سلسله المسائل الفقهیه الميراث بالقرابة أو بالتعصيب المجلد 22

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

الميراث بالقرابة أو بالتعصيب

ص: 2

[22. الميراث بالقرابة أو بالتعصيب ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الّذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- آل عمران: 103.

الميراث بالقرابة أو بالتعصيب الميراث بالتعصيب من خصائص الفقه السنّي و ليس في الفقه الإمامي منه عين و لا أثر، بل هو منكر عند الإمامية أشدّ الإنكار كما سيوافيك،

و لإيضاح المقام نقدّم أُموراً:

الأوّل: العَصَبة في اللغة و الاصطلاح

العَصَبَة جمع عاصب كطلبة جمع طالب، و هو مأخوذ من العَصَب و هو الطيّ الشديد، يقال: عصب برأسه العمامة، شدّها و لفّها عليه، و مع كونها جمعاً لكن تطلق على الواحد و الجمع و المذكر و المؤنث، و تجمع أيضاً على عَصَبات.

ص: 5

و يطلق على الذكر من أقارب الميت الذي لم تدخل في نسبته إلى الميت أُنثى، و سُمُّوا عصبة لأنّهم أصابوا به، أي أحاطوا بالميت، فالأب طرف و الابن طرف و الأخ طرف، و العم طرف، و هؤلاء كلّهم عَصَبَة، لأنّهم يحيطون بالميت كإحاطة العمامة بالرأس.

و في مصطلح الفقهاء: العصبَة، هو الوارث بغير فرض و تقدير، فإذا كان معه ذو فرض أخذ بما فضل عنه قلّ أو كثر، و إن انفرد، أخذ الكل، و إن استغرقت الفروض المال، سقط.(1)

الثاني: أقسام العصبة

تنقسم العصبة عندهم إلى قسمين:

الأوّل: العصبة النَّسَبيّة.

الثاني: العصبة السببيّة.

أمّا القسم الأوّل فهو على ثلاثة أصناف:

ص: 6


1- المغني: 6/226.

أحدها: العصبة بنفسه و هي كلّ ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أُنثى، و تنحصر في أربعة.

أ. البنوة، و تسمّى جزء الميت.

ب. الأُبوة، و تسمّى أصل الميت.

ج. الأُخوة، و تسمّى جزء أبيه.

د. العمومة، و تسمّى جزء الجد.

ثانيها: عصبة بغيره، و هي الأُنثى التي يكون فرضها النصف حال الانفراد، و الثلثين إذا كان معها أُخت أو أكثر، فإذا كان معها أو معهن أخ صار الجميع حينئذ عصبة به، و هي أربع:

1. البنت أو البنات.

2. بنت أو بنات الابن.

3. الأُخت أو الأخوات الشقيقات.

4. الأُخت أو الأخوات لأب.

فكلّ صنف من هذه الأصناف الأربعة يكون عصبة بغيره و هو الأخ و يكون الإرث بينهم للذكر مثل حظ الأُنثيين.

ص: 7

ثالثها: العصبة مع الغير و هي كلّ أُنثى تحتاج في كونها عاصبة إلى أُنثى أُخرى و تنحصر العصبة مع الغير في اثنتين فقط من الإناث، و هي:

أ. الأُخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات مع البنت أو بنت الابن.

ب. الأُخت لأب أو الأخوات لأب مع البنت أو بنت الابن، و يكون لهن الباقي من التركة بعد الفروض.

و أمّا القسم الثاني، أي العصبة السببية هو المولى المعتِقُ، ذكراً كان أم أُنثى، فإذا لم يوجد المعتِق فالميراث لعصبته الذكور.(1)

الثالث: أقسام نسبة الفروض مع مجموع التركة

الفروض الستة المقدرة في كتاب اللّه، تارة تتساوى مع مجموع التركة، كبنتين و أبوين، و حينئذ لا عول و لا تعصيب، حيث تأخذ البنتان الثلثين، و الأبوان الثلث.

ص: 8


1- فقه السنّة: 3/442، ط بيروت.

و أُخرى تنقص الفروض عن التركة، كبنت واحدة، فإن فرضها النصف أو بنتين فإن فرضهما الثلثان، فهل يردّ الباقي إليها أو إليهما بالقرابة كما عليه الإمامية، أو يردّ إلى العصبة كما عليه فقهاء السنّة و يسمّى الميراث بالتعصيب؟ و ثالثة تزيد الفروض على مجموع التركة، كزوج و أبوين و بنت، فإنّ فرض الزوج الربع و البنت النصف و الأبوين الثلث، و التركة لا تتحمل ربعاً و نصفاً و ثلثاً، و هذا هو العول الذي سيوافيك حكمه في المسألة الآتية.

الرابع: إيضاح التوريث بالتعصيب

المراد من التعصيب هنا هو توريث العصبة مع ذي فرض قريب، كما إذا كان للميت بنت أو أكثر، و ليس له ولد ذكر.

أو لم يكن له أولاد أصلاً لا ذكور و لا إناث، و له أُخت أو أخوات و ليس له أخ، و له عمّ.

فانّ مذاهب السنة تجعل أخ الميت شريكاً مع البنت أو

ص: 9

البنات، في المثال الأوّل، كما تجعل العم أيضاً شريكاً مع الأُخت أو الأخوات كذلك في المثال الثاني.

هذا ما لدى السنّة، و أمّا الإمامية فالإرث بالتعصيب باطل مطلقاً و إنّما الميراث بالفرض المسمى في كتاب اللّه، أو بالقرابة أو الأسباب التي يورث بها من الزوجيّة و الولاء.

ففي المثالين المذكورين إن بقي من الفرض يجب رده على صاحب الفرض القريب، فالتركة عندهم بكاملها للبنت أو للبنات و ليس لأخ الميت شيء، و إذا لم يكن له أولاد ذكور و لا إناث و كان له أُخت أو أخوات، فالمال كلّه للأُخت و الأخوات و لا شيء للعمّ، لأنّ الأُخت أقرب منه، و الأقرب يحجب الأبعد.

و بالجملة ليس للتعصيب دور في الميراث و إنّما يدور الميراث على الفروض و القرابة و السببية: الزوجية و الولاء.

الخامس: ضابطة الميراث عند الفريقين

إنّ الضابطة لتقديم بعض الأقرباء النسبيّين على

ص: 10

البعض الآخر عند الإمامية أحد أمرين:

1. كونه صاحب فريضة في الكتاب، قال سبحانه: (آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ).(1)

2. القربى إذا لم يكن صاحب فريضة، فالأقرب إلى الميّت، هو الوارث للكلّ، أو لما فضل عن التركة، قال سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).(2)

و أمّا عند أهل السنّة فالملاك بعد الفرض، هو التعصيب بالمعنى الذي عرفت بعد أصحاب الفرض، و إن بعد عنهم، كالأخ عند ما يموت، عن بنت أو بنتين، أو العم عند ما يموت عن أُخت أو أُختين فيرث الأخ أو العم، الفاضل من التركة، بما أنّهما عصبة، و يُردّ عندنا إلى أصحاب الفروض، و ربّما لا يترتّب على الخلاف ثمرة، كما في الموردين التاليين:5.

ص: 11


1- النساء: 11.
2- الأنفال: 75.

كما لو اجتمع الأب مع الابن، فالأب يأخذ فرضه و هو السدس، و ما بقي يأخذه الابن بالاتّفاق لكن عندنا بالقرابة و عند أهل السنّة بالعصبة.

و مثله لو اجتمع الأب مع ابن الابن فبما أنّ الأولاد تنزل منزلة الآباء فللأب السدس و الباقي لابن الابن عندنا بالقرابة و عندهم بالتعصيب.

