الحريري بحيث يصدق عليه فقط أيضا اللبس.

و لا يتوهّم أنّ مقتضى مفهوم الموثّقة اشتراط الخلط و هو غير متحقّق بدون المزج في السدى أو اللحمة، و كذا مقتضى رواية زرارة: اشتراط كون السدى أو اللحمة غير الحرير «2»، و هو في غير المزج غير متحقّق، لمنع اشتراط تحقّق الخلط في الثوب بما ذكره، بل يتحقّق فيه بجميع ما ذكرناه، و غايته الشك الموجب للرجوع إلى الأصل.

و أمّا رواية زرارة فلا تدل إلّا على وجوب كون بعض السدى أو اللحمة كذلك إجماعا، و هو متحقّق على جميع التقادير الذي ذكرناه.

و على الرابع جواز لبس الخنثى و الصبي.

و اللازم في الحكم بعدم الجواز في الثاني أيضا أمور أربعة: الثاني، و الثالث،

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 352.

(2) راجع ص 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 356

و عدم العلم بالأنوثية، و صدق الصلاة فيه، فما لم يتحقّق أحدها يحكم بالجواز.

فيترتّب على الأولين ما مرّ، و على الثالث الجواز في الأنثى و عدمه في الخنثى، و على الرابع جواز الصلاة فيما لم يعلم صدق الصلاة فيه، فلا تبطل باستصحاب الحرير و الاكتفاف به و لا بمثل الأزرار، و اللبنة و الوصلة و الرقعة و العلم و أمثالها، لعدم معلومية صدق تحقّق الصلاة فيه.

نعم يظهر من تتبّع الأخبار و استعمالات الفقهاء و غيرهم تحقّقه باللبس مطلقا، و كذا بكون الحرير بعضا من الثوب الملبوس معتدا به لا كلّ بعض. نعم خرج من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه كما سبق.

و لا يضرّ انفكاك كلّ من جواز اللبس و الصلاة عن الآخر في بعض ما ذكر، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل، كما ظهر ممّا نقلنا

عن شرح الجعفرية و إن ادّعاه بعضهم «1».

الخامس من الشرائط:

أن لا يكون ذهبا إن كان المصلّي رجلا، فإنّه لا يجوز له لبسه، و تبطل الصلاة فيه.

أمّا الأول فممّا لا خلاف فيه، كما في الحبل المتين و البحار «2»، و المفاتيح «3»، بل قيل: إنه ضروري الدين «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كالنبوي المتقدم «5»، و العامي المشهور كما في المفاتيح:

«حلّ الذهب و الحرير للإناث من أمّتي و حرّم على ذكورها» «6».

و رواية النميري: «جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء، و حرّم على

______________________________

(1) راجع ص 339.

(2) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.

(3) حكاه الوحيد البهبهاني عن المفاتيح في شرحه (المخطوط).

(4) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) في ص 344.

(6) سنن النسائي 8: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 357

الرجال لبسه و الصلاة فيه» «1».

و موثّقة الساباطي: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه» «2».

و فحوى المستفيضة الناهية عن التختّم بالذهب و الصلاة فيه، كالمرويين في الفقيه و العلل: «فلا تتختّم بخاتم الذهب» «3».

و المروي في الخصال: «و يجوز أن تتختّم- أي المرأة- بالذهب و تصلّي فيه، و حرّم ذلك على الرجال» «4».

و المرويين في قرب الإسناد:

أحدهما: «إيّاك أن تتختّم بالذهب» «5».

و الثاني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سبع، عن التختّم بالذهب» «6».

و في كتاب المسائل: عن الرجل هل يصلح له أن يتختّم بالذهب؟ قال:

«لا» «7».

و رواية الجراح: «لا تجعل في يدك خاتما من ذهب» «8».

و التحريم كما ترى مخصوص باللبس و بالرجال، فلا يحرم ما ليس بلبس أو لا يعلم صدقه عليه. و يتفرّع عليه جواز افتراشه و استصحابه و جعله على اللباس

______________________________

(1) التهذيب 2: 227- 894، الوسائل 4:

414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 5.

(2) التهذيب 2: 372- 1548، علل الشرائع: 348- 1، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 4.

(3) الفقيه 1: 164- 774، علل الشرائع: 348- 3، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 6.

(4) الخصال: 588- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.

(5) قرب الإسناد 98- 333، الوسائل 4: 416 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 11.

(6) قرب الإسناد 71- 228، الوسائل 4: 415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 9.

(7) مسائل علي بن جعفر: 162- 251، الوسائل 4: 415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 10.

(8) الكافي 6: 469 الزي و التجمل ب 21 ح 7، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 358

كنصب قطعة ذهب أو منسوج منه عليه. و تحريم الافتراش كما في التحرير «1» ضعيف جدّا.

و هل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه، فلا يحرم إلّا لباس كان سداه و لحمته ذهبا، أو لا بل يحرم و لو لم يكن محضا؟ فيه إشكال، حيث إنّ ما لبسه ليس ذهبا و ما هو ذهب لم يلبس، بل لبس ما يشتمل عليه. و حكم في الغنية بكراهة الملحم بالذهب «2».

و كيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب، للشك في صدق لبس الذهب سيما إذا كان في مثل الأزرار و أطراف الثوب.

نعم، يحرم التختّم به و لو شك في صدق اللبس عليه، على الأظهر الأشهر، بل في الخلاف الإجماع عليه «3»، لما مرّ.

و ضعف البعض منه منجبر بالعمل، و اشتمال بعضه على ما ليس بمحرّم غير ضائر و إن

عبّر بما عبّر به في الذهب، إذ خروج بعض الحديث عن ظاهره لا يوجب خروج الباقي.

و أمّا ما في رواية [ابن القداح ] [1]: «من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله تختّم في يساره بخاتم من ذهب» و ما في معاني الأخبار: «قال علي عليه السلام: نهاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- و لا أقول نهاكم- عن التختّم بالذهب» «4» فلا يعارضان ما مرّ.

أمّا الأول: فلجواز كونه قبل التحريم.

______________________________

[1] الكافي 6: 476 الزي و التجمل ب 27 ح 9، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 3، و في النسخ: الجرّاح بدلا عن ابن القداح، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

______________________________

(1) التحرير 1: 30.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) الخلاف 1: 508.

(4) معاني الأخبار: 301- 1، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 359

و أمّا الثاني: فلأنّ عدم القول بأنه نهاهم لا يستلزم عدم نهيهم، لاحتمال أن يكون عدم قوله لمصلحة من تقية أو غيرها.

و لا يتعدّى إلى غير التختّم من التحلّي ما لم يصدق عليه اللبس، للأصل.

و أمّا المروي في السرائر: عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال: «نعم، النساء و الجواري، و أمّا الغلمان فلا» «1» فمع معارضته مع صحيحتي الكناني «2» و ابن سرحان «3» غير ناهض لإثبات الحرمة، لجواز أن يكون قوله: «لا» نفيا للإباحة.

و لا يحرم اللبس و لا التختّم للخنثى، للأصل.

و حرّمه في الدروس و الألفية «4»، و الجعفرية. و لا وجه له.

و أمّا الثاني فهو مذهب الأكثر، بل يشعر كلام الحبل المتين و البحار بعدم الخلاف فيما تتم الصلاة فيه وحده «5». و ظاهر الألفية اشتراط

البطلان بكونه ساترا «6».

و تردّد في المنتهى في غير الساتر و في المنطقة «7».

و عن المعتبر عدم البطلان بلبس خاتم من ذهب «8».

و استشكل فيه في (السرائر) [1].

______________________________

[1] في «ق» و «س»: ير، و هو رمز للتحرير، و في «ه» و «ح»: ئر، و هو رمز للسرائر. و لكن لم نعثر على المسألة في السرائر، و جزم بالبطلان في التحرير 1: 30.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 144- 11، الوسائل 5: 104 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 5.

(2) الكافي 6: 475 الزي و التجمل ب 27 ح 1، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 1.

(3) الكافي 6: 475 الزي و التجمل ب 27 ح 2، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 2.

(4) الدروس 1: 150، الألفية: 41.

(5) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.

(6) الألفية: 40.

(7) المنتهى 1: 230.

(8) المعتبر 2: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 360

و عن أبي الصلاح الكراهة مطلقا «1».

و الحق- كما هو مقتضى روايات الخصال و النميري و الساباطي- البطلان في الخاتم بخصوصه، و في سائر ما تحقّق صدق الصلاة فيه، و قد عرفت مواقع الصدق في الحرير.

و الاستدلال للبطلان: بأنّ الصلاة فيه استعماله و هو محرّم، و بالأمر بالنزع الموجب للنهي عن ضدّه، ضعيف.

أمّا الأول: فلمنع حرمة مطلق استعماله.

و أمّا الثاني: فلما مرّ في الحرير، و يأتي في المغصوب.

ثمَّ الظاهر أنّ حكم المنسوج من المموّه بالذهب حكم الذهب، لأنّ ماء الذهب ذهب، فيصدق لبس الذهب و الصلاة فيه فيما يصدق على المنسوج من الذهب، فتأمّل.

و أما الخاتم المموّه: فالظاهر فيه عدم التحريم، لأنّ المركّب من الذهب و غيره ليس بذهب.

السادس:
اشارة

أن لا يكون مغصوبا، فلا

تجوز الصلاة في الثوب المغصوب في الجملة.

و تحقيقه: أنه يحرم لبس الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية بإجماع العلماء المحقق، و المصرّح به في الناصريات و الغنية «2»، و اللوامع، و المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام و شرح القواعد و الذكرى و روض الجنان «3» و المعتمد، و غيرها «4».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 140.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) المنتهى 1: 229، التذكرة 1: 96، التحرير 1: 30، نهاية الإحكام 1: 378، جامع المقاصد 2: 87، الذكرى: 146، روض الجنان: 204.

(4) كما في كشف اللثام 1: 186، و الحدائق 7: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 361

و هو الحجة فيه، مضافا إلى أنّه تصرّف في ملك الغير عدوانا، و هو غير جائز بالضرورة من جميع الأديان و الملل، و بحكم العقل، و تواتر النقل.

ففي النبوي: «لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه جادّا و لا لاعبا» «1».

و في الوسائل عن صاحب الزمان: «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2».

و في رواية محمد بن زيد الطبري: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه» «3».

و تبطل الصلاة فيه أيضا فيما لو كان ساترا للعورة بالفعل، عند الأكثر، منهم: الفاضل في التحرير و التذكرة و نهاية الإحكام «4»، و الشهيد في جملة من كتبه «5»، بل قال في البيان: و لا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب و لو خيطا. و عليه الإجماع في كثير ممّا ذكر، و في غيره أيضا «6».

و هو كذلك. لا لما قيل «7» من أنه مأمور بإبانة المغصوب عنه و ردّه، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة، و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن

ضده و لو كان خاصا على الحق المنصور فيفسد، أو يقتضي عدم الأمر بضده الخاص مجتمعا معه لو كان هو مضيّقا و الآخر موسّعا كما في المورد [1]، فتبقى الصلاة بلا أمر و هو عين الفساد.

______________________________

[1] حيث إن الأمر بالإبانة فوري إجماعا و الفرض سعة وقت الصلاة، و إلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) غوالي اللئالي 1: 224- 107.

(2) الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.

(3) الكافي 1: 547 الحجة ب 20 ح 25، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2.

(4) التحرير 1: 30، التذكرة 1: 96، نهاية الإحكام 1: 378.

(5) كالدروس 1: 151، و الذكرى: 146، و البيان: 121.

(6) انظر: جامع المقاصد 2: 87، و كشف اللثام 1: 187.

(7) كما في كشف اللثام 1: 186، و الرياض 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 362

و لا لما قيل فيما إذا كان ساترا من أنّ الستر شرط الصلاة، فإذا تعلّق به النهي لا يكون استتارا مأمورا به فيفسد، و بفساده يفسد المشروط «1» و لا لاستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية.

و لا لأنّ أجزاء العبادات إنّما تكون بدليل شرعي و لا دليل هنا. لضعف الجميع:

أمّا الأول: فلأنّ الأمر بالنزع و إن اقتضى النهي عن ضدّه الذي هو الصلاة، أو عدم الأمر به المنافي للأمر بالصلاة، و لكن الأمر بها أيضا كذلك و إن كان موسّعا، فإنّ معنى الأمر الموسّع بالصلاة فيما بين الدلوك و الغروب وجوبها في كلّ من أجزاء ذلك الوقت تخييرا، و هو يقتضي عدم النهي عنه في شي ء من تلك الأجزاء، و إلّا لم يستوعب التوسعة

جميع الأجزاء، و كذا يقتضي عدم الأمر بضدّه في شي ء منها لذلك، فيحصل التعارض بين الدليلين، و حيث لا ترجيح فيجب الحكم بالتخيير، كما هو مقتضى التعارض بدون الترجيح.

و أمّا تساقطهما و الرجوع إلى الأصل الموجب لفساد الصلاة حيث إنّ الأصل عدم الأمر به فإنّما هو في مقام علم انتفاء التخيير بإجماع أو نحوه، و لم يثبت ذلك في المقام.

و توهّم كون الأمر بالنزع خاصا، لأنّه فوري يقتضي النهي عن ضدّه أو عدم الأمر به في أول الوقت مثلا بخصوصه، و هو أخصّ من الأمر بالصلاة في جميع تلك الأجزاء، فاسد، إذ ليس هنا أمر فوري بخصوص ذلك الوقت، بل فوريته أيضا عامة استمرارية، يعني أنه أمر بالنزع في كلّ وقت فورا، فهو أيضا عام.

فإن قلت: نعم، و لكن الإجماع على فورية النزع في كلّ وقت بخصوصه دون الصلاة أوجب ترجيحه.

قلنا: تحقّق ذلك الإجماع في كلّ وقت حتى حين إرادة الصلاة غير معلوم،

______________________________

(1) انظر المدارك 3: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 363

سيما إذا دخل في الصلاة ثمَّ علم بالغصبية [1]، كما أنه علم عدم الإجماع في الجزء الأخير من الوقت.

و أمّا الثاني: فلما ذكرناه في الحرير، فإنّ الشرط مستورية العورة دون سترها الذي هو تصرّف في المغصوب، و إنّما هو مقدّمة لها، و التوصّل بالمقدّمة المنهية لا يوجب فساد ذي المقدّمة، إلّا إذا كانت المقدّمة عبادة تفسد بالنهي فتنتفي المقدمة و ينتفي بانتفائها ذو المقدّمة، و ليس الستر كذلك.

مع أنه لو تعلّق النهي بنفس المستورية التي هي شرط الصلاة أيضا لم يوجب فسادها، لأنّ ذلك إنما هو فيما إذا كان الشرط عبادة، حيث إنّ تعلّق النهي به يستلزم فساده المترتّب عليه فساد مشروطه،

و أمّا إذا لم يكن عبادة فلا، فإنّ النهي لا يقتضي فساده حتى يترتّب عليه فساد المشروط، و إنّما يقتضي حرمته، و لا تلازم بينها و بين حرمة المشروط، كما لو أزال الخبث بالماء المغصوب، و المستورية ليست عبادة، و لذا لا يشترط فيها القصد، بل و لا صدورها عن المصلّي.

و أمّا الثالث: فلأنّ المشغول به الذمة يقينا و هو الصلاة قد تحقّق قطعا، و لا شغل بغيرها يقينا، و الأصل ينفيه.

و أما الرابع: فظاهر.

بل [2] للمروي في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، و بشارة المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري، المنجبر ضعفه بالعمل: «يا كميل، انظر فيما تصلّي و على ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول» «1» و عدم القبول مستلزم لعدم الإجزاء الذي هو عين الفساد.

و لأنّ الحركات الواقعة فيه و الحاصلة له بواسطة الركوع و السجود و القيام

______________________________

[1] نعم لو ثبت ذلك الإجماع لكان كذلك. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] عطف على قوله: لا لما قيل .. في ص 361.

______________________________

(1) تحف العقول: 117، بشارة المصطفى: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 364

و الجلوس من القبض و البسط و النزول و الصعود و غيرها تصرّفات في المغصوب منهي عنها، و كلّ منها أجزاء للصلاة فيفسد، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

و القول: بأنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة، فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها، مردود: بأنّه إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا شك في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرّمة، لكونها محرّكة للشي ء المغصوب، فلا تكون مأمورا بها، و

اعتبار الجهتين غير نافع كما بيّن في موضعه.

فإن قيل: لازم عدم اجتماع الأمر و النهي عدم الحكم بهما معا، فيصار إلى التخيير كما مرّ في الدليل الأول، و لازمه صحة الصلاة.

قلنا: التخيير إنّما كان لو كان الأمر التخييري بجميع أفراد الركوع مثلا أمرا شرعيا عاما، و ليس كذلك، بل التخيير إنّما هو بمقتضى الأصل، و لا أثر له مع النهي العام.

و التوضيح: أنه إذا كان كلّ من الأمر و النهي مطلقين كما في المورد، يكون النهي حينئذ عاما لا محالة، نحو: أكرم بصريّا، و لا تكرم الخياطين، و حينئذ مع أنه يمكن الجمع بإكرام بصري غير الخيّاط و العرف أيضا يفهم الاختصاص نقول:

إنّ تجويز إكرام كلّ بصري إنّما هو لأصالة عدم التقييد، و لا يبقى للأصل أثر بعد ذلك النهي العام. و على هذا فلا يكون هذا الفرد من الركوع مثلا مأمورا به فيفسد.

ثمَّ إنه على ما ذكرنا لا يختلف الحال في الساتر و غيره، بل يجري في مثل الخيط و الخاتم و المستصحب أيضا إذا استلزم شي ء من أجزاء الصلاة تحريكا فيه زائدا على اللبس الأول.

نعم، لو لم يستلزم ذلك فالظاهر عدم البطلان، كما صرّح به المحقّق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 365

الخوانساري في حواشيه على الروضة، و مثّل له بعمامة على رأسه «1».

و فيه نظر، لنزولها و صعودها و تقدّمها و تأخّرها بالركوع و السجود و القيام و القعود و إن كان مع الرأس، و هو أيضا تصرّف في المغصوب و نقل له من مكان إلى آخر.

نعم، لو مثل له بعمامة كان في الرأس ثمَّ نزعها قبل الركوع، كان صحيحا.

و أمّا الفرق بين الساتر و غيره- كالمعتبر و الذكرى و المدارك و

روض الجنان «2»- فهو مبني على الاقتصار على الدليل الثاني، و قد عرفت الحال فيه.

فروع:

أ: ما سبق إنّما كان مع العلم بالغصبية. و أمّا مع الجهل بها فلا تبطل الصلاة، لأنه إنّما كان من جهة الإجماع و النهي، و لا إجماع في حقّ الجاهل، بل هو محكي «3» بل محقّق على خلافه، و لا نهي مع الجهل، لاشتراط التكليف بالعلم خصوصا في مثل المقام المتواتر فيه الأخبار الدالّة على أنّ كلّ شي ء فهو لك حلال حتى تعلم أنه حرام «4».

و مثل الجاهل الناسي للغصبية، كما صرّح به جماعة «5»، لما ذكر.

خلافا للقواعد و التذكرة، فيعيد مطلقا «6»، لأنه مفرّط، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار، و لأنّه لمّا علم كان حكمه المنع عن الصلاة فالأصل بقاؤه.

______________________________

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 185.

(2) المعتبر 2: 92، الذكرى: 146، المدارك 3: 182، روض الجنان: 204.

(3) انظر الرياض 1: 128.

(4) انظر الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4.

(5) منهم الحلي في السرائر 1: 270، و العلامة في المنتهى 1: 230، و الشهيد في البيان: 121 و الكركي في جامع المقاصد 2: 89.

(6) القواعد 1: 27، التذكرة 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 366

و ضعفهما ظاهر، فإنّ النسيان قد يعرض مع التكرار أيضا، و لو سلّم فكون مثل هذا التفريط موجبا للإعادة لا دليل له.

و أمّا المنع من الصلاة فرفعه بعد النسيان ممّا لا ريب فيه، لامتناع تكليف الغافل.

مع أنّ المنع المتحقّق أوّلا كان حال العلم، و هو منتف، فالاستصحاب غير ممكن.

و للمختلف و الدروس «1»، فأوجبا الإعادة في الوقت خاصة، لقيام السبب و هو الوقت. دون خارجه، لأنّ القضاء بأمر جديد.

و فيه: منع كون الوقت سببا

للوجوب بعد تحقّق الامتثال.

و ربّما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس و الناسي له عنده «2». و لا وجه له.

ب: الجاهل بالحكم الشرعي كالجاهل بالغصب إن لم يخطر بباله خلافه، لعدم تقصيره، و إلّا فكالعامد. و الناسي له كالأول، لعدم تقصيره قطعا.

ج: لو أذن المالك للغاصب أو غيره، جازت صلاته و صحّت، لزوال النهي. و لو أذن إطلاقا أو عموما لم يدخل الغاصب، لعدم العلم بالرضا في حقه، كما هو مقتضى ظاهر الحال المعتاد بين الأغلب. و لو أذن للغاصب فإن كان في مجرد صلاته فلا يجوز لغيره، لعدم انتفاء الغصبية، و إن كان في مطلق التصرّف، يجوز، لانتفائها.

د: الظاهر صحة الصلاة في المبيع فاسدا، سواء جهل كلّ من المتبايعين بالفساد، أو علما، أو جهل أحدهما دون الآخر، لتحقّق الإذن، و عدم صدق الغصبية.

نعم، لو علم المشتري دون البائع و احتمل لأجل ذلك عدم رضاه، اتّجه

______________________________

(1) المختلف: 82، الدروس 1: 151.

(2) انظر كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 367

المنع و البطلان.

ه: لو غصب شيئا و لم يستصحبه، لا تبطل صلاته و لو في سعة الوقت.

و من تمسّك في المقام بالنهي عن الضد يقول بالبطلان.

و: لا يتفاوت الحال في البطلان فيما يبطل بين ما إذا تمكّن من الردّ و عدمه، للنهي عن التصرّف على الحالين.

نعم، لو استصحبه محافظة له حتى يتمكن من الرد فالظاهر عدم البطلان، لعدم النهي عن هذا التصرّف، إذ لو نهي عنه فأمّا يؤمر بالردّ حينئذ، و هو تكليف بغير المقدور- و القول بأنّه جائز إذا كان السبب فيه هو المكلّف نفسه واه جدّا- أو بتركه و عدم حفظه، و هو أيضا باطل قطعا، أو بتصرّف آخر غير هذا

التصرّف، و هو ترجيح بلا مرجّح.

تتميم فيه مسألتان:
المسألة الأولى: جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم مع شي ء من الساق و لو قليلا مجمع عليه،

و بدونه أصح القولين، وفاقا للمبسوط و الوسيلة و الإصباح و المنتهى و التحرير و الروضة و الجعفرية و شرح القواعد و المدارك «1»، بل أكثر متأخّري المتأخّرين، بل المتأخّرين كما قيل «2»، للأصل.

و قد يستدلّ «3» أيضا بالتوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة للشيخ:

هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجله بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب: «جائز» «4» و البطيط كما في القاموس: رأس الخفّ بلا ساق «5».

______________________________

(1) المبسوط 1: 83، الوسيلة: 88، المنتهى 1: 230، التحرير 1: 30، الروضة 1: 207، الجعفرية (رسائل الكركي 1): 102، جامع المقاصد 2: 106، المدارك 3: 184.

(2) انظر: المدارك 3: 184، و الذخيرة: 235، و الحدائق 7: 160، و الرياض 1: 129.

(3) كما في الحدائق 7: 161.

(4) الاحتجاج: 484، الغيبة: 234.

(5) القاموس المحيط 2: 363.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 368

و فيه تأمّل، لأنّ الكعبين داخلان في ظهر القدمين، لأنّهما قبّتاهما، فلا يكون المسؤول عنه ساترا لظهر القدم. بل قد يجعل ذلك مؤيّدا للقول الآخر، لإشعاره بالمنع فيما يغطّي الكعبين، و هو أيضا غير جيّد.

نعم، لو جعلنا الكعبين مفصلي الساقين و القدم لكان يصلح دليلا للمختار، و كذا إن كان مراد المخالف ستر شي ء من ظهر القدم.

و خلافا لظاهر الحلّي «1»، و المحقّق في كتبه الثلاثة «2»، و التذكرة و القواعد و الإرشاد و اللمعة و الدروس و البيان «3»، فمنعوا عن الصلاة فيه مطلقا، لعدم صلاة الحجج فيه، و ضعفه ظاهر.

و للشهرة المحقّقة و المحكية.

و فيه: أنّها لو سلّمت فإنّما هي في الشمشك [1] و النعل السندي اللذين هما المصرّح بهما في كلام

القدماء دون المطلق.

و كون المنع عنهما لسترهما ظهر القدم ممنوع، بل يمكن أن يكون لعدم إمكان الاعتماد معهما على الرجلين، أو على إبهامهما عند السجود كما قيل «4»، أو لوجه آخر لم نعلمه.

و حكاية الشهرة معارضة بحكاية الشهرة المتأخّرة و تحقّقها على الجواز.

و للمحكي عن المقنعة و النهاية و المهذّب و الجامع و المراسم «5»، فمنعوا عن الصلاة في الشمشك و النعل السندي خاصة، لما ذكر مع ضعفه، و لما في الوسيلة

______________________________

[1] بضمّ الأولين و كسر ثالثة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 263.

(2) المعتبر 2: 93، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 25.

(3) التذكرة 1: 98، القواعد 1: 28، الإرشاد 1: 247، اللمعة (الروضة 1): 207، الدروس 1: 151، البيان: 121.

(4) انظر كشف اللثام 1: 191.

(5) المقنعة: 153، النهاية: 98، المهذب 1: 75، الجامع للشرائع: 66، المراسم: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 369

من قوله: و روي أنّ الصلاة محظورة في النعل السندية و الشمشك «1».

و هو ضعيف غير صالح للاحتجاج، إلّا أن يدّعى انجباره بشهرة القدماء، و هو في حيّز المنع. و لو سلّم لم يفد لنا شيئا، إذ غايته ثبوت المنع فيهما، و حقيقتهما و كيفيتهما غير معلومة لنا، بل لا نعلم كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق، و في مجمع البحرين: إنّه ليس في الشمشك نص من أهل اللغة «2».

[المسألة] الثانية: كلّ ما عدا ما ذكرنا تصح الصلاة فيه،

للأصل، و إطلاقات الصلاة.

______________________________

(1) الوسيلة: 88.

(2) مجمع البحرين 5: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 370

الفصل الثالث: فيما يستحب في لباس المصلي و يكره
أمّا المستحبات

فأمور:

منها: الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع، كما صرّح به جماعة «1»، و هو الحجة فيه مضافا إلى الأخبار [1].

إلّا أنها مطلقة و الأكثر قيّدوها بالعربية، و هو حسن، إذ لم يثبت حقيقة إطلاق النعل على غيرها، إذ مع السندية مكروهة إجماعا.

مع أنّ أكثر الأخبار وردت بخطاب المشافهة الغير المتعدّي حكمه إلى غير المخاطب إلّا مع الاشتراك في الوصف، و هو في حقّ غير المتنعّل بالعربية ممنوع.

فما ذكره بعض المتأخّرين من أولوية الإطلاق «2»، غير جيّد.

و القول بكفاية الاحتمال في المستحبات للتسامح «3»، باطل، إذ لم يثبت هذا القدر من التسامح [2].

و منها: أن تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: درع [3] و إزار و خمار، بلا خلاف فيه

______________________________

[1] انظر الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلّي ب 37، و ليس في قوله في صحيحة البصري الآمرة بالصلاة في النعل: «إنه يقال ذلك من السنة» دليل على عدم الاستحباب، إذ يمكن أن يكون المعنى: لو فعلت هذا يقال ذلك و يعتدون بك. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الاستحباب في النعل للرجل، و يمكن للمرأة أيضا كما صرّح به في البيان: 122. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] درع المرأة: قميصها. مجمع البحرين 4: 324.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 230، و التذكرة 1: 98، و الشهيد الأول في الذكرى: 148، و الكركي في جامع المقاصد 2: 107، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 214، و صاحب الرياض 1: 129.

(2) كما في المدارك 3: 185.

(3) كما في الرياض 1: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 371

بين الأصحاب، و في المنتهى: ذهب إليه

العلماء كافة «1»، فهو الحجة فيه، مع صحيحة جميل «2»، و موثّقة ابن أبي يعفور «3».

و منها: أنّ المصلّي إذا لم يكن عليه إلّا سراويل طرح على عاتقه شيئا و لو حبلا أو خيطا أو تكة، صرّح به الأكثر «4»، و تدلّ عليه صحيحة محمد «5»، و مرفوعة علي بن محمد «6».

و منها: أنه إن صلّى في إزار وحده يرفعه إلى الثديين، لرواية سفيان بن السمط «7»، و مرسلة رفاعة «8».

و منها: التعمم و التسرول، صرّح باستحبابهما في الصلاة في السرائر و الدروس «9»، و غيرهما «10». بل في حاشية الروضة للمحقّق الخوانساري الاتّفاق على استحبابهما «11».

______________________________

(1) المنتهى 1: 237.

(2) التهذيب 2: 218- 860، الاستبصار 1: 390- 1484، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.

(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217- 856، الاستبصار 1:

389- 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.

(4) منهم الشيخ في النهاية: 98، و العلامة في المنتهى 1: 240، و التذكرة 1: 93، و الكركي في جامع المقاصد 2: 103، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 190.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216- 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

(6) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 5، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 5.

(7) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 391 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 5.

(8) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216- 849، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة    ج 4    372     أما المستحبات ..... ص : 370

(9) السرائر 1: 260، الدروس 1: 147.

(10) كالجامع للشرائع: 65، و نهاية الإحكام 1: 367، و الذكرى: 147، و جامع المقاصد 2: 94.

(11) الحواشي على شرح اللمعة: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 372

للمروي في جامع الأخبار: «من صلى ركعتين بعمامة فضله على من لم يتعمّم كفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله على أمّته» «1».

و في شرح القواعد: و روي: ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره.

قال في الذكرى: و كذا روي في العمامة «2».

و في المكارم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ركعة بعمامة أفضل من أربع بغير عمامة» «3».

و منها: التجمل في الثياب للصلاة، ذكره في السرائر «4»، و غيره «5»، للمروي في تفسير العياشي و الجوامع: كان الحسن بن علي عليهما السلام إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له ذلك، فقال: «إنّ اللّه جميل و يحبّ الجمال فأتجمّل لربّي» و قرأ قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ الآية «6».

و لكن في مكارم الأخلاق: عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّا إذا أردنا أن نصلّي نلبس أخشن ثيابنا» «7».

و في رواية ابن كثير: «كان علي بن الحسين [عليهما السلام يلبسها و كانوا عليهم السلام ] يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة و نحن نفعل ذلك» [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 450 الزي و التجمل ب 8 ح 4، الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 1.

و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) جامع الأخبار: 77، المستدرك 3: 231 أبواب لباس المصلي ب 44 ح 1.

(2) جامع المقاصد 2: 94، الذكرى: 140، الوسائل 4: 465 أبواب لباس المصلي ب 64 ح

3.

(3) مكارم الأخلاق 1: 260- 780، الوسائل 4: 464 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 1 و فيهما ركعتان.

(4) السرائر 1: 260.

(5) كنهاية الإحكام 1: 367.

(6) تفسير العياشي 2: 14- 29، جوامع الجامع 1: 433، الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 6، و الآية في الأعراف: 31.

(7) مكارم الأخلاق 1: 251- 745، المستدرك 3: 226 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 373

و قد يجمع بينهما بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلّى لحاجة مهمة أو دفع بلية، حيث إنّه ورد استحبابه في تلك الحالة «1»، فيخصّ أخبار التجمّل بذلك، و به تصير أخص من أخبار لبس الخشن فتخصّ به.

و منهم من حمل أخبار التجمّل على الصلاة في المحافل كالجماعات و الأعياد، و أخبار الخشن على الصلاة في الخلوات «2»، للمروي في المجمع: عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: «أي خذوا ثيابكم التي تزينون بها للصلاة في الجماعات و الأعياد» «3».

و منها: لبس خاتم فيه عقيق، للمروي في إعلام الدين للديلمي: «صلاة ركعتين بفصّ عقيق تعدل ألف ركعة بغيره».

و قال عليه السلام: «ما رفعت إلى اللّه تعالى كف أحب إلى اللّه تعالى من كف فيها عقيق» «4».

و منها: لبس خاتم فصّه جزع يماني، للمروي في العيون: «إنّ الصلاة في الجزع سبعون صلاة و إنه يسبح و يستغفر، و أجره لصاحبه» «5».

و منها: أن يصلّي في الثياب البيض، ذكره في الدروس و البيان «6»، و غيرهما «7». و هو كاف في المقام و إن كان ما استندوا إليه غير مختص بحال الصلاة.

و

أمّا المكروهات

فأمور أيضا:

منها: الصلاة في ثوب أسود عدا العمامة و

الخف و الكساء.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 2 و 7.

(2) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.

(3) مجمع البيان 4: 412.

(4) أعلام الدين: 392، 393.

(5) عيون أخبار الرضا 2: 132- 18، الوسائل 5: 96 أبواب أحكام الملابس ب 57 ح 2.

(6) الدروس 1: 147، البيان: 122.

(7) كالمراسم: 64، و التذكرة 1: 99، و المنتهى 1: 232، و الذكرى: 149، و الكفاية: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 374

أمّا المستثنى منه: فلتصريح جملة من الأصحاب، بل للإجماع المحقّق، و المحكي ظاهرا في المعتبر و المنتهى «1».

و لمرسلة الكافي: «لا تصلّ في ثوب أسود، فأمّا الخف و العمامة و الكساء فلا بأس» «2».

و مرسلة محسن: أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال: «لا تصلّ فيها، فإنها لباس أهل النار» [1].

و مقتضى التعليل في الأخيرة: كراهة القلنسوة السوداء في غير الصلاة أيضا، و هو كذلك.

بل يكره مطلق لباس السود- سوى ما ذكر- مطلقا، لمرسلة البرقي: «يكره السواد إلّا في ثلاث: الخف و العمامة و الكساء» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا تلبسوا السواد، فإنه لباس فرعون» «4».

و رواية حذيفة و فيها: «و أنا أعلم أنه لباس أهل النار» «5».

و ظاهر الصدوق في الفقيه: تحريم لبس السواد مع عدم التقية [2]، و لعله

______________________________

[1] الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 30، الفقيه 1: 162- 765، التهذيب 2: 213- 836، الوسائل 4: 386 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 1، المرسلة الأخيرة مختصة بالقلنسوة و قد يتوهم التعميم لعموم التعليل و هو عليل، إذ لا عموم في التعليل لأنه ليس إلّا كون القلنسوة السوداء من لباس أهل النار. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الفقيه 1: 163، حيث

قال فيه: و أما في حال التقية فلا إثم في لبس السواد. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) المعتبر 2: 94، المنتهى 1: 232.

(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ذ. ح 24، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 4.

(3) الكافي 6: 449 الزي و التجمل ب 6 ح 1، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 2.

(4) الفقيه 1: 163- 766، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 5.

(5) الكافي 6: 449 الزي و التجمل ب 6 ح 2، الفقيه 1: 163- 770، علل الشرائع: 347- 4، الوسائل 4: 384 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 375

لظهور النهي في الأخبار في التحريم.

و لكنه يضعّف بالمعارضة مع المروي في العلل: قد كانت الشيعة تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن لبس السود فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء و قلنسوة سوداء و خف أسود مبطن بالسواد- إلى أن قال-: «بيّض قلبك و البس ما شئت» «1».

و هو لموافقته لمذهب العباسيين المتسلّطين في ذلك الزمان و إن أوجبت مرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الناهية، إلّا أنّ شذوذ هذه و مخالفتها لشهرة الأصحاب بل إجماعهم أخرجها عن صلاحية إثبات الحرمة فيثبت بها الكراهة، و يحمل المعارض على التقية أو بيان الرخصة.

و أمّا المستثنى فهو مجمع عليه في العمامة، و مشهور في الخف، فلم يذكره المفيد و الديلمي و ابن حمزة على ما حكي عنهم، و مصرّح به في الكساء في جملة من كلمات القوم كالجامع و شرح القواعد و البيان و اللمعة و النفلية «2»، و شرح الجعفرية، و غيرها من كتب المتأخّرين «3».

و هو في الثلاثة

كذلك، للمرسلتين المتقدّمتين.

و استشكال بعضهم «4» في الأخير، لعدم استثناء أكثر القدماء، غير جيّد.

و منها: الصلاة في المعصفر و المزعفر، كرههما جماعة «5»، لرواية يزيد بن

______________________________

(1) علل الشرائع: 347- 5، الوسائل 4: 385 أبواب لباس المصلّي ب 19 ح 9.

(2) الجامع للشرائع: 65، جامع المقاصد 2: 107، البيان: 122، اللمعة (الروضة 1): 208، النفلية: 12.

(3) كالمسالك 1: 24، و روض الجنان: 208، و الروضة 1: 208، و مجمع الفائدة 2: 87، و الكفاية: 16.

(4) رياض المسائل 1: 129.

(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 94، و العلامة في المنتهى 1: 232، و التحرير 1: 30، و التذكرة 1:

99، و نهاية الإحكام 1: 387، و الشهيد في الذكرى: 147، و البيان: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 376

خليفة «1». و هو إنّما يتم على ما في بعض نسخها من عطف الثاني فيها على الأول بالواو، و أمّا على ما في بعض آخر من سقوط الواو فلا يثبت إلّا كراهة الجامع للوصفين.

و الاستدلال لكراهة الصلاة في الأول ببعض الروايات العامية «2» الدالّة على كراهة لبسه غير جيّد، لعدم الملازمة، مع أنه معارض بكثير من الروايات الخاصة الدالّة على عدم كراهته «3».

و منها: الصلاة في الثوب الأحمر الشديد الحمرة، لموثّقة حمّاد: «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» «4» بسكون الفاء و فتح الدال: الشديد الحمرة، ذكره أكثر أهل اللغة «5»، أو شديد اللون بقول مطلق من دون تقييد «6»، و على التقديرين يثبت المطلوب.

و رواية مالك و فيها بعد ذكر أن على أبي جعفر عليه السلام ملحفة حمراء شديد الحمرة أنه قال: «إنّا لا نصلّي في هذا و لا تصلّوا في المشبع المضرج» الحديث «7». و المضرّج:

المصبوغ بالحمرة.

و يستفاد كراهة لبس شديد الحمرة و لو في غير الصلاة أيضا، و تدلّ عليه أيضا مرسلة ابن أبي عمير: «يكره المفدم إلّا للعروس» «8».

______________________________

(1) التهذيب 2: 373- 1550، الوسائل 4: 461 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 3.

(2) سنن النسائي 8: 203.

(3) الوسائل 5: 30- 31 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 7، 8، 11، 12.

(4) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 22، التهذيب 2: 373- 1549، الوسائل 4: 460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 2.

(5) الصحاح 5: 2001، لسان العرب 12: 450.

(6) مقاييس اللغة 4: 482.

(7) الكافي 6: 447 الزي و التجمل ب 5 ح 7، الوسائل 4: 460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 1.

(8) الكافي 6: 447 الزي و التجمل ب 5 ح 5، الوسائل 5: 29 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 377

و أمّا الشديد من سائر الألوان: فلا كراهة فيه لا في الصلاة و لا في غيرها، للأصل.

و قد يقال بها فيها «1»، للموثّقة بناء على تفسير المفدم بالمطلق- و إن لم يثبت- للمسامحة.

و هو ضعيف فإنّه لم يثبت ذلك المعنى لهذا اللفظ [1]، و لو ثبت لم يكن إلّا مشتركا خاليا عن قرينة التعيين، فيؤخذ بالمتيقّن، و لا يصدق في المطلق بلوغ الثواب الذي هو مدرك التسامح.

ثمَّ ظاهر الموثّقة: عموم الكراهة للرجال و النساء.

و في الدروس خصّها بالرجال و كذلك في الأسود «2»، و لا وجه لهما.

و منها: التوشح، لاستفاضة الأخبار به «3». و لكن لا تترتّب عليه فائدة، لعدم وضوح المراد منه، فإنّه فسّر تارة: بالتقلّد بالثوب «4». و اخرى: بلبسه.

و ثالثة: بأخذ طرفه الملقى على منكبه

الأيمن من تحت يده اليسرى و بالعكس ثمَّ عقدهما على صدره، ذكره النووي في شرح صحيح المسلم [2]. و رابعة: بإدخاله تحت اليمنى و إلقائه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم «5». و خامسة: بالالتحاف كاليهود، ذكره في الخلاف [3]. و سادسة: بشد الوسط بما يشبه الزنّار.

و القول بأنّ النهي عن المشترك يحمل على النهي عن جميع معانيه ضعيف،

______________________________

[1] فإنه في أكثر كتب اللغة كالفائق و القاموس و المجمع و غيره مفسّر بالمقيد. منه رحمه اللّه.

[2] هامش إرشاد الساري 3: 163.

[3] لم نعثر عليه في الخلاف لكنه موجود في التهذيب 2: 215.

______________________________

(1) الرياض 1: 129.

(2) الدروس 1: 147.

(3) انظر الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24.

(4) القاموس 1: 264.

(5) المغرب 2: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 378

لعدم الدليل، سيما مع القول بعدم جواز استعمال المشترك في جميع معانيه، مع أنّ الاشتراك بين الجميع غير معلوم، و حقيقته غير متميّزة.

