مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 0١

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

المقدّمة

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

بعد حمد اللّه على عظيم منّه و إفضاله و الصلاة و السلام على مفخر قطّان أرضه و سمائه

محمّد و آله خير البريّة أجمعين.

لا ريب أنّ لكلّ أمّة- تريد المجد و تنشد الرقي- أن ترسم لنفسها دستورا للعمل و منهجا في الحياة، و الأمم الإلهيّة- بما فيها الأمة الإسلامية- أخذت دستور عملها و منهاجها من تعاليم السماء، و هي أجدر و أسمى من القوانين الوضعية التي رسمتها كثير من الأمم لغرض إيصال الإنسان إلى مجده و رقيّة.

و هذا الهدف الذي يجسّد السعادة بذاتها لا يمكن تحقّقه إلّا عبر الجمع بين مفردات الفكر و واقع الممارسة، فالعالم الذي لا يعمل بعلمه لا أنّه لن يصل إلى غايته و مطلوبه فحسب، بل يكون العلم وبالا عليه، و قد جعل اللّه سبحانه و تعالى إبليس المثال البارز للعالم غير العامل.

إذن، فالعمل هو الخطوة الثانية بعد المعرفة و العلم، و ذلك طبق المفاهيم المستوحاة من القرآن الكريم .. و نعني بالعمل: إتيان ما أمر اللّه أن يؤتى به و الانتهاء عمّا نهى عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 6

هذا، و المعروف من التعاليم السماوية أنّها تعطي للجانب العملي أهمية خاصة مع الحفاظ على تقوية الجانب الروحي في آن واحد، و بهما يرتفع الإنسان من حضيض النفس البهيميّة إلى ذروة المجد و المراتب الكماليّة، حتى يعدّ بمنزلة الملائكة، بل بمنزلته تبارك و تعالى، كما ورد في قوله عزّ من قال: «عبدي أطعني تكن مثلي، أو مثلي».

و لقد تألّق علماؤنا و فقهاؤنا في عكس الصورة الواضحة و السليمة عن أسس و مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يمثّل مرحلة الكمال في التعاليم السماوية، فهو الناسخ لكل الأديان و الرسالات التي انتشرت قبله، ثمَّ إنّه لا شريعة بعده مطلقا.

و إنّنا و الحال هذه نجد أنفسنا أمام كنز غني من الفكر

و الثقافة يدعو أهل الفن و الخبرة إلى السعي لإظهاره بالشكل المطلوب، بل إنّ التضلّع بإحيائه يعدّ محورا مهما من محاور تحقق المجد و السعادة.

و للمناسبة فإنّ إطلاق لفظة «الإحياء» كان من باب الكناية و المجاز، و إلّا فإن التراث حيّ حاضر لا غبار عليه، سيّما و أنّه مستنبط من شريعة خاتم المرسلين و الأئمّة الميامين صلوات اللّه عليهم أجمعين، التي تكاملت بحذافيرها- على المشهور من مذهب الأصوليين- في زمنه صلّى اللّه عليه و آله، أو أنّ خطوطها العريضة و كلياتها قد بيّنها بنفسه صلّى اللّه عليه و آله و أوكل التفصيل و التوسعة فيها إلى الأئمة عليهم السلام، كما هو رأي البعض.

و يشهد للقول المشهور، قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «1».

______________________________

(1) المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 7

و النصّ المرويّ عن مولانا الباقر عليه السّلام، قال: «خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع، فقال: يا أيّها النّاس، ما من شي ء يقرّبكم من الجنّة و يباعدكم عن النار إلّا و قد أمرتكم به، و ما من شي ء يقرّبكم من النار و يباعدكم عن الجنّة إلّا و قد نهيتكم عنه» «1» الخبر.

أضف إلى ذلك، فإنّ الأمّة في الظرف الراهن على الخصوص محفوفة بالمخاطر و الدسائس من كلّ جانب، بل عاد النضوج المعنوي و الحسّ الروحي منحصرا، و غدا التعقّل و التدبّر و الاشتغال بالعلم مرتبطا بفئة قليلة جدّا، و صار السواد الأعظم يهوى التطوّر الكاذب، و يلهث وراء الدنيا و مظاهرها، تاركا القيم السامية و المبادئ الرفيعة وراء ظهره.

و من هنا فقد برزت بوضوح ضرورة تجاوز هذه الاخفاقات الغريبة عن

الفكر الإسلامي و عقيدته المتكاملة من خلال التصدي لجملة من المناهج التربوية، و اهمهما الاغتراف من المعين الصافي للتراث الإسلامي، و المتمثل بمدرسة أهل البيت عليهم السلام.

ثمَّ إنّ التعامل مع التراث يحتاج إلى منهجية عمل متكاملة ذات أسس و قواعد متينة تضمن قطف أينع الثمار، و لضيق المجال، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أهم محاورها، فنقول:

لا بدّ أولا من تشخيص ماهية التراث و تثبيت موضوعه، فما وصل بأيدينا منه مختلف ألوانه، و الذي نقصده هو ما يعكس هوية الأمة الحقيقية، و يوضّح قيمها و تعاليمها، و يحفظها من كيد أعدائها، و يصون أصالتها الإلهيّة، و بالتالي هو ما يشكّل القناة الرئيسية التي توصل الإنسان إلى الرقيّ المعنوي و الغنى الدنيوي و الأخروي.

______________________________

(1) الكافي 2: 60- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 8

فالمطلوب إذن مراعاة أعلى مراحل الدقّة في الانتخاب، حيث فيه خدمة عظيمة للأمّة، و إلّا فإنّ التهاون فيه سيترك أسوأ الأثر و تكون له عواقب وخيمة لا تحمد عقابها.

و أمّا ثانيا: فهو تهيئة الكادر المتخصّص الذي يلقى على عاتقه تنفيذ هذه المهمة الحسّاسة، و هذا ما يستدعي توفّر عدّة مواصفات و مميّزات، كالعشق و الغيرة و الدقّة و الذكاء و التواضع و الصبر و الأمانة و الذوق الرشيق و الالتزام الديني و الاستعانة بأهل الخبرة، و غير ذلك.

و نجد لزاما أن نقول: إنّنا بالقدر الذي ندعو فيه إلى إحياء التراث، ندعو إلى السعي الحثيث لتدعيم جانب التصنيف و التأليف، فالعصر الحاضر- بمستحدثاته و مستجداته، و بما يحمل من تساؤلات و شبهات مصدرها التآمر الفكري الثقافي الذي يتّسع يوما بعد آخر ضد الدين الإسلامي و فيمه الرفيعة، و غير ذلك من العوامل و الأسباب- يبرز

الحاجة الملحّة لردم الهوّة الفاصلة بينه و بين التراث، و نؤيد دعوانا هذه بأنّ التغاير المكاني و الزماني لهما أقوى الأثر في توسيع الثغرة بينهما. لذا لا بدّ من مسايرة أحدهما للآخر من أجل عكس الصورة الكاملة و المتينة عن الثقافة الإسلامية، و هو مما يشكّل بطبيعته الخطوة الأساس على سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف الأصعدة، سيّما الصعيد الفكري منها.

و لكون إحياء التراث هو مدار البحث، ارتأينا عطف الضوء على بعض زواياه تاركين الخوض في باب التصنيف لفرص أخرى.

و لنا الجرأة بأن ندّعي بالدليل القاطع: أنّ الأمة الإسلامية تمتلك تراثا هائلا من الآثار النفيسة التي حرّرت في مختلف ألوان العلم و المعرفة، كالفقه و الأصول و الأدب و الكلام و الطبّ و الهندسة و الفلك و الرياضيات، حتى عاد المخزون الثقافي لها من أهم ما اعتمدته النهضات المختلفة في برامج

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 9

عملها، بل إنّ الأمة الإسلامية بذاتها لمّا كانت رائدة العلم و التطور، كان الفضل الأول و الأخير في ذلك يعود إلى اعتمادها الإسلام كفكر و ممارسة، و لخصوصية تكيّفه مع مختلف الأعصار و الأماكن فإنه يجدر بنا أن نستلهم و نستنبط من كنوزه نظاما أرقى و واقعا أعزّ و أرفع.

و في نفس الوقت الذي نشدّ فيه على الأيدي التي طرقت هذا الجانب- أي عملية إحياء التراث- من مؤسسات و مجامع و معاهد علمية و أفراد، وسعت لنشره بعد إجراء سلسلة من مراحل التصحيح و التحقيق و الطبع و تسهيل مهمة إيصاله بين أيدي القرّاء بالوفرة المطلوبة بعد ما كان مغمورا مخطوطا لا تتجاوز نسخه عدد الأصابع.

نؤكّد على ممارسة أعلى مراحل الدقة و الأمانة المقترنين بالالتزام الديني، لما لهذه

المميزات من أثر بارز في عرض تراث سليم يترجم الطموحات المرجوة على أحسن الوجوه و أكملها.

و لسنا في مقام التعريض أو المساس بهذا النتاج أو ذاك، بل غاية مقصودنا هو الدعوة إلى الاهتمام التام بالكيفية و النوعية، و أن لا تكون الوفرة و التسابق على حسابهما، فلا ضرورة- مثلا- في البدء بمشروع قطع الآخرون منه شوطا طويلا، فإنه لدينا من التراث المخزون ما يحتاج معه إلى سنين طوال لانجازه، فاللازم ان تنسّق كافة الجهات أعمالها بالنحو الذي يرتفع معه التكرار و إضاعة الوقت، و أن يتم تبادل الآراء و تلاقح الأفكار، كي لا تكون بضاعة مزجاة و تجارة قد تبور. و إلّا فكم من المصنّفات قد نالتها يد التحقيق و التصحيح و يا ليتها لم تنلها، و كم من غيرها ينتظر فرصة الظهور بشوق لا يوصف، لكنه شوق مشوب بالخوف من عاقبة ما آل إليها نظيره.

و بحكم التخصّص، فلا نرى بدّا من الميل بالبحث إلى علم الفقه من حيث الأهمية و المكانة. فهو أشرف العلوم و أفضلها، و قد وردت به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 10

الروايات المستفيضة الدالّة بوضوح على علوّ مرتبته و عظم منزلته، كيف لا؟! و هو برنامج الحياة المتكامل و الموجّه لكلّ الأفعال و الممارسات على النحو الصحيح.

و القوانين التشريعية التي صاغها الفقه الإسلامي تعدّ من أرقى القوانين التي تضمن سعادة الإنسان المطلقة و توفر له كامل حقوقه و تبين وظائفه من الواجبات و المنهيات و المباحات، بل و الوضعيات من الأحكام، بشكل يعطي لنظام الحياة رونقا خاصّا.

و لذا قد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال: «لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقوا» «1».

و قال عليه السلام

أيضا: «تفقّهوا في الدين فإنّه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي، إنّ اللّه يقول في كتابه لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «2»» «3».

و كذا قال عليه السلام: «عليكم بالتفقّه في دين اللّه و لا تكونوا إعرابا، فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة و لم يزكّ له عملا» «4».

و عنه أيضا: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدين» «5».

و عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه قال: «الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين» الخبر «6».

______________________________

(1) الكافي 1: 31- 8.

(2) التوبة: 122.

(3) الكافي 1: 31- 6.

(4) الكافي 1: 31- 7.

(5) الكافي 1: 32- 3.

(6) الكافي 1: 32- 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 11

و قد روت العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله: «من يرد اللّه به خيرا فقّهه في الدين» «1».

و غير ذلك من النصوص الدالّة على شرف الفقه و رفيع مكانته و مقدار أهميّته.

و الفقه الإمامي يمثّل الوجه الناصع و الانعكاس الحقيقي لما ورد في القرآن و السنة من مفاهيم و أحكام، فقد جاء عن الإمام الباقر عليه السّلام قوله: «يا جابر، لو كنّا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنّا من الهالكين، و لكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أصول علم عندنا نتوارثها كابرا عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضّتهم» «2».

و التصانيف الفقهيّة التي ألّفها علماء الشيعة الإماميّة- بمختلف الطرق و الأساليب- تعدّ النموذج الأرقى للفقه الإسلامي، و البرهان الساطع على علوّ كعب هذه الطائفة، سواء كان ذلك من حيث الكمّ أو الكيف، و لقد جدّت الخطى و

تآزرت الجهود و بذلت أقصى الإمكانيات لإظهار ما جادت به أقلام عباقرة العلم و المعرفة و الفكر و الفضيلة بلباس جديد مسبوقا بالتصحيح و التحقيق، مراعا فيه الذوق الرشيق و الفن المبتكر و الجاذبية العالية.

و لا يخفى على أهل الفن و الخبرة من المتخصصين و الباحثين و المحققين ما لمؤسسة آل البيت عليهم السلام من دور فعّال و نشاط ملموس و أكبار لمسؤولية إحياء تراث و نتاجات فقهاء مدرسة آل البيت عليهم السلام.

و قد شهد لها القريب و الداني من كل حدب و صوب أن عنوانها لم يكن

______________________________

(1) صحيح البخاري 1: 27، صحيح مسلم 3: 1524- 175، سنن ابن ماجه 1: 80 ب 13، موطإ مالك 2: 900- 8، سنن الترمذي 4: 137- 2783، مسند أحمد 1: 306.

(2) بصائر الدرجات 320- 4 ب 14، الاختصاص: 280 بتفاوت يسير، و عنهما في البحار 2 172- 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 12

مجرّد رؤية أو شعار، بل أثبتت على مستوى التطبيق و الإنجاز أنّها تتحسّس الضرورة و تؤمن إيمانا عميقا بالاهداف التي شيّدت لأجلها، فكان أنه جائت نتاجاتها رفيعة المستوي، متينة العرض، فريدة الأسلوب، حسنة الذوق، يهفو إليها الجميع. و هذا ما يعكس الهوية الحقيقية لها.

و يشغل الجانب الفقهي حيّزا واسعا و مهمّا من برنامج عملها، يلمس ذلك بوضوح ممّا صدر عنها من نتاج، و ما هو في طور الصدور أو قيد التحقيق. و هذا ما يؤكد حجم اهتمامها بلزوم رفع المستوي الفقهي عموما و على صعيد الحوزات العلمية خصوصا، و كذا إحساسها بعلوّ مرتبة الفقه و شرفه و منزلته.

و لعل السبب الأساس في نجاحها يعود و بفضل اللّه تبارك و تعالى إلى سلامة المنهجية التحقيقية

التي سلكتها في إنجاز أعمالها و هو ما نقصد به أسلوب العمل الجماعي.

و إن كانت المؤسسة قد استطاعت أن ترفد المكتبة الإسلامية بما تفتقره من آثار نفيسة- بعد ما علا عليها غبار الدهر و بنى- و بحلّة قشيبة، محققة، مصحّحة، تختزل عناء البحث و لوازمه، فإنّها و للّه الحمد تكون قد ترجمت أهدافها إلى واقع ملموس، مع أن الطموح يرقى يوما بعد آخر.

و أقلّ ما يقال: إنّ المؤسسة قد أحكمت القدم على طريق إحياء تراث آل البيت عليهم السلام.

نحن و الكتاب:

صنّف فقهاؤنا العظام الكثير في الفقه الاستدلالي، و لكلّ واحد من هذه الكتب سماته و مميّزاته، من متانة الاستدلال و الجامعية و كثرة التفريعات و نقل الأقوال و الإيجاز و غيرها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 13

و يمتاز كتاب مستند الشيعة بالإضافة إلى ذلك بالدقة البليغة و الأسلوب العميق، مع فرز جهات المسألة و جوانبها المختلفة و بيان تعارض الآراء و أسانيدها بالنقض أو الإبرام، كلّ ذلك ببضع أسطر أو صفحات.

و قد قال بعض الأعلام في مقدّمة الطبعة الحجرية من الكتاب ما نصّه:

لا يعادله كتاب في الجامعية و التمامية، لاشتماله على الأقوال، مع الإحاطة بأوجز مقال، من غير قيل و قال، و ارتجاله في الاستدلال، و ما به الإناطة بأخصر بيان و مثال، من دون خلل و إخلال، فلقد أجمل في الإيجاز و الإعجاز، و فصّل في الإجمال حقّ الامتياز، فهو بإجماله فصيل، و في تفصيله جميل، سيّما في كتاب القضاء، فقد اشتهر بين الفضلاء أنّه لم يكتب مثله.

ثمَّ إنّه لا يدع برهانا أو دليلا إلّا و استقرأه و استقصاه إثباتا لمختاره و مدّعاه، غير غافل عن التعرض لما تمسّك به للأقوال الأخرى من الوجوه

و الأسانيد خائضا فيها خوض البحر المتلاطم ناقضا عليها بألوان الوجوه و الحجج.

و لعل ما يكسب الكتاب قيمة و مكانة تفرّسه- رحمه اللّه- في سائر العلوم، كالفلك و الرياضيات، و ترى آثار هذه المقدرة الفذة بارزة في بحث القبلة و كتاب الفرائض و المواريث و غيرها من المباحث التي يشتمل عليها الكتاب.

و المشهور و المعروف عن مستند الشيعة أنّه اختصّ و امتاز بكثرة تفريعاته إلى غاية ما يمكن، و ذلك بعد تحقّق أصل المسألة عنده و إثبات مشروعيتها، و على سبيل المثال لا الحصر تراه في مبحث: أنّ نصف الخمس لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من أهله عليه السّلام دون غيرهم،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 14

يذكر أولا اعتبار السيادة أو عدمها، ثمَّ يعرّف السادة و يبيّن أدلّة استحقاقهم الخمس، ثمَّ يتناول كيفية النسبة إلى بني هاشم. هذا، مع أنّه يذكر لكلّ فقرة من فقرات البحث الأقوال المختلفة فيها مع ذكر أدلتها ثمَّ الإشكال و الردّ على المخالف منها و تدعيم و توجيه المختار.

و حكي عن الفقيه المتتبع آية اللّه العظمى السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي صاحب الأثر الجليل كتاب العروة الوثقى أنّه كان يراجع كتاب المستند في تفريعاته الفقهية، و يأمر تلامذته بالاستخراج منها.

هذا و يستفاد من مطاوي الكتاب عدّة مبان للمؤلّف، فإنّا نشير إليه لا بنحو الاستقصاء، بل هي شوارد جالت للبصر و في فترة كتابتنا للمقدّمة.

منها: انقلاب النسبة فيما كان التعارض بين أكثر من دليلين.

منها: أنّ الشهرة الفتوائيّة جابرة و كاسرة لسند الرواية.

منها: أنّ قاعدة التسامح تفيد الاستحباب و تجري حتى لفتوى الفقيه.

منها: أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.

منها: أنّ الجملة الخبريّة لا تفيد الوجوب و التحريم.

منها: ذهابه

إلى عدم اجتماع الأمر و النهي.

منها: أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين بعد فقدان المرجّح هو التخيير لا التساقط.

منها: عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي.

ترجمة المؤلّف:

اشاره

هو المولى أحمد بن المولى مهدي بن أبي ذرّ النراقي الكاشاني.

ولد في قرية نراق من قرى كاشان، في 14 من جمادى الآخرة سنة 1185 ه. ق، الموافق لسنة 1150 ه. ش، و قيل سنة 1186 ه. ق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 15

أخذ مقدّمات دروسه من النحو و الصرف و غيرهما في بلده، ثمَّ درس المنطق و الرياضيات و الفلك على أساتذة الفنّ حتى برع فيها و بلغ درجة عالية غبطة عليها زملاؤه.

ثمَّ قرأ الفقه و الأصول و الحكمة و الكلام و الفلسفة عند والده المولى مهدي النراقي كثيرا.

و قد امتاز من أوائل عمره الشريف بحدة الذهن النقّاد و الذكاء الوقّاد، و هذا ما أعانه في تسلّمه مراحل الفضل و العلم بالسرعة المذهلة.

ألقى دروسه في «المعالم» و «المطوّل»، مرات عديدة، و كان يجمع بغيرته الكاملة مستعدي الطلّاب، و في ضمن التدريس لهم يلتقط من ملتقطاتهم ما رام، و يأخذ من أفواههم ما لم يقصدوا فيه الإفهام إلى أن بلغ من العلم ما أراد وفاق كل أستاذ ماهر.

رحل إلى العراق سنة 1205 ه، لغرض الزيارة و مواصلة الدراسة و التلمّذ على فقهاء الطائفة و زعماء الأمّة، فحضر في النجف مجلس درس السيد محمّد مهدي بحر العلوم و الشيخ جعفر كاشف الغطاء، و الفتوني كما قيل، و كان حضوره حضور المجدّ المثابر، حتى ارتوى من نمير منهلهم العذب بقدر ما أراد.

ثمَّ قصد كربلاء لغرض الاستفادة، و الاستزادة من نور العلم أكثر فأكثر، فحضر دروس السيّد على الطباطبائي صاحب الرياض و السيّد

ميرزا محمّد مهدي الشهرستاني، و حكى في «نجوم السماء» عن «الروضة البهية» قوله: سمعت أنّ ملّا أحمد كان يحضر درس أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني برفقة والده.

عاد إلى كاشان: فانتهت إليه الرئاسة بعد وفاة والده سنة 1209 ه-، و حصلت له المرجعية، و كثر إقبال الناس عليه و صار من أجلّة العلماء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 16

و مشاهير الفقهاء.

و أقوى دليل و أسطع برهان على مكانته العلمية و شهرته الطائلة أن الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري رحل إليه للحضور عليه و الإفادة منه.

غادر بلده مرة أخرى قاصدا العراق، و ذلك في سنة 1211 ه- لغرض الزيارة و الاتصال بالشخصيات العلمية هناك.

هذا، و من جملة صفاته أنّه كان- قدّس سرّه- وقورا غيورا صاحب شفقة على الرعيّة و الضعفاء و همّة عالية في كفاية مئوناتهم و تحمّل أعبائهم و زحماتهم.

و كان له من البنين ثلاثة، أشهرهم و أعظمهم ملّا محمّد، فقد كان عالما جليلا فاضلا نبيلا، صاحب تصنيف، توفي بكاشان سنة 1297 ه.

و الآخر ميرزا نصير الدين، له مصنّفات، منها شرحه على الكافي.

و الثالث ملّا محمّد جواد، و هو عالم فاضل تقي نقي، فقيه فطين، و كان لا يتوانى عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مواظبا على إقامة صلاة الجماعة، يطمئن الناس في الائتمام به، توفي سنة 1278 ه- عن عمر يناهز السادسة و الخمسين.

و من البنات واحدة، هي حليلة ملّا أحمد النطنزي، و من أبنائها الميرزا أبو تراب.

تلامذته:

و قد تلمّذ عليه الكثير من طلبة العلم و المعرفة، أعظمهم و أجلّهم و أشهرهم حجّة الحق شيخ الطائفة الأعظم الشيخ الأنصاري أعلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 17

اللّه مقامه الذي يروي عنه أيضا.

و من تلامذته

ابنه ملّا محمّد.

و ميرزا حبيب اللّه المعروف ب: ميرزا بابا، جدّ ملّا حبيب اللّه لأمه، صاحب «لباب الألقاب».

السيّد محمّد تقي البشت المشهدي.

و أخوه ميرزا أبو القاسم النراقي.

و ملّا محمّد حسن الجاسبي.

وفاته:

توفي رحمه اللّه تعالى في نراق احدى قرى كاشان اثر الوباء الذي اجتاح تلك البلاد آنذاك، غير انه لم يحصل القطع في تاريخها، إلّا ان الأقوى كونها في ليلة الأحد 23 ربيع الآخر عام 1245 ه- «1»، و يعضدها ما ذهب اليه تلميذه الملا محمّد حسين الجاسبي في قصيدته التي ارخ فيها عام وفاته، و التي يقول فيها:

أضحى فؤادي رهين الكرب و الألم

أضحى فؤادي أسير الداء و السقم.

تلك الضحى أورثت ما قد فجعت به

يا ليتها لم اصادفها و لم أدم.

لو حملت كربات قد أصبت به

مطية الفلك الدوار لم تقم.

ما ذاك إلّا لرزء قد نعيت به

للعالم العلم ابن العالم العلم.

علامة في فنون الفقه و الأدب

مجموعة الفضل و الأخلاق و الشيم.

مبدئ المناهج هادي الخلق مستند

الأنام في جمل الأحكام للأمم.

______________________________

(1) و قيل إنّه توفّي عام 1244 ه-، و قيل غير ذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 18

جزاه خيرا عن الإسلام شارعة

جزاء رب و في العهد بالذمم.

إلى أن قال:

قضى على الحقّ أعلى اللّه منزله

و أ يتم الناس من عرب و من عجم.

من النراق سرى صبح الفراق إلى

كل العراق صباحا غير منكتم.

بل عمّ أهل الولا هذا المصاب فما

لواحد منهم شمل بمنتظم.

لم يبق للخلق جيب لم يشقّ و لا

عمامة لحدوث الحادث العمم.

لا بل على ما روينا الدين ينثلم

لمثل ذاك فيا للدين من ثلم.

لي سلوة أنّ شمس العلم إن أفلت

بدت كواكب منها في دجى الظلم.

إن شئت تدري متى هذا المصاب جرى

و قد تحقق هذا الحادث الصمم.

عام مضى قبل عام الحزن

يظهر من

قولي (له غرف) تخلو من الألم.

فقد أرّخ الشاعر العام السابق لعام الحزن (عام الوفاة)، بقوله (عام مضى) و أنّ هذا (العام) يظهر من قوله (له غرف- تخلو من- الألم) حيث يكون الحساب الأوّلي للحروف العبارة (له غرف) 1315، و بطرح 71 لعبارة (الألم) يكون الباقي 1244، فيلحقه العام التالي (عام الحزن) و هو سنة وفاته، فيكون عام 1245 ه-، و هو ما ذهبنا إليه آنفا.

و حمل رحمه اللّه تعالى إلى النجف الأشرف حيث دفن في الصحن العلوي بجانب والده في الايوان جهة باب الطوسي من أبواب الحضرة الشريفة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 19

مؤلّفاته:

اشاره

قد صنّف المحقّق ملّا أحمد النراقيّ الكثير من الكتب الفقهيّة و الأصوليّة و الأخلاقيّة، طبع منها البعض و بقي الآخر ليرى النور، فإنّا نسجّل قائمة بأسمائها وفق ما جاء في كتاب الذريعة و غيره:

1: مناهج الأحكام في أصول الفقه «1»: في مجلّدين، و قد طبع بطهران سنة 1269 بعنوان (مناهج الأصول).

2: مفتاح الأحكام في أصول الفقه «2».

3: أساس الأحكام في تنقيح عمدة مسائل الأصول بالأحكام «3».

4: وسيلة النّجاة «4»: رسالتان كبيرة و صغيرة، و هما فتوائيتان عمليّتان فارسيّتان، الكبيرة في مجلّدين، و أورد فيها الضروريّات في الأعمال.

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة مدرسة المروي في طهران رقم 280 كتبت سنة 1229 و صححت سنة 1232 و اخرى في مكتبة سبهسالار رقم 894 كتبت سنة 1241 و ثالثة في مكتبة شاه چراغ في شيراز رقم 331 كتبت سنة 1246 و مخطوطة في مكتبة المرعشي رقم 6132 كتبت سنة 1242 و اخرى فيها رقم 7050 كتبت سنة 1251، مصححة و عليها تعليقات للمؤلف منقولة من خطه، و فيها اخرى رقم 8096 كتبت سنة

1256، و اخرى في جامعة طهران برقم 7640 و 7667- 2 و 7704- 2 و 8709. و منها نسخ في مكتبات اخرى.

(2) منه مخطوطة في مكتبة شاه چراغ في شيراز رقم 349 ربما هي بخط المؤلف، و اخرى في مكتبة مدرسة نمازي في خوي رقم 316 تاريخها سنة 1228 و في مكتبة المرعشي رقم 7147 م كتبت سنة 1228 و رقم 6322 م كتبت سنة 1249 و رقم 5193 كتبت سنة 1257، و اخرى في مكتبة جامعة طهران برقم 2926 و 973 كما في فهرستها ج 5: 1724.

(3) منه مخطوطة في مكتبة كلية الإلهيات في مشهد رقم 965 و في مكتبة الامام الرضا عليه السلام في مشهد، رقم 9623 كتبت سنة 1217 و منه مخطوطتان في المرعشية 4805 و 6428.

(4) منه مخطوطة في جامعة طهران برقم 9114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 20

5: سيف الأمّة و برهان الملّة «1»: فارسي، كتبه باسم السلطان فتح عليّ شاه القاجاري، مرتّبا على ثلاثة أبواب، و طبع بإيران سنة 1267 و سنة 1300 و سنة 1330. و هو في الردّ على البادري النصراني الذي أورد الشبهات على دين الإسلام. و كان من أفضل ثلاثة كتب صنّفت في هذا المورد.

6: عين الأصول، في أصول الفقه «2».

7: مشكلات العلوم، و قد جاء في الروضات بعنوان: (كتاب في مشكلات العلوم)، و هو غير مشكلات العلوم الذي لوالده، و غير الخزائن.

8: الخزائن «3»، فارسيّ بمنزلة التتميم و الذيل لمشكلات العلوم تأليف والده، و كلاهما مطبوعان، و الخزائن طبع مكرّرا منها سنة 1290، 1295، 1307، 1308، 1310، و 1380 ه.

9: شرح تجريد الأصول: شرح كبير في 7 مجلدات، مشتمل على جميع ما يتعلّق بعلم

الأصول، فرغ منه سنة 1222 ه.

10: عوائد الأيّام في مهمّات أدلّة الأحكام «4»، و قد طبع بإيران في سنة 1245 و 1266 ه-، و عليه بعض الحواشي للشيخ الأنصاري سنة 1321

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة البرلمان الايراني السابق رقم 2071 قوبلت و صححت بإشراف المؤلّف و فيها اخرى برقم 4982 م كتبت سنة 1243 في حياة المؤلف، و في جامعة طهران برقم 2720 و 930 كما هو مذكور في فهرستها ج 3: 584.

(2) فرغ منه المؤلّف 25 جمادى الآخرة سنة 1208 منه مخطوطة في مكتبة البرلمان السابق رقم 5538 من مخطوطات القرن 13.

(3) منه مخطوطة في جامعة طهران برقم 837 كما جاء في فهرستها 3: 258.

(4) منه مخطوطة في مكتبة جامعة طهران رقم 9337 كتبت سنة 1260 ذكرت في فهرسها 17- 350، و مخطوطة برقم 8688 و رقم 8- 1053 و في مكتبة المرعشي 7148 كتبت في عهد المؤلف و مصححة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 21

و طبع بالتصوير عليها أيضا.

11: هداية الشيعة «1»: في الفقه مختصرا، ذكره نقلا عن خطّه في لباب الألباب، فرغ المؤلّف من كتاب الصلاة 13 شهر رمضان 1234 ه.

12: معراج السعادة: فارسي «2» في الأخلاق، مأخوذ من كتاب والده:

(جامع السعادات)، و مرتّب على ترتيبه، و طبع بإيران مكرّرا، و توجد منه نسخ متعدّدة بإيران و العراق، و أقدم نسخة في النجف في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام العامة: كتابتها سنة 1238 ه-، و اخرى: كتابتها 1265 ه، في كليّة الإلهيّات بمشهد خراسان.

13: حجّية المظنّة: ذكر في فهرس تصانيفه.

14: أسرار الحجّ: فارسيّ في أسراره و حكمه الباطنيّة و آدابه و أعماله الظاهريّة من الأدعية و بعض الزيارات، طبع سنة 1321

ه.

15: رسالة في اجتماع الأمر و النهي.

16: طاقديس: مثنوي فارسي، لطيف في الحكم و المواعظ، و قد طبع في طهران و غيرها أكثر من عشر مرات من سنة 1271 إلى سنة 1374.

17: خلاصة المسائل: رسالة عمليّة فارسيّة في الطهارة و الصلاة أحال في أواخره إلى (تذكرة الأحباب) له.

18: الرسائل و المسائل: فارسيّ في أجوبة المسائل ينقل فيه عن

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة المرعشي رقم 125 كتبت سنة 1235 و عليها حواشي منه مد ظله و في مكتبة سبهسالار رقم 2224، و في جامعة طهران برقم 3- 4407.

(2) منه مخطوطة في مكتبة جامعة طهران رقم 6321 كتبت سنة 1264 ذكرت في فهرسها 16- 241 و اخرى في مكتبة سبهسالار رقم 5854 كتبت سنة 1275.

و قد طبع في طهران و تبريز و بمبئي أكثر من ثلاثين مرة أقدمها طبعة سنة 1265 و آخرها و أحسنها طبعة دار الهجرة في قم سنة 1413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 22

كتب والده و عن (كشف الغطاء) لأستاذه، و هو في مجلّدين.

أولهما: في الفروع التي سألها السلطان فتح علي شاه القاجار و غيره.

و ثانيهما: في بعض المسائل الأصوليّة و حلّ المشكلات، صرّح باسم الكتاب في أول المجلّد الثاني، نسخة كتابتها سنة 1230 ه-، في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في النجف.

19: ديوان شعره الكبير بالفارسية. و كان يتلقب في شعره (صفائي) و ذكر في الذريعة 9- 612 باسم ديوان صفائي نراقي و قال: ترجمه في ض (رياض العارفين و هو معجم الشعراء الفرس) ص 463 و في مع (مجمع الفصحاء و هو أيضا معجم الشعراء) 2- 33 و ذكر انه رأى ديوانه و نقل عنه قرب مائة بيت.

20: شرحه على

كتاب لأبيه في الحساب.

21: تذكرة الأحباب.

22: كتاب في التفسير.

23: لسان الغيب، و هو منظومة فارسية مطبوعة.

24: منظومة فارسية اخرى اسمها جهار صفر.

المستند و عملنا فيه:
نسخ الكتاب:

اعتمدنا في تحقيقنا للكتاب على المخطوطات التالية:

الأولى: نسخة مكتبة (ملك) برقم 1317، و هي من أول الطهارة إلى أواخر صلاة المسافر، كتبها مهدي بن محمّد حسين بن أبي طالب الاراني، فرغ منها في صفر 1253 ه و عليها تعليقات و تصحيحات لابن المصنّف الشيخ محمّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 23

الثانية: نسخة مكتبة (ملك) برقم 2240، من مطلق الكسب إلى آخر المواريث، نسخ بعضها مهدي بن محمّد حسين بن أبي طالب الاراني، فرغ منه في العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة 1258 ه-، و بعضها أبو القاسم بن حاج ملّا عبد الرحيم الكاشاني الاراني، فرغ منه في سنة 1258 ه.

الثالثة: نسخة مكتبة (ملك) برقم 1437، و هي من أول كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الحجّ، نسخها أبو القاسم بن حاج ملّا عبد الرحيم الكاشاني الاراني، فرغ منها في سنة 1248 ه.

و قد رمزنا لهذه النسخ بحرف «ق».

الرابعة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2231، و هي مشتملة على كتاب الصلاة بأكمله، نسخها رمضان علي بن دوست محمّد الكاشاني على نسخة الأصل في عهد المؤلّف، فرغ منها في 26 شعبان سنة 1235 ه.

الخامسة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2331، و هي من أول كتاب الزكاة إلى أواخر كتاب الحجّ، لم نشاهد عليها اسم الناسخ أو تاريخ النسخ.

السادسة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2330، و تشتمل على كتاب الفرائض و قسم من كتاب المطاعم و المشارب، بدون اسم الناسخ و تاريخ النسخ. و عليها بعض القرائن ما يفيد بأنّها كتبت في حياة المؤلّف، كما

هو المشاهد في التعليقات: منه دام مجده، دامت توفيقاته، مدّ ظلّه.

و قد رمزنا لهذه النسخ بحرف «س».

السابعة: نسخة مكتبة غرب في (همدان) من أول الطهارة إلى آخر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 24

الصلاة، كتبها مهدي بن محمّد حسين الاراني، فرغ منها في يوم السبت 5 ربيع الآخر سنة 1264 ه-، نسخا عن الأصل الذي بخطّ المصنّف.

و قد رمزنا لهذه النسخة بحرف «ه-».

الثامنة: نسخة مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي (قده)، برقم 5947، و هي من أول كتاب المطاعم و المشارب إلى آخر كتاب النكاح، كتبها المؤلّف (قده)، بخطّه الشريف، و قد فرغ منها في سنة 1242 ه. و أشرنا إليها بنسخة الأصل.

هذا، و قد استفدنا من النسختين الحجريتين المطبوعتين في سنة 1273 ه- و سنة 1335 ه-، حيث طبعت الأولى على نسخة المصنّف أمّا الثانية فقد صحّحها ثلّة من الأعلام، منهم: سماحة آية اللّه السيد أحمد الصفائي الخوانساري (قدّس سرّه)، و جعلناها نسخة تاسعة، و رمزنا لها بحرف «ح».

قال العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة (21: 15): أنّ نسخة المصنّف توجد عند السيّد محمّد المحيط الطباطبائي بطهران.

و إنّا على أثر اتّصالاتنا المتكرّرة بالأستاذ المذكور علمنا أنّ النسخة الموجودة عنده هي ليست المستند، بل جزء من كتاب شرائع الإسلام بخطّ النراقي، و لا يمكن إثبات ذلك للمولى النراقي، حيث يحتمل أن يكون ذلك نراقيّا آخر.

و عند ما تعسّر الحصول على نسخة المصنف في أغلب أبواب الكتاب انتهجنا أسلوب التلفيق بين النسخ لتحقيق نصّه.

منهجيّة التحقيق:

سلكت المؤسّسة في تحقيقها لهذا السفر الشريف أسلوب العمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 25

الجماعي، فكان أن انبثقت عدّة لجان لإنجازه، و هي كالتالي:

1- لجنة المقابلة: و مهمّتها مقابلة النسخ الخطّية

و ضبط الاختلافات الواردة بينها، كي يتسنى للجنة تقويم النصّ الوقوف عليها و تثبيت الراجح منها و الإشارة إلى المرجوح مع الحاجة.

و قد تألّفت من الاخوة الأماجد: محمّد الأنصاري، السيّد محمّد جواد الحسيني البغدادي، كما أنيطت به مهمّة صياغة الهامش أيضا.

2- لجنة التخريج: و مهمّتها تخريج الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة و الأقوال الفقهيّة عند الفريقين، و المفردات التي تحتاج إلى بيان لغوي، و سائر التخريجات المهمّة.

و كان منهجنا في تخريج الروايات كالتالي:

1- خرّجنا جميع روايات الكتاب، سواء المصرّح فيها باسم الراوي و المرويّ عنه، أم جاءت مجملة، كقوله (للموثّقة) أو (للصحيحة)، أو (للرواية) أو .. و ذلك على أوثق عدد ممكن من المصادر.

2- خرّجنا الروايات العاميّة من الصحاح و السنن، و ذلك بحسب الأهميّة.

3- الروايات المنسوبة إلى مصدر معيّن كما في (رواه في الكافي) أو (ما رواه الشيخ) خرّجناها من ذلك المصدر فقط، مع الإشارة إلى الوسائل أو المستدرك.

4- ضبطنا روايات المتن مع المصدر، و أشرنا إلى الاختلاف الموجود بينهما إن كان ضروريّا.

5- أشرنا إلى جملة (و الروايات فيه مستفيضة) أو (عليه الأخبار) و ما شابههما إلى الباب منه في الوسائل.

و أمّا الأقوال فكان منهجنا فيها كالتالي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 26

1- خرّجنا الأقوال المنسوبة إلى بعض فقهائنا القدماء الذين فقدت مصنّفاتهم، كالعماني و البصروي و الإسكافي و .. عن أول مصدر نقل عنهم، و غالبا ما يكون المختلف أو الذكرى أو المعتبر.

2- الأقوال المحكيّة عن الفقهاء أو الكتب، استخرجت من كتب المحكيّ عنه إن وجد، و إلّا فمن كتب الحاكي.

3- خرّجنا الإجماعات و الشهرات المنقولة.

4- خرّجنا غالبا كلّ (قيل) و (أجيب) و (استدلّ) و (ردّ) و (قول) و (مرّ) و (و

يأتي) و (بعض) و (بعض المحقّقين) و (بعض الأجلّة) و (و بعض مشايخنا الأخباريّين) و (بعض الأساطين) و (بعض مشايخنا المعاصرين) و (بعض المعاصرين) و (بعض سادة من مشايخنا) و ..

5- إذا ذكر اسم أحد العلماء بنحو الإطلاق مثل (قال العلّامة) أو (الشيخ) أو .. فخرّجناه من ثلاثة كتب من كتبه إن وجدت.

6- خرّجنا صيغة (قال به أكثر من واحد) من مصدرين أو أكثر.

7- خرّجنا للصيغ التالية (عامّة المتأخّرين) و (أكثر المتقدّمين) و (جمع من المتأخّرين) من ثلاثة كتب لثلاثة علماء من تلك الطبقة، أمّا (جماعة) و (جمع غفير) و .. فمن ثلاثة علماء من أعصار متفاوتة.

8- الأقوال المنسوبة إلى العامّة استخرجت من كتب أئمّتهم، و إلّا فمن كتب علماء ذلك المذهب و إلّا فمن بقيّة العامّة.

9- الأقوال المحكيّة عن بعض فقهاء العامّة خرّجناها من كتابه، و إن لم يوجد فمن كتب أهل مذهبه، و إلّا فمن كتب بقيّة العامّة الناقلين عنه.

10- أعطينا بعض الكلمات التي تحتاج إلى تفسير لغويّ معنى مناسبا لها، و أشرنا إلى المصدر اللغوي.

11- لم نشر إلى المصادر التي لم نحصل عليها، و لم نصرّح بأسماء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 27

الكتب إلّا في بعض الحالات.

12- أهملنا بعض التخريجات، و لم نترجم لإعلام الكتاب، و ذلك لقلّة الفائدة.

هذا، و قد واجهنا أثناء التخريج وجود حوالي عشرين رمزا مشتركا استفاد منها المصنّف (ره) في اختصار أسماء الكتب التي يتعرّض إليها خلال البحث، و استطعنا حلّها بواسطة القرائن و الشواهد و غيرهما.

و من تلك المشتركات:

1. رمز (عد) لقواعد الشهيد و العلّامة.

2. رمز (يه) للفقيه و نهاية الشيخ و نهاية العلّامة.

3. رمز (في) لكافي الكليني و لكافي الحلبي و الوافي.

كلّ ذلك مع ما

يختصّ به المؤلّف من اصطلاحات لم تعرف عند الآخرين، فإنّه يطلق على متأخّري المتأخّرين من الفقهاء اسم الثلاثة حيث قسّم طبقات الفقهاء إلى ثلاثة، و سمّى القدماء بالأولى و المتأخّرين بالثانية و متأخّرين المتأخّرين بالثالثة، و هذا غالبا ما يختلط بالمسائل فيحتاج إلى دقّة في التمييز بين كونه للمسائل أو للطبقة.

و كذا يصطلح الأولين و الثانيين، و يريد بالأولين: الشهيد الأول و المحقّق الأول، و الثانيين: الشهيد الثاني و المحقّق الثاني، و يشذّ في حين آخر عن الاصطلاح العامّ للفقهاء، فإنّه مثلا: يريد بالحلبيّين علاء الدين و ابن زهرة، و هذا خلاف ما هو معروف عند الفقهاء حيث يطلق على أبي الصلاح و ابن زهرة، أو يسمّي كتاب فقه القرآن للراوندي بالأحكام، في حين أنّ الأحكام قد اختلف في كونه فقه القرآن أم أنّه كتاب آخر له. و غيرها الكثير من الاصطلاحات.

و قد عمل في هذه اللجنة أصحاب السماحة حجج الإسلام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 28

الشيخ محمّد علي زينلي، الشيخ مجتبى فرحناكي، الشيخ محمّد حسين أميني، الشيخ محمّد صبحي، الشيخ علي مقنّي، الشيخ رمضان علي ضيائي.

و الاخوة الأفاضل: عبد الرضا مجيد الروازق، السيّد عبد العزيز كريمي، عبد الحسين الحسّون، السيد طالب الموسوي، السيّد محمّد النيشابوري، عبّود أحمد النجفي.

3- لجنة تقويم النصّ:

و هي من أهمّ مراحل تحقيق المخطوطات، حيث يتمّ بها تجريد النصّ من الأخطاء العلميّة و النحويّة و الإمائيّة، و تقديم نصّ مضبوط سالم من الإغلاق و الإبهام، مع التعليق على الموارد الغامضة و بيانها، و غير ذلك، و قد قام بمهمّتها أصحاب الفضيلة الأعلام حجج الإسلام:

الشيخ علي مرواريد، الشيخ محمّد بهره مند، الشيخ محسن قديري، الشيخ عبّاس تبريزيان، و الأخ كريم الأنصاري.

4- الملاحظة

النهائية:

و هي لتفادي ما قد يكون حدث من سهو أو نسيان في المراحل السابقة، أو لزوم إضافة بعض الاستدراكات أو التعديلات على الكتاب متنا و هامشا.

و قد قام بهذه المهمّة سماحة حجّة الإسلام و المسلمين العلّامة الشيخ مهدي مرواريد.

و لا يفوتنا إلّا ان نتقدم بالشكر و الثناء الكبيرين لأصحاب السماحة آيات اللّه:

الشيخ محمّد صادق السعيدي الكاشمري، الشيخ مصطفى الاشرفي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 29

الشاهرودي، الشيخ محمد إسماعيل فقيه المحقق، لما بذلوه من جهد جهيد في مراجعة الكتاب و تدقيقه.

كما و نخصّ بالشكر سماحة حجة الإسلام الشيخ علي السيّاح لمشاركته في متابعة عمل اللجان و التنسيق بينها و إدارتها.

سائلين المولى القدير دوام اللطف و العناية لأجل مواصلة الدرب و تقديم المزيد، إنّه سميع مجيب.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطيبين المعصومين.

مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التّراث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 31

مصادر ترجمة المؤلف:

و له- أعلى اللّه مقامه- ذكر و ترجمة في:

1: الإسناد المصفى: 7.

2: أعلام الزركلي 1: 260 و وقع فيه خطأ في نسبته، فذكر الزاقي- بالزاي- بدل النراقي، و تبعه في هذا الخطأ كحاله في معجم المؤلفين.

3: أعيان الشيعة 3: 183.

4: إيضاح المكنون 1: 331 و 2: 20، 130، 478، 523، 563.

5: تاريخ ادبيّات ايران (تأليف دكتر رضا زاده شفق): 201.

6: تاريخ ادبيّات ايران: 4: 286.

7: تاريخ اجتماعى كاشان: 161 و 245 و 248 و 283 و 289.

8: تاريخ سياسى و ديبلماسى ايران، انتشارات دانشكاه ج 1 و 2: 200 و 206 و 211 و مقدّمة ج 2.

9: الذريعة 1: 145 و 267 و 371، 2: 4، 43، 4:

364، 5:

58، 6: 151 و 376، 7: 152، 9: 612، 11: 12 و 13 و 212، 12:

181، 286، 13: 138 و 172 و 195 و 286، 14: 55 و 253، 15:

134 و 208 و 354، 16: 203، 17: 140، 18: 309، 19: 155 و 238 و 275، 21: 13 و 14 و 66 و 151 و 229 و 315 و 317 و 385 و 392، 22: 340 و 350، 23: 16 و 152، 25: 85 و 177 و 287، 26: 86 و 109 و 266 و 290 و 315.

10: روضات الجنات 1: 95- 99 رقم 23.

11: الروضة البهية: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 32

12: رياض العارفين: 463- 465.

13: ريحانة الأدب 4: 183- 186.

14: زندگانى و شخصيت شيخ انصارى: 162- 165.

15: سير فرهنك در ايران و مغرب زمين ص 567 و 572.

16: طرائف المقال 1: 57.

17: الفهرس الألفبائي لمكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد:

41 و 90 و 314 و 315 و 392 و 413 و 555 و 603 و 674.

18: الفوائد الرضوية: 41.

19: قصص العلماء: 103.

20: الكرام البررة 1: 116- 117.

21: لباب الألقاب: 94- 97.

22: لغت نامه- حرف الالف- 1372 و 1467 و ج 20: 419.

23: مئاثر سلطانية: 146.

24: مجمع الفصحاء 2: 330.

25: مرآة الأحوال 1: 235.

26: مرآة قاسان- تاريخ كاشان:

27: مستدرك الوسائل 3: 383.

28: مصفى المقال: 72- 73.

29: معجم مؤلفي الشيعة: 415- 416.

30: معجم المؤلفين 2: 185 و لكنه ضبطه صحيحا في ص 162 منه.

31: مقتبس الأثر 3: 270.

32: راجع: مقدمة جامع السعادات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 33

33: الخزائن مقدمة طبعة علي أكبر غفاري.

34: مقدمة كتاب طاقديس لحسن نراقى.

35: مقدمة

كتاب قرة العيون.

36: مكارم الآثار: 1235- 1242.

37: وحيد بهبهاني: 209، 227.

38: هدية الأحباب: 180.

39: نجوم السماء: 343.

40: نخبة المقال: 233- 234.

41: نقش روحانيت پيشرو در جنبش مشروطيت ص 144- 148.

42: مقدمة معراج السعادة، طبعة قم سنة 1413 ه- للشيخ محمّد نقدي.

43: مجلة ارمغان الطهرانية، العدد السابع ص 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 3

[خطبة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه على كثير نواله، و الشكر له على إنعامه و إفضاله، و الصلاة على سيّدنا محمّد مبيّن حرامه و حلاله، و على المعصومين من عترته و آله.

و بعد، يقول المحتاج إلى عفو ربه الباقي، أحمد بن محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي:

هذا كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، جعلته تذكرة لنفسي، و ذخيرة ليوم فاقتي و فقري، مقتصرا فيه من المسائل على أهمّها، و من الدلائل على أتمّها، و ما اقتفيت فيه أثر أكثر من تقدّم عليّ من بيان المسائل الغير المهمّة، و إيراد الفروع الشاذّة النادرة. و احترزت عن الاشتغال بوجوه النقض و الإبرام، و الإكثار فيما لا اعتناء بشأنه و لا اهتمام. و تركت فيه ذكر المؤيّدات الباردة، و ردّ القياسات الضعيفة الفاسدة، بل أوردت فيه أمّهات المسائل الشرعية، و أودعت فيه مهمات الأحكام الفرعية. و ذكرت عند كل مسألة من المسائل، ما ثبت عندي حجيته من الدلائل، و لم أتجشّم في المسائل الوفاقية غالبا لعدّ النصوص و الأخبار، و طلبت في كل حال ما هو أقرب إلى الإيجاز و الاختصار. و طويت عن ذكر المروي عنه في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 4

الأخبار، لعدم حاجة إليه و لا افتقار.

و رمزت إلى فقهائنا الأطياب، بما هو أقرب إلى الأدب و أبعد من الإطناب،

و إلى كتبهم المشهورة بطائفة من أوائل حروفها منضمة معها لام التعريف، أو أواخرها بدونها، و ربما عبرت عن بعضها بتمام اسمه حسب ما يقتضيه المقام. و من اللّه استمدّ في الإتمام، فإنّه جدير ببذل هذا الإنعام، و إليه أبتهل للتوفيق، و هو حسبي و نعم الوكيل.

و رتبته على كتب ذوات مقاصد، و أبواب، و مطالب، و فصول، و أبحاث، و مسائل، و فروع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 5

كتاب الطهارة

اشاره

و لانقسامها إلى الطهارة من الخبث و الحدث، و توقّفهما غالبا على المياه التي لها أقسام، و لكل قسم أحكام، جعلته مرتّبا على ثلاثة مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 7

المقصد الأوّل: في المياه

اشاره

و ينقسم إلى المطلق و المضاف فهاهنا بابان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 9

الباب الأوّل: في المطلق

اشاره

و ينقسم باختلاف الأحكام، إلى الجاري، و المطر، و ماء الحمّام، و الواقف، و البئر، و المستعمل، و المشتبه، و السؤر، نذكرها مع نبذة من متفرقات [1] مسائل المياه في عشرة فصول:

______________________________

[1] في «ه» و «ح»: متفرّقات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 11

الفصل الأوّل: الماء المطلق
اشاره

ما يصح إطلاق الاسم عليه عرفا، و بعبارة أخرى: كل ما [1] لا يلزم تقييده في العرف، و بثالثة: ما لا يخطّئ أهل الاستعمال من أطلق الاسم عليه من دون قيد.

و له أحكام نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: [الماء] [2] كلّه طاهر في أصل الخلقة
اشاره

بالأصل و الإجماع و الكتاب و السنّة، و مطهر من الحدث و الخبث بالثلاثة الأخيرة. و تنجسه مطلقا، بتغير ريحه أو طعمه أو لونه بالنجاسة، إجماعي، و حكاية الإجماع عليه متكررة «3» و الأخبار فيه مستفيضة:

فتدل على النجاسة بالأول: صحيحة ابن سنان: عن غدير أتوه و فيه جيفة، فقال: «إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ» «4».

و بالثانيين: صحيحة القمّاط: في الماء يمرّ به الرجل و هو نقيع «5» فيه الميتة الحيفة، فقال: «إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه» «6».

و صحيحة حريز: «كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ منه و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «7».

______________________________

[1] في «ه» و «ح»: ماء.

[2] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(3) انظر المعتبر 1: 40، المنتهى 1: 5، الرياض 1: 2.

(4) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 4، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.

(5) النقيع: الماء الراكد الذي طال مكثه- العين 1: 171.

(6) التهذيب 1: 40- 112، الاستبصار 1: 9- 10، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.

(7) التهذيب 1: 216- 625 و فيه: أو تغيّر، الاستبصار 1: 12- 19، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1، و رواها في الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 3 عن حريز عمّن أخبره.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 12

و بالثالث: رواية ابن الفضيل: عن الحياض يبال فيها، قال: «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» «1».

و بالطرفين: الصحيح المروي في البصائر: «جئت لتسأل عن الماء الراكد في البئر قال: فإذا لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة- قلت: فما التغيير؟ قال:

الصفرة- فتوضأ منه، و كلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر» «2».

و اختصاص السؤال بالراكد من البئر بعد عموم الجواب غير ضائر.

و بالثلاثة رواية أبي بصير: «عن الماء النقيع تبول فيه الدواب، فقال: إن تغير الماء فلا تتوضأ منه، و إن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه، و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه» «3».

و النبوي المتواتر بتصريح العماني «4»، المتفق على روايته بشهادة الحلّي «5»:

«خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء، إلّا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته» «6».

و المرتضوي المروي في الدعائم: «و ليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه، طعمه و لونه و ريحه» «7».

و فيه أيضا: «فإن كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا تشرب منه و لا تتوضأ و لا تتطهر منه» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 415- 1311، الاستبصار 1: 22- 53، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.

(2) بصائر الدرجات: 238- 13، الوسائل 1: 161 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 11 و فيه بتفاوت.

(3) التهذيب 1: 40: 111، الاستبصار 1: 9- 9، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

(4) نقل عنه في المختلف: 2.

(5) السرائر 1: 64.

(6) بدائع الصنائع 1: 71، و ورد مؤداه في: سنن ابن ماجه 1: 174، سنن الدارقطني 1: 28، كنز العمال 9: 395.

(7) الدعائم 1:

111، البحار 77: 20- 13، المستدرك 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 (بتفاوت يسير).

(8) الدعائم 1: 112، المستدرك 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 13

و الرضوي: «و كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات، إلّا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه و طعمه و رائحته» «1».

و تعارض بعضها مع بعض مفهوما أو منطوقا غير ضائر، لكونه على سبيل العموم و الخصوص مطلقا، فيخصّص العام.

و بما مر ظهر ضعف ما قيل من أنّ الأخبار الخاصيّة أو المعتبرة منها خالية عن ذكر اللون «2»، مع أنّ غيرها أيضا يكفي في المحل، لانجباره بالعمل.

نعم لا عبرة بالتغير في غير الثلاثة إجماعا، للأصل و العمومات و اختصاص غير رواية أبي بصير من أدلة التنجيس بالثلاثة، و هي و إن عمت و لكنها بالبواقي مخصوصة.

فروع:
الأوّل: المعتبر في التغيّر بالثلاثة

هل هو حصول كيفية النجاسة، أو يكفي التغيير بسببها و إن كان بحصول كيفية ثالثة؟ مقتضى الإطلاقات المتقدمة هو الثاني، فعليه الفتوى.

الثّاني: إذا تغيّر بأحد أوصاف المتنجس

، فإن غيّره بوصف النجاسة ينجس إجماعا، و إلا فلا على الأظهر الأشهر، للأصل و الاستصحاب، خلافا للمحكي عن ظواهر المبسوط و المعتبر و السرائر «3»، لاستصحاب نجاسة المتنجس، و اتحاده مع النجاسة [1] في التنجيس، و عموم النبوي، و أحد المرتضويين، و صحيحة القمّاط، و رواية أبي بصير.

و يضعف الأوّل: بمعارضته باستصحاب طهارة الماء. و قيل بتغيّر الموضوع أيضا، لفرض إطلاق الماء. و فيه نظر.

______________________________

[1] في «ه-»: النجس.

______________________________

(1) فقه الرضا: 91، المستدرك 1: 189 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.

(2) المدارك 1: 57، الذخيرة: 116، مشارق الشموس: 203.

(3) المبسوط 1: 5، المعتبر 1: 40، السرائر 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 14

و الثاني: بمنعه إن أريد الكلية، و عدم الفائدة إن أريد في الجملة.

و الثالثان: بمنع إفادتهما العموم، لكون لفظة «ما» الموصولة في منطوق أحدهما، و الشي ء في مفهوم الآخر، نكرة في سياق الإثبات.

و الأخيران: بظهورهما في الميتة و البول، مع أنّ قوله: «لا تشرب و لا تتوضّأ» فيهما للنفي محتمل، فيكون قاصرا عن إفادة النجاسة، لعدم ثبوت كون الإخبار في مقام الإنشاء مفيدا للحرمة.

الثّالث: المعتبر في التغيّر: الحسي

، وفاقا للمعظم، للأصل و الاستصحاب و العمومات المتقدمة الحاصرة للتنجيس بالتغيّر الذي هو حقيقة في الحسي، للتبادر و صحة السلب بدونه.

و خلافا للفاضل «1»، و ولده «2»، و الكركي «3»، و المحكي عن الموجز «4»، و استقر به بعض المتأخرين «5»، فاكتفوا بالتقديري، لكون التغيير حقيقة في النفس الأمري، و هو في التقديري موجود. و كون سبب التنجيس غلبة النجاسة، و الإناطة بالتغيّر لدلالته عليها، و هي هنا متحقّقة. و إفضاء عدم الاكتفاء به إلى جواز الاستعمال مع زيادة النجاسة أضعافا.

و يجاب عن الأول: بمنع

وجود التغيير النفس الأمري، فإنّه ما تبدل الوصف في الخارج.

و عن الثّاني: بمنع سببية مطلق الغلبة، و لذا ينجس بما كانت رائحته مثلا أشدّ بأقل مما كانت أخف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 8، القواعد 1: 4، و حكاه في المدارك 1: 29 و مفتاح الكرامة 1: 67 عن المختلف و لم نجده فيه و ذكر في المقابس: 57 أن النسبة سهو.

(2) الإيضاح 1: 16.

(3) جامع المقاصد 1: 118.

(4) حكاه عنه في الحدائق 1: 183.

(5) الحبل المتين: 106، و حكاه في مفتاح الكرامة 1: 67 عن مجمع الفوائد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 15

و عن الثالث: بمنع الإفضاء إن أريد زيادتها بحيث يستهلكه، و تسليم الجواز إن أريد غيره.

ثمَّ الظاهر عدم الفرق في عدم اعتبار التقديري [1] بين ما إذا كانت النجاسة مسلوبة الأوصاف، أو عرض للماء مانع عن ظهور التغير مخالف للنجاسة في الوصف، أو موافق لها.

و الأكثر في الثاني على النجاسة، محتجا بتحقق التغير و إن كان مستورا عن الحس.

و فيه: أنّه إن أريد تغيّر الماء المعروض لهذا المانع فتحققه ممنوع، و إن أريد تغيره لولاه فهو تقديري غير معتبر.

و عدم صلاحية المانع لدفع النجاسة أو سببها محض استبعاد.

قيل: لو سلب المانع، لكان الماء متغيّرا، و لو لا تحقّقه أو لا لما كان كذلك قلنا: لو سلب لتغير الماء لا أن يظهر كونه متغيّرا.

[نعم يشترط في الطهارة على جميع الصور بقاء الإطلاق ] [2] و عدم (حصول) [3] الاستهلاك، و إلّا فينجس قولا واحدا.

و لو فقد الإطلاق خاصة فهل تزول الطهارة؟ الظاهر نعم، لزوال استصحاب الطهارة باستصحاب النجاسة، فإنّ ما يستصحب طهارته لخروجه عن الإطلاق لا يصلح للتطهير، بخلاف ما تستصحب نجاسته، فإنّه يوجب التنجيس.

المسألة الثانية: تطهّر الماء النجس

مطلقا

غير البئر بالكثير و الجاري و ماء المطر، بعد زوال التغيّر إن كان متغيّرا و إلّا فمطلقا، إجماعي، و نقل الإجماع عليه متكرر،

______________________________

[1] في «ق» و «ه-»: التقدير.

[2] في «ه» و «ق» و «ح»: نعم يشترط الطهارة في جميع الصور على بقاء الإطلاق. و هي غير مستقيمة و صححناها على النحو المذكور.

[3] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 16

و هو دليل عليه، مع قوله عليه السّلام في مرسلة الكاهلي: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و اختصاصه بالمطر بعد ضمّ الإجماع المركب لا يضر.

و قوله عليه السّلام: «ماء النهر يطهّر بعضه بعضا» «2».

و كذا البئر على الأصح (للروايتين) [1].

و في اشتراط الممازجة و عدمه قولان: الأول- و هو الأقوى- للتذكرة «4».

و الأولين «5»، و الثاني للنهاية و التحرير «6» و الثانيين «7».

لنا: أصالة عدم المطهرية، و استصحاب النجاسة. و كون مجرد الاتصال رافعا غير ثابت، و المرسلة لإثباته قاصرة، إذ غير ما مزج معه لم يره، و طهارة بعض من ماء دون بعض ممكنة، فطهارة السطح الفوقاني لتطهير ما سواء غير مستلزمة.

و تطهير ماء النهر بعضه بعضا لا يفيد العموم، فإنّ تطهير ماء النهر بعضه بعضا لا يفيد أزيد من أنّه يطهره، أما أنّ تطهيره إياه هل بالملاقاة أو الممازجة أو بهما؟ فلا دلالة عليه.

للمخالف: كفاية الاتصال في الدفع فيكفي للرفع.

و امتناع الممازجة الحقيقية فتكفي العرفية- أي ملاقاة بعض الأجزاء للبعض- فالبعض الآخر يطهر بالاتصال فيكون مطهرا مطلقا.

و استحالة المداخلة فلا يوجد [2] سوى الاتصال.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] في «ح»: فلا يوجب.

______________________________

(1) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح

5.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7. بتفاوت يسير.

(4) التذكرة 1: 4.

(5) يعني المحقق الأول في المعتبر 1: 50، و الشهيد الأول في الدروس 1: 121، و الذكرى: 9.

(6) نهاية الاحكام 1: 232، التحرير 1: 4.

(7) يعني المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 137 و الشهيد الثاني في الروضة 1: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 17

و طهارة المتصل بالملاقاة لطهورية الماء، فيطهّر ما يتصل به أيضا.

و استلزام الاتصال للامتزاج في الجملة، فيطهر بعض النجس، و هو لامتزاجه بما يليه يطهّره، و هكذا ..

و عدم اختلاف حكم المتصلين من أجزاء الكر و النجس لامتزاجهما لا محالة، فأمّا تنجس أجزاء الطاهر أو تطهر أجزاء النجس، و الأول باطل، فتعين الثاني، فننقل الكلام إلى ما يلي الأجزاء المطهرة، و هكذا ..

و يجاب عن الأول: بكونه قياسا مع تغاير حكمي الأصل و الفرع.

و عن الثاني: بأنّه لا يلزم من ترتب حكم على الاتصال مع الامتزاج العرفي ترتّبه عليه بدونه، لجواز مدخلية ملاقاة أكثر الأجزاء.

و منه يظهر الجواب عن الثالث.

و عن الرابع: بمنع عموم طهورية الماء.

و عن الخامس: بمنع امتزاج الأجزاء المتصلة، و مغايرته- مع التسليم- للامتزاج الذي وقع الإجماع عليه.

و عن السادس: بالمعارضة بالزائد على الكر المتغير بعضه الزائد بالنجاسة.

و منع امتزاج المتصلين هنا اعتراف بانفكاكه عن الاتصال، فيحتمل في محل النزاع. مضافا إلى منع عدم جواز اختلاف حكم الممتزجين.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر اشتراط الدفعة العرفية في إلقاء الكر، كما هو مذهب المحقق في الشرائع «1»، و الفاضل في جملة من كتبه «2»، و هو المشهور بين المتأخرين.

و لا يكفي إلقاء الكر تدريجا مع اتصال

أجزائه، كالذكرى «3» و والدي في اللوامع.

و صدق الوحدة لا يفيد، لأن الثابت عليتها للدفع دون الرفع.

______________________________

(1) الشرائع 1: 12.

(2) قواعد الأحكام 1: 5، التذكرة 1: 3، المختلف 1: 3، التحرير 1: 4.

(3) الذكرى: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 18

و التفصيل باعتبار الدفعة على القول باشتراط مساواة السطوح في تقوّي بعض أجزاء الماء بالبعض، و عدمه على القول بعدمه- كما في المعالم «1»- ضعيف من وجوه.

و هذا الشرط إنّما هو في الكر دون أخويه، للإجماع، و لأنه لا يتصور الدفعة فيهما.

و المراد بالجاري هنا هو النابع، لأنّه مورد الإجماع، و لأنّه الظاهر من ماء النهر.

و لا يبعد اشتراط مساواة السطوح أو علوّ المطهّر، عند التطهير بالجاري، اقتصارا على موضع الوفاق.

المسألة الثالثة: الحقّ عدم تنجس الماء مطلقا

، قليلا كان أم كثيرا، جاريا أم راكدا، بالورود على النجاسة، كما يأتي بيانه في بحث القليل «2».

______________________________

(1) المعالم: 21.

(2) في ص: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 19

الفصل الثاني: في الجاري
اشاره

و هو- لغة-: ماء يجري على الأرض مطلقا، سواء كان نابعا أم لا. بل و كذلك في العرف العام و الشرعي، لصدقه على ما لا نبع فيه من الشطوط المذابة من الثلوج، و السيول، و المياه المجتمعة في موضع الجارية بعده.

و في العرف الخاص للفقهاء: النابع غير البئر، إما بشرط الجريان على الأرض كبعضهم «1»، أو بدونه كآخر «2».

و هنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: الجاري النابع لا ينجس بالملاقاة إجماعا

، إن كان كرّا، للأصل و الاستصحاب و الأخبار الخالية عن المعارض. «3»

و إلّا فعلى الأشهر الأظهر، و عليه الإجماع في الغنية و المعتبر و شرح القواعد «4»، بل عن ظاهر الخلاف «5» أيضا، و في الذكرى: لم نقف على مخالف في ذلك ممّن سلف «6»، لما مر من الأصلين المؤيدين بالمحكي من الإجماع.

مضافا إلى عمومات طهارة كل ماء لم يعلم نجاسته، كالأخبار الثلاثة للحمادين «7» و اللؤلؤي «8».

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 26.

(2) الذخيرة: 116.

(3) راجع الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المعتبر 1: 41، جامع المقاصد 1: 111.

(5) الخلاف 1: 195.

(6) الذكرى: 8.

(7) الكافي 3: 1 الطهارة ب 1 ح 3، التهذيب 1: 215، 216- 620، 621، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.

(8) الكافي 3: 1 الطهارة ب 1 ح 2، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ملحق بحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 20

أو غير متغير، أو غالب على النجاسة كما تقدم «1».

أو ملاق لها، كخبر ابن مسكان أو صحيحته: عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب و السنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، يتوضأ منه أو يغتسل؟

قال: «نعم» «2».

و خبر سماعة: عن الرجل

يمر بالميتة في الماء، قال: «يتوضأ من الناحية التي ليس فيها الميتة» «3».

و المروي في الدعائم: عن الماء ترده السباع و الكلاب و البهائم، فقال: «لها ما أخذت بأفواهها و لكم ما بقي» «4».

أو كل ماء جار مطلقا أو ملاق للنجاسة، كالمرويين في نوادر الراوندي:

أحدهما: «الماء الجاري لا ينجسه شي ء» «5».

و الآخر: «الماء يمر بالجيف و العذرة و الدم، يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجّسه شي ء» «6».

و الرضوي: «كل ماء جار لا ينجسه شي ء» «7».

أو مع عدم التغير، كالمروي في الدعائم: «الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم، يتوضأ منه و يشرب، و ليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه: طعمه و لونه و ريحه» «8».

أو كل ماء قليل، كخبر ابن ميسر: عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل

______________________________

(1) في ص 11- 12.

(2) التهذيب 1: 226- 649، الوسائل 1: 228 أبواب الأسئار ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 1: 408- 1285، الاستبصار 1: 21- 51، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 5.

(4) الدعائم 1: 113 المستدرك 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

(5) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

(7) فقه الرضا: 91، المستدرك 1: 192 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 6.

(8) الدعائم 1: 111، المستدرك 1: 188، أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 و فيه بتفاوت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 21

في الطريق، و يريد أن يغتسل منه، و ليس معه إناء يغترف به، و يداه قذرتان، قال: «يضع يده و يتوضأ و يغتسل» «1».

و عدم

ثبوت الحقيقة الشرعية في القليل لا يضر الشمول.

و يؤيده: الأخبار المصرحة بأن ماء الحمام كماء النهر أو الجاري «2»، أو بمنزلته «3»، أو سبيله سبيله «4».

و لا يضر ضعف سند بعض هذه الروايات، لانجبارها بالعمل و اعتضادها بحكايات الإجماع.

و الاستدلال بصحيحتي ابن بزيع: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء، إلّا أن يتغير» «5»، و زيد في إحداهما: «ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه، لأنّ له مادة» «6» حيث إن العلة موجودة في المورد أيضا، و صحيحة الفضيل: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الراكد» «7» مردود.

أمّا الأول: فلجواز أن يكون التعليل لما يفهم من الأمر بالنزح من التطهير

______________________________

(1) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 2، التهذيب 1: 149- 425، الاستبصار 1: 128- 436، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5. و في الاستبصار يرويها عن (محمد بن عيسى) بدل (محمد بن ميسر) و الظاهر أنه مصحف كما نبه عليه في معجم الرجال 17: 290 و يظهر من جامع الأحاديث 2: 26 اختلاف نسخ الاستبصار، فراجع.

(2) الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

(3) الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.

(4) المستدرك 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 2، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 10.

(6) الاستبصار 1: 33- 87، الوسائل 1: 172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 6.

(7) التهذيب 1: 31- 87، الاستبصار 1: 13- 23، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1. استدلّ بالصحيحة الاولى في المدارك

و المعالم و بالصحيحة الثانية في المدارك و تنظّر فيه. راجع: المدارك 1: 31- 32، المعالم: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 22

بزوال التغير، حيث إنه بإطلاقه لا يوجب التطهر، لا لعدم الإفساد، أو الحكمين.

و التمسك بالأولوية- حيث إنّ المادة لو صلحت للرفع فصلوحها للدفع و المنع أولى- ضعيف، لمنع الأولوية.

مع أنّه يمكن أن يكون تعليلا لذهاب الريح و طيب الطعم بالنزح، حيث إنّ مجرد النزح لا يستلزم ذلك، و ليس ذلك معلوما، إذ ما ليس له مادة ربما لم يزل تغيره بالنزح إلى أن لا يبقى منه شي ء، فترتبه على النزح كليا إنما هو مع وجود المادة.

و أما الثاني: فلأنّ عدم البأس في البول لا يستلزم عدم التنجس.

خلافا للمحكي عن جمل السيد [1]، و الفاضل في أكثر كتبه، و منها:

المنتهى «2»، و نفيه [2] عنه اشتباه، و أسنده في الروضة «4» إلى جماعة و مال إليه، و في الروض «5» إلى جملة من المتأخرين، و تردد فيه بعض من تأخّر «6».

لما دل على تنجس كل ماء بالملاقاة، كموثقتي الساباطي، إحداهما: «كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا

______________________________

[1] جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 22، و حكاه في كشف اللثام 1: 25، مفتاح الكرامة 1: 62 عن ظاهر جمل السيد، و منشأ الاستظهار أنه قسّم الماء الى قليل و كثير و حكم بنجاسة القليل بمخالطة النجس و إطلاق كلامه شامل للجاري فلاحظ.

[2] قال صاحب المعالم: 110 نسخ المنتهى مختلفة في هذه المباحث كثيرا فربما في زيد في بعضها ما نقص في الآخر و ربما عكس و هاهنا يوجد زيادة ..

و عليه يمكن ان يكون منشأ النفي المشار إليه في المتن اختلاف النسخ.

______________________________

(2) التحرير 1: 4، القواعد 1: 4، التذكرة 1: 3، المنتهى 1: 6.

(4) الروضة 1: 31.

(5) روض الجنان: 135.

(6) راجع كشف اللثام 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 23

تشرب» «1» و قريبة منها الأخرى «2» و صحيحة ابن عمار: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» «3».

و رواية علي: عن الحمامة و الدجاجة و أشباههن تطأ العذرة ثمَّ تدخل في الماء، يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلا أن يكون الماء كثيرا» «4»، و غير ذلك من المستفيضة الآتية.

و منع عموم الماء في الصحيحة، إما لمنع إفادة المفرد المعرف له، أو لأنّ عمومه في المفهوم غير معلوم، لكفاية نجاسة بعض أفراد غير الكر في صدقه كمنع عموم المنجس، حيث إنّ لفظ شي ء في المفهوم مثبت فلا يعمّ، فيحمل على المغير، ضعيف:

أما الأول فلثبوت عموم المفرد المعرّف في موضعه، و لولاه لم يتم التمسك بكثير من أخبار الطهارة أيضا. و وجوب تنزيل الماء في المفهوم على المراد منه في المنطوق، ضرورة اتحادهما في الموضوع و المحمول.

و أما الثاني فلأنّ الشي ء في المنطوق مخصوص بغير المغير، للإجماع على تنجس الكر بالتغير. فكذا في المفهوم، لما مر.

و عدم عمومه حينئذ غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و الجواب: أنّ بعد ملاحظة اختصاص غير أخبار الجاري من الروايات

______________________________

(1) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، التهذيب 1: 228- 660، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 10- 18، التهذيب 1: 284- 832، الاستبصار 1: 25- 64، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(3) التهذيب 1: 40- 109، الاستبصار 1: 6-

2، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 1: 419- 1326، الاستبصار 1: 21- 49، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 24

الطهارة بغير القليل الراكد «1»، و اختصاصها بغير المتغير، و اختصاص الموثقتين «2» من أخبار النجاسة بغير الكر، كل ذلك بقرينة الإجماع و الأخبار، و كون غير الموثقتين مخصوصا بالقليل يتعارض الفريقان بالعموم من وجه.

فإن رجحنا الأولى بالأصل، و الاستصحاب، و الشهرة، و الأكثرية، و الإجماعات المنقولة، و إلا فيكون المرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع الطهارة.

المسألة الثانية: ظاهر الأكثر بل صريحهم إلحاق الجاري لا عن نبع بالواقف

، و عليه الإجماع في شرح القواعد «3» و غيره «4».

و ألحقه بعض المتأخرين من المحدثين [1] بالنابع، فلا ينجس إلا بالتغيّر، و نقله في الحدائق «6» عن المعالم، و جعل هو المسألة محل إشكال، و الأصل يعاضده، و عمومات الطهارة المتقدمة «7» بأسرها تشمله.

و تخصيص أخبار الجاري منها «8» بالنابع لا شاهد له، و تبادره منه- لو سلم- عرف طار، فالأصل تأخره.

و خروجه عنها بعمومات النجاسة غير ثابت، لتعارضها مع الاولى بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الطهارة.

مضافا إلى ترجح عمومات الطهارة بأخبار أخر، كصحيحة حنّان: إنّي أدخل الحمام في السحر، و فيه الجنب و غير ذلك، و أقوم فاغتسل فينضح علىّ بعد ما أفرغ من مائهم، قال: «أ ليس هو جار؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس» «9».

______________________________

[1] الظاهر أنّه المحدث الأمين الأسترابادي في حاشية المدارك على ما حكى عنه في الحدائق 1: 332.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9.

(2) موثقتا الساباطي تقدمتا ص 23 رقم 1- 2.

(3) جامع المقاصد 1: 110.

(4) المدارك 1: 28.

(6) الحدائق 1: 332.

(7)

المتقدمة ص 19- 20.

(8) المتقدمة ص 19- 20.

(9) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 3، التهذيب 1: 378- 1169، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8: و في التهذيب أسقط حنّان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 25

و صحيحة محمد: «لو أنّ ميزابين سالا، أحدهما ميزاب بول و الآخر ميزاب ماء، فاختلطا، ثمَّ أصابك، ما كان به بأس» «1».

و التخصيص بماء المطر لا دليل عليه، مع أنّه أيضا أعمّ من حال التقاطر، فيدل عليه أيضا صحيحة ابن الحكم: «في ميزابين سالا، أحدهما بول و الآخر ماء المطر، فأصاب ثوب رجل، لم يضره ذلك» «2».

و على هذا فالترجيح للطهارة، إلا أن يثبت الإجماع على خلافها، و الاحتياط في كل حال طريق النجاة.

المسألة الثالثة: لو تغيّر بعض الجاري فنجاسة المتغير منه إجماعي.

كطهارة ما يتصل منه بالمنبع، و عموم أدلة الحكمين يدل عليه.

و ما تحته مع الكثرة أو عدم قطع النجاسة لعمود الماء كالثاني و مع القلة و قطع العمود كالأول عند الأكثر، لكونه قليلا لاقى النجاسة، فتشمله أدلة نجاسته.

و يخدشه: أنّه إن أريد أنّه قليل راكد فممنوع، و إن أريد غيره فلا دليل على نجاسته بخصوصه. و العام- لو سلم- لم يفد، لتعارضه مع بعض ما مر من عمومات الطهارة بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الطهارة، فالحق طهارته أيضا، وفاقا لبعض من تأخر «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 12 الطهارة ب 9 ح 2، التهذيب 1: 411- 1296، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 6.

(2) الكافي 3: 12 الطهارة ب 9 ح 1، التهذيب 1: 411- 1295، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 4.

(3) مشارق الشموس: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 26

الفصل الثالث: في ماء الغيث
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في أنّه حال التقاطر مع الجريان كالجاري

، فلا ينجس بملاقاة النجاسة و إن وردت عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    26     المسألة الاولى: لا خلاف في أنه حال التقاطر مع الجريان كالجاري ..... ص : 26

يدل عليه- مع الإجماع و العمومات- صحيحة ابن الحكم المتقدمة «1».

و صحيحة علي: عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: «إذا جرى لا بأس» «2».

و المروي في المسائل: عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب، أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرى به المطر لا بأس» «3».

و فيه و في قرب الإسناد: عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فكيف [1] فيصيب الثياب أ يصلى فيها قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرى من ماء المطر لا بأس» «5».

و صحيحة أخرى لعلي: عن رجل يمر في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: «لا يغسل ثوبه و لا رجليه و يصلي فيه و لا بأس» «6».

و صحيحة ابن سالم: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب

______________________________

[1] يكف: يقطر.

______________________________

(1) ص 25.

(2) الفقيه 1: 7- 6، التهذيب 1: 411- 1297، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.

(3) مسائل علي بن جعفر: 130- 115، الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 9.

(5) قرب الاسناد: 192- 724، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 3.

(6) الفقيه 1: 7- 7، التهذيب 1: 418- 1321، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 27

الثوب، قال:

«لا بأس، ما أصابه من الماء أكثر منه» «1».

و كذا بدون الجريان على الحق المشهور، للصحيحتين الأخيرتين من جهة الإطلاق فيهما، و مع التعليل في الثانية، مضافا إلى العمومات.

خلافا للمحكي عن التهذيب و المبسوط و ابني حمزة و سعيد «2»، فاشترطوا الجريان من الميزاب- و لعله من باب التمثيل، لاستدلالهم بما هو أعمّ منه- لما تقدم على الأخيرتين.

و الجواب: أنّ الاولى و إن اختصت بالجاري و لكنها لا تثبت الاشتراط.

و الثانية لم تثبت إلّا البأس في التوضؤ، و هو أعمّ من النجاسة، كيف و قد ادّعى في المعتبر و المنتهى «3» الإجماع على أنّ ما يزال به الخبث لا يرفع الحدث. و هو الحق أيضا، كما يأتي.

فإن قيل: ذلك ينافي منطوقه، حيث جوّز التوضؤ بما جرى منه.

قلنا: ما جرى عير ما أزيل به النجاسة، إذ المطر يطهّر بمجرد الاتصال كما يأتي، فما ينزل بعده- و هو الذي يجري- لم يرفع خبثا.

مع أنّ إرادة الجريان من السماء المعبّر عنه بالتقاطر ممكنة.

و به يجاب عن روايتي المسائل، مضافا إلى ضعفهما الخالي عن الجابر في المقام و إن انجبر منطوقهما بالعمل.

و قد يفرّق بين ما ترد النجاسة عليه و ما يرد عليها، فيحكم بنجاسة الأول مع عدم الجريان، التفاتا إلى اختصاص أكثر الروايات بوروده، فيرجع في عكسه إلى القواعد «4».

و صحيحة علي- الأخيرة- صريحة في ردّه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 1: 411، المبسوط 1: 6، الوسيلة: 73، الجامع للشرائع: 20.

(3) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 23.

(4) كما في الذخيرة: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 28

مع أنّ الرجوع إلى القواعد أيضا يقتضي الطهارة. لا لاختصاص ما

دلّ على انفعال القليل بغير موضع النزاع كما قيل «1»، لمنع الاختصاص كلّيا. بل لما مر من التعارض بين بعض العمومات المتقدمة و أخبار انفعال القليل بالعموم من وجه، على ما مر في الجاري.

المسألة الثانية: يطهر بماء الغيث ما جرى عليه حال التقاطر

، بلا خلاف ظاهر. و كذا بدون الجريان إذا زالت به العين و استوعب المحل النجس، لآيتي التطهير «2». و مرسلة الكاهلي المتقدمة في المطلق «3». و الإطلاق في نفي البأس و في مفهوم الاستثناء في مرسلة محمد بن إسماعيل: في طين المطر، أنّه «لا بأس به أن يصيب الثوب، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر» «4» و مرسلة الفقيه: عن طين المطر يصيب الثوب، فيه البول و العذرة و الدم، قال: «طين المطر لا ينجس» «5».

و هل يشترط في التطهّر «6» به أكثرية الماء من النجاسة إذا كانت ذات عين؟

الظاهر: نعم لصحيحة ابن سالم «7».

و جعل التخصيص، لأجل أنّه الغالب، أو حمل الأكثر على الأقوى خلاف الأصل، مضافا إلى أنّ الأقل أمّا يستهلك بالنجاسة أو يتغير.

هذا في غير الماء، و أما الماء فيشترط تطهره بالنجاسة بالامتزاج به، كما مر.

و منه يظهر ضعف ما نقله الشهيد عن بعض معاصريه من كفاية وصول

______________________________

(1) مشارق الشموس: 211.

(2) الأنفال: 11، الفرقان: 48.

(3) المتقدمة ص 16.

(4) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 4، التهذيب 1: 267- 783، الوسائل 1: 147 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 6. و في الجميع: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم ..».

(5) الفقيه 1: 7- 5، الوسائل 1: 147 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 7.

(6) في «ح»: التطهير.

(7) المتقدمة ص 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 29

مثل القطرة

في تطهير الماء النجس «1»، مضافا إلى عدم تبادر مثل ذلك من المطر.

المسألة الثالثة: لا شك في تقوّي القليل المجتمع من المطر به حين النزول،

للعمومات.

و أما المجتمع من غيره فهل يتقوّى به؟ فيه وجهان، الأظهر: العدم، لاستصحاب الحكم الثابت له قبل الاتصال بالإطلاقات، من تنجّسه بالملاقاة، و لعمومات تنجّس القليل بورود النجاسة عليه «2»، الشامل أكثرها بل جميعا لمثل ذلك بالإطلاق أو العموم. و منع الشمول ضعيف، فالقول بالتقوّي لأجله «3» سقيم.

و معارضة تلك العمومات مع بعض عمومات طهارة الماء «4»- على ما مر- غير مفيدة، لأنّ هذه أخص مطلقا مما مر، فتخصيصه بها لازم.

و توهم العموم من وجه- لاختصاص ما مر بالقليل الغير المتصل بالمطر قطعا- باطل، لأنّ اختصاصه به لأجل أدلة تنجّس القليل الشامل للمتصل أيضا، و عدم تحقق ما هو أخص منه، و ذلك بخلاف ما مر في الجاري، فإنّ ما يختص بغيره كثير.

و قد يتمسك للتقوّي: بأن حال النزول فيه شي ء من ماء المطر، فهو مطر مع شي ء زائد، فيصير بذلك أقوى.

و هو فاسد، لأنّ مقتضاه عدم تنجّس ماء المطر إن تميز، دون القليل أو الممتزج، لمنع القوة فيهما.

و أفسد منه: اعتبار النجاسة حينئذ بمقدار ماء المطر، حتى لو فرض التغير

______________________________

(1) روض الجنان: 139، و أراد ببعض معاصريه السيد حسن بن السيد جعفر على ما ذكره في حاشية الحدائق 1: 221.

(2) يأتي ذكرها في بحث الماء القليل ص 35- 51 و قد تقدم بعضها في بحث الماء الجاري ص 23.

(3) كما في مشارق الشموس: 214.

(4) المتقدمة ص 11- 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 30

لو انحصر فيه لصار نجسا، فإنه مبني على اعتبار التقدير في التغيّر، و قد عرفت فساده.

المسألة الرابعة: إذا انقطع تقاطره، فإن لم يبق جريانه على الأرض، فكالواقف

إجماعا.

و إن كان جاريا بعد، فظاهر العمومات المتقدمة و الاستصحاب: عدم تنجّسه و إن قلنا بتنجس القليل الجاري لا عن مادة، مع أنّه أيضا

لا ينجس، فيشمله ما دل عليه أيضا.

و هو الظاهر من المنتهى، حيث شرط في إلحاقه بالواقف مع الانقطاع الاستقرار على الأرض، قال: أمّا إذا استقر على الأرض و انقطع التقاطر ثمَّ لاقته نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف، لانتفاء العلة التي هي الجريان. انتهى «1».

و هو جيّد جدّا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 31

الفصل الرابع: في ماء الحمّام
اشارة

و المراد به هنا ما في حياضه الصغار الذي لم يبلغ كرّا، فإنّ أمر ما بلغه ظاهر.

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: ماء «1» الحياض إما يكون مع المادة، أو بدونها.

و الثاني في الانفعال بالملاقاة كالراكد إجماعا، لاختصاص أدلة عدم انفعاله بذي المادة بحكم التعارف.

و الأول إن بلغت مادته وحدها كرا، فلا ينفعل على المشهور، بل بلا خلاف يحضرني الآن، و الأخبار الآتية تدل عليه، و إلّا فكذلك أيضا، سواء بلغ مجموع المادة و الحوض كرا أولا، و سواء تساوى سطحاهما الظاهران أو اختلفا بالانحدار أو غيره، على الأقوى، وفاقا لظاهر الشيخ في النهاية، و الحلّي، و المعتبر، و النافع، و الشرائع «2»، و مال إليه طائفة من المتأخرين «3»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر «4»، للأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهارة الماء «5».

و رواية ابن الفضيل «6» المتقدمة في الجاري.

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: ما في.

(2) النهاية: 5، السرائر 1: 90، المعتبر 1: 42، النافع: 2، الشرائع 1: 12.

(3) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين: 115، و المحدث الكاشاني في الوافي 4: 9، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 120.

(4) لم نجد هذه النسبة. و الموجود في كلام المسالك 1: 3 و الحبل المتين نسبت الاشتراط إلى الأكثر فلاحظ.

(5) الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(6) كذا في النسخ و هو غير صحيح فإنه لم تتقدم في الماء الجاري رواية بهذا العنوان نعم تقدمت رواية الفضيل. و قد ناقش المصنف في دلالتها مضافا إلى كونها أجنبيّة عن ماء الحمام و التي يناسب الاستدلال بها هي رواية حنان المتقدمة في ذاك البحث فراجع ص 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 32

و خصوص المستفيضة كصحيحة ابن سرحان: ما تقول في ماء الحمام؟

قال: «هو بمنزلة [الماء] الجاري»

«1».

و رواية بكر بن حبيب: «ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة» «2».

و المروي في قرب الإسناد: «ماء الحمام لا ينجّسه شي ء» «3».

و الرضوي: «ماء الحمام سبيله سبيل [الماء] «4» الجاري إذا كانت له مادة» «5».

و حمل هذه الأخبار على ما كانت مادته كثيرة، لأنه الغالب المتعارف «6»، مردود: بمنع ثبوت الغلبة في عهدهم.

و لو سلّمت، فإنما هي حين كونها مملوّة، و بعد جريانها إلى الحوض يقلّ آنا فآنا حتى يصير أقل من الكر، فلا تكون الكثرة غالبة في جميع الأوقات.

خلافا للمحكي عن الأكثر «7»، فقالوا بالانفعال في الصورتين كأكثرهم، أو الثانية خاصة كطائفة «8» منهم: والدي العلّامة رحمه اللّه.

لصحيحة محمد: عن ماء الحمام، قال: «ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر، إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله، فلا يدري فيه جنب أم لا» «9».

______________________________

(1) التهذيب 1: 378- 1170، الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 2، التهذيب 1: 378- 1168، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 4.

(3) قرب الاسناد: 309- 1205، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 8.

(4) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(5) فقه الرضا: 86، المستدرك 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.

(6) المدارك 1: 34، مشارق الشموس: 209.

(7) حكاه في المسالك 1: 3 عن الأكثر، و في الذخيرة: 121 عن المشهور، و في المدارك 1: 34 عن أكثر المتأخرين.

(8) منهم صاحب الروض: 137، صاحب المدارك 1: 35 فإنه رجّح أخيرا الاكتفاء بكون المجموع كرّا و إن اختار في صدر كلامه اعتبار الكرّية

في المادة.

(9) التهذيب 1: 379- 1175، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 33

و رواية علي: عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام، قال: «إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل» «1».

و لعموم أدلّة تنجّس القليل «2» الصادق على الحوض، لعدم اتّحاده مع المادة عرفا.

و لأنّ المادة الناقصة عن الكر كالعدم، خرج عن مجموع ذلك ما كان مادته كرا عند الأكثر بالروايات المتقدمة من جهة ظهورها في ذلك كما مر، و ما كان المجموع كرا عند الآخرين، بروايات الكر «3» الشاملة لذلك، إمّا لعدم اعتبار الوحدة أو لصدقها.

و يضعف الأول: بعدم الدلالة على النجاسة، لعدم صراحته في نجاسة بدن الجنب، و عدم العلم باستناد النهي إلى تنجسه بها لو كانت، مع أنّ آخر الرواية لا يلائم حمل النهي على الحرمة، بل لا قطع بكونه نهيا، لاحتمال النفي، و هو لا يفيد أزيد من الاستحباب.

و به يضعف الثاني.

مضافا إلى معارضتهما مع ما هو أخص منهما مما يشتمل على ذكر المادة مما تقدم من أخبار الحمام، فيخصّصان به. بل معارضتهما مع ما لا يشتمل عليه أيضا تكفي في الرجوع إلى الأصل و ترجيح الطهارة، بل مع بعض عمومات طهارة الماء المتقدمة [1] بالتقريب المتقدم.

و منه يظهر ضعف الثالث أيضا.

مضافا إلى صراحة أكثر أخبار انفعال القليل بغير ماء الحمام، و إلى منع عدم

______________________________

[1] عمومات طهارة ماء المطر و عمومات طهارة مطلق الماء (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 640، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

(2) راجع ص 36- 40.

(3) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق

ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 34

الاتحاد مع كرية المجموع.

و الرابع: بالمنع.

ثمَّ إن منهم من اعتبر مع كرية المادة أو المجموع تساوي السطحين «1»، و منهم من اعتبره أو كون اختلافهما بالانحدار. و هو مبني على ما يأتي من الاختلاف في اعتبار تساوي سطوح الكر و عدمه، و ستعرف عدم اعتباره.

المسألة الثانية: لو تنجّس الحوض بالتغيّر أو بعد انقطاعه عن المادة

، فلا خلاف في طهره بما يطهر به غيره، و لا فيه بوصله إلى المادة، و زوال تغيره إن كان.

و تدلّ عليه رواية ابن أبي يعفور: ماء الحمام يغتسل منه الجنب و اليهودي و النصراني؟ فقال: «إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» «2».

و يؤيده [1]: جعله بمنزلة الجاري في جملة من الأخبار «4».

و إنما الخلاف في اشتراط الممازجة و كرية من المادة.

و الحق في الأول: الاشتراط، لما مر، و في الثاني: العدم، لإطلاق الرواية، إلّا أن يثبت على اشتراطها الإجماع، كما ادّعاه والدي العلّامة في اللوامع، و نفى بعضهم الخلاف فيه «5».

و منهم من شرط زيادتها على الكر بمقدار ما يحصل به الممازجة، أو بمقدار الماء المنحدر «6». و إطلاق الرواية يدفعه.

______________________________

[1] و جعله مؤيدا بناء على منع عموم المنزلة فيحتمل أن يكون في عدم قبول النجاسة (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) اعتبره في الروض: 137، و جامع المقاصد 1: 112.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

(4) راجع الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.

(5) الرياض 1: 4.

(6) جامع المقاصد 1: 113، راجع الحدائق 1: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 35

الفصل الخامس: في الواقف
اشارة

و هو أمّا قليل أو كر، فهاهنا بحثان:

البحث الأول: في القليل
اشاره

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: في نجاسته و عدمها بالملاقاة أقوال:

النجاسة مطلقا إلّا ما استثني، ذهب إليه جماعة «1».

و عدمها كذلك، قال به العماني «2» و تبعه بعض المتأخرين «3».

و التفصيل بالأول في غير ما لا يدركه الطرف من النجاسات، و الثاني فيه مطلقا عن المبسوط «4»، و من الدم خاصة عن الاستبصار «5»، و يشعر به: كلام النافع في بحث الأسآر «6».

و بالأول فيما وردت عليه النجاسة، و الثاني في عكسه، اختاره في الناصريات و الحلّي «7» مدّعيا عليه الإجماع ظاهرا، و صاحب المعالم «8»، و استوجهه في المدارك «9»، و استحسنه في الذخيرة في هذه المسألة، و جعله الأقرب في مسألة الغسالة «10»، و نسبه في بحث ماء المطر من الحدائق إلى جملة من الأصحاب،

______________________________

(1) ذهب إليه في الخلاف 1: 194، المعتبر 1: 48، التذكرة 1: 3.

(2) حكاه عنه في المختلف: 2.

(3) المحدّث الكاشاني في الوافي 6: 19، المفاتيح 1: 81.

(4) المبسوط 1: 7.

(5) الاستبصار 1: 23.

(6) النافع: 4.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، السرائر 1: 181.

(8) المعالم: 123.

(9) المدارك 1: 40.

(10) الذخيرة: 125، 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 36

و جعله الظاهر من الأخبار و إن تردّد في بحث القليل «1»، و مال إليه بعض معاصرينا. و هو الحق.