لكن تظهر الثمرة في موارد أُخر. كما إذا كانت العصبة بعيدة عن ذي فرض، كالأخ في ما إذا ترك بنتاً أو بنات، و لم يكن له ولد ذكر، أو العم فيما إذا ترك أُختاً أو أخوات و لم يكن له أخ، فعلى مذهب الإمامية لا يرد إلى البعيد أبداً، سواء كان أخاً أو عمّاً، لأنّ الضابط في التقديم و التأخير هو الفرض و القرابة، و أمّا الأخ و العم فهما ليسا من أصحاب الفروض قطعاً، كما أنّهما بعيدان عن الميّت مع وجود البنت أو الأُخت، فيرد عليهما الفاضل، فالبنت ترث النصف فرضاً و النصف الآخر قرابة، و هكذا الصورة الأُخرى.

و أمّا على مذاهب أهل السنّة، فبما أنّهم حكموا بتوريث

ص: 12

العصبة مع ذي فرض قريب، يردّون الفاضل إلى الأخ في الأوّل، و العم في الثاني.

قال الشيخ الطوسي: القول بالعصبة باطل عندنا و لا يورث بها في موضع من المواضع، و إنّما يورث بالفرض المسمّى أو القربى، أو الأسباب التي يورث بها من الزوجية و الولاء و روي ذلك عن ابن عباس، لأنّه قال فيمن خلّف بنتاً و أُختاً: إنّ المال كلّه للبنت دون الأُخت(1) ، و وافقه جابر بن عبد اللّه في ذلك.

و روى موافقة ابن عباس عن إبراهيم النخعي، روى عنه الأعمش و لم يجعل داود الأخوات مع البنات عصبة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و أثبتوا العصبات من جهة الأب و الابن.(2)0.

ص: 13


1- و هي عصبة بالغير أي الأخ.
2- الخلاف: 4/62، كتاب الفرائض، المسألة 80.

السادس: عدم الثمرة فيما إذا كان قريب مساو لا فرض له

إذا بقي من سهام التركة شيء بعد إخراج الفريضة و كان بين الورثة من لا فرض له لا فرق بين القولين و لا تترتب عليهما ثمرة.

و بعبارة أُخرى: إذا اجتمع من لا فرض له مع أصحاب الفرض ففيها يردّ الفاضل على المساوي الذي ليس له سهم خاص في الكتاب، سواء قلنا بالتعصيب أم لا. و إليك بعض الأمثلة:

1. إذا ماتت عن أبوين و زوج.

2. إذا مات عن أبوين و زوجة.

فالزوج في الأوّل، و الزوجة في الثاني، و الأُمّ في كليهما من أصحاب الفروض دون الأب، فما فضل بعد أخذهم، فهو لمن لا فرض له، أي الأب، فللزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى و للأم م الثلث، و الباقي للأب لأنّه لا فرض له، نعم الأب من أصحاب الفروض إذا كان للميّت ولد قال سبحانه:

ص: 14

(وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (1) بخلاف الأُمّ فهي مطلقاً من ذوات الفروض.

قال الخرقي في متن المغني: و إذا كان زوج و أبوان، أُعطي الزوج النصف و الأُم ثلث ما بقي، و ما بقي فللأب، و إذا كانت زوجة أُعطيت الزوجة الربع، و الأُمّ ثلث ما بقي، و ما بقي للأب.

قال ابن قدامة: هاتان المسألتان تسمّيان العُمَريّتين لأنّ عُمَر قضى فيهما بهذا القضاء، فتبعه على ذلك عثمان و زيد بن ثابت و ابن مسعود، و روي ذلك عن علي، و به قال الحسن و الثوري و مالك و الشافعي رضي اللّه عنهم و أصحاب الرأي، و جعل ابن عباس ثلث المال كلّه للاُمّ في المسألتين، و يروى ذلك عن علي.(2)ا.

ص: 15


1- النساء: 11.
2- المغني: 2376/236. و هذا و نظائره الكثيرة في الفرائض يعرب عن عدم وجود نظام محدّد في الفرائض في متناول الصحابة، و مع أنّهم يروون عن النبي أنّ أعلم الصحابة بالفرائض هو زيد بن ثابت و انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «أفرضهم زيد، و أقرأهم أُبيّ». لكنّه تبع قضاء عمر و لم يكن عنده شيء في المسألة التي يكثر الابتلاء بها.

3. ذلك الفرض و لكن كان للأُمّ حاجب، فللزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى و للأُمّ السدس، و الكلّ من أصحاب الفرض، و الباقي للأب الذي لا فرض له.

4. إذا مات عن أبوين و ابن و زوج أو زوجة، فلهما نصيبهما الأدنى لأجل الولد و للوالدين السدسان و الباقي للابن الذي لا فرض له.

5. إذا مات عن زوج أو زوجة و إخوة من الأُمّ، و إخوة من الأبوين أو من الأب، فللزوج النصف أو للزوجة الربع، و للإخوة من الأُم الثلث، و الباقي لمن لا فرض له، أي الإخوة من الأبوين أو الذين يتقرّبون بالأب.

ففي هذه الصورة فالزائد بعد إخراج الفرائض للمساوي في الطبقة الّذي لا فرض له. و لعلّ هذه الصورة موضع اتّفاق بين الفقهاء: السنّة و الشيعة.

السابع: ترتّب الثمرة إذا لم يكن قريب مساو لا فرض له

إذا لم يكن بين الورثة وراء أصحاب الفروض

ص: 16

قريب مساو لا فرض له و زادت سهام التركة عن الفروض، فهناك رأيان مختلفان بين الفقهاء: الشيعة و السنّة.

1. الشيعة كلّهم على أنّ الزائد يرد إلى أصحاب الفرائض عدا الزوج و الزوجة(1) بنسبة سهامهم، فإذا مات عن أبوين و بنت و ليس في طبقتهم من ينتمي إلى الميّت بلا واسطة سواهم، يرد الفاضل أي السدس عليهم بنسبة سهامهم، فيرد السدس عليهم أخماساً فللأبوين: الخمسان من السدس، و للبنت ثلاثة أخماس منه، و لا تخرج التركة عن هذه الطبقة أبداً.

2. أهل السنّة يرون أنّه يرد إلى أقرباء الميّت من جانب الأب و الابن و هم العصبة.

إذا عرفت هذه الأُمور فلندرس أدلّة القولين:7.

ص: 17


1- اتّفقت عليه المذاهب كلّها قال ابن قدامة: «فأمّا الزوجان فلا يرد عليهما، باتّفاق أهل العلم» المغني: 6/257.

دراسة أدلّة نفاة التعصيب

اشارة

احتجّت الإمامية على نفي التعصيب و انّه لا دور له في الميراث و انّه مع وجود الأقرب و إن كان ذا فرض لا يرد إلى البعيد و إن كان ذكراً بالكتاب و السنّة، و إليك دراسة ما يدلّ على نفيه من الكتاب:

الآية الأُولى مشاركة النساء للرجال في الميراث

قال سبحانه: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ).(1)

ص: 18


1- النساء: 7.

وجه الاستدلال: انّ ظاهر الآية انّ النساء في درجة الرجال من حيث الاستحقاق و انّ كلّ مورد يرث فيه الرجل، ترث فيه المرأة إلاّ ما خرج بالدليل كالقاتل و المرتد.

و بعبارة أُخرى: انّه أوجب توريث جميع النساء و الأقربين، و دلّت على المساواة بين الذكور و الإناث في استحقاق الإرث لا في مقداره، لأنّها حكمت بأنّ للنساء نصيباً كما حكمت بأنّ للرجال نصيباً، مع أنّ القائل بالتعصيب يُورّث الرجال دون النساء مع كونهما في رتبة واحدة، و ذلك في الصور التالية:

1. لو مات و ترك بنتاً، و أخاً و أُختاً، فالفاضل عن فريضة البنت يرد إلى الأخ، و يحكم على الأُخت بالحرمان.

2. لو مات و ترك بنتاً، و ابن أخ، و ابن أُخت، فالقائل بالتعصيب يعطي النصف للبنت، و النصف الآخر لابن الأخ، و لا شيء لابن أُخته مع أنّهما في درجة واحدة.

3. لو مات و ترك أُختاً، و عمّاً، و عمّة، فالفاضل عن فريضة الأُخت يرد إلى العم، لا العمّة.