و منها: الاتّزار فوق القميص. لا لأخبار كراهة التوشح، لأنه غيره كما نصّ به أهل اللغة «1». و توهّم إشعار بعض الأخبار باتّحادهما «2»، فاسد، لمنعه. بل لصحيحة أبي بصير «3».

خلافا لجماعة «4»، لأنّه غير التوشّح، و للصحيحين النافي أحدهما للبأس عنه «5»، و المثبت ثانيهما لفعل أبي جعفر عليه السلام له «6».

و ضعف الأول ظاهر، و نفي البأس الذي هو العذاب لا ينافي الكراهة، و فعل الإمام للمكروه لبيان الجواز محتمل.

و منها: صلاة الرجل في الثوب الواحد الرقيق الغير الحاكي للبشرة، ذكره جماعة «7»، لفتوى هؤلاء، مضافا إلى نفي بعضهم وجدان الخلاف فيه «8».

______________________________

(1) القاموس 1: 264 و 377، الصحاح 1: 415 و 578.

(2) رياض المسائل 1: 130.

(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب

64 ح 7، التهذيب 2: 214- 840، الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 1.

(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 96، و العلامة في المنتهى 1: 232، و الشهيد في الذكرى: 148، و صاحب المدارك 3: 203.

(5) الفقيه 1: 166- 780، التهذيب 2: 214- 842، الاستبصار 1: 388- 1475، الوسائل 4: 397 أبواب أحكام الملابس ب 24 ح 5.

(6) التهذيب 2: 215- 843، الاستبصار 1: 388- 1476، الوسائل 4: 397 أبواب أحكام الملابس ب 24 ح 6.

(7) منهم الشيخ في النهاية: 97، و المبسوط 1: 83، و المحقق في المعتبر 2: 95، و الشهيد في الدروس 1: 148، و الذكرى: 146، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 107، و صاحب المدارك 3:

202.

(8) رياض المسائل 1: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 379

بل في الواحد غير الرقيق أيضا كما في النافع «1»، و الرقيق و إن تعدّد كما في اللمعة «2»، لفتواهما، مضافا في الثاني إلى بعض الروايات العامية كما في شرح القواعد «3»: عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه» «4» و مع كون المصلّي إماما إلى المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يؤمّ في قباء و قميص، قال: «إذا كان في ثوبين فلا بأس» [1].

و الاستدلال للأول: بمفهوم الصحيحين النافيين للبأس في الصلاة في القميص الواحد إذا كان كثيفا أو صفيقا «5».

و للثاني: بما مرّ من استحباب ستر جميع البدن، و ما يأتي من استحباب التعمّم و التردّي، و رواية قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في سراويل واحد و هو يصيب ثوبا؟ قال: «لا يصلح» «6».

و للثالث: بالصحيحين المذكورين بإلغاء قيد الوحدة

فيهما لكونه في السؤال، و بالمروي في الخصال في حديث الأربعمائة: «عليكم بالصفيق من الثياب فإنّ من رقّ ثوبه رقّ دينه، و لا يقومنّ أحدكم بين يدي الرب جلّ جلاله و عليه ثوب نشيف» «7» و بما دلّ على أنهم كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم و أخشنها في

______________________________

[1] لا يوجد في قرب الإسناد، و لكنه موجود في مسائل علي بن جعفر: 119- 62، الوسائل 4: 392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 13.

______________________________

(1) النافع: 25.

(2) اللمعة (الروضة 1): 208.

(3) جامع المقاصد 2: 94.

(4) كنز العمال 7: 331- 19120.

(5) الكافي 3: 393 و 394 الصلاة ب 64 ح 1 و 2، التهذيب 2: 216 و 217- 852 و 855، الوسائل 4: 389- 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2 و 1.

(6) قرب الإسناد: 191- 717، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.

(7) الخصال: 627، الوسائل 4: 389 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 380

الصلاة «1»، و بأنّ به يحصل كمال الستر، ضعيف.

أمّا دليل الأول: فلأنّ مقتضى المفهوم ثبوت البأس الذي هو العذاب في الرقيق، و ليس ارتكاب التجوّز فيه أولى من تخصيص الرقيق بحاكي البشرة، بل صدق الرقيق على غيره غير معلوم، فيكونان دليلين على وجوب الستر.

و أمّا دليل الثاني: فبما سبق من عدم دليل تام على استحباب ستر الجميع.

مضافا إلى أنّ كراهة ترك ستر الجميع أو التعمّم أو التردّي أو كراهة السراويل الواحد غير كراهة الثوب الواحد، الظاهرة في أنّ للوحدة مدخلية في الكراهة.

و أمّا دليل الثالث: فلما مرّ في الأول، و لأنّ الغلظة غير الصفاقة، فإنّها قد تكون مع كون الثوب حاكيا و قد

لا تكون مع غاية الصفاقة، و لأنه لا دليل على رجحان كمال الستر.

و منها: اشتمال الصمّاء بالإجماع المحقّق و المحكي حدّ الاستفاضة «2»، و هو الحجة في كراهته في الصلاة.

بل الظاهر كراهته مطلقا، لصحيح زرارة: «إيّاك و التحاف الصمّاء» قلت:

و ما التحاف الصمّاء؟ قال: «أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» «3».

و منه يظهر المراد من اشتمال الصمّاء أيضا، و به فسّر أيضا في كلام كثير من

______________________________

(1) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.

(2) كما في المعتبر 2: 96، و التحرير 1: 31، و الذكرى: 147، و جامع المقاصد 2: 108، و روض الجنان: 209.

(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 4، الفقيه 1: 168- 792، التهذيب 2: 214- 841، الاستبصار 1: 388- 1474، معاني الأخبار: 390- 32، الوسائل 4: 399 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 381

فقهائنا كالنهاية و المبسوط و الوسيلة «1»، و نسبه في الروض و الروضة و البحار إلى المشهور «2»، مشعرا بوقوع الخلاف فيه، و لعلّه إشارة إلى خلاف السيد كما نقله في السرائر «3».

فما قيل: من أنه لم أجد خلافا بين أصحابنا فيه و لعلّ الخلاف المشعر به النسبة إلى المشهور لأهل اللغة أو فقهاء العامة «4»، غير جيّد.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في أنّ العبرة بتفسير الإمام الوارد في الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة المحكية و المحقّقة، بل ظاهر الإجماع المستفاد من السرائر «5»، بل بالرواية العامية المروية عن الخدري: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن اشتمال الصمّاء، و هو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن و يردّ على طرفه الأيسر» [1]

دون ما يخالفه من التفاسير الواردة في كلام اللغويين و العامة، كما صرّح به الصدوق في معاني الأخبار «6».

ثمَّ الظاهر المتبادر من الرواية على ما في الكافي و أكثر نسخ التهذيب- و هو المصرّح به في كلام الأكثر- هو: أن المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت منكب واحد، سواء كان الأيمن أو الأيسر، ثمَّ وضعه على المنكب الواحد.

و لكن المنقول عن بعض نسخ التهذيب: «جناحيك» و الظاهر حينئذ كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين و الطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد، و يوافقه المروي في بعض الكتب عن

______________________________

[1] صحيح البخاري 7: 190، (بتفاوت).

______________________________

(1) النهاية: 97، المبسوط 1: 83، الوسيلة: 87.

(2) الروض: 209، الروضة 1: 208، البحار 80: 205.

(3) السرائر 1: 261.

(4) رياض المسائل 1: 131.

(5) السرائر 1: 261.

(6) معاني الأخبار: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 382

معاني الأخبار «1» و إن وافق ما في الكتب الأخر عنه المشهور.

و لا يبعد حمل المشهور من الصحيحة على هذا المعنى أيضا، بأن يراد من الجناح الجنس- كما في التذكرة و المنتهى «2»- إلّا أنه خلاف المتبادر.

و الاحتياط التجنّب عنه بالمعنيين. بل الأظهر كراهة كلّ منهما، لصدق الجنس المذكور على المعنيين، مع أن ظهور الرواية على الطريق المشهور في المعنى الأول و ورودها في بعض النسخ بما يوافق الثاني يكفي في إثبات الكراهة لهما، سواء كان الردّ على اليمين أو اليسار.

و أمّا ما في صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: «لا يصلح جمعهما على اليسار و لكن اجمعهما على اليمين، أو دعهما» «3» حيث إن الظاهر منها تساوي الجمع على

اليمين أو الدعة، فلا يدل على الزائد على جواز الجمع على اليمين، لعدم إرادة الطلب من الأمر بالجمع إجماعا، و هو لا ينافي الكراهة.

نعم، يستفاد منها أن الجمع على اليسار أيضا مكروه آخر، ففيه جمع بين مكروهين.

و منها: الصلاة في عمامة لا حنك لها، فيكره إجماعا محقّقا و محكيا في المعتبر و المنتهى «4»، و غيرهما «5»، و هو الحجة، مضافا إلى المرويين في الغوالي:

أحدهما: «من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» «6».

______________________________

(1) معاني الأخبار: 281.

(2) التذكرة 1: 99، المنتهى 1: 233.

(3) التهذيب 2: 373- 1551، الوسائل 4: 400 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 7.

(4) المعتبر 2: 97، المنتهى 1: 233.

(5) كالرياض 1: 131.

(6) الغوالي 4: 37- 128، مستدرك الوسائل 3: 215 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 383

و الآخر: «من صلّى مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» [1].

و ضعف الخبرين في المقام غير ضائر، مع أنّ ما مرّ له جابر، و مع ذلك مؤيّدان بما نقله الصدوق عن مشايخه أنهم يقولون: لا تجوز الصلاة في الطابقية، و لا يجوز للمعتمّ أن يصلّي و هو غير متحنك «1». و الطابقية هي أن لا يجعل تحت حنكه شيئا من العمامة و هو الاقتعاط.

و بإطلاقات كراهة التعمّم من دون تحنّك كمرسلة الفقيه: «الفرق بين المسلمين و المشركين التلحّي بالعمائم» «2» و في خبر عيسى: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» «3».

و مرسلة الكافي: «الطابقية عمة إبليس لعنه اللّه» «4» و غير ذلك.

و لمّا كان الاقتعاط عدم جعل شي ء من

العمامة تحت الحنك، و المعهود من التحنّك أيضا جعل شي ء منها تحته، بل هو معنى التلحّي بالعمامة و إدارتها تحت الحنك، فلا بدّ أن يكون المتحنّك به جزءا من العمامة وسطها أو طرفها لا شيئا من الخارج، فلا تتأدّى السنّة بغيرها.

و تردّد المحقّق الثاني و احتمل تأدّيها به أيضا «5».

و كذا المتبادر من التلحّي و التحنّك تطويق شي ء من العمامة تحت الحنك، بل هو صريح معنى الإدارة المصرّح بها، فلا يتحقّق بإسدال طرف منها على

______________________________

[1] الغوالي 2: 214- 6، و الاقتعاط هو شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك، مجمع البحرين 4: 270.

______________________________

(1) الفقيه 1: 172.

(2) الفقيه 1: 173- 817، الوسائل 4: 403 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 8.

(3) الكافي 6: 461 الزي و التجمل ب 15 ح 7، التهذيب 2: 215- 847، الوسائل 4: 401 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 2.

(4) الكافي 6: 461 الزي و التجمل ب 15 ح 5، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 4.

(5) جامع المقاصد 2: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 384

الصدر أو القفاء، كما احتمله بعض المتأخّرين «1»، جمعا بين أخبار التحنّك و الإسدال «2».

و يجمع تارة أيضا: بحمل الاولى على التحنّك حين التعمّم و الأخرى على الإسدال بعده، و اخرى: بتخصيص الاولى بحال يراد فيه المسكنة و التخشّع، و الثانية بحال يراد فيها الاختيال و الترفّع، و ثالثة: بتخصيص الاولى بالرعية و الثانية بالرسول و العترة، لورود أخبار الإسدال فيهم، و رابعة: بالتخيير بين الأمرين.

و الكلّ خروج عن الظاهر خال عن الشاهد.

و التحقيق أنّه لا تنافي بين الصنفين، إذ الإسدال لا يكون إلّا بطرف العمامة، و التحنّك يتحقّق

بكلّ جزء منها، فيمكن الجمع بين الأمرين بالتحنّك بشي ء من الوسط و إسدال أحد الطرفين.

و هل المكروه ترك التحنّك للمعتمّ حتى لم يرتكب غير المعتمّ مكروها، أو مطلق فلا تتأدّى السنّة إلّا بالتعمّم و التحنّك؟ مقتضى كلام الأكثر: الأول، و ظاهر الخبر الأول: الثاني، فهو الأجود، و لكن ذلك في حال الصلاة، و أمّا في غيرها فأخباره تكره ترك التحنّك للمتعمّم، إلّا أن يستند في أولوية التحنّك مطلقا بأولوية التعمّم الذي يستحب معه التحنّك.

ثمَّ في كلام جماعة «3» نسبة حرمة [ترك ] [1] التحنّك للمتعمّم في الصلاة إلى الصدوق طاب ثراه، و كأنّها مأخوذة من قوله المتقدم ذكره بجعل قوله: «و لا يجوز» ابتداء كلام من نفسه لا حكاية عن مشايخه، أو من ظهور ما نقله في اتّفاق مشايخه

______________________________

[1] أضفناه لاقتضاء المعنى.

______________________________

(1) البحار 80: 195.

(2) انظر الوسائل 4: 399، 401 أبواب لباس المصلي ب 25 و 26.

(3) منهم العلامة في المختلف: 83، و الشهيد الأول في البيان: 122، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 110، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 385

على ذلك، فيبعد مخالفته لهم.

و للتأمّل في كلا الأمرين مجال، بل الظاهر كون قوله: «و لا يجوز» تفسيرا لما تقدّم، و الظاهر من نسبته إلى المشايخ عدم كونه فتوى نفسه. و يحتمل عثورهم على تصريح منه في محل آخر.

و كيف كان فالتحريم ضعيف جدّا، للأصل. كما يضعف الطرف المقابل له و هو أولوية تركه في أمثال هذا الزمان، لكونه لباس شهرة كما قيل به «1»، لمنع كونه من لباس الشهرة، مع أنه لو كان منه للزم تحريمه- لأنه المستفاد من أخبار لباس الشهرة «2»- و هو خلاف

إجماع الشيعة.

و أيضا ذم الشهرة ليس منحصرا في اللباس، بل في مرسلة عثمان: «الشهرة خيرها و شرّها في النار» «3» فلو أوجب الاشتهار رفع الحكم الشرعي لسرى الأمر إلى أكثر المستحبات بل الواجبات من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل لأمكن انطواء الشريعة بتداول خلافها.

و منها: اللثام للرجل و النقاب للمرأة، لاشتهار كراهتهما بين الفقهاء، و ورودهما في بعض الأخبار «4».

و الكراهة إنما هي مع عدم المنع عن القراءة أو غيرها من الواجبات و إلّا حرما.

و منها: ترك الرداء للإمام، لفتوى جمّ غفير من الأصحاب «5». بل لمطلق

______________________________

(1) المفاتيح 1: 111.

(2) الوسائل 5: 15، 24 أبواب أحكام الملابس ب 7 و 12.

(3) الكافي 6: 445 الزي و التجمل ب 3 ح 3، الوسائل 5: 24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 3.

(4) الوسائل 4: 422 أبواب لباس المصلي ب 35.

(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 83، و النهاية: 98، و المحقق في الشرائع 1: 70، و النافع: 25، و المعتبر 2: 97، و يحيى بن سعيد في الجامع: 67، و العلامة في التحرير 1: 31، و المنتهى 1:

233، و الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 209، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 386

المصلّي من الرجال، لفتوى جماعة منهم «1»، و هي كافية في المقام.

و قد يستدلّ بأخبار غير وافية بالمرام «2»، و قد يضمّ ببعضها عدم الفصل للإتمام.

و هو شطط من الكلام، و لذا لم يفت جماعة من الأعلام بكراهة الترك مطلقا.

و أدلّ الأخبار في الإمام: صحيحة سليمان بن خالد «3»، و في غيره رواية قرب الإسناد «4»، و رسالة عليّ «5».

و هما لا تدلّان إلّا على

مرجوحية الصلاة في القميص وحده أو الإزار و القلنسوة وحدهما بدون الرداء.

و منها: الصلاة مشدود القباء في غير حال الحرب، ذكره جماعة من أصحابنا «6»، بل نسبوه إلى المشهور «7».

فإن أريد منه مشدود الأزرار فالمستفاد من الأخبار خلافه، ففي رواية الأحمري: عن رجل يصلّي و أزراره محلّلة، قال: «لا ينبغي ذلك» «8».

______________________________

(1) كالشهيد الأول في البيان: 122، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 211، و صاحب الحدائق 7:

137.

(2) الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53.

(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 3، التهذيب 2: 366- 1521، الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 183- 680، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 7.

(5) مسائل علي بن جعفر: 254- 609.

(6) منهم سلار في المراسم: 64، و الشيخ في النهاية: 98، و المبسوط 1: 83، و المحقق في النافع:

25، و المعتبر 2: 99، و الشهيد في الدروس 1: 148، و اللمعة (الروضة 1): 209.

(7) كما في البيان: 123، و الروضة 1: 209، و المدارك 3: 208.

(8) التهذيب 2: 369- 1535، الاستبصار 1: 392- 1496، الوسائل 4: 394 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 387

و في رواية غياث: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» «1».

و لا ينافيهما بعض الروايات النافية للبأس عن الصلاة محلولة الأزرار «2»، لاجتماع انتفاء البأس مع الكراهة.

بل مقتضى الروايتين: كراهة حلّ الأزرار الذي هو مقابل شدّها، فيكون الشدّ مستحبا.

و لا تعارضها فتوى جمع من الفقهاء، فإنّها إنّما تفيد في مقام الاستحباب إذا لم تعارضه الأخبار.

و إن أريد منه مشدود الوسط- و إن كان الظاهر

من الدروس و البيان مغايرتهما «3»- فلا بأس بالقول بكراهته، لأجل الاشتهار، بل تصريح الشيخ في الخلاف بالإجماع على كراهة هذا المعنى بخصوصه، قال: و يكره أن يصلّي و هو مشدود الوسط، دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط «4».

و لا يضرّها الخبران العاميان المرويان في النهاية الأثيرية المصرّحان بالنهي عن الصلاة بغير حزام «5»، لمعارضتهما مع الآخر المنقول في الذكرى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «لا يصلّي أحدكم و هو متحزّم» «6».

و لا يضرّه ما نقله بعض الأفاضل أنه رآه في كتب العامة هكذا: «و هو غير متحزّم» «7»، لإمكان التعدّد.

______________________________

(1) التهذيب 2: 326 و 357- 1334، 1476، الاستبصار 1: 392- 1495، الوسائل 4: 394 أبواب لباس المصلّي ب 23 ح 3.

(2) الوسائل 4: 393 أبواب لباس المصلي ب 23.

(3) الدروس 1: 148، البيان: 123.

(4) الخلاف 1: 509.

(5) النهاية 1: 379.

(6) الذكرى: 148.

(7) المغني و الشرح الكبير 1: 659.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 388

إلّا أن يقال: إنّ الخبرين كما يعارضان ذلك الخبر يعارضان الشهرة و نقل الإجماع، و يبقى الأصل بلا معارض، فلا يكون ذلك أيضا مكروها.

و منه يظهر أنّ الشدّ بأيّ المعنيين أخذ لا يمكن إثبات كراهته، و لذا تردّد فيه جماعة كالشيخ في التهذيب و المحقّق في النافع و الفاضل في التحرير و المنتهى، و الشهيدين في روض الجنان و الروضة و الذكرى «1»، و غيرهم من متأخّري أصحابنا «2»، المقتصرين في المسألة على نقل الكراهة.

و ظاهر المقنعة و صريح الوسيلة: حرمة الصلاة مشدود القباء «3»، بل ظاهر ما قاله الشيخ في التهذيب- بعد قول المقنعة-: ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه و سمعناه من الشيوخ

مذاكرة و لم أعرف به خبرا مسندا «4». انتهى: أنّ الحرمة هي التي ذكرها عليّ و سمعها من الشيوخ، و هو محتمل المبسوط و النهاية أيضا «5».

و كيف كان فلا ريب في ضعفه جدّا.

و منها: أن يصحب حديدا، على الأشهر كما صرّح به جماعة «6»، للمستفيضة، كموثّقة عمار: في الرجل يصلّي و عليه خاتم حديد؟ قال: «لا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 232، النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 235، روض الجنان: 210، الروضة 1: 209، الذكرى: 148.

(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 182، و صاحب المدارك 3: 208، و صاحب الحدائق 7:

144.

(3) المقنعة: 152، الوسيلة: 88.

(4) التهذيب 2: 232.

(5) المبسوط 1: 83، النهاية: 98.

(6) انظر المدارك 3: 210، و الذخيرة: 230، و البحار 80: 251، و الحدائق 7: 144، و الرياض 1: 132.

(7) الفقيه 1: 164- 773، التهذيب 2: 372- 1548، علل الشرائع: 348- 1، الوسائل 4:

418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 389

و قريبة منها رواية السكوني «1»، و المرويان في العلل «2».

و رواية النميري و فيها: «و جعل اللّه الحديد في الدنيا زينة الجن و الشياطين، فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة، إلّا أن يكون قبال عدوّ فلا بأس به» قال: قلت: فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفّه لا يستغني منه أو في سراويله مشدودا، أو المفتاح يخشى إن وضعه ضاع، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد، قال: «لا بأس بالسكين أو المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، و كذلك المفتاح إذا خاف الضيعة و النسيان، و لا بأس بالسيف و كل آلة السلاح في الحرب، و في غير ذلك لا تجوز

الصلاة في شي ء من الحديد، فإنه نجس ممسوخ» «3».

و عن المقنع و النهاية و المهذب «4»، و ظاهر الصدوق و الكليني «5»، و محتمل من قال بنجاسة الحديد: حرمة الصلاة فيه و عدم صحتها معه، كما هو مقتضى الرواية الأخيرة. و هي قوية جدّا، لذلك.

و دعوى شذوذ الرواية، لمخالفتها لعمل المعظم بعد نسبة القول بالتحريم إلى من ذكر، غير مسموعة.

و الحكم بنجاسته مع مخالفتها بالمعنى المصطلح للحق لا يصلح قرينة لإرادة الكراهة من الحرمة.

و لكن يجب تخصيصها بما إذا كان الحديد ظاهرا كما عليه فتوى القائلين

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 35، التهذيب 2: 227- 895، علل الشرائع: 348- 2، الوسائل 4: 417 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 1.

(2) علل الشرائع: 348- 3 و 1، الوسائل 4: 368، 418 أبواب لباس المصلّي ب 11 و 32 ح 5.

(3) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 13، التهذيب 2: 227- 894، الوسائل 4: 419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.

(4) المقنع: 25، النهاية: 98، المهذب 1: 75.

(5) الكافي 3: 400 و 404- 13 و 34 و 35، الفقيه 1: 163 و 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 390

بالحرمة أو الكراهة، لمرسلة الكافي: «إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه» «1».

و في التهذيب: قد قدّمنا رواية عمّار: «إنّ الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه» «2».

و منه يظهر عدم منافاة التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة: عن الرجل يصلّي و في كمّه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فوقّع عليه السلام: «جائز» «3» للحرمة، لأنّ غاية ما يدلّ عليه الجواز مع الستر في

الكم أو السراويل، فإنّ الاستتار المزيل للكراهة أو الحرمة هو ما كان محجوبا عن النظر و لو تحت الثياب دون ما كان في جلد و نحوه، إذ الغلاف المصرّح به في الروايتين في اللغة هو الحجاب، فيصدق على كلّ ما يحجب عن الناظر.

ثمَّ إنه ينبغي استثناء حال الضرورة و خوف الضياع و النسيان، للرواية المذكورة. و التخصيص بالرجال، لاختصاص الروايات بهم، و عدم ثبوت الإجماع على الاشتراك. و استثناء آلات الحرب في قبال العدوّ، للرواية [1].

و منها: الصلاة في ثوب من يتّهم بعدم التوقّي عن النجاسات أو بمساورته له و هو نجس، لفتوى معظم الأصحاب، و عموم قوله عليه السلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» «4».

______________________________

[1] و يكره أيضا الصلاة مع الحديد الصيني و إن لم يكن حديدا حقيقة، للمروي في الاحتجاج:

483، و كتاب الغيبة: 232: عن الفص الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ فكتب الجواب: «فيه كراهية أن يصلي فيه، و فيه إطلاق، و العمل على الكراهية» انتهى.

و الظاهر- كما قيل- أن الخماهن هو الحديد الصيني. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ذ. ح 35، الوسائل 4: 418 أبواب لباس المصلّي ب 32 ح 3.

(2) التهذيب 2: 227.

(3) الاحتجاج: 484، كتاب الغيبة: 234، الوسائل 4: 420 أبواب لباس المصلّي ب 32 ح 11.

(4) الذكرى: 138، الوسائل 27: 173 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 391

مضافا إلى المستفيضة كصحاح العيص «1»، و علي «2»، و ابن سنان «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، و رواية جميل «5».

و الأخيرة مصرّحة بأنّ الغسل أحبّ، و لا بأس بالصلاة فيه قبل الغسل.

و بها

و بغيرها من الأخبار- كصحيحة ابن سنان «6»، و رواية ابن عمار «7»، و التوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة و هو: إنّ عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة و لا يغسلون من الجنابة و ينسجون لنا ثيابنا، فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ فخرج الجواب: «لا بأس بالصلاة فيها» «8»- يصرف ما ظاهره التحريم- ممّا ذكر أو لم يذكر- عن ظاهره.

و عن المبسوط و السرائر: المنع عن الصلاة في ثوب صنعه الكافر «9»، معلّلين بأنّه نجس.

فإن أرادا أنه يحصل العلم من عملهم بمباشرتهم بالرطوبة- كما يومئ إليه تعليلهما، و احتمله المحقّق الخوانساري «10»- فلا كلام معهما في المسألة، و لعلّ لأجل ذلك لم ينقل الأكثر خلافهما هنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 66 ح 19، الفقيه 1: 166- 781، التهذيب 2: 364- 1511، الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.

(2) التهذيب 1: 263- 766، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 10.

(3) التهذيب 2: 361- 1494، الاستبصار 1: 393- 1498، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

(4) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 18، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 6.

(5) التهذيب 2: 219- 862، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 5.

(6) التهذيب 2: 361- 1495، الاستبصار 1: 392- 1497، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

(7) التهذيب 2: 362- 1497، الوسائل 3: 518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.

(8) الاحتجاج: 484، كتاب الغيبة: 233، الوسائل 3: 520 أبواب النجاسات ب 73 ح 9.

(9) المبسوط 1: 84، السرائر 1: 269.

(10) حواشي شرح اللمعة: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

392

و إن أرادا غير ذلك و لو مع الظن بالمباشرة مع الرطوبة فهما محجوجان بعد الأصل و عمومات الطهارة بما مرّ و ما بمعناه.

و عن الإسكافي: المنع في ثوب الذمي و من الأغلب على ثوبه النجاسة مطلقا «1»، فحكم بإعادة الصلاة المؤداة فيه و قضائها، و لعلّه اعتبر الظن في النجاسة. و يردّه ما سبق.

و ألحق بثوب المتّهم في التذكرة و الذكرى و الروضة و الدروس و البيان «2» ثوب من يتّهم بالغصب و عدم توقّي المحرّمات في ملابسه، بل قد يلحق المتّهم باستصحاب فضلات ما لا يؤكل «3». و هو حسن، لقوله: «دع ما يريبك» مع التنبيه عليه بكراهة معاملة الظالم و أخذ عطائه.

و منها: الصلاة في ثوب أو خاتم فيه تمثال و صورة، بلا خلاف في أصل المرجوحية، كما في البحار «4» و غيره «5»، و هو الحجة، مضافا إلى المستفيضة:

منها: صحيحتا ابني سنان و بزيع:

إحداهما: «أنه كره أن يصلّي و عليه ثوب فيه تماثيل» «6».

و الثانية: «عن الثوب المعلم، فكره ما فيه التماثيل» «7».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «فإنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، و لا بيتا فيه تماثيل» «8».

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف 1: 82.

(2) التذكرة 1: 99، الذكرى: 148، الروضة 1: 209، الدروس 1: 148، البيان: 122.

(3) رياض المسائل 1: 132.

(4) البحار 80: 243.

(5) انظر جامع المقاصد 2: 114، و الرياض 1: 132.

(6) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 17، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 2.

(7) الفقيه 1: 172- 810، عيون الأخبار 2: 17- 44، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 4.

(8) الفقيه 1: 159- 744، الوسائل 5: 175 أبواب مكان

المصلّي ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 393

و صحيحة أخرى لابن بزيع: عن الصلاة في الديباج، فقال: «ما لم تكن فيه تماثيل فلا بأس» «1».

و موثّقة عمار: عن الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أ يصلّي فيه؟

قال: «لا» و عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك، قال: «لا تجوز الصلاة فيه» «2» إلى غير ذلك.

و ظاهر الأخيرتين و إن كان التحريم- كما هو في النهاية و عن المبسوط في الثوب و الخاتم «3»، و عن المقنع و المهذّب في الثاني خاصة «4»- إلّا أنه محمول على الكراهة.

لا للأصل و تصريح الصحيحتين بالكراهة، لاندفاع الأصل بالنص، و أعمية الكراهة في الأخبار.

و لا لما دلّ على الكراهة في الدراهم أو البسط فيها التماثيل و نفي البأس عن الصلاة فيها «5»، لعدم الملازمة، و انتفاء الإجماع المركّب.

بل للمروي في قرب الإسناد- المنجبر بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا، بل عن المتأخّرين الإجماع «6»-: عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أ يصلى فيه؟ قال: «لا بأس» «7».

و اختصاصه بالخاتم غير ضائر، لعدم القائل بالفرق في طرف الجواز.

______________________________

(1) التهذيب 2: 208- 815، الاستبصار 1: 386- 1465، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 10.

(2) الفقيه 1: 165- 776، التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 4: 440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 15.

(3) النهاية: 99، المبسوط 1: 84.

(4) المقنع: 25، المهذب 1: 75.

(5) الوسائل 4: 436 أبواب لباس المصلّي ب 45.

(6) كما في الرياض 1: 132.

(7) قرب الإسناد: 211- 827، الوسائل 4: 442 أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 394

مع أنه جوّز في المنتهى «1» أن يكون مراد الشيخ أيضا الكراهة.

و هل الصورة و المثال يعمّان ما كان من ذي روح و غيره؟ كما صرّح به جماعة «2»، بل أسنده في المختلف إلى الأصحاب «3»، و في شرح القواعد إلى الأكثر «4». أو يخص الأول؟ كما اختاره الحلّي «5»، و نسب إلى جماعة من المحقّقين «6» الظاهر الأول، لا لعموم التمثال أو إطلاقه، لعدم ثبوته، حيث إنّ المتبادر منه مثال الحيوان، بل صرّح بعض أهل اللغة باختصاصه لغة و كونه مجازا في مثال الشجر «7».

مع أنه لو سلّم صدق المبدأ على الأعم لا يثبت منه وضع الهيئة الاشتقاقية له أيضا كما بيّنّاه في محلّه، و يؤكّده استعماله في الأخبار مطلقا فيه غالبا.

بل لفتوى الأكثر بالتعميم، بل دعوى الإجماع المستفادة من المختلف ظاهرا «8»، و مثلهما كاف في إثبات الكراهة.

و مستند الحلّي: ما مرّ من اختصاص التمثال بالحيوان، و تصريح طائفة من الأخبار بجواز تصوير غير ذي الروح «9»، و نفي البأس في صحيحتي زرارة و محمد عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر «10»، و نقش وردة و هلال في خاتم مولانا أبي

______________________________

(1) المنتهى 1: 234.

(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 147، و البيان: 122، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 114، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 24، و روض الجنان: 212، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 93.

(3) المختلف: 81.

(4) جامع المقاصد 2: 114.

(5) السرائر 1: 263، 270.

(6) نسب إليهم في الرياض 1: 133.

(7) المغرب 1: 178.

(8) المختلف: 81.

(9) انظر: الوسائل 17: 295 أبواب ما يكتسب ب 94.

(10) المحاسن: 619- 54 و 55، الوسائل 17: 296

أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2 و 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 395

الحسن عليه السلام كما في صحيحة البزنطي «1».

و يضعّف الأول: بعدم الاستناد في كراهة غير ذي الروح بأخبار التمثال.

و الثاني: بعدم الملازمة بين جواز التصوير و جواز الصلاة، مع أن الجواز لا ينافي الكراهة.

و الثالث: بعدم منافاة انتفاء البأس لثبوت الكراهة.

و الرابع: بعدم دلالته على صلاته فيه، مع أنها أيضا غير نافية للكراهة.

و هل التمثال و الصورة يختص بما له صدق معلوم في الخارج، أم يعمّ صورة المخترع من الحيوان أو غيره؟ الظاهر هو الأول، لعدم صدق التمثال و الصورة، و عدم ثبوت الشهرة في غيره.

ثمَّ إنّه ترتفع الكراهة بتغيير الصورة كما صرّح به الجماعة «2»، لصحيحة محمد: «لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة فيه» «3».

و نفي البأس و إن كان أعم من الكراهة إلّا أنه في المقام يجب الحمل على نفيها، لعدم الحرمة بدون التغيير.

و الظاهر كفاية أدنى تغيير، كما صرّح به شيخنا البهائي «4»، لصدق التغيير.

و صحيحة ابن أبي عمير: عن التماثيل في البساط لها عينان و أنت تصلّي، فقال: «إن كان لها عين واحدة فلا بأس، و إن كان لها عينان فلا» «5».

و في الصحيح أيضا: لا بأس بالتماثيل في الثوب إذا غيّرت رؤوسها و ترك ما

______________________________

(1) الكافي 6: 473 الزي و التجمل ب 26 ح 4، الوسائل 5: 99 أبواب أحكام الملابس ب 62 ح 2.

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 114، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 212، و صاحب المدارك 3: 214، و صاحب الرياض 1: 133.

(3) التهذيب 2: 363- 1503،

الوسائل 4: 440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 13.

(4) الحبل المتين: 187.

(5) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 22، التهذيب 2: 363- 1506، الوسائل 4: 438 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 396

سوى ذلك» «1».

و الظاهر ارتفاع الكراهة مع الضرورة أيضا، لسقوط التكليف معها، و يدلّ عليه في الجملة الموثّق [1].

و لا تزول الكراهة بالاستتار، لإطلاق الفتاوى و الأخبار.

و في المدارك تخفيفها بالستر «2»، استنادا إلى ما ورد في الدراهم كما يأتي. و فيه نظر.

و منها: استصحاب الدراهم التي فيها صورة، على المشهور كما صرّح به في البحار «3»، للمروي في الخصال: «لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه و هو يصلّي، و يجوز أن تكون الدراهم في هميان إذا خاف و يجعلها في ظهره» «4».

و ظاهر الرواية و الحسنة الآتية: بقاء الكراهة و إن كانت مستورة أيضا [2].

و قال جماعة بانتفائها بالاستتار عن النظر «5»، لصحيحة حمّاد: عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أ يصلّي الرجل و هي معه؟ فقال: «لا بأس إذا كانت مواراة» «6».

______________________________

[1] «عن لباس الحرير و الديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس و إن كان فيه تماثيل» منه رحمه اللّه.

الكافي 6: 453 الزي و التجمل ب 11 ح 3 الفقيه 1: 171- ذ ح 807، المهذب 2:

208- 816، الاستبصار 1: 386- 1466، الوسائل 4: 372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.

[2] لحصول الاستتار بالعقد و الكون في الهميان. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) المحاسن: 619- 56، الكافي 6: 527 الزي و التجمل ب 65 ح 8، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

(2) المدارك 3: 213.

(3)

البحار 80: 247.

(4) الخصال: 627، الوسائل 4: 438 أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 5.

(5) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، و التحرير 1: 31، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 92.

(6) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 20، التهذيب 2: 364- 1508، الوسائل 4: 439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 397

و الأولى حملها على تخفيف الكراهة، سيما مع أنّ إرادة جعلها في ورائه ممكنة، و معه تنتفي الكراهة كما صرّح به في الرواية.

و تدلّ عليه أيضا حسنة البجلي: عن الدراهم السود تكون مع الرجل و هو يصلّي مربوطة أو غير مربوطة، قال: «ما أشتهي أن يصلّي و معه هذه الدراهم التي فيها التماثيل» ثمَّ قال: «ما للناس بدّ من حفظ بضائعهم، فإن صلّى و هي معه فلتكن من خلفه، و لا يجعل شيئا منها بينه و بين القبلة» «1».

و رواية أبي بصير: «و إذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك و اجعلها من خلفك» «2».

و الظاهر المستفاد من نفي البدّ عن حفظ البضائع أنه ليس معنى جعلها في الخلف وضعها فيه، كما فهم، بل شدّها في وسطه بحيث تكون الدراهم خلفه لئلّا تكون بينه و بين القبلة و كان أبعد من توهّم العبادة لها.

و منه يظهر تعدّي الحكم إلى الدنانير المصوّرة أيضا.

و منها: الصلاة في خلخال مصوّت للمرأة في يدها أو رجلها، لظاهر الإجماع.

و استدلّ أيضا: بصحيحة علي «3». و هي غير متضمّنة لحال الصلاة.

و حرّمها القاضي «4»، لظاهر الصحيحة. و هي على مطلوبه- و هو حرمة الصلاة فيها- غير دالّة، و إنّما تدلّ على عدم صلاحية لبسه

المخالف للإجماع.

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 21، الفقيه 1: 166- 779، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 3.

(2) التهذيب 2: 363- 1504، الوسائل 4: 439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 11.

(3) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 33، الفقيه 1: 164- 775، قرب الإسناد: 226- 881، مسائل علي بن جعفر: 138- 148، الوسائل 4: 463 أبواب لباس المصلي ب 62 ح 1.

(4) المهذب 1: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 398

و منها: أن تصلّي المرأة عطلا [1]، للعامي «1».

و رواية غياث: «لا تصلّي المرأة عطلا» «2».

و في الدعائم: «لا تصلّي المرأة إلّا و عليها من الحلي أدناه الخرص فما فوقه، و لا تصلي المرأة إلّا و هي مختضبة، فإن لم تكن مختضبة فلتمسّ مواضع الحنّاء بخلوق» «3».

و فيه أيضا: «مر نساءك لا يصلّين معطّلات، فإن لم يجدن فليعقدن على أعناقهن و لو بالسّير، و مرهن فليغيّرنّ أكفّهن بالحنّاء» [2].

أقول: الخرص بالضم و الكسر: الحلقة الصغيرة من الحلي، و هو من حلي الاذن «4».

و رواية أبي مريم: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي مر نساءك لا يصلّين عطلا و لو يعلقن في أعناقهن سيرا» «5».

و منها: الصلاة مختضبا، لصحيحة الجعفري «6». و المراد أن يكون على المحل عين الحنّاء كما يظهر من الصحيحة، و المراد بما تقدّم من استحبابه لون الحنّاء، فلا منافاة.

______________________________

[1] أي بغير زينة.

[2] الدعائم 1: 178، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلّي ب 40 ذيل الحديث 1. السير بالفتح: الذي يقدّ من الجلد. القاموس 2: 56.

______________________________

(1) انظر: سنن البيهقي 2: 235.

(2) التهذيب 2: 371- 1543، الوسائل 4: 459 أبواب

لباس المصلي ب 58 ح 1.

(3) الدعائم 2: 162 و 166، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلّي ب 40 ح 1.

(4) مجمع البحرين 4: 167.

(5) الكافي 5: 569 النكاح ب 97 ح 57.

(6) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصحيح: الحضرمي، كما في المصادر انظر الكافي 3: 408 الصلاة ب 67 ح 2، التهذيب 2: 355- 1469، الاستبصار 1: 390- 1486، الوسائل 4: 430 أبواب لباس المصلّي ب 39 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 399

و منها: أن يصلّي الرجل معقوص [1] الشعر، لرواية مصادف «1».

و في المنتهى عن الشيخ القول ببطلان الصلاة فيه «2».

و لكن لشذوذه يضعف الخبر، مع أنّ في دلالته على وجوب الإعادة نظرا.

و لا بأس للمرأة كما في المنتهى «3»، للأصل [2].

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شده، مجمع البحرين 4: 175.

[2] و من المكروهات أن يصلي في الثوب المصلّب بالتشديد و هو ما نقش فيه أمثال الصلبان للخبر:

«نهي عن الصلاة في الثوب المصلب» منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 409 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232- 914، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

(2) المنتهى 1: 235.

(3) المنتهى 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 400

الباب الرابع: في مكان المصلّي.

اشارة

و فيه مسائل:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 401

المسألة الأولى:

يشترط في مكان المصلّي: الإباحة، بأن يكون مباح الأصل، أو مملوكا له عينا أو منفعة، أو مأذونا فيه خصوصا أو عموما و لو بالفحوى أو شاهد الحال. فيحرم الصلاة في ملك الغير بغير إذنه بأحد الطرق الثلاثة، بالإجماع المقطوع به، لأنّها تصرّف، و هو في ملك الغير بغير إذنه غير جائز باتّفاق جميع الأديان و الملل.

و يدلّ عليه عموم الروايتين المتقدّمتين في مسألة اللباس الغصبي «1».

و يلزمه بطلان الصلاة كما هو الحقّ المشهور، بل هو أيضا إجماعي عند الشيعة، لأنّ نفس الكون- بل الركوع و السجود- التي هي من أجزائها تكون منهية عنها، و النهي في العبادة يوجب الفساد.

