سلسله المسائل الفقهیه صلاة التراويح بين السنة و البدعة المجلد 11

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

صلاة التراويح بين السنة و البدعة

ص: 2

[11. صلاة التراويح بين السنة و البدعة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الّذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- آل عمران: 103.

صلاة التراويح

اشارة

إنّ التهجّد في ليالي شهر رمضان سنّة مؤكّدة، ورد في حديث الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) و أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) حسب ما يوافيك بيانه، و التهجّد فيها بنوافلها من أفضل المسنونات و المندوبات، و قد سنّها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و الهدف الذي يتوخّاه هذا المقال هو البحث في جواز إقامتها جماعة و عدمه، و يتجلّى ما هو الحقّ ضمن أُمور:

ص: 5

1 التراويح لغة و اصطلاحاً

التراويح جمع ترويحة، و هي مأخوذة من الراحة بمعنى زوال المشقة و التعب، و الترويحة في الأصل اسم للجلسة مطلقة، و سمّيت الجلسة التي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان بالترويحة، لاستراحة القوم بعد كلّ أربع ركعات، و هي المرّة الواحدة من الراحة، مثل تسليمة من السلام.(1)

ص: 6


1- لسان العرب: 2، مادة روح.

2 قيام ليالي رمضان بالتطوع سنّة مؤكّدة

إنّ قيام ليالي شهر رمضان سنّة مؤكدة(1) حثَّ عليه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في حديثه.

1. أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: لرمضان من صامه إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه.(2)

2. أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: من صام رمضان

ص: 7


1- سنّة مؤكّدة عند الإمامية و ثلاثة من الأئمة و خالفت المالكية.
2- صحيح البخاري: 3/44، باب فضل من قام رمضان; صحيح مسلم: 2/176، باب الترغيب في قيام رمضان و هو التراويح.

إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه، و من قام ليلة القدر إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه.(1)

3. أخرج الشيخ الطوسي باسناده عن أبي الورد، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «خطب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس انّه قد أظلّكم شهر، فيه ليلة خير من ألف شهر، و هو شهر رمضان، فرض اللّه صيامَه، و جعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة، كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، و جعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير و البر، كأجر من أدّى فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ، و من أدّى فيه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ كان كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض اللّه فيما سواه من الشهور...».(2)

4. أخرج الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فسأل هل يزاد فيل.

ص: 8


1- صحيح مسلم: 2/177، الباب نفسه.
2- التهذيب: 3/57، باب فضل شهر رمضان و الصلاة فيه زيادة على النوافل.

شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال: «نعم، قد كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يصلّي بعد العتمة في مصلاّه فيكثر».(1)

5. أخرج الشيخ عن علي بن أبي حمزة، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال له أبو بصير: ما تقول في الصلاة في رمضان؟ فقال له: «إنّ لرمضان لحرمة و حقاً لا يشبهه شيء من الشهور، صلّ ما استطعت في رمضان تطوعاً بالليل و النهار، و إن استطعت في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة فصلّ انّ علياً (عليه السلام) كان في آخر عمره يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة، فصلّ يا أبا محمد زيادة في رمضان» فقال: كم جعلت فداك؟ فقال: «في عشرين ليلة تمضي في كلّ ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات قبل العتمة و اثنتي عشرة بعدها سوى ما كنت تصلي قبل ذلك، فإذا دخل العشر الأواخر فصلّ ثلاثين ركعة كلّ ليلة، ثمان قبل العتمة و اثنتين و عشرين بعد العتمة سوى ما كنت تفعل قبل ذلك».(2)8.

ص: 9


1- التهذيب: 3/60، باب فضل شهر رمضان، الحديث 8.
2- التهذيب: 3/64، باب فضل شهر رمضان، الحديث 18.

3 خير صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة

أخرج أصحاب الصحاح و السنن عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) انّه قال: إنّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة، و انّ للمرء أن يجعل للبيت نصيباً من الصلاة.

1. أخرج مسلم عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم و لا تتّخذوها قبوراً».(1)

2. و أخرج أيضاً عنه عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «صلّوا في بيوتكم و لا تتّخذوها قبوراً».(2)

3. و أخرج أيضاً عن جابر قال، قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً

ص: 10


1- صحيح مسلم: 1882/187 باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.
2- صحيح مسلم: 1882/187 باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.

من صلاته، فانّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً».(1)

4. أخرج مسلم عن أبي موسى، عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «مثل البيت الذي يذكر اللّه فيه و البيت الذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحي و الميت».(2)

5. أخرج مسلم عن زيد بن ثابت، قال: احتجر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حُجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول اللّه يصلّي فيها قال: فتتبع إليه رجال و جاءوا يصلون بصلاته، قال: ثمّ جاءوا ليلة فحضروا و ابطأ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم و حصبوا الباب، فخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مغضباً، فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم):

ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت انّه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فانّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة.(3)

6. أخرج أبو داود عن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في المسجد حجرة، فكان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يخرج من الليل فيصلّي فيها، قال: فصلّوا معه بصلاته يعني رجالاً ود.

ص: 11


1- صحيح مسلم: 1882/187 باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.
2- صحيح مسلم: 1882/187 باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.
3- صحيح مسلم: 1882/187 باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.

كانوا يأتونه كلّ ليلة، حتّى إذا كان ليلة من الليالي لم يخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فتنحنحوا و رفعوا أصواتهم و حصّبوا بابه، قال: فخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مغضباً، فقال: أيّها الناس، ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أن ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فانّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة.(1)

7. أخرج النسائي عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): صلّوا في بيوتكم و لا تتّخذوها قبوراً.(2) و قد شبّه النبي البيت الذي لا يصلّى فيه بالقبر الذي لا يتعبّد فيه.

8. أخرج النسائي عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن جدّه قال: صلّى رسول اللّه صلاة المغرب في مسجد بني الأشهل، فلمّا صلّى قام ناس يتنفّلون فقال النبي: عليكم بهذه الصلاة في البيوت.(3)8.

ص: 12


1- سنن أبي داود: 2/69، حديث 1447.
2- سنن النسائي: 3/197، باب قيام الليل و تطوع النهار.
3- سنن النسائي: 3/198، باب قيام الليل و تطوع النهار; و أخرجه أحمد في المسند: 5/427 و 428.

و على ضوء هذا الإيصاء من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و السنّة التي أوصى بها غير مرة، تكون إقامة صلاة التراويح في شهر رمضان في المساجد مطلقاً سواء أُقيمت جماعة أو فرادى على خلاف السنّة و على خلاف إيصائه (صلى الله عليه و آله و سلم) غير مرّة، إذ تُمسي بيوت المسلمين بذلك كالقبور حيث لا يصلّى فيها و لا يتعبّد.

و لا أدري لما ذا تركت هذه السنّة عبر القرون مع إصرار النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على إقامة النوافل في البيوت؟! و العجب من ابن حزم، فبينما هو يعترف بأفضلية كلّ تطوع في البيوت إذ يستثني منه ما صُلّي جماعة في المسجد، حيث يقول: «مسألة» و صلاة التطوّع في الجماعة أفضل منها منفرداً، و كلّ تطوع فهو في البيوت أفضل منه في المساجد إلاّ ما صُلّي منه جماعة في المسجد فهو أفضل.(1)

و لا يخفى على القارئ الكريم انّ ما استثناه ابن حزم اجتهاد في مقابل النصّ، فكلام الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) مطلق يعمّ حالتي الفرادى و الجماعة، و قد مرّ في رواية سعد بن إسحاق أنّ رسول8.