لنا على النجاسة فيما وردت عليه- بعد الإجماع المحقق و المنقول في الناصريات «2» و الانتصار «3» و الخلاف «4» و اللوامع و المعتمد و غيرها «5» صريحا، و الأمالي «6» ظاهرا-: المستفيضة من الصحاح و غيرها، (بل) «7» المتواترة معنى الواردة في موارد مختلفة.

منها: روايات الكر، كصحاح محمد «8»، و ابن عمار «9»، و زرارة «10»، و حسنته «11»، و مرسلة ابن المغيرة «12»، المصرحة بأنه إذا كان الماء

قدر كر- كالأوليين- أو أكثر من رواية- كالثانيتين- أو قدر قلتين [1]- كالخامسة- لم

______________________________

[1] القلّة: إناء للعرب كالجرّة الكبيرة شبه الحبّ و الجمع قلال. قال أبو عبيد: القلّة: حبّ كبير.

المصباح المنير: 514.

______________________________

(1) الحدائق 1: 220، 329.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 178.

(3) الانتصار: 9.

(4) الخلاف 1: 194.

(5) المختلف: 2، المدارك 1: 38.

(6) الأمالي للصدوق: 514. المجلس: 93 فإن الصدوق عدّ من دين الإمامية أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 2، الفقيه 1: 8- 12، التهذيب 1: 39- 107، الاستبصار 1:

6- 1، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.

(9) التهذيب 1: 40- 108، الاستبصار 1: 6- 2، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 2.

(10) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 3، التهذيب 1: 42- 117، الاستبصار 1: 6- 4، الوسائل 1:

140 أبواب الماء المطلق ب 3 ملحق ح 9.

(11) التهذيب 1: 412- 1298، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.

(12) الفقيه 1: 6- 3، التهذيب 1: 415- 1309، الوسائل 1: 166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 37

ينجّسه شي ء.

و منع حجية المفهوم ضعيف، و كون الشي ء في المفهوم مثبتا لا يضر، لاختصاصه بغير المغيّر، كما مر، و يتم المطلوب بالإجماع المركب.

و منع ثبوت الحقيقة الشرعية في النجاسة يدفعه: الحدس و الوجدان، مضافا إلى فهم الأصحاب، مع عدم ملائمة المعني اللغوي- و هو الحالة الموجبة لتنفر الطباع- للإرادة هنا، لحصوله للكر أيضا كثيرا مع عدم التغير، و عدم اختلافه بمجرد نقصان قطرة أو ازديادها، و عدم كون بيان

ذلك من وظيفة الشارع.

و منها: روايات سؤر نجس العين، أو ما في منقاره قذر أو دم.

فمن الأولى: صحيحة البقباق: عن فضل الهرة و الشاة- إلى أن قال- حتى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس، لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرة ثمَّ بالماء» «1».

و رواية أبي بصير: «و لا تشرب من سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا» «2».

و صحيحة محمد: عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء» «3».

و تقرب منهما معنى روايتا حريز «4» و ابن شريح [1].

______________________________

[1] التهذيب 1: 225- 647، الاستبصار 1: 19- 41، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 1: 226- 650، الاستبصار 1: 20- 44، الوسائل 1: 226، أبواب الأسآر ب 1 ح 7.

(3) التهذيب 1: 225- 644، الاستبصار 1: 18- 39، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 1: 225- 645، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 38

و صحيحة علي: عن خنزير شرب من الإناء، كيف يصنع به؟ قال:

«يغسل ثلاث مرات» «1».

و رواية الأعرج: عن سؤر اليهودي و النصراني، قال: «لا» «2».

و إطلاق الكل يدفع ما أورد «3» من الاحتمالات.

و من الثانية: موثّقتا الساباطي، إحداهما: عن ماء شربت منه الدجاجة، قال: «إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب» «4» و قريب منها الأخرى «5».

و حملهما على المتغير غير ممكن، لعدم صلاحية ما في المنقار له.

و منها: الواردة في اليد القذرة تدخل في الإناء، كصحيحة البزنطي: عن

الرجل يدخل يده في الإناء [و هي قذرة] قال: «يكفى الإناء» «6».

و موثّقتي سماعة، إحداهما: «و إن كان أصابته جنابة، فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي ء من المني، و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله» «7».

و الأخرى: «إذا أصابت الرجل جنابة، فأدخل يده في الإناء، فلا بأس إن

______________________________

(1) التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 2: الّا أن فيهما «سبع مرّات).

(2) الكافي 3: 11 أبواب الطهارة ب 7 ح 5، التهذيب 1: 223- 638، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 1.

(3) في «ق» ورد.

(4) الفقيه 1: 10- 18، التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 3.

(5) و الأخرى عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب- الى أن قال-: و إذا رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب (منه ره)، الكافي 3: 9 أبواب الطهارة ب 6 ح 5، التهذيب 1: 228- 660، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(6) التهذيب 1: 39- 105، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7 و ما بين المعقوفين من المصدر.

(7) التهذيب 1: 38- 102، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 39

لم يكن أصاب يده شي ء من المني» «1».

دلّت بالمفهوم على وجود البأس- الذي هو العذاب أو الشدة- إن أصاب يده المني.

و روايتي أبي بصير، إحداهما: عن الجنب يحمل الركوة أو التور [1] فيدخل إصبعه فيه، فقال: «إن كانت يده قذرة

فأهرقه» «3».

و الأخرى: «إن أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإذا أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك « «4».

و حسنة ابن عبد ربه: في الجنب يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، أنّه:

«لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء» «5».

أو في ماء وقع فيه دم أو قذر كصحيحة علي: عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «لا» «6».

و موثّقتي الساباطي «7» و سماعة «8»: عن رجل معه إناء ان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر على ماء غيرهما، قال: «يهريقهما جميعا و يتيمم».

______________________________

[1] الركوة: دلو صغيرة. المصباح المنير: 238. التور: إناء صغير من صفر أو حجارة كالإجانة، تشرب العرب فيه و قد تتوضأ منه. لسان العرب 4: 96.

______________________________

(1) التهذيب 1: 37- 99، الاستبصار 1: 20- 47، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 9.

(3) التهذيب 1: 37- 100 و 229- 661، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.

(4) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 1، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.

(5) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 3، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 3.

(6) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(7) التهذيب 1: 248- 712، الوسائل 1: 155 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14.

(8) الكافي 3: 10 الطهارة ب 6 ح 6، التهذيب 1: 249- 713، الوسائل 1:

151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 40

و رواية الأعرج: عن الجرّة «1» تسع مائة رطل يقع فيها أوقية من دم، أشرب منه و أتوضأ؟ قال: «لا» «2».

و رواية علي المروية في المسائل: عن حبّ ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية «3» بول، هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال: «لا يصلح» «4».

أو في ماء، دخلت فيه الدجاجة الواطية للعذرة، كرواية علي المتقدمة في الجاري «5».

أو لاقى النبيذ، أو المسكر، كرواية أبي بصير: في النبيذ «ما يبلّ الميل، ينجّس حبّا من ماء» «6».

و رواية ابن حنظلة: في المسكر «و لا قطرت قطرة في حبّ إلّا أهريق ذلك الماء» «7».

أو في القليل الذي ماتت فيه فأرة، كموثّقة الساباطي: عن الرجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا، أو غسل منه و اغتسل منه، و قد كانت الفأرة متسلّخة، فقال: «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة» «8».

______________________________

(1) الجرّة: إناء من خزف و الجمع جرّ و جرار. لسان العرب 4: 131.

(2) التهذيب 3: 418- 1320، الاستبصار 1: 23- 56، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 8. بتفاوت.

(3) الأوقية: ما يعادل أربعين درهما. المصباح المنير: 669. و في الصحاح 6: 2528: و كذلك كان فيما مضى فأمّا اليوم فيما يتعارفها الناس .. فالأوقية عندهم وزن عشرة دراهم و خمسة أسباع الدرهم.

(4) مسائل علي بن جعفر: 197- 420، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المطلق ب 168.

(5) ص 23.

(6) الكافي 6: 413 الأشربة ب 23 ح 1، الوسائل

3: 47 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.

(7) الكافي 6: 410 الأشربة ب 21 ح 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(8) الفقيه 1: 14- 26، التهذيب 1: 418- 1322، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 41

و رواية ابن حديد، و فيها: فاستقى غلام أبي عبد اللّه عليه السلام دلوا.

فخرج فيه فأرتان، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أرقه» فاستقى آخر، فخرجت فيه فأرة، فقال عليه السّلام: «أرقه» «1». إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

و قد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث «2»، و دلالة كلّ منها على الانفعال بجميع النجاسات، مطلقا، أو بضميمة عدم الفصل، كدلالة المجموع عليه، و دلالة كثيرة منها على الانفعال بكلّ قذر من القذر بالإطلاق ظاهرة.

و الإيراد على الكلّ: بإمكان الحمل على المتغيّر، أو على الكراهة، و على ما فيه لفظ القذر: بإمكان الحمل على اللغويّ، مردود.

فالأول: بالإطلاق، مضافا إلى عدم إمكانه إلّا في قليل، فإنّ التغيّر بشرب الحيوان، أو بما في المنقار، أو اليد، أو الإصبع، سيّما البول، أو المنيّ، أو بقطرة من المسكر، أو بما يبلّه الميل منه، غير معقول، كاشتباه ما تغيّر بغيره، أو عدم حصول العلم بوقوع الفأرة لو تغيّر.

و الثاني: بكونه مجازا مخالفا للأصل في الأكثر، مع كونه إحداث ثالث، كما صرّح به والدي- رحمه اللّه- في اللوامع.

مضافا إلى امتناعه في بعضها، كموثّقتي الساباطي الأخيرتين «3».

و الثالث: بمنافاته للنهي عن الاستعمال، سيّما مع الأمر بالتيمّم.

لنا على الطهارة في الوارد على النجاسة- بعد الأصل، و الاستصحاب

______________________________

(1) التهذيب 1: 239- 693،

الاستبصار 1: 40- 112، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 14.

(2) هكذا نقل في الرياض 1: 5 عن بعض الأصحاب و لم نعثر عليه.

(3) تقدمتا ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 42

المؤيّدين بالإجماع المنقول عن الحلّي «1»، السالمين عن المعارض-: عمومات طهارة الماء «2» بأنواعها المتقدمة و إطلاقاتها، الخالية عن المخصّص و المقيّد، لاختصاص أدلّة انفعال القليل- كما مرّ- بورود النجاسة.

و يؤيّدها: أخبار طهارة ماء الاستنجاء «3». و رواية غسل «4» الثوب النجس في المركن [1]، و موارد التطهير [2] و الغسالات.

استدلّ القائلون بالنجاسة مطلقا أمّا فيما وردت النجاسة فيما تقدّم، و هو كذلك.

و أمّا في عكسه: فبمفهوم روايات الكرّ «7».

و إطلاق «ما يبلّ الميل ينجس حبّا» «8».

و حديث استقاء غلام أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم «9».

و ما ورد بعد السؤال عن دنّ [3] يكون فيه خمر أو إبريق كذلك، هل يصلح أن يكون فيه الخل أو الماء أو غيره؟: «أنّه إذا غسل لا بأس» «11».

و ما تقدّم في ماء الغيث «12»، من المفاهيم المثبتة للبأس فيه، إذا لم يجر على

______________________________

[1] المركن: الإجانة التي يغسل فيها الثياب.

[2] في «ه» و «ح»: التطهّر.

[3] الدّن: كهيئة الحبّ الا أنه أطول منه و أوسع رأسا و الجمع دنان. المصباح المنير: 201.

______________________________

(1) السرائر 1: 181.

(2) راجع ص 11- 12.

(3) الوسائل 3: 501 أبواب النجاسات ب 60.

(4) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(7) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9.

(8) الوسائل 3: 47 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.

(9) ص 41.

(11) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494

أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

(12) ص 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 43

القذر مع كونه واردا. و تمام المطلوب يثبت بالأولوية، أو عدم الفصل.

و رواية ابن سنان: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به و أشباهه» «1».

و رواية العيص المرويّة في طائفة من كتب الأصحاب مثل الخلاف و المعتبر و المنتهى: عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء، فقال: «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» «2».

و الروايات الآتية «3» الناهية عن الغسل بغسالة الحمّام، معلّلة: بأنّه يغتسل فيه الجنب و ولد الزنا و الناصب و من الزنا. و في بعضها المروي في العلل: «اليهودي و أخواه» «4».

و بأنّ السبب في الانفعال ملاقاة النجاسة، و قابليّة القليل من حيث القلّة، و لا مدخليّة للورود و عدمه.

و بأنّ [1] أخبار النجاسة و إن كانت خاصّة إلا أنّه لخصوصية السؤال و هي لا تخصّص.

و بكونه مشهورا عند الأصحاب.

و الجواب عن الأول: أن المفهوم لا يدل إلا على التنجس ببعض ما من شأنه التنجيس، فيمكن أن يكون النجاسة الواردة، و لا يمكن التتميم بعدم الفصل، لوجوده.

و أيضا: المراد بتنجيسه له ليس فعليته، بل معناه أن من شأنه التنجيس،

______________________________

[1] هذا الاستدلال يظهر من الحدائق (منه ره).

______________________________

(1) التهذيب 1: 221- 630، الاستبصار 1: 27- 71، الوسائل 1: 215 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13.

(2) الخلاف 1: 179، المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 24.

(3) في ص 108، و انظر الوسائل 1: 218 أبواب الماء المضاف ب 11.

(4) علل الشرائع: 292- 1، الوسائل 1: 220 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص:

44

بوقوع ارتباط بينهما و قرب خاص، و لا دلالة لذلك على التنجيس بمطلق الملاقاة فيكتفي بالمتيقن.

هذا، مع أنّ بعد تسليم الدلالة يعارض مع بعض عمومات الطهارة «1» بالعموم من وجه، لتخصيصها بالقليل الوارد عليه النجاسة بما مر قطعا، فيرجع إلى الأصل.

و من هذا و سابقة يظهر الجواب عن الثاني أيضا.

و عن الثالث: منع شموله لورود الماء، بل الظاهر دخول الفأرة في الدلو بعد شي ء من الماء، أو ينفصلان من البئر معا، فتختص الرواية بما انتفى الورود من الطرفين، و يأتي حكمه.

و لو سلّم الشمول فيحصل التعارض المذكور، و يجاب بما مر.

و عن الرابع: أن إثبات نوع من البأس- كما هو مقتضى المفهوم- لا يثبت النجاسة، لجواز أن يكون هو عدم الصلاحية لرفع الحدث، فإنّ ما يغسل الخبث لا يرفعه، كما يأتي.

و هو الجواب عن الخامس، مع عدم عمل أكثر المخالفين به، كما مر، و معارضته مع ما مرّ، و عدم صلاحيته لإثبات النجاسة، كما تقدّم في بحث ماء الغيث «2».

و مما مر من عدم ارتفاع الحدث برافع الخبث، يظهر الجواب عن السادس أيضا، زيادة على أنّه لا إشعار فيه بملاقاة الماء للنجاسة، إلّا أن يضمّ معه الإجماع على جواز الوضوء مما يغسل به الطاهر.

و عن السابع: بأنّه لا يثبت أزيد من رجحان الغسل، مع أنّ الوضوء أعمّ من الموارد، فقاعدة التعارض المذكور جارية.

______________________________

(1) المتقدمة ص 11- 12.

(2) ص 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 45

و عن الثامن: مع معارضته لأخبار أخر منافية له، كما يأتي «1» في بحث غسالة الحمام، أنّ النّهي عن الاغتسال بل عن مطلق الاستعمال- كما قيل «2»- أعمّ من النجاسة، و لو ثبت يمكن أن يكون تعبديا أيضا، لا لأجل

الملاقاة للنجس، و لذا حكم أكثر القائلين «3» بنجاسة غسالة الحمام بها، ما لم يعلم خلوّها عن النجاسة الشامل لعدم العلم بالملاقاة أيضا.

هذا، مضافا إلى خلوّ أكثر هذه الأخبار عن ملاقاة الماء للنّجس، و هذا أيضا يؤكّد التّعبد به لو ثبتت [1] النجاسة.

و عن التاسع: بالمنع، و يؤكّده استثناء ماء الاستنجاء.

و عن العاشر: بمنع عموم الجواب، مع خلوّ البعض عن تقديم السؤال.

و عن الأخير: بمنع الشهرة إن لم ندعها على الخلاف، كيف و الماء الوارد هو الغسالة غالبا! و المشهور بين الطبقتين: الاولى و الثالثة، طهارتها مطلقا، مع أن الشهرة للحجية غير صالحة.

للعماني- بعد الأصل و الاستصحاب و العمومات- خبر ابن ميسر المتقدم «5»، و صحيحة علي: عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلّا أن يضطرّ إليه» «6». و النهي يقيّده بالقليل.

و موثقة عمار: عن الرجل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه

______________________________

[1] في «ق»: و لو تثبت.

______________________________

(1) في ص 106.

(2) الحدائق 1: 497.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 5، و المحقق في النافع 5، و العلامة في التذكرة 1: 5.

(5) ص 20.

(6) التهذيب 1: 223- 640، البحار 10: 278، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 46

يهودي، فقال: «نعم» فقلت: من ذلك الماء الذي شرب منه؟ قال: «نعم» «1».

و صحيحة زرارة: عن الحبل يكون من شعر الخنزير، يستقى به الماء من البئر، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: «لا بأس» «2».

و روايته: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقي به الماء، قال: «لا بأس» «3».

و رواية بكّار: الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في

مكان قذر ثمَّ يدخله الحبّ، قال: «يصب من الماء ثلاث أكفّ ثمَّ يدلك الكوز» «4».

و رواية عمر بن يزيد: أغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ماء ينزو من الأرض، فقال: «لا بأس به» «5».

و مرسلة الوشاء: «أنه كره سؤر اليهودي و النصراني» «6» و غير ذلك.

و أنّه لو انفعل القليل، لاستحال إزالة الخبث به، و الانفعال بعد الانفصال غير معقول، لاستلزامه تأثير العلّة بعد عدمها، مع عدمه حين وجودها.

و الجواب: أما عن الثلاثة الأولى: فظاهر. و كذا عن الرابع، لالتحاقه بالعمومات لشموله للجاري، بل لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القليل أيضا.

و أمّا عن بواقي الروايات: فبجواز أن يراد من الاضطرار ما توجبه التقية في الصحيحة الاولى، بل هو معنى الاضطرار إلى التوضؤ منه، و أمّا حال انحصار

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 641، الاستبصار 1: 18- 38، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 3.

(2) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(3) التهذيب 1: 413- 1301، الفقيه 1: 9- 14 مرسلا، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.

(4) الكافي 3: 12 الطهارة ب 8 ح 6، الوسائل 1: 164 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 17.

(5) الكافي 3: 14 الطهارة ب 9 ح 8، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.

(6) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 6، التهذيب 1: 223- 639، الاستبصار 1: 18- 37، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 47

الماء فهو ليس اضطرارا إلى الوضوء أو

الماء، لإمكان التيمّم، مضافا إلى احتمال التقية.

و هو الجواب عن الموثّقة، مع إمكان إرادة ما إذا ظنّ أنّه يهوديّ و لا يعلم، بل هو الظاهر من قوله: «على أنّه» إلى آخره.

و باحتمال رجوع الإشارة إلى ماء البئر دون المستقى في صحيحة زرارة، مع عدم دلالتها على ملاقاة الحبل لماء الدلو، أو المتقاطر منه عليه.

و كون الاستقاء للزرع و شبهه في روايته.

و بعدم دلالة رواية بكار على رطوبة أسفل الكوز، مع أنّ أمره بصبّ الماء عليه يمكن ان يكون لتطهيره.

و عدم دلالة رواية عمر على نزو الماء من المكان النجس مع أنّه وارد.

و باحتمال إرادة الحرمة من الكراهة في المرسلة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها، و يؤيّدها ذكر ولد الزنا في الحديث أيضا.

ثمَّ مع تسليم دلالة الجميع و معارضته لأخبار النجاسة، فالترجيح لها، لعدم حجّيته، لمخالفته لشهرة القدماء «1»، و لمذهب رواته، بل للإجماع، مع كونه بين عامّ، و ضعيف، و موافق لمذهب العامّة [1].

و منه يظهر الجواب عن سائر الأخبار المناسبة للطهارة أيضا.

و أمّا عن الأخير: فبأنّ التطهير بإيراد الماء و هو لا ينجّس، مع أنّ الإزالة بالمتنجّس ممكنة، كحجر الاستنجاء.

و قد ينتصر المخالف: بوجوه هيّنة سخافتها بيّنة.

للشيخ على القولين «3»: صحيحة علي: عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك

______________________________

[1] كموثقة عمار و صحيحة زرارة بملاحظة تجويز التوضؤ أو الشرب من سؤر اليهودي. و جمهور العامة قائلون بطهارة أهل الكتاب راجع نيل الأوطار 1: 88، المغني 1: 98.

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 72.

(3) المتقدمين ص 35 رقم 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 48

الدم قطع صغارا فأصاب إناءه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «إن لم يكن شي ء يستبين في الماء فلا بأس، و إن

كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه» «1» بضميمة تنقيح المناط للأول.

و عدم إمكان التحرّز منه.

و كون تعميم أخبار انفعال القليل بالإجماع المركّب المنفيّ هنا.

و يضعّف الأول- مع مخالفته للشهرتين- باحتمال كون «يستبين» خبرا لا صفة، و يؤيّده زيادة لفظة «في الماء» فيكون نفي البأس للبناء على يقين الطهارة.

و تأييد كونه صفة بقوله: «شيئا بيّنا» معارض- مع ما مرّ- بظهور كون «إن لم يكن» ناقصة بقرينة «إن كان».

على أنّها أيضا لا تفيد، لجواز استناد نفي البأس إلى أصالة عدم الوصول، حيث إنّ المعلوم عادة عدم حصول العلم بوقوع ما لا يستبين غالبا.

و الثاني: بالمنع.

و الثالث: بعموم كثير مما تقدم.

فروع:

أ: ورود الماء و عكسه أعمّ من أن يكون من الفوق، أو التحت، أو أحد الجانبين، للأصل في الأول، و إطلاق طائفة من الأخبار [1] في الثاني.

ب: لو تواردا، فالظاهر النجاسة، لوجود المقتضي و هو ورود النجاسة [2].

ج: ظاهر كلام الحلّي، و السيّد «4»، و مقتضى الأدلّة عموم الحكم بالطهارة

______________________________

[1] أي الأخبار الدالة على انفعال القليل بورود النجاسة عليه.

[2] فرع: لو ورد الماء على مائع نجس فامتزجا فالظاهر النجاسة لعدم قول بطهارة النجس حينئذ، و لا باختلاف حكم الممتزجين. مع أن مثل ذلك لا ينفك عن ورود النجاسة على الماء و لو عن الأسفل على بعضه (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، التهذيب 1: 412- 1299، الاستبصار 1: 23- 57، الوسائل 1: 150، أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(4) السرائر 1: 181، الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 49

في كل ماء وارد، سواء كان غاسلا لمتنجّس، أو راجعا و مترشّحا من نجس، أو مستدخلا فيما فيه نجاسة،

أو واردا على ما لا يقبل التّطهير. و هو كذلك، إلّا أن الأول «1» صرّح بنجاسة الثاني، و هو للاحتياط موافق.

د: لو تلاقيا من غير ورود لأحدهما، كما إذا وصل بين مائين أحدهما نجس بانبوبة، و أزيل ما بينهما من مانع الملاقاة، أو وقع ذو نفس في ماء فمات، أو أخذ من كثير قليل مع ما فيه من النجاسة دفعة، أو صار الكثير الذي فيه عين نجاسة غير مغيّرة أقلّ من الكر، فظاهر الأكثر التنجّس و هو كذلك، لرواية ابن حديد «2»، لظهور أنّ انفصال ماء الدلو و الفأرة عن ماء البئر، لا يكون إلّا معا، و هي و إن اختصّت ببعض الصور، إلّا أنّ التعميم بعدم الفصل.

و أمّا الموثّقة المتقدّمة عليها «3»، فهي و إن عمّت المورد من جهة ترك الاستفصال: إلّا أنّ العموم هنا غير مفيد، لما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية: لا خلاف في سراية النجاسة من الأعلى، و هل تسري إليه؟

صرّح في المدارك «4» و اللّوامع بالعدم مدّعيين عليه الإجماع، و هو ظاهر بعض آخر أيضا، و لم أعثر على مصرّح ممّن تقدم على الأوّل.

و القول الفصل: أن علوّ بعض الماء إمّا أن يكون في العلوّ بالهواء، كالمتنسّم [1] من الميزاب. أو في الأرض، كالمنحدر في المنحدرة منها. أو في الإناء، إمّا بكونه في إناءين مختلفين سطحا اتّصل أحدهما بالآخر من أسفله، أو في إناء فيكون جزء أعلى و جزء أسفل.

______________________________

[1] سنّم الشي ء: رفعه. و سنّم الإناء: إذا ملأه حتى صار فوقه كالسنام. و سنّم الشي ء و تسنّمه: علاه و كل شي ء علا شيئا فقد تسنّمه. لسان العرب 12: 307.

______________________________

(1) السرائر 1: 181 صرح بنجاسة الغسلة الأولى من الولوغ.

(2) المتقدمة ص 41.

(3) ص 40.

(4) المدارك 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص:

50

فما كان من أحد الأولين- و لا يكون إلّا مع الجريان- فلا سراية، للإجماع القطعي، بل الضرورة في الجملة، المعلومة من الطريقة المستمرّة في التطهير [1]، و لأنّ العالي فيهما جار و وارد، و قد عرفت عدم تنجّسهما.

و ما كان من الأخير فالظاهر فيه السراية، مع عدم ورود الماء، لإطلاقات كثير من أخبار النجاسة «2»، و ظهور حكايات الإجماع في الأوّلين.

نعم للقائل بانصراف المطلق إلى الشائع الوجوديّ مطلقا، النظر في تلك الإطلاقات، و لكنّه خلاف التحقيق

المسألة الثالثة: لا يطهر القليل النجس بإتمامه كرّا و لو بالطاهر

، وفاقا للإسكافي «3»، و الشيخ «4»، و الفاضلين «5»، و الشهيدين «6»، و أكثر المتأخرين «7»، للأصل، و الاستصحاب.

خلافا للسيد، و الحلّي «8»، و ابن سعيد، و القاضي «9»، و الديلمي، و الكركي «10» مطلقا، و لابن حمزة «11» إن تمَّ بالطاهر، للنبوي «12» المجمع على

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: التطهّر.

______________________________

(2) المتقدمة ص 36 إلى 41.

(3) نقله عنه في المختلف: 3.

(4) الخلاف 1: 194، المبسوط 1: 7.

(5) المحقق في المعتبر 1: 51، و الشرائع 1: 12، و العلامة في التذكرة 1: 4، و التحرير 1: 4، و المنتهى 1: 11.

(6) الأول في الدروس 1: 118، و الثاني في الروضة 1: 35.

(7) منهم صاحبا المدارك 1: 41، و الذخيرة: 125.

(8) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الاولى): 361، السرائر 1: 63.

(9) الجامع للشرائع: 18، المهذب 1: 21.

(10) المراسم: 21، جامع المقاصد 1: 134.

(11) الوسيلة: 73.

(12) عوالي اللئالي 1: 76 و 2: 16، المستدرك 1: 198 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 51

صحّتها عند الفريقين بشهادة الحلّي «1»: «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا».

و دعوى الإجماع من الحلّي «2».

و الأوّل مندفع: بعدم الدلالة.

و الثاني:

بعدم الحجية.

و قد ينتصر لذلك: بوجوه أخر ضعفها ظاهر.

______________________________

(1) السرائر 1: 63.

(2) السرائر 1: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 52

البحث الثاني: في الكرّ
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا ينفعل الكرّ بمجرّد الملاقاة

، وفاقا للمعظم، للأصل، و العمومات «1»، و خصوص ما تقدّم من المستفيضة «2»، و منها ما يصرّح بعدم تنجّس الحياض «3».

خلافا للمفيد، و الديلمي «4»، فخصّاه بما عدا الحياض و الأواني، و لظاهر النهاية «5»، فبغير الثاني، لعموم النهي عن استعمال مائه مع الملاقاة.

و هو- مع كونه أخصّ من مدّعى الأولين- مخصوص بالقليل بشاهد الحال.

و لو سلّم فمعارض بعموم ما دلّ في الكرّ على عدم الانفعال، فلو رجّحناه بالكثرة، و موافقة الشهرة، و ظهور الدلالة، و إلّا فالمرجع أصل الطهارة. مع أنّ ورود كلام المخالف مورد الغالب محتمل، كما فهمه الشيخ «6» من كلام أستاذه، و هو أعرف بمذهبه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن موثّقة أبي بصير: عن كرّ ماء مررت به و أنا في سفر قد بال فيه حمار، أو بغل، أو إنسان، قال: «لا تتوضأ منه و لا تشرب» «7».

مضافا إلى عدم صراحتها في النهي، و معارضتها مع ما دلّ على طهارة بول الأولين.

______________________________

(1) عمومات طهارة الماء المتقدمة في ص 11.

(2) راجع ص 36.

(3) التهذيب 1: 417- 1317، الوسائل 1: 162 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12.

(4) المقنعة: 64، المراسم: 36.

(5) النهاية: 5.

(6) التهذيب 1: 218، لتوضيح الحال فيه راجع الحدائق 1: 226.

(7) التهذيب 1: 40- 110، الاستبصار 1: 8- 8، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 53

و هل يشترط في عدم انفعاله تساوي سطوحه الظاهرة؟ أم يكفي الاتصال مطلقا؟ أو مع الانحدار خاصّة دون التسنّم؟ أو في تقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس؟

الأظهر الثاني، و هو صريح الروض «1» و ظاهر الأكثر، كما فيه و في اللوامع، للأصل،

و عمومات طهارة الكرّ، السالمين عمّا يصلح للمعارضة، لعدم عموم في أكثر أدلّة انفعال القليل، لاختصاصه بصور مخصوصة ليس المورد منها، و ظهور ما لم يكن كذلك في غير ذلك.

و جعل عمومات الكرّ مختصّة بما لم يحتمل العهد، لعدم كون عمومها وضعيّا، من حيث ورودها بلفظ المفرد المحلّى، و تقدّم السؤال عن الماء المجتمع عهد «2». مدفوع: بمنع عدم كون عموم المفرد وضعيّا أوّلا، و منع تقدّم السؤال في الجميع ثانيا، و منع كون المسؤول عنه متساوي السطوح ثالثا، و جريان مثله في طرف النجاسة فيختصّ بغير متّصل بالكرّ و ينفى في المتّصل بالأصل رابعا.

للأول- و هو لبعض المتأخرين «3»-: ظهور اعتبار الاجتماع في الماء، و صدق الوحدة و الكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمّنة لحكم الكرّ «4» اشتراطا أو كمّيّة، و تطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة.

و الجواب أولا: أنّ هذا الظهور ليس ظهورا بعنوان الاشتراط، و إنّما هو ناش من كون المورد كذلك، و هو لا ينافي العموم.

و ثانيا: أنّ اللازم منه اعتبار صدق الاجتماع العرفيّ دون المساواة، فإنّه ليس دائرا مدارها، بل قد يتحقّق مع الاختلاف، كما قد ينتفي مع المساواة كالغديرين المتّصلين بانبوبة ضيّقة ممتدّة.

______________________________

(1) الروض: 135.

(2) كما في المعالم: 12.

(3) المعالم: 12.

(4) الوسائل 1: 158، 164 أبواب الماء المطلق ب 9، 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 54

و أكثريّة صور الانتفاء في الأوّل لا توجب اشتراط عدمه مع أنّها ممنوعة.

بيانه: أنّ الاختلاف إمّا لأجل وصل الغديرين المختلفين، أو التسنّم، أو الانحدار. و المؤثّر في الانتفاء- لو سلّم- ليس إلّا امتداد الثقبة الواصلة، أو ضيقها في الأوّل، و امتداد سطح الماء و بعد أوّله عن آخره في الثانيين، لظهور

أنّ أصل التسنّم و الانحدار لا يوجب نفي الوحدة، و كلّ من الأمرين يجتمع مع التساوي أيضا، مع أنّ الجريان في الثانيين أيضا يمنع عن الانفعال.

و قد يجاب «1» أيضا: بأنّ أخبار الكرّ كما دلّت على اعتبار الوحدة منطوقا، فاعتبرت لأجله المساواة، كذلك دلّت على اعتبارها مفهوما فيما نقص عنه، فيختصّ الانفعال بصورة الوحدة و الاجتماع، فيكون المفروض خارجا عن عموم المنجّسات، يبقى الأصل سليما عن المعارض.

و فيه: أنّ مدلول المفهوم حينئذ أنّ الماء الواحد المجتمع الناقص ينفعل، و لا يضرّ فيه اتّصاله بما يصير معه كرّا لو لم يوجب كريّته، و كانت الوحدة منفيّة معه.

و للثالث: صدق الوحدة و الاجتماع مع الانحدار دون التسنّم «2».

و جوابه ظهر ممّا مر.

و للرابع- و هو للتذكرة و الذكرى و الدروس و البيان و شرح القواعد «3»-: عدم تنجّس الأعلى بنجاسة الأسفل فلا يطهر بطهره، إمّا لعدم معقوليّة التأثير فيه دونها، أو لدلالته على عدم اتّحادهما في الحكم و عدم وحدتهما، أو لاستلزامه عدم اندراج مثل ذلك إذا كان قليلا في مفهوم روايات الكرّ، فلا يشمله منطوقها أيضا إذا كان كثيرا.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 3.

(2) كما في المدارك 1: 44.

(3) التذكرة 1: 4، الذكرى: 9، الدروس 1: 121، البيان: 99، جامع المقاصد 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 55

و الجواب: أنّ عدم المعقولية ممنوع.

و دلالته على عدم الاتّحاد في جميع الأحكام غير مسلّمة، لإمكان عدمه في البعض خاصّة، و عدم السراية مع الوحدة لدليل آخر.

و عدم تنجّس الأعلى كلّما «1» ثبت فإنّما هو للتخصيص في المفاهيم، دون عدم الاندراج، على أنّه يوجب عدم نجاسة الأسفل أيضا و عدم تقوّيه.

و الوجوه التي ذكروها للفرق ضعيفة جدّا.

و

إذ عرفت كفاية الاتّصال، فهل يشترط معه أن لا يكون باختلاف فاحش، كالصبّ من الجبل و لا بمثل انبوبة ضيّقة ممتدّة، أم لا؟

الظاهر الثاني، لعموم «إذا بلغ» و صدق الوحدة، و منع ظهور اشتراط الاجتماع العرفي.

و تردّد في اللوامع، لما ذكر، و لوجوب الحمل على المتعارف.

و فيه: منع التعارف، سيّما بحيث يصلح لتخصيص العام و تقييد المطلق.

المسألة الثانية: قد مرّ أنّه يطهر- إذا تنجّس- بالجاري

مع زوال التغيّر به أو قبله، و بإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول إن كان باقيا، و إلّا فكرّ مع اشتراط الامتزاج فيهما و المساواة، أو العلوّ في الأوّل و الدفعة في الثاني. و يشترط فيه أيضا عدم تغيّر بعض الملقى ابتداء في الكرّ الأخير.

و لا يطهر بزوال التغيّر من قبل نفسه أو الرياح، للاستصحاب لا لعموم أدلّة نجاسة المتغيّر، لمنع التغيّر. و لا لدلالة النهي عن الوضوء و الشرب على الدوام، لتقييده بما دام كونه متنجّسا قطعا.

خلافا لصاحب الجامع، و احتمله في النهاية «2»، للأصل، و انتفاء المعلول بانتفاء علّته.

______________________________

(1) في «ق»: كما.

(2) الجامع للشرائع: 18، نهاية الإحكام 1: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 56

و الأصل بما ذكر ساقط، و عليّة التغيّر ممنوعة، و إنّما هو أمارة. سلّمناها و لكنّه علّة للحدوث، و البقاء معلول للاستصحاب.

المسألة الثالثة: للأصحاب في معرفة الكرّ طريقان:
أحدهما: الوزن،

و هو ألف و مائتا رطل، للإجماع المحقّق، و المنقول مستفيضا، و عدّه الصدوق في أماليه من دين الإمامية «1»، و مرسلة ابن أبي عمير:

«الكرّ من الماء، الذي لا ينجّسه شي ء، ألف و مائتا رطل» «2».

و إرسالها على أصلنا غير قادح، و كذا على غيره، للإجماع على تصحيح ما يصحّ عن مرسلها [1]، و شهادة جماعة بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة «4».

مضافا إلى انجبارها بالعمل، بل في المعتبر: لا أعرف من الأصحاب رادّا لها «5».

و لا تنافيها صحيحة محمد «6»، و مرفوعة ابن المغيرة: «الكر ستمائة رطل» «7» (كما يأتي) [1]. و لا الأخبار المقدّرة له بحب مخصوص، أو قلّتين أو أكثر من رواية،

______________________________

[1] كما ادّعاه الكشي في رجاله 2: 830 راجع لتحقيق أصحاب الإجماع خاتمة المستدرك 3: 757 و مقدمة معجم الرجال: 59.

[1] لا

توجد في «ق».

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 514 (المجلس 93).

(2) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 6، التهذيب 1: 41- 113، الاستبصار 1: 10- 15، الوسائل 1: 167 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1.

(4) عدة الأصول 1: 386، الذكرى: 4، النهاية للعلامة على ما حكى عنه في خاتمة المستدرك 3:

649.

(5) المعتبر 1: 47.

(6) التهذيب 1: 414- 1308، الاستبصار 1: 11- 17، الوسائل 1: 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 3.

(7) التهذيب 1: 43- 119، الاستبصار 1: 11- 16، الوسائل 1: 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 57

و ما يشبهها «1»، لأنّ منها ما يسعها، كما تشهد به رواية المسائل المتقدمة في القليل «2»، و قلال هجر [1]، بضميمة تفسير اللغويين كلا منها بما يقرب الآخر، فهي إمّا مطلقة، أو مجملة، فتحمل على المقيد أو المبيّن، مع أنّ الحمل على التقية ممكن.

و الأرطال على الحق المشهور: عراقية، دون المدنيّة التي تزيد عليها بنصفها، كما عن الفقيه، و السيّد في المصباح، و الانتصار، و الناصريات «4».

لا للأصل، و الاستصحاب، و عمومات الطهارة «5»، و خصوص كل ماء طاهر «6»، و تعيّن الأخذ بالأقلّ عند الشكّ في الأكثر عند تعلق حكم بالكر، كوجوبه في بعض المنزوحات، و الاحتياط في وجه، و الأقربية إلى الأشبار، سيما على قول القميين [2]، و إلى الحب و مثله، و الموافقة لعرف السائل «8».

لأنّ الأربعة الأولى مردودة: بأنّ غاية ما ثبت منها طهارة ما بلغ هذه الأرطال بالعراقيّة لو لاقت نجاسة، لا كونه كرّا، لانتفاء الملازمة، فيترتّب عليه ما يتبع الطهارة، كجواز الاستعمال، دون الكرية، كتطهير الكر أو القليل به. و حينئذ فيعارضها أصالة

عدم المطهرية، و استصحاب نجاسة ما يراد تطهيره.

و ضمّ الإجماع المركب مع الطهارة لإثبات الكرية معارض بضمّه مع عدم

______________________________

[1] القلّة، قال أبو عبيده: «القلّة: حب كبير» و هجر بفتحتين بلد بقرب المدينة .. و هجر أيضا ..

من بلاد نجد، و في تحديد قلال هجر اختلاف، راجع المصباح المنير: 514، 634.

[2] و هو أن الكر ما بلغ تكسيره بالأشبار سبعة و عشرين و سيأتي التعرض له في ص 60.

______________________________

(1) الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 3 و ص 164 ب 10 و راجع ص 36 من الكتاب.

(2) مسائل علي بن جعفر: 197- 420، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 16 و تقدمت ص 40 رقم 4.

(4) الفقيه 1: 6، الانتصار: 8، الناصريات (الجوامع الفقهية): 178.

(5) الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37.

(6) الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(8) هذه وجوه استدلّ بها في الرياض 1: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 58

المطهرية لنفيها.

على أنها إنما تفيد لو لم يشمل أدلة النجاسة مثل ذلك الماء، و شمول كثير من غير المفاهيم له لا شكّ فيه، فيسقط الاستدلال بها رأسا.

و الخامس: بمعارضته بأصالة بقاء البئر على الحالة السابقة على النزح.

و السادس: بالمعارضة بالمثل مع عدم كونه دليلا.

و السابع: بأنّ ما يفيد، هو القرب دون الأقربيّة، إذ الاختلاف بعد ما كثر لا يختلف بالكثرة و القلّة فيما يفيد هنا، مع أنّ أقربيّته إلى ما هو المشهور بالمحسوس ممنوع، و كذا إلى الحبّ و القلتين فإنّه قد حكي «1» أنّ من قلال هجر ما يسع تسع قرب.

و الثامن: بمنع الحمل على عرف السائل إذا علم المخالفة و علم المتكلّم علمه- كما هو الظاهر

في المورد- سيما إذا خالف عرف بلد السؤال، مع أنّ السائل هنا غير معلوم.

بل للصحيحة و المرفوعة المتقدمتين «2»، لعدم إمكان حملهما على غير المكية الموافقة لضعفها من العراقية قطعا، لمخالفته الإجماع، فيتعين.

و تجويز العاملي «3» حملها على المدينة لقربها من قول القميين في الأشبار مدفوع: بأنّ المراد مخالفة الإجماع في الأرطال، مع أنّ القرب بدون الموافقة غير مفيد.

و لأنّ اجتماعهما مع المرسلة قرينة على إرادة المكية منهما كالعراقية منها.

و يؤيده: الاشتهار، لا الشيوع في الأخبار كما قيل «4». و رواية الشنّ «5»

______________________________

(1) لم نعثر عليه، نعم حكى في المعتبر 1: 45 عن ابن دريد أنه يسع خمس قرب. راجع الحدائق 1:

252، المصباح المنير: 514.

(2) ص 56.

(3) الروض: 140.

(4) الرياض 1: 5.

(5) الكافي 6: 416 الأشربة ب 24 ح 3، التهذيب 1: 220- 629، الاستبصار 1: 16- 29، الوسائل 1: 203 أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 59

معارضة بأكثر منها و أصح من أخبار «1» المد و الصاع «2».

ثمَّ للمخالف: الاحتياط، و موافقة عرف البلد، و اشتراط عدم الانفعال بالكريه، فما لم يعلم يحكم به، و أصالة عدم الكرية، و التكليف بالاجتناب عن النجس و استعمال الطاهر، و اليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا نقص من الأرطال المدنية الملاقي للنجاسة و استعمال ما بلغها.

و يرد الأولان: بما مر. و البواقي: بسقوط الأصل، و حصول العلم بالكريه و القطع بالبراءة بما ذكرنا من الدليل.

مضافا إلى ما في الثالث من التعارض بالمثل، مع أنه غير مفيد، لأنّ المفروض انتفاء العلم بالشرط دون نفسه، فينتفي العلم بعدم المشروط، فيرجع إلى الأصل.

و في الرابع: بالمعارضة بما إذا كان زائدا عن الكر

فنقص تدريجا.

و قد يرد ذلك أيضا: بمنع صحة أصالة عدمها. و في صحته «3» كليا نظر ظاهر.

ثمَّ العراقي مائة و ثلاثون درهما كما عليه الأكثر، لأنّ المدني الذي مثله و نصفه- للإجماع و روايتي علي بن بلال «4» و جعفر الهمداني «5»- مائة و خمسة و تسعون

______________________________

(1) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7، و الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50.

(2) كصحيحة زرارة في قدر ماء الوضوء، و المد رطل و نصف الصاع ستة أرطال فان الرطل فيها مدني قطعا (منه ره).

(3) في «ه»: صحّتها.

(4) الكافي 4: 172 الصوم ب 75 ح 8، التهذيب 4: 83- 242، الاستبصار 2: 49- 162، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.

(5) الكافي 4: 172 الصوم ب 75 ح 9، الفقيه 2: 115- 493، التهذيب 4: 83- 243، الاستبصار 2: 49- 163، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 60

درهما، لتصريح الأصحاب «1» و روايتي جعفر «2» و إبراهيم الهمدانيين «3».

خلافا لبعض [1] فقال: مائة و ثمانية و عشرون «5». و لم أعثر على دليله.

و في رواية المروزي: «المد مائتان و ثمانون درهما» «6».

و يستفاد منها، بضميمة ما يصرح من الأخبار بكونه ربع الصاع و كون الصاع تسعة أرطال عراقية «7»: أنّ كلّ رطل مائة و أربعة و عشرون درهما و أربعة أتساعه، و لم أقف على قائل به.

ثمَّ لكون كلّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي و كونه ثلاثة أرباع الصيرفي، يكون العراقي ثمانية و ستّين مثقالا بالصّيرفي. و لكون المنّ الشاهي المتعارف اليوم في بلدنا و ما قاربه ألفا و مائتين و ثمانين صيرفية،

يكون الكر أربعة و ستين منّا إلّا عشرين صيرفيا.

و ثانيهما: المساحة

، و هي على المشهور: ما بلغ تكسيره بالأشبار اثنين و أربعين و سبعة أثمان.

و عند الصدوق و القمّيين ما بلغ سبعة و عشرين «8»، و اختاره في المختلف «9»، و المحقق الثاني في حواشيه عليه، و ثاني الشهيدين في الروضة و الروض «10»، و ظاهر

______________________________

[1] في «ق»: لبعضهم.

______________________________

(1) يراجع الحدائق 1: 245.

(2) المتقدمة في ص: 59 رقم 5.

(3) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44: 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(5) التحرير 1: 62.

(6) التهذيب 1: 135- 374، الاستبصار 1: 121- 410، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

(7) الوسائل 9: 332 ب 6 و 340 ب 7 من أبواب زكاة الفطرة.

(8) المقنع: 10، المختلف: 3.

(9) المختلف: 4.

(10) الروضة 1: 34، الروض: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 61

الأردبيلي «1»، و والدي العلامة طاب ثراه.

و الإسكافي: أنّه ما بلغ نحو مائة شبر «2».

و الراوندي: أنّه ما بلغ أبعاده عشرة و نصفا «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    61     و ثانيهما: المساحة ..... ص : 60

الشلمغاني أنّه ما لا يتحرك جنباه بطرح حجر في وسطه «4». و ابن طاوس اكتفى بكلّ ما روي «5».

و في المعتبر مال إلى ما بلغ تكسيره ستة و ثلاثين «6»، و استوجهه في المدارك «7».

للأول: موثقة أبي بصير: «إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصفا في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض، فذلك الكر من الماء» «8».

و رواية الثوري «9»: «إذا كان الماء في الركي «10» كرا لم ينجسه شي ء» قلت:

و كم الكر؟ قال: «ثلاثة أشبار و

نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها» «11».

و في الاستبصار بزيادة: «ثلاثة أشبار و نصف طولها» «12».

و تضعيف سند الأولى: بجهالة أحمد بن محمد بن يحيى، و اشتراك أبي

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 260.

(2) نقله عنه في المختلف: 3.

(3) نقله عنه في المختلف: 3.

(4) نقله عنه في المختلف: 3.

(5) نقل عنهم في الذكرى: 9.

(6) المعتبر 1: 45.

(7) المدارك 1: 51.

(8) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 5، التهذيب 1: 42- 116، الاستبصار 1: 10- 14، الوسائل 1:

166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 6. الموجود في الكافي و الاستبصار: (و نصف) و في التهذيب كما في المتن.

(9) الحسن بن صالح الثوري (منه رحمه اللّه).

(10) الرّكيّة: البئر و جمعها ركيّ و ركايا (الصحاح 6: 2361).

(11) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 4، التهذيب 1: 408- 1282، الوسائل 1: 160 أبواب الماء.

المطلق ب 9 ح 8.

(12) الاستبصار 1: 33- 88 و لا يخفى أن الزيادة إنما هي في بعض نسخ الاستبصار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 62

بصير، و سند الثانية بالثوري «1» ضعيف، لأنّ أحمد هذا و إن لم يعدل و لكنّه من المشايخ، و هو كاف في تعديله، مع أنّ في الكافي: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، و هو ابن محمد بن عيسى بقرينة طرفيه «2»، و أبا بصير هو البختري «3» لذلك «4».

و الثانية مشتملة على السراد، الذي أجمعوا على صحة ما صح عنه. مع أنّ الشهرة للضعف جابرة لو كان.

و اعترض عليهما: بعدم الدلالة، لعدم تحديد أحد الأبعاد فيهما «5».

و ردّ: بمنعه لشيوع الاكتفاء بمثل ذلك في تحديد الأبعاد الثلاثة، لدلالة سوق الكلام عليه، و جريان مثله في محاوراتهم

«6»، و لفهم الأصحاب «7»، مع إمكان إرجاع الضمير في «عمقه» إلى المقدار المدلول عليه بثلاثة أشبار و نصف، فتشمل الاولى على بيان الثلاثة، و كذا الثانية، لاستلزام تحديد العرض بهذا المقدار تحديد الطول به أيضا، و إلّا لما كان طولا، و وجب بيانه لو زاد، مع أنّ في الاستبصار صرّح به و هو كاف.

و الجميع منظور فيه:

______________________________

(1) المدارك 1: 49.

(2) طرفه الأول محمد بن يحيى العطار و الثاني عثمان بن عيسى (منه رحمه اللّه).

(3) هو ليث المرادي البختري (منه رحمه اللّه).

(4) طرفه الأول ابن مسكان و الثاني الصادق (ع) (منه رحمه اللّه).

(5) الروض: 140.

(6) الحبل المتين: 108، الذخيرة: 122 (و عدّوا منه قول جرير:

كانت خثيمة أثلاثا فثلثهم

من العبيد و ثلث من مواليها.

و قوله عليه السلام: «حبّب إليّ من دنياكم ثلاث. الطيب و النساء و قرّة عيني في الصلاة» و قوله سبحانه: «فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم» (منه رحمه اللّه).

(7) كما ادعاه في الحدائق 1: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 63

فالأول: لمنع الشيوع «1».

و الثاني: لمنع الحجية ما لم يصل حد الوفاق.

و الثالث: بعدم إفادته المطلوب، لعدم وجوب مساواة عمق المقدار له إلّا بجعل الإضافة بيانية، أو «في الأرض» حالا من المدلول، و كلاهما خلاف الظاهر، مع أنّ الجميع احتمال لا يكفي في الاستدلال.

و منه يظهر أيضا عدم إمكان الاستناد إلى ما في بعض نسخ الكافي من جرّ لفظ «نصف» في الموضعين بجعله جرّ الجوار، أو بحذف المضاف إليه و إعطاء إعرابه المضاف، و جعل «ثلاثة أشبار و نصف» الثاني خبرا بعد خبر ل «كان» «2»، فإنّه أيضا محض احتمال.

و الرابع: بإمكان إرادة القطر من العرض، بل هو الظاهر، لاستدارة الركي، فيبلغ تكسيره

ثلاثة و ثلاثين و نصفا تقريبا.

و بهذا يظهر وجه آخر لردّ الأولى، لأنّ الشيوع لو سلّم، إنّما يفيد لو كان المحدود غير المستدير، و هو غير معلوم، بل يمكن جعل الاكتفاء بالحدين- مضافا إلى شيوع المستدير في زمان المعصوم و بلده- قرينة على إرادته.

و كذا يظهر أيضا عدم دلالة الثانية على ما في الاستبصار، و ذكر الأبعاد لا يفيد، لتحقّقها في المستدير أيضا، غاية الأمر أنّها متساوية، و فيما نحن فيه أيضا كذلك.

و قد يستدلّ أيضا: بأنّ الفريقين مجمعون على اعتبار ألف و مائتي رطل، و لا ريب أنّ الثاني أقلّ من ذلك، فيسقط، بخلاف الأول، فإنّه يزيد عليه بشي ء يحمل على الاستحباب، فلا مناص عن العمل بالمشهور، و يكون التحديد به توسعة فيه بأخذ جانب الاحتياط غالبا «3».

______________________________

(1) مع أن الأمثلة التي ذكروها للشيوع لا يتّحد غير المذكور فيها مع المذكور (منه رحمه اللّه).

(2) غنائم الأيام: 85.

(3) غنائم الأيام: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 64

و فيه:- مع كونه اعترافا بكون الكرّ غير ذلك- أنّه لم لا يجعل الثاني كرا و تحمل الزيادة في الوزن على الاستحباب؟ و جعل الوزن أصلا، لأجل كونه أضبط مما لا يصلح معولا عليه في الأحكام، إلّا أن يجعل الإجماع معيّنا للوزن، و عدم كونه أقلّ من ذلك.

للثاني: صحيحة ابن جابر: قلت: و ما الكر؟ قال: «ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» «1».

و ردّ: بالضعف في السند. و هو ليس في موقعه [1].

و في الدلالة، لما مرّ.

و أجيب: بالشيوع المتقدم.

و فيه: ما سبق من أنّه يثمر لو اختص المحدود بغير المستدير، و إلّا فيبلغ التكسير واحدا و عشرين و سبعا و نصف، و لا شاهد على الاختصاص.

و هو بعينه

الجواب عن رواية المجالس: «الكر، هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا» «3». و ذكر الأبعاد غير مفيد كما مر

______________________________

[1] بيانه: أنه رواها في التهذيب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه (ع) و في موضع آخر: عن محمد بن سنان مكان عبد اللّه، قال: في المنتقى: إن اختلاف محمد و عبد اللّه في الطبقة يدل على خطأ أحدهما، و الممارسة تحكم بأن الخطأ في عبد اللّه، فالرواية ضعيفة، فإنّ محمد بن خالد البرقي، و محمد في طبقة واحدة فإنّهما من أصحاب الرضا (ع)، و أمّا عبد اللّه فليس من طبقة البرقي لأنه من أصحاب الصادق (ع)، و أيضا الواسطة بين الصادق (ع) و بينه تدل على أنه محمد لأنه متأخر عن زمانه (ع) بخلاف عبد اللّه. و لا يخفى ما فيه، فإنّ شيخنا البهائي صرّح بأن البرقي قد أدرك كثيرا من أصحاب الصادق (ع) و نقل عنهم، كما روى عن داود بن أبي يزيد حديث من قتل أسدا في الحرم، و عن ثعلبة حديث الاستمناء، و عن زرعة حديث صلاة الأسير، مع أن الشيخ عد البرقي من أصحاب الكاظم (ع). و أما الواسطة بينه و بين الصادق (ع) فكثير كتوسط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب. و توسط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 7، التهذيب 1: 41- 115 و 37- 101، الاستبصار 1: 10- 13، الوسائل 1: 159

أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.

(3) مجالس الصدوق: 514 (المجلس 93)، الوسائل 1: 165 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 65

هذا، مع عدم حجيتها، سيما مع المعارضة مع الأقوى.

و قد يؤيد بصحيحة أخرى لابن جابر: قلت له: الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال: «ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» «1» بحمل السعة على القطر.

و فيه:- مضافا إلى أنّه احتمال- أن التكسير يبلغ حينئذ ثمانية و عشرين و سبعين.

للثالث: رواية المقنع: «الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر» «2» بحمله على المستدير، كما يقتضيه الاكتفاء، فتكسيره يكون ثمانية و تسعين و سبع و نصف.

و فيه: مع عدم حجيّته و إجماله لما مرّ، المعارضة مع الأقوى.

للرابع: ما للأول لو أراد الجمع عند تساوي الأبعاد، أو مطلقا، مع عدم [دلالة] [2] لفظ «في» على الضرب.

و فيه: ما مر، مع ما في الثاني من شدة الاختلاف، فقد يكون تكسيره موافقا للمشهور، و قد يكون خمسة أثمان شبر، بل أقل. و لا مستند له ظاهرا لو أراد التكسير، كالخامس، مع ما فيه من عدم الانضباط.

للسادس: الجمع بين الروايات بحمل الزائد على الفضيلة، أو الكر على القدر المشترك، لعدم نفي شي ء منها إطلاقه على غير ما فيه.

و فيه:- مع أنّ الأول جمع بلا شاهد- أنّه مخالف للإجماع إن أريد بكلّ ما روي ما يشمل رواية القربة «4» و أمثالها. و الجهل بما روي، إن أريد ما يختص بالرطل و الشبر، أو الأخير، لما مرّ من الجهل بالمحدود. [على ] [1] أنّ من الروايات

______________________________

[2] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة المعنى.

[2] في جميع النسخ «عن» و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 41- 114،

الاستبصار 1: 10- 12، الوسائل 1: 164 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 1. و فيها: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ..».

(2) المقنع: 10، الوسائل 1: 165 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 1: 412- 1298، الاستبصار 1: 7- 7، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 66

ما لا يصلح للحجيّة.

للسابع: صحيحة ابن جابر الأخيرة، باستفادة تحديد الطول منها بأحد الوجوه المتقدمة، أو حمل السعة على البعدين.

و فيه: أنّه إنما يتم لو لم يكن المحدود المستدير.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف الجميع. و قد يرجح الأقل بالأصل و فيه ما سبق.

و الوجه عندي التوقف في المساحة و الاكتفاء في الكر بالوزن.

فائدة: نقل بعض المتأخرين [1] أنّه قدر ظرفا كان شبرا في شبر، فوسع ألفين و ثلاثمائة و ثلاثة و أربعين صيرفيا، و على هذا فيكون أقرب المساحات إلى الوزن المتقدم ما مال إليه المعتبر، فإنّه يكون ستة و ستين منّا بالمتقدم، و مائة و اثني و ثلاثين صيرفيا، و على المشهور أربعا و ثمانين منّا تقريبا، و على قول القميين واحدا و أربعين كذلك.

______________________________

[1] الظاهر أنه السيد الداماد (منه رحمه اللّه) و وجدنا التقدير المذكور بعينه في «الأربعين» للعلامة المجلسي ص 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 67

الفصل السادس: في البئر
اشاره

و هي معروفة و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا- بعد اتفاقهم على نجاسة مائها بالتغير

، تمسّكا به، و بعمومات نجاسة المتغير [1]، و خصوصاتها- في تنجسه بالملاقاة.

فالمشهور بين القدماء: التنجّس، و في الانتصار «2» و الغنية «3» الإجماع عليه، و في السرائر «4»، و عن المصريّات عدم الخلاف فيه «5»، بل في التهذيب أيضا «6»، و لكنه في ملاقاة البعير و الحمير، و في النكت و الروضة كاد أن يكون إجماعا «7»، و تبعهم جمع من الطبقة الثانية «8».

و بين المتأخرين: عدمه، تبعا للعماني «9»، و ابن الغضائري «10»، و هو مذهب الفاضل في أكثر كتبه «11»، و ولده «12»، و شيخه ابن الجهم «13»، و شرح القواعد «14»، و جعل أحد قولي الشيخ «15»، و لعله ظاهر بعض كلماته في كتابي

______________________________

[1] راجع المسألة الاولى من الفصل الأول ص 12.

______________________________

(2) الانتصار: 11.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(4) السرائر 1: 96.

(5) المصريات للمحقق نقل عنه في مفتاح الكرامة 1: 78.

(6) التهذيب 1: 240.

(7) الروضة 1: 35.

(8) المعتبر 1: 54، اللمعة (الروضة) 1: 35، الروض: 147.

(9) نقل عنه في المختلف: 4.

(10) حكى عنه الشهيد في غاية المراد بواسطة أبي يعلى الجعفري على ما في مفتاح الكرامة 1: 79.

(11) المختلف: 1، التذكرة 1: 4، التحرير 1: 4، القواعد 1: 5.

(12) الإيضاح 1: 17.

(13) راجع مفتاح الكرامة 1: 79.

(14) جامع المقاصد 1: 121.

(15) كما في المختلف: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 68

الحديث «1»، و لكن صريح بعض آخر منها ينادي بالنجاسة «2»، فحمله على ما لا ينافيها متعين.

و فصّل البصروي: بالكريه و عدمها «3»، و الجعفي: ببلوغ الذراعين في كل من الأبعاد و عدمه «4».

و المختار هو الثاني، للأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهارة الماء مطلقا،

أو مع عدم التغير، أو الكرية «5».

و خصوص المستفيضة، كصحيحتي ابن بزيع المتقدمتين «6» في الجاري، نفى فيهما مطلق الإفساد الذي هو التنجيس، أو ما «7» يستلزم نفيه نفيه «8»، بقرينة الكلام و شهادة المقام [1]، أو ما يشمله.

و حمله على ما يمنع الانتفاع إلا بعد نزح الجميع «10»، أو على التعطيل «11» تخصيص بلا دليل موجب لتخصيصات أخر.

و تخصيص الشي ء بغير ما ورد، أو الإفساد على غير النجاسة، فرع وجود ما يصلح له، و ستعرف انتفاءه.

و جهالة المجيب- مع كونها ممنوعة لشهادة الحال- إنما هي في إحداهما على

______________________________

[1] المراد بقرينة الكلام قوله «الا أن يتغير» و قوله «فينزح حتى يذهب ريحه» فإنه أعم من أن ينزح مقدار النجاسة أولا، و بشهادة المقام أن غير ما ذكر ليس من وظيفة الشارع (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) التهذيب 1: 232، و لم نعثر على كلام له في الاستبصار ظاهر في الطهارة.

(2) التهذيب 1: 240، 234، 408 ..، الاستبصار 1: 32، 36.

(3) نقله في غاية المراد على ما حكى عنه في مفتاح الكرامة 1: 79.

(4) نقل عنه في الذكرى: 9.

(5) راجع ص 11، 12، 23 من الكتاب.

(6) ص 21.

(7) أي عدم جواز الاستعمال (منه رحمه اللّه).

(8) في «ح» خ ل: بعينه.

(10) كما في التهذيب 1: 409، الاستبصار 1: 33.

(11) كما في المعتبر 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 69

بعض طرق التهذيب «1»، و أما البعض الآخر كطريق الاستبصار «2» لا جهالة فيه.

و صحيحة البصائر المتقدمة «3» في المطلق.

و صحيحة علي: عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين، أ يصلح الوضوء منها؟ قال: «لا بأس» «4».

و العذرة إما مختصة بالنجس

أو شاملة له بالإطلاق. و الحمل على نفي البأس بعد التطهر خلاف الأصل، لا تأخير عن وقت الحاجة كما قيل «5»، لجواز كون السؤال فرضيّا بل يعينه الترديدان.

و صحيحة ابن عمار: «لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر» «6» و التقييد بغير النابع لا شاهد له، و الأمر بالنزح لا يلائمه.

و رواية محمد بن أبي القاسم: في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر، يتوضأ منها؟ قال: «ليس يكره من قرب و لا بعد، يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء» «7».

و موثقة الشحام و ابن عيثم: «إذا وقع في البئر الطير، و الدجاجة، و الفأرة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 234- 676.

(2) الاستبصار 1: 33- 87.

(3) ص 12.

(4) التهذيب 1: 246- 709، الاستبصار 1: 42- 118، قرب الاسناد 180- 664، الوسائل 1:

172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 8.

(5) المدارك 1: 58.

(6) التهذيب 1: 232- 670، الاستبصار 1: 30- 80، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.

(7) الكافي 3: 8 الطهارة ب 5 ح 4، الفقيه 1: 13- 23، التهذيب 1: 411- 1294، الاستبصار 1: 46- 129، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 70

فانزح منها سبع دلاء» قلنا: فما تقول في صلاتنا، و وضوئنا، و ما أصاب ثيابنا؟

فقال: «لا بأس» «1».

و الحمل على غير الميتة يمنعه الأمر بالنزح، و على عدم العلم: الإطلاق، و نفي البأس عما أصاب الثوب بل عن الوضوء و الصلاة.

و من هذا تظهر صحة الاستدلال بموثقة أبي

بصير: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بئر يستقى منها، و يتوضأ به، و يغسل منه الثياب، و يعجن منه، ثمَّ يعلم أنّه كان فيها ميت، فقال: «لا بأس، و لا يغسل منه الثوب، و لا تعاد منه الصلاة» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و تؤيد المطلوب روايات أخر أيضا، كرواية ابن حديد المتقدمة «3»، و مرسلة الفقيه في البئر التي يتوضأ منها النبي «4»، و روايتي حسين بن زرارة «5» و أبيه «6».

و ما يدل على عدم إعادة الصلاة بالتوضؤ من البئر التي وقعت فيها الفأرة، كصحيحة ابن عمار «7»، و موثقة أبان «8»، و رواية أبي عيينة «9».

______________________________

(1) التهذيب 1: 233- 674، الاستبصار 1: 31- 84، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 12.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 4 ح 12، الفقيه 1: 11- 20، التهذيب 1: 234- 677، الاستبصار 1: 32- 85، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5.

(3) ص 41.

(4) الفقيه 1: 15- 33، الوسائل 1: 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

(5) الكافي 6: 258 الأشربة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

(6) الكافي 3: 6 الطهارة ب 10 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(7) التهذيب 1: 233- 671، الاستبصار 1: 31- 82، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 9.

(8) التهذيب 1: 233- 672، الاستبصار 1: 31- 82، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 11.

(9) التهذيب 1: 223- 673، الاستبصار 1: 31- 83، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب

14 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 71

و جعلها مؤيدة لكون بعضها قضية في واقعة، فكون البئر جارية ممكن، و احتمال بعضها كون الواقع فيها غير ميتة.

و قد يتأيد باعتبارات أخر لا بعد في التأيد ببعضها.

للأول: عمومات انفعال القليل «1».

و الأمر بالنزح في وقوع كثير من النجاسات فيها «2»، مع دلالة بعض الروايات على عدم جواز الوضوء و الشرب قبله «3»، و التفرقة في بعض آخر بين ما له دم و ما ليس له «4».

و صحيحة ابن بزيع: عن البئر يكون في المنزل للوضوء، فتقطر فيها قطرات من بول، أو دم، أو يسقط فيها شي ء من عذرة، كالبعرة و نحوها، ما الذي يطهرها حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقع بخطه عليه السلام في كتابي «ينزح منها دلاء» «5».

و صحيحة ابن يقطين: عن البئر تقع فيها الدجاجة، و الحمامة، و الفأرة و الكلب، و الهرة، فقال: «يجزيك أن تنزح منها دلاء، فإنّ ذلك يطهرها إن شاء اللّه» «6».

فإنّ تعليق التطهر على النزح صريحا في الثانية، و ضمنا في الاولى مع تقرير السائل فيها أيضا، يفيد نجاستها قبله.

و صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا

______________________________

(1) المتقدمة في بحث الماء القليل ص 38- 41.

(2) الوسائل 1: أبواب الماء المطلق ب 15، 22.

(3) الوسائل 1: 183، 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 5، 6.

(4) الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 35.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 1، التهذيب 1: 244- 705، الاستبصار 1: 44- 124، الوسائل 1: 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 21.

(6) التهذيب 1: 237- 686، الاستبصار 1: 37- 101، الوسائل 1:

182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 72

تغرف به فتيمم بالصعيد، فإنّ رب الماء رب الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» «1».

فإنّ الإفساد كناية عن النجاسة، كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة، و لا يسوغ التيمم إلّا مع فقد الماء الطاهر.

و حسنة الفضلاء الثلاثة: قلنا: بئر يتوضأ منها، يجري البول قريبا منها، أ ينجسها؟ فقال: «إن كانت البئر في أعلى الوادي، و الوادي يجري فيه البول من تحتها، و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك، و إن كان أقل من ذلك ينجسها» «2» الحديث.

و يجاب عن الأول- مع كونه أخص من المطلوب-: بأنّ تعارضه مع أخبار طهارة البئر بالعموم من وجه، فالمرجع في المجتمع الأصل، لو لا ترجيحها بموافقتها الكتاب و السنة، و مخالفتها- كما قيل «3»- لأكثر العامة [1]، و كونها بالمنطوق دالة.

و عن الثاني: بمنع الدلالة، لأنها فرع كون تلك الأوامر للوجوب، و ثبوت التلازم بينه و بين النجاسة، و هو ممنوع، و لذا ورد فيما ليس بنجس إجماعا. و منع عدم تجويز الوضوء و الشرب قبل النزح، فإنّ الوارد في بعض الروايات «5» الأمر بهما بعده، و هو هنا للإباحة، فيكون المعنى إباحتهما بعده، فقبله لا يكون مباحا، و هو

______________________________

[1] يظهر بمراجعة كتبهم أن معظم القائلين بنجاسة البئر مطلقا هم الحنفيّة راجع: أحكام القرآن للجصاص 3: 340، المغني لابن قدامة 1: 54، 66، نيل الأوطار للشوكاني 1: 34، بداية المجتهد 1: 24، بدائع الصنائع 1: 74، 76.

______________________________

(1) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 9، التهذيب 1: 185- 535، الاستبصار 1: 127-

435 (بتفاوت يسير)، الوسائل 1: 177 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 22.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 2، التهذيب 1: 410- 1293، الاستبصار 1: 46- 128، الوسائل 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 1.

(3) الحدائق 1: 352.

(5) الوسائل 1: 183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 73

أعم من الحرمة.

و كذا عن الثالثين، لأنّ دلالتهما فرع ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، مع كون دلالة الرابع بالتقرير الذي حجيته موقوفة على عدم احتمال مانع من الرد، و هو في المقام ثابت، لاحتمال كون الوجه فيه التقية، لما مر، و يشهد له كونه مكاتبة.

و عن الخامس: بأنّ الفساد أعم من النجاسة، لجواز إرادة التغير أو تنفّر الطبع منه. و حمله عليها أو على ما يعمها في أخبار الطهارة، لوجود القرينة، أو الوقوع موقع النفي. و لا تلازم بين صحة التيمم و النجاسة، لجواز أن تكون مشقة الوقوع في البئر أو خوف الهلاك من أحد الأعذار، بل يمكن أن يكون لأجل عدم العلم بالإذن من القوم في الوقوع، حيث يفسد ماءهم.

و عن السادس: بأنّه غير باق على ظاهره وفاقا، لعدم تنجس باحتمال وصول النجاسة بل بظنه أيضا، فلا بدّ من تقدير أو تجوّز، و تقدير العلم ليس بأولى من تقدير التغير أو حمل النجاسة على الاستقذار.

مع أنّه على فرض دلالة تلك الأخبار يتعين حملها على التجوّز بقرينة أخبار الطهارة. و مع الإغماض عنه فالترجيح للثانية لما مر.

و موافقة الاولى للشهرة الاجتهادية و الإجماعات المحكية غير ناهضة للترجيح.

لأول المفصّلين: عموم انفعال القليل، و رواية الثوري المتقدمة «1».

و موثقة عمار: من البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة، فقال:

«لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» «2».

و الرضوي: «كل بئر عمقها ثلاثة أشبار و نصف في مثلها فسبيلها سبيل

______________________________

(1) ص 61.

(2) التهذيب 1: 416- 1312، الاستبصار 1: 42- 117، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 74

الجاري، إلا أن يتغير لونها و رائحتها و طعمها» [1].

و الأول بما مرّ من أخبار الطهارة- لموافقتها الأصل- مخصوص. و غيره بعدم الحجية- لمخالفته لمذهب القدماء أجمع بل المتأخرين- مردود، مع أنّ راوي الاولى بتري [2]، صرّح الشيخ بترك ما يختصّ بروايته «3»، و دلالة الثانيتين ممنوعة، فأولاهما، لفقد الحقيقة الشرعية في الكثير، فيمكن أن يكون إثبات البأس في غيره لتغيّره بالزنبيل غالبا، و ثانيتهما، لضعف مفهومها.

و لم أعثر لثانيهما على دليل.

المسألة الثانية: و إذا عرفت عدم نجاستها، فهل يجب نزح ما قدّر أم يستحب؟

الأكثر على الثاني. و هو الحق. لا للاختلاف في المقدّرات، لعدم دلالته على الاستحباب. بل لعدم تعقّل الوجوب مع الطهارة، إذ الشرعي منه منتف بالإجماع، و الشرطيّ بالأخبار المتقدمة، الدالّة على جواز الوضوء و الاستعمال قبل النزح من غير معارض. و ما يتوهم معارضته معها قد عرفت دفعه [3]. و لا يتصور معنى آخر له.

مع أنّ أكثر أخبار النزح إنما ورد بلفظ الإخبار. و إفادته للوجوب حيث يستعمل في الإنشاء سيّما في عرف الشارع ممنوع.

و ما ورد بلفظ الأمر على الندب محمول، لما مرّ، مع أنّ بعضه معارض [بما

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 91 و فيه: «أو طعمها أو رائحتها» و في نسخة كما في المتن و هو المطابق لما في المستدرك 1: 201 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 3، و البحار 77: 25.

[2] البترية: (بضم الباء و قيل بكسرها) جماعة من الزيدية قالوا بخلافة الشيخين قبل

علي عليه السلام فيمكن اعتبارهم من العامة راجع مقباس الهداية 2: 349، رجال الكشي 2: 449.

[3] في جواب أدلة القائلين بنجاسة البئر (منه رحمه اللّه).

______________________________

(3) التهذيب 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 75

ينفيه ] [1]، بل الجميع معارض لمفهوم صحيحة ابن عمار المتقدمة «2».

خلافا للمنتهى فأوجبه، لكون الأمر حقيقة في الوجوب «3».

و جوابه قد ظهر، مع أنّ الثابت كونه حقيقة في الوجوب الشرعيّ، المنتفي ضرورة، و الشرطيّ مجاز أيضا كالاستحباب.

المسألة الثالثة: اختلفت الأخبار كأقوال علمائنا الأخيار، في أكثر مقدرات النزح من الآبار.

و لتحقيق المقام نقول أولا: إنّ الأخبار في أكثرها كأقوال الأصحاب و إن كانت في غاية الاختلاف، و لكن الإشكال في الجمع، و التصحيح، و النقد، و التزييف، و الترجيح، و التضعيف، إنّما هو على القول بالوجوب.

و أمّا على الاستحباب- فبعد ملاحظة التسامح الواقع في أدلة الندب، و التفاوت المتحقق في مراتب الفضل، و عدم استلزام إثبات مرتبة منه لنفي اخرى دونها أو فوقها، و عدم تحقّق إجماع، بل و لا شهرة على نفي مرتبة مما روي أو قيل و إن تحقّق على ثبوت بعض المراتب- فلا إشكال أصلا.

فيحمل أقل ما روي في مقدر على أقلّ مراتب الرجحان، و أكثره على أكثرها، و ما بينهما على ما بينهما.

و لا ينفي عدم ظهور قول من الأصحاب على بعضها رجحانه، و لا إجماعهم على استحباب مرتبة استحباب غيرها.

و على هذا فلك أن تعمل فيها بكل ما روي أو بأقلّه أو بأكثره.

و لو عملت بأكثرها لأفضليّته، أو بأشهرها، أو بما أجمعوا عليه لكونه مظنّة

______________________________

[1] في «ح»: بما يعنيه، و في «ق»: بما يعينه، و في «ه»: بمانعيته. و الأنسب ما أثبتناه. و ذكر المصنف في الهامش: كالأمر بنزح عشرة دلاء للعقرب و سبع لسام أبرص المنتفخ المعارض

لما يصرّح بأنّ ما ليس له دم كالعقرب و الخنافس لا بأس به (منه رحمه اللّه).

______________________________

(2) ص 69.

(3) المنتهى 1: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 76

أو ضحيّة مأخذه و أوثقيّة مدركه، لكان حسنا. و كذا لو قدّمت الخاص أو المقيد على العام أو المطلق لمظنّة أكثرية الاهتمام به.

و إذ عرفت ذلك أقول معرضا عن الإطناب، و عن أكثر ما ذكره الأصحاب، لكون المقام مقام الاستحباب، مقتصرا على ما هو أهمّ، و الاحتياج إليه أعمّ:

إنّه يستحب نزح الكل لموت البعير، الذي هو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر و الأنثى، و الصغير و الكبير.

و غير القطرة من الخمر، بالإجماع و المستفيضة «1».

و لها أيضا على الأشهر، للإطلاق. خلافا فيها للمقنع و ظاهر المعتبر فعشرون «2»، لرواية زرارة «3». و هو حسن، لكونها خاصّة، مع منع الإطلاق، حيث ورد بلفظ الصبّ، و إطلاقه على القطرة غير ثابت.

و لموت الثور على الأشهر [1]، لصحيحة ابن سنان «5». خلافا للحلّي فقال بالكرّ «6». و لا دليل له.

و البقرة، وفاقا للمعتبر [2] و المعتمد، لكونها نحو الثور المذكور في الصحيحة.

و خلافا للأكثر فقالوا بالكرّ [3]. و لا مستند له ظاهرا.

______________________________

[1] كما اختاره في المختصر النافع: 2، و المنتهى 1: 12، و اللمعة (الروضة 1): 36.

[2] لم نعثر عليه بل فيه 1: 62 ان الأوجه أن يجعل الفرس و البقرة في قسم ما لا يتناوله نص على الخصوص. فراجع.

[3] منهم الشيخ في النهاية: 6، و العلامة في القواعد 1: 6، و الشهيد في اللمعة: (الروضة 1): 36.

______________________________

(1) الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15.

(2) المقنع: 11، المعتبر 1: 58.

(3) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل

1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 1: 241- 695، الاستبصار 1: 34- 93، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(6) السرائر: 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 77

و للمني و دم الحدث على الأشهر، لنقل الإجماع في السرائر و الغنية «1». و كونه على الوجوب غير ضائر لتضمّنه نقل الثواب الموجب للتسامح في المقام. و في صحيحة ابن بزيع المتقدّمة «2» دلاء لمطلق قطرات الشامل للثاني أيضا، و لم أعثر على قائل به.

و كرّ للحمار على الأشهر «3»، بل بلا خلاف كما قيل «4»، لرواية ابن هلال «5» و الرضوي «6».

و احتمل «7» الجميع، لكونه نحو الثور، و الدلاء، لكونه من الدابة الواردة لها الدلاء في الأخبار «8». و تقديم الخاص يرجح العمل بالأول.

و للبغل، لزيادة في الرواية المتقدمة في بعض نسخ التهذيب و في المعتبر «9»، فإنّ هذا القدر سيّما مع الاشتهار بل نقل الإجماع- كما عن الغنية «10»- كاف لما نحن بصدده، و لكونه خاصا يترجّح على روايتي الدابة و نحو الثور «11».

و للفرس على الأشهر «12»، لنقل الإجماع عن الغنية «13». خلافا للمعتبر «14»

______________________________

(1) السرائر 1: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(2) ص 71.

(3) اختاره في المقنعة: 66، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، و القواعد 1: 6، و الدروس 1: 119

(4) الرياض 1: 7.

(5) التهذيب 1: 235- 679، الوسائل 1: 180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.

(6) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 202 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 1.

(7) كما في الذخيرة: 130.

(8) الوسائل 1: 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.

(9) المعتبر 1: 60.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(11) التهذيب

1: 241- 695، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(12) كما اختاره المذكورون في رقم 3.

(13) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(14) المعتبر 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 78

و المعتمد، فدلاء، لكونه دابة قطعا.

و هو و إن كان كذلك، و به يثبت مرتبة الفضل [1] للدلاء أيضا، إلا أن العمل بنقل الإجماع الخاص في مقام الاستحباب أحسن.

و سبعين دلوا لموت المسلم مطلقا، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، إذا كان نجسا، بلا خلاف، للمستفيض من نقل الإجماع «2»، و غير واحد من الأخبار «3».

و أمّا الكافر فالمشهور أنّه كذلك أيضا «4»، للإطلاق.

و في شموله له نظر، و لو سلّم فقيد الحيثيّة معتبر، كما في جميع موجبات النزح، فإن أثبتنا الاستحباب بالاشتهار فهو، و إلّا فيلحق بما لا نص فيه، و لذا اختار الحلي فيه نزح الجميع «5». و الثانيان، كالمشهور في وقوعه ميتا، و كالحلي في موته فيه، على فرض نزح الكل لما لا نص فيه، و بدونه فالسبعون على التداخل، و مع الأربعين أو الثلاثين على عدمه «6».

و الروايات في الفأرة و الشاة و ما أشبههما «7»، و ما بينهما عموما و خصوصا مختلفة جدا، حتى أنّ أقل ما روي لبعضها دلوان، و الأكثر الكل.

فأقل ما روي في الأول مطلقا ثلاث دلاء، و مع التفسّخ سبع، و هو المشهور «8»، بل على الثاني نفي الخلاف في كلام بعضهم، و في الغنية الإجماع «9»

______________________________

[1] في «ق» و «ه»: للفضل.

______________________________

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، المعتبر 1: 62، المدارك 1: 75.

(3) الوسائل 1: 193 أبواب الماء المطلق ب 21.

(4) كما اختار في المعتبر 1: 63، التذكرة 1: 4، الروضة 1: 38.

(5) السرائر 1:

77.

(6) جامع المقاصد 1: 140، الروضة 1: 37.

(7) الوسائل 1: 186 باب 18، 187 باب 19.

(8) فمن القائلين به الشيخ في النهاية: 7، و المحقق في المختصر النافع: 3، و العلامة في القواعد 1: 6.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 79

على السبع مع الانتفاخ.

و في الثاني السبع، و به أفتى في المقنع «1»، و الأكثر جعلوه كموت الكلب «2»، و الفقيه قدّر له تسعا إلى عشر «3»، و هو أيضا مروي «4».

و في ما أشبه الأول سبع، و الثاني تسع أو عشر، و المشهور في الثاني أنّه كموت الكلب.

و فيما بينهما عموما سبع. و لكنّ الأكثر- كالشيخين، و المراسم، و الوسيلة، و المهذب، و الإصباح- جعلوا الخنزير، و الغزال، و الثعلب، و الأرنب، و شبهه في قدر جسمه «5»، كالمشهور في موت الكلب.

و زاد في السرائر «6» النصّ على ابن آوى و ابن عرس. «7»

و في خصوص السنور مع عدم التفسّخ خمس، و معه عشرون، بحمل أخبار مطلق الدلاء «8» على هذا المقيّد. و المشهور فيه أربعون مطلقا «9».

و في (حيّ) «10» الكلب و مطلق الطير خمس مع الحمل المذكور، و هو قول المحقق في الثاني في غير النافع «11».

______________________________

(1) المقنع: 10.

(2) ذهب إليه في النهاية: 1، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، و التذكرة 1: 4، و الدروس 1: 120.

(3) الفقيه 1: 15.

(4) التهذيب 1: 237- 683، الاستبصار 1: 38- 105، الوسائل 1: 186 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 3.

(5) المقنعة: 66، النهاية: 6، المراسم: 35، الوسيلة: 75، المهذب 1: 22.

(6) السرائر 1: 76.

(7) ابن عرس: بالكسر دويبة تشبه الفأر و الجمع بنات عرس (المصباح المنير: 402).

(8) الوسائل 1:

182 أبواب الماء المطلق ب 17.

(9) ذهب إليه الجماعة المتقدم ذكرهم في رقم 2 في نفس المصادر.

(10) لا توجد في «ق».

(11) المعتبر 1: 70، و في «ق» «الشرائع» بدل «النافع».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 80

و المشهور سبع فيه و في الحيّ من الأول، و في ميته أربعون «1».

و في الدجاجة و مثلها دلوان. و المشهور فيهما: السبع.

و يستحب نزح ثلاث للحية، لظاهر الوفاق و الرضويّ «2».

و للوزغة [1]، لصحيحة ابن عمار «4».

و للعقرب على المشهور «5». و المروي في موته عشر دلاء «6».

و للعصفور: واحد بلا خلاف (ظاهر) [2]، لموثّقة الساباطي «8»، و لشبهة في المشهور.

و المروي للدابّة الصغيرة: سبع دلاء «9».

و خمسون أو أربعون للعذرة الذائبة، أي المتقطعة أو المائعة، وفاقا للصدوق و المحقق «10»، و إن تعيّن الأول في المشهور [3] بلا مستند ظاهر إلا نقل الإجماع عن

______________________________

[1] الوزغة: سام أبرص.

[2] لا توجد في «ق» و «ح».

[3] اختاره في النهاية: 7، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، الشرائع 1: 13، القواعد 1: 3، اللمعة (الروضة 1): 38 و لا يخفى أن الموضوع في كلام غير واحد منهم هو العذرة الرطبة و لم يذكروا قيد الذوبان.

______________________________

(1) ذهب إليه في النهاية: 7، و الشرائع 1: 13.

(2) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 205 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 2 و فيهما: «و إن وقعت فيها حية. فاستق للحيّة أدل» و استفادة الثلاثة انما تكون بملاحظة أقل الجمع.

(4) التهذيب 1: 238- 688، الاستبصار 1: 39- 106، الوسائل 1: 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.

(5) اختاره في النهاية: 7، اللمعة (الروضة 1): 43، القواعد 1: 6.

(6) التهذيب 1: 231- 667، الوسائل 1: 196

أبواب الماء المطلق ب 22 ح 7.

(8) التهذيب 1: 234- 678، الوسائل 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.

(9) التهذيب 1: 241- 695، الاستبصار 1: 34- 93، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(10) المقنع: 10، المعتبر 1: 64، النافع: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 81

الغنية «1».

و عشرة لغيرها، لروايتي ابن أبي حمزة «2» و أبي بصير «3»، بل الإجماع، كما في السرائر و الغنية «4» في الثاني. و إلحاق الرطبة بالأولى- كما عن النهاية «5»، (و المبسوط) «6» و المراسم، و الوسيلة «7»، و الإصباح- لا وجه له إلّا أن يقال باستلزام الرطوبة للذوبان غالبا.

و لكثير الدم غير الثلاثة: ثلاثون إلى أربعين. و لقليله: دلاء يسيرة، وفاقا للصدوق، و المعتبر، و الذكرى «8»، لصحيحة علي «9»، و موثّقة الساباطي «10»، و صحيحة ابن بزيع المتقدمة «11».

و الأفضل منه خمسون للكثير و عشرة للقليل، لنقل الإجماع عليه في الغنية، بل السرائر «12»، ثمَّ عشرون في القطرة، ثمَّ ثلاثون، لروايتي زرارة «13»، و كردويه «14».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 4 ح 11، الوسائل 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 2.

(3) التهذيب 1: 244- 702، الاستبصار 1: 41- 116، الوسائل 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 1.

(4) السرائر 1: 79، الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) النهاية: 7.

(6) المبسوط 1: 12، و ما بين القوسين ليس في «ق».

(7) المراسم: 35، الوسيلة: 75.

(8) الفقيه 1: 13، المعتبر 1: 65، الذكرى: 11.

(9) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 8، الفقيه 1: 15- 29، التهذيب 1: 409- 1288، الاستبصار 1: 44- 123، الوسائل 1: 193

أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.

(10) التهذيب 1: 234- 678، الوسائل 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.

(11) المتقدمة ص 71.

(12) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، السرائر 1: 79.

(13) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(14) التهذيب 1: 241- 698، الاستبصار 1: 45- 125، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 82

و لبول الرجل و المرأة: أربعون، للمستفيضة «1» في الأول مضافة إلى الاشتهار، بل الإجماع، كما في الغنية، و شهادة الحلي بتواتر الأخبار به «2» لبول مطلق الإنسان الشامل للثاني، و دعوى بعضهم «3» الإجماع على إلحاقه بالأول.

و لبول الصبي المغتذي: ثلاث، و الرضيع: واحد، على الأشهر، كما في البحار «4»، للرضوي «5».

و قال جماعة بالسبع للأول «6». و نسب إلى الأكثر «7»، بل في الغنية، الإجماع عليه «8»، كما على الثلاث في الثاني و قيل بالسبع فيهما «9»، و عليه رواية «10».

فمرتبة من الرجحان فوق الاولى لهما ثابتة، كما أنّ الأفضل من الكل نزح الكل في غير القطرة، كما في المدارك «11». و يشهد له بعض الأخبار «12».

و ثلاثون: لماء المطر المخالط للبول و العذرة و خرء الكلاب، على المشهور،

______________________________

(1) الوسائل 1: 181 أبواب الماء المطلق ب 16.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، السرائر 1: 78.

(3) لم نعثر عليه. نعم ادعى في الغنية الإجماع على الأربعين في بول الإنسان الشامل بإطلاقه للمرأة.

(4) البحار 77: 27 و فيه: و في الرضيع، المشهور الدلو الواحد ..

(5) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 1: 203 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.

(6) صاحب المقنعة: 67، و

النهاية: 9، و القواعد 1: 6.

(7) كشف اللثام 1: 37.

(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(9) لعل المراد قول من أثبت للصبي- بنحو الإطلاق- السبع و لم يذكر مقابلا له بناء على شمول الصبي للرضيع كما في المراسم: 36، و اللمعة (الروضة 1): 41.

(10) التهذيب 1: 243- 701، الاستبصار 1: 33- 89، الوسائل 1: 181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 1 و دلالتها مبنية على ما ذكرناه آنفا- فلاحظ.

(11) المدارك 1: 82.

(12) الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 83

كما في المعتمد، لرواية كردويه «1».

و الظاهر اختصاص الحكم بالمورد، فينتفى بالتبدّل أو النقص (أو الزيادة) «2». و التعدية إلى سائر المياه محتملة.

و لا نزح لغير المنصوص عندنا، و وجهه ظاهر.

و لقائلين بالنجاسة، فيه أقوال غير واضحة الدلالة، سوى نزح الجميع فإنّه مقتضى الاستصحاب.

و صغير كلّ حيوان ككبيره، إن عمّه الاسم، و إلّا فيدخل فيما لا نصّ فيه، أو عموم لو وجد، و جزؤه فيما «3» لا نصّ فيه و إن تعدّد.

و في تضاعف النزح بتضاعف النجس أقوال: أظهرها: التضاعف، لأصالة عدم تداخل الأسباب.

و لو تعذّر نزح الكلّ في مورده، تراوح عليه قوم في يوم، بأن يتراوح كلّ اثنين البواقي، للموثّق «4»، و الرضوي «5».

و لا بدّ فيه من عدد، و إجزاء الأربعة مجمع عليه، و إطلاق الأول كصريح الثاني المنجبر ضعفه بالعمل يرشد إليه.

و الأصح الأشهر: أجزاء الأكثر، للإطلاق.

و تخصيص الثاني بالأربعة لا يقيّده، لضعفه الغير المنجبر في الموارد، مع أنّ كونه لبيان الأقلّ ممكن.

و لا يكفي الأقلّ و إن نهض بالعمل، اقتصارا على مورد النص. و لا النساء

______________________________

(1) الفقيه 1: 16- 35 و فيه «ماء الطريق»،

التهذيب 1: 413- 1300، الاستبصار 1:

43- 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 3.

(2) لا توجد في «ق».

(3) في «ه» و «ق» ممّا.

(4) التهذيب 1: 242- 699، الوسائل 1: 196 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 84

و الصبيان على الأشهر، للثاني بل الأول بناء على المشهور من عدم صدق القوم عليهم.

و اليوم يوم الصوم، على الأظهر الأشهر، اتّباعا للّغة و عرف الشرع. دون الأجير من حيث إنّه المتبادر، لأصالة تأخّره. و إدخال جزء من الطرفين من باب المقدّمة واجب، أو مستحبّ. و لا يجزي مقداره من الليل، أو الملفّق، لخروجه عن النص.

و لا تجوز لهم الصلاة جميعا، و لا الأكل كذلك، لعدم صدق نزح اليوم.

و دلو النزح هو المعدّ، أو المعتاد، و وجهه ظاهر.

و استيفاء العدد لازم في تحقّق الامتثال. و لا يكفي الوزن. خلافا للفاضل، و الذكرى «1» لحصول الغرض. و يردّه إمكان حكمة في العدد.

المسألة الرابعة: إذا تغيّرت البئر بالنجاسة فتطهر بالنزح حتّى يذهب التغيّر

، للمستفيضة، كصحيحة ابن بزيع المتقدّمة «2» المعللة.

و صحيحة الشحام، و فيها: «و إن تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الريح» «3».

و موثّقة سماعة: «و إن أنتن حتى يوجد الريح النتن في الماء، نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء» «4».

و رواية زرارة: «فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب» «5».

______________________________

(1) التذكرة 1: 4، القواعد 1: 6، الذكرى: 10.

(2) ص 21.

(3) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 3، التهذيب 1: 237- 684، الاستبصار 1: 37- 102، الوسائل 1: 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.

(4) التهذيب 1: 236- 681، الاستبصار 1: 36- 98،

الوسائل 1: 183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 4.

(5) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 85

و لا تنافيها صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1» في المسألة الأولى، لأنّ نزح البئر يجوز في نزح مائها كلا أو بعضا، و الأخبار المذكورة معيّنة للثاني.

و أمّا رواية منهال: «و إن كانت جيفة قد اجتفت فاستق منها مائة دلو، فإن غلب عليه الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها» «2». و رواية أبي خديجة: «في الفأرة فإن انتفخت و أنتنت نزح الماء كلّه» «3». و قريب منهما الرضوي «4». فلإطلاقهما بالنسبة إلى عدم ذهاب التغيّر قبل نزح الكلّ مقيّدتان به، للأخبار المتقدّمة، و في أوّلهما إشعار بذلك أيضا، مضافا إلى عدم دلالة الثانية على الوجوب.

و للمنجّسين بالملاقاة هنا أقوال متكثّرة، لا طائل في ذكرها.

و لا يعتبر دلو و لا عدد و هنا، و كذا في نزح الكرّ و الجميع، و الوجه ظاهر.

و إن زاد المقدّر عن مزيل التغيّر فالظاهر استحباب الزائد، لإطلاق أدلّته، مع عدم المقيّد، حيث إنّ وجوب نزح المزيل لا ينافي استحباب غيره.

و لو زال التغيّر بنفسه، فهل يطهر به أم لا؟ فيه وجهان، أوجههما: الثاني، للأصل.

و عليه ففي وجوب نزح الجميع حينئذ، أو الاكتفاء بما يعلم معه زوال التغير لو كان، و الجميع لو لم يعلم، قولان. أوّلهما للفاضل «5» و ابنه [1]، و قوّاه في الذكرى «7»، للأصل، و تعذّر ضابط تطهيره.

______________________________

[1] إيضاح الفوائد 1: 22.

______________________________

(1) ص 69.

(2) التهذيب 1: 231- 667، الاستبصار 1: 27- 70، الوسائل 1: 196 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 7.

(3) التهذيب 1:

239- 692، الاستبصار 1: 40- 111، الوسائل 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 4.

(4) فقه الرضا (ع): 92، البحار 77: 25- 3.

(5) القواعد 1: 6، التذكرة 1: 4.

(7) الذكرى: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 86

و ثانيهما- و هو الأقوى- للبيان، و ثاني الشهيدين و المعالم «1» و جماعة أخرى «2»، لفحوى ما دلّ على الاكتفاء به مع وجوده، فمع عدمه بطريق أولى.

و في تطهّر البئر بعد التنجّس، بغير النزح من مطهّرات الماء المتقدّمة، خلاف.

و لا يبعد التطهّر، لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة «3» على التطهير بماء المطر، و عدم الفصل يتمّم المطلوب.

المسألة الخامسة: لا تنجس البئر بالبالوعة التي ترمى فيها المياه النجسة

و إن تقاربتا ما لم تتغيّر بها أو تتّصل، بالإجماع، و هو الحجّة، مضافا إلى الأصل، و خبر محمّد بن أبي القاسم المتقدّم «4» المنجبر.

و كذا مع الثاني على الأظهر، لما مرّ من الأصل و الخبر، مضافا إلى غيرهما ممّا سبق.

و بهما تقيّد حسنة الفضلاء المتقدّمة «5»، أو يرجع بعد تعارضهما إلى الأصل.