و يدلّ عليه المرويان في غوالي اللئالي و تحف العقول المنجبر ضعفهما بفتوى الجلّ بل الكلّ:

الأول: سأله بعض أصحابه فقال: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّه به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال عليه السلام: «ما أنصفناهم إن و أخذناهم، و لا أحببناهم إذا عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم» الحديث «2»، دلّ على عدم صحة العبادة مع عدم إباحتهم المساكن.

و الثاني: «انظر في ما تصلّي و على ما تصلّي، فإن لم يكن على وجهه و حلّه فلا قبول» «3».

______________________________

(1) في ص 361.

(2) العوالي 4: 5- 2، مستدرك الوسائل 7: 303 أبواب الأنفال ب 4 ح 3.

(3) تحف العقول: 174، الوسائل 5: 119 أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 402

و رواه في بشارة المصطفى أيضا كما مرّ في اللباس «1».

و أمّا ما توهّمه بعض من قاربنا عصره من عدم

توقّف هذا النوع من التصرّفات على الإذن من المالك، لثبوت الإذن من الشارع، للإجماع عليه، حيث إنّا نرى المسلمين في الأعصار و الأمصار بل الأئمة و أصحابهم يصلّون و يمرّون في صحارى الغير و بساتينهم و حمّاماتهم و خاناتهم، و في أملاك من لا يتصوّر في حقّه الإذن، كالصغير و المجنون، و في أملاك من يكون الظاهر عدم إذنهم، لمخالفتهم في العقائد «2».

ففيه: أنه يمكن أن تكون هذه التصرّفات منهم للعلم بالرضا أو الظن بشاهد حال أو نحوه، و لم يثبت عندنا تصرّفهم في الزائد على ما ظنّ فيه ذلك بحيث يبلغ حدّ الإجماع بل الاشتهار كما لا يخفى.

و أمّا نحو أملاك الصغير و المجنون فهما و إن لم يصلحا للإذن إلّا أنه لا يخلو أحدهما عن ولي و لو كان الولي العام، و إذنه قائم مقام إذنه قطعا، فالعلم به أو الظن كاف في الجواز.

و قد يتأيّد ذلك بما ورد في الأخبار من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا» «3».

و ما ورد من قوله تعالى: «جعلت لك و لأمتك الأرض كلّها مسجداً» «4».

و فيه: أنّ المراد منه جواز السجود و الصلاة في كلّ موضع من الأرض لا مانع فيه من غير هذه الجهة، في مقابل أهل بعض الأديان الأخر حيث لم يجز لهم الصلاة إلّا في معبد خاص.

______________________________

(1) راجع ص 363.

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(3) الفقيه 1: 155- 724، المجالس: 179- 6، الوسائل 5: 117 أبواب مكان المصلّي ب 1 ح 2.

(4) الخصال: 425- 1، علل الشرائع: 127- 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 403

و هل يكفي في شاهد الحال بل مطلق الإذن المزيل للتحريم الموجب لصحة الصلاة

حصول الظن بالرضا، أم يتوقّف على العلم به؟ الأظهر الأشهر- كما صرّح به في الحدائق «1»- الأول، لأصالة جواز التصرّف في كلّ شي ء، السالمة عمّا يصلح للمعارضة، إذ ليس إلّا الإجماع المنتفي في المقام قطعا. و استصحاب حرمة التصرّف المعارض باستصحاب جوازه لو كانت الحالة السابقة العلم بالرضا، و المردود بأنّ المعلوم أولا ليس [إلّا] [1] حرمة التصرّف ما دام عدم الظن بالرضا بشرطه، دون الزائد. و الروايتان المتقدّمتان في مسألة اللباس المردودتان بالضعف الخالي عن الجابر في المقام، مع ضعف دلالة ثانيتهما لعدم العلم بمتعلّق عدم الحلية بأنه هل يعمّ جميع التصرفات حتى غير المتلفة أيضا أم لا.

و جعل المال في المقام هو الانتفاع في المكان بالاستقرار بقدر الصلاة فيتلف بالصلاة، مردود بعدم معلومية صدق المال عرفا على هذا القدر من الانتفاع.

و منه يظهر ما في رواية تحف العقول، و ضعف الاستدلال بقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه» «2» أيضا.

و يؤيّد الجواز مع الظن ما يشاهد من عمل المسلمين من العلماء و الأتقياء و الخواصّ و العوام، بل الأئمة و أصحابهم عليهم السلام من الصلاة في الدّور و الحمّامات و الخانات و البساتين و الصحاري و نحوها، فإنّ الظاهر عدم حصول الزائد على الظن في الأغلب سيما بتغيّر بعض الحالات و تفاوت الاعتبارات.

بل لو لا خروج صورة احتمال الرضا بالإجماع و لا أقلّ من الشهرة الجابرة لاولى الروايتين الناهية عن التصرّف بغير الإذن المستدعي لحصول الإذن الواقعي الغير المعلوم في غير صورة العلم بالإذن، لقلنا بالجواز فيها أيضا، و لكنها بما ذكر خارجة.

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الحدائق 7: 176.

(2) تحف العقول: 24، الوسائل 5: 120 أبواب مكان المصلّي ب

3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 404

خلافا لجماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك «1» فأوجبوا العلم.

لأصالة عدم جواز العمل بالظن إلّا مع دليل، و لا دليل يعتمد عليه هنا.

و لأن المناط في جواز التصرف في ملك الغير الإذن، و لا يعلم حصوله بمجرد ظنّه.

و يضعّف الأول: بأنه إنّما يفيد في مقام كان الأصل فيه العدم، و ليس هنا كذلك، إذ لم تثبت حرمة التصرّف إلّا مع العلم بعدم الرضا أو احتماله.

و الثاني: بمنع كون المناط ذلك، بل القدر الثابت أنه ما مرّ من العلم أو الظنّ بالإذن.

و إذ قد عرفت اشتراط كون مكان الصلاة مباحا أو مأذونا فيه علما أو ظنّا، يظهر عدم جواز الصلاة في المكان المغصوب لا للغاصب و لا لغيره، لعدم حصول الظن برضا المالك بالتصرّف فيه.

أمّا للغاصب: فظاهر.

و أمّا لغيره: فلأنّ في منعه عن أنواع التصرّفات تضيّقا على الغاصب و انتقاما منه قطعا، و معه يحتمل قويّا بل يظنّ غالبا، بل يعلم أحيانا عدم رضا المالك بتصرّفه فيه، فيكون محرّما.

فتبطل معه الصلاة، لما مرّ من قاعدة عدم اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد و لو من جهتين، التي هي قاعدة بديهيّة مجمع عليها بين الشيعة (و المعتزلة) [1] كما ذكرناها مفصّلا في كتبنا الأصولية، و إن تكلّم فيها بعض متأخّري المتأخّرين من أصحابنا «2» تبعا للأشاعرة بما لا يصلح صدوره عمّن له نظر في المعقول، و إنّما هو شأن من ليست له قوة التجاوز عن المحسوس و المسموع.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في (ق).

______________________________

(1) المدارك 3: 216.

(2) الحدائق 7: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 405

و قد تعدّى بعضهم و نسب الخلاف فيه إلى بعض علمائنا

من المتقدّمين و المتأخّرين، منهم: الفضل بن شاذان «1».

و هو افتراء و امتراء و قصور عن فهم كلماتهم، كما بيّنّاه مفصّلا في شرح تجريد الأصول و المناهج.

هذا، مع أنّ بطلان الصلاة في المكان المغصوب مجمع عليه، و دعوى الإجماع عليه مستفيضة بل متواترة، و قد صرّح به في الناصريّات و نهاية الإحكام و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد و المدارك «2»، و في الذخيرة نفي الخلاف فيه «3».

و لا يقدح فيه مخالفة بعض قدمائنا [1] فإنه شاذّ نادر، و لأجلها توهّم من توهّم مخالفته في قاعدة عدم اجتماع الأمر و النهي، و هو توهّم فاسد.

فروع:

أ: إذ قد عرفت أنّ المناط في بطلان الصلاة في المكان الغصبي حرمة التصرّف فيه المستندة إلى عدم العلم أو الظنّ برضا المالك، فلا تبطل فيما لا يحرم كصلاة المالك.

و توهّم بطلان صلاته أيضا- لصدق الصلاة في المكان المغصوب- فاسد، إذ لم يرد بهذه العبارة نصّ حتى يحكم بمقتضى إطلاقه.

و في حكم المالك: الموقوف عليه الخاص كأولاد زيد، أو العام كالفقراء و المسلمين و العلماء، فتجوز لكلّ منهم الصلاة فيما غصب عنهم، سواء كان وقفا للصلاة، كالمسجد الموقوف على أشخاص أو على العام، أو لغيرها إذا لم تكن الصلاة مخالفة لجهة الوقف و لم يتعلّق به حقّ واحد معيّن، كموضع من المسجد

______________________________

[1] هو الفضل بن شاذان نقله عنه في الكافي 6: 94 الطلاق ب 29.

______________________________

(1) انظر البحار 80: 279.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، نهاية الإحكام 1: 340، المنتهى 1: 241، الذكرى:

146، جامع المقاصد 2: 116، المدارك 3: 217.

(3) الذخيرة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 406

الذي سبق إليه واحد، أو خان استأجره أحد من المتولّي الشرعي.

إذ كان لكلّ منهم

التصرّف فيه قبل الغصب من غير توقّف على رضا أحد، فكذا بعده، للاستصحاب.

و لأنّ من يتوهّم التوقّف على رضاه و عدم تحقّقه إمّا هو الواقف، أو سائر الموقوف عليهم، أو المتولّي الشرعي إن كان، و الكلّ باطل:

أمّا الواقف: فظاهر، إذ لا اعتبار لرضاه فيما لا يخالف جهة الوقف بعد الوقف و لزومه قطعا، و لذا لو نهى أحدا من المسلمين عن الصلاة في المسجد الذي وقفه، أو عن السكنى في الخان الذي وقفه على المسلمين لا يلتفت إليه أصلا.

مع أنه إن أريد عدم رضاه حال حياته فلا أثر له بعد موته ما لم يقيّده في عقد لازم.

و إن أريد عدمه حين الصلاة فعلا و إن كان ميّتا فهو ليس بمحل للرضا و عدمه، و فرض عدم الرضا لو كان حيّا لا يصير منشأ للأحكام.

و كذا سائر الموقوف عليهم في الوقف العام، فإنّ تصرّف كلّ منهم لا يتوقّف على رضا الباقين، بل بعد تصرّف واحد لا يؤثّر منع غيره، و لذا لا يشترط في التصرّف في الوقف على الفقراء إذن جميع فقراء العالم، و لو تصرّف فيه بعضهم لا تجوز مزاحمة غيره له فيه.

و أمّا المتولّي الشرعي: فلأنّ القدر الثابت من الاختيار له و التولية ليس على حدّ يتجاوز إلى توقف أمثال هذه التصرّفات على إذنه، و عدم ثبوت إجماع و لا دلالة نصّ على توقّف جواز هذا النوع من التصرّفات على إذن المتولّي.

و يزيد وضوحا فيما إذا كان وقفا للصلاة كالمسجد، أو للسكنى المتضمّنة لإيقاع الصلاة كالحمّامات و الخانات و الرباطات و نحوها، فإنها موقوفة لصلاة كلّ أحد فيه، فلا وجه لبطلانها.

و في الكلّ إنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف لكلّ أحد في كلّ

مال، و عدم تأثير منع المالك فيه، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 407

الرجل في ملك الغير بدون إذنه إذا لم يتضرّر به، بل و لو مع منعه كما في الاستظلال بظلّ جداره و الاستضاءة بضوء سراجه، و إنّما المانع الدليل الشرعي، و ليس إلّا الأخبار أو الإجماع.

أمّا الأخبار- فمع عدم صراحتها، بل و لا ظهورها في أمثال هذه التصرّفات، و عدم معلومية شمولها للموقوفات و لا للموقوف عليهم- ضعيفة لا تصلح للحجية في غير مورد الانجبار و الاشتهار، و هو في غير صورة العلم بعدم إذن المالك في المملوك الطلق أو مع احتمال عدم الإذن غير معلوم.

و أمّا الإجماع: فظاهر، كيف؟! و يدّعي بعضهم الإجماع على جواز هذه التصرّفات و أنّها كالاستظلال بظلّ الحائط ما لم يتضرّر المالك مطلقا «1».

هذا كله، مع أنه على القول بكون الوقف مطلقا أو العام منه ملكا للّه سبحانه يكون الأمر أظهر، بل يتعدّى الكلام حينئذ إلى غير الموقوف عليهم أيضا.

و من ذلك يظهر تطرّق الخدش- في منع غير الموقوف عليه في الوقف العامّ عن أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن- في جواز منع الموقوف عليه لغيره و تأثيره فيه، كمنع غير الفقير من الصلاة في الملك الموقوف على الفقراء.

و الأحوط عدم صلاة غير الموقوف عليه في الوقف العام المغصوب.

و لو أذن له واحد من الموقوف عليهم جازت صلاته و صحّت.

و هل يكفي إذن واحد لغير الموقوف عليه في الوقف الخاص؟ فيه نظر.

و من الوقف على المسلمين: الوقف على مصالحهم، كالوقف على المساجد المكرّمة و المشاهد المعظّمة و الرباطات و المزارات و المدارس، فيجوز لكلّ منهم الصلاة فيه و

لو غصبه غاصب و نحوها، بل الظاهر جواز هذه الأنواع من التصرّفات للمؤمنين في ما لا مالك معيّنا له الذي هو مال الإمام و لو مع الغصب، لأنّ الظاهر من حاله رضاه بها لشيعته، بل هو الظاهر من تتبّع أخبارهم في أنفالهم

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 408

و أموالهم، إلّا للغاصب، لعدم العلم برضاه عليه السلام بذلك، بل الظاهر عدم رضاه.

فائدة

: الطهارة في مجاري المياه الموقوفة المغصوبة و الشرب منها و استعمالها، و المجاري المجهول مالكها إذا غصبت، كالصلاة في الأماكن الموقوفة بلا تفاوت، فيجوز تلك فيما يجوز هذه، و الوجه واحد.

ب: ما ذكر في المكان المغصوب إنّما هو مع العلم بالغصبية و بحكمها، و أمّا الجاهل بها أو به أو الناسي لها أو له فليس كذلك، بل حكمه كما مرّ في اللباس.

ج: لا فرق بين الفريضة و النافلة كما صرّح به جماعة «1»، و يقتضيه القاعدة و إطلاق الفتاوى و الرواية و كثير من الإجماعات المحكية.

خلافا للمحكي عن المحقّق، فقال بصحة النافلة، لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها، فإنها تصحّ ماشيا موميا للركوع و السجود، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به [1].

و فيه- بعد تسليمه-: أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك لا إن قام و ركع و سجد، فإنّ هذه الأفعال و إن لم تتعيّن عليه لكنها أحد أفراد الواجب فيها. مع أنّ الأمر بالخروج لو كان مفيدا لم يتفاوت بين الفريضة و النافلة أيضا إذا ضاق الوقت و جاز فعل الفريضة أيضا ماشيا مومئا.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتب المحقق، نعم ذكر في كشف اللثام 1: 194، هذا لفظه: و عن المحقق صحة

النافلة لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها يعني أنها تصح ماشيا مومئا .. و لعلّ مستنده كلام الذكرى: 150 حيث قال: حكم النافلة حكم الفريضة هنا، و كذا الطهارة، و في المعتبر: لا تبطل في المكان المغصوب لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا. و يشكل بأن الأفعال المخصوصة ..

بتوهم أنّ قوله: لا تبطل راجع إلى النافلة. و هو غير صحيح و إنما هو راجع إلى الطهارة فراجع المعتبر 2: 109.

______________________________

(1) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 342، و التذكرة 1: 87، و الشهيد الأول في الذكرى: 150، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 219، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 238، و العلامة المجلسي في البحار 80: 283، و صاحب الرياض 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 409

د: لو أذن المالك في الكون في ملكه ثمَّ أمر بالخروج بعد الاشتغال بالصلاة يتمّ الصلاة مستقرّا فيه على الأظهر، اتّسع وقتها أم ضاق، وفاقا للذكرى و البيان «1»، لما مرّ من أصالة جواز هذا النوع من التصرّفات، و عدم ثبوت حرمته إلّا بواسطة الإجماع المفقود في المقام، أو الأخبار الموقوفة حجيتها على الانجبار الغير الثابت هنا، مع أنها على فرض حجيتها تعارض ما دلّ على حرمة قطع الصلاة و وجوب الاستقرار فيها و إتمام الركوع و السجود، فيرجع إلى أصل جواز هذا التصرّف.

خلافا للمحكي عن جماعة، فيتمّ الصلاة و هو خارج «2»، و للمحكي عن الشيخ و المحقّق «3»، و المدارك «4»، فمع ضيق الوقت كالسابق، و مع سعته يقطع الصلاة، لعدم ثبوت حرمة القطع فيما إذا توقّف درك جميع أجزاء الصلاة و شرائطها عليه.

و للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه،

فمع إذن المالك في الصلاة أوّلا يتمّ مستقرّا، و مع إذنه في الكون يحتمل الإتمام، و القطع، و الخروج مصلّيا مع الاتّساع، كما في بعض كتبه «5»، أو غير الثاني كما في بعض آخر.

و للمحكي عن روض الجنان، فيتمّ مع الإذن في الصلاة مطلقا، و يخرج مصلّيا في الضيق و يقطع مع السعة مع الإذن في الكون أو الدخول بشاهد الحال أو الفحوى «6».

كلّ ذلك لوجوه إحدى مقدماتها: استلزام عدم الخروج لارتكاب المنهي عنه

______________________________

(1) الذكرى: 150، البيان: 129.

(2) نسبه إلى جماعة في الحدائق 7: 173.

(3) الشيخ في المبسوط 1: 85، و نسبه في الحدائق 7: 173 إلى المحقق.

(4) المدارك 3: 220.

(5) انظر: التذكرة 1: 87، و القواعد 1: 28، و نهاية الإحكام 1: 342.

(6) روض الجنان: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 410

و حرمة الكون مع الأمر بالخروج.

و ثبوت النهي و الحرمة في المورد ممنوع، لفقد الإجماع أو الشهرة الجابرة لأخباره، مع أنّ انصراف إطلاقها إلى مثله غير معلوم.

و لو سلّم يعارض أدلّة النهي عن إبطال الصلاة أو الأمر بها مع تمام أجزائها و شرائطها، و يبقى الأصل خاليا عن المعارض.

و منه يظهر وجوب الاشتغال بالصلاة لو لم يشتغل أيضا إذا ضاق وقتها.

ه: لو حبس أحد في مكان مغصوب أو أجبر على الكون فيه، صحّت صلاته فيه قطعا، لانتفاء النهي الموجب للفساد.

و: تصحّ الصلاة تحت السقف أو الخيمة المغصوبين مع إباحة المكان، للأصل.

و قد يستشكل فيها لأجل كونها تصرّفا في المغصوب، إذ التصرّف في كلّ شي ء بحسب ما يليق به و أعدّ له، و لا ريب أنّ الغرض منهما هو الجلوس تحتهما «1».

و يردّ: بمنع كونه تصرّفا جدّا، و الاستعمال أحيانا لا يثبت الحقيقة

لكونه أعم منها، مع أن المسلّم من الاستعمال أيضا إنّما هو مع منع المالك عن رفع سقفه أو خيمته، و إلّا فلو فرض نصب الخيمة في ملك الغير فجلس الغير في ملكه لا يقال: إنه تصرّف في الخيمة، أصلا، و إلّا لزم بطلان الصلاة في ضوء سراج مغصوب، و الانتفاع من كلّ شي ء إنما هو بحسبه دون التصرّف.

سلّمنا كونه نوعا من التصرّف و لكن حرمته ممنوعة جدّا، لعدم الدليل عليها، فإنّ الإجماع هنا مفقود، و الأخبار ضعيفة، و في المقام غير منجبرة.

ز: لا تجوز الصلاة على الفرش أو السرير المغصوبين و لو كانا على مكان مباح، و لا المباحين إذا كانا على مكان مغصوب، و لا على الدابة المغصوبة أو السرج المغصوب. و الوجه ظاهر في الكلّ.

______________________________

(1) انظر الحدائق 7: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 411

المسألة الثانية:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    411     المسألة الثانية: ..... ص : 411

جواز تساوي الرجل و المرأة في موقف الصلاة أو تقدّمها مع عدم الحائل و لا البعد عشرة أذرع سواء كانت المرأة أجنبيّة أو محرما، أقوال:

الأول: الجواز مع الكراهة، ذهب إليه السيّد «1»، و الحلّي و فخر المحقّقين «2»، و معظم المتأخّرين «3»، بل ادّعي إجماعهم عليه «4»، و يحتمله كلام الشيخ في الاستبصار «5».

و الثاني: الحرمة، اختاره الشيخان و الحلبي و ابن حمزة [1]، بل كما قيل: أكثر القدماء «6»، و عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «7».

الثالث: المنع إلّا مع الفصل بقدر عظم الذراع، نقل عن الجعفي «8».

و ظاهر المحقّق في النافع «9»، و الصيمري «10»، و المقداد «11»: التردّد.

و الأقرب الأول.

أمّا الجواز: فللأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة

بعدم المنع.

______________________________

[1] المفيد في المقنعة: 152، الطوسي في النهاية: 100، لم نعثر على المسألة في الكافي للحلبي، ابن حمزة في الوسيلة: 89.

______________________________

(1) حكاه عن مصباحه في السرائر 1: 267.

(2) السرائر 1: 267، الإيضاح 1: 88.

(3) منهم المحقق في الشرائع 1: 71، و المعتبر 2: 110، و العلامة في نهاية الإحكام 1: 349، و القواعد 1: 28، و التحرير 1: 33، و الشهيد في الذكرى: 150، و البيان: 130، و الدروس 1: 153، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 120، و صاحب المدارك 3: 221.

(4) الرياض 1: 138.

(5) الاستبصار 1: 398.

(6) الرياض 1: 138.

(7) الخلاف 1: 423، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(8) حكاه عنه في الذكرى: 150.

(9) النافع: 26.

(10) حكاه عنه في الرياض 1: 138.

(11) التنقيح 1: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 412

إمّا مطلقا، كصحيحة جميل، و روايته:

الاولى: «لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد» «1».

و عدم انطباق التعليل بالاضطجاع على الحكم بجواز الصلاة لا يخرج حكمه عليه السلام عن الحجية، مع أنّ في عدم انطباقه نظرا، لأنّ تفرقة الفقهاء بين الصلاة و غيرها لا تدلّ على التفرقة في الواقع، فلعلّه لم يكن بينهما فرق فاستدلّ عليه السلام بأنها لو لم تجز لكان لأجل نفس تقدّمها، و هو غير صالح للمنع، لاضطجاع عائشة. و أمّا بعض الأخبار الفارقة فلا يثبت أزيد من التفرقة في الكراهة كما يأتي، و مجرّدها لا يثبت منافاة علّة نفي البأس الذي هو التحريم للكراهة، و على هذا

فلا وجه لتوهّم التصحيف في الرواية أو تأويلها بوجوه بعيدة.

و الثانية: في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذائه، قال: «لا بأس» «2».

و خبر العلل: عن امرأة صلّت مع الرجال و خلفها صفوف و قدّامها صفوف، قال: «مضت صلاتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد» [1].

أو في مكة الموجبة لعدم المنع في غيرها أيضا بالإجماع المركّب قطعا، كصحيحة الفضيل المروية في العلل: «إنّما سمّيت مكّة بكةّ لأنّه تبكّ بها الرجال و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن شمالك و معك و لا بأس، و إنّما يكره في سائر البلدان» «3».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في علل الشرائع و لا فيما يرويه في البحار عن علل محمّد بن علي بن إبراهيم و نسبه في كشف اللثام 1: 195 إلى عيسى بن عبد اللّه القمي و كذا في الجواهر 8: 306 و لم نعثر عليه أيضا في المصادر الحديثية.

______________________________

(1) الفقيه 1: 159- 749، الوسائل 5: 122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4.

(2) التهذيب 2: 232- 912، الاستبصار 1: 400- 1527، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 6.

(3) العلل: 397- 4، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 413

أو إذا كان بينهما قدر ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع و صلّت بحذائه وحدها، كصحيحة زرارة «1».

أو قدر شبر و صلّت بحذائه وحدها و هو وحده كصحيحة ابن وهب «2».

أو قدر شبر أو ذراع، كصحيحة أبي بصير «3».

أو موضع رجل كصحيحة حريز «4».

و حمل هذه الأنواع الأربعة على تقدّم الرجل بهذا القدر لا وجه له، و شرط القدر المذكور فيها لا

يدلّ عليه، لاحتمال كراهة القرب المفرط، مضافا إلى أنه يوجب خروج الأكثر و هو غير جائز في التخصيص.

و هي و إن كانت نافية للبأس في هذه المقادير فصاعدا إلّا أنه يتعدّى إلى ما دونها بالإجماع المركّب، إذ لا قائل بالتحديد بها إلّا ما نقل عن الجعفي، و هو لشذوذه غير قادح في الإجماع، و مع ذلك قوله مختص بالتحديد بعظم الذراع، و الدالّ عليه من الأخبار قليل، و مع ذلك معارض بما دلّ على ارتفاع المنع بالشبر و هو أقل من عظم الذراع.

و لا يرد المعارضة بجواز العكس بأن يثبت بمفاهيمها المنع فيما دون هذه المقادير و يتعدّى إلى ما فوقها بالإجماع المركّب، لإيجابه فساد المنطوق بخلاف الأصل، فإنّ حمل البأس في المفهوم على مرتبة من الكراهة ممكن.

أو إذا كان سجودها مع ركوعه، كمرسلتي ابني بكير و فضّال «5»، يعني إذا

______________________________

(1) الفقيه 1: 159- 748، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 8.

(2) الفقيه 1: 159- 747، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 7.

(3) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 3، التهذيب 2: 230- 906، الاستبصار 1: 398- 1521، الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 1، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 11.

(5) الكافي 3: 299 الصلاة ب 15 ح 7، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 5، التهذيب 2: 379- 1581، الاستبصار 1: 399- 1524، الوسائل 5: 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 414

كانت حال سجودها مقارنة لحال ركوعه حتى لا يتمكن له

النظر إليها حال السجود التي هي حالة الكشف غالبا.

و الحمل على إرادة كون موضع سجودها محاذيا لموضع ركوعه حتى يكون مقدّما بهذا القدر خلاف الظاهر.

و أمّا الكراهة: فللاحتراز عن مخالفة القائلين بالحرمة، و رواية العلل المتقدّمة، بل سابقها على أن يكون معنى قوله: «و لا تعيد» أي مثل ذلك العمل، و إن كان المراد: لا تعيد الصلاة لم تدلّ على المطلوب، و سائر الروايات المتأخّرة عنها فيما دون المقادير المذكورة.

و صحيحة ابن أبي يعفور: أصلّي و المرأة إلى جنبي تصلّي، فقال: «لا، إلّا أن تتقدّم هي أو أنت» الحديث «1». على أن يكون المراد التقدّم في الصلاة دون الموقف، و إلّا فيتعارض الصدر و الذيل بضميمة الإجماع المركّب، بل يكون دليلا على مطلق الجواز بالتقريب المقدّم.

و صحيحة محمّد: عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعا؟ فقال:

«لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا صلّى صلّت المرأة» «2». و قريبة منها رواية أبي بصير «3».

و صحيحة إدريس القمي: عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا، فقال: «إن كانت قاعدة فلا تضرّه، و إن كانت تصلّي فلا» «4».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟

قال: «لا يصلّي حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، فإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، و إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن

______________________________

(1) التهذيب 2: 231- 909، الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 5.

(2) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 4، التهذيب 2: 231- 907، الاستبصار 1: 399- 1522، الوسائل 5: 131 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 1.

(3) التهذيب

5: 403- 1404، الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 2.

(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 5، التهذيب 2: 231- 910، الوسائل 5: 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 415

كانت تصيب ثوبه» الحديث «1».

و الاستدلال بهذه الروايات الخمس و ما يقربها على المنع و التحريم غير جيّد، لعدم دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام الإنشاء على الأزيد من الرجحان فعلا أو تركا.

و الروايات المصرّحة بأنه لا ينبغي أن تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره كصحيحة زرارة «2»، و أن يصلّي كلّ منهما في زاوية بيت إلّا أن يكون بينهما ستر كالمروي في مستطرفات السرائر «3» و صحيحة محمّد «4» على بعض النسخ. و إثبات المنع بها- كبعضهم- غير صحيح أيضا، إذ لو لم نقل بظهور:

«لا ينبغي» في الكراهة فلا شك في عدم إفادته الحرمة.

احتجّ الثاني: باستصحاب الشغل، و الإجماع المنقول، و كثير من الروايات المتقدّمة.

و بصحيحة محمد: في المرأة تصلّي عند الرجل، قال: «إذا كان بينهما حاجز فلا بأس» «5».

و رواية البصري: عن الرجل يصلّي و المرأة بحذائه يمنة أو يسرة، قال: «لا بأس به إذا كانت لا تصلّي» «6».

و تتمة موثّقة الساباطي المتقدّمة و هي قوله: «و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة

______________________________

(1) التهذيب 2: 231- 911، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 2: 379- 1582، الاستبصار 1: 399- 1525، الوسائل 5: 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 2.

(3) مستطرفات السرائر: 27- 7، الوسائل 5: 130 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 3.

(4) التهذيب 2: 230- 905، الوسائل 5: 123 أبواب

مكان المصلي ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 2: 379- 1580، الوسائل 5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 2.

(6) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 2، الوسائل 5: 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 416

أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس الذي هو العذاب مع عدم الحاجز أو صلاتها.

و صحيحة علي: عن إمام كان في صلاة الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: «لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة صلاتها» «1».

و لا تضرّ معارضة ما مرّ من أخبار الجواز لهذه الأخبار، لأنّ بعد تخصيصها بصورة عدم الحائل و البعد عشرة أذرع- كما عليه الإجماع- تصير أخصّ مطلقا من أخبار الجواز فتخصّصها.

و يجاب عن الأولين: بما مرّ مرارا.

و عن الثالث: بما سبق.

و عن البواقي- بعد ردّ دلالة الأخيرة بإمكان استحباب الإعادة لمكان الجملة الخبرية، و جواز كون وجوبها لو دلّت عليه لاقتدائها في صلاة الظهر بما تعتقد أنها العصر كما جوّزه في المدارك «2»-: بأنّها و إن كانت كما ذكر أخصّ مطلقا من أكثر ما سبق، لشمولها لصورتي البعد أو الحائل، و لكن صحيحة العلل «3» مخصوصة بغير الصورتين، لأنه الذي يكره تنزيها أو تحريما في سائر البلدان، و لا كراهة فيهما إجماعا، بل و كذا الخبر السابق عليها «4»، إذ مع الحائل أو البعد تفسد صلاة من خلفها قطعا فتعارضها معهما بالتساوي، فيحمل البأس الثابت في المفهوم على الكراهة لأجل كون ما ينفيه قرينة عليه، مع

أنه لولاه أيضا لزم التساقط و الرجوع إلى أصل الجواز.

دليل الثالث: بعض الأخبار المتقدّمة، و جوابه ظاهر ممّا تقدّم.

______________________________

(1) التهذيب 2: 379- 1583، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.

(2) المدارك 3: 223.

(3) راجع ص 412.

(4) راجع ص 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 417

فروع:

أ: الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في انتفاء المنع تحريما أو تنزيها بوجود الحائل بينهما أو التباعد بعشرة أذرع، فمع أحدهما صحّت صلاتهما إجماعا، كما عن المعتبر و المنتهى «1»، و غيرهما «2»، و هو الحجة فيهما إن ثبت، و إلّا فالأخبار لا تساعدهما، لأنّها بين مطلق في المنع، و مقيّد بعدم الحاجز، كرواية السرائر و صحيحة محمد، و مقيّد بعدم التباعد، كموثّقة الساباطي السابقة و رواية قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي الضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال:

«لا بأس فليمض في صلاته» «3».

و الأخيران و إن كانا أخصّين مطلقا من الأول إلّا أن بينهما تعارضا بالعموم من وجه، و لا ترجيح بينهما و لا تخيير إجماعا، فيتساقطان و تبقى المطلقات بلا معارض معلوم.

مع أن المذكور في الموثّقة هو أكثر من عشرة، و في رواية قرب الإسناد نفي البأس، و هو لا ينافي الكراهة.

و ممّا ذكر يظهر القدح فيما حكي عن الشيخ في كتابي الحديث «4»- و به قال في الذخيرة «5»- من انتفاء المنع مطلقا بالذراع و الشبر و نحوهما، لظاهر جملة من الأخبار المتقدّمة.

و بالجملة: لا يمكن الاستناد في رفع المنع بالأخبار، فإن ثبت الإجماع في مورد فهو، و لعلّه متحقّق مع الحائل و تباعد العشرة فإليه فيهما يستند، و إن جاز القول بخفّة الكراهة في نحو الذراع و الشبر لأخبارهما أيضا و

عليها تحمل هذه

______________________________

(1) المعتبر 2: 111، المنتهى 1: 243.

(2) الرياض 1: 139.

(3) قرب الإسناد: 204- 788، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلّي ب 7 ح 2.

(4) التهذيب 2: 230 و 231، الاستبصار 1: 398- 400.

(5) الذخيرة: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 418

الأخبار.

ثمَّ المعتبر في الحائل: المانع عن الرؤية، لأنّ مقتضى إطلاقات المنع بقاؤه إلّا فيما ثبت معه الزوال و لم يثبت إلّا معه و لو مثل الجلباب، لأنّه مورد الإجماع، و حقيقة الستر و الحاجز المذكورين في النص.

و احتمال الحاجز عن الوصول في الثاني بعيد، و لو سلّم فمع ظهور الأول في المانع عن الرؤية غير مفيد.

فلا يزول المنع بالثوب الرقيق و لا بالكوى [1] و الشباك.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه، قبلته و جانباه، و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه؟ قال: «لا بأس» «1».

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي بحياله و هو يراها و تراه؟ قال: «إن كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس» «2».

فعلى ما اخترناه من الكراهة لا ينافيان لما ذكر، إذ نفي البأس لا ينافي الكراهة، مع أنّ الثانية ضعيفة لا تصلح حجة لزوال الكراهة و إن صلح مثلها لثبوتها، للمسامحة.

و لا بعدم النظر أو غمض العين أو الظلام أو العمى، كما صرّح ببعض ذلك الفاضل في النهاية و التذكرة «3»، و الشهيد «4»، خلافا للتحرير في الأخير «5»،

______________________________

[1] الكوّة تفتح و تضم: الثقبة في الحائط، و جمع المضموم: كوى بالضم و القصر. المصباح المنير:

545.

______________________________

(1) التهذيب 2: 373- 1553، مسائل علي بن جعفر:

140- 159، الوسائل 5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 207- 805، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلّي ب 8 ح 4.

(3) نهاية الإحكام 1: 349، التذكرة 1: 89.

(4) البيان: 130.

(5) التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 419

و روض الجنان في الأخيرين «1» و هما ضعيفان.

و المعتبر في مبدأ البعد و منتهاه الموقفان نفسهما، لأنّه المتبادر من النص و الفتوى.

و احتمال اعتبار المبدأ من موضع السجود حتى يصدق المقدار حالة السجود خلاف الظاهر، سواء في ذلك المنحدر من المكان و غيره.

و لو كان أحدهما في مكان مرتفع، اعتبر محاذي موقفه و لا يعتبر الارتفاع.

و كذا ينتفي المنع مطلقا بتأخّر المرأة و لو قليلا، لموثّقة الساباطي «2» و غيرها.

ب: في اشتراط تعلّق الحكم تحريما أو كراهة بصحة صلاة الأخرى لو لا المحاذاة، كما عن الفاضل و الشهيد و المدارك «3»، أو لا، كما احتمله الشهيد الثاني «4»، و نفى عنه البعد في الذخيرة «5»، وجهان، أوجههما: الثاني على ما اخترناه من كون العبادات أسامي للأعم.

و انصراف المطلق إلى الكامل أو الغالب بدون بلوغ الكمال أو الغلبة بحيث يكون قرينة لإرادتهما ممنوع، و هو في المورد غير متحقّق.

و على الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع، فلو علم بعده لم يؤثّر في رفعه، لأنّ التكليف على حسب علم المكلّف.

ج: مقتضى إطلاق كلام جماعة- كما قيل «6»- عدم الفرق بين اقتران الصلاتين أو سبق أحدهما في بطلان صلاة كلّ منهما أو كراهتها.

______________________________

(1) روض الجنان: 225.

(2) المتقدمة في ص 414.

(3) العلامة في التذكرة 1: 89، و القواعد 1: 28، و نهاية الإحكام 1: 349، و الشهيد في البيان:

130، و الذكرى:

150، و المدارك 3: 224.

(4) روض الجنان: 226.

(5) الذخيرة: 244.

(6) الحدائق 7: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 420

و عن جمع من المتأخّرين تخصيص البطلان أو الكراهة بالمقارنة و المتأخّرة «1»، و هو الحقّ. فلا حرمة و لا كراهة للسابقة منهما، لصحيحة علي، المتقدّمة «2»، فإنه لو كانت الصلاة المتأخّرة مؤثرة في السابقة، كان حكم صلاة القوم حكم صلاة المرأة، و لم يكن للتفصيل وجه.

مضافا إلى أنّ المستفاد من الأخبار ليس أزيد من ذلك، لأنّها إمّا تثبت البأس بالمفهوم، و لكونه فيه نكرة مثبتة لا يثبت إلّا نوع منه [1]، و هو كما يمكن أن يكون لصلاتهما يمكن أن يكون لصلاة المقارنين أو المتأخّر. أو تنهى عن صلاة المرأة، و هي ظاهرة في أرادتها الصلاة و لا أقلّ من الشك الذي لا يمكن معه رفع اليد عن الأصل.

و تؤيّد المطلوب: صحيحة أبي بصير: «لا يقطع صلاة المسلم شي ء، لا كلب و لا حمار و لا امرأة» «3».

د: أطلق جمع من الأصحاب أنّ هذا الحكم إنما هو في حال الاختيار «4» فلو ضاق الوقت و المكان و لم يمكن تأخّر المرأة أو بادرت إلى الصلاة مقدّمة، لم يكن تحريم و لا كراهة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن من النصّ و الفتوى، لاختصاصهما بحكم التبادر و غيره بحال الاختيار، مضافا إلى فحوى ما دلّ على

______________________________

[1] فإنه إذا قال: إن جاءك زيد وحده لا يلزم عليك شي ء، لا تدل بالمفهوم إلّا على لزوم شي ء في بعض صور المجي ء مع الغير و يكفي في صدق المفهوم لزوم شي ء في بعض صوره. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 121، و الشهيد الثاني في المسالك

1: 25، و روض الجنان: 226، و صاحب المدارك 3: 221.

(2) في ص 416.

(3) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ذ. ح 3، التهذيب 2: 323- 1319، الاستبصار 1:

406- 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 10.

(4) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 89، و صاحب المدارك 3: 224، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 244، و العلامة المجلسي في البحار 80: 337، و صاحب الرياض 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 421

جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.

و يضعّف: بإطلاق الفتاوى و النصوص كما صرّح في روض الجنان «1».

و التبادر ممنوع. و جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة لأجل انتفاء حرمة التصرّف التي هي سبب بطلان الصلاة فيه حينئذ، لبطلان التكليف بما لا يطاق، و مثله غير جار في المقام.

و التحقيق: لا تنافي بين الكراهة بمعنى المرجوحيّة الإضافية أو أقليّة الثواب- اللتين هما معناها في العبادات- و بين الاضطرار، فالحقّ بقاء الكراهة معه أيضا.

نعم يشكل على القول بالحرمة.

ه: و لو ضاق المكان و اتّسع الزمان صلّى الرجل ابتداء استحبابا، لصحيحة محمّد، المتقدّمة «2».

و توهّم اقتضائها الوجوب فاسد، لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى ظاهر صحيحة ابن أبي يعفور، السابقة «3».

و حملها على التقديم المكاني دون الفعلي- كما في المدارك و الذخيرة «4» و استدلّا بها على جواز تقديم المرأة مكانا- باطل، للإجماع على ثبوت المنع و لو كراهة مع تقدّم المرأة مكانا، فالقول بالوجوب- كما عن الشيخ «5»- ضعيف.

هذا إذا لم يختص المكان بها، و إن اختصّ فلا أولوية للرجل في تقديمه إلّا أن تأذن له فيه.

و هل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟ كلّ محتمل، و بالأول صرّح

______________________________

(1)

روض الجنان: 227.

(2) في ص 414.

(3) في ص 414.

(4) المدارك 3: 222، الذخيرة: 244.

(5) النهاية: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 422

جماعة «1»، و ليس ببعيد.

و: الحكم مختص بالرجل و المرأة دون الصبي و الصبية، للأصل، و عدم ثبوت إطلاق الرجل و المرأة عليهما حقيقة.

المسألة الثالثة:

المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل قيل: لا يكاد يعرف فيه خلاف إلّا عمّن يأتي «3»: عدم اعتبار طهارة ما عدا مسجد الجبهة. و هو كذلك، للأصل الخالي عن المعارض المعتضد بالشهرة العظيمة و النصوص المستفيضة، كصحاح علي:

أولاها: عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: «نعم لا بأس» «4».

و ثانيتها: عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليها؟ قال: «إذا يبست لا بأس» «5» و قريبة منها موثّقة الساباطي «6».

و ثالثتها: عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّي فيهما إذا جفّا؟ قال: «نعم» «7».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 25، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 195، و صاحب الحدائق 7: 190، و صاحب الرياض 1: 139.

