سلسله المسائل الفقهیه الطلاق المعلق المجلد 16-17-18

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

الطلاق المعلق

ص: 2

[16 الطلاق المعلق ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الّذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- آل عمران: 103.

14

الطلاق المعلّق

اشارة

ينقسم الطلاق إلى منجَّز و معلّق، و الأوّل هو الطلاق الخالي في صيغته عن التعليق، و الثاني على خلافه فيكون مضمون صيغة الطلاق، مقروناً بحصول أمر آخر، سواء أ كان ذلك الأمر، فعلَ المطلِّق أو فعلَ المطلَّقة أو غيرهما. إذا عرفت ذلك فنقول:

هل يشترط في صحّة الطلاق، التنجيز، أو يصحّ مع التعليق أيضاً، كما إذا قال: أنت طالق إن طلعت الشمس، أو أنت طالق إن قدم الحاج؟ و الجواب: إنّ الطلاق المعلّق على قسمين:

1. قسم يعلّق على غير وجه اليمين و هذا كما في المثالين السابقين، و مثلهما ما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت

ص: 5

طالق، أو إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق.

2. قسم يعلّق على وجه اليمين و هو الذي يُقصد به الحثّ أو المنع، كما إذا قال: إن كلّمتِ فلاناً فأنت طالق، أو إن ذهبت إلى دار عدوي فأنت طالق، و ربّما يكون المقصود حمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف فيقول مَثلاً عند نقطة التفتيش: «ليس في حقيبتي ما هو ممنوع و لو كان فزوجتي طالق».

و نركز على البحث في القسم الأوّل و نحيل البحث في القسم الثاني، إلى المسألة الآتية.

فنقول: إنّ للشروط تقسيمات:

1. ما تتوقّف عليه صحّة الطلاق ككونها زوجة و يقول: إن كنت زوجتي فأنت طالق و ما لا تتوقف عليه كقدوم الحاج.

2. ما يعلم المطلق بوجوده عند الطلاق، كتعليقه بكون هذا اليوم يوم الجمعة، و أُخرى ما يشكّ في وجوده.

ص: 6

3. ما يذكر في الصيغة تبركاً، لا شرطاً و تعليقاً كمشيئته سبحانه، كما إذا قال: إن شاء اللّه فأنت طالق.

و مورد البحث هو القسم الثاني، أمّا الأوّل فالطلاق معلّق على مثل هذا الشرط لبّاً، سواء تكلم به أو لا، و أمّا الثالث فانّما يذكر تبركاً، لا اشتراطاً، و هو كثير الدوران على لسان المسلمين.

إذا عرفت ذلك، نقول: إنّ بطلان الطلاق المعلّق من متفردات الفقه الإمامي، و إليك بعض كلمات فقهائنا:

1. قال السيد المرتضى: ممّا انفردت الإمامية به القول بأنّ الطلاق لا يقع مشروطاً و إن وجد شرطه، و خالف باقي الفقهاء في ذلك و أوقعوا الطلاق عند وقوع شرطه الذي علّقه المتلفظ.(1)

2. قال الشيخ في «الخلاف»: إذا قال لها أنت طالق، إذا قدم فلان، فقدم فلان لا يقع طلاقه، و كذلك لو علّقه6.

ص: 7


1- الانتصار، كتاب الطلاق، المسألة 16.

بشرط من الشروط أو بصفة من الصفات المستقبلة فانّه لا يقع أصلاً، لا في الحال و لا في المستقبل حين حصول الشرط و الصفة و قال جميع الفقهاء: انّه يقع إذا حصل الشرط.(1)

و بما انّ المسألة عندنا موضع وفاق نقتصر على هذا المقدار، و قد وافقَنا فيها الظاهريّة، قال ابن حزم الذي يُمثِّل فقهُه، فقه الظاهريين: إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو ذكر وقتاً ما، فلا تكون طالقاً بذلك لا الآن و لا إذا جاء رأس الشهر. برهان ذلك: انّه لم يأت قرآن و لا سنّة بوقوع الطلاق بذلك، و قد علّمنا اللّه الطلاق على المدخول بها و في غير المدخول بها، و ليس هذا فيما علّمنا (وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ).(2)

و قال السبكي: قد أجمعت الأُمّة على وقوع المعلّق كوقوع المنجّز، فإنّ الطلاق ممّا يقبل التعليق، و لا يظهر الخلاف في ذلك إلاّ عن طوائف من الروافض، و لما حدث مذهب0.

ص: 8


1- الخلاف: الجزء 4، كتاب الطلاق، المسألة 12.
2- المحلّى: 10/213، المسألة 1970.

الظاهريّين المخالفين لإجماع الأُمّة المنكرين للقياس خالفوا ذلك إلى أن قال: و لكنّهم قد سبقهم الإجماع.(1)

أدلّة القائل بالبطلان

الأوّل: الطلاق المشروط غير مسنون

إنّ تعليق الطلاق بالشرط غير مسنون، و المشروع في كيفية الطلاق غيره، فيجب أن لا تتعلّق به حكم الفرقة، لأنّ الفرقة حكم شرعي، و الشرع هو الطريق إليه، و إذا انتفى الدليل الشرعي، انتفى الحكم الشرعي.

الثاني: مقتضى الاستصحاب بقاء الزوجية

ثبوت الزوجية متيقّن، فلا ينتقل عنه إلى التحريم إلاّ بيقين و لا يقين في الطلاق المشروط.(2)

ص: 9


1- الدرة المضيئة: 155 156.
2- الانتصار: 298 299.

و إلى الأخير أشار الشيخ الطوسي أيضاً في خلافه فقال: الأصل بقاء العقد، و إيقاع هذا الضرب من الطلاق يحتاج إلى دليل، و الشرع خال من ذلك.(1)

و إلى الوجه الأوّل يشير ابن حزم فيقول: و برهان عدم الصحة انّه لم يأت قرآن و لا سنّة بوقوع الطلاق بذلك، و قد علّمنا اللّه الطلاق على المدخول بها، و في غير المدخول بها، و ليس هذا فيما علمنا (وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ).(2)

و توضيح الوجه الأوّل: أنّ الطلاق ليس كالبيع و الإجارة، حيث إنّ الأخيرين من الأُمور العقلائية، التي عليها رحى معاشهم و حياتهم فيُتّبع ما عليه العقلاء في ذينك الأمرين إلاّ إذا دلّ الدليل على اعتبار شيء زائد، و هذا بخلاف الطلاق فهو و إن كان أمراً عرفياً، لوجود الطلاق بين الناس قبل بزوغ شمس الإسلام لكن الإسلام تصرف فيه0.

ص: 10


1- الخلاف: 4/458.
2- المحلّى: 10/213، المسألة 1970.

كثيراً، و حدّ له حدوداً، يظهر ذلك من مطالعة الآيات الواردة في سورة البقرة، الآيات 226 232، و الآية 237 و الآية 241، و الآية 49 من سورة الأحزاب، و الآية 31 من سورة الطلاق، كلّ ذلك أضفى على الطلاق حقيقة و ماهية، تختلف مع تلك التي بين العقلاء، فلا يتمسّك بما في يد العقلاء لتجويز ما شكّ، بل يجب أن يرجع إلى الشرع، فان تبيّن حكم الطلاق المعلّق فيُتبع، و إلاّ فالحكم هو الاحتياط.