ص: 19

4. لو مات و ترك بنتاً، و ابن أخ، و بنت أخ، فإنّهم يعطون النصف للبنت، و النصف الآخر لابن الأخ، و لا يعطون شيئاً لبنت الأخ مع كونهما في درجة واحدة.

فالآية تحكم بوراثة الرجال و النساء معاً و بوراثة الجميع، و القائل بالتعصيب يورّث الرجال دون النساء و الحكم به أشبه بحكم الجاهلية المبني على هضم حقوق النساء كما سيوافيك بيانه.

و حمل ظهور الآية في مشاركة الرجال و النساء، على خصوص الميراث المفروض، لا الميراث لأجل التعصيب كما ترى، لأنّه حمل بلا قرينة في الآية، و على خلاف إطلاقها.

و الحاصل: أنّ نتيجة القول بالتعصيب هو توريث الرجال و إهمال النساء على ما كانت الجاهلية عليه.

قال العلاّمة الصافي في تفسير قوله سبحانه: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ... ) قد أبطل اللّه بهذه الآية النظام الجاهلي المبنيّ على توريث الرجال دون النساء، مثل توريث الابن دون البنت، و توريث الأخ دون الأُخت، و توريث

ص: 20

العم دون العمّة، و ابن العم دون بنته، فقرّر بها مشاركة النساء مع الرجال في الإرث، إذا كنّ معهم في القرابة في مرتبة واحدة، كالابن و البنت، و الأخ و الأُخت، و ابن الابن و بنته، و العم و العمّة و غيرهم، فلا يوجد في الشرع مورد تكون المرأة مع المرء في درجة واحدة إلاّ و هي ترث من الميت بحكم الآية... فكما أنّ القول بحرمان الرجال الذين هم من طبقة واحدة نقض لهذه الضابطة المحكمة الشريفة، كذلك القول بحرمان النساء أيضاً... و مثل هذا النظام الذي تجلّى فيه اعتناء الإسلام بشأن المرأة و رفع مستواها في الحقوق المالية كسائر حقوقها يقتضي أن يكون عامّاً لا يقبل التخصيص و الاستثناء.(1)

قال السيد المرتضى: توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى و الدرجة، من أحكام الجاهلية، و قد نسخ اللّه بشريعة نبيّنا محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) أحكام الجاهلية، و ذمّ من أقام عليها و استمرّ على العمل بها بقوله: (أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ5.

ص: 21


1- مع الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر: 1615.

وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً ) (1) و ليس لهم أن يقولوا إنّنا نخصّص الآية التي ذكرتموها بالسنّة، و ذلك أنّ السنّة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يُخصَّص بها القرآن، كما لم يُنسخ بها، و إنّما يجوز بالسنّة أن يخصّص و ينسخ إذا كانت تقتضي العلم و اليقين، و لا خلاف في أنّ الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علماً، و أكثر ما يقتضيه غلبة الظن، على أنّ أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة ترويها الشيعة من طرق مختلفة في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة، و أنّه بالقربى و الرحم، و إذا تعارضت الأخبار رجعنا إلى ظاهر الكتاب.(2)8.

ص: 22


1- المائدة: 5.
2- الانتصار: 278.

الآية الثانية الضابطة في الميراث هي الأقربية

قال سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).(1)

و قال في آية أُخرى: (اَلنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً ).(2)

وجه الاستدلال: أنّ الآية ظاهرة في أنّ ذوي الأرحام و القرابة بعضهم أحقّ بميراث بعضهم من غيرهم، و المروي عن جماعة من المفسّرين انّ الآية ناسخة لما قبله من التوارث

ص: 23


1- الأنفال: 75.
2- الأحزاب: 6.

بالمعاقدة و الهجرة و غير ذلك من الأسباب، فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة، فانّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) كان قد آخى بين المهاجرين و الأنصار.

ثمّ إنّ وجه الأولوية هو الأقربية، فكلّ من كان أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث، سواء كان ذا سهم أو غير ذي سهم، و سواء كان عصبة أو غير ذي عصبة.(1)

قال العلاّمة الطباطبائي: جعل الولاية بين أُولي الأرحام و القرابات، و هي ولاية الإرث، فانّ سائر أقسام الولاية لا ينحصر فيما بينهم.

و الآية تنسخ ولاية الإرث بالمؤاخاة التي أجراها النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بين المسلمين في أوّل الهجرة، و تُثبت الإرث بالقرابة، سواء كان هناك ذو سهم أو لم يكن، و كان عصبة أو لم يكن، فالآية مطلقة كما هو ظاهر.(2)

و قد استدلّ بالآية بعض الفقهاء و المفسّرين في مورد2.

ص: 24


1- مجمع البيان: 2/563.
2- الميزان: 9/142.

الإرث و فسروه بالنحو التالي الموافق لما ذكرنا.

قال السرخسي في مبسوطه: و الميراث يبنى على الأقرب، قال اللّه تعالى: (ما تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ) و زيادة القرب تدلّ على قوة الاستحقاق.

و قال أيضاً: فإن كان بعضهم أقرب فهو بالميراث أحقّ.

و قال أيضاً: و ميراث ذوي الأرحام يبنى على القرب.(1)

و ممّا يدلّ على أنّ مفاد الآية هو منع القريب البعيد هو انّ بعض فقهاء السنة تمسك بالآية على أُولوية بعض العصبة على بعض، مثلاً: قدّموا الأخ على ابن الأخ، و العم على ابن العم، حتّى أنّهم يقدّمون الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب، كما أنّ العمّ لأبوين يقدّمونه على العمّ لأب، و ابن العم لأبوين على ابن العم لأب، تمسّكاً بالآية.(2)9.

ص: 25


1- المبسوط: 29/139، 30/13 و 20.
2- تفسير القرطبي: 8/58 و 59.

و بما انّ الآية وردت في سورتين مدنيتين، فهي تؤكد على نسخ ما كان شائعاً في الجاهلية من تقديم الأقوياء على الضعفاء، و الرجال على النساء في الميراث، و تضع ملاكاً جديداً، هو الأقربية للميت، فالأقرب يرث و يمنع غيره من دون فرق بين الرجل و المرأة.

و على ضوء ذلك فكيف يرث الأخ أو العم مع وجود الأقرب أعني: البنت أو الأُخت و هما أقرب إلى الميّت من الأخ و العم، لأنّ البنت تتقرّب إلى الميّت بنفسها، و الأخ يتقرّب إليه بالأب، و الأُخت تتقرّب إلى الميّت بالأب، و العمّ يتقرّب إليه بواسطة الجد، و الأُخت تتقرّب بواسطة، و العم يتقرّب بواسطتين، و أولاده بوسائط.

و ممّا يدل على أنّ الآية في بيان تقديم الأقرب فالأقرب مضافاً إلى ما مرّ من أنّها وردت ناسخة للتوارث بمعاقدة الإيمان و التوارث بالمهاجرة اللَّذين كانا ثابتين في صدر الإسلام أنّ عليّاً كان لا يعطي الموالي شيئاً مع ذي رحم، سمّيت له فريضة أم لم تسم له فريضة و كان يقول:

ص: 26

«(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) قد علم مكانهم فلم يجعل لهم مع أُولي الأرحام».(1)

و روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ): إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض، لأنّ أقربهم إليه رحماً أولى به، ثمّ قال أبو جعفر: أيّهم أولى بالميت و أقربهم إليه؟ أُمّه؟ أو أخوه؟ أ ليس الأُمّ أقرب إلى الميّت من إخوته و أخواته؟(2) و روي عن زيد بن ثابت أنّه قال: من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء.(3)

و ربما يثار على الاستدلال بالآية استفساران:2.

ص: 27


1- الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 10 و 11 و 12.
2- الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 10 و 11 و 12.
3- الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 10 و 11 و 12.