نعم يستحبّ تباعدهما بخمسة أذرع مع صلابة الأرض أو فوقيّة البئر قرارا، و السبعة بدونهما، لرواية ابن رباط: عن البالوعة تكون فوق البئر، قال:

«إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع، و إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ ناحية» «6».

______________________________

(1) البيان: 101، الروض: 143، المعالم: 92.

(2) الرياض 1: 9، مشارق الشموس: 242.

(3) ص 16.

(4) ص 69.

(5) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 2، التهذيب 1: 410- 1293، الاستبصار 1: 46- 128، الوسائل 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 1.

(6) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 1، التهذيب 1: 410- 1290، الاستبصار 45- 126، الوسائل 1: 199 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 87

و مرسلة قدامة: كم أدنى ما يكون بين البئر- بئر الماء- و البالوعة؟ فقال: «إن كان سهلا فسبعة أذرع و إن كان صلبا فخمسة أذرع» «1».

بالرجوع إلى الأصل، و الأخذ بالمتيقّن في مورد تعارضهما، و خلوّهما عن مقتضى الوجوب أوجب حملهما على الاستحباب، مضافا إلى عدم قائل بالوجوب من الأصحاب.

و ورد في بعض الروايات الفصل باثني عشر ذراعا مع كون البالوعة في جهة شمال البئر. و بسبعة مع كونهما مستويين في مهبّ الشمال «2».

و الأكثر أعرضوا عنه لمعارضته مع ما مرّ. و حمله على مرتبة من الأفضليّة ممكن، و يمكن ذلك في مورد تعارض الأوّلين أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 8 الطهارة ب 5 ح 3، التهذيب 1: 410- 1291، الاستبصار 1: 45- 127، الوسائل 1: 198 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 2. و فيها: «جبلا» بدل «صلبا».

(2) التهذيب 1: 410- 1292، الوسائل 1: 200 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 88

الفصل السابع: في المستعمل
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الماء المستعمل في إزالة النجاسة غير الاستنجاء، إذا لم يتغيّر، طاهر مطلقا
اشاره

، إن قلنا بعدم تنجّس القليل بالملاقاة مطلقا، أو بعدم تنجّسه إلّا مع ورود النجاسة، و قلنا باشتراط التطهير بإيراد الماء على المحلّ، كالسيد، و الحلي «1»، و من تبعهما «2».

و نسبة التفصيل في المستعمل إليهما و تخصيص قولهما بطهارة الغسالة بصورة ورود الماء غلط، لأنّ غيرها ليس غسالة عندهما، لشرطهما الورود في الإزالة.

و أمّا لو قلنا بتنجّسه بها مطلقا، أو بورود النجاسة خاصّة، مع حصول التطهير بإيراد المحلّ على الماء أيضا، ففي نجاسة الغسالة و طهارتها مطلقا على الأول، و مع الورود المحلّ على الثاني، أقوال:

الأول: الطهارة مطلقا، و هو مذهب الشيخ في المبسوط «3»، و المنقول عن ابن حمزة «4» و البصروي «5»، و المحقق الثاني في بعض فوائده، و القاضي «6»، و عزاه في المعالم «7» إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب، و في شرح القواعد: أنّه الأشهر بين المتقدّمين «8»، و يشعر به كلام الصدوق «9»، و يميل إليه ظاهر الذكرى،

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، السرائر 1: 181.

(2) كفاية الأحكام: 11.

(3) المبسوط 1: 92.

(4) الوسيلة: 74. راجع مفتاح الكرامة 1: 90 لبيان دلالة كلامه.

(5) حكى عنه في حاشية الدروس على ما في مفتاح الكرامة 1: 90.

(6) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة.

(7) المعالم: 123.

(8) جامع المقاصد 11: 128.

(9) الفقيه 1: 10، راجع الحدائق 1: 483 لبيان النسبة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 89

و المدارك «1» و اختاره بعض المتأخّرين من المحدّثين «2» أيضا.

نعم جعل في المبسوط الأحوط في الثياب النجاسة مطلقا، و في الأواني في الغسلة الاولى «3».

و القاضي قال بالاحتياط في غسالة الولوغ «4».

الثاني: النجاسة كذلك، اختاره الفاضلان «5»، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «6»،

و هو المنقول عن الإصباح، و ظاهر المقنع، و الشهيد «7»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي «8»، و نسب إلى أكثر المتأخّرين «9»، بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه، حيث ادّعاه على نجاسة غسالة بدن الجنب و الحائض إذا كان نجسا «10»، و لا قائل بالفصل.

الثالث: الطهارة مطلقا في غسل الأواني، و النجاسة في غير الأخيرة في الثياب، نقل عن الخلاف «11».

الرابع: النجاسة مطلقا في غير الأخيرة، و هو اختيار والدي العلّامة رحمه اللّه.

______________________________

(1) الذكرى: 9، المدارك 1: 122.

(2) الظاهر أنّ المراد به المحدّث الأسترابادي على ما حكى عنه في الحدائق 1: 480، 487.

(3) المبسوط 1: 92، 36.

(4) المهذب 1: 29.

(5) المحقق في المختصر النافع: 4، و الشرائع 1: 16، و العلّامة في المنتهى 1: 24، و المختلف:

13، و التحرير 1: 5، و القواعد 1: 5.

(6) جامع المقاصد 1: 129.

(7) المقنع: 6، الدروس 1: 122.

(8) مجمع الفائدة 1: 287.

(9) نسبة المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 129، إلى المشهور بين المتأخرين.

(10) المنتهى 1: 23.

(11) الخلاف 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 90

الخامس: النجاسة بعد انفصال الماء عن المحلّ، نقل عن المختلف «1».

و نقل أقوال أخر ترتقي مع ما ذكر إلى اثنى عشر، و لكن لا يعرف قائل لأكثرها.

و الحقّ هو الثاني.

أمّا في صورة ورود المحلّ على الماء: فلطائفة من الأخبار المتقدّمة في بحث انفعال القليل، كصحيحة البزنطي، و موثّقتي سماعة و روايتي أبي بصير «2» الواردة في إهراق الماء القليل إذا أدخل فيه الإصبع أو اليد إذا كان قذرا.

و القول بأنّ الظاهر منها أنّه لأخذ الماء دون الغسل، و يمكن تفاوت الحكم من أجل صدق الاسم و عدمه، واه جدّا، لعدم توقّف صدق الغسل

على قصده عرفا قطعا و إجماعا، و لذا يحكم بالطهارة مع زوال العين، أو إذا لم تكن ثمّة عين، بمجرّد ذلك الإدخال في الكرّ و الجاري، و لو لم يقصد الغسل.

و جعل الأمر بالإهراق كناية عن عدم الطهوريّة لا وجه له، فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب، و هو إنّما يتمشّى إذا قلنا بنجاسة ذلك الماء، إذ لولاها لم يجب إهراقه إجماعا، و أمّا معها فيمكن القول بوجوبه، بل هو الأظهر، من جهة حرمة حفظ الماء النجس، كما يأتي في بحث المكاسب.

و كون الظاهر من بعض هذه الأخبار أنّه يريد التوضؤ به- لو سلّم- لا يفيد.

و أمّا في صورة ورود الماء: فلأنّ أدلّة انفعاله حينئذ و إن لم تكن تامّة، و لكنّها لو تمّت لكانت نسبتها إلى الغسالة و غيرها متساوية، فإمّا يجب ردّها و القول بعدم الانفعال حينئذ مطلقا، كما هو الحق، أو قبولها في الغسالة و غيرها.

و قد يستدلّ: بالإجماع المنقول في المنتهى «3»، و بروايتي ابن سنان و العيص

______________________________

(1) المختلف: 13.

(2) المتقدمة ص 39.

(3) تقدم ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 91

المتقدّمتين في القليل «1»، و بوجوب تعدّد الغسل و إهراق الغسلة الغير الأخيرة من الأواني، و بوجوب العصر فيما يجب فيه، و بعدم تطهّر ما لا يخرج منه الماء إلّا بالكثير أو الجاري «2».

و يضعّف الأوّل: بعدم الحجّية. و الثانيان: بما مرّ في البحث المذكور، و البواقي: بعدم دلالتها على النجاسة، لجواز التعبّد بها، و لذا يقول بها بعض من يقول بالطهارة أيضا.

احتجّ القائل بالطهارة مطلقا: بالأصل، و عمومات طهارة الماء «3».

و خصوص صحيحة محمد في الغسل في المركن «4».

و عدم دلالة أخبار نجاسة القليل «5» على نجاسة الغسالة.

و بالتعليل

المستفاد من قوله: «ما أصابه من الماء أكثر» و «أنّ الماء أكثر من القذر» في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر الذي أصاب البول الثوب، أو وقوع الثوب في ماء الاستنجاء، في صحيحة هشام «6»، و رواية العلل «7».

و بالأخبار الدالة على الأمر بالرشّ و النضح فيما يظنّ فيه النجاسة «8»، حيث إنه لو تنجّس الماء، لكان ذلك زيادة في المحذور.

و بإطلاق الأخبار الواردة في تطهير البدن من البول «9»، و النافية للبأس عما

______________________________

(1) ص 43.

(2) و بهذه الوجوه استدل في مجمع الفائدة 1: 286.

(3) المتقدمة ص 19 و راجع الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(4) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة ص 36 إلى 41.

(6) المتقدمة ص 27.

(7) علل الشرائع: 287- 1، الوسائل 1: 222، أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(8) أوردها في الوسائل في أبواب مختلفة من كتابي الطهارة و الصلاة فراجع ج 3 ص 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 2 و ص 519 ب 73 ح 3 و إن شئت العثور عليها مجتمعة فراجع جامع الأحاديث 2: 132 باب 22.

(9) الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 92

ينزو من الأرض النجسة في إناء المغتسل «1»، يدلّ بمفهوم الموافقة على نفيه عما يترشّح من الغسالة.

و الأولان مدفوعان: بما مرّ.

و الثالث: بعدم دلالته إلّا على طهر المحلّ، و أمّا على طهارة الماء، فلا.

و الرابع: بأنّه و إن صحّ في أدلّة نجاسة الماء الوارد على النجاسة، و لكن المنقيّ حينئذ عدم دلالتها على النجاسة مطلقا، لا على اختصاصها بغير الغسالة، فاللازم إمّا القول بعدم تنجّس الماء

الوارد مطلقا، أو تنجّسه كذلك. و أمّا في أدلّة نجاسة الماء الواردة عليه النجاسة فلا يصحّ كما مرّ.

و القول بأنّ الأمر و إن كان كذلك، لكن الغسالة بدليل لزوم العسر و الحرج عنها مستثناة، مردود: بمنع اللزوم، و لذا قال جماعة بنجاستها، و لم يقعوا في عسر و لا حرج.

و الخامس: بأنّه يدلّ على أنّ كلّ ماء أكثر من القذر لا ينجس به.

و أدلّة انفعال القليل أخصّ منه، فيخصّص بها، مع أنّه لو تمَّ لم يختصّ بالغسالة، فلازمه عدم انفعاله بالملاقاة إذا كان أكثر من القذر.

و السادس: بأنّ ما ينضح أو يرشّ ليس مزيلا للنجاسة، بل المحلّ مظنّتها، فهو أمر تعبّد به.

و السابع: بعدم الدلالة، لأنّ محطّها إن كان لزوم تنجّس البدن، ففيه ما يأتي من أنّ دليل تنجس الملاقي للمتنجس مطلقا هو الإجماع المركّب، و انتفاؤه في المورد ظاهر، و إن كان لزوم نجاسة الماء فتلتزم، فهو كالنجاسة المحمولة و ترتفع بالجفاف.

و الثامن: بأنّ العمل بالمفهوم إنّما هو إذا لم يترك المنطوق، و هو عدم تنجّس الماء الوارد مطلقا، و حينئذ فيخرج عن محل النزاع، لأنّه إنّما هو على القول بنجاسة

______________________________

(1) الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 93

الوارد.

و نقلوا عن الخلاف «1» الاحتجاج للثالث: بما ظاهره الاختلال و التناقض، و إن أمكن توجيهه بعناية و تكلّف، و معه فدفعه ظاهر أيضا.

و قد يستدلّ له: بما يأتي للرابع، و لكنّه يأبى عن الفرق بين الأواني و غيرها.

و استدلّ للرابع: أمّا على النجاسة في غير الأخيرة: فبأدلّة انفعال القليل.

و أمّا على الطهارة فيها: فبطهر الماء المتخلف (في المحل) [1] بعده إجماعا، لطهارة المحل، فيكون المنفصل أيضا كذلك، إذ

اختلاف أجزاء ماء واحد غير معقول.

هذا في الثياب، و أمّا في الأواني فلا منفصل، بل يكون الجميع طاهرا، لكونه في المحل مع طهارته.

و فيه: منع اختلاف أجزاء الماء الواحد، بل منع الوحدة. و يمكن منع طهارة المتخلّف أيضا و إن لم ينجس به المحل، فإذا جفّ يصير المحل خاليا عن النجاسة مطلقا.

و احتج للخامس: بأنّ دليل نجاسة القليل يقتضي نجاسة الغسالة مطلقا، بل عدم صحة التطهّر به، و لكن لما قام الدليل على صحّة التطهّر به، و توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء، اقتصر فيه على موضع الضرورة، و هو ما قبل الانفصال.

و فيه: منع توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء، مع أنّه لو سلّم ذلك، و لزوم طهارة الماء لأجل التطهّر به، فاللازم طهارته بعد الانفصال أيضا، لانتفاء تأثير الملاقاة التي هي العلّة لأجل الضرورة و عدم تحقّق مؤثر بعده.

ثمَّ إنّه قد ظهر بما ذكرنا: أنّ الحق- على ما اخترناه من التفصيل في الماء القليل، لو قلنا بحصول التطهّر بكلّ من الورودين- هو التفصيل في الغسالة،

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) الخلاف 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 94

و كونها طاهرة مع ورود الماء، نجسة مع العكس.

و الظاهر أنّ النجس حينئذ هو القدر الزائد من الماء المرسوب في المحل، على النحو الآتي في بحث تطهير النجاسات بالماء، إذ لم يثبت من أدلّة انفعال القليل انفعال ذلك أيضا.

و قد يقال: إنّ الماء إذا دخل في الثوب، ليس واردا على النجاسة، و حينئذ و إن لم ينجس بالاتصال، و لكن ينجس بعد الدخول، إذ ما فوقه من أجزاء الثوب وارد عليه، فينجس الماء الداخل فيه.

و أمّا المنفصل، فنجاسته إمّا لما مر من عدم

الاختلاف، أو لأنّه أيضا انفصل بعد الدخول، و ما لم يدخل منه فامتزج بالخارج بعد الدخول، و هذا لا يجري في الأخيرة، لطهارة أجزاء الثوب حينئذ.

و فيه: مضافا إلى أنّه لا يجري في غير مثل الثياب، منع كون أجزاء الثوب واردة على الماء، فإنّ ما ثبت من الأدلّة من تأثير النجاسة في الماء إنّما هو إذا دخلت أو وقعت فيه، و مثل ذلك لا يسمّى دخولا و لا وقوعا عرفا، و لا ورودا. مع أنّ الثابت من الأخبار النجاسة ببعض أفراد الورود، و إنّما يتعدّى بعدم الفصل، و هو هنا غير متحقّق.

فرعان:

أ: على القول بنجاسة الغسالة، ففي الاكتفاء في تطهير ما يلاقيها بالمرة مطلقا، للأصل، و إطلاق الغسل في رواية العيص المتقدمة «1»، أو وجوب المرتين كذلك، لوجوبهما في جميع النجاسات، أو كونها كالمحل قبل الغسل، لاستصحاب نجاسة ما لاقاها إلى أن يعلم الطهارة، و لتخفيف نجاستها بخفة نجاسة المحل، أو بعده، لما مرّ دليلا على طهارة الغسالة الأخيرة، في القول الرابع: و قياس ما قبلها عليها، أقوال أقواها: أوّلها، لما ذكر.

______________________________

(1) ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 95

و وجوب المرتين للجميع ممنوع. و الاستصحاب بما ذكر مدفوع، مع عدم انطباقه كلية على المطلوب. و عدم إيجاب خفة نجاستها- لو سلّمت- للمدّعى.

و دليل طهارة الأخيرة بما سبق مردود، مع أنّ القياس حجة باطلة.

ب: على القول بطهارتها، كلا أو بعضا، فهل يكون مطهّرا أم لا؟

لا ريب في طهوريته من الخبث، للاستصحاب، و عمومات طهورية الماء، و صدق الغسل المأمور به إذا غسل به نجس.

و بهما يضعّف معارضة استصحاب الخبث لاستصحاب المطهّرية، مع أنّ الأول يزول بالثاني لو لا المعاضد له أيضا، كما بيّناه

وجهه في الأصول.

و أمّا الحدث: فالظاهر العدم، وفاقا لجماعة «1»، و في المعتبر و المنتهى «2» الإجماع عليه، لرواية ابن سنان المتقدمة «3»، المعتضدة بالمحكي من الإجماع، و بها يندفع الاستصحاب و تخصص العمومات.

ثمَّ لو مزجت بغيرها من الماء المطلق، فإن استهلك أحدهما فالحكم للآخر، و إلا ففي رفع الحدث به إشكال.

و الأظهر الارتفاع، لأنّه غير ما علم خروجه من عمومات طهورية الماء، و لم يعلم خروجه.

و هل يختص المنع بالقليل، أو يشمل الكرّ و الجاري أيضا؟

و التحقيق: أنّ عموم قوله في الرواية: «الماء الذي يغسل به الثوب» و إن عمّ الجميع، و لكنّه يمنع عن التطهّر عمّا غسل به، لا ما غسل فيه.

و على هذا، فلو غسل ثوب أو غيره في كر، لا يغسل إلّا بجزء منه، و هو عند الباقي مستهلك، فلا يمنع.

______________________________

(1) الذخيرة: 143، مشارق الشموس: 253، غنائم الأيام: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    96     المسألة الثانية: غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة ..... ص : 96

(2) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 24.

(3) ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 96

نعم لو فرض تكثّر المغسول، بحيث تحقّق الغسل بكل جزء من الكرّ، أو عدا ما يستهلك، يمنع من الجميع، و كذا الجاري.

و تحقّق الإجماع على خروجهما- لو سلّم- ففي مثل ذلك الفرض ممنوع.

المسألة الثانية: غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة
اشاره

، بمعنى عدم وجوب الاحتراز عنه في مشروط الطهارة إجماعا، و نقله عليه متكرّر «1»، و الأخبار به معتبرة مستفيضة.

كصحيحة الهاشمي: عن الرجل، يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أ ينجّس ذلك ثوبه؟ قال: «لا» «2».

و صحيحة الأحول: قلت له: أستنجي ثمَّ يقع فيه ثوبي و أنا جنب، قال:

«لا بأس به» «3».

و حسنته: أخرج

من الخلاء فأستنجي في الماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، قال: «لا بأس» «4».

و هي و إن كانت مختصّة بالثوب، إلّا أن المطلوب يتمّ بعدم الفصل. مع أنّ الحكم موافق للأصل السالم عن المعارض.

أمّا مع ورود الماء: فلعدم تحقّق ما يوجب عنه الاحتراز، حيث إنّ الماء طاهر حينئذ.

و أمّا مع ورودها و قلنا بحصول التطهّر به: فلأنّه ليس في أخبار نجاسة القليل ما يشمل بإطلاقه أو عمومه لكلّ نجاسة، أو لماء الاستنجاء أيضا، بل

______________________________

(1) السرائر 1: 98، الروض: 160، الرياض 1: 11، و في المدارك 1: 123 نسبه الى الأصحاب.

(2) التهذيب 1: 86- 228، الوسائل 1: 223 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 5.

(3) التهذيب 1: 86- 227، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 4.

(4) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 5، الفقيه 1: 41- 162، التهذيب 1: 85- 223، الوسائل 1:

221 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 97

كانت إمّا مخصوصة بموارد أو غير عامة، و عديت بعدم القول بالفصل، و هو هنا موجود.

و أمّا إطلاق رواية العيص «1»، فمع قصورها عن إفادة الوجوب- كما مرّ- فبالأخبار المذكورة مقيّد.

و هل هذا الماء نجس معفوّ عنه في المباشرة، كالمنتهى «2»، و الذكرى «3». أو طاهر، كالأكثر؟

الثابت من الأخبار الثلاثة، و سائر ما ورد بخصوص المقام، ليس أزيد من الأوّل.

و تصريح صحيحة الهاشمي بعدم تنجّس الثوب ليس تصريحا بعدم نجاسته، لجواز كونه نجسا غير منجّس.

و لكن ما ذكرنا من الأصل يثبت الثاني، و ربما يشعر به التعليل المروي في العلل: «أنّ الماء أكثر من القذر» «4».

و هل هو مطهّر من الخبث و الحدث؟

الظاهر نعم، وفاقا للأردبيلي «5»، و الحدائق «6»، لصدق الماء الطاهر عليه و عدم المخرج.

و منهم من لم يجعله مطهّرا مطلقا «7»، و هو مبني على القول بالعفو، و قد عرفت ضعفه.

و منهم من يرفع به الخبث، دون الحدث، و هو مذهب والدي- رحمه اللّه-، و لم يظهر له دليل، سوى نقل الإجماع من الفاضلين على عدم جواز رفع الحدث بما

______________________________

(1) المتقدمة ص 43.

(2) المنتهى 1: 24.

(3) الذكرى: 9.

(4) علل الشرائع: 287- 1، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(5) مجمع الفائدة 1: 289.

(6) الحدائق 1: 477.

(7) كما في الذكري: 9، المدارك 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 98

تزال به النجاسة مطلقا «1». و هو ليس بحجة عندنا.

فروع:

أ: يشترط في طهارته- مضافا إلى ما مرّ من عدم التغيّر- عدم ورود نجاسة خارجة، أو منفصلة متميزة عن المحل عليه، و لا وروده عليها، على القول بانفعال القليل مطلقا. و لا عدم مصاحبة الخارج عن المحل لنجاسة أخرى. و الوجه في الكل واضح.

و إطلاق أخبار الاستنجاء- لو سلّم- فإنّما هو من حيث إنّه ماء استنجاء، لا مطلقا.

ب: لو سبقت اليد فتنجّست، فإن كان لأجل الاستنجاء، بحيث تعدّ عرفا آلة له، لا تنجس الماء، و إلّا تنجّسه، و الوجه ظاهر.

و اشتراط عدم سبقها مطلقا- لأجل تنجّسها و عدم كون غسلها استنجاء- باطل، لتنجّسها مع التأخّر أيضا.

ج: لا فرق بين المخرجين، للأصل، و صدق الاستنجاء. و لا بين الغسلة الاولى و الثانية في البول على التعدّد، لذلك. خلافا للمحكي عن الخلاف [1] في الأولى منه. و لا بين المتعدّي و غيره، لما مرّ أيضا، إلّا مع التفاحش الرافع لصدق الاسم. قالوا: و لا

بين الطبيعي و غيره. و لا بأس به، مع انسداد الطبيعي لا مطلقا.

د: لا عبرة بالشكّ في حصول بعض ما تقدّم، لأصلي الطهارة و العدم.

و جعل الأصل تنجّس القليل إلّا ما قطع بخروجه ضعيف، لما مرّ.

______________________________

[1] حكاه في مفتاح الكرامة 1: 93 عن الخلاف و لا يخفى أنه لم يعنون في الخلاف مسألة بعنوان ماء الاستنجاء. نعم فصّل في مسألة غسالة الثوب النجس بين الغسلة الأولى فحكم فيها بالنجاسة و بين الغسلة الثانية، و استدل على الطهارة في الثانية بروايات ماء الاستنجاء فقد يستفاد من كلامه أنه يرى اختصاص روايات ماء الاستنجاء بالغسلة الثانية، فلاحظ.

______________________________

(1) تقدم ص 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 99

المسألة الثالثة: المستعمل في الحدث الأصغر طاهر مطهّر

، بالأصول، و الإجماعين «1»، و العمومات [1]، و خصوص المستفيضة «3».

و ربما نسب إلى المفيد «4» استحباب التنزه عنه، بل عن المستعمل في الغسل المستحب أيضا، لرواية محمد بن علي بن جعفر [2]، الغير الدالّة من وجوه. كما ينسب إلى بعضهم استحباب التوضؤ منه، لتهجّم الناس على التوضؤ من مستعمل وضوء النبي، كما ورد في بعض الأخبار «6». و هو غير قابل للتعميم.

المسألة الرابعة: المستعمل في الأكبر طاهر، بالثلاثة الاولى [3]، و خصوص المعتبرة.
اشارة

منها: صحيحة الفضيل: عن الجنب يغتسل، فينضح من الأرض في الإناء؟ فقال: «لا بأس» «8».

و لا يعارضها خبر حنّان، و فيها- بعد السؤال عما ينتضح على البدن من غسالة الجنب-: «أ ليس هو بجار؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس» «9» فإنّ الظاهر

______________________________

[1] عمومات طهارة كل شي ء و طهارة الماء. راجع ص: 19.

[2] ما رواه عن الرضا (ع) «قال: من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه. قال: فقلت له: إن أهل المدينة يقولون إنه شفاء من العين، فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما». و هي مخصوصة بماء الغسل و بالاغتسال فيه، و غيرها يدلّ على أنه لأجل الأمور المذكورة (منه رحمه اللّه). راجع الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب 43 ح 38، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2.

[3] يعني بها: الأصول، و الإجماعين، و العمومات.

______________________________

(1) المحصّل و المنقول و ممن نقله: المنتهى 1: 22، الروض: 156، و الرياض 1: 10.

(3) راجع الوسائل 1: 209 أبواب الماء المضاف ب 8.

(4) المقنعة: 64.

(6) الوسائل 1: 209 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 1.

(8) التهذيب 1: 86- 225، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1.

(9)

الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 3، التهذيب 1: 378- 1169 (و حذف منه: عن حنان)، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 100

أنّه استفهام إنكار، و المراد أنّ ماءهم جار على أبدانهم البتّة، فلا بأس فيها.

و مطهّر من الخبث بلا خلاف، كما في ظاهر السرائر، و المعتبر و التذكرة، و المختلف، و النهاية «1»، بل بالإجماع، كما في المنتهى، و الإيضاح «2»، و اللوامع، و المعتمد.

و الخلاف المنقول في الذكرى «3» لا يقدح فيه، مع أنّ الظاهر أنّه من العامة «4»، كما قيل «5». فهو الحجة في المقام، مضافا إلى ما مرّ من الأصل و العموم.

و أمّا الحدث، ففي ارتفاعه به و عدمه قولان:

الأوّل: للسيد و الحلبيين «6» و هو المشهور بين المتأخّرين «7»، لاستصحاب المطهريّة، و إطلاقات استعمال الماء، و الناهية عن التيمم مع التمكّن منه.

و صحيحة الفضيل المتقدمة، و ما يؤدّي مؤدّاها من المستفيضة النافية للبأس عما يقطر، أو ينضح، من ماء الغسل في الإناء «8».

و صحيحة محمد: الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره، أغتسل من مائه؟ قال:

«نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، ثمَّ جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتها إلّا لما لزق بها من التراب» «9» فإنّ ترك الاستفصال عن الماء

______________________________

(1) السرائر 1: 61، المعتبر 1: 90، التذكرة 1: 5، المختلف: 13، نهاية الاحكام 1: 241.

(2) المنتهى 1: 23، الإيضاح 1: 19.

(3) الذكرى: 12.

(4) راجع المغني 1: 43، نيل الأوطار 1: 33، بداية المجتهد 1: 27.

(5) المعالم: 135.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، الكافي في الفقه: 130، الغنية (الجوامع الفقهية):

552.

(7) كما اختاره في: القواعد 1: 5، الإيضاح

1: 19، الروض: 158.

(8) الوسائل 1: 212، 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 6، 8.

(9) التهذيب 1: 378- 1172، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 101

المسئول عنه، يفيد العموم.

و صحيحة علي: عن الرجل يصيب الماء في ساقية، أو مستنقع، أ يغتسل منه للجنابة، أو يتوضّأ منه للصلاة، إذا كان لا يجد غيره، و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة، و لا مدّا للوضوء، و هو متفرق، إلى أن أجاب بقوله: «فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثمَّ مسح جلده بيده، فإنّ ذلك يجزيه» إلى أن قال: «و إن كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه، و إلّا اغتسل من هذا و هذا، فإن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه، فإنّ ذلك يجزيه» «1».

و موضع الاستدلال قوله: «فلا عليه» إلى آخره.

و مرسلة ابن مسكان: عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، يريد أن يغتسل، و ليس معه إناء و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل يرجع غسله في الماء، كيف يصنع؟ قال: «ينضح بكفّ بين يديه، و كفّا من خلفه، و كفّا عن يمينه، و كفّا عن شماله، ثمَّ يغتسل» «2».

و صحيحة ابن بزيع: عن الغدير، يجتمع فيه ماء السماء، و يستقى فيه من بئر، فيستنجي فيه إنسان من البول، أو يغتسل فيه الجنب، ما حدّه الذي لا يجوز؟ فكتب: «لا تتوضأ من مثل هذا إلّا عن [1] ضرورة إليه» «4» فإنّ تجويزه التوضّؤ حال الضرورة دليل على أنّ النهي للتنزّه.

______________________________

[1] في «ق»: من.

______________________________

(1) التهذيب 1: 416- 1315، الاستبصار 1: 28-

73، الوسائل 1: 216 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 417- 1318، الاستبصار 1: 28- 72، الوسائل 1: 217 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 150- 427، الاستبصار 1: 9- 11، الوسائل 1: 163 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 102

و الثاني للصدوقين «1»، و الشيخين «2»، بل أكثر الأصحاب، كما في الخلاف «3»، و اختاره والدي العلامة- رحمه اللّه- و نسبه في اللوامع إلى أعيان القدماء، و في المعتمد إلى معظمهم، و جعله المحقّق في المعتبر أولى، و في الشرائع أحوط «4»، و إن كان ظاهره فيهما و في النافع التوقف «5».

لاستصحاب الحدث.

و رواية ابن سنان المتقدّمة «6». و رواية حمزة بن أحمد: عن الحمام قال:

«ادخله بمئزر، و غضّ بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب» «7» الحديث، المعتضدتين بالشهرة المتقدمة، و بتكرر السؤال في الأخبار عن الماء الذي يرجع فيه غسالة الجنب، و أنّه كيف يصنع به حينئذ «8»؟ و اقترانها بما و لغت فيه الكلاب «9»، و غير ذلك بحيث يتحدس [1] فيه وضوح عدم جواز التوضؤ و الاغتسال منها، عند الأصحاب الأطياب.

و احتمال النفي في الأخيرة فلا يفيد عدم الجواز خلاف الظاهر، بقرينة المعطوف عليه.

و تجويز كون النهي لغلبة احتمال وجود النجاسة في المغتسل من الجنابة- كما

______________________________

[1] في «ق»: يحدس.

______________________________

(1) الفقيه 1: 10، و نقل عنهما في المختلف: 12.

(2) المفيد في المقنعة: 64، و الطوسي في المبسوط 1: 11، و النهاية: 4.

(3) الخلاف 1: 172.

(4) المعتبر 1: 88، الشرائع 1: 16.

(5) المختصر

النافع: 4.

(6) ص 43.

(7) التهذيب 1: 373- 1143، الوسائل 1: 218 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1.

(8) الوسائل 1: 216 أبواب الماء المضاف ب 10.

(9) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1، 5، 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 103

يستفاد من الأخبار المتضمنة لكيفية غسل الجنابة، الآمرة بغسل الفرج «1»- خلاف الإطلاق بل الصريح، لأنّ ما يغتسل به الجنب غير ما يغسل به فرجه قطعا.

و تدلّ أيضا عليه صحيحة محمد: عن ماء الحمام، فقال: «ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله، فلا يدرى فيه جنب أم لا» «2».

و التقريب ما تقدم في صحيحته المذكورة «3» للقول الأوّل.

و عدم وجوب التنزّه عن المستعمل في إحدى صورتي المستثنى إجماعا- كما قيل- مع كونه كالإجماع المدّعى ممنوعا- كما يأتي- لا يضر، إذ الخروج عن ظاهر بعض أجزاء الرواية بدليل، لا يقتضيه في غيره.

و نفي دلالتها على وجوب التنزه- لكون الاستثناء عن النهي عن الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى، أعمّ من الأمر بالاغتسال به فيهما، للاكتفاء في رفع النهي بالإباحة- واه جدّا، لأنّ النهي في المستثنى منه ليس للحرمة، و لا الكراهة قطعا، بل المراد نفي وجوب الاغتسال عن ماء آخر لعدم صلاحيته لمعنى غيره، فرفعه يكون بالوجوب، و به يثبت المطلوب.

ثمَّ إنّ هؤلاء بهذه الأدلّة يعارضون الأولين بأدلّتهم، فيدفعون استصحابهم باستصحابهم و بأخبارهم، و إطلاقاتهم بقسميها بمقيداتهم، بعد نفيهم دلالة سائر أخبارهم «4».

فالصحيحة الأولى: بأنّ ما ينزو، أو ينضح، أو يقطر، يستهلك في الإناء، فلا منع فيه. مع أنّه لا إشعار بنفي البأس عن الغسل، لجواز أن يكون السؤال عن نجاسة الإناء، و

كان النزو بعد تمام الغسل.

______________________________

(1) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(2) التهذيب 1: 379- 1175، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.

(3) ص 100- 101.

(4) المتقدمة ص 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 104

و الثانية: بأنّ الظاهر كون السؤال عن الماء الجاري في الحياض، دون الغسالة. مع أنّها معارضة بغيرها، مما مرّ و يأتي، و مع ذلك فهي عامة يجب تخصيصها بما مرّ.

و الثالثة: بجواز كون «أن» في قوله: «لا عليه أن يغتسل» مصدرية، و كون المصدر اسما للفظة «لا»، و المشار إليه في قوله: «فإنّ ذلك يجزيه» ما ذكره أوّلا من غسل الرأس و مسح الجلد.

بل يتعيّن أن يكون المراد ذلك، لأنّ السؤال قد تضمّن أمرين: عدم كفاية الماء، و تفرقته. و قد أجاب عن الأوّل بغسل الرأس و مسح الجلد، و عن الثاني بالجمع مع القدرة، و الاغتسال من هذا بدونها، و المحكوم عليه في قوله:

«فإن كان» و قوله: «فإن خشي» واحد، فيلزم اتّحاد الحكم لئلّا يلزم التناقض. مع أنّه على الاحتمال الآخر يحتاج إلى إضمار اسم لا، و هو خلاف الأصل.

و المرسلة: باحتمال أن يكون السؤال عن فساد الماء، برجوع ماء الغسل بعد تمامه فيه، لا عن الغسل بالماء الراجع. بل احتمال أن يكون الأمر بنضح الأكف لئلّا يحصل العلم بالرجوع، و لا يمكن منه الغسل، كما صرح به كثير من الأصحاب.

مضافا إلى ضعف سندها، و إرسالها، و مخالفتها لعمل راويها، و لشهرة القدماء، و هما مخرجان للرواية عن الحجيّة.

و الأخيرة: بجواز رجوع المجرور في قوله: «إليه» إلى التوضؤ، أي: لا تتوضأ إلّا مع الضرورة إلى التوضؤ، من تقيّة، أو نحوها.

و على هذا فتكون تلك كسابقتيها دليلا

للقول الثاني أيضا. فهو الأقوى، و بالعمل عليه أليق و أحرى.

فروع:

أ: هل الحكم مختص بالمستعمل في غسل الجنابة، أم يعمّ سائر الأغسال الواجبة أيضا؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 105

المصرح به في كلام الأكثر- و منهم الشيخ «1»- التعميم. و لكن الأخبار و بعض كلمات الأصحاب- و منهم الصدوق في الفقيه «2»- مخصوص. و منه يظهر انتفاء الإجماع على الاشتراك، فالاختصاص أظهر. و تنزيل الأخبار على التمثيل يحتاج إلى الدليل. و اشتراك الحائض و من في حكمها مع الجنب في كثير من الأحكام، لا يثبت الاشتراك في الجميع.

ب: من وجب عليه الغسل من حدث مشكوك- كواجد المني في ثوبه المختص، و المتيقّن للحدث و الغسل و الشاك في المتأخّر- كالمتيقّن، لأنّه جنب شرعي.

و استشكل فيه الفاضل في النهاية، و المنتهى «3». و هو غير جيّد.

ج: يشترط في رفع الطهورية الانفصال عن البدن، لأنّه القدر الثابت من الأخبار، دون غيره. و لا يبعد كفاية الانفصال عن العضو المرتب في الترتيبي، و أمّا في الارتماسي، فلا يتحقّق الاستعمال في رفع الحدث إلّا بعد تمام الغسل، و الوجه فيه ظاهر.

د: الكر المجتمع من القليل المستعمل كالقليل، للاستصحاب. و خلاف المبسوط و المنتهى «4» ضعيف.

ه: محل الكلام فيما اغتسل به، فلا حرج فيما يبقى بعده في الإناء. و لا يضرّ إدخال الجنب يده فيه بقصد الأخذ، للأصل، و الأخبار المتضمنة لغسل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عائشة في إناء واحد «5».

و لا انتضاح شي ء من الغسالة في الأثناء فيه، للروايات النافية للبأس

______________________________

(1) المبسوط 1: 11، النهاية: 4.

(2) الفقيه 1: 10.

(3) نهاية الأحكام 1: 243، المنتهى 1: 24.

(4) المبسوط 1: 11، المنتهى 1: 23.

(5)

الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 7 ح 1 و ج 2: 242 أبواب الجنابة ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 106

عنه «1»، و قد تقدّم بعضها.

و: هل الحكم مختص بالقليل، أو يشمل الكثير أيضا؟

المصرّح به في كلام جماعة الأوّل «2»، و ربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه «3»، بل ادعى جماعة، منهم: الوالد العلّامة- رحمه اللّه- الإجماع عليه، و يؤيّد الإجماع عمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير إنكار.

و تدلّ عليه صحيحة الجمّال: عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة، تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب، أ يتوضأ منها؟ قال: «و كم قدر الماء؟» قلت: إلى نصف الساق، و إلى الركبة، و أقل، قال: «توضأ» «4».

و ذكر ولوغ الكلب (فيها) «5» قرينة على الكريّة، بل هي المتبادرة من الاستفصال. و يمكن تنزيل صحيحة ابن بزيع المتقدمة «6» عليه أيضا.

هذا، مع أنّ الظاهر استهلاك المستعمل في الكرّ غالبا.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب: عدم جواز رفع الحدث من غسالة الحمام

، و هم بين مصرّح بالنجاسة مطلقا، كما عن بعضهم. و بعدم جواز استعمالها كذلك، كالشيخ في النهاية، و الحلّي «7»، مدّعيا عليه الإجماع.

و ظاهر المنتهى، كصريح بعض آخر: اتّحاد هذا القول مع الأوّل «8». و لكن

______________________________

(1) الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9.

(2) كما في المنتهى 1: 23، الروض: 158، غنائم الأيام: 28.

(3) كما في المدارك 1: 126، الروض: 158، مشارق الشموس: 250.

(4) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 7، التهذيب 1: 417- 1317، الاستبصار 1: 22- 54، الوسائل 1: 214 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12. و لا توجد في غير الكافي لفظة «و أقل».

(5) لا توجد في

«ق».

(6) ص 101.

(7) النهاية: 5، السرائر 1: 91.

(8) المنتهى 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 107

في شرح القواعد جعله مغايرا له «1».

و بعدم جواز الاستعمال في التطهّر كذلك، كالصدوقين «2».

و بالأوّل مقيّدا بما لم يعلم خلوّها عن النجاسة، كالفاضل في الإرشاد «3».

و بالثاني كذلك، كالقواعد، و التحرير، و التذكرة، و البيان «4»، و بالثالث كذلك، كالمعتبر «5».

و صرّح في المنتهى «6» بالطهارة، و ظاهر استدلاله يعطي جواز التطهير منها «7» أيضا.

و جعلها في شرح القواعد كما كان قبل الاستعمال «8»، و مفاده الطهارة و الطهورية، و مال إليه في المعالم، و المدارك «9»، و نسبه المجلسي في شرحه الفارسي على الفقيه، إلى أكثر المتأخّرين «10» (مع الكراهة) «11». و في روض الجنان أنّه الظاهر «12»، إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

و كيف كان، فالكلام إمّا في الطهورية، أو الطهارة.

و الحق في الأول: النفي، لاستفاضة النصوص، كرواية حمزة بن أحمد

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 132.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 10، و والده في الرسالة على ما حكاه في الحدائق 1: 497.

(3) مجمع الفائدة 1: 289.

(4) القواعد 1: 5، التحرير 1: 6، التذكرة 1: 5، البيان: 103.

(5) المعتبر 1: 92.

(6) المنتهى 1: 25.

(7) في «ق»: بها.

(8) جامع المقاصد 1: 132.

(9) المعالم: 147، و لم نعثر عليه في المدارك.

(10) اللوامع القدسية 1: 57.

(11) لا توجد في «ه».

(12) الروض: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 108

المتقدمة «1».

و رواية ابن أبي يعفور: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة الناصب» «2».

و موثقته المروية في العلل: «إيّاك و أن تغتسل من غسالة

الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم، فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و أنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» «3».

و في الثاني: الإثبات، للأصل السالم عن المعارض، بل المعاضد بالموافق، و هي مرسلة الواسطي: «عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: «لا بأس به» «4».

و موثقة زرارة: رأيت أبا جعفر يخرج من الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلي «5».

و الصحيحة الأولى لمحمد، المتقدمة «6» في المسألة السابقة.

و المناقشة في الأخيرتين: بأنّ محل النزاع ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة، و موردهما المياه المنحدرة في سطح الحمام واهية، لأنّ المجتمع هو المنحدر، مع أنّ علّة النهي المذكورة في الأخبار من أنّ فيها غسالة المذكورين، مشتركة.

للمخالف في الأول: الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة، لضعف ما مرّ

______________________________

(1) ص 102.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 4.

(3) علل الشرائع: 292- 1، الوسائل 1: 220، أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.

(4) الكافي 3: 15 الطهارة ب 10 ح 4، الفقيه 1: 10- 17، التهذيب 1: 379- 1176، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 9.

(5) التهذيب 1: 379- 1174، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 2.

(6) ص 100

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 109

من الأخبار، و صحيحة محمد، المذكورة.

و الأول مندفع: بما مرّ من المعارض، المنجبر ضعفه سندا بالعمل لو كان ضائرا، مع أنّ فيها الموثّق.

و الثاني: بأنّ الظاهر من مائه ماء الحياض، و هو غير محل النزاع،

و لو منع ظهوره، فغايته العموم، فليخصّ بما مرّ.

و في الثاني: النهي عن الاغتسال، و هو مثبت للنجاسة، كما تثبت بالأمر بغسل الملاقي و نحوه. و تعليل النهي بوجود النجس فيه من الغسالات المذكورة.

و يرد على الأوّل: منع الملازمة، و قياسه مع الفارق، و هو الإجماع المركب في الثاني دون الأوّل.

و على الثاني: منع إيجاب التعليل للنجاسة. فلعلّه لكونه غسالة للنجاسة، مع أنّ فيها غسالة الجنب، و ولد الزنا، و هما طاهران.

ثمَّ النفي في الأول هل هو مطلق، أو مقيّد بعدم العلم بالخلوّ عن النجاسة، أو عن الغسالات المذكورة كلا أو بعضا، أو بالعلم بعدم الخلو؟

لا ينبغي الريب في سقوط الأول، لمكان التعليل. فإن كان المراد منه أنّه معرض لمثل هذه الأمور، و محتمل له، فيتّجه الثاني. و إن أريد أنّه معرض لها خاصة فالثالث. و إن كان المراد انّها تتحقّق قطعا فالرابع، و الأصل مع إرادة الأخير، كما أنّه مع الرابع أيضا، فهو الأقوى.

ثمَّ المصرح به في أكثر الأخبار، ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة، فهل يختص الحكم بها، أو يعمّها قبل دخولها فيها أيضا؟

مقتضى التعليل: الثاني، بل يدل عليه عموم الموثقة «1» أيضا، فهو المتّجه.

و لا يختص بما يصب على البدن، بل يشمل ما ارتمس فيه أيضا بشرط أن يكون قليلا، ليصدق عليه الغسالة.

______________________________

(1) المتقدمة ص 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 110

الفصل الثامن: في السؤر
اشاره

و هو لغة: البقية من كلّ شي ء، أو من الطعام و الشراب، أو من الشراب أو الماء مطلقا، أو مع القلة بعد الشرب أو مطلقا.

و عرفا: قيل: إنّه ما لاقاه (جسم) «1» حيوان. و منهم من بدّل الموصول بالمائع «2». و منهم من بدّله بالماء، و هو بين من

أطلقه، و من خصّه بالقليل «3»، و على التقادير، قد يبدّل الجسم بالفم «4».

و قد أطلق على بعض هذه الأقسام في الأخبار، و لكنه لا يثبت الحقيقة، و تعيينها لغة أو عرفا مشكل، إلّا أنّ الظاهر من التبادر و أصالة عدم النقل: اعتبار القلة.

و على هذا، فما ورد من الأسئار في الأخبار إن علم المراد منه بقرينة فهو، و إلّا فالمرجع الأصل، فلا يثبت الحكم إلّا لما قطع بكونه سؤرا، و هو الماء القليل الملاقي للفم.

ثمَّ الكلام فيه إمّا لأجل الخلاف في نجاسة ذي السؤر، أو انفعال القليل، أو لأجل كونه سؤرا، و المقصود هنا الثالث، و التكلّم فيه في مسائل:

المسألة الأولى: السؤر من نجس العين نجس بالإجماع

، و من الطاهر طاهر، يجوز استعماله، و التطهّر به مطلقا على الأقوى، وفاقا للمصباح، و الخلاف «5»، بل معظم الأصحاب، و في الغنية «6» الإجماع عليه.

______________________________

(1) لا توجد في «ه».

(2) كما في السرائر 1: 85.

(3) كما في المسالك 1: 3، الرياض 1: 12.

(4) كما في الذخيرة: 141.

(5) الخلاف 1: 187.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 111

و خلافا للمنقول عن الاستبصار، و التهذيب، و المبسوط، و السرائر «1»، فمنعوا من سؤر ما لا يؤكل. إلّا أنّ الأوّل استثنى الفأرة، و البازي، و الصقر.

و الثاني: السنور، و الطير. و الأخيرتين: ما لا يمكن التحرّز عنه، و الوحش، و زاد الأخير: الطير أيضا.

و الإسكافي «2»، فمنع من سؤر الجلال و المسوخ. و السيد، و القاضي [1]، فالأوّل فقط. و النهاية «4» فعن سؤر آكل الجيف من الطير.

و قد ينقل أقوال أخر، و قد يختلف الانتساب فيما ذكر أيضا. ثمَّ منع هؤلاء يمكن ان يكون للنجاسة، أو التعبّد.

لنا- بعد الأصول-: المستفيضة من

المعتبرة، و هي بين ما يدلّ على طهارة الجميع، كصحيحة البقباق: عن فضل الهرة، و الشاة، و البقرة، و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال، و الوحش، و السباع، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه، فقال: «لا بأس به» «5» الحديث.

و سؤر كلّ الطيور، كموثّقة عمار: سئل عن ماء تشرب منه الحمامة، فقال:

«كلّ ما أكل لحمه يتوضّأ من سؤره و يشرب» و عن ماء شرب منه باز، أو صقر، أو عقاب، فقال: «كلّ شي ء من الطيور، يتوضأ ممّا يشرب منه» «6» الحديث.

و رواية أبي بصير: «فضل الحمامة و الدجاجة لا بأس به و الطير» «7».

______________________________

[1] المهذّب 1: 25، و لم نعثر على كلام السيد في كتبه.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 26، التهذيب 1: 224، المبسوط 1: 10، السرائر 1: 85.

(2) نقله عنه في المختلف: 12.

(4) النهاية: 5.

(5) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 2، التهذيب 1: 228- 659، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 112

و السباع، كصحيحة محمد: عن السنور، قال: «لا بأس أن يتوضأ من فضلها، إنّما هي من السباع» «1».

و رواية معاوية بن شريح: عن سؤر السنّور [و الشاة] و البقرة، و البعير، و الفرس، و الحمار، و البغل، و السباع، يشرب منه أو يتوضأ؟ قال: «نعم اشرب منه، و توضأ» «2».

و الهرة، و قد مرّ، و يأتي.

و جميع الدّوابّ، كصحيحة جميل: عن سؤر الدواب، و البقر، و الغنم، أ

يتوضأ منه و يشرب؟ قال: «لا بأس» «3».

و الفأرة، كخبر عمار: «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء، أن يشرب و يتوضأ منه» «4» إلى غير ذلك.

حجة المخالفين: مرسلة الوشاء: «إنّه كان يكره سؤر ما لا يؤكل لحمه» [1].

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس بأن يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه» «6».

و موثقتا عمّار، إحداهما: «كلّ ما يؤكل فليتوضأ منه و ليشربه» «7». و قريبة منها

______________________________

[1] الكافي 3: 10 الطهارة ب 6 ح 7، الوسائل 1: 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 2. يظهر من الوسائل أن الشيخ أيضا نقلها لكنها غير موجودة في النسخ التي بأيدينا من التهذيبين، كما نبّه عليه أيضا في جامع الأحاديث 2: 62.

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 644، الاستبصار 1: 18- 39، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 1: 225- 647، الاستبصار 1: 19- 41، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 6، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) التهذيب 1: 227- 657، الوسائل 1: 332 أبواب الأسآر ب 5 ح 4.

(4) الفقيه 1: 14- 28، التهذيب 1: 419- 1323، الاستبصار 1: 26- 65، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2، و في جميع المصادر: إسحاق بن عمار.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 1، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 113

الأخرى «1».

و الأوّل «2» استثنى الفأرة و أخويها بموثّقة عمار «3»، و خبره. و الثاني: السنور، و الطير، بالموثقة، و صحيحة محمد «4». و الأخيران: الوحش، بصحيحة البقباق

«5»، و ما لا يمكن التحرّز عنه، بنفي الحرج. و الأخبر: الطير، بما مر، كما أنّ الخامس و السادس: غير الجلال و المسوخ، أو غير الأوّل فقط، به.

و يضعّف المرسلة: بكون الكراهة في اللغة أعم من الحرمة.

و لو سلّم الاختصاص، فالحمل على التجوّز- لما مرّ- متعين.

و به يضعّف الصحيحة و الموثقتان أيضا، مضافا إلى عدم حجية مفهوم الوصف.

المسألة الثانية: يكره من سؤر الطاهر: سؤر الخيل، و البغال، و الحمير

، إجماعا، كما في المعتمد، للتفصيل القاطع للشركة في مضمرة سماعة: هل يشرب سؤر شي ء من الدواب، و يتوضأ منه؟ قال: «أمّا البقر، و الإبل، و الغنم، فلا بأس» «6». و البأس المثبت للباقي، ليس حرمة إجماعا، فيكون مكروها.

و لخبر ابن مسكان: عن التوضؤ أو الاغتسال مما ولغ فيه الكلب، و السنور، أو شرب جمل، أو دابة، أو غير ذلك، قال: «نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزه عنه» «7».

و هو و إن كان ظاهرا في الكثير، لمكان ولوغ الكلب، إلّا أنّ المطلوب يثبت

______________________________

(1) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(2) أراد به الاستبصار، و بالثاني التهذيب .. و بالأخيرين المبسوط و السرائر.

(3) المتقدمة ص 111، و تقدم خبر (إسحاق بن عمار) في الصفحة السابقة رقم 4.

(4) المتقدمة ص 112.

(5) المتقدمة ص 111.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 3، التهذيب 1: 227- 656، الوسائل 1: 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 3.

(7) التهذيب 1: 226- 649، الوسائل 1: 228 أبواب الأسآر ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 114

و بالأولوية، و عدم الفصل.

و الدجاج، لفتوى الشيخ و الفاضل و المعتبر «1»، و إن قيّده الأخير بالمهملة.

و كل ما لا يؤكل، و منه: الجلال

و آكل الجيف و المسوخ، للمرسلة.

و لا ينافي الكراهة في بعض ما ذكر نفي البأس عنه أو تجويز استعماله في بعض الأخبار، لاجتماعهما معا.

و ينبغي استثناء السنّور مما لا يؤكل، كما فعله جماعة «2»، لصحيحة زرارة:

«إنّ الهر سبع، و لا بأس بسؤره، و إنّي لأستحيي أن أدع طعاما لأنّ هرّا أكل منه» «3».

و رواية الكناني: «لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه، إنّما هي سبع» «4».

و يؤيّدهما: المروي في نوادر الراوندي، قال، علي عليه السلام: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ إذ لاذ به هرّ البيت، و عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه عطشان، فأصغى [1] إليه الإناء حتى شرب منه، و توضأ بفضله» «6».

و بهذه يخصّص عموم المرسلة «7».

و لا يعارضها خبر ابن مسكان «8»، لعطف السنور فيها على الكلب بحرف الجمع. مع أنّ منطوقة في السنور متروك قطعا، لأنّ الكثير لا يكره بذلك، فلا

______________________________

[1] أصغاه: أماله و حرّفه على جنبه ليجتمع ما فيه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 10، المنتهى 1: 25، التذكرة 1: 6، التحرير 1: 5، المعتبر 1: 99.

(2) كما في التهذيب 1: 226، المبسوط 1: 10، التذكرة 1: 6، المعتبر 1: 99.

(3) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 4، التهذيب 1: 227- 655، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 1: 227- 653، الوسائل 1: 228 أبواب الأسآر ب 2 ح 4.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 220 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(7) المتقدمة ص 112.

(8) المتقدم ص 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 115

يبقى المفهوم، لتقومه به.

و المستفاد من رواية الكناني: استثناء مطلق السباع، و لا

بأس به.

المسألة الثالثة: يكره ما وقع فيه الحية، و العقرب، و الوزغة

، و إن خرجت حيا، لروايات دالّة عليه «1»، و الكراهة في الأخير أشدّ.

و استظهر في المدارك عدمها في الأوّل «2»، لصحيحة على: عن العظاية [1]، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء، فلا يموت يتوضأ منه للصلاة؟ فقال: «لا بأس فيه» «4».

و فيه: ما مرّ من عدم منافاة نفي البأس للكراهة مع الدليل، و هو رواية أبي بصير: عن حية دخلت حبّا فيه ماء و خرجت منه، قال: «إن وجد ماء غيره فليهرقه» «5».

المسألة الرابعة: الأقوى: المنع من سؤر الحائض الغير المأمونة
اشاره

، كما في التهذيب و الاستبصار «6»، و كراهة سؤر المأمونة و المجهولة.

أمّا الأول: فلموثقة ابن يقطين: في الرجل يتوضأ بسؤر الحائض، قال:

«إذا كانت مأمونة فلا بأس» «7».

دلّت بمفهومها على ثبوت البأس- الذي هو العذاب و الشدة- في سؤر غير المأمونة.

______________________________

[1] العظاية: و هي دويبة أكبر من الوزغة. الصحاح 6: مادة- عظا.

______________________________

(1) الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9.

(2) المدارك 1: 137.

(4) التهذيب 1: 419- 1326، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 15، التهذيب 1: 413- 1302، الاستبصار 1: 25- 63، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 3.

(6) التهذيب 1: 222، الاستبصار 1: 17.

(7) التهذيب 1: 221- 632، الاستبصار 1: 16- 30، الوسائل 1: 237 أبواب الأسآر ب 8 ح 5.

و فيها: «بفضل» بدل: «بسؤر».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 116

و بمفهومها يخصّ ما دلّ على الجواز مطلقا، كموثّقة العيص: عن سؤر الحائض؟ قال: «توضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة» «1» حيث إنّ الأصل اختصاص الشرط بالأخيرة.

أو على الكراهة كذلك، كرواية أبي هلال- التي هي دليلنا على الجزء الثاني-: «المرأة الطامث اشرب من

فضل شرابها و لا أحبّ أن تتوضأ منه» «2».

كما أنّ بمنطوقها يخصّ عموم ما دلّ على المنع، كرواية عنبسة: «اشرب من سؤر الحائض، و لا تتوضأ منه» «3».

و صحيحة الحسين بن أبي العلاء: عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال:

«نعم، و لا يتوضأ منه» «4».

و صحيحة العيص: عن سؤر الحائض، فقال: «لا توضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة» «5».

و رواية ابن أبي يعفور: «و لا تتوضأ من سؤر الحائض» «6».

و موثّقة أبي بصير: هل يتوضأ من فضل الحائض؟ قال: «لا» «7».

مع أنّ دلالة الجميع على المنع فرع كون الأفعال فيها نهيا، مع أنّ النفي القاصر عن إفادة الزائد عن المرجوحية في كثير منها محتمل، فلا يعارض شيئا مما يدل على المنع أو الجواز لجمعها معهما. بل يكون دليلا آخر لنا على الجزء الثاني،

______________________________

(1) التهذيب 1: 222- 633، الاستبصار 1: 17- 31، الوسائل 1: 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 1: 222- 637، الاستبصار 1: 17- 35، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 8 ح 8. في الاستبصار و الوسائل: «و لا أحبّ أن أتوضأ منه».

(3) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 1، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 1.

(4) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 3، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 2.

(5) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 2، الوسائل 1: 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.

(6) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 4، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 3.

(7) التهذيب 1: 222- 636، الاستبصار 1: 17- 34 الوسائل 1: 237 أبواب الأسآر ب 8 ح 7.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 117

بل لو لا تقدّم التخصيص على التجوّز، لأمكن الاستناد فيه إلى تلك العمومات على تضمنها النهي أيضا، بحملها على الكراهة، بمقتضى الجمع بينها و بين موثّقة العيص، سيّما مع شهادة رواية أبي هلال بذلك الجمع.

و كيف كان، يظهر ضعف الاستناد إليها في المنع من التوضؤ، و الشرب، عن سؤر الحائض مطلقا، كما عن المقنع «1».

كما يظهر ضعف القول بكراهة سؤرها كذلك، كما عن الإسكافي «2»، و المبسوط «3»، و المصباح «4»، و الفقيه «5»، بل الأكثر، كما في المدارك «6».

أو مقيّدا بالمتهمة، كما عن الشيخ في النهاية، و الديلمي، و الحلّي [1]، و الفاضلين «8»، و الوسيلة، و شرح القواعد «9»، بل أكثر المتأخّرين.

أو بغير المأمونة، كما عن المقنعة، و المراسم، و الجامع، و المهذّب «10»، و جماعة من المتأخّرين «11».

أو بنجاسته مع التهمة، كما تشعر عبارة الغرر [2] بوجود القول بها، بل نجاسة سؤر كل متّهم.

______________________________

[1] النهاية: 4، السرائر 1: 62، و لم نعثر عليه في المراسم.

[2] لعل المراد به غرر المجامع في شرح المختصر النافع للسيد نور الدين علي أخي صاحب المدارك «مخطوط».

______________________________

(1) المقنع: 10.

(2) نقل عنه في كشف اللثام 1: 30.

(3) المبسوط 1: 10.

(4) نقل عنه في المختلف: 12.

(5) الفقيه 1: 9.

(6) المدارك 1: 135.

(8) المحقق في المعتبر 1: 99، و العلامة في المنتهى 1: 37، و التحرير 1: 5، و التذكرة 1: 6.

(9) الوسيلة: 76، جامع المقاصد 1: 124.

(10) المقنعة: 584، المراسم: 37، الجامع للشرائع: 20، المهذّب 2: 430.

(11) منهم المحقق في الشرائع 1: 16، الشهيد في الذكرى: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 118

ثمَّ الحكم في الأخبار مختص بالوضوء، فلا يتعدّى إلى غيره

في المنع قطعا.

و قد يتعدّى في الكراهة، للاحتياط، و هو ضعيف.

نعم يمكن التعدّي فيها في غير المأمونة، بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب «1»، بل دعوى بعضهم «2» أنّ الظاهر الاتفاق عليه، باعتبار التسامح في أدلّة السنن.

و به يخصّ عموم رواية أبي هلال، في نفي الكراهة عن الشرب، باعتبار التفصيل القاطع للشركة.

فرع: ألحق بعضهم بالحائض المتهمة كلّ متّهم

، و هو المحكي عن الشيخين، و الحلّي، و البيان «3»، و أطعمة المختصر النافع [1].

و لا دليل عليه، إلّا أن يكتفى بفتوى هؤلاء الأعلام في إثبات الكراهة، و لا بأس به في المقام.

نعم يدل بعض ما مرّ على المنع من التوضؤ من سؤر غير المأمونة من الجنب.

و بعد نفي التحريم فيه بظاهر الإجماع لا مناص عن القول بالكراهة فيه.

المسألة الخامسة: لا يكره سؤر المؤمن

، لما روي من أنّ فيه الشفاء «5». و هو و إن كان ظاهرا في الشرب، إلّا أنّه لا قائل بالفصل ظاهرا.

و تدلّ على بعض المطلوب: صحيحة العيص و موثقته «6»، سيما مع ضمّ الأولوية بالنسبة إلى غير الجنب، و غير المرأة.

______________________________

[1] لم يوجد فيه ما يناسب المقام، نعم في أطعمة الشرائع (3: 228):- و كذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقّى النجاسات.

______________________________

(1) كما في المقنع: 6.

(2) نقله صاحب مفتاح الكرامة 1: 84 عن أستاذه.

(3) المفيد في المقنعة: 584، و الطوسي في النهاية: 89، السرائر 3: 123، البيان 101.

(5) الوسائل 25: 263 أبواب الماء الأشربة المباحة ب 18.

(6) المتقدمتان ص 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 119

الفصل التاسع: في الماء المشتبه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: لا خلاف في وجوب الاجتناب عن الإناءين المشتبهين
اشاره

اللذين أحدهما طاهر و الآخر نجس، و عليه الإجماع في [1] الخلاف، و السرائر، و الغنية، و المعتبر، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و المختلف «2»، و هو الحجة عليه، مضافا إلى موثقتي سماعة و الساباطي، المتقدّمتين في بحث القليل «3». و الطعن في حجّيتهما ضعيف من وجوه.

و الاحتجاج للمطلوب، بأنّ يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة، فلا دليل على الطهارة المجوّزة للاستعمال. و بأنّ اجتناب النجس واجب، و هو لا يتمّ إلّا باجتنابهما، معا. و بأنّ اشتغال الذمّة بالصلاة يستدعي البراءة اليقينيّة، و هي لا تحصل إلّا بالطهارة بغير هذا الماء. و بأنّ النجس القطعي موجود، فالحكم بطهارة الجميع حكم بطهارة النجس، و بطهارة واحد، ترجيح بلا مرجّح. ضعيف جدّا.

أمّا الأوّل: فبأنّ مورد يقين النجاسة أحدهما لا بعينه، و مورد الطهارة كلّ منهما معيّنا بدلا، فاختلف المحل، فلا يتحقّق التعارض. مع أنّ أصالة الطهارة الشرعية عن المعارض خالية.

و أمّا الثاني: فبمنع وجوب اجتناب النجس مطلقا، بل اللازم الثابت وجوب الاجتناب عن العلم باستعمال النجس، و هو يحصل باجتنابهما معا، و إن لم

______________________________

[1] في «ه»: عن.

______________________________

(2) الخلاف 1: 197، السرائر 1: 85، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، المعتبر 1: 103، التذكرة 1: 10، نهاية الاحكام 1: 248، المختلف: 15.

(3) ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 120

يجتنب عن كلّ منهما بدلا.

و أمّا الثالث: فبأنّ اللازم تحصيل البراءة الشرعية، و هي تحصيل- بملاحظة الأصل لو لا الإجماع و الأخبار- مع الطهارة بذلك الماء.

و أمّا الرابع: فبأنّ المحكوم به طهارة كل منهما على البدليّة، فلا ترجيح بلا مرجّح.

ثمَّ الحكم هل يختص بالإناءين أو ينسحب إلى الأكثر أيضا؟

و كلماتهم بين المطلق في المشتبه،

كما في الشرائع، و الدروس «1». و مقيّد بالإناءين، مثل النافع، و الإرشاد «2». و مصرّح بالانسحاب، نحو التحرير، و غرر المجامع بل المعتبر «3». و ناصّ على نفيه، كجماعة من المتأخرين [1]، منهم: والدي العلّامة في كتابيه.

و القائل بالانسحاب يخصّص بالمحصور، لتصريح الجماعة بخروج غيره عن هذا الحكم. ففي المسألة قولان:

عدم الانسحاب مطلقا، بمعنى جواز الاستعمال غير المساوي للنجس، للأصل الخالي عن المعارض، و هو الحق.

و الإيراد: بأنّ التمسّك بالأصل في كل فرد ينتج الحكم بطهارة الجميع، ضعيف، لأنّه إنّما هو إذا لم يكن في كل فرد ممّا يساوي النجس على سبيل البدلية.

و الانسحاب في الزائد المحصور، للأدلّة الأربعة الأخيرة المردودة، و للإجماع المنقول في التحرير، الغير القابل للإخراج عن الأصل، لعدم حجيته، و لتنقيح المناط المردود بعدم قطعيّة العلة.

هذا، مع أنّ ما ذكروه في الفرق بين المحصور و غيره غير ناهض، كما بيّنا

______________________________

[1] منهم صاحب المشارق: 282.

______________________________

(1) الشرائع 1: 15، الدروس 1: 123.

(2) المختصر النافع: 4، مجمع الفائدة 1: 281.

(3) التحرير 1: 6، المعتبر 1: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 121

في موضعه.

و من المتأخّرين من استند في الانسحاب و الفرق إلى الاستقراء، و عدّ مواضع قليلة في المحصور و غيره، لإثباته «1».

و لا إشعار في شي ء منها بالتغاير بين المحصور و غيره، مضافا إلى أنّ بمثلها لا يثبت الاستقراء، و لو ثبت لا يكون إلّا ظنيا، و لا حجية فيه.

فروع:

أ: لا فرق فيما ذكر بين ما لو كان الاشتباه حاصلا أوّلا، و بين ما لو حصل بعد التعيّن.

و احتمل في المدارك الفرق: بتحقّق المنع من استعمال المتعيّن، فيستصحب «2».

و ضعفه ظاهر جدا، لأنّ المتعيّن غير متحقّق حتى يستصحب منعه، و

غيره غير متحقّق المنع فيه.

ب: لو كان الاشتباه للشك في وقوع النجاسة، أو في نجاسة الواقع، لا يجب الاجتناب بالإجماع و الأصل.

ج: في اختصاص الحكم بالإنائين، كما عن جملة من المتأخرين «3»، و به صرّح والدي رحمه اللّه، أو انسحابه إلى مثل الغديرين أيضا، كالشيخين، و الفاضلين، بل كثير من الأصحاب [1] قولان:

الأوّل، و هو الأظهر، للأصل. و الثاني، لأنّه مقتضى بعض الأدلّة المقتضية

______________________________

[1] لم نعثر على قول الشيخين و الفاضلين بالانسحاب إلى غير الإناء، بل نسبه في المعالم إلى بعضهم.

نعم، المنسوب إليهم و إلى كثير من الأصحاب هو الانسحاب إلى الأكثر من الإناءين كما مرّ حكمه في ص 120. راجع المعالم: 162، و الحدائق 1: 515.

______________________________

(1) الحدائق 1: 503.

(2) المدارك 1: 108.

(3) منهم صاحب المشارق: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 122

للحكم في الإناءين. و قد عرفت ضعفها.

د: المشتبه بالمشتبه بالنجس كالطاهر، للأصل، و اختصاص الدليل بغيره.

و كون المشتبه بالنجس في حكمه كليّا، ممنوع.

ه: لو لاقى أحد المشتبهين طاهرا لا ينجّسه، وفاقا للثانيين «1»، و المعالم، و المدارك «2»، و جملة من المتأخرين «3»، للأصل.

و خلافا للمنتهى «4»، و السرائر [1]، و الحدائق «6»، لأنّ المشتبه بالنجس في حكمه. و قد مرّ دفعه.

و لأنّ الطاهر بملاقاته المشتبه صار مشتبها، فيجب اجتنابه.

و فيه: منع وجوب الاجتناب عن مثل ذلك المشتبه.

و: لو لم يتمكّن من غير الإناءين يجب التيمّم، دون الصلاة مع كل منهما بعد غسل موضع الملاقاة مع الأوّل إن أمكن، كما إذا وجد ماء مغصوب، بلا خلاف ظاهر فيه، كما في الحدائق «7»، للموثّقين.

ز: ظاهر الموثّقين: اختصاص المنع في الإناءين بالطهارة. و لكن الظاهر عدم الفصل بينها و بين غيرها، من رفع الخبث

و الشرب.

المسألة الثانية: صرّح جماعة من الأصحاب [2]: بأنّ المشتبه بالمغصوب كالمشتبه بالنجس

، فلا يجوز الاستعمال إذا كانا اثنين أو مع الحصر.

______________________________

[1] لم نعثر عليه، و ليس في «ه».

[2] منهم صاحبا المنتهى 1: 31، و الإيضاح 1: 23.

______________________________

(1) ربما يستفاد من جامع المقاصد 1: 151، و الروض: 224.

(2) المعالم: 284، المدارك 1: 108.

(3) منهم صاحب الذخيرة: 138.

(4) المنتهى 1: 30.

(6) الحدائق 1: 514.

(7) الحدائق 1: 518.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 123

و استشكل في الذخيرة «1» و المعتمد، و هو في محله، للأصل، و قوله: «كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعينه» «2».

للمحرّم: ما مرّ من الأدلّة الأربعة التي مرّ ردّها.

و الاشتباه هنا للشك في الغصبية غير معتبر قطعا، لأصالة عدمها.

المسألة الثالثة: إذا اشتبه إناء مطلق أو أكثر بمضاف أو أكثر يتطهر بكل من الكل وجوبا مع الانحصار

، على المصرّح به في كلام القوم، بل في المعتمد:

الإجماع عليه، لتوقّف العلم بالطهارة بالمطلق الواجب عليه. و جوازا مع عدمه، لصدق الامتثال و عدم المانع.

خلافا لظاهر المعتبر و الروض «3» في الثاني، فلا يجوز، لتمكّنه من الجزم في النية.

و فيه: منع وجوبه.

و لو انقلب أحدهما تيمّم، وفاقا لوالدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، لعدم الوجدان ما يعلم إطلاقه، و هو المأمور بالطهارة به، دون المطلق في نفس الأمر، لتقييد التكليف بالعلم.

و قيل «4» بالطهارة به- لاستصحاب وجوبها- و التيمم، لما مرّ. و لتوقّف العلم برفع الحدث الواجب بالجمع. و بأنّه يحتمل أن يكون مطلقا فتجب الطهارة، و مضافا فالتيمّم و لا مرجّح، فيجب الجمع.

و يضعّف الاستصحاب: بعدم حجيّته هنا، لجواز أن يكون الواجب هو الطهارة به بشرط الاجتماع مع الآخر، بل هو القدر الثابت.

______________________________

(1) الذخيرة: 138.

(2) الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(3) المعتبر 1:

104، الروض: 156.

(4) جامع المقاصد 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 124

و الباقيان: بمنع توقف العلم برفع الحدث بالجمع، لارتفاعه بالتيمّم مع عدم وجدان ما علم إطلاقه قطعا. و بمنع وجوب الطهارة مع احتمال المطلق، مع أنّه لو تمَّ الأوجب التخيير، دون الجمع.

و الاشتباه هنا يحصل بالتباسهما مع القطع بإطلاق أحدهما. و أمّا الشك فيه أوّلا فكالقطع بعدم الإطلاق، لأصالة عدم الطهورية، و استصحاب الحدث و الخبث.

و في حكم المشتبه بالمضاف المشتبه بالمستعمل في رفع الحدث، إلّا في الشك أوّلا، فإنّه هنا كالقطع بعدم الاستعمال، لأصالة عدمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 125

الفصل العاشر: في متفرقات من أحكام المياه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الماء النجس لا يرفع الحدث مطلقا، و لا الخبث إن كان نجسا ابتداء [1].

و لا يجوز استعماله في الشرب، و إدخاله في المأكول و المشروب اختيارا.

و لو انحصر، تيمّم في الطهارة، و شربه في الشرب، لعدم المندوحة عنه.

المسألة الثانية: الماء المغصوب يرفع الخبث

، لصدق الماء المطلق، و إن حرم استعماله. دون الحدث، للنهي المفسد للعبادة، إلّا مع الجهل أو النسيان، كما يأتي في محله.

المسألة الثالثة: لا كراهة في استعمال ماء العيون الحمية

، للأصل. خلافا للإسكافي «2»، و لا حجّة له.

نعم يكره التداوي به، للنهي المعلّل بأنّه من فوح جهنّم [2].

المسألة الرابعة: يكره الطهارة بالماء المشمّس

بالإجماع المحقّق، و المحكي في الخلاف «4»، و اللوامع، و المعتمد، و هو الحجّة، مع الروايات.

كرواية السكوني: «الماء الذي يسخّنه الشمس لا توضؤوا به و لا تغتسلوا به و لا تعجنوا به، فإنّه يورث البرص» «5».

______________________________

[1] في «ق»: زيادة: (و أما النجس برفع الخبث فيرفعه كما يأتي).

[2] الكافي 6: 389 الأشربة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3. الفيح:

سطوع الحرّ و فورانه، و يقال بالواو. لسان العرب 2: 550.

______________________________

(2) نقله عنه في الذكرى: 8.

(4) الخلاف 1: 54.

(5) الكافي 3: 15 الطهارة ب 10 ح 5، التهذيب 1: 379- 1177، العلل: 281، الوسائل 1:

207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 126

و المروي في العلل: «خمس تورث البرص» و عدّ منها: «التوضؤ و الاغتسال بالماء الذي يسخّنه الشمس» [1].

و موثّقة إبراهيم بن عبد الحميد: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس، قال: «يا حميراء ما هذا؟ قالت:

أغسل رأسي و جسدي، قال: لا تعودي فإنّه يورث البرص» «2».

و ضعف الأخبار- لو سلّم- لا يضرّ، للتسامح، و الانجبار.

و الإجماع على عدم الحرمة- كما عن الخلاف «3» أيضا- مع مرسلة ابن سنان المنجبر ضعفها لو كان: «لا بأس بأن يتوضأ في الماء الذي يوضع في الشمس» «4».

و النهي عن العود في الموثّقة، دون التطهير في الحال، أوجب حمل النهي على الكراهة.

و يلحق بالطهارة التعجين، لرواية السكوني.

و في الاختصاص بهما، كجماعة منهم: الصدوق «5»، و الدروس [2]،

وقوفا على ظاهر النص، أو التعدّي إلى مطلق الاستعمال، كالنهاية، و المهذّب [3]،

______________________________

[1] لم نعثر عليها في العلل، و هي مرويّة في الخصال: 270- 9، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 38 ح 6.

[2] لم نعثر عليه فيه، بل وجدناه في الذكرى: 8.

[3] نسبه إلى النهاية و المهذّب .. في كشف اللثام 1: 32. و الموجود فيهما خلافه كما نبه عليه في مفتاح الكرامة 1: 96.

______________________________

(2) التهذيب 1: 336- 1113، الاستبصار 1: 30- 79، الوسائل 1: 207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1.

(3) الخلاف 1: 54.

(4) التهذيب 1: 366- 114، الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 3.

(5) الفقيه 1: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 127

و الجامع «1»، و المعتمد، و اللوامع، استنادا إلى التعليل المذكور في الأخبار لظهور عدم مدخلية الاستعمال الخاص فيه، قولان:

أظهرهما: الثاني إن أرادوا استعماله في البدن، كما هو ظاهر استنادهم إلى التعليل، لا لأجله- لمنع اقتضائه للتعميم، لجواز اختصاصه بما نهي عنه- بل لترك الاستفصال في الموثّقة، بل ظهور قولها: «رأسي و جسدي» في غير الاغتسال.

و الأوّل مع انضمام غسل البدن، إن أرادوا الأعمّ.

و لا فرق في الكراهة على الأشهر الأظهر بين التسخين و التسخّن، لإطلاق الروايتين. خلافا للمحكي عن الخلاف، و السرائر، و الجامع «2»، و هو الظاهر من المختصر النافع «3»، فخصّوا بالأول. و لا وجه له.

و لا بين الأواني المنطبعة، و الخزفيّة، و البلاد الحارة، و الباردة، و الماء الكثير، و القليل، و ما يسخن بالإشراق، أو القرب، لما مر.

و ربما يخص ببعض ما ذكر، لاعتبارات غير مسموعة في مقابلة الإطلاق.

بل ظاهره عدم الفرق بين الآنية، و الحوض، و

النهر، و الساقية، كما يظهر الميل إليه من بعض المتأخرين «4»، إلّا أنّ الفاضل في نهاية الأحكام و التذكرة «5»، ادّعى الإجماع على الاختصاص بالأوّل، و كذا في الغرر.

و لا تزول الكراهة بزوال السخونة، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة من المتأخرين «6»، و استظهره في المنتهى، و احتمله في التذكرة، و قطع به في الذكرى «7»، للاستصحاب، و إطلاق الروايتين. و البناء على اشتراط بقاء المبدأ في

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 20.

(2) الخلاف 1: 54، السرائر 1: 95، الجامع للشرائع: 20.

(3) المختصر النافع: 4.

(4) مجمع الفائدة 1: 292.

(5) نهاية الأحكام 1: 226، التذكرة 1: 3.

(6) منهم صاحب الروض: 161، و الرياض 1: 12.

(7) المنتهى 1: 5، التذكرة 1: 3، الذكرى: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 128

صدق المشتق و عدمه فاسد، لأنّ هذا النزاع في المشتقّات الخالية عن الزمان.

و لا بانحصار الماء فيه، لما ذكر.

و الأكثر على الزوال حينئذ، لوجوب استعماله فلا يجتمع مع الكراهة.

و يضعف: بأنّ الكراهة في أمثال ذلك بمعنى المرجوحية الإضافية، دون المعنى المصطلح. و لو أريد ذلك، امتنع مع عدم الانحصار أيضا، لامتناع اجتماعه مع الوجوب التخييري أيضا.

المسألة الخامسة: لا يكره استعمال الماء المسخّن في النار، في غير غسل الميت

، بالإجماع، كما في اللوامع، و المعتمد، للأصل.

و يكره فيه كذلك، كما عن الخلاف، و المنتهى «1»، لصحيحة زرارة: «لا يسخن الماء للميت» «2».

و مراسيل ابن المغيرة، و يعقوب بن يزيد، و الفقيه:

و الاولى: «لا يقرب الميت ماء حميما» «3».

و الأخرى: «لا يسخن للميت الماء، لا تعجل له بالنار» «4».

و الثالثة: «لا يسخن الماء للميت الّا أن يكون شتاء باردا» «5».

و الرضوي: «و لا يسخن له ماء إلّا أن يكون باردا جدّا، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك، و لا يكون الماء

حارّا شديدا، و ليكن فاترا» «6».

______________________________

(1) الخلاف 1: 692، المنتهى 1: 430.

(2) التهذيب 1: 322- 938، الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 2.

(4) الكافي 3: 147 الجنائز ب 21 ح 2، التهذيب 1: 322- 937، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 3.

(5) الفقيه 1: 86- 397 و 398، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 4 و 5.

(6) فقه الرضا (ع): 167، المستدرك 2: 174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 129

و تزول الكراهة- كما هو مقتضى الأخيرين- مع البرد الشديد المتعذّر أو المتعسّر معه التغسيل أو الإسباغ. و ينبغي الاقتصار في السخونة على ما يندفع به الضرورة، كما ذكره المفيد، و بعض القدماء [1]، اتّباعا للأخير.

و ربما يلحق بالبرد: تليين أعضائه و أصابعه، بل قيل بتجويزه لذلك من دون ضرورة، لخروجه عن الغسل «2».

و هو مردود: بإطلاق النصوص من دون تعليق على التغسيل.

______________________________

[1] قال في المقنعة: 82 فإن كان الشتاء شديد البرد فليسخن له قليلا. و قال علي بن بابويه في الرسالة على ما في كشف اللثام 1: 32 و ليكن فاترا و استفاد منهما كاشف اللثام القول المذكور.

______________________________

(2) كما في المهذّب 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 130

الباب الثاني: في المضاف

اشاره

و هو ما يلزم تقييده، أو لا يتناوله إطلاق الاسم، أو يصحّ سلبه عنه.

و فيه مسائل:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    130     المسألة الاولى: لا يرفع شي ء منه الحدث و لو اضطرارا ..... ص : 130

المسألة الاولى: لا يرفع شي ء منه الحدث و لو اضطرارا

، للإجماع المحقق، و المحكي في المبسوط، و الاستبصار، و التهذيب، و السرائر، و الشرائع، و التذكرة، و نهاية الأحكام، و الغنية، و التحرير «1». و الاستصحاب. و أصالة عدم الطهورية.

و الآية «2». و المستفيضة من النصوص «3».

و خلاف الصدوق في ماء الورد مطلقا «4»، و العماني «5» في المضاف بما سقط في الماء عند الضرورة- مع إمكان إرجاع الثاني الى ما لا يخالف- شاذّ.

و صحيحة ابن المغيرة «6»، و رواية يونس «7»، لا حجيّة فيهما و لا دلالة.

و دعوى صدق الماء المطلق على ماء الورد، كما صدرت عن بعض المتأخّرين «8»، يكذّبها العرف.

______________________________

(1) المبسوط 1: 5، الاستبصار 1: 14، التهذيب 1: 219، السرائر 1: 59، الشرائع 1: 15، التذكرة 1: 5، نهاية الأحكام 1: 236، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، التحرير 1: 5.

(2) الفرقان: 50.

(3) الوسائل 1: 201 أبواب الماء المضاف ب 1.

(4) الهداية: 13، الأمالي: 514، و يظهر أيضا من الفقيه 1: 6 بناء على نسخة الأصل حسب ما ذكره المولى التقي المجلسي في روضة المتقين 1: 41.

(5) نقل عنه في المختلف: 10.

(6) التهذيب 1: 219- 628، الاستبصار 1: 15- 28، الوسائل 1: 201 أبواب الماء المضاف ب 1 ح 2.

(7) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 12، التهذيب 1: 218- 627، الاستبصار 1: 14- 27، الوسائل 1: 204 أبواب الماء المضاف ب 3 ح 1.

(8) صاحب المفاتيح (منه رحمه اللّه) 1: 47.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 131

و لا الخبث، للثلاثة الأول، ورود الأمر بالغسل، و هو حقيقة فيما يكون بالماء، للتبادر، و صحة السلب.

و لو منع، فلتقييد مطلقات الغسل بمقيّداته- منضما مع الإجماع المركّب- كقوله عليه السلام: «لا يجزي في البول غير الماء» «1» و «كيف يطهر من غير الماء» «2» و في الصحيح: عن رجل أجنب في ثوب و ليس معه غيره، قال: «يصلّي فيه إلى حين وجدان الماء» «3».

خلافا للمنقول عن المفيد، و السيد «4» مطلقا، و للعماني «5» في حال الضرورة، لأدلّة ضعفها في مقابلة ما ذكر، ظاهر.

المسألة الثانية: ينجس المضاف بالملاقاة مع النجاسة مطلقا

، قليلا كان أو كثيرا، مع تساوي السطوح أو علوّ المنجّس، بالإجماع، كما في المعتبر و المنتهى، و التذكرة «6»، و عن الشهيدين «7»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى رواية السكوني: عن قدر طبخت، فإذا في القدر فأرة، قال:

«يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «8».

و رواية زكريا بن آدم: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم

______________________________

(1) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 6 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 1: 273- 805، الاستبصار 1: 193- 678، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

(3) الفقيه 1: 40- 155، و التهذيب 1: 271- 799، و الاستبصار 1: 187- 655، الوسائل 3:

484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1 (بتفاوت يسير).

(4) نقل عن المفيد في المدارك 1: 112، الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

(5) نقل عنه في المختلف: 10.

(6) المعتبر 1: 84، المنتهى 1: 22، التذكرة 1: 5.

(7) الأول في الذكرى: 7، و الثاني في الروض: 133، و الروضة 1: 45.

(8) الكافي 6: 261 الأطعمة ب

14 ح 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3. (و في الجميع بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 132

كثير، و مرق كثير. قال: «يهراق المرق، أو يطعم أهل الذمة، أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» «1».

و الاختصاص ببعض المضافات، أو النجاسات، غير ضائر، لعدم القول بالفصل، بل هو متحقق «2» بين المضاف «3» و سائر المائعات أيضا.

و على هذا فتدل على المطلوب الصحاح الواردة في السمن الذائب، أو الزيت إذا ماتت فيه فأرة «4». و أكثرها يعمّ الكثير و القليل، فلا وجه لما قيل «5» من أنّ الأوّل خال عن الدليل.

و أمّا مع اختلاف السطوح و دنو المنجّس، ففي المدارك «6» و اللوامع:

التصريح بعدم تنجّس الأعلى.

و في المعتمد: التردّد.

و فصّل بعض سادة مشايخنا «7» بين ما كان بالجريان و عدمه، فقال بالعدم في الأول، و بالتنجّس في الثاني. و هو الحق.

______________________________

(1) التهذيب 1: 279- 820، الوسائل 3: 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.

(2) في «ق»: يتحقق.

(3) في «ق»: المضافات.

(4) الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

(5) الرياض 1: 10 قال: لا دليل عليه سوى الإجماع.

(6) المدارك 1: 114.

(7) هو بحر العلوم (منه رحمه اللّه).

قال في الدرّة على ما في الجواهر 1: 323

و ينجس القليل و الكثير

منه و لا يشترط التغيير

إن نجسا لاقى عدا جار علا

على الملاقي باتفاق من خلا

فيستفاد منه التفصيل المذكور في المتن، و لكن البيت الأخير يغاير ما في (المطبوع) ص: 6 ففيها: إن نجسا لاقى عدا ما قد علا ..

فلا يفيد التفصيل المذكور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 133

أما الأول: فللأصل السالم عن المعارض، لاختصاص الأدلّة بغيره، و

تنجّس كل ما لاقى نجسا مع الرطوبة كيف كان غير ثابت.

و أمّا الثاني: فلعموم الرواية الأولى، الحاصل من ترك الاستفصال، مع احتمال غمس الفأرة و موته بعده، و علوّ المرق عليه كلا أو بعضا، بل و كذلك روايات السمن، و الزيت.

للقائل بعدم تنجّس الأعلى مطلقا: الإجماع على عدم سراية النجاسة إلى الأعلى.

و فيه: أنّه بإطلاقه غير محقّق، و منقوله غير حجّة، مع أنّه مذكور في بحث المطلق، فيمكن اختصاصه به.

المسألة الثالثة: لا يطهر بعد التنجّس إلّا بصيرورته مطلقا

، كما يأتي في بحثه.

المسألة الرابعة: لو مزج المضاف بالمطلق، فمع المخالفة في الصفات يعتبر إطلاق الاسم

إجماعا، و كذا مع الموافقة على الأظهر، لدوران الأحكام مع الاسم.

و المناط إطلاق المطّلع على الحال، كما هو كذلك في سائر الإطلاقات، فالمقام خال عن الإشكال.

و الشيخ أناط الحكم بالأكثرية، و مع التساوي أثبت له أحكام المطلق، لأصالة الإباحة «1».

و يضعّفه: فقد الدليل على الإناطة، و استصحاب الحدث و الخبث، و منع الأصل مع عدم صدق الاسم.

و في المختلف اعتبر التقدير «2». و هو خال عن الدليل.

______________________________

(1) المبسوط 1: 8.

(2) المختلف: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 134

و جعل طائفة من المتأخرين المناط الاستهلاك [1].

و فيه: مع أنّه لا يعلم منه حكم التساوي، أنّه قد يرتفع الإطلاق مع عدم الاستهلاك.

و القاضي جوّز استعماله في غير رفع الحدث و الخبث مطلقا «2». و هو راجع إلى جعله مضافا

المسألة الخامسة: لو أمكن تتميم ما لا يكفي من المطلق للتطهّر بالمزج مع المضاف بشرط بقاء الإطلاق

، جاز وفاقا.

و في وجوبه- كالمشهور- لصدق الوجدان، و منع شمول موجبات التيمّم مع فقد الماء لمثل المقام، أو عدمه- كما عن الشيخ «3»- لعدم الوجود، و كونه اكتسابا كتحصيل الاستطاعة و النصاب، قولان، أحوطهما: الأول.

______________________________

[1] منهم صاحبا الحدائق 1: 410، و المشارق: 261.

______________________________

(2) المهذب 1: 24.

(3) المبسوط 1: 9، 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 135

المقصد الثاني: في الطهارة من الخبث

اشاره

و لتوقفها على معرفة أقسام النجاسات، و لوازمها الشرعية، و أقسام المطهرات، رتّبته على ثلاثة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 136

الباب الأول: في أقسام النجاسات

اشاره

و هي عشرة: البول، و الغائط، و المني، و الميتة، و الدم، و الكلب، و الخنزير، و الكافر، و الخمر، و الفقاع. و نذكرها مع بعض ما يناسبها في فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 137

الفصل الأول: في البول و الغائط
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في نجاستهما من كلّ ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم، سوى الطير، و الرضيع

، فإنّ فيهما خلافا يأتي، و على ذلك الإجماع محقّقا و منقولا في كلام جمع من المحقّقين «1»، بل في البعض «2»: بالضرورة من الدين.

و هو الحجّة.

مضافا إلى المستفيضة الدالّة على الحكم في مطلق البول، كالمروي عن النبي المنجبر بالعمل: «تنزّهوا عن البول» «3»، و الروايات الآمرة بغسل الثوب و الجسد من البول إذا أصابه مرّة أو مرّتين «4».

أو في بول كل ما لا يؤكل لحمه، كحسنة ابن سنان: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «5».

المؤيدة في الجملة بحسنة زرارة: «لا تغسل ثوبك من بول شي ء ممّا يؤكل لحمه» «6» و المروي في قرب الإسناد: «لا بأس ببول ما أكل لحمه» «7».

أو في بعض الأبوال، الدالّ على المطلوب بضميمة الإجماع المركّب،

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المعتبر 1: 410، المنتهى 1: 159 و 160.

(2) قال في غنائم الأيام: 59 بل ضروري في بول الإنسان.

(3) سنن الدار قطني 1: 127- 2: و فيه «تنزهوا من البول ..».

(4) الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

(5) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 3، التهذيب 1: 264- 770، الوسائل 3: 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.

(6) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 1، التهذيب 1: 246- 710، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 4.

(7) قرب الإسناد: 156- 573، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 138

كالواردة في بول الإنسان، كالأخبار الآمرة بغسل مخرجه «1»، و بغسل بول الصبيّ الذي أكل «2»، و صبّ بول الرضيع «3»، و بإعادة الصلاة بعد غسله إذا نسيه و صلّى، كرواية الحسن بن زياد: عن الرجل يبول

فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله، فيصلّي ثمَّ يذكر بعد أنّه لم يغسله قال: «يغسله و يعيد صلاته» «4».

أو بول السنّور، كرواية سماعة «إن أصاب الثوب شي ء من بول السنّور فلا يصلح للصلاة فيه حتى يغسله» «5».

و الدالّة عليه في خرء كل ما لا يؤكل، كالمروي في المختلف عن كتاب عمّار، المنجبر بالعمل: «خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه» «6» دلّ بالتعليل على انتفاء المعلول بانتفائه.

أو في عذرة الإنسان كرواية علي- المتقدمة- في الجاري «7».

و صحيحة علي بن محمد: عن الفأرة، و الدجاجة، و الحمامة، و أشباهها، تطأ العذرة ثمَّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال: «إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله» «8».

و الاستدلال على عذرة كل ما لا يؤكل بهما غير جيّد، لعدم ثبوت إطلاق العذرة على غير غائط الإنسان، فإنّ كلام جمع من اللغويين- كابن الأثير «9»،

______________________________

(1) الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 و 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9.

(2) الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3.

(3) الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3.

(4) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 10، التهذيب 1: 268- 789، الاستبصار 1: 181- 632، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19 ح 2.

(5) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 8، التهذيب 1: 420- 1329، الوسائل 3: 404 أبواب النجاسات ب 8 ح 1.

(6) المختلف: 679، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 20.

(7) ص 23.

(8) التهذيب 1: 424- 1347، قرب الإسناد: 193- 729، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 3.

(9) النهاية 3: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 139

و الهروي، و غيرهما- صريح في الاختصاص، و لا

تصريح لأحد منهم بالعموم.

نعم فسّر في الصحاح، و القاموس «1»، الخرء بالعذرة. و هو يفيد التعميم لو كان الخرء عامّا حقيقة.

و فيه تأمّل، إذ فسره في المصباح و المجمع «2»: بالغائط الذي هو بفضلة الإنسان مخصوص، على ما صرّحوا به و يستفاد من وجه تسميته.

مع [أن ] «3» تصريح البعض بالعموم- لو كان- لم يكن حجّة، للتعارض.

و الاستعمال في بعض الروايات «4» في غير فضلة الإنسان لا يثبت الحقيقة.

و على هذا فإثبات المطلوب من مثلهما، بل ممّا ورد في عذرة الإنسان، و السنّور، و الكلب، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان، أو سنّور، أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «5» بضميمة عدم القول بالفصل، كما أنّ بعد ثبوت الحكم في بول ما لا يؤكل يثبت في روثة (به) «6» أيضا.

ثمَّ تخصيص الدليل على المطلوب بالإجماع، و الحكم بالطهارة في موضع وقع فيه النزاع، و ردّ دلالة الأخبار بعدم الملازمة بين ما ورد فيها و بين النجاسة، لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل، مضافا إلى أخصّيتها من المدّعى، إذ غايتها الإطلاق في البول، أو العذرة، المنصرف إلى المتبادر منهما و هو بول الإنسان، كما فعله بعض معاصرينا «7».

______________________________

(1) الصحاح 1: 46، القاموس المحيط 1: 14.

(2) المصباح المنير: 167، مجمع البحرين 1: 167.

(3) أضفناه لاستقامة المعنى.

(4) كصحيحة عبد الرحمن الآتية.

(5) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 11، التهذيب 2: 359- 1487، الاستبصار 1:

180- 630، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

(6) لا توجد في «ه».

(7) الرياض 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 140

فاسد،

لثبوت الملازمة بين الغسل و النجاسة بالإجماع المركّب، و عدم صلاحية حرمة استصحاب المصلّي لفضلة ما لا يؤكل جهة له، لأنّها غير موجبة للغسل إجماعا، بل غاية ما يلزمها إزالة العين كيف ما كان، سيّما مع الفرق بين بول الرضيع و غيره: بالصبّ و الغسل، و الأمر «1» بالغسل و عدم جواز الصلاة قبله في بول كل أحد نفسه، مع أنّ الفضلة الطاهرة من كلّ أحد في صلاته معفوّة قطعا.

مضافا إلى أنّ النهي في رواية علي «2» إنّما هو عن التوضؤ بماء دخله مثل الدجاجة الواطية للعذرة، و الجهة المذكورة فيه غير جارية.

و أمّا الأخصّية فهي بإطلاقها ممنوعة، كيف و البول حقيقة في المطلق؟! و أكثريّة كون ما في الثوب، أو الجسد بول الإنسان- لو سلّم- لا يوجب انصراف السؤالات الفرضية إليه، سيّما مع التصريح بكون غيره فيه أيضا في الأخبار المستفيضة، كحسنتي ابن سنان و زرارة، و موثّقة سماعة «3»، و صحيحة عبد الرحمن «4»، هذا.