(2) منهم العلامة في المختلف: 86، و الشهيد في الذكرى: 150، و المحقق السبزواري في الكفاية:

16، و العلامة المجلسي في البحار 80: 285، و صاحب الحدائق 7: 194، و صاحب الرياض 1: 139.

(3) الرياض 1: 139.

(4) التهذيب 1: 273- 803، التهذيب 2: 373- 1551، الاستبصار 1: 193- 676، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 212- 830، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.

(6) التهذيب 2: 372- 1548، الاستبصار 1: 193-

675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(7) الفقيه 1: 158- 736، قرب الإسناد: 196- 743، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 423

و صحيحة زرارة: عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أ يصلّى عليها في المحمل؟ فقال: «لا بأس» «1» و قريبة منها رواية ابن أبي عمير «2».

خلافا للمحكي عن السيد فاعتبر طهارة مكان المصلّي مطلقا [1]، و عن الحلبي فاعتبرها في المساجد السبعة «3».

و- كما صرّح به غير واحد- «4» لا حجّة لهما يعتدّ بها، عدا ما يستدلّ به لهما من قوله سبحانه وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «5» و النبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [2].

و للأول: من نهيه صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة في المجازر و المزابل و الحمّامات «6»، و أمره بإخراج النجاسة عن المساجد «7»، و إنما هو لكونها مواضع الصلاة.

و الموثّقين:

إحداهما للساباطي: عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره و لا تصيبه

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه و نقله عنه في الذكرى: 150.

[2] الذكرى: 157 و فيه: و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.

و رواه في الوسائل 5: 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2 عن جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال.

______________________________

(1) الفقيه 1: 158- 739، التهذيب 2: 369- 1537، الاستبصار 1: 393- 1499، الوسائل 3: 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.

(2) التهذيب 2: 370- 1538، الاستبصار 1: 393- 1500، الوسائل 3: 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.

(3) الكافي في الفقه: 140.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 139، و صاحب الحدائق 7: 194.

(5) المدّثر: 5.

(6) سنن ابن ماجه 1: 246.

(7) سنن ابن ماجه 1: 250.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 424

الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى عليه» الحديث «1».

و ثانيتهما لابن بكير: عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلّي عليها؟ فقال:

«لا» «2». و مثله المروي في قرب الإسناد «3»، و مفهوم صحيحتي زرارة الآتيتين.

و للثاني: من صحيحة ابن محبوب: عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى يجصّص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب: «إن الماء و النار قد طهّراه» الحديث «4»، فإنّ الظاهر من التعليل أنه لو لا التطهير لما جاز السجود، و السجود يشمل جميع مواضع السجود السبعة.

و يجاب عن الأول: بعدم دليل على إرادة النجاسة من الرجز، فلعلّه العذاب أو الغضب.

و عن الثاني: باحتمال إرادة مواضع السجود من المساجد و مواضع الجباة من مواضعه، بل هو مقتضى الحقيقة، فإنّ السجود وضع الجبهة.

و عن الثالث- بعد تسليم النهي-: بوجوب حمله على الكراهة في الحمّام، للإجماع، فكذا في غيره احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه.

مع أن نجاسة جميع مواضع المزابل و المجازر و الحمّامات غير معلومة، فكما يمكن أن يكون علة النهي الاحتياط في موضع الصلاة يمكن كونها الاحتياط لموضع الجبهة.

و عن الرابع: بنحو ذلك، مع إمكان كون العلّة التوقير و التعظيم.

______________________________

(1) التهذيب 2: 372- 1548، الاستبصار 1: 193- 675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(2) التهذيب 2: 369- 1536، الاستبصار 1: 393- 1501، الوسائل 3: 455 أبواب النجاسات ب 30 ح 6.

(3) قرب الإسناد: 171- 628، البحار 80: 285- 1.

(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3. الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

425

و عن الخامس و السادس: بالقصور عن إفادة الحرمة، لما مرّ غير مرّة.

و لو سلّم فليحملا على الكراهة بقرينة الأخبار المتقدّمة الراجحة عليهما بالأصحّيّة و الأكثريّة و الاستفاضة، و الاعتضاد بالأصل و الإطلاقات و الشهرة العظيمة، بل الإجماع.

مضافا إلى عموم الثانية بالنسبة إلى المتعدّية و موضع الجبهة، و خصوصية الأخبار المعارضة لهما بغيرهما صريحا أو دليلا كما يأتي، فالحمل عليهما متعيّن.

و أما الاولى و إن كان تعارضها مع غير [ما قبل ] [1] الأخيرتين بالعموم من وجه، لاختصاصها بالجافّ بغير الشمس، و عمومها بالنسبة إلى موضع الجبهة، و معه بالتباين، و لكن معه يرجع إلى أصل عدم الاشتراط أيضا.

و منه يظهر الجواب عن السابع أيضا، مع أنّ الظاهر أنّ التعارض معه بالعموم المطلق، لأعميّته بالنسبة إلى المتعدّية و غيرها، فيجب التخصيص.

و عن الثامن: بالحمل على موضع الجبهة، لأنّه الحقيقة لما يسجد عليه، مع أن الوقود بما ذكر لا ينجس الجصّ، فالتطهير على رفع التنفّر محمول.

هذا في غير النجاسة المتعدية، و أمّا المتعدّية إلى ما يشترط طهارته في الصلاة فاعتبار الطهارة ظاهر، إلّا أن تكون معفوا عنها فلا تضر، لوجوب الصلاة مع الطهارة المتوقّفة على الاجتناب، و للعمومات المذكورة الخارجة عنها غير المتعدّية بما ذكر، و خصوص صحيحة علي، الثانية. وفاقا للذكرى و المسالك و المدارك «1».

و خلافا للمحكي في الإيضاح عن والده أنه قال: الإجماع منّا واقع على اشتراط خلوه عن نجاسة متعدّية و إن كانت معفوا عنها في الثياب و البدن «2»، و استقواه بعض مشايخنا «3»، للإجماع المنقول. و يدفع بعدم الحجية.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الذكرى: 150، المسالك 1: 25، المدارك 3: 226.

(2) الإيضاح 1: 90.

(3) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 426

نعم، لو كانت النجاسة المتعدّية دم القروح يجب الاجتناب، لعدم العفو عنه حينئذ، و يمكن حمل كلام الفاضل عليه أيضا.

و أمّا مسجد الجبهة فيشترط طهارته مطلقا إجماعا محقّقا، لعدم قدح خلاف من يأتي، و محكيا عن الغنية و المعتبر و المنتهى و المختلف و التذكرة و الذكرى و روض الجنان و شرح القواعد «1». و قال بعض مشايخنا: إنّ عليه المسلمين في الأعصار و الأمصار «2»، و هو الحجة، مضافا إلى النبوي المتقدم «3» المنجبر بما ذكر.

و الاحتجاج بعموم الموثّقين السابقين و مفهوم صحيحتي زرارة: إحداهما:

السطح يصيبه البول أو يبال عليه أ يصلى في ذلك الموضع؟ فقال: «إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافّا فلا بأس به» «4» و الثانية: عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» «5». غير جيّد، لتعارضهما مع ما مرّ من الأخبار بالتباين في موضع الجبهة، و خروجه بالإجماع و النبوي عمّا مرّ إنّما يفيد للاحتجاج في غير هذا المطلب، و أمّا فيه فلا.

خلافا للمحكي عن الراوندي «6»، بل في الذخيرة «7» عن الوسيلة و المعتبر «8»،

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 433، المنتهى 1: 253، المختلف: 86، التذكرة 1: 87، الذكرى: 160، روض الجنان: 221، جامع المقاصد 2: 126.

(2) شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) في ص 423.

(4) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 23، التهذيب 2: 376- 1567، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 2.

(5) الفقيه 1: 157- 732، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.

(6) نقله عنه في المختلف: 61.

(7) الذخيرة: 239.

(8) الوسيلة: 79، المعتبر 1: 446.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 427

و إن كان فيه نظر، لأنّ الموجود في نسختهما كما قيل «1»: موضع الصلاة، بل عن الثانية التصريح باستثناء موضع السجود «2»، فانحصر المخالف في الأول.

و لعلّه لإطلاق الأخبار الأول.

و يردّ بتقييده بما مرّ من الإجماع و النبوي سيما مع معارضة الإطلاق لإطلاق الموثّقين و الصحيحين، فلا يبقى إلّا الأصل المندفع بما ذكر.

و الواجب طهارة قدر يجب السجود عليه، فلو طهر هذا القدر و نجس الباقي من موضع مسجد الجبهة بنجاسة غير متعدّية أو معفوّ عنها، لم يضرّ.

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا صلّى على نفس الموضع النجس. و لو ستره بطاهر، صحّت صلاته و لو في مسجد الجبهة، بلا خلاف، و عن التحرير الإجماع عليه «3».

و يدلّ عليه الأصل، و الأخبار كصحيحتي ابن سنان «4» و عبد اللّه الحلبي «5»، و روايتي محمد بن مصادف [1] و مسعدة بن صدقة «6».

المسألة الرابعة:

تكره الصلاة في مواضع:

منها: الحمّام، و لا خلاف في مرجوحية الصلاة فيه، للإجماع.

و لمرسلة عبد اللّه بن [الفضل ]: «عشرة مواضع لا يصلّى فيها: الطين، و الماء، و الحمّام، و القبور، و مسانّ الطرق، و قرى النمل، و معاطن الإبل، و مجرى

______________________________

[1] التهذيب 3: 260- 731، الاستبصار 1: 441- 1700 (و فيهما محمّد بن مضارب)، الوسائل 5: 211 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 6.

______________________________

(1) الحدائق 7: 196.

(2) المعتبر 1: 446.

(3) التحرير 1: 32.

(4) التهذيب 3: 260- 730، الاستبصار 1: 442- 1703، الوسائل 5: 210، أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 4.

(5) الفقيه 1: 153- 713، الوسائل 5: 209 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 3: 260- 729، الاستبصار 1: 441- 1702، الوسائل 5: 210 أبواب مكان

المصلي ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 428

الماء، و السبخ، و الثلج» [1].

و لا إشكال أيضا في كونها على وجه الكراهة، كما هو المشهور بين الأصحاب، للأصل، و خلوّ المرسلة عن النهي الحقيقي.

مضافا إلى صحيحة علي «1»، و موثّقة عمّار: عن الصلاة في بيت الحمّام، قال: «إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس» «2» بجعل إضافة البيت بيانيّة.

فقول الحلبي «3» بالمنع مع التردّد في الفساد ضعيف شاذّ.

و إنّما الإشكال في تعيين موضع الكراهة منه بعد القطع في تحقّقها في المغسل، و هو البيت الذي كانوا يغتسلون فيه آخذين فيه الماء من المادة، و منه ما يتعارف الآن من البيت الذي بين المادة و المسلخ يجلسون فيه للتنظيف و التدليك، فإنّه بعينه هو المغسل المتعارف في الصّدر الأول، و عدم تعارف اغتسالهم فيه و دخولهم المادة لا يضرّ.

فذهب الأكثر- و منهم الصدوق في الفقيه و الخصال و الشيخ في التهذيب «4»، و الفاضلان [2]، و الشهيدان «5»- إلى اختصاص الكراهة بما ذكر و انتفائها في

______________________________

[1] الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 12، الفقيه 1: 156- 725، التهذيب 2: 219- 863، الاستبصار 1: 394- 1504، المحاسن: 366- 116، الخصال: 434- 21، الوسائل 5:

142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 6 و 7. في النسخ عبد اللّه بن الفضيل و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. مسانّ الطرق: المسلوك منها: مجمع البحرين 6: 269، معاطن الإبل: مباركة عند الماء.

مجمع البحرين 6: 282، و السبخة: هي أرض مالحة يعلوها الملوحة و لا تكاد تنبت. مجمع البحرين 2: 433.

[2] الموجود في كتب المحقق كراهة الصلاة في الحمام من غير استثناء المسلخ، انظر: المعتبر 2: 112، و

الشرائع 1: 72، و المختصر: 26.

______________________________

(1) الفقيه 1: 156- 727، الوسائل 5: 176 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.

(2) التهذيب 2: 374- 1554، الاستبصار 1: 395- 1505، الوسائل 5: 177 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 2.

(3) الكافي في الفقه: 141.

(4) الفقيه 1: 156، الخصال: 435، التهذيب 2: 374.

(5) الشهيد الأول في الذكرى: 152، و الدروس 1: 154، و البيان: 131، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 227، و المسالك 1: 25، و الروضة 1: 221.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 429

المسلخ، للأصل، و الشك في دخوله في معنى الحمّام في تلك الأيام، و الصحيح و الموثّق المتقدّمين على جعل الإضافة بمعنى اللام، و تخصيص المغتسل بالحمّام.

و عن التذكرة احتمال ثبوتها فيه أيضا، للصدق في هذه الأزمان، مع أصالة عدم تعدّد الوضع «1».

و تعارض بأصالة تأخّر الحادث، فعدم الكراهة فيه أظهر.

و منه يظهر عدم الكراهة فيما يلحق بالأول أيضا ما لم يعدّ جزءا منه بحيث يكون معه بيتا واحدا.

و منها: البيوت المعدّة للغائط، و المراد به بيت الخلاء، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام الاستحباب.

مضافة إلى رواية عبيد بن زرارة: «الأرض كلّها مسجد إلّا بيوت غائط أو مقبرة» «2».

و قصورها عن إفادة التحريم دلالة و قوّة- لمخالفتها للشهرة العظيمة بل الإجماع- منع عن الحكم به. فقول المفيد «3» بعدم الجواز غير سديد، مع أنّ إرادته الكراهة منه- كما هي في كلامه شائعة- ممكنة.

و للبول، لصحيحة محمّد بن مروان «4»، و رواية عمرو بن خالد «5».

و كذا تكره الصلاة و في محاذي القبلة عذرة و إن لم يكن في بيت الخلاء،

______________________________

(1) التذكرة 1: 88.

(2) التهذيب 3: 259- 728، الاستبصار 1: 441- 1699، الوسائل 5: 169

أبواب مكان المصلي ب 31 ح 2 و فيها: إلّا بئر غائط.

(3) المقنعة: 151.

(4) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 27، التهذيب 2: 377- 1570، المحاسن: 615- 39، الوسائل 5: 174 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 1.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 26، التهذيب 2: 377- 1569، المحاسن: 615- 40، الوسائل 5: 175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 430

لرواية الفضيل بن يسار: أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة، فقال:

«تنحّ عنها ما استطعت» «1».

و منها: معاطن الإبل، لمرسلة ابن الفضل، المتقدّمة «2»، و صحيحة محمّد:

عن الصلاة في أعطان الإبل، فقال: «إذا تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه و انضحه و صلّ، و لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» «3».

و صحيحة علي: عن الصلاة في معاطن الإبل أ تصلح؟ قال: «لا تصلح إلّا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثمَّ انضح بالماء ثمَّ صلّ» و سألته عن مواطن الغنم أ تصلح الصلاة فيها؟ قال: «نعم لا بأس به» «4».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم، فقال: «إذا نضحته بالماء و كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، و أمّا مرابض الخيل و البغال فلا» «5».

و صحيحة الحلبي: عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: «صلّ، و لا تصلّ في أعطان الإبل إلّا أن تخاف» إلى آخره «6».

ثمَّ المعاطن و إن كانت مختصّة في كلام أكثر أهل اللغة- كالصحاح

______________________________

(1) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 17، التهذيب 2: 226 و 376- 893 و 1563، المحاسن:

365- 109، الوسائل 5: 169 أبواب مكان المصلي ب 31 ح 1.

(2) في ص 427.

(3)

الكافي 3: 387 الصلاة ب 63 ح 2، التهذيب 2: 220- 868، الاستبصار 1: 395- 1507، الوسائل 5: 144 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 1.

(4) مسائل علي بن جعفر: 168- 281، 282، الوسائل 5: 146 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 6.

(5) التهذيب 2: 220- 867، الاستبصار 1: 395- 1506، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.

(6) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، الفقيه 1: 157- 729، التهذيب 2: 220- 865، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 431

و القاموس «1»، و غيرهما «2»- بمباركها حول الماء، إلّا أنّ فتوى أكثر الفقهاء على الكراهة في مطلق مواطنها كافية لإثبات التعميم، مع أنّ المحكي عن العين و المقاييس «3» تفسير المعاطن بما يوافق كلام الأكثر، و يشعر به أيضا الأخبار المقيّدة لها بعدم التخوّف على المتاع.

مضافا إلى المرويّ في الفقيه في جملة المناهي: «إنه نهى أن يصلّي الرجل في المقابر و الطرق و الأرحية و الأودية و مرابض الإبل» «4» و المربض هو مطلق المأوى.

و التعليل المرويّ في النبوي: «إذا أدركتم الصلاة و أنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها و صلّوا، فإنها جنّ من جنّ خلقت» «5».

و على هذا فلا شك في الكراهة في مطلق مواظنها كما تكره في معاطنها.

و لا تحرم كما عن المفيد و الحلبي «6»، لموثّقة سماعة، السابقة «7».

و تخصيص الحرمة بما قبل النضح كما هو مقتضاها لم يقل به أحد من الطائفة، مع أنه مخالف للشهرة العظيمة، فالأخبار المثبتة له خارج عن الحجية، مضافا إلى قصور بعضها عن إثبات الحرمة.

و لا يشترط في الكراهة وجود الإبل بعد

صدق الموطن، للإطلاق.

و لا تكره فيما بركت فيه مرّة و رحلت، لعدم الصدق.

و هل تكره فيه حال وجودها فيه؟ ظاهر التعليل المذكور ذلك، و لا يبعد دلالة النهي عن مطلق المرابض و المعاطن عليه أيضا.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2165، القاموس 4: 250.

(2) المصباح المنير 2: 416، و لسان العرب 13: 286.

(3) العين 2: 14، المقاييس 4: 352.

(4) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

(5) كنز العمال 7: 340- 19167.

(6) المقنعة: 151، الكافي في الفقه: 141.

(7) في ص 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 432

و تزول الكراهة بالكنس و النضح عند الخوف على المتاع، لما مرّ.

و تكره أيضا في مرابض الخيل و البغال، لموثّقة سماعة، المتقدّمة. و الحمير، لمقطوعته المتضمّنة لها أيضا «1». و البقر و الغنم، للموثّقة.

و تنتفي الكراهة فيهما دون الثلاثة السابقة بالنضح إذا كان يابسا.

و عليها يحمل ما أطلق نفي البأس في مربض الغنم مطلقا، أو على خفّة الكراهة.

و منها: مساكن النمل، و هي المعبّر عنها في خبر ابن الفضل «2»: بقرى النمل، و هي مجتمع ترابها حول جحرها.

و تدلّ عليه أيضا المرويّات في المحاسن و تفسير العيّاشي و العلل «3».

و علّلها في الأخيرة بأنه: «ربما آذاه فلا يتمكّن من الصلاة».

و المستفاد منه الكراهة في مقام قريب من مساكنها أيضا معرض لتأذّى المصلّي بالنمل.

و منها: بطون الأودية، للمروي في الفقيه المتقدّم.

و في العلل: «لا يصلّى في ذات الجيش و لا ذات الصلاصل و لا بطون الأودية» «4».

من غير فرق بين خوف هجوم السيل و أمنه، للإطلاق. و التخصيص بالأول- لأنه العلّة- ضعيف، مع أنه علّله في العلل بعلّة أخرى.

بل مطلق مجاري المياه، لفتوى الأصحاب، و مرسلة

ابن الفضل السابقة.

و المراد بها المواضع المعدّة لجريانه و إن لم يكن فيها ماء، كما هو مقتضى ما

______________________________

(1) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 3، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 3.

(2) راجع ص 427.

(3) المحاسن: 366- 116، تفسير العياشي 2: 286، العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327- 29.

(4) العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327- 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 433

هو الحقّ في مثل هذا اللفظ من عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، و المتعيّن من عدم إمكان الصلاة مع الجريان.

و الظاهر عدم شمول الحكم لمثل الساباط الذي على النهر و القنطرة، لأنه ليس مجرى و لا من البطون.

نعم، الظاهر كون الصلاة في السفينة الواقعة في المجاري صلاة فيها، فتكره من هذه الجهة، و تدلّ عليه أيضا رواية أبي هاشم الجعفري «1».

و منها: جوادّ الطرق، و هي الطرق العظمى التي يتكثر سلوكها، للشهرة.

و صحيحة محمد: «لا تصلّ على الجادّة و اعتزال إلى جانبيها» «2».

و صحيحة الحلبي: «لا بأس بأن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ، و أمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن يصلّى بين الظواهر و هي [الجوادّ] جوادّ الطرق، و يكره بأن يصلّى في الجوادّ» [1].

و تفسير الظواهر هنا بالجوادّ يرفع تنافيها مع سابقتها.

و لو لا الشهرة العظيمة على انتفاء الحرمة، بل الإجماع كما هو المحكي عن ظاهر المنتهى «4»، و المصرّح به في كلام بعض مشايخنا المحقّقين «5» لم يكن القول بها

______________________________

[1] الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 10، التهذيب 2: 375- 1560، الوسائل 5: 147 أبواب مكان

المصلي ب 19 ح 5، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 5، التهذيب 2: 297- 901، الاستبصار 1: 441- 1698، الوسائل 5: 165 أبواب مكان المصلي ب 29 ح 1.

(2) التهذيب 2: 221- 869، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 5.

(3) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، التهذيب 2: 220- 865، الوسائل 5: 147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 2.

(4) المنتهى 1: 247.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 434

- كما عن الصدوق و الشيخين «1»- بعيدا.

و الظاهر الكراهة في مطلق الطريق و إن لم يكن جادّة، لموثّقة ابن الجهم:

«كلّ طريق يوطأ فلا تصلّ فيه» «2».

و رواية ابن الفضيل: «كلّ طريق يوطأ و يتطرّق، كانت فيه جادّة أو لم تكن، لا ينبغي الصلاة فيه» «3».

و منها: السبخة، و لا شك في كراهة الصلاة فيها، و النصوص بها مستفيضة «4»، و الظاهر منها ارتفاع الكراهة إذا كان موضع السجدة فيها مستوية يتمكن فيه الجبهة و لو بجعله كذلك.

و منها: مواضع بين الحرمين: البيداء- و هو على ميل من ذي الحليفة ممّا يلي مكة و يسمّى ذات الجيش أيضا- و ذات الصّلاصل، و وادي الشقرة- بفتح الشين و كسر القاف [1]- و وادي ضجنان- بالضاد المعجمة المضمومة أو المفتوحة و الجيم الساكنة- اسم جبل بناحية مكة.

و منها: بين القبور و عليها و إليها، على الأظهر الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر، و عن صريح الغنية و ظاهر المنتهى الإجماع عليه «5».

أمّا الأول: فلموثّقة عمّار: عن الرجل يصلّي بين القبور، قال: «لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه و بين القبور

إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه، و عشرة أذرع

______________________________

[1] موضع معروف في طريق مكة، قيل: إنّه و البيداء و ضجنان و ذات الصلاصل مواضع خسف و إنها من المواضع المغضوب عليها. مجمع البحرين 3: 353.

______________________________

(1) الفقيه 1: 156، و المقنعة: 151، و النهاية: 100.

(2) التهذيب 2: 221- 870، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 6.

(3) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 8، الفقيه 1: 156- 728، التهذيب 2: 220- 866، الوسائل 5: 147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 3.

(4) الوسائل 5: 150 أبواب مكان المصلي ب 20.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المنتهى 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 435

من خلفه، و عشرة أذرع عن يمينه، و عشرة أذرع عن يساره، ثمَّ يصلّي إن شاء» «1».

و حديث المناهي: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يجصّص المقابر و يصلّى فيها» «2».

و مقتضاهما و إن كان التحريم إلّا أنهما حملتا على الكراهة، التفاتا إلى عدم قائل بالحرمة سوى الديلمي «3»، الغير القادح مخالفته في الإجماع على عدم الحرمة.

مضافا إلى معارضتهما مع صحيحة معمّر: «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» «4». و صحيحة زرارة: قلت له: الصلاة بين القبور؟ قال:

«صلّ بين خلالها و لا تتّخذ شيئا منها قبلة، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك و قال: لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «5» بالعموم من وجه، لاختصاص الموثّقة بل حديث المناهي- بقرينة الموثّقة- بعدم التباعد، و اختصاص الصحيحتين بعدم الاتّخاذ قبلة، فيرجع إلى

الأصل و عموم الصحيحين الآخرين: عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال: «لا بأس» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 13، التهذيب 2: 227- 896، الاستبصار 1:

397- 1513، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 5.

(2) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

(3) المراسم: 65.

(4) التهذيب 2: 228- 897، الاستبصار 1: 397- 1514، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 3.

(5) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 5.

(6) الأول في: الفقيه 1: 158- 737، قرب الإسناد: 197- 749، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 1. و الثاني في: التهذيب 2: 374- 1555، الاستبصار 1:

397- 1515، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 436

و أمّا الثاني: فللشهرة المحكية في كلام بعض مشايخنا المحدّثين عليه «1»، و إطلاق حديث المناهي، و رواية ابن ظبيان: «نهى أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه» «2».

و النهي فيهما و إن كان حقيقة في التحريم إلّا أنه يحمل فيهما على الكراهة لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه، لعدم حرمة التجصيص و القعود و البناء إجماعا، مضافا إلى عدم قول بالحرمة هنا قطعا.

و به يدفع دلالة النهي عن جعل القبر مسجدا عليها أيضا مع إمكان حمله على جعله محل السجدة للقبور.

و أمّا الثالث: فلما مرّ من الشهرة المحكية.

و قد يتمسّك له بالموثّقة.

و هي أخصّ من المطلوب، لدلالتها على المنع مع تعدّد القبور و صدق الوقوع بينها.

و عن الصدوق و المفيد و الحلبي فيه التحريم [1]، و يعزى

إلى المعتبر أيضا «3»، للصحيحين المتقدّمين المانعين عن اتّخاذ القبر قبلة، و الموثّقة المتقدّمة، و حديث المناهي، و رواية ابن ظبيان.

و يجاب عن الأوّلين: بمنع كون التوجّه إلى القبر لا بقصد استحقاقه لذلك اتّخاذه قبلة، و لذا لا يقال لمن يصلّي و قدّامه جدار: إنّه اتّخذه قبلة، بل الظاهر منه جعله مثل الكعبة مستقلا أو مشاركا معها.

______________________________

[1] الفقيه 1: 156، المقنعة: 151، لم نجده في الكافي في الفقه و لكن نقله عنه في المختلف: 85.

______________________________

(1) الحدائق 7: 216.

(2) التهذيب 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع: 21، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 8.

(3) المعتبر 2: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 437

هذا، مع معارضتهما مع الأخبار الكثيرة الآتية بعضها المصرّحة بجواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام، و جعله بين يديه، بل الترغيب إليها «1»، بضميمة عدم القول بالفصل، بل تصريح المفيد بعدم استثنائه «2».

و عن الثاني: بما مرّ من عدم الدلالة على المطلوب، و شذوذ القول بمضمونه، و معارضته مع ما أكثر منه في العدد و أصحّ من حيث السند.

و جعله أعم و تخصيصه بالصلاة إلى القبر فاسد، لعدم كون الصلاة إلى القبر فردا من الصلاة بين القبور، و على الفرديّة لا يجوز ذلك التخصيص، لكونه إخراجا للأكثر.

و عن الأخيرين: بمنع شمولهما للمورد أولا، و منع إفادتهما التحريم ثانيا كما أشير إليه.

و بما ذكر ظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين «3»- بعد تقويته القول بالتحريم في غير قبر الإمام- من كون الصحيحين المانعين لاتّخاذ القبر قبلة أخصّ مطلقا من الصحيحين النافيين للبأس عن الصلاة بين القبور فليقدّما عليهما.

و أضعف منه استثناؤه قبر الإمام، فإنّه مع كونه إحداثا

لقول ثالث خلاف صريح صحيحة زرارة المذكورة التي هي من أدلّته، حيث صرّح فيها بنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اتّخاذ قبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبلة.

و في مرسلة الفقيه: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تتخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة» «4».

هذا كلّه في غير قبر المعصوم، و أمّا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية استدباره، بل الظاهر عدم الخلاف فيها، و هو فيها الحجة.

______________________________

(1) الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26.

(2) المقنعة: 152.

(3) الحدائق 7: 226.

(4) الفقيه 1: 114- 432، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 438

مضافا إلى صحيحة الحميري، و فيها بعد السؤال عن قبر الإمام: «و أمّا الصلاة فإنها خلفه يجعله إماما، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه، و يصلّي عن يمينه و شماله» «1».

و المروي في الاحتجاج و فيه بعد السؤال عنه: «أمّا الصلاة فإنها خلفه و يجعل القبر أمامه، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره، لأنّ الإمام لا يتقدّم و لا يساوى» «2».

و هل هي على وجه الكراهة أو الحرمة؟ المشهور هو الأول، بل ظاهر المنتهى عدم الخلاف فيه «3».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: الظاهر اتّفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيحة من عدم جواز الصلاة مقدّما على قبره «4».

و صرّح بعض مشايخنا المعاصرين بعدم وجدان القائل به «5».

و اختار بعض مشايخنا المحدّثين الثاني «6»، و نسبه إلى المعتبر و شيخنا

البهائي و المحدّث المجلسي «7».

و لا دلالة لكلام الأوّلين عليه أصلا بل لا يفيد أزيد من الكراهة.

نعم نفى عنه البعد في المفاتيح «8»، أخذا بظاهر الخبرين.

و يردّ: بأن مخالفته لشهرة القدماء و المتأخّرين بل الإجماع من الأوّلين أخرجته

______________________________

(1) التهذيب 2: 228- 898، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 1.

(2) الاحتجاج: 490، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 2.

(3) المنتهى 1: 245.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) الرياض 1: 141.

(6) الحدائق 7: 220.

(7) المعتبر 2: 115، الحبل المتين: 159، البحار 80: 315 و 316.

(8) المفاتيح 1: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 439

عن حيّز الحجية، فلا يصلح لإثبات الحرمة.

مضافا إلى أنّ عطف التساوي في الخبر الأخير على التقدّم و أصالة عدم جواز استعمال اللفظ في المعنيين أخرجه عن الدلالة على الحرمة أيضا، فالكراهة هي الأظهر و إن كان الاجتناب أحوط.

و لا في جواز استقباله [1]، للأصل، و عدم دليل على المنع سوى ما مرّ دليلا للمنع عن استقبال القبر مطلقا بجوابه، فالقول بالتحريم كما عن المشايخ الثلاثة «1» ضعيف.

و هل يكره؟ كما هو المشهور على ما قيل «2»، له، و للحذر عن مخالفة من ذكر، و احتمال كونه المراد من اتّخاذه قبلة، و المروي في الأمالي: إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام أجعله قبلة إذا صلّيت؟ قال: «تنحّ هكذا ناحية» [2].

أو يستحب؟ كما ذكره بعض مشايخنا «3» و استعجب ممّن قال بالكراهة، تمسّكا بتصريح بعض الروايات باستحباب الصلاة خلف قبر أبي عبد اللّه عليه السلام، كالمروي في كامل الزيارة في حديث زيارة الحسين عليه السلام: «من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه تعالى لقي اللّه يوم يلقاه و عليه من

النور ما يغشى كلّ شي ء يراه» «4».

و فيه أيضا: «إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد اللّه عليه

______________________________

[1] عطف على قوله: في مرجوحية استدباره في ص 437.

[2] لم نجده في الأمالي و هو موجود في كامل الزيارات: 245- 2، الوسائل 14: 519 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 6.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 1: 156، و المفيد في المقنعة: 152، و الطوسي في النهاية: 99.

(2) الحدائق 7: 224.

(3) الرياض 1: 141.

(4) كامل الزيارات: 122- 1، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 440

السلام تجعله بين يديك ثمَّ صلّ ما بدا لك» «1».

و أيضا: هل يزار والدك؟ قال: «نعم و يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه» «2» و لصحيحة الحميري و رواية الاحتجاج، المتقدّمتين.

أقول: التحقيق أنه إن أريد استحباب مطلق الصلوات فيه بمعنى رجحانه و أكثريّة ثوابه بالنسبة إلى سائر الأفراد الخالية عن جهتي الرجحان و المرجوحيّة- كما هو المراد من الاستحباب في العبادات- فتعارض الروايات المستندة إليها الشهرة على الكراهة و رواية الأمالي، و لا ترجيح.

مع أنّ في دلالة الروايات عليه أيضا نظرا:

أما الأخيرتان فظاهر، و كذا السابق عليهما، إذ لا يدل على الأزيد من إباحة الصلاة خلفه أو مع نوع من الرجحان الإضافي.

و أمّا السابقان عليه: فلأنه يمكن أن يكون المراد منهما استحباب صلاة خلفه لا استحباب مطلق الصلاة خلفه.

و التوضيح: أنّ المطلوب استحباب إيقاع الصلاة المأمور بها وجوبا أو ندبا مطلقا خلفه، و هو غير استحباب أن يصلّى خلفه صلاة، فإنّ استحباب صلاة في موضع غير استحباب الصلاة فيه، و الاستحباب الأول بالمعنى المصطلح دون الثاني، و لذا يصحّ أن

يقال: من اشترى دارا جديدة يستحب أن يصلّي فيها صلاة، و لا يقال: يستحب إيقاع الصلاة في الدار الجديدة.

و إن أريد استحباب الصلاة المطلقة خلفه ردّا على من يكرهها مطلقا، فهما يدلّان عليه.

و لا تضرّهما معارضة الشهرة المحكية و رواية الأمالي، لعمومهما مطلقا بالنسبة إليهما، و لكن يكون ذلك مخصوصا بخلف قبر الحسين عليه السلام،

______________________________

(1) كامل الزيارات: 245- 3، الوسائل 14: 517 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 1.

(2) كامل الزيارات: 123- 2، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 441

لاختصاص الدليل، و عدم إيجاب استحباب صلاة في خلف قبره استحبابها في خلف قبر سائر الأئمة عليهم السلام، بخلاف ما إذا ثبت استحباب جعل محل الصلوات خلف قبره، فيتعدّى بعدم القول بالفصل.

و أمّا المحاذاة له عند رأسه أو رجليه فهي أيضا جائزة على الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير شاذّ من متأخّري من تأخّر، للأصل، و صحيحة الحميري.

و دليل المانع: رواية الاحتجاج.

و هي مردودة بعدم صلاحيتها لإثبات الحرمة، لمخالفتها الشهرة بل إجماع الطائفة.

مضافا إلى معارضتها للصحيحة التي هي له كالقرينة، بل لنصوص أخر كثيرة مصرّحة بجوازها في زيارة الحسين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام.

كالمروي في العيون: من أنّ الرضا عليه السلام ألزق منكبه الأيسر بالمنبر قريبا من الأسطوانة التي عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى ستّ ركعات «1».

و رواية ابن ناجية: «صلّ عند رأس قبر الحسين عليه السلام» «2».

و رواية الثمالي: «ثمَّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين عليه السلام و صلّ عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى» إلى أن قال: «و إن شئت صلّيت خلف

القبر و عند رأسه أفضل» «3».

و في رواية صفوان: «ثمَّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس» «4» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) العيون 2: 16- 40، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 4.

(2) كامل الزيارات: 245- 1، الوسائل 14: 519 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 5.

(3) كامل الزيارات: 240، المستدرك 10: 327 أبواب المزار و ما يناسبه ب 52 ح 3.

(4) مصباح المتهجد: 665.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 442

نعم، تكره لهذه الرواية. و لا تنافيها الصحيحة، إذ غايتها الجواز. و لا الأخبار المذكورة، إذ غايتها استحباب صلاة عند الرأس، و هو لا ينافي كراهة غيرها، فالرواية بها مخصوصة.

و الخلف أفضل من جانب الرأس في غير المنصوصة، لهذه الرواية، بل يشعر به الصحيحة.

و لا تنافيه رواية الثمالي، إذ مدلولها أفضلية صلاة خاصة عند رأس الحسين عليه السلام، و هي مسلّمة.

و يحصل ممّا ذكر أنّ المحاذاة عند الرأس أو الرجلين أفضل من التقدّم و الخلف منها، و غير الثلاثة منه، إلّا فيما ورد في موضع مخصوص.

فروع:

أ: ما ذكر في حكم قبر غير الإمام من كراهة الصلاة إليه و عليه يعمّ القبر الواحد و المتعدّد.

و أمّا كراهتها بين القبور فإنما هي مع تعدّدها، لا لما قيل من أن مورد الأخبار القبور «1»، لأنّها جمع محلّى مفيد للعموم الأفرادي، و لذا لو قال: لا يجوز نبش القبور، يحكم به في كلّ فرد فرد، و لا يشترط فيه الجمعيّة.

بل لأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة بين القبور و في خلالها، و لا يصدق ذلك إلّا مع التعدّد.

بل نقول: إنّ المنهي عنه الصلاة بين القبور لا القبر و القبرين أيضا.

و لا يفيد حديث المناهي الناهي عن

الصلاة في المقابر و لو بملاحظة إفادة الجمع للعموم الأفرادي كما في قوله فيه: «و نهى أن يجصّص المقابر» «2» لأنه لا يثبت

______________________________

(1) الحدائق 7: 227.

(2) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 443

منه- بحسب المعنى اللغوي الذي الأصل فيه عدم النقل، و مع ثبوته تأخّره- إلّا مرجوحية الصلاة في المقبرة التي هي موضع القبر لا في حواليها كما هو المطلوب، فيكون هو بعينه الصلاة على القبر، فتأمّل.

إلّا أن يقال بإلحاق القبر و القبرين بالقبور، لادّعاء الاشتهار عليه في كلام بعض مشايخنا المحقّقين «1»، و فتوى جماعة به «2»، و هما كافيان في المقام لكونه مقام المسامحة.

ب: صرّح جماعة- منهم المقنعة و الشرائع و النافع و الجامع و القواعد و النهاية «3»- بزوال الكراهة بالحائل، بل في بعضها و لو عنزة منصوبة، أو قدر لبنة، أو ثوب موضوع. و اخرى- منهم المقنعة [1]، و النزهة و النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و الجامع و الإصباح و نهاية الإحكام و التذكرة «4»- بزوالها ببعد عشرة أذرع من كلّ جانب كما في الأوّلين، أو ما سوى الخلف كما في البواقي.

أقول

: الكلام إمّا في الصلاة بين القبور أو إليها أو عند كلّ قبر قبر.

فإن كان الأول، فلا شك في زوال الكراهة ببعد عشرة أذرع من الجوانب الأربع، و أمّا بوجود الحائل و لو بمثل ما ذكر فلا دليل عليه، و الإجماع فيه غير ثابت

______________________________

[1] كذا في النسخ و مثله في كشف اللثام 1: 198، و نسبه في الرياض 1: 141، إلى المحكي عن المقنعة، و لم نعثر عليه و لعل الصحيح: الفقيه و

وقع التصحيف في نسخة كشف اللثام فصار منشأ للنسبة، لاحظ: الفقيه 1: 156. و يؤيده أن في مفتاح الكرامة 2: 215، لم ينقله عن المقنعة بل نقله عن الفقيه.

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 245، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 134، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 25، و الروضة 1: 223.

(3) المقنعة: 151، الشرائع 1: 72، و النافع: 26، الجامع للشرائع: 68، القواعد 1: 28، نهاية الاحكام 1: 346.

(4) النزهة: 26، النهاية: 99، المبسوط 1: 85، المهذب 1: 76، الوسيلة: 90، الجامع للشرائع: 68، نهاية الإحكام 1: 346، التذكرة 1: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 444

و إن ادّعاه بعضهم «1»، و إزالة الكراهة لا تتحمّل ما يتحمّله إثباتها من المسامحة، إلّا أن يكون الحائل جدارا مرتفعا أو جدرانا بحيث ينتفي صدق بين القبور عرفا.

و إن كان الأخيران، فالظاهر انتفاء الكراهة مع الحائل مطلقا أو البعد المذكور، إذ قد عرفت أن المستند فيهما ليس إلّا الفتاوى أو الشهرة، و كلاهما مخصوصان بالخالي عن الحائل و البعد.

هذا في غير قبر المعصوم، و أمّا فيه فإن ثبت الإجماع المركّب فالحكم كذلك أيضا، و إلّا فالحكم بالزوال إلّا مع وجود جدار أو تفاحش بعد يزيل صدق الصلاة أمامه أو خلفه أو جانبه مشكل جدّا.

ج: هل الحكم يتوقّف على العلم بعدم صيرورة المقبور رميما أو ترابا و لو استصحابا، أو يجري و لو مع صيرورته أحدهما؟ الظاهر: الثاني، لصدق القبر.

د: لا فرق في الحكم بين كون المقبرة مسجدا كما إذا أوصى أحد بدفنه في بيت ثمَّ جعله مسجدا، أم لا، للإطلاقات.

و منها: أن تكون بين يديه نار، وفاقا لغير شاذّ، لصحيحة علي:

عن الرجل يصلّي و السراج موضوع بين يديه في القبلة، فقال: «لا يصلح له أن يستقبل النار» «2».

و موثّقة عمّار: «لا يصلّي الرجل و في قبلته نار أو حديد» قلت: أ له أن يصلّي و بين يديه مجمرة شبه؟ قال: «نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتى ينحّيها عن قبلته» و عن الرجل يصلّي و في قبلته قنديل معلّق و فيه نار إلّا أنه بحياله، قال: «إذا ارتفع كان شرّا، لا يصلّي بحياله» «3».

______________________________

(1) الرياض 1: 141.