ص: 13


1- المحلّى: 3/38.

اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل فلما صلّى، قام ناس يتنفّلون، فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): «عليكم بهذه الصلاة في البيوت». فلو كان التنفّل مع الجماعة في المسجد أفضل من التنفّل في البيوت، لأرشدهم النبي إلى ما هو الأفضل مع أنّه قال بضرس قاطع: «عليكم بهذه الصلاة في البيوت» أي اتركوا التنفّل في المسجد مطلقاً فرادى و جماعة و عليكم بها في البيوت.

لقد نقل المعلّق على «المحلّى» تعليقاً في المقام، يدعم ما ذكرنا، قال ما هذا نصه:

«قال ابن حزم ما كان (عليه السلام) ليدع الأفضل، و هذا في هذه الوجهة، ثمّ قال: هنا الجماعة أفضل للمتطوع، و قد علم كلّ عالم انّ عامة تنفّل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان منفرداً فعلى ما أصّل ابن حزم، كيف كان يَدَع الأفضل، فعلمنا انّ صلاة الجماعة تفضل بخمسة و عشرين درجة إذا كانت فريضة لا تطوعاً» و هو نقد وجيه، و هو الحق.

9. أخرج ابن ماجة عن عبد اللّه بن سعد قال: سألت

ص: 14

رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أيّما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: أ لا ترى إلى بيتي ما أقربه إلى المسجد؟! فلأن أُصلّي في بيتي أحبّ إليَّ من أن أُصلّي في المسجد إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة.(1)

قال المعلّق في الزوائد: اسناده صحيح و رجاله ثقات.

10. أخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: «إذا قضى أحدكم صلاته فليجعل لبيته نصيباً، فانّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً».(2)

و لا ينافي ما ذكرنا ما رواه الترمذي مرسلاً عن حذيفة انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى المغرب، فما زال يصلّي في المسجد حتى صلّى العشاء الآخرة.(3) و ذلك لأنّ الحديث محمول على وجود عذر خاص للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) للتنفّل في المسجد بعد المغرب، و قد اتّفق14

ص: 15


1- سنن ابن ماجة: 1/439 برقم 1378.
2- سنن ابن ماجة: 1/438 برقم 1376.
3- سنن الترمذي: 2/500 ذيل حديث 604، و أخرجه أحمد في المسند: 5/414

للنبي التنفّل في المسجد في بعض الليالي، و كان كلّها استثناءً من القاعدة لأجل عذر خاص، كضيق في البيت أو غير ذلك.

فخرجنا بالنتيجة التالية: إنّ التنفّل في المساجد حتّى إقامة نوافل شهر رمضان فيها جماعة أو فرادى على خلاف السنّة النبوية، فعلى المسلمين إقامتها في البيوت لا في المساجد.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى حكم إقامة نوافل شهر رمضان جماعة و التي يطلق عليها صلاة التراويح فنقول:

ص: 16

4 صلاة التراويح جماعة عند الإماميّة

اتّفقت الشيعة الإمامية تبعاً لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على أنّ نوافل شهر رمضان تقام فرادى.

و انّ إقامتها جماعة بدعة حدثت بعد رسول اللّه بمقياس ما أنزل اللّه به من سلطان.(1)

قال الشيخ الطوسي: نوافل شهر رمضان تصلى انفراداً و الجماعة فيها بدعة.(2)

و قال العلاّمة: و لا تجوز الجماعة في هذه الصلاة عند علمائنا أجمع.(3)

ص: 17


1- ذكر ذلك المقياس ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 4/240، و سوف يوافيك نصه.
2- الخلاف: كتاب الصلاة، المسألة 268.
3- التذكرة: 2/282.

و قال في «المنتهى»: قال علماؤنا: الجماعة في نافلة شهر رمضان بدعة.(1)

ترى هذه الكلمة أي إقامة النوافل في شهر رمضان بدعة في عامّة الكتب الفقهية للشيعة الإمامية و لم يختلف فيها اثنان.

و قد تضافرت الأحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على أنّها بدعة محدثة حدثت بعد الرسول، و نذكر بعض ما أُثر عنهم:

1. روى الشيخ الطوسي في التهذيب عن عمّار، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد؟ قال: «لمّا قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي (عليهما السلام) أن ينادي في الناس: «لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة»، فنادى في الناس الحسن بن علي (عليهما السلام) بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا:

وا عمراه، وا عمراه، فلمّا رجع الحسن إلى أمير2.

ص: 18


1- المنتهى: 6/142.

المؤمنين (عليه السلام) قال له: ما هذا الصوت؟ فقال: يا أمير المؤمنين: الناس يصيحون: وا عمراه، وا عمراه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): قل لهم صلّوا».

قال الشيخ الطوسي: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أنكر، أنكر الاجتماع و لم ينكر نفس الصلاة، فلمّا رأى أنّ الأمر يفسد عليه و يفتتن الناس، أجاز و أمرهم بالصلاة على عادتهم.(1)

2. أخرج الكليني عن زرارة و محمد بن مسلم و الفضيل سألوا أبا جعفر الباقر (عليه السلام) و أبا عبد اللّه الصادق (عليه السلام) عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة؟ فقالا: «إنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي، فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته و تركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام (صلى الله عليه و آله و سلم) في اليوم الرابع على منبره، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان0.

ص: 19


1- التهذيب: 3، باب فضل شهر رمضان، الحديث 30.

من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل و لا تصلّوا صلاة الضحى، فإنّ تلك معصية ألا فانّ كل بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار. ثمّ نزل و هو يقول: قليل في سنّة، خير من كثير في بدعة».(1)

و أخرجه الشيخ في التهذيب.(2)

3. أخرج الكليني عن عبيد بن زرارة، عن الصادق (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة، صلّى بعدها، فيقوم الناس خلفه فيدخل و يدعهم، ثمّ يخرج أيضاً فيجيئون فيقومون خلفه، فيدعهم و يدخل مراراً».(3)

و حصيلة هذه الروايات: انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ينهاهم بتركهم و دخوله البيت مرّة بعد أُخرى، غير انّ القوم لأجل رغبتهم في4.

ص: 20


1- الكافي: 4/154.
2- التهذيب: 3/69 باب في فضل شهر رمضان، الحديث 29.
3- الكافي: 4/154.

التنفّل جماعة وراء النبي، حال بينهم و بين ما يصبوا إليه النبي من تركهم و دخول البيت، فلمّا رأى أنّهم يصرّون على ذلك قام في اليوم الرابع على منبره فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: «أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل و لا تصلّوا صلاة الضحى، فانّ تلك معصية ألا فانّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار». ثمّ نزل و هو يقول: «قليل في سنّة خير من كثير في بدعة».(1)م.

ص: 21


1- الفقيه: 1/87، كتاب الصوم.

5 صلاة التراويح جماعة عند أهل السنّة

المشهور عند أهل السنّة هو جواز إقامتها جماعة و عليه عملهم عبر القرون إلاّ أنّهم اختلفوا فيما هو الأفضل من الجماعة و الانفراد:

قال الشافعي: صلاة المنفرد أحبّ إليّ منه.(1)

و اختلف أصحاب الشافعي في ذلك على قولين:

فقال أبو العباس و أبو إسحاق و عامّة أصحابه: صلاة التراويح في الجماعة أفضل بكلّ حال.

و القول الثاني منهم من قال بظاهر كلام الشافعي و انّ صلاة التراويح على الانفراد أفضل منها في الجماعة بشرطين:

ص: 22


1- المجموع: 4/5.