يقول الفقيه الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية رضوان اللّه عليه: إنّ الإمامية يضيّقون دائرة الطلاق إلى أقصى الحدود، و يفرضون القيود الصارمة على المطلِّق و المطلَّقة، و صيغة الطلاق و شهود، كلّ ذلك لأنّ الزواج عصمة و مودة و رحمة و ميثاق من اللّه، قال اللّه تعالى: (وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً )(1) ، و قال سبحانه: (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً ). (2) إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه1.

ص: 11


1- النساء: 21.
2- الروم: 21.

العصمة و المودة و الرحمة، و هذا العهد و الميثاق، إلاّ بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكلّ شك، بأنّ الشرع قد حلّ الزواج، و نقضه بعد أن أثبته و أبرمه.(1)

هذا كلّه حول الدليل الأوّل، و أمّا الثاني أي التمسّك بالاستصحاب و بقاء العقد، فكأنّه مكمّل له، فإذا شككنا في بقاء العقد و نقضه، فالاستصحاب هو المحكم، إلاّ إذا دلّ الدليل على نقض الحالة السابقة.

الثالث: الطلاق المعلّق خارج عن القسمين

دلّ قوله سبحانه: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (2) على أنّ الطلاق يجب أن يتمتع بأحد الأمرين: إمساك بمعروف بالرجوع إليها، أو تسريح بإحسان بتركها على حالها حتى تنقضي عدّتها، و الطلاق بالأجل و الشرط، خارج عن كلا القسمين، فلو قال في أوّل السنة:9.

ص: 12


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 414.
2- البقرة: 229.

أنت طالق في نهاية السنة، أو أنت طالق عند رجوع الحجاج، فالمرأة لا مأخوذة و لا متروكة حتّى تنقضي عدّتها، لاحتمال عدم حصول المعلّق، فتبقى في الزوجية.

الرابع: المطلّقة أشبه بالمعلّقة

إنّ عناية الإسلام بنظام الأُسرة الذي أُسّه النكاح و الطلاق، تقتضي أن يكون الأمر فيها منجّزاً لا معلّقاً، فإنّ التعليق ينتهي إلى ما لا تحمد عاقبته من غير فرق بين النكاح و الطلاق، فالمرء إمّا أن يقدم على النكاح و الطلاق أو لا، فعلى الأوّل ينكح أو يطلّق بتاتاً، و على الثاني يسكت حتّى يحدث بعد ذلك أمراً، و التعليق في النكاح و الطلاق لا يناسب ذلك الأمر الهامّ، فقد قال سبحانه: (وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ).(1)

و اللّه سبحانه يشبّه المرأة التي يترك الزوج أداء حقّها9.

ص: 13


1- النساء: 129.

الواجب عليه، بالمعلّقة التي هي لا ذات زوج و لا أيّم، فالمنكوحة معلّقاً، أو المطلّقة كذلك، أشبه شيء بالمعلّقة الواردة في الآية، فهي لا ذات زوج و لا أيّم.

الخامس: إجماع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)

يظهر من مجموع الروايات الواردة في هذه المسألة و ما يتلوها، إجماع أئمّة أهل البيت على بطلان الطلاق المعلّق.

روى بكير بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه قال: «ليس الطلاق إلاّ أن يقول الرجل لها و هي طاهر من غير جماع: أنت طالق، و يشهد شاهدي عدل، و كلّ ما سوى ذلك فهو ملغى».(1)

و أيّ تعبير أوضح من قوله: «و كلّ ما سوى ذلك فهو ملغى» مع شيوع الطلاق المعلق خصوصاً قسم الحلف في أعصارهم.1.

ص: 14


1- وسائل الشيعة: 15، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث 1.

فإذا أضيف إلى ذلك ما روي عنهم (عليهم السلام) في بطلان الحلف بالطلاق، لأصبح الحكم واضحاً، لأنّ الحلف قسم من أقسام الطلاق المعلّق.

نعم ربّما استدلّ ببعض الوجوه العقلية على البطلان، و هي ليست تامّة عندنا، نظير:

أ. إنّ الطلاق المعلّق من قبيل تفكيك المنشأ عن الإنشاء، لأنّ المفروض عدم وقوعه قبل الشرط، فيلزم تفكيك المنشأ عن الإنشاء.

و أنت خبير بعدم استقامة الدليل، فإنّ المنشأ بعد الإنشاء محقّق من غير فرق بين المنجّز و المعلّق، غير أنّ المنشأ تارة يكون منجّزاً و أُخرى معلّقاً، و فائدة الإنشاء أنّه لو تحقّق المعلّق عليه لا يحتاج إلى إنشاء جديد.

ب. ظاهر الأدلّة ترتّب الأثر على السبب فوراً، فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه، خلاف ظاهر الأدلّة.

يلاحظ عليه: أنّه ليس في الأدلّة ما يثبت ذلك، فالوارد في الأدلّة هو لزوم الوفاء بالإنشاء غير أنّ الوفاء يختلف حسب

ص: 15

اختلاف مضمونه.

و بذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال على البطلان بما في «المحلّى» حيث قال: فإن كلّ طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه.(1)

أدلّة القائل بالصحّة

استدلّ القائل بالصحّة بوجوه:

1. إطلاق قوله تعالى: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ ) حيث لم يفرق بين منجز و معلّق.(2)

يلاحظ عليه: أنّ من شرائط التمسك بالإطلاق أو من شرائط انعقاد الإطلاق كون المتكلّم بصدد بيان حكم الأمر المشكوك فيه، حتّى يستدلّ بسكوته على التسوية بين الأمر المشكوك فيه و غيره، كما في قوله:

(وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) (3) فإذا شكّ في شرطية الإيمان في تحرير الرقبة، يحكم

ص: 16


1- المحلى: 10/213، المسألة 1970.
2- الفقه الإسلامي و أدلته: 7/448.
3- المجادلة: 3.

بعدم الشرطية بإطلاق الآية.

و أمّا إذا لم يكن بصدد بيان حكم الأمر المشكوك فيه، فلا يستدلّ بسكوته و عدم تعرّضه على التسوية كما في المقام، حيث إنّ قوله سبحانه بصدد بيان عدد الطلاق و انّه مرتان، و ليس بصدد بيان كيفيته من حيث التنجيز و التعليق حتّى يتمسك بإطلاقه.

و كون المتكلّم في بيان المقام من مقدمات انعقاد الإطلاق كما هو محرر في محله.

2. المسلمون عند شروطهم، و الطلاق المعلّق من قبيل الأُمور المشروطة.

يلاحظ عليه: أنّ قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «المسلمون عند شروطهم» ضابطة شرعية يستدلّ بها إذا شكّ في لزوم العمل بالشرط و عدمه، بعد ثبوت صحة الاشتراط كما إذا اشترطت الزوجة في عقد النكاح أن لا يمنعها الزوج من مواصلة الدراسة أو العمل في خارج البيت إذا لم يكن مخلاً بحقّ الزوج، ففي مثل هذا المورد بعد ثبوت أصل مشروعية

ص: 17

التعليق يتمسك بالكبرى و يلزم الزوج بالعمل بالشرط.

و أمّا إذا شكّ في جواز أصل تعليق الإنشاء، و انّه هل يصحّ أو لا، لاحتمال خصوصية في الطلاق، فلا يتمسك بالكبرى لإثبات أصل مشروعية الصغرى، و هذا واضح لمن له إلمام بالأُصول.