(2) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 16، الفقيه 1: 162- 763، التهذيب 2: 225- 889، الاستبصار 1: 396- 1511، قرب الإسناد: 187- 700، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 1.

(3) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 15، الفقيه 1: 165- 776، التهذيب 2: 225- 888، الاستبصار 1: 396- 1510، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 2.

و الشبه: ضرب من النحاس. الصحاح 6: 2236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 445

و خلافا للحلبي فحرّم، لظاهر الخبرين.

و فيه أوّلا: منع الظهور.

و ثانيا: المعارضة مع ما دلّ على الجواز مطلقا، كمرفوعة الهمداني: «لا بأس أن يصلّي الرجل و السراج و الصورة بين يديه، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه» «1».

أو لغير أولاد عبدة الأوثان و النيران الموجب لجوازه لغيرهم أيضا بالإجماع المركّب، كالمروي في الاحتجاج و إكمال الدين من التوقيع، و فيه: «أمّا ما سألت عنه من المصلّي و النار و الصورة و السراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان و النيران أن يصلّي و السراج بين

يديه، و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران» «2».

و ثالثا: المخالفة للشهرة بل الإجماع الموجبة للخروج عن الحجية.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات: كراهة استقبال النار مطلقا و لو لم تكن مضرمة.

و قيّدها بعضهم بالمضرمة «3»، و لا وجه له.

كما أنّ مقتضى الموثّقة: أشدّية الكراهة مع ارتفاع النار.

و المستفاد من التوقيع أشدّيّتها لأولاد عبدة الأوثان و النيران، و الحكم بالأشدية في غير أولاد الرسول غير سديد.

و منها: بيوت المجوس، و البيع، و الكنائس، و بيت فيه مجوسي و إن لم يكن

______________________________

(1) الفقيه 1: 162- 764، التهذيب 2: 226- 890، الاستبصار 1: 396- 1512، علل الشرائع: 342- 1، المقنع: 25، الوسائل 5: 167 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 4.

(2) الاحتجاج: 480، كمال الدين 521- 49، الوسائل 5: 168 أبواب مكان المصلّي ب 30 ح 5.

(3) كابن إدريس في السرائر 1: 270، و المحقق في الشرائع 1: 72، و النافع: 26، و المعتبر 2:

112، و العلامة في نهاية الإحكام 1: 347، و التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 446

بيته، لعدم الخلاف في المرجوحية في الأول، كما صرّح به بعضهم «1».

و لفتوى جماعة من الفحول منهم الحلّي و الديلمي و القاضي «2»، و الغنية و الإصباح و الإشارة و النزهة «3»، مضافا إلى ادّعاء الرابع الإجماع عليه في الثانيين.

و لرواية أبي أسامة: «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي، و لا بأس بأن تصلّي و فيه يهودي أو نصراني» «4» في الأخير.

و الاستدلال بصريحها أو فحواها للأول ضعيف. كالاستدلال له و للبيع و الكنائس بالأمر بالرشّ و الصلاة «5»، لعدم الدلالة، و الاحتجاج لانتفاء الكراهة فيهما بما دلّ على جواز الصلاة أو عدم

البأس فيهما «6»، إذ لا يثبت منهما إلّا نفي الحرمة.

و لا كراهة في بيوت اليهود و النصارى، للأصل.

و قد يقال فيها بالكراهة أيضا، لخبرين لا دلالة لهما عليه [1].

ثمَّ إنه هل يشترط إذن أهل الذمة في الصلاة في البيع و الكنائس أم لا؟ قال بعض مشايخنا المحدّثين: مقتضى كلام الأصحاب و إطلاق النصوص النافية للبأس عن الصلاة فيهما هو الثاني.

و احتمل في الذكرى الأول، تبعا لغرض الواقف و عملا بالقرينة.

و الظاهر ضعفه، لإطلاق الأخبار المذكورة و ما دلّ عليه بعضها من جواز

______________________________

[1] أحدهما ما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم (الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 25). و الآخر ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: عن بواري اليهود و النصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أن يصلي عليها قال: «لا» قرب الإسناد: 184- 685. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الحدائق 7: 233.

(2) السرائر 1: 270، المراسم: 65، المهذب 1: 75.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 88، النزهة: 26.

(4) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 6، الوسائل 5: 144 أبواب مكان المصلي ب 16 ح 1.

(5) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.

(6) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 447

نقضها مسجدا «1».

قال: و قال بعض مشايخنا- رحمهم اللّه-: بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها، كان شرطهم فاسدا، و كذا الكلام في مساجد المخالفين و صلاة الشيعة فيها «2». انتهى.

أقول

: الحقّ جواز الصلاة فيهما و في سائر معابد الكفّار و مساجد المخالفين، لا لما ذكره من إطلاق الأخبار المذكورة، لكونه محل كلام، و كذا فساد الشرط

المذكور. و لا لما قيل من أنّ الواقف لمّا علم بعد موته حقّية مذهبنا يرضى قطعا [1]، أو لأنه لو علم الواقع لكان راضيا، إذ لا مدخلية لرضا الواقف و عدمه بعد تحقّق الوقف و لزومه أصلا سيما الواقف الميت، و لا للرضا الفرضي.

بل لما تقدّم ذكره من أنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف الغير المتلف و لا المضرّ في كلّ موضع، و أن الظاهر أنه كالاستظلال بالحائط أو الاستضاءة بالسراج أو وضع اليد على جدار الغير، و لا دليل على حرمة أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن بل مع المنع، بل و لا على حرمة الجلوس في ملك الغير من غير إضرار به و لو منع عنه إلّا الإجماع أو بعض الأخبار الضعيفة «3» الموقوفة حجّيتها على الانجبار، و كلاهما مفقودان في المقام، مع أنّ المذكور فيها التصرّف، و كون نحو ذلك تصرّفا لغة محل كلام.

و منها: بيوت الخمور و النيران، بلا خلاف في المرجوحية فيهما إلّا لنادر من المتأخّرين في الثاني «4»، و هو الحجّة فيهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    448     المسألة الرابعة: ..... ص : 427

____________________________________________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) التهذيب 2: 222- 874، الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13 ح 1.

(2) الحدائق 7: 234.

(3) انظر: الوسائل 9: 538، 540 أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ب 3 ح 2 و 7، و قد تقدما في ص 361.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 2: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 448

مضافا في الأول إلى الموثّق: «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» «1».

و الرضوي: «لا تصلّ في بيت فيه خمر محصور» «2».

و مقتضاهما و إن

كان تحريم الصلاة في الأول- كما حكي عن المقنع و الفقيه و المقنعة و النهاية «3»، و الديلمي «4»- إلّا أنّهما معارضان بالرواية المرسلة في المقنع، قال: «و روي أنها تجوز» المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة، المعتضدة بالأصل و العمومات، فلا يصلحان لإثبات التحريم، فالقول به ضعيف.

و أضعف منه: القول به في الثاني، كما عن الثلاثة الأخيرة «5»، لعدم ورود نصّ فيها بالكلّية، و إنّما علّلوا المنع فيها: بأنّ في الصلاة فيها تشبّها بعبّادها.

و هو كما ترى لا يفيد المنع قطعا، بل الكراهة أيضا كما هو ظاهر المدارك و الذخيرة «6»، حيث إنّ فيهما- بعد تضعيف التعليل- احتمال اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران، لأنّها ليست موضع رحمة، فلا تصلح لعبادة اللّه سبحانه.

ثمَّ المعبّر عنه في كلام جماعة و إن كان بيوت الخمر الظاهرة في نوع اختصاص لها به، إلّا أنّ مقتضى الموثّق ثبوت الكراهة في كلّ بيت فيه خمر، كما أنّ مقتضى فتوى الجماعة في الثاني ثبوتها في كلّ بيت معدّ للنيران كالفرن و الأتّون [1] و إن لم يكن موضع عبادتها.

______________________________

[1] الفرن: الذي يخبز عليه الفرني و هو خبز غليظ نسب إلى موضعه و هو غير التنور. الصحاح 6:

2176. و الأتّون بالتشديد: الموقد، و الجمع الأتاتين. الصحاح 5: 2067.

______________________________

(1) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 24، التهذيب 2: 220 و 377- 864 و 1568، الاستبصار 1: 189- 660، الوسائل 5: 153 أبواب مكان المصلي ب 21 ح 1.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 281، مستدرك الوسائل 3: 341 أبواب مكان المصلّي ب 16 ح 1.

(3) المقنع: 25، الفقيه 1: 159، المقنعة: 151، النهاية: 100.

(4) المراسم: 65.

(5) المقنعة: 151، النهاية:

100، المراسم: 65.

(6) المدارك 3: 232، الذخيرة: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 449

و أمّا البيوت التي توقد فيها النيران مع عدم كونها معدّة له فلا كراهة فيها أصلا، للأصل.

و منها: أن يكون بين يديه مصحف مفتوح، لرواية عمّار، في الرجل يصلّي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال: «لا» قلت: فإن كان في غلاف؟ قال: «نعم» «1».

و ألحق بعضهم به كلّ مكتوب و منقوش «2»، و علّل بالمروي في قرب الإسناد:

عن الرجل هل له أن ينظر في نقش خاتمه و هو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو كتاب في القبلة؟ قال: «ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها» «3».

و لا دلالة له إلّا على أنّ النظر في الكتابة كأنّه يقرؤها نقص في الصلاة سواء كانت بين يديها أو لا كما في خاتمه، و هو غير المسألة، لأنّها إنما هي في المكتوب الواقع في القبلة سواء نظر إليه كأنه يقرؤه أم لا، فلا دليل على الإلحاق إلّا ما ذكره بعضهم من خوف التشاغل «4»، و لكنه لا يصلح دليلا، فبقي غير المصحف خاليا عن الدليل، و الأصل عدم الكراهة فيه، و يكون النظر إلى المكتوب مطلقا كأنه يقرؤه مكروها آخر أيضا، و يختص ذلك بمن يرى النقش بل يعلم القراءة، بخلاف الأول، فيعمّ الأعمى و الممنوع عن القراءة لظلمة أو نوع بعد.

و كذا يكره أن يكون بين يديه إنسان، للمرويين في قرب الإسناد و الدعائم:

الأول: عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن يكون امرأة مقبلة بوجهها عليه قاعدة أو قائمة؟ قال: «يدرؤها عنه، فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح

15، التهذيب 2: 225- 888، الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 1.

(2) كالعلامة في المنتهى 1: 249، و نهاية الإحكام 1: 348.

(3) قرب الإسناد: 190- 715، الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 2.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 249.

(5) قرب الإسناد: 204- 789، الوسائل 5: 189 أبواب مكان المصلّي ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 450

و الثاني: «كره أن يصلّي الرجل و رجل بين يديه قائم» «1». و لا تنافيه الأخبار النافية للبأس عن كون إنسان في قبلة «2»، لأن البأس هو العذاب. و لا الأخبار الدالّة على أنه صلّى اللّه عليه و آله صلّى و يمرّ في قبلته قوم «3»، لأنّ مرور شخص غير كونه في قبلته، مع أنّهم قد يرتكبون المكروه بيانا للجواز.

أو باب مفتوح على ما حكي عن الحلبي «4». و لا دليل عليه إلّا أن يسامح فيه، فيثبت بفتوى الفقيه، و لا بأس به.

أو حديد، لموثّقة عمّار، المتقدّمة في النار «5».

أو تماثيل، لصحيحة محمّد «6».

و تزول الكراهة بطرح نحو ثوب عليها، لتلك الصحيحة.

و لا كراهة مع كونها في غير القبلة كما صرّح به فيها أيضا.

المسألة الخامسة:

يستحب للمصلّي السترة [1] بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل «7»، له، و للنصوص المستفيضة.

منها: صحيحة ابن وهب: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» «8».

______________________________

[1] ما ينصبه المصلي قدامه علامة لمصلّاه من عصا و تسنيم تراب و غيره، لأنه يستر المارّ من المرور أي يحجبه. المصباح المنير: 266.

______________________________

(1) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 332 أبواب مكان المصلّي ب 4 ح 2.

(2) انظر: الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلّي

ب 11.

(3) انظر: مسند أحمد 6: 50 و 94، و سنن ابن ماجه 1: 307.

(4) نقله عنه في التذكرة 1: 88.

(5) في ص 444.

(6) التهذيب 2: 226 و 370- 891 و 1541، الاستبصار 1: 394- 1502، المحاسن:

617- 50، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 1.

(7) الحدائق 7: 238.

(8) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 1، التهذيب 2: 322- 1316، الاستبصار 1: 406- 1548، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلّي ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 451

و رواية أبي بصير: «كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراعا، و كان إذا صلّى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه» «1».

و صحيحته: «لا يقطع الصلاة شي ء لا كلب و لا حمار و لا امرأة، و لكن استتروا بشي ء، و إن كان بين يديك قدر ذراع مرتفع من الأرض فقد استترت» «2».

و رواية السكوني: «إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل، فإن لم يجد فحجرا، و إن لم يجد فسهما، و إن لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه» «3».

[و رواية محمّد بن إسماعيل: في الرجل يصلي، قال: «يكون بين يديه ] [1] كومة من تراب، أو يخطّ بين يديه بخطّ» «4».

و ظاهر بعض هذه الأخبار استحبابها مطلقا سواء كان هناك مارّ بين بيديه أم لا، و سواء كان قد يتشاغل في الصلاة بغيره سبحانه أم لا، و سواء كان في الفلاة أو غيرها.

و منهم من قيّد بالأول «5»، لدلالة بعضها- كرواية أبي بصير و صحيحته-

______________________________

[1] أضفنا ما بين المعقوفين لأنها رواية أخرى. و الموجود في النسخ بعد ذكر «بين يديه» في

رواية السكوني: «كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ»، و هي موجودة في رواية محمّد بن إسماعيل لا رواية السكوني.

______________________________

(1) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 2، التهذيب 2: 322- 1317، الاستبصار 1:

406- 1549، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلّي ب 12 ح 2.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 323- 1319، الاستبصار 1:

406- 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلّي ب 11 ح 10.

(3) التهذيب 2: 378- 1577، الاستبصار 1: 407- 1556، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 4.

(4) التهذيب 2: 378- 1574، الاستبصار 1: 407- 1555، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 3.

(5) انظر: الحدائق 7: 243، و الدرة النجفية: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 452

على أنها لدفع المارّة.

و منهم من قيّد بالثاني «1»، لما ورد في بعض الأخبار من مرور المارّة بين يدي الإمام و عدم منعه إيّاهم قائلا بأن الذي أصلّي له أقرب إليّ منهم «2».

و قد يستفاد التقييد بالثالث، لمفهوم الرواية الأخيرة [1].

و يردّ الأول: بأنّ الروايتين غير دالّتين على تقييد المطلقات، لعدم التنافي بين استحباب الاستتار مطلقا و لأجل الاستتار عن المارّة أيضا.

نعم يمكن أن تكون شرعيّتها لأجل احتمال مرور المارّة.

و الثاني: بأنه ليس في الأخبار عدم استتار الإمام، بل عدم نهيه الناس عن المرور، فلعلّه لا يلزم بعد وضع السترة.

مع أنه لو فرض عدم استتاره مرّة أو أكثر لم يدل على عدم استحبابه.

و الثالث: بأنه مفهوم لقب لا حجية فيه، و أمّا مفهومه الشرطي فهو أنه:

إذا لم يصلّ أحدكم بأرض فلاة، و الظاهر منه انتفاء الصلاة مطلقا.

و لو سلّم عمومه للصلاة في غير الفلاة

أيضا فليس بظاهر يخصّص به عموم غيره، مع أن هذا التخصيص ممّا لم يقل به قائل.

ثمَّ أقلّ ارتفاع السترة مع الإمكان- كما دلّ عليه صحيحة أبي بصير- ذراع، فإن لم يمكن فيستتر بحجر، أو سهم ينصبه كالشاخص، أو كومة، إلى أن ينتهي إلى خطّ، بالترتيب.

و يستحب الدنوّ منها، للمروي في الدعائم: «إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها» «3» و نحوه روي في الذكرى «4».

______________________________

[1] بعد ملاحظة الهامش (4) من الصفحة السابقة يظهر أن التقييد موجود في رواية السكوني.

______________________________

(1) الحدائق 7: 242.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 4، الوسائل 5: 135 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 11.

(3) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 335 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 5.

(4) الذكرى: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 453

و قدّره الإسكافي: بمربض شاة «1»، لخبر الساعدي: «كان بين مصلّى النبي و بين الجدار ممرّ الشاة» «2».

و بعض الأصحاب: بمربض عنز إلى مربض فرس «3»، و نسبه في المدارك إلى الأصحاب «4»، و مستنده صحيحة ابن سنان: «أقلّ ما يكون بينك و بين القبلة مربض عنز و أكثر ما يكون مربض فرس» «5».

و مقتضى الخبرين: كون ذلك التقدير من محل القدم لا مسجد الجبهة، و هو كذلك.

و لو زاد البعد عن مربض الفرس بل تفاحش البعد، فهل ترك الدنوّ المستحب أو السترة المستحبة أيضا؟ مقتضى الصحيحة: الثاني.

و لا يشترط في السترة وضعها حين الصلاة. فلو كانت موجودة قبلها كجدار و نحوه و صلّى قريبا منها فقد استتر إذا قصد السترة كما هو صريح صحيحة أبي بصير.

و لا يستحب فيها انحرافها يمينا كما عن الإسكافي «6»، أو يمينا أو شمالا كما

عن بعض العامة «7»، لعدم دليل، بل ظاهر الأخبار استحباب التوسّط.

و هل يشترط إباحتها أم لا؟ صرّح الفاضل بالأول، لعدم الإتيان بالمأمور به على الغصبية «8».

و استشكله في الذكرى بأنّ المأمور به الصلاة إلى السترة و قد حصل،

______________________________

(1) نسبه إليه في الذكرى: 153.

(2) الذكرى: 153، المستدرك 3: 336 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 7.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 248، و التحرير 1: 33، و الشهيد في البيان: 133.

(4) المدارك 3: 239.

(5) الفقيه 1: 253- 1145، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 6.

(6) نقله عنه في الذكرى: 153.

(7) المغني 2: 72.

(8) المنتهى 1: 248، التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 454

و غصبها أمر خارج عن الصلاة، كالوضوء من الإناء المغصوب «1».

أقول

: نظر الفاضل إلى أن المستحب هو الاستتار، أي وضع السترة، لأن الأصل في الأوامر كونها أصلية، فإذا كانت مغصوبة يكون وضعها منهيا عنه فلا يكون مأمورا به، و نظر الشهيد إلى أن المستحب الصلاة إلى السترة، و الأمر بوضعها و جعلها من باب المقدمة، و تحصل الصلاة إلى السترة و لو كانت مغصوبة.

و التحقيق: أنه قد عرفت حصول الاستتار بقصده مع وجود السترة أيضا كما هو مقتضى صحيحة أبي بصير و خبر الساعدي، فالمستحب أصلا هو الاستتار دون إحداث السترة، و المنهي عنه مع الغصبية هو التصرّف فيه بالوضع و الإحداث، و هو غير مأمور به الأصلي، فلو قصد الاستتار بعد الوضع المحرّم، أتى بالمأمور به من غير ارتكاب محرّم.

و الظاهر اختصاص استحباب السترة لغير المأموم، لعدم معهوديته له، و عدم أمره بها.

ثمَّ إنه قد عرفت استحباب الاستتار من المارّة أيضا، فلو استتر و مرّ مارّ وراء

السترة، لم يضرّ، بل لو لم يستتر و صلّى مع مرور مارّ، لم تكن صلاته مكروهة، إذ لا دلالة للأمر بالسترة عن المارة على كراهة الصلاة بدونها.

و أمّا موثّقة ابن أبي يعفور: عن الرجل هل يقطع صلاته شي ء مما يمرّ به؟

قال: «لا يقطع صلاة المسلم شي ء و لكن ادرؤوا ما استطعتم» «2» فلا تدلّ إلّا على استحباب دفع المارّ بالمصلّي، و كون المارّ في قبلته- سيما مع نوع بعد- مارّا به ممنوع، فتأمّل.

المسألة السادسة:

لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الراحلة و لو في المحمل

______________________________

(1) الذكرى: 153.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 322- 1318، الاستبصار 1:

406- 1552، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 455

اختيارا إذا استلزم فوات شي ء من الشرائط أو الأجزاء، إجماعا محقّقا و محكيا «1».

و هو الحجة فيه، مع الأصول المتكثرة، و موثّقة ابن سنان: «لا تصلّ شيئا من المفروض راكبا» قال النضر في حديثه: «إلّا أن يكون مريضا» «2».

و الرضوي: «و إن صلّيت على ظهر دابتك تستقبل القبلة بتكبير الافتتاح، ثمَّ امض حيث توجّهت دابتك تقرأ، فإذا أردت الركوع و السجود استقبل القبلة و اركع و اسجد على شي ء يكون معك ممّا يجوز عليه السجود، و لا تصلّها إلّا في حال الاضطرار جدّا» «3».

و رواية ابن سنان: أ يصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال: «لا، إلّا من ضرورة» «4».

و ظاهر أن السؤال بقوله: «أ يصلّي» ليس إلّا عن الجواز، لأنّه الظاهر، بل لا يتصور السؤال عن غيره هنا، فمقتضى الجواب نفيه.

و منه تظهر دلالة رواية ابن حازم: أصلّي في محملي و أنا مريض؟ فقال: «أمّا النافلة فنعم،

و أما الفريضة فلا» الحديث «5». مضافا فيها إلى أنّ الثابت في النافلة ليس غير الجواز.

و تؤيّده صحيحة البصري: «لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل القبلة، و تجزئه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما يمكنه من شي ء، و يومئ في النافلة إيماء» «6».

و صحيحة الحميري، و فيها بعد السؤال عمّا روي أن رسول اللّه صلّى اللّه

______________________________

(1) كما حكاه في الرياض 1: 120.

(2) التهذيب 3: 231- 598، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 7.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 3: 189 أبواب القبلة ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 3: 308- 954، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 4.

(5) التهذيب 3: 308- 953، الوسائل 4: 327 أبواب القبلة ب 14 ح 10.

(6) التهذيب 3: 308- 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 456

عليه و آله صلّى الفريضة على راحلته في يوم مطر، و أنه هل يجوز لنا أن نصلّي في هذه الحال على محاملنا أو دوابنا: «يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة» «1».

و الاحتجاج بهما لا يتمّ إلّا بثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، و حجية مفهوم الوصف بل اللقب.

و كذا إذا لم يستلزمه، كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب و الحركة، على الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «2»، و اختاره في شرح القواعد و الدروس «3»، لعموم بعض ما مرّ.

خلافا للمحكي عن الفاضل «4»، و جماعة «5» فاختاروا الجواز حينئذ، للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ من العموم، لاختصاصه بالصورة الأولى بحكم القرينة الحالية من ندرة الثانية.

و لا يخلو من قوة، لما ذكر،

مضافا إلى اختصاص الموثّق بالراكب و صدقه على الثانية محل تأمّل، و الرضوي بالسائر، و الاستلزام معه ظاهر، و غيرهما عن إفادة المنع قاصر.

ثمَّ المستفاد من إطلاق النصوص و الفتاوى عدم الفرق في الفريضة بين اليوميّة و غيرها، و لا بين الواجب بالأصالة و العارض، و به صرّح في المنتهى و التحرير «6»، و حكي عن المبسوط و الذكرى «7»، بل عن الأخير أنه قال: و لا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب.

______________________________

(1) التهذيب 3: 231- 600، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 5.

(2) كصاحب البحار 81: 95.

(3) جامع المقاصد 2: 63، الدروس 1: 161.

(4) نهاية الإحكام 1: 404.

(5) منهم صاحب المدارك 3: 143، و صاحب الرياض 1: 120.

(6) المنتهى 1: 223، التحرير 1: 29.

(7) المبسوط 1: 80، الذكرى: 167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 457

خلافا للمحكي عن الإسكافي «1»، فجوّز صلاة الآيات على الراحلة اختيارا، لرواية الواسطي: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «2».

و المروي في قرب الإسناد: كتبت إليه عليه السلام: كسفت الشمس و القمر و أنا راكب، فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «3».

و الأول مردود بكونه مقيّدا بالاضطرار، و الثاني بالضعف الخالي عن الانجبار.

و لجماعة من المتأخّرين في الواجب بالعارض «4»، خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية، للأصل، و عمومات الوفاء بالنذر «5»، و رواية علي: عن رجل جعل للّه تعالى أن يصلّي كذا و كذا، هل يجزئه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟

قال: «نعم» «6».

و ردّ الأول: بعمومات المنع، و كذا

الثاني بملاحظة كون أدلّة المنع أخص من عمومات النذر، و الثالث: بالضعف مع عمومه بالنسبة إلى حالتي الاختيار و الاضطرار، فيخصّص بالأخيرة، جمعا بين الأدلة.

و يمكن أن يقال: إنّ أدلّة المنع و إن اختصّت بالصلاة و لكن عمومات النذر أيضا تختص بالنذر، فالتعارض بالعموم من وجه الموجب للرجوع إلى الأصل.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 118.

(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 11 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 393- 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 11 ملحق بالحديث 1.

(4) منهم صاحب المدارك 3: 139، و المجلسي في البحار 81: 93.

(5) انظر الوسائل 23: 326 أبواب النذر و العهد ب 25.

(6) التهذيب 3: 231- 596، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 458

مع أنها معارضة مع رواية علي بالعموم من وجه، لكونها مخصوصة بالنذر، فلا دافع للأصل و لا مخصّص لعمومات النذر و لا لرواية علي.

مضافا إلى ما قيل من انصراف الفريضة في أدلّة المنع بحكم التبادر و الشيوع إلى اليومية، و اختصاصها بحكم الاستعمال كثيرا في النصوص بما استفيد وجوبه من الكتاب و السنّة «1»، و إن كانت المقدّمتان محلّي نظر.

و على هذا فالقول بالجواز في المنذور و لو مطلقا في غاية القوّة، سيما مع النذر بهذه الكيفية، لثبوت وجوبه من الكتاب أيضا، بل المنع حينئذ و إيجابها على الأرض لا وجه له.

هذا مع الاختيار، و أمّا في حالة الاضطرار فتجوز الصلاة على الدابة و المحمل إجماعا أيضا، و صرّح به في المعتبر و المنتهى «2»،

و غيرهما «3».

و تدلّ عليه النصوص المستفيضة، منها: كثير ممّا تقدم.

و منها: رواية ابن عذافر: الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها و لا السجود عليها من كثرة الثلج و الماء و المطر و الوحل، أ يجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال: «نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما و إلّا قاعدا» «4».

و منها: الأخبار الكثيرة المصرّحة بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الفريضة على الراحلة أو المحمل في يوم مطر و وحل «5».

و لا تضرّ رواية ابن حازم «6»، لعموم المرض فيها بالنسبة إلى الموجب

______________________________

(1) الحدائق 6: 410، الرياض 1: 120.

(2) المعتبر 2: 75، المنتهى 1: 222.

(3) كالخلاف 1: 100، و كشف اللثام 1: 176، و الرياض 1: 121.

(4) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.

(5) الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.

(6) المتقدمة في ص 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 459

للاضطرار و غيره.

و كما لا تجوز على الراحلة بدون الاضطرار و تجوز معه، كذا لا تجوز بدونه ماشيا، للإجماع، و مفهوم قوله سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً «1».

و قوله عليه السلام فيمن يرى حيّة بحياله: «إن كان بينها و بينه خطوة واحدة فليخط و ليقتلها و إلّا فلا» «2».

و قوله: «و ليكن على سكون و وقار» «3» و نحو ذلك.

و تجوز معه، كما صرّح به جماعة «4»، و حكي عن الأصحاب كافة «5»، و عن المنتهى إجماعهم عليه «6»، لبعض الأصول، و كثير من النصوص كصحيحتي يعقوب:

إحداهما: عن الرجل يصلّي على راحلته؟ قال: «يومئ إيماء و ليجعل السجود أخفض من الركوع» قلت: يصلّي و هو

يمشي؟ قال: «نعم يومئ إيماء و يجعل السجود أخفض من الركوع» «7».

و الأخرى: عن الصلاة في السفر و أنا أمشي، قال: «أوم إيماء و اجعل السجود أخفض من الركوع» «8».

______________________________

(1) البقرة: 239.

(2) الفقيه 1: 241- 1072، التهذيب 2: 331- 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4.

(3) ورد مؤداه في فقه الرضا عليه السلام: 101، و عنه في مستدرك الوسائل 4: 78 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(4) منهم العلامة في المنتهى 1: 223، و قواعد الأحكام 1: 26، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 67، و صاحب الرياض 1: 121، و صاحب المدارك 3: 141، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176.

(5) الحدائق 6: 412.

(6) المنتهى 1: 223.

(7) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 7، الوسائل 4: 332 أبواب القبلة ب 15 ح 15.

(8) التهذيب 3: 229- 588، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 460

و صحيحة حريز: إنه عليه السلام لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي و هو يمشي و لكن لا يسوق الإبل «1».

و الرضوي: و فيه بعد ما سبق منه: «و تفعل ذلك مثله إذا صلّيت ماشيا إلّا أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض» «2».

و مرسلة المقنعة: عن الرجل يجدّ به السير أ يصلّي على راحلته؟ قال: «لا بأس بذلك يومئ إيماء، و كذلك الماشي إذا اضطرّ إلى الصلاة» «3».

و هذه الروايات و إن كانت عامة بالنسبة إلى الفريضة و النافلة و لكن عمومها يكفي للمطلوب، لعدم جريان أدلّة الاستقرار و التمكن و استيفاء الأجزاء و الشرائط في حال الاضطرار، لانتفاء العسر و الحرج،

فتبقى هذه العمومات خالية عن المعارض.

مع أن التقييد بالاضطرار في الرواية الأخيرة قرينة على إرادة الفريضة، لانتفائه في النافلة إجماعا.

مضافا إلى التعليل في بعض الأخبار المرخّصة للفريضة على الراحلة حال الضرورة بقوله: «فاللّه تعالى أولى بالعذر» «4».

و قد يقال بدلالة الرضوي أيضا على الفريضة خصوصا، و هو سهو ظاهر.

كالاستدلال له بصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال: «يكبّر و يومئ رأسه» «5» فإنّه لا دلالة فيها على المشي بوجه، و غايتها الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء و إن كان واقفا، كما في صحيحة

______________________________

(1) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 9، الفقيه 1: 289- 1318، التهذيب 3: 230- 592، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 164، مستدرك الوسائل 3: 192 أبواب القبلة ب 12 ح 1.

(3) المقنعة: 450، الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 16 ح 7.

(4) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.

(5) التهذيب 3: 173- 382، الوسائل 8: 442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 461

علي: عن الرجل يلقى السبع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه و سجوده السبع، و السبع أمامه على غير القبلة، فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه السبع كيف يصنع؟ قال:

«يستقبل الأسد و يصلّي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة» [1].

و مع إمكان الركوب و المشي تخيّر، لظاهر الآية. و قد يرجّح الأول بالاستقرار الذاتي كالثاني بحصول القيام.

فروع:

أ: هل

يجب تأخير الصلاة راكبا أو ماشيا إلى ضيق الوقت أم تجوز مع السعة؟ صرّح في الشرائع بالأول في الماشي «1».

و يدلّ عليه فيه مرسلة المقنعة المتقدّمة، إذ لا اضطرار إلى الصلاة قبل الضيق، و في الراكب رواية ابن سنان «2»، و الرضوي و فيه: «و ليس لك أن تفعل ذلك إلّا آخر الوقت».

و قد يستدلّ فيهما أيضا بوجوب تحصيل القبلة و سائر الشرائط المتوقّف على التأخير، فيجب من باب المقدّمة.

و فيه- مضافا إلى اختصاصه بما إذا علم رفع المانع مع التأخير-: منع وجوب التحصيل مطلقا، بل المسلّم وجوبه مع الإمكان حال الصلاة.

ب: لا شك في سقوط الاستقبال و لو بتكبيرة الإحرام مع تعذّره، للضرورة، و الإجماع.

______________________________

[1] الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 7، الفقيه 1: 294- 1339، التهذيب 3: 300- 915، الوسائل 8: 439 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 2 (و فيه بتفاوت يسير).

______________________________

(1) الشرائع 1: 67.

(2) المتقدمة في ص 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 462

و لا في وجوبه في التكبيرة مع المكنة إجماعا، كما صرّح به جماعة «1»، و هو الحجة فيه، مع الرضوي المنجبر بما ذكر: «إذا كنت راكبا و حضرت الصلاة و تخاف أن تنزل مع سبع أو لصّ أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك، و تستقبل القبلة و تومئ إيماء إن أمكنك الوقوف، و إلّا استقبل القبلة بالافتتاح، ثمَّ امض في طريقك التي تريد حيث توجّهت بك دابتك مشرقا و مغربا، و تومئ للركوع و السجود، و يكون السجود أخفض من الركوع، و ليس لك أن تفعل ذلك إلّا آخر الوقت» «2».

و يؤيده الرضوي المتقدّم، و صحيحة زرارة: «الذي يخاف اللصوص و السبع

يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته [إلى أن قال:] و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» «3».

و الاحتجاج له: بقوله سبحانه فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «4» و: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «5» غير تام.

و هل يجب في غيرها بقدر الإمكان كما ذكره جماعة «6»، أم لا كما ذكره آخرون «7»؟ الظاهر: الأول إذا أمكن في جميع الصلاة، لأدلّة وجوب الاستقبال فيها. و الثاني إذا لم يمكن ذلك، للأصل، و الصحيحة المذكورة المؤيّدتين بالرضوي.

______________________________

(1) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176، و صاحب الرياض 1: 121.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 148، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 2.

(3) الفقيه 1: 295- 1348، التهذيب 3: 173- 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 13 ح 8.

(4) البقرة: 144.

(5) العوالي 4: 58- 205.

(6) منهم العلّامة في المنتهى 1: 222، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176، و صاحب الرياض 1: 121.

(7) كالصدوق في المقنع: 38، و ابن حمزة في الوسيلة: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 463

و صرفهما إلى الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب، مردود: بمنع الغلبة في جميع الصلاة و إن سلّمت في المجموع، مع أنّ قوله في الصحيحة: «لا يدور» قرينة على الإمكان، إذ يقبح النهي بدونه.

دليل الأولين: الآية، و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» و دلالتهما غير تامة.

و أمّا في حالتي الركوع و السجود و إن أمر في الرضوي بالاستقبال فيهما خاصة، إلّا أنّ ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الحكم بوجوبه. و لا بأس بالاستحباب، له.

ثمَّ

إنه هل يجب عليه جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة لا ينحرف عنه كما عن نهاية الفاضل «1»، لوجوب الاستمرار على جهة واحدة لئلّا يتوزّع فكره، أم لا؟ الظاهر: الثاني، للأصل، و منع ما ادّعاه من الوجوب.

ج: المصلّي راكبا أو ماشيا يومئ للركوع و السجود مع العجز عن فعلهما إجماعا نصّا و فتوى، و يجب جعل السجود أخفض من الركوع، للصحيحين المتقدّمين «2»، و غيرهما.

و أمّا مع عدم العجز عنهما فظاهر إطلاق بعض العبارات كالقواعد و التذكرة «3»، و غيرهما «4»: الإيماء أيضا، للإطلاقات.

و صريح بعض آخر- منهم الشيخ في النهاية و المحقّق الثاني في شرح القواعد «5»- اختصاص الإيماء بصورة العجز، و جعله الثاني من المعلومات.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 405.

(2) في ص 459.

(3) القواعد 1: 26، التذكرة 1: 102.

(4) كالتحرير 1: 29.

(5) النهاية: 131، جامع المقاصد 2: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 464

و جعل بعض مشايخنا المحقّقين التعميم مخالفا لفتوى الفقهاء «1».

و هو كذلك، لخصوص الرضوي المتقدّم في صدر المسألة «2» المنجبر بما ذكر، و به تقيّد الإطلاقات، لاختصاصه بالفريضة و حالة الإمكان و عمومها بالنسبة إليهما، مضافا إلى عمومات وجوب الركوع و السجود «3». و هي و إن تعارضت مع الإطلاقات إلّا أنه بالعموم من وجه، لاختصاص العمومات بحالة الإمكان و عموم الإطلاقات بالنسبة إليها و إلى النوافل أيضا، و لا شك أنّ الترجيح للعمومات بموافقة الكتاب و السنّة النبوية و الشهرة رواية و الأكثرية، و لو تكافأتا و تساقطتا، يرجع إلى أصالة الاشتغال اليقينية بنوع ركوع و سجود قطعا، فيجب المجمع عليه، فتأمّل.

د: لو تمكّن الراكب في أثناء الصلاة من النزول، و الماشي من الاستقرار فهل يجبان أم لا؟ فيه

احتمالان، أحوطهما بل أظهرهما: الأول.

ه: تجوز الصلاة على الرفّ أو السرير أو نحوهما المعلّق على النخلتين أو الجدارين أو الدابتين إذا استقر و تمكّن من استيفاء الأفعال، للأصل، و صحيحة علي «4»، و غيرهما.

و: تجوز الصلاة في السفينة مع عدم إمكان الخروج إجماعا، له، و للنصوص المستفيضة «5».

و كذا مع إمكانه وفاقا لنهاية الشيخ «6»، و للمحكي عن الصدوق و ابن حمزة

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) راجع ص 455.

(3) الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9.

(4) التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 184- 686، الوسائل 5: 178 أبواب مكان المصلي ب 35 ح 1.

(5) الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13.

(6) النهاية: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 465

و الفاضل و المحقّق الثاني «1»، بل الأكثر، كما صرّح به غير واحد ممّن تأخّر [1].

للأصل، و العمومات.

و صحيحة جميل: أكون في سفينة قريبة من الجدد فأخرج و أصلّي؟ قال:

«صلّ فيها أما ترضى بصلاة نوح» «2».

و صحيحة مفضّل بن صالح: عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة، فقال: «إن صلّيت فحسن و إن خرجت فحسن» «3» و نحوها مرسلة الفقيه «4».

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في السفينة و هو يقدر على الجدّ؟ قال: «نعم لا بأس» [2].

و مرسلة الصدوق في الهداية: عن الرجل يكون في السفينة و تحضر الصلاة أ يخرج إلى الشط؟ فقال: «أ يرغب عن صلاة نوح؟!» و قال: «صلّ في السفينة قائما، و إن لم يتهيأ لك عن قيام صلّها قاعدا، فإن دارت السفينة فدر معها، و تحرّ القبلة جهدك، فإن عطفت الريح و لم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة

فصلّ إلى صدر السفينة» [3].

و الرضوي، و فيه بعد ذكر كيفية الصلاة في السفينة: «و لا تخرج منها إلى شطّ

______________________________

[1] كالبهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و قد صرح السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية: 97، بأنه الأشهر.

[2] قرب الإسناد: 216- 849، البحار 81: 93- 5، و الجدّ: شاطئ النهر مجمع البحرين 3: 21.

[3] الهداية: 35 (بتفاوت يسير).

______________________________

(1) المقنع: 37، الوسيلة: 115، التذكرة 1: 104، و المنتهى 1: 223، و القواعد 1: 26، جامع المقاصد 2: 63.

(2) الفقيه 1: 291- 1323، الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13 ح 3.

(3) التهذيب 2: 298- 905، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة ب 13 ح 11.

(4) الفقيه 1: 292- 1327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 466

من أجل الصلاة» «1». و غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الحلبي و الحلّي «2»، و الذكرى «3»، فمنعوا عنه حينئذ، لوجوب القيام و الاستقرار و سائر الشرائط المنتفية بحركة السفينة غالبا.

و حسنة حمّاد: عن الصلاة في السفينة، فقال: «إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا فصلّوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحرّوا القبلة» «4». و نحوه المروي في قرب الإسناد «5».

و رواية علي بن إبراهيم: عن الصلاة في السفينة، قال: «يصلّي و هو جالس إذا لم يمكنه القيام، و لا يصلّي في السفينة و هو يقدر على الشط» و قال: «يصلّي في السفينة يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يصلّي كيف ما دارت» «6».

و أجابوا عن الأخبار المتقدمة: بأنها أعم مطلقا من الخبرين، لأعميتها من السفينة المتحركة و الساكنة و خصوصيتهما بالمتحرّكة، للإجماع على عدم وجوب الخروج مع السكون و عدم الاضطراب.

و فيه: منع أعمية الجميع، لاختصاص الأخيرين منها بالمضطربة،

و ضعفهما منجبر بحكاية الشهرة، مع أن رواية الهداية بنفسها أيضا حجة، بل الظاهر اختصاص صحيحة جميل أيضا بها، لأنّ صلاة نوح إنما هي مع حركة السفينة، و أمّا غير المتحركة منها فكغير السفينة، فهي لحمل الخبرين على الكراهة

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 146، مستدرك الوسائل 3: 188 أبواب القبلة ب 9 ح 6.

(2) كما في الكافي في الفقه: 147، و السرائر 1: 336.

(3) الذكرى: 168.

(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 1، التهذيب 3: 170- 374، الاستبصار 1: 454- 1761، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.

(5) قرب الإسناد: 19- 64، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.

(6) التهذيب 3: 170- 375، الاستبصار 1: 455- 1762، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 467

قرينة، بل الأخير منهما لا يفيد أزيد منها البتة.

و أمّا انتفاء ما ينتفي من الشرائط فهو مع النص على الجواز غير ضائر، فيجوز مع الاختيار و إن أوجب فوات القيام و الاستقبال.

و صرّح في شرح القواعد «1» باختصاصه بحال عدم اضطراب السفينة بحيث تنتفي الشرائط و إن كانت متحركة.