أحدهما: أن لا تختل الجماعة بتأخّره عن المسجد.

و الثاني: أن يطيل القيام و القراءة فيصلّي منفرداً و يفرد أكثر ممّا يفرد إمامه.(1)

قال النووي: اتّفق العلماء على استحبابها و اختلفوا في أنّ الأفضل صلاتها في بيته منفرداً أم في جماعة في المسجد، فقال الشافعي و جمهور أصحابه و أبو حنيفة و أحمد و بعض المالكية و غيرهم: الأفضل صلاتها جماعة، كما فعله عمر بن الخطاب و الصحابة و استمر عمل المسلمين عليه، لأنّه من الشعائر الظاهرة و أشبه بصلاة العيد، و بالغ الطحاوي فقال: إنّ صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية، و قال مالك و أبو يوسف و بعض الشافعية و غيرهم: الأفضل فرادى في البيت لقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «أفضل الصلاة، صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة» متّفق عليه.(2)

و قال الشوكاني: قالت العترة إنّ التجميع فيها بدعة.(3)0.

ص: 23


1- الخلاف: 1/528، المسألة 268 من كتاب الصلاة.
2- شرح صحيح مسلم للنووي: 6/286.
3- نيل الأوطار: 3/50.

و قد فصلّ عبد الرحمن الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة» الأقوال على النحو التالي:

قالت المالكية: الجماعة في صلاة التراويح مستحبة أمّا باقي النوافل، فانّ صلاتها جماعة تارة يكون مكروهاً، و تارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صلّيت بالمسجد، و صلّيت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، و تكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، و وقعت في المنزل و نحوه في الأمكنة التي لا يتردد عليها الناس.

و قال الحنفية: تكون الجماعة سنّة كفاية في صلاة التراويح و الجنازة، و تكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً و الوتر في غير رمضان، و إنّما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاث. أمّا الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مصححان، أحدهما: انّها مستحبة فيه، و ثانيهما: انّها غير مستحبة و لكنّها جائزة، و هذا القول أرجح.

و قالت الشافعية: أمّا الجماعة في صلاة العيدين و الاستسقاء و الكسوف و التراويح و وتر رمضان فهي مندوبة.

ص: 24

و قالت الحنابلة: أمّا النوافل فمنها ما تسنُّ فيه الجماعة و ذلك كصلاة الاستسقاء و التراويح و العيدين، و منها ما تباح فيه الجماعة كصلاة التهجد و رواتب الصلاة المفروضة.(1)

هذه هي أقوال أهل السنّة و آراؤهم.ة.

ص: 25


1- الفقه على المذاهب الأربعة: 407، كتاب الصلاة.

6 صلاة التراويح جماعة في حديث الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)

سيوافيك في الفصل التالي انّ ظاهر الروايات و كلام الخليفة عمر بن الخطاب و ما حوله من كلمات الشرّاح يدلّ على انّ إقامة نوافل رمضان جماعة تستمد مشروعيتها من عمل الخليفة لا من عمل النبي، لكن هناك من يقول بأنّ إقامتها جماعة تستمدّ مشروعيتها من إقامة المسلمين لها وراء النبي في بعض ليالي شهر رمضان و إن كان لا يتجاوز عن ليلة أو ثلاث ليال.

أقول: إنّ النصوص الدالّة على ذلك مختلفة و فيها شذوذ نشير إليها تباعاً.

ص: 26

1. إقامتها ليلة واحدة

أخرج مسلم عن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول اللّه حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يصلّي فيها، قال: فتتبع إليه رجال و جاءوا يصلّون بصلاته، قال: ثمّ جاءوا ليلة فحضروا و أبطأ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) عنهم، قال: فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم و حصبوا الباب، فخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مغضباً، فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت انّه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فانّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة.(1)

تفسير لغات الحديث

1. الحُجيرة بضم الحاء تصغير حُجرة، عَطف الحصير على الخصفة يعرب عن شك الراوي في تعيّن واحد منهم، و معنى الرواية احتجر حجرة أي حوّط موضعاً مند.

ص: 27


1- صحيح مسلم: 2/188، باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد.

المسجد بحصير أو نحوه ليستره ليصلّي فيه و لا يمرّ بين يديه مارّ و لا يتهوش بغيره و يتوفر خشوعه و فراغ قلبه.

2. «فتتبع إليه رجال» أي طلبوا موضعه.

3. «حصبوا الباب» أي رموه بالحصاء و هي الحصاء الصغار تذكيراً له و ظنوا انّه نسي.

فلو صحّ الحديث لدلّ على أنّ المسلمين أقاموا نوافل شهر رمضان جماعة مع الرسول مرة واحدة من دون إذن أو استئذان، فلما جاءوا ليلة أُخرى فحضروا و أبطأ رسول اللّه عنهم فلم يخرج إليهم، رفعوا أصواتهم و حصبوا الباب، فخرج إليهم رسول اللّه مغضباً، و قال ما قال.

فعلى ضوء هذا الحديث لم تثبت مشروعية الجماعة بفعل الرسول، لأنّ القوم اقتدوا به من دون أن يستفسروا و يستبينوا حكمه، و أمّا الليلة الثانية فلم يقم الجماعة أبداً بل ظهرت ملامح الغضب على وجهه لما صدر عنهم من موقف مشين بالنسبة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أوّلاً، و إصرارهم على إقامة النوافل جماعة ثانياً بالرغم من عدم استبانتهم حكمها.

ص: 28

2. إقامتها ليلتين

و هناك روايات أُخرى تخالف الرواية الأُولى، و تذهب إلى أنها أُقيمت جماعةً في ليلتين.

أخرج البخاري عن عروة بن الزبير، عن عائشة أُمّ المؤمنين انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى ذات ليلة في المسجد و صلّى بصلاته ناس، ثمّ صلّى من القابلة فكثر الناس، ثمّ اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فلمّا أصبح، قال: قد رأيت الذي صنعتم و لم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ انّي خشيت أن تفرض عليكم و ذلك في رمضان.(1)

و أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه.(2)

3. إقامتها ثلاث ليال

أخرج البخاري عن عروة انّ عائشة أخبرته انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) خرج ليلة من جوف الليل فصلّى في المسجد و صلّىن.

ص: 29


1- صحيح البخاري: 2/49 باب تحريض النبي على صلاة الليل.
2- صحيح مسلم: 2/177 باب الترغيب في قيام رمضان.

رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدّثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلّى و صلّوا معه، فأصبح الناس فتحدّثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فصلّى و صلّوا بصلاته، فلمّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتّى خرج لصلاة الصبح، فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثمّ قال: «أمّا بعد فانّه لم يخف عليّ مكانكم و لكنّي خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» فتوفّي رسول اللّه و الأمر على ذلك.(1)

و أخرجه مسلم في صحيحه.(2)

أخرج البيهقي عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثمّ لم يقم بنا في الثالثة، و قام بنا في الخامسة، حتّى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول اللّه لو نفلنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إنّه من قام مع الإمام حتّى ينصرفن.

ص: 30


1- صحيح البخاري: 3/45، باب فضل من قام رمضان.
2- صحيح مسلم: 2/177، باب الترغيب في قيام رمضان.

كتب له القيام ليلة، ثمّ لم يقم بنا حتّى بقي ثلاث من الشهر فصلّى بنا في الثالثة و دعا أهله و نساءه، فقام بنا حتّى تخوفنا الفلاح، قلت له: و ما الفلاح؟ قال: السحور.(1)

و على هذه الرواية خرج في الليلة الرابعة (أو الثالثة و العشرين على قول بعضهم)(2) و العشرين و السادسة و العشرين و الثامنة و العشرين.