و نظير الشرط، النذر، و العهد و اليمين، فإنّما يستدلّ بكبرياتها على لزوم العمل إذا ثبتت المشروعية، و أمّا إذا شكّ في صحّة النذر، فلا يتمسك بالكبرى لإثبات صحة الصغرى، فلو نذر أن يتوضأ بالماء المضاف، أو بالنبيذ، فلا يصلح قوله: (وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (1) لإثبات مشروعية التوضّؤ بهما.

3. انّ القائلين بالصحّة استدلوا بآثار و فتاوى من ابن مسعود، و أبي ذرّ الغفاري، و عائشة، و الحسن البصري و غيرهم من الفقهاء، و معلوم أنّ أقوالهم و آراءهم حجّة على أنفسهم لا على غيرهم ما لم يثبت صدورها عن المعصوم.9.

ص: 18


1- الحج: 29.

ص: 19

ص: 20

[17. الحلف بالطلاق ]

15 الحلف بالطلاق

مقدمة

قد عرفت أنّ الحلف بالطلاق من أقسام الطلاق المعلّق و يفارق المسألة السابقة في انّ الغاية فيها ربط مضمون صيغة الطلاق بفعل المطلّق أو المطلّقة أو غيرهما كطلوع الشمس و قدوم الحاج من دون أن يكون فيه حث على الفعل أو منع عنه، بخلاف الحلف بالطلاق، فانّ الغاية فيه هو الحث أو المنع من العمل، أو حمل المخاطب على الثقة بكلامه، و إنّما سمّي حلفاً تجوّزاً لمشاركته الحلف في الغاية و هو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر، كقوله «و اللّه لأفعلن» و ليس في الواقع حلفاً.

و قبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً:

ص: 21

قبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً

الأوّل: ليس للطلاق إلاّ صيغة واحدة

ذهبت الإمامية تبعاً لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنّه ليس للطلاق إلاّ صيغة واحدة، روى بكير بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «ليس الطلاق إلاّ أن يقول الرجل لها و هي طاهر من غير جماع: أنت طالق، و يشهد شاهدي عدل، و كلّ ما سوى ذلك فهو ملغى».(1)

خلافاً لأهل السنّة فقد أجازوا الطلاق بكلّ ما دلّ عليه لفظاً، و كتابة، و صراحة، و كناية مثل: أنت عليّ حرام، أو أنت بريّة، أو اذهبي فتزوجي، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، إلى غير ذلك من الصيغ. و للبحث في تعيّن الصيغة الواحدة أو كفاية كلّ ما دلّ على الطلاق، مقام آخر.

الثاني: تسويد الصفحات بأقسام الحلف بالطلاق

ذهبت الإمامية إلى بطلان الحلف بالطلاق، لأنّه من

ص: 22


1- وسائل الشيعة: 15، الباب 16 من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الحديث 1.

أقسام المعلّق الذي أوضحنا حاله، و بذلك أراحوا أنفسهم من تسويد الصفحات الطوال العراض بأقسام الحلف بالطلاق، في حين زخرت كتب فقهاء السنّة بآراء و فتاوى لم يبرهنوا عليها بشيء من الكتاب و السنّة، و الراجع إلى تلك الصفحات التي ربما تستغرق 45 صفحة يذعن بأنّ الطلاق أُلعوبة يتلاعب بها الرجل بصور شتى، و إن كنت في شك من ذلك فلاحظ الكتابين المعروفين:

1. المغني: تأليف محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة (المتوفّى عام 620) و هو أوسع كتاب فقهي ظهر عند الحنابلة مع الترجيح بين الأقوال بالدليل المقنع لهم. فقد خصّص (45) صفحة من كتابه لهذا النوع من الصيغ.(1)

2. الفقه على المذاهب الأربعة: تأليف الشيخ عبد الرحمن الجزيري، ألّفه ليعرض الفقه بثوبه الجديد على الجيل الجديد، و مع ذلك تجده قد خصّص لهذا النوع من صورس.

ص: 23


1- لاحظ الجزء السابع 369 414 بتصحيح الدكتور محمد خليل هراس.

الطلاق صفحات كثيرة.(1) و إليك نماذج من هذه الصور حتى تقف على صدق ما قلناه; ننقلها من «المغني» لابن قدامة.

1. إن قال لامرأتيه: كلّما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثمّ أعاد ذلك ثلاثاً، طلّقت كل واحدة منهما ثلاثاً.

2. إن قال لإحداهما: إن حلفت بطلاقك، فضرّتك طالق، ثمّ قال للأُخرى مثل ذلك...

3. و إن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفتُ بطلاق زينب، فعمرة طالق، ثمّ قال: و إن حلفت بطلاق عمرة، فحفصة طالق، ثمّ قال: إن حلفت بطلاق حفصة، فزينب طالق، طلّقت عمرة، و إن جعل مكان زينب عمرة طلّقت حفصة، ثمّ متى أعاده بعد ذلك طلّقت منهنّ واحدة...

4. و متى علّق الطلاق على صفات فاجتمعن في شيء واحد وقع بكلّ صفة ما علّق عليها كما لو وجدت متفرّقة و كذلك العتاق، فلو قال لامرأته: إن كلّمت رجلاً فأنتع.

ص: 24


1- الفقه على المذاهب الأربعة، الجزء الرابع.

طالق، و إن كلّمت طويلاً فأنت طالق، و إن كلّمت أسود فأنت طالق، فكلّمت رجلاً أسود طويلاً، طلّقت ثلاثاً.(1)

إلى غير ذلك من الصور التي لا يترتب على نقلها سوى إضاعة الوقت و الورق.

الثالث: بطلان الحلف بالطلاق عند البعض

المشهور عند أهل السنّة هو صحّة الطلاق بالحلف به، و مع ذلك ذهب لفيف من الصحابة و التابعين إلى كونه باطلاً، و وافقهم بعض المتأخّرين من الظاهريين كابن حزم، و ابن تيمية من الحنابلة.

قال ابن حزم: و صحّ خلاف ذلك (وقوع الطلاق باليمين) عن السلف.

1. روينا من طريق حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن: انّ رجلاً تزوّج امرأة و أراد سفراً فأخذها أهل امرأته فجعلها طالقاً إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل و لم

ص: 25


1- المغني: 3767/369.

يبعث بشيء، فلمّا قدم خاصموه إلى عليّ، فقال عليّ (عليه السلام): اضطهدتموه حتى جعلها طالقاً، فردّها عليه.(1)

2. روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء: في رجل قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أتزوّج عليك. قال: إن لم يتزوّج عليها حتى تموت أو يموت، توارثا. و الحكم بالتوارث آية بقاء العلقة.

3. و من طريق عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن غيلان بن جامع، عن الحكم بن عتيبة قال: في الرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق إن لم أفعل كذا ثمّ مات أحدهما قبل أن يفعل، فإنّهما يتوارثان.

إنّ في عدم اعتداد الإمام عليّ بالطلاق بلا إكراه و الحكم بالتوارث في الروايتين الأخيرتين دلالة على عدم الاعتداد باليمين بالطلاق.ه.

ص: 26


1- ظاهر الحديث: أنّ الإمام ردّ المرأة لوقوع الطلاق مكرهاً، و بما أنّه لم تكن هناك كراهة و لم يطلب أهل المرأة سوى النفقة، يحمل على خلاف ظاهره، من بطلان الطلاق لأجل الحلف به.

4. و من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنّه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئاً. قلت: أ كان يراه يميناً؟ قال: لا أدري.