ثمَّ الاستدلال على المطلوب، بروايات النزح «5»، و بما دلّ على وجوب إخراج خرء الفأر عن الدقيق، كالمروي في الدعائم «6»، و المسائل «7»، غير جيّد، لضعف الأوّل: بعدم الملازمة بين استحباب النزح، بل وجوبه، و بين النجاسة، و الثاني:

بجواز كونه للحرمة.

______________________________

(1) في «ق» و «ه»: الآمرة.

(2) المتقدمة ص 23.

(3) المتقدمة ص 138.

(4) المتقدمة ص 139.

(5) الوسائل 1: أبواب الماء المطلق من ب 15- 22.

(6) الدعائم 1: 122، المستدرك 16: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.

(7) البحار 10: 276، و رواه في الوسائل 24: 236 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 3 عن قرب الاسناد: 275- 1093.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 141

المسألة الثانية: الحقّ طهارة بول الطير و ذرقه مطلقا

، وفاقا فيهما

للصدوق «1»، و العماني، و الجعفي «2»، و المعالم «3»، من المتأخرين، و الحدائق «4»، من متأخّريهم، و في الثاني للمدارك، و الذخيرة، و كفاية الأحكام، و البحار «5»، مع نفي البعد عن طهارة الأول في الأول، و التردّد في الثانيين، و الاستشكال في الرابع، و للمبسوط «6»، في غير الخشّاف. للأصل.

و حسنة أبي بصير: «كلّ شي ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله» «7».

و كونها مخصوصة «8» بالخشاف [إجماعا] «9» فيختصّ بما شاركه في العلّة، و هو: عدم كونه مأكولا، مردود: بمنع الإجماع المدّعى أولا، و عدم تعليله بما ذكر- لو سلّم- ثانيا.

و موثّقة غياث: «لا بأس بعدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «10» المثبتة لتمام المطلوب بالإجماع المركّب.

المؤيّدتين بالمرويين في البحار، أحدهما عن جامع البزنطي: «خرء كل شي ء يطير و بوله لا بأس به» «11» و الآخر عن نوادر الراوندي: عن الصلاة في الثوب الذي

______________________________

(1) الفقيه 1: 41، المقنع: 5.

(2) نقله عنهما في الذكرى: 13.

(3) المعالم: 198.

(4) الحدائق 5: 11.

(5) المدارك 2: 262، الذخيرة: 145، الكفاية: 11، البحار 77: 111.

(6) المبسوط 1: 39.

(7) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 9، التهذيب 1: 266- 779، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.

(8) كما عن المختلف: 56.

(9) أضفناه لاستقامة المعنى.

(10) التهذيب 1: 266- 778، الاستبصار 1: 188- 659، الوسائل 3: 413 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.

(11) البحار 77: 110، المستدرك 2: 560 أبواب النجاسات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 142

فيه أبوال الخفافيش؟ فقال: «لا بأس» «1».

و الاستدلال بترك الاستفصال في صحيحة علي: عن رجل في ثوبه خرء الطير أو غيره، هل يحكّه و هو في صلاته؟

قال: «لا بأس به» «2» ضعيف، لأنّه إنّما يتمّ لو كان السؤال عن خرء الطير، و كان المعنى لا بأس بخرئه.

و الظاهر أنّ السؤال عن الحك في الصلاة، و ذكر ما ذكر من باب التمثيل.

و المعنى: لا بأس بالحك.

و يؤيده: عدم الاستفصال في الغير، و قوله بعد ذلك: «و لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء و هو يصلي» و إيراد الأصحاب لها في مسألة ما لا يجوز للمصلي فعله.

خلافا للشيخ في المبسوط «3»، في الخشاف، لرواية الرقي: عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده، قال: «اغسل ثوبك» «4» فإنّه يخصّص بها عموم ما مرّ، المخصّص للعمومات السابقة عليه.

و يضعف: بالمعارضة مع موثّقة غياث «5» المؤيّدة بما مرّ.

و الاولى و إن رجحت بالشهرة فتوى، و لكن الثانية ترجّح بالعلوّ سندا، و الأوثقيّة رجالا، و الأظهريّة دلالة، و للأصل موافقة فلو لا ترجيح الثانية لتساويا، و يكون المرجع: الأصل و عمومات الطير.

و جعل الموثّقة شاذّة، أو حملها على التقية- كما في التهذيب «6»- لا وجه له،

______________________________

(1) البحار 77: 110- 13، لم نجده في النوادر المطبوع.

(2) الفقيه 1: 164- 775، الوسائل 7: 284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.

(3) المبسوط 1: 39.

(4) التهذيب 1: 265- 777، الاستبصار 1: 188- 658، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 4.

(5) المتقدمة ص 141.

(6) التهذيب 1: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 143

لعمل جماعة من القدماء «1» بها، و عدم قرينة على التقيّة فيها.

نعم المظنون كون الموثقة لشهرة القدماء مخالفة، و حينئذ فالاحتياط عن بول الخشاف أولى.

و للمشهور- كما في الخلاف «2» و المعتبر «3»- في غير المأكول من الطير مطلقا، لنقل الإجماع من

الفاضلين «4»، و توقّف حصول البراءة اليقينية عليه، و عمومات البول، و العذرة المتقدمة «5».

و حسنة ابن سنان «6»، بضميمة الإجماع المركّب في الخرء.

و رواية المختلف «7».

و يرد على الأول:- مضافا إلى منع حجية الإجماع المنقول- أن ذكرهما الخلاف في الطير بعد ادّعائهما الإجماع في مطلق ما لا يؤكل بقولهما: أجمع علماء الإسلام، قرينة على إرادتهما غير الطير، فإنّه كيف يصح هذا القول منهما مع مخالفة جماعة من عظماء الإمامية؟

و مما يوضح ذلك: أن المحقق بعد ما قال: البول و الغائط ممّا لا يؤكل نجس و هو إجماع علماء الإسلام، قال: و في رجيع الطير للشيخ قولان- إلى أن قال- و الآخر أن كل ما أكل فذرقه طاهر، و ما لا يؤكل فذرقه نجس، و به قال أكثر الأصحاب، و محمد بن الحسن الشيباني «8». فإن قوله: و به قال أكثر الأصحاب،

______________________________

(1) و هم الصدوق و العماني و الجعفي المتقدم ذكرهم ص 141 رقم 1، 2.

(2) الخلاف 1: 485 ادعى الإجماع على نجاسة بول و روث و ذرق كل ما لا يؤكل لحمه.

(3) المعتبر 1: 411.

(4) أراد به الإجماع على نجاسة البول و الغائط من كل حيوان غير مأكول اللحم كما تقدم ص 137، رقم 1.

(5) ص 137- 138.

(6) المتقدمة ص 137.

(7) المتقدمة ص 138.

(8) المعتبر 1: 410، 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 144

قرينة واضحة على أنّ مراده من قوله: و هو إجماع علماء الإسلام، في غير الطير.

و على الثاني: بحصول البراءة اليقينية شرعا بعد الدليل الشرعي على الطهارة.

و على الثالث:- مضافا إلى عدم ثبوت إطلاق العذرة على غير الغائط من الإنسان- أنه إما عام مطلق بالنسبة إلى أخبار الطير، فيجب تخصيصه بها،

أو أعم من وجه، لخروج بول ما يؤكل منه إجماعا، فيجب الرجوع إلى الأصل.

و ترجيح العمومات بعمل الأكثر معارض بما مر من موافقة أخبار الطير للأصل، و عمومات الطهارة، و أظهريّة الدلالة، مع أنّ إيجاب مثل هذه المرجحات للترجيح عندنا غير ثابت، و الأشهرية المنصوص عليها هي ما في الرواية، دون الفتوى.

و بهذا يردّ الأخيران أيضا.

مضافا إلى ما في أولهما من منع الإجماع المركب بالنسبة إلى بول الطير و خرئه، كما عرفت من قطع جماعة في حكم خرئه، و التردد في بوله.

و من أن الطير إما فاقد للبول، كما هو الظاهر في أكثر الطيور، حيث لم يطّلع أحد على بول له و يستبعد وجوده، و عدم الاطلاع عليه سيّما في المأنوسة.

و أما ذكره في الأخبار فلا يدلّ على وجوده لكل طير، بل غايته وجوده لنوع، هو الخشاف المذكور بوله فيها، و المحكي مشاهدته منه، و اختلاف الطيور في ذلك ممكن، كما في الولودية. فيسقط الاستدلال به رأسا، أما على نجاسة البول:

فظاهر، و أما الرجيع: فلأنّ عدم الفصل إنما يكون لو كان له بول.

و القول: بأنه لو فرض له بول يكون نجسا، و كل ما كان كذلك فرجيعه نجس بالإجماع المركّب، باطل، لمنع أنّه لو فرض له بول يكون نجسا، لأنّ الأحكام لا ترد على الموضوعات الفرضية المحضة.

سلّمنا، و لكن نمنع تحقق الإجماع المركب في مثله و إنما «1» هو [في ]

______________________________

(1) في «ه»: انما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 145

[المتحقق ] «1» و الحكم بنجاسته.

أو بوله «2» مشكوك فيه، فالكلام فيه أيضا كالفاقد.

و من هذا يظهر جواب آخر عن عمومات البول.

و ما في ثانيهما «3» من أنّ دلالته على نجاسة الخرء مما لا يؤكل، بالعليّة الموجبة

لانتفاء المعلول بانتفاء العلة، و هو إنما يكون لو لم تقم علة أخرى مقامها. و نفي قيام الأخرى لا يكون إلا بالأصل الزائل بعمومات الطهارة في الطير. مع أن مفهومه ليس إلا ثبوت نوع بأس في خرء ما لا يؤكل، فلعلّه لمنع استصحابه في الصلاة، دون النجاسة.

المسألة الثالثة: بول الرضيع نجس على الأشهر الأظهر

، للإجماع المحقق و المحكي «4» مستفيضا، و المروي عن النبي المتقدم «5» المنجبر بالعمل.

و الاستدلال بجعل مطلق البول كالمني، في إعادة الصلاة منه، كما في صحيحة محمد «6»، أو بموجبات الصب أو غسل مطلق البول- ضعيف، لجواز كون الإعادة من جهة كونه فضلة غير المأكول، و عدم الملازمة بين وجوب الصبّ و النجاسة، بل الظاهر إيجاب المخالف له أيضا، و لذا جعل بعضهم نزاعه لفظيّا، و إن لم يكن كذلك. و عدم وجوب الغسل هنا إجماعا.

و دعوى صدقه على الصب: بمخالفة العرف، و صحة السلب، و تبادر الغير، و تقابلهما في الأخبار- مردودة، مع أن غالب موجبات الغسل بين موجب

______________________________

(1) في جميع النسخ تحقّق و ما أثبتناه لاستقامة المعنى.

(2) عطف على قوله: إما فاقد ..

(3) عطف على قوله: ما في أولهما.

(4) التذكرة 1: 6، و لعله يستفاد من الناصريات (الجوامع الفقهية): 181. و حكى غير واحد دعوى الإجماع من السيد المرتضى.

(5) ص 137 الهامش (3).

(6) الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 146

للمرتين المنفيين هنا إجماعا، و بين مصرح ببول الرجل.

و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة سماعة الآمرة بغسل الثوب عن بول الصبي «1».

و أضعف منها: الاحتجاج بالمرويّ عن كتاب الملهوف عن أم الفضل: أنها جاءت بالحسين عليه السلام

إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فبال على ثوبه، فقرضته، فبكى، فقال: «مهلا يا أم الفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني» «2» فإنّه مع عدم دلالته على وجوب الغسل، غير دال أنه كان قبل أن يعلم.

خلافا للإسكافي «3»، لرواية السكوني و الرضوي: «لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا بوله» «4».

و المروي في نوادر الراوندي: «بال الحسن و الحسين على ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن يطعما، فلم يغسل بولهما من ثوبه» «5».

و يضعفان- بعد عدم صلاحيتهما للحجية-: بمنع الملازمة بين انتفاء الغسل و الطهارة. و الجمع بين البول و اللبن لا يدل على أزيد من اتحادهما في عدم الغسل.

المسألة الرابعة: بول كل مأكول اللحم و روثه طاهر

، بالإجماع، حتى الدجاج على الأشهر، للأصل، و الاستصحاب، و للمستفيضة، كحسنة زرارة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 251- 723، الاستبصار 1: 174- 604، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 3.

(2) الملهوف: 6، الوسائل 3: 405 أبواب النجاسات: ب 8 ح 5.

(3) نقل عنه في المختلف: 56.

(4) التهذيب 1: 250- 718، الاستبصار 1: 173- 601، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4، فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(5) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 147

و روايتي قرب الإسناد، و المختلف المتقدمة «1»، و صحيحة البصري، و روايته الآتيتين في المسألة الخامسة «2».

و الموثّقتين، إحداهما للساباطي: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «3».

و الأخرى لابن بكير: «و إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، و بوله، و شعره، و

روثه، و ألبانه، و كل شي ء منه، جائزة» «4».

و رواية وهب بن وهب: «لا بأس بخرء الحمام و الدجاج يصيب الثوب» «5».

خلافا للمنقول عن الصدوقين «6»، و الشيخين «7»، في ذرق الدجاج، لرواية فارس: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب:

«لا» «8».

و هي لمخالفتها لشهرة القدماء، و معارضتها لرواية وهب، غير صالحة لتخصيص العمومات و دفع الأصل.

و الحمل على الجلال ممكن، فإن المصرّح به في كلامهم نجاسة ذرقه، بل في المختلف، و اللوامع: الإجماع عليها «9»، و في التذكرة، و التنقيح: نفي الخلاف

______________________________

(1) ص 137- 138.

(2) سيأتي في ذكرهما في 151.

(3) التهذيب 1: 226- 781، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 12.

(4) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 1: 283- 831، الاستبصار 1: 177- 618، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 1 ح 2.

(6) المقنع: 5.

(7) المقنعة: 71، التهذيب 1: 266، المبسوط 1: 36.

(8) التهذيب 1: 266- 782، الاستبصار 1: 178- 619، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 3.

(9) المختلف: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 148

عنها «1». إلا أن أخبار طهارة بول الطير و خرئه. من غير معارض من الأخبار- لما عرفت من عدم ثبوت بول له، و عدم دلالة ما فيه ذكر الخرء- تنفيها [1]، فإن ثبت الإجماع عليها، و إلا فالأصل يقتضي الطهارة.

المسألة الخامسة: و من المأكول اللحم: الدواب الثلاث، فأبوالها و أرواثها طاهرة

، وفاقا للمعظم، و منهم: الشيخ في المبسوط و التهذيب، بل في غير النهاية «3»، كما في الذخيرة «4»، و فيه: أن عليها اتفاق من عدا الإسكافي، و في

المعتبر: أن عليها عامة الأصحاب «5». بل عليها الإجماع المحقق لندور [2] المخالف.

و هو الحجة عليها، مضافا إلى ما مر من الأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهر ما يؤكل.

و احتمال إرادة ما يعتاد أكله، أو جعله اللّه للأكل، حيث إن المراد منه معناه المجازي قطعا، و هو كما يمكن أن يكون ما من شأنه، أو يجوز أن يؤكل شرعا، يمكن أن يكون أحد المعنيين، بل الأخير هو المستفاد من بعض الأخبار «7»، المؤكد بأخبار أخر «8»، عاطفة لما يؤكل على هذه الدواب- مدفوع: برواية المختلف المتقدمة «9»، و عدم دلالة ما أشار إليه من الأخبار على أن مراد الإمام مما يؤكل

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: بنفسها و في «ه»: بنفيها، و الظاهر انهما تصحيف لما أثبتناه، و الضمير راجع الى النجاسة، و الجملة خبر لقوله: ان أخبار طهارة.

[2] في «ق»: لندرة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 6، التنقيح 1: 146.

(3) المبسوط 1: 36، التهذيب 1: 265، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171.

(4) الذخيرة: 145.

(5) المعتبر 1: 413.

(7) كرواية زرارة المروية في تفسير العياشي 2: 255- 6 و راجع الحدائق 5: 27.

(8) كصحيحة البصري الآتية في ص 151.

(9) ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 149

(الذي حكم بطهارة بوله و روثه) [1] ما جعله اللّه للأكل. و إرادته منه في بعض الأخبار بقرينة العطف، لا تدلّ على إرادته في غيره أيضا.

و قد يدفع احتمال الاعتياد: بأنه لو كان المراد، لشمل مثل الخنزير، و الأرنب، و اليربوع.

و فيه: أن الاعتياد المأخوذ في معاني الألفاظ هو ما في عرف المتكلم، أو المخاطب، أو هما، أو البلد.

و منه يضعّف تتميم الدليل على احتمال الاعتياد: باعتياد أكل الفرس، بضم الإجماع المركب في

أخويه.

و يدل على المطلوب أيضا: خصوص رواية المعلى و ابن أبي يعفور: كنا في جنازة و قربنا حمار، فبال، فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا على أبي عبد اللّه فأخبرناه، فقال: «ليس عليكم شي ء» «2».

و اختصاصها بالحمار- لعدم الفصل- غير ضائر.

و رواية أبي الأغر: إني أعالج الدواب ربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب إحداهما برجلها أو يدها، فينضح على ثيابي، فأصبح فأرى أثره فيه، فقال: «ليس عليك شي ء» «3».

و الصحيحتان المرويّتان في قرب الإسناد: إحداهما لابن رئاب، المصرّحة بجواز الصلاة في ثوب أصابه الروث الرطب «4».

و الأخرى لعلي: عن الثوب يوضع في مربط الدابة على أبوالها و أرواثها،

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(2) التهذيب 1: 425- 1351، الاستبصار 1: 180- 628، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 14.

(3) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 10، الفقيه 1: 41- 164، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 2.

(4) قرب الاسناد: 163- 597، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 150

قال: «إن علق به شي ء فله غسله [1]، و إن أصابه شي ء من الروث أو الصفرة التي معه فلا يغسله من صفرة» «2».

و في جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام: «أنا و اللّه ربما وطئت على الروث ثمَّ أصلّي و لا أغسله» «3».

و موثّقة الحلبي: في السرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال: «لا يضرّك مثله» «4».

و ضعف بعضها سندا، كاختصاص البعض بالروث، غير ضائر، لانجبار الأول بالعمل، و الثاني بالإجماع المركب، كما هو المحقق، و المصرح به في المختلف، و الذخيرة «5»، و اللوامع، و في الناصريات: إنه لم

يقل أحد من الأمة أن الروث طاهر، و البول نجس «6». و مخالفة بعض المتأخرين- كما يأتي- لا يوجب قدحا فيه.

و منه يتّجه الاستدلال بالمستفيضة الآتية «7»، الآمرة بغسل الثوب عن بولها، دون روثها.

و لا يمكن المعارضة فيها بالعكس، لإمكان توجيه الأخبار على الأول، بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة طهارة الروث، بل يتعين ذلك، لأن الحمل على الحقيقة إنما هو مع خلوّ الكلام عما يصلح قرينة للتجوّز، و لا يمكن ذلك في العكس.

و ممّا يثبت المطلوب: لزوم العسر و الحرج المنفيّين لولاه، كما علّل به الإمام

______________________________

[1] في المصدر: فليغسله.

______________________________

(2) قرب الاسناد: 282- 1119، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 19.

(3) رواها في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي: 27- 28.

(4) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 3، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 3.

(5) المختلف: 56، الذخيرة: 146.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180.

(7) في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 151

طهارة الأرواث في بعض الأخبار، و أبوالها أيضا كذلك، بل أشدّ، لترشّحها في الأغلب- سيّما في الأسفار- على الراكب و الأحمال و ما قاربها.

خلافا للإسكافي، و الشيخ في النهاية «1»، فقالا بالنجاسة في أبوالها و أرواثها- و هو مذهب أبي حنيفة، و الشافعي، كما في الناصريات و الانتصار، و المعتبر «2»، و أبي يوسف أيضا، كما في الأولين- لعمومات نجاسة البول و العذرة مطلقا، و نجاستهما ممّا لا يؤكل «3»، بالتقريب المذكور في المراد ممّا يؤكل.

و خصوص صحيحة البصري، و روايته، الاولى: عن الرجل يمسّ بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: «يغسل بول الفرس، و البغل، و الحمير، و أما الشاة، و كل ما يؤكل لحمه، فلا بأس

ببوله» «4». و قريبة منها الثانية «5».

و روايتي أبي بصير، إحداهما: عن الماء النقيع تبول فيه الدواب، فقال:

«إن تغيّر الماء فلا يتوضأ منه» «6».

و الأخرى: عن كر من ماء مررت فيه و أنا في سفر، قد بال فيه حمار، أو بغل، أو إنسان، قال: «لا تتوضأ منه» «7».

و صحيحة محمد: عن الماء تبول فيه الدواب، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب، قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» «8».

______________________________

(1) نقل عن الإسكافي في المختلف: 56، النهاية: 51.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 201، المعتبر 1: 411.

(3) المتقدمة ص 137- 138.

(4) التهذيب 1: 247- 711، الاستبصار 1: 179- 624، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 9: و في المصادر: يمسّه.

(5) التهذيب 1: 422- 1337، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 10.

(6) التهذيب 1: 40- 111، الاستبصار 1: 9- 9، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

(7) التهذيب 1: 40- 110، الاستبصار 1: 8- 8، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

(8) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 2، التهذيب 1: 39- 107، الاستبصار 1: 6- 1، الوسائل 1:

158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 152

و صحيحتي علي، المرويتين في قرب الإسناد، إحداهما: عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد، أو حائطه، أ يصلّي فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جفّ لا بأس» «1» و الأخرى: ما تقدم «2».

و رواية علي المروية في كتابه: عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها، و روثها، كيف يصنع؟ قال: «إن علق به شي ء فليغسله، و إن كان جافا

فلا بأس» «3».

و حسنة محمد: عن أبوال الدواب، و البغال، و الحمير، فقال: «اغسله، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله، و إن شككت فانضحه» «4».

و صحيحة الحلبي: عن أبوال الخيل، و البغال، قال: «اغسل ما أصابك منه» «5».

و موثّقة سماعة: عن بول السنّور، و الكلب، و الحمار، و الفرس، قال:

«كأبوال الإنسان» «6».

و بضميمة عدم الفصل يتمّ الاستدلال بما يختص منها بالبول.

و الجواب: أمّا عن عموم الأوّل: فمع منع صدق العذرة على المورد، بتخصيصه بما مرّ.

و أمّا عن الثاني: فيه، و بما مرّ من فساد التقريب المذكور.

______________________________

(1) قرب الاسناد 205- 794، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 18.

(2) ص 126.

(3) الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 21.

(4) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 2، التهذيب 1: 264- 771، الاستبصار 1: 178- 620، الوسائل 3: 403 أبواب النجاسات ب 7 ح 6.

(5) التهذيب 1: 265- 774، الاستبصار 1: 178- 622، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 11.

(6) التهذيب 1: 422- 1336، الاستبصار 1: 179- 627، الوسائل 3: 406 أبواب النجاسات ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 153

و أمّا عن الخصوصات: فبمنع دلالة غير الأخيرتين (منها) [1].

أمّا الأوليان: فلخوّهما عمّا يفيد وجوب الغسل المفيد للنجاسة.

و كذا الثانيتان، لاحتمالهما النفي الغير المفيد إلّا للمرجوحيّة الشاملة للكراهة، بل يتعين حملهما عليها، لتصريح الثانية بكرية الماء، و ظهور الاولى فيها أيضا، كما هي المستفادة من النقيع، و من كونه معرضا لهذه الأمور.

مضافا: إلى أن لشمول الدواب لغير الثلاثة أيضا- مما لا خلاف في طهارة فضلته، كالبعير و البقرة- تكون دلالته موقوفة على تخصيص الدابة، و أولويته من حمل النهي

على الكراهة غير ثابتة.

و منه يظهر عدم دلالة البواقي أيضا، مضافا إلى ما في أولاها من ظهور تحقق الأمور الثلاثة من بول الدواب، و ولوغ الكلب، و غسل الجنب. و في ثانيتها، من عدم دلالة البأس مع عدم الجفاف على النجاسة بوجه. و في ثالثتها من ظهور قوله: «فله غسله» [2]. في عدم الوجوب.

و أما الأخيرتان و إن دلّتا بظاهريهما و لكن حملهما على مطلق رجحان الغسل متعيّن، لما ذكرنا من الأدلّة، لا لأجل أن أحد المتعارضين يحمل على الاستحباب، كما توهم و طعن به على المجتهدين بأنه من أين علم أن الحمل على الاستحباب من وجوه الجمع «3»؟ بل لأنّ مثل ما ذكر قرينة عرفا على إرادة مطلق الرجحان، كما في العام و الخاص المطلقين.

و لو أغمض عن ذلك، و بني على التعارض، فالترجيح لما ذكرنا أيضا، لمخالفة معارضة لشهرة القدماء و عمل صاحب الأصل، بل للإجماع، الموجبة لخروجه عن الحجية، و مع ذلك موافق لمذهب العامة، و مناف لقاعدة نفي الحرج، فتعين تركه.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] كذا في جميع النسخ، و لكن المذكور في رواية علي: «فليغسله».

______________________________

(3) الحدائق 5: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 154

مع أنّه لو لا الترجيح أيضا، لكان المرجع إلى الأصل، و هو معنا.

و منه يظهر الجواب عن غير الأخيرتين، على فرض دلالته أيضا.

و لطائفة من متأخري المتأخرين، منهم: الشيخ جواد الكاظمي، و صاحب الحدائق «1» ناقلا إياه عن بعض مشايخه، في أبوالها خاصة، و استشكل فيه الأردبيلي، و توقف في المدارك «2».

لما مر من أخبار نجاسة أبوالها «3»، مع الأصل في الروث، و منع الإجماع المركب.

و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها» «4».

و

روايتي أبي مريم، و عبد الأعلى، الاولى: في أبوال الدواب و أرواثها، قال: «أما أبوالها فاغسل ما أصابك، و أما أرواثها فهي أكثر من ذلك» «5».

و الثانية: عن أبوال الحمير، و البغال، قال: «اغسل ثوبك» قال، قلت:

فأرواثها؟ قال: «هو أكثر من ذلك» «6».

و قد مرّ جواب الأول.

و منه يظهر الجواب عن الأخبار المفصلة، مضافا إلى ما سبق في طيّ الاستدلال على المختار.

المسألة السادسة: المقطوع به في كلام الأكثر: طهارة رجيع ما لا نفس له

______________________________

(1) الحدائق 5: 21.

(2) مجمع الفائدة 1: 301، المدارك 2: 303.

(3) في ص 151.

(4) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 6، التهذيب 1: 265- 773، الاستبصار 1: 178- 621، الوسائل 3: 406 أبواب النجاسات ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 5، التهذيب 1: 265- 775، الاستبصار 1: 178- 623، الوسائل 3: 408 أبواب النجاسات ب 9 ح 8.

(6) التهذيب 1: 265- 776، الاستبصار 1: 179- 625، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 155

و بوله، و عليه الإجماع في اللوامع، و عدم الخلاف في الحدائق «1»، و نسب الخلاف في التذكرة «2» إلى بعض العامة، و هو بعدمه عندنا مشعر، و تردد في الشرائع «3».

و في الدروس «4» و إن لم يقيد البول و الغائط النجس بماله نفس- و لذا توهّم منه التعميم- إلا أن الظاهر أنه اكتفى في التخصيص بما يذكره في الدم و المني.

و كيف كان فلا ريب فيها في رجيعه، للأصل السالم عن المعارض.

و أما رواية المختلف «5» ففيها- مع ما مرّ- أن حجيّتها لضعفها مخصوصة بموضع الانجبار.

و يدلّ عليه أيضا في كثير نفي الحرج، و يتعدّى إلى الجميع بعدم الفصل.

و منه يظهر الوجه في طهارة

بوله (أيضا) «6».

و به يعارض حسنة ابن سنان «7» و يرجع إلى الأصل، مع أن شمولها له- مع ندوره الموجب لتردّد جماعة في ثبوت بول له- مشكل، و مع ذلك كلّه فالأمر فيه- لعدم ثبوته- سهل.

فروع:

أ: لو اشتبه بول، أو رجيع، أنه هل من الحيوان النجس بوله أو رجيعه، أو من الظاهر؟ فهو طاهر، للأصل.

و لو اشتبه حيوان غير مأكول، بأنه مما له نفس أولا؟ فالظاهر طهارة رجيعه، لذلك أيضا.

و يحتمل نجاسة بوله، لعموم الحسنة. و طهارته، للإجماع المركب.

______________________________

(1) الحدائق 5: 13.

(2) التذكرة 1: 6.

(3) الشرائع 1: 51.

(4) الدروس 1: 123.

(5) المتقدمة ص 138.

(6) لا توجد في «ق» و «ه».

(7) المتقدمة ص 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 156

ب: لو خرج البول أو الغائط- مما ينجسان منه- عن غير الموضعين المعتادين، فينجسان، لصدق الاسم. و يلزم من يخصّهما بالشائع المعتاد، القول بالطهارة.

ج: ما يخرج مع الغائط من الدود و الحب ليس نجسا ما لم يكن غائطا عرفا، للأصل.

و قد يحكم بالطهارة إن كان صلبا ينبت لو زرع، و النجاسة إن لم يكن كذلك.

و لا دليل عليه، إذ ربما تزول الصلبيّة و يفسد بحيث لا ينبت، و لا يصدق عليه الغائط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 157

الفصل الثاني: في المني
اشاره

و لا خلاف في نجاسته من الإنسان، و الأخبار فيها مستفيضة «1».

و ما ينافيها مطلقا، أو مع الجفاف ظاهرا مؤوّل، أو متروك.

و كذا من غيره مما له نفس، على المعروف من مذهب الأصحاب، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المطلقات، الآمرة بغسل الثوب إذا أصابه المني، و المصرحة بكونه أشد من البول «3».

و الخدش فيه «4»: بعدم استلزام لزوم الغسل للنجاسة، أو انصرافها إلى مني الإنسان، بما مرّ في البول مدفوع.

و إثبات النجاسة بما جعله أشدّ من البول، مع تسليم انصرافه إلى مني الإنسان- كما في المعالم «5»- في غاية الضعف.

و أما ما لا نفس له،

فالمقطوع به في كلام جملة من القوم طهارته «6».

و يظهر من بعضهم وقوع الخلاف فيه، حيث نسبها إلى جماعة «7». و من آخر حيث جعلها الأصح أو الأقرب «8». و تردّد فيها في المعتبر، و المنتهى «9»، لما مرّ و إن

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 16.

(2) التذكرة 1: 6، المدارك 2: 265، الرياض 1: 83.

(3) الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 16.

(4) الرياض 1: 83.

(5) المعالم: 208.

(6) منهم العلامة في التذكرة 1: 6، و الشهيد في البيان: 90.

(7) المعالم: 208.

(8) المنتهى 1: 162.

(9) المعتبر 1: 415، قال في المنتهى 1: 162 ما لا نفس له سائلة الأقرب طهارته فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 158

رجّحاها ثانيا.

و الاستدلال عليها بنفي الحرج- كما في اللوامع- ضعيف، إذ قلّما يمكن حصول العلم بإصابة مني غير ذي النفس.

فرعان:

أ: المذي- و هو ماء لزج رقيق، يخرج بلا دفع عقيب الشهوة. و قيل: بعد التقبيل و الملاعبة «1». و قال الصدوق: قبل المني «2». و الظاهر: أنّهما تفسيران «3» بالأخص- طاهر، و نقل الإجماع عليه مستفيض «4»، و الأصل و النصوص المعتبرة «5» معه يدلّان عليه.

خلافا للمنقول عن الإسكافي «6»، لروايتي ابن أبي العلاء «7».

و حملهما على الاستحباب- بعد تصريح طائفة من الصحاح و غيرها المعتضدة بعمل الأصحاب- متعين، مع عدم حجّيتهما لشذوذهما. و مع ذلك، فإحداهما غير صريحة في وجوب الغسل الذي هو مستند النجاسة.

و أما الودي- بالمهملة- و هو ما يخرج بعد البول- و بالمعجمة- و هو على ما ذكره الصدوق: ما يخرج بعد المني «8»، و في مرسلة ابن رباط: «أنّه ما يخرج من الأدواء» «9»- فهما طاهران بلا خلاف، للأصل.

______________________________

(1) المدارك 2:

266.

(2) الفقيه 1: 39.

(3) في «ق»: يفسّران.

(4) كما في الخلاف 1: 118، و المختلف: 57.

(5) الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12.

(6) نقل عنه في المختلف: 57.

(7) التهذيب 1: 253- 731 و 732، الاستبصار 1: 174- 606 و 607، الوسائل 3: 426، 427 أبواب النجاسات ب 17 ح 3 و 4.

(8) الفقيه 1: 39.

(9) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 1: 278 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 159

ب: كل رطوبة خارجة من المخرجين- سوى ما ذكر و الدم- طاهر، بالإجماع، و الأصل، و تدلّ عليه صحيحة إبراهيم بن أبي محمود «1» أيضا.

ب 12 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 1: 16- 34، الاستبصار 1: 84- 266، الوسائل 1: 262 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 160

الفصل الثالث: في الميتة
اشاره

و هي نجسة من كلّ ذي نفس، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف «1»، و الانتصار، و الغنية، و المنتهى، و التذكرة «2»، و الشهيدين «3»، و اللوامع، و المعتمد، و غيرها «4»، و هو الحجة.

مضافا في الجميع إلى روايتي محمد بن يحيى، و حفص.

أولاهما: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس» «5». و كذا الثانية مع زيادة «سائلة» «6».

و الحمل على إفساده بنحو بوله خلاف الظاهر، إلا أن في عموم لفظة «ما» فيها نظرا، لاحتمال الوصفية.

و في الآدميّ إلى رواية إبراهيم بن ميمون: عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت، فقال: «إن كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسّل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه» «7» و زاد في نسخ الكافي: «يعني إذا برد

الميت» «8».

دلّت على غسل ما أصاب الثوب و تعدّى من الميت إليه، و لو لم يكن

______________________________

(1) الخلاف 1: 60، و في «ح» و «ق»: (المختلف): 60.

(2) الانتصار: 12، الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المنتهى 1: 164، التذكرة 1: 7.

(3) الذكرى: 13، الروض 1: 162.

(4) كالمعتبر 1: 420، و الذخيرة: 147.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 4، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 5.

(6) التهذيب 1: 231- 669، الاستبصار 1: 26- 67، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 2.

(7) الكافي 3: 161 الجنائز ب 31 ح 7، التهذيب 1: 276- 811، الوسائل 3: 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.

(8) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 161

نجسا بالذات، كالريم «1» و لعاب الفم و سائر الرطوبات، فيكون هو نجسا، و نجاسته ليست إلّا لملاقاة الميت إجماعا، فيكون هو أيضا نجسا.

و الحمل على الرطوبات النجسة ذاتا- مثل الدم و البول- خلاف ظاهر العموم، و يمنعه تعليق غسله على عدم الغسل، فإنّ مثلها يغسل و لو بعد الغسل.

و تؤيّد المطلوب: حسنة الحلبي: عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت، فقال: «يغسل ما أصاب ثوبه» «2».

و رواية زرارة: بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر، فقال: «الدم، و الخمر، و الميت، و لحم الخنزير في ذلك واحد، ينزح منها عشرون دلوا، فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب» «3».

و مطلقات نجاسة الميتة و الجيفة الآتية.

و التوقيعان الآتيان «4» الآمران بغسل اليد بعد مس الميت بحرارته.

و المروي في العلل: «إنّما أمر بغسل الميت لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الأذى، فأحبّ أن يكون طاهرا» «5».

و إنّما جعلناها

مؤيّدة، لإمكان المناقشة في الأولين: بعدم دلالتهما على الوجوب، لخلوّهما عمّا يدلّ عليه.

و في الثالث: بعدم ثبوت شمول الميتة و الجيفة لغة. و عموم المشتقّ منه في

______________________________

(1) أي الفضل و الزيادة.

(2) الكافي 3: 161 الجنائز ب 31 ح 4، التهذيب 1: 276- 812، الاستبصار 1: 192- 671، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات ب 34 ح 2.

(3) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(4) سيأتي ذكرهما ص 166.

(5) علل الشرائع: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 162

الأول- بعد حصول التغير في الهيئة و المعنى- لا يفيد، لعدم تعيّن معنى الهيئة، بل المستفاد من الأخبار- سيّما صحيحتي الحلبي «1»، و محمد «2»- عدم استعمال الميتة في الإنسان.

و في الرابع: بعدم الملازمة هنا بين وجوب غسل اليد بالمسّ، و بين النجاسة العينيّة، كما يظهر ممّا سيأتي. و دعوى الإجماع المركب هنا مشكلة. مع أن المستفاد منهما وجوب غسل اليد بالمس و لو مع اليبوسة. و كونه من لوازم النجاسة العينيّة ممنوع.

و في الخامس: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للنجاسة في العينية، بل المستفاد من جعلها علّة للغسل: أنها غير العينية، إذ هي لا توجب الغسل، بل الغسل.

و في غير الآدمي إلى المستفيضة الدالة بعضها صريحا، كالمروي في الدعائم المنجبر ضعفه بعمل الكلّ: «الميتة نجسة و لو دبغت» «3».

و بعضها بانضمام الإجماع المركّب، كموثّقتي الساباطي: إحداهما في القليل الذي ماتت فيه فأرة، و قد تقدمت في بحث القليل «4»، و الأخرى: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرد ميتا سبعا» «5».

و رواية السكوني: عن قدر طبخت، و إذا في القدر فأرة، قال: «يهراق مرقها، و يغسل اللحم» «6».

______________________________

(1) التهذيب

1: 431- 1375، الوسائل 3: 299 أبواب غسل المس ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 1: 430- 1374، الوسائل 3: 299 أبواب غسل المس ب 6 ح 1.

(3) الدعائم 1: 126، المستدرك 3: 195 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 1.

(4) ص 40.

(5) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(6) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1. و في الجميع بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 163

و الرضوي المنجبر: «و إن مسست ميتة فاغسل يديك» «1».

و الأخبار الناهية عن الشرب، و الوضوء، في كثير غلبه ريح الجيفة، كصحاح ابن سنان، و القماط، و حريز «2»، و موثّقة سماعة «3»، و روايتي أبي خالد، و عبد اللّه بن سنان، و غيرها، المتقدّم شطر منها في بحث الجاري.

أو الموجبة لنزح جميع البئر لو غلبها ريح الجيفة، كرواية منهال «4».

أو للنزح، أو حتى تطيّب لو تغيّرت بموت الفأرة و أشباهها، كصحيحة أبي بصير «5».

أو حتى يذهب الريح إذا تغيّر الطعم بموت الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير، كصحيحة الشحام «6».

أو الآمرة بإلقاء ما يلي الفأرة، أو الدابة إذا ماتت في الأشياء الرطبة الجامدة، و عدم أكلها مطلقا إذا ماتت في المائعة، كصحاح زرارة «7»، و الحلبي «8»،

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 174، المستدرك 2: 579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.

(2) المتقدمة ص 11.

(3) التهذيب 1: 216- 24، الاستبصار 1: 12- 18، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.

(4) المتقدمة ص 85.

(5) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 6، الوسائل 1: 185

أبواب الماء المطلق ب 17 ح 11. لا يخفى أنّه.

قد وقع في سند الرواية ابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان، و يروي عنه الحسين بن سعيد، و الذي يظهر بملاحظة الطبقات أنه محمد بن سنان و لهذا يشكل الحكم بصحته، و لم نعثر على صحيحة لأبي بصير مشتملة على المضمون المذكور غيرها.

(6) المتقدمة ص 84.

(7) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 1، التهذيب 9: 85- 360، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2.

(8) التهذيب 9: 861- 361، الوسائل 24: 195، أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 164

و الأعرج «1»، و روايات معاوية بن وهب «2»، و سماعة «3»، و جابر «4».

أو الناهية عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيه الميتة، كصحيحة محمد «5». إلى غير ذلك من المستفيضة، بل المتواترة، في مواضع متفرقة.

و العجب عن صاحب المدارك حيث جعل المسألة قوية الإشكال، و ظنّ عدم الدليل على النجاسة «6»، مع أنّه في نجاسة البول احتجّ بالأمر بغسل الملاقي، و قال: لا نعني بالنجس إلّا ما وجب غسل الملاقي له. و هو هنا متحقّق مع غيره.

و فرّع عدم مجال التوقّف في نجاسة مني ذي النفس على كونه مقطوعا به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع. مع أنّ الأمر هنا أيضا كذلك. و صرح في بحث الأسآر بأنّ نجاسة الميتة من ذي النفس، و نجاسة الماء القليل بها موضع وفاق «7».

و أمّا ممّا لا نفس له فطاهرة، بالإجماع كما في الخلاف، و المعتبر، و المنتهى «8».

و يدلّ عليه- مضافا إلى الأصل، و نفي الحرج، و روايتي ابن يحيى و حفص، المتقدّمتين «9»-

العاميّ المرويّ في الناصريات، المنجبر بالعمل: «كلّ طعام أو

______________________________

(1) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195، أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 4.

(2) الكافي: 261 الأطعمة ب 14 ح 2، التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1.

(3) التهذيب 9: 85- 358، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 5.

(4) التهذيب 1: 420- 1327، الاستبصار 1: 24- 60، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2.

(5) الفقيه 3: 219- 1017، التهذيب 9: 88- 371، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6.

(6) المدارك 2: 269.

(7) المدارك 1: 138.

(8) الخلاف 1: 188، المعتبر 1: 101، المنتهى 1: 164.

(9) ص 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 165

شراب وقعت فيه دابّة ليس لها دم، فهو الحلال أكله و شربه، و الوضوء منه» «1».

و موثقة عمار: عن الخنفساء، و الذباب، و الجراد، و النملة، و ما أشبه ذلك، يموت في البئر، و الزيت، و السمن و شبهه، قال: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» «2».

و المرويّ في قرب الإسناد للحميري: عن العقرب، و الخنفساء، و أشباه ذلك يموت في الجرّة، و الدنّ، يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا بأس» «3».

و ظاهر الشيخ في النهاية: نجاسة ميتة الوزغ و العقرب «4»، و هو المحكيّ عن ابن حمزة، و عن القاضي: أنه إذا أصاب شيئا وزغ، أو عقرب، فهو نجس «5».

و ما ذكروه في الوزغ مبنيّ على حكمهم بنجاسته مطلقا، كما يأتي.

و أما العقرب: فيحتمل أن يكون لذلك، لعدّة من المسوخ و الحكم بنجاسته، أو لبعض الروايات الآمرة بإراقة الماء الذي وقع فيه العقرب «6»، المحمولة على الكراهة

جمعا، بل القاصرة عن إفادة النجاسة، لجواز أن يكون للسميّة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: هل تختصّ نجاسة الميت الآدمي بما بعد البرد الذي هو محل الإجماع، أو ينجس قبله أيضا.

المنسوب إلى الأكثر- كما في الحدائق «7»، و منهم: الفاضل في بعضه كتبه،

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182، راجع سنن الدار قطني 1: 37.

(2) التهذيب 1: 230- 665، الاستبصار 1: 26- 66، الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 35 ح 1.

(3) قرب الاسناد: 178- 657، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 6.

(4) النهاية: 6.

(5) الوسيلة: 80، شرح جمل العلم و العمل: 56، المهذب 1: 26.

(6) الوسائل 1: 240 أبواب الأسآر ب 9 ح 5.

(7) الحدائق 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 166

و الذكرى، و الدروس «1» و جماعة من المتأخّرين «2»- الأول، و عن الشيخ الإجماع عليه «3»، للأصل، و انتفاء الإجماع الذي هو العمدة في أدلّة نجاسته في المقام، و التفسير المتقدّم في آخر رواية ابن ميمون «4».

و نفي البأس في طائفة من الأخبار عن مسّه بحرارته.

و تغسيل الصادق ابنه إسماعيل، مجيبا عن السؤال من أنّه: أ ليس ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت، و من مسّ فعليه الغسل؟: «إنّه إذا برد، و أما بحرارته فلا بأس» «5».

و يضعّف الأول: بالمزيل، و هو إطلاق رواية ابن ميمون، و خصوص التوقيعين المرويين في الاحتجاج.

و أحدهما: كتبت إليه: روي عن العالم، سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: «يؤخّر، و يتقدّم بعضهم، و يتمّ صلاتهم، و يغتسل من مسّه» التوقيع: «ليس على من مسّه إلّا غسل اليد» «6».

و الآخر: و كتب إليه: روي عن العالم، أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده، و من مسّه و قد برد، فعليه الغسل، و هذا الميت

في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ التوقيع: «إذا مسّه في هذه الحالة لم يكن عليه إلّا غسل يده» «7».

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 172، الذكرى: 79، الدروس 1: 117.

(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 458، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 209.

(3) الخلاف 1: 701.

(4) المتقدمة ص 160.

(5) التهذيب 1: 429- 1366، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 2.

(6) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4 (بتفاوت يسير).

(7) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 167

و يضعف الثاني أيضا، لأنّ بعد وجود ما ذكر، انتفاء الإجماع غير مضرّ.

و الثالث: باحتمال كون التفسير من الراوي، فلا حجّية فيه.

و الرابع: بعدم الدلالة، إذ لا يدل انتفاء البأس في المسّ قبل الحرارة على عدم التنجّس، لإمكان جواز مسّ النجس، و لذا لا يحرم بعد البرد أيضا إجماعا.

و ممّا ذكرنا ظهر دليل القول الثاني، و هو المحكي عن العماني، و المبسوط، و التذكرة، و الروض، و كفاية الأحكام «1»، و اختاره والدي العلّامة، بل عليه إجماع الطائفة عن الخلاف، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة «2». و هو الحقّ، لما ذكر.

و ردّ دلالة رواية ابن ميمون: بمنع القطع بالموت قبل البرد، مناف لما صرّح به في جملة من الأخبار «3»، من تحقّقه مع الحرارة.

و تسليمه و منع قطع تعلّق الروح بالكليّة غير مفيد، لأنّ الموجب هو الموت، دون قطع التعلّق بالكليّة.

المسألة الثانية: نجاسة الميتة عينيّة، متعدية مع الرطوبة و لو بوسائط

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    167     المسألة الثانية: نجاسة الميتة عينية، متعدية مع الرطوبة و لو

بوسائط ..... ص : 167

بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع، و هو- مع أكثر ما ذكرنا لإثبات نجاستها، سيّما موثّقة الساباطي المتقدمة «4» في القليل- عليه دليل، فنفي البعد عن عدم التعدّي- كبعض المتأخّرين «5»- سقيم عليل.

و استدلاله بمرسلة الفقيه: عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن، و السمن، و الماء، ما ترى فيه؟ فقال: «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء، أو لبن، أو سمن، و تتوضأ، و تشرب، و لكن لا تصلّ فيها» «6»- لمخالفتها لعمل الأصحاب،

______________________________

(1) المبسوط 1: 179، التذكرة 1: 59، الروض: 113، الكفاية: 11.

(2) الخلاف 1: 700، المعتبر 1: 420، المنتهى 1: 164، التذكرة 1: 7. و لا يخفى أن معقد الإجماع في كلامهم هو نجاسة الميت و هو بإطلاقه يشمل قبل البرد و بعده- فتأمل.

(3) منها رواية الاحتجاج المتقدمة.

(4) ص 40.

(5) المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 67، و في «ه» و «ق»: متأخري المتأخرين.

(6) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463، أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 168

و معارضتها للمستفيضة- ضعيف.

دون اليبوسة، وفاقا للمعظم، للأصل، و عموم موثّقة ابن بكير: «كل [شي ء] يابس ذكيّ» «1».

لا لصحيحتي علي، إحداهما: عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: «ليس عليه غسله و ليصل فيه» «2».

و الأخرى: عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت، فقال: «ينضحه و يصلي فيه و لا بأس» «3».

لأنّ الظاهر أنّ الملاقي للثوب، الشعر الذي هو غير مورد النزاع، دون الميتة.

خلافا للفاضل في النهاية، و المنتهى «4»، فأوجب غسل اليد بمسّ الميتة و لو مع اليبوسة، لمرسلة يونس: هل يجوز أنّ يمسّ الثعلب، و الأرنب،

أو شيئا من السباع، حيا أو ميتا؟ قال: «لا يضرّه، و لكن يغسل يده» «5».

و الرضوي، و الموثّقة الأخرى للساباطي المتقدّمتين «6».

و الاولى مع عدم دلالتها على الوجوب، لا يمكن حملها عليه، للإجماع على عدمه حال الحياة، و عدم استعمال اللفظ في معنييه. مضافة إلى أنّها أعمّ من المسّ

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 141، الاستبصار 1: 57- 167 (و فيه زكيّ)، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) التهذيب 1: 276- 813، الاستبصار 1: 192- 672، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.

(3) الفقيه 1: 43- 169، التهذيب 1: 277- 815، الاستبصار 1: 192- 674، الوسائل 3:

442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.

(4) نهاية الاحكام 1: 173، المنتهى 1: 128.

(5) الكافي 3: 60 الطهارة ب 39 ح 4، التهذيب 1: 262- 763، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات 34 ح 3.

(6) ص 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 169

رطبا و يابسا، فتعارض موثّقة ابن بكير، بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل.

و هو الجواب عن الأخيرين.

مضافا إلى ضعف الثاني، و خلوّه عن الجابر في المقام، و وجوب حمل الثالث على الاستحباب، أو وجود مائع في الإناء، و إلّا لزم وجوب الغسل بملاقاة الشعر، و هو منفيّ إجماعا.

مع أنّ اختصاص خلاف الفاضل بغسل اليد، دون ملاقيها أيضا و لو مع الرطوبة و دون غيرها ممكن، كما يظهر من المنتهى «1»، حيث استقرب كون النجاسة حينئذ حكميّة، و لذا قيل: إنّ المنتهى موافق للمشهور و إن أوجب غسل اليد تعبّدا، فتكون الموثّقة حينئذ خارجة عن موضوع نزاعه.

و كذا الميت، فتتعدّى نجاسته مع الرطوبة، لإطلاق التوقيعين، و عموم

خبر إبراهيم بن ميمون، حيث دلّ على وجوب غسل الثوب ممّا أصاب من الميت، و إن كان غير الرطوبات النجسة ذاتا، فيكون نجسا بملاقاته الميت، و تتعدّى إلى غيره بعدم الفصل في ذلك، و إن كان في غسل اليد القول بالفصل محقّقا. بل وجوب غسله من الثوب يدلّ على نجاسة الثوب به أيضا، و إلّا لم يكن وجه لغسله.

و كونه فضلة ما لا يؤكل لا يوجب الغسل كما مر. و كذلك كونه نجسا دون الثوب، إذ لا منع في تحمّل النجس الغير المسري في الصلاة.

دون اليبوسة، للأصل، و الموثّقة «2».

وفاقا في الحكمين «3» للكركي، و صاحب الحدائق «4»، و والدي العلّامة، و إن لم يكن بعد في وجوب غسل اليد خاصّة تعبّدا مع المسّ باليبوسة أيضا، لإطلاق التوقيعين، و لا تعارضهما الموثّقة، إذ وجوب الغسل تعبّدا لا ينافي كونها ذكية.

______________________________

(1) المنتهى 1: 128.

(2) موثقة ابن بكير المتقدمة ص 168.

(3) يعني تعدي النجاسة مع الرطوبة و عدم تعدّيها مع اليبوسة، في الميت.

(4) جامع المقاصد 1: 461، الحدائق 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 170

خلافا في الثاني خاصّة للمنتهى، و ظاهر الروض، و المعالم «1»، و نسب إلى التذكرة، و الذكرى، و المعتبر «2»، بل المشهور، فتتعدّى مع اليبوسة أيضا، إلّا أنّ الأوّل «3» جعل نجاسة الماسّ يابسا حكميّة، أي غير متعدّية إلى غيره و لو مع الرطوبة، و البواقي جعلوها أيضا عينيّة متعديّة مع الرطوبة، لإطلاق رواية إبراهيم و ما في معناها، و التوقيعين.

و يضعف الأول: بأنّ الرواية لا تدل إلّا على غسل ما أصاب الثوب من الميت، و ظاهر أنه لا يصيبه منه إلا الرطوبات.

و الثاني: بأنه لا يدل إلا على وجوب غسل

اليد خاصّة، و لا نمنعه، و هو غير النجاسة، و غير وجوب غسل كل ماسّ له.

ثمَّ حكم المنتهى «4» بعدم التعدّي من الماسّ اليابس، للأصل.

و حكم البواقي بالتعدّي، لأنّه شأن النجس، أو لإطلاق الرواية، مع خروج الماسّ مع الماسّ يابسا بالإجماع.

و أصل المنتهى قويّ، لو كان لأصل حكمه أصل.

و خلافا فيهما للسيد، كما نسبه إليه جماعة، منهم فخر المحقّقين، و الكركي، و العاملي «5»، و والدي العلّامة، فقال: تكون نجاسته حكمية، فلا تتعدّى مطلقا، لا مع الرطوبة، و لا مع اليبوسة، بل يجب غسله نفسه خاصّة.

و هو مذهب القواعد «6»، على ما فهمه صاحب الإيضاح «7» من كلام والده،

______________________________

(1) المنتهى 1: 128، الروض: 116، المعالم: 278.

(2) التذكرة 1: 59، الذكرى: 16، المعتبر 1: 350.

(3) يعني المنتهى.

(4) المنتهى 1: 127.

(5) الإيضاح 1: 66، جامع المقاصد 1:، 461، و لم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني.

(6) القواعد 1: 22، قال فيه: و الظاهر أن النجاسة ها هنا حكمية، فلو مسّه بغير رطوبة ثمَّ مسّ رطبا لم ينجس.

(7) الإيضاح 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 171

و جعله مع مذهب السيد واحدا.

و لكنه خلاف ظاهره، و لذا ردّه المحقّق الثاني في شرحه «1».

و اختاره أيضا بعض متأخّري المتأخرين «2». بل هو مذهب الحلّي «3»، كما تدلّ عليه كلماته في السرائر، و الأردبيلي «4»، إلّا أنّهما أوجبا غسل الملاقي له تعبّدا، لا لكونه نجسا، كما هو صريح الثاني، و ظاهر الأول، حيث ادّعى الإجماع و عدم الخلاف بين الإمامية في جواز دخول من غسّل ميتا المساجد، بعد دعواه عدم الخلاف بين الأمّة على وجوب تنزّهها عن النجاسات مطلقا.

و استدلّ أيضا: بوجوب غسل الملاقي للميت دون ملاقيه، بكون الأول

ملاقيا لجسد الميت دون الثاني، و إنّا متعبّدون بغسل ما لاقى جسد الميت.

ثمَّ إنّ دليلهم و ردّه يظهر ممّا تلونا عليك.

المسألة الثالثة: أجزاء الميتة ممّا تحلّه الحياة نجسة بالإجماع

، و إطلاق كثير من الأخبار، من غير فرق بين اتّصالها بها، و قطعها منها.

و يدلّ على نجاسة الأجزاء المقطوعة منها- مع الاستصحاب- في الإنسان:

إطلاق مرفوعة أيوب: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة» «5».

فإنّ المستفاد منها ثبوت جميع أحكام الميتة- التي منها النجاسة- للقطعة، لأنّه مقتضى الحمل الحقيقي فيما لم يعلم المعنى الغير الصالح للحمل للمحمول و إن لم نقل بذلك في الشركة المبهمة بالإطلاق.

مع أنّه لمّا لم يكن حكم ثابت للميتة- سواء قلنا باختصاصها بغير الآدمي

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 262.

(2) المفاتيح 1: 67.

(3) السرائر 1 163.

(4) مجمع الفائدة 1: 209.

(5) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 4، التهذيب 1: 429- 1369، الاستبصار 1: 100- 325، الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 172

أو بعمومها- صالح لإثباته للقطعة المبانة من الرجل سوى النجاسة، فاستفادتها من المرفوعة مطلقا مما لا ريب فيه.

و الحمل على وجوب الغسل- مع عدم كونه حكم الميتة، بل حكم بعض أفرادها على احتمال عمومها- تمنعه تتمّة الحديث، من نفي وجوب الغسل إن لم تكن هذه القطعة ذات عظم.

و هو الدليل في غير الإنسان أيضا، بضميمة عدم الفصل، مضافا إلى ما تقدّم من النهي عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة «1».

و من جملة أجزائها النجسة: جلدها بالإجماع، كما في المنتهى «2».

و يدلّ على نجاسته أيضا ممّا تقدم: صريح رواية الدعائم المنجبرة «3»، و ظاهر الموثّقة الثانية للساباطي «4»، و الرضوي «5»، و الأخبار الآمرة بإلقاء ما

يلي الفأرة إذا كانت جامدة، و ما وقعت فيه إذا كانت مائعة «6».

و من غيره: رواية القاسم الصيقل: إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي، أ فأصلّي فيها؟ فكتب إليّ: «اتّخذ ثوبا لصلاتك» «7».

و رواية أبي القاسم الصيقل و ولده: إنّا قوم نعمل أغماد السيوف- إلى أن قال-: و إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال، و الحمير الأهليّة، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها، و شراؤها، و بيعها، و مسّها بأيدينا، و ثيابنا، و نحن نصلّي في ثيابنا؟- إلى أن قال-: فكتب عليه السلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة» «8».

______________________________

(1) ص 164.

(2) المنتهى 1: 164.

(3) راجع ص 163- 164.

(4) راجع ص 163- 164.

(5) راجع ص 163- 164.

(6) راجع ص 163- 164.

(7) الكافي 3: 407 الصلاة ب 66 ح 16، التهذيب 2: 358- 1483، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات ب 34 ح 4.

(8) التهذيب 6: 376- 1100، الوسائل 17: 173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 173

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج: إنّي أدخل سوق المسلمين، أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام، فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها:

أ ليس هي ذكيّة؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة؟ فقال:

«لا، و لكن لا بأس أنت تبيعها و تقول: قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة» قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتة، و زعموا أنّ دباغ الميتة ذكاتها ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1». و يقرب منها غيرها أيضا.

دلّت على عدم كون جلد الميتة ذكيا، و

أنّه لا يذكّى بالدباغ.

و أمّا تجويز شرائه و بيعه فيها: فلأنّ بناء الذبائح على الأخذ بالظاهر.

و أمّا التقرير على معاملته في خبري الصيقل فلا حجيّة فيه، لأنّ حجيّته إنّما هو مع عدم المانع و التقيّة، سيّما في المكاتبات من أقوى الموانع، و يشعر بها ترك الجواب عن المعاملة، و العدول إلى بيان حكم الصلاة.

و أمّا مرسلة الفقيه المتقدّمة «2» في المسألة السابقة فهي- لضعف سندها، و مخالفتها لعمل جميع الأصحاب- عن معارضة ما مرّ قاصرة، و لموافقتها لمذهب العامة، و لو بعد الدباغة- كما هو في الحديث مصرّح به- مطروحة، و على التقيّة محمولة، و كذا بعض الروايات الأخر المذكور في المسألة الآتية، فالاستشكال في نجاسته- كما في المدارك، و قوله بعدم وقوفه على نصّ يعتدّ به فيها «3»- غير جيد.

و يظهر من كلامه كغيره «4»: نسبة الطهارة إلى الصدوق «5»، حيث ذكر

______________________________

(1) الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 5، التهذيب 2: 204- 798، الوسائل 3: 503 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.

(2) ص 167.

(3) المدارك 2: 268.

(4) كما في الذخيرة: 147.

(5) الفقيه 1: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 174

المرسلة، و هو لا يذكر إلّا ما يفتي بصحته.

و قد يحمل قوله على ما بعد الدبغ، فيرجع إلى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ، و يأتي الكلام فيها.

هذا في أجزاء الميتة، و أمّا ما قطع ممّا تحلّه الحياة، في حال الحياة من الحيوان الذي ينجس بالموت، فهو أيضا نجس، مات الجزء أو لم يمت بعد.

أمّا من الإنسان: فلإطلاق المرفوعة «1». و أمّا في غيره: فله بانضمام عدم القول بنجاسة القطعة المبانة من الإنسان دون غيره.

مضافا إلى المستفيضة المصرّحة بأنّ «ما أخذت الحبالة و قطعت

منه، فهو ميتة، و ما أدركته من سائر جسده حيا، فذكّه، و كل منه» «2».

و بأنّ أليات الغنم المقطوعة لثقلها ميتة «3»، بالتقريب المتقدّم في المرفوعة.

و إلى أنّ القطعة إذا كانت كبيرة، بحيث يطلق عليها الميتة أو الجيفة عرفا، تدخل في عمومات نجاسة الماء إذا غلبت عليه الميتة أو الجيفة، ريحا أو طعما.

و لو مات الجزء من غير قطع، فالظاهر طهارته، لعدم القطع، و عدم صدق الميت و الميتة قطعا، و خروج مثله عن الروايات الدالّة على نجاستهما.

و الاستدلال على نجاسته برواية عبد اللّه بن سليمان: «ما أخذت الحبالة و انقطع منه شي ء، أو مات فهو ميتة» «4» غير جيد، لجواز كون المستتر في قوله:

«مات» راجعا إلى الصيد، دون الشي ء، و الحكم بكونه ميتة، لدفع توهم كون الأخذ بالحبالة في حكم التذكية.

و لو قطع هذا العضو الميت فهل ينجس؟ الظاهر نعم، لما مرّ من إطلاقات القطع.

______________________________

(1) المتقدمة ص 171.

(2) الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24.

(3) الوسائل 24: 91 أبواب الذبائح ب 40.

(4) الكافي 6: 214 الصيد ب 7 ح 4، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 175

و لو قطع بعض القطع و مات، و لكن لم ينفصل بعد عن الحي بالكلّية، ففيه إشكال. و الطهارة أظهر، لصحّة سلب القطع.

هذا في غير الأجزاء الصغيرة المنفصلة عن بدن الإنسان، مثل البثور «1»، و الثؤلول «2»، و نحوهما، و أمّا هي، فطاهرة، بل قيل: لا خلاف في طهارتها «3»، للأصل، لعدم صدق القطعة عرفا، و لا يفيد عموم المبدأ، كما سبق.

و صحيحة علي: عن الرجل يكون به الثؤلول و الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو

في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟

قال: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» «4».

و ترك الاستفصال عن كونه باليد أو غيرها، و عن كون المسّ بالرطوبة أو اليبوسة، يفيد العموم.

و تضعيف دلالتها بمثل ما مرّ في صحيحته الأخرى المتقدمة «5» في ذرق الطير، ضعيف، لظهور الفرق بينهما، و لذا استفصل هنا عن خوف سيلان الدم.

و هل يختصّ ذلك بالإنسان، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟ الظاهر الثاني، لعدم دليل على النجاسة فيه.

المسألة الرابعة: ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة-

و حصروه في الصوف، و الشعر، و الوبر، و البيض، و الإنفحة، و اللبن، و العظم، و السن، و القرن، و الحافر، و الريش، و الظلف «6»، و الظفر، و الناب، و المخلب- ظاهر، بلا خلاف

______________________________

(1) البثور: خرّاج صغار و خص بعضهم به الوجه- لسان العرب 4: 39.

(2) الثؤلول: الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها- النهاية 1: 205.

(3) الحدائق 5: 77.

(4) التهذيب 2: 378- 1576، الاستبصار 1: 404- 1542، الوسائل 7: 284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.

(5) ص 142.

(6) الظلف: ظفر كل ما اجتر، و الجمع أظلاف. لسان العرب 9: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 176

يعرف، بل عليه حكاية الإجماع في كلام غير واحد من الأصحاب «1».

و تدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع، و الأصل السالم عن المعارض في بعضها، لانتفاء عموم أو إطلاق يشمل الجميع- المستفيضة الدالّة على طهر جميعها، إمّا مستقلا، أو بضميمة الإجماع المركّب.

كرواية الثماني، و فيها- بعد السؤال من الجبن، و أنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة-: «ليس بها بأس، إنّ الإنفحة ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا

لها عظم» «2» مقتضى التعليل: طهارة ما ليس له شي ء من الثلاثة، و الجميع كذلك.

و حسنة حريز: «اللبن، و اللبأ، و البيضة، و الشعر، و الصوف، و الناب، و الحافر، و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة، فهو ذكيّ، و إن أخذته بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» «3».

و صحيحة الحلبي: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» «4» فإنّ تعليلها صريح في طهر كل ما ليس فيه روح.

و الاستدلال على طهارة الجميع بهما مستقلّين غير جيد، لأنّ معنى «كل شي ء يفصل» في الأولى: ما يعتاد انفصاله، مع كون المحل حيّا، و لا شك أنّ العظم، و الإنفحة ليسا كذلك. بل في عمومها لجميع غيرهما أيضا نظر، إذ اختصاص ضمير «اغسله و صلّ فيه» بما يمكن غسله و الصلاة فيه يمنع الأخذ بعموم المرجع. و مقتضى التعليل في الثانية اختصاص الحكم بما يمكن الصلاة فيه.

و المروي في المحاسن: «و ما يحلّ من الميتة: الشعر، و الصوف، و الوبر،

______________________________

(1) المنتهى 1: 164، المدارك 2: 272، الحدائق 5: 99.

(2) الكافي 6: 256 الأطعمة ب 9 ح 1، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.

(3) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 4، التهذيب 9: 75- 321، الوسائل 24: 180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.

(4) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 513 أبواب النجاسات ب 68 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 177

و الناب، و القرن، و الضرس، و الظلف، و البيض، و الإنفحة، و الظفر، و المخلب، و الريش» «1».

و مرسلة الفقيه: «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة: القرن، و الحافر، و العظم،

و السن، و الإنفحة، و اللبن، و الشعر، و الصوف، و الريش، و البيض» «2». و مثلها رواية الخصال «3»، إلّا في الترتيب.

و المروي في العلل: «و أطلق في الميتة عشرة أشياء: الصوف، و الشعر، و الريش، و البيضة، و الناب، و القرن، و الظلف، و الإنفحة، و الإهاب «4»، و اللبن [و ذلك ] إذا كان قائما في الضرع» «5».

و حسنتي حسين بن زرارة: إحداهما: عن السنّ من الميتة، و اللبن، و البيض من الميتة، و إنفحة الميتة. قال: «كل هذا ذكي» «6».

و الأخرى: عن الإنفحة تكون في بطن العناق، أو الجلدي، و هو ميت، فقال: «لا بأس به» و عن الرجل يسقط سنّه، فيأخذ من أسنان ميت فيجعله مكانه، فقال: «لا بأس- إلى أن قال- العظم، و الشعر، و الصوف، و الريش، و كل نابت، لا يكون ميتا» و عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة، فقال: «لا بأس بأكلها» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 471- 464، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 20.

(2) الفقيه 3: 219- 1011، الوسائل 24: 182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 9.

(3) الخصال: 434- 19، راجع الوسائل 24: 182.

(4) الإهاب: الجلد قبل أن يدبغ و بعضهم يقول: الجلد. المصباح المنير: 28.

(5) العلل: 562- 1، الوسائل 24: 175 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 11 و ما بين المعقوفين من المصدر.

(6) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، التهذيب 9: 75- 320، الوسائل 24: 180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 4، في الكافي و التهذيب: «اللبن» بدل «السن»، و في الوسائل كما في المتن بدون زيادة: اللبن.

(7) التهذيب 9: 78- 332، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة

ب 33 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 178

و رواية يونس: «خمسة أشياء ذكية ممّا فيها منافع الخلق: الإنفحة، و البيض، و الصوف، و الشعر، و الوبر» «1».

و صحيحة زرارة: عن الإنفحة تخرج من [1] الجلدي الميت، قال: «لا بأس به» قلت: اللبن يكون في شرع الشاة بعد ما ماتت، قال: «لا بأس به» قلت:

و الصوف و الشعر، و عظام الفيل، و الجلد، و البيض يخرج من الدجاجة؟ قال:

«كل هذا لا بأس به» «3».

فروع:

أ: جمهور الأصحاب على اشتراط طهارة البيضة على اكتسائها القشر الأعلى، لمفهوم رواية غياث بن إبراهيم: في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة، قال: «إن كانت اكتسب البيضة الجلد الغليظ، فلا بأس بها» «4».

و يخدشه: عدم العموم في البأس الثابت بالمفهوم، و لعلّه الحرمة، فإطلاقات طهارتها، مع أصالتها- عن المعارض خالية.

و نجاستها بملاقاة الميتة لميعانها، بمانعة الجلد الرقيق غبّ اكتسائه مدفوعة، مع أنّه لا دليل على تنجس كل ملاق للنجاسة، سوى أحد الإجماعين المنتفي في المورد، أو بعض ما لا يشمله، فإطلاق القول بالطهارة- كما عن المقنع [2]، و ظاهر المدارك، و المعالم «6»- متّجه.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: عن.

[2] لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية: 79.

______________________________

(1) الكافي 6: 257 الأطعمة ب 9 ح 2، التهذيب 9: 75- 319، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 2.

(3) الفقيه 3: 216- 1006، التهذيب 9: 76- 324، الاستبصار 4: 89- 339، الوسائل 24:

182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.

(4) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 5، التهذيب 9: 76- 322، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.

(6) المدارك 2: 272، المعالم: 299.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 179

و ممّا ذكر ظهر الوجه فيما هو ظاهر الأكثر [1] من طهارة ظاهر البيضة مطلقا.

خلافا لصريح الفاضل في نهاية الاحكام، و المنتهى «2»، و ظاهر طائفة من متأخّري المتأخّرين «3»، فقالوا بنجاسته بالملاقاة، استنادا إلى أنّ سياق الإطلاقات لبيان الطهارة الذاتيّة، فلا يلزم التعرّض للعرضيّة.

و يدفعه: أنّ أصل الطهارة كاف لإثباتها، مع أنّ عدم لزوم التعرّض للعرضيّة، إنّما هو إذا لم يكن لازما للمعروض، و إلّا فلازم.

ب: لا فرق في طهارة الصوف، و الشعر، و الريش، و الوبر، بين قطعها بالجزّ، أو القلع.

و عن الشيخ في النهاية: اختصاصها بالأوّل «4»، لرواية فتح بن يزيد «5».

و هي مجملة لا تفيد معنى صالحا للحكم.

ثمَّ مقتضى حسنة حريز «6»: وجوب غسلها مطلقا، سواء قلعت، أو جزت.

و خصّه الأكثر بالأول، لظهور عدم الاحتياج إليه في الثاني. و لا وجه له بعد إطلاق الأمر.

ج: الإنفحة- بكسر الهمزة و سكون النون و فتح الفاء و الحاء المهملة، المخففة، أو المشدّدة- قيل: كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل العلف «7».

______________________________

[1] منهم صاحب الذخيرة: 147، و المدارك 2: 272، و المعالم: 228، و المفاتيح 1: 67.

______________________________

(2) نهاية الاحكام 1: 270، المنتهى 1: 166.

(3) تجد التصريح به في كلام المشارق: 320، و الحدائق 5: 91.

(4) النهاية: 585.

(5) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 6، التهذيب 9: 76- 323، الاستبصار 4: 89- 341، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

(6) المتقدمة ص 176.

(7) الصحاح 1: 413 نقله عن أبي زيد، و قال به من الفقهاء ابن إدريس في السرائر 3: 112، و غيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 180

و الكرش- بكسر الكاف و سكون

الراء، أو فتح الأول و كسر الثاني- من كل مجتر: بمنزلة المعدة للإنسان.

و قال أكثر الفقهاء [1] و اللغويين «2»: أنّها شي ء أصفر يستخرج من بطن الحمل و الجدي قبل العلف، يعصر في صوفه، تبله في اللبن فيغلظ كالجبن، و محله الكرش.

و يعاضد ذلك: ما في رواية الثمالي: «انّه ربما جعلت فيه- أي في الجبن- إنفحة الميتة و إنّها إنّما تخرج من بين فرث و دم» «3». فلعلّه الأظهر.

و الكلام في تنجّسه بملاقاة الكرش، كتنجّس الكرش لو كان هو الإنفحة بملاقاة الميتة، كما مرّ، و يكون الكرش على الأول نجسا، و ما في جوفه على الثاني- لكونه غير ذي روح- طاهرا.

د: لا ينجس اللبن بملاقاة الضرع، وفاقا للأكثر، منهم: الصدوق في المقنع [2]، و الشيخ في أكثر كتبه «5»، و الذكرى، و المدارك، و المعالم «6»، و جمع من متأخّري المتأخّرين [3]، بل في الخلاف، و الغنية «8»: الإجماع عليه، للأصل، و أكثر الأخبار المتقدّمة.

و كونها في مقام بيان الطهارة الذاتيّة مدفوع: بما مرّ.

خلافا للحلّي «9»، فنجّسه مدّعيا عدم الخلاف فيه بين المحصّلين، و تبعه

______________________________

[1] لم تثبت الأكثرية، فلاحظ مفتاح الكرامة 1: 155.

[2] لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية: 79.

[3] منهم صاحب المشارق: 321، و الذخيرة: 148.

______________________________

(2) القاموس 1: 262، المغرب 2: 220.

(3) المتقدمة ص 176.

(5) النهاية: 575، الخلاف 1: 519، التهذيب 9: 77، الاستبصار 4: 89.

(6) الذكرى: 14، المدارك 2: 274، المعالم: 231.

(8) الخلاف 1: 520، الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(9) السرائر 3: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 181

على ذلك جماعة، منهم: الفاضلان «1»، و في المنتهى: أنّه المشهور عند علمائنا «2».

لأنّه مائع ملاق للميتة، و كلّ ما كان كذلك فهو نجس.

و

لرواية وهب بن وهب: عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال عليه السلام: «هذا الحرام محضا» «3».

و الأول مصادرة.

و الثانية- مع كونها موافقة لمذهب العامة، كما في التهذيب «4»، و غير مثبتة للنجاسة، لعدم الملازمة بينها و بين الحرمة- معارضة مع ما هو أكثر منها و أصح، و بما مرّ أرجح، مع أنّه لولاه فأصل الطهارة هو المرجع.

______________________________

(1) الشرائع 3: 223، المختصر النافع: 253، التحرير 1: 161، التذكرة 1: 7.

(2) المنتهى 1: 165.

(3) التهذيب 9: 76- 325، الاستبصار 4: 89- 340، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11.

(4) التهذيب 9: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 182

الفصل الرابع: في الدم
اشاره

و هو نجس من كل ذي نفس، عدا ما يستثنى. و عليه الإجماع في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة «1» و غيرها «2».

و تدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- النصوص المستفيضة:

كصحيحة علي: عن رجل رعف و هو يتوضأ، فقطرت قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «لا» «3».

و موثّقة عمّار: «كلّ شي ء من الطير يتوضأ عما يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دما، فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «4».

و صحيحة زرارة: أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شي ء من مني، فعلّمت أثره إلى أن أصيب الماء، فأصبت، و حضرت الصلاة، فنسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت، ثمَّ إنّي ذكرت بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة و تغسله» «5».

و الظاهر عطف «غيره» على «رعاف» لكونه أقرب، و لئلّا يلزم التخصيص [1] بالنجاسات في «غيره» و لا عطف الخاص على العام، فيثبت بها الحكم في جميع الدماء، بل يثبت ذلك على عطفه على دم أيضا، لشموله له أيضا.

______________________________

[1] يعني إذا قلنا بان كلمة «غيره»

عطف على دم الرعاف، فبما انها تشمل الأشياء الطاهرة يلزم تخصيصها بالنجاسات و يلزم أيضا عطف الخاص و هو (أو شي ء من مني) على العام و كلاهما خلاف الأصل.

______________________________

(1) المعتبر 1: 420، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(4) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 183

و حسنة محمد: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيت و عليك ثوب غيره، فاطرحه و صلّ» «1» الحديث.

و صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نقط الدم: «يغسله و لا يعيد صلاته، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد الصلاة» «2».

إلى غير ذلك من المستفيضة الدالّة على المنع من الصلاة في ثوب لاقاه، أو على إعادتها إن صلّى مع العلم به، أو غسل الثوب من الدم مطلقا،. أو دم الرعاف كذلك، أو في الصلاة، أو بعض دماء آخر «3».

و أمّا بعض الأخبار «4» المفهم لطهارته في بادئ النظر، فليس بعد التأمّل كذلك، مع أنّه لو كان، فلشذوذه المخرج له عن الحجيّة لا يضرّ.

ثمَّ مقتضى إطلاق الروايتين الأولين، بل خصوص الثانية: نجاسته و لو كان أقلّ من الدرهم أو الحمصة، كما عليها المعظم، و تشملها الإجماعات المنقولة.

خلافا للمنقول عن الإسكافي «5» في الأوّل، و الصدوق «6» في الثاني، للأخبار المجوّزة للصلاة في نحو من ذلك، أو النافية لوجوب غسله.

و هما غير مستلزمتين للطهارة

في المورد، لتحقّق القول بالفصل و إن حكمنا بها لمثلهما في غيره لعدم تحقّقه، كما هو متحقّق فيما عدا العفو في الصلاة، و عدم وجوب الغسل من لوازم النجاسة أو الطهارة في المورد أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 254- 736، الاستبصار 1: 175- 609، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

(2) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

(3) راجع الوسائل 3: أبواب النجاسات ب 42، 43، 44.

(4) الوسائل 1: 265 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 4 و 11 و ج 3: 499 أبواب النجاسات ب 56 ح 1 و غيرها.

(5) نقل عنه في المعتبر 1: 420.

(6) الفقيه 1: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 184

و قد يستدلّ على ردّهما: بمطلقات غسل الدم، أو إعادة الصلاة عنه.

و ليس في محلّه، لعدم وجوب غسل ما دون المقدارين، و كون الأمر بالإعادة قرينة على إرادة ما زاد عليهما.

ثمَّ إنّ المستفاد من الإطلاقات و إن كان نجاسة مطلق الدم من ذي النفس، إلّا أنّه خصّ منه عند أصحابنا الدم المتخلّف في الذبيحة المأكول اللحم، بعد القذف المعتاد، فهو طاهر، و عليه الإجماع محقّقا و محكيّا في كلام جمع، منهم:

الناصريات، و السرائر، و المختلف، و الحدائق «1»، و اللوامع، و غيره «2».

و بضرورة حلّية اللحم الغير المنفك عنه و لو غسل مرات- كما يظهر عند الغسل و الطبخ- و عدم وجوب غسل ما يلاقي هذا اللحم، و عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار، تقيّد الإطلاقات، لا بقوله سبحانه قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ «3»

لأنّ مفهومها مفهوم وصف غير معتبر، و منطوقها عامّ غير مقاوم، مع أنّه لا يفيد أزيد من عدم كون غير الثلاثة ممّا اوحي تحريمه حين نزول الآية، فيمكن الوحي بتحريم غيرها بعده، أو تحريمه بغير الوحي، كما وقع التصريح به في الأخبار، من أنّ من المحرّمات ما حرّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يصلح إلّا لتأسيس الأصل، فلا يحرم ما لا دليل على حرمته. و هو الوجه فيما ورد عنهم من التمسّك بها في حليّة بعض الأشياء.

و ظهر ممّا ذكر: لزوم الاقتصار في التخصيص بما ثبت فيه الإجماع، فينجس ما جذبته الذبيحة بالنفس، أو بقي في جوفه لارتفاع، موضع رأسه، أو استقرّ في العضو المحرّم كالطحال، أو تخلّف في الذبيحة الغير المأكول، و غيرها من غير المسفوحات، كدم الشوكة و العثرة و نحوهما، من غير خلاف يعرف في شي ء منها.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، السرائر 1: 174، المختلف: 59، الحدائق 5: 45.

(2) المفاتيح 1: 66، المسالك 2: 245.

(3) الانعام: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 185

و كما قيّدت إطلاقات النجاسة [1] بما مرّ، كذلك اخرج منها دم غير ذي النفس بالمستفيضة المعتبرة «2» و لو بضميمة الإجماع المركّب، فهو أيضا طاهر، و عليه الإجماع في الخلاف، و الغنية، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و الذكرى «3».

نعم يظهر من تقسيم الشيخ في الخلاف، و الجمل، و المبسوط «4»، و الديلمي، و ابن حمزة «5» النجاسة إلى الدم و غيره، ثمَّ تقسيمه إلى ما تجب إزالته و ما لا تجب، و هو دم البق، و البراغيث، و السمك: اعتقادهم النجاسة.

و منع ظهوره- لجواز تقسيم الشي ء إلى قسمين، كلّ

منهما أعم من وجه من آخر، ثمَّ تقسيم أحدهما إلى أقسام، بعضها خارج عن المقسم- مكابرة، إلّا أنّ ادّعاء الإجماع في الخلاف على طهارة مثل دم البق قبل التقسيم بسطر «6»، يوهنه.

و كيف كان فهم بما مرّ محجوجون

فرع: المصرّح به في كلام جماعة [2]: نجاسة العلقة

، و عليها الإجماع في الخلاف «8»، و يدلّ عليها صدق الدم، و منعه ضعيف، و لذلك ينجس دم البيض أيضا.

و كونه من الفرد النادر بعد الصدق، غير ضائر، لأنّ الندور الوجودي إنّما يفيد الخروج عن المطلق في الأحكام على الوقائع الواقعة. و عدم كونه دما بعد

______________________________

[1] في «ح» النجاسات.

[2] منهم المحقق في المعتبر 1: 422.

______________________________

(2) راجع الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 23.

(3) الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 430، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7، الذكرى: 13.

(4) الخلاف 1: 476، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 170، المبسوط 1: 35.

(5) المراسم: 55، الوسيلة: 76.

(6) الخلاف 1: 476.

(8) الخلاف 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 186

الصدق العرفي، غير مسموع.

و في تنجّس البيضة به، لميعانها، و عدمه، للأصل، و عدم ثبوت تنجّس مثل ذلك بالملاقاة، إشكال. و الاجتناب أحوط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 187

الفصل الخامس: في الكلب و الخنزير

و هما نجسان عينا و لعابا، بل بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة، بالإجماع المحقّق و المنقول [1]، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و منها: الآمرة بغسل الثوب و الجسد بمس الكلب، أو إصابته برطوبة، الصادقتين على مسه و إصابته [2] بشعره «3».

و بغسل اليد بعد ملاقاتها لشعر الخنزير، كالروايات الثلاث للإسكافين «4»، و رواية زرارة «5».

و أمّا صحيحته: عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر، أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: «لا بأس» «6». و موثّقة ابنه. فشعر الخنزير يعمل حبلا، يستقى به من البئر التي يشرب منها، و يتوضأ منها؟ قال: «لا بأس» «7» فلا تنافيها، لاحتمال أن يكون المنفي عنه البأس ماء البئر، بل

هو الظاهر من الثانية، أو يكون نفيه لعدم استلزام الاستقاء للملاقاة.

______________________________

[1] لعل المراد نقل الإجماع على نجاستهما بقول مطلق فقد تكرر نقله في كتب الأصحاب. و أما دعوى الإجماع على نجاستهما بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة فلم نعثر عليها في كلماتهم صريحا.

[2] في «ح»: أو أصابته.

______________________________

(3) الوسائل 3: 414 أبواب النجاسات ب 12.

(4) أ- التهذيب 9: 85- 357، الوسائل 3: 418 أبواب النجاسات ب 13 ح 3.

ب- التهذيب 6: 382- 1130، الوسائل 17: 228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.

ج- الفقيه 3: 220- 1019، التهذيب 9: 85- 356، الوسائل 17: 228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 4.

(5) التهذيب 6: 382- 1129، الوسائل 17: 227 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 1.

(6) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(7) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 188

خلافا للناصريات «1»، و البحار [1] في الأخير [2]، للأخيرتين. و عمومات طهارته من الميتة الشاملة لما كان من نجس العين أيضا. و لأنّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائه ليس من جملته و إن كان متصلا به.

و الأول لا دلالة فيه، كما مرّ، و مع ذلك موافق- لحكاية السيد «4»- لمذهب أبي حنيفة، المشتهر في زمان صدوره، معارض مع الأربعة المذكورة المعتضدة بالشهرة، الظاهرة في الدلالة.

و الثاني- لكونه أعمّ مطلقا- مخصوص بما ذكرنا البتة.

و الثالث مردود- بعد عدم التفرقة في ذلك بين ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه- بعدم

الملازمة بينه و بين الطهارة، لإمكان إثبات النجاسة بغير ما يدلّ على نجاسة الجملة.

ثمَّ المتولّد منهما أو من أحدهما يتبع الاسم، و مع عدم صدق اسم عليه طاهر، للأصل، ككلب الماء و خنزيره، على الأظهر الأشهر، لعدم ثبوت كونه حقيقة إلّا في البريّ، كما في الذخيرة «5»، بل صرّح الفاضل في النهاية، و التحرير، و التذكرة [3] بكونه مجازا في غيره، بل هو الظاهر من الأكثر حيث خصّ التبادر [4] بالبرّي.

______________________________

[1] الموجود في البحار 77: 120، و 63: 55 خلافه. قال في مفتاح الكرامة 1: 139: يظهر من كثير أنّ المخالف إنما هو السيد فقط.

[2] أي في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة.

[3] نهاية الأحكام 1: 272 و الموجود فيها: كلب الماء طاهر لانصراف الإطلاق إلى المتعارف، التحرير 1: 24، التذكرة 1: 8.

[4] في «ه»: المتبادر.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(5) الذخيرة: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 189

و يظهر من المنتهى: الاشتراك اللفظي «1». و الحكم معه الطهارة أيضا، لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه، و عدم الحمل بدون القرينة- على القول بجوازه- عليه.

و مع ذلك في بعض الروايات عليها دلالة، كصحيحة البجلي: عن جلود الخز، فقال: «ليس بها بأس» فقال الرجل: جعلت فداك إنّما هي في بلادي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال: أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من الماء تعيش خارجه؟» فقال الرجل: لا، فقال: «لا بأس» «2».

و رواية ابن أبي يعفور عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب، فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «3».

فخلاف الحلي، و حكمه بنجاسة البحري تبعا للاسم «4»، ضعيف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 166.

(2) الكافي 6: 451 الزي

و التجمل ب 9 ح 3، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.

(4) السرائر 2: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 190

الفصل السادس: في الخمر و الفقاع

أمّا الثاني، و هو ما سمّي عرفا، أو (ما) [1] يؤخذ من ماء الشعير فقط، أو مع غيره، نجس بالإجماع المحقّق، و المحكي عن المبسوط، و الخلاف، و الانتصار، و الغنية «2»، و المنتهى «3»، و التذكرة، و النهاية للفاضل «4»، و غيرها «5»، سواء أسكر، أم لا.

و تدلّ عليه روايتا أبي جميلة «6»، و القلانسي «7»، المنجبرتان بالعمل.

و أمّا الأوّل: فهو أيضا نجس عند السواد الأعظم من الفريقين، و عليها الإجماع عن الخلاف، و المبسوط، و النزهة، و السيد، و الحلي، و ابن زهرة، و الفاضل، و ولده «8»، و غيرهم «9»، بل الخامس نسب إلى المخالف خلاف إجماع المسلمين. و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوهُ «10» فإنّ الاجتناب الامتناع عمّا

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(2) المبسوط 1: 36، الخلاف 2: 484، الانتصار: 197، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) المنتهى 1: 167. قال فيه أجمع علماؤنا على أن حكم الفقاع حكم الخمر فتأمل.

(4) التذكرة 1: 7، نهاية الأحكام 1: 272.

(5) التنقيح 1: 145.

(6) الكافي 6: 423 الأشربة ب 30 ح 7، التهذيب 9: 125- 544، الاستبصار 4: 96- 373، الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 8.

(7) الكافي 6: 422 الأشربة ب 30 ح 3، التهذيب 9: 125- 543، الاستبصار 4: 96- 372، الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 6.

(8) الخلاف 2: 484، المبسوط 1: 36، نزهة الناظر: 18،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، السرائر 1: 178، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 7، الإيضاح 4: 155.

(9) المسالك 1: 17.

(10) المائدة: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 191

يوجب القرب منه مطلقا، و لا معنى للنجس إلّا ذلك.

و حمل الاجتناب المطلق على بعض أفراده تحكّم.

و عدم وجوب الاجتناب عن النجس في جميع الأحوال، أو عن ملاقاة الأنصاب و الأزلام بدليل لا يوجب خروج باقي الأفراد. و إخراج ملاقاة النجس عن الأفراد المتعارفة، مكابرة.

و الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى، الواردة في موارد متعدّدة المتضمّنة للأمر بغسل الثوب منها، أو إعادة الصلاة مع الثوب الذي أصابته، أو غسل إنائها ثلاثا، أو سبعا، أو إهراق حبّ أو قدر فيه لحم و مرق كثير قطرت فيه قطرة منها مع كونها مستهلكة فيه.

و للنهي عن الأكل في آنية أهل الذمة التي يشربون فيها الخمر، و عن الصلاة في ثوب أصابته، معلّلا بأنّها رجس.

و لأنّ ما يبلّ الميل منها ينجّس حبّا من ماء «1»، إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الصدوق «2»، و العماني «3»، و الجعفي «4»، فقالوا:

بطهارتها، و يظهر من جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي «5»، و صاحبي المدارك و الذخيرة، و المحقّق الخوانساري «6»: الميل إليها، لأخبار متكثّرة أيضا، أصرحها دلالة: ما يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي أصابته قبل غسله، و في بعضها:

«إنّ اللّه حرّم شربها، دون لبسها و الصلاة فيها» «7» بترجيح هذه الأخبار بموافقة

______________________________

(1) الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 و 494 ب 51 و 517 ب 72 ح 2.

(2) الفقيه 1: 43.

(3) نقل عنه في المعتبر 1: 422.

(4) نقل عنه في الذكرى: 13.

(5) مجمع الفائدة 1: 312.

(6) المدارك 2: 292، الذخيرة: 153، المشارق: 333.

(7)

الوسائل 3: أبواب النجاسات ب 38 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 192

الأصل و الاستصحاب، و كونها قرينة لحمل الأخبار المتقدّمة على التقيّة، أو الاستحباب.

و فيه- مع عدم صلاحيّة كثير منها للتقيّة، حيث يتضمّن حرمة الجرّي، أو النبيذ، أو نجاسة أهل الكتاب، و لا للحمل على الاستحباب، للأمر بإعادة الصلاة المنفي استحبابها بعد صحّتها بالإجماع-: أنّ الحمل على أحدهما، أو الرجوع إلى الأصل، إنّما يكون فيما لم يكن هناك دليل على علاج آخر، و أمّا معه فكيف يمكن طرحه؟! و العجب من هؤلاء المائلين إلى طهارتها، أنّ رجوعهم إلى أحد هذه الأمور في مقام التعارض لا يكون إلّا بعد اليأس عن العلاجات الواردة في الأخبار العلاجية العامة.

مع أنّ الخبر العلاجي في خصوص اختلاف الأخبار في المقام وارد، و هي:

صحيحة علي بن مهزيار: قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، في الخمر يصيب ثوب الرجل: أنّهما قالا: «لا بأس أن يصلّي فيها، إنّما حرّم شربها». و روى غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا أصاب ثوبك خمر، أو نبيذ،- يعني المسكر- فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كله، و إن صليب فيه فأعد صلاتك» فأعلمني ما آخذ به، فوقّع بخطه عليه السلام: «خذ بقول أبي عبد اللّه عليه السلام» «1».

و ظاهر أنّ المراد قوله منفردا.

و خبر خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث صلوات اللّه عليه:

كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر، و لحم الخنزير،

______________________________

(1) الكافي 3: 407 الصلاة ب 66 ح 14، التهذيب

1: 281- 826، الاستبصار 1: 190- 669، الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 193

أ يصلي فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه، فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لا تصلّ فيه، فكتب عليه السلام: «لا تصلّ فيه فإنّه رجس» «1».

هذا، مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، و انحصر الأمر بالمرجّحات العامّة، لكان الترجيح مع أخبار النجاسة أيضا، لموافقة الكتاب، التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة، و المخالفة لمذهب أكثر العامة- كما هي عن الاستبصار محكيّة [1] و إن كان الظاهر من كلام جماعة [2] خلافه- و لما هو أميل إليه حكام أهل الجوز، و ذوو الشوكة منهم، من طهارة الخمر، حيث إنّ ولوعهم بشربها، و تلوّثهم غالبا (بها) [3] مع نجاستها يورث مهانة لهم في أنظار العوام، و الحكم ببطلان صلاتهم، و صلاة من كان يقتدي بهم، و الإزراء و الاستخفاف بهم، فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية، بخلاف الحرمة حيث كانت ضروريّة من الدين، منسوبا مخالفه إلى الإلحاد، فلم تكن بهذه المثابة.

و اعتضادها بالشهرة القويّة التي كادت أن تبلغ حدّ الإجماع، مع أنّ من المرجّحات المنصوصة التي عمل بها جماعة من الأصحاب: الأخذ بالأخير، و لا ريب أنّ صحيحة ابن مهزيار، و خبر خيران، قد تضمّنا ذلك. فالمسألة بحمد اللّه واضحة غاية الوضوح.

و في حكم الخمر سائر المسكرات المائعة بالأصالة، على المعروف من الأصحاب، و في الخلاف و المعتبر: الإجماع على نجاسته «5»، و في المعالم: لا نعرف

______________________________

[1] الاستبصار 1: 190، قال فيه لأنها موافقة لمذاهب كثيرة من العامة قال في بداية المجتهد 1: 76.

و أكثرهم على نجاسة الخمر و

في ذلك خلاف عن بعض المحدّثين.

[2] منهم صاحبا الحدائق 5: 106، و المشارق: 333.

[3] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 5، التهذيب 2: 358- 1485، الاستبصار 1: 189- 662 (بتفاوت يسير)، الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 4.

(5) الخلاف 2: 484، المعتبر 1: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 194

في ذلك خلافا بين الأصحاب «1»، و الظاهر أنّ مراده من قال بنجاسة الخمر. إلّا أنّه قال في الناصريات، في الشراب المسكر: إنّ كل من قال بأنّه محرّم الشرب ذهب إلى أنّه نجس كالخمر، إلى أن قال: لا خلاف في أنّ نجاسته تابعة لتحريم شربه «2».

و تدلّ عليه- بعد الإجماع المركّب- الأخبار، كصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة، و مرسلة يونس الواردة في النبيذ المسكر «3».

و النبيذ: كل ما يعمل من الأشربة، كما صرّح به الجوهري، و الطريحي «4».

و لو قيل باختصاصه بنوع خاصّ منه- كما استعمل في بعض الأخبار- يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

مع أنّ الآية تعمّ الجميع، بضميمة ما ورد في تفسيره- المنجبر بالعمل بل بإجماع المفسرين- كالمروي في تفسير القمي في بيان قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ .. إلى آخره: «أما الخمر، فكل مسكر من الشراب إذا خمّر فهو خمر» «5».

و يدلّ عليه أيضا تصريح الأخبار: «بأنّ كل مسكر خمر» «6» بالتقريب المتقدّم في الميتة «7»، لا كونه خمرا لوجود علّة التسمية، أو للاستعمال فيه مطلقا، أو بدون القرينة، لضعف الجميع.

و أمّا نفي البأس في بعض الأخبار عن إصابة المسكر و النبيذ الثوب، فغير،

______________________________

(1) المعالم: 239.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181.

(3) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 4، التهذيب 1: 287- 818، الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب

38 ح 3.

(4) مجمع البحرين 3: 189، و لم نعثر عليه في الصحاح.

(5) تفسير القمي 1: 180- بتفاوت يسير- الوسائل 25: 280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 5.

(6) الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرمة ب 15 ح 5.

(7) ص 169- 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 195

دالّ على الطهارة.

و تجويز الصلاة في ثوب أصابه مطلق النبيذ، أو الشرب من حب قطرت فيه قطرة منه، محمول على النبيذ الحلال.

