سلسله المسائل الفقهیه الوصية للوارث المجلد 19

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

الوصية للوارث

ص: 2

[19. الوصية للوارث ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الّذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- آل عمران: 103.

الوصية للوارث إذا لم تتجاوز الثلث

اتّفقت المذاهب الخمسة على أنّ الوصية التبرّعيّة تنفذ في مقدار الثلث فقط، مع وجود الوارث سواء صدرت في المرض أم في الصحّة، و ما زاد عن الثلث يفتقر إلى إجازة الورثة. و إن كان الأفضل في بعض المذاهب أن لا يستوعب الثلث بالوصية.(1)

و أمّا في مقدار الثلث فتنفّذ وصيته عند الإمامية في الأقرب و الأجنبي، و من غير فرق في الأقرب، بين الوارث و غيره. و أمّا المذاهب الأربعة فأجازت الوصية للأقرب بشرط أن لا يكون وارثاً، و أمّا الوارث فلا تجوز الوصية له سواء كان بمقدار الثلث أم أقل أم أكثر، إلاّ بإجازة الورثة.

ص: 5


1- المغني: 6/78.

قال السيد المرتضى: و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به، ما ذهبوا إليه من أنّ الوصية للوارث جائزة، و ليس للوارث (غير الموصى له) ردّها. و قد وافقهم في هذا المذهب بعض الفقهاء(1) و إن كان الجمهور و الغالب، على خلافه.(2)

و قال الشيخ الطوسي: تصحّ الوصية للوارث مثل الابن و الأبوين. و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: لا وصية للوارث.(3)

و قال الخرقي في متن المغني: «و لا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة ذلك». و قال ابن قدامة في شرحه: إنّ الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر و ابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم على هذا، و جاءت الأخبار عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بذلك فروى أبو أُمامة قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: «إنّ اللّه قد1.

ص: 6


1- سيوافيك التصريح به من صاحب المنار أيضاً.
2- الانتصار: 308.
3- الخلاف: 2 كتاب الوصية 1.

أعطى كل ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث» رواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي، و لأنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) منع من عطية بعض ولده و تفضيل بعضهم على بعض في حال الصحّة و قوّة الملك و إمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك، لما فيه من إيقاع العداوة و الحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه و ضعف ملكه و تعلّق الحقوق به و تعذّر تلافي العدل بينهم أولى و أحرى، و إن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء.(1)

و حاصل الكلام: انّ فقهاء السنّة يشترطون لنفاذ الوصية أن لا يكون الموصى له وارثاً للموصي عند موت الموصي إذا كان هناك وارث آخر لم يجز الوصية، فإن أجاز بقية الورثة الوصية للوارث نفذت الوصية، فتكون الوصية للوارث موقوفة على إجازة بقية الورثة أخذاً بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «لا تجوز وصية لوارث إلاّ أن يشاء الورثة»، و قوله: «لا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة».9.

ص: 7


1- المغني: 806/79.

ثمّ إنّ القوم بدل أن يعرضوا المسألة على الكتاب أخذوا بالتفلسف و نحت الحكمة للمسألة كما عرفت في كلام ابن قدامة حيث قال: «لما فيه من ايقاع العداوة و الحسد بينهم».

و قال بعضهم: لما في إيثار بعض الورثة من غير رضا الآخرين ما يؤدي إلى الشقاق و النزاع و قطع الرحم و إثارة البغضاء و الحسد بين الورثة.

لكن هؤلاء غفلوا عن أنّ ما ذكروه من الوجه ليس كلياً، بل و لا غالبياً، إذ ربما يكون بعض الورثة أولى ببعض الميراث من غيرهم، كما إذا كان المورث صاحب كتاب مخطوط أو مطبوع لا يستفيد منه إلاّ الوارث الطالب دون الآخرين المشتغلين بالتجارة، فهل الإيصاء عندئذ يوجب البغضاء؟ و ربما يكون الموصى له عاجزاً مقعداً مستحقاً للإيصاء فهل يثير الإيصاء في المقام البغضاء و الحسد، و لأجل ذلك نرى أنّ قانون الوصية في مصر أخذ برأي الشيعة الإمامية في سنة 1946 م، فأجاز الوصية للوارث في حدود الثلث من غير إجازة الورثة، نعم التزم القانون السوري برأي الجمهور و هي

ص: 8

انّ الوصية لا تنفذ إلاّ إذا أجازها الورثة.

و مع أنّ الكتب الفقهية للمذاهب الأربعة تنفي جواز الوصية للوارث، إلاّ إذا أجاز الورثة، حتى أنّ بعضهم يقول بأنّ الوصية باطلة و إن أجازها سائر الورثة إلاّ أن يعطوه عطية مبتدأة(1) و مع هذا التصريح ينقل الشيخ محمد جواد مغنية: ما زال عمل المحاكم الشرعية السنّية في لبنان على عدم صحّة الوصية للوارث، و منذ سنوات قدّم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية للوارث و رغبوا إليها في تبنّيه.(2)

يلاحظ على ما ذكره ابن قدامة من الحكمة: أنّها لا تقاوم الذكر الحكيم، و اتّفاق أئمّة أهل البيت، و لو صحّت لزم تحريم تفضيل بعضهم على بعض في الحياة في البر و الإحسان، لأنّ ذلك يدعو إلى الحسد و البغضاء مع أنّه لا خلاف في جوازه، و ما نقل عن النبي من النهي، فهو محمول5.