الأوّل: تخصيص الآية بما دلّ على ميراث العصبة

إنّ قوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) لا يعدو إمّا أن يكون مطلقاً أو عاماً، فالمطلق يُقيّد و العام يخصص بما ورد من توريث العصبة بعد استيفاء ذوي الفروض فروضهم و إن كانوا بُعَداء.

يلاحظ عليه: بعد غضّ النظر عن الضعف الطارئ على أدلّة التعصيب سنداً و دلالة كما سيوافيك انّ الآية المباركة تأبى على التخصيص و التقييد، لأنّها تحكي عن تشريع صدر استجابةً لميول و رغبات البشر، و هو انّ الإنسان أرأف و أميل بالوارث الأقرب من الأبعد، فتخصيص مثل ذلك التشريع يأباه الطبع السليم، مثل قوله سبحانه: (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(1) ، أو قوله سبحانه: (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(2) ، و قوله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (3) و أمثالها.0.

ص: 28


1- التوبة: 91.
2- الحج: 78.
3- التوبة: 120.

و الشاهد على إبائها التخصيص و التقييد انّه لو قيل (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) إلاّ في مورد كذا لما استحسنه الطبع و لاستهجنه، مثل ما إذا قيل (إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلاّ في مورد كذا..

الثاني: حرمان الرجال من الميراث في الفقه الإمامي

إذا دلّت الآية على المشاركة، فكما أنّ حرمان النساء مخالف لها، فكذلك حرمان الرجال مع أنّه ثابت في القول بعدم التعصيب، و ذلك كما في المثال التالي:

إذا مات الرجل عن بنت و عم أو ابن عم، فإنّ التركة كلّها للبنت عندهم و لا حظّ لهما. و هو حرمان الرجال دون النساء عكس القول بالتعصيب، و يشتركان في الحرمان و مخالفة الذكر الحكيم.

يلاحظ عليه: أنّ الحرمان في المثال لأجل عدم الاستواء في القرابة. أ لا ترى أنّ ولد الولد (ذكوراً كانوا أو إناثاً) لا يرثون مع الولد، لعدم التساوي في الدرجة و القرابة، و إن كانوا

ص: 29

يدخلون تحت التسمية بالرجال و النساء، و إذا كانت القرابة و الدرجة مراعاة بين العم و ابنه، فلا يساوي العم البنت في القربى و الدرجة، و هو أبعد منها كثيراً.

و ليس كذلك العمومة و العمّات و بنات العم و بنو العم، لأنّ درجة هؤلاء واحدة و قرباهم متساوية و المخالف يورِّث الرجال منهم دون النساء، فظاهر الآية حجّة عليه و فعله مخالف لها، و ليس كذلك قولنا في المسألة التي وقعت الإشارة إليها، و هذا واضح فليتأمّل.(1)3.

ص: 30


1- الانتصار: 283.

الآية الثالثة توريث الأُخت مشروط بعدم وجود الولد

قال سبحانه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).(1)

إنّ ظاهر قوله سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) هو انّ توريث الأُخت من الأخ مشروط بعدم وجود الولد له مع أنّه يلزم في بعض صور التعصيب توريث الأُخت مع وجود الولد (البنت) للميّت،

ص: 31


1- النساء: 176.

و ذلك فيما إذا كان التعصيب بالغير كأُخت أو أخوات لأبوين، أو أُخت و أخوات لأب، فإنّهنّ عصبة بالغير من جانب الأب فلو مات عن بنت و أُخت لأبوين أو لأب، فالنصف للبنت، و النصف الآخر للعصبة و هي الأُخت أو الأخوات مع أنّ وراثة الأُخت مشروطة بعدم الولد في صريح الآية. قال الخرقي: و الأخوات مع البنات عصبة، لهنّ ما فضل، و ليس لهنّ معهنّ فريضة مسمّاة.

و قال ابن قدامة في شرحه: و المراد بالأخوات هاهنا، الأخوات من الأبوين، أو من الأب، و إليه ذهب عامّة الفقهاء إلاّ ابن عباس و من تابعه، فإنّه يروى عنه أنّه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة فقال في بنت و أُخت: للبنت النصف و لا شيء للأُخت. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم اللّه، يريد قول اللّه سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ... ) فإنّما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد.

ثمّ إنّ ابن قدامة ردّ على الاستدلال بقوله: إنّ الآية تدل

ص: 32

على أنّ الأُخت لا يفرض لها النصف مع الولد، و نحن نقول به، فإنّ ما تأخذه مع البنت ليس بفرض، و إنّما هو بالتعصيب كميراث الأخ، و قد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول اللّه تعالى:

(وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) و على قياس قوله «ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها».(1)

حاصل كلامه: أنّ الأُخت ترث من الأخ النصف في حالتي وجود الولد و عدمه، غاية الأمر عند عدم الولد ترث فرضاً، و عند وجوده ترثه عصبة.

يلاحظ عليه: أنّ المهم عند المخاطبين هو أصل الوراثة، لا التسمية تارة بالفرض و أُخرى بالتعصيب، فانّ الأسماء ليس بمطروحة لهم; فإذا كان الولد و عدمه غير مؤثّر فيها، كان التقييد لغواً، و ما ذكره من أنّها ترث النصف عند الولد تعصيباً لا فرضاً أشبه بالتلاعب بالألفاظ، و المخاطب بالآية هو العرف العام، و هو لا يفهم من الآية سوى حرمان7.

ص: 33


1- المغني: 6/227.

الأُخت عند الولد و توريثها معه باسم آخر، يراه مناقضاً.

و ما نسبه إلى ابن عباس من أنّه كان يرى ميراث الأخ مع الولد، غير ثابت، و على فرض تسليمه فهو ليس بحجة.

ص: 34

الاستدلال بالسنّة على نفي التعصيب

اشارة

1. روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: مرضت بمكّة مرضاً فأشفيت(1) منه على الموت فأتاني النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) يعودني فقلت: يا رسول اللّه: إنّ لي مالاً كثيراً و ليس يرثني إلاّ

ص: 35


1- أي فأشرفت و قاربت.

ابنتي أ فأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشَّطرُ؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال: الثلث كبير، إنّك إن تركت ولدك أغنياء خيرٌ من أن تتركهم عالةً يتكفّفون الناس.(1)

و في لفظ مسلم في باب الوصية بالثلث: «و لا يرثني إلاّ ابنة لي واحدة».(2) و الرواية صريحة في أنّه كان يدور في خلد سعد، أنّها الوارثة المتفرّدة و النبيّ سمع كلامه و أقرّه عليه، و لم يرد عليه بأنّ لك وارثاً آخر و هم العصبة، بل قرره على ذلك فيكون المال للبنت فالنصف فرضاً و النصف الآخر بالردّ.

و قد كان السؤال و الجواب بعد نزول آيات الفرائض.

2. روى البيهقي عن سويد بن غفلة في ابنة و امرأة و مولى قال: كان علي (عليه السلام) يعطي الابنة النصف و المرأة الثمن و يرد ما بقي على الابنة.(3)

و رواه الدارمي عن حيان بن سليمان قال: كنت عند سويد بن غفلة فجاءه فسأله عن فريضة رجل ترك ابنته و امرأته قال: أما أُنبئك قضاء عليّ؟ قال: حسبي قضاء عليّ. قال: قضى عليّ لامرأته الثُّمن و لابنته النصف، ثمّ رد البقية على ابنته.(4)8.

ص: 36


1- صحيح البخاري: 8/150، كتاب الفرائض، باب ميراث البنات.
2- صحيح مسلم، ج 4، باب الوصية بالثلث، ص 71.
3- السنن الكبرى: 6/242، باب الميراث بالولاء.
4- سنن الدارمي، كتاب الفرائض، باب فيمن أعطى ذوي الأرحام دون الموالي، ص 288.

3. روي عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال:: من ترك مالاً فلأهله.(1)

و ليس الأخ، أو الأُخت من أهل الرجل و إنّما أهله أولاده و زوجته.