نعم، في قرب الإسناد للحميري: عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله، أو أصلي فيه؟ قال: «صلّ فيه إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر» «1».

و هو مع ضعفه، و موافقته لمذهب أبي حنيفة «2» في المائعات المسكرة، الذي هو المتداول في زمانهم، بل لكلّ العامة في خصوص النبيذ، معارض لما تقدّم، مرجوح منه بما ذكر.

و إنّما خصّصنا بالمائعة بالأصالة، لطهارة غيرها من المائعة عرضا، أو غير المائعة، بالأصل السالم عن المعارض، لأنّ ما يدلّ من الأخبار على النجاسة مخصوص بالنبيذ، الصريح في المائع بالأصالة، و ما ليس بمخصوص غير صالح لإثبات النجاسة، لخلوّه عن دالّ على وجوب الغسل.

نعم، نقل شيخنا البهائي- و تبعه جمع ممّن تأخّر عنه- عن التهذيب موثّقة الساباطي: «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر، أو مسكر، و اغسله إن عرفت موضعه، فإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله، فإن صليت فيه فأعد صلاتك» «3».

و لكني لم أعثر عليها لا في التهذيب، و لا في غيره من كتب الأخبار.

و أمّا الجامد بالعرض فهو نجس، للاستصحاب.

______________________________

(1) قرب الإسناد 163- 595، الوسائل 3: 472 أبواب النجاسات ب 38 ح 14.

(2) راجع بداية المجتهد 1: 33، 471.

(3) الحبل المتين: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1،

ص: 196

الفصل السابع: في الكافر
اشاره

و له أقسام:

القسم الأول: غير الكتابي الذي لم ينتحل الإسلام.

و نجاسته عند الإماميّة إجماعيّة، و حكاية الإجماع على نجاسته بخصوصه من المحقّق «1»، و جماعة [1]، و على نجاسة مطلق الكافر الشامل له من طائفة، منهم: الشيخ، و الناصريات، و الانتصار، و السرائر، و الغنية، و المنتهى، و التذكرة، و النهاية «3» مستفيضة. و هو الحجة عليها، مع فحوى ما يأتي من المستفيضة الدالّة على نجاسة الكتابي، بل منطوقه بضميمة الإجماع المركب.

و الاستدلال «4» عليها بقوله عزّ شأنه إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «5» بالتعدّي إلى غير المشرك، بعدم القول بالتخصيص غير تام، لعدم ثبوت إرادة المعنى الاصطلاحي من لفظ «نجس» في زمن الخطاب. و دعوى تبادره منه فيه غير مسموعة.

و إثباتها، بقرينة تعليل المنع عن دخول المسجد الحرام لعدم صلاحيّة الأعمّ- الذي هو المعنى اللغوي- للعلّية بالإجماع، و مخالفة جعل العلّة مطلق قذارة المشرك للظاهر، كما صرّحوا به في حجية منصوص العلة، كمخالفة جعل المعلول النهي التنزيهي الصالح لمعلوليّة الأعمّ، للإجماع على حرمة دخول المشركين المسجد

______________________________

[1] منهم المجلسي في البحار 77: 44.

______________________________

(1) المعتبر 1: 95.

(3) الخلاف 1: 70، التهذيب 1: 223، الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 10، السرائر 1: 10، الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المنتهى 1: 168، التذكرة 1: 8، نهاية الاحكام 1: 273.

(4) كما استدل عليها في الانتصار و الخلاف و المنتهى و الروض: 163 و غيرها.

(5) التوبة: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 197

الحرام، مستدلّين بهذه الآية، ضعيف جدا، لأنّ عدم صلاحيّة الأعم للعلّيّة يوجب المصير إلى التجوّز، و لكنه لا يعيّن المطلوب، لجواز أن يكون هو حدّا معيّنا من الخباثة الباطنية، كما أنّ المطلوب حدّ معيّن من الظاهرية.

و عدم كونها من المعاني المعهودة للفظ

النجاسة، حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية «1»، مردود. بعدم ثبوت كون المعنى المصطلح أيضا في زمن الخطاب معروفا منه، فيتساويان.

هذا، مع أن تقدير كلمة «ذو» في صحة التوصيف- لكون النجس مصدرا لازما- فاستناد الحكم إلى نجاستهم العرضيّة الحاصلة من عدم التطهّر، و الاغتسال، و شرب الخمر، ممكن.

و كون التقدير خلاف الأصل، و شيوع الإخبار عن الذات بالمصادر للمبالغة، لا يفيد، لأنّه خلاف الأصل أيضا. و غلبته على الحذف غير ثابتة و إن رجّحه ظاهر الحصر في الجملة. مع أنّ المبالغة في النجاسة العرضيّة أيضا ممكنة.

إلّا أن يقال بأن المطلوب مع تفسيره بذي النجاسة أيضا ثابت، لعدم إمكان استناد الحكم إلى العرضيّة إلّا بارتكاب خلاف أصل [1]، لإمكان دخولهم الماء قبل دخول المسجد، فإرادة كونهم ذوي النجاسة العرضيّة دائما خلاف الواقع، فلا بدّ من تقدير: «غالبا» أو «أغلبهم» إلّا أنّه بعد ما ذكرنا من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في زمان الخطاب لا يفيد.

القسم الثاني: الكتابيّون.

و نجاستهم عندنا مشهورة، و الإجماع عليها في عبارات جملة من الأجلّة

______________________________

[1] في «ح»: الأصل.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 198

مذكورة، و هو مذهب الصدوقين «1»، و الشيخين «2» و السيّدين «3» و الحلبيّين [1]، و الفاضلين «5»، و الشهيدين «6»، و الحلي، و الديلمي، و الكركي «7»، و كافّة المتأخّرين «8».

و أمّا قول الشيخ في النهاية: يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، و إن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمَّ يأكل معه «9»، فمحمول على حال الضرورة، أو ما لا يتعدّى. و غسل اليد للتعبد، لوروده في الأخبار، أو زوال الاستقذار الحاصل من النجاسات الخارجية، لتصريحه قبل ذلك بأسطر:

بعدم جواز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها، و أنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم.

و قد ينسب الخلاف إلى العماني «10» و المفيد «11» في الرسالة العزّية أيضا، و هو غير ثابت.

أما الأول: فلأنّ من نسب الخلاف إليه استفاده من تصريحه بطهارة سؤره،

______________________________

[1] الحلبيان في مصطلحهم هما أبو الصلاح و ابن زهرة، و لا يناسب إرادته في المقام، للزوم التكرار، حيث أنه نقله أيضا عن السيدين و هما (المرتضى و ابن زهرة) فيمكن أن يريد بالحلبيين في المقام أبا الصلاح و علاء الدين الحلبي فإن القول موجود في الكافي في الفقه: 131، و في إشارة السبق: 79.

______________________________

(1) الفقيه 1: 8، 10، المعتبر 1: 96- نقله عن ابني بابويه.

(2) المقنعة: 65، المبسوط 1: 14، التهذيب 1: 223.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 10، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(5) المعتبر 1: 96، الشرائع 1: 53، التحرير 1: 24، المنتهى 1: 168، التذكرة 1: 8.

(6) الذكرى: 13، الدروس 1: 124، البيان 31، الروض: 163، الروضة 1: 49.

(7) السرائر 1: 73، المراسم: 209، جامع المقاصد 1: 162.

(8) الحدائق 5: 172، الرياض 1: 85، كشف اللثام 1: 46.

(9) النهاية: 589.

(10) نقل عنه في البحار 77: 44.

(11) نقل عنه في المعتبر 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 199

و لعله- بعد تخصيص السؤر بالماء، كما عليه جملة من الأصحاب «1»- مبني على أصله من عدم انفعال القليل.

و أما الثاني: فلأنّه إنما حكم بالكراهة، و إرادة المعنى اللغوي منها في عرف القدماء شائعة، و هي الملائمة لدعوى الإجماع على النجاسة من تلاميذه «2» مع كونه رئيس الفرقة.

و من ذلك- مع عدم قدح مخالفة الإسكافي «3» لكونه نادرا-

يظهر الإجماع على النجاسة هنا أيضا، فهو الدليل عليها، مضافا إلى المستفيضة، كموثقة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل المتقدمة «4» في غسالة الحمام، و رواية علي المتقدمة في بحث القليل «5» في دليل العماني.

و رواية ابن أبي يعفور: أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب و اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال: «إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» «6».

و لو لا نجاسة القليل بملاقاة المذكورين، للغا التعليل، و ليست هي لاغتسال الجنب و الصبي لأصالة كونهما طاهرين، فتكون للبواقي.

و موثقة الأعرج: عن سؤر اليهودي و النصراني أ يؤكل أو يشرب؟ قال:

«لا» «7».

و تؤيد المطلوب: صحيحتا علي و محمد:

______________________________

(1) كما تقدم في بحث الآسار ص 75.

(2) كما تقدم نقل الإجماع من السيد و الشيخ ص 196 رقم 3.

(3) نقل عنه في كشف اللثام 1: 46.

(4) ص 108.

(5) ص 45.

(6) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7. و تقدمت في ص 34.

(7) الفقيه 3: 219- 1014، الوسائل 24: 210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 200

الاولى: عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ فقال: «إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل» «1».

و الثانية: عن رجل صافح مجوسيا، قال: «يغسل يده و لا يتوضأ» «2».

و المستفيضة الناهية عن الأكل من آنيتهم مطلقا، أو قبل الغسل، و عن طعامهم مطلقا، أو الذي يطبخ، و عن مصافحتهم، و مسهم، و الرقود معه على فراش واحد، و إقعاده على الفراش، و عن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من نصراني حتى

يغسل «3»، و المخصصة لما يحل من طعام أهل الكتاب بالحبوب «4»، و الدالّة على نجاسة النواصب، فإنّ أهل الكتاب في غاية العداوة لنبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عترته، و ربما قالوا في حقهم ما يجب التحرز عن حكايته.

و إنما جعلناها مؤيدة لا أدلة كما فعله الأكثر «5»، لإمكان المناقشة في الجميع.

أما في الأخيرة: فلأنّ المراد بالناصبي ليس معناه الحقيقي، و مجازه يمكن أن يكون طائفة من المسلمين مظهرة لعداوة أهل البيت، و يعاضده جعله في كثير من الأخبار «6» قسيما لليهودي و النصراني.

و أما في ما قبلها: فلعدم دلالة التخصيص على نجاسة غير الحبوب، مع أنه لو دل عليها، للزم التخصيص بما علم ملاقاتهم معه بالرطوبة، و هو تجوّز لا

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 640، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

(2) الكافي 2: 650 العشرة ب 11 ح 12، التهذيب 1: 263- 765، الوسائل 3: 419 أبواب النجاسات ب 14 ح 3.

(3) راجع الوسائل 3: 419 أبواب النجاسات ب 14 و 517 ب 72 و ج 24: 206 أبواب الأطعمة المحرمة ب 52.

(4) راجع الوسائل 24: 203 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51.

(5) منهم صاحب المدارك 1: 298، و الذخيرة: 152، و الحدائق 5: 166.

(6) راجع الوسائل 1: 220 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 و ص 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2 و ج 3:

420 أبواب النجاسات ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 201

ترجيح له على غيره مما يمكن في المقام.

و منه يعلم وجه المناقشة في البواقي غير الأولى أيضا، فإنّها لا تثبت المطلوب إلّا بحمل الآنية، و الطعام، و الفراش، و

الثوب على ما علم ملاقاتهم بالرطوبة معه، و المصافحة على صورة رطوبة اليد، و لا ترجيح لشي ء من ذلك على حمل النهي على الكراهة، سيما مع معارضتها مع مفهوم صحيحة محمد: عن آنية أهل الكتاب، فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة، و الدم، و لحم الخنزير» «1».

و رواية زكريا بن إبراهيم: إني رجل من أهل الكتاب، و إني أسلمت، و بقي أهلي كلهم على النصرانية، و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال لي: «يأكلون لحم الخنزير؟» قلت: لا و لكنّهم يشربون الخمر، فقال (لي) «2»: «كل معهم و اشرب» «3» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في تجويز استعمال أوانيهم، و استعمال ثيابهم، الآتي بعضها.

مضافا إلى التصريح بالكراهة في صحيحة إسماعيل بن جابر: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: «لا تأكله» ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: «لا تأكله» ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: «لا تأكله، و لا تتركه تقول: إنه حرام، و لكن تتركه تنزها عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» «4».

هذا، مع أن الثانية بل كثير من غيرها لا يفيد بنفسه أزيد من الكراهة، للخلوّ عن صريح النهي.

______________________________

(1) الفقيه 3: 219- 1017، التهذيب 9: 88- 371، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6.

(2) لا توجد في «ه».

(3) التهذيب 9: 87- 369، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 5.

(4) الكافي 6: 264 الأطعمة ب 16 ح 9، التهذيب 9: 87- 368، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 202

دليل القائل بالطهارة: الأصل، و قوله عز و جل

وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «1» فإنه شامل لما باشروه بالرطوبة، و الأخبار المتكثرة.

و الأصل بما ذكرنا مندفع.

«و طعامهم» «2»- مع أنّ عمومه لكل طعام غير معلوم، بل قال بعض أهل اللغة: إنه البرّ خاصّة، كما نقله في المجمل «3»، و شمس العلوم، و الصحاح «4»، و القاموس «5»، و في المغرب، أنه غلب علي البرّ خاصّة «6»، و في النهاية الأثيريّة عن الخليل: أنّ الغالب في كلام العرب أن الطعام هو البرّ خاصّة «7»، و في المصباح المنير: و إذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البرّ خاصة «8»، و يؤيده: حديث أبي سعيد المروي في طريق العامة: «كنا نخرج صدقة الفطرة صاعا من طعام، أو صاعا من شعير» «9» الحديث. بالحبوب- لو سلّم عمومه لغة- بالمستفيضة مخصوص:

ففي مرسلة الفقيه عن قول اللّه عزّ و جل وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ قال: «يعني الحبوب» «10».

و في رواية أبي الجارود: عن قول اللّه تعالى وَ طَعامُ الَّذِينَ الآية، فقال: «الحبوب» «11».

______________________________

(1) المائدة: 5.

(2) مبتدأ يأتي خبره بعد أسطر، و هو: بالحبوب .. مخصوص.

(3) المجمل 3: 323.

(4) الصحاح 5: 1974.

(5) القاموس 4: 145.

(6) المغرب 2: 14.

(7) النهاية 3: 127.

(8) المصباح المنير: 373.

(9) صحيح مسلم 2: 678- 17: و فيه: كنّا نخرج زكاة الفطر ..

(10) الفقيه 3: 219- 1012، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 6.

(11) الكافي 6: 264 الأطعمة ب 16 ح 6، الوسائل 24: 204 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 203

و صحيحة قتيبة وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إلى آخره، فقال: «كان أبي يقول: إنما هي الحبوب و أشباهها»

«1».

و قريبة منها موثقتا سماعة «2»، و صحيحة هشام «3».

و على هذا، فذكر طعامهم بعد الطيبات لدفع ما يتوهم من لزوم الاجتناب عنه، لاحتمال ملاقاتهم بما يوجب التنجيس عند التصفية و غيرها، أو من لزوم قطع الوصلة بين الفريقين للمباينة الدينية.

و التخصيص بأهل الكتاب، لعله لكون أهل المدينة منهم، مع أن حلّية طعامهم من حيث إنّه طعامهم لا تنافي نجاسته من حيث مباشرتهم.

و أما الأخبار، فإن أمكن المناقشة في دلالة كثير منها، و قرب التأويل في طائفة اخرى، كأن يقال: إن السؤال عن طعامهم أو مؤاكلتهم أو إخدامهم أو عملهم إنما هو من حيث هي هي، و الحكم بطهارة بعض ما يخرج من أيديهم لعدم العلم بمباشرتهم مع الرطوبة، أو بكونه كافرا، أو نحو ذلك. و لكن الإنصاف ظهور دلالة بعض منها إلّا أنها بمعزل عن الحجية، لترك ناقليها العمل بها، و مخالفتها للشهرة العظيمة بين من تقدم و تأخر، بل للمحقق من الإجماع، كيف لا و نجاستهم بين عوام العامة و الخاصّة و خواصهم معدودة من خواص الخاصّة، و هما من أقوى الأسباب المخرجة للخبر عن الحجية، كما بيّناه في موضعه.

و مع ذلك كله فهي لمذهب العامة موافقة باعتراف جميع الخاصة، حتى أن السيد جعل القول بالنجاسة من منفردات الإمامية «4»، و كانوا بذلك عند المخالفين

______________________________

(1) الكافي 6: 240 الذبائح ب 15 ح 10، التهذيب 9: 64- 270، الاستبصار 4: 81- 303، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 4.

(2) الكافي 6: 263 الأطعمة ب 16 ح 1، 2، التهذيب 9: 88- 375، الوسائل 24: 203، 204 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 1، 2.

(3) التهذيب 9: 88- 374، الوسائل 24: 205

أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 5.

(4) الانتصار: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 204

معروفين مطعونين، و كثرة اختلاط العامة لأهل الكتاب في جميع الأعصار، و شدة عداوتهم لمن يجتنب عنهم بيّنة واضحة، فترجيح أخبار النجاسة بالمخالفة للعامة متعين، و حمل ما يدل على الطهارة على التقية لازم، و بعضه به مشعر:

ففي حسنة الكاهلي- بعد سؤاله عن دعوة المجوسي إلى المؤاكلة. «أما أنا فلا أدعوه و لا أؤاكله، و لأني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» «1» فإن المعنى قطعا: ما تضطرون إلى صنعة.

القسم الثالث: المنتحلون للإسلام.

و لا ريب في نجاسة الناصب منهم، و هو: من أظهر بغض أحد من أهل البيت، للإجماع، و موثقة العلل المتقدمة «2».

و الأئمة كلهم داخلون في أهل البيت، لقول الصادق عليه السلام في الموثقة: «لنا أهل البيت».

و من النواصب: الخوارج، بل هم شر أقسامهم.

و كذا لا ينبغي الريب في نجاسة الغلاة، و هم القائلون بالوهية عليّ أو أحد من الناس، للإجماع.

و المستفاد من كثير من العبارات بل المصرح به في كلام جماعة «3» نجاسة المنكر لما يعلم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة.

و هو مشكل، لأنا و إن قلنا بكفر ذلك، و لكن لا دليل على نجاسة الكافر مطلقا بحيث يشمل المقام.

و شمول الإجماعات المنقولة لمثله غير معلوم، فإن ظاهر بعض كلماتهم أن

______________________________

(1) الكافي 6: 263 الأطعمة ب 16 ح 4، التهذيب 9: 88- 370، الوسائل 3:، 419 أبواب النجاسات ب 14 ح 2 و ج 24: 208 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 2.

(2) ص 108.

(3) منهم العلامة في التحرير 1: 24، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 47، و نقله في مفتاح الكرامة 1: 143.

عن عدة من الفقهاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 205

مرادهم من الكفار بالإطلاق غير فرق الإسلام، ألا ترى الفاضل قال في المنتهى- بعد دعوى الإجماع على نجاسة الكفّار-: حكم الناصب حكم الكفّار، لأنه ينكر ما يعلم من الدين ضرورة «1»، و كذا تشعر بذلك عبارة المعتبر «2» و غيره «3» أيضا.

و مع ذلك يعاضده عدم التبادر، و تبادر الغير.

و يؤكد ذلك أن منهم من حكم بكفر المخالفين لإنكاره الضروري، و مع ذلك قال بطهارتهم، كالفاضل، فإنه صرح في زكاة المنتهى «4» و شرح فصّ الياقوت بأنّ المخالفين لإنكارهم ضروري الدين كفرة، و مع ذلك هم طاهرون عنده.

و لذا قيل في رد استدلال من يقول بنجاسة المخالفين بكفرهم: إنه على تقدير إطلاق الكفر عليهم حقيقة فلا دليل على النجاسة كلية، و إن هو إلّا مصادرة محضة «5».

فالطهارة هنا قوية، للأصل. و القياس على غير المنتحل مردود. و الآية على فرض تماميتها غير نافعة، لعدم تحقق الشرك مطلقا، و عدم ثبوت الإجماع المركب.

و أما المخالفون لنا في الإمامة، فالحقّ المشهور: طهارتهم.

و عن السيد «6» القول بالنجاسة مطلقا.

و عن الحلّي في غير المستضعفين منهم «7»، و اختاره بعض مشايخ والدي «8»

______________________________

(1) المنتهى 1: 168.

(2) المعتبر 1: 98.

(3) مجمع الفائدة 1: 283.

(4) المنتهى 1: 522.

(5) الرياض 1: 85.

(6) الانتصار: 82.

(7) السرائر 1: 84.

(8) الحدائق 5: 177، 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 206

- طاب ثراهما- و أصرّ عليه.

لنا: الأصل السالم عن المعارض، مضافا إلى شدّة مخالطة الأئمة صلوات اللّه عليهم و أصحابهم طرا معهم، و مباشرتهم و ملاقاتهم إياهم مع الرطوبة، و المؤاكلة معهم في ظرف واحد من المائعات، و نكاح نسائهم، و غير ذلك مما لا

يمكن حمل جميعها على التقية، مع أن الحمل عليها بلا دلالة باطل.

دليل القائل بالنجاسة: أنهم كفرة و نصّاب، و كل أولئك أنجاس.

أما الأول: فلإنكارهم ما علم من الدين ضرورة، و لتواتر الأخبار معنى به، و لذا صرح جماعة بكفرهم، كابن نوبخت مسندا له إلى جمهور أصحابنا، و الشيخ في التهذيب، و السيد، و الحلي «1»، و الفاضل في بعض كتبه «2»، و هو الظاهر من المفيد و القاضي «3».

و أما الثاني: فلرواية عبد اللّه بن سنان: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد، و لكن الناصب لكم، و هو يعلم أنكم تتولّونا، و أنكم من شيعتنا» «4».

و قريب منها خبر المعلى المروي في معاني الأخبار «5».

و مكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام، المروية في مستطرفات السرائر: كتبت إليه أسأله عن الناصب، هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب:

«من كان على هذا فهو ناصب» «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 335، الانتصار: 82، السرائر 1: 356.

(2) المنتهى 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    207     القسم الثالث: المنتحلون للإسلام. ..... ص : 204

(3) المقنعة: 85، المهذب 1: 54، 56.

(4) ثواب الأعمال: 248.

(5) معاني الأخبار: 365.

(6) مستطرفات السرائر: 68- 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 207

و يردّ الأول أولا: بمنع كفرهم، و إنكار الضروري إنما يوجبه لو وصل عند المنكر حد الضرورة، و أنكره إنكارا لصاحب الدين، أو عنادا أو استخفافا أو تشهّيا، و كون جميع المخالفين كذلك ممنوع، و الأخبار بمثلها معارضة:

ففي رواية سفيان بن السمط: «الإسلام هو الظاهر

الذي عليه الناس:

شهادة أن لا إله إلا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان. فهذا الإسلام.

و قال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا» «1».

و أصرح من الجميع: ما رواه في الكافي في باب ارتداد الصحابة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام و فيها: «فأما من لم يصنع ذلك و دخل فيما دخل فيه الناس على غير علم و لا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام، فإن ذلك لا يكفره، و لا يخرجه عن الإسلام» «2» الحديث.

و ثانيا: بعدم دليل على نجاسة مطلق الكافر سوى الإجماع المنتفي هنا قطعا.

و الثاني: بأنّ مناط نجاسة الناصب الإجماع الظاهر انتفاؤه في المقام، و الأخبار المقيّدة بقوله: «لنا أهل البيت» و لم يعلم ذلك من جميع المخالفين، و كونهم نصّابا بمعنى آخر غير مقيد.

و مما ذكرنا ظهر أن الحقّ طهارة المجبّرة و المجسّمة أيضا، وفاقا للأكثر «3»، و خلافا للمحكي عن الشيخ في الأول «4»، و عنه و عن جماعة منهم المنتهى،

______________________________

(1) الكافي 2: 24 الايمان و الكفر ب 14 ح 4.

(2) الكافي 8: 295- 454.

(3) المعتبر 1: 97، 98، التذكرة 1: 8.

(4) المبسوط 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 208

و التحرير، و القواعد، و الدروس، و البيان «1» في المجسمة الحقيقية، و عن الثانيين «2» في الثاني. و قد يستدل لهم بما ضعفه ظاهر.

فروع:

أ: لو ألجأت ضرورة التقية إلى ملاقاة أهل النجاسة بالرطوبة، و فعل المشروط بانتفائها جاز، كما أوجبته شريعة التقية، و بعد

زوالها يجب التطهير «3» لمشروطه ما لم يلزمه الحرج، للأمر المطلق بالغسل الموجب له مطلقا.

و عدم وجوبه حال التقية لا يرفعه بعد رفعها، فإن الثابت عدم وجوب الغسل حال التقية، لا عدم وجوب غسل ما لاقى حال التقية. و عدم ورود مثل الأمر في جميع النجاسات بعدم عدم الفصل بينها، غير ضائر. و استصحاب العفو غير نافع، لأن الثابت هو العفو المقيد بحال العذر.

ب: ما لا تحله الحياة من الكافر نجس على المشهور. و نسب الخلاف فيه إلى السيد، و كلامه في الناصريات «4» بالكلبين مخصوص. و في البحار صرح بطهارته من كل نجس العين «5»، و يظهر من المعالم الميل إلى طهارته من الكافر «6»، و استحسنه في المدارك «7».

و هو في موقعه، لعدم الدليل على النجاسة. و الحكم بنجاسة المشرك أو اليهودي أو النصراني لا يدل على نجاسة كل جزء منه.

ج: ظاهر الأكثر تبعية ولد الكافر لهما «8»، لأنه متفرع من نجسين فله

______________________________

(1) المنتهى 1: 168، التحرير 1: 24، القواعد 1: 7، الدروس 1: 124، البيان: 91.

(2) الشهيد الثاني في الروض: 163، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 164.

(3) في «ه»: التطهر.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(5) الموجود في البحار 77: 120، و 63: 55 خلافه، كما مرّ في ص 188 رقم (2).

(6) المعالم: 261.

(7) المدارك: 2: 276.

(8) كما في التذكرة 1: 8، الذكرى: 14، الحدائق 5: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 209

حكمهما، كالمتولد من الكلب و الخنزير، و لتبعيته لهما في الكفر كما يظهر من الأخبار.

و يظهر من نهاية الإحكام وجود الخلاف فيه «1». و ظاهر المدارك و المعالم التوقف «2»، للأصل، و منع تبعية المتفرع من الحيوان عليه مطلقا،

و إنما هو من جهة صدق الاسم المنتفي هنا قطعا قبل البلوغ، و مع تسليم الصدق فلانحصار دليل نجاسة الكافر على الإجماع الغير المتحقق في المقام لا يفيد. و منه يظهر ضعف دليل التبعية أيضا.

أقول: لو سلّم عدم صدق الكافر، فلا ينبغي الريب في أن الظاهر من العرف إطلاق اليهودي و النصراني و الناصبي على أطفالهم، سيما إذا كانوا مميزين مظهرين لملة آبائهم تابعين لهم، سيما الأخير إذا علم منه النصب و العداوة، فتثبت نجاستهم- سيما المميّزين- بإطلاقات نجاسة الثلاثة مسراة بعدم الفصل إلى غير المميزين و إلى أطفال سائر الكفار.

نعم يشكل الحكم فيما لو كانوا مميزين، و أظهروا عن دين آبائهم التبري، و تلقّوا الإسلام و ولاء أهل البيت. و الظاهر حينئذ طهارتهم، لانتفاء الصدق عرفا، و عدم ثبوت الإجماع المركب.

ثمَّ لو سبى النجس من أطفالهم مسلم، فهل يطهر بالتبعية؟

المحكي عن الأكثر: نعم «3»، لأن نجاسته إما للإجماع عليها، أو على نجاسة مطلق الكافر الذي هذا منه، و كلا الإجماعين في المورد منتفيان، و استصحاب النجاسة ضعيف، إذ لم يثبت أمر زائد على النجاسة المقيدة بقبل السبي.

أقول: مع التميز و التبري عن ملة آبائهم لا إشكال ظاهرا في الطهارة، كما

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 274.

(2) المدارك 2: 298، المعالم: 259، 260.

(3) قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح- مخطوط- ان ظاهر الأصحاب لحوق الطفل المسبي منفردا بالسابي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 210

لا إشكال في النجاسة كذلك مع إظهار ملتهم، و الإشكال إنما هو مع انتفاء أحد الأمرين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 211

الفصل الثامن: في نبذ مما اختلفوا في نجاسته
اشاره

و هي أمور:

منها: المذي

، و قد مر.

و منها: الأرنب، و الثعلب، و الفأرة، و الوزغة

. و الحقّ المشهور: طهارة الجميع، للأصل.

و صحيحة البقباق: عن فضل الهرة، و الشاة، و البقرة، و الإبل، و الحمار، و البغال، و الوحش، و السباع، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه، فقال: «لا بأس» حتى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس» «1».

مضافا في الثاني إلى المستفيضة الدالة على قبوله التذكية، و طهر جلده بها «2».

و في الثالث إلى صحيحتي الأعرج «3» و إسحاق بن عمار «4»، و رواية الغنوي «5» و غيرها.

و في الرابع إلى صحيحة علي: عن العظاية، و الحية، و الوزغ يقع في الماء فلا يموت يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا بأس» و عن فأرة وقعت في حب دهن

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الآسار ب 1 ح 4.

(2) الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(3) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 4، التهذيب 9: 86- 362.

(4) الفقيه 1: 14- 28، التهذيب 1: 419- 1323، الاستبصار 1: 26- 65، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 1: 238- 690، الاستبصار 1: 41- 113، الوسائل 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 212

فأخرجت منه قبل أن تموت، أ يبيعه من مسلم؟ قال: «نعم و يدهن منه» «1».

خلافا للمحكي عن الشيخ في موضع من المبسوط «2»، و موضع من النهاية «3» في الجميع، و عن الحلبيين «4» مدّعيا أحدهما الإجماع في الأولين، و عن الصدوق «5»، و المفيد، و الديلمي «6» في الأخيرين، و عن والد الصدوق «7» في الأخير، و عن القاضي «8» في غيره.

كل ذلك لبعض الأخبار «9»

القاصر عن إفادة النجاسة، إما لكون الحكم فيه بلفظ الإخبار الغير المثبت للزائد عن الرجحان، أو لعدم ثبوت الملازمة بين ما حكم به و بين النجاسة.

نعم، في صحيح علي: عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثوب أ يصلى فيه؟ قال: «اغسل ما رأيت من أثرها» «10».

و حملها على الاستحباب بقرينة المذكورات متعين.

و منها: العصير العنبي

كما في كلام جماعة «11»، أو بدون القيد كما في كلام

______________________________

(1) التهذيب 1: 419- 1326، الاستبصار 1: 24- 61، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.

(2) المبسوط 1: 37.

(3) النهاية: 52.

(4) الكافي في الفقه: 131، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(5) الفقيه 1: 8، المقنع: 5.

(6) المقنعة: 70، المراسم 56.

(7) نقله عنه في المختلف: 57.

(8) يستفاد من المهذب 1: 51، 53 خلافه و هو القول بنجاسة الثعلب و الأرنب و الوزغ و طهارة الفأرة.

(9) راجع الوسائل 1: 187 أبواب الماء المطلق ب 19 و ج 3: الباب 34- 36 من أبواب النجاسات.

(10) التهذيب 1: 261- 761، الوسائل 3: 460 أبواب النجاسات ب 33 ح 2.

(11) كما في الروض: 164، و الرياض 1: 86، و الحدائق 5: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 213

الأكثر «1»، و اختلفوا في نجاسته و طهارته.

و الأول: مختار الفاضلين «2» في أكثر كتبهما، و عن الشهيد في الرسالة «3» و ابن حمزة «4» إن كان الغليان بنفسه، و عليه دعوى شهرة المتأخرين خاصة في المدارك «5» و أشربة المسالك «6»، و مطلقا في طهارته «7»، و عن المختلف «8».

و إرادة المقيد من الأول بقرينة ما ذكره في الأشربة متعينة، و دلالة كلام الثاني على الشهرة في العصير محل نظر.

و عن الكنز «9» دعوى الإجماع عليها،

و نسب إلى ظاهر الكليني و الصدوقين «10» أيضا، و ليس كذلك.

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 424، و الشرائع 1: 52، و العلامة في التذكرة 1: 7، و المختلف:

58، و القواعد 1: 7.

(2) راجع رقم 1.

(3) حكى عنه في المدارك 2: 293.

(4) الوسيلة: 365. (الجوامع الفقهية): 733.

(5) المدارك 2: 292.

(6) المسالك 2: 244.

(7) يعني: ادّعى في طهارة المسالك الشهرة المطلقة. و لكن الموجود في المسالك 1: 17 دعوى شهرة المتأخرين أيضا كما في الأشربة منه.

(8) المختلف: 58.

(9) كنز العرفان 1: 53.

(10) نسبه إليهم المحقق البهبهاني (ره)، في حاشية المدارك (مخطوط): 84 في التعليق على قوله «و لا نعلم مأخذه» قال (ره): و لعل المأخذ هو الأخبار التي رواها في الكافي في باب أصل تحريم الخمر و بدوه، و رواه الصدوق في العلل أيضا، إذ يظهر من تلك الاخبار ان العصير بمجرد الغليان يدخل في حد الخمر، و الصدوق في الفقيه في باب حد الخمر قال: قال أبي في رسالته إليّ: اعلم أن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو على من غير أن تمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر فلا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه. ثمَّ أتى بعبارات أخر صريحة بأن مراده الخمر المعهود الحقيقي ثمَّ قال: و لها خمسة أسامي: العصير من الكرم .. إلخ- و الظاهر من الصدوق أيضا ذلك في الفقيه و العلل معا و هو الظاهر أيضا من الكليني فلاحظ الكافي و تأمل. و هو الظاهر من البخاري من العامة في صحيحة فلاحظ ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 214

و الثاني: مذهب العماني «1» و أكثر الثالثة كالشهيد الثاني في حواشي القواعد، و الأردبيلي «2»، و صاحبي

المدارك و المعالم «3»، و كفاية الأحكام، و الذخيرة «4» و عن النافع، و الدروس، و التبصرة «5»، بل صرح في الذكرى «6» بعدم الوقوف على قول بالنجاسة لغير الفاضلين و ابن حمزة.

و عن الفاضل في النهاية «7» التوقف في الحكم، و هو ظاهر الذكرى، و البيان، و المسالك، و الكركي «8».

و الذي يظهر لي: أنّ المشهور بين الطبقة الثالثة: الطهارة، و بين الثانية:

النجاسة، و أما الأولى فالمصرّح منهم بالنجاسة أمّا قليل أو معدوم.

نعم ذكر الحلي في بحث المياه في رفع استبعاد تطهر الماءين النجسين المتفرقين بعد جمعهما إذا بلغا كرا: ألا ترى أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال طاهر، فإذا حدثت الشدة حرمت العين و نجست، و العين التي هي جواهر على ما كانت عليه، و إنما حدث معنى لم يكن كذلك، و كذلك إذا انقلب خلّا زالت الشدة عن العين و طهرت و هي على ما كانت عليه «9».

و أما في بحث النجاسات فمع ذكره الخمر «10»، و إلحاقه الفقاع بها لم يذكر

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 58.

(2) مجمع الفائدة 1: 312.

(3) المدارك 2: 293، المعالم: 242.

(4) الكفاية: 12، الذخيرة: 155.

(5) المختصر النافع: 18، الدروس 1: 124، التبصرة: 17 لا يخفى أن وجه نسبة القول بالطهارة إلى هؤلاء المذكورين إنهم لم يذكروا العصير في النجاسات.

(6) الذكرى: 13.

(7) نسب في الذكرى إلى نهاية العلّامة التوقف في الحكم و لكن الموجود فيه 1: 272، القول بنجاسته صريحا.

(8) الذكرى: 13، البيان: 91 المسالك 1: 17، جامع المقاصد 1: 162.

(9) السرائر 1: 66.

(10) السرائر 1: 179- 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 215

العصير أصلا.

و الذي أراه أنّ مراده بشدته ليس غلظته و ثخانته، بل المراد

هو القوة الحاصلة للمسكر، فيكون المراد منه الخمر، و لذا لم يذكر الغليان، و لا قبل ذهاب الثلاثين، و رتّب زوال الشدة على الانقلاب خلّا.

و يؤيده: أنه في مقام ذكر الأمثلة التي يتغير حكم الطهارة و النجاسة فيها بالتغير المعنوي، فمثّل بالإيمان و الكفر، و الموت و الحياة، و لو أريد بالشدة الثخانة لم تكن الجواهر على ما كانت عليه، مع أنه لم يفسّر الشدة من اللغويين أحد بالثخانة، و فسّروها بالقوة، و الحملة، و الصلابة، و غيرها.

و يؤيده أيضا، رواية عمر بن حنظلة: «ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره» «1» و فسّرت العادية بالشدة.

و لو لا أن غيره من المتأخرين الذين ذكروا العصير ذكروه بعد الخمر أو فسّروا الاشتداد بالثخانة «2»، لقلت: إنّ مراد جميعهم ما ذكرنا، و يختلج ببالي أن يكون جماعة من القدماء عبّروا عن الخمر بمثل ذلك، و لأجله وقع في العصير الخلاف.

و كيف كان، فالحق هو الطهارة، للأصول السالمة جدا عن المعارض، المعتضدة بأنّ العصير المتكرر ذكره في النصوص «3»، و استفاضتها على حرمته، و عموم الحاجة إليه- حيث ليس بلد و لا قرية إلّا و يعملونه و يباشرونه و يحتاجون إليه- لو كان نجسا، لكان في الأخبار من نجاسته عين أو أثر، مع تكرر سؤال أصحابهم عن أحكامهم، و عدم محذور و لا تقية فيه.

و أما إطلاق الخمر عليه، فلا يدلّ بعد تسليمه على نجاسته، و لو جاز

______________________________

(1) الكافي 6: 410 الأشربة ب 21 ح 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1.

(2) كما في المسالك 2: 244، جامع المقاصد 1: 162، المدارك

2: 292.

(3) راجع الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 216

الاكتفاء في بيان أحكامه بذلك، لكان في الحرمة أولى، لأن حرمة الخمر من أحكامها الضرورية بخلاف نجاستها.

احتجّ القائل بالنجاسة: بالإجماع المنقول عن الكنز «1».

و بكونه خمرا، لحملها عليه في الأخبار.

كما في موثقة ابن عمار: الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج «2» و يقول:

قد طبخ على الثلث، و أنا أعرفه أنه يشربه على النصف، فقال: «خمر لا تشربه» «3».

و في حسنة عبد الرحمن: «الخمر من خمسة: العصير من الكرم ..» «4».

و في الرضوي: «أصل الخمر من الكرم، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر» «5».

و بالنهي عن بيعه، كما في رواية أبي كهمس: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدّنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال: «لا بأس، و إن غلى فلا يحل بيعه» «6».

و بنفي الخير مطلقا- و منه الطهارة- عنه كما في روايتي محمد بن الهيثم و أبي بصير:

الاولى: عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه،

______________________________

(1) كنز العرفان 1: 53.

(2) البختج: العصير المطبوخ- النهاية الأثيرية 1: 101.

(3) الكافي 6: 421 الأشربة ب 28 ح 7، التهذيب 9: 122- 526، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.

(4) الكافي 6: 392 الأشربة ب 12 ح 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 280، المستدرك 17: 39 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 5.

(6) الكافي 5: 232 المعيشة ب 107 ح 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 217

قال: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و الثانية: «إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» «2».

و جوابنا عن الأول: بمنع حجية الإجماع المنقول، سيما مع معارضته بما مر من الذكرى «3».

و عن الثاني: أنّ حمل الخمر يدل على كونه خمرا لو لم يثبت لها معنى آخر، حيث إنّ مقتضى أصالة الحقيقة في الحمل و المحمول حينئذ: كونه خمرا حقيقيا.

و لكن إذ ثبت له معنى آخر فتعارض تلك الأصالة أصالة عدم النقل و عدم وضع آخر، فلا يعلم كونه خمرا.

و قد ثبت بحكم التبادر كونها حقيقة في المسكر من مطلق العصير أو العنبي، و اتّفقت عليه كلمات الفقهاء الذين ذكروا العصير بعد الخمر، و قالوا:

و يلحق بها العصير. و قد صرح به أهل اللغة أيضا «4»، بل هو المستفاد من المستفيضة المصرحة بأنه «لم يحرم الخمر لاسمها و لكن لعاقبتها، فما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» أو «ما فعل فعل الخمر فهو خمر» «5» و بأن «الخمر سميت خمرا لاختمارها العقل» «6».

و على هذا فالمعنى: أن حكمه حكم الخمر، أو هو خمر مجازي، أو مجازا، و لا يثبت بذلك جميع أحكامها له، لشيوع الحرمة فيها جدا فينصرف إليها. و لو

______________________________

(1) الكافي 6: 419 الأشربة ب 27 ح 2، التهذيب 9: 120- 517، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 7.

(2) الكافي 6: 420 الأشربة ب 28 ح 1، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 6.

(3) الذكرى: 13.

(4) القاموس 2: 23.

(5) راجع الوسائل

25: 342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19.

(6) ظاهر العبارة يعطي أن الجملة المذكورة وردت في حديث و لكن لم نعثر عليه، نعم هي موجودة في كلمات اللغويين. راجع الصحاح 2: 649.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 218

قطع النظر عن الشيوع أيضا فانصراف الشركة المبهمة إلى جميع الأحكام عندنا غير ثابت.

هذا، مضافا إلى ما في الرواية الاولى من العلة، حيث إنها مذكورة بهذا السند و المتن في الكافي و التهذيب، و الأول خال عن لفظ «خمر» و لذا لم يذكره صاحبا الوافي و الوسائل.

و في الثانية من عدم الدلالة، لجواز أن يكون العصير بدلا من خمسة، و يكون الخمر من العصير الحاصل من الكرم، و النقيع الحاصل من الزبيب إلى آخره، و لو كان بدلا من الخمر أيضا، لدلّ على أنّ العصير يطلق على الخمر التي من الكرم، لا أن الخمر يطلق على العصير.

و في الثالثة من الضعف الخالي عن الجابر.

و عن الثالث- بعد منع ثبوت النجاسة بعدم حلية البيع، و لذا لا يحل بيع أشياء كثيرة طاهرة-: أنه بأقوى منه معارض، كصحيحة رفاعة: عن بيع العصير ممن يخمره، فقال: «حلال» «1».

و رواية البزنطي: عن بيع العصير فيصير خمرا، إلى أن قال: «و أما إذا كان عصيرا فلا يباع إلّا بالنقد» «2».

و هاتان الروايتان و إن كانتا أعمّين من جهة الغليان، و لكن رواية أبي كهمس أيضا عامة من جهة السكر، و لو لا ترجيحهما بالصحة، فالمرجع أصل الحلية.

و عن الرابع- مضافا إلى الاختصاص بما غلى بالنار-: بمنع كون الطهارة أيضا من أفراد الخير، مع أن المتبادر من نفيه فيها نفي الحلية، كما يشعر به قوله:

______________________________

(1) التهذيب 7: 136- 603، الاستبصار 3: 105- 370، الوسائل

17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.

(2) الكافي 5: 230 المعيشة ب 107 ح 1، التهذيب 7: 138- 611، الوسائل 17: 229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 219

«فيشربه» و قوله: «فهو حلال».

و منها: ولد الزنا.

و الأظهر الأشهر: طهارته، للأصل.

و عن الصدوق «1» و السيد «2» و الحلّي «3» نجاسته. و في المعتبر عن بعض الأصحاب الإجماع عليها «4»، لروايتي حمزة بن أحمد و ابن أبي يعفور المتقدمتين «5» في غسالة الحمام، و المرويات في عقاب الأعمال و ثواب الأعمال، و المحاسن، و العلل.

[الأوليان ] «6»: «إنّ نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير، و لم يحمل فيها ولد الزنا» «7».

و الثالثة: «لا خير في ولد الزنا، و لا في بشره، و لا في شعره، و لا في لحمه، و لا في دمه، و لا في شي ء منه» «8».

و الرابعة و فيها مخاطبا له يوم القيامة: «و أنت رجس، و لن يدخل الجنة إلّا طاهر» «9».

______________________________

(1) الفقيه 1: 8، الهداية: 14.

(2) الانتصار: 273.

(3) السرائر 1: 357، قال: ولد الزنا قد ثبت كفره. و هو بضميمة حكمه بنجاسة الكافر يصحح النسبة.

(4) المعتبر 1: 98.

(5) ص 108.

(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة ليحصل الانسجام مع قوله: «و الثالثة و الرابعة» و قوله بعد سطور في مقام الجواب: «و عن الروايات الأربع» مشيرا الى هذه الروايات. و لكن لا يخفى أنه يظهر من هذه العبارة أن الرواية: «أن نوحا ..» مروية في كتابين هما ثواب الاعمال و عقاب الاعمال، و عليه تكون الثالثة إشارة إلى رواية المحاسن- كما هي موجودة فيها- و هذا خلاف الواقع فإن الرواية الأولى مروية

في عقاب الاعمال فقط، فعليه ينبغي تبديل الأوليين بالأولى و الثالثة بالثانية و الرابعة بالثالثة.

(7) عقاب الاعمال: 252.

(8) المحاسن: 108.

(9) العلل: 564.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 220

و مرسلة الوشاء: «كره سؤر ولد الزنا، و اليهودي، و النصراني، و كل ما خالف الإسلام» «1». فإن المراد بالكراهة فيها الحرمة، بقرينة البواقي لئلّا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز.

مع أن سياقها يدلّ على مخالفته الإسلام، فيكون كافرا، كما تدلّ عليه أيضا استفاضة الأخبار «بأنّه لا يدخل الجنة إلّا من طابت ولادته» «2» و «بأنّ ديته كدية اليهودي و النصاري» «3» و هذا وجه آخر لنجاسته.

و يجاب عن الروايتين: بأنهما تنفيان الطهورية دون الطهارة، و لا تلازم بينهما كما مرّ.

و الطهارة المنفية في ثانيتهما غير ما يوجب انتفاؤه النجاسة قطعا، لنفيها عن سبعة آبائه.

و عن الروايات الأربع «4»: بعدم الدلالة، لأن حمل الكلبين دونه لمطلوبية بقاء نوعهما دون نوعه، لا لكونه أنجس منهما.

و نفي الخير لا يثبت النجاسة.

و ثبوت الرجسية أو نفي الطهارة عنه يوم القيامة لا يدلّ عليه في الدنيا، مع أن كون الرجس و الطهارة بالمعنى المفيد هنا لغة غير ثابت.

و عن المرسلة: بأن الكراهة غير الحرمة، و ذكر البواقي لا يثبت إرادتها، لجواز إرادة القدر المشترك الذي هو معناها اللغوي. و دلالة سياقها على كفره ممنوعة.

و عدم دخوله الجنة- لو سلّم و خلا ما يدلّ عليه عن المعارض- لا يستلزم

______________________________

(1) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 6، التهذيب 1: 223- 639، الاستبصار 1: 18- 37، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2.

(2) راجع البحار 5: 285- 287.

(3) راجع الوسائل 29: 222 أبواب ديات النفس ب 15.

(4) يظهر بملاحظة ما

ذكرناه في التعليقة رقم 6 ص 219 أنه ينبغي تبديل الأربع بالثلاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 221

الكفر، إذ غايته عدم الإيمان، و قد أثبت بعضهم له الواسطة. كما لا يستلزمه كون ديته كدية الكافر لو سلّم، مع أنّ نجاسة كل كافر ممنوعة كما مر.

و منها: عرق الجنب من الحرام.

فالمفيد في رسالته إلى ولده صريحا كما نقل عنه في السرائر [1]، و في المقنعة [2] ظاهرا، و الشيخ في المبسوط «3» كما في الذكرى، و الديلمي، و الحلي «4»، و الفاضلان «5»، و الشهيدان [3]، و عامة المتأخرين «7» إلى طهارته، و عليه الإجماع في السرائر «8»، و في المختلف و الذكرى و كفاية الأحكام «9» أنه المشهور.

و هو الحق، للأصل، و عموم حسنة أبي أسامة «10» و رواية أبي بصير «11»

______________________________

[1] السرائر 1: 181، الموجود فيه هكذا: و شيخنا المفيد رجع عمّا ذكره في مقنعته و في رسالته الى ولده ..

و الظاهر أن الواو في قوله: و في رسالته من زيادة النساخ و يشهد عليه التأمل في مجموع كلامه الذي سيتعرض له المصنف ص 224.

[2] المقنعة: 71 و فيها: و لا بأس بعرق الحائض و الجنب و لا يجب غسل الثوب منه إلا أن تكون الجنابة من حرام فيغسل ما أصاب من عرق صاحبها من جسد و ثوب و يعمل في الطهارة بالاحتياط.

فتأمّل، و لاحظ ما يشير اليه المصنف ص 224.

[3] الذكرى: 14، البيان: 91، و الشهيد الثاني و إن لم يصرح بطهارته فيما عثرنا عليه من كتبه، الا أنه يمكن استظهار ذلك من شروحه على الشرائع و الإرشاد و اللمعة بملاحظة عدم الإشارة فيها الى نجاسته تبعا للمتون.

______________________________

(3) المبسوط 1: 91.

(4) الذكرى: 14، المراسم: 56، السرائر

1: 181.

(5) المحقق في المختصر النافع: 18، و الشرائع 1: 53، و العلامة في المختلف: 57، و المنتهى 1:

170.

(7) كما في الإيضاح 1: 29، و التنقيح 1: 146، و كشف اللثام 1: 50.

(8) السرائر 1: 181.

(9) المختلف: 57، الذكرى: 14، الكفاية: 12.

(10) الكافي 3: 52 الطهارة ب 34 ح 1، التهذيب 1: 268- 786، الاستبصار 1: 184- 644، الوسائل 3: 444 أبواب النجاسات ب 27 ح 1.

(11) التهذيب 1: 269- 791، الاستبصار 1: 185- 647، الوسائل 3: 446 أبواب النجاسات ب 27 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 222

و غيرها.

و عن الصدوقين «1»، و الشيخ في غير المبسوط «2»، و الإسكافي «3»، و القاضي «4»: نجاسته. بل عدّها أحد الأولين في أماليه من دين الإمامية «5»، و ادّعى عليها في الخلاف إجماع الفرقة «6».

و أسندها الديلمي و ابن زهرة «7» إلى أصحابنا مع فتوى الأول بالطهارة، و تردّد الثاني ظاهرا في المسألة.

و اختارها من متأخري المتأخرين والدي العلّامة، و بعض مشايخنا رحمهم اللّه «8».

و اشتهر نسبتها إلى المقنعة، و هي غير جيدة، لتصريحه بأنّ غسله بالاحتياط.

و استدلّ عليها بالإجماع المنقول عن الخلاف «9» صريحا، و عن ابن زهرة و الديلمي «10» ظاهرا.

و فيه- مضافا إلى عدم حجيته- أنه معارض بمثله عن الحلّي «11»، و بدعوى الشهرة على خلافه من الفاضل و الشهيد «12»، مع أنّ فتوى الديلمي عقيب كلامه

______________________________

(1) الفقيه 1: 40، و في المقنع: 14 نقله عن والده.

(2) النهاية: 53، التهذيب 1: 271.

(3) نقل عنه في المعالم: 270.

(4) شرح جمل العلم و العمل: 56، المهذب 1: 51.

(5) أمالي الصدوق: 516.

(6) الخلاف 1: 483.

(7) المراسم: 56، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(8) كما في الرياض

1: 86.

(9) الخلاف 1: 483.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المراسم: 56.

(11) السرائر 1: 181.

(12) المختلف: 57، الذكرى: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 223

بالطهارة صريحة في أنه لم يرد الإجماع من قوله، و هو يوهن إرادته في كلام ابن زهرة أيضا، لاتّحاد مؤدّاهما مضافا إلى تردّده أيضا.

و بصحيحة محمد الحلبي «1» و رواية أبي بصير «2».

و عدم دلالتهما في غاية الظهور.

و بروايتي علي بن الحكم و محمد بن علي بن جعفر:

الاولى: «لا يغتسل من غسالة الحمام، فإنه يغتسل فيه من الزنا» «3».

و الثانية: إنّ أهل المدينة يقولون إنّ فيه- أي في ماء الحمام- شفاء العين، فقال: «كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام» «4» الحديث.

و فيهما- مع خلوّهما عن ذكر العرق- عدم الملازمة بين عدم جواز الاغتسال و انتفاء الشفاء و النجاسة، مضافا إلى أنّ أولادهما خالية عما تحقق كونه نهيا.

و بالرضوي: «إن عرقت في ثوبك و أنت جنب، و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه، و إن كانت حراما لا تجوز الصلاة فيه حتى يغتسل «5»» «6».

و المروي في الذكرى، عن الكفرثوثي، عن أبي الحسن: عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه؟ فقال: «إن كان من حلال فصلّ فيه، و إن كان من حرام فلا تصل فيه» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 40- 155، التهذيب 1: 271- 799، الاستبصار 1: 187- 655، الوسائل 3:

447 أبواب النجاسات ب 27 ح 11.

(2) التهذيب 1: 421- 1331، الاستبصار 1: 188- 656، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 10.

(3) الكافي 6: 498 الزي و التجمل ب 43 ح 10، الوسائل 3: 448 أبواب النجاسات ب 27 ح 13.

(4) الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب

43 ح 38، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2.

(5) في «ه»: يغسل.

(6) فقه الرضا (ع): 84، البحار 77: 117.

(7) الذكرى: 14، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 224

و في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب عنه أيضا: «إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس» «1».

و نقله في البحار [1] عن كتاب عتيق من قدماء أصحابنا مسندا فيه عن علي ابن مهزيار، بأدنى تغيير.

و فيها: أنها إخبار ضعيفة غير ثابت المأخذ، و لم يثبت كونها في كتاب معتبر، أو أصل معتمد.

و دعوى انجبارها بالشهرة سيما العظيمة من القدماء فاسدة، إذ لم ينقل النجاسة من القدماء إلّا من قليل.

و الشيخ له القولان، و كذا المفيد إن قلنا بأنه يقول بالنجاسة في المقنعة.

و كلام الحلي في السرائر يعطي عدم قول من القدماء بالنجاسة إلّا ما نسب إلى المقنعة و أحد قولي الشيخ، حيث ذكر أولا أنّ كلام الشيخ في المبسوط محمول على التغليظ في الكراهة، و صرّح برجوع المفيد.

ثمَّ قال: و الغرض من هذا التنبيه بأنّ من قال: إذا كانت الجنابة من حرام، وجب غسل ما عرق فيه، رجع عن قوله في كتاب آخر، فقد صار ما اخترناه إجماعا «3».

و أما إثبات الشهرة بنقل طائفة الإجماع، فضعفه- بعد معارضتها بنقل الإجماع و الشهرة على خلافه- واضح جدا، مع أن انجبار الخبر الضعيف بالشهرة، إنما هو إذا لم تعارضها شهرة اخرى.

و شهرة الطهارة بين الطبقتين: الثانية و الثالثة معارضة، مع رجحانها من جهة كونها قطعية، بخلاف شهرة النجاسة بين القدماء فليست- لو

سلّمت- إلّا

______________________________

[1] البحار 77: 118- 6. و السند فيه، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي.

______________________________

(1) البحار 77: 117- 5.

(3) السرائر 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 225

ظنية.

و لا ينبغي الريب في استحباب التنزه و الاجتناب عنه، بل هو الأحوط.

و منها: عرق الإبل الجلالة

، نجّسه الصدوقان «1»، و الشيخان «2»، و القاضي «3»، و المنتهى «4». و هو الأقوى، لحسنة حفص بن البختري، بل صحيحته: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، و إن أصابك من عرقها شي ء فاغسله» «5».

و صحيحة هشام بن سالم: «لا تأكلوا اللحوم الجلالة، و إن أصابك عرقها فاغسله» «6».

و دلالتها على ما لم يعمل به من نجاسة عرق كل جلال لا تخرجه عن الحجية، إذ خروج بعض أفراد العام لمعارض لا يمنع حجيته في الباقي. مع أنّ عدم عمل أحد بعمومها ممنوع، بل صرح بعض الأصحاب بالعموم، و حكي عن النزهة «7» أيضا.

خلافا للفاضل في أكثر كتبه «8»، بل ادّعى في المختلف أنّه المشهور، و عزاه إلى الديلمي و الحلي «9»، للأصل، و بعض العمومات. و جوابهما ظاهر.

______________________________

(1) الفقيه 3: 214، نسبه في اللوامع الى الصدوقين على ما في الجواهر 6: 77.

(2) المفيد في المقنعة: 71، و الطوسي في النهاية: 53، و المبسوط 1: 38، و التهذيب 1: 263.

(3) شرح جمل العلم و العمل: 56.

(4) المنتهى 1: 170.

(5) الكافي 6: 251 الأطعمة ب 6 ح 2، التهذيب 1: 263- 767، الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 15 ح 2.

(6) الكافي 6: 250 الأطعمة ب 6 ح 1، التهذيب 1: 263- 768، الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.

(7) نزهة الناظر: 19.

(8) كالقواعد 1: 7، التحرير 1: 24.

(9) المختلف: 57.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 226

و منها: المسوخ.

فالمشهور المنصور طهارته، للأصل، و عموم صحيحة البقباق المتقدمة «1»، و خصوص النصوص الواردة في بعضها كالعقرب و الفأرة و الوزغة «2» و العاج [1] و نحوها «4».

مضافا إلى الضرورة في بعض أفرادها كالزنبور و نحوه، مما يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار و الأمصار، مع استلزامه العسر و الحرج المنفيين.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «5»، و الخلاف، و المبسوط، و المراسم، و الوسيلة «6»، و الإصباح، استنادا إلى حرمة بيعها، و ليست إلّا لنجاستها. و هما ممنوعان.

و إلى الإجماع المنقول في المبسوط «7»، و ليس بحجة، مع أن إرادته الخباثة من النجاسة ممكنة، و القرائن في كلامه عليها قائمة.

______________________________

[1] العاج: عظم أنياب الفيل.

______________________________

(1) ص 211.

(2) المتقدمة ص 212- 211.

(4) راجع الوسائل 2: 122 أبواب آداب الحمام ب 72.

(5) نقل عنه في المعالم: 149.

(6) الخلاف 2: 538، المبسوط 2: 166، المراسم: 55، الوسيلة: 78.

(7) المبسوط 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 227

الفصل التاسع:
اشاره

ها هنا أمور ليست نجسة، و لكن وردت الأخبار بالنضح منها، و جملة منها قد وقع الخلاف فيها في كونه على الوجوب أو الاستحباب.

فمنها: الثوب الملاقي للكلب أو الخنزير الحيّين أو الميّتين جافا

، سواء كان كلب صيد أو غيره. فالمشهور على ما في الحدائق «1» و اللوامع، بل ظاهر المعتبر:

إجماع علمائنا على استحباب الرش فيه «2».

و ذهب الشيخان في النهاية و المقنعة «3»، و الصدوق في الفقيه «4»- إلا أنه خصه بغير كلب الصيد- و ابن حمزة و الديلمي «5» إلى الوجوب، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع صريحا و في المعتمد ظاهرا، و قواه في الحدائق «6».

و هو الحق، بمعنى وجوبه تعبدا و إن لم ينجس الملاقي، للنصوص المستفيضة:

كصحيحة الفضل: «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسّه جافا فاصبب عليه الماء» «7».

و مرسلة حريز: «إذا مس ثوبك كلب فإن كان يابسا فانضحه» «8» و قريبة منها

______________________________

(1) الحدائق 5: 391.

(2) المعتبر 1: 439.

(3) النهاية: 52، المقنعة: 70.

(4) الفقيه 1: 43.

(5) الوسيلة: 78، المراسم: 56.

(6) الحدائق 5: 391.

(7) التهذيب 1: 261- 759، الوسائل 3: 414 أبواب النجاسات ب 12 ح 1.

(8) الكافي 3: 60 الطهارة ب 39 ح 1، التهذيب 1: 260- 756، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 228

رواية علي «1».

و صحيحته: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب ثوبه» «2».

و أما ما في المختلف «3» من ترجيح الاستحباب، بأن النجاسة لا تتعدّى مع اليبوسة إجماعا، و إلّا لوجب غسل المحل، فتعيّن حمل الأمر

على الاستحباب، ففيه- مضافا إلى منع إيجاب تعدّي النجاسة للغسل كليا كما في بول الرضيع-:

أن الحمل على الوجوب لا ينحصر وجهه في النجاسة، لجواز التعبّد.

و قد يستدلّ للاستحباب: بسياق الأخبار، و فهم الأصحاب، و الأمر بالرش في مواضع أجمعوا فيها على حمله عليه، و هو قرينة عليه في جميع الموارد.

و دلالة السياق جدا ممنوعة. و فهم طائفة و عملهم مع مخالفة جمع آخر- سيما الذين هم أساطين المذهب- غير حجة. و الحمل في بعض المواضع على خلاف الأصل لمعارض لا يوجبه فيما لا معارض له.

ثمَّ ظاهر القوم: اختصاص الوجوب أو الاستحباب بالثوب. و هو كذلك.

اقتصارا فيما خالف الأصل عن موضع النص.

و منها: الثوب الملاقي لبدن الكافر

كذلك، ذكر استحباب الرش فيه جماعة [1]، و ظاهر المعتبر «5» الإجماع عليه، و في اللوامع أنه المشهور.

و لا بأس به بعد شهرته أو فتوى جماعة به، بل فتوى فقيه، للتسامح في

______________________________

[1] منهم العلامة في القواعد 1: 8، و سلّار في المراسم: 56.

______________________________

(1) التهذيب 1: 260- 757، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 4.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 6، التهذيب 1: 261- 670، الوسائل 3: 417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.

(3) المختلف: 63.

(5) المعتبر 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 229

السنن.

و منه يظهر عدم البأس في القول باستحبابه في ملاقاة الثوب للنجاسة الجافة مطلقا، كما ندبه الشيخ في المبسوط «1»، و بعض سادة مشايخنا قدّس اللّه سرّه العزيز في منظومته «2».

و في ملاقاته للفأرة و الوزغة كذلك، ذكره الشيخ في النهاية «3» و المفيد و الديلمي «4» موجبين له.

و منها: الثوب أو البدن الذي شكّ في نجاسته أو ظنّ بظنّ غير ثابت الحجية

، فالمشهور استحباب رشّه، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في البول:

«و ينضح ما يشك فيه من حسده و ثيابه» «5».

و حسنتي الحلبي و ابن سنان في المني:

الأولى: «فإن ظن أنه أصابه و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء» «6».

و الثانية: «و إن كان يرى أنه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء» «7».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال: «اغسل ما أصاب منه [و مسّ ]

______________________________

(1) المبسوط 1: 38.

(2) الدرة النجفية: 58.

(3) النهاية: 52.

(4) المقنعة: 70، المراسم: 56.

(5) التهذيب 1: 421- 1334، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.

(6) الكافي 3: 54 الطهارة ب 35 ح

4، التهذيب 1: 252- 728، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 4.

(7) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 9، التهذيب 2: 359- 1488، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 230

الجانب الآخر، فإن أصبت مسّ شي ء منه فاغسله و إلّا فانضحه بالماء» «1».

و اختصاصها ببعض النجاسات كظهور بعضها في الوجوب غير مضرّ في الحكم بالعموم و الاستحباب، للإجماع المركّب في الأول، مع إمكان التعميم بالحسنة الأخيرة، و البسيط في الثاني.

و خلاف الحلبي و الديلمي «2»، و إيجاب الأول للرش مع الظن، و الثاني للغسل في الإجماع غير قادح، فبه يخرج الأمر عن حقيقته لا بما قيل من المعارضة مع أصالة الطهارة أو عمومات النهي عن العمل بغير علم، لكون ذلك خاصّا، مع أنّ النضح غير مستلزم للنجاسة.

و منها: الثوب
اشاره

إذا كان للمجوسي «3»، أو مشت عليه الفأرة الرطبة و لا يرى فيه أثرها «4»، أو أصابه المذي «5»، أو عرق الجنب «6»، أو بول البعير، أو الشاة «7»، أو دم غير ذي النفس «8»، أو شكّ في إصابة بول الدواب الثلاث إليه «9»، كل ذلك للروايات.

و كذا يستحب الرش لذي الجرح في مقعدته، يجد الصفرة بعد الاستنجاء و التوضؤ، إذا أراد الصلاة فيها «10»، و لثوب الخصي الذي يبول و يرى البلل بعد

______________________________

(1) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 3، الوسائل 3: 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 2- و في جميع النسخ: «من» بدل «مسّ».

(2) الكافي في الفقه: 140، المراسم: 56.

(3) الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.

(4) الوسائل 3: 460، أبواب النجاسات ب 33 ح 2.

(5) الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات

ب 16 ح 1.

(6) الوسائل 3: 445 أبواب النجاسات ب 27 ح 4 و 8 و 10.

(7) الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 10.

(8) الوسائل 3: 436 أبواب النجاسات ب 23 ح 3.

(9) الوسائل 3: 403 أبواب النجاسات ب 7 ح 6.

(10) الوسائل 1: 292 أبواب نواقض الوضوء ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 231

البلل، فإنه يتوضأ و ينضح في النهار مرة «1».

فرعان:

الأول: أوجب الشيخ في النهاية مسح اليد بالتراب من مس الكلبين، و الثعلبين، و الفأرتين، و الكافرين «2»، و عن ابن حمزة في الطرفين «3». و ذكره المفيد في غير الثاني «4». و كلامه لكل من الوجوب و الاستحباب محتمل.

و عن المبسوط استحبابه في مس كل نجاسة يابسة «5».

و ذكر جمع أنهم لم يعرفوا لشي ء من ذلك وجها. و هو كذلك، إلّا أن إثبات الاستحباب بفتوى هؤلاء ممكن، و لذا نفي عنه البعد في اللوامع.

الثاني: الظاهر أنّ وجوب النضح أو استحبابه في تلك المواضع ليس بنفسي، بل هو غيري للصلاة أو كل مشروط الطهارة.

و هل يجتزئ عنه بالغسل؟ فيه إشكال.

و هل يحصل الامتثال برش الغير أو ارتشاش المطر؟ فيه تأمّل.

______________________________

(1) الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 8.

(2) النهاية: 52.

(3) الوسيلة: 77.

(4) المقنعة: 71.

(5) المبسوط 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 232

الباب الثاني: في اللوازم الشرعية للنجاسات و أحكامها

اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: يحرم أكلها، و شربها، و بيعها، و شراؤها في الجملة

، على التفصيل الآتي في محله.

و يبطل الصلاة و الطواف معها و إن كانا مندوبين، كما نذكر في محله مع تفصيله.

المسألة الثانية: تجب إزالتها عن الثوب و البدن للصلاة و الطواف الواجبين، إلّا ما عفى عنه
اشارة

على التفصيل الآتي في مواضعه.

و عن المأكول و المشروب و أوانيهما مع ملاقاتهما له برطوبة.

و عن مسجد الجبهة على الأشهر.

و عن مكان المصلّي بأسره عند السيد «1»، و المساجد السبعة عند الحلبي «2»، كما يأتي.

و عن المساجد بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام جمع من الأصحاب «3»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى مرسلة الفقيه: عن بيت كان حشا [1] زمانا، هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ فقال: «إذا نظف و أصلح، فلا بأس» «5» دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم التنظيف.

______________________________

[1] الحشّ- بالفتح-: الكنيف و موضع قضاء الحاجة. راجع النهاية لابن الأثير: 1: 390.

______________________________

(1) كما نسبه إليه في الذكرى: 150.

(2) الكافي في الفقه: 140.

(3) يمكن استفادته من الخلاف 1: 518، و السرائر 1: 163 و الذكرى: 157.

(5) الفقيه 1: 153- 712، الوسائل 5: 210 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 233

و رواية محمد الحلبي المروية في آخر السرائر: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته، قال:

«أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «1». دلّت بالتنبيه على انتفاء البأس- الذي هو حقيقة في العذاب- مع المشي في الأرض اليابسة، فبدونه يكون فيه الموجب للحرمة.

و قد يستدلّ أيضا: بقوله سبحانه إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «2» دلّ على كون النجاسة علّة لنهيهم عن قرب المسجد الحرام، فيتحقق في كل نجس.

و خصوصية المحل منفية بالتبادر،

كما صرحوا به في حجية كل منصوص العلة.

مع أنه لا قائل بالفصل بين نجاسة المشرك و غيره، كما أنه لا قائل به بين المسجد الحرام و غيره، فلا يضرّ الاختصاص به.

و كذا لا يضرّ عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في زمن الخطاب للنجاسة في المصطلح، لشمول اللغوي له أيضا، بل هو أشدّ أفراده، فالعلة هي الأعم و هو صادق على ذلك أيضا، و هو للمطلوب أثبت.

و بقوله عليه السلام: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [1].

و ضعفه غير ضائر، لموافقته للعمل، و تمسك الأكثر بها في المحل.

و لا عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للنجاسة، لما مر.

و بمرسلة العلاء: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس، فلا تدخله إلّا طاهرا، و إذا دخلته فاستقبل القبلة، ثمَّ ادع اللّه، و اسأله، و سمّ حين

______________________________

[1] أرسله العلامة في المنتهى 1: 388، و التذكرة 1: 90 قال الشهيد في الذكرى: 157 و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 27- 8، الوسائل 3: 459 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.

(2) التوبة: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 234

تدخله» «1».

و موثقة الحلبي: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «أين نزلتم؟» قلت: نزلنا في دار فلان، فقال:

«إن بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا» أو قلنا له: إنّ بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا، فقال: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «2».

و الكلّ ضعيف.

أمّا الأول: فلأنّ حرمة إدخال كل نجس بالمعنى الأعم في المسجد خلاف الإجماع. فإن أمكن حمل النهي على التنزيه، لم يتم الدليل، و أولوية التخصيص عنه عندي غير ثابتة. و إن لم يمكن بل كان للحرمة- كما هو الظاهر منهم-

فالنجس لا يكون باقيا على حقيقته اللغوية، و مجازه لا ينحصر في النجاسة المصطلحة كما مرّ سابقا.

و أما الثاني: فلعدم ثبوت الحقيقة الشرعية حال الخطاب في المسجد، فإرادة مواضع السجدة محتملة، و الإضافة إلى ضمير المخاطب بها ألصق. مع أنّ بعد حمل النجاسة على الأعم، يتردد بين التخصيص فيها أو التجوّز في الأمر، و لا ترجيح.

و أما الأخيران: فلاحتمال النفي القاصر عن إفادة الحرمة في أولهما و إن رجّح سياق الأوامر المتعقبة له النهي.

مضافا إلى تعارض مفهومه مع منطوقه، و احتمال كون قوله: «إنّ الأرض» إلى آخره- عليه السّلام- في الثاني- لبيان ارتفاع الكراهة.

و أضعف من هذه الوجوه في الدلالة: قوله عز شأنه وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ «3»

______________________________

(1) التهذيب 3: 263- 743، الوسائل 5: 245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 2.

(2) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 3، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 4.

(3) الحج: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 235

و ثِيابَكَ فَطَهِّرْ «1» و الأمر بتعظيم شعائر اللّه، و بتعاهد النعل عند دخول المساجد، و جعل المطاهر على أبوابها، و منع المجانين و الصبيان عنها، و الإجماع على منع الكفار من دخولها.

نعم بعضها يصلح للتأييد.

ثمَّ المنع عن إدخال النجاسة المساجد هل يختص بالمتعدية الملوثة للمسجد؟

كما عن الشهيدين «2» و جمع ممن تأخر «3»، أو يعم غيرها أيضا؟ كما صرّح به الحلي «4» و الفاضلان «5»، و في كفاية الأحكام و اللوامع أنه مذهب الأكثر «6»، بل ظاهر الخلاف و صريح السرائر عدم الخلاف فيه «7».

الظاهر هو الأول، لا لتجويز الاجتياز فيه للحائض و الجنب مع عدم انفكاكهما عن النجاسة غالبا.

و لا لموثقة عمار: عن الدمل يكون بالرجل فينفجر

و هو في الصلاة. قال:

«يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة» «8» حيث يشمل إطلاقها ما لو كانت في المسجد.

و لا لصحيحة معاوية بن عمار: «في المستحاضة إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء واحد» «9».

______________________________

(1) المدثر: 4.

(2) الأول: في الذكرى: 157، و البيان: 136، و الثاني: في المسالك 1: 47، و الروض: 238.

(3) كما في جامع المقاصد 2: 154، و الكفاية: 12.

(4) السرائر: 1: 163.

(5) المحقق في الشرائع 1: 53، و العلامة في المنتهى 1: 171، و التحرير 1: 24، و القواعد 1: 7.

(6) الكفاية: 12.

(7) الخلاف 1: 518، السرائر 1: 163.

(8) التهذيب 1: 349- 1028، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 8.

(9) الكافي 3: 88 الحيض ب 9 ح 2، التهذيب 1: 170- 484، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 236

لضعف الأول: بأنّ مجوزاته إنما هي في بيان حكم كل من الحائض و الجنب من حيث هو، فلا تدل على الأمور الخارجة، كما صرّحوا به في أمثال ذلك.

و الثاني: بأن انفجار الدماميل، لا يستلزم وجود الدم، بل الغالب العدم، مع أنه لو سلّم، لدلّ على جواز التلويث، و هو للإجماع مخالف.

و الثالث: بأن الدم إذا لم يثقب الكرسف يكون عن الباطن غير خارج، و مثله عن محل النزاع خارج.

مضافا إلى أنه يعارض بما في هذه الصحيحة أيضا مقدّما على ما ذكر من قوله: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت» إلى أن قال:

«و تحتشي و تستثفر و تحشي [1] و اضم فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج».

مع

أن حمل المسجد على المصلّى ممكن، بل هو الظاهر بقرينة ما ذكرنا من جزئها المتقدم، حيث حملوه على المصلّى، و جعلوا الأمر بخروج سائر الجسد، للاحترام له.

و مع ذلك كله، فثبوت الحكم في المستحاضة لا يثبته في غيرها، و عدم الفصل غير ثابت، بل خلافه ثابت، فإنّ الأكثر «2» مع منعهم عن إدخال النجاسة الغير المتعدّية، صرّحوا بأنّ المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها، يجوز لها دخول المساجد، و صرّح والدي- رحمه اللّه- في اللوامع بعدم الخلاف فيه، و اختاره مع منعه عن إدخال الغير المتعدية أيضا.

بل [2] للاقتصار في موضع الخلاف المخالف للأصل على المتيقن، حيث قد عرفت انحصار الدليل في الإجماع و روايتي الفقيه و الحلبي «4».

و اختصاص الأولين بالملوثة ظاهر.

______________________________

[1] في نسخ المصادر: «لا تحني» «لا تحيي» «تحتبي» راجع هامش الكافي 3: 89.

[2] راجع إلى قوله في الصفحة المتقدمة: لا لتجويز.

______________________________

(2) كما في السرائر 1: 153، و المعتبر 1: 428، و المنتهى 1: 121.

(4) المتقدمتين ص 232 و ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 237

و أما الثالث: فلأنه لا يدل إلّا على علّية المشي في الأرض في الأرض اليابسة لانتفاء البأس مطلقا، و لازمها عدم انتفائه كذلك مع عدم المشي، و هو يتحقق مع ثبوته في الجملة، كما في صورة بقاء رطوبة الرجل الملوثة للمسجد.

و تدلّ عليه أيضا: عمومات حضور المساجد في الجمعة و الجماعات، الشاملة لصاحب السلس و الجروح و الشقاق الدامية، فتعارض مع عمومات حرمة إدخال النجاسة لو وجدت بالعموم من وجه، فيرجع في محل التعارض إلى الأصل، و يسري إلى غيره من النجاسات الغير المتعدية بعدم الفصل.

دليل القائل بالتعميم: النهي و الأمر في الآية و الرواية عن

تقريب النجاسة [1] و تجنيبها المسجد، و الأول صادق عرفا على إدخالها كيف كان، و الثاني لا يتحقق كذلك إلّا بإخراجها عنه، و لا يقال لمن أدخلها و لو بمصاحبتها: إنّه جنّبها، و استناد المنع في الآية إلى معرضية الكفّار للتلويث مكابرة. و مرسلة العلاء «2».

و قد عرفت عدم دلالة شي ء منها، فلا حظر في إدخال غير المتعدية من غير فرق بين المماسة و غيرها.

و ممّن عاصرناه من فصّل بينهما [2]، فحرّم إدخال الاولى- و إن لم تتعدّ- دون الثانية. و نظره إلى صدق القرب و عدم صدق التجنّب مع المماسة.

و هو ضعيف جدا، لأنّ المناط في صدق الألفاظ: العرف، و هو لا يفرق هاهنا بين المماسة و غيرها، فلو تمَّ ما ينهى عن القرب و ما يأمر بالتجنّب، لدلّ على حرمة الأعم من المماسة.

ثمَّ ما تجب إزالته هل يختص وجوبها بأرض المسجد؟ أو يسري إلى جداره

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: النجاسات.

[2] هو المحقق القمي في غنائم الأيام: 69.

______________________________

(2) المتقدمة ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 238

و سقفه أيضا؟

مقتضى الآية و الرواية النبوية «1»: السريان إليهما أيضا بسطحهما الداخل و الخارج، و كذا إلى سائر أجزاء المسجد و فرشه و آلاته الداخلة فيه. و لكن قد عرفت عدم تمامية دلالتهما.

و أما ما تمّت دلالته من الإجماع و الروايتين، فلا يقتضي السراية إلى شي ء مما ذكر، و الأصل دليل قوي مقتض للعدم، بل الثابت من الثلاثة ليس إلّا وجوب إزالة الملوثة و أما غيرها و لو كان واقعا على أرض المسجد مماسّا لها كالعذرة اليابسة، ففيه إشكال. و الاحتياط لا يترك مهما أمكن، سيما في مظانّ الإجماع، كتلويث السطح الداخل.

فروع:

أ: لو تلوّث المسجد

أو أدخلت النجاسة فيه و وجب إزالتها، فتجب كفاية لا عينا، للأصل و الإجماع.

و الظاهر اتّفاقهم على أن وجوبها فوري أيضا، و لكن القدر الثابت من الإجماع هو الفورية العرفية.

و لا يبطل واجب موسّع أو مضيّق لو فعله قبل الإزالة و لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه. بل لم يثبت الإجماع على الوجوب الفوري حين دخول وقت واجب موسّع أو مستحب كذلك، فلا يحكم ببطلانه إذا فعله على القول بالاقتضاء المذكور أيضا.

و لا يختص ذلك بما إذا كان دليل وجوب الإزالة الإجماع، بل كذا و لو كان دليله الآية و الأخبار، لاستناد الفورية معهما إلى الإجماع، لعدم دلالة الأمر بنفسه على الفور، بل و كذا لو قلنا بدلالته على الفور أيضا، لحصول التعارض بين دليل

______________________________

(1) المتقدمتين ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 239

وجوب الإزالة المستلزم للنهي عن غيرها، و بين دليل تلك العبادة بالعموم من وجه، و لو فقد المرجّح يحكم بالتخيير المستلزم للصحّة.

نعم لو ثبت الإجماع على الفورية مطلقا، لبطلت العبادة على القول بالاقتضاء المتقدم، و لكن من أين يثبت ذلك؟! نعم لو ارتكب مباحا، يكون عليه حراما.

و ظهر مما ذكرنا ما في كلام جماعة من أصحابنا المتأخرين، حيث اختلفوا- بعد حكمهم بوجوب الإزالة- في بطلان العبادة الموسّعة المزاحمة للإزالة و صحتها.

و يظهر من الأكثر [1] الأول و لو وقعت العبادة خارج المسجد. و صرّح جماعة [2] بالثاني، و بنوا ذلك على أنّ الأمر بالشي ء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لا؟ فمن اختار الأول قال بالبطلان، و من قال بالثاني قال بالصحة.

ب: هل يلحق بالمسجد قبور الحجج أم لا؟

ظاهر جماعة «3» الأول، بل ألحقوا به ضرائحهم، بل داخل

قبابهم المقدسة «4»، و قد يتعدّى إلى قبور أولادهم الأطهار، بل العلماء الأبرار، بل الكمّل من الأخيار.

و لا دليل عليه سوى مظنة الإجماع، و تعظيم شعائر اللّه. و شي ء منهما لا يتم، لعدم ثبوت الإجماع، و عدم وجوب جميع أفراد تعظيمها.

ج: لا فرق في وجوب الإزالة عمّا تجب عنه الإزالة بين قليل النجاسات

______________________________

[1] لم يثبت بل يظهر من المدارك 2: 307 عكسه فإنه نسب إلى الأكثر القول بعدم اقتضاء الأمر بشي ء للنهي عن ضده الخاص. نعم قال بالبطلان جمع منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 325، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 157.

[2] منهم الشهيدان في الذكرى: 157، و الروض: 165.

______________________________

(3) المسالك: 1: 17، الحدائق 5: 292، كشف اللثام 1: 50، كشف الغطاء: 174.

(4) كما في كشف الغطاء: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 240

و كثيرها، سوى الدم في الصلاة- كما يأتي- إجماعا، إلّا من الإسكافي «1»: فما دون الدرهم من غير دم الحيض و المني على المعروف منه و إن كان ظاهر كلامه يعطي عدم نجاسته.

و يدفعه: إطلاق الأدلة، كما يدفع ما حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب، من نفي البأس عمّا يترشّح على الثوب و البدن من النجاسات مطلقا مثل رؤوس الابر، أو مقيدا بالبول خاصة عند الاستنجاء «2»، كما عن الميافارقيات «3».

المسألة الثالثة: كل ما لاقى نجاسة عينية فلا ينجس إن كانا يابسين

، للأصل، و الموثقة: «كل [شي ء] يابس زكي» «4».

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة، فيصيب ثوبه و رجليه، هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي و لا يغسل ما أصابه؟

قال: «إذا كان يابسا فلا بأس» «5».

و في كتاب المسائل: عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة، فتهب الريح، فتسفي عليه من العذرة، فيصيب

ثوبه و رأسه، أ يصلي قبل أن يغسل؟ قال: «نعم ينفضه و يصلي، فلا بأس» «6» و غير ذلك.

بل عليه الإجماع في غير الميتة.

و إن كان أحدهما رطبا بالرطوبة المتعدية إلى الملاقي- و لو باعتبار شدة

______________________________

(1) نقل عنه في المختلف: 59.

(2) السرائر 1: 180.

(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): 288.

(4) التهذيب 1: 49- 141، الاستبصار 1: 57- 167، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.

(5) قرب الاسناد: 204- 790، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 8.

(6) مسائل علي بن جعفر: 155- 214، الوسائل 3: 443 أبواب النجاسات ب 26 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 241

التلاقي و دوامه- فينجس الملاقي إن كان من الظاهر، بالإجماع بل الضرورة، و تشهد له الأخبار الواردة في موارد متفرقة.

و أما مع الرطوبة الغير المتعدية لقلتها جدا، و مرور الملاقي عليها خفيفا، فلا ينجس، كما صرّح به جمع من الأصحاب [1]، للأصل، و عدم ثبوت تأثير مثل ذلك من الإجماع و الأخبار.

و الاستدلال «2» لعدم التأثير مع قلّة الرطوبة: بأخبار موت الفأرة في الدهن الجامد و نحوه، الآمرة بطرح ما حولها خاصة «3»، و طهارة الباقي مع ملاقاته لما حولها بشي ء من الرطوبة. غير جيد، إذ لو تمَّ التقريب، لجرى فيما حولها أيضا. بل طهارة الباقي هنا لبطلان السراية في المتنجس إلى مجاوره قبل التنجس كما يأتي، و نجاسة ما حولها، لشدة التلاقي بينه و بينها الموجبة لتعدي الرطوبة منه إليها.

و أما البواطن فلا تنجس أصلا، للأصل، و اختصاص ما دلّ على التنجّس بالظواهر. و كذا ما يدخل في البواطن من الظواهر، و يأتي بيانه في آخر بحث المطهرات.

و المتنجّس كالنجس منجّس لما

يلاقيه مع الرطوبة المذكورة بالإجماع، و خلاف بعض الطبقة الثالثة «4» فيه غير قادح. و هو الدليل عليه بل الضرورة على ما قيل [2].

مضافا إلى المستفيضة من الأخبار بل المتواترة المتفرقة في تضاعيف أبواب الطهارات، كالدالة على تنجّس القليل بإدخال يد أو إصبع قذرة فيه، الشاملة

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 168، و صاحبا الذخيرة: 166، و الحدائق 5: 240.

[2] قال الوحيد البهبهاني: الظاهر اتفاق الأصحاب بل إجماعهم على وجوب غسله- أي الملاقي لملاقي النجس- بل هو ضروري الدين. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(2) كما في الحدائق 5: 240.

(3) راجع الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 75، 6: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 242

لصورة بقاء العين فيها و عدمه، و الواردة في غسل مطلق الأواني بولوغ الكلب و الخنزير و الميتة و الخمر «1» و غير ذلك، فتشمل ما فيه المائع و غيره، بل منها ما يصرّح فيه بصبّ الماء و غسل الإناء، كصحيحة البقباق «2».

و الدالة على وجوب غسل اللحم إذا وقعت فأرة، أو قطرة مسكر في القدر «3».

و على غسل الثوب من استعمال البئر المنتن، كصحيحة ابن عمار «4»، أو غسل كلّ ما أصاب الماء الذي ماتت فيه فأرة، كموثقة الساباطي «5».

أو على أنه إذا خرج خنزير من ماء فسال منه الماء في الطريق، و وضعت الرجل عليه ترتفع نجاستها بالمشي في الأرض، كرواية المعلّى «6».

أو على غسل الفخذين إذا عرق الذكر بعد تمسّحه من البول، كصحيحة العيص: رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه، قال: «يغسل ذكره و فخذيه» و عمّن مسح ذكره بيده ثمَّ عرقت يده فأصاب

ثوبه، يغسل ثوبه؟ قال: «لا» «7».

و نفي الغسل في الجزء الأخير غير ضائر، لأن السؤال عن مسح الذكر، و نجاسته لم يذكر.

أو على إعادة الصلاة إذا مسح كفّه من البول و مسّها بدهن، فمسح بها

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 و ص 225 أبواب الأسآر ب 1 و ج 3: 494 أبواب النجاسات ب 51.

(2) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 3: 415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2.

(3) راجع الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3 و ج 3: 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.

(4) المتقدمة ص 69 رقم 6.

(5) المتقدمة ص 40 رقم 8.

(6) الكافي 3: 39 الطهارة ب 24 ح 5، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    243     المسألة الثالثة: كل ما لاقى نجاسة عينية فلا ينجس إن كانا يابسين ..... ص : 240

(7) التهذيب 1: 421- 1333، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 243

بعض الأعضاء ثمَّ توضأ و صلّى. كصحيحة ابن مهزيار: إنّه بال في ظلمة الليل، و إنه أصاب كفه رد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره، و أنه مسحه بخرقة، ثمَّ نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثمَّ توضّأ وضوء الصلاة. فأجابه بجواب قرأته بخطه: «أما ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقّقت، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كنّ منها في وقتها، و ما

فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلاة التي فاتته» «1» الحديث.

وجه الدلالة: أنه لا يمكن أن يكون الأمر بالإعادة من جهة نجاسة الكف من البول، و إلّا لبطل الوضوء، و لزمت الإعادة في غير الوقت أيضا، فالمراد نجاسة ما لم يبلغه ماء الوضوء أي الرأس.

أو على عدم تنجس الثوب الواقع في ماء الاستنجاء معللا له: «بأن الماء أكثر من ذلك» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمَّ تلك الأخبار و إن وردت في موارد كثيرة، و لكن في تعدّي الحكم إلى جميع الموارد يرجع إلى الإجماع المركّب.

و على هذا، ففي كل مورد لم تشمله الأخبار، و تحقّق فيه بخصوصه الخلاف، أو لم يتحقّق فيه الإجماع، لا يمكن الحكم بالتنجيس.

و منه الملاقي لغسالته على القول بنجاستها.

و منه أحد المتجاوزين الملاقيين اللذين ينجس أحدهما فلا ينجس الآخر و إن كانا رطبين ما لم يكونا أو أحدهما مائعا، و لا يصدق على الرطوبة المائع أو الماء

______________________________

(1) التهذيب 1: 426- 1355، الاستبصار 184- 643، الوسائل 3: 479 أبواب النجاسات ب 42 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 244

القليل حتى تشملها أدلة نجاستها بالملاقاة.

و تدلّ عليه الأخبار الواردة في السمن أو العسل أو الزيت الجامد إذا ماتت.

فيه فأرة على ما سبق.

مع أنّ النجس هنا لو كان، لكان بالسراية المنفية عند أصحابنا طرّا.

و يظهر من المنتهى و الخلاف «1» أنّه لا خلاف فيه.

و لا يتوهم أنّ منه أيضا: المتنجّس المستصحب نجاسته، حيث

إنّه قد يناقش في تنجيس النجس أو المتنجّس الاستصحابي، فيكون موردا للخلاف، لأنّ دليل تنجيسه هو دليل تنجيس أصله مع ضمّ الاستصحاب، فلا يحتاج إلى إجماع مركّب، هذا.

ثمَّ إنّ الأخبار التي استدلّ بها المخالف، فإن لم تتمّ دلالتها- كما هو في أكثرها- فلا نفع فيها. و إن تمّت، فلا تصلح للاستناد إليها، لمخالفتها لعمل الأصحاب و رواتها، و متروكيّتها عندهم، و هو من أقوى أسباب خروج الأخبار عن الحجّية.

المسألة الرابعة: النجاسة- كالتنجّس- للأصل مخالفة
اشاره

، بالإجماع، و المستفيضة المقبولة المعتضدة بالأصول العقلية.

كموثقة عمار: «كلّ شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» «2».

و صحيحة ابن سنان: إنّي أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أصليّ فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم

______________________________

(1) المنتهى 1: 22 و في ظهور اشكال، الخلاف 1: 185.

(2) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 245

تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

و رواية حفص بن غياث: «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم» «2».

و صحيحة زرارة: «فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا، ثمَّ صلّيت فيه فرأيت فيه، قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة» قلت: لم ذلك؟ قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «3».

و ما ورد في الخبر من قوله عليه السلام: «ما علمت

أنه ميتة فلا تأكله، و ما لم تعلم فاشتر و بع و كل» إلى أن قال: «و اللّه إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر و هذه السودان» «4» إلى غير ذلك مما سيأتي بعضها أيضا.

و على هذا، فالأصل في جميع الأشياء ما لم تثبت نجاسته الطهارة، و لازمه عدم اعتبار الشك في النجاسة.

و منه: المشتبه بالنجس، فيجوز استعماله ما لم يقطع باستعمال النجس، فاللازم منه اجتناب ما يساوي المقطوع بنجاسته أو غسله خاصة، إلّا فيما ثبت الاجتناب عن الجميع بنصّ أو إجماع أو أصل «5».

و تفرقة الأكثر هنا بين المحصور و غيره باطلة، و حجتهم «6» عليها موهونة،

______________________________

(1) التهذيب 2: 361- 1495، الاستبصار 1: 392- 1497، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

(2) التهذيب 1: 253- 735، الاستبصار 1: 180- 629، الفقيه 1: 42- 166 مرسلا، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

(4) المحاسن 495- 597، الوسائل 25: 119 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 5.

(5) ذلك كما في قطعة اللحم المشتبه بغير المذكى (منه رحمه اللّه).

(6) في «ق»: و حججهم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 246

و قد مرّت في بحث الماء المشتبه «1».

و ما ثبت فيه الاجتناب عن الجميع كالنجس في وجوب الاجتناب خاصة لا مطلقا، فلا ينجس ما يلاقيه، للأصل و الاستصحاب.

و كذا «2» الظن الغير المنتهي إلى العلم، الذي هو أيضا علم حقيقة، أي الثابت حجيته عموما «3» أو في خصوص المقام، للأصل، و العمومات المتقدمة، و خصوص

المستفيضة:

و منها: صحيحة زرارة السابقة «4».

و منها: صحيحة الأخرى: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، و إن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن، و لم ير مكانه، فلينضحه بالماء» «5».

و موثقة عمار: «الرجل يجد في إنائه فأرة و كانت متفسخة و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا أو اغتسل و غسل ثيابه، قال: «ليس عليه شي ء، لأنه لا يعلم متى سقطت» ثمَّ قال: «لعلّه إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» حيث إنّ

______________________________

(1) في ص 119.

(2) عطف على قوله قبل سطور: .. «الشك في النجاسة» يعني لا يعتبر الشك في النجاسة و لا الظن الغير المنتهى إلى العلم.

(3) المراد بالشمول عموما أن يعلم شموله لذلك، فلو حصل التعارض و لم يكن مرجّح لا يعلم العموم.

كما إذا علم ترجيح المعارض يعلم عدم العموم. و إذا علم ترجيح الدليل يعلم العموم و ذلك كما في الأخبار الواردة في النجاسات فإنها مع كونها ظنا راجحة على تلك العمومات بالإجماع البسيط و المركّب (منه ره).

(4) في ص 245.

(5) لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المتن في كتب الحديث. و الموجود حسنة الحلبي، الكافي 3: 54.

الطهارة ب 35 ح 4 و فيه: «شي ء» بدل: «مني»، التهذيب 1: 252- 728، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 4.

الفقيه 1: 14- 26، التهذيب 1: 418- 1322، الاستبصار 1: 32- 86 عن إسحاق بن عمار، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 247

المظنون سبق موت الفأرة، لمكان التفسّخ، و احتمال السقوط متفسّخا بعيد.

و صحيحة الحلبي: عن الصلاة في ثوب المجوسي، قال: «يرش بالماء» «1» فإنّ المظنون في ثوب كلّ

شخص ملاقاته معه بالرطوبة، سيما مع طول مدة المباشرة.

و على هذا، فلا اعتبار في الحكم بالنجاسة بمطلق الظن، و لا إذا كان مستندا إلى شهادة عدلين، و لا إذا استند إلى شهادة عدل واحد، لعدم ثبوت حجية شي ء منها في خصوص المقام، أو عموما بحيث يشمله.

وفاقا للقاضي «2» في الثلاثة، بل المفيد «3»، و اختاره بعض المتأخرين «4» و غير واحد من مشايخنا المعاصرين «5».

و خلافا للمحكي، عن الحلبي في الأول «6».

لأنّ الشرعيات ظنية كلّها.

و أنّ العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل.

و أنّ الصلاة مشروطة بالثوب الطاهر مثلا، و الألفاظ للمعاني النفس الأمرية، فلا أقلّ من تحصيل الظن بالطهارة، فكيف مع الظن بالنجاسة، و لو منع دليل اشتراط الطاهر، فلا أقلّ من اشتراط عدم ملاقاة القذر للثوب، فحصول ذلك في نفس الأمر مضر أيضا، و لا أقلّ من كفاية الظن.

و لبعض الأخبار الناهية عن الصلاة قبل الغسل في الثوب الذي أعاره لمن

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1498، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.

(2) جواهر الفقه: 9.

(3) المقنعة: 71 يستفاد من إطلاق كلامه قال: و إذا ظنّ الإنسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة و لم يتيقّن ذلك، رشه بالماء فإن تيقّن حصول النجاسة فيه و عرف موضعها غسله بالماء.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 78.

(5) منهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (مخطوط) 26، و صاحب الرياض 1: 97.