و لا وجه له بعد إطلاق النص و الفتاوى، بل صريح بعض كلّ منهما كروايتي الهداية و الرضوي و كلام الشيخ في النهاية «2».

ثمَّ المصلّي في السفينة يجب عليه القيام ما أمكن، فإن لم يمكن فليجلس كما دلّ عليه بعض ما ذكر.

و حسنة حمّاد: «يستقبل القبلة، فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجهت به» قال: «فإن أمكنه القيام فليصلّ قائما، و إلّا فليقعد ثمَّ ليصلّ» «3».

و مقتضاها وجوب تحرّي القبلة و الإدارة إليها

مع الإمكان، و هو كذلك، لها و لغيرها من المستفيضة.

و لو لم يتمكن من الاستقبال في الجميع، استقبل في التكبيرة خاصة كما في مرسلة الفقيه: عن الصلاة المكتوبة في السفينة و هي تأخذ شرقا و غربا، فقال:

«استقبل القبلة، ثمَّ كبّر، ثمَّ اتبع السفينة و در معها حيث دارت بك» «4».

دلّ جزؤها الأول على وجوب الاستقبال بالتكبيرة فيجب، و لا ينتفي وجوبه بانتفاء وجوب جزئه الأخير بعدم الإمكان.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 63.

(2) النهاية: 132.

(3) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 2، التهذيب 3: 297- 903، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة ب 13 ح 13.

(4) الفقيه 1: 292- 1328، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 468

المسألة السابعة:

تجوز النافلة على الراحلة اختيارا في السفر إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، للصحاح المستفيضة و غيرها «2».

و في الحضر على الأصح الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «3»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «4»، لعمومات جواز الصلاة مطلقا أو النافلة راكبا، و خصوص صحيحتي البجلي:

إحداهما: في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابته حيث توجهت به، فقال: «نعم لا بأس» «5».

و ثانيتهما: عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة، فقال: «إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوّفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب فنعم، و إلّا فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» «6».

و صحيحة حمّاد: في الرجل يصلّي النافلة على دابته في الأمصار، قال:

«لا بأس» «7».

و كذا ماشيا فيهما، لعدم الفصل بينه و بين الراكب فيهما كما قيل «8»،

______________________________

(1) كالخلاف 1: 299، و

المعتبر 2: 75، و المنتهى 1: 222، و الذكرى: 168، و الرياض 1:

121.

(2) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

(3) نسبه في الحدائق 6: 424 إلى الشهرة و في الرياض 1: 121 إلى الشهرة العظيمة.

(4) الخلاف 1: 299.

(5) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 8، التهذيب 3: 230- 591، الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15 ح 1.

(6) التهذيب 3: 232- 605، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 12.

(7) التهذيب 3: 229- 589، الوسائل 4: 330 أبواب القبلة ب 15 ح 10.

(8) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 469

و لصحيحتي يعقوب و صحيحة حريز، المتقدّمة «1»، و غيرها ممّا يأتي بعضه، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الماشي في السفر أو الحضر سائرا في الطريق أو دائرا في بيته.

خلافا للحلّي «2»، و المحكي عن العماني «3» فخصّا الجواز بالسفر و فيه على الراحلة، للاقتصار- فيما خالف عمومات لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا و لو كانت نافلة، و أصل توقيفية العبادة- على المجمع عليه و هو السفر، و ظهور بعض الصحاح المرخّصة لها في التقييد به.

ففي صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي، يتوجّه إلى القبلة ثمَّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمَّ مشى» «4».

مؤيّدا بالنصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه فَأَيْنَما تُوَلُّوا «5» أنه ورد في النوافل السفرية خاصة «6».

و يردّ- بعد تسليم وجوب الاستقبال في النوافل، فإنّه ممنوع كما مرّ- بمنع وجوب الاقتصار على المجمع عليه، لوجوب

تخصيص العموم بالمخصّص إذا كان حجة، و قد مرّ، و حصول التوقيف به. و منع ظهور الصحيح في التقييد إلّا بمفهوم وصف ضعيف وارد مورد الغالب. و منع دلالة النصوص على التخصيص، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة، و هو لا يستلزم عدم المشروعية

______________________________

(1) في ص 459 و 460.

(2) السرائر 1: 208.

(3) المختلف: 79.

(4) التهذيب 3: 229- 585، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 1.

(5) البقرة: 115.

(6) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 470

في غيره، مضافا إلى ما فيها من الضعف سندا.

و الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط الاستقبال في شي ء من هذه الصور في غير التكبيرة، للأصل، و صحيحتين: الاولى و الأخيرة.

و صحيحة الحلبي: عن صلاة النافلة على البعير و الدابة، فقال: «نعم حيث كان متوجها» قال: فقلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: «لا و لكن تكبّر حيثما تكون متوجّها» «1».

و رواية الكرخي: إنّي أقدر على أن أتوجّه إلى القبلة في المحمل، قال: «ما هذا الضيق أما لك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسوة؟!» «2» إلى غير ذلك.

و هل يتعيّن الاستقبال بالتكبيرة؟ كما عن الحلّي حاكيا له عن جماعة «3»، لصحيحة ابن أبي نجران: عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل، قال: «إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمَّ كبّر و صلّ حيث ذهب به بعيرك» «4».

أم لا؟ كما عليه آخرون، لإطلاق طائفة من النصوص، و صريح صحيحة الحلبي التي هي كالقرينة على عدم إرادة الوجوب من الأمر، أو معارضة للصحيحة الآمرة، فيرجع إلى الأصل. نعم، يستحب، لذلك.

و يكفي في الركوع و السجود هنا الإيماء مطلقا، لصحيحتي يعقوب المتقدّمتين «5».

و

رواية إبراهيم بن ميمون: «إن صلّيت و أنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت

______________________________

(1) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 5، التهذيب 3: 228- 581، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة ب 15 ح 6، 7.

(2) الفقيه 1: 285- 1295، التهذيب 3: 229- 586، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة ب 15 ح 2.

(3) السرائر 1: 336.

(4) التهذيب 3: 233- 606، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 13.

(5) في ص 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 471

فقرأت، و إذا أردت أن تركع أومأت بالركوع، ثمَّ أومأت بالسجود» «1».

و موثّقة سماعة: «و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلا، و إن كان راكبا فليصلّ على دابته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماء و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه» «2» و نحو ذلك.

و المستفاد من الأوليين و الأخيرة تعيّن كون الرأس لإيماء السجود أخفض منه لإيماء الركوع، و هو كذلك.

و لا يجب في إيماء السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، للأصل، و الصحيح.

قيل: و لو ركع و سجد مع الإمكان كان أولى «3»، لصحيحة ابن عمّار «4».

و في دلالتها على الزائد على الجواز نظر، للتعليق على الإرادة، و حمل المراد على الأعم من الحقيقة و المجاز و المأمور به على الحقيقة لا وجه له، و مع أن الأمر بالإيماء في المستفيضة «5» كالقرينة على إرادته من الركوع و السجود هنا أيضا.

نعم، لا شك في أولوية الصلاة على الأرض مستقرّا، لصحيحة البجلي، الثانية «6».

و لو انتهى الركوب أو المشي في أثناء الصلاة اضطرارا أو اختيارا، أتمّ الباقي على الأرض مستقرّا مستقبلا راكعا ساجدا، ذكره في المنتهى «7».

و المستقرّ لو أراد الركوب أو

المشي في الأثناء، أتمّها كصلاة الراكب و الماشي، ذكره فيه أيضا، و يمكن استفادتهما من بعض الإطلاقات.

______________________________

(1) التهذيب 3: 229- 587، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.

(2) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 14.

(3) كما في الرياض 1: 121.

(4) المتقدمة في ص 469.

(5) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

(6) المتقدمة في ص 468.

(7) المنتهى 1: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 472

المسألة الثامنة:

يستحب أداء الصلوات في المساجد استحبابا مؤكّدا بالإجماع، بل الضرورة الدينية، و النصوص المتواترة «1»، إلّا صلاة العيدين فإنه يستحب الإصحار بها في غير مكة كما يأتي.

و يتأكّد من بين المساجد بمزية الفضل و مزيد الاختصاص المساجد المقدّسة الأربعة، ثمَّ المسجد الأعظم، ثمَّ مسجد المحلّة، ثمَّ مسجد السوق، أي ما كان لأهل السوق لا المتصل به، إذ قد يتّصل به المسجد الجامع، ثمَّ سائر المساجد، كما نطقت به الأخبار «2».

و أمّا ما في وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر كما في أمالي الطوسي: «يا أبا ذر صلاة في مسجدي تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، و صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، و أفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلّا اللّه يطلب بها وجه اللّه. يا أبا ذر إن صلاة النافلة تفضل في السرّ على العلانية كفضل الفريضة على النافلة» «3».

فيجب تخصيص قوله: «صلاة يصلّيها الرجل ..» بالنافلة، للإجماع، بل في قوله بعد ذلك: «يا أبا ذر إنّ صلاة النافلة ..» دلالة عليه أيضا.

و لا ينافي ذلك أفضلية الفريضة على

النافلة كما هو المجمع عليه و مدلول هذه الرواية، لأنّ أفضلية شي ء من آخر من جهة لا ينافي أفضلية الآخر من جهة أخرى.

هذا كلّه في الفرائض و للرجال، و أمّا الصلوات المندوبة فهي في البيت أفضل، وفاقا للشرائع و النافع و القواعد و شرحه و الإرشاد و المنتهى «4»، و عن النهاية

______________________________

(1) الوسائل 5: 193 أبواب أحكام المساجد ب 1.

(2) الوسائل 5: 289 أبواب أحكام المساجد ب 64.

(3) أمالي الطوسي: 539، 541، الوسائل 5: 272 أبواب أحكام المساجد ب 52 ح 10.

(4) الشرائع 1: 128، النافع 26، القواعد 1: 29، جامع المقاصد 2: 143، مجمع الفائدة و البرهان 2: 144، المنتهى 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 473

و المبسوط و المهذّب و الجامع «1»، و هو المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل في المنتهى:

إنه ذهب إليه علماؤنا «3»، و نحوه عن المعتبر «4».

و يدلّ عليه- بعد ما ذكر من الشهرة المحكية و الإجماع المنقول و رواية الأمالي- النبويّان المنجبران:

أحدهما: «جاء رجال يصلّون بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج مغضبا فأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم» «5».

و الآخر أنه قال: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» «6».

و لأنه أقرب إلى الخلوص و أبعد من الرياء، مع أن المقتضي لاستحباب الصلاة في المسجد- و هو الجماعة- مفقود هنا.

و عن الكافي «7»، و الشهيد الثاني «8»: رجحان فعلها في المسجد أيضا، و استحسنه في المدارك «9»، للعمومات. و لصحيحتي ابني وهب و عمير:

الاولى: «إن النبي كان يصلّي الليل في المسجد» «10».

و الثانية: إني لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال: «لا تكره- إلى أن قال:- فأدّ فيها الفريضة و النوافل» «11».

______________________________

(1) النهاية:

111، المبسوط 1: 162، المهذب 1: 77، الجامع: 103.

(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 147، و المحقق السبزواري في الكفاية: 17، و العلامة المجلسي في البحار 80: 354.

(3) المنتهى 1: 244.

(4) المعتبر 2: 112.

(5) صحيح مسلم 1: 539- 213، سنن أبي داود 2: 69- 1447.

(6) الجامع الصغير للسيوطي 1: 191- 1276، سنن النسائي 3: 197.

(7) الكافي في الفقه: 152.

(8) حكاه عنه في المدارك 4: 407.

(9) المدارك 4: 407.

(10) التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1.

(11) الكافي 3: 370 الصلاة ب 53 ح 14، التهذيب 3: 258- 723، الوسائل 5: 225 أبواب أحكام المساجد ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 474

و رواية هارون بن خارجة في فضل مسجد الكوفة، و فيها: «إن النافلة فيه لتعدل خمس مائة صلاة» «1».

و في رواية اخرى: «إنها تعدل عمرة» «2».

و يردّ الأول: بأن صلاة الليل كانت واجبة على النبي، مع أن الفعل لا يعارض القول، إذ لعلّه من جهة أخرى.

و الثاني: بأن الأمر فيه ليس على حقيقته، و مجازه يمكن أن يكون الإباحة، بل هو الأظهر بعد توهّم الكراهة حتى قيل: إنها مفاده البتة.

و الأخيرتان: بأنهما لا تدلّان على الأفضلية من البيت، فلعلّه في البيت تعدل أزيد من خمس مائة صلاة و من عمرة كما هو الظاهر من رواية الأمالي.

نعم، تدلّان على أفضلية مسجد الكوفة ممّا لم تثبت فيه هذه الزيادة كسائر المساجد و الصحاري و الأسواق و الخانات و نحوها.

و عن السرائر اختصاص الأفضلية في البيت بصلاة الليل «3».

قيل «4»: و لعلّه لما دلّ على أن الأمير عليه السلام اتّخذ مسجدا في داره فكان إذا

أراد أن يصلّي في آخر الليل يذهب إليه و يصلّي «5».

و فيه: أنه لا يدلّ على انتفاء الأفضلية من غيره، مع أن المتّخذ في البيت مسجدا مسجد أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250- 688، المحاسن: 56- 86، الوسائل 5: 252، 253 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3، 4.

(2) التهذيب 6: 32- 60، كامل الزيارات: 28- 3، الوسائل 5: 256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 14.

(3) السرائر 1: 264 و 280.

(4) كما في الرياض 1: 140.

(5) المحاسن: 612- 30، قرب الإسناد: 161- 586، الوسائل 5: 295 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 475

ثمَّ إن الكلام في رجحان فعل الفريضة أو النافلة من حيث هو هو مع قطع النظر عن الأمور الخارجة، و أما هي فقد تقتضي العكس فيهما كخوف الرياء، أو الاجتناب عن الوسواس، أو اقتداء الناس و نشر الخيرات.

و منه يظهر ما في كلام بعضهم من التفصيل في مسألة ترجيح المسجد أو البيت بضمّ بعض هذه الأمور.

و أمّا النساء فصلاتهنّ مطلقا في بيتهنّ أفضل، و نسبه بعض المتأخّرين إلى فتوى الأصحاب «1»، و في الذخيرة نسبتها إليهم أيضا «2»، لرواية ابن ظبيان: «خير مساجد نسائكم البيوت» «3».

و مرسلة الفقيه: «خير المساجد للنساء البيوت، و صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها و صلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، و صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها، و يكره للمرأة الصلاة في سطح غير محجّر» [1].

و تؤيّده رواية هشام بن سالم: «صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، و

صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» «4».

و لا ينافيه تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله حضور هنّ المسجد و الصلاة معه جماعة «5»، لأنّ التقرير لا يفيد الأفضلية.

______________________________

[1] الفقيه 1: 244- 1088، و أورد صدرها في الوسائل 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 3، و تمامها في جامع أحاديث الشيعة 4: 454- 1436.

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 159.

(2) الذخيرة: 246.

(3) التهذيب 3: 252- 694، الوسائل ب 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4.

(4) الفقيه 1: 259- 1178، الوسائل 5: 236 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 1.

(5) الفقيه 1: 259- 1175، علل الشرائع: 344، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 476

مع أنه لا يعارض القول، إذ لعلّه لإدراك فضيلة جماعة النبي صلّى اللّه عليه و آله، التي هي أفضل الفضائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 477

الباب الخامس: في الأذان و الإقامة.

اشارة

و الكلام إمّا في كيفيتهما، أو في المؤذّن، أو ما يؤذّن له و يقام، أو في أحكامهما، ففيه فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 478

الفصل الأول: في كيفيتهما
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لا خلاف بين الشيعة في أن الأذان ثمان فقرات: التكبير، ثمَّ الشهادة بالتوحيد، ثمَّ بالرسالة، ثمَّ قول: حيّ على الصلاة، ثمَّ: حيّ على الفلاح، ثمَّ: حيّ على خير العمل، ثمَّ التكبير، ثمَّ التهليل. و الإقامة تسع بزيادة: قد قامت الصلاة قبل التكبير و التهليل الأخيرين.

و على ذلك تواترت الأخبار «1» و تطابقت كلمات علمائنا الأخيار مدّعيا كثير منهم عليه الإجماع «2».

و أمّا رواية الحضرمي و الأسدي: إنه عليه السلام حكي لهما الأذان، فقال:

اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، إلى آخر الفقرات المذكورة للأذان، ذكر كلا منها مرّتين، ثمَّ قال:

«و الإقامة كذلك» «3» و نحوها رواية المعلّى «4».

فالمراد منهما المماثلة في هذه الفقرات، و هي لا تنافي اشتمال الإقامة على قول:

قد قامت الصلاة.

و لو سلّمت الدلالة على المماثلة من جميع الوجوه فهي بالعموم الواجب

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19.

(2) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، العلامة في نهاية الاحكام 1: 411، الشهيد في الذكرى: 169.

(3) الفقيه 1: 188- 897، التهذيب 2: 60- 211، الاستبصار 1: 306- 1135، الوسائل 5:

416 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 9.

(4) التهذيب 2: 61- 212، الاستبصار 1: 306- 1136، الوسائل 5: 415 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 479

تخصيصه بالإجماع القطعي و الأخبار:

منها: رواية زرارة و الفضيل في بيان أذان جبرئيل: فقلنا له: كيف أذّن؟

فقال: «اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر فصول الأذان، ذكر كلا مرّتين، ثمَّ

قال: «و الإقامة مثلها إلّا أن فيها: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، بين حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، و بين اللّه أكبر» «1».

و كذا لا خلاف في تكرار ما عدا التهليل الأخير في الإقامة من فقرات الأذان و الإقامة، و عليه توافر أخبار الأئمة و إجماع الطائفة.

و أمّا ما في المعتبر من رواية البزنطي: «الأذان: اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى أن قال في آخره: «لا إله إلّا اللّه مرّة» ثمَّ قال: «إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم» «2» فهو شاذ مطروح، و على التقية محمول، لأنّ وحدة التهليل في آخر الأذان مذهب العامة كافة، كما في المنتهى و التذكرة «3»، و غيرهما «4».

و تدلّ على التقية فيه ذكر: الصلاة خير من النوم.

و أمّا صحيحة ابن وهب: «الأذان مثنى مثنى و الإقامة واحدة» «5» فالمراد منها أنّ الإقامة وتر لوحدة التهليل في آخرها، لا أنّ كلّ فصل منها واحدة.

و على فرض إرادته فالرواية بالشذوذ مطروحة، و للأكثر منها معارضة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 60- 210، الاستبصار 1: 305- 1134، الوسائل 5: 416 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 8.

(2) المعتبر 2: 145.

(3) المنتهى 1: 255، التذكرة 1: 104.

(4) كالمعتبر 2: 140.

(5) التهذيب 2: 61- 214، الاستبصار 1: 307- 1138، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 480

و به يجاب عن صحيحة ابن سنان: «الإقامة مرّة مرّة إلّا قول: اللّه أكبر فإنه مرّتان» «1».

مع أنها عامة بالنسبة إلى المسافر و ذوي الحاجة و غيرهما، فتحمل على أحد الأوّلين،

لجواز التوحيد له، كما يأتي.

و لا في أنّ تكرير غير التكبيرات من الفقرات مرّتان لا أزيد، و به صرّحت الروايات و تطابقت العبارات أيضا.

و لا في أنّ تكرر التكبير في أول الأذان أربع مرّات، و في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع «2». و في الناصريّات: إنه إجماع الفرقة المحقّة «3». و عن المعتبر و الغنية و الخلاف «4»: الإجماع على كون الأذان ثمانية عشر فصلا بتربيع التكبير في أوله.

و ما نسبه بعض المعاصرين «5» إلى النهاية من كون الفضل في التربيع و إن جاز الأقلّ، فلم نعثر عليه فيها، بل صرّح فيها بخلافه «6»، فالإجماع حجة في المقام.

و تدلّ عليه من الأخبار الروايتان الأوليان، و صحيحة زرارة: «تفتح الأذان بأربع تكبيرات، و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» «7».

و مرسلة الفقيه المتضمّنة لما ذكره الفضل من العلل عن الرضا عليه السلام، و فيها: «و إنّما جعل- أي الأذان- مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين

______________________________

(1) التهذيب 2: 61- 215، الاستبصار 1: 307- 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 3.

(2) المنتهى 1: 254.

(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

(4) المعتبر 2: 139، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الخلاف 1: 278.

(5) كصاحب الرياض 1: 149.

(6) النهاية: 69.

(7) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 5، التهذيب 1: 61- 213، الاستبصار 1: 309- 1148، الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 481

- إلى أن قال-: فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى، و جعل التكبير في أول الأذان أربعا، لأنّ أول الأذان إنّما يبدو غفلة» «1» الحديث.

و الرضوي: «الأذان ثماني عشرة كلمة، و الإقامة تسع عشرة كلمة، و الأذان

أن يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه- إلى آخر الأذان- إلى أن قال:- و الإقامة أن يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر اللّه أكبر- إلى أن قال:- لا إله إلّا اللّه مرّة واحدة» [1].

و موثّقة الجعفي المعيّنة للعدد المثبتة للمطلوب بالإجماع المركّب: «الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا» فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا، الأذان ثمانية عشر حرفا، و الإقامة سبعة عشر حرفا «2».

و لا تنافيها الأخبار المصرّحة بأنّ الأذان، أو مع الإقامة مثنى مثنى، كصحيحة الجمّال «3»، و رواية أبي همام «4»، و الدعائم «5» فيهما، و صحيحة ابن وهب في الأذان: «أنّه مثنى مثنى و الإقامة واحدة» «6»، إذ لم يثبت أنّ معنى: «مثنى» مرّتين، بل فسّره بعض اللغويين بالمكرر.

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 96 و في المصدر الموجود بأيدينا: سبع عشرة، بدل، تسع عشرة، و ذكر فيه تكبيران في أول الإقامة بدل أربع تكبيرات، و كذا عنه في المستدرك 4: 40 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1، و لكن في الحدائق 7: 4 عن فقه الرضا كما في المتن، و في البحار 81: 149:

تسع عشرة، و ذكر فيه تكبيران في أول الإقامة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 195- 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 14.

(2) الكافي 3: 302 الصلاة ب 18 ح 3، التهذيب 2: 59- 208، الاستبصار 1: 305- 1132، الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 1.

(3) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 4، التهذيب 2: 62- 217، الاستبصار 1: 307- 1141، الوسائل 5: 414 أبواب

الأذان و الإقامة ب 19 ح 4.

(4) التهذيب 2: 280- 1111، الوسائل 5: 423 أبواب الأذان و الإقامة ب 20 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1.

(6) التهذيب 2: 61- 214، الاستبصار 1: 307- 1138، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 482

ففي القاموس: ثنى الشي ء: ردّ بعضه على بعض، و مثنى الأيادي: إعادة المعروف مرّتين أو أكثر «1».

و في الصحاح: ثنيت الشي ء، أي: عطفته «2».

و لذا ترى الرضوي بعد أن عدّ فصول الأذان و الإقامة و جعل التكبير في أولهما أربعا قال: «الأذان و الإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك».

و مرسلة الفقيه المتقدّمة حيث قال: «الأذان مثنى مثنى» ثمَّ صرّح بكون التكبير أربعا. و لو سلّم إرادة التكرار مرّتين فيكون لبيان أغلب الفصول، أو ردّا على ابن الخطّاب حيث جعله واحدة واحدة، و مع قطع النظر عن ذلك كلّه فالإجماع يردّها.

و به يجاب عمّا دلّ على تثنية التكبير في أوله، كصحيحة ابن سنان: عن الأذان، [فقال:] «تقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر الأذان [1] و نحوها رواية زرارة و الفضيل «3»، فإنها شاذّة و للإجماع مخالفة، فعن عرصة الحجية خارجة، مع احتمال كون المقصود إفهام السائل فقرات الأذان لا بيان تمام عدده كما ذكره الشيخ «4»، و إن بعد.

و إنّما الخلاف في التكبير في آخر الأذان، و أول الإقامة، و آخرها، و التهليل في آخر الإقامة.

______________________________

[1] التهذيب 2: 59- 209، الاستبصار 1: 305- 1133، الوسائل 5: 414 أبواب

الأذان و الإقامة ب 19 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 310 و 311.

(2) الصحاح 6: 2294.

(3) المتقدمة في ص 479.

(4) الاستبصار 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 483

أمّا الثلاثة الأولى: فالمشهور فيها التثنية، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة «1».

و جوّز الشيخ في النهاية التربيع في كلّ منها مضيفا له إلى الرواية «2».

و نسب التربيع في الثانيين في التذكرة إلى ورود استحبابه عندنا «3»، فهما روايتان مرسلتان.

و صرّح بالتربيع في الثاني الرضوي، و جعل فصول الإقامة تسعة عشر.

و عن الخلاف و المبسوط حكايته عن بعض أصحابنا «4».

فإن أريد استحباب ذلك في الأذان و الإقامة كما صرّح في التذكرة، فلا بأس به، للتسامح في دليله.

و إن أريد غيره، فمردود بضعف المستند، و معارضته مع أصح منه بحسب السند و أكثر في العدد.

و أمّا الأخيرة: فالأكثر على التوحيد فيه، و في المنتهى: إنه ذهب إليه علماؤنا أجمع «5»، و عن الخلاف و الغنية و المعتبر: الإجماع عليه «6».

و يدلّ عليه من الروايات: موثّقة الجعفي بالضميمة المتقدّمة.

و رواية الدعائم: «الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و يفرد التهليل في آخر الإقامة» «7».

و الرضوي: «لا إله إلّا اللّه مرّتين في آخر الأذان، و في آخر الإقامة مرّة واحدة» «8».

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21.

(2) النهاية: 69.

(3) التذكرة 1: 105.

(4) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.

(5) المنتهى 1: 255.

(6) الخلاف 1: 280، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، المعتبر 2: 140.

(7) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 4.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 40 أبواب الأذان و الإقامة ب

18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 484

و ضعفهما بما مرّ منجبر.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب، المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان:

«الإقامة مرّة مرّة إلّا قول: اللّه أكبر، فإنّه مرّتان» «1» خرج منهما غير التهليل بالدليل و بقي هو.

و عن الخلاف و المبسوط: جعل بعضهم فصول الإقامة كالأذان «2»، فيكون التهليل فيها مرّتين.

و جوّزه في النهاية أيضا «3».

و عن الإسكافي تكريره مع انفراد الإقامة عن الأذان «4».

و لعلّ مستند الأولين ما دلّ على أنّ الإقامة مثنى مثنى، و على أنّ الإقامة مثل الأذان.

و يجاب عنهما بوجوب تخصيصهما بغير التهليل، لما مرّ.

مضافا إلى أنه قد عرفت إمكان إرادة مطلق التكرار من الأثناء، فيراد به تكرير كلمة التوحيد المقول أولا مع الشهادة.

و لذا ترى السيد في الناصريّات بعد ما قال: الأذان كالإقامة مثنى مثنى، و نسبه إلى أصحابنا قال: و يأتي بجميع الإقامة وترا، لأنها سبع عشرة كلمة و ذلك وتر «5».

و ممّا ذكر هنا و سبق في معنى مثنى مثنى يعلم عدم مخالفة الصدوق في أماليه

______________________________

(1) التهذيب 2: 61- 215، الاستبصار 1: 307- 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 3.

(2) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.

(3) النهاية: 69.

(4) حكاه عنه في المختلف: 90.

(5) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 485

في شي ء ممّا ذكر بقوله: من دين الإماميّة أنّ الأذان و الإقامة مثنى مثنى «1».

و أمّا الأخير: فلم أعثر له على مستند تام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    485     المسألة الاولى: ..... ص : 478

فروع:

أ: يجوز توحيد كلّ فصل منهما في السفر و عند الحاجة و الاستعجال.

أمّا الأول فنسبه في الذخيرة

إلى الأصحاب «2»، و تدلّ عليه صحيحة ابن وهب: «الأذان يقصّر في السفر كما يقصّر الصلاة، الأذان واحدا واحدا، و الإقامة واحدة واحدة» [1].

و رواية نعمان الرازي: «يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر» «3».

و أمّا الثاني فذكره جملة من الأصحاب أيضا «4»، و تدلّ عليه صحيحة الحذاء: رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال: «لا بأس به إذا كنت مستعجلا» «5».

و على أحدهما تحمل صحيحة ابن سنان، المتقدّمة، كما مرّ.

و الإتيان بالإقامة وحدها في الصورتين تامة أفضل من إفراد فصولهما، كما نصّ عليه مرسلة يزيد مولى الحكم: «لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذن و أقيم واحدا واحدا» «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 62- 219، الاستبصار 1: 308- 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 2، و في المصادر: بريد بن معاوية.

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 511.

(2) الذخيرة: 254.

(3) التهذيب 2: 62- 220، الاستبصار 1: 308- 1144، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 5.

(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 140، العلامة في التذكرة 1: 105، المنتهى 1: 255.

(5) التهذيب 2: 62- 216، الاستبصار 1: 307- 1140، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 4.

(6) التهذيب 2: 62- 218، الاستبصار 1: 308- 1142، الوسائل 5: 423 أبواب الأذان و الإقامة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 486

ب: صرّح جماعة- منهم الصدوق «1»، و الشيخ في المبسوط «2»- بأنّ الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان و الإقامة الواجبة و لا المستحبة.

و كرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيتها للأذان و حرّمها معه «3» و

منهم من حرّمها مطلقا، لخلوّ كيفيتهما المنقولة «4».

و صرّح في المبسوط بعدم الإثم و إن لم يكن من الأجزاء [1]، و مفاده الجواز.

و نفى المحدّث المجلسي في البحار البعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان «5».

و استحسنه بعض من تأخّر عنه [2].

أقول: أمّا القول بالتحريم مطلقا فهو ممّا لا وجه له أصلا، و الأصل ينفيه، و عمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه.

و ليس من كيفيتهما اشتراط التوالي و عدم الفصل بين فصولهما حتى يخالفها الشهادة، كيف؟! و لا يحرم الكلام اللغو بينها فضلا عن الحق.

و توهّم الجاهل الجزئية غير صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينها من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.

بل و كذا التحريم مع اعتقاد المشروعية، إذ لا يتصوّر اعتقاد إلّا مع دليل،

______________________________

[1] المبسوط 1: 99، و فيه التصريح بأنه لو فعله الإنسان يأثم به، و لكن الظاهر أن الصحيح: لم يأثم به بقرينة ما بعده، و قال في البحار 81: 111 نقلا عن المبسوط: و لو فعله الإنسان لم يأثم به.

[2] كصاحب الحدائق 7: 404 حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار: و هو جيد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 189.

(2) المبسوط 1: 99.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 118.

(4) الذخيرة: 254.

(5) البحار 81: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 487

و معه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، و لو سلّم تحقّق الاعتقاد و حرمته فلا يوجب حرمة القول و لا يكون ذلك القول تشريعا و بدعة كما حقّقنا في موضعه.

و أمّا القول بكراهتها: فإن أريد بخصوصها، فلا وجه لها أيضا.

و إن أريد من حيث دخولها في التكلّم المنهي عنه في خلالهما، فلها وجه لو لا المعارض، و

لكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقا، و الأمر بها بعد ذكر التوحيد و الرسالة بخصوصه كما في المقام، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام: قال: «فإذا قال أحدكم: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، فليقل: عليّ أمير المؤمنين عليه السلام» «1» بالعموم من وجه، فيبقى أصل الإباحة سليما عن المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ و الفاضل و الشهيد [1]- كما صرّح به في البحار «2»- ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضا.

قال في المبسوط: و أمّا قول: أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السلام، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

و قال في النهاية قريبا من ذلك.

و على هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلّته. و شذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! و تراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب.

ج: يشترط الترتيب بين الأذان و الإقامة و بين فصول كلّ منهما، للإجماع، و توقيفية العبادة، و النصوص المستفيضة.

كصحيحة زرارة: «من سها في الأذان فقدّم و أخّر أعاد على الأول الذي

______________________________

[1] الشيخ في النهاية: 69، المبسوط 1: 99، الفاضل في المنتهى 1: 255، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى: 170، البيان: 144.

______________________________

(1) الاحتجاج: 158.

(2) البحار 81: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 488

أخّره [حتى ] يمضي على آخره» [1].

و مرسله الفقيه: «تابع بين الوضوء، و كذلك الأذان و الإقامة و ابدأ بالأول فالأول، فإن قلت: حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت ثمَّ قلت: حي على الصلاة» «1».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان و الإقامة، قال: «يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله و ليقل

من ذلك الحرف إلى آخره، و لا يعيد الأذان كلّه و لا الإقامة» «2».

و المستفاد من هذه الرواية: أنه يعيد ما يوجب تحصيل الترتيب في الأذان لو دخل في الإقامة، بل فرغ منها أيضا، و لا يعيد الإقامة، و هو و إن كان مخالفا لمقتضى الترتيب بين الأذان و الإقامة إلّا أنّ النص جوّزه، فهو إمّا من قبيل قضاء تتمّة الأذان، أو من باب الرخصة.

كما أنّ مقتضى موثّقة الأخرى: «إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة و ليس عليه شي ء، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه، ثمَّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» «3» أيضا رخصة اخرى، فيكون الناسي لحرف من الأذان الداخل في الإقامة مخيّرا بين المضي و الرجوع إلى الموضع المنسي.

د: لو شك في شي ء من فصولهما أو عدده، أتى بما شكّ فيه إن لم ينتقل عن محلّه، للأصل، و الإجماع، و مفهوم الشرط في ذيل صحيحة زرارة: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي» قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة

______________________________

[1] الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 15، التهذيب 2: 280- 1115، الوسائل 5: 441 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 28- 89، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 3.

(2) الفقيه 1: 187- 894، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 4.

(3) التهذيب 2: 280- 1114، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 489

ثمَّ كبّر، قال: «يمضي ..» ثمَّ

قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «1».

و إن انتقل عنه فلا يلتفت إلى الشك و يبني على أنه أتى به، لمنطوقه، و صدرها، و موثّقة محمّد: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» «2».

و في الصحيح: «كل شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «3».

و المستفاد من هذه الأخبار أنّ الانتقال من محل كلّ فعل الدخول في غيره، فلو شكّ في شي ء من الأذان أو الإقامة بعد الدخول في الصلاة أو فعل آخر قبلها، لم يلتفت إليه.

و كذا لو شكّ في شي ء من الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو في شي ء من فصول أحدهما من إعراب أو عدد بعد الدخول في فصل آخر.

بل و كذا لو شك في أصل الفصل بعد الدخول في غيره، أو في نفس الأذان بعد الدخول في الإقامة، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «4»، و إن كان في صدق الخروج منه كما في الصحيحة الأولى، أو المضي كما في الثانية، أو تجاوزه كما في الصحيحة الأخيرة محلّ نظر، إذ لا خروج و لا مضيّ و لا تجاوز عن شي ء إلّا مع العلم بالدخول فيه، فلا يصدق إلّا إذا شكّ في جزء ممّا قد خرج عنه، و لكن المستفاد من مورد الأحاديث- حيث ذكر فيها الشك في الركوع بعد الدخول في السجود و نحو ذلك- أنّ المراد الخروج و المضي و التجاوز عن موضعه، فتأمّل.

المسألة الثانية:

يستحب في الأذان و الإقامة أمور:

______________________________

(1) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 2: 344- 1426، الوسائل 8: 237 أبواب

الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 358- 1359، الوسائل 6: 369 أبواب السجود ب 15 ح 4.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 490

منها: جزم أواخر فصولهما و إسكانها بترك الإعراب إجماعا محقّقا و محكيّا عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و المدارك «1»، و غيرها «2»، له، و لمرسلة خالد: «الأذان و الإقامة مجزومان».

و في خبر آخر: «موقوفان» «3».

و في روايته: «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء و الألف» «4».

و في حسنة زرارة: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر» «5».

و الجزم هو الإسكان، ذكره في النهاية الأثيرية «6».

و في الصحاح: و منه جزم الحرف و هو في الإعراب كالسكون في البناء «7».

و في القاموس: جزم الحرف أسكنه «8».

و هو المراد بالوقف هنا في كلام الأصحاب كما فسّروه به.

قال الشيخ في النهاية: الأذان و الإقامة موقوفان لا يبيّن فيهما الإعراب «9».

و في السرائر: لا يعرب أواخر الكلم، بل تكون موقوفة بغير إعراب «10».

و في المنتهى: و يستحب الوقوف في فصولهما لا يظهر في أواخرها الإعراب «11».

______________________________

(1) المعتبر 2: 141، المنتهى 1: 256، الذكرى: 170، روض الجنان: 244، المدارك 3: 284.

(2) كالحدائق 7: 408.

(3) الفقيه 1: 184- 874، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 4، 5.

(4) الفقيه 1: 184- 871، التهذيب 2: 58- 204، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 2: 58- 203، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 2.

(6) النهاية الأثيرية 1: 270.

(7) الصحاح 5: 1887.

(8) القاموس المحيط 4: 91.

(9) النهاية: 67.

(10) السرائر

1: 213.

(11) المنتهى 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 491

و في شرح القواعد: و يراعى في الإقامة مع الحدر ترك الإعراب و الوقوف على فصولها فيكره الإعراب فيها «1».

و في شرح الإرشاد للأردبيلي: و الوقف هنا بمعنى إسكان أواخر الفصول على ما قالوه «2».

و قال بعض مشايخنا: و السنّة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها إجماعا «3».

و أمّا الوقف بمعنى قطع النفس و السكوت فلا دليل على استحبابه، لأنّ الإجماع بل الشهرة لم يثبت إلّا على الإسكان كما عرفت، و الخبر يتضمّن الجزم.

و أمّا قوله في خبر آخر: «موقوفان» فهو غير دالّ على استحباب السكوت أو قطع النفس، لعدم كون الوقف- سيما إذا نسب إلى الحرف و يقال إنّه موقوف- في ذلك المعنى.

و أمّا اشتراطه مع ترك الحركة فلا دليل عليه أيضا، كما يأتي في بحث القراءة، و إنّما هو شي ء ذكره (بعض) [1] القرّاء، و لذا قال في شرح الإرشاد: و في الخبر إشارة إلى جواز الوقف بمجرد [حذف ] الحركة، و يشترط القرّاء السكوت مع قطع النفس [2] انتهى.

و لا حجية في قولهم أصلا.

و قال في الروضة: و لو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى من الإعراب «4».

______________________________

[1] ليس في «ق».

[2] مجمع الفائدة و البرهان 2: 172. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 184.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 2: 172.

(3) الرياض 1: 150.

(4) الروضة 1: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 492

و في روض الجنان: و لو ترك الوقف أصلا، سكن أواخر الفصول أيضا «1».

و منها: التأنّي في الأذان و الإسراع في الإقامة بالإجماع، حكاه في المنتهى «2»، و غيره «3»، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى الخبر: «الأذان

ترتيل و الإقامة حدر» «4».

و الترتيل و إن فسّر بمعنى آخر أيضا إلّا أنّ مقابلته مع الحدر الذي هو الإسراع تدلّ على إرادة التأني منه.

و في صحيحة ابن وهب: «و احدر بإقامتك جدّا» [1].

و منها: الإفصاح بالألف و الهاء، للروايتين المتقدّمتين.

و لصحيحة زرارة: «إذا أذّنت فأفصح بالألف و الهاء» «5».

و الأخرى: «و أفصح بالألف و الهاء» «6».

و المراد بالإفصاح التبيين و الإظهار.

و الظاهر أنّ المراد بالألف و الهاء- كما صرّح به في البحار «7»، و بعض آخر «8»- كلّ ألف و همزة و هاء، لإطلاق الأخبار.

و تخصيصهما بالذكر، لأن كثيرا من المؤذّنين لا يظهرون الهمزات و لا الهاءات

______________________________

[1] الفقيه 1: 185- 876، الوسائل 5: 428 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 1. و في المصدر: حدرا بدل جدا.

______________________________

(1) روض الجنان: 244.

(2) المنتهى 1: 256.

(3) كالمعتبر 2: 141.

(4) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 26، التهذيب 2: 65- 232، الوسائل 5: 429 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 3.

(5) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 1.

(6) الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 6.

(7) البحار 81: 159.

(8) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 493

سيّما الاولى في الأوائل و الأخيرة في الأواخر.

و التخصيص بهاء: «إله» كما عن الحلّي «1»، أو في لفظي: «اللّه و الصلاة» كما عن المنتهى «2»، أو ألف: «اللّه» الأخيرة غير المكتوبة، و هاء آخر الشهادتين، و الألف و الهاء في: «الصلاة» كما عن الذكرى «3»، لا وجه له، و إدغام كثير من الناس أو إدراجهم

في البعض جار في البواقي أيضا.

و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أذان من يدغم الهاء في الشهادتين «4»، لا يفيد التخصيص.

و الأخبار و إن كانت مخصوصة بالأذان و لكن تعدّى بعضهم إلى الإقامة أيضا «5»، إمّا لإرادتهما منه، أو لجريان العلّة.

و منها: الفصل بين الأذان و الإقامة إجماعا فتوى و نصّا، إمّا بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة أو سكتة أو تسبيحة أو كلام أو تحميد، على المشهور بين الأصحاب في غير الأخير [1].

و عن المعتبر و في المنتهى و التذكرة «6»: الإجماع عليه، و لكن في الأول على أحد الأولين في غير المغرب و على الرابع و الخامس فيه، و في الثاني على أحد الأربعة الاولى في غيره و على الرابع أو الخامس أو السادس فيه، و في الثالث على أحد الخمسة الاولى في غيره و على أحد الثلاثة المتعقبة للثالث فيه مع تخصيص الركعتين بالظهرين.