هذه عمدة ما روي في المقام.

و الأخذ بمضمون هذه الروايات مشكل لوجوه عديدة:

1. الاختلاف في عدد الليالي و تواليها و مواقعها

إنّ بين هذه الروايات تعارضاً و اختلافاً في أُمور ثلاثة:

الأوّل: وجود التعارض بين هذه الروايات في مقدار الليالي التي أقام فيها النبي النوافلَ جماعة، فانّ كلّ واحدة منها1.

ص: 31


1- سنن البيهقي: 2/494، باب من زعم انّها بالجماعة أفضل; و نقله الشوكاني في نيل الأوطار: 3/50، و قال: رواه الخمسة و صححه الترمذي.
2- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/251.

بصدد بيان ذلك، فهل أقامها النبي ليلة واحدة كما هو مضمون الرواية الأُولى؟ أو ليلتين أو ثلاث ليال، كما هو مضمون الطائفتين الأخيرتين؟ و هذا يعرب عن أنّ الرواة لم يضبطوا الواقع بشكل دقيق.

الثاني: الاختلاف في توالي الليالي و عدمه، فصريح رواية البخاري: «انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يُصلّي بصلاته ناس ثمّ صلّى من القابلة» انّ الليالي كانت متوالية، و صريح رواية أبي ذر انّها كانت غير متوالية، فقد صلّى معهم في الليلة الرابعة و العشرين، و السادسة و العشرين، و الثامنة و العشرين.

الثالث: الاختلاف في مواضع الليالي، فالمتبادر من أغلبها أنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى بهم في أوائل الشهر، و صريح رواية أبي ذر انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى بهم في العشر الأُخر.

و مع هذا الاختلاف كيف نؤمن بصحّة ما فيها من المضامين؟!

ص: 32

2. عدم إناطة التشريع برغبة الناس

إنّ قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» يعرب عن أنّ التشريع تابع لإقبال الناس و إدبارهم، و لا أقلّ لإقبالهم، و معنى هذا أنه لو أبدى الناس رغبةً في عمل ما، فربما يُفرض عليهم، مع أن الملاك في فرض شيء، هو وجود مصلحة ملزمة فيه، سواء أ كان هناك رغبة من الناس أم لا، فتشريعه سبحانه ليس تابعاً لرغبة الناس أو إعراضهم و إنّما يتبع الملاكات الواقعية، فالمصلحة الملزمة تستتبع تشريعها، و عدمها عدمه، و لمّا وقف شراح الصحيحين على هذا الإشكال مالوا يميناً و يساراً لحلّه.

قال ابن حجر في شرح جملة: «إلاّ انّي خشيت أن تفرض عليكم» انّ ظاهر هذا الحديث انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) توقع ترتّب افتراض الصلاة في الليل جماعة على وجود المواظبة عليها ثمّ قال: و في ذلك إشكال.

إنّ ابن حجر و إن أحجم عن بيان مقصوده من الإشكال و لكن يمكن أن يكون إشارة إلى أمرين:

ص: 33

1. انّ الأحكام تابعة للملاكات الواقعية لا لرغبة الناس فيها و لا عنها.

2. انّ في الشريعة المقدسة أُموراً واظب عليها النبي و المسلمون كالمضمضة و الاستنشاق، و لم تفرض عليهم، كما أنّ هناك أحكاماً رغب عنها كثير من المسلمين حتى في زمن النبي فضلاً عما بعده و مع ذلك بقيت على ما كانت عليه، و مثال ذلك حكم الجهاد الذي تقاعس عنه بعض المسلمين حتّى واجهوا تقريعه سبحانه و تبكيته حيث قال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ ).(1)

إنّ بعض أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام الباقر و الصادق (عليهما السلام) نقلا كلام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مع أصحابه الذين كانوا مصرّين على إقامة نوافلهم جماعةً مع الرسول، و ليس فيه أيّ إشارة إلى هذا التعليل، فقالا:

«إنّ رسول اللّه حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس8.

ص: 34


1- التوبة: 38.

انّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل...».(1) ترى أنّ الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) حسب هذا النقل علل عدم حضوره لإقامة النوافل جماعة بأنّه أمر غير مشروع لا انّه خشي أن يُكتب عليهم.

3. مخالفة التعليل لنداء المعراج

أخرج أصحاب الصحاح و السنن عن أنس بن مالك قال: فرضت على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ليلة أُسري به الصلوات خمسين، ثمّ نقصت حتّى جعلت خمساً ثمّ نودي يا محمد انّه لا يبدّل القول لدي و إنّ لك بهذه الخمس خمسين.(2)

قال العسقلاني: و قد استشكل الخطابي أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الاسراء انّ اللّه تعالى قال: هنّي.

ص: 35


1- الفقيه: 1/87، كتاب الصوم
2- صحيح البخاري: 1/75، باب كيف فرضت الصلوات في الاسراء; سنن الترمذي: 1/417، باب كم فرض اللّه على عباده من الصلوات، الحديث 213، و اللفظ للترمذي.

خمس و هنّ خمسون لا يبدل القول لديّ، فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة؟!(1) ثمّ ذكر الشارحان العسقلاني و القسطلاني توجيهات و تمحلات لا تغني و لا تسمن من جوع، و قد حكى القسطلاني في إرشاد الساري عن صاحب شرح التقريب تلك التمحلات و انّه قال: و مع هذا فانّ المسألة مشكلة و لم أر من كشف الغطاء عن ذلك.(2)

4. رغبة الصحابة لا تكون ملاكاً للتشريع في حقّ الأجيال

لو افترضنا انّ الصحابة أظهرت اهتماماً بصلاة التراويح بإقامتها جماعة، أ فيكون ذلك ملاكاً للفرض على غيرهم، في وقت لم تكن فيه نسبة الحاضرين إلى الغائبين إلاّ شيئاً لا يذكر؟! فانّ مسجد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يومذاك كان مكاناً محدوداً لا يسع إلاّ لِما يقارب ستة آلاف شخص أو أقل، فقد8.

ص: 36


1- فتح الباري: 3/10.
2- ارشاد الساري: 3/428.

جاء في الفقه على المذاهب الخمسة: كان مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) 35 متراً في 30 متراً ثمّ زاده الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) و جعله 57 متراً في 50 متراً.(1) أ فيصحّ جعل اهتمامهم كاشفاً عن اهتمام جميع الناس بها عبر العصور إلى يوم القيامة.

5. القدر المتيقّن من فعل النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم)

لو افترضنا صحّة مضامين هذه الروايات، فإن الظاهر من روايات الصحيحين انّ النبي خرج في جوف الليل فصلّى في المسجد و هو كناية عن انّه صلّى في المسجد، النوافل الليلية، و هي لا تتجاوز ثماني ركعات، فسواء أقلنا انّه خرج ليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث أو أربع فقد خرج في جوف الليل لإقامة النوافل الليلية فاقتدى به من اقتدى من الصحابة، فعندئذ يكون الثابت من فعل النبي هو هذا المقدار و أين هذا من إقامة صلاة التراويح في عامة شهر رمضان في كلّ ليلة عشرين ركعة، ترويحة بعد أربع ركعات فتكون ستمائة50

ص: 37


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 2850

ركعة إذا كان الشهر تامّاً.