(6) الكافي في الفقه: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 248

يأكل الجري و يشرب الخمر، كصحيحة ابن سنان «1»، أو اشتراه من نصراني كصحيحة علي «2»، و المروي في مستطرفات السرائر «3»، أو اشتراه ممن يستحل جلد الميتة و يزعم أن دباغه ذكاته، كرواية أبي بصير «4»، و

نحو ذلك، فإنّ الظاهر منها البناء على الظن.

و يضعّف الأول: بأنه إن أريد أنّ الشرعيات مستندة إلى ظنون غير منتهية إلى القطع بحجيتها، خالية عن الدليل عليها، فهو ممنوع، بل بطلانه واضح.

و إن أريد أنها مستندة إلى ظنون ثبتت حجّيتها و اعتبارها قطعا، فهو كذلك، و لكن المنتهى إلى القطع و لو بوسائط قطع، فلا تلزم منه ظنّية شي ء من الشرعيات، فضلا عن كلها، مع أنّ اعتبار ظنون في مواقع بدليل لا يوجب اعتبارها في غيرها، أو اعتبار غيرها و لو بلا دليل.

و الثاني: بأنّ الراجح هنا ليس إلّا ملاقاة الثوب للقذر مثلا، و رجحانها إنما كان مفيدا لو كان الشرط عدم الملاقاة واقعا، أو المانع الملاقاة كذلك، و لم يعلم شي ء من ذلك، بل الثابت من الأخبار: اشتراط عدم العلم بالملاقاة، و مانعية العلم بها.

و كون بعض الأخبار عن التقييد بالعلم خاليا غير مفيد، ضرورة تقييد التكاليف به مطلقا.

سلّمنا عدم ثبوت التقييد المطلق، و لكنّه في المقام لا مفرّ عنه، للمستفيضة المتقدمة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 361- 1494، الاستبصار 1: 393- 1498، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

(2) التهذيب 1: 263- 766، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 10.

(3) مستطرفات السرائر 53- 3، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ذيل حديث 1.

(4) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 2، التهذيب 2: 203- 796، الوسائل 4: 462 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 249

و بذلك يضعّف الثالث أيضا.

و الرابع: بخلوّ تلك الأخبار عما يفيد التحريم، فإنها واردة بلفظ الإخبار الغير المفيد له.

و لو سلّم فالحمل على الاستحباب متعين، لمعارضتها بأكثر منها و أقوى

للاعتضاد بالعمل.

كصحيحة معاوية بن عمار «1»، و رواية أبي جميلة «2» في الثياب السابرية، و رواية قرب الإسناد «3» و معلّى «4» في الثياب التي يعملها اليهود و المجوس و النصارى، و صحيحة ضريس «5» عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين .. إلى غير ذلك، مع التصريح بالاستحباب في رواية أبي علي البزاز عن أبيه: عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلّي فيه قبل أن أغسله؟ قال: «لا بأس، و إن يغسل أحبّ إليّ» «6».

و للحلي «7»، و الفاضلين «8»، و المجامع «9»، و جلّ المتأخّرين في الثاني.

لاعتبار العدلين في شريعتنا عموما. و في نجاسة الماء المبيع بعد ادّعاء

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1497، الوسائل 3: 518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.

(2) الفقيه 1: 168- 794، الوسائل 3: 520 أبواب النجاسات ب 73 ح 7.

(3) قرب الاسناد: 86- 283 الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 3.

(4) التهذيب 2: 361- 1496، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 2.

(5) التهذيب 9: 79- 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 1.

(6) التهذيب 2: 219- 862، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 5.

(7) يعني و خلافا للحلّي .. السرائر 1: 86.

(8) المحقق في المعتبر 1: 54، و العلامة في المنتهى 1: 9، و التذكرة 1: 4.

(9) كذا في جميع النسخ- و القول موجود في جامع المقاصد 1: 154. فيمكن أن تكون الكلمة مصحفة عنه. و إن كان في الغالب يعبر عنه ب (شرح القواعد). و احتمال كونها مصحفة عن الجامع لابن سعيد. بعيد. حيث لم نعثر عليه فيه. بقي احتمال ثالث و هو أن تكون إشارة إلى غرر المجامع

للسيد نور الدين أخي صاحب المدارك كما نقل عنه فيما سبق و هو ليس عندنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 250

نجاسته ليردّ بالعيب خصوصا بعموم: «البيّنة على المدّعي» «1».

و للزوم حمل أقوال المسلمين على الصدق.

و موثّقة مسعدة: «كلّ شي ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه» إلى أن قال: «و الأشياء كلها على هذه حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة» «2».

و المروي في الكافي و التهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السلام: في الجبن قال: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهد ان عندك أنّ فيه ميتة» «3».

و صحيحة الحلبي: الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال: «صلّ فيها حتى يقال لك إنها ميتة بعينها» «4».

و الأول مردود: بمنع العموم.

و الثاني: بعدم ما يدل على ثبوت النجاسة في المبيع بشهادتهما خصوصا.

و أما العموم فلو سلم وجوده، فمع ما مرّ معارض، و المرجع أصل الطهارة، و لا يعلم شمول العموم للمورد.

مضافا إلى أنّ مع وجوده فللنجاسة غير مثبت، بل غايته ترتّب الحكم بالرد على شهادتهما، و أما الحكم بالنجاسة الواقعية حتى يترتب عليه سائر لوازمها فلا.

و عدم الفصل غير ثابت. و باعث الحكم بالرد يكون هو الشهادة بالعيب دون نفس العيب.

و بالأول منهما يجاب عن الثالث. كما أنّ بهما ترد الأخبار، لعموم الأول في الأشياء كلّها، و الثانيين في الميتة النجسة و غيرها، و لأن الثابت منها ليس إلّا

______________________________

(1) راجع الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم .. ب 3.

(2) الكافي 5: 313 المعيشة ب 159 ح 40، التهذيب 7: 226- 989، الوسائل 17: 89 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.

(3) الكافي 6: 339 الأطعمة ب 89

ح 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 28، التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 251

الحرمة، أو كونها ميتة مانعة من الأكل أو الصلاة (بها) [1]، و أما النجاسة فلا.

و لا عجب فيه، لأنّ الأحكام مختلفة جدا في الثبوت و عدمه باعتبار الشهود، فمنها ما يثبت بواحد، و منها ما لا يثبت إلّا بأربعة. بل كون الخف مما لا يتم الصلاة فيه يعني أنّ الاستثناء في الثالثة ليس للنجاسة.

و للمنقول [2] عن موضع من التذكرة و محتمل النهاية «3» في الثالث، و استقواه بعض من تأخر من المتأخرين «4»، لآية النبإ «5»، و القياس على الرواية و بعض الأخبار الواردة في قبول الواحد في غير ذلك الموضع، كرواية إسحاق بن عمار في الوصية «6»، و صحيحة هشام بن سالم في الوكالة «7».

و ضعف الجميع ظاهر.

و من تقييد الظن الغير المعتبر في المقام بغير الثابت حجيته خرج (الظن) [3] المستند إلى قول المسالك بالنجاسة، بل قوله مطلقا و إن لم يفد الظن ما لم يعلم كذبه، فيقبل فيها و إن لم يكن عدلا.

وفاقا للمنتهى «9»، و المجامع «10»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، للدليل على قبوله في المقام.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

[2] أي و خلافا للمنقول.

[3] لا توجد في «ح» و «ه».

______________________________

(3) التذكرة 1: 10، نهاية الأحكام 1: 252.

(4) الحدائق 5: 251.

(5) الحجرات: 6.

(6) الكافي 7: 64 الوصايا ب 37 ح 27، التهذيب 9: 237- 923، الوسائل 19: 433 أبواب الوصايا ب 97 ح 1.

(7) الفقيه 3: 49- 170، التهذيب 6: 213-

503، الوسائل 19: 162 أبواب الوكالة ب 2 ح 1.

(9) المنتهى 1: 10.

(10) لاحظ ص 249 رقم 9 و القول موجود في جامع المقاصد 1: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 252

و ليس هو حمل أقوال المسلمين على الصدق.

و لا المستفيضة الواردة في عدم الحاجة إلى المسألة في شراء الفراء، و الخف، و الجبن من سوق المسلمين «1».

و لا الواردة في شرب البختج إذا أخبر من لا يعلم أنّه يشربه على الثلث، و لا يستحله على النصف، أنّه طبخه على الثلث، أو إذا كان الآتي به مسلما عارفا، أو مسلما ورعا مأمونا «2».

و لا المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلّي فيه و هو لا يصلّي فيه، قال: «لا يعلمه» قلت: فإن أعلمه؟ قال: «يعيد» «3».

لضعف الأول: بما مر.

و الثاني: بعدم الدلالة، فإنّ عدم الحاجة إلى السؤال إنّما يدلّ على الحمل على التذكية و الطهارة بدون إخباره بهما، بل مع أخباره أيضا، فلعلّه مبني على أصل الطهارة، و الأخذ بظاهر الحال في الذبائح، كما صرح به في مرسلة يونس [1]، و أين هذا من قبول قوله في النجاسة و عدم التذكية؟! و الثالث: بأنّ قبول قوله في مورد- سيما فيما كان موافقا لأصالة الحلّية و الطهارة- لا يدلّ على قبوله في غيره، سيما فيما كان مخالفا لأصالة الطهارة.

مع أنّ اشتراط الورع و المأمونية، بل الإسلام و المعرفة لعموم المطلب منافية.

و الرابع: بعدم دلالته على وجوب الإعادة، و عدم صراحته في أنّ عدم الصلاة للنجاسة.

______________________________

[1] مرسلة يونس: «خمسة أشياء يحب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحال، الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات» منه ره. الكافي 7: 431

القضاء و الأحكام ب 19 ح 15، التهذيب 6: 288- 798، الوسائل 27: 289 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 22 ح 1.

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) راجع الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرمة ب 7.

(3) قرب الاسناد: 169- 620، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 47 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 253

مع أنّه مع أقوى منه معارض، و هي صحيحة العيص: عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثمَّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: «لا يعيد شيئا من صلاته» «1».

بل الدليل صحيحة أبي بصير و موثّقة معاوية بن وهب، المنضمتان مع عدم الفصل.

الاولى: عن الفأر يقع في السمن أو في الزيت، فيموت فيه، قال: «إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها، و يؤكل ما بقي، و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته» «2».

و الثانية: في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك الزيت؟ قال: «بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «3».

و يؤيدهما: النهي عن السؤال في بعض الأخبار عند شراء الجبن و الفراء، و نحوهما «4».

و المتبادر من الأعلام و البيان المطلوبين من شخص مجرّد قوله، فتوهّم إرادة جعله مقطوعا به فاسد، و عدم وجوب القبول مع وجوب الإعلام غير معقول، بل الظاهر تبادر وجوبه من وجوبه، فهو من اللوازم الوضعية كالمفهوم، مع أنّ ترتّب الاستصباح في الموثقة بالبيان عين القبول.

فرعان:

الأول: لو أخبر المالك بالنجاسة و قد استعملت العين و تلفت، فقد صرّح

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 66 ح 1، التهذيب 2: 360- 1490، الاستبصار 1: 180- 631، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب

40 ح 6.

(2) التهذيب 7: 129- 562، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 3.

(3) التهذيب 7: 129- 563، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.

(4) راجع ص 252 رقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 254

والدي- رحمه اللّه- في الكتابين تبعا للتذكرة «1»: بأنه لا يعتبر قوله. و هو كذلك، للاقتصار فيما خالف الأصل.

و لو أخبر بها بعد استعمالها و هي باقية، فيعتبر قوله فيما بعد قطعا، و أمّا فيما مضى فلا يعتبر فيما يعتبر فيه عدم العلم بالنجاسة، و يعتبر في غيره، فلا يعيد الصلاة الواقعة في الثوب الكذائي قبل الإخبار، و يغسل ملاقيه رطبا كذلك.

و الوجه في الجميع ظاهر، و بعض الأخبار المتقدمة على الحكم الثاني أيضا شاهد.

الثاني: و مما يترتب على أصالة الطهارة: عدم وجوب إعلام الغير لو وجد في ثوبه الذي يصلّي فيه نجاسة، كما صرّح به في المعالم «2» و بعده في الحدائق «3». بل الأخير كره الإعلام، لصحيحة محمد: عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال: «لا يؤذنه حتى ينصرف» «4» و رواية قرب الإسناد المتقدمة «5».

و عن الفاضل- في جواب المسائل السيد مهنّا- الحكم بوجوب الإعلام، لكونه من باب الأمر بالمعروف «6».

و هو بعد دلالة النص الخاص ضعيف، مع أنّ عدم توجّه الخطاب إلى الجاهل بالموضوع ينفي المنكر و المعروف بالنسبة إليه.

المسألة الخامسة: الأصل نجاسة كل ما ثبتت نجاسته حتى تثبت طهارته

،______________________________

(1) نقل عنه في المعالم: 163، و مفتاح الكرامة 1: 131، و الذي عثرنا عليه في التذكرة 1: 4 لا يخلو من إجمال.

(2) المعالم: 283.

(3) الحدائق 5: 261.

(4) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 8، التهذيب 2: 361- 1493، الوسائل 3: 474

أبواب النجاسات ب 40 ح 1.

(5) ص 252.

(6) أجوبة المسائل المهنائية: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 255

بالإجماع و الاستصحاب. و لازمه عدم اعتبار الشك في التطهّر [1] و لا الظن إلّا ما ثبت اعتباره (بثبت) [2] كإخبار المالك الثابت اعتباره هنا باعتباره في النجاسة، منضما إلى عدم القول بالفصل، بل الأولوية، مؤيدا بل مدلّلا- مضافا إلى ظاهر الإجماع- بإطلاقات تجويز الصلاة في الثياب المبتاعة من المسلم و غيره، الشاملة بإطلاقها للمقام من غير مقيد لها، سوى عمومات عدم نقض اليقين «3» التي لو لا مرجوحيتها بالنسبة إلى الأولى، لوجب الرجوع إلى أصل الطهارة.

و قد يستدلّ: بأخبار البختج المتقدمة «4»، و هو مع أخصيته من المطلوب كما مر، نجس على القول بنجاسة العصير قبل ذهاب الثلاثين.

و لا يثبت بإخبار العدلين على الأقوى، لعدم دليل عليه.

و قيل بالثبوت «5»، لبعض ما مر في النجاسة مع ما فيه.

بل في الثبوت بإخبار العدل الواحد أيضا قول، اختاره والدي العلّامة رحمه اللّه، لعموم آية التثبت «6».

و في دلالتها نظر.

و لقولهم: «المؤمن وحده حجّة» «7».

و هو لضعفه غير معتبر، و بالشهرة غير منجبر.

و لو سلّم ففي المراد من المؤمن هنا و في معنى الحجة كلمات كثيرة، و مع ذلك مع أخبار أخر معارضة.

______________________________

[1] في «ق»: التطهير.

[2] لا توجد في «ق».

______________________________

(3) راجع الوسائل 1: 245، أبواب نواقض الوضوء ب 1 و ج 3: 482 أبواب النجاسات ب 44.

(4) ص 252 رقم 9.

(5) نسبه صاحب الحدائق 5: 285 إلى المعالم و لم نعثر عليه فيه.

(6) الحجرات: 6.

(7) الفقيه 1: 246- 1096، الوسائل 8: 297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 256

و لحمل أقوال المسلمين

على الصدق.

و عمومه عندنا غير ثابت، فعدم الثبوت به كما هو مقتضى الاستصحاب أقوى.

و الأولى بعدم الثبوت منه: إخبار من لا يعرف عدالته، كأكثر المباشرين لغسل الثياب من القصّارين، و الجواري، و النسوان، سيما إذا لم يكونوا مواضع الاطمئنان.

و الإثبات به «1»، بكون كل ذي عمل مؤتمن في عمله، و بدعوى عمل العلماء و الفقهاء في الأعصار و الأمصار، بل أصحاب الأئمة الأخيار، ضعيف.

و أما الأول: فلعدم ثبوت تلك القاعدة كلية، و إنما هو كلام جار على أقلام بعض الفقهاء، و ثبوت ائتمان بعضهم كالقصّاب و الحجّام لا يثبت الكلية.

مضافا إلى أنّ المتبادر من ذي العمل هو صاحب الصناعة و الشغل، لا من يفعل على سبيل الاتفاق، كأكثر من ذكر.

و أما الثاني: فلعدم ثبوت ذلك منهم في الثياب النجسة، بحيث يعلم الإجماع على قبول مثل ذلك و لو بدون ضمّ قرينة موجبة للعلم، فإنّ ثبوته يتوقف على العلم بتنجّس ثوب جميع العلماء أو غير نادر منهم، ثمَّ بالاكتفاء في التطهر بقبول قول واحد ممن ذكر، ثمَّ خلوّ المقام عن القرينة الموجبة للعلم، و شي ء منها لم يثبت بعد.

بل الظاهر من رواية ميسر: آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه فإذا هو يابس، فقال: «أعد صلاتك، أما إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء» «2»: أنّ أنفسهم أيضا كانوا يغسلون.

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 286.

(2) الكافي 3: 53 الطهارة ب 35 ح 2، التهذيب 1: 252- 726، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 257

بل هذه الرواية دالّة على عدم القبول، بتقريب أنّ الأمر بالإعادة لا يخلو إمّا يكون لأجل كون

حكم الجاهل بالنجاسة الإعادة، أو لأجل عدم الاعتداد بغسل الجارية، و كونه في حكم العامد.

و لكن الأول باطل كما يأتي في كتاب الصلاة، و يدل عليه نفي الإعادة لو كان نفسه هو الغاسل، فتعيّن الثاني.

و بتقرير آخر: لو كان يقبل قول الجارية لكان الثوب له في حكم الطاهر، و هو كالجاهل بالنجاسة، فلا تلزم عليه إعادة، كما إذا غسله نفسه.

و حمله «1» على أن نفسه إذا كان هو الغاسل لبالغ و أزال النجاسة، تأويل بلا دليل.

و هل يفيد الهبة لهم أو البيع معهم حتى يصيروا ملّاكا و يقبل قولهم، كما يحكى عن بعض الأخباريين [1]؟ الظاهر نعم، للإطلاقات المذكورة لقبول قول المالك.

و توهّم عدم تحقق المالكية لعدم القصد إلى الانتقال ضعيف، لتحقّق القصد قطعا، غايته أنّه لمصلحة نفسه، كما قالوا في بيع ما تتعلق به الزكاة قبل حولان الحول.

______________________________

[1] حكاه الأمين الأسترابادي و السيد نعمة اللّه الجزائري عن جملة من علماء عصريهما كما في الحدائق 5: 285.

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 258

الباب الثالث: في أقسام المطهّرات و ما يتطهّر بكلّ منها، و كيفية التطهير به

اشاره

و هي أمور نذكرها مع ما يتعلّق بها في فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 259

الفصل الأول: في الماء
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا إشكال في تطهر الثوب و البدن بالماء مطلقا
اشاره

، كثيرة و قليله، راكده و جارية، و عليه الإجماع بل الضرورة، و الأخبار المصرحة به الواردة في موارد غير محصورة، معنى متواترة.

و لا في تطهر الأرض بالكثير، أو الجاري، أو المطر، و لا خلاف فيه كما قيل «1».

و تدل عليه: مرسلة الكاهلي «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

و هي و إن اختصت بالمطر، إلّا أنه يتعدّى منه إلى الكثير و الجاري باتّحاد حكمهما معه إجماعا.

و موثّقة عمّار: عن الموضع القذر يكون في البيت و غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى عليه، و أعلم موضعه حتى تغسله» «3» دلّت بمفهوم الغاية على حصول التطهر بمجرد الغسل المتحقق بكل من الثلاثة.

و منها، و من الرواية العامية «4» الواردة في الذنوب [1]- المنجبرة ضعفها

______________________________

[1] الذنوب: الدلو العظيمة و قيل لا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء «النهاية الأثيرية 2: 171».

______________________________

(1) الحدائق 5: 378.

(2) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(3) التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(4) صحيح البخاري 1: 65، و رواها الشيخ في الخلاف 1: 494 و عبر عنها الشهيد في الذكرى:

15 بالحديث المقبول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 260

بالشهرة- يظهر تطهّرها بالقليل أيضا، كما صرّح به جماعة «1». بل ظاهر بعضهم «2» عدم الإشكال فيه على القول بطهارة الغسالة، كما هو الحقّ في المورد، لورود الماء لا محالة. بل هو ظاهر كثير من القائلين بنجاستها أيضا، كالخلاف، و المعتبر، و الذكرى «3»، بل نفى عنه الخلاف في الحدائق مع غلبة الماء و قهره

للنجاسة «4».

و قد يستدلّ (له) [1] أيضا بروايات الرشّ في الكنائس «6».

و بالتعليل المستفاد من قوله: «ما أصابه من الماء أكثر» و «أنّ الماء أكثر من القذر» في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر- الذي أصاب البول- الثوب، أو وقع الثوب في ماء الاستنجاء في صحيحة هشام «7» و رواية العلل «8».

و في الأول: أنّ نجاسة المحل غير معلوم، فالرش إما تعبد أو لزوال النفرة.

و في الثاني: أنّ المستفاد من التعليل طهارة الماء لا طهارة المحلّ.

ثمَّ لا فرق فيما ذكر بين الرخوة من الأرض و الصلبة.

نعم مع الرّخاوة و نفوذ النجاسة في الأعماق، ففي تطهّر الباطن مطلقا بنفوذ الماء، سيما القليل نظر، يظهر وجهه فيما سيأتي.

و لا يضرّ ذلك في تطهّر الظاهر المتّصل به قطعا، لبطلان السراية، كما مرّ.

و كذا لا إشكال في تطهّر المتنجّسات التي يعلم وصول الماء- مع بقائه على صدق الماء عليه- إلى جميع مواضعها النّجسة. و تطهّر ما وصل إليه في غير المائعات

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) في جميع النسخ: الجماعة، و منهم صاحب المعالم: 331، و الحدائق 5: 378 و استجوده في المدارك 2: 378 على القول بعدم نجاسة الغسالة.

(2) الحدائق 5: 378.

(3) الخلاف 1: 494، المعتبر 1: 448، الذكرى: 15.

(4) الحدائق 5: 382.

(6) راجع الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلّي ب 13.

(7) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(8) علل الشرائع: 287، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 261

- إن لم يعلم الوصول إلى جميع مواضعه- بماء المطر و أخويه بعد العلم بوصول الماء، للمرسلة المتقدّمة بالتقريب المتقدم، و الظاهر عدم

الخلاف فيه أيضا.

و إنّما الإشكال في تطهّره بالقليل [1]. و الأصل- بملاحظة خلوّ المقام عن نصّ خاصّ بكلّ موضع أو عام- و إن اقتضى العدم، و لكن روايتي السكوني و زكريا بن آدم المتقدّمتين «2» في بحث المضاف، تدلّان على تطهر اللحم المطبوخ بالغسل المتحقق في القليل أيضا، و الظاهر عدم الفصل بين اللحم و ما يشابهه مما يرسب فيه نفس الماء من غير اختلاطه بأجزائه، فالقول بتطهر مثله مطلقا بالقليل قوي، و يقوى لأجله التطهر به فيما لا يرسب النجاسة فيه أيضا بالإجماع المركب.

نعم، في الأخبار الواردة في السمن و الزيت و العسل إذا ماتت فيه الفأرة «3»:

أنها إذا كانت جامدة تلقى الفأرة و ما حولها.

و اللازم منها و لو بضميمة الإجماع المركّب: عدم قبول ما حولها للتطهر و لو بالمطر و أخويه، و هو و إن كان مستبعدا بالمقايسة إلى اللحم، و لكن بعد دلالة النص عليه، و عدم تحقق إجماع بسيط أو مركب على خلافه، لا محيص عن العمل بمقتضاه.

و في تعدي الحكم إلى غير الثلاثة مما يشبهها احتمال، و الأوجه العدم.

فرع: الثوب المصبوغ بالمتنجّس المائع كغيره من الأثواب المتنجسة بالمائعات

، فيطهر بغسله المزيل للعين إن كان للصبغ عين، و إلّا فمطلقا. و لا عبرة باللون كما يأتي.

______________________________

[1] خصوصية القليل إذ لا دليل على التطهّر به هنا سوى حديث الغسل، و صدق غسل الباطن بمجرد نفوذ الماء غير معلوم، و اما غير القليل فيمكن الاستدلال بالتطهر به بمرسلة الكاهلي و إن كان فيه أيضا نظر يأتي. (منه ره).

______________________________

(2) ص 131- 132.

(3) راجع الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 262

و لا فرق فيه بين حالتي الرطوبة و الجفاف، و لا في غسله بالقليل

و غيره.

و قيل: إذا أريد تطهيره قبل جفافه، فالظاهر أنه لا يمكن إلّا في الكثير على وجه يضمحل ماء الصبغ فيه، و أما في القليل فتحصل الإضافة فيما يصل إلى باطن الثوب بملاقاة ماء الصبغ، فلا يفيد الثوب تطهيرا.

و أما بعد الجفاف فيذهب الماء النجس من الثوب، و لم يبق إلّا نجاسة الثوب خاصة.

فإن كان ما فيه من الصبغ لا ينفصل في الماء على وجه يسلبه الإطلاق، فلا إشكال في الطهارة، و إلّا ففيها إشكال، فإنّه بأول الملاقاة يتغيّر، و لا يداخل الثوب إلّا متغيرا فلا يحصل التطهير به «1».

أقول: حصول الإضافة في قليل من الماء الواصل إلى باطن الثوب أولا لا يوجب انتفاء تطهّره [1] بالقليل مطلقا، فإنّه و إن تغيّر بعض ذلك الماء و لكنه يطهر بغيره.

مع أن لنا منع مانعية الإضافة الحاصلة للتطهر مع الإطلاق الابتدائي بعد صدق الغسل.

مضافا إلى أن بعد الجفاف أيضا قد تبقى في الثوب أجزاء جافة من الصبغ، فقد لا تنفصل هذه الأجزاء، و لا يعلم وصول الماء إلى جميعها، و إن وصل تحصل الإضافة المتقدمة، فلا يتفاوت حاله في الحالين.

المسألة الثانية: الحقّ عدم قبول غير الماء من المائعات للتطهر

[2]، سواء في ذلك الدهن و غيره، وفاقا لجماعة [3]، للأصل، و الاستصحاب، و انتفاء الدليل

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: تطهيره.

[2] في «ه» و «ق»: للتطهير.

[3] منهم صاحبا المدارك 2: 332، و الذخيرة: 164.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 5: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 263

على قبوله التطهر [1] سوى ما دلّ على تطهر ما رآه الماء، و هو هنا غير ممكن.

أمّا غير الدهن: فلأنه إنما يعقل حصول الطهارة له مع إصابة الماء جميع أجزائه، و عدم خروج الماء عن إطلاقه، و ذلك إنما يتحقق بشيوعه في

الماء و استهلاكه فيه، بحيث لا يبقى شي ء من أجزائه ممتازا، إذ مع الامتياز عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء معلوم، و إذا حصل الامتزاج الكذائي يخرج المائع عن حقيقته.

فإن قيل: خروج الماء عن إطلاقه بعد تطهر المائع بملاقاته- كما مرّ- غير ضائر، فلا يحتاج إلى الاستهلاك.

قلنا: نعم إذا علم مسبوقية الخروج عن الملاقاة لكل جزء، و هو غير معلوم، بل عدمه قطعا معلوم، فيستصحب نجاسة جزء مثلا، و به ينجس الجميع، لعدم كونه ماء مطلقا.

و أمّا الدهن: فلأنّ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه غير ممكن، لشدة اتّصال أجزائه بعضها ببعض. بل يعلم خلافه، لأنّ الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به، و إنّما يصيب سطحه الظاهر.

بل قيل «2» باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه، و إنه مع الاختلاط لا يحصل له إلّا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة.

و تؤيده بل تدلّ أيضا على عدم قبوله الطهارة: الأخبار الواردة في السمن و الزيت الذائبين، و في العسل في الصيف إذا ماتت فيها فأرة، الناهية عن أكلها، الآمرة بالإسراج و بإهراق المرق النجس «3».

و الظاهر أنّ القائل «4» بقبولها التطهير لا ينكر توقّفه على العلم بوصول الماء

______________________________

[1] في «ق»: التطهير.

______________________________

(2) المعالم: 380.

(3) راجع الوسائل 17: 97 أبواب ما يكتسب به ب 6 و ج 24: 194، 196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 و 44.

(4) العلامة في التذكرة 1: 8، و المنتهى 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 264

إلى جميع الأجزاء، و لا عدم حصول ذلك في غير الدهن إلّا بخروجه عن حقيقته، فيرجع النزاع لفظيا.

و مثل المائعات في عدم قبول التطهير، الكاغذ المعمول من الماء النجس، إذ لا دليل على تطهّره بالقليل مطلقا.

و أمّا

الكثير و أخواه فإن دلّت على التطهير بها مرسلة الكاهلي «1»، و لكن دلالتها عليه تتوقّف على العلم بوصول نفس الماء- دون رطوبته- إلى جميع أجزائه الموجب لتشتتها المخرج إياه عن حقيقته.

و مثله الطين المعمول من الماء النجس، و العجين المعجن به و ما شابههما.

نعم بعد إلقاء أمثال ذلك في الجاري و نحوه، و تفرّق أجزائها بحيث علم وصوله إلى جميعها لو جمعت تكون طاهرة.

و أمّا مثل الصابون، و الخبز، و الحبوبات المستنقعة في الماء النجس، فلا خفاء في عدم تطهره قبل الجفاف، مطلقا لا في القليل و لا في غيره، لعدم العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، لمزاحمة ما فيه من الماء النجس للطاهر.

و أمّا بعد الجفاف: فظاهر جماعة [1] تطهّره باستنقاعه في الماء الطاهر حتى ينفذ في أجزائه.

و فيه إشكال، إذ لا دليل على تطهّره بالماء، سوى المرسلة و عموم قولهم: الماء يطهّر، على ما قيل، و التطهر به موقوف على العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو لا يحصل البتة، لأنّ غاية ما يعلم هو وصول الرطوبة إلى جوفه، و أمّا وصول الماء بحيث يصدق عرفا أنّه رآه الماء فممنوع.

و الحاصل: أنّ بالاستنقاع و إن نفذت الرطوبة في جوفه، و لكن لا على وجه يعلم صدق الماء على كل جزء من الماء النافذ، فإنّه إنما يختلط مع أجزائه و يسري

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 15، و البيان: 95.

______________________________

(1) المتقدمة ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 265

في جوفه، و صدق الماء على ذلك المختلط ممنوع.

و الاستدلال «1»: بأخبار «2» اللحم المشار إليها هنا غير ممكن، لظهور الفرق، فإنّ الماء ينفذ في اللحم و يخرج منه حال كونه ماء مطلقا و

لا يختلط مع الأجزاء اللحمية، بخلاف الحبوبات، و القول بالفصل بين اللحم و الحبوبات متحقّق. مع أنّ الغسل المذكور في أحاديث اللحم لا يتحقق في أعماق الحبوبات لتحققه [بالجريان ] [1] المنتفي هناك.

و قد يستدلّ للخبز: بمرسلة الفقيه: دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر و أخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك كان معه فقال له: «يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت» «4» الحديث.

و فيه نظر، إذ لم يعلم رطوبة القذر الواقع فيه الخبز بحيث تسري النجاسة إلى جوفه، فلعلّه لم يكن كذلك.

و لو تنجّس ما ينعقد بعد ذوبانه- كالفلزات- حال الذوبان و الميعان ثمَّ انعقد، فالظاهر عدم الإشكال في طهر ظاهره بالغسل، لما مر.

و أمّا بجميع أجزائه، فالظاهر تعذّره، لتوقّفه على العلم بوصول الماء إلى جميعها، و هو غير ممكن و لو مع الذوبان ثانيا.

هذا، و بما ذكرنا تحصل لك الإحاطة بجزئيات ما يتطهر بالماء و ما لا يتطهر به، و تقدر على إجزاء الحكم فيها.

و قد يقال: إنّ التحقيق أنّ الطهارة بالغسل لا خصوصية له ببعض الجزئيات التي وردت به النصوص حتى يحتاج فيها إلى طلب الدليل، بل تلك

______________________________

[1] في جميع النسخ: على الجريان، و ما أثبتناه أنسب.

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 180.

(2) راجع ص 261 رقم 2.

(4) الفقيه 1: 18- 49، بتفاوت يسير، الوسائل 1: 361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 266

الجزئيات الواردة خرجت مخرج التمثيل، و حينئذ فيصير الحكم كليا «1».

و فيه: أنّ التعدّي من جزئي إلى غيره، و جعله من باب التمثيل يحتاج إلى الدليل، و تحقّقه في المقام بحيث يثبت الحكم في جميع الجزئيات و

في جميع المياه أول الكلام.

المسألة الثالثة: المشهور
اشاره

- كما في اللوامع و المعتمد، و في الثاني: عليه الشهرة القوية، بل المعروف بين الأصحاب كما في كلام جماعة [1]، بل من غير خلاف يعرف كما في الحدائق «3»، بل بإجماعنا كما هو ظاهر المنتهى «4»، حيث نسب الخلاف فيه إلى ابن سيرين، بل بلا ريب كما في شرح القواعد «5»-: توقّف طهارة الثياب و غيرها مما يرسب فيه الماء على العصر.

و تردّد فيه جماعة من المتأخرين «6»، بل حكم والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد بالعدم فيما لم تتوقّف إزالة عين النجاسة عليه.

و استشكل في التذكرة فيما لو جفّ الثوب بعد الغسل من غير عصر «7».

و ظاهر البيان: وجود الخلاف أيضا [2].

و الحقّ هو الأول، للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة القوية: «و إن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، و من ماء راكد مرتين، ثمَّ أعصره» «9».

و اختصاصه بالبول و الثوب- لعدم الفصل- غير ضائر.

______________________________

[1] منهم صاحبا المعالم: 323، و الذخيرة: 162.

[2] حيث قال: لو أخلّ بالعصر في موضعه فالأقرب عدم الطهارة (منه ره) البيان: 94.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 5: 373.

(3) الحدائق 5: 365.

(4) المنتهى 1: 176.

(5) جامع المقاصد 1: 173.

(6) مجمع الفائدة 1: 335، المدارك 2: 327، الذخيرة: 162.

(7) التذكرة 1: 8.

(9) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 267

و الاستدلال: بأنّ النجاسة ترسخ فلا تزول إلّا بالعصر. و بأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها. و بأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب و نحوه بالعصر، لأنّه داخل في مفهومه، و بدونه صبّ، كما يدلّ عليه التفصيل بينهما في بعض الروايات، كصحيحة البقباق «1»،

و رواية ابن أبي العلاء «2»، مع أنّ في الأخيرة تصريحا بالعصر أيضا، فإنّ فيها: عن الصبي يبول في الثوب قال. يصب عليه الماء قليلا ثمَّ يعصره». و باستصحاب النجاسة. ضعيف.

أمّا الأول: فلاختصاصه بالنجاسة الراسخة، و منها بما كانت لها عين، و أما ما لا عين لها كالبول، فيمنع وجوب إخراجها، بل يطهر بوصول الماء حيث بلغت النجاسة.

و أما الثاني: فلمنع نجاسة الغسالة مطلقا.

سلّمنا، لكن طريق إزالتها بالعصر غير منحصر، فلعلها تحصل بالجفاف، و يعفى عن ملاقاة المحل لها، كما يعفى عنها مع العصر.

على أن العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة، و قد اعترفوا بطهارة المتخلّف بعد العصر و إن أمكن إخراجه بعصر أشدّ.

لا يقال: بعد تسليم النجاسة يجب الاقتصار في العفو على محل الوفاق، و هو ما إذا أخرجت الغسالة بالعصر.

إذ لنا أن نقول: الأصل عدم تنجّس المحل و إن خالطته الغسالة، و الثابت من أدلة نجاسة الملاقي للنجس لا يعمّ المقام، فالغسالة النجاسة تخرج بالجفاف، و المحل يكون طاهرا.

و أما الثالث: فلمنع الدخول لغة أو عرفا، و لذا يصح أن يقال: غسلته و ما

______________________________

(1) التهذيب 1: 261- 759، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 2.

(2) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الاستبصار 1: 174- 603، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 268

عصرته، و لذا يصدق على الوضوء و الغسل و تطهير البدن عن الخبث من غير الدلك الذي هو في البدن بمنزلة العصر في الثوب، و يحصل في الماء الجاري بدون العصر، و كذا في الجلود و الثقيل من الخبايا مع عدم العصر، و عسره

لا يوجب تحقق غسله، بل اللازم منه إيجابه مهما أمكن، أو الحكم [1] بالعفو.

و التفصيل في الروايات لا يدلّ على اعتبار العصر في الغسل، بل غايته مغايرته للصبّ، فلعلّها بأمر غيره، كأن يشترط في الغسل الاستيلاء و الجريان و الانفصال في الجملة دون الصبّ.

و أمّا ما قيل: من أنّ انفصال الماء و إجزاءه داخل في مفهوم الغسل لغة و عرفا، و تحقق المعنيين قد لا يحتاج إلى أمر خارج من الصب، كما في البدن و الأجسام الصلبة، فيتحقق الغسل في مثله من غير عصر، و قد يحتاج إليه فيتوقف على العصر و التغميز لإجراء الماء على جميع أجزاء ذلك الجسم و فصله عنه، فيكون العصر، شرطا لذلك، لا داخلا في مفهوم الغسل «2».

ففيه: أنّا لو سلّمنا اشتراط المعنيين في تحقق الغسل، فنمنع توقفهما على العصر في نحو الثياب مطلقا، فإنّ الصفيقة من الثياب، سيما إذا كانت حريرا، إذا أخذت معلّقة، أو لفّت على جسم صلب، إذا صب عليها الماء، يجري عليها و ينفصل سريعا، فيتحقق المعنيان، فيطهر من غير عصر لو لم ترسخ فيها النجاسة.

و أيضا: الثياب الرقاق كالكتان و نحوه إذا بسطت و صبّ عليها الماء، يجري عليها و ينفصل عنها دفعة.

مع أنّ الإجزاء و الانفصال في الجملة مع غلبة الماء يحصل في كل ثوب و إن لم يعصر لا محالة، و انفصال جميع أجزائه غير واجب، و لذا لا يجب العصر الأشد

______________________________

[1] في «ه»: و الحكم.

______________________________

(2) قال في غنائم الأيام: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 269

بعد حصول الأدون.

و أيضا: إذا صب الماء المستولي على الثوب، ينفصل عنه أكثر أجزاء الماء لا محالة و إن كان حصوله بالعصر أسرع، و اشتراط الانفصال

سريعا لا دليل عليه، على أنّه يوجب عدم تحقق الغسل في الجاري و الكثير بدون العصر، مع أنّهم لا يقولون به.

و التفرقة بأنّه إذا دخل الجسم في الماء متدرّجا، فكل جزء يدخل في الماء فيمرّ الماء عليه و ينفصل منه، ثمَّ يمر على الجزء الآخر، و هكذا. واهية جدا، لأنّه إذا صبّ الماء على جزء أيضا، يمر عليه الماء و ينفصل منه و يمر على آخر، سيما إذا صبّ مع الغلبة و الاستيلاء، فإن المعتبر من الانفصال هو العرفي، و هو حينئذ متحقق، بل تحقق الانفصال العرفي في الجاري و الكثير غير معلوم.

هذا، مع أنّ صريح الرضوي المتقدم «1»: خروج العصر عن الغسل.

و أما التصريح بالعصر في الرواية فهو لا يثبت الوجوب، مع أنه لو قلنا بكون الإخبار في مقام الإنشاء دالا على الوجوب، لوجب تخصيص الصبي فيها بالمغتذي، و هو ليس بأولى من حمل العصر على الاستحباب.

و أما الرابع: فلزوال الاستصحاب بالغسل المزيل شرعا.

هذا، ثمَّ العصر الواجب هل يختص بالقليل من الراكد، أو يجب في غيره أيضا؟ الظاهر عدم الخلاف في عدم اعتباره في الجاري.

و وجهه على ما ذكرناه من استناد العصر إلى الرضوي ظاهر، لعدم ثبوت تعلق جملة «ثمَّ أعصره» بالجملتين، فتختص بالأخيرة المتيقّنة. مع أنّه على فرض التعلّق بهما لا يثبت به الحكم في الجاري، لانتفاء الشهرة الجابرة فيه.

و منه يظهر اتّجاه عدم اعتباره في الكثير من الراكد أيضا، وفاقا للأكثر،

______________________________

(1) ص 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 270

و خلافا لظاهر الصدوقين «1»، و الشرائع، و الإرشاد «2»، إمّا لإطلاق الراكد في الخبر، و يدفع: بما مرّ من الضعف الذي في المقام غير منجبر. أو لأحد الاعتبارات التي لاعتبار العصر ذكروها،

و قد عرفت ضعفه.

و لا يمكن الاستدلال للتعدّد في الكثير: بصحيحة ابن مسلم الآتية «3» الآمرة بغسل الثوب في المركن مرتين، بتقريب: أنّ المركن شامل بحسب المعنى اللغوي لكل محل ماء راكد و إن كان كثيرا، و لا يضر تفسيره بالإجّانة، لأنه إن سلّمنا ثبوته فهو معنى طار يقتضي الأصل تأخّره.

لأنّا لو سلّمنا عموم معناه اللغوي، فليس المراد منه في الصحيحة حقيقته الشاملة لمركن الماء و غيره، بل هو مجاز، و إذا فتح باب التجوّز فهو غير منحصر بالمعنى العام، فلعلّه الإجّانة.

فروع:
أ: الواجب فيما يجب غسله مرتين: عصران

، بعد كل غسل عصر عند المحقق «4»، و عصر بين الغسلتين عند اللمعة «5»، و بعدهما عند الصدوقين «6» و طائفة من الطبقة الثالثة «7».

و لعل الأول ناظر إلى اعتبار العصر في الغسل، و الثاني أنّه لإخراج النجاسة الراسخة، و الثالث إلى كون العصر لنجاسة الغسالة مطلقا، فلا فائدة في العصر الأول، أو إلى دلالة الرضوي «8» عليه، و لكنها إنما تفيد عند من يقول بحجيته في

______________________________

(1) الفقيه 1: 40، و نقله في الهداية: 14 عن رسالة والده.

(2) الشرائع 1: 54، مجمع الفائدة 1: 333.

(3) في ص 274.

(4) المعتبر 1: 435.

(5) اللمعة (الروضة 1): 61.

(6) تقدم ذكرهما في نفس الصفحة رقم 1.

(7) المدارك 2: 328، الحدائق 5: 368.

(8) تقدم ص 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 271

نفسه، و أما على ما ذكرنا من أنّها لانجباره بالشهرة، فيقتصر في الاستناد إليه بما اشتهر و هو أصل العصر، و أما تأخيره فلا.

و على هذا مع ملاحظة ضعف سائر المباني و أصالة عدم وجوب الزائد على عصره، فالمتّجه كفاية عصرة واحدة مخيرا بين توسيطها بينهما، و تأخيرها عنهما [1].

ب: لا يجب الدلك في الجسد و نحوه من الأجسام الصلبة إذا لم تتوقف عليه إزالة العين

، وفاقا للمعتبر و المنتهى «2» و أكثر الثالثة [2]، للأصل، و إطلاقات التطهير و الغسل.

و دعوى دخوله فيهما ضعيفة.

و خلافا للفاضل في نهاية الاحكام و التحرير «4»، للاستظهار، و موثّقة عمار:

عن القدح الذي يشرب فيه الخمر: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرات» «5».

و الأول لا يصلح لإثبات الوجوب، و الثاني- لاختصاصه بالخمر و عدم ثبوت الإجماع المركب- أخص من المطلوب، و لعلّه لعدم العلم بزوال العين في الخمر، لما لها من شدة اللصوق بمحلها [3].

ج: لا عصر فيما يعسر عصره من البسط، و الفراش، و الوسائد، و نحوها

، للأصل، و اختصاص الخبر المذكور بالثوب، بل إن تنجّس [4] ظاهره من غير نفوذ

______________________________

[1] و يرد على مبنى القول الثاني أيضا أنه لا دليل على وجوب إخراج النجاسة قبل الغسلة الثانية (منه ره).

[2] منهم صاحبا المدارك 2: 329 و الحدائق 5: 369.

[3] و قد يرد الموثقة أيضا بأنها معارضة مع ما رواه هذا الراوي أيضا من الاكتفاء في غسل الإناء من الخمر بالمرة الخالية عن الدلك (منه ره).

[4] في «ح»: يتنجّس.

______________________________

(2) المعتبر 1: 435، المنتهى 1: 176.

(4) نهاية الأحكام 1: 278، التحرير 1: 24.

(5) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 272

فيه يغسل الظاهر بإجراء الماء عليه، من غير حاجة إلى مسح أو دقّ أو تغميز، إلّا مع توقف العلم بإزالة عين النجاسة عليه، و لا إلى إنفاذ الماء إلى باطنه، لتحقق غسل الموضع النجس.

و لرواية إبراهيم بن أبي محمود: الطنفسة و الفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما و هو ثخين كثير الحشو؟ قال: «يغسل ما ظهر منه في وجهه» «1» و إن نفذت النجاسة

في باطنه، فإن لم تسر إلى الجانب الآخر و أريد تطهير الظاهر و الباطن، يجري الماء على الموضع النجس من الظاهر و الباطن حتى يخرج من الجانب الآخر فيطهران، ليتحقق الغسل.

و المروي في قرب الإسناد للحميري و كتاب علي: عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: «يغسل الظاهر ثمَّ يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر» «2».

و إن أريد تطهير الظاهر خاصة- و لا بأس به- فيجري الماء على الظاهر فقط فيطهر، لتحقق الغسل، و رواية إبراهيم.

و لا تضر مجاورته للباطن النجس، لبطلان السراية كما مر.

المسألة الرابعة: لا شك في حصول التطهر [1] بالقليل

بإيراده على المحل النجس أو عكسه على القول بعدم تنجسه بالملاقاة.

و كذا لا خلاف فيه بإيراد الماء على القول بتنجسه مطلقا أو مع ورود النجاسة.

و أما في حصوله على القولين الأخيرين لو عكس، بأن يورد المحل على الماء،

______________________________

[1] في «ه»: التطهير.

______________________________

(1) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 2، الفقيه 1: 41- 159، التهذيب 1: 251- 724، الوسائل 3: 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 281- 1114، مسائل علي بن جعفر: 192- 397، الوسائل 3: 400، أبواب النجاسات ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 273

و عدمه قولان: الثاني- و هو الحق- للسيد «1» و جماعة [1].

لا لأدلّة تنجّس القليل بالملاقاة مطلقا أو مع ورود النجاسة، و النجس لا يطهر، و لذا يجب كون الماء المغسول به طاهرا.

و لا لاستلزام نجاسته تنجّس المحل فلا يفيد طهارته.

لضعف الأول: بعدم ثبوت التنافي بين النجاسة و تطهير [2] المحلّ كما في حجر الاستنجاء.

و وجوب طهارة الماء المغسول به مطلقا ممنوع، و لا دليل عليه سوى الإجماع،

و الثابت منه هو اشتراط الطهارة ابتداء أي قبل ملاقاة النجس.

و الحاصل: أنّ الممنوع من التطهير به ما كان نجسا قبل التطهير، لا ما ينجّس به، و قد صرّح بهذه المقالة جمع من المتأخرين كالمحقق الأردبيلي، و شارح الدروس، و صاحبي الذخيرة و الحدائق «4»، و لذا ترى كثيرا من القائلين «5» بنجاسة القليل بالملاقاة مطلقا يحكمون بنجاسة الغسالة و يقولون بتطهير المحل.

و الثاني: بمنع تنجّس المحل به، فإنّ تنجّس مثل هذا الملاقي لمثل هذا النجس غير ظاهر، و دليل التنجيس عن إفادته قاصر، و استبعاده مدفوع: بوجود النظائر، كاللبن في ضرع الميتة، و الإنفحة منها، و الصيد المجروح لو وجد في ماء قليل على ما قيل، و الغسالة الواردة على القول بنجاستها.

بل لأصالة عدم الطهورية و استصحاب النجاسة، و المستفيضة الآمرة بالصبّ على الجسد من البول «6»، المقيدة بالنسبة إلى مطلقات الغسل، الواجب

______________________________

[1] منهم الحلّي في السرائر 1: 181، و العلامة في المنتهى 1: 176.

[2] في «ه»: و تطهّر.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.

(4) مجمع الفائدة 1: 287، مشارق الشموس: 255، الذخيرة: 163، الحدائق 1: 305 و ج 5:

40.

(5) كالمحقق في الشرائع 1: 55، و العلامة في القواعد 1: 5.

(6) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 274

حملها عليها، المتعدّية حكمها من البول و الجسد إلى غيرهما بعدم الفصل.

خلافا لطائفة من الطبقة الثالثة [1]، فاختاروا الأول، و استوجهه في الذكرى «2»، لتحقق الغسل عرفا، و ترتّب الطهارة عليه بالأخبار الغير العديدة، كالنهاية عن الصلاة في الثوب النّجس حتى يغسل «3»، فإنها تدل بالمفهوم على جواز الصلاة المستلزم للطهارة هنا إجماعا مع الغسل، و الآمرة بغسل الثوب و البدن

«4»، المقتضية للإجزاء في تحقق فائدته التي هي الطهارة بتحقق الغسل.

و لخصوص صحيحة ابن مسلم: عن الثوب يصيبه البول قال: «اغسله في المركن مرتين» «5» و المركن هي الإجّانة التي تغسل فيها الثياب، و بضميمة الإجماع المركب يثبت الحكم في غير الثوب أيضا.

و لرواية السرّاد في مطهّرية النار «6»، و موثّقة عمّار في غسل الأواني «7».

و يجاب عن الأول: بما مرّ من وجوب حمل المطلق على المقيد.

و هو الجواب عن الثاني، إذ لو سلّمنا دلالته فإنّما هو من جهة إطلاق الغسل في المركن، و أمّا الخصوصية فلا، إذ الغسل في المركن كما يكون بإدخال الماء فيه ثمَّ وضع الثياب عليه، يكون بالعكس أيضا، فيصبّ عليها فيه الماء و تعصر.

و لا يضر اجتماع الماء فيه و ملاقاته للثوب قبل تمام غسله، الموجبة لتنجسه الموجب لتنجس الثوب، لمنع إيجابها تنجس الماء أولا، لعدم تحقق ورود النجاسة عليه، و منع تنجس الثوب به ثانيا، على ما مر، و اعترف به المخالف في خصوص

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 5: 400.

______________________________

(2) الذكرى: 15.

(3) راجع الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19.

(4) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

(5) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(6) الكافي 3: 330 الصلاة 27 ح 3، الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 3: 527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.

(7) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 275

المورد.

مع أنه- كما مر «1»- محتمل عموم المركن للكثير أيضا، فيخصّ بأخبار الصب، لاختصاصها بالقليل قطعا كما يأتي. و لا يضر ذلك فيما ذكرنا من عدم

اعتبار التعدد في الكثير، لأنّ ذلك مجرّد الاحتمال لدفع الاستدلال.

و أما الثالث و الرابع: فعدم دلالتهما ظاهر واضح.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر وجه التفرقة بين الورودين على القول بتنجس القليل مطلقا، و اندفع ما استشكل من أنّ وجه التفرقة بينهما على التفرقة في الانفعال ظاهر، إذ يمكن أن يكون بناء المانع من التطهير على ورود المحل تنجس الماء، و عدم صلاحية المتنجس للتطهير عنده. و أما على القول بالانفعال المطلق فلا وجه لها.

و يمكن أيضا أن يكون الوجه: أن الماء و إن تنجس في الصورتين، و المتنجس عنده غير قابل للتطهير، إلّا أنّ الإجماع و الضرورة دلّا على التطهر بالقليل أيضا، فهو مخالف للقاعدة، ثابت بالضرورة، فيجب الاكتفاء فيه بمحلها و هي [1] ورود الماء.

المسألة الخامسة: مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا
اشاره

كما في المعتبر «3» و غيره «4»، بل في الناصريات و الخلاف «5»: الإجماع عليه، و ادّعاه والدي في المعتمد و اللوامع أيضا: أنّه يكفي صب الماء مرة في بول الصبي الذي لم يأكل.

و الحجة فيه- بعد الإجماع- المستفيضة التي منها الحسن بل الصحيح: عن بول الصبي، قال: «يصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا، و الغلام

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: مع ورود الماء

______________________________

(1) ص 269.

(3) المعتبر 1: 436.

(4) المفاتيح 1: 74، الذخيرة: 164، الحدائق 5: 384.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، الخلاف 1: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 276

و الجارية شرع سواء» «1».

و الرضوي: «و إن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا، و إن كان قد أكل فاغسله، و الغلام و الجارية سواء» «2».

و رواية السكوني: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام

لا يغسل منه الثوب و لا بوله قبل أن يطعم، لأنّ لبن الغلام من العضدين» «3».

و العاميّان المرويان عن النبي في الناصريات و غيره:

أحدهما: «يغتسل من بول الجارية، و ينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام» «4».

و ثانيهما: أنّ النبي أخذ الحسن بن علي «5» فأجلسه في حجره، فبال عليه، قال: فقلت له: لو أخذت ثوبا فأعطيتني إزارك فأغسله، فقال: «إنما يغسل من بول الأنثى، و ينضح من بول الذكر» «6» و إن كان في الاستدلال بهما نظر تأتي الإشارة اليه.

و بهذا الأخبار المنجبر ضعف بعضها بالعمل تخصّص عمومات غسل

______________________________

(1) الكافي 3: 56 الطهارة ب 36 ح 6، التهذيب 1: 249- 715، الاستبصار 1: 173- 602، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.

(2) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 1: 250- 718، الاستبصار 1: 173- 601، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، و راجع سنن أبي داود 1: 103، سنن ابن ماجه 1:

174- 525- بتفاوت يسير- سنن البيهقي 2: 415.

(5) كذا في النسخ، و في المصادر: الحسين بن علي.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، و راجع سنن أبي داود 1: 102- 375، سنن ابن ماجه 1 174- 522، سنن البيهقي 2: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 277

البول، أو بول ما لا يؤكل لحمه «1»، أو بول الصبي كموثّقة سماعة «2»، بل حسنة ابن أبي العلاء أيضا و هي: عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصب عليه الماء قليلا ثمَّ يعصره» «3» على القول بكون الفارق بين الغسل و الصب هو العصر، و إلّا فلا دلالة لها

على الغسل.

و يجاب عن دلالتها على العصر: بعدم كونها مفيدة لوجوبه، و غاية ما تفيده استحبابه و هو كذلك، لذلك.

و قيل بوجوبه، بل وجوب الإجزاء أو الانفصال أيضا، مع توقّف إزالة عين البول عليه «4».

و هو خروج عن مقتضى النصّ، فإنّه يقتضي الاكتفاء بالصب مطلقا، و لا دليل على وجوب الزائد من إخراج الماء المصبوب، أو البول المختلط معه.

ثمَّ الحقّ الموافق للظاهر كلام الأكثر- كما صرّح به جماعة [1]- اختصاص الحكم بالصبي، فلا يجري في بول الصبية و يجب غسله، لأنّه مقتضى الروايات الأخيرة المنجبرة بالشهرة، فيعارض بها قوله: «و الغلام و الجارية سواء» في الأوليين إن كان حجة و دلّ على خلاف المطلوب، و يرجع إلى الأصل الثابت بعمومات غسل البول، مع أنّهما في معرض المنع.

أما الأول: فلأن الاولى و إن كانت في نفسها حجة، و لكن جزاه الأخير

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 176، و صاحبا الذخيرة: 165 و الحدائق 5: 385.

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1، و ص 404 ب 8.

(2) موثقة سماعة: «عن بول الصبي يصيب الثوب، فقال: اغسله، قلت: فان لم أجد مكانه؟ قال:

اغسل الثوب كله» (منه ره)، التهذيب 1: 251- 723، الاستبصار 1: 174- 604، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 3.

(3) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الاستبصار 1: 174- 603 الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.

(4) نسب في مفتاح الكرامة 1: 177 لزوم الانفصال إلى بعض الحواشي (يعني الحواشي على القواعد).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 278

لمخالفته الشهرة العظيمة عن الحجية خارجة. و الثانية في نفسها ضعيفة، و الشهرة الجابرة لها في

المورد مفقودة.

و أما الثاني: فلأنّ المساواة الكلّية من التسوية المطلقة غير ثابتة، و إرادة التسوية في الحكم الأخير الذي هو وجوب الغسل مع الأكل ممكنة، يعني إذا أكل.

و بهذا و سابقة مع الأصل المذكور يتمّ الحكم بالاختصاص لو نوقش في دلالة الروايات الأخيرة على وجوب الغسل في بول الأنثى.

و نسب إلى الظاهر الصدوقين «1»: التسوية، و لكنّها عبّرا في الرسالة «2» و الهداية «3» و الفقيه «4» بمثل ما عبّر به في الرضوي «5»، فما ذكرنا من الاحتمال في يجري في كلامهما أيضا بل هو في كلام الصدوق ظاهر، لأنه قال- بعد حكمه بالصب في بول الغلام قبل الأكل، و الغسل بعد الأكل-: و الغلام و الجارية في هذا سواء.

فروع:
أ: صرح الفاضلان بتعليق الحكم على الأكل و الطعام و عدمهما «6».

و منهم [1] من علّقه على الاغتذاء بغير اللبن، مساويا له أو زائدا عليه و عدمه، و الحلي «8» على تجاوز الحولين و عدمه.

و نظر الأولين إلى ظاهر الروايات.

______________________________

[1] لم نعثر عليه، نعم كثير منهم علّقوا عليه و على الحولين كما في جامع المقاصد 1: 173، و الروض: 167.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 177.

(2) نقله في المعتبر 1: 437.

(3) الهداية: 15.

(4) الفقيه 1: 40.

(5) تقدم ص 276.

(6) المحقق في المعتبر 1: 436، و العلامة في المنتهى 1: 176.

(8) السرائر 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 279

أما الثانيان، فلعلّ نظر أولهما إلى التعليل المذكور في رواية السكوني «1»، فإنّه يمكن أن يستفاد منه أنّ أخفّية بول الغلام لأجل نظافة أصله الذي هو لبن امّه، فيثبت ذلك ما لم يعلم حصول بوله من غير اللبن، و ذلك إنّما يكون ما لم يساو غير اللبن له. و نظر ثانيهما إلى أنّ المراد بالأكل و الطعام ترك اللبن

و الفطام عنه، و هو في الشرع مقدّر بالحولين.

و الأوجه هو الأول، لما مرّ. و ضعف ما للثاني بأنّ مقتضاه انتفاء الحكم إذا انتفى العلم بحصوله من اللبن، و هو ينتفي بالاغتذاء بغيره و لو كان أقل. و ما للثالث بمنع كون المراد من الأكل ما ذكر.

ثمَّ لا شكّ في أنّ المعتبر في الأكل ما يكون مستندا إلى شهوته و إرادته، كما صرح به في المنتهى «2»، لأنّه المفهوم من نسبة الأكل و الطعام إليه، و لولاه، لتعلّق الغسل [1] بساعة الولادة، لاستصحاب التحنيك بالتمر، فلا عبرة بما يعلق دواء من غير ميل إليه.

و لا يلزم أن يكون إطعامه إياه لأجل كونه غذاء له، فلو اطعم بشي ء دواء و أكله الصبي بالشهوة و الإرادة، يجب الغسل، لصدق الأكل و لو كان نادرا، كما هو ظاهر المنتهى «4».

و صرّح في المعتبر بعدم اعتبار النادر و لو بالشهوة «5». و الأظهر الأول.

ب: لو أرضع الغلام بلبن الجارية أو بالعكس

، فمقتضى تعليل رواية السكوني: تعلّق حكم من له اللبن بالمرتضع، سيما إذا غلب إرضاعه من لبنه عليه من لبن نفسه.

______________________________

[1] في هامش «ح»: الحكم خ ل.

______________________________

(1) المتقدمة ص 276.

(2) المنتهى 1: 176.

(4) المنتهى 1: 176.

(5) المعتبر 1: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 280

و لا يبعد المصير إليه في الجارية المرتضعة من لبن الغلام، إذ لا دليل على وجوب الغسل في بول الجارية، سوى عمومات غسل البول، الواجب تخصيصها بذلك، الدال على كفاية الصبّ، و أما الروايات الأخيرة فهي عن إفادة الوجوب قاصرة.

و أمّا الغلام المرتضع بلبن الجارية، فلمّا لم يثبت من الرواية سوى إيجاب التعليل لرجحان الغسل من لبن الجارية، فلا يثبت وجوب الغسل فيه، فالحكم فيه باق على أصله.

ج: الصبّ اللازم هنا هو إراقة الماء و سكبه

، و هو أعم من وجه من الغسل.

و أما من النضح و الرش المترادفين بنصّ أهل اللغة [1] الموافق للعرف، فإمّا أعمّ منهما مطلقا، بأن يصدق الصب مع استيعاب الماء كل جزء من الموضع المصبوب عليه و بدونه، و مع إراقة الماء مجتمعة الأجزاء و بدونها، و اشتراط عدم الثاني [2] أو عدمهما [3] فيهما [4]، أو أخص كذلك باشتراط الاستيعاب فيه دونهما، أو مغاير لهما باشتراطه [5]- أو مع الإراقة المجتمعة- فيه [6]، و عدمه فيهما.

و الكل محتمل، و استصحاب نجاسة الموضع يقتضي الإتيان بالمقطوع به و هو ما صب مجتمع الأجزاء عرفا، مع استيعاب كلّ جزء من المحلّ.

و جعل الصبّ مرادفا لهما لغة أو شرعا- كبعضهم «7»- ضعيف، كجعل الرشّ أخصّ من النضح.

______________________________

[1] كصاحب الصحاح و القاموس و النهاية و المجمع (منه ره)، الصحاح 1: 411، القاموس 1:

262، النهاية الأثيرية 5: 69، مجمع البحرين 2: 419.

[2] و هو إراقة الماء

مجتمعة الأجزاء.

[3] أي عدم الاستيعاب و عدم إراقة الماء مجتمعة الأجزاء.

[4] أي في النضح و الرش.

[5] أي اشتراط الاستيعاب.

[6] أي في الصّب.

______________________________

(7) الحدائق 5: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 281

و مما ذكرنا ظهر أنّ الاستدلال بالعاميين «1» على الصبّ ليس في موقعه، و لضعفهما و عدم جابر لهما لإثبات النضح و التعارض مع أخبار الصبّ غير صالح.

د: الثابت من أدلة الصبّ هنا كفايته لا تعيينه

، لأنّ غير الرضوي لا يشتمل على ما يفيد وجوبه، و هو إن تضمن الأمر، و لكن الشهرة على وجوبه غير ثابتة.

و على هذا فيكفي الغسل الغير المتضمن للصب [1] إذا كان في غير القليل، لعموم: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3».

و أما في القليل فإشكال، حيث إنّ الأخبار الدالّة على الطهارة بالغسل به خصوصا أو عموما من البول وقع بلفظ الأمر الدالّ على تعيّن الغسل المنتفي هنا قطعا، و أمّا في غير البول و إن كان ما يمكن إثبات كفاية الغسل به مطلقا، و لكن الاستدلال به يحتاج إلى ضميمة عدم الفصل، و تحققه هنا غير معلوم.

ه: الحكم يعم الثياب و غيرها، لإطلاق كثير من الأدلّة.
المسألة السادسة: لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فتطهّره بغسله خاصة.

و إن اشتبه فتتوقف طهارة جميع ما وقع فيه الاشتباه على غسله، فلا يطهر الجميع بغسل موضع منه أو فرد، لاستصحاب النجاسة، و تدل عليه المستفيضة من الأخبار «4».

و لا فرق في ذلك بين الثوب و غيره، الواحد و المتعدد، و المحصور و غيره.

و أمّا كل جزء أو فرد منه فيحكم بطهارته مع غسله بخصوصه قطعا، و بدونه أيضا، لأصالة الطهارة.

______________________________

[1] كالحاصل بوضع الثوب في الماء (منه ره).

______________________________

(1) المتقدمين ص 276.

(3) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(4) راجع الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    282     المسألة السادسة: لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فتطهره بغسله خاصة. ..... ص : 281

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 282

و قولهم بتوقف الطهارة على غسل كلّ جزء، فمرادهم طهارة الجميع، كما يدلّ عليه تصريحهم بعدم التطهير بغسل جزء منه، مع أنّ هذا الجزء يطهر بغسله

قطعا.

ثمَّ المراد بنجاسة الجميع، هو ما يقال في سائر النجاسات، فينجس ملاقيه، أي ملاقي الجميع، لا كل جزء، و لا يجوز استعمال الجميع في مشروط الطهارة [1]، لأنّ النجاسة كانت في ضمن الجميع متحققة، و زوالها- و لو غسل جزء- غير معلوم، فيجب استصحابها الموجب لترتّب جميع أحكامها عليها، إلّا عند من يقول بعدم ترتب أحكام النجاسات على النجاسة الاستصحابية، و هو ضعيف جدا.

نعم، لو ثبت بعض أحكام النجاسات لكل جزء منه أيضا، كما في الثوبين [2]، و الإنائين [3]، فهو لا يوجب ثبوت سائر الأحكام له أيضا.

و التوضيح: أنّ الكلام في المشتبه يقع في مواضع أربعة:

أولها: في طهارة كل جزء على البدلية.

و ثانيها: في تطهير الجميع و زوال النجاسة المتحققة.

و ثالثها: في حكم كل جزء بالنسبة إلى مشروط الطهارة، أو في تنجّس ملاقيه و نحوه.

و رابعها: في حكم الجميع بالنسبة إلى ذلك.

أما الأول: فلا كلام فيه، لطهارة كلّ جزء بالأصل، و تطهره قطعا بالغسل.

و ما في كلامهم «4» من أنّه يجب غسل كلّ جزى فهو لتحصيل العلم بطهارة

______________________________

[1] كالثوب في الصلاة و الأرض في السجود و التيمم و الماء في الطهارة (منه ره).

[2] حيث إنه لا يجوز مع واحد منهما (منه ره).

[3] حيث لا تتم الطهارة بكل واحد منهما (منه ره).

______________________________

(4) كما في المعتبر 1: 437، و الشرائع 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 283

الجميع.

و أما الثاني: فهو الذي يذكرونه في بحث إزالة النجاسات، و يذكرون أنّه لا يطهر بغسل جزء منه، بل يتوقف على غسل الجميع، و الحكم في هذا و سابقة باق على ما يقتضيه الأصل و القاعدة.

و أما الثالث: فهو الذي يذكرونه في طيّ أحكام ثوب المصلّي و الأواني

المشتبهة، و يفرّق طائفة «1» فيه بين المحصور و غيره.

و مقتضى الأصل فيه: كون كل جزء في الحكم كالطاهر، إلّا أنه تخلّف في الثوبين و الإناءين عند الجميع، و في المحصور مطلقا عند جماعة، لأجل الدليل الخارجي. و الواجب الاكتفاء في التخلّف بما يقتضيه دليله، و إبقاء الزائد على مقتضى الأصل.

و أما الرابع: فمقتضى الأصل فيه كون حكمه حكم النجس ما لم يغسل الجميع، و لم يثبت التخلف فيه.

و قد اختلط الأمر في هذه المقامات على بعض المتأخرين، فخلط و لم يفرق بين المقامين: الثاني و الثالث، و ذكر بعض ما يتعلق بأحد المقامين في الآخر.

المسألة السابعة: يجب غسل الثوب و البدن من بول غير الرضيع مرتين

، و لا يكفي المرة، وفاقا للمعظم، بل في المعتبر الإجماع عليه «2»، للاستصحاب، و الصحاح المستفيضة و غيرها.

كصحيحة ابن أبي يعفور: عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرتين» «3».

و صحيحتي ابن مسلم:

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 73، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و صاحب الحدائق 5:

276.

(2) المعتبر 1: 435.

(3) التهذيب 1: 251- 722، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 284

الاولى: عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله في المركن مرتين، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «1».

و الأخرى: عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرتين» «2».

و حسنة ابن أبي العلاء: عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرتين، فإنّما هو ماء» و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرتين» «3».

و قريب منها المروي في السرائر عن البزنطي «4».

و الرضوي: «و إن أصابك بول في ثوبك، فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين» «5».

و صحيحة أبي إسحاق: عن البول يصيب الجسد، قال:

«صب عليه الماء مرتين» «6».

و جعل المرتين في الثوب غسلا و في البدن صبا، إما لمجرد تغيير العبارة، أو لاشتراط زيادة الاستيلاء في الأول لتحقق الجريان و الانفصال المشترطين [1] في الغسل، أو لرسوخ النجاسة فيه (أيضا) [2] بخلاف الثاني.

خلافا فيهما للمنتهى، و القواعد، و الدروس، و البيان، و عن المبسوط «9»،

______________________________

[1] في «ح»: الشرطين.

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 1: 251- 721، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 30- 21، الوسائل 3: 396 أبواب النجاسات ب 1 ح 7.

(5) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 1: 249- 716، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 3.

(9) المنتهى 1: 175، القواعد 1: 8، الدروس: 1: 125، البيان: 95، المبسوط 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 285

و في البدن خاصة لظاهر التحرير، بل الفقيه و الهداية «1»، و بعض آخر «2»، فتكفي المرّة إلّا أنّ في الدروس قيّدها بما بعد زوال العين، للأصل. و حصول الغرض، أعني الإزالة. و ضعف ما دلّ على التعدد سيما في البدن. و إطلاقات الغسل من النجاسات، أو البول مطلقا، أو من أحدهما المتناول للمرة.

و الأول مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بمنع كون الغرض الإزالة، بل هو الطهارة.

و الثالث: بمنع الضعف، و عدم كونه ضائرا لو كان، و انجباره بالعمل لو أضرّ.

و الرابع: بقاعدة حمل المطلق على المقيّد، أو الرجوع

إلى الاستصحاب بعد تعارضهما و تساقطهما.

نعم لو لم يكن هناك مقيد، لصح ما ذكروه، كما في غسل البول من غير البدن و الثوب، و غسل غيره من النجاسات عنهما و عن غيرهما، فإنّ الأمر بمطلق الغسل فيهما متحقق.

أما في الثاني فظاهر.

و أما في الأول فصحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «في الطنفسة و الفراش يصيبهما البول» و موثقة عمار: «في موضع من البيت يصيبه القذر» المتقدمتان «3».

و رواية نشيط: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «4».

و حسنة الحلبي أو صحيحته في بول الصبي الآكل المتقدمة «5».

______________________________

(1) التحرير 1: 24، الفقيه 1: 43، الهداية 14.

(2) كما في المدارك 2: 339.

(3) ص 272 و ص 259.

(4) التهذيب 1: 35- 94، الاستبصار 1: 49- 140، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7.

(5) ص 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 286

و اختصاص الاولى بالطنفسة و الفراش، و الثانية بموضع من البيت، و الثالثة بما يتحقق فيه الغسل من مثل البول- بعد إطلاق الرابعة- غير ضائر مع تمامية المطلوب بعدم القول بالفصل.

فالقول بكفاية المرة في غسل البول من غير الثوب و البدن، و في غير سائر النجاسات مطلقا هو الأصح المتعيّن، وفاقا فيهما للأكثر.

و خلافا في الأول للمحكي في الذخيرة عن جمع من الأصحاب «1»، فطردوا الحكم بالمرتين في البول إلى ما يشبه الثوب و البدن، للاستصحاب، و للمشابهة، أو الأولوية.

و الأول بما مرّ مندفع. و الثاني قياس. و الثالث ممنوع.

فإن قيل: لا يثبت من الإطلاق عدم لزوم الزائد إلّا بضميمة الأصل، و هو لا يدفع الاستصحاب، بل الاستصحاب يدفعه، كما بيّن في موضعه.

قلنا: نعم في الواجبات و المستحبات و نحوهما مما لا يوجب تعلق الحكم بالماهية

إلّا ثبوته لها في الجملة، و أمّا في السببية و المانعية و الحرمة و نحوها، فمقتضى نفس ثبوت الحكم للمطلق ثبوته له أينما وجد، أي بجميع أفراده، فلزوم الزائد ينافي مقتضى نفس الإطلاق.

ألا ترى أن قوله: يجب الغسل، لا ينافي: لا يجب الغسل مرتين، بخلاف: الغسل سبب للطهارة، فإنه ينافي: الغسل مرة أو مرتين ليس سببا لها.

و قوله في رواية نشيط: «يجزي من البول أن يغسل» من قبيل الثاني، بل جميع أوامر الغسل، فإنها بمنزلة قوله: غسله سبب لتطهيره إجماعا، و لأنّ الأمر به ليس إلّا للتطهير قطعا، و ليس تعبّدا محضا، فالغسل من الأسباب، و لذا ترى العلماء كافّة يحكمون بالتطهّر بما ورد الأمر به في باب الطهارات و النجاسات.

و للروضة، فحكم بالمرتين فيه مطلقا «2»، للاستصحاب، و احتمال خروج

______________________________

(1) الذخيرة: 162.

(2) الروضة 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 287

الثوب و البدن في الأخبار مخرج التمثيل، بناء على أنّهما الغالبان في ملاقاة النجاسة، و لأنّ خصوص السؤال عنهما لا يخصص.

و فيه: أنّ الاستصحاب بما مرّ زال، و محض الاحتمال غير صالح للاستدلال، و عدم التخصيص بالسؤال إنما هو إذا كان عموم في الجواب، و هو منتف في المقام.

و لمن يحكم [1] بالمرتين في جميع النجاسات في مطلق المحال، كما يأتي، لما يأتي مع دفعه.

و خلافا في الثاني لظاهر المعتبر حيث قال: يكفي المرة بعد إزالة العين «2» فإنّه يفيد عدم كفاية المرة المزيلة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اغسليه» [2].

و فيه: أنّ الرواية- لضعفها- عن إفادة الوجوب قاصرة.

و للتحرير و ظاهر المنتهى «4» فأوجبا التعدد فيما له قوام و ثخن [3]، للاستصحاب.

و قوله: «إنما

هو ماء» في حسنة ابن أبي العلاء المتقدمة «6»، فإنّ مفهومه اشتراط الأزيد في غيره.

و صحيحة ابن مسلم: ذكر المني فشدّده و جعله أشدّ من البول «7».

و ما في المعتبر بعد إيراد الحسنة عقيب قوله: مرتين: الأول للإزالة و الثاني

______________________________

[1] عطف على المتقدم. أي و خلافا لمن يحكم ..

[2] سنن أبي داود 1: 99- 362. و فيه: «حتّيه ثمَّ اقرصيه».

[3] قال في المنتهى: النجاسات التي لها قوام و ثخن كالمني و شبهه أولى بالتعدد في الغسلات (منه ره).

______________________________

(2) المعتبر 1: 435.

(4) التحرير 1: 24، المنتهى 1: 175.

(6) ص 267.

(7) التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 288

للإنقاء «1».

و الأول بما مرّ مدفوع.

و دلالة الثانيتين ممنوعة، إذ غاية ما يفهم منهما توقف الإزالة في بعض ما هو غير البول على أمر زائد، و لا يلزم منه اعتبار التعدّد، فلعلّه ما يحتاج إليه إزالة العين من ذلك، أو عصر، أو اهتمام في الإزالة، أو أمثال ذلك، مع أنّ التشديد في الثاني في المني تأكيد في إزالته ردّا على جمع من العامّة.

و الرابع: مع عدم تماميته فيما أزيل عينه بغير الماء- ضعيف، لعدم وروده [1] في المعتمدة من كتب الأخبار، و إنما أورده المحقق في المعتبر، بل قيل «3»: إنّ الظاهر أنّه من كلامه توهّم نسبته إلى الرواية غفلة، و يؤيد ذلك عدم وروده في كتب الأخبار.

و للشهيد في اللمعة و الرسالة «4» فأوجبه في النجاسات في غير الأواني مطلقا، كما في الحدائق «5»، أو في الثوب خاصة كما في اللوامع.

و عبارة اللمعة غير مطابقة لشي ء منهما، فإنها مطلقة بالنسبة إلى النجاسات، مختصة بالثوب و البدن.

و

هو مختار المحقق الثاني في الجعفرية، بل في شرح القواعد، حيث قال- بعد الحكم بالمرتين في غسل البول عن الثوب و البدن-: و تعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات- إما بطريق مفهوم الموافقة، أو بما أشير إليه في بعض الأخبار من أنّ غسلة تزيل و اخرى تطهر- هو الظاهر «6».

______________________________

[1] في «ح»: ورود، و «ق»: الورود.

______________________________

(1) المعتبر 1: 435.

(3) الذخيرة: 161.

(4) اللمعة (الروضة 1): 61 الرسالة (الألفية): 38.

(5) الحدائق 5: 363.

(6) جامع المقاصد 1: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 289

و من هذا يظهر دليل هذا القول أيضا. و يضعف المفهوم: بأنّ تحققه فرع ثبوت الأولوية، و هي ممنوعة. و الخبر: بعدم ثبوته كما مرّ.

المسألة الثامنة: المشهور: أنّ أواني الخمر قابلة للتطهير جائز استعمالها بعده (مطلقا)

«1»، لعموم مرسلة الكاهلي: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

و موثقة عمار: عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل؟

قال: «يغسل ثلاث مرات» «3».

و خصوص الموثقين الآخرين له:

أحدهما: عن الدنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء أو كامخ «4» أو زيتون؟ قال: «إذا غسل فلا بأس» و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: «إذا غسل فلا بأس» و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال: «يغسله ثلاث مرات» «5».

و الآخر: في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ، قال: «يغسله سبع مرات» «6».

و رواية الأعور: إني آخذ الركوة، فيقال: إنّه إذا جعل فيها الخمر و غسلت كانت أطيب لها، فيأخذ الركوة فيجعل فيها الخمر فيخضخضه ثمَّ يصبه و يجعل فيها البختج، فقال: «لا بأس» «7».

أقول: إن أرادوا طهارة الظاهر، فهو كذلك، و إن أرادوا مطلقا، ففي دلالة

______________________________

(1) لا توجد

في «ق».

(2) المتقدمة ص 259.

(3) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(4) الكامخ: الذي يؤتدم به، معرب «الصحاح 1: 430».

(5) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

(6) التهذيب 9: 116- 502 و زاد في آخره: و كذلك الكلب، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.

(7) الكافي 6: 430 الأشربة ب 35 ح 5، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 3- بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 290

الأخبار نظر، لمنع حصول العلم بوصول الماء إلى جميع الأجزاء الباطنية، سيما مع مزاحمة ما فيها من الأجزاء الخمرية، و عدم قوة ما ينفذ فيها من الماء.

مع أن كون النافذ ماء عرفا غير معلوم، بل هي الرطوبة، فلا تتم دلالة المرسلة.

و يمكن أن يكون الغسل لحصول طهارة الظاهر الكافية في جواز الاستعمال، لبطلان السراية، فلا تفيد الموثّقة الاولى في المطلوب.

و منه يظهر عدم انتهاض البواقي لإثباته أيضا.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «1» فقال بعدم طهارة غير الصلب منها، لنفوذ النجاسة في الأعماق، فلا يقبل التطهر، و مجرد نفوذ الماء أيضا من غير علم بزوال عين النجاسة غير كاف في التطهير، مع أنه لا يحصل بالنفوذ الغسل العرفي حتى تشمله أحاديث الغسل. بل في صدق ملاقاة الماء أيضا نظر، لمنع صدق الماء على تلك الرطوبة النافذة.

و للروايات:

إحداها: صحيحة ابن مسلم، فقال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدباء و المزفّت، و زدتم أنتم الحنتم «2»- يعني الغضار «3»- و المزفَّت» يعني الزفت الذي يكون في الزق و يصب في الخوابي ليكون أجود

للخمر، قال: و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص فقال: «لا بأس بها» «4».

و الأخرى: رواية أبي الربيع: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 1: 467.

(2) الحنتم: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثمَّ اتسع فيها، فقيل للخزف كلّه حنتم «النهاية الأثيرية 1: 448».

(3) الغضارة: الطين اللازب الأخضر الحرّ كالغضار (القاموس 2: 106) و المراد هنا الإناء الذي يعمل منه.

(4) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 1، التهذيب 9: 115- 500، الوسائل 25: 357 أبواب الأشربة المحرمة ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 291

كل مسكر فكل مسكر حرام» فقلت له: فالظروف التي يصنع فيها منه، فقال:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدبا «1»، و المزفّت، و الحنتم، و النقير» قلت: و ما ذاك؟ قال: «الدبا: القرع، و المزفت: الدنان، و الحنتم:

جرار خضر، و النقير: خشب كانت الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها» «2».

و الثالثة: رواية الجراح: «منع النقير و نبيذ الدبا» «3».

أقول: إن أراد عدم طهارة الباطن، فلا وجه، و إن أراد مطلقا، فضعفه ظاهر، و مستنده غير ناهض.

أما الأول: فلأنّه لا يفيد إلّا نجاسة الأعماق، و سريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر باطل، و تنجّس ما يجعل في الإناء من المائعات بملاقاتها لما في الباطن من النجاسة غير عدم تطهر الظاهر أولا، مع أنّه ممنوع جدا، إذ ليس إلّا بالسراية، فإنّه يتّصل المائع بالنجس بواسطة رطوبته النافذة، و لا نسلّم التنجّس بذلك.

و أما الروايات: فلعدم انحصار وجه النهي في نجاسة الظاهر، بل و لا الباطن، إذ من الجائز أن يكون

لاحتمال بقاء شي ء من أجزاء الخمر فيتصل بما فيه، فنهى عن ذلك تعبّدا.

و أن يكون النهي متوجها إلى الانتباذ فيها، لاحتمال تحقق الإسكار به، لا لسراية النجاسة في أعماقها، كيف لا؟! و من جملتها المزفّت المفسر بالمقيّر، و الحنتم المفسر بالمدهّن، و لا تجري فيهما السراية، و إن هما إلّا كالأجسام الصلبة، الغير القابلة لنفوذ شي ء فيها، المتّفق على قبولها التطهير مطلقا، فليس الخبران من فرض

______________________________

(1) قال الجوهري: الدباء، بضم الدال المهملة ثمَّ الباء المشدّدة الممدودة: القرع (منه ره).

(2) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 3، التهذيب 9: 115- 499، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 52 ح 2.

(3) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 2، الوسائل 25: 357 أبواب الأشربة المحرمة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 292

المسألة قطعا.

خلافا للمحكي عن القاضي «1» و للشيخ في مشارب النهاية «2» أيضا، فقالا بعدم جواز استعمال غير الصلب منها و إن غسل، للروايات المذكورة.

و هي لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة عن الحجّية خارجة، فلمعارضة ما مرّ غير صالحة، سيما مع اشتمال الأولين على الصلب الذي هو غير محل النزاع (أيضا) «3».

و ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحق طهارة الظاهر دون الباطن، و جواز الاستعمال و لو في المائع. و يمكن حمل كل من المشهور و مذهب الإسكافي على ذلك، فنعم الوفاق إن كان كذلك.

ثمَّ لا يخفى أنه لا يختص ما ذكرنا بإناء الخمر، بل الحكم كذلك في كل إناء رخو لنجاسة مائعة.

المسألة التاسعة: غسل إناء الخمر المطهر لظاهره مع الرخاوة

، و مطلقا مع الصلابة ثلاث مرات- وفاقا للشيخ في الخلاف و التهذيب «4» على ما حكى، و في موضعين من مشارب النهاية «5»، و للنافع، و الشرائع، و

المنتهى «6»، و اللوامع- لموثّقة عمّار في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: «يغسل ثلاث مرات» و سئل: يجزيه أنّ يصبّ فيه الماء؟ قال: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «7».

دلّت على عدم الإجزاء لو انعدم أحد الأمرين، فيكونان لازمين. و جعل

______________________________

(1) المهذب 2: 434.

(2) النهاية: 592.

(3) لا توجد في «ه».

(4) الخلاف 1: 182، التهذيب 9: 117.

(5) النهاية: 592، 589.

(6) المختصر النافع: 20، الشرائع 1: 56، المنتهى 1: 189.

(7) الكافي 6: 427 الأشربة المحرمة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 293

الواو في قوله: «و يغسله» مستأنفة خلاف الحقيقة و الظاهر.

خلافا للمعتبر، و المختلف، و التذكرة، و البيان، و الروض، و المدارك، و المعالم، و كفاية الأحكام «1»، فاكتفوا بالمرة إما بعد الإزالة كالأولين، أو بالمرة المزيلة كالبواقي، لإطلاق موثّقة عمار الثانية «2».

و يجاب عنه: بوجوب تقييد المطلق بالمقيد.

و للمفيد «3»، و الشيخ في المبسوط و الجمل و طهارة النهاية «4»، و المحقق الشيخ علي «5»، و الدروس «6»، و جمع من المتأخرين «7»، بل قيل: الظاهر أنه المشهور «8»، فأوجبوا السبع، لموثقته الأخرى: في الإناء يشرب فيه النبيذ. قال: «يغسله سبع مرات و كذلك الكلب» «9».

و يجاب عنها: بعدم دلالتها على الوجوب، لمكان لفظ الإخبار.

و للّمعة «10» فأوجب المرتين، قياسا على الثوب و البدن. و ضعفه ظاهر.

و الحق اختصاص الحكم بالخمر، فلا يتعدى إلى كل مسكر، للأصل.

المسألة العاشرة: يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب [ثلاث مرّات ]
اشارة

«11» على الحقّ المشهور، بل عليه الإجماع محقّقا و منقولا في الانتصار، و المنتهى،

______________________________

(1) المعتبر 1: 462، المختلف: 64، التذكرة 1: 9، البيان: 93، الروض: 172، المدارك

2: 396، المعالم: 352، الكفاية: 14.

(2) المتقدمة 289 رقم 5. و المراد الاستدلال بغير الجملة الأخيرة منها.

(3) المقنعة: 73.

(4) المبسوط 1: 15، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، النهاية: 53.

(5) جامع المقاصد 1: 191.

(6) الدروس 1: 125.

(7) على ما في الحدائق 5: 493.

(8) يستفاد دعوى الشهرة من جامع المقاصد 1: 191.

(9) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.

(10) اللمعة (الروضة 1): 61.

(11) ما بين المعقوفين أضفناه، و الوجه فيه واضح بالتأمل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 294

و الذكرى «1»، و عن الغنية «2»، إلّا أنّ الثاني استثنى الإسكافي، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى العاميين و الخاصيين المنجبر ضعفها بالشهرة العظيمة، بل الإجماع.

أحد الأولين: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات» «3».

و كذا الآخر إلّا أنّ فيه: «فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» «4» و ظاهره أنّ الزائد مستحب، إذ التخيير خلاف الإجماع، كما صرح به في المنتهى «5».

و أحد الثانيين: الرضوي: «إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه، أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات، مرّة بالتراب و مرتين بالماء» «6».

[و الآخر] «7» رواية البقباق المروية في المعتبر، و المنتهى، و موضع من الخلاف- على النخسة التي رأيتها- و غيرها من كتب الجماعة: عن الكلب، فقال: «رجس نجس لا يتوضأ بفضله، و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرتين» «8».

و اختلاف الحديث مع ما في كتب الحديث المشهورة «9» في اشتماله على ذكر المرتين دونه غير ضائر، إذ لعلّه أخذه من الأصول الموجودة عنده.

و لا يعارضه الحذف في كتب الحديث، لاحتمال التعدد، بل هو الظاهر، للاختلاف في الأمر بالصبّ أيضا، فإنّ ما في كتب

الحديث متضمّن له أيضا، مع

______________________________

(1) الانتصار: 9، المنتهى 1: 187، الذكرى: 15.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(3) سنن الدار قطني 1: 66.

(4) سنن الدار قطني 1: 65.

(5) المنتهى 1: 188.

(6) فقه الرضا (ع): 93، و زاد في آخره: ثمَّ يجفف، المستدرك 2: 602 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.

(7) ما بين المعقوفين أضفناه لانسجام العبارة.

(8) المعتبر 1: 458، المنتهى 1: 188، الخلاف 1: 174، الروض: 172، جامع المقاصد 2: 190.

(9) انظر الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 295

أنّ احتمال الحذف أظهر، سيما مع أنّ الشيخ في التهذيب استدلّ به على المرتين «1».

و خلافا للمحكي عن الإسكافي فأوجب السبع «2»، للعامي: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، أوّلهن بالتراب» «3» و موثّقة عمار المتقدمة «4».

و هما بمخالفتهما للعمل عن حيّز الحجية خارجان، مع ضعف الأول بنفسه سندا و عدم الجابر، و الثاني دلالة، لكونه خبرا.

و يجب أن يكون اولى الثلاث بالتراب، وفاقا للشيخ، و الديلمي، و القاضي «5»، و بني حمزة و إدريس و زهرة «6»، و الفاضلين «7»، و جلّ المتأخرين، بل أكثر الأصحاب، كما صرّح به غير واحد «8»، بل عن الغنية الإجماع عليه «9» لصحيحة البقباق على جميع النسخ.

و لا يعارضها إطلاق الرضوي، لوجوب تقييده، سيما مع ما فيه من التقديم الذكري المحتمل لإرادة الترتيب، كما في كلام الصدوقين «10»، بل يمكن إرادة ذلك من كلام من أطلق من غير تقديم في الذكر أيضا، كالانتصار، و الجمل، و الخلاف «11».

______________________________

(1) التهذيب 1: 225.

(2) نقله عنه في المعتبر 1: 458.

(3) سنن البيهقي 1: 241.

(4) ص 292.

(5) النهاية: 53، المراسم: 36، المهذب 1: 28.

(6) الوسيلة:

80، السرائر 1: 91، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(7) المحقق في المعتبر 1: 458، و الشرائع 1: 56، و المختصر النافع: 20، و العلامة في المنتهى 1:

187، و التذكرة 1: 9، و القواعد 1: 9.

(8) المعتبر 1: 458، التنقيح 1: 157، المدارك 2: 390.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(10) المقنع: 12، الفقيه 1: 8، و نقله في المنتهى 1: 188 عن والد الصدوق.

(11) الانتصار: 9، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 23، الخلاف 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 296

نعم، عن المقنعة أنه أوجب توسيط التراب «1».

و لا ريب في ضعفه. و جعله في الوسيلة رواية «2» لا يفيد، إذ غايته أنّه رواية مرسلة شاذّة غير صالحة لمنازعة الصحيحة المؤيدة بعمل السواد الأعظم.

فروع:
أ: في وجوب مزج التراب بالماء

، أو وجوب عدمه إلّا مع عدم إيجابه لخروج التراب عن الاسم، أو عدم وجوب شي ء منهما أقوال.

الأول: عن الراوندي «3» و الحلي «4»، و جعله في المنتهى قويّا «5»، تحصيلا لحقيقة الغسل، كما صرّح به الحلي «6»، حيث جعلها جريان المائع على المحل، أو لأقرب المجازات (إليها) «7»، كما قيل «8»، حيث إنّ الغسل بالماء المطلق أو مثله من المائعات.

و الثاني: للعاملي «9»، تحصيلا لحقيقة التراب.

و الثالث: عن المختلف، و الذكرى، و الدروس، و البيان «10»، لإطلاق النص، و إيجاب تحصيل إحدى الحقيقتين لترك الأخرى، فلا ترجيح.

و نحن نضعّف الأول: بأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن، لعدم صدقه

______________________________

(1) المقنعة 68.

(2) الوسيلة: 80.

(3) نقله عنه في الذكرى: 15.

(4) السرائر 1: 91.

(5) المنتهى 1: 188.

(6) السرائر 1: 91.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الروض: 172- ذكره في مقام الاستدلال على قول ابن إدريس. و كذلك في المدارك 2: 392، و الحدائق 5:

479.

(9) الروض: 173.

(10) المختلف: 63، الذكرى: 15، الدروس 1: 125، البيان: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 297

مع الامتزاج كيف ما كان، إلّا مع استهلاك التراب بحيث لا يصح التجوّز عنه أيضا.

و تحصيل الأقرب مع إيجابه التجوّز في التراب لا يصلح للاستناد، إذ لا دليل على وجوبه.

و كون مجازين قريبين خيرا من حقيقة و مجاز بعيد- بعد صحته- ممنوع.

و منع التجوز في التراب لإمكان حمل الباء على الملابسة و المصاحبة غير مفيد، لإيجابه مجاز الحذف في متعلّق الظرف، بل لا ينفك عن التجوز في التراب أيضا، إذ لا تتحقق مصاحبته و ملابسته حال الغسل بمعناه الحقيقي، و على هذا فحقيقة الغسل متروكة قطعا.

و منه يعلم ضعف الثالث أيضا، لأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن، بخلاف حقيقة التراب، فلا وجه لتركها. و إطلاق النص ممنوع، لتعليقه على التراب الواجب حمله على الحقيقة، فخير الأقوال و أقواها: أوسطها.

ب: حكم في المنتهى باشتراط طهارة التراب

«1»، و تبعه جملة من الأصحاب [1]، منهم والدي العلّامة- رحمه اللّه- معلّلا بأنّ المطلوب منه التطهير، و هو غير مناسب بالنجس. و بلزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر و هو الطاهر لأنه الغالب.

و يضعفان: بمنع عدم المناسبة و التبادر. و أضعف منهما: التمسك بقوله:

«جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «3».

و لذا احتمل في النهاية أجزاء النجس «4»، و يظهر من المدارك و المعالم الميل إليه «5». و هو قوي.

______________________________

[1] منهم الشهيدان في الدروس 1: 125، و الروض: 172.

______________________________

(1) المنتهى 1: 189.

(3) راجع الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7، و جامع الأحاديث 3: 53.

(4) نهاية الأحكام 1: 293.

(5) المدارك 2: 392، المعالم: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 298

ج: الحق عدم جواز العدول إلى غير التراب مما يشبهه

، لا اختيارا كما جوّزه الإسكافي على ما حكاه عنه في المختلف «1»، و لا اضطرارا كما جوّزه في المبسوط، و الدروس، و البيان «2»، استصحابا للنجاسة، و اقتصارا على النص، و تضعيفا للعلّة المستنبطة.

و الاضطرار لا يوجب طهارة النجس بغير المطهر الشرعي، و لا يلزم تكليف بما لا يطاق، إذ لا تكليف باستعمال الإناء، و غاية ما يثبت من نفي الضرر- لو تمَّ هنا- العفو دون الطهارة.

و منه يظهر عدم بدلية الماء كما في القواعد «3» و عدم جواز الاكتفاء بالمرتين في التطهر مع تعذّر التراب أو خوف فساد المحل به كالتذكرة و المنتهى و التحرير «4»، أو مع الأخير خاصة كالأول، كما يظهر عدم التطهر لو فقد الماء رأسا.

د: لا يلحق بالولوغ اللّطع

، كالطائفة «5» منهم: والدي العلّامة رحمه اللّه.

و لا وقوع لعاب فمه، أو عرقه، أو سائر رطوباته، كالفاضل في النهاية «6». و لا مباشرته بفمه، من غير ولوغ، أو بباقي أعضائه، كالصدوقين «7» و المقنعة «8». و لا وقوع غسالة الولوغ، كالكركي «9»، لعدم الدليل، فحكمه حكم سائر النجاسات الغير المنصوصة بخصوصها كما يأتي.

و الأولوية المدّعاة في بعضها ممنوعة. و استصحاب النجاسة إنما يفيد الإلحاق

______________________________

(1) المختلف: 64.

(2) المبسوط 1: 14، الدروس 1: 125، البيان: 93.

(3) القواعد 1: 9.

(4) التذكرة 1: 9، المنتهى 1: 188، التحرير 1: 26.