قال ابن حزم بعد نقل هذه الروايات: فهؤلاء علي بن أبي طالب و شريح(1) و طاووس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، و لا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة رضي اللّه عنهم ثمّ يقول: من أين أجزتم الطلاق بصفة و لم تجيزوا النكاح بصفة، و الرجعة بصفة كمن قال: إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي المطلّقة، أو قال: فقد تزوّجتك، و قالت هي مثل ذلك، و قال الولي مثل ذلك و لا سبيل إلى فرق.(2)

هذا و قد فصلّ ابن تيميّة بين التعليق الذي يقصد به الإيقاع و الذي يقصد به اليمين.2.

ص: 27


1- نقل رواية عن شريح تركنا نقلها لعدم دلالتها. و كان عليه عطف عطاء عليه أيضاً.
2- المحلّى: 21310/212.

فالأوّل أن يكون مريداً للجزاء عند الشرط و إن كان الشرط مكروهاً له، لكنّه إذا وجد الشرط فانّه يريد الطلاق لكون الشرط أكره إليه من الطلاق، كما إذا قال لزوجته: «إن خنت فأنت طالق»، فخانت الزوجة، فهذا موقع للطلاق عند الصفة لا حالف و وقوع الطلاق في مثل هذا هو المأثور عن الصحابة.

و الثاني هو التعليق الذي يقصد به اليمين، و يمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم، كما إذا قال: «إن خنتِ فأنت طالق» بقصد زجرها أو تخويفها باليمين لإيقاع الطلاق (في المستقبل) إذا فعلت، لأنّه لا يكون مريداً لها له و إن فعلت لكون طلاقها أكره إليه من مقامها على تلك الحال فهو علق بذلك لقصد الحظر و المنع لا لقصد الإيقاع فهذا حالف ليس بموقع.(1)

حاصل تفصيله: يرجع إلى التفريق بين الحلف على النتيجة، و الحلف على الفعل، فعلى الأوّل يتحقّق الطلاق،9.

ص: 28


1- الفتاوى الكبرى: 3/9.

إذا حصل المعلّق عليه و لا يتصوّر فيه الحنث، لصيرورة الزوجة عندئذ مطلقة، شاء الزوج أم لم يشأ، لأنّ المنشأ صيرورتها مطلقة عند وقوع المعلق عليه و أمّا على الثاني، فالمنشأ قيامه بالفعل في المستقبل و تطليقها، و عندئذ يتصوّر فيه الحنث و لو كان ابن تيمية ملمّاً بفقه الشيعة و مصطلحاتهم، لسهل عليه التعبير عن مقصده بما قلناه.

نعم الحلف على النتيجة، إنّما يصحّ إذا لم يتوقّف حصولها على سبب خاص، ككون الشيء ملكاً لزيد، و أمّا إذا توقّف على سبب خاص أو شكّ في توقّفها عليه، كما هو الحال في الطلاق، فالحلف به، لا يفيد في حصولها.

إذا عرفت هذه الأُمور يقع الكلام في محورين:

الأوّل: صحة الطلاق بالحلف به عند حصول المعلّق عليه.

الثاني: حكم الزوجة في الفترة التي لم يتحقق المعلّق عليه.

و إليك الكلام في الأوّل:

ص: 29

بطلان الطلاق بالحلف به

اشارة

ذهبت الإمامية كما عرفت إلى بطلانه، و قد اشتهرت الطائفة في باب الطلاق بإنكار أُمور:

1. طلاق المرأة و هي حائض.

2. طلاق المرأة دون حضور عدلين.

3. الحلف بالطلاق.

و الدليل على بطلان الحلف بالطلاق، هو نفس الدليل على بطلان الطلاق المعلّق، لما عرفت من أنّ الأوّل من أقسام الثاني، و نزيده بياناً بما ورد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في خصوص الحلف بالطلاق.

عن أبي أُسامة الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ لي قريباً لي أو صهراً حلف إن خرجت امرأته من الباب فهي طالق ثلاثاً، فخرجت، فقد دخل صاحبها منها ما شاء اللّه من المشقة، فأمرني أن أسألك، فأصغى إليّ، فقال: «مره فليُمسكها فليس بشيء»، ثمّ التفت إلى القوم فقال: «سبحان

ص: 30

اللّه يأمرونها أن تتزوّج و لها زوج».(1)

و نُعيد هنا كلمة لبعض المشايخ، مرّت بنا في الصفحات الماضية، قال: إنّ الزواج عصمة و مودة و رحمة و ميثاق من اللّه. قال تعالى: (وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً )(2) ، و قال سبحانه:

(وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً ). (3) إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة و المودة و الرحمة، و هذا العهد و الميثاق، إلاّ بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكلّ شكّ بأنّ الشرع قد حلّ الزواج، و نقضه بعد أن أثبته و أبرمه.(4)

دليل القائل بالصحّة

استدلّ القائل بالصحّة بما مرّ في الطلاق المعلّق من

ص: 31


1- الوسائل: الجزء 15، الباب 18 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 3.
2- النساء: 21.
3- الروم: 21.
4- الفقه على المذاهب الخمسة: 414.

أنّه التزم أمراً عند وجود شرطه فلزمه ما التزمه مثلاً التزم بأنّه إذا كلّمت الزوجة فلاناً فهي طالق.

يلاحظ عليه: أنّه عبارة أُخرى للتمسّك بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «المسلمون عند شروطهم» و قد سبق انّه لا يستدلّ بالكبرى على صحّة الصغرى فانّ معنى قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «المسلمون عند شروطهم» هو انّهم عند شروطهم التي ثبتت صحّة الاشتراط بها في الإنشاء، دون ما إذا شكّ في صحّة الاشتراط.

و ربما يستدلّ عليه بالإجماع، كما ذهب إلى ذلك السبكي في «الدرة»، و قد عرفت وجود الخلاف بين الصحابة و التابعين فكيف يدّعي الإجماع؟!

حكم المرأة في الفترة

لو قلنا ببطلان الحلف بالطلاق و انّ وجوده و عدمه سيان، تكون المحلوف عليها زوجته، سواء تحقّق المعلّق عليه أو لا، فيكون البحث أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع، و قد مرّ في كلام أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سبحان اللّه يأمرونها أن

ص: 32

تتزوّج و لها زوج».

و أمّا على القول بصحّة الإنشاء و صيرورتها مطلّقة عند تحقّق المعلّق عليه فمقتضى القاعدة جواز مسها في الفترة بين إنشاء الصيغة و تحقّق المعلّق عليه، و قد روى ابن حزم عن ابن عباس جواز مسّها قبل رأس الشهر إذا علّق الطلاق عليه، و مع ذلك نقل عن سعيد بن المسيب حرمة المس قبل رأس شهر.

و يترتب على ذلك التوارث إذا مات أحدهما قبل رأس الشهر، فيرث على قول ابن عباس، لأنّها زوجته و لا يرث على القول الآخر.

كما روى عن مالك التفصيل بين كون المعلّق عليه مشكوك الوجود في المستقبل، فيجوز فيها و يتوارثان إذا مات أحدهما قبل تحقّق المعلّق عليه، دون ما إذا كان محقّق الوجود، فلا يجوز فيها و لا يتوارثان.(1)ه.

ص: 33


1- المحلى: 21410/213، و نقل قولاً رابعاً لا يخلو من إبهام و لذا تركنا نقله.