4. و ربّما يستدل بما روي عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): و المرأة تحوز ثلاث مواريث: عتيقها و لقيطها و ولدها الذي تلاعن عليه.(2)

وجه الاستدلال ظاهر في الرواية انّ الأُمّ ترث ما يتركه ولدها كلّه، لأنّ الأب ممنوع من الإرث للملاعنة و نفي الولد عنه فيكون المال كله للأُمّ سدسه أو ثلثه بالفرض و الباقي بالردّ، لأنّ سهم الأُم هو السدس أو الثلث، و قد حكم علىي.

ص: 37


1- صحيح البخاري: 8/150 كتاب الفرائض باب قول النبي: من ترك مالاً فلأهله; كنز العمال: 11/7 الحديث 30388; جامع الأُصول: 9/631 قال: رواه الترمذي.
2- مسند أحمد: 3/490; سنن ابن ماجة: 2/916، باب ما تحوزه المرأة، ثلاث مواريث رقم 2742; و في جامع الأُصول: 9/614، برقم 7401... ولدها الذي لاعنت عنه. أخرجه أبو داود و الترمذي.

الفاضل عن التركة بالرد عليها دون العصبة. إلاّ أن يقال: إنّ عدم الرد لعدم وجود العصبة شرعاً (بحكم اللعان) فلا يصحّ الاستدلال به على ما إذا كانت هناك عصبة.

إلى هنا تمّ الاستدلال بما رواه أهل السنّة و ليعلم إنّ القول بالتعصيب يقتضي كون توريث الوارث مشروطاً بوجود وارث آخر، و هو مخالف لما علم الاتّفاق عليه، لأنّه إمّا أن يتساوى مع الوارث الآخر فيرثان، و إلاّ فيمنع و ذلك كما في المثال الآتي:

إذا خلّف الميّت بنتين، و ابنة ابن، و عمّ. فبما أنّ العمّ من العصبة بالنفس و الابنة عصبة بالغير يرد الفاضل إلى العمّ. و لا شيء لبنت الابن. و لكنّه لو كان معها أخ أي ابن الابن، فهي تتعصّب به، و بما أنّه أولى ذكر بالميّت يكون مقدماً على العم و يكون الفاضل بينهما أثلاثاً، للإجماع على المشاركة، لقوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )(1) ، و هذا هو ما قلناه من أنّه يلزم أن يكون توريث1.

ص: 38


1- النساء: 11.

الابنة مشروطاً بالأخ و إلاّ فيرث العم.

قال الخرقي في متن المغني: «فإن كنّ بنات، و بنات ابن، فللبنات الثلثان و ليس لبنات الابن شيء إلاّ أن يكون معهنّ ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظّ الأُنثيين».

و قال ابن قدامة: «فإن كان مع بنات الابن، ابن في درجتهنّ كأخيهنّ أو ابن عمّهنّ، أو أنزل منهنّ كابن أخيهنّ أو ابن ابن عمّهنّ أو ابن ابن ابن عمّهن، عصبهنّ في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين».(1)

الأحاديث المأثورة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)

لقد أُثر عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الفاضل عن الفروض للأقرب، و في ذلك روايات متضافرة لو لم نقل أنّها متواترة، و لعل الشهيد الثاني لم يتفحّص في أبواب الإرث فقال: ترجع الإمامية إلى خبر واحد(2) ، و يظهر من الروايات أنّه كان مكتوباً في كتاب الفرائض لعليّ (عليه السلام).

ص: 39


1- المغني: 6/229.
2- المسالك، كتاب الفرائض عند شرح قول المحقق: و لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب.

1. روى حماد بن عثمان قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ترك أُمّه و أخاه؟ قال: «يا شيخ تريد على الكتاب؟» قال: قلت: نعم. قال: «كان علي (عليه السلام) يعطي المال للأقرب، فالأقرب». قال: قلت:

فالأخ لا يرث شيئاً؟ قال: «قد أخبرتك أنّ علياً (عليه السلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب».(1)

2. روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل مات و ترك ابنته و أُخته لأبيه و أُمّه؟ فقال: «المال كلّه للابنة و ليس للأُخت من الأب و الأُمّ شيء».(2)

3. روى عبد اللّه بن خداش المنقري أنّه سأل أبا الحسن عن رجل مات و ترك ابنته و أخاه؟ فقال: «المال للابنة».(3)

4. عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مات و ترك ابنة و عمّه؟ فقال: «المال للابنة و ليس للعم شيء، أو قال: ليس للعم مع الابنة شيء».(4)ب.

ص: 40


1- الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين، الحديث: 6 و 1.
2- الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين، الحديث: 6 و 1.
3- الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 3 و 14. و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7 من ذلك الباب.
4- الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 3 و 14. و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7 من ذلك الباب.

5. ما رواه حسين الرزاز قال: أمرت من يسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) المال لمن هو؟ للأقرب أو العصبة؟ فقال: «المال للأقرب و العصبة في فيه التراب».(1)

6. ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «اختلف علي بن أبي طالب و عثمان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثونه، ليس لهم سهم مفروض، فقال عليّ: ميراثه لذوي قرابته، لأنّ اللّه تعالى يقول: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) و قال عثمان: اجعل ماله في بيت مال المسلمين.(2)

7. ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن محمد بن الحسن الصفار، عن السندي، عن موسى بن حبيش، عن عمّه هاشم الصيداني، قال: كنت عند العباس و موسى بن عيسى، و عنده أبو بكر بن عيّاش، و إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، و علي بن ظبيان، و نوح بن درّاج تلك الأيام على القضاء، قال:9.

ص: 41


1- و في السند: صالح بن السعدي و هو ممدوح، و الحسين الرزاز مجهول، و في التهذيب: 9/267 رقم 972 «البزاز» و هو أيضاً مجهول.
2- الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 1 و 9.

فقال العباس: يا أبا بكر أما ترى ما أحدث نوح بن درّاج(1) في القضاء، أنّه ورث الخال، و طرح العصبة، و أبطل الشفعة، فقال أبو بكر بن عياش: ما عسى أن أقول لرجل قضى بالكتاب و السنّة، قال: فاستوى العبّاس جالساً فقال: و كيف قضى بالكتاب و السنّة؟ فقال أبو بكر: إنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) لما قُتل حمزة بن عبد المطلب بعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأتاه بابنة حمزة فسوّغها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) الميراث كلّه، فقال له العباس: يا أبا بكر فظلم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) جدّي؟ فقال: مه أصلحك اللّه، شرع لرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ما صنع، فما صنع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلاّ الحقّ.(2)

هذا بعض ما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) و غيرهم و من أراد الإحاطة بكلّ ما روي فعليه الرجوع إلى الجوامع الحديثية.ي.

ص: 42


1- هو أخو جميل بن درّاج: كان قاضياً في الكوفة، ترجمه النجاشي عند ترجمة ابنه أيوب في رجاله و قال: «صحيح الاعتقاد» أي شيعيّ إماميّ.
2- تهذيب الأحكام: 6/356، ذيل الحديث 63، باب في الزيادات في القضايا و الأحكام، ط الغفاري.

دراسة أدلّة القائلين بالتعصيب

اشارة

لقد اتّضح الحق و تجلّى بأجلى مظاهره، بقي الكلام في دراسة أدلّة المخالف، فقد استدلّ بوجوه:

الأوّل: لو أراد سبحانه توريث البنات و نحوهنّ أكثر ممّا فرض لهنّ لفعل ذلك و التالي باطل، فإنّه تعالى نصّ على توريثهنّ مفصّلاً و لم يذكر زيادة على النصيب.

بيان الملازمة أنّه تعالى لما ورّث الابن الجميع لم يفرض له فرضاً، و كذا الأخ للأب و العم و أشباههم، فلو لا قصر ذوي الفروض على فرضهم لم يكن في التنصيص على المقدار فائدة.

و حاصله: أنّ كل من له فرض لا يزاد عنه و إلاّ كان الفرض لغواً و كل من لم يفرض له يعطى الجميع.