ص: 9


1- المصدر نفسه.
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 465.

على التنزيه لا التحريم إذ لم يقل أحد بحرمة التفضيل في الحياة. و سيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة.

الاستدلال على جواز الوصية بقوله سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ.... بوجهين

و الأُوْلى عرض المسألة على الكتاب و السنّة، أمّا الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ).(1)

المراد من حضور الموت: ظهور أماراته من المرض و الهرم و غيره، و لم يرد إذا عاين ملك الموت، لأنّ تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصيّة، و أيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية و الموصى له، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أنّ الإيصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف، فانّ المعروف هو العدل الذي لا ينكر، و لا حيف فيه و لا جور.

و الآية صريحة في الوصية للوالدين، و لا وارث أقرب

ص: 10


1- البقرة: 180.

للإنسان من والديه، و قد خصّهما بالذكر لأولويّتهما بالوصية ثمّ عمّم الموضوع و قال: (وَ الْأَقْرَبِينَ ) ليعمّ كل قريب، وارثاً كان أم لا.

و هذا صريح الكتاب و لا يصح رفع اليد عنه إلاّ بدليل قاطع مثله، و قد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين:

1. آية الوصية منسوخة بآية المواريث

قالوا: إنّها منسوخة بآية المواريث، فعن ابن عباس و الحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء(1) ، و تثبت للأقربين الذين لا يرثون، و هو مذهب الشافعي و أكثر المالكيين، و جماعة من أهل العلم.

و منهم من يأبى كونها منسوخة، و قال: بأنّها محكمة ظاهرها العموم و معناها الخصوص في الوالدين اللَّذين لا1.

ص: 11


1- (و لأبويه لكل واحد منهما السدس ممّا ترك إن كان له ولد...) النساء: الآية 11.

يرثان كالكافرين و العبدين، و في القرابة غير الورثة.(1)

و مرجع الوجه الأوّل: إلى نسخ جواز الايصاء في الوالدين و انّه لا يوصى لهما مطلقاً وارثين كانا أو ممنوعين من الإرث لأجل الكفر و الرق، و تقييد جواز الإيصاء للأقربين بما إذا كانا غير وارثين.

و مرجع الوجه الثاني: إلى تقييدين، تقييد جواز الايصاء للوالدين بما إذا كانا ممنوعين من الإرث، و تقييد جواز الايصاء بالأقربين بما مرّ في الوجه الأوّل.

و قال الجصاص في تفسير الآية: نسختها آية الفرائض.

1. قال ابن جريج عن مجاهد: كان الميراث للولد و الوصية للوالدين و الأقربين. فهي منسوخة.(2)

2. و قالت طائفة أُخرى: قد كانت الوصية واجبة للوالدين و الأقربين فنسخت عمّن يرث، و جعلت للوالدين و الأقربين الذين لا يرثون.(3)

و على الوجه الأوّل فآية الوصية منسوخة بالمعنى4.

ص: 12


1- الجامع لأحكام القرآن: 2632/262.
2- سنن الدارمي: 2/419 مرسلاً عن قتادة.
3- أحكام القرآن: 1/164.

الحقيقي، و على الثاني مخصّصة حيث أخرج الوارث منهما و أبقى غير الوارث، لكن لازم كون الوصية واجبة و بقاء الأقربين تحت العموم، وجوب الوصية لغير الوارث منهما. و هو كما ترى.

تجد نظير هذه الكلمات في كتب التفسير و الفقه لأهل السنّة و نعلّق عليها بوجهين:

الأوّل: إنّ السابر في كتب القوم يقف على أنّ الذي حملهم على ادّعاء النسخ و التخصيص في الآية هو رواية أبي أُمامة أو عمر بن خارجة و أنّه سمع رسول اللّه يقول في خطبته عام حجة الوداع: ألا أنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث.(1) و لو لا هذه الرواية لما خطر في بال أحد بأنّ آية المواريث ناسخة لآية الوصية، إذ لا تنافي بينهما قيد شعرة حتى تكون إحداهما ناسخة أو مخصّصة، إذا لا منافاة أن يكتب سبحانه على الإنسان فرضاً أو ندباً أن يوصي للوالدين و الأقربين بشيء، لا يتجاوز الثلث، و في الوقت نفسه يُورِّث الوالدين و الأقربين على النظام المعروف في الفقه.ه.

ص: 13


1- سيوافيك نصّه و سنده.