(5) جامع المقاصد 1: 190. المعالم: 336، المدارك 2: 393، الحدائق 5: 475.

(6) نهاية الاحكام 1: 294.

(7) المقنع: 12، الفقيه 1: 8، و نقله في المنتهى 1: 188 و المعالم: 336 عن والد الصدوق.

(8) المقنعة 68.

(9) جامع المقاصد 1: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 299

لو لا القول بما يباين حكم الولوغ في غير المنصوصة من النجاسات،

و هو متحقق، فإنّ منهم من يقول بوجوب ثلاث مرات بالماء فيه، فله أن يستصحب النجاسة بعد الغسل مرتين بالماء و مرة بالتراب.

و تصريح الرضوي بإلحاق الوقوع- لضعفه الخالي عن الجابر في المقام- غير مفيد.

و صدق الفضل المذكور في صحيحة البقباق على بعض ما ذكر لمرادفته للسؤر ممنوع، بل معنى السؤر ما يفضل من شربه المستلزم للولوغ.

نعم، صدقه على ماء الولوغ مما لا ريب فيه، فوقوعه في إناء كالولوغ فيه، كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإحكام «1»، و والدي رحمه اللّه.

و يؤيده عدم تعقل الفرق بين تأخر الولوغ عن كون الماء في الإناء و تقدمه عليه.

ه: لا يسقط التعفير في الجاري و الكثير

، وفاقا لظاهر الأكثر، و صريح المنتهى و المعتبر «2»، استصحابا للنجاسة، و عملا بالإطلاق.

خلافا لظاهر المحكي عن الخلاف، و المبسوط، و المختلف «3»، و إن أمكن حمل كلامهم على المشهور أيضا، و هم محجوجون بما مر.

و عموم: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «4» مخصوص بروايات الولوغ.

و بقاء حكم النجاسة مع ملاقاة الكثير و إن لم تبق العين غير مستبعد، و نظيره في الشرع يوجد.

و في سقوط التعدد و عدمه أقوال يأتي ذكرها.

و: إن وقعت في الإناء نجاسة قبل تمام غسله

تداخلت مع الولوغ فيما

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 295.

(2) المنتهى 1: 189، المعتبر 1: 460.

(3) الخلاف 1: 178، المبسوط 1: 14، المختلف: 64.

(4) المتقدم ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 300

يتساويان فيه، و يزاد الزائد للزائد، بالإجماع.

و في المدارك: و به قطع الأصحاب، و لا أعلم في ذلك مخالفا «1» و في الذخيرة: لا أعلم مصرحا بخلافهم «2»، و في اللوامع: و الظاهر وفاقهم عليه.

و هو الحجة، مضافا إلى إطلاق ما يدلّ على زوال إحدى النجاستين، و حصول التطهّر منها بما له من العدد، فإنّ قوله: اغسله كذا، في معنى أنّ الغسل الكذائي يطهّره، و هو أعم من أن تزول به نجاسة أخرى أيضا، و مع التطهر و زوال النجاسة لا يحتاج إلى غسل إجماعا، و بذلك تزول أصالة عدم تداخل الأسباب.

و قد يقال: إنّ التداخل هنا لا ينافي أصالة عدم تداخلها، لأنّ الظاهر أنّ الوجوب هنا توصّلي و العلّة ظاهرة «3».

و هذا إشارة إلى ما ذكروه من اختصاص ذلك الأصل بما إذا لم يكن المقصود حصول أصل الفعل كيف اتفق، و الواجب التوصلي كذلك.

و لكن يرد عليه: أن هذا إنما يتم لو علم حصول المقصود المتوصل إليه، و

للمانع منعه هنا، إذ له أن يقول: إن المقصود التطهر، و حصوله مع التداخل غير معلوم، و لذا قيل: إنّ التداخل في أبواب الطهارة إنما يتم فيما علم فيه أنّ المقصود تحصيل مهيّة الغسل لغرض الإزالة، فإنّه مع التداخل حاصل، لا ما علمت فيه خصوصية أخرى أيضا.

و من ثمَّ اختار في المعالم عدم التداخل فيما يثبت فيه التعدد بالنص «4».

و قال والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع: و هو متجه لو لا وفاقهم عليه.

و مثل النجاسة الواقعة ولوغ آخر، لما مر، و لأنّ كلا من الولوغ و الكلب

______________________________

(1) المدارك 2: 395.

(2) الذخيرة: 178.

(3) غنائم الأيام: 72.

(4) المعالم: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 301

جنس يقع على القليل و الكثير، فإن كان قبل التعفير يعفّر و يغسل مرتين لهما، و إن كان بعده يعفّر للأخير و يغسل لهما، و إن كان بعد غسله مرة يعفّر، و يغسل مرتين، واحدة لهما، و الأخرى للأخير.

ز: هل الحكم يعمّ جميع المائعات أو يختصّ بالماء؟

ظاهر إطلاقات أكثر الفتاوي الأول، و لكن الروايتين المتضمنتين للتعفير مختصتان بالماء.

و العاميان و إن كانا مطلقين، لتحقق الولوغ في كل مائع يشربه الكلب بلسانه، و لكنّهما خاليان عن ذكر التعفير.

و كون إحدى الثلاث في الماء تعفيرا لا يفيد، لدوران الأمر بين التخصيص بغير الماء و إبقاء الغسل على حقيقته، أو التجوز في الغسل، و لا مرجح.

و على هذا فإن ثبت الإجماع على التعميم، و إلّا فيكون حكم غير الماء حكم النجاسات الغير المنصوصة، و الاحتياط جمع الحكمين متداخلين.

ح: لا يجب الدلك في التعفير، للأصل.

فيكفي صبّ التراب في الإناء و تحريكه حتى يعلم وصوله إلى جميع مواضعه. و لا التجفيف بعد الغسل، لما ذكر.

خلافا للمقنعة في الأخير «1»، للرضوي «2». و لا حجية فيه بدون الانجبار.

ط: ولوغ الخنزير كسائر النجاسات الغير المنصوصة عليها بخصوصها

- وفاقا للمحقق «3» و الحلي «4»، بل أكثر من تقدم عليهما «5»، لعدم تعرضهم له بخصوصه- للأصل، و عدم دليل على وجوب عدد فيه بخصوصه.

______________________________

(1) المقنعة: 68.

(2) المتقدم ص 294 رقم 6.

(3) المعتبر 1: 459.

(4) السرائر 1: 92.

(5) كالمفيد في المقنعة: 68، و سلّار في المراسم: 36، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 302

و خلافا للفاضل «1» و أكثر من تأخّر عنه «2» فأوجبوا السبع، لصحيحة علي:

عن خنزير يشرب من الإناء كيف يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرات» «3».

و يضعّف: بعدم دلالتها على الوجوب.

و للمحكي عن الخلاف، فجعله كالكلب، حملا له عليه «4». و ضعفه ظاهر.

المسألة الحادية عشرة: يغسل لموت الجرذ- و هو كبير الفأر- سبع مرّات

، لموثقة عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعا» «5».

و قيل: بالثلاث «6». و قيل: مرّتان «7». و قيل: مرة مزيلة «8». و قيل: بعد الإزالة «9». و لا مستند تام لشي ء منها.

و لا يلحق به غيره من أنواع الفأر، للأصل.

المسألة الثانية عشرة: يغسل الإناء من النجاسات الغير المنصوصة عليها
اشاره

بخصوصها- سوى الخنزير و ما الحق بولوغ الكلب من وقوع رطوباته أو مباشرته- ثلاثا، وفاقا للصدوق [1]، و الإسكافي «11»، و المبسوط، و الخلاف «12»، و الكركي،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه و لا على من نسبه إليه قبل المصنف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 189، التذكرة 1: 9، المختلف: 64.

(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 15، و الثاني في الروض: 172، و الكركي في جامع المقاصد 1: 191.

(3) التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 2.

(4) الخلاف 1: 186.

(5) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1- بتفاوت يسير.

(6) القواعد 1: 9.

(7) الروضة 1: 63.

(8) الكفاية: 14.

(9) المختلف: 64، المدارك 2: 396.

(11) نقله عنه في المعتبر 1: 461.

(12) المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 303

و الدروس، و الذكرى «1»، و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، للاستصحاب المؤيد بالموثق: عن الكوز و الإناء يكون قذرا، كيف يغسل و كم مرة يغسل؟ قال: «ثلاث مرات، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه و قد طهر» «2».

لا مرتان، كاللمعة و رسالة الشهيد «3»، قياسا على البول في الثوب و الجسد.

و لا المرة المزيلة، كالعاملي «4» و ولديه [1]، و الفاضلين

في أكثر كتبهما [2]، بل نسب إلى الأشهر «7»، لمطلقات الأمر بالغسل، و أصالة البراءة، و استصحاب طهارة الملاقي له بعدها.

و لا بعد الإزالة كالمعتبر و المختلف و البيان «8»، لذلك مع عدم التأثير للماء مع وجود المنجس، فالغسل بعد إزالته لازم.

لضعف الأول: ببطلان القياس.

و الثاني: بمنع وجود مطلق يشمل الإناء. و اندفاع الأصل بالاستصحاب.

و معارضة استصحاب طهارة الملاقي لاستصحاب نجاسة الإناء، و غلبة الثاني على الأول، لكونه مزيلا له.

و الثالث: بذلك أيضا، مع ما فيه من منع عدم التأثير لو لم يمنع المنجس

______________________________

[1] المعالم: 356، المدارك 2: 396 (أطلق عليه الولد باعتبار كونه سبطا للشهيد الثاني)

[2] الشرائع 1: 56، و المختصر النافع: 20. لم يصرّح فيهما بالمزيلة و لكنه يستفاد من إطلاق الكلام.

المنتهى 1: 190، التذكرة 1: 9، التحرير 1: 26.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 192، الدروس 1: 125، الذكرى: 15.

(2) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496، أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(3) اللمعة (الروضة 1): 62، الألفية: 38.

(4) الروض: 172.

(7) نسبة في الرياض 1: 99.

(8) المعتبر 1: 462، المختلف: 64، البيان: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 304

من ملاقاة الماء للإناء، و إلّا فعن الكلام خارج.

و أما الخنزير فيغسل لولوغه- بل لوقوع رطوباته و مباشرته- سبعا، للاستصحاب، حيث إنّ بالسبع يحصل اليقين بالطّهارة، لعدم قول بالزائد دون ما دونها. و هذا و إن وافق قول الفاضل و من تأخر عنه عددا، و لكنه يخالفه سندا «1».

و أما فيما الحق بالكلب: فيشكل الحكم فيه، لمباينة الثلاث الترابيّة للثلاث المائية، فلا يحصل اليقين بالطهارة بإحداهما.

و مقتضى النظر: التخيير بينهما، و الاحتياط الجمع بين ثلاث مرات مائية و واحدة ترابية، و الأحوط: ضمّ واحدة ترابية

مع السبع المائية في الخنزير أيضا، لوجود قول بإلحاقه بالكلب «2» و إن شذّ جدا.

فرع: لو كان الإناء مثبتا يشق قلعه

، يملأ ماء في كل مرة و يفرغ، أو يصب فيه ماء و يحرك بمعونة اليد و نحوها حتى يعلم وصوله إلى كل موضع منه، أو يؤخذ نحو إبريق و يغسل كلّ جزء منه، مبتدئا من الأعلى أو الأسفل إلى أن يغسل جميعه، فيفرغ ماءه ثمَّ يغسله ثانيا كذلك.

هذا على القول بطهارة الغسالة كما هو الحقّ، و إلا فينبغي أن يبدأ من الأسفل و يختم بالأعلى في كل مرة، أو يملأ ماء دفعة عرفية.

المسألة الثالثة عشرة: التعدد في البدن و الثوب هل يختص بالقليل؟

أو به و بالكثير؟ أو يجب فيهما و في الجاري؟

الأول: للتذكرة، و الذكرى «3» نافيا عنه الريب، و اللمعة، و الشهيد الثاني،

______________________________

(1) راجع ص 302.

(2) الخلاف 1: 186.

(3) التذكرة 1: 9، الذكرى: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 305

و المدارك، و الحدائق «1»، و اللوامع حاكيا له عن المشهور، و نسب إلى المحقق الثاني، و ما رأينا من كلامه في شرح القواعد «2» و الرسالة خال عن التخصيص.

و الثاني: للفقيه، و الهداية «3»، و عن الجامع للشيخ نجيب الدين [1].

و الثالث: ظاهر المعتبر، و الشرائع، و المنتهى، و التحرير «5»، و عن الشيخ «6».

و نقل في اللوامع عن بعضهم ما يظهر منه الميل الى التفصيل باختيار الثاني في الثوب و الثالث في غيره.

و الذي يقتضيه الدّليل هو الأول في البدن و الثاني في الثوب.

أمّا الأول: فلمطلقات الأمر بغسل البدن من البول، المقتضية لإجزاء الماهية فيه، كحسنة الحلبي المتقدمة «7».

و صحيحة البجلي: عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه، فلا يستيقن، فهو يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا ينشف؟ قال: «يغسل ما استبان أنّه أصابه، و ينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه» «8».

إلى غير ذلك

من الأخبار الواردة في من نسي غسل ذكره و صلّى «9»، و غيرها.

و أما أخبار المرتين المتقدمة «10» في الجسد، فهي لمكان الأمر بالصبّ صريحة

______________________________

[1] الجامع للشرائع: 22، قال فيه: يغسل البدن من البول مرتين، و الثوب مرة في الجاري، و مرتين في الراكد.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 1): 62، الروضة: 1: 62، المدارك 2: 339، الحدائق 5: 362.

(2) جامع المقاصد 1: 173. نسبه إليه في المدارك 2: 339.

(3) الفقيه 1: 40، الهداية: 14.

(5) المعتبر 1: 435، الشرائع 1: 54، المنتهى 1: 175، التحرير 1: 24.

(6) المبسوط 1: 14.

(7) المتقدمة ص 276.

(8) التهذيب 1: 421- 1334، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.

(9) راجع الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(10) ص 283- 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 306

في القليل، إذ لا صبّ في غيره إلّا بعد إفراز القليل منه.

و أمّا الثاني: فللأمر بغسل الثوب من البول مرتين في المستفيضة المتقدّمة، الشاملة بإطلاقها للغسل في كلّ من الثلاثة، خرج الجاري بصحيحة ابن مسلم و الرضوي المتقدّمين «1» و بقي الباقي.

و دعوى ظهور المستفيضة في القليل ممنوعة.

و هذا هو المتعمد عندي، و عدم الفصل في ذلك بين الثوب و البدن غير ثابت.

احتجّ الأوّلون: بالأصل، و إطلاقات الغسل.

و الأوّل- مع معارضة الاستصحاب- مدفوع: بما مرّ، كما أنّ الثاني مقيّد به.

و قد يستدلّ أيضا ببعض اعتبارات ضعفها ظاهر.

و أما الثاني [فليس ] [1] حكمه بالتعدّد في الكثير مطلقا، لعدم قوله بالتعدد في غير الثوب كما هو ظاهر الفقيه و الهداية «3»، و إلا فلا وجه له إلا بجعل حكم البدن و الثوب واحدا بالإجماع المركّب، أو مفهوم الموافقة، و ضعفهما ظاهر.

و لا وجه ظاهر للثالث إلّا

استصحاب النجاسة، المندفع بما مر.

و أمّا الرابع: فنظره في الثوب إلى الصحيحة، و هو صحيح، و في البدن إلى ظاهر أخبار التعدّد فيه، و هو لما ذكرنا ضعيف.

هذا في الثوب و البدن، و أمّا الإناء فكالبدن في ولوغ الكلب، فيسقط التعدد في غير القليل، لضعف روايات التعدد فيه، و عدم الجابر في المورد، فيبقى

______________________________

[1] في جميع النسخ: فلعلّ، بدّلناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) تقدم ذكرهما ص 284 رقم 1، 5.

(3) الفقيه 1: 40، الهداية: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 307

إطلاق مرسلة الكاهلي و صحيحة البقباق «1» على ما في كتب الحديث خاليا عن المعارض.

و كالثوب في البواقي، فيسقط في الجاري، للمرسلة بضميمة عدم الفصل بين الجاري و المطر.

و تعارضها في الخمر مع إحدى الموثّقتين «2» بالعموم من وجه غير ضائر، لإيجابه الرجوع إلى إطلاق الأخرى، دون الكثير، لاستصحاب النجاسة، و إطلاق دليل التعدّد.

و عدم الفصل بينه و بين ماء المطر في هذا المقام غير ثابت.

المسألة الرابعة عشرة: المعتبر فيما يعتبر فيه التعدّد الحسي

، بأن يغسل و يقطع فيغسل ثانيا، للاقتصار على موضع اليقين، و لأنّ المتبادر من المرّتين ما حصل بينهما فصل و انقطاع، فلا يصدقان بدونهما، وفاقا لظاهر الأكثر، و في المدارك: أنّه ظاهر عبارات الأصحاب «3»، و عن جماعة منهم: الشهيد الثاني: التصريح به «4».

خلافا للذكرى، فاكتفى بالتقديري كالماء المتصل «5»، و نسبه في المعالم إلى جماعة «6»، للزيادة المتقدّمة في خبر ابن أبي العلاء «7». و قد عرفت ما فيها.

و للمدارك: فقال بإمكان الاكتفاء بالتقديري لو كان الاتصال بقدر زمان الغسلتين و القطع فيما لا يعتبر تعدّد العصر فيه، لدلالة فحوى كفاية الحسي عليه، إذ وجود الماء لا يكون أضعف حكما من عدمه «8».

______________________________

(1) المتقدمتين ص 259، 294.

(2) المتقدمتين

ص 289.

(3) المدارك 2: 339.

(4) حكى عنهم و عن الشهيد الثاني في الحدائق 5: 361.

(5) الذكرى: 15.

(6) المعالم: 322.

(7) ص 267.

(8) المدارك 2: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 308

و يضعّف: بأنّها موقوفة على العلم بعلّة الحكم و كونها في الفرع أقوى، و هي في المورد غير معلومة، و ربما كان لخصوص القطع مدخلية.

ثمَّ لا يكفي في الكثير على اعتبار التعدد فيه وضع المحل فيه و خضخضته و تحريكه، بحيث يمر عليه أجزاء من الماء غير التي كانت ملاقية له، و لا في الجاري مرور جريات من الماء عليه، كما قال به في المنتهى في أحكام الأواني «1»، لعدم صدق المرتين بمجرد ذلك عرفا.

المسألة الخامسة عشرة: توقّف زوال حكم النجاسة على زوال عينها ظاهر

، مقطوع به في كلام الأصحاب، مدلول عليه بالأخبار.

و الحق المشهور- كما في المعتمد و اللوامع- عدم العبرة ببقاء اللون و الريح بعد القطع بزوال العين، و عليه إجماع العلماء في المعتبر «2».

خلافا للمنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام «3»، فقيّدوهما بعسر الإزالة.

لنا: مضافا إلى صدق الغسل بزوال العين و إن بقيا، حسنة ابن المغيرة، في الاستنجاء: قلت: فإنّه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها» «4».

و المستفيضة الدالة على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق لأجل إزالة صورته «5»، و لو نجس الأثر لغا الصبغ.

و اختصاصها بلون دم الحيض غير ضائر، لعدم الفصل.

و العامي المذكور في المعتبر و المنتهى، المروي عن خويلة بنت يسار عن

______________________________

(1) المنتهى 1: 189.

(2) المعتبر 1: 436.

(3) المنتهى 1: 171، التذكرة 1: 9، نهاية الإحكام 1: 279.

(4) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 9، التهذيب 1: 28- 75، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة

ب 13 ح 1.

(5) راجع الوسائل 3: 439 أبواب النجاسات ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 309

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أرأيت لو بقي أثره؟ فقال: «الماء [1] يكفيك و لا يضرّ أثره» «2» و ضعفه بالشهرة منجبر.

[إن ] [2] قيل: انتقال العرض محال لا يجوز، فبقاؤه كاشف عن بقاء العين.

قلنا: ممنوع، لجواز حصوله بإيجاد اللّه سبحانه بعد استعداد المحلّ بالمجاورة، مع أنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسماء، و اللون و الريح لا يسميان عذرة مثلا كيفما كانا. و استصحاب حكم النجاسة بما مرّ مندفع.

و التقييد بعسر الإزالة يمكن أن يكون لأجل أنّ ما يسهل إزالته لا ينفك عن العين، و فيه منع ظاهر.

نعم، الظاهر بقاء العين مع كون اللون بحيث ينشر من المحل، و يتعدّى إلى غيره بالمجاورة، و أما الريح فليس كذلك، و لذا يتعدّى إلى الغير من غير تعدّي العين، كما يتعدّى من الورد إلى مجاوره، و يشعر به ما نفى البأس عن بقاء الريح في محلّ الاستنجاء، فإنّ الظاهر أنّ بقاءه إنّما يعلم من تعدّيه إلى يد و نحوها.

و أمّا الطعم، و اللزوجة، و الملاسة، و الدسومة، فالظاهر وجوب إزالتها كما صرح به الشيخ في الأول في النهاية و الخلاف [3]، للزوم تحصيل اليقين بزوال العين، و الظاهر عدم حصوله مع بقاء واحد منها، فيستصحب بقاء العين المستلزم للنجاسة. مع أنّ الأدلة غير شاملة لها. و عموم الأثر في العامي غير مفيد، لعدم انجباره في غير الوصفين.

هذا إذا كان أحد هذه الأعراض من أوصاف ما تنجس به المحل، أما لو لم يكن منه فلا تجب إزالة الوصف. مثلا: إذا تنجس محل بالشي ء الدسم، تجب إزالة الدسومة، لا

ما إذا تنجس المحل الدسم بغيره، أو دسم محل نجس، فإنّه

______________________________

[1] كلمة «الماء» لا توجد في «ق».

[2] أضفناها لاقتضاء السياق.

[3] لم نعثر عليه فيهما.

______________________________

(2) المعتبر 1: 436، المنتهى 1: 175، و سنن البيهقي 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 310

لا يضرّ حينئذ بقاء الدسومة إلّا مع ميعان الشي ء الدسم، بحيث ينجس جميع أجزاء الدهن الواقعة فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 311

الفصل الثاني: في الشمس
اشاره

و هي و إن كانت من المطهّرات عند جمهور أصحابنا، إلّا أنّهم اختلفوا فيها في ثلاثة مواضع:

الأول: في الطهارة الحاصلة منها، هل هي حقيقية أو حكمية؟

الثاني: فيما يطهر منها.

الثالث: فيما تطهّره.

و نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا في أنّ ما جففته الشمس هل هو طاهر حقيقة

، أو في حكمه في جواز الاستعمال و السجود عليها مع اليبوسة؟

فالحق الموافق لمذهب الشيخين «1»، و الحلّي «2»، و المحقق في الشرائع «3»، و الفاضل في جملة من كتبه «4»، و معظم المتأخّرين «5»، بل هو الأشهر كما نصّ عليه جماعة «6»، بل عليه الإجماع في ظاهر السرائر «7» كالمحكي عن الخلاف «8»: الأول:

و عن الراوندي «9» و ابن حمزة «10»: الثاني. و يظهر من الإسكافي «11» كبعض

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 71، و الطوسي في المبسوط 1: 38، و الخلاف 1: 218.

(2) السرائر 1: 182.

(3) الشرائع 1: 55.

(4) كالمختلف: 61، و المنتهى 1: 177، و التذكرة 1: 8.

(5) كما في التنقيح 1: 155، و جامع المقاصد 1: 178، و البحار 77: 151.

(6) منهم صاحب المفاتيح 1: 79، و الحدائق 5: 436، و الرياض 1: 94.

(7) السرائر 1: 182.

(8) الخلاف 1: 218- 495.

(9) نقله عنه في المعتبر 1: 446.

(10) الوسيلة: 79.

(11) نقله عنه في المعتبر 1: 446.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 312

المتأخرين «1» الميل إليه، و استجوده في المعتبر «2»، و هو ظاهر المختصر النافع «3»، و توقف في المدارك «4».

لنا: صحيحة زرارة: عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي أصلّي فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه، فهو طاهر» «5».

و رواية الحضرمي: «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» «6».

و الرضوي: «ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسات مثل البول و غيره طهرتها،

و أما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل» «7».

و الخدشة في الثانية- بعموم الموصول الشامل لما لا يقول به أحد، من التطهير بمطلق الإشراق، الشامل لما قبل التجفيف- بشيوع التقييد [1] مع الدليل مندفعة.

و فيها و في الثالثة- بالضعف لو سلّم- بالشهرة منجبرة.

و فيهما و في الأولى- بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة- بظهور ثبوتها في زمن الصادقين عليهما السلام مردودة.

مضافا إلى أنّ إرادة المعنى اللغوي- الذي هو عدم القذارة- في نفي النجاسة الشرعية كافية، لكونها أعظم الأقذار و أشدّها.

و مع ذلك، فالقرينة على إرادة المعنى المعهود في الثالثة- و هي أنّه الذي لا

______________________________

[1] في «ح»: المقيّد.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 80.

(2) المعتبر 1: 446.

(3) المختصر النافع: 19.

(4) المدارك 2: 366.

(5) الفقيه 1: 157- 732، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.

(6) التهذيب 1: 273- 804، الاستبصار 1: 193- 677، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 5.

(7) فقه الرضا (ع): 303، المستدرك 2: 574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 313

يحصل للثياب إلّا بالغسل- قائمة، بل و كذا في الأولى أيضا، لأنّه الذي يصلح علّة لجواز الصلاة عليه، و هو المعتبر في أحكامها مكانا و لباسا، دون غيره، سيما مع تعلّق السؤال بالنجاسة، هذا.

على أنّ إطلاق الأمر بالصلاة عليه مع التجفيف في الأولى الظاهرة في السجدة عليه، أو الشامل لها البتة، و إلا انتفى التأثير عن الشمس رأسا، و لغا ما طابقت النصوص عليها من التقييد بها، يدلّ على المطلوب أيضا و لو رفعت اليد عن قوله: «فهو طاهر» لشموله لكونه بعد التجفيف رطبا و يابسا، و كذا لباس المصلي و أعضاؤه.

و من هذا تظهر صحة الاستدلال على المطلوب:

بإطلاق الحكم بجواز الصلاة على ما جفّ مطلقا من المواضع النجسة، من دون اشتراط عدم رطوبة العضو، كما اشترطه القائلون بالعفو.

كصحيحتي علي: إحداهما: عن البواري يصيبها البول، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: «نعم لا بأس» «1».

و الأخرى: عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّي عليه؟ قال: «إذا يبست لا بأس» «2».

أو على ما جفّ بالشمس كذلك، كموثّقة الساباطي: عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، و لكنّه قد يبس الموضع القذر. قال:

«لا تصلّ عليه، و أعلم موضعه حتى تغسله» و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟

قال: «إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس، ثمَّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة، و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر، و كان رطبا، فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس، و إن كانت رجلك رطبة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 273- 803، الاستبصار 1: 193- 676، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 2: 373- 1553، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 314

أو جبهتك رطبة، أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ على ذلك الموضع، و إن كان عين الشمس أصابه حتى يبس، فإنّه لا يجوز ذلك» [1].

و يندفع بما ذكرنا ما أورد على الاستدلال بالموثّقة من عدم كونها صريحة في الطهارة، إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليه الأعم منها و من العفو عنه في الصلاة خاصة، كما قال به جماعة «2».

و لا حاجة في دفعه إلى التمسّك بالتلازم بين الطهارة و جواز الصلاة هنا، لأجل كون السؤال عن الطهارة،

و لزوم التطابق بين السؤال و الجواب، و لأجل أنه لولاه، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لأجل أمره بإعلام الموضع ليغسله عند جفافه بغير الشمس، و عدم أمره به في صورة يبسه بها، مع أولوية الأمر هنا، لتوهّم الطهارة من حيث تجويز الصلاة فيه، و لأجل اشتراط طهارة موضع السجود بالأخبار و الإجماعات المحكية.

لضعف الأول: بعدم لزوم التطابق مطلقا، لاقتضاء المصلحة العدول أحيانا، بل العدول هنا إلى جواز الصلاة ربما كان مشعرا بعدم الطهارة.

و الثاني: بمنع الاحتياج في الوقت. و أصالة اتّحاد وقت الخطاب و الحاجة- كما قد يقال- ممنوعة.

و الثالث: بمنع أولوية الأمر بالغسل، بل التساوي هنا، فإنّ الموضع إذا جازت فيه الصلاة لا حاجة كثيرا إلى غسله.

و الرابع: بجواز تخصيص المجفف بالشمس عن مواضع السجود.

و ربما يستدلّ «3» للمطلوب أيضا: بعدم القطع ببقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة، فإنه يحتاج إلى دلالة، و هي هنا مفقودة، إذ لا آية و لا رواية

______________________________

[1] التهذيب 1: 272- 802، الاستبصار 1: 193- 675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4. و فيها «غير الشمس» بدل «عين الشمس» كما سيشير إليه المصنف في ص 317.

______________________________

(2) المدارك 2: 364، و المفاتيح 1: 80، و الحدائق 5: 446.

(3) كما في الرياض 1: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 315

و لا إجماع فيه. و الاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هناك، فمقتضاه النافع نجاسة الملاقي. و هو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل، و ليس كذلك، لأنّ الأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي، و لا وجه لترجيح الأول بل هو به أولى، فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان و تبقى أصالة الطهارة العقلية باقية.

و لا يخفى

أنه مبني على عدم ترجيح استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة الملاقي، و عدم زوال الثاني بالأول، و هو كما بيّناه في موضعه خلاف التحقيق جدّا.

مع أنّه يوجب الحكم بالطهارة في كلّ موضع وقع الخلاف في بقاء نجاسة، إذ لا دليل غالبا سوى الاستصحاب، و لا أظنّ أنّ هذا المستدلّ يسلّم ذلك على الإطلاق.

ثمَّ إنّ ذلك إنّما هو إذا كان بناؤه على تعارض الاستصحابين و تساقطهما، و لو كان منظورة إعمال الاستصحابين، فهو أظهر فسادا، إذ حينئذ تكون نجاسة الموضع التي هي المتنازع فيها مستصحبة و إن لم يحكم بنجاسة ملاقيه، و لا تنحصر الثمرة في تنجيس الملاقي، بل هي تظهر في موارد كثيرة «1» أخرى أيضا.

دليل المخالف: الاستصحاب، و النهي عن الصلاة في الموضع مع رطوبة العضو في آخر الموثقة و إن يبس بإصابة عين الشمس.

و في صحيحة ابن بزيع: عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماء؟» «مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    463     المسألة التاسعة: هل يختص هذا الحكم بالغرقى و الهدمى؟ ..... ص : 462

______________________________

(1) كالسجود مع الرطوبة و بناء المسجد على ذلك الموضع (منه ره).

(2) التهذيب 1: 273- 805، الاستبصار 1: 193- 678، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

(3) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 23، التهذيب 2: 376- 1567، الوسائل 3: 451 أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 316

بالمفهوم على أنه إن لم يكن جافا، لا تجوز الصلاة فيه و لو جفّ أولا بالشمس.

و الجواب: أمّا عن الاستصحاب: فبأنّه بما مرّ مندفع.

و أما الجواب عنه: بأنّ دليل ثبوت الحكم

في الحالة الأولى: الإجماع، فلا يتم استصحابه بعدها، إما لاشتراطه بجريان الدليل فيما بعد أيضا، و الإجماع لا يجري في محلّ الخلاف، أو لأنّ الثابت من الإجماع نجاسته حال بقاء العين، و تقييدها بها ممكن، بل هو الأصل في كلّ حكم ثبت في حال وصف بواسطة الإجماع، كما بيّن في محله، و مع التقييد لا يمكن الاستصحاب.

فمردود: بمنع اشتراط الاستصحاب بجريان دليله فيما بعد زمان الشك أيضا.

و أنّ التتبع و الاستقراء، بل المعلوم من طريقة العلماء في باب الطهارات و النجاسات بل من إجماعهم يعطي أنّ النجاسة إذا ثبتت في موضع لا ترتفع إلّا بما ثبت كونه مزيلا لها، فيحتاج رفعها إلى ثبوت المزيلة لها لشي ء و ثبوت وجوده، و لا يكون [1] ثبوتها مغيى بغاية و مقيّدا بوصف أو حالة.

و تحقيق المقام و توضيحه: أنّ الأمور الشرعية على قسمين:

أحدهما: ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضيا له في الجملة، أو إلى وقت كالوجوب و الحرمة و نحوها، فإنّه يمكن إيجاب شي ء أو تحريمه ساعة، أو يوما، أو إلى زمان، أو مع وصف.

و ثانيهما: ما ليس كذلك، بل المقتضي يقتضي وجوده في الخارج، فإذا وجد فيه لا يرتفع إلّا بمزيل.

و بتقرير آخر: أحدهما ما يكون وجوده أولا مغيى و مقيّدا، و ثانيهما ما لا يوجد في الخارج إلّا بلا قيد، فيكون باقيا حتى يزيله مزيل، و ذلك كالملكية، فإنّ

______________________________

[1] النجاسات ب 29 ح 2.

(1) في «ح»: خ ل- يمكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 317

البيع مثلا سبب للملكية المطلقة، فلا تزول إلا بمزيل، و لا يمكن أن يكون سببا للملكية في ساعة، بمعنى أنه ليس كذلك شرعا و إن أمكن عقلا.

و مثال الأول في

غير الشرعيات: الإذن، فإنّه يمكن أن يتحقق أولا الإذن في ساعة، أو يوم، أو شهر، أو في حالة لشخص من آخر.

و مثال الثاني: السواد، فإنّه لا يمكن أن يوجد أولا السواد في ساعة، بل يصير موجودا ثمَّ يرتفع بمزيل، و شأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل، بمعنى أنه يثبت بالاستقراء بل إجماع العلماء أنه كذلك و إن كان غير ذلك ممكنا عقلا.

و على هذا، فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج رفعها إلى مزيل، و ما لم يعلم المزيل تستصحب، و لا يمكن أن يقال: إن الثابت أولا هو وجودها حال بقاء العين.

هذا، مضافا إلى أن الإجماع و الأخبار ينفيان تقييدها بوجود العين، لدلالتهما على نجاسة المحل بعد زوال العين إن لم تجففه الشمس.

و من هذا يندفع ما يشعر به كلام بعضهم «1» في دفع الاستصحاب، من أنا لا نسلم نجاسة الموضع حتى تستصحب، بل يتعلق به أحكام النجس ما دامت العين فيه، لأنّها فيه لا لتأثيرها في المحل.

و أما عن الموثقة: فبأنّ المذكور في الاستبصار «2» و في بعض نسخ التهذيب «3» و الموافق المذكور في كثير من كتب العلماء، كالمنتهى، و المدارك «4»، و غيرهما «5»: «غير الشمس» بالغين المعجمة و الراء، دون «عين الشمس» بالعين المهملة و النون،

______________________________

(1) المختلف: 61.

(2) الاستبصار 1: 193- 675.

(3) التهذيب 1: 272- 802.

(4) المنتهى 1: 177، المدارك 2: 364.

(5) مجمع الفائدة 1: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 318

و حينئذ لا تبقى حجيّة لبعض آخر من النسخ.

و لا دلالة للبعض الأول على عدم الطهارة، لأنّه يكون المعنى أن مع رطوبة الرجل أو الجبهة لا تصل في الموضع و إن يبس بغير الشمس، و يكون فرده الأجلى

عدم اليبس، و لا يمكن أن يكون هو اليبس بالشمس، لأنه ليس بالأجلى قطعا، فيختل الكلام، فهذا مثل قول القائل: أكرم زيدا و لو أهانك بغير القذف، فإنّ الفرد الأجلى حينئذ هو عدم الإهانة لا الإهانة بالقذف، بل هذا يدل بمفهوم الوصف على عدم الإكرام مع القذف، و قد بيّنا في الأصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغير الوصفي حجة و إن لم نقل بحجية مطلق مفهوم الوصف، و على هذا فيكون هذا الجزء أيضا دليلا على الطهارة.

و احتمال فصل جملة قوله: «و إن كان» إلى آخره عن سابقها، و كونه شرطا جزاؤه قوله: «فإنّه لا يجوز ذلك» و حينئذ يقتضي سابقها عدم الطهارة أما لعمومه أو لارتباطه بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا صورة رطوبته. مندفع: بأن محض الاحتمال غير كاف في الاستدلال، سيما مع أظهرية الوصل هنا.

مع أنه على الفصل يعارض عمومه عموم جملة: «إذا كان الموضع قذرا» إلى آخره، و ارتباطه بما ذكر معارض باحتمال ارتباطه بصورة الرطوبة.

و أما عن صحيحة ابن بزيع: فبأنّ غايته أن معنى قوله: «كيف يطهر بغير ماء؟» أنه لا يطهر بغير ماء، و هو عام شامل لما إذا كان رطبا أو يابسا بغير الشمس، و قوله في صحيحة زرارة: «إذا جففته الشمس» إلى آخره أخص منه فيخصصه و كذا الموثقة، و يكون المعنى: أنه إذا كان يابسا لا يطهر بغير ماء، بل يجب إما غسله بالماء، أو بلّ الموضع ثانيا حتى تجففه الشمس.

و أما عن الصحيحة الأخيرة: فبأن عموم المفهوم فيها يعارض عموم المنطوق، فإنه يدل على جواز الصلاة إذا كان الموضع جافا سواء كان العضو جافا أيضا أو رطبا.

مضافا إلى أن مقتضى المفهوم عدم جواز الصلاة

و لو جف بالريح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 319

و الشمس، و يمكن أن يكون ذلك لعدم العلم باستناد الجفاف إلى الشمس خاصة.

فإن قيل: فعلى هذا ينبغي عدم جواز الصلاة مع الجفاف أيضا، و هو خلاف المنطوق.

قلنا: نعم كذلك إن ابقى المنطوق على عمومه، و لكن يجب تخصيصه بما إذا كان العضو يابسا، أو يكون الموضع غير محل السجود.

و احتمال تخصيصه بما إذا علم الجفاف بالشمس خاصة غير كاف في تمامية الاستدلال.

المسألة الثانية: ما تطهّره الشمس من النجاسات- حقيقة أو حكما- هل هو البول خاصة؟

كما عن المقنعة «1»، و موضع من المبسوط «2»، و الديلمي «3»، و الراوندي «4»، و ابن حمزة «5»، و استجوده في المنتهى «6». أو هو و شبهه؟ كما في الخلاف، و التذكرة، و القواعد، و الإرشاد، و الذكرى «7»، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين «8». أو كل نجاسة مائعة؟ كما عن موضع آخر من المبسوط «9» و [1] في

______________________________

[1] المظنون ان «الواو» من زيادة النساخ و المراد أن المنتهى حكى هذا القول عن موضع من المبسوط كما هو الموجود في المنتهى 1: 178.

______________________________

(1) المقنعة: 71.

(2) المبسوط 1: 38.

(3) المراسم: 56.

(4) نقله عنه في المختلف: 61.

(5) لم يصرّح بالبول فيما عثرنا عليه من كلامه في الوسيلة: 79 و ذكر النجاسة المائعة و هو القول الثالث.

(6) المنتهى 1: 178.

(7) الخلاف 1: 218، التذكرة 1: 8، القواعد 1: 8، مجمع الفائدة 1: 351، الذكرى: 15.

(8) نسبه إليهم في الذخيرة: 170.

(9) المبسوط 1: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 320

المنتهى، و صريح السرائر «1»، و اختاره والدي في اللوامع و المعتمد. أو يعمّ النجاسات كلها إذا أزيلت العين و بقيت الرطوبة و إن لم تكن مائعة؟ كما في الشرائع «2»، و النافع [1]،

و البيان «4»، بل نسب «5» أيضا إلى الشهرة المتأخرة [2].

الحق هو الأخير، للموثقة، و رواية الحضرمي، المؤيدتين بالرضوي «7».

و ردّ الاولى: بضعف الدلالة، لاختصاصها بجواز الصلاة، مردود بما مرّ.

مضافا إلى أنّ تجويز الصلاة فيها في البول و غيره إمّا للطهارة في الجميع، أو العفو فيه، أو الطهارة في البعض و العفو في آخر. و الثاني مدفوع: بصحيحة زرارة «8». و الثالث: بعدم القائل، فتعين الأول.

المسألة الثالثة: ما تطهّره الشمس من المواضع هو الأرض، و الحصر، و البواري

، و كل ما لا ينقل عادة من الأبنية، و الأبواب، و الأوتاد المثبتة، و النباتات القائمة، وفاقا لصريح الشرائع، و التذكرة، و التحرير، و القواعد، و المنتهى «9»، و الإرشاد، و شرح القواعد، و الدروس، و الذكرى، و البيان «10»، و في اللوامع أنّه المشهور مطلقا، و في الحدائق بين المتأخرين «11»، لعموم رواية الحضرمي، خرج منه المنقول بالفعل عادة بالإجماع و الرضوي المنجبر بالعمل الدال على عدم تطهّر شي ء

______________________________

[1] المختصر النافع: 19، و في النسخ: «اللوامع» و الظاهر أنه تصحيف «النافع».

[2] و ظاهر المعتبر و التحرير التردّد (منه ره)، راجع المعتبر 1: 446، التحرير 1: 25.

______________________________

(1) السرائر 1: 182.

(2) الشرائع 1: 55.

(4) البيان: 92.

(5) كما نسبه في الحدائق 5: 437.

(7) المتقدمة في ص 314 و ص 312.

(8) المتقدمة ص 312.

(9) الشرائع 1: 55، التذكرة 1: 8، التحرير 1: 25، القواعد 1: 8، المنتهى 1: 178.

(10) مجمع الفائدة 1: 351، جامع المقاصد 1: 178، الدروس 1: 125، الذكرى: 15، البيان: 92.

(11) الحدائق 5: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 321

من المنقولات بضميمة عدم الفصل، فيبقى الباقي.

و يدل على المطلوب في أكثر ما ذكر: إطلاق الموضع في الموثّقة، و قد يستدلّ أيضا بوجوه أخر ضعيفة.

و خلافا لنهاية الإحكام،

فأخرج الثمرة على الشجرة مما يطهر «1» أو للسرائر، و المختصر النافع، و عن المقنعة، و المبسوط، و الخلاف «2»، و الراوندي «3»، و ابن حمزة «4» و الديلمي «5»، فخصّ بالثلاثة الاولى، و للمعتبر فتردّد في غيرها «6»، استنادا في الثلاثة إلى ما تقدّم من صحاح زرارة و علي و الموثقة «7»، و في التخصيص إلى ضعف الرواية «8» سندا.

و هو عندنا غير ضائر، مع أنّ الاشتهار المدّعى لضعفه- لو كان- جابر، مضافا إلى أنّ الموثقة لغير الثلاثة قطعا شاملة، و معه فيتعدّى إلى سائر ما لا يشمله بعدم الفاصل.

المسألة الرابعة: لا يطهر شي ء من النجاسات بالجفاف بغير الشمس

، و عليه إجماعنا كما في المنتهى «9».

و تدل عليه صحيحة زرارة مفهوما، و الموثقة منطوقا، و صحيحة ابن بزيع «10» عموما.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 290.

(2) السرائر 1: 182، المختصر النافع: 19، المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، الخلاف 1: 495.

(3) نقله عنه في المختلف: 61.

(4) الوسيلة: 79.

(5) المراسم: 56.

(6) المعتبر 1: 447.

(7) المتقدمة ص 312 و 313- 314.

(8) يعني رواية الحضرمي المتقدمة ص 312.

(9) المنتهى 1: 177.

(10) المتقدمة في ص 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 322

و بها يخصّص بعض المطلقات المجوزة للصلاة في كلّ موضع جفّ، أو يحمل على غير السجدة عليه مع جفاف الأعضاء.

و عن الخلاف القول بالطهارة بزوال العين بهبوب الرياح مدّعيا عليه إجماع الفرقة «1».

و رجوعه عنه في غير ذلك الكتاب «2»، بل في موضع آخر منه «3» يقدح في إجماعه، بل يوجب عدم قدح خلافه في الإجماع.

فروع:
أ: لو جفّ بالشمس و غيرها معا كالهواء

، فإن تأخر التجفيف بأحدهما، بأن يكون ارتفاع الرطوبة رأسا من أحدهما و إن نقصت أولا بالآخر، فالحكم للمتأخر، لصدق التجفيف بالشمس مع تأخره، و عدمه لا معه.

و صدق الإشراق كما في الرواية «4»، و إصابة الشمس ثمَّ الجفاف كما في الموثقة و إن أوجبا التطهّر في الصورة الثانية أيضا، و لكن يعارضهما مفهوم الصحيحة بالعموم من وجه، فيرجع إلى استصحاب النجاسة، و مع الشك يستند الجفاف إلى المتأخر لاستصحاب الرطوبة.

و إن شاركا في التجفيف في زمان، فظاهر القواعد و التذكرة عدم الطهارة «5».

و صرح في المدارك «6» و اللوامع بالطهارة. و هو كذلك، لصدق التجفيف بالشمس و إشراقها إلا إذا علم أن التأثير من غير الشمس.

______________________________

(1) الخلاف 1: 218.

(2) المبسوط 1: 38.

(3) الخلاف 1: 495.

(4) المراد بها رواية الحضرمي المتقدمة ص

312.

(5) القواعد 1: 8، التذكرة 1: 8.

(6) المدارك 2: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 323

ب: زوال العين في تطهير الشمس معتبر إجماعا

، و لأنّ مع بقائها لا تصدق إصابة الشمس و لا إشراقها على الموضع غالبا، بل قد يشكّ في صدق التجفيف بالشمس أيضا. و الكلام في زوال اللون و الطعم و الريح كما مر.

ج: لو جفّ بحرارة الشمس من غير إشراقها لم يطهر

، لصدر الموثقة، و لعدم صدق الإشراق و لا الجفاف بالشمس، ألا ترى أنه إذا جفّ شي ء بمقابلته مع النار يقال: جففته النار، و لو كان بينهما حائل لا يقال ذلك و إن جفّفته حرارتها.

د: لو جفّ بغير الشمس و بلّ بوجه غير مطهر يطهر بالجفاف بالشمس

، و الوجه ظاهر.

ه: لو اتصلت النجاسة من الظاهر إلى الباطن في شي ء واحد

، فصرّح جماعة [1] بأنّه يطهر بإشراق الشمس على الظاهر و تأثيرها في الباطن، لأنه مع الوحدة يصدق على المجموع أنه ما شرقت الشمس عليه و أصابته، بل جفّفته.

و هو كذلك إن علم أنّ آخر جفاف الرطوبة الباطنية حصل بالشمس. و إلّا فإن علم أنّ آخره حصل بغير الشمس، فالظاهر اختصاص الطهارة بالظاهر، لمفهوم الصحيحة المعارض لما مرّ بالعموم من وجه، فيرجع إلى استصحاب النجاسة.

و إن لم يعلم شي ء منهما، فالحكم لاستصحاب الرطوبة الباطنية، فإن انقطع الاستصحاب في زمان الجفاف بالشمس، يكون طاهرا، و إن انقطع في غيره، يكون نجسا.

و تقييد منطوق الصحيحة بالعلم، فجميع صور الشك يدخل في المفهوم غلط، لأن الألفاظ للمعاني النفس الأمرية، و لا يقيّد بالعلم إلّا في مقام الأوامر

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 170، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 171، و صاحب الحدائق 5: 450.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 324

و النواهي، و ليس المقام منها.

مع أنّ بعد ملاحظة ما ذكرنا من استصحاب الرطوبة لا يبقى محل شك.

و الحكم باختصاص الطهارة مطلقا بالظاهر- كما هو ظاهر المنتهى «1»- غير جيّد.

و أما لو كان شيئان نجسان وضع أحدهما فوق الآخر و جفّ التحتاني بحرارة الشمس، فلا يطهر مطلقا.

و: تطهر اللبنة النجسة بالشمس، و إن كانت منقولة

، إما لصدق الأرض عليها، أو لعدم العلم بخروجها عن العموم. و كذا التراب، و المدر، و الحجر، و الحصى، و الرمل، و نحوها. و الكلام في بواطنها إذا كانت نجسة كما سبق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 325

الفصل الثالث: في الاستحالة
اشاره

و المراد منها تبدل الحقيقة عرفا، و المناط في تبدّلها تبدل الاسم، بحيث يصح سلب الاسم الأول عنه، كما أشار إليه الإمام في موثّقة عبيد بن زرارة، الآتية «1»، فكلما تبدل اسمه كذلك ينكشف تبدل حقيقته و يختلف حكمه.

و أما القول بعدم كفاية تبدل الاسم، لأجل أنه لا يتفاوت الحكم الثابت للحنطة بعد صيرورتها دقيقا، و لا للدقيق بعد صيرورته عجينا، و لا للعجين بعد صيرورته خبزا، و كذا في القطن و الغزل و الثوب، و جعل المناط تبدّل الحقيقة، و الكاشف عنه تبدل الآثار و الخواص «2».

فمردود بأنه لو كان كذلك، لزم تطهر اللبن النجس بصيرورته جنبا أو أقطا، ضرورة تبدل الخواص فيهما، و لا يلزم ذلك على ما ذكرنا.

و أما مثال الحنطة و القطن فنمنع ثبوت الحكم و عدم اختلافه لو ثبت، فإنه لو قال الشارع: لا تسكن البيت ما دام فيه الحنطة، فلا يحرم السكون بعد تبدّلها دقيقا. و كذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام عنده القطن، لا يجب عليه الصيام بعد تبدله غزلا أو ثوبا. و كذا لو قال: اغسل ثوبك من ملاقاة الحنطة أو القطن، فيحكم لأجله بنجاستهما ما داما حنطة و قطنا.

و أما ما ترى من استصحاب نجاسة الحنطة المتنجسة بعد صيرورتها دقيقا و كذا في القطن و اللبن، فإنما هو لعدم كون النجاسة معلّقة على هذا الاسم شرعا، فإنّ الشارع لم يقل: إنّ

الحنطة نجسة، و لا: إنّ الحنطة الملاقية للنجاسة نجسة، إنما هي جزئي من جزئيات المحكوم عليه، لا لكونه حنطة، بل لأنّه جسم ملاق للنجاسة، فمناط الجزئية أيضا هذا الملاقي، و لو كان الشارع يقول: الحنطة

______________________________

(1) سيأتي ذكرها ص 332.

(2) قاله في غنائم الأيام: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 326

نجسة، لكنّا نحكم بطهارتها بعد صيرورتها دقيقا أو خبزا.

و قد ظهر مما ذكرنا أنّ المراد بالاستحالة هنا استحالة موضوع الحكم شرعا، و تبدل حقيقة ما جعله الشارع مناطا للحكم و موضوعا له، و المناط في تبدل الحقيقة هو تبدل الاسم عرفا.

ثمَّ إن للاستحالة أنواعا كلّها مشتركة في إيجابها لتطهّر الأعيان النجسة ذاتا، للأصل، و عمومات طهارة ما استحيل إليه، و عدم دليل على نجاسته سوى الاستصحاب الذي لا يمكن التمسك به في المقام، لتبدل الموضوع. و الشك في التبدل كاللاتبدل، للأصل و الاستصحاب.

دون المتنجسات على الأقوى، للاستصحاب، و عدم تغير الموضوع كما أشرنا إليه، و بينا تفصيله في موضعه من الأصول.

و من لم يفرق بين الموضعين فقد بعد عن التحقيق، و أبعد منه من أجرى الحكم في الثاني بمفهوم الموافقة.

فمن أنواعها: الاستحالة بالنار

، و هي تطهر الأعيان النجسة ذاتا بإحالتها إلى الدخان و الرماد و الفحم على الأقوى و الأشهر مطلقا في الأولين، و عند المتأخرين خاصة في الأخير، بل على الأول الإجماع في المنتهى و التذكرة «1»، و على الثاني عن الخلاف «2»، و عليهما عن السرائر «3».

و نسبة دعوى الإجماع إلى المعتبر خطأ «4»، لأنه ذكره في دواخن السراجين النجسة، و المراد الأبخرة المتصاعدة عنها، لأنه قال: لا يتوقّى الناس عنها «5»، و ما أجمعوا على عدم التوقّي عنها هي الأبخرة، مع أنّه قال في

باب الأطعمة من

______________________________

(1) المنتهى 1: 180، التذكرة 1: 8.

(2) الخلاف 1: 499.

(3) السرائر 3: 121.

(4) كما نسبه في مفتاح الكرامة 1: 186.

(5) المعتبر 1: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 327

الشرائع: و دواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا، و كذا ما أحالته النار و صيّرته رمادا أو دخانا على تردّد «1».

و يدلّ على الحكم في الجميع- بعد الإجماع في الجملة- الأصل السالم عن المعارض، سوى الاستصحاب الغير المفيد هنا كما مرّ.

و قد يستدلّ أيضا: بصحيحة السراد: عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «2».

و المروي في قرب الإسناد: عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح به المسجد؟

قال: «لا بأس» «3».

و ليس المراد من الاولى تطهر الجص المتنجس بالنار و الماء حتى يرد أن النار لم تجعله رمادا، و الماء أحيل إليه بمجرد ملاقاته له فلا يصلح للتطهير.

بل المراد أن النار أحالت العذرة المختلطة معه إلى الرماد فطهرته، و الماء طهر ظاهر الجص الملاقي لعذرة المحتملة لرطوبة بعض أجزائها، فلا يلزم حمل التطهر على الحقيقي و المجازي أو عموم المجاز.

و إحالة الماء إليه غير ضائر، لأنه أحيل بعد التطهر، و المانع هو ما إذا كان قبله. مع أنها تدل على المطلوب من باب الإشارة أيضا، حيث لم يمنع من تجصيص المسجد به، و حينئذ يمكن حمل التطهير فيها على المعنى المجازي أعني التنظيف.

و لا يخفى أن الاستدلال بهما إنّما يتمّ على ما هو متعارف بعض بلاد العرب، من وضع الوقود على الجصّ و إحراقه عليه، و أما على ما هو متعارف أكثر بلاد

______________________________

(1) الشرائع 3: 226.

(2) الكافي 3: 330 الصلاة

ب 27 ح 3، الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 3: 527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 290- 1147، الوسائل 5: 291 أبواب أحكام المساجد ب 65 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 328

العجم من إيقاده تحته من غير امتزاج فلا، بل يكون المراد بالتطهّر في الأولى رفع التنفر و القذارة، و على هذا فيشكل التعويل على الروايتين.

خلافا للمحكي عن المبسوط في دخان الدهن النجس، فحكم بنجاسته لوجه اعتباري لا يتم «1»، و المنع عن الإسراج به تحت الظلال، و هو أيضا على مطلوبه غير دال.

و للمعتبر و باب الأطعمة و الأشربة من الشرائع في الثلاثة، فحكم في الأول بعدم التطهر «2» و في الثاني تردد «3». و للعاملي «4» في الثالث. و لا وجه لشي ء منها.

و أما استحالة المتنجسات، فألحقها جماعة «5» باستحالة النجس في حصول التطهر بها.

و نفى بعضهم «6» الإلحاق، و هو كذلك في غير الدخان، لما ذكرنا.

و أما الدخان فالظاهر طهارته، لخروج الجسم به عن قابلية النجاسة، فلا يجري فيه الاستصحاب، فإنّه ليس جسما عرفا، و لذا لا ينجس الدخان الطاهر حيث يمر على النجاسات الرطبة.

و بما ذكرنا يظهر عدم تطهر الطين النجس بصيرورته آجرا أو خزفا و إن خرج عن مسمّى التراب، وفاقا لجماعة «7». و خلافا لآخرين «8»، لما ذكر من التبدل، و قد عرفت ضعفه. و لنقل الإجماع من الخلاف «9»، و هو ليس بحجّة. و لإطلاق.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 95، و لكن الموجود في المبسوط 6: 286 التصريح بعدم نجاسته.

(2) المعتبر 1: 451.

(3) الشرائع 3: 226.

(4) الروض: 170.

(5) صاحب المعالم: 403، و كشف اللثام 1: 56، و كشف

الغطاء: 181.

(6) الحدائق 5: 462.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروض: 170، و الروضة 1: 67.

(8) منهم الشيخ في الخلاف 1: 499، و الشهيد في البيان: 92.

(9) الخلاف 1: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 329

صحيحة السراد، و هي على مطلوبهم غير دالة. و لأصالة الطهارة، و هي بالاستصحاب مندفعة.

و ردّ الاستصحاب هنا بمثل ما مرّ في التطهير بالشمس يعرف جوابه ممّا ذكر هناك.

و كذا يظهر عدم تطهّر خبز العجين النجس، كما هو المشهور، لما ذكر، و للأمر بدفنه أو بيعه ممّن يستحلّ الميتة في صحيحتي ابن أبي عمير «1».

و خلافا للمحكي عن الشيخ في الاستبصار «2» و موضع من النهاية- مع حكمه بالعدم في موضع آخر «3»- لصحيحة ابن أبي عمير: في عجين عجن و خبز ثمَّ علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه» «4».

و رواية ابن الزبير: عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها، أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار لا بأس» «5».

و الاولى لشمولها لميتة غير ذات النفس أعم مطلقا ممّا مرّ، فتختص لا محالة به.

و الثانية مبنية على نجاسة البئر بالملاقاة، و قد عرفت ضعفها.

و أما التعليل بأكل النار في الاولى، و التقييد بإصابتها في الثانية: فلرفع استقذار الطبع.

و منها: الاستحالة إلى الدود أو التراب

، على المشهور بين الأصحاب

______________________________

(1) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76 و 77، الوسائل 1: 242، 243 أبواب الأسآر ب 11 ح 1 و 2.

(2) الاستبصار 1: 29.

(3) النهاية: 8، 590.

(4) التهذيب 1: 414- 1304، الاستبصار 1: 29- 75، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 18.

(5) التهذيب 1: 413- 1303، الاستبصار 1: 29-

74، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 330

(للأصل) «1».

و توقف الفاضلان «2» في الثاني. و عن الشيخ «3» الحكم بنجاسته.

و لعل نظرهم إلى الاستصحاب، و قد عرفت ما فيه.

و هذا أيضا كالاستحالة بالنار يختصّ بالأعيان النجسة دون المتنجّسة، لما مرّ، إلّا أن يكون هناك عموم أو إطلاق دال على طهارة كل حيوان أو تراب، بحيث يشمل المورد أيضا، كما هو المظنون في التراب، فحينئذ ترفع اليد عن الاستصحاب.

و لا تطهر الأرض الملاقية للعذرة الرطبة بعد استحالتها، للاستصحاب، و عدم الموجب.

و قيل: تطهر، لإطلاق الفتاوي بالنسبة إلى العذرة المستحالة، و لو لم يطهر محلها، لخصت باليابسة.

قلنا: الإطلاق إنما هو بالنسبة إلى ارتفاع النجاسة الثابتة، فلا ينافيه عروض نجاسة من الخارج، مع أنه لا إطلاق هناك لدليل يمكن كالتشبث به.

و مثل الاستحالة إلى التراب و الدود الاستحالة إلى غيرهما من الأجسام.

و منها: استحالة الكلب و الخنزير الواقعين في المملحة ملحا، و العذرة الواقعة في الماء حمأة.

و الأقرب فيها أيضا الطهارة، وفاقا للفخري «4»، و الكركي «5»، و الشهيدين «6»، و معظم الثالثة «7»، للدليل المطرد في كل استحالة، و أدلة طهر

______________________________

(1) لا توجد في «ق».

(2) المحقق في المعتبر 1: 452، و العلامة في التذكرة 1: 8.

(3) المبسوط 1: 93.

(4) الإيضاح 1: 31.

(5) جامع المقاصد 1: 181.

(6) الأول في الدروس 1: 129، و الثاني في حواشيه على ما نسبه إليه في مفتاح الكرامة 1: 191.

(7) كما قال به في المفاتيح 1: 80، و كشف اللثام 1: 58، و الذخيرة: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 331

الملح.

و خلافا للمعتبر و المنتهى، ناسبا له إلى أكثر أهل العلم «1»، و تردد في التذكرة «2»، لتخريج ضعيف، و استصحاب مردود.

و منها: استحالة النطفة حيوانا طاهرا

، و البول النجس بولا، أو لبنا، أو عرفا، أو لعابا لحيوان يطهر منه تلك الأمور، و الغذاء النجس جزءا له.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء من ذلك، فإن ثبت فهو، و إلّا ففي طهارة المتنجس بذلك فيما لم يكن فيه معارض للاستصحاب نظر يظهر وجهه مما ذكر، إلّا أن يحكم بطهارة الجميع بضم عدم الفصل بين المذكورات إلى عمومات طهارة بول مأكول اللحم أو لحمه.

و منها: انتقال الدم النجس العين- كدم الإنسان- إلى بدن ما لا نفس له

، و استحالته إلى دمه عرفا، و الظاهر عدم الخلاف في طهارته.

و تدلّ عليه- بعد الأصل و لزوم العسر و الحرج- عمومات طهارة دمه.

و استصحاب النجاسة قد عرفت ما فيه، و الحكم في ذلك أيضا كنظائره المتقدمة، للاستحالة، أي تغير الاسم عرفا، فإنّ موضوع النجاسة دم الإنسان مثلا، فبعد عدم صدق ذلك عليه لا يمكن الاستصحاب.

و أما ما قيل: من أن الظاهر أنه لأجل عدم صدق الاسم فقط فهو في العرف دم البق مثلا، لا دم الإنسان، و دم ما لا نفس له طاهر، فالطهارة إنما هي لتغيّر الحكم بالشرع بسبب تغيّر الاسم، يعني أنّ الشارع نصّ على تفاوت الحكم بتفاوت الاسمين، و هذا غير تغيّر الحكم بمجرّد الاستحالة «3»، فلا وجه له.

و الظاهر أنّ نظره في الاستحالة إلى تغيّر الحقيقة، و أنّه غير متحقّق بمجرّد تغيّر الاسم. و هو غير صحيح كما أشرنا إليه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 451، المنتهى 1: 179.

(2) التذكرة 1: 8.

(3) غنائم الأيام: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 332

و منها: انقلاب الخمر خلا

، و هو أيضا مطهّر بالإجماع مع الانقلاب بنفسه، كما في التنقيح «1» و اللوامع، و معه بالعلاج على المشهور، بل عليه و على الأول الإجماع في الانتصار و المنتهى «2»، للعلة المطّردة، و النصوص المستفيضة:

كموثقتي عبيد بن زرارة: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا، قال: «لا بأس» «3».

و الأخرى: في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» «4».

و صحيحة عبد العزيز بن المهتدي: العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتى يصير خلا، قال: «لا بأس به» «5».

و حسنة زرارة: عن الخمر العتيقة تجعل خلا،

قال: «لا بأس» «6».

و الرضوي المنجبر ضعفه بالعمل: «فإن تغيّر بعد ذلك و صار خمرا فلا بأس أن يطرح فيه ملحا أو غيره حتى يتحول خلا» «7».

و المروي في السرائر: عن الخمر يعالج بالملح و غيره ليتحول خلا، قال: «لا بأس بمعالجتها» «8» الحديث.

و الثالثة كالأخيرين صريحة في العلاج، و البواقي ظاهرة فيه، فإنّ جعل

______________________________

(1) التنقيح 4: 61.

(2) الانتصار: 200، المنتهى 1: 167.

(3) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 3، التهذيب 9: 117- 505 و 507، الاستبصار 4:

93- 356 و 357، الوسائل 25- 370، 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3 و 5.

(4) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 3، التهذيب 9: 117- 505 و 507، الاستبصار 4:

93- 356 و 357، الوسائل 25- 370، 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3 و 5.

(5) التهذيب 9: 118- 509، الاستبصار 4: 93- 359، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.

(6) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 2، التهذيب 9: 117- 504، الاستبصار 4: 93- 355، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 1.

(7) فقه الرضا (ع): 280، المستدرك 17: 73 أبواب الأشربة المحرمة ب 21 ح 1.

(8) مستطرفات السرائر: 60- 31، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 333

الخمر خلا ظاهر في العلاج.

فتوقف العاملي في الصورة الثانية، و تعليله: بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بالأجسام و تحقّق الطّهر بها، و إنما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإسناد «1». لا وجه له، لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح و

الموثق، مع أن العموم أو المفهوم حجّة.

و أما حديث الإسناد فالأخبار معتبرة بنفسها، و مع ذلك فالجميع بالشهرة المتحققة و المحكيّة في كلامه بنفسه «2» و كلام غيره «3» معتضدة.

و أمّا صحيحة أبي بصير: عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا إلا ما جاء من قبل نفسه» «4»، فهي عن إفادة الحرمة قاصرة، و على فرض الدلالة، فلشذوذها عن إثبات الحرمة عاجزة، و لإثبات محض كراهته للتسامح في أدلّتها صالحة. و مع قطع النظر عما ذكر يجب الحمل عليها، للمعارضة مع ما مرّ.

و كذا المروي في العيون: «كلوا خل الخمر ما انفسد، و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم» «5».

مع أن حمل الصحيحة على أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة- ردا على أبي حنيفة القائل به «6»- ممكن.

و لا فرق بين ما كان المعالج به مائعا أو جامدا، باقيا أو هالكا، لإطلاق الأدلّة المتقدمة.

______________________________

(1) المسالك 2: 248.

(2) المسالك 2: 248.

(3) المفاتيح 1: 80.

(4) التهذيب 9: 118- 510، الاستبصار 4: 93- 360، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.

(5) العيون 2: 39- 127، الوسائل 25: 25 أبواب الأطعمة المباحة ب 10 ح 24.

(6) بدائع الصنائع 5: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 334

قالوا: و يطهر ظرفها بطهرها «1»، لعدم انفكاك الخمر عن الظرف ضرورة، فلو لم يطهر، لزم عدم طهر الخمر أيضا، فما يدلّ على تطهرها يدل على تطهره بدلالة الإشارة.

فإن ثبت الإجماع، و إلا ففيه نظر، إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم تنجسها بملاقاة الظرف، كما في اللبن في ضرع الميتة، بل هذا أوفق بالقواعد، إذ تنجس الخمر بعد الخلية بملاقاة الظرف عن الدليل خال، لأنّ تنجس كل

ملاق للنجس ليس إلّا بواسطة الإجماع المركّب، و هو هنا غير معلوم، بخلاف نجاسة الظرف، فإنّها مقتضى الاستصحاب.

و احتمال تقييد نجاسته بحال ملاقاته للخمر يدفعه: ما ذكرنا في مسألة التطهر بالشمس.

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 180، و كشف اللثام 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 335

الفصل الرابع: في الأرض
اشاره

و هي تطهّر باطن النعل، و الخفّ، و القدم، بلا خلاف ظاهر في الأول و إن اقتصر بذكر الأخيرين في النافع «1»، و على الأشهر الأظهر فيهما، بل في المدارك «2»:

أن الحكم في الثلاثة مقطوع به بين الأصحاب و أن ظاهرهم الاتفاق عليه، و في شرح القواعد الإجماع عليها «3».

للمرويين عن النبي: أحدهما: «إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى، فإن التراب له طهور» «4».

و الآخر: «إذ وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» «5».

و صحيحتي زرارة و الأحول، الاولى: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» «6».

و الأخرى: في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف، ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا، قال: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك» «7».

و رواية المعلّى: عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا؟ فقال: «أ ليس وراءه شي ء جاف؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» «8» أي: يطهّر ما يمشى عليه بعضا آخر من الرجل، كقوله: الماء يطهّر البول.

______________________________

(1) المختصر النافع: 20.

(2) المدارك 2: 372.

(3) جامع المقاصد 1: 179.

(4) سنن أبي داود 1: 105- 385 و 386.

(5) سنن أبي داود 1: 105- 385 و 386.

(6) التهذيب 1: 46- 129، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام

الخلوة ب 30 ح 3.

(7) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 1، الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1.

(8) الكافي 3: 39 الطهارة ب 24 ح 5، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 336

و موثقة الحلبي و المروي في السرائر عن محمد الحلبي المتقدمتين «1» في مسألة إزالة النجاسة عن المسجد.

و أما الاستدلال بالعامي: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فإن «2» رأى في نعله أثرا أو أذى فليمسحها، و ليصل فيها» «3».

و رواية حفص: إني وطئت عذرة بخفّي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: «لا بأس» «4».

و صحيحة زرارة: «رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه؟ و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلا أن يقذرها، و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي» «5».

فغير جيد، لجواز كون الحكم في الأوليين لكون الخف مما لا تتم الصلاة فيه دون الطهارة، و الأمر بالمسح في الأولى لعله للاجتناب عن السراية إلى المسجد، و كون العذرة في الثالثة أعم من الرطبة و اليابسة، بل النجسة أيضا على قول، فيمكن أن يكون معنى قوله: «لا يغسلها إلا أن يقذرها» أي: ينجسها بأن تكون رطبة نجسة، و الا فيمسحها حتى يذهب ما لصق بها من الأجزاء اليابسة، و قوله:

«ساخت» «6» لا يدل على الرطوبة لأنه بمعنى غابت و خسفت.

ثمَّ ما ذكرنا من الأخبار- المنجبر ضعف ما هو ضعيف منها بالشهرة- كما ترى بين نص في النعل كالأولى، و في الخف كالثانية، و في القدم كرواية المعلى و الأخيرة، أو ظاهر فيه كالثالثة، أو مطلق في

الثلاثة كالباقيتين.

______________________________

(1) ص 233- 234

(2) في «ق»: فإذا.

(3) سنن أبي داود 1: 175- 650.

(4) التهذيب 1: 274- 808، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 6.

(5) التهذيب 1: 275- 809، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 7.

(6) كما يقال ساخت قوائمه في الأرض (منه ره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 337

فالخلاف في الثاني، كما عن ظاهر الخلاف «1»، و هو ظاهر الدروس «2»، و البيان، و القواعد، و اللمعة «3» لتخصيصهما الطرفين بالذكر، إلا أن يقال بدخول الوسط في الأول كما هو ظاهر الروضة «4». أو في الثالث، كما عن ظاهر المفيد و الديلمي «5»، أو التوقف فيه كما في المنتهى «6» بعد حكمه بالطهارة قبله، أو الاستشكال فيه كما في التحرير «7» و إن حكم بالطهارة بعده. لا وجه له.

بل ظاهر صحيحة الأحول: التعدّي من الثلاثة إلى كلّ ما يوطأ معه من حذاء الخشب و الخرقة، وفاقا للإسكافي «8»، و الروض، و الروضة «9»، بل الجورب و الجلد إن لم نقل بصدق النعل على جميع أفراد الأخير.

و في التعدّي إلى مثل خشبة الأقطع و الكف و الركبتين لمن يمشي بها نظر.

و العدم أظهر، للشك في صدق الوطأة، فإنها موضع القدم كما في كتب اللغة «10».

خلافا لجماعة، فتعدّوا إليها «11»، إما لصدق الوطأة. و قد عرفت عدم ثبوته، و لو ثبت فلما اشتهر من انصراف المطلق إلى الشائع مطلقا غير ملائم. أو لإطلاق الموثقة. و هو لا يفيد، لاختصاصها بأشخاص خاصة. أو للتعليل المستفاد من قوله: «إن الأرض يطهر بعضها بعضا».

______________________________

(1) الخلاف 1: 217.

(2) الدروس 1: 125.

(3) البيان: 92، القواعد 1: 8، اللمعة (الروضة 1): 65.

(4) قال في الروضة: المراد بالنعل

ما يجعل أسفل الرجل للمشي وقاية من الأرض (منه ره) الروضة 1:

66.

(5) المقنعة: 72، المراسم: 56.

(6) المنتهى 1: 179.

(7) التحرير 1: 25.

(8) نقله عنه في المنتهى 1: 179.

(9) الروض: 170، الروضة 1: 66.

(10) النهاية الأثيرية 5: 200، لسان العرب 1: 196.

(11) كما في الروضة 1: 66، و الذخيرة 173، و الرياض 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 338

بل قد يتعدى لذلك إلى غير ذلك أيضا من كعب العصاء و الرمح، بل- كما عن الموجز- إلى الحافر، و الخف، و الظلف.

و الحق أنّ في معناه إجمالا لا يمكن الاستناد إليه في إثبات حكم.

و هل يلزم في تطهر ما ذكر المشي به، أو يطهر و لو بمسحها على الأرض و لو بالدلك باليد؟

الحق هو الثاني، وفاقا لجماعة منهم الإسكافي «1»، و المفيد، و الديلمي «2»، لإطلاق صحيحة زرارة.

و قد ينسب الأول إلى الأول، بل مع التقييد بما في صحيحة الأحول من كونه نحوا من خمسة عشر ذراعا.

و صدر كلامه و إن وافق ذلك، و لكن قوله أخيرا: و لو مسحها حتى تذهب عين النجاسة و أثرها بغير ماء أجزأه «3»، يدل على أن مراده مقدار المشي الذي تزول به النجاسة غالبا.

و عليه تحمل الصحيحة أيضا، و في قوله: «أو نحو ذلك» إيماء إليه.

و في إجزاء أخذ مثل التراب و دلكه بالموضع احتمال قريب، لصدق المسح.

و أقرب منه الاجتزاء بالمشي في غير الأرض كالآجر، و الحصير، و النبات، و الخشب، لما ذكر، و لقوله في صحيحة الأحول: «ثمَّ يطأ مكانا نظيفا» و مع ذلك فلعدم الاجتزاء أحوط.

و في اشتراط كلّ من طهارة الممسوح به و جفافه، و عدمه وجهان.

الحق في الأول، الثاني، وفاقا لجماعة «4»، بل

الأكثر، لإطلاق ما مر.

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 178، و المعالم: 389.

(2) المقنعة: 72، المراسم: 56.

(3) نقله عنه في المعالم: 389.

(4) كما قال به في كشف اللثام 1: 57، و الكفاية: 14، و الرياض 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 339

و خلافا للإسكافي «1»، و الذكرى «2»، و بعض آخر «3»، لصحيحة الأحول.

و لا دلالة فيها أصلا، و لا لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «4» و إن قلنا: إن الطهور هو الطاهر المطهر.

و قيل: لأن النجس لا يطهر «5».

و فيه منع ظاهر، و إثباته بالغلبة و الاستقراء ضعيف.

نعم، لو كان الممسوح مع نجاسة الممسوح به رطبا، ينجس بنجاسة الممسوح به و إن تطهّر من النجاسة الحاصلة لنفسه.

و انصراف الإطلاق إلى انتفاء مثل هذه النجاسة أيضا ممنوع.

و في الثاني: الأول، وفاقا للإسكافي «6» بل جماعة «7»، لروايتي المعلى، و السرائر «8»، الموجودتين في الأصول المعتبرة، الجابر ذلك لضعف سنديهما.

و حمل الاولى على الجفاف من الماء المتقاطر من الخنزير، و الثانية على اليبوسة من البول تقييد بلا دليل.

فبهما تقييد الإطلاقات، حيث إن المستفاد منهما عدم التطهر بالرطب، و إلا لزم كون التقييد لغوا محضا، لعدم الواسطة بين الرطب و الجاف. و لا يرد مثل ذلك في التقييد بالأرض في رواية السرائر، لأنه لا يصير لغوا، لجواز أن يكون المطهر الأرض و شيئا آخر غيرها، و ذكر البعض لا يدل على نفي الآخر إلا إذا غيره فيه

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 178.

(2) الذكرى: 15.

(3) جامع المقاصد 1: 179.

(4) الفقيه 1: 155- 724 و لم يذكر فيه «ترابها» و في جامع الأحاديث 3: 53 عن نسخة من

الفقيه كما في المتن. و انظر الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

(5) الروض: 170.

(6) نقله عنه في المنتهى 1: 178.

(7) كما قال به في جامع المقاصد 1: 179، و الحدائق 5: 458، و الرياض 1: 96.

(8) المتقدمتين ص 335 و ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 340

الحصر «1».

و هل يشترط جفاف الممسوح قبل الوطء؟ الظاهر لا، للإطلاق.

و كذلك لذلك لا يشترط حصول التجفيف له بعد المسح، و إزالة العين لو كان رطبا، و لا وجود العين و الأثر المحسوس للنجاسة، فلو كانت الرجل مثلا نجسة بالبول و يبست منه، تطهر بالمسح.

فرع: المصرّح به في عباراتهم أسفل النعل و أخويه

، و لا شك في تطهّره و لا في عدم تطهّر ظهرها، للإجماع، و به يخصص إطلاق صحيحة زرارة «2».

و أمّا أطرافها المجاورة للأسفل فلا يبعد تطهرها، لعدم ثبوت إجماع فيها، فلا مخرج لها عن الإطلاق، و لوصولها إلى الأرض عند الوطء غالبا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

______________________________

(1) مثال الأول: كما إذ سئل عن الماء الذي يغير بالنجاسة فهل ينجس؟ فقال: أ ليس بقليل؟ قال:

نعم، فقال: ينجس، فإنه يدل على انحصار المتنجس بالقليل. و مثال الثاني: إذا سئل عن الماء لاقى النجاسة فهل ينجس؟ فقال أ ليس يغيّر به؟ قال: «نعم، قال: ينجس، فإنه لا يدل على الانحصار إذ ينجس القليل أيضا (منه ره).

(2) المتقدمة ص 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 341

الفصل الخامس: في سائر المطهرات

و هي أمور:

منها: الإسلام، و هو مطهّر لنجاسة الكافر ضرورة.

و منها: الغسل، و به يطهّر ميت الآدمي عن نجاسته، و يأتي كيفيته.

و منها: التبعيّة، قالوا: يطهر ولد الكافر الذي سباه مسلم بتبعيّته السابي، و ظرف الخمر التي انقلبت خلا بتبعيّتها، و قد مرّ تحقيقهما «1»، و ظرف العصير و ما تنجّس به قبل ذهاب الثلاثين على القول بنجاسته، بتبعيّته بعد ذهابهما، و لا دليل عليه يصلح لمعارضة الاستصحاب، و كذا في غير ذلك ممّا قيل بطهارته بالتبعيّة.

و منها: النقص، و به يطهر العصير إذا غلى، بعد نقص ثلثيه، على القول بنجاسته.

و منها: زوال العين، فعن الشيخ «2»، و الفاضلين «3»، و غيرهم «4»: طهارة فم الهرة بزوال عين النجاسة، غابت أم لا، لمطلقات طهارة سؤرها، مع أنّ فاها لا ينفكّ عن النجاسة غالبا، و أصالة طهارة ما لاقاه فوها، و أصالة عدم التعبّد بغسل فيها، فليس إلّا الحكم بالطهارة بزوال

العين.

بل الحق جملة المتأخرين «5» بها كل حيوان غير الآدمي، للأخيرين.

مضافا إلى الموثّقتين: أحدهما: عمّا يشرب منه باز، أو صقر، أو عقاب، قال: «كل شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دما فلا

______________________________

(1) في ص 209 و ص 334. 203.

(2) المبسوط 1: 10، الخلاف 1: 203.

(3) المحقق في المعتبر 1: 99، و العلّامة في المنتهى 1: 27.

(4) كما في الذخيرة: 141، و الحدائق 1: 433.

(5) كصاحب المدارك 1: 133، و الذخيرة: 141، و الحدائق 1: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 342

تتوضأ و لا تشرب» «1».

و الآخر: عن ماء شربت منه الدجاجة، قال: «إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه و لم تشرب، و إن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب» «2».

و إلى لزوم العسر و الحرج الشديدين لولاه، و عمل الأصحاب، و الإجماع المنقول في الخلاف «3»، حيث إنّه بعد ما قال: إنّ الهرّة لو أكلت ميتا ثمَّ شربت من الماء القليل لم ينجس، استدلّ بإجماع الفرقة على طهارة سؤر الهرّ و عدم فصلهم.

و يضعف الأول: بأنّ الإطلاقات إنما هي من جهة السؤرية لها، فلا تنافي النجاسة لأمر آخر، مع أنّها مخصصة بما إذا لم يكن فمها نجسا بالإجماع، و لذا يحكمون بالنجاسة قبل زوال العين، فاللازم تحقق نجاسة الفم و طهارته أولا.

و الحاصل أن نجاسة الفم إما لا تستلزم نجاسة السؤر، أو تستلزمها، فعلى الأول لا تثبت من طهارة السؤر طهارة الفم، و على الثاني تكون الإطلاقات مخصصة بما إذا لم يكن الفم نجسا، فلا تفيد الإطلاقات هنا، لوجود دليل النجاسة كما يأتي.

و الثاني: بمعارضته بأصالة نجاسة الفم، المقدمة على أصالة طهارة

ما لاقاه، لكون الأولى مزيلة للثانية.

و الثالث: بأنّا لا نقول بالتعبد بالغسل إذ لم يؤمر به إلا في (مثل) «4» الثوب و البدن.

و أما التفريع الذي ذكره، فلا وجه له، لمنع الحصر، لجواز الحكم بالنجاسة مع عدم وجوب غسله.

و الرابع: بدلالة الروايتين على خلاف المطلوب، لدلالتهما على المنع من

______________________________

(1) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(2) الاستبصار 1: 25- 64، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 3.

(3) الخلاف 1: 203.

(4) لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 343

الشرب و التوضؤ إن ترى الدم أو القذر، أو كان، سواء كان باقيا حال الشرب أو لا.

و الخامس: بمنع لزوم الحرج، فإنّ العلم بنجاسة أعضاء الحيوانات ثمَّ بملاقاتها بعد ذلك قبل حصول الطهارة لها، سيّما على القول بتطهّر الوارد على القليل أيضا، لا يبلغ حدّا يلزم منه حرج.

و السادس: بمنع عمل الأصحاب.

و السابع: بمنع حجية الإجماع المنقول، مع أنّه ليس على المطلق، بل على طهارة السؤر، و لا كلام فيه.

و بضعف تلك الوجوه، يظهر ضعف القول في الأصل و فيما الحق به، مع اندفاع الأخير بإطلاق صحيحة علي المتقدمة «1» في بحث الجاري أيضا.

كما يضعف القول بالطهارة أيضا فيما ذكر مع الغيبة خاصة- كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإحكام «2»- بعدم دليل على ذلك التفصيل.

و مقتضى الاستصحاب النجاسة مطلقا، كما هو مختار ابن فهد في موجزه، و غيره «3»، فهو الحقّ.

هذا في غير الآدمي، و أمّا فيه، فالمشهور: أنّه إذا نجس عضو منه يحكم بنجاسته حتّى يعلم الإزالة.

و قيل بالطهارة مع الغيبة المحتملة للإزالة «4»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

و قيل: مع التلبّس بمشروط

الطهارة مطلقا «5».

______________________________

(1) ص 23.

(2) نهاية الأحكام 1: 239.

(3) كما قال به في مجمع الفائدة 1: 297.

(4) الحدائق 1: 435.

(5) المدارك 1: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 344

و قيل بالثاني بشرط علمه بالنجاسة و أهليّته للإزالة «1».

و قيل بالثالث كذلك.

و الاستصحاب يوافق الأول، و لكن الإجماع القطعي، بل الضرورة الدينية تحققت على جواز الاقتداء و المباشرة و المصافحة مع الناس، و اشتراء ما تلاقيه أيديهم بالرطوبة، مع العلم بنجاستهم كلّ يوم بالبول و الغائط.

فالطهارة مع الغيبة مجمع عليها، و لكن المعلوم منه هو مع علمه بالنجاسة و أهليّته للإزالة. فالحقّ هو الرابع.

و الحكم مختصّ بالبدن دون غيره من الثياب و أمثالها، لعدم العلم بالإجماع فيه.

و يطهر بزوال العين البواطن كالفم، و الأنف، على المشهور بين الأصحاب، قال في البحار: لا نعلم في ذلك خلافا «2».

و استدل عليه: بموثّقة الساباطي: عن رجل يسيل من أنفه الدم، هل عليه أن يغسل باطنه؟ يعني: جوف الأنف، قال: «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه» «3».

و في دلالتها على الطهر بزوال العين نظر، بل يدلّ على عدم وجوب الغسل و لو بقيت العين أيضا.

فإن دلّ عدم وجوب الغسل على الطهارة، لدلّت الموثقة على عدم تنجّس البواطن مطلقا، و هو الأقوى، فلا يحكم بنجاسة البواطن بملاقاتها النجاسة الداخلية أو الخارجية، للأصل و عدم الدليل، فإنّ ثبوت نجاسة المتنجّسات إنّما هو بالأمر بالغسل في الأكثر، و هو ليس في المورد، لعدم وجوب غسله إجماعا، بل

______________________________

(1) نسبه في مفتاح الكرامة 1: 191 إلى المقاصد العليّة.

(2) البحار 77: 131.

(3) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 5، التهذيب 1: 420- 1330، الوسائل 3: 438 أبواب النجاسات ب 24 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 345

نحن لا نعلم من النجس إلّا ما تترتّب عليه الأحكام المعهودة الشرعية، و لا دليل على ترتب شي ء منها على البواطن، فلا يحتاج الطهر بزوال العين فيها إلى دليل.

و لا يمكن استصحاب نجاستها، إذ كلّ ما يدلّ على ثبوت اللوازم للنجاسات فجريانه في البواطن غير معلوم.

بل الظاهر عدم تنجّس ما يدخل البواطن من الخارج- كالخبز يوضع في الفم- بملاقاته النجس، لما ذكر.

و تظهر الفائدة في ما لو خرج بعد زوال العين فيكون طاهرا. نعم، لو خرج ملوّثا بالعين ينجس بعد الخروج إجماعا، و تدلّ عليه الإطلاقات أيضا. فلا تنجس الحشفة بالإنزال في الفرج، و لا الذكر بالتلوث بالمني فيه، إلّا إذا أخرج ملوّثا بعينه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 346

ختام في ما يتعلّق بالجلود
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: عدم جواز استعمال جلود نجس العين، و جلود الميتة

- على القول بنجاستها- في مشروط الطهارة واضح.

و أمّا في غيره كالاستقاء فيها للزرع، أو استعمالها في اليابسات فكذا على المشهور، المدّعى على الأول الإجماع في التذكرة «1».

بل بلا خلاف أجده إلّا من الاستبصار [1]، في الأول، حيث نقل فيه الموثق الثالث الآتي «3»، و وجّه نفي البأس فيها إلى نفس الاستعمال، لا إلى الطهارة.

و يمكن أن يعمّم خلافه في الثاني أيضا، لعدم ورود التذكية على نجس العين.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الاستبصار. نعم ذكره في التهذيب 1: 413- 1301 في ذيل رواية زرارة الاتية ص 348 رقم 4.

______________________________

(1) التذكرة 1: 68.

(3) ص 348 رقم 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 347

و من المحكيّ عن الصدوق «1» في الثاني، باعتبار نقله المرسلة الآتية «2».

و هو غير جيّد، لأنّه لو دلّ على كونه مذهبا له، لدلّ على قوله بالطهارة.

و كيف كان، فالعمل على المشهور، لظاهر الإجماع، و روايات عامية «3» منجبر ضعفها بالعمل.

و رواية الجرجاني: «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» «4».

و صحيحة علي بن أبي المغيرة كما في الكافي، و إن رواها في التهذيب عن علي ابن المغيرة، مع أنّه أيضا في حكم الصحيحة، لصحّتها عن السّراد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال: «لا» «5».

و موثّقتي سماعة: الأولى: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «6».

و الثانية: عن أكل الجبن أو تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء، قال:

«لا بأس بما لم يعلم أنّه ميتة» [1].

و المرويّ في تحف العقول، و رسالة المحكم و المتشابه، للسيّد، و الفصول المهمة، المنجبر ضعفه بالعمل: «كل أمر يكون

فيه الفساد ممّا هو منهي عنه، من جهة أكله و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته، أو

______________________________

[1] التهذيب 9: 78- 331، الاستبصار 4: 90- 342، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 5، الكيمخت بالفتح فالسكون: جلد الميتة المملوح، الغراء: شي ء يتخذ من أطراف الجلود يلصق به.

______________________________

(1) الفقيه 1: 9.

(2) ص 348.

(3) سنن البيهقي 1: 14.

(4) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 6، التهذيب 9: 76- 323، الاستبصار 4: 89- 341، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

(5) الكافي 6: 259 الأطعمة ب 9 ح 7، التهذيب 2: 204- 799، الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.

(6) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 348

إمساكه، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالرّبا، و البيع.

للميتة، و الدم، و لحم الخنزير، أو لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر. أو شي ء من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرّم، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله، و شربه، و لبسه، و ملكه، و إمساكه، و التقلب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» [1] الحديث.

و الأخيرتان صريحتان في التحريم، و بهما ينجبر [2] ضعف دلالة الثلاثة الأولى عليه، لمكان لفظ الإخبار.

و أمّا الموثّقة: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به عن البئر التي يشرب منها أو يتوضأ؟ قال: «لا بأس» [3].

و رواية زرارة: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء، قال: «لا بأس» «4».

و المرسلة: عن جلود الميتة يجعل فيها الماء و

السمن ما ترى فيه؟ قال: «لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء، أو سمن و تتوضأ منه، و تشرب، و لكن لا تصلّ فيها» «5».

و ما مرّ في بحث الميتة من روايتي الصيقل «6».

فعن مقاومة ما مرّ قاصرة، لمخالفتها للشهرة، بل لما عليه كافّة العلماء

______________________________

[1] تحف العقول: 333، و نقله في الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1، عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسّيد المرتضى، و لكنا لم نجده في النسخة التي بأيدينا من الرسالة.

[2] في «ه» و «ق»: يجبر.

[3] الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171، أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3 و فيهما:

قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلا و يستقى به .. إلى آخره.

______________________________

(4) التهذيب 1: 413- 1301، الوسائل 1: 175، أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.

(5) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463، أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

(6) المتقدمتين ص 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 349

و اتفقوا عليه في جميع الأعصار- كما في الحدائق «1»- الموجبة لخروجها عن الحجية سيما مع موافقتها لمذهب العامة [1].

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال في الأولى عن حال البئر و الماء الذي فيها، دون الاستقاء، و يمكن حمل الثانية عليه أيضا، فلا تدلّان على جواز الانتفاع، كما لا تدلّ روايتا الصيقل أيضا، كما بينا وجهه في باب المكاسب. و الثالثة لدلالتها على الطهارة تعارض أخبار أخر مرّت في بحث الميتة أيضا، فهي عن الحجيّة أبعد.

المسألة الثانية: لا يطهر جلد الميتة بالدباغ بالإجماع

، لعدم مخالفة من شذّ فيه على التحقيق. فهو الحجّة، مع استصحاب النجاسة، و عدم جواز الانتفاع به، و المستفيضة المتقدّمة المانعة عن الانتفاع

بجلود الميتة مطلقا. و روايتي الصيقل المنجسة لها على الإطلاق.

و خصوص رواية الدعائم: «الميتة نجسة و لو دبغت» «3». و روايتي.

البصري، و أبي بصير.

و في الأولى بعد سؤاله عن سبب فساد الجلود: قال: «استحلال أهل العراق الميتة و زعموا أنّ دباغ الميتة ذكاته ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» [2].

و في الثانية بعد السؤال عن إلقاء الفراء و القميص الذي يليه: «أنّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون أنّ ذكاته دباغه» «5».

______________________________

[1] لعل المراد جماعة منهم فإنهم مختلفون في المسألة على أقوال شتى. راجع بداية المجتهد 1: 87، و نيل الأوطار 1: 74.

[2] الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 5، التهذيب 2: 204- 798، الوسائل 3: 503 أبواب النجاسات ب 61 ح 3: و في الجميع عبد الرحمن بن الحجاج المعروف بالبجلي و في نسخة من التهذيب على ما في جامع الأحاديث 1: 161 عبد اللّه بن الحجاج و أما البصري فهو عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و لم نجد له رواية في المقام.

______________________________

(1) الحدائق 5: 522.

(3) الدعائم 1: 126، المستدرك 2: 592 أبواب النجاسات ب 39 ح 6.

(5) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 2، الوسائل 4: 462 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 350

و ضعف بعض ما ذكر سندا لا يضرّ بعد انجباره بالإجماع المحقق و المحكي عن الخلاف «1»، و في الناصريات، و الانتصار، و الذكرى «2» مطلقا، و عن المختلف «3»، و في المنتهى و التذكرة «4» عمّن عدا الإسكافي «5».

خلافا له، و للشلمغاني «6» من قدماء أصحابنا، و

إن كان قوله خارجا من عداد علمائنا، لما ظهر له من المقالات المنكرة. و قد ينسب إلى الصدوق أيضا، لما مرّ «7»، و يظهر من المدارك، و المعالم «8»، الميل إليه. للمرسلة المتقدمة «9».

و رواية الحسين بن زرارة: جلد شاة ميتة يدبغ، فيصب فيه اللبن و الماء، فأشرب منه و أتوضأ؟ قال: «نعم» و قال: «يدبغ و ينتفع به و لا يصلّى فيه» «10».

و الرضوي: «و كذلك الجلد، فإنّ دباغته طهارته و ذكاة الجلود الميتة دباغتها» «11».

و شي ء منها لا يصلح للاستناد، لشذوذها الموجب لخروجها عن الحجيّة، سيّما مع المعارضة مع ما يرجّح عليها ممّا تقدّم بمخالفته للعامة، و موافقتها لهم بتصريح الروايات كما مرّ، و بصحّة السند، بل بالأصل الذي هو استصحاب النجاسة، و على هذا فكذلك الحكم لو لا الترجيح أيضا.

______________________________

(1) الخلاف 1: 60.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182، الانتصار 12، الذكرى: 16.

(3) المختلف: 64.

(4) المنتهى 1: 191، التذكرة 1: 68.

(5) نقله عنه في المختلف: 64.

(6) نسبه إليه في الذكرى: 16.

(7) في ص 347.

(8) المدارك 2: 386، المعالم: 411.

(9) ص 348.

(10) التهذيب 9: 78- 332، الاستبصار 4: 90- 343، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7.

(11) فقه الرضا (ع): 302، 303، البحار 77: 226- 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 351

المسألة الثالثة: إن علمت حال الجلد من حيث التذكية و عدمها فحكمه ظاهر

، و إلّا فالأصل فيه عدم التذكية- سواء في ذلك أن تكون عليه يد مسلم، أو كافر، أو مجهول، في سوق المسلمين، أو الكفار، من بلد غالب أهله المسلمون، أو الكفّار، أو تساويا، أو جهل حال البلد، أو في غير السوق من بلد كذلك، أو في غير البلد، و سواء أخبر ذو اليد بالتذكية، أو بعدمها، أو لم يخبر

بشي ء، أو لا تكون عليه يد، بل كان مطروحا في سوق، أو بلد، أو برّ، من أراضي المسلمين، أو الكفّار، سواء كانت عليه علامة جريان اليد عليه، أم لا لتوقّف التذكية مطلقا على أمور بالعدم مسبوقة.

و لا يعارض ذلك الأصل، أصالة الطهارة، لأنّها به زائلة مندفعة.

و يدلّ عليه أيضا مفهوم حسنة ابن بكير: «و إن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره، و بوله، و شعره، و روثه، و ألبانه، و كلّ شي ء منه، جائزة إذا علمت أنّه مذكّى قد ذكّاه الذبح» «1» يدلّ بالمفهوم على عدم جواز الصلاة في كلّ شي ء منه ما لم يعلم أنّه مذكى.

و لا يضرّ اختصاصها بالصلاة، و لا تحقق السلب الكلي بعدم الجواز في بعض شي ء منه، لعدم الفصل بين الصلاة و غيرها و لا بين شي ء منه في عدم الجواز و بين الجلد.

و كذا تدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة: عن لباس الفراء و الصلاة فيها؟

فقال: «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيا» «2» الحديث.

و مكاتبة عبد اللّه بن جعفر: هل يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة المسك؟

______________________________

(1) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلّي ب 2 ح 1.