خاتمة المطاف هل تتعلّق الكفّارة إذا حنث

قال الشهيد: تختصّ الكفّارة بما إذا حلف باللّه أو أسمائه الخاصة لتحقّق ما يحتمل المخالفة و الموافقة في المستقبل.(1)

و قال العلاّمة: اليمين عبارة عن تحقيق ما يمكن فيه الخلاف بذكر اسم اللّه أو صفاته.(2) إلى غير ذلك من الكلمات المتضافرة من اختصاص الكفّارة بالحلف باللّه و صفاته و لا ينعقد الحلف باليمين على غير اللّه و صفاته و إن كان المحلوف به هو الكعبة و القرآن و النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، و على ذلك فالبحث عن الكفّارة على أُصولنا أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع لعدم انعقاد اليمين بغير اللّه و صفاته.

ص: 34


1- الدروس: 2/161.
2- القواعد: 3/266.

نعم ذهبت المالكية إلى أنّ أيمان المسلمين ستة أشياء، و هي: اليمين باللّه تعالى، و الطلاق البات لجميع الزوجات، أو عتق ما يملك من العبيد و الإماء، و التصدق بثلث المال، و المشي بحج وصوم عام. و نُقل قريب من ذلك من الحنابلة.(1)

و اختاره ابن تيمية فقال: إنّ هذا يمين من أيمان المسلمين فيجري فيها ما يجري في أيمان المسلمين، و هو الكفارة عند الحنث، إلاّ أن يختار إيقاع الطلاق فله أن يوقعه و لا كفّارة.(2)

و لكن من أين ثبت انّه من أيمان المسلمين، ليكونَ للطلاق من القداسة ما للفظ الجلالة، فلاحظ.

و من عجيب الأمر ما أحدثه الحجاج بن يوسف الثقفي المعروف بأيمان البيعة، فكان يأمر الناس عند البيعة لعبد الملك بن مروان أن يحلفوا بالطلاق و العتاق و اليمين باللّه و صدقة المال، فكان هذه الأيمان الأربعة، أيمان البيعة3.

ص: 35


1- الموسوعة الفقهية: 17/251.
2- الفتاوى الكبرى: 3/12 و 13.

القديمة المبتدعة.

ثمّ أحدث المستحلفون من الأمراء عن الخلفاء و الملوك و غيرهم أيماناً كثيرة تختلف فيها عاداتهم.(1)

و مع ذلك فلا خلاف بين فقهاء السنة عدا ابن تيميّة في كلامه السابق انّ الحلف بغير اللّه لا تجب بالحنث فيه الكفّارة، إلاّ ما روي عن أكثر الحنابلة في وجوب الكفارة على من حنث في رسول اللّه، لأنّه أحد شطري الشهادتين اللّتين يصير بهما الكافر مسلماً.

ثمّ إنّ الحنث إنّما يتصوّر إذا حلف على الفعل بأن يطلقها في المستقبل عند حصول المعلّق عليه، فإذا حصل و لم يطلق، حصل الحنث دون ما إذا حلف على النتيجة أي صيرورة المرأة مطلقة أو ماله صدقة أو عبده معتقاً بنفس هذه الصيغة إذا حصل المعلّق عليه من دون حاجة إلى صيغة أُخرى، إذ تكون المرأة عندئذ مطلقة، شاء الحالف أم لم يشأ. و مثله كون أمواله صدقة و عبيده عتقاء، و قد مرّ توضيحه عند نقل كلام ابن تيمية.0.

ص: 36


1- الموسوعة الفقهية: 7/250.

ص: 37

ص: 38

[18. الطلاق في الحيض و النفاس أو في طهر المواقعة ]

16 الطلاق في الحيض و النفاس أو في طهر المواقعة

مقدمة

اتّفقت الإمامية على أنّ الطلاق في الحيض و النفاس حرام تكليفاً و باطل وضعاً، و هكذا الطلاق في طهر المواقعة، و أمّا جمهور الفقهاء من السنّة فاتّفقوا على وقوع الطلاق مع اتّفاقهم على وقوع الإثم فيه على المطلِّق. و قبل الخوض في تحرير دليل المسألة، نقدّم أُموراً:

و قبل الخوض في تحرير دليل المسألة، نقدّم أُموراً

الأوّل: تقسيم الطلاق إلى سُنّي و بدعيّ

قسَّم الفقهاء الطلاق من حيث وصفه الشرعي إلى

ص: 39

سُنّي و بدعي; و يريدون بالسنّي ما وافق السنّة في طريقة إيقاعه، و البدعي ما خالف السنّة في ذلك.

فمن مصاديق الطلاق السُّني هو أن يطلّق الزوج زوجته طلقة واحدة رجعية في طهر لم يطأها فيه، و على ذلك فالطلاق في الطهر الذي واقعها أو في حالة الحيض و النفاس طلاق بدعي، و هذا ممّا لا كلام فيه.

الثاني: في تفسير شرطية الطهر في الطلاق السنّي

اتّفقت كلمتهم على أنّ طهارة المرأة من الحيض و النفاس طلاق سنّي و مقابله بدعي، إلاّ أنّ الكلام في مفاد شرطية الطهر، فهل هو شرط الصحة و الإجزاء، أو شرط الكمال و التمام؟ و بعبارة أُخرى: هل التكليف في المقام تكليف وضعي بمعنى كونها شرطاً لصحّة الطلاق و لولاه كان الطلاق باطلاً، أو انّه حكم تكليفي متوجّه إلى المطلِّق، و هو انّه يجب أن يُحلّ العقدة في حال كونها طاهرة من الحيض و النفاس فلو تخلّف

ص: 40

أثم و صحّ الطلاق؟ فالإمامية و قليل من غيرهم كسعيد بن المسيب(1) و ابن عليّة كما يأتي على الأوّل (شرط الصحّة) و أكثر المذاهب على الثاني (حكم تكليفي).

الثالث: نقل كلمات الفقهاء

قال الشيخ الطوسي في «الخلاف»: الطلاق المحرَّم، هو أن يطلّق مدخولاً بها غير غائب عنها غيبة مخصوصة، في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه، فما هذا حكمه فانّه لا يقع عندنا، و العقد ثابت بحاله.

و به قال ابن عليّة، و قال جميع الفقهاء: إنّه يقع و إن كان محظوراً، ذهب إليه أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الأوزاعي و الثوري و الشافعي.(2)

و قال ابن رشد في حكم من طلّق في وقت الحيض: إنّ الجمهور قالوا: يُمضى طلاقه، و قالت فرقة: لا ينفذ و لا يقع، و الذين قالوا: ينفذ، قالوا: يؤمر بالرجعة، و هؤلاء افترقوا فرقتين،

ص: 41


1- تفسير القرطبي: 18/150.
2- الخلاف: 4، كتاب الطلاق، المسألة 2.

فقوم رأوا انّ ذلك واجب، و أنّه يجبر على ذلك، و به قال مالك و أصحابه، و قالت فرقة: بل يندب إلى ذلك و لا يجبر، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و أحمد.(1)

و في الموسوعة الفقهية: اتّفق جمهور الفقهاء على وقوع الطلاق البدعي، مع اتّفاقهم على وقوع الإثم فيه على المطلق لمخالفته السنّة المتقدّمة.

فإذا طلق زوجته في الحيض وجب عليه مراجعتها، رفعاً للإثم لدى الحنفية في الأصح عندهم، و قال القدوري من الحنفية: إنّ الرجعة مستحبة لا واجبة.