______________________________

[1] و أما ما قبل الأخير فقد صرّح بعض المتأخّرين في شرحه على المفاتيح كونه مشهورا أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 214.

(2) المنتهى 1: 256.

(3) الذكرى: 170.

(4) المنتهى 1: 259، البحار 81: 159.

(5) انظر الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 و كذا الدرة النجفية: 111.

(6) المعتبر 2: 142، المنتهى 1: 256، التذكرة 1: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 494

و بالأخير بملاحظة التسامح في أدلّة الاستحباب، و عدم استلزام عدم الذكر لذكر العدم [1] يظهر وجه الحكم في الخمسة في غير المغرب و الثلاثة فيه.

مضافا في الأول إلى صحيحة الجعفري: «فرّق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين» «1».

و مقتضى إطلاقها- كالفتاوى- استحباب الفصل بالركعتين و لو بغير الرواتب

في أوقات الفرائض.

و عن البعض التخصيص بالرواتب في أوقاتها «2»، لظواهر جملة من النصوص، كصحيحة ابن سنان: «السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلّا الركعتان» «3».

و البزنطي: «القعود بين الأذان و الإقامة في الصلوات كلّها إذا لم تكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها» «4».

و أبي علي: «يؤذّن للظهر على ستّ ركعات و يؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر» «5».

و المروي في أمالي الطوسي: «و من السنّة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان و الإقامة في صلاة الظهر و العصر» «6».

و في الدعائم: «لا بدّ من فصل بين الأذان و الإقامة بصلاة أو بغير ذلك،

______________________________

[1] إشارة إلى أن عدم ذكر البعض في بعض الإجماعات المنقولة غير ضائر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 64- 227، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 2.

(2) كما في الحدائق 7: 414.

(3) التهذيب 2: 53- 177، الوسائل 5: 390 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 7.

(4) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 24، التهذيب 2: 64- 228، الوسائل 5: 448 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 3.

(5) التهذيب 2: 286- 1144، الوسائل 5: 449 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 5.

(6) أمالي الطوسي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 495

و أقلّ ما يجزي في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة فيها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض بيده» إلى أن قال: «إنّ الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب أن يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة و إقامتها» «1».

و في قرب الإسناد:

عن القعدة بين الأذان و الإقامة، قال: «القعدة بينهما إذا لم تكن بينهما نافلة» «2».

و لا يخفى عدم ظهور شي ء منها فيما رامه.

أمّا الأولى: فلعدم تعيّن كون الركعتين بركعتي الفجر، لجواز كونهما ركعتي الفصل.

و أمّا الثانية: فظاهرة، إذ غاية ما تدلّ عليه اختصاص استحباب القعود بما إذا لم تكن راتبة، و جواز الفصل بالراتبة، و أمّا عدم جوازه بغيرها فلا.

و منه يظهر الوجه في البواقي، مع ضعف الثلاثة الأخيرة المانع عن صلاحيّة التخصيص و إن صلحت لإثبات الاستحباب.

و قد يستند في التخصيص إلى حرمة غير الرواتب في وقت الفريضة لعموماتها.

و فيه: منع الحرمة كما مرّ، مع الجواب عن العمومات «3».

مع أنّها معارضة مع إطلاق الصحيحة، فتخصيص إحداهما يحتاج إلى دليل.

و منه يظهر عدم اختصاص الركعتين بالظهرين و لا بغير المغرب، بل يستحب في الجميع كما هو مقتضى إطلاق كثير من الفتاوى.

و في الحدائق: إنّ المشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين

______________________________

(1) الدعائم 1: 145، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 360- 1288، الوسائل 5: 399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 12.

(3) راجع ص 102 إلى 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 496

مطلقا، و لعلّهم يحملون هذه الروايات على تأكّد الفصل بالركعتين في هذه المواضع «1».

قوله: «هذه الروايات» إشارة إلى صحيحتي ابن سنان و أبي علي، و روايتي الدعائم و الأمالي.

خلافا لجماعة، فخصّوهما بغير المغرب «2»، و للتذكرة و الدروس «3» فبالظهرين، لبعض ما ظهر جوابه.

و أمّا دعوى الإجماع في التذكرة و المنتهى فمع عدم كونها مقبولة في تخصيص الأخبار إنّما هي على استحباب ما ذكراه في غير المغرب لا على عدم استحبابه فيه.

و للسرائر

فبصلاة الجماعة في غير المغرب «4»، و لعلّه لصحيحة الحلبي: عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال: «إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما، و إذا كنت وحدك فلا يضرّك قبلهما أذّنت أو بعدهما» «5».

و لا دلالة لها على التخصيص، و إنّما تدلّ على أفضلية الفصل بركعتي الفجر للإمام مع تقييده بانتظاره الجماعة، و هو لم يقيّد بذلك أيضا.

و في الثاني [1] إلى المرويين في فلاح السائل.

أحدهما: «من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده: ربّ سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا، يقول اللّه: ملائكتي، و عزّتي و جلالي لأجعلنّ محبّته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين» «6».

______________________________

[1] أي مضافا في الثاني- و هو استحباب الفعل بسجدة- إلى ..

______________________________

(1) الحدائق 7: 414.

(2) كالشيخ في المبسوط 1: 96، و المحقق في الشرائع 1: 76، و العلامة في المنتهى 1: 256.

(3) التذكرة 1: 106، الدروس 1: 163.

(4) السرائر 1: 214.

(5) التهذيب 2: 285- 1142، الوسائل 5: 448 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 1.

(6) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 497

و الآخر: رأيته أذّن ثمَّ أهوى للسجود ثمَّ سجد بين الأذان و الإقامة، فلمّا رفع رأسه قال: «يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر اللّه له ذنوبه كلّها» و قال: «من أذّن ثمَّ سجد فقال: لا إله إلّا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا، غفر اللّه له ذنوبه» «1».

و في الثالث إلى الصحيحين المتقدّمين «2»، و موثّقة الساباطي: «افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح» «3».

و رواية ابن شهاب: «لا بدّ من قعود بين

الأذان و الإقامة» «4».

و مقتضى إطلاقاتها: استحبابه مطلقا و لو في المغرب، كما في النهاية و السرائر «5»، و بعض عبارات المتأخّرين «6»، و لكن الأول قيّده بالخفيف، و الثاني بالسريع.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة الساباطي، المتقدّمة، و رواية قرب الإسناد بالعموم بل الخصوص، كما يدلّ عليه خاصة: رواية الدعائم السابقة.

و رواية الجريري: «من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه» «7».

و المروي في أمالي الطوسي: «من السنّة الجلسة بين الأذان و الإقامة في صلاة

______________________________

(1) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 15.

(2) في ص 494 و 470.

(3) الفقيه 1: 185- 877، التهذيب 2: 49- 162، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 4.

(4) التهذيب 2: 64- 226، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.

(5) النهاية: 67، السرائر 1: 214.

(6) كالشهيد في الذكرى: 171، و صاحب المدارك 3: 286، و الفيض في المفاتيح 1: 117.

(7) التهذيب 2: 64- 231، الاستبصار 1: 309- 1151، المحاسن: 50- 70، الوسائل 5:

399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 498

الغداة و المغرب و صلاة العشاء» «1».

و في فلاح السائل: دخلت على أبي عبد اللّه وقت المغرب فإذا هو قد أذّن و جلس فسمعته يدعو بدعاء- إلى أن قال-: و هو: «يا من ليس معه ربّ يدعى، يا من ليس فوقه خالق يخشى، يا من ليس دونه إله يتّقى، يا من ليس له وزير يغشى، يا من ليس له بوّاب ينادى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلّا كرما و جودا، يا من

لا يزداد على عظيم الجرم إلّا رحمة و عفوا، صلّ على محمّد و آل محمّد، و افعل بي ما أنت أهله فإنّك أهل التقوى و أهل المغفرة و أنت أهل الجود و الخير و الكرم» «2».

خلافا للمشهور، بل المدّعى عليه الإجماع «3»- و إن كان فيه كلام مرّت إليه الإشارة- فخصّوه بغير المغرب، و ظاهر الدروس: التردّد «4».

لرواية سيف بن عميرة: «بين كل أذانين قعدة إلّا المغرب فإن بينهما نفسا» «5» و لعلّ المراد به السكتة.

و المروي في فلاح السائل بقوله: و قد رويت روايات: الأفضل أن لا يجلس بين الأذان و الإقامة في المغرب «6».

و ضعفهما مجبور بما مرّ من الشهرة و الإجماع المنقول.

قيل: و بذلك يترجّحان على الأخبار المعارضة لهما «7»، مع أنّ الصريح منها

______________________________

(1) الأمالي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 13.

(2) فلاح السائل: 228، مستدرك الوسائل 4: 31 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.

(3) المعتبر 2: 142.

(4) الدروس 1: 163.

(5) التهذيب 2: 64- 229، الاستبصار 1: 309- 1150، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 7.

(6) فلاح السائل: 228.

(7) رياض المسائل 1: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 499

غير معتبر، و المعتبر غير صريح، للإطلاق القابل للتقيد، و مع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل، لما عرفت من تقييد النهاية و السرائر بما ليس فيها.

مضافا إلى أنّ ظاهر الأخير تخصيص استحباب الجلسة، بل غيرها ممّا ذكر سوى الركعتين بالمنفرد «1».

أقول

: هما و إن انجبرا بما ذكر إلّا أنه لا يوجب ترجيحهما على المعارض المشتمل على الصحيح و الموثّق.

و عدم اعتبار الصريح منها ممنوع، فإنّ خبر الجريري معتبر و إن

لم يكن صحيحا باصطلاح من تأخّر، مع أنّ كلّ خبر في مقام السنن معتبر، و إطلاق المعتبر و قبوله التقييد إنّما هو إذا كان هناك مقيّد معتبر، و هو و إن كان في المقام إلّا أنّه بمثله معارض، و لأجله عن التقييد قاصر، لبقاء المطلق بلا مقيّد معلوم.

و شذوذ المطلقات لو سلّم لم يضرّ في مقام الاستحباب، لثبوته بالأخبار الشاذّة ما لم يكن نفيه مجمعا عليه، و ليس كذلك في المقام، و لذا أفتى جماعة من المتأخّرين باستحباب الجلوس في المغرب أيضا، فالقول به متّجه جدّا فعليه الفتوى.

و يحمل الخبران على قلّة الفضيلة و أفضلية غيره، كما تحمل صحيحة البزنطي و رواية قرب الإسناد على أفضلية التنفّل فيما قبله نافلة على القعدة.

و يحمل الرضوي: «و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعل فإنّ فيه فضلا كثيرا، و إنّما ذلك على الإمام، و أمّا المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى» الحديث «2» على نوع من الأفضلية أيضا، لعدم صلاحيته للتخصيص.

و منه يظهر مستند آخر للرابع، و لكنه في المنفرد خاصة، فتعميمه بما مرّ من الشهرة و الإجماعات المحكية.

______________________________

(1) السرائر 1: 214.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 97، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 500

و في الخامس إلى مرسلة ابن عميرة، و لكنها مخصوصة بالمغرب، فهو في التعميم كالسابق، و يمكن إثباته كالبواقي بعموم قوله: «أو بغير ذلك» في رواية الدعائم، السابقة.

و في السادس و السابع إلى موثّقة الساباطي، إلّا أنه روى الصدوق في مجالسه أنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة

حتى تقضى الصلاة، و نهى عنه» «1» و لم يذكره الأكثر و إنّما ذكروا كراهته في خلالهما «2».

نعم بمضمونه أفتى في الجامع يحيى بن سعيد، و في النفلية الشهيد «3»، و ليس ببعيد.

و تدلّ على الثامن موثّقته الأخرى: عن الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان و الإقامة، قال: «يقول: الحمد للّه» «4».

و ممّا ذكرنا ظهر استحباب كلّ واحد ممّا ذكر في كلّ صلاة سوى الكلام في صلاة الغداة، و إن كانت الركعتان فيما له نافلة سيّما من رواتبه سيّما في الظهرين سيّما للإمام سيّما المنتظر للجماعة أفضل، و أنّ الجلسة في غير المغرب أولى منها فيه، كما أنّ السكتة فيه آكد منها في غيره.

ثمَّ كما أنه لا شك في استحباب واحد منها للفصل لا ريب في جواز جمع الجميع أو أقلّ له.

و هل يستحب الأزيد من واحد أو الجميع له أم لا؟ ظاهر أكثر العبارات اختصاص الاستحباب بواحد، و لكن المستفاد من الأخبار استحباب كلّ من

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 248- 3، مستدرك الوسائل 4: 28 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 4.

(2) المحقق في المختصر النافع: 28، و العلامة في المنتهى 1: 256، و صاحب الرياض 1: 150.

(3) الجامع للشرائع: 73، النفلية: 18.

(4) التهذيب 2: 280- 1114، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 501

الخمسة الاولى، فلو جمعها أحد، كان حسنا.

و يستحب للفاصل بالسجدة أن يدعو فيها بما مرّ في روايتي فلاح السائل مخيّرا بينهما.

و بالجلسة أن يدعو فيها بما مرّ في روايته الأخيرة، أو بما في مرفوعة جعفر بن محمّد بن يقطين: «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس: اللهم اجعل قلبي بارّا

و رزقي دارّا، و اجعل لي عند قبر نبيّك قرارا و مستقرّا» «1» و لو قرأهما، كان أحسن.

و قد ذكر الشيخ في المصباح الدعاء الأخير للسجدة «2»، و لكن بتبديل:

«رزقي دارّا» بقوله: «و عيشي قارّا» و في البلد الأمين جمع الفقرتين «3»، و في بعض الكتب زاد عليهما: «و عملي سارّا». «4» و الكل جائز.

و بالخطوة أن يخطو برجله اليمنى تجاه القبلة، كما في الرضوي المتقدّم، و يدعو فيها بما ذكره فيه بعد ما مرّ بقوله: «ثمَّ يقول: باللّه أستفتح، و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله أستنجح و أتوجّه، اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين».

و روى في فلاح السائل دعاء آخر بين الأذان و الإقامة في جميع الصلوات يدعو به قائما أو جالسا أو ساجدا، و كذا في الرضوي، و فيه آخر مخصوص بالفجر [1].

و منها: أن يكون المؤذّن متطهّرا من الحدثين، مستقبلا قائما حال الأذان،

______________________________

[1] أمّا الدعاء المروي في فلاح السائل: 152، فهو: سبحان من لا يبيد معالمه، سبحان من لا ينسى من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله، سبحان من ليس له صاحب يغشى و لا بوّاب يرشى و لا ترجمان يناجي، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء، سبحان من فلق البحر لموسى، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلّا كرما و جودا، سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره. و أما المروي في فقه الرضا: 97، لجميع الصلوات فهو هكذا: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة صلّ على محمّد و آل محمّد و أعط محمّدا صلّى اللّه عليه و آله يوم القيامة سؤله، آمين رب

العالمين، اللّهمّ إنّي أتوجه إليك بنبيّك نبي الرحمة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أقدّمهم بين يدي حوائجي كلّها فصلّ عليهم و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين، و اجعل صلواتي بهم مقبولة و دعائي بهم مستجابا و امنن عليّ بطاعتهم يا أرحم الراحمين. و أما المروي فيه لما بعد أذان الفجر فهو هذا: اللّهمّ إنّي أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلواتك و أصوات دعاتك و تسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم. منه أعلى اللّه في الخلد مقامه.

______________________________

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 32، التهذيب 2: 64- 230، الوسائل 5: 401 أبواب الأذان و الإقامة ب 12 ح 1.

(2) المصباح: 28.

(3) البلد الأمين: 6.

(4) راجع البحار 81: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 502

بالإجماع المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه، مضافا إلى النصوص العامية «3» و الخاصية «4»، و منها ما يشعر بعدم وجوبه أيضا، كما يصرّح به في المعتبرة المستفيضة المجوّزة للأذان للجنب و المحدث و الجالس و أينما توجّهت «5».

و كذا حال الإقامة على الأظهر الأشهر، فيرجّح فيها الثلاثة بالإجماع و النصوص. و لا تجب، للأصل الخالي عن المعارض كما يأتي.

خلافا للمنتهى «6»، و المحكي عن جماعة من القدماء «7»، و اختاره جماعة من مشايخنا «8»، فقالوا بوجوبها، لروايات بين غير دالّة على الزائد عن الرجحان،

______________________________

(1) المعتبر 2: 127، التذكرة 1: 107، المنتهى 1: 257.

(2) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 206.

(3) كنز العمال 7: 694 و 796- 20965 و 20976.

(4) الوسائل

5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9.

(5) الوسائل 5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 و ص 401 ب 13.

(6) المنتهى 1: 258.

(7) كالمفيد في المقنعة: 98، و السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

30، و الشيخ في النهاية: 66، و القاضي في المهذب 1: 91.

(8) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب الحدائق 7: 340، و صاحب الرياض 1: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 503

لورودها بالجمل الخبرية، و بين ضعيفة و إن تضمّنت الأمر، كالمروي في قرب الإسناد في التطهّر «1».

مع أن الدالّ على الوجوب لو تحقّق في المقام، لم يكن على حقيقته، لعدم تعقّل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية.

و جعل مجازه الوجوب الشرطي ليس أولى من الاستحباب أو تأكّده، كما هو ثابت في الإقامة بملاحظة الأخبار.

و لدلالة بعض الأخبار على أنها من الصلاة.

و يجب الحمل على التجوّز، لعدم كونها منها إجماعا، و لذا يجوز التكلّم بعدها و خلالها.

و في صحيحة زرارة: «إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» «2» و هي صريحة في عدم كونها من الصلاة.

و يتأكّد الاستقبال في الشهادتين، لشهادة بعض الصحاح «3».

و منها: رفع الصوت بالأذان من غير إتعاب، للمستفيضة، كصحيحة البصري: «إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك، فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه» «4».

و ابن وهب: عن الأذان، قال: «ارفع به صوتك، فإذا أقمت فدون ذلك» «5».

و في رواية هشام بن إبراهيم: أنه شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام

______________________________

(1) قرب الإسناد: 182- 673، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 7.

(2) الفقيه 1: 183- 866، الوسائل 5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 1.

(3) انظر:

الوسائل 5: 403 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 7.

(4) التهذيب 2: 58- 205، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 5.

(5) الفقيه 1: 185- 876، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 504

سقمه و أنه لا يولد له، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله. الحديث «1».

و في رواية محمد بن مروان: «المؤذّن يغفر اللّه له مدّ صوته، و يشهد له كلّ شي ء سمعه» «2».

و صحيحة زرارة: «كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم» «3».

و تلك الأخبار كما ترى تشمل بإطلاقها الأذان الإعلامي و غيره، فالتخصيص بالأول كبعض من تأخّر «4» غير جيّد.

نعم، الظاهر الاختصاص بالرجال. لا لما قيل من عدم جواز إسماع النساء صوتهنّ للأجانب «5»، لمنع ذلك على إطلاقه، مع أنه لا يفيد تمام المطلوب. بل لاختصاص الأخبار بهم، و التعدّي إليهنّ فيما لا يشملهنّ إنّما هو بالإجماع المنتفي هنا.

بل يستحب لهنّ الإسرار به، لفتوى بعضهم «6»، و لأنه أنسب إلى الحياء و الستر المطلوبين منهنّ.

و منها: وضع المؤذّن إصبعيه في الأذنين، لصحيحة الحسن [بن ] السريّ [1].

______________________________

[1] الفقيه 1: 184- 873، الوسائل 5: 411 أبواب الأذان و الإقامة ب 17 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 33، الكافي 6: 9 العقيقة ب 4 ح 9، الفقيه 1: 189- 903، التهذيب 2: 59- 207، الوسائل 5: 412 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1.

(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 28، التهذيب 2: 52- 175، الوسائل

5: 374 أبواب الأذان و الإقامة ب 2 ح 11.

(3) الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 2.

(4) الحدائق 7: 337.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) كالمحقق في المعتبر 2: 126، و العلامة في التحرير 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 505

و منها: إعادة الإقامة لمن تكلّم بعدها، لصحيحة محمد بن مسلم «1».

المسألة الثالثة:

يكره فيهما أمور:

منها: التكلّم في خلال كلّ منهما لا سيّما في الإقامة و بعدها.

أمّا الكراهة في الأذان: فلشهرتها بين الأعيان، بل بلا خلاف إلّا من شاذّ.

و مفهوم رواية سماعة على أكثر النسخ: عن المؤذّن أ يتكلم و هو يؤذّن؟ فقال:

«لا بأس حين يفرغ من أذانه» «2» و في بعضها: «حتى يفرغ» فلا دلالة فيها على المطلوب.

خلافا للمحكي عن القاضي، فلم يكرهه فيه «3»، و هو ظاهر المنتهى و الكفاية «4»، لنفي البأس عنه فيه في المعتبرة.

و يضعّف بأن البأس: العذاب، فهو ينفي الحرمة.

و أمّا في الإقامة: فلما ذكر، بل في المنتهى: إنه لا خلاف فيه بين أهل العلم «5».

مضافا إلى صحيحة ابن أبي نصر: أ يتكلّم الرجل في الأذان؟ قال: «لا بأس» قلت: في الإقامة؟ قال: «لا» «6».

و منها بملاحظة ثبوت الكراهة في الأذان أيضا تثبت الشدّة المذكورة.

خلافا للمفيد و السيّد فحرّماه فيها مطلقا «7»، للصحيحة المذكورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 55- 191، الاستبصار 1: 301- 1112، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

(2) التهذيب 2: 54- 183، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 6.

(3) المهذب 1: 90.

(4) المنتهى 1: 256، الكفاية: 17.

(5) المنتهى 1: 256.

(6) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 10، التهذيب 2: 54- 182، الاستبصار

1: 300- 1110، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 4.

(7) المفيد في المقنعة: 98، و السيّد في جمل العلم و العمل (المنقول في شرحه للقاضي): 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 506

و رواية أبي هارون: «فإذا أقمت فلا تتكلّم و لا تؤم بيدك» «1».

و صحيحة محمّد: «لا تكلّم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» «2».

و يدفع بالحمل على الكراهة بقرينة المستفيضة، كصحيحة ابن أبي عمير:

عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: «نعم، فإذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان» «3».

و رواية الحلبي: عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ فقال: «لا بأس» «4».

و رواية ابن شهاب: «لا بأس بأن يتكلّم الرجل و هو يقيم الصلاة و بعد ما يقيم إن شاء» «5».

و المروي في الدعائم: «إنه لم ير بأسا بالكلام في أثناء الأذان و الإقامة» «6».

مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الحرمة، لمكان الجملة الخبرية.

و كذا الأخيرتين، لاحتمالها، مع أن ظاهرهما النهي بعد الإقامة.

______________________________

(1) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54- 185، الاستبصار 1: 301- 1111، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.

(2) التهذيب 2: 55- 191، الاستبصار 1: 301- 1112، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

(3) التهذيب 2: 55- 189، الاستبصار 1: 301- 1116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 7.

(4) التهذيب 2: 54- 186، الاستبصار 1: 301- 1113، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و

الإقامة ب 10 ح 8.

(5) التهذيب 2: 55- 188، الاستبصار 1: 301- 1115، مستطرفات السرائر 94- 5، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 10.

(6) الدعائم 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 27 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 507

و لهما، و للشيخ و الإسكافي «1»، و شاذّ من المتأخّرين «2» فحرّموه بعد قول المؤذّن: «قد قامت الصلاة» إلّا ما يتعلّق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك، لصحيحة ابن أبي عمير، بل الروايتين المتقدّمتين عليها، لأنه الظاهر من قوله: «إذا أقمت الصلاة».

و صحيحة زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلّا في تقديم إمام» «3».

و موثّقة سماعة: «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام» «4».

و دفع «5» بمعارضة إطلاق رواية ابن شهاب السابقة، و صحيحة حمّاد بن عثمان: عن الرجل أ يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: «نعم» «6» بل عمومهما الناشئ عن ترك الاستفصال، فيرجع إلى الأصل.

و قريب منهما المرويّان في مستطرفات السرائر: أ يتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال: «لا بأس» «7».

و فيه: أن الخاص لا يدفع بمعارضة العام، فإنّ الروايات الأخيرة عامة بالنسبة إلى التكلّم بما يتعلّق بالصلاة و غيره، و المحرّم خاص بالأوّل، فيجب التخصيص به.

فالصواب أن يدفع بما مرّ من انتفاء الحرمة الحقيقية، بالإجماع، و عدم تعقّل

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 66، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 90.

(2) كالفيض في المفاتيح 1: 118.

(3) الفقيه 1: 185- 879، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 2: 55- 190، الاستبصار 1: 302- 1117، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان

و الإقامة ب 10 ح 5.

(5) كما في الرياض 1: 151.

(6) التهذيب 2: 54- 187، الاستبصار 1: 301- 1114، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 9.

(7) مستطرفات السرائر: 94- 4، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 508

الحرمة مع جواز ترك الإقامة في الأثناء بالمرّة، و التجوّز بالوجوب الشرطي ليس أولى من الكراهة سيّما الشديدة.

و من المتأخّرين من خصّ الحرمة بالجماعة «1».

و يدفعه إطلاق أكثر الأخبار المحرّمة، و فقد ما يوجب التخصيص.

و منها: الترجيع.

و هو إمّا: تكرار الشهادتين مرّتين آخرتين، كما عن الخلاف و الجامع و المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام «2».

أو: تكريرهما مع التكبير في أول الأذان زائدا على الموظف، كما عن المبسوط و المهذّب و الدروس «3».

أو: تكرار الفصل زيادة على الموظّف، كما عن الذكرى «4».

أو: تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما، كما عن جماعة من أهل اللغة منهم: صاحب القاموس و المغرب «5».

أو: ترجيع الصوت و ترديده على جهة الغناء، كما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين «6».

و لا دليل على كراهته من الأخبار إلّا الرضوي، و فيه بعد ذكر فصولهما:

«ليس فيها ترجيع و لا ترديد» «7».

و لا دلالة فيها على الكراهة، بل ينفي التوقيفية، و لا على تحريمه و لو اعتقد

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 118.

(2) الخلاف 1: 288، الجامع للشرائع: 71، المنتهى 1: 254، التذكرة 1: 105، التحرير 1:

35، نهاية الإحكام 1: 414.

(3) المبسوط 1: 95، المهذب 1: 89، الدروس 1: 162.

(4) الذكرى: 169.

(5) القاموس 3: 29، المغرب 1: 203.

(6) البحار 81: 150.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 44 أبواب الأذان و الإقامة

ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 509

المشروعيّة، لما أشير إليه غير مرّة من عدم تحقّق الاعتقاد إلّا مع الحجة، و معها لا وجه للحرمة، مع أنه على فرض حرمة الاعتقاد لا يحرم اللفظ، و عدّه من البدعة غير صحيح.

مع أنه على فرض الدلالة لم تترتّب عليه فائدة، للإجمال في معناه.

مع أن في كتاب زيد النرسي: عن الصادق عليه السلام: «من السنّة الترجيع في أذان الفجر و أذان العشاء الآخرة، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلالا أن يرجّع في أذان الغداة و أذان العشاء، إذا فرغ أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عاد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، حتى يعيد الشهادتين، ثمَّ يمضي في أذانه» «1».

نعم، الظاهر كراهته بالمعنى الأول، لفتوى الأجلّة، بل دعوى المنتهى الإجماع على كراهة الترجيع و تفسيره بذلك، مضافا إلى فتوى الحلّي و ابن حمزة «2» بحرمة هذا المعنى، و دعوى الأول الإجماع عليها و إن جعله تفسيرا للتثويب.

قال في السرائر: و لا يجوز التثويب في الأذان، اختلف أصحابنا في التثويب ما هو؟ فقال قوم منهم: هو تكرار الشهادتين دفعتين، و هذا هو الأظهر- إلى أن قال-: و الدليل على أنّ فعله لا يجوز: إجماع طائفتنا بغير خلاف بينهم.

مضافا إلى مفهوم رواية أبي بصير: «لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادتين أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح مرّتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» «3».

و مقتضاها كراهة تكرير الحيّعلتين أيضا، بل قيل: كلّ فصل، كما عن

______________________________

(1) الأصول الستة عشر: 53.

(2) الحلي في السرائر 1: 212، ابن حمزة

في الوسيلة: 92.

(3) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 34، التهذيب 2: 63- 225، الاستبصار 1: 309- 1149، الوسائل 5: 428 أبواب الأذان و الإقامة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 510

الذكرى «1»، و جعل التخصيص من باب التمثيل، و لا بأس به سيّما مع فتوى العالم به، و لو لا اشتمالها على غير الشهادتين المجمع على عدم تحريمه الموجب لعدم الحرمة فيهما أيضا لكانت الرواية دليلا لمذهب الحلّي، و لكن ما ذكر يردّه.

ثمَّ مقتضى منطوقها: انتفاء الكراهة مع إرادة الإشعار و التنبيه. و هو كذلك، لذلك، و عن المختلف و المنتهى «2»: الاتفاق عليه.

و منها: الإقامة ماشيا أو راكبا، للمستفيضة «3». و لا كراهة في أذان الماشي و الراكب، للأصل الخالي عن المعارض.

______________________________

(1) الذكرى: 169.

(2) المختلف: 89، المنتهى 1: 254.

(3) انظر الوسائل 5: 401 أبواب الأذان و الإقامة ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 511

الفصل الثاني: في المؤذّن.

و المراد به هنا الذي يتّخذ للأذان في بلدة أو محلّة أو مسجد أو جماعة في غير مسجد، ليعتدّ بأذانه المسلمون و يكتفون به.

و يشترط في صحة أذانه و الاعتداد به: العقل و التميز و الإسلام وفاقا، و الإيمان على الأصح، للإجماع، و منافاة انتفائها للأمانة- الثابتة للمؤذّن بالنصوص العامية «1» و الخاصية «2»- في الثلاثة الاولى، و الأصل، و موثّقة الساباطي: «لا يستقيم و لا يجوز أن يؤذّن إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به» و في بعض النسخ: «و لا يعتدّ به» «3».

و لا ينافيه الصحيح: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشدّ مواظبة

على الوقت» «4»، لجواز أن يكون المراد الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت دون الاكتفاء.

و الذكورة أو المحرميّة على الأشهر في الأذان لغير النساء، للأصل، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير- بحكم التبادر و غيره- بغير أذانها.

و ظاهر الموثّقة السابقة: «إلّا رجل مسلم عارف».

و عدم بقائها على عمومها- لجواز أذان الصبي، و أذانها لهنّ و للمحارم إذا لم

______________________________

(1) انظر سنن الترمذي 1: 133، كنز العمال 7: 681.

(2) انظر الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277- 1101، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) الفقيه 1: 189- 899، التهذيب 2: 284- 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 512

يسمعه الأجانب- غير ضائر، لأنّ العام المخصّص حجة في الباقي [1].

و لا يشترط فيه البلوغ و لا الحرّيّة، إجماعا على الظاهر المصرّح به في الخلاف و المعتبر و التذكرة و شرح القواعد «1» في الأول خاصة، و المنتهى و الذكرى «2» فيهما معا، و هو الحجة مع العمومات، و المروي في الدعائم المنجبر بما مرّ: «لا بأس أن يؤذّن العبد و الغلام الذي لم يحتلم» «3» فيهما.

مضافا إلى الصحيح و الموثّق-: «لا بأس أن يؤذّن الذي لم يحتلم» «4» كما في الأول، أو: «قبل أن يحتلم» «5» كما في الثاني- في الأول، و إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته «6» في الثاني، و بها يخصّ ما دلّ على اعتبار الرجولية «7» أو الحرّيّة.

و يستحب كونه عدلا، للإجماع على رجحانه، و النبوي: «يؤذّن لكم خياركم» «8».

و لا يجب بالإجماع،

كما عن صريح المنتهى «9»، و ظاهر الذكرى و شرح

______________________________

[1] و قد يستدل أيضا بأنها إن أسرّت الأذان لم يسمعوه و لا اعتداد بما لا يسمع و إن جهرت كان أذانا منهيّا عنه فيفسد للنهي فكيف يعتدّ به. و ضعف بمنع النهي، ثمَّ كونه في الكيفية و هو لا يقتضي الفساد، ثمَّ عدم تماميته فيما إذا جهرت و هي لا تعلم سماع الأجانب، ثمَّ منع اشتراط السماع في الاعتداد و إلّا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يعرف الاولى، و في الوجه الثاني نظر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الخلاف 1: 281، المعتبر 2: 125، التذكرة 1: 107، جامع المقاصد 2: 175.

(2) المنتهى 1: 257، الذكرى: 172.

(3) دعائم الإسلام 1: 147، مستدرك الوسائل 4: 49 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان و الإقامة ب 32 ح 1.

(5) الفقيه 1: 188- 896، التهذيب 2: 53- 181، و ج 3: 29- 103، الاستبصار 1:

423- 1632، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان و الإقامة ب 32 ح 2.

(6) انظر الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16.

(7) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14.

(8) سنن ابن ماجه 1: 240- 726.

(9) المنتهى 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 513

القواعد «1»، للأصل الخالي عن المعارض، و عدم تعقّل اتّصاف الصبي- الجائز أذانه بالنصوص- بالعدالة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «2»، فأوجبه لبعض ما لا يدلّ عليه.

صيّتا رفيع الصوت، لفتوى الجماعة «3»، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«القه على بلال فإنه أندى منك صوتا» «4».

مبصرا، ليتمكّن من معرفة الوقت.

بصيرا بالأوقات التي يؤذّن لها.

متطهّرا مستقبلا قائما كما مرّت.

على

موضع مرتفع بلا خلاف حتى من المبسوط [1]، بل عن التذكرة و نهاية الفاضل «5»: الإجماع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى الرواية: «كان يقول إذا دخل الوقت: يا بلال اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان» «6».

و يكره له الالتفات يمينا و شمالا، لمنافاته الاستقبال المأمور به. خلافا

______________________________

[1] حيث قال: و يستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (المبسوط 1: 98) و أما قوله: و لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض، فالظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء، أو الاستحباب، أو المراد من الأرض مقابل المنارة كما في رواية علي بن جعفر (التهذيب 2:

284- 1134، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 6) «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأذان في المنارة، أ سنّة هو؟ فقال: إنما كان يؤذن للنبي في الأرض و لم تكن يومئذ منارة» مع أن الأذان للنبي صلّى اللّه عليه و آله فوق الجدار. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الذكرى: 172، جامع المقاصد 2: 176.

(2) نقله عنه في جامع المقاصد 2: 176.

(3) كالشيخ في المبسوط 1: 97، الكركي في جامع المقاصد 2: 176، الفيض في المفاتيح 1: 117.

(4) جامع الأصول لابن الأثير 6: 190، كنز العمال 7: 692.

(5) التذكرة 1: 107، نهاية الإحكام 1: 424.

(6) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 31، التهذيب 2: 58- 206، المحاسن: 48- 67، الوسائل 5: 411 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 514

لبعض العامة «1».

و يجوز اجتماع جماعة في محلّ واحد على الأذان دفعة واحدة، كما صرّح به جماعة منهم الفاضلان «2»، للأصل و الإطلاقات.

و عن المبسوط

أنه لا ينبغي الزيادة على الاثنين، لكون الأذان الثالث بدعة بإجماع الفرقة [1].

و هو ضعيف، إذ ليس المراد من الأذان الثالث نحو ذلك.

و من مشايخنا المحدّثين من كره الاجتماع في محلّ على الأذان مطلقا، سواء كان دفعة أو ترتيبا، لعدم توقيف مثل ذلك من الشرع «3».

و يردّ بكفاية المطلقات في توقيفه.

نعم، لو قيل بعدم مشروعية التراسل في الأذان بأن يبني كلّ واحد على فصول الآخر كان جيّدا جدّا.

و على ما ذكرنا لا تظهر ثمرة لمسألة تشاحّ المؤذّنين، إذ لا تشاحّ فيما يمكن الاجتماع.

نعم، تظهر ثمرتها في ما إذا كان للمؤذّن الواحد في مقام رزق من بيت المال أو الموقوفات، و الظاهر حينئذ تقديم من جمعت فيه الشرائط المعتبرة، و مع التساوي يتخيّر متولّي بيت المال أو الموقوف.

______________________________

[1] ادعاء الإجماع لا يوجد في المبسوط بل موجود في الخلاف 1: 290 و يشهد له ما في مفتاح الكرامة 1: 96 و ج 2: 277.

______________________________

(1) انظر المغني 1: 472.

(2) المحقق في المعتبر 2: 133، العلامة في المنتهى 1: 259.

(3) انظر: الحدائق 7: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 515

الفصل الثالث: فيما يؤذّن له و يقام، و ما يتعلّق بهما.
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لا ريب في مشروعيتهما و مطلوبيتهما لكلّ من الفرائض الخمس اليومية و منها الجمعة- إلّا فيما يأتي الكلام فيه- للرجال و النساء، فرادى و جماعة، أداء و قضاء، حضرا و سفرا، بل هي إجماع المسلمين، بل ضروري الدين.

و أمّا بعض الأخبار المصرّحة بأنه ليس على النساء أذان و لا إقامة «1» فلا ينفي إلّا الوجوب، و لو سلّم فيجب حملها عليه، للإجماع.

و صحيحة ابن سنان: عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال: «حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبّر و أن تشهد أن لا إله إلّا اللّه و أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه» «2».

و مرسلة الفقيه: «ليس على المرأة أذان و لا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة و تكفيها الشهادتان، و لكن إذا أذّنت و أقامت فهو أفضل» «3».

و هذا مراد الفاضل في المنتهى حيث قال: و ليس على النساء أذان و لا إقامة، و لا نعرف فيه خلافا، لأنّهما عبادة شرعية يتوقّف توجّه التكليف بهما على الشرع.

و يجوز أن تؤذّن المرأة للنساء و يعتددن به، ذهب إليه علماؤنا- إلى أن قال-:

و قال علماؤنا: إذا أذّنت المرأة أسرّت بصوتها لئلّا يسمعها الرجال، قال الشيخ:

يعتدّ بأذانهن [للرجال ] و هو ضعيف، لأنها إذا جهرت ارتكبت معصية و إلّا فلا

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14.

(2) التهذيب 2: 58- 202، الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 1: 194- 909، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 516

اجتزاء به، لعدم السماع [1].

فإنّ الاستدلال بنفي التكليف، ثمَّ التصريح باعتدادهن بأذانها، ثمَّ التصريح

بالإسرار إذا أذّنت صريح في إرادة نفي الوجوب.

و يحتمل إرادة نفي الأذان و الإقامة لجماعة الرجال و اعتدادهم بهما كما يدل عليه بعض كلماته.

و هل هي على جهة الاستحباب أو الوجوب؟ الحقّ: الأول مطلقا، وفاقا للخلاف و الناصريات و المبسوط «1»، و الحلّي و الديلمي «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، بل كما قيل: جمهورهم، بل كافّتهم [2]، بل عليه دعوى الشهرة المطلقة في كلام طائفة من الطائفة «4»، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة كما يأتي.

مضافا في الأذان للمنفرد إلى صحيحة الحلبي: «إنه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة و لم يؤذّن» «5».

و الأخرى: «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» «6».

و للجامع إلى رواية [الحسن ]: «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» [3].

______________________________

[1] المنتهى 1: 257 و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] انظر البحار 81: 108، و قال في الرياض 1: 146: على الأظهر الأشهر بل لعلّه عليه عامة من تأخر.

[3] التهذيب 2: 50- 164، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 8، و في النسخ:

الحسين، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

______________________________

(1) الخلاف 1: 284، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191، المبسوط 1: 95.

(2) الحلي في السرائر 1: 208، الديلمي في المراسم: 67.

(3) كالمحقق في المعتبر 2: 121، و العلامة في التذكرة 1: 104، و الفيض في المفاتيح 1: 115.

(4) كما في التنقيح الرائع 1: 189، و جامع المقاصد 2: 167، و مجمع الفائدة 2: 163، و الذخيرة:

251.

(5) التهذيب 2: 50- 165، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 6.

(6) التهذيب 2: 50- 166، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 517

و لغير المغرب و الغداة مطلقا إلى رواية ابن سيابة: «لا تدع الأذان في الصلاة كلّها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب و الفجر» «1».

و موثّقة سماعة: «لا تصلّ الغداة و المغرب إلّا بأذان و إقامة، و رخّص في سائر الصلوات بالإقامة، و الأذان أفضل» «2».

و صحيحة ابن سنان: «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة و المغرب» «3» إلى غير ذلك.

و للمغرب إلى صحيحة عمر بن يزيد: عن الإقامة بغير أذان في المغرب، قال: «ليس به بأس، و ما أحبّ أن يعتاد» «4».

و للمسافر إلى صحيحة محمّد و الفضيل: «يجزئك إقامة في السفر» «5».

و صحيحة البصري: «يجزئ في السفر إقامة واحدة بغير أذان» «6».

و الأخرى: «يقصر الأذان في السفر كما يقصر الصلاة، يجزئ إقامة واحدة» «7».

و مطلقا إلى صحيحة الحلبي: عن الرجل هل يجزئه في السفر و الحضر إقامة

______________________________

(1) التهذيب 2: 49- 161، الاستبصار 1: 299- 1104، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 3.

(2) التهذيب 2: 51- 167، الاستبصار 1: 299- 1106، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 5.

(3) التهذيب 2: 51- 168، الاستبصار 1: 300- 1107، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 4.

(4) التهذيب 2: 51- 169، الاستبصار 1: 300- 1108، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 6.