فلو قلنا بأنّ التشريع ثبت بفعل النبي فإنّما ثبت هذا المقدار القليل فما الدليل على الأكثر منه؟ يقول عبد الرحمن الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة»:

روى الشيخان أنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) خرج في جوف الليل ليالي من رمضان، و هي ثلاث متفرقة: ليلة الثالث، و الخامس، و السابع و العشرين، و صلّى في المسجد، و صلّى الناس بصلاته فيها، و كان يصلّي بهم ثماني ركعات و يكملون باقيها في بيوتهم فكان يسمع لهم أزيز، كأزيز النحل.

و قال: و من هذا يتبين انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) سنّ لهم التراويح و الجماعة فيها و لكن لم يصلّ بينهم عشرين ركعة كما جرى عليه من عهد الصحابة و من بعدهم إلى الآن.(1)

و ممّن التفت إلى هذا الإشكال، القسطلاني، قال:

1. انّ النبي لم يسنّ لهم الاجتماع لها.

2. و لا كانت في زمن الصديق.1.

ص: 38


1- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/251.

3. و لا أوّل الليل.

4. و لا كلّ ليلة.

5. و لا هذا العدد.

ثمّ التجأ في إثبات مشروعيتها إلى اجتهاد الخليفة، و سيوافيك الكلام فيه.

و قال العيني: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّها لهم و لا كانت في زمن أبي بكر، ثمّ إنه اعتمد في شرعيته إلى اجتهاد عمر و استنباطه من إقرار النبي الناس يصلّون خلفه ليلتين.(1)

و قال الشاطبي: و ممّن نبّه بذلك من السلف الصالح، أبو أُمامة الباهلي قال: أحدثتم قيام شهر رمضان و لم يكتب عليكم، إنّما كتب عليكم الصيام فدوموا على القيام إذ فعلتموه و لا تتركوه، فانّ أناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعاً لم يكتبها اللّه عليهم ابتغوا بها رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها فعاتبهم اللّه بتركها فقال:

(وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ).(2)1.

ص: 39


1- عمدة القارئ: 11/126.
2- الاعتصام: 2/291.

فلم يبق هنا مبرر لأزيد ممّا ثبت من عمل النبي إلاّ عمل الخليفة و سوف نتكلم فيه.

6. صلاة التراويح بين اللغوية و عدم التشريع

إنّ التشريع الإلهي مصون من اللغو، فالمشرِّع هو اللّه سبحانه، و فعله منزّه عن اللغو و العبث، فعندئذ تتوجه الأسئلة التالية إلى مشروعية نوافل رمضان جماعة في عصر الرسول:

1. إنّ إقامتها جماعة في عصر الرسول لم تخل عن صورتين:

كانت إقامتها كذلك أمراً مشروعاً و سنّ سبحانه لنبيّه أن يقيمها جماعة.

لم تكن مشروعة و كانت الجماعة مختصة بالفرائض.

فلو كانت مشروعة، فلما ذا أهمل النبي تلك السنّة في حياته بل كان عليه أن يجسِّد مشروعيتها حيناً بعد حين على وجه لا يخشى عليها الافتراض مع أنّه لم يفعل كذلك طيلة عمره، بل خرج مغضباً و رادعاً عن هذا الأمر؟!

ص: 40

و هذا يعرب عن كون الواقع هو الأمر الثاني، و انّ إقامة النوافل مطلقاً، أو نوافل شهر رمضان جماعة، كان أمراً غير مشروع، و لذلك صارت متروكة في عصره (صلى الله عليه و آله و سلم) و عصر الخليفة الأوّل و سنين في خلافة الثاني، ثمّ بدا له ما بدا.

2. إذا كانت إقامة صلاة التراويح جماعة، أمراً مشروعاً في الشريعة الإسلامية، فطبع الحال يقتضي أن تكون محددة من جانب الوقت، و أنّه هل تصلّى في أوائل الليل أو أواسطه أو أواخره، كما يجب أن تحدد من حيث عدد الركعات، حتّى لا يكون المصلّون على غمّة من الأمر.

فإذا كان النبي قد صلّى ثماني ركعات في المسجد، و أتمها في بيته، فلما ذا لم يحدّد الركعات، و يبقى الأمر مكتوماً حتّى حدّده عمر بن الخطاب بعشرين ركعة من دون أن ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، فكيف يحتجّ بفعله؟ فإنّ فعل الصحابة و قولهم ما لم يسندهما إلى المعصوم ليسا بحجّة إلاّ على نفسه.

3. كيف يتدخل عمر بن عبد العزيز في أمر الشريعة، فقد أدخل فيها ما ليس منها، ليتساوى في رأيه أهل المدينة

ص: 41

و أهل مكة في الفضيلة و الثواب، فإنّ فتح هذا الباب لعمر بن عبد العزيز و أقرانه، يجعل الشريعة المقدسة شرعة لكلّ وارد، و ألعوبة بيد الحكام يحكمون فيها بآرائهم.

4. ثمّ إنّ عمر بن عبد العزيز جعل عدد ركعاتها (36) ركعة، بحجّة أنّ أهل مكة يطوفون بالبيت بعد كلّ أربع ركعات مرّة، فرأى أن يصلّى بدل كلّ طواف أربع ركعات.

فلو صحّ هذا (يطوفون بالبيت بعد كلّ أربع ركعات)، يجب أن يجعل عدد ركعاتها أربعين ركعة، لأنّ أهل مكة كانوا يطوفون بعد كلّ أربع ركعات مرّة، و من المعلوم أنّهم كانوا حسب هذا التعبير يطوفون بعد عشرين ركعة طوافاً آخر، فيبلغ عد مرات طوافهم خمسة، فلو أقيم مكان كلّ طواف أربع ركعات، لصارت الزيادة مع الأصل أربعين ركعة، عشرون ركعة بدل الطواف مضافة إلى عشرين ركعة مسنونة بالأصل.

نعم على ما نقله ابن قدامة من أنّ الطواف كان بين كلّ ترويحة، يبلغ عدد مرات الطواف أربعة، فيصير عدد الركعات ستاً و ثلاثين.

ص: 42

7. الاختلاف الكبير في عدد ركعاتها

اختلف الفقهاء في عدد ركعات صلاة التراويح، فقال الخرقي في مختصره: و قيام شهر رمضان عشرون ركعة، يعني صلاة التراويح.

و قال ابن قدامة في شرحه على مختصر الخرقي: و المختار عند الإمام أحمد عشرون ركعة، و بهذا قال الثوري، و أبو حنيفة، و الشافعي. و قال مالك: ستة و ثلاثون، و زعم أنّه الأمر القديم، و تعلّق بفعل أهل المدينة.(1)

و قد اعتمد من جعله عشرين ركعة على فعل الخليفة عمر، في حين اعتمد من جعله ستّاً و ثلاثين ركعة على فعل عمر بن عبد العزيز.

قال عبد الرحمن الجزيري في «الفقه على المذاهب الأربعة»: إنّ عددها ليس مقصوراً على الثماني ركعات التي صلاها النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بهم، بدليل أنّها يكملونها في بيوتهم، و قد بيّن7.

ص: 43


1- المغني: 1382/137.

فعل عمر، أنّ عددها عشرون، حيث إنّه جمع الناس أخيراً على هذا العدد في المسجد، و وافقه الصحابة على ذلك. نعم زيد فيها في عهد عمر بن عبد العزيز، فجُعلت ستاً و ثلاثين ركعة، و كان القصد من هذه الزيادة مساواة أهل مكة في الفضل، لأنّهم كانوا يطوفون بالبيت بعد كلّ أربع ركعات مرة، فرأي عمر بن عبد العزيز أن يُصلّى بدل كلّ طواف أربع ركعات.(1)

و ربما يظن القارئ أنّ الاختلاف ينحصر بهذين القولين، و لكن الاختلاف في عدد ركعاتها أوسع من ذلك بكثير إلى حدّ قلّ نظيره في أبواب العبادات.