و ذهب الشافعي إلى أنّ مراجعة من طلقها بدعياً سنّة، و عبر الحنابلة عن ذلك بالاستحباب.(2)

الرابع: ما هو المراد من القُرء؟

اتّفق الفقهاء على أنّ المطلقات يتربصن بأنفسهن

ص: 42


1- بداية المجتهد: 2/64.
2- الموسوعة الفقهية: 29/35.

ثلاثة قروء، غير أنّهم اختلفوا في معنى «القرء» الذي يجمع على قروء، فالشيعة الإمامية على أنّ المراد منه هو الأطهار الثلاثة.

و قد تبعوا في ذلك ما روي عن علي (عليه السلام); روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنّي سمعت ربيعة الرأي يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه، و إنّما القرء ما بين الحيضتين و زعم انّه أخذ ذلك برأيه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «أخذه عن علي (عليه السلام)» قال: قلت له: و ما قال فيها علي (عليه السلام)؟ قال: «كان يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها و لا سبيل عليها و إنّما القرء ما بين الحيضتين».(1)

روى زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي انّ الاقراء التي سمّى اللّه عزّ و جلّ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: «إنّما بلغه عن علي (عليه السلام)» فقلت: أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك، فقال: «نعم، إنّما القرء الطهر الذي يُقرأ فيه الدم، فيجمعه، فإذا جاء المحيض1.

ص: 43


1- الوسائل: 15، الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 4، و لاحظ الحديث 1.

دفعه».(1)

و ذهب أصحاب سائر المذاهب إلاّ من عرفت إلى أنّ المراد منها هي الحيضات و التحقيق في محلّه، و إنّما ذكرنا ذلك مقدّمة لتفسير الآية الآتية.

الخامس: عدم احتساب الحيضة من العدّة

إذا طلق زوجته في الحيض و النفاس فلا تحسب تلك الحيضة من الإقراء الثلاثة عند القائلين بصحّة الطلاق، بل تحسب الحيضة الثانية بعد انقضاء الأُولى بالدخول في طهرها، و على هذا الأصل ذكر بعض الباحثين بأنّ الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض هو انّ ذلك يُطيل على المرأة العدة، فانّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من عدتها، فتنتظر حتى تطهر من حيضها و تتم مدة طهرها، ثمّ تبدأ العدة من الحيضة التالية.(2)

ص: 44


1- الوسائل: 15، الباب 14 من أبواب العدد، الحديث 4.
2- نظام الطلاق في الإسلام: 27.

هذا على مذهب أهل السنّة من تفسير القروء، و بالتالي العدّة بالحيضات.

و تطول العدة أيضاً على القول بتفسير «القرء» بالطهر، إذا لا تحتسب الحيضة من عدتها فتنتظر حتّى تطهر من حيضها و تبدأ العدة من يوم طهرت.

السادس: طلاق عبد اللّه بن عمر هو الأصل

إنّ دليل القائل بالجواز في حال الحيض رواية عبد اللّه بن عمر، و قد وردت بألفاظ كثيرة، حتّى أوجدت في الرواية اضطراباً، و سيوافيك صورها و معالجة اضطرابها و انطباقها على المختار.

إذا عرفت هذه الأُمور فلنذكر الدليل على بطلان الطلاق.

الاستدلال بالكتاب على شرطية الطهر

يقول سبحانه: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ).(1)

ص: 45

يقول سبحانه: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ).(1)

و الآية ظاهرة في أنّ المسلم إذا أراد أن يطلّق زوجته فعليه أن ينتظر الوقت المناسب للدخول في العدة بحيث يكون الوقت الذي تطلّق فيه جزءاً من العدة، فلو طُلِّقت في حالة الحيض، فانّها لا تحسب منها بالاتّفاق.

قال القرطبي: معنى فطلقوهنّ لعدتهنّ، أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن، و حصل الإجماع على أنّ الطلاق في الحيض ممنوع، و في الطهر مأذون فيه.(2)

توضيح ذلك: انّ الآية دالّة على شرطية الطهارة من الحيض مطلقاً، سواء فسرت ثلاثة قروء و بالتالي قوله: «لعدتهن» بالأطهار الثلاثة، أو بالحيضات الثلاث.3.

ص: 46


1- الطلاق: 1.
2- تفسير القرطبي: 18/153.

و ذلك انّه إذا قلنا بأنّ المراد من قوله «لعدتهن» هي الأطهار الثلاثة، فاللام في قوله: (لِعِدَّتِهِنَّ ) عندئذ ظاهرة في الغاية و التعليل و المعنى فطلقوهن لغاية أن يعتددن، و الأصل هو ترتّب الغاية على ذيها بلا فصل و لا تريّث (ما لم يدلّ دليل على الخلاف)، مثل قوله سبحانه: (وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (1) و قوله تعالى: (وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ )(2) ، و احتمال كون اللام للعاقبة التي ربّما يكون هناك فصل بين الغاية و ذيها، مثل قوله سبحانه: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً ) (3) غير صحيح، لأنّ موردها فيما إذا كانت النتيجة مرتبة على ذيها ترتّباً قهرياً غير إرادي كما في الآية، و مثل قولهم: لدوا للموت و ابنوا للخراب.

و أمّا إذا قلنا بأنّ المراد من قوله: «لعدتهن» هو الحيضات الثلاث فبما انّ الطلاق في حال الحيض حرام8.

ص: 47


1- النحل: 44.
2- النحل: 64
3- القصص: 8.

تكليفاً في عامة المذاهب الفقهية، فلا يصحّ تفسير اللام بالظرفية إن طلقوهن في عدتهن (الحيضات) أو بالغاية فطلقوهن لغاية اعتدادهنّ بعد الطلاق، لما عرفت من أنّ الحيضة التي وقع الطلاق فيها لا تحسب من الثلاث، فلا محيص من تفسير الآية بتقدير كلمة «مستقبلات لعدتهن» كما تقول: «لقيته لثلاث بقين من الشهر» تريد مستقبلاً لثلاث، و بما انّ المراد ب «عدتهن» هو الحيضات الثلاث، فيكون المراد بمستقبلها، هو أيّام الطهر من الحيض، أي طلقوهن في حال كونهن مطهرات، مستقبلات لعدتهنّ، أي الحيضات الثلاث.

قال القرطبي: معنى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أي من قَبْل عدتهن أو لقبل عدتهن، و هي قراءة النبي كما قال ابن عمر في صحيح مسلم و غيره: فَقَبْل العدة آخر الطهر حتى يكون القرء هو الحيض.

هذا و لكن الحقّ هو الوجه الأوّل، فانّ لازم ذلك اختصاص الطلاق بآخر الطهر، و يترتّب عليه انّه لو طلق في أوّل الطهر لا يصلح، إذ لا يكون عندئذ مستقبلاً للعدة، لأنّ

ص: 48

المفروض انّ الحيض لم يقبل بعد، و لعلّ هذا دليل على عدم صحّة تفسير (لِعِدَّتِهِنَّ ) بالحيضات و تعيّن تفسيرها بالأطهار.

و على كلّ تقدير فالآية ظاهرة في شرطية الطهارة في صحّة الطلاق، سواء أ فسرت «العدّة» بالأطهار أو بالحيضات.

الاستدلال بالسنّة

اشارة

تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على اشتراط الطهارة.