و الذي يوضح ذلك: هو أنّ الميراث، في طول الوصيّة، و لا يصح للمتأخّر أن يعارض المتقدّم، و أنّ الورّاث يرثون بعد إخراج الدين و الوصية، قال سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1) و في ثلاثة موارد أُخرى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ ... تُوصُونَ. .. يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ )(2) ، فلا موضوع للنسخ و لا للتخصيص.

و قد تفطّن القرطبي لبعض ما ذكرنا و قال: و لو لا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورِّث بالوصية، و بالميراث إن لم يوص، أو ما بقي بعد الوصية، لكن منع من ذلك هذا الحديث و الإجماع.(3)

أقول: أمّا الإجماع، فغير متحقّق، و كيف يكون كذلك مع أنّ أئمة أهل البيت كما سيوافيك اتّفقوا على جوازه و كذلك فقهاء الإمامية طوال القرون و هم ثلث المسلمين،3.

ص: 14


1- النساء: 11.
2- النساء: 12.
3- الجامع لأحكام القرآن: 1/263.

و بعض السلف كما يحدّث عنه صاحب المنار، و أمّا الحديث فسيوافيك ضعفه، و أنّه على فرض الصحّة سنداً، قابل للتأويل و الحمل على ما زاد الإيصاء عن الثلث.

الثاني: إنّ ادّعاء النسخ أو التخصيص في الآية، بآية المواريث، متوقّف على تأخّر الثانية عن الأُولى و أنّى للقائل بهما إثباته؟! بل لسان آية الوصية بما فيها من التأكيد لأجل الإتيان بلفظ (كُتِبَ ) و توصيفه بكونه حقّاً على المؤمنين يأبى عن كونه حكماً موقتاً لا يدوم إلاّ شهراً أو شهوراً.

قال الإمام عبده: إنّه لا دليل على أنّ آية المواريث نزلت بعد آية الوصية هنا فانّ السياق ينافي النسخ، فانّ اللّه تعالى إذا شرّع للناس حكماً و علم أنّه مؤقت و أنّه سينسخه بعد زمن قريب، فانّه لا يؤكّده و لا يوثّقه بمثل ما أكّد به أمر الوصية هنا من كونه حقّاً على المتّقين و من وعيد لمن بدّله.

ثمّ قال: و بإمكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا إنّ الوصيّة في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث بأن يخصّ القريب هنا بالممنوع من الإرث و لو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم

ص: 15

الكافر و حضرته الوفاة و والداه كافران، فله أن يوصي لهما بما يؤلّف به قلوبهما.(1)

و لا يخفى ما في صدر كلامه من الإتقان لو لا ما تنازل في آخره و حاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصية لمن لا يرثان من الوالدين لسبب كالقتل و الكفر و السرقة، إذ لقائل أن يسأل الإمام أنّه إذا كان المراد من الوالدين و الأقربين في آية الوصية هم الممنوعين من الوراثة، فما معنى هذا التأكيد و العناية البارزة في الآية مع ندرة المصداق أو قلّته بالنسبة إلى غير الممنوعين، أ وَ ليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية، لكلّ والد و والدة، و الأقربين ممنوعين كانوا أم غيرهم.

و أمّا ما يثيرون حول الإيصاء للوالدين من كونه سبباً لظهور العداء، فقد مرّ جوابه في صدر البحث، و هنا نزيد ما ذكره ذلك الإمام بقوله:

و جوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخصّ6.

ص: 16


1- تفسير المنار: 1372/136.

بها من يراه أحوج من الورثة كأن يكون بعضهم غنياً و البعض الآخر فقيراً. مثال ذلك أن يطلّق أبوه أُمّه و هو غنيّ، و لا عائل لها إلاّ ولدها، و يرى أنّ ما يصيبها من التركة لا يكفيها، و مثله أن يكون بعض ولده أو إخوته إن لم يكن له ولد عاجزاً عن الكسب فنحن نرى أنّ الحكيم الخبير اللطيف بعباده، الذي وضع الشريعة و الأحكام لمصلحة خلقه، لا يحكم أن يساوي الغني الفقير. و القادر على الكسب من يعجزه عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنّهم سواسية في الحاجة كما أنّهم سواء في القرابة، فلا غرو أن يجعل أمر الوصيّة مقدّماً على أمر الإرث... و يجعل الوالدين و الأقربين في آية أُخرى أولى بالوصيّة لهم من غيرهم لعلمه سبحانه و تعالى بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً، فقد قال في آيات الإرث في سورة النساء: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) فأطلق أمر الوصية و قال في آية الوصية هنا ما هو تفصيل لتلك.

لقد بان الحق ممّا ذكرنا و انّ الذكر الحكيم أعطى

ص: 17

للإنسان حقّ الإيصاء للوالدين لمصالح هو أعرف بها، على حدّ لا يتجاوز الثلث، و ليكون إيصاؤه أيضاً على حدّ المعروف.

و يؤيّده إطلاق قوله سبحانه في ذيل آية المواريث قال سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً )(1).

و يريد من الذيل الإحسان في الحياة و الوصية عند الموت فانّه(2) جائز. و إطلاقه يعمّ الوارث و غيره.