(5) التهذيب 2: 52- 172، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 7.

(6) الفقيه 1: 189- 900، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 2: 51- 170، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة

ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 518

ليس معها أذان؟ قال: «نعم لا بأس به» «1».

و صحيحة محمد: «إذا أذّنت و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة، و إذا أقمت صلّى خلفك صفّ من الملائكة» «2».

و المروي في قرب الإسناد: تحضر الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد يجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال: «نعم» «3».

و في الإقامة للنساء إلى صحيحة جميل: عن المرأة أ عليها أذان و إقامة؟

فقال: «لا» «4».

و المرويين في الخصال: «ليس على النساء أذان و لا إقامة» «5» و نحوهما في الدعائم «6».

و في العلل: المرأة عليها أذان و إقامة؟ فقال: «إن كانت تسمع أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين» «7».

و في صحيحة زرارة: «إذا شهدت الشهادتان حسبها» «8».

و للمنفرد إلى المروي في الدعائم- المنجبر بما مرّ- عن علي عليه السلام:

«لا بأس أن يصلّي الرجل بنفسه بلا أذان و إقامة» «9».

و الاستدلال لعدم وجوبهما بالإجماع المركّب، و جعلهما في الرضوي من

______________________________

(1) التهذيب 2: 51- 171، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 2: 52- 174، الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 163- 596، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 10.

(4) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 18، التهذيب 2: 57- 200، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 3.

(5) الخصال 511- 2 و 585- 12، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 2.

(6) دعائم الإسلام 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 1.

(7) علل الشرائع: 355- 1، الوسائل

5: 407 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 8.

(8) التهذيب 2: 57- 201، الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 2.

(9) دعائم الإسلام 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 25 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 519

السنن اللازمة و أنّهما ليستا بفريضة «1»، و قوله في بعض الصحاح بعد التصريح بجواز ترك الأذان و الاكتفاء بالإقامة: بأنّ الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل «2»، ضعيف، لعدم ثبوت الأول، و عدم صراحة السنّة في الاستحباب، لجواز كونها مقابل الفرض بمعنى الثابت بالكتاب، و جواز كون المفضّل عليه الإقامة فقط.

خلافا للمحكي عن العماني «3»، فأوجبهما مطلقا في المغرب و الغداة و صلاة الجمعة، و الإقامة في باقي الصلوات.

و الإسكافي «4»، فكذلك على الرجال.

و عن جمل السيّد «5»، فأوجبهما في الثلاثة على الرجال و النساء مطلقا، و على الرجال خاصة في كلّ صلاة جماعة، و الإقامة عليهم خاصة في كلّ صلاة.

و عن الشيخين و القاضي و ابن حمزة «6»، فأوجبوهما في الجماعة خاصة.

كلّ ذلك لروايات قاصرة من حيث الدلالة، لحصرها بكثرتها بين مشتمل على ذكر عدم الإجزاء المحتمل لإرادة الإجزاء عن الواجب و في الصحة، أو عن الاستحباب و في الفضيلة، و حاصله الإجزاء عن المطلوب، بل هو حقيقة الإجزاء من غير مدخلية للوجوب أو الاستحباب، فعدّ الأخير خلاف الظاهر خلاف الواقع، مع إشعار بل دلالة في بعض ما يتضمّنه على الاستحباب [1]، و بين

______________________________

[1] و هو رواية أبي بصير المذيلة بقوله: «فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم» فإن قوله: «ينبغي» ظاهر في الاستحباب بل بمعناه بالنسبة إلى الأذان فكذا بالنسبة إلى الإقامة لوحدة السياق.

منه رحمه اللّه تعالى. الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 9، التهذيب 2: 50- 163، الاستبصار 1:

299- 1105، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 7.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 98.

(2) علل الشرائع: 337- 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    520     المسألة الاولى: ..... ص : 515

(3) حكاه عنه في المختلف: 87.

(4) حكاه عنه في المختلف: 87.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 29.

(6) المفيد في المقنعة: 97، الطوسي في النهاية: 64، القاضي في المهذب 1: 88، ابن حمزة في الوسيلة: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 520

متضمّن للجملة الخبرية أو المردّدة بين الخبرية و الإنشائية، و هما لا تفيدان أزيد من المطلوبية.

نعم، في موثّقة [عمار:] عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال:

«لا و لكن يؤذّن و يقيم» [1].

و صحيحة صفوان، المروية في العلل: «و لا بدّ في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر» «1».

و لكنهما لا تكافئان ما مرّ، مع أنهما على فرض التكافؤ يكون تعارضهما مع بعض ما مرّ في الأذان بالتباين، و مع بعض منه أيضا بالعموم من وجه، فيرجع في الأذان إلى أصل عدم الوجوب، و يلزمه القول به في الإقامة أيضا لئلّا يلزم استعمال لفظتي: «لا يجوز» و «لا بدّ» في المعنيين، هذا.

ثمَّ إنه على المختار من القول فيهما بالاستحباب يحمل ما في الأخبار من التفصيل بإثبات أحدهما أو كليهما في بعض الصلوات أو الحالات أو لبعض دون

البعض على تأكد الاستحباب.

و على هذا فيكونان للرجال آكد منهما للنّساء، و للجامع من المنفرد، و للحاضر من المسافر، و الأذان في الصبح و المغرب منه في غيرهما، و الإقامة في الجميع من الأذان.

و المشهور تأكّدهما فيما يجهر فيه بالقراءة أيضا، و استند فيه إلى المستفيضة

______________________________

[1] الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 258- 1168، التهذيب 3: 282- 834، الوسائل 5: 432 أبواب الأذان و الإقامة ب 27 ح 1، و في جميع النسخ: سماعة، و الصحيح ما أثبتناه كما سينقلها عنه في ص 533 أيضا.

______________________________

(1) علل الشرائع: 337- 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 521

الدالّة عليه في الصبح و المغرب «1».

و فيه ما فيه، إلّا أن لكون المقام مقام الاستحباب يكفي فيه الشهرة و فتوى الأصحاب.

المسألة الثانية:

لا يؤذّن لشي ء من النوافل و لا غير الخمس من الفرائض، قال في المعتبر: إنه مذهب علماء الإسلام «2». و نحوه في المنتهى «3»، و كذا الإقامة، لأنّهما وظيفتان شرعيّتان موقوفتان على التوقيف، و ليس في غير ما ذكر.

إلّا أن الأصحاب ذكروا أنه يقول المؤذّن في سائر الفرائض: «الصلاة» ثلاثا، و الظاهر أنّ مرادهم فيما يصلّي جماعة خاصة.

و ذكر جماعة «4» أنهم لم يقفوا على دليل عليه في غير صلاة العيدين. و هو كذلك، إلّا أن فتواهم تكفي لإثبات الاستحباب.

المسألة الثالثة:

ذكروا سقوط الأذان أو مع الإقامة في مواضع:

منها: إذا جمع بين الصلاتين، فيسقط أذان الثانية، ذكره العماني و الشيخ و الفاضل «5»، و جماعة «6»، بل نسب إلى المشهور [1]، بل عن الخلاف الإجماع عليه «7».

______________________________

[1] لم نعثر على من نسب إلى المشهور صريحا، و قال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): و المذكور في كلام غير واحد من الفقهاء أن الجامع المذكور يسقط عنه الأذان في الثانية.

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6.

(2) المعتبر 2: 135.

(3) المنتهى 1: 260.

(4) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 204، و صاحب الحدائق 7: 365.

(5) حكاه عن العماني في الذكرى: 174، الشيخ في الخلاف 1: 284، الفاضل في التذكرة 1:

106.

(6) منهم القاضي في المهذب 1: 90، و الكركي في جامع المقاصد 2: 170، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 240.

(7) الخلاف 1: 284

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 522

لأنّ الأذان إعلام و قد حصل بالأول.

و لصحيحة الفضيل و زرارة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين»

«1».

و نحوها صحيحة ابن سنان بزيادة قوله: «في الحضر من غير علّة» بعد لفظ: «العشاء» «2».

و رواية صفوان: إن الصادق عليه السلام جمع بين الظهرين بأذان و إقامتين، ثمَّ قال: «إنّي على حاجة فتنفّلوا» «3».

و يضعّف التعليل: بأنّه يجزئ في الأذان الإعلامي و المطلوب غيره.

و الأخبار- مع ما فيها من الإجمال، حيث لم يتعيّن أنّ المراد هل هو الجمع في الوقت، أو بترك النافلة، أو مطلق الفصل، و إن دلّ بعض الأخبار على حصول الجمع بالثاني «4»، و لكنّه غير كاف-: بأنّه لا دلالة لها على السقوط أصلا، لأنّهم قد يتركون المستحب.

و مع التسليم لا تدلّ على استناد السقوط إلى الجمع، فلعلّه لحاجة أو علّة أخرى، فتبقى عمومات الأذان في صورة الجمع خالية عن المخصّص.

فالحقّ- كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «5»- عدم السقوط.

و منها: صلاة العصر من يوم الجمعة، فإنّ في سقوط أذانها مطلقا، كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 186- 885، التهذيب 3: 18- 66، الوسائل 5: 445 أبواب الأذان و الإقامة ب 36 ح 2، 3.

(2) الفقيه 1: 186- 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.

(3) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 5، التهذيب 2: 263- 1048، الوسائل 4: 219 أبواب المواقيت ب 31 ح 2.

(4) انظر الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33.

(5) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 523

المبسوط و النهاية و المقنعة [1]. أو عمّن صلّى الجمعة، كما عن السرائر «1» و الكامل، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه، أو مع الجمع المستحب فيه، كما هو ظاهر المحقّق و المنتهى «2»، بل نسبه فيه إلى علمائنا، أو عدم السقوط مطلقا، كما عن

الأركان، بل المقنعة «3»، و القاضي [2] أيضا، و اختاره الأردبيلي و صاحب المدارك «4».

أقوالا، أصحّها: الأخير، للعمومات، و الإطلاقات الخالية عن المخصّص و المقيّد.

و احتجّ الأول برواية حفص: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» «5».

و يردّ بعدم الدلالة، إذ في المراد من الأذان الثالث احتمالات عديدة [3].

و الثاني بالإجماع على السقوط عمّن صلّى الجمعة.

و يردّ بعدم الثبوت.

و الثالث: بما مرّ من السقوط مع الجمع. و قد عرفت ضعفه.

و منها: صلاة العصر من يوم عرفة، و العشاء بمزدلفة، كما يأتي في كتاب

______________________________

[1] المبسوط 1: 151، النهاية: 107، و لم نعثر في المقنعة على السقوط مطلقا، و قال في المدارك 3:

264: ان الشيخ في التهذيب نقل عن المقنعة سقوط الأذان مطلقا. انظر التهذيب 3: 18.

[2] قال الفيض في المفاتيح 1: 116: و الأصح عدم السقوط فيه مطلقا إلّا حالة الجمع وفاقا للمفيد و القاضي .. لكن المستفاد من صريح كلامه في المهذب 1: 102 و 104 أنه لا يسقط الأذان عمن صلى الظهر و يسقط عمن صلى الجمعة.

[3] قيل: المراد بالأذان الثالث هو الذي أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف القولين قبل الوقت، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله شرّع للصلاة أذانا و إقامة فالزائد ثالث، و لعلّ الأول أذان الصبح، و الثاني الظهر، و الثالث العصر، و يحتمل غيرهما أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 305.

(2) المحقق في المعتبر 2: 136، المنتهى 1: 261.

(3) المقنعة: 126.

(4) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 165، المدارك 3: 264.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 5، التهذيب 3: 19- 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 49 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 524

الحجّ إن شاء اللّه.

و منها: قضاء الصلاة، فيسقط أذان غير الاولى منها و يكتفى فيه بالإقامة بالإجماع على الظاهر، له، و لصحيحة محمّد: عن رجل صلّى الصلاة و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثمَّ ذكر بعد ذلك، قال: «يتطهّر و يؤذّن و يقيم في أوّلهنّ، ثمَّ يصلّي و يقيم بعد ذلك في كلّ صلاة بغير أذان حتى يقضي صلاته» «1».

و صحيحة زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذّن لها و أقم، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة، [إقامة] لكلّ صلاة» [1].

و ظاهرهما- كظاهر عبارات جماعة- سقوطه عن غير الاولى مطلقا، سواء أدّاها في مجلس واحد أو أزيد، و لا يختص بالأولى- كما هو الظاهر ممّن قيّده بغير الاولى من ورده- لعدم المخصّص، و لذا حمل بعض مشايخنا المحقّقين الورد في كلماتهم على جميع عدد ما فات «2».

ثمَّ السقوط هنا هل هو بمعنى عدم المشروعية؟ كما هو ظاهر المدارك «3»، و غيره «4»، و هو القول المحكي في الذكرى «5» أيضا عن بعضهم أنه بمعنى أفضلية الترك، إذ لا معنى لها هنا إلّا عدم الأمر به الذي هو معنى عدم التوقيف.

أو بمعنى خفّة الاستحباب بالنسبة إلى سائر الصلوات؟ كما هو المشهور،

______________________________

[1] الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 3: 159- 342، الوسائل 8: 254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.

(2) البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) المدارك 3: 263.

(4) كالبحار 81: 166.

(5) الذكرى: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 525

بل عليه الإجماع في الناصريات «1»، و عن الخلاف «2»، و هي المراد بقولهم: إنه لو أذّن لكل فائتة كان أفضل [1]، إذ هذا المعنى ثابت للجميع، فيكون الفرق بالخفّة و الشدّة، بل هي بعينها معنى الرخصة في سقوط الأذان على القول باستحبابه في كل موضع يقولون بالسقوط رخصة.

الأقرب: الثاني، للشهرة و الإجماع المنقول الكافيين في المقام، و إطلاق أكثر الأخبار الواردة في استحباب الأذان و الإقامة، بل عموم بعضها المعتضدة جميعا بالصحيح: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «3».

و خبر الساباطي: عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟

قال: «نعم» «4» لو لا المعارض.

دليل الأول: الأصل، و ظاهر الصحيحين، فإنّ أقلّهما رجحان ترك الأذان، و هو يستلزم عدم الأمر به، و بهما تقيّد الإطلاقات و تخصّص العمومات.

و يجاب عن الأصل: بوجود الدافع.

و عن الصحيحين: بالمعارضة مع الشهرة و الإجماع المحكي، فتبقى الإطلاقات و العمومات خالية عن المخصّص المعلوم، و هي كافية للمطلوب و إن لم تتمّ دلالة الصحيح المذكور، من حيث إنّ المتبادر من قوله عليه السلام: «كما فاتته» أي: بجملة أجزائها و صفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها، و منع ذلك مكابرة صرفة، و لا الخبر المتعقّب له من حيث معارضته مع رواية موسى بن عيسى: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان

______________________________

[1] كما في المختصر النافع: 27، الدروس 1: 165، و قال في البحار 81: 166 إنه المشهور بين الأصحاب.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

(2) الخلاف 1: 282- 284.

(3) غوالي اللئالي 2: 54- 143.

(4) التهذيب 3: 167- 367، الوسائل 8: 270 أبواب قضاء الصلوات ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 526

و

إقامة؟ فكتب: «يعيدها بإقامة» «1».

و منها: السفر، فيسقط فيه الأذان عند أكثر أهل العلم، كما في المنتهى «2»، للمستفيضة المتقدّمة المصرّحة بإجزاء الإقامة فيه «3».

و ظاهر الأصحاب كون السقوط هنا رخصة، فيكون الأذان ثابتا فيه، بل الظاهر أنه المجمع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي: «إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة» الحديث «4».

و رواية بريد بن معاوية: «الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة، و الأذان واحدة واحدة» الخبر «5».

و قد يستظهر له بلفظ الإجزاء.

و فيه نظر.

و على هذا فالمراد بسقوطه فيه خفّة الاستحباب بالنسبة إلى الحضر، كما مرّ.

و منها: السامع أذان الغير و إقامته، فيسقطان عن المصلّي إذا كان إماما بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل «6»، لرواية أبي مريم: صلّى بنا أبو جعفر بلا أذان و لا إقامة، فقلت له في ذلك، فقال: «إني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» «7».

و رواية عمرو بن خالد: عن أبي جعفر عليه السلام [قال ]: كنّا معه فسمع

______________________________

(1) التهذيب 2: 282- 1124، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 2.

(2) المنتهى 1: 262.

(3) راجع ص 517، 518.

(4) التهذيب 2: 52- 173، الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 2: 62- 219، الاستبصار 1: 308- 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 2.

(6) انظر الرياض 1: 152.

(7) التهذيب 2: 280- 1113، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 527

أذان جار له بالصلاة، فقال: «قوموا»، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا إقامة، قال: «يجزئكم أذان جاركم»

[1].

و صحيحة ابن سنان: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» «1».

و مقتضى هذه النصوص- كصريح كثير من العبارات- عدم الفرق في المؤذّن بين مؤذّن المصر أو المسجد أو المنفرد، بل قيل: إنّ ظاهر الخبرين الأوّلين كونه منفردا «2»، فتخصيص المسالك بالأوّلين «3»، لا وجه له.

و كذا إذا كان المصلّي منفردا على الأظهر بل الأشهر- كما قيل- و إن أنكره بعض من تأخّر «4»، لإطلاق الصحيحة، بل إطلاق قوله: «يجزئكم أذان جاركم» في رواية ابن خالد. و كونهم جامعين حينئذ غير موجب لتقييده به. إلّا أنهما مخصوصان بالأذان، فالتعدّي في المنفرد إلى الإقامة أيضا- كما ذكره من ذكره «5»- مشكل.

و الاستدلال بالأولوية من الجامع فاسد، لمنعها سيّما مع عدم معلومية العلّة، و الإجماع المركّب غير معلوم، فالاقتصار فيه على سقوط الأذان خاصة أولى.

و كذا إذا تكلّم بعد الإقامة، فلا تسقط حينئذ، بل تستحب إعادتها، لما مرّ من استحبابها بعد التكلّم، و لعدم دليل على سقوطها حينئذ، لاختصاص

______________________________

[1] التهذيب 2: 285- 1141، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.

(2) الرياض 1: 152.

(3) المسالك 1: 28.

(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) صاحب المدارك 3: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 528

الصحيحة بالأذان، و عدم عموم و لا إطلاق في الأوليين، لورودهما في واقعة خاصة، بل في أولاهما التصريح بعدم التكلّم، و بأنه العلّة في الإجزاء، فتبقى أصالة عدم سقوطها حينئذ خالية عن الدافع، بخلاف الأذان، فإنّ إطلاق الأخيرتين كاف في

دفعها، و لا يعارضه التقييد بعدم التكلّم في الأولى، إذ لعلّه لسقوطهما معا.

ثمَّ إنّ سقوطهما حينئذ هل هو رخصة، فتستحب إعادتهما أيضا أم عزيمة؟

الظاهر: الثاني و إن اتّسع الوقت بين السماع و الصلاة، وفاقا للمحكي عن المبسوط [1]، و محتمل الذكرى «1»، لأنّه مقتضى لفظ الإجزاء، إذ معناه كفايته عن الأذان أو الإقامة المأمور به، فإذا اكتفى عنه فلا يبقى أمر آخر.

و أيضا: مقتضى استحباب الإعادة عدم إجزاء المسموع، و هو مخالف مدلول النصوص.

و خلافا لجماعة من المتأخّرين «2» فقالوا بالأول، و إليه يميل كلام المدارك و الذخيرة «3»، للعمومات، و عدم منافاة الإجزاء لها، و ظاهر الصحيحة، فإنّ ظاهر قوله: «و أنت تريد أن تصلّي بأذانه» التخيير بين الصلاة به و عدمها، و للأمر بإعادتهما للمنفرد إذا أذّن و أقام ثمَّ أراد الجماعة «4».

و يردّ الأول: بتخصيص العمومات بما مرّ، إذ لولاه و بقاء ما أمر به بالعموم فما الذي أجزأ عنه السماع؟! و الثاني: بأن مقتضاه التخيير بين الصلاة بأذانه و عدم الصلاة، لا بينها

______________________________

[1] لم نجده في المبسوط و لم نعثر على حاكيه عنه.

______________________________

(1) الذكرى: 173.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 2: 193، و الفيض في المفاتيح 1: 116، و صاحب الحدائق 7:

430.

(3) المدارك 3: 300، الذخيرة: 258.

(4) تقدم في ص 520 و يأتي أيضا في ص 533.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 529

و الصلاة بأذان نفسه، و سبب التقييد بذلك أنّ استحباب إتمام ما نقص إنّما هو على من أراد الصلاة بذلك الأذان دون غيره ممّن صلّى أو لا يريد الصلاة.

هذا إذا لم يكن المسموع أذان الجماعة و إقامتها، و السامع إمام هذه الجماعة أو مأمومها. و أمّا فيه فالظاهر عدم

الخلاف في عدم استحباب الإعادة و كون السقوط عزيمة، بل قيل: إنّ على تركهما حينئذ إطباق المسلمين كافة «1». و هو كذلك.

كما أنّ الظاهر أن الكلام في الأذان للصلاة دون الأذان المستحب للإعلام و إعلاء شعائر الإسلام، فلا يسقط ذلك بسماع غيره، للأصل، و اختصاص الأخبار بالأوّل.

و على هذا فلا منافاة بين السقوط بالسماع و بين ما مرّ من جواز أذان جمع في محل، مع أن السقوط بالسماع إنّما هو بعد سماع تمام الأذان، فلا يسقط بسماع البعض و لا بشروع الغير، فيمكن اجتماع جمع على الأذان للصلاة قبل إتمام واحد منهم.

و منها: من جاء مسجدا صلّيت فيه جماعة و لمّا تتفرّق صفوف الجماعة، فيسقط عنه الأذان و الإقامة، و يكتفي بأذانهم و إقامتهم، سواء فرغوا من صلاتهم أم لا، للمستفيضة من النصوص، المنجبر ضعف ما فيه ضعف منها بالشهرة المحقّقة و المحكيّة.

منها: رواية عمرو بن خالد: «دخل رجلان المسجد و قد صلّى عليّ عليه السلام بالناس فقال لهما: إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم» «2».

و السكوني: «إذا دخل الرجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ»

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 300.

(2) التهذيب 2: 281- 1119 و ج 3: 56- 191، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 530

الحديث «1».

و إطلاقهما و إن اقتضى سقوط الأذان و الإقامة مطلقا إلّا أنه مقيّد ببقاء الصفوف بالإجماع و الأخبار:

كموثقة أبي بصير: الرجل يدخل في المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذّن و يقيم؟

قال: «إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ

أذّن و أقام» «2».

و روايته: عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم، فقال: «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان» «3».

و المراد ببقاء الصفوف هنا بقاء بعض المصلّين و لو كان واحدا، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني «4»، لرواية أبي علي: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ أتاه رجل فقال: جعلت فداك، صلّينا في المسجد الفجر و انصرف بعضنا و جلس بعض بالتسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع» الحديث «5»، فإنّ البعض يصدق على الواحد أيضا و لو كان إماما.

و بها يقيّد إطلاق التفرّق في روايتي أبي بصير، الشامل لذهاب البعض أو الأكثر أيضا، لعمومهما بالنسبة إليها.

و يشترط كون البعض جالسا في مقام صلاته، فلو انصرف عنه الجميع لم

______________________________

(1) التهذيب 3: 56- 195، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 4.

(2) التهذيب 2: 281- 1120، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 2.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 12، التهذيب 2: 277- 1100، الوسائل 5: 429 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 1.

(4) المسالك 1: 26.

(5) الفقيه 1: 266 1215، التهذيب 3: 55- 190، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 531

يسقط و لو بقي بعضهم في المسجد.

و هل يكفي بقاؤهم و جلوسهم كلا أو بعضا مطلقا كما هو مقتضى إطلاق بعض العبارات، أم يشترط اشتغالهم بالصلاة أو التعقيب؟ الظاهر: الأول، لإطلاق الروايتين، و هما و إن

اختصّتا بصورة عدم تفرّق الصفوف المختصّ ببقاء الجميع إلّا أنّه يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب.

و لا تعارضهما رواية أبي علي حيث قيّد فيها الجلوس بالتسبيح، لأنّه إنّما هو في السؤال.

و الأظهر الموافق لظاهر أكثر كلمات الأصحاب كما قاله بعضهم، بل عدا ابن حمزة كما ذكره الآخر «1»: شمول الحكم بالسقوط للجامع و المنفرد.

لا لأجل اقتضاء ثبوته في الأول الذي يتأكّد فيه الأذان و الإقامة- حتى قيل بالوجوب فيه «2»- ثبوته في الثاني بالطريق الأولى، لمنع الأولويّة، لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الاجتماع ثانيا، و هي مفقودة في المنفرد.

بل لإطلاق غير الاولى من الروايات.

و عدم صحّتها سندا عندنا غير ضائر، مع أنّ منها الموثّق و هو كالصحيح عندهم حجّة، سيّما مع انجبارها بما مرّ من الشهرة المحكية.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة، فخصّه بالجماعة «3»، للأصل و العمومات.

و كذا الظاهر شموله للجائي بقصد درك الجماعة أو غيره، و اتّحاد صلاته مع صلاتهم أو اختلافها، كلّ ذلك للإطلاق. و كون ذلك في المسجد أو غيره، لإطلاق رواية أبي بصير.

______________________________

(1) الرياض 1: 148.

(2) راجع ص 519 الرقم 6.

(3) حكاه عنه في الذخيرة: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 532

و في الكلّ خلاف يندفع بما ذكر من الإطلاق، و صرفه إلى الغالب- و هو وقوع الجماعة في المسجد و اتّحاد الصلاتين- مردود: بمنع الغلبة بحيث يتبادر من الإطلاق جدّا.

و لو صلّى الجاءون جماعة بلا أذان و إقامة، فدخل ثالث فيؤذّن و يقيم، إلّا أن يبقى واحد من الجماعة الأولى جالسا في محلّه.

نعم، يشترط كون الإمام ممّن يقتدي به المصلّي، فلو كان غيره أذّن و أقام، لرواية ابن عذافر: «أذّن خلف

من قرأت خلفه» «1».

و رواية معاذ: «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل: ..» الحديث «2».

ثمَّ السقوط هنا هل هو عزيمة فلا يستحبّان أصلا، أو رخصة فيستحبّان و إن خفّ؟ فيه قولان، كلّ منهما لجماعة [1]. أصحّهما: الأول، للأمر بتركهما في الأخبار المتقدّمة، و أقلّه الرجحان المنافي للتوقيف.

مضافا إلى الأمر بالمنع الشديد بل الأشدّ في رواية أبي علي.

احتجّ الثاني: بالأصل، و العمومات.

و موثّقة عمّار: عن الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: «عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة» «3».

و رواية ابن شريح، و فيها: «و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان

______________________________

[1] من الجماعة الأولى: الشيخ في التهذيب 3: 55، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و من الجماعة الثانية: الفيض في المفاتيح 1: 116، و المجلسي في البحار 81: 172.

______________________________

(1) الفقيه 1: 251- 1130، التهذيب 3: 56- 192، الوسائل 5: 443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 2.

(2) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 22، التهذيب 2: 281- 1116، الوسائل 5: 443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 1.

(3) الفقيه 1: 258- 1170، التهذيب 3: 282- 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 533

و الإقامة» «1».

و الأول مدفوع بما مرّ، و الثاني مخصوص به، و الأخيرتان محمولتان على صورة التفرق، كما هو صريح التفصيل في رواية أبي بصير.

و استبعاده لا وجه له أصلا، إذ لا شك أنّ بعد التسليم يعمّ صورتي التفرّق و عدمه، فيجب تخصيصه بعد وجود الخاص.

فائدة

: قد

عرفت اختلافهم في بعض مواضع السقوط في أنه هل هو عزيمة أو رخصة، و مرجع الرخصة على القول بوجوب الأذان و الإقامة إلى الاستحباب.

و أمّا على القول باستحبابهما فلا يظهر لها من الأخبار الدالّة على السقوط سوى خفّة الاستحباب، كما أشرنا إليه، و تأويلها إلى أنه تكون الصلاة بدونهما في هذه المواضع كالصلاة معهما في غيرها فضيلة و ثوابا أو غير ذلك ممّا لا دليل عليه.

و على هذا فتخصيصهم السقوط رخصة ببعض المواضع مع تفاوت مراتب الاستحباب في مواضع أخر أيضا كما ذكر، و التعبير هنا بالرخصة و فيها بالخفّة، لا وجه له، و لعلّه ممّا ذكره الموجبون فتبعهم غيرهم فيه، فتأمّل.

المسألة الرابعة:

لو أذّن و أقام بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحبّ الاستئناف لهما، وفاقا للمشهور، بل قيل: الظاهر عدم الخلاف فيه بين الأصحاب «2».

لموثّقة عمّار: عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيها بذلك الأذان و الإقامة؟ قال: «لا و لكن يؤذّن و يقيم» «3».

و ضعفها- لو كان- منجبر بالشهرتين بل الإجماعين، فردّ الحكم لضعف سندها فاسد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 4.

(2) كما في الحدائق 7: 389.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 258- 1168، التهذيب 2: 277- 1101 و ج 3: 282- 834، الوسائل 5: 432 أبواب الأذان و الإقامة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 534

الفصل الرابع: في بيان بقية أحكامهما
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لو ترك الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة، فإن كان ساهيا، استحب التدارك، و استئناف الصلاة إن تذكّر قبل الركوع، و يتمّ الصلاة إن تذكّر بعده.

و إن كان متعمّدا، أتمّها مطلقا و لم يجز الرجوع، وفاقا للسيد في المصباح «1»، و الشيخ في الخلاف [1]، و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و القواعد و شرحه و المدارك «2»، بل الأكثر، بل كافّة من تأخّر، كما صرّح به غير من شذّ و ندر «3».

و يدلّ على الأوّلين صحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة، و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك» «4».

و الأمر بالانصراف فيها محمول على الندب بقرينة قوله: «و أذّن» المحمول عليه، و دلالة الصحيحة النافية لوجوب شي ء عليه، و هي صحيحة داود: في رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الخلاف و لكن حكاه عنه صاحب المدارك 3: 273، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 258، و حكى خلافه عنه المحقق في المعتبر 2: 129.

______________________________

(1) نقله عنه في المعتبر 2: 129.

(2) الشرائع 1: 75، المختصر النافع: 27، المنتهى 1: 16، التذكرة 1: 109، القواعد 1: 30، جامع المقاصد 2: 198، المدارك 3: 273.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 145.

(4) التهذيب 2: 278- 1103، الاستبصار 1: 304- 1127، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 2: 285- 1140، الاستبصار 1: 305- 1131، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 535

و على بعض أفراد الثاني: رواية الكناني: عن رجل نسي الأذان حتى صلّى قال: «لا يعيد» «1» و نحوها إحدى روايتي أبي بصير «2»، و قريبة منها الأخرى [1].

و على الثالث: دليل تحريم إبطال الصلاة، و مفهوم صدر الصحيحة، فإنّ ما يعطف على ما بعد حرف الشرط ثمَّ يذكر بعده الجزاء يكون جزءا من الشرط، فإذا فقد فقد المشروط، كما صرّح به فخر المحقّقين «3».

خلافا للنهاية و السرائر «4»، فقالا بالعكس، فينصرف و يتدارك مع العمد قبل الركوع و يتمّ بعده، و مع النسيان مطلقا.

و لعلّ حجّتهما على الجزء الأول مفهوم رواية نعمان الرازي: رجل نسي أن يؤذّن و يقيم حتى كبّر و دخل في الصلاة، قال: «إن كان دخل المسجد و من نيّته أن يؤذّن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف» «5».

دلّ على أنه إن لم يكن من نيته ذلك ينصرف و هو معنى التعمّد، و لا ينافيه اختصاص السؤال بالناسي بعد التفصيل في الجواب.

و على الثاني: الأصل، و الإجماع، و اختصاص ما دلّ على جواز الانصراف بما قبل الركوع.

و على الثالث: صحيحة زرارة: عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل

______________________________

[1] لم نعثر على رواية أخرى لأبي بصير.

______________________________

(1) التهذيب 2: 279- 1108، الاستبصار 1: 303- 1123، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان و الإقامة ب 28 ح 1.

(2) التهذيب 2: 279- 1109، الاستبصار 1: 303- 1124، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان و الإقامة ب 28 ح 2.

(3) إيضاح الفوائد 1: 97.

(4) النهاية: 65، السرائر 1: 209.

(5) التهذيب 2: 279- 1107، الاستبصار 1: 303- 1122، الوسائل 5: 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 536

في الصلاة، قال: «فليمض في صلاته إنّما الأذان سنّة» «1» و قريبة منها الأخرى «2».

و يجاب عنه- بعد تسليم دليل الثاني- أمّا عن دليل الأول: فبعدم استلزام عدم نية الأذان و الإقامة حين دخول المسجد تعمّد تركهما، غايته شمولها له أيضا، فتكون دلالتها عليه بالعموم، فيعارض مفهوم صدر صحيحة الحلبي، و يرجع إلى أصل تحريم إبطال العمل، مضافا إلى المخالفة للشهرة المخرجة له عن الحجية.

و أمّا عن دليل الثالث: فبمعارضته مع منطوق الصحيحة و هي أخصّ مطلقا منه، لاختصاصها بما قبل الركوع، و عمومه له و لما بعده، فيجب تخصيصه بها.

مضافا إلى ما قيل من عدم دلالته إلّا على عدم الرجوع لا حرمته «3».

و لكن فيه نظر، لأنّ الأمر بالإمضاء إيجاب له و تحريم لضدّه.

و للمحكي عن المبسوط «4»، فأطلق جواز الرجوع قبل الركوع، و حجته في الصورتين حجة الفريقين فيهما، و جوابه يظهر ممّا مرّ.

و لطائفة أخرى، فقالوا في المسألة بأقوال شاذة يدفعها شذوذها، كروايات أخر واردة في المسألة دالّة على التفرقة بين قبل الشروع في القراءة و بعده «5»، أو على جواز الرجوع في الإقامة ما لم يفرغ من صلاته «6»، حيث إنّ عدم القائل بمضمونها أو ندرتها يمنع عن العمل بها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 285- 1139، الاستبصار 1: 304- 1130، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 1.

(2) التهذيب 2: 279- 1106، الاستبصار 1: 302- 1121، الوسائل 5: 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 7.

(3) كما في الرياض 1: 146.

(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 367.

(5) انظر: الوسائل 5: 435، 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 5 و 9.

(6) انظر: الوسائل 5: 433 أبواب الأذان

و الإقامة ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 537

ثمَّ إنّ جواز الرجوع هل يختص بترك الأذان و الإقامة معا، كما هو ظاهر بعض العبارات «1» و مفاد الصحيحة الأولى، أو يجوز لترك الأذان خاصة أيضا كبعض آخر «2»، أو لترك الإقامة خاصة كثالث «3»؟ الأحوط: الأول.

و غاية الاحتياط عدم الرجوع لترك شي ء منهما، إذ غايته الاستحباب المعارض لاحتمال التحريم.

المسألة الثانية:

يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف، كما قيل «4»، بل بالإجماع كما استفاض به النقل «5»، له، و للمستفيضة من النصوص:

كصحيحة محمد: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شي ء» «6».

و مرسلة الفقيه: «و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جلّ و قل كما يقول المؤذّن» «7».

و في أخرى: «من سمع الأذان و قال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه» «8».

و في المرويين في العلل و الخصال أيضا: أنه يزيد في الرزق «9».

و ظاهر هذه الأخبار استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيّعلات.

______________________________

(1) انظر: المهذب 1: 89.

(2) انظر: الشرائع 1: 75، المسالك 1: 27.

(3) الرياض 1: 146.

(4) انظر: المدارك 3: 293.

(5) كما في الخلاف 1: 285، الذكرى: 170، الرياض 1: 152.

(6) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 29، الوسائل 5: 453 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 1.

(7) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 2.

(8) الفقيه 1: 189- 904، الوسائل 5: 455 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 4.

(9) علل الشرائع: 284- 4، الخصال: 504- 2، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب

8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 538

و يجوز الحولقة بعد الحيّعلات كما في أكثر نسخ الدروس «1»، للمروي مرسلا في المبسوط: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل كذلك» «2».

و كونه عاميا على الظاهر- لرواية مسلم نحوه في صحيحه «3»- لا ينافي جوازه مع كونه ذكرا حسنا في كلّ حال، بل تعليل استحباب حكاية الأذان به في بعض الروايات «4» يثبت استحبابه، بل الرواية مثبتة له و إن كانت عامية، للتسامح في أدلّة السنّة. و ذلك غير مناف لاستحباب الحكاية أيضا.

فجعل قول الدروس خروجا عن ظواهر النصوص، و الاستشكال فيه بمجرد هذه الرواية، غير جيّد، مع أنّ في بعض نسخه: و يجوز في الصلاة إلّا الحيّعلات فيحولق. و حينئذ لا غبار عليه، كما ذكره جمع من الأصحاب «5» حيث أبطلوا الصلاة بحكاية الحيّعلات، و بدّلوها فيها بالحولقة منضمّة إلى سائر الفصول جوازا لا استحبابا، بل خصّوا استحباب الحكاية مطلقا بغير حال الصلاة تقديما للإقبال المطلوب في الصلاة، و اقتصارا على ما تيقّن شمول عموم الأخبار له، و هو لحال الصلاة غير متيقّن.

و لعلّ وجهه- مع كونها أخفى الحالات- أنّ شموله لها يستلزم تخصيص المحكي حينئذ بغير الحيّعلات، و هو ليس بأولى من تخصيص الحكاية بغير حال الصلاة. إلّا أن يمنع التخصيص الأوّل إمّا باعتبار كون الحيّعلات أيضا ذكرا جائزا في الصلاة، كما يدلّ عليه تعليل الحكاية في بعض الروايات بكون ذكر اللّه حسنا في كلّ حال، أو باعتبار شمول الأمر بالحكاية لها فيستثنى بها من الكلام

______________________________

(1) الدروس 1: 163.

(2) المبسوط 1: 97.

(3) صحيح مسلم 1: 289- 12.

(4) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45

ح 2.

(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 97، و الكركي في جامع المقاصد 2: 191، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 539

الممنوع في الصلاة.

و لكن في الاعتبارين نظر.

أمّا الأول: فلأن إطلاق ذكر اللّه على الحيّعلات لو سلّم مجاز قطعا، و الثابت جوازه في الصلاة ليس إلّا الذكر الحقيقي.

و أمّا الثاني: فلمنع شمول الأخبار لحال الصلاة، كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ثمَّ إنه لا شك في استحباب الحكاية مع كلّ فصل، و في بعض الأخبار دلالة عليه.

و هل يستحب بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها؟ صرّح جملة من الأصحاب بالعدم، لفوات المحل «1».

و عن المبسوط و الخلاف، و التذكرة: الاستحباب [1]، و هو مقتضى عموم بعض الروايات.

و هل يختص الحكم بالأذان أم يعمّ الإقامة أيضا؟ مقتضى الأصل و اختصاص النصوص و أكثر الفتاوى: الأول «2».

و المحكي عن المبسوط و المهذّب و النهاية: الثاني «3»، و وجّه بعموم التعليل في بعض الأخبار بأنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال.

و عمومه ممنوع كما لا يخفى على الناظر فيه.

______________________________

[1] قال في المبسوط 1: 97: .. كان مخيرا إن شاء قاله و إن شاء لم يقله ليس لأحدهما مزية على الآخر إلّا من حيث كان تسبيحا أو تكبيرا، لا من حيث كان أذانا.

و أمّا الخلاف فلم نعثر عليه فيه، و حكى عنه في الحدائق 7: 425 مثل ما قاله في المبسوط.

و قال في التذكرة 1: 109: كان مخيرا بين الحكاية و عدمها.

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 170، و الذخيرة: 256.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 192، و المسالك 1: 27، و روض الجنان: 246، و كشف اللثام 1:

209.

(3) المبسوط 1: 97، المهذب 1: 90، النهاية:

67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 540

و ذكر جماعة اختصاص الاستحباب حكايته بالأذان المشروع «1».

و للنظر فيه مجال، لإطلاق الأخبار.

و يستحب لحاكي الشهادتين أن يضمّ معهما ما في رواية ابن المغيرة: «من سمع المؤذّن يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، فقال مصدّقا محتسبا- أي حال كونه كذلك-: و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه أكتفي بهما عمّن أبى و جحد و أعين بهما من أقرّ و شهد، كان له من الأجر» الحديث «2».

و يستحب أيضا لسامع أذان الصبح و المغرب أن يقول ما في المروي في المجالس و ثواب الأعمال: «من قال حين يسمع أذان الصبح: اللهم إني أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلاتك و أصوات دعاتك و تسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم، و قال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثمَّ مات عن يومه أو ليلته تلك كان تائبا» «3».

المسألة الثالثة:

إذا أراد أن يصلّي أحد بأذان مؤذّن انفرادا أو جماعة يتمّ ما يخلّ به منه فصلا أو حرفا أو حركة، كما صرّح به في الصحيحة: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» «4».

و لو لم يرد الصلاة به بل حكاه استحبابا فهل يستحب إتمام ناقصه؟ ظاهر إطلاق بعض العبارات ذلك «5»، و لا بأس به.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 2: 191، و المسالك 1: 27، و الرياض 1: 152.

(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 30، الفقيه 1: 187- 891، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 3.

(3) أمالي

الصدوق: 219- 9، ثواب الأعمال: 152، الوسائل 5: 452 أبواب الأذان و الإقامة ب 43 ح 2.

(4) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.

(5) انظر: التذكرة 1: 109، و الدروس 1: 163، و البيان: 145.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.