روى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كلّ طلاق لغير السنّة فليس بطلاق، أن يطلّقها و هي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقها بطلاق».(1)

هذا ما لدى الشيعة و أمّا ما لدى السنّة فالمهم لديهم في

ص: 49


1- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 9، و غيره.

تصحيح طلاق الحائض هو رواية عبد اللّه بن عمر، حيث طلّق زوجته و هي حائض، و قد نقلت بصور مختلفة نأتي بها.(1)

الأُولى: ما دلّ على عدم الاعتداد بتلك التطليقة

1. روى أبو الزبير قال: سألت جابراً عن الرجل يطلّق امرأته و هي حائض؟ فقال: طلّق عبد اللّه بن عمر امرأته و هي حائض، فأتى عمر رسول اللّه فأخبره بذلك فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): ليراجعها فانّها امرأته.

2. روى نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنّه قال في الرجل يطلّق امرأته و هي حائض، قال ابن عمر: لا يعتدّ بها.

الثانية: ما يتضمّن التصريح باحتساب تلك التطليقة طلاقاً صحيحاً

1. يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته و هي حائض؟ فقال: تعرف عبد اللّه بن عمر؟

ص: 50


1- راجع للوقوف على تلك الصور، السنن الكبرى: 3257/324.

قلت: نعم، قال: فانّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض، فأتى عمر رضى اللّه عنه النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فسأله، فأمره أن يراجعها ثمّ يطلّقها من قبل عدّتها. قال، قلت: فيعتدّ بها؟ قال: نعم، قال: أ رأيت إن عجز و استحمق.

2. يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته، و هي حائض؟ قال: تعرف ابن عمر؟ إنّه طلّق امرأته و هي حائض، فسأل عمر النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فأمره أن يراجعها، قلت: فيعتد بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟ أ رأيت إن عجز و استحمق.

3. يونس بن جبير قال: سمعت ابن عمر قال: طلّقت امرأتي و هي حائض. فأتى عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فذكر ذلك له، فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): ليراجعها، فإذا طهرت فليطلّقها، قال: فقلت لابن عمر: فاحتسبت بها؟ قال: فما يمنعه؟ أ رأيت إن عجز و استحمق.

4. أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر يقول: طلَّقت امرأتي و هي حائض، قال: فذكر ذلك عمر للنبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم)

ص: 51

قال، فقال: ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها. قال: فقلت له يعني لابن عمر: يحتسب بها؟ قال: فمه؟ 5. أنس بن سيرين: ذكر نحوه غير أنّه قال: فليطلّقها إن شاء. قال: قال عمر رضى اللّه عنه: يا رسول اللّه أ فتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم.

6. أنس بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلّق؟ فقال: طلّقتها و هي حائض. فذكر ذلك لعمر رضى اللّه عنه فذكره للنبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلّقها لطهرها.

قال: فراجعتها ثمّ طلّقتها لطهرها. قلت: و اعتدّت بتلك التطليقة التي طلّقت و هي حائض؟ قال: مالي لا أعتدّ بها، و إن كنت عجزت و استحمقت.

7. عامر قال: طلّق ابن عمر امرأته

ص: 52

و هي حائض واحدة، فانطلق عمر إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبره، فأمره إذا طهرت أن يراجعها ثمّ يستقبل الطلاق في عدّتها ثمّ تحتسب بالتطليقة التي طلّق أوّل مرّة.

8. نافع عن ابن عمر رضى اللّه عنه أنّه طلّق امرأته، و هي حائض، فأتى عمر رضى اللّه عنه النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فذكر ذلك له فجعلها واحدة.

9. سعيد بن جبير عن ابن عمر رضى اللّه عنه قال: حُسِبَتْ عليَّ بتطليقة.

الثالثة: ما ليس فيه تصريح بأحد الأمرين

1. ابن طاوس عن أبيه: أنّه سمع ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال: أ تعرف عبد اللّه بن عمر؟ قال: نعم. قال: فإنّه طلّق امرأته حائضاً، فذهب عمر رضى اللّه عنه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها. قال: لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه.

2. منصور بن أبي وائل: إنّ ابن عمر طلّق امرأته، و هي حائض، فأمره النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يراجعها حتى تطهر، فإذا طهرت طلّقها.

3. ميمون بن مهران عن ابن عمر أنّه طلّق امرأته في حيضها، قال: فأمره رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يرتجعها حتى تطهر،

ص: 53

فإذا طهرت فإن شاء أمسك قبل أن يجامع.

4. سئل أبو الزبير عن رجل طلّق امرأته حائضاً؟ قال: طلّق عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما امرأته و هي حائض على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فسأل عمر رضى اللّه عنه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم):

ليراجعها، فردّها عليّ و قال: إذا طهرت فليطلّق أو ليمسك، قال ابن عمر: و قرأ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم): (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أي في قبل عدّتهنّ.

و بعد تصنيف هذه الروايات نبحث عن الفئة الراجحة منها بعد معرفة طبيعة الإشكالات التي تواجه كلاً منها و معالجتها.

معالجة الصور المتعارضة

لا شك أنّ الروايات كانت تدور حول قصة واحدة، لكن بصور مختلفة، فالحجة بينها مردّدة بين تلك الصور

ص: 54

و الترجيح مع الأُولى لموافقتها الكتاب و هي الحجّة القطعية، و ما خالف الكتاب لا يحتج به، فالعمل على الأُولى.

و أمّا الصورة الثالثة، فيمكن إرجاعها إلى الأُولى لعدم ظهورها في الاعتداد و الصحّة، نعم ورد فيه الرجوع الذي ربّما يتوهّم منه، الرجوع إلى الطلاق الملازم لصحّته، لكن ليس بشيء.

فانّ المراد من المراجعة فيها هو المعنى اللغوي لا مراجعة المطلّقة الرجعية، و يؤيّد ذلك أنّ القرآن يستعمل كلمة الرد أو الإمساك، فيقول: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ).(1)

و قال سبحانه: (اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ )(2) ، و قال سبحانه: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )(3) ، و قال تعالى: (وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا )(4).

نعم استعمل كلمة الرجعة في المطلّقة ثلاثاً إذا تزوّجت رجلاً آخر فطلّقها، قال سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ1.

ص: 55


1- البقرة: 228.
2- البقرة: 229.
3- البقرة: 231.
4- البقرة: 231.

بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ).(1)

بقي الكلام في النصوص الدالة على الاحتساب، أعني: الصورة الثانية، فيلاحظ عليها بأُمور:

1. مخالفتها للكتاب، و ما دلّ على عدم الاحتساب.

2. أنّ غالب روايات الاحتساب لا تنسبه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و إنّما إلى رأي ابن عمر و قناعته، فلو كان النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قد أمر باحتسابها، لكان المفروض أن يستند ابن عمر إلى ذلك في جواب السائل، فعدم استناده إلى حكم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) دليل على عدم صدور ما يدل على الاحتساب من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه، فتكون هذه النصوص موافقة للنصوص التي لم تتعرّض للاحتساب، لأنّها كلّها تتّفق في عدم حكم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) باحتساب التطليقة، غايته اشتمل بعضها على نسبة الاحتساب إلى ابن عمر نفسه، و هو ليس حجّة لإثبات الحكم الشرعي.0.

ص: 56


1- البقرة: 230.

و أمّا الرواية الأُولى لنافع فقد نسب الحكم بالاحتساب في إحدى الصيغتين إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه (الرواية 8 من القسم الثاني)، بينما رويت الثانية بصيغة أُخرى تضمّنت النسبة إلى ابن عمر بعدم الاحتساب (الرواية 2 من القسم الأوّل).