و اللّه سبحانه هو العالم بمصالح العباد، فتارة يخصّ بعض الورّاث ببعض التركة عن طريق تنفيذ الوصية ما لم تتجاوز الثلث، و أُخرى يوصي لغير الوارث بشيء منها، يقول سبحانه: (وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ).(3)8.

ص: 18


1- الأحزاب: 7.
2- الجامع لأحكام القرآن: 14/126.
3- النساء: 8.

و المراد من ذوي القربى الأخ للميت الشقيق و هو لا يرث، و كذلك العم و الخال و العمّة و الخالة و يعدّون من ذوي القربى للوارث، الذي لا يرثون معه و قد يسري إلى نفوسهم الحسد فينبغي التودّد إليهم، و استمالتهم بإعطائهم شيئاً من ذلك الموروث، بحسب ما يليق بهم و لو بصفة الهبة أو الهدية....(1)

2. آية الوصية منسوخة بالسنّة

قد عرفت مدى صحّة نسخ الآية بآية المواريث فهلمّ معي ندرس منسوخية الآية بالسنّة التي رواها أصحاب السنن و لم يروها الشيخان: البخاري و مسلم في صحيحيهما، و إليك ما نقل سنداً و متناً.

روى الترمذي في باب: ما جاء لا وصية لوارث:

1. حدثنا علي بن حجر و هنّاد قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أُمامة الباهلي قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول في خطبته عام4.

ص: 19


1- تفسير المنار: 2/394.

حجة الوداع: إنّ اللّه قد أعطى لكلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث، الولد للفراش و للعاهر الحجر...

2. حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) خطب على ناقته و أنا تحت جِرانها و هي تقصع بجرّتها(1) و إنّ نعامها يسيل بين كتفي فسمعته يقول: إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، و لا وصية لوارث و الولد للفراش و للعاهر الحجر....(2)

و في الاسناد: من لا يحتجّ به.

1. إسماعيل بن عياش

قال الخطيب: عن يحيى بن معين يقول: أمّا روايته عن0.

ص: 20


1- «الجران»: هو من العنق ما بين المذبح إلى المنحر. و «تقصع بجرّتها»: أراد شدة المضغ و ضمّ بعض الأسنان على بعض، و قيل: قصع الجرّة: خروجها من الجوف إلى الشدق. النهاية.
2- سنن الترمذي: 4/433، باب ما جاء لا وصية لوارث، الحديث 21212120.

أهل الحجاز فإنّ كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.

و قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني: كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام فأمّا من روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف.

و قال عمر بن علي: كان عبد الرحمن بن المهدي: لا يحدّث عن إسماعيل بن عياش.(1)

و قال ابن منظور: و قال مضر بن محمد الأسدي، عن يحيى: إذا حدّث عن الشاميين و ذكر الخبر فحديثه مستقيم، فإذا حدّث عن الحجازيين و العراقيين خلط ما شاء.(2)

و قال الحافظ جمال الدين المزّي: قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن إسماعيل بن عياش فقال:

نظرت في كتابه عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، و في «المصنّف» أحاديث مضطربة.

و قال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: إسماعيل بن عياش في الشاميّين غاية، و خلط عن المدنيّين.6.

ص: 21


1- تاريخ بغداد: 2276/226.
2- مختصر تاريخ دمشق: 4/376.

و قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعاً يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش فأخذ منّي أطرافاً لإسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يُخلِّط في أخذه.

و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ما أشبه حديثه بثياب سابور يُرقّم على الثوب المائة، و أقلّ شرائه دون عشرة. قال: كان من أروى الناس عن الكذابين.

و قال أبو إسحاق الفزاري في حقّه: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه.(1)

و نقل الترمذي بعد ذكر الحديث عن أبي إسحاق الفزاري: و لا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدّث عن الثقات و لا عن غير الثقات.(2)

2. شرحبيل بن مسلم الخولاني الشامي

قال ابن معين: ضعيف و اختُتِنَ في ولاية عبد الملك بن0.

ص: 22


1- تهذيب الكمال: 1783/175.
2- سنن الترمذي: 4/433، الحديث 2120.

مروان، و وثّقه الآخرون.(1)

3. شهر بن حوشب

تابعي توفّي حدود عام 100.

قال النسائي: ليس بالقوي.(2)

و قال يحيى بن أبي بكر الكرماني عن أبيه: كان شهر بن حوشب على بيت المال فأخذ خريطة فيها دراهم، فقال القائل:

لقد باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القرّاء بعدك يا شهرُ(3)

و قال جمال الدين المزّي: قال شبابة بن سوّار عن شعبة: و لقد لقيت شهراً فلم أعتد به. و قال عمرو بن علي:

كان يحيى لا يُحدِّث عن شهر بن حوشب. و قال أيضاً: سألت0.

ص: 23


1- تهذيب الكمال: 12/431 برقم 1721.
2- الضعفاء و المتروكين: 134 برقم 310.
3- تهذيب التهذيب: 4/286، برقم 570.

ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب عن شهر... فقال: ما يُصنع بشهر إنَّ شعبة نزك شهراً. فقال النضر: نزكوه. أي طعنوا فيه.

و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: أحاديثه لا تشبه حديث الناس. و قال موسى بن هارون: ضعيف. و قال علي بن المديني: كان يحيى بن سعيد لا يحدّث عن شهر، و قال يعقوب بن شيبة:... على أنّ بعضهم قد طعن فيه.(1)

3. روى أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم: سمعت أبا أُمامة:

سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث».(2)

و الاسناد مشتمل على إسماعيل بن عياش و شرحبيل بن مسلم و قد عرفت حالهما. فلاحظ.0.

ص: 24


1- تهذيب الكمال: 12/581.
2- سنن أبي داود: 3/114، باب ما جاء في الوصية للوارث، برقم 2870.

4. روى النسائي: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، و لا وصية لوارث.

5. أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدّثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدّثنا قتادة عن شهر بن حوشب، أنّ ابن غنم ذكر أنّ ابن خارجة ذكر له أنّه شهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يخطب الناس على راحلته، و إنّها لتقصع بجرّتها و إنّ نعامها ليسيل. فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في خطبته: إنّ اللّه قد قسّم لكل إنسان قسمة من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية.

فالإسنادان مشتملان على شهر بن حوشب، و قد تعرّفت عليه.

6. أخبرنا عتبة بن عبد اللّه المروزي قال: أنبأنا عبد اللّه بن المبارك، قال: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قتادة، عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ اللّه عزّ اسمه

ص: 25

قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، و لا وصيّة لوارث».(1)

و قد اشتمل الإسناد على قتادة بن دعامة بن قتادة: أبو الخطاب البصري (11761 ه) الذي ورد في حقّه عن حنظلة بن أبي سفيان: كنت أرى طاوساً إذا أتاه قتادة يسأله يفرّ منه، قال: و كان قتادة يتّهم بالقَدَر.

و قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: إنّ عبد الرحمن يقول: اترك كلّ من كان رأساً في بدعة يدعو إليها. قال: كيف تصنع بقتادة...؟ ثمّ قال يحيى: إنْ تَرَكَ هذا الضرب، تَرَكَ ناساً كثيراً.

و قال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس.

و قال أبو داود: حدّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم.(2)9.

ص: 26


1- سنن النسائي: 6/207، كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث. الحديث بأسناده الثلاثة ينتهي إلى عمرو بن خارجة الذي قال البزار في حقّه: إنّه لا نعلم له عن النبي إلاّ هذا الحديث.
2- تهذيب التهذيب: 8/319; تهذيب الكمال: 23/509.

7. روى ابن ماجة: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أنّ النبيّ خطبهم و هو على راحلته، و إنّ راحلته لتقصع بجرّتها، و إنّ لُغامَها ليسيل بين كتفيَّ، قال: إنّ اللّه قسّم لكلّ وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، و الولد للفراش...

الإسناد مشتمل على شهر بن حوشب، و قد مرّ الكلام فيه.

8. حدثنا هشام بن عمّار، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني: سمعت أبا أُمامة الباهلي يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول في خطبته، عام حجّة الوداع: إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فلا وصية لوارث.

و في الاسناد إسماعيل بن عياش، و قد عرفت حاله.

9. حدثنا هشام بن عمّار، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، حدثنا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي

ص: 27

سعيد، أنّه حدّثه عن أنس بن مالك قال: إنّي لتحت ناقة رسول اللّه، يسيل عليَّ نعامها، فسمعته يقول: إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ألا لا وصية لوارث.(1)

و في السند، من لا يحتج به:

1. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي (المتوفّى عام 153 ه).

قال الفلاس: ضعيف الحديث... روى عن أهل الكوفة أحاديث مناكير.(2)

2. سعيد بن أبي سعيد، و اسمه كيسان المقبري أبو سعد المدني (المتوفّى عام 125 ه).

قال يعقوب بن شيبة: قد كان تغيّر و اختلط قبل موته يقال بأربع سنين، و قال الواقدي: اختلط قبل موته بأربع سنين، و قال ابن حبّان في «الثقات»: اختلط قبل موته بأربع سنين.(3)1.

ص: 28


1- سنن ابن ماجة: 2/905، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، الأحاديث 2712 2714.
2- تهذيب التهذيب: 6/266 برقم 581.
3- المصدر نفسه: 4/34 برقم 61.

10. روى الدارقطني: نا أبو بكر النيسابوري، نا يوسف بن سعيد، نا حجاج، عن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): لا تجوز الوصية لوارث إلاّ أن يشاء الورثة.

و في الاسناد عطاء بن أبي مسلم الخراساني (50 135 ه).

قال الدارقطني: لم يلق ابن عباس.

و قال أبو داود: و لم يدرك ابن عباس و لم يره.

البخاري قد ذكر عطاء الخراساني في الضعفاء... و البخاري لم يخرج له شيئاً.