فمن قائل: إنّ عدد ركعاتها 13 ركعة، إلى آخر: أنّها 20 ركعة، إلى ثالث: أنّها 24 ركعة، إلى رابع:

أنّها 28 ركعة، إلى خامس: أنّها 36 ركعة، إلى سادس: أنّها 38 ركعة، إلى سابع: أنّها 39 ركعة، إلى ثامن:

أنّها 41 ركعة، إلى تاسع: أنّهاح.

ص: 44


1- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/251، كتاب الصلاة، مبحث صلاة التراويح.

47 ركعة، و هلم جرّاً.(1)

إنّ العبادة الجماعية كصلاة التراويح، التي تقيمها الأُمّة الإسلامية في رمضان كلّ سنة، ينبغي أن تكون مبيّنة الحدود على لسان الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)، محددة من جانب الركعات و غيرها من الجهات، لكن تسرّب الفوضى إليها من وجوه شتّى، يكشف عن عدم وجود نص من الرسول في الموضوع، أو وجود رغبة منه في إقامة الأُمّة لها بعد رحيله، فانّ السنّة المؤكدة، أو السنّة المرغوبة فيها تكون بعيدة عن الغمّة.ة.

ص: 45


1- فتح الباري: 4/204، إرشاد الساري: 3/426، عمدة القاري: 11/126. و قد تكلّفوا في الجمع بين هذه الأقوال المتشتّتة.

7 صلاة التراويح جماعة في كلام عمر

لم تنعقد الجماعة لنوافل شهر رمضان في حياة الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) و عصر الخليفة الأوّل و سنين من عصر الخليفة الثاني، بل كان المسلمون يصلّون نوافل شهر رمضان في البيوت و المساجد فرادى.

نعم بدا للخليفة الثاني جمع المصلّين المتفرقين في المسجد على إمام واحد.

و يدلّ على ما ذكرنا ما أخرجه الشيخان في هذا المضمار.

أخرج البخاري عن أبي هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: من قام شهر رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه، قال: ابن شهاب: فتوفّي رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و الأمر على ذلك، ثمّ

ص: 46

كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر و صدراً من خلافة عمر.(1) و أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه.(2)

قوله: «فتوفّي رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و الأمر على ذلك، ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر».

فقد فسّره الشرّاح بقولهم: أي على ترك الجماعة في التراويح، و لم يكن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) جمع الناس على القيام.(3).

و قال بدر الدين العيني: و الناس على ذلك (أي على ترك الجماعة) ثمّ قال: فإن قلت: روى ابن وهب عن أبي هريرة: خرج رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و إذا الناس في رمضان يصلّون في ناحية المسجد، فقال: «ما هذا» فقيل: ناس يصلّي بهم أُبيّ بن كعب، فقال: «أصابوا و نِعمَ ما صنعوا»، ذكره ابن عبد البر. ثمّ أجاب بقوله، قلت: فيه مسلم بن خالد و هو ضعيف، و المحفوظ أنّ عمر رضي اللّه عنه هو الذي جمع3.

ص: 47


1- صحيح البخاري: 3/44، باب فضل من قام رمضان من كتاب الصوم
2- صحيح مسلم: 2/176، باب الترغيب في قيام رمضان.
3- فتح الباري: 4/203.

الناس على أُبيّ بن كعب رضي اللّه عنه.(1)

و قال القسطلاني: و الأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، إلى آخر ما ذكره.(2)

و قال النووي: في شرح قوله «فتوفّي رسول اللّه و الأمر على ذلك» معناه: استمر الأمر هذه المدة على أنّ كلّ واحد يقوم رمضان في بيته منفرداً حتّى انقضى صدر من خلافة عمر ثمّ جمعهم عمر على أُبي بن كعب فصلّى بهم جماعة، و استمر العمل على فعلها جماعة.(3)

و أخرج أيضاً عن عبد الرحمن بن عبد القاري انّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلّي الرجل لنفسه و يصلّي الرجل7.

ص: 48


1- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: 6/125، و جاء نفس السؤال و الجواب في فتح الباري.
2- إرشاد الساري: 3/425.
3- شرح صحيح مسلم للنووي: 6/287.

فيصلّي بصلاته الرهط(1) ، فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثمّ عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى و الناس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه و التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل و كان الناس يقومون أوّله.(2)

قوله: «نِعمَ البدعة»:

إنّ الظاهر من قوله: «نِعمَ البدعة هذه» أنّها من سُنن نفس الخليفة و لا صلة لها بالشرع، و قد صرّح بذلك لفيف من العلماء.

قال القسطلاني: سمّاها (عمر) بدعة، لأنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّ لهم الاجتماع لها، و لا كانت في زمن الصديق، و لا أوّل الليل و لا كلّ ليلة و لا هذا العدد إلى أن قال: و قيام رمضان ليس بدعة، لأنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر و عمر»، و إذا اجتمع الصحابة مع عمر على ذلك زال عنهوم

ص: 49


1- الرهط بين الثلاثة إلى العشرة.
2- صحيح البخاري: 3/44، باب فضل من قام رمضان من كتاب الصوم

اسم البدعة.

و قال العيني: و إنّما دعاها بدعة، لأنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّها لهم، و لا كانت في زمن أبي بكر رضي اللّه عنه و لا رغب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فيها.(1)

و هناك من نقل أنّ عمر أوّل من سنّ الجماعة، نذكر منهم:

1. قال ابن سعد في ترجمة عمر: هو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان بالتراويح، و جمع الناس على ذلك، و كتب به إلى البلدان، و ذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة.(2)

2. و قال ابن عبد البر في ترجمة عمر: و هو الذي نوّر شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه.(3)

قال الوليد بن الشحنة عند ذكر وفاة عمر في حوادث8.

ص: 50


1- عمدة القاري: 6/126 و قد سقط لفظة «لا» من قوله و «رغب» كما أنّ كلمة «بقوله» بعد هذه الجملة في النسخة مصحّف «قوله» فلاحظ.
2- الطبقات الكبرى: 3/281.
3- الاستيعاب: 3/1145 برقم 1878.

سنة 23 ه: و هو أوّل من نهى عن بيع أُمهات الأولاد... و أوّل من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التراويح.(1)

إذا كان المفروض أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّ الجماعة فيها، و إنّما سنَّها عمر، فهل يكفي تسنين الخليفة في مشروعيتها؟ مع أنّه ليس لإنسان حتى الرسول حقّ التسنين و التشريع، و إنّما هو (صلى الله عليه و آله و سلم) مبلغ عن اللّه سبحانه.

إنّ الوحي يحمل التشريع إلى النبي الأكرم و هو (صلى الله عليه و آله و سلم) الموحى إليه و بموته انقطع الوحي و سدّ باب التشريع و التسنين، فليس للأُمة إلاّ الاجتهاد في ضوء الكتاب و السنّة، و لا يحقّ لها التشريع و التسنين، و من رأى أنّ لغير اللّه سبحانه حقّ التسنين فمعنى ذلك عدم انقطاع الوحي.

قال ابن الأثير في نهايته، قال: و من هذا النوع قول عمر: نِعمَ البدعة هذه (التراويح) لما كانت من أفعال الخير و داخلة في حيز المدح سماها بدعة و مدحها، إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّها لهم و إنّما صلاّها ليالي ثمّ تركها، و لم يحافظ عليها، و لا0.

ص: 51


1- روضة المناظر كما في النص و الاجتهاد: 150.