و أمّا رواية أنس فرويت بصيغتين تدلاّن على أنّ الحكم بالاحتساب هو قناعة ابن عمر نفسه لا قول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) (الرواية 4 و 6 من القسم الثاني) و بصيغة ثالثة نسبت الاحتساب إلى النبيّ (الرواية 5 من القسم الثاني) و مع هذا الاضطراب لا تصلح الرواية لإثبات نسبة الحكم بالاحتساب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه.

3. أنّ فرض صحّة التطليقة المذكورة لا يجتمع مع أمر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بإرجاعها و تطليقها في الطهر هذا، لأنّ القائلين بصحّة الطلاق في الحيض لا يصحّحون إجراء الطلاق الثاني في الطهر الذي بعده، بل يشترطون بتوسّط الحيض بين الطهرين و إجراء الطلاق في الطهر الثاني. فالأمر من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بإرجاعها و تطليقها في الطهر الثاني ينافي احتساب تلك

ص: 57

تطليقة صحيحة.

4. اشتهر في كتب التاريخ أنّ عمر كان يعتبر ولده عاجزاً عن الطلاق، و ظاهره يوحي بأنّ ما فعله لم يكن طلاقاً شرعاً.

و بعد ملاحظة كل ما قدّمناه يتّضح عدم ثبوت نسبة الاحتساب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و الذي يبدو أنّ النص على فرض صدوره لم يتضمّن احتساب التطليقة من قبل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و انّما هي إضافات أو توهّمات بسبب قناعة ابن عمر أو بعض من هم في سلسلة الحديث، و لذلك اضطربت الصيغ في نقل الحادثة.

بقيت هنا رواية ثالثة لنافع و هي: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته و هي حائض، في عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، فسأل عمر بن الخطاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) عن ذلك؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): فليراجعها، ثمّ ليتركها حتى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد و إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر اللّه عزّ و جلّ أن يطلّق لها النساء.

ص: 58

فالظاهر انّ الرواية من أدلّة القول بالبطلان، إذ لا تدلّ على صحّة التطليقة الأُولى إلاّ بادّعاء ظهور «الرجوع» في صحّة الطلاق و قد علمت ما فيه.

و أمّا أمره بالطلاق في الطهر الثاني بعد توسّط الحيض بين الطهرين حيث قال: «مره فليراجعها، ثمّ ليتركها حتى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر. ثمّ إن شاء أمسك بعد و إن شاء طلّق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر اللّه عزّ و جلّ أن يطلّق لها النساء» و كان بإمكانه أن يطلقها في الطهر الأوّل حسب مختارنا فلعلّ أمره بمضي طهر و حيض، لأجل مؤاخذة الرجل حيث تسرّع في الطلاق و جعله في غير موضعه فأُرغم أن يصبر طهراً و حيضاً، فإذا استقبل طهراً ثانياً فليطلّق أو يمسك.

و بعد كلّ هذا لا يصحّ الاعتماد على رواية عبد اللّه بن عمر، لاضطراب النقل عنه، خصوصاً مع ملاحظة الكتاب العزيز الدالّ على وقوع الطلاق في العدّة.

ص: 59

الطلاق في طهر المواقعة

قد عرفت أنّ الطلاق في حالة الحيض و النفاس حرام تكليفاً و باطل وضعاً و إن ذهب جمهور الفقهاء إلى الحرمة التكليفية دون الوضعية.

بقي الكلام في طلاق الزوجة في طهر المواقعة، فهو أيضاً من الطلاق البدعيّ، حكمه حكم الطلاق في الحيض و النفاس.

و يدلّ عليه من طرق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) صحيحة الفضلاء(1) كلّهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام) انّهما قالا: «إذا طلّق الرجل في دم النفاس أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق».(2)

و روى أيضاً عمر بن أُذينة، عن بكير بن أعين و غيره، عن أبي جعفر (عليه السلام) كلّ ذلك لغير السنّة فليس بطلاق، أن

ص: 60


1- المراد: زرارة و محمد بن مسلم و بكير بن أعين و بُريد و فضيل و إسماعيل الأزرق و معمر بن يحيى.
2- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 5.

يطلقها و هي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها، قبل أن تحيض فليس طلاقه بطلاق».(1)

هذا عند الشيعة الإمامية و أمّا فقهاء السنّة فلهم أقوال ثلاثة:

1. إذا أوقع الزوج الطلاق في طهر جامعها فيه، كان الطلاق عند الجمهور حراماً شرعاً.

2. قالت الحنفية: مكروه تحريميّاً، و هو المسمّى طلاقاً بدعيّاً.

3. ذهبت المالكية إلى القول بتحريم الطلاق في الحيض أو النفاس و يكره في غيرهما.(2)

و على كلّ تقدير فإنّ الطلاق في هذه الحالة حرام تكليفاً، أو مكروه عند المالكية و لا يضرّ بصحّة الطلاق، و يمكن الاستدلال على بطلانه في طهر المواقعة بالكتاب و السنّة.2.

ص: 61


1- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدّمات الطلاق، الحديث 9.
2- الفقه الإسلامي و أدلّته: 7/402.

أمّا الكتاب فلقوله سبحانه: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ).

فإن قلنا بأنّ المراد من قوله: (لِعِدَّتِهِنَّ ) هي الأطهار الثلاثة فواضح، سواء قلنا: إنّ اللام بمعنى «في» فإنّ المراد إيقاع الطلاق في الزمان الذي يصلح للاعتداد، أو بمعنى الغاية و المراد إيقاع الطلاق لغاية الاعتداد، و على كلا الوجهين يجب أن يترتّب الاعتداد على إيقاع الطلاق بلا تريث، فلا تعمّ الآية الطلاقَ في طهر المواقعة، لأنّه لا يصلح للاعتداد، ظرفاً و غاية في عامّة المذاهب.

و أمّا إن قلنا بأنّ المراد بها، هي الحيضات الثلاث، فكذلك، لما عرفت من أنّ المراد بالآية، هو إيقاع الطلاق مستقبلاً لعدتهن، و بما انّ الحيضة التي تقدّمها طهر المواقعة، لا تحسب من العدة، فالآية لا تعمّ إيقاعه في مثل ذلك الطهر، لأنّه ليس من أقسام «مستقبلات عدة».

و أمّا السنّة فيمكن الاستدلال برواية ابن عمر أنّه طلّق امرأة له و هي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، فتغيظ فيها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ثمّ قال: ليراجعها، ثمّ يمسكها حتّى تطهر، ثمّ

ص: 62

تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها، فليطلّقها قبل أن يمسها، فتلك العدّة كما أمر اللّه تعالى.

و في لفظ: فتلك العدّة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء.

و أمّا كيفية الاستدلال: فلأنّ النبي بصدد بيان كيفية إيقاع الطلاق و شروطه، فأمر بإيقاعها في الطهر الثاني بشرط أن لا يمسّها، فلو كان الطلاق في الطهر الذي واقعها صحيحاً، لما خصّه النبي بالطهر المشروط.

و أمّا عدم تجويز إيقاعه في الطهر الأوّل، فلأجل مؤاخذة الرجل حيث تسرّع في الطلاق، و جعله في غير موضعه فأُرغم أن يصبر طهراً و حيضاً، كما مرّ.

ص: 63

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.