يلاحظ عليه: أوّلاً: بالنقض بورود النقيصة على ذوات الفروض عند أهل السنّة إذا عالت الفرائض على السهام، كما

ص: 43

سيوافيك شرحه فإنّهم يدخلون النقص على الجميع مثل باب الديون، فربّما يكون سهم البنت و الأُخت أقل من النصف، فإذا جاز النقص فما المانع من الزيادة، بل الأمر في النقصان أولى، لأنّ النقصان ينافي الفرض بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر، فإنّ فيه إعمال الدليلين و الأخذ بمفادهما.

و ثانياً: بالحلّ إنّ تحديد الفرض بالنصف إنّما يكون لغواً إذا لم تترتّب عليه فائدة مطلقاً، و لكنّه ليس كذلك لترتّب الثمرة عليه فيما إذا كان معه وارث ذو فرض كالأُم، فإنّ كيفية الرد على الوارثين لا تعلم إلاّ بملاحظة فرضهما ثمّ الرد عليهما بحسب تلك النسبة فلو لم يكن سهم البنت و البنتين منصوصاً في الذكر الحكيم لما عُلِمت كيفيّة الرد عليهما و على الأُمّ.

و بالجملة: أنّه و إن كان لا تظهر للقيد ثمرة إذا كان الوارث هو البنت أو الأُخت وحدها، و لكنّه ليس كذلك إذا كان معه وارث آخر و هو ذو فرض مثلها كالأُمّ، فإنّ الرد عليهما يتوقّف على ملاحظة فرضهما ثمّ الرد بتلك النسبة.

ص: 44

و ثالثاً: أنّ التصريح بالفرض لأجل التنبيه على أنّها لا تستحق بالذات إلاّ النصف أو الثلثين، و إنّما تأخذ الزائد بعنوان آخر و هو أنّه ليس معه وارث مساو بخلاف الابن أو الأخ، فإنّ كلاّ يستحق المال كلّه بالذات.

و رابعاً: إنّ المفهوم في المقام أشبه بمفهوم اللقب و هو ليس بحجة فيه.

الثاني: قوله سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ).(1)

وجه الاستدلال: أنّه سبحانه حكم بتوريث الأُخت، نصف ميراث أخيها مع عدم الولد و حكم بتوريث الأخ ميراث الأُخت إذا لم يكن لها ولد أجمع بدليل قوله تعالى: (وَ هُوَ يَرِثُها ) فلو ورثت الأُخت نصفه بالفرض و نصفه الآخر بالردّ لأجل القرابة الجميع كما هو مذهبكم لن تبقَ للفرق بين الأخ و الأُخت ثمرة أصلاً.

الجواب: أنّ التقييد بالنصف مع أنّها ربّما ترث الكلّ6.

ص: 45


1- النساء: 176.

لأجل التنبيه، على أنّها لا تستحق بالذات إلاّ النصف و أنّ الأصل القرآني هو استحقاق الذكر ضعف سهم الأُنثى و هو النصف، و أنّها إن ورثت المال كله فإنّما هو لأجل طارئة خاصة، على أنّ التصريح بالفرض لأجل تبيين ما يتوقّف عليه تقسيم الفاضل، بينها و بين من يشاركه في الطبقة كالإخوة أو الأخوات من الأُمّ، فإنّ الباقي يردّ عليهما بنسبة سهامهما فلو لم يكن هناك تحديد بالنصف فمن أين تعلم كيفيّة الرد.

الثالث: قوله تعالى: (وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ).(1)

ص: 46

الثالث: قوله تعالى: (وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ).(1)

وجه الاستدلال: أنّ زكريا (عليه السلام) لمّا خاف أن ترثه العصبة، سأل اللّه سبحانه أن يهبه وليّاً حتى يرث المال كلّه، لا وليّة حتى ترث المال نصفه و يرث الموالي الفاضل، و لو لا ذلك لما أكّد على كون الولد الموهوب من اللّه ذكراً، في قوله سبحانه: (وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ).

يلاحظ عليه: أنّ المقصود من قوله «وليّاً» هو مطلق الأولاد ذكراً كان أو أُنثى، و ذلك على مساق إطلاق المذكّر و إرادة الجنس، و هو شائع في القرآن الكريم.

مثل قوله سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ) بشهادة قوله تعالى في آية أُخرى: (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ).(2)

بل يمكن أن يقال إنّه طلب ذرّية مثل مريم لقوله سبحانه قبل هذه الآية: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ * هُنالِكَ دَعا... ) (3) أي في هذه الحال التي رأى فيها الكرامة من مريم سأل اللّه7.

ص: 47


1- مريم: 65.
2- آل عمران: 38.
3- مريم: 87.

سبحانه أن يرزقه ذريّة طيّبة (مثل مريم) فلو لم نقل إنّه سأل أُنثى مثل مريم، ليس لنا أن نقول إنّه طلب الذكر.

و لو سلمنا أنّه طلب الذكر لكنّه لم يطلب لأجل أنّه لو رزق الأُنثى ترثه العصبة و إنّما سأله الذكر للحبّ الكثير له، أو لأنّه أولى بالإدارة من الأُنثى كما لا يخفى.

الرابع: الروايات و الآثار الواردة في هذا المجال و لعلّها أهم المدارك و المصادر لهذه الفتيا.

الرواية الأُولى: في أنّ بقية المال لأولى رجل ذكر

روى البخاري عن مسلم بن إبراهيم، عن وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.(1)

ص: 48


1- صحيح البخاري: 8/151، باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن; و ص 152، باب ميراث الجد مع الأب و الإخوة، و رواها عن سليمان بن حرب (مكان مسلم بن إبراهيم) و رجال السند في غيرهما، واحد، و باب ابني عم أحدهما أخ و الآخر زوج ص 153، رواها عن أُمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع عن روح عن عبد اللّه بن طاوس. و صحيح مسلم: 5/59، باب ألحقوا الفرائض بأهلها عن ابن طاوس عن ابن عباس برقم 1615. و صحيح الترمذي في الفرائض باب ميراث العصبة برقم 2099. و سنن أبي داود في الفرائض باب ميراث العصبة برقم 2898. و لاحظ السنن الكبرى: 6/238 باب العصبة; جامع الأُصول: 9/6104 برقم 7421.

و هذه الرواية، هي الرواية المعروفة برواية طاوس بن كيسان اليماني (المتوفّى سنة 132).

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ الرواية ضعيفة سنداً، لأنّ الروايات تنتهي إلى عبد اللّه بن طاوس بن كيسان اليماني و قد وثّقه علماء الرجال(1) ، لكن يعارض توثيقهم مع ما ذكره أبو طالب الأنباري(2) في حقّ هذه الرواية قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا).

ص: 49


1- تهذيب التهذيب: 5/268; برقم 458 سير أعلام النبلاء، حوادث عام 132، و غيرهما.
2- هو عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري. قال النجاشي: شيخ من أصحابنا «أبو طالب» ثقة في الحديث، عالم به، كان قديماً من الواقفة توفّي عام 356 (رجال النجاشي برقم 615 طبع بيروت).

الحميري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قاربة بن مضرب(1) قال: جلست عند ابن عباس و هو بمكة، فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك و طاووس مولاك يرويه: إنّ ما أبقت الفرائض فلأوْلَى عصبة ذكر؟ قال: أ من أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراءك أنّي أقول: إنّ قول اللّه عزّ و جلّ: (آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ ) و قوله: (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) و هل هذه إلاّ فريضتان، و هل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا، و لا طاوس يرويه عليّ، قال قاربة بن مضرب: فلقيت طاوساً فقال: لا و اللّه ما رويت هذا على ابن عباس قط و إنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم، قال سفيان: أراه من قبل ابنه عبد اللّه بن طاوس فإنّه كاني.