جمعَ الناس لها، و لا كانت في زمن أبي بكر و إنّما عمر جمع الناس عليها و ندبهم إليها، فبهذا سمّاها بدعة و هي في الحقيقة سنّة، لقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين من بعدي»، و قوله: «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر و عمر».(1)

و كلامه و كلام كلّ من برّر كون الجماعة سنّة، دالّ على أنّ للخلفاء حقّ التشريع و التسنين، أو للخليفتين فقط.

التشريع مختص باللّه سبحانه

إنّ هؤلاء الأكابر مع اعترافهم بأنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسنّ الاجتماع، برّروا إقامتها جماعة بعمل الخليفة، و معناه أنّ له حقّ التسنين و التشريع، و هذا يضاد إجماع الأُمّة، إذ لا حقّ لإنسان أن يتدخّل في أمر الشريعة بعد إكمالها، لقوله تعالى: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (2) و كلامه يصادم الكتاب 3

ص: 52


1- النهاية: 1/79.
2- المائدة: 3

و السنّة، فانّ التشريع حقّ اللّه سبحانه لم يفوّضه لأحد و النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) مبلّغ عنه.

أضف إلى ذلك: أنّه لو أُعطي للخليفة الضوء الأخضر في مجال التشريع و التسنين، فلم لا يعطى مثل ذلك الضوء لسائر الصحابة مع كون بعضهم أقرأ منه كأُبي بن كعب، و أفرض كزيد بن ثابت، و أعلم كعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟! و إذا كان الأمر كذلك، و حصل الجميع على ذلك الضوء، لانتشر الفساد و عمّت الفوضى أمرَ الدين، و يكون الدين أُلعوبة بأيدي غير المعصومين.

و أمّا التمسّك بالحديثين، فلو صحّ سندهما فإنّهما لا يهدفان إلى أنّ لهما حقّ التشريع، بل يفيدان لزوم الاقتداء بهما لأجل أنّهما يعتمدان على سنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، لا أنّ لهما حقّ التسنين.

نعم يظهر ممّا رواه السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يعتقد أنّ للخلفاء حقّ التسنين، قال: قال حاجب بن خليفة: شهدتُ عمر بن عبد العزيز يخطب و هو خليفة، فقال

ص: 53

في خطبته: ألا أنّ ما سنّ رسول اللّه و صاحباه فهو دين نأخذ به و ننتهي إليه، و ما سنّ سواهما فإنّا نرجئه.(1)

و على كل تقدير، فنحن لسنا بمؤمنين بأنّه سبحانه فوّض أمر دينه في التشريع و التقنين إلى غير الوحي، و في ذلك يقول الشوكاني: و الحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجة، فإنّ اللّه سبحانه و تعالى لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلاّ نبيّنا محمداً (صلى الله عليه و آله و سلم) و ليس لنا إلاّ رسول واحد، و الصحابة و من بعدهم مكلّفون على السواء باتّباع شرعه و الكتاب و السنّة، فمن قال إنّه تقوم الحجّة في دين اللّه بغيرهما، فقد قال في دين اللّه بما لا يثبت، و أثبت شرعاً لم يأمر به اللّه.(2)

استنباط مشروعيتها من تقرير النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)

نقل القسطلاني عن ابن التين و غيره: إنّ عمر استنبط مشروعيتها من تقرير النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) و من صلّى معه في تلكه.

ص: 54


1- تاريخ المذاهب الإسلامية. كما في بحوث مع أهل السنّة: 235.
2- المصدر نفسه.

الليالي و إن كان كره ذلك لهم فإنّما كرهه خشية أن يفرض عليهم. فلمّا مات النبيّ حصل الأمن من ذلك و رجح عند عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، و لأنّ الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلّين.(1)

يلاحظ عليه: أنّه لو كانت صلاة التراويح أمراً مشروعاً و مما سنّها اللّه سبحانه فلما ذا كرهه النبي؟! و لو كانت الكراهة لأجل الخشية من الفرض، يكفي في دفعها، إقامتها حيناً بعد حين، فدخوله البيت و عدم حضوره في المسجد، طيلة عمره دالّ على أنّها لم تكن مشروعة، إذ لو كانت مسنونة لما تركها النبي بتاتاً، و نحن نعرف انّ التشريع المجرّد عن التطبيق على الصعيد العملي لغو لا يصدر من اللّه سبحانه.

روى أبو يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التراويح و ما فعله عمر، قال: التراويح سنّة مؤكّدة، و لم يتخرص عمر من تلقاء نفسه و لم يكن فيه مبتدعاً و لم يأمر به إلاّ عن أصل لديه و عهد من رسول اللّه. و لقد سنّ عمر هذا و جمع الناس4.

ص: 55


1- فتح الباري: 4/204.

على أبي بن كعب فصلاها جماعة و الصحابة متوافرون من المهاجرين و الأنصار و ما رد عليه واحد منهم بل وافقوه و أمروا بذلك.(1)

لقد برر أبو يوسف عمل الخليفة بالوجوه التالية، التي نناقشها تباعاً:

1. أصل لديه، 2. عهد من رسول اللّه، 3. لم يعترض عليه أحد من الصحابة.

يلاحظ على الأوّل ما ذا يريد من الأصل الموجود لدى الخليفة، و هل كان هذا الأصل يختص بالخليفة أو يعمّ غيره؟ و على الثاني ما هو العهد الذي كان عهده إليه رسول اللّه سوى انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) امتنع من إقامتها جماعة و أمر بإقامتها في البيوت؟ و على الثالث أنّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) اعترض عليه و وصفها بالبدعة و لم تكن له يومذاك آذان صاغية، كما أن روايات سائر أئمة أهل البيت تكشف عن مخالفتهم لهذه3.

ص: 56


1- الموسوعة الفقهية الكويتية: 13827 نقلاً عن فتح القدير: 1/333.

البدعة.

و ختاماً نقول: إنّ ما ثبت عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لا يتجاوز عن انّه صلّى صلاة الليل ليلة أو ليلتين إلى أربع ليالي جماعة ثمّ دخل بيته و لم يخرج، فلو قلنا بأنّ عمل النبي هذا في هذه الظروف المحدقة بالإبهام حجّة، و غضضنا النظر عمّا حوله من ردود من النبي على إقامتها جماعة، فلا يصحّ لنا إلاّ هذا المقدار (ثماني ركعات) بشرط أن تكون الصلاة صلاة الليل لا مطلق النوافل.

ص: 57

خاتمة المطاف

اشارة

و فيها أُمور:

1 إقامة التراويح جماعة غفلة عن حكمة اللّه

لو كانت إقامة التراويح جماعة، سنّة مؤكدة، كان على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يوصي بإقامتها بعد رحيله، لارتفاع خوف الفرض على المسلمين برحيله. و مع ذلك لم ينبس (صلى الله عليه و آله و سلم) بذلك ببنت شفة، بل دخل بيته مغضباً، و لم يُقمها جماعة إلاّ مرّة أو مرّتين أو ثلاث، كلّها على مضاضة.

و ذلك يشير إلى أنّ الحكمة تكمن في إقامتها فرادى في البيوت لا في المساجد، و كان (صلى الله عليه و آله و سلم) أعرف بمصالح ذلك

ص: 58

العمل، الذي يُعطي للبيوت حظاً من البركة.

إنّ لتشريعات الإسلام و شعائره أسراراً و حكماً تدركها العقول تارة، و تخفى عليها تارة أُخرى، تغيب عن أذهان بعضهم آونة، و تنكشف لآخرين آونة أُخرى، تُجهل في مقطع زمني معيّن، و تُعلم في مقطع آخر.