(2) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 3، التهذيب 2: 302- 797، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلّي ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 352

فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيّا» «1».

و ظاهر أنّه فرق بين ما كان ذكيت و بين ما جاز كونه ذكيا.

و لا تفيد في دفع الأصل، المستفيضة الدالّة على جواز الصلاة في الجلد

و اشترائه ما لم يعلم أنّه ميتة، كموثّقة سماعة المتقدّمة «2»، و مكاتبة يونس: عن الفرو و الخفّ ألبسه و أصلّي فيه و لا أعلم أنّه ذكي، فكتب: «لا بأس به» «3» و غير ذلك مما يأتي بعضها، لمعارضتها مع الحسنة، فتتساقطان.

و لا تفيد خصوصية المستفيضة في ما جرت عليه اليد، و بما لم تكن عليه يد كافر لخروجه بالإجماع، لاختصاص الحسنة أيضا بما لم تكن عليه يد مسلم بالإجماع، كما يأتي، فيتعارضان بالعموم من وجه.

و لا تفيد أكثرية المستفيضة و أصحّيتها، لأنّهما لو سلّمتا لا تفيدان في مقام الترجيح عندنا، مع أنّ الحسنة أبعد عن مذهب العامّة.

ثمَّ إنّه يجب الحكم بخروج ما في يد مسلم من تحت الأصل ما لم يخبر عن عدم التذكية، بالإجماع القطعي المعلوم من طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار.

و كذا ما أخذ في سوق المسلمين و لو من يد مجهول الحال، لصحيحتي الحلبي: إحداهما: الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟

فقال: «صلّ فيها حتّى يقال لك إنّها ميتة بعينها» «4».

و الأخرى: عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه» «5».

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1500، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.

(2) ص 347 رقم 7.

(3) الفقيه 1: 167- 789، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلّي ب 55 ح 4.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 28.

(5) التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 4: 427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 353

و رواية ابن الجهم: أعترض السوق فأشتري خفّا لا أدري أ ذكي هو أم لا؟

قال: «صلّ فيه» قلت:

فالنعل؟ قال: «مثل ذلك» قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله» «1».

و صحيحة البزنطي: عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية أ يصلّي فيها؟ قال: «نعم ليس عليكم المسألة» «2» الحديث، و قريبة منها صحيحته الأخرى «3»، و صحيحة الجعفري «4».

و إطلاقها و إن شمل سوق الكفّار، و مجهول الحال أيضا، إلّا أنّهما خرجا بمفهوم حسنة الفضلاء الثلاثة: عن شراء اللحم من الأسواق ما يدري ما يصنع القصابون، قال عليه السلام: «كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» «5».

و كون المسؤول عنه اللحم غير ضائر، لعدم الفضل.

بل قد يقال: إنّ الظاهر من السوق في الروايات أيضا سوق المسلمين، لأنّه المتداول عندهم و إن كان ذلك محلا للمنع.

كما أنّه خرج ما أخذ عن يد الكافر في سوق المسلمين عن تحت تلك الإطلاقات، بالإجماع.

و كذا خرج ما إذا كان سوق المسلمين في بلد غالب أهله الكفّار- لو قلنا إنّ سوق المسلمين ما كان أهله، أو غالبهم المسلمين، و إن كان في بلد الكفر، أو بلد غالب أهله الكفر- بصحيحة إسحاق بن عمار: «لا بأس بالصلاة في الفراء

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 31، التهذيب 2: 234- 921، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 9.

(2) التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

(3) التهذيب 2: 371- 1545، الوسائل 3: 492 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.

(4) الفقيه 1: 167- 787، الوسائل 24: 491 أبواب النجاسات ب 50 ذيل حديث 3.

(5) الكافي 6: 237 الذبائح ب 13 ح 2، الفقيه 3:

211- 976، التهذيب 9: 72- 307، الوسائل 24: 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    354     المسألة الثالثة: إن علمت حال الجلد من حيث التذكية و عدمها فحكمه ظاهر ..... ص : 351

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 354

اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام» قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟

قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمون لا بأس» «1» دلّت على ثبوت البأس في ما لم يكن غالب أهله الإسلام و إن كان في سوق المسلمين.

و لتعارضها مع ما مرّ بالعموم من وجه، يرجع إلى أصالة عدم التذكية. كما إذا أخذ في سوق الكفار، أو مجهول الحال، في بلد غالب أهله المسلمون، فإنّه يرجع فيه بعد تعارض الصحيحة و حسنة الفضلاء إلى ذلك الأصل إلّا أن يعمّم السوق في إطلاقاته و يرجع إليه، و لا بأس به.

و كذا خرج بمنطوق الصحيحة ما أخذ في أرض المسلمين، أو أرض كان الغالب عليها المسلمون، و إن لم يكن في السوق.

و لا يعارضه مفهوم الحسنة، إذ المحكوم عليه فيها ما يشترى من الأسواق.

و كذا خرج ما يؤخذ من يد مجهول الحال مطلقا إذا أخبر بالتذكية، برواية الأشعري: ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ قال: «إذا كان مضمونا فلا بأس» «2».

و لا ضير في تعارضها مع الحسنة، لإيجابه الرجوع إلى عمومات جواز الأخذ من السوق. مع أنّ الظاهر من قوله في الحسنة: «و لا تسأل عنه» أنّه إذا أخذ من غير سوق المسلمين مع السؤال و الإخبار بالتذكية، لم يكن فيه بأس. بل لو لا الإجماع على عدم جواز الأخذ من الكافر، لقلنا بجواز الأخذ منه مع

ضمانه، لتلك الرواية.

و لا تضرّ معارضته تلك الروايات المخرجة لما ذكر عن تحت الأصل، مع الأخبار المتقدّمة أولا، الموافقة لذلك الأصل، لأنّها لمعارضتها مع المستفيضة المذكورة المخالفة له، معزولة عن التأثير.

______________________________

(1) التهذيب 2: 368- 1532، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلّي ب 55 ح 3.

(2) الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 7، الوسائل 4: 463 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 355

ثمَّ إنّه لم يخرج غير ما ذكر من الأقسام المذكورة عن تحت الأصل المذكور، على الحق المشهور.

خلافا لشرذمة من المتأخّرين، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم أنّه ميتة مطلقا «1»، للأصل، و الأخبار، المتقدّم جوابهما.

و أمّا رواية السكوني: عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها، و خبزها، و جبنها، و بيضها. و فيها سكين. قال أمير المؤمنين عليه السلام: «يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل، لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن» قيل:

يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم، أو سفرة مجوسي، قال: «هم في سعة حتى يعلموا» «2».

فبعد ملاحظة ظهورها في أنّ المدلول عليه فيها في حكم ما عليه يد، و معارضتها مع صحيحة ابن عمار، لا يثبت منها أزيد من خروج ما أخذ من يد مجهول في أرض المسلمين.

و أمّا رواية إسماعيل بن عيسى: عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال:

«عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «3».

فمعناها: أنّه عليكم السؤال عن المسلم البائع إذا كان المشركون أيضا يبيعون الجلد، لا أن المشرك كان بائعه، فلا

يدلّ على خروج ما أخبر المشرك البائع بذكاته.

و هل يجب السؤال عن المسلم حينئذ، فلا يجوز الأخذ بدونه؟ الظاهر نعم،

______________________________

(1) كما قال به في المفاتيح 1: 108، و المدارك 2: 387، و الحدائق 5: 526.

(2) الكافي 6: 297 الأطعمة ب 48 ح 2، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 11.

(3) الفقيه 1: 167- 788، التهذيب 2: 371- 1544، الوسائل 3: 492 أبواب النجاسات ب 50 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 356

عملا بالنص، بشرط أن يكون المسلم غير عارف، أي غير المؤمن، كما هو مورد الرواية، و لا يجب السؤال في غير ذلك.

و [أما] [1] مفهوم رواية الأشعري، فيخصّص بمنطوق حسنة الفضلاء، و الصحاح الثلاث المتقدّمة عليها الناهية عن السؤال.

و لا فرق في جواز الأخذ من غير سؤال في غير مورد الرواية ممّا يجوز الأخذ منه بين كون المأخوذ منه ممّن يستحلّ الميتة بالدبغ، أو لا، وفاقا لصريح جماعة مستندين إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة، بل العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافا للمنتهى و التذكرة و التحرير، فمنع عمّا يؤخذ من يد مستحلّ الميتة بالدبغ و إن أخبر بالتذكية «2». و للدروس إن لم يخبر بها «3». و للذكرى إن أخبر بعدم التذكية. و يقبل إن أخبر بالتذكية، و تردّد في صورة السكوت «4»، لأصالة عدم التذكية.

و هي بما مرّ مندفعة.

و أما الخبران «5»: أحدهما في إلقاء علي بن الحسين الفراء عند الصلاة، و الثاني في عدم جواز البيع بشرط أنها ذكية، فغير مفيدين لهم.

أما الأول: فلأن غاية ما يستفاد منه أنه كان ينزع فرو العراق حال الصلاة، فيجوز أن يكون على (وجه) [2] الأفضلية و أما الثاني: فلأن النهي

فيه عن بيع ما أخبر بذكاته إنما هو بشرط أنه

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(2) المنتهى 1: 226، التذكرة 1: 94، التحرير 1: 30.

(3) الدروس 1: 150.

(4) الذكرى: 143.

(5) المتقدمان ص 349 رقم 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 357

مذكى، و هو غير دال على مطلوبهم، بل لبسها في غير حال الصلاة- كما في الأول- و نفي البأس عن بيعه أخيرا- كما في الثاني- يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة.

المسألة الرابعة: يكره استعمال الجلد إذا كان مما لا يؤكل
اشارة

ممّا تقع عليه الذكاة في غير الصلاة قبل الدبغ، حذرا عن خلاف من يأتي.

و لا يحرم على الأظهر الأشهر بين المتأخرين، لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ.

ففي الموثق: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أما اللحوم فدعها، و أما الجلود فاركبوا عليها» «1».

و فيه: عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده» «2».

و الصحيح: عن لباس الفراء، و السمور، و السنجاب، و الحواصل، و ما أشبهها، و المناطيق [1]، و الكيمخت، و الحشو بالفراء، و الخفاف من أصناف الجلود. فقال: «لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب» «4».

و يستفاد منه البأس في الثعالب، و هو للكراهة، للتصريح بالجواز في كثير من الروايات الآتية في كتاب الصلاة.

خلافا للشيخ في النهاية، و المبسوط، و الخلاف «5»، و السيد في المصباح، بل عن المفيد، و الحلي، و القاضي، و ابن سعيد «6». فمنعوا عن قبل الدبغ، إما

______________________________

[1] في «ق»: و المناطق.

______________________________

(1) الفقيه 1: 169- 801، التهذيب 2: 205- 802، الوسائل 4: 353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3، 4 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49

ح 2.

(4) التهذيب 2: 369- 1533، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلّي ب 5 ح 2.

(5) النهاية: 586، المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 64.

(6) السرائر 3: 114، المهذب 1: 31، الجامع المقاصد: للشرائع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 358

للنجاسة، كما يحكى عنهم تارة «1»، أو للمنع تعبدا، كما يحكى اخرى.

و مستندهم غير واضح، إلا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده. و ليس هو و لا غيره قبله «2».

و فيه: أن النجاسة إلى الدليل محتاجة، و لم تثبت نجاسة الجلد، لعدم صدق الميتة بعد ورود التذكية.

نعم، في الرضوي: «دباغة الجلد طهارته» «3» و هو- مع عدم الحجية و احتمال التقية- غير دال على الحكاية الثانية.

فرعان:

أ: يجوز أخذ الجلد من المسلم و لو علم أخذه من الكافر، على الأظهر، إذا كان في سوق المسلمين في بلد غالب أهله الإسلام، للعمومات المتقدّمة، و عدم ثبوت الإجماع على خروج مثل ذلك أيضا، سيّما على القول بحمل فعل المسلم على الصحّة، فلعله علم بالتذكية.

و كذا يجوز الأخذ من الكافر إذا علم أنه أخذه من المسلم إذا كان في السوق المذكور، لما ذكر.

ب: الجلد الذي لم يعلم أنه مما ترد عليه التذكية أم لا إذا أخذ من يد المسلم، فالظاهر كونه في حكم المذكى.

و ما لم يعلم أنه مما يؤكل لحمه أم لا، يأتي حكمه في بحث لباس المصلي إن شاء اللّه سبحانه.

______________________________

(1) حكى عنهم في كشف اللثام 2: 258.

(2) حكاه في المدارك 2: 388.

(3) فقه الرضا (ع): 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 359

المقصد الثالث: في الطهارة من الحدث

اشاره

و فيه مقدمة و أبواب.

المقدمة في أحكام الخلوة و آدابها

، و فيها ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 360

الفصل الأول: في واجباتها

فمنها: ستر العورة عن الناظر المحترم الذي يحرم وطؤه

، لا لكون الكشف إعانة على النظر المحرم قطعا، كما قيل «1»، لمنع كونه إعانة مطلقا، لاعتبار القصد فيها، بل للإجماع المحقّق و المنقول «2»، و المستفيضة من النصوص:

كمرسلة الفقيه- بعد السؤال عن قول اللّه عز و جل قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «3»-: كل ما كان في كتاب اللّه عز و جل من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذا الموضع، فإنه الحفظ من أن ينظر إليه» «4».

و الأخرى: «إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض، فليحاذر على عورته» «5».

و الثالثة: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الناظر و المنظور إليه في الحمام بلا مئزر» «6».

و رواية أبي بصير: يغتسل الرجل بارزا؟ قال: «إذا لم يره أحد لا بأس» «7».

و التقييد بالحمام و التخصيص بالاغتسال غير ضائر، لعدم مدخليتهما، بالإجماع.

و المروي في الدعائم: روينا عن أهل البيت أنهم أمروا بستر العورة، و غض البصر عن عورات المسلمين، و نهوا المؤمن أن يكشف العورة، و إن كان بحيث لا

______________________________

(1) الذخيرة: 15.

(2) كما نقله العلامة في التحرير 1: 31، و الشهيد في الذكرى: 15.

(3) النور: 30.

(4) الفقيه 1: 63- 235، الوسائل 1: 300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 299 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(6) الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب 43 ح 36، الوسائل 2: 56 أبواب آداب الحمام ب 21 ح 1.

(7) التهذيب 1: 374- 1148، الوسائل 2: 43 أبواب آداب الحمام ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 361

يراه أحد «1».

و

تؤيده أيضا، بل تدل عليه المستفيضة الناهية عن دخول الحمام بلا مئزر «2».

و المروي في الاحتجاج: أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟ قال: «يتوارى خلف الجدار، و يتوقى أعين الجار، و شطوط الأنهار، و مسقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها» «3» الحديث.

و ضعف بعضها بالعمل مجبور، فتجويز استحباب الستر مطلقا، كما عن بعض المتأخرين، لضعف سند الأخبار، ضعيف.

و التصريح بالكراهة في بعض الروايات «4»، لا يفيد، لكونها أعم من الحرمة في العرف السابق.

ثمَّ [1] القدر الثابت من الإجماع و إن لم يكن إلا وجوب الستر مع العلم بالناظر عمدا، إلا أن إطلاق الأخبار المتقدمة يثبت الوجوب و لو مع النظر سهوا.

كما إن إطلاق المرسلتين الأوليين، و رواية الدعائم، يثبته مع الظن بالنظر أيضا، بل الشك، لأن الحفظ عن النظر و الحذر عنه لا يكون عرفا إلا مع الستر و لو مع الشك بوجود النظر، كما في قولك: احفظ المتاع عن السارق. فهو الحق كما رجحه والدي- رحمه اللّه- مع الظن، و احتمله مع الشك.

و أما مع الوهم به، أو العلم بعدمه فلا، للأصل، و الإجماع، و رواية أبي بصير.

______________________________

[1] في «ق»: ثمَّ إن.

______________________________

(1) الدعائم 1: 103، المستدرك 1: 245 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(2) راجع الوسائل 2: 38، 41 أبواب آداب الحمام ب 9، 10.

(3) الاحتجاج: 388، الوسائل 1: 326 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 7.

(4) راجع الوسائل 2: أبواب آداب الحمام ب 3 ح 3 و ب 9 ح 8 و ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 362

و بالأخيرتين [1] تخصص روايته الأخرى: «إذا تعرى أحدكم نظر إليه الشيطان فيطمع فيه فاستتروا» «2» مع

أن مخالفة إطلاقها لعمل المعظم، مخرجة لها عن الحجية.

و بها يجاب عن رواية الدعائم المتقدمة، مع أنها في نفسها أيضا ضعيفة، فقول الإسكافي بوجوبه مطلقا، كما عنه في التنقيح «3»، ضعيف.

نعم، الظاهر استحبابه حين عدم الناظر، لرواية الدعائم.

و منها: ترك استقبال القبلة، و استدبارها، عند التخلي مطلقا

، وفاقا للشيخ «4»، و الحلي «5»، و الفاضلين «6»، و القاضي «7»، و الشهيدين «8»، و الكركي «9».

و كلام المفيد «10» غير آب عن الحمل عليه، كما حمل عليه (شارح الدروس) [2].

و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع، و المعتمد، بل هو المشهور، كما صرح به غير واحد «12».

و عن الخلاف و الغنية «13»: الإجماع عليه.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: الأخيرين.

[2] هو المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 17، و ما بين القوسين ليس في: «ه» و «ق».

______________________________

(2) التهذيب 1: 373- 1144، الوسائل 2: 38 أبواب آدام الحمام ب 9 ح 2.

(3) التنقيح 1: 69.

(4) المبسوط 1: 16، الخلاف 1: 151، النهاية: 9.

(5) السرائر: 1: 95.

(6) المحقق في الشرائع 1: 18، و المعتبر 1: 122، و العلامة في المختلف: 19، و التحرير 1: 7.

(7) المهذب 1: 41.

(8) الأول في الدروس: 1: 88، و البيان: 41، و الثاني في الروضة 1: 83، و الروض: 22.

(9) جامع المقاصد 1: 99.

(10) المقنعة: 39.

(12) كما صرّح به في الذكرى: 20، و الذخيرة: 16.

(13) الخلاف 1: 102، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 363

للمستفيضة المصرّحة بالنهي، كرواية الحسين بن يزيد: «إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة» «1» و نحوها المروي في مجالس الصدوق «2».

و مرسلة الفقيه: نهى النبي عن استقبال القبلة ببول أو غائط «3».

و المروي في نوادر الراوندي: نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للقبلة «4».

و

في الدعائم: نهى عن استقبال القبلة و استدبارها في حال الحدث و البول «5».

و في العلل: «و إذا أراد البول أو الغائط، فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بقبل و لا دبر» «6».

و رواية الهاشمي: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا» «7».

و مرفوعات محمد و عبد الحميد و علي: اولياها: ما حدّ الغائط؟ قال: «لا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح، و لا تستدبرها» «8» أ و الثالثة: أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و منازل النزال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا

______________________________

(1) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 3.

(2) مجالس الصدوق: 345.

(3) الفقيه 1: 180- 851، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 4.

(4) نوادر الراوندي: 54، المستدرك 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 4.

(5) الدعائم: 1: 104، المستدرك 1: 246 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 1.

(6) نقلها في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم

(7) التهذيب 1: 25- 64، الاستبصار 1: 47- 130، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 5.

(8) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 3، التهذيب 1: 26- 65، الاستبصار 1: 47- 131، الوسائل 1: 301، 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 حديث 2 و 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 364

بول» «1».

و ضعف تلك الأخبار كلّا أو بعضا، بعد الانجبار بالشهرة المحققة و المحكية و الإجماع المنقول، كاحتمال بعضها للنفي الغير الصريح في التحريم، بعد اشتمال

جملة على النهي الصريح، و اقتران النهي في بعضها بما هو مكروه، بعد عدم إيجابه لخروج النهي عن حقيقته، غير ضائر.

فالقول بالكراهة مطلقا، لبعض ما ذكر أو كله، مضافا إلى دعوى إشعار بعض الأخبار بالكراهة- المردودة بالمنع، مع احتماله التقية كما يستفاد من الأخبار العامية «2»- كجماعة من المتأخرين «3»، و يحتمله كلام المفيد «4» أيضا، كما عليه حمله السلطان في حواشي المختلف. أو التردد كبعضهم «5»، ضعيف.

و مقتضى الإطلاقات: عدم الفرق في ذلك بين الصحاري و البنيان.

و وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الرضا (ع)- كما في حسنة محمد بن إسماعيل «6»- لا يدلّ على كونه من فعله، أو جلوسه عليه، مع احتمال كون بابه إليها.

فالتفرقة بالتحريم في الأول، و الكراهة في الثاني، كالديلمي «7»، و لذلك حمل المحقق «8»، و الشهيد «9» كلام المفيد عليه، أو الكراهة في الأول، و الإباحة في

______________________________

(1) الكافي 3: 16 الطهارة ب 11 ح 5، التهذيب 1: 30- 79، الوسائل 1: 301 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 1.

(2) سنن أبي داود 1: 4.

(3) كما في مجمع الفائدة 1: 89، 1: 158، المفاتيح 1: 43.

(4) المقنعة: 39.

(5) الذخيرة: 16.

(6) التهذيب 1: 352- 1043، الاستبصار 1: 47- 132، الوسائل 1: 303 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 7.

(7) المراسم: 32.

(8) المعتبر 1: 123.

(9) الذكرى: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 365

الثاني، كالإسكافي «1» له أيضا، و حمل قول المفيد في المختلف عليه «2»، باطلة.

و مقتضى روايتي الدعائم، و العلل- المنجبرتين بما مر- بل ظاهر رواية الهاشمي: وجوب ترك كل من الاستقبال و الاستدبار في كل من حالتي البول و الغائط و إن اختص سائر الروايات المتضمنة للاستدبار بالغائط،

فتوهم اختصاصه به فاسد.

و الظاهر المتبادر من الاستقبال و الاستدبار ما كان بجملة البدن، لا بالعورة خاصة، فتجويز زوال المنع بتحريفها عن القبلة، كبعضهم «3» غير صحيح.

و هل يحرم تحريفها إليها؟ قال والدي رحمه اللّه: نعم، لظاهر قوله في المرسلة: «ببول و لا غائط» و في المروي عن النوادر: «و فرجه باد للقبلة».

و يضعف الأول: بجواز كون الباء للمصاحبة، أو الملابسة، أو بمعنى «في» و الثاني: بضعفة الغير المنجبر في المورد، فالعدم كما هو مقتضى الأصل أقوى.

و الواجب هو: ترك الاستقبال و الاستدبار خاصة، دون التشريق و التغريب، للأصل.

و قوله في رواية الهاشمي: «شرقوا أو غربوا» «4» لا يثبته، لأن إرادة المواجهة منه غير معلومة، و إرادة الميل- كما في التيامن و التياسر- ممكنة، و كون حقيقته الأول- كما قيل- ممنوعة.

و رواية: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» «5» على ظاهرها- بالإجماع و النص- غير باقية، فالقول بوجوبهما ضعيف، بل لا دليل على استحبابهما أيضا.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 19.

(2) المختلف: 19.

(3) التنقيح 1: 69.

(4) المتقدمة ص 362.

(5) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 300 أبواب القبلة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 366

و الوجوب مختصّ بحال الحدث، للأصل. دون الاستنجاء.

و موثقة الساباطي: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: «كما يقعد للغائط» «1» لا تفيد الوجوب. فإيجابه- كبعضهم «2»- غير جيد. نعم، الظاهر استحبابه، لذلك.

و لو اشتبهت القبلة يجب الفحص عنها مع الإمكان. لا لتوقف تجنب القبلة أو العلم به عليه، لمنع توقف الأول و وجوب الثاني. و لا لاستدعاء الشغل بالتجنب للبراءة اليقينية، لمنع الشغل حال الاشتباه. بل لشهادة العرف بإرادة الفحص مع الإمكان عمّا أمر باجتنابه أو ارتكابه.

و

قيل: لا «3». و اختاره والدي رحمه اللّه، لأنّ الظاهر من الأخبار أنّ الواجب عدم العلم بالمواجهة.

و فيه: منع الظهور.

و إذا تعارض كلّ من الاستقبال و الاستدبار مع الآخر، يتخير، كما إذا تعارضا أو أحدهما مع محرّم آخر. و يسقط التحريم عن المضطر. و وجه الكلّ بالتأمل يظهر.

و منها: غسل مخرج البول بالماء
اشارة

، فلا يطهّره غيره، بالإجماعين «4»، و النصوص المستفيضة، بل المتواترة معنى.

منها: الصحيح: «لا يجزي من البول إلا الماء» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 11، التهذيب 1: 355- 1061، الوسائل 1: 360 أبواب أحكام الخلوة ب 37 ح 2.

(2) الحدائق 2: 41.

(3) المدارك 1: 160.

(4) ادعى الإجماع عليه في الانتصار: 16، و الخلاف 1: 103، و التذكرة 1: 13 و غيرها.

(5) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 367

و الآخر: «و أما البول فلا بدّ من غسله» «1».

و منها: المستفيضة الآمرة بغسل الذكر «2».

و بعض الأخبار المنافي لذلك ظاهرا «3» لا ينافيه في نظر التحقيق. و لو سلم فشاذ متروك، و على التقية محمول، لأنّ القول بمفاده عند العامة مشهور «4»، و لذلك لا يقاوم ما مرّ لو عارضه.

و الواجب منه مثلا ما على الحشفة من البلل «5»، فلا يجزي الأقل، وفاقا للصدوقين «6»، و المقنعة، و النهاية و المبسوط و الديلمي «7»، و المحقق، و القواعد و التذكرة «8»، و الشهيدين «9»، و نسبه في شرح القواعد، و الذخيرة، إلى المشهور «10»، لخبر نشيط: كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال:

«مثل ما على الحشفة من البلل» «11».

و المتبادر من إجزاء شي ء لشي ء- بعد السؤال

عن كمية ما يجزي- أنه أقل ما يلزم فيه، مع أن معنى أجزاء شي ء حصول الامتثال به، و هو حقيقة في حصوله بالمجموع، لا بجزئه، فالإيراد بعدم صراحتها ساقط، و الخبر، معتبر الإسناد،

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(3) راجع الوسائل 1: 283، 284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7- 4.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 83.

(5) في «ه»: البول.

(6) الفقيه 1: 21، و في نسخة من المختلف: 20 نسبته إلى الصدوقين.

(7) المقنعة: 42، النهاية: 11، المبسوط 1: 17، المراسم: 33.

(8) الشرائع 1: 18، القواعد 1: 3، التذكرة 1: 13.

(9) الأول في البيان: 41، و الثاني في المسالك 1: 5.

(10) جامع المقاصد 1: 93، الذخيرة: 16.

(11) التهذيب 1: 35- 93، الاستبصار 1: 49- 139، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 368

فالقول بضعفها ضعيف، مع أنّه بالشهرة مجبور.

و لا ينافيه خبره الآخر: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «1» لكونه أعم من الاستنجاء بل البدن، فتخصيصه بغيرهما متعين. مع أنّ إرادة الإجزاء في الغسلة الواحدة من الغسلتين اللازمتين هنا- كما يأتي- ممكنة، إذ يجوز أن يكون معنى قوله: «يجزي من البول» يجزي من غسله، أي في تحقّق غسله، لا من الاستنجاء منه، و الغسل يصدق على كل مرة أيضا، فيكون بيانا لأقل ما يجزي في صدق الغسل في البول، لا في الاستنجاء منه، فلا يتعين إرادة الإجزاء من الغسلتين.

و به يجاب عن مرسلة الكافي: يجزي أن يغسل بمثله إذا كان على رأس الحشفة و غيره»

«2» مع احتمال كون التعميم من كلام الكليني، فتكون عامة كسابقها.

هذا، مع أنّهما لو تعارضا و تساقطا أيضا، لكان المرجع إلى الغسل مرّتين، و هو لا يتحقق بالأقلّ من المثلين.

و كذا لا تنافيه إطلاقات الغسل في الاستنجاء من البول، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

و لا حسنة ابن المغيرة: للاستنجاء حد؟ قال: «لا، حتى ينقى ما ثمّة» قلت: فإنّه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليه» «3» لكونها ظاهرة في الاستنجاء من الغائط من وجوه.

و يجب أن يغسل المخرج مرتين، كما هو صريح الصدوق، و الكركي «4»،

______________________________

(1) التهذيب 1: 35- 94، الاستبصار 1: 49- 140، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7.

(2) الكافي 3: 20 الطهارة ب 20 ح 14 ملحق ح 7، الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 2.

(3) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 9، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.

(4) الفقيه 1: 21، جامع المقاصد 1: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 369

و الشهيدين «1»، بل ظاهر المعتبر الإجماع عليه «2»، لعمومات وجوب المرتين إذا أصاب البول الجسد، المتقدمة «3».

و دعوى: ظهورها في العروض من الخارج- بعد الصدق لغة، بل عرفا- ممنوعة. و تخصيصها بغير المخرج- لرواية نشيط الأخيرة، و حسنة ابن المغيرة- فاسد، لما مرّ.

نعم تعارضها إطلاقات غسل المخرج، فيجب إما تخصيص العمومات، أو تقييد الإطلاقات، و إذا لا مرجّح، و لا تخيير إجماعا، فتتساقطان و يرجع إلى استصحاب النجاسة.

و أما أصل البراءة عن الزائد فمع الاستصحاب غير مؤثر.

و إجزاء المثلين لا ينافي وجوب المرتين- كما قد يقال «4»- بناء على اشتراط الغلبة في المطهّر، فتجعل

المرتان كناية عن الغسلة الواحدة، لمنع اشتراط الغلبة، و تحقق الغسل في كل مرة مع المماثلة.

و دعوى: لزوم الأكثرية ممنوعة، إذ لا يلزم في تحققه عرفا إلا الجريان، و هو في المثل متحقق، و لذا يجزي نحوه في غسل الأعضاء في الطهارة، فإن المراد بمثل ما على الحشفة مثل القطرة المتخلفة فيها غالبا، و لا شك في جريانه. دون رطوبة الحشفة، لأنها عرض لا يمكن تقدير مثله و [1] مثليه في الماء الذي هو جوهر، و لو كان جسما أيضا لا يمكن تقديره، و لو أمكن فتحقّق الغسل به عرفا ممنوع، فالمراد مثل القطرة، و تحقق الغسل به في كلّ مرة ظاهر. و لو اشترط فيه أمر لا يتحقق بالقطرة، لم يتحقق بالقطرتين أيضا إلا الغلبة و الأكثرية، و قد عرفت منع

______________________________

[1] في «ق»: أو.

______________________________

(1) الأول في الذكرى: 21. و الثاني في المسالك 1: 5.

(2) المعتبر 1: 126.

(3) ص 284.

(4) المدارك 1: 163، الحدائق 2: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 370

اشتراطهما، و التعليل الوارد في بعض الأخبار «1» يدلّ على أنّ الأكثر من القذر له مطهّر، لا أن غيره لا يطهّر.

و من ذلك ظهر ضعف القول بالاكتفاء فيه بالمرة، كما هو مذهب جماعة [1]، بل هو لازم قول كلّ من نفى وجوب المثلين و اكتفى بمسمى الغسل، كالحلي و الحلبي و القاضي، و المنتهى و المختلف «3»، و أكثر الثالثة [2].

و الظاهر اختصاص التعدّد بالغسل في القليل، فلا يجب في الجاري و الكثير، كما ذكرنا وجهه في بحث كيفية التطهير، و [3] وجه اعتبار التعدد الحسي في ما يعتبر فيه التعدد و عدم كفاية التقديري.

فرع: الأغلف المرتتق يكشف الحشفة و يغسلها، لكونها من الظواهر عرفا.
و منها: الاستنجاء من الغائط.
اشارة

و يجوز بالماء و بالأحجار، و الأول أفضل،

و الجمع أكمل، و مع التعدي يتعين الأول.

أما الأولان [4]: فبالإجماع القطعي و النصوص المستفيضة.

فممّا [5] يدل على الأول إطلاقا: حسنة ابن المغيرة المتقدمة «8».

و موثّقة يونس: عن الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط

______________________________

[1] منهم صاحبا المدارك 1: 164، و الذخيرة: 17.

[2] أي الطبقة الثالثة و هم متأخر و المتأخرين منهم صاحبا المدارك و الذخيرة كما مر.

[3] في «ق»: مع.

[4] المراد بهما جواز الاستنجاء بالماء و الأحجار.

[5] في «ق» و «ح»: فما.

______________________________

(1) العلل: 287، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(3) السرائر 1: 97، الكافي في الفقه: 127، شرح جمل العلم و العمل: 59، المنتهى 1: 44، المختلف: 20.

(8) ص 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 371

أو بال، قال: «يغسل و يذهب بالغائط ثمَّ يتوضأ» «1».

و خصوصا: رواية مسعدة: «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن فإنّها مطهّرة للحواشي» «2».

و صحيحة هشام: «يا معشر الأنصار إنّ اللّه قد أحسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟» قالوا: نستنجي بالماء «3».

و مرسلة الفقيه- بعد قول رجل: فاستنجيت بالماء-: «أبشر فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد أنزل فيك إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «4».

و المتبادر من الاستنجاء كونه المطهر لا جزءه. و غير ذلك.

و مما يدل على الثاني- (بعد الإطلاقين المتقدمين) [1]- صحيحة زرارة:

«يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «6».

و الأخرى: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله» «7».

و رواية العجلي: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار» «8» و غير ذلك ممّا يذكر

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 47- 134، الاستبصار 1:

52- 151، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.

(2) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 12، الفقيه 1: 21- 62، التهذيب 1: 44- 125، الاستبصار 1: 51- 147، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 3.

(3) التهذيب 1: 354- 1052، الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 1.

(4) الفقيه 1: 20- 59، الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 3 و الآية في البقرة: 222.

(6) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(7) التهذيب 1: 46- 129، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 3.

(8) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 372

بعضه أيضا.

و مثل الأحجار في الإجزاء كل جسم طاهر- سوى ما يستثنى- على الأظهر الأشهر، المستفيضة عليه دعوى الشهرة «1»، بل عن الخلاف، و السرائر، و الغنية، و المنتهى: الإجماع عليه [1]، لعموم الحسنة و الموثقة السابقتين «3»، و النبويين المنجبرين بما مر:

أحدهما: «إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث مسحات» [2].

و الآخر: «و استطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب» «5».

و المروي في الدعائم: «لا بأس بالاستنجاء بالحجارة، و الخرق، و القطن، و أشباه ذلك» «6».

و خصوص المستفيضة في الكرسف، و المدر، و الخرق، و الخزف «7».

خلافا للإسكافي «8» في الآجر و الخزف إلّا أن يلابسه طين أو تراب يابس، و الديلمي «9» فيما ليس من الأرض، للأصل. و ما تقدم له دافع.

______________________________

[1] الخلاف 1: 106، السرائر 1: 96: لم

نعثر على دعوى الإجماع فيه، الغنية (الجوامع الفقهية):

487، المنتهى 1: 45.

[2] لم نعثر عليه، نعم، نقله العلامة في التذكرة 1: 13، و ورد مضمونه في مجمع الزوائد للهيثمي 1:

211.

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 44.

(3) ص 367، و ص 370.

(5) سنن البيهقي 1: 111.

(6) الدعائم 1: 105، المستدرك 1: 279 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 1.

(7) الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.

(8) نقله عنه في الذكرى: 21.

(9) المراسم: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 373

و أمّا الثالث [1]: فلفتوى المعظم، و رواية مسعدة و تالييها «2»، و صحيحة جميل: «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثمَّ أحدث الوضوء، و هو خلق كريم فأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صنعه، و أنزله اللّه في كتابه بقوله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «3» و غير ذلك من المستفيضة «4».

و لا تنافيه صحيحة زرارة: «كان علي بن الحسين عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغسل» «5»، لإمكان ترك الأفضل منهم.

و لا الأخرى المتقدمة المتضمنة لقوله: «و لا يغسله» إذ معناها الإخبار عن جريان الطريقة على المسح الخالي عن الغسل، و هو غير مناف لفضيلة الغسل، فإنّا أيضا نسلّم جريان الطريقة بذلك.

و أمّا الرابع [2]: فلمرفوعة أحمد: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» «7» و مقتضاها استحباب تأخير الماء. و هو كذلك.

و أمّا الخامس [3]: فبالإجماع المحقق، و المحكي في المعتبر، و التذكرة، و الذكرى، و الحدائق «9»، و اللوامع، و المعتمد.

و هي الحجة، مضافا إلى الاستصحاب، إذ لا يثبت من الأخبار إجزاء مثل الأحجار إلّا من الاستنجاء، و لم يعلم صدقه على موضع

التعدّي.

______________________________

[1] يعني به أفضلية الماء من الأحجار.

[2] يعني أكمليّة الجمع بين الماء و الأحجار.

[3] يعني تعين الماء مع التعدّي.

______________________________

(2) المتقدمة ص 370.

(3) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 13، الوسائل 1: 355 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 4، البقرة:

222.

(4) راجع الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34.

(5) التهذيب 1: 354- 1055، الوسائل 1: 358 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 3.

(7) التهذيب 1: 46- 130، الوسائل 1: 349 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.

(9) المعتبر 1: 128، التذكرة 1: 13، الذكرى: 21، الحدائق 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 374

و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» [1].

و قوله: «كنتم تبعرون بعرا، و أنتم اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار» [2].

و ضعفهما منجبر بالعمل.

و المراد بالمتعدي: المتجاوز عن المحل المعتاد، كما صرح به في الرواية، فيكون بحيث لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء، فلا يتعين الماء مع التجاوز القليل عن المخرج، لمطلقات كفاية غيره.

فالقول بعدم إجزائه مع ذلك أيضا، استنادا إلى عموم وجوب غسل الموضع النجس و لم يخرج غير نفس المخرج، ضعيف. و إلى رواية مسعدة «3» أضعف، إذ ليس إلّا استنادا بمفهوم اللقب، مع أنّ إرادة حواشي محل الاستنجاء دون الدبر ممكنة. و ظنّ الإجماع على عدم الإجزاء مع مطلق التعدّي- كما في اللوامع- بعيد.

و مثل التعدّي في تعيّن الماء استصحاب الخارج نجاسة خارجة، لعدم صدق الاستنجاء.

و الظاهر في صورة التعدي وجوب غسل الجميع دون مجرد المتعدي، و في صورة الاستصحاب وجوب غسل الخارجة خاصة لو تميزت عن الخارج، و إلا فالجميع، و وجه الكل ظاهر.

فروع:
أ: الواجب غسل الظاهر دون الباطن

، بالإجماع و

النصوص «4»، و إزالة

______________________________

[1] لم نعثر عليه، و الموجود في كتب العامة لم ترد فيه: «إذا لم يتجاوز ..» راجع سنن البيهقي 1:

102، 103، و نقله في المعتبر 1: 128 نحو ما في المتن.

[2] سنن البيهقي 1: 106، رواه عن علي عليه السلام، الثلط: الرقيق من الرجيع.

______________________________

(3) المتقدمة ص 370.

(4) راجع الوسائل 1: 347 أبواب أحكام الخلوة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 375

العين دون الأثر، (للأصل) [1] وفاقا- على ما في اللوامع- عند الاستنجاء بمثل الحجر. و كذلك مع الغسل على الأظهر، إذ ليس (في الأخبار من الأثر أثر) [2].

و مع ذلك وقع الخلاف في المراد منه، فيفسر تارة: باللون، و اخرى:

بالأجزاء الصغار اللطيفة اللزجة العالقة بالمحل، التي لا تزول إلا بالماء، و اخرى بمعنى آخر.

و لا دليل على اعتبار شي ء منها يعتبر إلا عدم العلم بزوال العين معه، و هو- إن سلّم- يرجع إلى الأول، مع أنّه محل منع و نظر.

و أمّا الرائحة: فالظاهر عدم الخلاف في عدم العبرة بها، و في بعض الأخبار «3» تصريح به.

ب: لا خلاف في عدم وجوب التعدد في الغسل، و لا في وجوبه في المسح

مع عدم حصول النقاء بدونه.

و أمّا مع حصوله: فالحق وجوبه (أيضا) [3] ثلاثا في المسح بالحجر، فلا يجزي الأقل، وفاقا للحلي «5»، و المحقق «6»، و المنتهى و الإرشاد «7» و الذكرى و التنقيح «8» و اللوامع و المعتمد. بل نسبه جماعة [4] إلى المشهور، و ظاهر السرائر الإجماع عليه «10»، لاستصحاب النجاسة.

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] في «ق»: من الأثر في الأخبار أثر.

[3] لا توجد في «ق».

[4] منهم صاحبا المدارك 1: 168، و الذخيرة: 18.

______________________________

(3) راجع الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 13.

(5) السرائر 1: 96.

(6) المعتبر 1: 33، الشرائع

1: 19، المختصر النافع: 5.

(7) المنتهى 1: 45، مجمع الفائدة 1: 89.

(8) الذكرى: 21، التنقيح 1: 71.

(10) السرائر 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 376

و صحيحة زرارة و رواية العجلي المتقدمتين «1»، بملاحظة ما مرّ من معنى الإجزاء، و كون الثلاثة أقل الجمع.

و النبويين السابقين «2» بضميمة جبر ضعفهما بالشهرة و الإجماع المحكيين، كانجبار آخرين عاميين أيضا بهما:

أحدهما: «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» [1].

و الآخر: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «4».

و خبر سلمان: نهانا النبي أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار «5».

و الاستدلال بالاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد الاستجمار في الصلاة على القدر المجمع عليه «6» ضعيف جدا، لأنّ اللازم الاقتصار في منع الاستصحاب على المتيقن، و لا يقين في الأجزاء المذكورة.

خلافا للمنقول عن المفيد [2]، و القاضي، و المختلف «8»، و جماعة من المتأخرين [3]، فاكتفوا بالواحد مع النقاء، للأصل المندفع بما ذكر، و الحسن و الموثق السابقين «10»، المعارضين لما مرّ بالعموم المطلق، لأعمّيتهما عن الغسل و المسح،

______________________________

[1] لم نعثر على هذا المتن في جوامعهم الحديثيّة التي بأيدينا، نعم، في المغني 1: 173 عن ابن المنذر:

ثبت أن رسول اللّه قال «لا يكفي أحدكم ..».

[2] نسبه في السرائر 1: 96 إلى المفيد، و قال في مفتاح الكرامة 1: 45 و لم أجد له في المقنعة نصا و لعله ذكره في غيرها.

[3] منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 90، و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 42، و صاحبا المدارك 1: 169، و الذخيرة: 19.

______________________________

(1) ص 370.

(2) ص 371.

(4) صحيح مسلم 1: 224.

(5) صحيح مسلم 1: 223.

(6) كما استدلّ به في الرياض 1: 15.

(8) المهذب 1: 40، المختلف: 19.

(10) ص

367، و 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 377

فيجب تخصيصهما به، و المرجوحين بالنسبة إليه- لو تساويا- باعتبار الموافقة للعامة، كما صرّح به في السرائر «1»، المخالفين للاستصحاب الذي هو المرجع مع فرض عدم الترجيح أيضا.

نعم، يحسن الاستدلال بالحسن و الموثق لعدم وجوب التعدد و رفع استصحاب النجاسة في المسح بغير الحجر من الأجسام، حيث إنّه لا دليل على التعدّد فيه يعارض إطلاقهما.

و ما في النبويين «2» من ثلاث مسحات و ثلاثة أعواد و حثيات غير مفيد، لضعفهما الموجب للاقتصار في الاستدلال بهما على موضع الانجبار الغير المعلوم في هذا المضمار، كيف و الأكثر اقتصروا على ذكر التعدّد في الأحجار! و الورود بلفظ: «الخرق» في بعض الأخبار «3» الموجب لأقلّ الجمع معارض لورود لفظ: «الكرسف و القطن» في بعض آخر، الموجب لكفاية المطلق، مع أنّه ليس في الخرق و المدر و نحوهما في الأخبار إلّا أن الإمام كان يفعل كذلك، و هو غير دال على أنّه كان يستعمل الجميع في وقت واحد، فيمكن أن تكون الجمعية باعتبار الأوقات.

فالحق إلحاق المسح بغير الحجر بالغسل، و عدم لزوم التعدد فيه.

و دعوى عدم القول بالفصل بين الحجر و غيره- كما تظهر من اللوامع- ممنوعة.

و لا يجب في الحجر استيعاب الكل للكل، بل يكفي توزيع الثلاثة على

______________________________

(1) السرائر 1: 96.

(2) المتقدمين ص 372.

(3) راجع الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 378

المحل، وفاقا لغير المحقق [1]، بل عن المعالم الوفاق عليه «2»، لإطلاق الحسنة و الموثّقة، و حصول التعدّد اللازم، و إرادة الاستيعاب منه غير معلومة.

و هل يكفي ذو الجهات الثلاث منه أم لا؟ الحق العدم- وفاقا للمحقق «3»، و والدي

و جماعة [2]- للاستصحاب، و تبادر التغاير من ثلاثة أحجار.

و خلافا للمفيد «5»، و القاضي «6»، و الشهيد «7»، و بعض آخر «8»، فذهبوا إلى كفايته. لأنّ المتبادر من ثلاثة أحجار ثلاث مسحات، كما في: اضربه عشرة أسواط.

و لعدم تعقل الفرق بين اتّصال الأحجار و انفصالها. و كون المقصود إزالة النجاسة و قد حصلت. و إجزائه عن واحد لو استجمر به ثلاثة فهو في حكم الثلاثة.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاث مسحات».

و إطلاق الحسنة و الموثقة.

و يضعف الأول: بمنع المتبادر، و تحققه في المثال- لو سلّم- للقرينة، و لذا لا يتبادر ذلك في: اضرب عشرة أشخاص. و لو سلّمنا فهو مخالف للمعنى اللغوي، فالأصل تأخره.

و الثاني: بأنّ عدم تعقل الفرق لا يثبت العدم، مع أنّ الدليل فارق.

______________________________

[1] الشرائع 1: 19. فإنه قد يستظهر من كلامه الاستيعاب- كما استفادة في المدارك 1: 170- و أما في المعتبر 1: 130 فقد صرح بعدم لزوم الاستيعاب.

[2] منهم الشيخ في المبسوط 1: 17، و الشهيد في الروضة 1: 84، و صاحب المدارك 1: 171.

______________________________

(2) المعالم: 451.

(3) المعتبر 1: 131، الشرائع 1: 19.

(5) راجع ص 375.

(6) المهذب 1: 40.

(7) الذكرى: 9، الدروس 1: 89، البيان: 43.

(8) انظر التذكرة 1: 14، و المنتهى 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 379

و الثالث: بأنّه مصادرة.

و الرابع: بمنع الملازمة.

و الخامس: كما مرّ، مع أنّه إطلاق لا يقاوم التقييد.

و به يضعّف السادس، مع أنّه لا دلالة له بعد ثبوت التثليث.

و مما ذكر [1] يظهر عدم كفاية الاستجمار بالواحد في وقت واحد بعد غسله مرة بعد اخرى. و في كفايته بعد كسره احتمال قوي.

و هل يجوز استعمال الواحد في وقتين لشخص أو

شخصين بعد غسله، أو كسره، أو استعمال موضع آخر منه طاهر؟ قال والدي العلّامة: نعم. و هو الحق، للأصل.

و قيل: لا، لمرفوعة أحمد المتقدمة «2».

و هي غير دالة على الوجوب، نعم يثبت الرجحان و هو مسلّم.

ج: لا يجزي التمسح بالنجس

إجماعا على ما في المنتهى، و المدارك «3»، و اللوامع، و المعتمد. و لو استجمر به يتعيّن الماء بعده، لاختصاص الاستجمار بنجاسة المحلّ فلا يتعدّى إلى غيره.

و يجزي الرطب على الأصح، للإطلاق. خلافا للفاضل «4»، و والدي، لتنجّسه بالملاقاة، فيكون استعمالا للنجس.

و فيه: أنّ الممنوع استعمال النجس قبل الاستجمار لا به.

و كذا الصيقل مع قلعه النجس، لما ذكر. خلافا للمحكي عن الأكثر.

د: يحرم الاستنجاء بالعظم، و الروث، و المطعوم، و المحترم. و على الأولين

______________________________

[1] في «ق»: ذكرنا.

______________________________

(2) ص 372.

(3) المنتهى 1: 46، المدارك 1: 172.

(4) المنتهى 1: 46، التذكرة 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 380

الإجماع عن المعتبر، و المنتهى، و ظاهر الغنية «1»، و في اللوامع، و المعتمد. و على الثالث عن الثاني «2».

أما الأولان: فللمستفيضة المنجبر ضعفها بالإجماعات المحكية، و الشهرة المحققة.

منها: الخبران: أحدهما: «من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من دين محمد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

و الآخر: «لا تستنجوا بالروث و العظام» «4».

و المروي في الدعائم: نهوا عن الاستنجاء بالعظام، و البعر، و كل طعام «5».

و في المجالس الصدوق: نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يستنجي الرجل بالروث و الرمة أي العظم البالي [1].

و خبر ليث: عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر- إلى أن قال-: و قال:

«لا يصلح بشي ء من ذلك» «7» و لكن نفي الصلاحية يحتمل نفي الجواز و نفي التطهر، فالاستدلال به على أحدهما مشكل.

و أما الثالث:

فلخبر الدعائم المجبور بما ذكر، و الأخبار الواردة في حكاية أهل الثرثار في استنجائهم بالخبز و العجين «8»، الظاهر كثير منها في الحرمة.

______________________________

[1] مجالس الصدوق: 345 (المجلس 66): كلمة (و الرمة) ساقطة من المجالس المطبوعة، و هي موجودة في البحار 77: 210- 24 نقلا عن المجالس، و في جامع الأحاديث 2: 208 نقلا عن المجالس أيضا، و كذا في الفقيه 4: 2 في حديث مناهي النبي «ص».

______________________________

(1) المعتبر 1: 132، المنتهى 1: 46، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(2) المنتهى 1: 46.

(3) سنن أبي داود 1: 10 (بتفاوت يسير).

(4) سنن الترمذي 1: 15.

(5) الدعائم 1: 105، المستدرك 1: 279 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 1.

(7) التهذيب 1: 354- 1053، الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 1.

(8) الكافي 6: 301 الأطعمة ب 50 ح 1، المحاسن: 586، الوسائل 1: 362 أبواب أحكام الخلوة ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 381

و فحوى الخبر: عن صاحب له فلاح يكون على سطحه الحنطة و الشعير و يعملون عليه، فغضب عليه السلام و قال: «لو لا أرى أنّه من أصحابنا للعنته» «1».

و أما الرابع: فلإيجابه هتك الشريعة و الاستخفاف بها، مضافا إلى فحوى المستفيضة الناهية عن الاستنجاء أو دخول الكنيف و في اليد خاتم عليه اسم اللّه «2»، و فحوى ما دلّ على منع مسّ المحدث بالجنابة لبعض أقسامه «3».

و في الإجزاء و التطهر باستعمال شي ء من الأربعة و عدمه قولان:

الأول: للفاضل «4» و بعض الثلاثة «5»، لإطلاق الموثق و الحسن.

و الثاني: عن السيد و الشيخ و الحلي و ابن زهرة [1]، مدعيا عليه الإجماع، و المحقق «7»، و اختاره والدي العلامة- رحمه اللّه-

في الكتابين مدّعيا عليه الشهرة في أحدهما، للاستصحاب، و نقل الإجماع.

و قوله: «لا يصلح» في خبر ليث. و المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله «لا تستنجوا بعظم و لا روث فإنّهما لا يطهّران» «8»، و دلالة النهي على الفساد.

و يضعف الأول: باندفاعه بالإطلاق، و الثاني: بمنع الحجية، و الثالث:

بما مر من الإجمال، و الرابع: بالاختصاص بالأولين مع الضعف، و الخامس:

______________________________

[1] المبسوط 1: 17، السرائر 1: 96، الغنية (الجوامع الفقهية): 549، و أمّا السيد فلم نعثر على كلامه.

______________________________

(1) المحاسن: 588، الوسائل 24: أبواب آداب المائدة ب 79 ح 3، و فيهما: «يطؤونه و يصلّون عليه» بدل: «يعملون عليه».

(2) راجع الوسائل 1: 330 أبواب أحكام الخلوة ب 17.

(3) راجع الوسائل 2: 214 أبواب الجنابة ب 18.

(4) نهاية الأحكام 1: 89، المنتهى 1: 46، التذكرة 1: 13.

(5) كصاحب المدارك 1: 173.

(7) المعتبر 1: 133، الشرائع 1: 19.

(8) سنن الدار قطني 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 382

بالمنع في أمثال المقام.

نعم، لانجبار ضعف الرابع بحكاية الشهرة و الإجماع يثبت الحكم في مورده، و يمكن التعدّي بعدم الفصل إن ثبت، و هو غير معلوم.

ه: الاستنجاء المرخّص فيه الاستجمار و المحكوم بطهارة [غسالته ]

[1] عند القائلين بنجاسة الغسالة هو الوارد على المخرج الطبيعي، فلا يجري حكمه في غيره و لو مع انسداد الطبيعي، للاستصحاب، و عدم معلوميّة صدق الاستنجاء.

______________________________

[1] في جميع النسخ: غسله، و ما أثبتناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 383

الفصل الثاني: في مستحباتها زيادة على ما علم ممّا سبق

فمنها: الاستتار عن الناس في الغائط خاصة

بحيث لا يراه أحد، بأن يبعد أو يدخل بيتا أو يلج حفيرة، لاشتهاره بين العلماء، و التأسي بالنبي، فإنّه لم ير على غائط قطّ، و المروي في الاحتجاج المتقدم ذكره «1».

و في شرح النفلية للشهيد، قال عليه السلام: «من أتى الغائط فليستر» «2».

و المروي في الدعائم: «من فقه الرجل ارتياد مكان الغائط و البول و النخامة» يعنون عليهم السلام أن لا يكون ذلك بحيث يراه الناس- إلى أن قال: «ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار» «3».

و يستفاد منه استحباب استتار الغائط و البول أيضا، فهو مستحب آخر.

و منها: تغطية الرأس

، لفتوى الأصحاب، و نقل الوفاق عن المعتبر «4» و الذكرى «5».

و المروي في الدعائم: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل الخلاء تقنّع و غطّى رأسه» «6».

و يستفاد منه استحباب التقنع أيضا.

و يدلّ عليه: المروي في المجالس، و المكارم: «يا أبا ذر استحي من اللّه، فإنّي و الذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الخلاء مقنعا بثوبي» «7».

______________________________

(1) في ص 360.

(2) روى عنه في الوسائل 1: 306 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 4.

(3) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 249 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 4.

(4) المعتبر 1: 133.

(5) الذكرى: 20.

(6) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 1.

(7) مجالس الطوسي،: 545، مكارم الأخلاق 2: 372، الوسائل 1: 304 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 384

و لا تكفي التغطية عنه. و هل يكفي عنها؟ ظاهر العطف في رواية الدعائم: العدم.

و منها: الدعاء بالمأثور عند التقنع سرّا في نفسه

، و عند إرادة الدخول واقفا ملتفتا يمينا و شمالا إلى ملكيه تارة، و مطلقا اخرى، و عند الدخول، و الكشف، و الجلوس، و الحدث، و النظر، و الاستنجاء، و الفراغ، و الخروج مطلقا تارة، و بعد مسح البطن اخرى، لورود جميع ذلك في الأخبار «1». و في ما اختلفت فيه الروايات من الدعوات يتخير.

و يستصحب خصوص التسمية عند كشف العورة لبول أو غيره، للخبرين:

«إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل بسم اللّه، فإنّ الشيطان يغضّ بصره» «2».

و منها: تقديم اليسرى عند الدخول و اليمنى عند الخروج

في البنيان، لاشتهاره بين الأصحاب [1].

و لا يبعد إجزاء الحكم في موضع الجلوس في غير البنيان، لفتوى بعضهم «4».

و منها: الاعتماد على اليسرى حال الجلوس

، لشهادة غير واحد «5» بكونه مرويا.

و منها: اختيار موضع مرتفع أو كثير التراب للبول

، لمرسلة الفقيه: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أشدّ الناس توقيا عن البول، حتى أنّه كان إذا أراد

______________________________

[1] منهم الشيخ في المبسوط 1: 18، و المحقق في المعتبر 1: 134، و العلّامة في التذكرة 1: 13.

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 306 أبواب أحكام الخلوة ب 5.

(2) الفقيه 1: 18- 43، التهذيب 1: 353- 1047، الوسائل 1: 307، 308 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 9، 4.

(4) العلامة في نهاية الاحكام 1: 81، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 20.

(5) العلامة في نهاية الاحكام 1: 81، و الشهيد في الذكرى: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 385

البول عمد إلى مكان مرتفع من الأرض، أو مكان يكون فيه التراب الكثير، كراهة أن ينضح عليه البول» «1» و غيرها من الأخبار.

و منها: تأخير كشف العورة حتى يدنو من الأرض

، للتأسي، كما قيل «2».

و تقديم الدبر على الذكر في الاستنجاء، لموثّقة الساباطي: عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بأيما يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: «بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» «3».

و الأولى مع خوف سراية نجاسة الإحليل إلى اليد أو الكم غسله أولا، ثمَّ غسل الدبر، ثمَّ الاستبراء من البول، ثمَّ غسل الإحليل ثانيا.

و منها: الاستبراء للرجل
اشارة

. و رجحانه ثابت بالإجماع، و فتاوى الأصحاب، و المعتبرة من النصوص.

ففي صحيحة البختري: في الرجل يبول قال: «ينتره ثلاثا، ثمَّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي» «4».

و حسنة ابن مسلم: رجل بال و لم يكن معه ماء، فقال: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول، و لكنه من الحبائل» «5».

و المروي في نوادر الراوندي: «من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمَّ ليسها ثلاثا» «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 16- 36.

(2) التذكرة 1: 13.

(3) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 4، التهذيب 1: 29- 76، الوسائل 1: 323 أبواب أحكام الخلوة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 1: 27- 70، الاستبصار 1: 48- 136، الوسائل 1: 283 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 3.

(5) الكافي 3: 19 الطهارة ب 13 ح 1، التهذيب 1: 28- 71، الاستبصار 1: 49- 137، الوسائل 1: 320 أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 260 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 386

و آخر: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرات» «1».

و العامي: «إنّ أحدكم يعذّب في قبره فيقال: إنّه لم يكن يستبرئ عند بوله» [1].

و يؤيده: إيجابه

التوقّي عند النجس و نقض الطهارتين، كما صرّح به فيما مرّ من الروايتين، و في حسنة عبد الملك: في الرجل يبول ثمَّ يستنجي ثمَّ يجد بعد ذلك بللا. قال: «إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثمَّ استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» «3».

و اختلفوا في استحبابه و وجوبه.

فالحق المشهور هو الأول، لظاهر الإجماع، حيث لا يقدح مخالفة الشاذ فيه، و الأصل، لعدم دلالة غير روايتي النوادر و العامي على الوجوب من جهة خلوّه عن الدالّ عليه. بل في دلالته على الاستحباب أيضا تأمّل، لاحتماله الإرشاد لأجل التوقي.

و أمّا هما فلضعفهما الخالي عن الجابر لا يصلحان لإثبات ما عدا الاستحباب.

فالقول بالوجوب- كما عن الاستبصار و الغنية مدعيا عليه الإجماع «4»- ضعيف غايته، و إرادتهما الوجوب الشرطي- كما قيل «5»- ممكنة.

و أمّا كيفيته فقيل: إنّه أن يعصر من أصل المقعدة إلى الأنثيين أي أصل الذكر ثلاثا، و منه إلى طرفه أي رأسه كذلك، ثمَّ ينتر رأسه «6»- و هو عصره بجذبه

______________________________

[1] روى بمضمونه أحاديث متعددة في كنز العمال 9: 344- 345.

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 54، البحار 77: 210.

(3) التهذيب 1: 20- 50، الاستبصار 1: 94- 303، الوسائل 1: 283 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 2.

(4) الاستبصار 1: 48، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(5) الرياض 1: 31.

(6) الشرائع 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 387

بقوّة، كما صرّح به في البحار «1» كذلك، و هذه تسع مسحات.

و قيل: ست، بإسقاط الثلاث الأخيرة «2».

و نسب كلّ من هذين القولين إلى الشهرة «3»، و يمكن إرجاعهما إلى واحد.

و عن والد الصدوق: أنّه الثلاث الاولى «4».

و عن السيد «5» و المهذب

«6»: أنّه الثلاث الوسطى. و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، و حمل الزائد على الأفضلية.

و عن المفيد: أنّه أربعة. بإسقاط الثلاثة الأخيرة و مرة من كل من الأوليين «7»، و قد ينسب إليه أنّه اثنان. بإسقاط مرتين من الأوليين مع تمام الأخيرة «8».

و الأصل في الجميع: الأخبار السابقة، فالأولون يستدلون للستة الاولى:

بحسنة عبد الملك، بإرجاع ضمير التثنية إلى الأنثيين مع إرادة الذكر منه، و المراد ما بين طرفيه. مضافا إلى الاستدلال للثلاثة الاولى: بالمروي عن النوادر أولا.

و للواسطى: بصحيحة البختري، بإرجاع الضمير إلى الذكر، و بها يقيد إطلاق الغمز في الأول، و بحسنة ابن مسلم، بإرادة رأس الذكر من طرفه الأول، و بالمروي في النوادر أخيرا. و للثلاثة الأخيرة: بقوله في الحسنة: «و ينتر طرفه» بإرادة رأسه منه.

______________________________

(1) البحار 77: 206.

(2) المراسم: 32.

(3) في الذكرى: 30، و المدارك: 301، و الذخيرة: نسب القول الأول إلى الشهرة، و في الرياض 1:

31 نسب الأول إلى الأشهرية.

(4) نقله عنه في مفتاح الكرامة 1: 51.

(5) نقله عنه في المعتبر 1: 134.

(6) المهذب 1: 41.

(7) المقنعة: 40.

(8) نسبه في الذخيرة: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 388

و منهم من استخراج التسعة من هذه الحسنة بإرادة العراق الواصل بين الدبر و الأنثيين من أصل الذكر و رأس الذكر من طرفه.

و منهم من استنبط الثلاثة الوسطى من حسنة عبد الملك خاصة، بإرجاع ضمير التثنية إلى المقعدة و الأنثيين، و ذكر الغمز لبيان لزوم العصر، حيث إنّ الخرط مجرّد مدّ اليد.

و القائلون بالثاني استنبطوا الستّ بأحد الوجوه المتقدّمة، و جعلوا قوله: «ينتر طرفه» بيانا لما أهمل في قوله: «إلى طرفه» من جهة احتمال خروج المغيّى.

و منهم «1» من

فسر الطرف بالذكر كما في قولهم: لا يدري أيّ طرفيه أطول لسانه أو ذكره؟

و الثالث: استند إلى صحيحة البختري، مع تضعيف سائر الروايات سندا، أو إليها و إلى حسنة ابن مسلم بجعل نتر طرفه بيانا، كما ذكر، و ردّ الحسنة الأخيرة: بمعارضتها مع مفهوم الحسنة الاولى، و ترجيح الاولى بمعاضدة الصحيحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    389     و منها: الاستبراء للرجل ..... ص : 385

و الرابع: تمسك بالحسنتين بجعل أصل الذكر في الأولى العرق المذكور، و جعل طرفه أصل الذكر، و نتر الطرف بيانا، كما ذكر، و ردّ الصحيحة بإجمال المرجع فيها، فيمكن رجوعه إلى الذكر، و رأسه، و البول، و ما بين المقعدة.

و الخامس: حمل التعدّد على الأفضلية، و لا أعرف مستند المرتين إن صحت النسبة.

و مقتضى القواعد: رفيع اليد عن الصحيحة، لإجمالها كما ذكر، و قطع النظر عن التأويلات البعيدة التي أوّلوا الحسنتين بها و قصرهما على ما هو الظاهر منهما، و هو إرادة منتهى الذكر في جانب الأنثيين من أصله، و رأسه من طرفه في الحسنة الأولى، فيكون بيانا للثلاثة الوسطى من العصرات، و يكون نتر الطرف عصر

______________________________

(1) ذكره في كشف اللثام 1: 21 على وجه الاحتمال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 389

الذكر الحاصل من العصرات المذكورة أيضا و إرجاع ضمير التثنية في الثانية إلى المقعدة و الأنثيين، و جعل الغمز بيانا للزوم العصر في الخرط، فيكون بيانا للثلاثة الأولى. فتكون الحسنة الأولى دليلا للثلاثة الثانية، و الثانية للأولى.

و لكن لتضمّنهما الشرط يحصل التعارض في حصول نقض الطهارة و عدمه بين منطوق كل منهما و مفهوم الآخر، و إذ لا مرجّح لأحدهما في محلّ التعارض و هو ما

إذا أتى بإحدى الثلاثتين دون الأخرى، و لا قول بالتخيير بين الحكم بكفاية إحداهما في النقض و عدمها، فيجب الحكم بالتساقط و الرجوع إلى الأصل، و هو مع كفاية كلّ ثلاثة من الثلاثتين الاولى و الوسطى، لأصالة عدم تنجس الثوب و البدن، و عدم انتقاض الطهارة بعد تحقق إحدى الثلاثتين، كما ذكروا «1» في الأنثى فإنّه لا استبراء عليها، و لا تنقض طهارتها بالخارج المشتبه. فهو الحق، أي حصول الاستبراء بكلّ ثلاثة من الثلاثتين.

و لا يلزم خرق إجماع مركب معلوم سيما في حق من تعارضت عنده الأدلة، مع أنّ التخيير المجوز في المدارك «2» هو بعينه ذلك.

و الأحوط: الجمع بين الثلاثين: بل هو الأفضل، للمرويين في النوادر المتقدمين «3» أو غاية الاحتياط الإتيان بالتّسعة.

و ينبغي الابتداء بالثلاثة الأولى حتى يخرج ما بين المقعدة و الأنثيين إلى الذكر، ثمَّ بالوسطى حتى يخرج ما في الذكر أيضا، ثمَّ بالثلاثة الأخيرة.

و يتخير بين إتمام الثلاثة الاولى ثمَّ تعقيبها بالوسطى ثمَّ بالأخيرة، و بين تعقيب كل مرة من الاولى بمثلها من الوسطى منفصلة أو متصلة، و كذا في الأخيرة.

______________________________

(1) كما في القواعد 1: 4، و الروض: 25، و كشف اللثام 1: 21.

(2) المدارك 1: 301.

(3) في ص 384- 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 390

فروع:

أ: يستحب أن يكون الاستبراء باليسار، لمرسلة الفقيه: «إذا بال الرجل لم يمسّ ذكره بيمينه» «1».

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أنه كانت يمناه لطهوره و طعامه، و يسراه لخلائه و ما كان من أذى» «2».

و يستحب أن يجعل اليمين لما علا من الأمور و اليسار لما دنى.

ب: لو خرج شي ء بعد الاستبراء ليس ينجس [1] و لا ينقض الطهارة، للأصل و

منطوق الحسنتين «4». و قبله ينجس و ينقض، لمفهومهما.

ج: الحكم كما أشير إليه يختصّ بالذكر، فلا استبراء على الأنثى. و المشتبه.

الخارج منها لا ينجس و لا ينقض، للأصل.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: بنجس.

______________________________

(1) الفقيه 1: 19- 55، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 12 ح 6.

(2) سنن أبي داود 1: 9.

(4) المتقدمتين ص 384- 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 391

الفصل الثالث: في مكروهاتها

اشاره

و هي أيضا أمور:

منها: التخلّي مطلقا- بالغائط كان أو البول- في الطرق النافذة.

و أما المرفوعة فهي ملك لأربابها، يحرم التخلّي فيها بدون إذنهم و يباح معه.

و المشارع- و هي موارد المياه من شطوط الأنهار و رؤوس الآبار- و أفنية المساجد، و على القبور، و بينها، و أبواب الدور، و منازل النزّال، و تحت المثمرة من الأشجار.

كل ذلك للاشتهار، مضافا إلى المستفيضة من الأخبار المتضمنة جميعها لجميعها، كمرفوعة علي و رواية الاحتجاج المتقدمتين «1».

و صحيحة عاصم: أين يتوضأ الغرباء؟ فقال: «يتّقي شطوط الأنهار و الطرق النافذة و تحت الأشجار المثمرة و مواضع اللعن» فقيل له: و أين مواضع اللعن؟ فقال: «أبواب الدور» «2».

و رواية الكرخي: [ثلاث خصال ملعون من فعلهنّ ]: المتغوط في ظل النزّال، ..» [1].

و خبر السكوني: «نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها» «4».

و المروي في الخصال: «يا علي، ثلاث يتخوف منهن الجنون: التغوط بين

______________________________

[1] الكافي 3: 16 الطهارة ب 11 ح 6، التهذيب 1: 30- 80، الوسائل 1: 325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 4، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: «ثلاثة ملعون ملعون من فعلهن» و ما أثبتناه موافق للكافي.

______________________________

(1) في ص 363 و 360.

(2) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 2، التهذيب 1: 30- 78، الوسائل 1: 324 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 1: 353- 1048، الوسائل 1: 325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 392

القبور ..» «1».

و فيه و في المجالس: «إنّ اللّه كره لكم أربعا و عشرين خصلة و نهاكم عنها إلى أن قال: «كره البول على شط

نهر جار، و كره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت» «2».

و في الأخير أيضا: «أنّه نهى أن يبول رجل تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق» «3».

و في الدعائم: «البول في الماء القائم من الجفاء، و نهي عنه و عن الغائط فيه و في النهر، و على شفير البئر يستعذب من مائها، و تحت الشجرة المثمرة، و بين القبور، و على الطرق و الأفنية» «4».

و في جامع البزنطي عن الباقر عليه السلام: «و لا تبل في الماء، و لا تخلّ على قبر» «5».

و صحيحة ابن مسلم: «من تخلّى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائم ..

فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء اللّه» «6» إلى غير ذلك.

و رواية الخصال و المجالس و سائر ما يتعقبها يتضمن البول أيضا صريحا أو إطلاقا، فاختصاص بعض ما تقدم عليها بالغائط و إجمال بعض آخر غير ضائر، و القول بالتخصيص بالتغوط- كبعضهم- ساقط.

و الإجماع على انتفاء التحريم في هذه المواضع- إذ لا يقدح مخالفة النادر- يوجب حمل الأمر بالاجتناب و النهي في جملة من تلك الأخبار على الاستحباب

______________________________

(1) الخصال: 125، الوسائل 1: 329 أبواب أحكام الخلوة ب 16 ح 2.

(2) الخصال: 520، مجالس الصدوق: 248، 344، الوسائل 1: 327، 328 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 10 و 11.

(3) الخصال: 520، مجالس الصدوق: 248، 344، الوسائل 1: 327، 328 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 10 و 11.

(4) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 270 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 1 و ص 261 ب 12 ح 2.

(5) نقلها عنه في البحار 77: 191.

(6) الكافي 6: 533 الزي و التجمل ب

69 ح 2، الوسائل 1: 329 أبواب أحكام الخلوة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 393

و الكراهة، فنفي الجواز فيها كما عن المفيد «1»، أو في الأخيرين كما عن الصدوق في الهداية و الفقيه «2» ضعيف.

و لو لم يثبت الإجماع على خلافه، فلا أقل من الشهرة العظيمة المخرجة للأخبار المحرمة عن الحجية، فلا تصلح إلّا لإثبات الكراهة، مع أنّ إرادتهما المعنى الأخص من الجواز ممكنة.

و المثمر و مسقط الثمر- كما في الثلاثة الأولى- يصدقان على المنقضي عند المبدأ أيضا حقيقة، بل على ما من شأنه ذلك و إن لم يتلبس (به بعد) «3»، كما بيّنا في موضعه، فالكراهة تعم الأشجار المثمرة مطلقا.

و اختصاص بعض آخر بما فيه الثمر لا يثمر، لعدم حجية مفهوم الوصف على الأظهر، فالتخصيص استنادا إلى ذلك أو إلى اختصاص المشتق بالمتلبس لا يصح.

و الاستشهاد بمرسلة الفقيه المعلّلة للكراهة: بمكان الملائكة حين وجود الثمر «4» لا يتم، لأن وجود علة في مورد لا ينافي وجود أخرى في آخر:

و دعوى: أصالة عدمها- بعد دلالة الإطلاق- لا تسمع.

مع أنّ ذلك التعليل لا يفيد الاختصاص، لجواز أن يكون كونهم هناك في وقت موجبا للنهي عن التخلّي فيه مطلقا تعظيما لهم و استنظافا لمكانهم قبل ذلك و بعده.

و منها: البول في الأرض الصلبة

، للتصريح بكراهة نضح البول في مرسلة الفقيه «5»، و ملزوم المكروه و لو في الأغلب مكروه، و لأنه تحقير و تهاون في البول

______________________________

(1) المقنعة:

(2) الهداية 15، الفقيه 1: 21.

(3) في «ه» و «ق»: بعد به.

(4) الفقيه 1: 22- 64، الوسائل 1: 327 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 8.

(5) الفقيه 1: 16- 36، الوسائل 1: 338 أبواب أحكام الخلوة ب 22 ح 2.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 394

و نهي عنهما في المستفيضة «1»، و لاستحباب ارتياد الموضع المناسب، و الصلب غير مناسب، و ضد المستحب المكروه.

و في ثقوب الحشرات، لورود النهي عنه في بعض الأخبار، كما صرّح به جماعة «2».

و في الحمام، للمروي في الخصال: «البول في الحمام يورث الفقر» «3». و المراد منه ما يدخل فيه عرفا، لا نفس المغسل كما قد يتوهّم.

و حالة القيام، لصحيحة ابن مسلم المتقدمة «4» و غيرها.

و مطمحا به أي راميا به إلى الهواء، كأن يبول من سطح في الهواء، لرواية السكوني: «نهى النبي أن يطمح الرجل ببوله من السطح أو من الشي ء المرتفع في الهواء» «5».

و المروي في الخصال: «لا يبولن الرجل من سطح في الهواء» «6».

و منه البول في البلاليع العميقة.

و لا يتحقق التطميح بالبول في مكان ثمَّ جريانه بميزاب و نحوه في الهواء.

و لا ينافي ذلك ما تقدم من استحباب ارتياد مكان البول كمرتفع، إذ الارتفاع المعتبر هناك هو بقدر ما يؤمن معه من الترشح. و النهي عن التطميح من

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 338 أبواب أحكام الخلوة ب 22.

(2) أي صرّحوا بورود النهي، منهم الشهيد في الذكرى: 20، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 23 و لم نعثر عليه من طرقنا، و هو موجود في كتب الجمهور، انظر سنن أبي داود 1: 8. نعم روى في مستدرك الوسائل 1: 286 أبواب أحكام الخلوة ب 29 ح 10 نقلا عن أعلام الدين للديلمي 302: «و قال الباقر عليه السلام لبعض أصحابه و قد أراد سفرا .. و لا تبولن في نفق ..» فتأمل.

(3) الخصال: 504، الوسائل 15: 347 أبواب جهاد النفس ب 49 ح 21.

(4) في ص

391.

(5) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 4، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 1.

(6) الخصال: 613، الوسائل 1: 352 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 395

السطح أو مكان مرتفع يدل على أن المراد منه ما ذكرنا.

و يظهر من بعض كتب اللغة أنه الرمي إلى فوق «1». و من علّل الحكم بخوف الرد حمله عليه.

و منها: استقبال الشمس أو القمر في البول

، للنهي عنها في المستفيضة المحمولة على الكراهة، لما «2» سبق.

كرواية السكوني: «نهى أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» «3».

و رواية الكاهلي: «لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به» «4».

و في المجالس: «و نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس و القمر» «5».

و في الغائط، لما في الكافي- بعد مرفوعة محمد السابقة في القبلة «6»-: و روي أيضا في حديث (آخر) «7»: «لا تستقبل الشمس و لا القمر» «8» فإنّه يظهر منه أنّه أيضا حكم الغائط.

و في العلل: «فإذا أراد البول و الغائط- إلى أن قال-: و لا تستقبل الشمس أو القمر» «9».

و كذا استدبار القمر حال الغائط، لما في الفقيه- بعد مرفوعة علي

______________________________

(1) الصحاح 1: 389، مجمع البحرين 2: 393.

(2) في «ه»: كما.

(3) التهذيب 1: 34- 91، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 1: 34- 92، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 2.

(5) مجالس الصدوق: 345 «المجالس 66».

(6) في ص 362.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ملحق ح 3، الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 5.

(9) نقلها في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل

لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 396

السابقة «1»- و في خبر آخر: «لا تستقبل الهلال و لا تستدبره» «2» لما ذكر.

بل الشمس أيضا حينئذ، كما هو الظاهر ممّا في العلل في حكم بيان حدود من أراد البول أو الغائط: «و علة اخرى أنّ فيهما- أي في الشمس و القمر- نورا مركبا، فلا يجوز أن يستقبل بالعورتين و فيهما نور من نور اللّه» «3» الحديث.

و الاستقبال بالدبر- الذي هو إحدى العورتين- هو الاستدبار.

و أما استدبارهما في البول: فلم يرد كراهته في الأخبار، و الأصل عدمها، فهو الأظهر. و التعدّي بالأولوية باطل جدا.

و ظاهر النافع، و النهاية، و المدارك «4»: اختصاص الكراهة بالاستقبال خاصة، كما أن ظاهر الاقتصاد، و الجمل، و المصباح «5» و مختصره، و الديلمي «6»، و ابن سعيد «7» و محتمل الإرشاد، و البيان، و النفلية «8»: التخصيص بالبول، و ظاهر القواعد «9»: الاختصاص بالاستقبال في البول و الاستدبار في الغائط. و الصحيح ما ذكرنا.

ثمَّ المكروه في الاستقبال حال البول على الأظهر الأشهر: الاستقبال بالفرج، لأنّه الثابت من الروايات، دون البدن كما في القبلة.

و أما حال الغائط و في الاستدبار بالقمر فالظاهر أنّ المكروه هو الاستقبال و الاستدبار بالبدن، لأنّه مقتضى أخبارهما، فتأمل.

______________________________

(1) في ص 363.

(2) الفقيه 1: 18- 48، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 3.

(3) راجع ص 394.

(4) المختصر النافع: 5، النهاية: 10، المدارك 1: 178.

(5) الاقتصاد: 241، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 157، مصباح المتهجد: 6.

(6) المراسم: 33.

(7) الجامع للشرائع: 26.

(8) مجمع الفائدة 1: 94، البيان: 41، النفلية: 5.

(9) القواعد 1: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 397

و منها: استقبال الريح و استدبارها في الغائط، للمرفوعتين المتقدمتين «1».

و استقباله

في البول، لأخبار النهي عن احتقاره و التهاون به «2»، و الأمر بالتحفّظ و التوقّي عنه.

و لما في العلل: «و لا تستقبل الريح لعلتين: إحداهما أنّ الريح يردّ البول فيصيب الثوب و لم يعلم ذلك، أو لم يجد ما يغسله، و العلة الثانية: أنّ مع الريح ملكا فلا يستقبل بالعورة» «3».

و يظهر من العلّة الثانية: كراهة الاستدبار في الغائط أيضا مع سرّها.

و أما الاستدبار في البول فلم أجد فيه نصا.

و الشيخ «4» و الفاضلان «5» خصّا الكراهة بالاستقبال و البول.

و منها: البول في الماء

، للمروي عن جامع البزنطي المتقدمة «6»، و إطلاقه يشمل الراكد و الجاري.

مضافا في الأول إلى صحيحة ابن مسلم المتقدمة «7»، و المروي في العلل:

«و لا تبل في ماء نقيع» «8».

و مرسلة الفقيه: «البول في الماء الراكد يورث النسيان» «9». و في جنّة الأمان:

______________________________

(1) في ص 362.

(2) راجع الوسائل 1: 339 أبواب أحكام الخلوة ب 23.

(3) نقله في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

(4) مصباح المتهجد 6، النهاية: 10، الاقتصاد: 241.

(5) المحقق في الشرائع 1: 19، و المختصر النافع: 5، و العلامة في التحرير 1: 7، و القواعد 1: 4.

(6) في ص 391.

(7) في ص 391.

(8) علل الشرائع. 283، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 6.

(9) الفقيه 1: 16- بعد ح 35، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 398

«أنه ميراث الهموم» «1». و في غيره: «أنه من الجفاء» «2». «و أنه يورث الفقر» «3».

و في الثاني إلى رواية مسمع: «نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة» «4».

و المروي في الخصال: «و

لا تبولن في ماء جار» إلى أن قال: «فإنّ للماء أهلا» «5».

و روي: «أنه يورث السلس» «6».

خلافا للمحكي عن ظاهر الصدوقين «7» و المفيد «8»، فحرّموه في الأول، لظاهر النهي، و جعله بعضهم أحوط «9». و هو كذلك.

و للأولين، فخصّا الكراهة أو الحرمة بالأول، لموثقة ابن بكير: «لا بأس في البول في الماء الجاري» «10». و في معناها موثقة سماعة «11».

و صحيحة الفضيل: قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره

______________________________

(1) نقله في البحار 77: 195- 55.

(2) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 270 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 1.

(3) غوالي اللئالي 2: 187، المستدرك 1: 271 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 6. و فيهما: «يورث الحصر».

(4) التهذيب 1: 34- 90، الاستبصار 1: 13- 25، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.

(5) الخصال: 613.

(6) غوالي اللئالي 2: 187.

(7) الفقيه 1: 16، الهداية: 15، و في كشف اللثام 1: 22 نقله عن والد الصدوق.

(8) المقنعة: 41.

(9) الرياض 1: 17.

(10) التهذيب 1: 43- 122، الاستبصار 1: 13- 24، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 3.

(11) التهذيب 1: 34- 89، الاستبصار 1: 13- 21، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 399

أن يبول في الماء الراكد» «1» فصلّ عليه السلام، و التفصيل قاطع للشركة.

و رواية عنبسة: عن الرجل يبول في الماء الجاري، قال: «لا بأس به إذا كان الماء جاريا» «2» فإنّ البأس الثابت بالمفهوم لغير الجاري هو الكراهة، فيكون هو المنفي في المنطوق.

و الجواب عنها على القول بالحرمة في الراكد ظاهر.

و على الكراهة، أمّا عن الموثّقتين: فبأنّ نفي

البأس- الذي هو العذاب- لا ينافي الكراهة.

و أمّا عن الصحيحة: فبجواز عطف «كره» على «قال» فلا يكون في كلامه تفصيل، فلعلّه- عليه السلام- قال بالكراهة في الراكد في وقت، و نفى البأس عن الجاري في آخر، فجمعهما الراوي.

و أمّا عن الرواية: فبأنّه يمكن أن يكون المراد بالبأس المجازي المثبت في المفهوم مرتبة من الكراهة مشابهة- لشدة مرجوحية- للحرمة، و بالمنفي في المنطوق، الأعمّ منها و من العذاب، و لهذا خصّص نفي البأس في كثير من الأخبار بالجاري، و على هذا فيكون الكراهة فيه أخفّ، و هو كذلك. كما أنّه يشتد فيهما بالليل، لما ينقل من أن الماء بالليل للجن، فلا يبال فيه و لا يغتسل حذرا من إصابة آفة من جهتهم «3».

ثمَّ إنّ النصوص مخصوصة بالبول ككلام جماعة «4».

و تعدّى الأكثر- و منهم الشيخان «5»- إلى الغائط أيضا فكرهوه فيه. و لا بأس

______________________________

(1) التهذيب 1: 31- 81، الاستبصار 1: 13- 23، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1.

(2) التهذيب 1: 43- 120، الاستبصار 1: 13- 22، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 2.

(3) رواه في غوالي اللئالي 2: 187.

(4) كما في الفقيه 1: 16، و الشرائع 1: 19، و القواعد 1: 4.

(5) المفيد في المقنعة: 42، و الطوسي في النهاية: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 400

به، لفتوى هؤلاء الأعاظم، و التعليل المذكور في رواية الخصال.

و قد يتمسك في التعدّي: بالأولوية أو تنقيح المناط، و هو كما ترى.

و يستثنى حال الضرورة، للضرورة، و رواية مسمع «1».

و استثناء المياه المعدة لذلك مدفوع بإطلاق النصوص.

و منها: استصحاب الخاتم في اليد عند الخلوة و فيه اسم اللّه تعالى

أو شي ء من القرآن، لرواية الخزاز: أدخل الخلاء و في يدي خاتم فيه اسم من

أسماء اللّه؟

قال: «لا» «2».

و رواية أبي القاسم: الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى، فقال: «ما أحب ذلك» قال: فيكون اسم محمد، قال: «لا بأس» «3».

و موثّقة الساباطي: «لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا فيه اسم اللّه، و لا يستنج و عليه خاتم فيه اسم اللّه، و لا يجامع و هو عليه، و لا يدخل المخرج و هو عليه» «4» و المستتر في «يستنجي» و نظائره إلى الرجل المدلول عليه في ضمن الجنب لا الجنب.

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه، أو شي ء من القرآن، يصلح ذلك؟ قال: «لا» «5».

و هذه الروايات كما ترى مختصة بالخاتم في اليد صريحا كالأول، و ظاهرا كالبواقي، فلا يفيد تعميم الكراهة بالنسبة إلى مطلق الاستصحاب كما قد يذكر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 34- 90، الاستبصار 1: 13- 25، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.

(2) الكافي 3: 56 الطهارة ب 36 ح 8، الوسائل 1: 330 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 1.

(3) التهذيب 1: 32- 84، الاستبصار 1: 48- 135، الوسائل 1: 332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 6.

(4) التهذيب 1: 31- 82، الاستبصار 1: 48- 133، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 5.

(5) قرب الإسناد: 293- 1157، الوسائل 1: 333 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 401

و التعدّي بتنقيح المناط موقوف على القطع بالعلة. و التمسك بمنافاته التعظيم لا يثبت إلّا استحباب عدم الاستصحاب بقصد التعظيم، و لا كلام فيه «و لكل امرئ ما نوى» «1» و فتوى البعض «2» أيضا

لا يثبت أزيد من ذلك، فالحكم بالكراهة مطلقا لذلك لا وجه له.

و المستفاد من الأخبار أنّ الكراهة إنّما هي عند دخول الخلاء سواء كان للتغوّط أو البول، فلا كراهة عند البول في غيره، بل و لا عند التغوّط في مثل الصحراء، لعدم صدق الخلاء و الكنيف، بل و لا المخرج، لأنّ الظاهر منه أيضا البيت المعدّ له.

و يشتد الكراهة إذا كان الخاتم في اليسار حال الاستنجاء، للموثّقة.

و رواية أبي بصير: «من نقش على خاتمه اسم اللّه فليحوله عن اليد التي يستنجي بها» «3».

و رواية الحسين بن خالد: قلت له: إنّا روينا في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستنجي و خاتمه في إصبعه، و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام، و كان نقش خاتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: محمد رسول اللّه. قال:

«صدقوا» قلت: و ينبغي لنا أن نفعل ذلك؟ فقال: «إنّ أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى و أنتم تتختمون في اليد اليسرى» «4». و قريب منها المروي في العيون «5».

و أما خبر وهب: «كان نقش خاتم أبي: العزة للّه جميعا، و كان في يساره يستنجي بها، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الملك للّه، و كان في يده

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

(2) كالصدوق في الفقيه 1: 20.

(3) الكافي 6: 474 الزي و التجمل ب 27 ح 9، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 4.

(4) الكافي 6: 474 الزي و التجمل ب 27 ح 8، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 3.

(5) العيون 2: 55- 206، الوسائل 1: 333 أبواب أحكام الخلوة ب 17

ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 402

اليسرى يستنجي بها» «1». فمحمول على التقية، مع أنّه لا ضير في صدور المكروه عنهم أحيانا، فليحمل الخبر عليه.

و به يندفع المنافاة بينه و بين ما دلّ على أنهم كانوا يتختّمون باليمنى.

و لا كراهة في اسم الحجج، للأصل. و لو تجنّب عنه تعظيما لشعائر اللّه كان حسنا.

هذا كله بشرط عدم التلويث حال الاستنجاء، و إلّا فيحرم قطعا.

و منها: التكلّم في حال الحدث مطلقا بغير ما يتعبّد اللّه سبحانه

، و به أيضا إلّا آية الكرسي، و التحميد، و حكاية الأذان، و ما يجب كردّ السلام و الأدعية المأثورة للخلوة.

و تدلّ على الأول: رواية صفوان: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ» «2».

و مرسلة الفقيه: «لا يتكلم على الخلاء» «3».

و المروي في المحاسن: «ترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق» «4».

و في الدعائم عن أهل البيت عليهم السلام: أنهم نهوا عن الكلام في حال الحدث و البول، و أن يردّ سلام من سلّم عليه و هو في تلك الحالة «5».

و به يثبت التعميم الذي ذكرناه و إن خصّ غيره بالغائط أو الخلاء.

و عموم غير الأولى حجة الثاني، مضافا إلى المروي في الخصال: «سبعة لا يقرؤون القرآن» و عدّ منهم: من في الكنيف «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 31- 83، الاستبصار 1: 48- 134، الوسائل 1: 332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 8.

(2) التهذيب 1: 27- 69، الوسائل 1: 309 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 1.

(3) الفقيه 1: 21- ملحق ح 60، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 2.

(4) نقله في مشكاة الأنوار: 129 عن المحاسن، المستدرك 1: 257 أبواب أحكام الخلوة ب 6

ح 3.

(5) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 256 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 1.

(6) الخصال: 357، الوسائل 6: 246 أبواب قراءة القرآن ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 403

و صحيحة عمر بن يزيد: عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن، فقال: «لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي و تحميد اللّه، أو آية: الحمد للّه رب العالمين» [1].

و الإجماع على الجواز في الكل، و شذوذ الرواية [لو] [2] أبقيت على ظاهرها الموجب لضعفها أوجب حمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة.

ثمَّ الأخيرة هي الحجة في استثناء الأولين، و ظاهرها عدم استثناء غير ما ذكر. و استبعاد استثنائها خاصة مع فضيلتها على كثير من الآيات مجرّد وهم.

نعم، لم يذكر في التهذيب قوله: «الحمد للّه رب العالمين» و ختم بقوله:

«آية» و مقتضاه: استثناء كل آية، و لا بأس به و إن ضعّفه وجوده في الفقيه «3».

و صحيحة الحلبي: أ تقرأ النفساء و الحائض و الرجل يتغوط، القرآن؟ قال:

«يقرؤون ما شاؤوا» «4» لا تثبت إلّا الجواز الغير المنافي للكراهة.

و يستثنى الثالث برواية [3] سليمان بن مقاتل المروية في العلل: لأيّ علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذّن و إن كان على البول أو الغائط؟ قال: «إنّ ذلك يزيد في الرزق» «6».

و بصحيحة محمد: «لا تدعن ذكر اللّه على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عز و جل و قل كما يقول» «7».

______________________________

[1] الفقيه 1: 19- 57، التهذيب 1: 352- 1042، حذف منه «الحمد للّه رب العالمين»، الوسائل 1: 312 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 7.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة

المعنى.

[3] في «ه» و «ق»: لرواية.

______________________________

(3) الفقيه 1: 19.

(4) التهذيب 1: 128- 348، الاستبصار 1: 114- 381، الوسائل 1: 313 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 8.

(6) علل الشرائع: 284، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 404

و خبر أبي بصير: «إن سمعت الأذان و أنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن، و اذكر اللّه في تلك الحال، فإنّ ذكر اللّه حسن على كل حال» «1».

و هو مع سابقته حجة من استثنى التكلّم بمطلق ذكر اللّه، مضافا إلى المروي في عدة الداعي: «لا بأس بذكر اللّه و أنت تبول، فإنّ ذكر اللّه حسن على كل حال» «2».

و ما ورد من وحيه سبحانه إلى موسى [من ] [1] حسن الذكر في كل حال بعد سؤاله عن عروض حالات يجلّه تعالى عن الذكر فيها «4».

و فيه: أنّ الذكر حقيقة في التذكّر القلبي، و استعماله في الآيات و الأخبار فيه أيضا شائع، فلا يثبت من تجويزه تجويز الكلام الذكري الذي هو مجاز قطعا.

و عطف الذكر في خبر أبي بصير على قول مثل ما يقول المؤذّن، و عكسه في الصحيحة، لا يدل على اتّحادهما، بل حقيقة العطف التغاير، مع أنّ الاتّحاد أيضا لا يفيد التعميم.

و يستثنى الرابع بالإجماع، و بمعارضة أدلّة وجوبه مع العمومات المتقدمة- لعدم اجتماع الوجوب و الكراهة- بالعموم من وجه، الموجبة للرجوع إلى أصالة الجواز، المستلزمة لضم فصل الوجوب بالإجماع المركب، فإنّه لا قول بجواز رد السلام من غير وجوب.

و أمّا رواية الدعائم المتقدمة «5» فلضعفها غير ناهضة لرفع الواجب.

و وجه استثناء الخامس

واضح كاستثناء مطلق الكلام حال الضرورة.

ثمَّ إنّه لا شك في أنّ الكراهة هنا في غير ما يتعبّد به اللّه بالمعنى المصطلح.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) علل الشرائع: 284، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 2.

(2) عدة الداعي: 239.

(4) الكافي 2: 497 الدعاء ب 21 ح 8، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 1.

(5) في ص 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 405

و هل فيه أيضا بهذا المعنى أم لا؟ بل بمعنى المرجوحية الإضافية حتى يكون فيه ثواب أيضا؟ الظاهر الثاني، إذ ليس دلالة شي ء من الأخبار المتقدمة على الكراهة- سوى رواية المحاسن «1»- مقتضى الحقيقة، فمجازه كما يمكن أن يكون الكراهة المصطلحة يمكن أن يكون المرجوحية.

و أمّا هي فلا تدل على نوع ثواب على ترك مطلق الكلام، و هو لا ينافي ترتب ثواب آخر على فعل نوع منه.

و منها: الاستنجاء باليمين

، للنهي عنه في المستفيضة «2». و الظاهر أنّه إن لم يمس المحل باليد و اكتفى بمجرد الصبّ، فاليد التي يصبّ بها الماء يحصل بها الاستنجاء. و كذا إن مس بها بمجرد الأخذ كما في أخذ القضيب بيد و صبّ الماء بأخرى، فالاستنجاء يحصل بالأخرى. و لو غسل بها النجاسة، فالاستنجاء يحصل باليد الغسالة دون ما يصبّ بها الماء.

و منها: طول الجلوس في الغائط

، لإيجابه الباسور و فجع الكبد، كما ورد في الأخبار «3».

و السواك عند الغائط أو مطلقا، لإيراثه البخر [1] كما في المرسل «5».

و الأكل و الشرب كذلك، للشهرة بل الإجماع، و تضمّنهما المهانة.

و الاستناد إلى المرسلة الواردة في لقمة وجدها أبو جعفر عليه السلام في الخلاء «6» غير جيد.

و التعجيل في القيام عن الغائط قبل تمام الفراغ، للمروي في الخصال: «لا

______________________________

[1] البخر: نتن رائحة الفم.

______________________________

(1) المتقدمة ص 401.

(2) راجع الوسائل 1: 321 أبواب أحكام الخلوة ب 12.

(3) الوسائل 1: 336 أبواب أحكام الخلوة ب 20.

(5) الفقيه 1: 32- 110، الوسائل 1: 337 أبواب أحكام الخلوة ب 21 ح 1.

(6) الفقيه 1: 18- 49، الوسائل 1: 361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 406

يعجّل الرجل عند طعامه حتى يفرغ، و لا عند غائطه حتى يأتي على حاجته» «1».

______________________________

(1) الخصال: 625.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.