و قال ابن حبّان: كان رديء الحفظ يخطئ و لا يعلم، فبطل الاحتجاج به.(1)

و قال البيهقي: عطاء هذا هو الخراساني لم يدرك ابن عباس و لم يره. قاله أبو داود السجستاني و غيره، و قد روى من5.

ص: 29


1- المصدر نفسه: 7/190 برقم 395.

وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس.(1)

11. نا علي بن إبراهيم بن عيسى، نا أحمد بن محمد الماسرجسي، نا عمرو ابن زرارة، نا زياد بن عبد اللّه ، نا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول اللّه: لا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة.

و لو صحّ الاسناد، فهو محمول على ما إذا زاد عن الثلث كما سيأتي نقله.

12. نا عبيد اللّه بن عبد الصمد بن المهتدي، نا محمد بن عمرو بن خالد، نا أبي، عن يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: «لا يجوز لوارث وصية إلاّ أن يشاء الورثة».(2)

و لا أظنّ أن فقيهاً يحتجّ بحديث في سنده:

عكرمة البربري: أبو عبد اللّه المدني، مولى ابن عباس: و قد عرّفه أهل الرجال بما يلي:1.

ص: 30


1- السنن الكبرى: 6/264.
2- سنن الدارقطني: 4/152 «الوصايا» الحديث 10 و 11.

قال ابن لهيعة: عن أبي الأسود: كان عكرمة قليل العقل خفيفاً، كان قد سمع الحديث من رجلين، و كان إذا سئل حدّث به عن رجل يسأل عنه بعد ذلك، فيحدّث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه.

و قال يحيى بن معين: إنّما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة، لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية (طائفة من الخوارج) و قال عطاء: كان إباضياً.

و قال أبو خلف الخزاز، عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتّق اللّه ويحك يا نافع و لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.

و عن سعيد بن المسيب أنّه كان يقول لغلامه: لا تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس.

و عن عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: إنّ عكرمة يزعم أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) تزوّج ميمونة و هو محرم، فقال: كذب مخبثان.

و قال سعيد بن جبير: كذب عكرمة.

ص: 31

و قال وهيب بن خالد عن يحيى بن سعيد الأنصاري: كان كذّاباً.

و كان مالك لا يرى عكرمة ثقة و يأمر أن لا يؤخذ عنه.

و قال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل:... و عكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه.

و قال ابن علية: ذكره أيوب فقال: قليل العقل.

و قال الحاكم: أبو أحمد احتجّ بحديثه الأئمّة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح.(1)

13. نا أحمد بن كامل، نا عبيد بن كثير، نا عباد بن يعقوب، نا نوح بن دراج، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال رسول اللّه: لا وصية لوارث و لا إقرار بدين.

و في الاسناد من لا يحتجّ به أهل السنّة، و هو نوح بن دراج (المتوفّى عام 182 ه) و الحديث نقل محرّفاً.6.

ص: 32


1- تهذيب التهذيب: 7/234 رقم 476.

فقد تضافر عن جعفر بن محمد، صحّة الوصية للوارث إلاّ إذا تجاوز عن الثلث، فانّه إضرار بالورثة و يؤيّده ذيل الحديث «و لا إقرار بدين» و الإقرار بالدين، و الإيصاء فوق الثلث مظنّة الإضرار بالورثة.

14. نا أحمد بن زياد، نا عبد الرحمن بن مرزوق، نا عبد الوهاب، نا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول اللّه بمنى فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ قد قسّم لكلّ إنسان نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.

قال: و نا سعيد بن مطر، عن شهر، عن عمرو بن خارجة عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مثله.(1)

و السند مشتمل على شهر بن حوشب، و المتن يؤيد مقالة الإمامية حيث قال: فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.

15. روى الدارمي: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام3.

ص: 33


1- سنن الدارقطني: 4/152 «الوصايا» الحديث 12 و 13.

الدستوائي، حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة، قال: كنت تحت ناقة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و هي تقصع بجرّتها و نعامها و ينوص بين كتفي، سمعته يقول: ألا إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا يجوز وصية لوارث.(1)

و في الاسناد شهر بن حوشب و كفى به ضعفاً.

16. روى البيهقي بأسانيد مختلفة، لا تخلو من ضعف.

فالأوّل مقطوع برواية عطاء عن ابن عباس، و قد عرفت عدم إدراكه له، و عطاء هذا هو عطاء الخراساني.

و الثاني مشتمل على رواية: عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، و قد عرفت حال الرجلين.

و الثالث أيضاً مثل الثاني.

و الرابع مشتمل على الربيع بن سليمان، الذي كانث.

ص: 34


1- سنن الدارمي: 2/419، باب الوصية للوارث.