و ممّا لا شكّ فيه أنّ من وراء سنّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) (الذي لا ينطق عن الهوى) في عدم إقامة صلاة التراويح جماعة، حكمةٌ سامية، قد تتجلى في الآثار الإيجابية التي تترتّب على إقامتها في البيوت فرادى، حيث يقف المصلّي بين يدي ربّه عزّ و جلّ خاشعاً خائفاً راجياً، يبثّه همومه و أحزانه، و يستمطر رحمته و عفوه و غفرانه، ينقطع إليه تعالى بكلّه لا يشغله عن ذلك شاغل، و لا تكدّر موقفه شائبة من شوائب العجب و التباهي و الرياء.

ثمّ إنّ إقامتها في البيوت يشيع عليها جواً من الإيمان و الطهر و البركة و الصفاء، حيث لا يخلو البيت من ذكر و تسبيح و صلوات.

ص: 59

و لا ريب أنّ من يقطن في البيت (من زوجة و أولاد و غيرهم) سوف يعيش في رحاب هذه الأجواء، و يتنسَّم أريجها الفوّاح، و ذلك لعمري من العوامل التربوية المهمة في الأخذ بأيديهم إلى حيث الهدى و الصلاح و الاستقامة و السلوك القويم.

يقول السيد شرف الدين: إنّ فائدة إقامتها في البيت فرادى، و هي إنّ المصلّي حين يؤديها ينفرد بربه عزّ و علا يشكو إليه بثّه و حزنه و يناجيه بمهماته مهمة مهمة حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من اللّه تعالى إلاّ إليه، و لا منجي منه إلاّ به.

لهذا ترك اللّه السنن حرة من قيد الجماعة ليتزوّدوا فيها من الانفراد باللّه ما أقبلت قلوبهم عليه، و نشطت أعضاؤهم له، يستقلّ منهم من يستقل، و يستكثر من يستكثر، فإنّها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيّد البشر.

ص: 60

إمّا ربطها بالجماعة فيحدّ من هذا النفع، و يقلّل من جدواه.

أضف إلى هذا أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة و الشرف بالصلاة فيها، و يمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها و النشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء و الأُمهات و الأجداد و الجدّات، و تأثيره في شد الأبناء إليها شدّاً يرسخها في عقولهم و قلوبهم، و قد سأل عبد اللّه بن مسعود رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): أيّما أفضل، الصلاة في بيتي، أو الصلاة في المسجد؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم) «أ لا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد، فلأن أُصلّي في بيتي أحب إليّ من أن أُصلّي في المسجد إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة» رواه أحمد و ابن ماجة و ابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب و الترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. و عن زيد بن ثابت أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «صلّوا أيّها الناس في بيوتكم فانّ أفضل

ص: 61

صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة» رواه النسائي و ابن خزيمة في صحيحه.(1)

و حصيلة الكلام: قد روي عن النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) انّه قال: «فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم فانّ أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة».(2)

و أمر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بأداء النوافل في البيوت ابتعاداً عن الرياء و السمعة مطلقاً و ليس مقيّداً بزمانه، و هذا يدلّ على مرجوحيّة أداء النوافل في المساجد.

فلو كانت الجماعة مشروعة في النوافل لكان الإتيان بها في المساجد جماعة أفضل من الإتيان بها في البيوت، إلاّ أنَّ تصريح النبي بأنّ الإتيان بها في البيوت أفضل كما في الحديث، فهذا ممّا يلوّح على الأقلّ بعدم مشروعيّة الجماعة فيها.61

ص: 62


1- النص و الاجتهاد: 151 152.
2- سنن النسائي: 3/161

2 تقديم المصلحة على النصّ

إنّ عمل الخليفة لم يكن إلاّ من قبيل تقديم المصلحة حسب تشخيصه على النص و ليس هذا المورد وحيداً في حياته بل له نظائر في عهده نظير:

1. تنفيذ الطلاق ثلاثاً بعد ما كان في عهد الرسول و بعده و سنين من عهده طلاقاً واحداً.

2. تحريم متعة الحجّ و قد تمتع الصحابة في عصر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).

3. تحريم متعة النساء.

يقول أحمد أمين المصري: ظهر لي أنّ عمر بن الخطاب كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرناه، و ذلك أنّ ما ذكرناه هو استعمال الرأي حيث لا نصّ من كتاب و لا

ص: 63

سنّة، و لكنّا نرى الخليفة سار أبعد من ذلك، فكان يجتهد في تعرّف المصلحة التي لأجلها نزلت الآية أو ورد الحديث، ثمّ يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه، و هو أقرب شيء إلى ما يعبّر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيّته.(1)

إنّ الاسترشاد بروح القانون الذي أشار إليه أحمد أمين أمر، و نبذ النص و العمل بالرأي أمر آخر، و لكن الطائفة الثانية كانت تنبذ النص و تعمل بالرأي، و ما روي عن الخليفة في هذه المسألة و نظائرها من هذا القبيل.ب.

ص: 64


1- فجر الإسلام: 238، نشر دار الكتاب.

3 تقسيم البدعة إلى الحسنة و السيئة بدعة

قد سمعت من أنّ الخليفة سمّى عمله بدعة حسنة، أو سمّى اجتماع الناس على إمامة أُبيّ بن كعب، بدعة حسنة، فإذا كانت البدعة عبارة عن التدخل في أمر الشريعة، فليس له إلاّ قسم واحد لا يثنّى و لا يكرر.

إنّ إقامة صلاة التراويح جماعة لا تخلو من صورتين:

الأُولى: إذا كان لها أصل في الكتاب و السنّة، فعندئذ يكون عمل الخليفة إحياءً لسنّة متروكة، سواء أراد إقامتها جماعة أو جمعهم على قارئ واحد، فلا يصحّ قوله: «نعمت البدعة هذه» إذ ليس عمله تدخّلاً في الشريعة.

الثانية: إذا لم يكن هناك أصل في المصدرين الرئيسين،

ص: 65

لا لإقامتها جماعة أو لجمعهم على قارئ واحد، و إنّما كره الخليفة تفرّق الناس، و لأجل ذلك أمرهم بإقامتها جماعة، أو بقارئ واحد، و عندئذ تكون هذه بدعة قبيحة محرّمة.

ص: 66

4 بين السنة و البدعة

البدعة في الدين من كبائر المعاصي و عظائم المحرمات، لأنّ المبتدع ينازع سلطان اللّه تبارك و تعالى في مجالي العقيدة و الشريعة و يتدخّل في دينه فيزيد فيه و ينقص منه افتراء على اللّه سبحانه.

فإذا دار أمر العبادة بين كونها سنّة أو بدعة فاللازم تركها، لأنّ روح العبادة هو قصد التقرّب بإتيانها و لا يتمشّى قصد القربة بصلاة يحتمل كونها بدعة.

نحن نفترض أنّ ما سردناه من الأدلّة على عدم مشروعية التراويح جماعة، لم يفد اليقين بأنّ صلاة التراويح بدعة لكنّها تورث الشك في مشروعيتها، و مجرّد الشكّ فيها

ص: 67

كاف في إلزام العقل بتركها، إذ لا يجوز التعبّد بعمل مشكوك.

فاللازم على المسلم المحتاط إقامة نوافل شهر رمضان بين الأهل و العيال في البيوت فرادى عسى أن يقيض اللّه رجالاً متحررين عن قيد التقليد، يستنبطون الأحكام من الكتاب و السنّة من جديد، و ذلك ببناء نهضة علمية وثّابة تعالج الخلافات الفقهية من جذورها، انّه خير مأمول و خير مجيب.

ص: 68

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.