ص: 50


1- و أمّا رجال السند ففي تعليقة الخلاف أنّه لم يتعرّف على البربريّ، و أمّا بشر بن هارون لعلّه تصحيف بشر بن موسى، إذ هو الراوي عن الحميدي على ما في تاريخ البغدادي: 86. و الحميدي هو عبد اللّه بن الزبير القرشي توفّي بمكة 219 كما في تذكرة الحفّاظ : 2/413، و سفيان هو سفيان بن عيينة، و أبو إسحاق هو: عمرو بن عبد اللّه بن عبيد السبيعي.

على خاتم سليمان بن عبد الملك(1) و كان يحمل على هؤلاء القوم حملاً شديداً أي بني هاشم.(2)

إنّ سليمان بن عبد الملك الأموي المرواني هو الذي قتل أبا هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي الحنفية بالسم ظلماً و خداعاً، فكيف يكون حال من يواليهم؟! و ثانياً: أنّ وراثة العصبة ليست من المسائل التي يقل الابتلاء بها، بل هي ممّا تعمّ البلوى بها في عصر النبيّ و عصور الخلفاء، فلو كان هناك تشريع على مضمون هذه الرواية لما خفي على غيره و نقله الآخرون، و قد عرفت أنّ الأسناد ينتهي إلى عبد اللّه بن طاوس.

و ثالثاً: أنّ فقهاء المذاهب أفتوا في موارد على خلاف مضمون هذا الخبر، و قد أشار إليها فقيه الطائفة الشيخ0.

ص: 51


1- سليمان بن عبد الملك بن مروان سابع خلفاء بني أُمية، بويع سنة 96 و توفّي سنة 98، و هو ابن خمس و أربعين سنة، و كان خاتمه بيده يختم رسائله بخاتمه صيانة عن التزوير.
2- التهذيب: 9/262; الخلاف: 2، المسألة 80.

الطوسي، نذكر قسماً منها.

1. لو مات و خلّف بنتاً و أخاً و أُختاً، فقد ذهبوا إلى أنّ للبنت النصف و النصف الآخر للأخ و الأُخت (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) مع أنّ مقتضى خبر ابن طاوس أنّ النصف للبنت أخذاً بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «ألحقوا الفرائض بأهلها و النصف الآخر للأخ لأنّه أولى رجل ذكر».

2. لو أنّ رجلاً مات و ترك بنتاً، و ابنة ابن، و عمّاً، فقد ذهبوا إلى أنّ النصف للبنت و النصف الآخر لابنة الابن و العم، مع أنّ مقتضى الخبر أن يكون النصف الآخر للعم وحده لأنّه أولى ذكر.(1)

إلى غير ذلك من الأحكام التي اتّفقوا عليها و هي على طرف النقيض من الخبر.

فإن قلت: فما ذا تصنع بالخبر (خبر عبد اللّه بن طاوس)، مع أنّ الشيخين نقلاه بل نقله غيرهما على ما عرفت؟2.

ص: 52


1- الخلاف: 2/278، المسألة 80; و التهذيب: 9/262.

قلت: يمكن حمل الخبر على ما لا يخالف إطلاق الكتاب و لا ما أطبق المسلمون عليه، و هو أنّه وارد في مجالات خاصّة: مثلاً:

1. رجل مات و خلّف أُختين من قبل الأُمّ، و ابن أخ، و ابنة أخ لأب و أُمّ، و أخاً لأب، فالأُختان من أصحاب الفرائض، كلالة الأُمّ، يعطى لهما الثلث و الباقي لأولى ذكر، و هو الأخ لأب.

2. رجل مات و خلّف زوجة و خالاً و خالة، و عمّاً و عمّة، و ابن أخ، فالزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها و هي الربع و الباقي يدفع إلى أولى ذكر، و هو ابن الأخ.

3. رجل مات و خلّف زوجة، و أُختاً لأب، و أخاً لأب و أُمّ، فإنّ الزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها و هي الربع و الباقي للأخ للأب و الأُم، و لا ترث الأُخت لأب معه.

4. امرأة ماتت و خلّفت زوجاً، و عمّاً من قبل الأب و الأُم، و عمّة من قبل الأب، فللزوج النصف سهمه المسمّى

ص: 53

و ما بقي للعم للأب و الأُمّ، و لا يكون للعمّة من قبل الأب شيء.

إلى غير ذلك من الصور التي يمكن أن ينطبق عليها الخبر.

قال السيد المرتضى، و لا عتب إذا قلنا إنّ الرواية وردت: في من خلّف أُختين لأُمّ، و ابن أخ، و بنت أخ لأب و أُمّ، و أخاً لأب، فإنّ الأُختين من الأُمّ فرضهنّ الثلث و ما بقي فلأولى ذكر أقرب، و هو الأخ من الأب و سقط ابن الأخ و بنت الأخ، لأنّ الأخ أقرب منهما.

و في موضع آخر و هو أن يخلف الميّت امرأة و عمّاً و عمّة، و خالاً و خالة، و ابن أخ، فللمرأة الربع و ما بقي فلأولى ذكر و هو ابن الأخ; و سقط الباقون. و العجب أنّهم ورثوا الأُخت مع البنت عصبة، فإن قالوا: من حيث عصبها أخوها، قلنا: فألّا جعلتم البنت عصبة عند عدم البنين و يكون أبوها هو الذي يعصِّبها.(1)0.

ص: 54


1- الانتصار: 280.

الرواية الثانية: ما ورد في ميراث البنتين

ما أخرجه الترمذي و ابن ماجة و أبو داود و أحمد، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع، بابنتيها من سعد إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحد شهيداً، و إنّ عمّهما أخذ مالهما فلم يدَع لهما مالاً، و لا تُنكحان إلاّ و لهما مال، قال: يقضي اللّه في ذلك، فنزلت آية الميراث فبعث رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى عمّهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين و أعط أُمّهما الثمن و ما بقي فهو لك.(1)

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ جابر بن عبد اللّه نقل نزول الآية في واقعة أُخرى قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن جرير

ص: 55


1- سنن الترمذي 4/414، باب ما جاء في ميراث البنات رقم 2092; سنن ابن ماجة: 2/908 باب فرائض الصلب رقم 272; سنن أبي داود: 3/121، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2891; و مسند أحمد: 4/319، الحديث 14384.

و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه، من طرق عن جابر بن عبد اللّه قال: عادني رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و أبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) لا أعقل شيئاً، فدعا بماء فتوضّأ منه ثمّ رشّ عليّ فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللّه؟ فنزلت:

(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) و احتمال نزول الآية مرّتين، أو كون سبب النزول متعدّداً يحتاج إلى دليل.

و ثانياً: أنّ ابن كثير روى هذه الرواية و فيها انّ لسعد بن الربيع بنات و ليس فيها ذكر للأُم و العم.(2)

و ثالثاً: أنّ أبا داود أخرج الرواية و فيها مكان بنتا سعد بن الربيع، بنتا ثابت بن قيس.(3)

و هذا يكشف عن عدم ضبط الراوي فتارة ينقل الواقعة في بنتي سعد بن الربيع و أُخرى في بنتي ثابت بن قيس1.

ص: 56


1- الدر المنثور: 2/124.
2- جامع المسانيد و السنن: 24/216، الحديث 24.
3- سنن أبي داود: 3/120، الحديث 2891.

و إن كان الصحيح هو الأوّل، لأنّ المقتول في غزوة أُحد، هو سعد بن الربيع، و أمّا ثابت بن قيس فقد قتل في يوم اليمامة.(1)

و رابعاً: أنّ في سند الرواية من لا يصحّ الاحتجاج به، و إليك البيان:

1. عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، و الأسانيد في سنن الترمذي و ابن ماجة و أبي داود، تنتهي إليه.

ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة و قال: كان منكر الحديث، لا يحتجّون بحديثه و كان كثير العلم، و قال بشر بن عمر: كان مالك لا يروي عنه، و قال يعقوب بن أبي شيبة عن ابن المديني: لم يُدخله مالك في كتبه، قال يعقوب: و ابن عقيل صدوق و في حديثه ضعف شديد جداً،ة.