يوصف بغفلة شديدة، و عن الشافعي أنّه ليس بثبت و إنّما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موت البويطي.(1)

و على سفيان بن عيينة (المتوفّى عام 198) قال محمد بن عبد اللّه بن عمّار: سمعت يحيى بن سعيد يقول:

اشهدوا أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة 197، فمن سمع في هذه السنة و بعدها، سماعه لا شيء.(2)

و على مجاهد بن جبر المكّي المولود في خلافة عمر (المتوفّى عام 100 ه) فمضافاً إلى أنّ الرواية مقطوعة فقد ورد في حقّه: مجاهد معلوم التدليس، فعنعنته لا تفيد الوصل.(3)

و الخامس مشتمل على ابن عياش و شرحبيل بن مسلم، و قد تعرّفت عليهما.

و السادس مشتمل على شهر بن حوشب.

و السابع مشتمل على حماد بن سلمة عن قتادة، و السند8.

ص: 35


1- تهذيب التهذيب: 3/213 برقم 473.
2- تهذيب الكمال: 11/196.
3- تهذيب التهذيب: 10/40 برقم 68.

إمّا مقطوع أو موصول بواسطة شهر بن حوشب بقرينة الرواية السابقة.

و الثامن مشتمل على إسماعيل بن مسلم، و هو مردّد بين العبدي (أبو محمد البصري) و المكي (أبو إسحاق البصري) الذي ضعّفه جمال الدين المزّي بقوله: قال عمرو بن علي: كان يحيى و عبد الرحمن لا يحدّثان عن إسماعيل المكي.

و قال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن مسلم المكي منكر الحديث.

و قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: إسماعيل بن مسلم المكي ليس بشيء. و كذلك قال عثمان بن سعيد الدارمي و أبو يعلى الموصلي عن يحيى.

و عن علي بن المديني: إسماعيل بن مسلم المكي لا يكتب حديثه... و كان ضعيفاً في الحديث... يكثر الخلط.

و قال أبو زرعة: هو بصري سكن مكة، ضعيف الحديث.

و قال النسائي:... متروك الحديث. و قال في موضع

ص: 36

آخر: ليس بثقة.(1)

و التاسع مشتمل على عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، و سعيد بن أبي سعيد، و قد تعرّفت عليهما.

و العاشر مشتمل على سفيان بن عيينة و قد تعرّفت عليه; و على طاوس بن كيسان اليماني، و هو تابعي لم يدرك النبيّ، و إنّما ينقل ما ينقل عن ابن عباس.(2)

17. روى الحافظ سعيد بن منصور المكي (المتوفّى 227) في سننه هذا الحديث بأسانيد مختلفة.

فالأوّل مضافاً إلى أنّه مقطوع بمجاهد: مشتمل على سفيان بن عيينة.

و الثاني: مقطوع بعمرو بن دينار (المتوفّى حدود عام 125 ه) و مشتمل على سفيان بن عيينة.

و الثالث: مشتمل على إسماعيل بن عياش و شرحبيل بن مسلم.4.

ص: 37


1- تهذيب الكمال: 3/198 برقم 483.
2- سنن البيهقي: 2656/264.

و الرابع: مشتمل على شهر بن حوشب.

و الخامس: مشتمل على سفيان بن عيينة و هشام بن حجر المكي الذي ضعّفه يحيى بن معين، و عن غيره أنّه يضرب على حديثه، و عن أبي داود أنّه ضرب الحدّ بمكة.(1)

18. روى عبد الرزاق بن همام الصنعاني (176 211 ه) بسند ينتهي إلى شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول اللّه يقول: لا وصية لوارث.(2) و قد تعرفت على حال «شهر».

ملاحظات على نسخ الآية بالسنّة

و يلاحظ على هذه الإجابة أي نسخ الكتاب بهذه الروايات بوجوه:

1. الكتاب العزيز، قطعي السند، و صريح الدلالة في المقام. و ظاهر الآية كون الحكم أمراً أبدياً و أنّه مكتوب على6.

ص: 38


1- تهذيب التهذيب: 11/32 برقم 74.
2- المصنف: 9/70 برقم 16376.

المؤمنين، و هو حقّ على المتّقين، أ فيصح نسخه أو تخصيصه برواية لم يسلم سند منها عن خلل و نقاش فرواتها: مخلّط، من أروى الناس عن الكذابين، لا يرى ما يخرج من رأسه، إلى ضعيف اختُتِنَ في كبر سنِّه، إلى بائع دينه بخريطة، إلى مسند و لم ير المسند إليه، إلى محدود أُجري عليه الحد في مكة، إلى خارجيّ يُضرب به المثل، إلى، إلى، إلى....(1)

و لو قلنا بجواز نسخ الكتاب فانّما نقول به إذا كان الناسخ، دلالة قرآنية أو سنّة قاطعة.

2. كيف يمكن الاعتماد على رواية، تدّعي أنّ النبي الأكرم خطب في محتشد كبير لم ينقل لنا التاريخ له مثيلاً في حياة النبي إلاّ في وقعة الغدير، و قال: إنّه لا وصية لوارث، و لم يسمعه أحد من الصحابة إلاّ أعرابي مثل عمرو بن خارجة الذي ليس له رواية عن رسول اللّه سوى هذه(2) ، أو شخص آخر كأبي أُمامة الباهلي و هذا ما يورث الاطمئنان على وجود1.