ص: 57


1- السنن الكبرى: 6/69 باب فرض الابنتين، و قال البيهقي: قوله: ثابت بن قيس خطأ و إنّما هو سعد بن الربيع، و قال أبو داود 3/121 رقم 2891: أخطأ بشر بن المفضل فيه انّما هما ابنتا سعد بن الربيع، و ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.

و كان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يُترك حديثهم فذكره فيهم، و قال ابن المديني عن ابن عيينة: رأيته يحدّث نفسه فحملته على أنّه قد تغيّر، إلى غير ذلك من الكلمات الجارحة التي تسلب ثقة الفقيه بحديثه.(1)

2. الراوي عنه في سنن الترمذي هو عبيد بن عمرو البصري الذي ضعّفه الأزدي و أورد له ابن عدي حديثين منكرين و ضعّفه الدارقطني و وثّقه ابن حبَّان.(2)

3. الراوي عنه في سنن أبي داود: بشر بن المفضّل، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عثمانياً.(3)

إلى غير ذلك من رجال في الأسانيد، مرميّين بأُمور لا يحتجّ معها.

4. انّ الاستدلال بفعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فرع معرفة وجهه، فكما يحتمل انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ورّث العم من باب التعصيب، يحتمل انّه دفع الباقي إلى العم لأجل تكفله حضانة البنتين و الحفاظ على أموالهما من التلف و الضياع، و النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أولى9.

ص: 58


1- تهذيب التهذيب: 6/140، و لاحظ بقيّة كلامه.
2- المصدر نفسه: 4/121.
3- تهذيب التهذيب: 1/459.

بالمؤمنين من أنفسهم فكيف على أموالهم.

أضف إلى ذلك انّه ورد من طرقهم ما يخالف ذلك.

أخرج البيهقي في سننه بسنده عن حيان بياع الأنماط، قال: كنت جالساً مع سويد بن غفلة فأتى في ابنة، و امرأة و مولى، فقال: كان علي رضي اللّه عنه يعطي الابنة النصف، و المرأة الثمن و يرد ما بقي على الابنة.(1)

الرواية الثالثة: ما ورد في ميراث البنت و الأُخت

روى الأسود بن يزيد قال: أتانا معاذ بن جبل باليمن معلّماً و أميراً، فسألناه عن رجل توفّي و ترك ابنة و أُختاً؟ فقضى: أنّ للابنة النصف، و للأُخت النصف. و رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حي.(2)

و في لفظ أبي داود: أنّ معاذ بن جبل ورث أُختاً و ابنة، جعل لكلّ واحدة منهما النصف، و هو باليمن، و نبيّ اللّه يومئذ

ص: 59


1- السنن الكبرى: 6/242.
2- صحيح البخاري: 8/150 في الفرائض باب ميراث البنات، و باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة.

حي.(1)

و الأثر يتضمّن عمل الصحابة و هو ليس بحجّة إلاّ إذا أُسند إلى المعصوم و كون النبي حيّاً يوم ذاك لا يلازم تقريراً لعمله.

و الرجوع إلى الآثار الواردة عن الصحابة في مجال الفرائض يعرب عن أنّه لم يكن عندهم إحاطة بأحكام الفرائض، بل كلّ كان يفتي حسب معايير و مقاييس يتصوّرها صحيحة. و يكفي في ذلك اختلاف أبي موسى الأشعري مع ابن مسعود في رجل ترك بنتاً و أُختاً و ابنة ابن.

روى البخاري: سُئل أبو موسى عن ابنة و ابنة ابن، و أُخت؟ فقال: للابنة النصف، و للاُخت النصف و أْت ابن مسعود فسيتابعني، قال: سئل ابن مسعود و أُخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللتُ إذاً و ما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): للابنة النصف، و لابنة ابن السدس4.

ص: 60


1- سنن أبي داود في الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2893. و لاحظ جامع الأُصول: 9/610 رقم 7394.

تكملةَ الثلثين، و ما بقي فللأُخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم.(1)

الرواية الرابعة: ما ورد في ميراث الأخوات مع البنات

أخرج البخاري، قال: حدّثني عمرو بن عباس، حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل، قال: قال عبد اللّه: لأقضين فيها بقضاء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) للابنة النصف و لابنة الابن السدس، و ما بقي فللأُخت.(2)

يلاحظ عليه: أوّلاً: بأنّه لا يصحّ الاحتجاج به، إذ في سنده عبد الرحمن بن ثروان، قال ابن حجر في «التهذيب» ناقلاً عن أبي حاتم انّه قال فيه: ليس بقوي، هو قليل الحديث و ليس بحافظ.(3)

ص: 61


1- صحيح البخاري: 8/151، باب ميراث ابنة ابن مع ابنة; سنن الترمذي: 4/415، باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب رقم 2093; سنن أبي داود: 3/120، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2890.
2- صحيح البخاري: 8/189.
3- تهذيب التهذيب: 6/138.

وعده الصقيل من الضعفاء.(1)

و ثانياً: أنّ دفع السدس لبنت الابن لم يكن من باب التعصيب، إذ عليه يكون للابنة النصف و الباقي بين الأُخت و ابنة الابن بالمناصفة، فالحكم عليه بالسدس مخالف للتعصيب.

الرواية الخامسة: ما رواه البخاري في صحيحه عن الأسود

قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) النصف للابنة و النصف للأُخت، ثمّ قال سليمان: قضى فينا و لم يذكر على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم).(2)

يلاحظ عليه: بأنّه عمل صحابي موقوف لم يسنده إلى قول رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و فعله أو تقريره فهو حجّة عليه.

هذا ما استدلّ به القائل بالتعصيب من الروايات بعد الذكر الحكيم.

ص: 62


1- الضعفاء الكبير: 2/327.
2- صحيح البخاري: 8/189.

مضاعفات القول بالتعصيب

ثمّ إنّه يلزم على القول بالتعصيب أُمور يأباها الطبع و لا تصدّقها روح الشريعة، نأتي بنماذج:

1. لو كان للميّت عشر بنات و ابن، يأخذ الابن السدس، و تأخذ البنات خمسة أسداس، و ذلك أخذاً بقوله سبحانه: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

2. لو كان له مكان الابن، ابن عم للميّت، فللبنات فريضتها و هي الثلثان، و الباقي أي الثلث لابن العم. فيكون الابن أسوأ من ابن العم.

قال السيد المرتضى: فإذا تبيّن بطلان القول بالتعصيب يظهر حكم كثير من المسائل، منها: فمن هذه المسائل أن يخلف الرجل بنتاً و عمّاً فعند المخالف أنّ للبنت النصف و الباقي للعم بالعصبة، و عندنا أنّه لا حظّ للعم و المال كلّه للبنت بالفرض و الرد، و كذلك لو كان مكان العم ابن عم، و كذلك لو كان مكان البنت ابنتان، و لو خلف الميت عمومة و عمّات أو بني عم و بنات عم فمخالفنا يورّث

ص: 63

الذكور من هؤلاء دون الإناث لأجل التعصيب أي قول: لأولى رجل ذكر و نحن نورث الذكور و الإناث. و مسائل التعصيب لا تحصى كثرة.(1)

يقول المحقّق محمد جواد مغنية: إنّ الإنسان أرأف بولده منه بإخوته، و هو يرى أنّ وجود ولده ذكراً أو أُنثى امتداد لوجوده، و من هنا رأينا الكثير من أفراد الأُسر اللبنانية الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنّن إلى التشيّع، لا لشيء إلاّ خوفاً أن يشترك مع أولادهم الإخوان أو الأعمام.

و يفكر الآن، الكثير من رجال السنّة بالعدول عن القول بالتعصيب، و الأخذ بقول الإمامية من ميراث البنت تماماً كما عدلوا عن القول بعدم صحّة الوصيّة للوارث، و قالوا بصحّتها كما تقول الإمامية، على الرغم من اتّفاق المذاهب على عدم الصحّة.(2)8.

ص: 64


1- الانتصار: 282.
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 517 518.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.