ص: 39


1- لاحظ ما نقلناه عن أئمة الرجال في حق رواة الحديث و نقلته.
2- الاصابة: 2/527; تهذيب الكمال: 21/599; الثقات: 3/271.

الخلل فيها سنداً أو دلالة.

3. لو سلم أنّ الحديث قابل للاحتجاج، لكنّه لا يعادله و لا يقاوم ما تواتر عن أئمّة أهل البيت من جواز الوصية للوارث. فهذا هو محمد بن مسلم أحد فقهاء القرن الثاني، من تلاميذ أبي جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: سألت أبا جعفر عن الوصية للوارث؟ فقال: «تجوز»، ثمّ تلا هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ ).(1)

و هذا أبو بصير المرادي شيخ الشيعة في عصر الصادق (عليه السلام) يروي عنه أنّه سأله عن الوصية للوارث؟ فقال: تجوز.(2)

4. أنّ التعارض فرع عدم وجود الجمع الدلالي بين نصّ الكتاب و الحديث، إذ من المحتمل جداً أنّ الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) ذكر قيداً لكلامه، و لم يسمعه الراوي أو سمعه، و غفل عن نقله، أو نقله و لم يصل إلينا و هو أنّه مثلاً قال: «و لا تجوز وصيةث.

ص: 40


1- وسائل الشيعة: 13، الباب 15 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2 و 3، و فيه ثلاثة عشر حديثاً تصرِّح بجواز الوصية للوارث.
2- وسائل الشيعة: 13، الباب 15 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2 و 3، و فيه ثلاثة عشر حديثاً تصرِّح بجواز الوصية للوارث.

للوارث» إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه، كما ورد كذلك من طرقنا، و طرق أهل السنّة. و قد عرفت: أنّ الدارقطني نقله عن الرسول الأكرم بهذا القيد.(1) و قد ورد من طرقنا عن النبي الأكرم أنّه قال في خطبة الوداع: «أيّها الناس إنّ اللّه قد قسّم لكلّ وارث نصيبه من الميراث، و لا تجوز وصية لوارث بأكثر من الثلث» .(2)

و بعد هذه الملاحظات لا يبقى أيّ وثوق بالرواية المنقولة بالصورة الموجودة في كتب السنن.

أضف إلى ذلك: أنّ الإسلام دين الفطرة، و رسالته خاتمة الرسالات، فكيف يصحّ أن يسد باب الإيصاء للوارث، مع أنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى الإيصاء للوارث، بعيداً عن الجور و الحيف، من دون أن يثير عداء الباقين و حسد الآخرين كما إذا كان طفلاً، أو مريضاً، أو معوّقاً أو طالب علم، لا يتسنّى له التحصيل إلاّ بعون آخرين.4.

ص: 41


1- لاحظ الرقم 14 ممّا سلف و فيه: فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.
2- تحف العقول: 34.

كل ذلك يدعو فقهاء المذاهب في الأمصار، إلى دراسة المسألة من الأصل عسى أن يتبدّل المختلف إلى المؤتلف و الخلاف إلى الوفاق بفضله و كرمه سبحانه.

قد عرفت أنّ مصدر الحكم عند القوم هو الروايات التي تعرفت على ضعفها و مقدار دلالتها، و ربّما يستدلّ بوجه غريب: انّ المال حينئذ صار للورثة، فحكم الموصي فيما استحقوه بالميراث باطل، لقول رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام» فليس لهم إجازة الباطل، لكن إن أحبوا أن ينفذوا الوصية من مالهم باختيارهم، فلهم التنفيذ، و لهم حينئذ أن يجعلوا الأجر لمن شاءوا.

يلاحظ عليه: ما هو الدليل لقوله: «المال حينئذ صار للورثة فحكم الموصي فيما استحقّوه بالميراث باطل.

فإن كان الدليل هو الرواية، أعني قوله: «لا وصية لوارث» فقد عرفت ضعف الرواية و انّها لا تقاوم الذكر لحكيم أوّلاً، و إمكان الجمع بينهما ثانياً.

و إن كان الدليل قول رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ دماءكم

ص: 42

و أولادكم و أعراضكم عليكم حرام» كما هو الظاهر من ذيل كلامه ففيه انّه لم يدل دليل على أنّ الموصى به ملك للورثة ينتقل منهم إلى الموصى له، بل ظاهر الآية انّ المنقول من التركة إلى الوارث مخصص بغير الدين و الوصية، فمقدار الدين و ما أوصى به لا ينتقلان إلى الورثة حتّى ينتقلا إلى الموصى له، بل المنقول إليهم مضيق من أوّل الأمر بغير الدين و الوصية، و يدلّ عليه قوله سبحانه في موردين:

أ. (فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ).

ب. (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ).

الحمد للّه ربّ العالمين

ص: 43

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.