سلسله المسائل الفقهیه متعة الحجّ على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 10

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

متعة الحجّ على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[10. متعة الحجّ على ضوء الكتاب و السنّة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

متعة الحجّ

التمتّع بمعنى التلذّذ، يقال: تمتّع و استمتع بكذا و من كذا: انتفع و تلذّذ به زماناً طويلاً، و المتعة في مصطلح الفقهاء يستعمل في موارد ثلاثة:

1. متعة الحجّ الواردة في قوله سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ). (1) و سيوافيك توضيحها.

2. متعة الطلاق، و هي ما تصل إلى المرأة بعد الطلاق من قميص و إزار و ملحفة، و إليه يشير قوله سبحانه: (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ).(2)

ص: 5


1- . البقرة: 196.
2- . البقرة: 236.

و هل هذه المتعة لخصوص من لم يسمّ لها صداق؟ أو لكلّ مطلقة سوى المختلعة و المباراة و الملاعنة؟ أو لكلّ مطلقة سوى المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فانّ لها نصف الصداق و لا متعة لها خلاف.(1)

3. متعة النساء و يسمّى بالزواج المؤقت، و هي عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا و الاتّفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق، و يجب عليها مع الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض، و إلاّ فبخمسة و أربعين يوماً.

و الأصل فيه قوله سبحانه: (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا0.

ص: 6


1- . مجمع البيان: 1/340.

بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ).(1)

و المتعة بالمعنى الأوّل و الثاني مورد اتّفاق بين الفقهاء، و اختلفوا في المتعة بالمعنى الثالث; فالشيعة الإمامية على حلّيّتها و عدم منسوخيتها، و أكثر الجمهور على التحريم، و التفصيل في محلّه.4.

ص: 7


1- . النساء: 24.

أقسام الحج الثلاثة

ينقسم الحجّ إلى أقسام ثلاثة: تمتع، و قران، و إفراد.

فلنبيّن هذه الأقسام على ضوء المذهب الإمامي ثمّ نردفه بتوضيحها وفقاً لمذهب أهل السنّة.

أمّا التمتع في الفقه الإمامي فهو عبارة عن إحرام المكلّف من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت، و يصلّي ركعتي الطواف بالمقام، و يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّر، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه، فله التمتّع بأي شيء شاء من الأُمور المحلّلة بالذات إلى أن ينشئ إحراماً آخر للحجّ.

ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحج من مكة يوم التروية و إلاّ فيما يعلم معه إدراك الوقوف، ثمّ يمضي إلى عرفات

ص: 8

فيقف بها إلى الغروب، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام فيقف به بعد طلوع الفجر، ثمّ يفيض إلى منى و يرمي جمرة العقبة، ثمّ يذبح هديه، ثمّ يحلق رأسه، ثمّ يأتي مكة ليومه أو من غده، فيطوف للحج و يصلّي ركعتين، ثمّ يسعى سعي الحجّ، ثمّ يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه، ثمّ يعود إلى منى ليرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث، يوم الحادي عشر، و الثاني عشر.(1)

و أمّا الإفراد فهو أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها، ثمّ يقف بالمشعر الحرام، ثمّ يأتي منى فيقضي مناسكه بها، ثمّ يأتي إلى مكة يطوف بالبيت للحج و يصلّي ركعتين و يسعى للحجّ و يطوف طواف النساء و يصلي ركعتين، فيخرج من الإحرام فيحل له كلّ المحرمات.

ثمّ يأتي بعمرة مفردة من أدنى الحلّ.7.

ص: 9


1- . تحرير الأحكام: 1/557.

و أمّا القِران فهو نفس حجّ الإفراد إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياقَ الهدي، و إنّما يسمّى بالقِران لسوقه الهدي فيقرن حجّه بسوقه. فالقران و الإفراد شيء لا يفترقان إلاّ في حال واحدة، و هي انّ القارن يسوق الهدي عند إحرامه، و أمّا من حجّ حجّة الإفراد فليس عليه هدي أصلاً.

إنّ التمتع فرض من نأى عن المسجد الحرام و ليس من حاضريه، و لا يجزئه غيره مع الاختيار.

و أمّا القران و الإفراد فهو فرض أهل مكة و حاضريها.

و حدّ حاضري المسجد الحرام الذين لا متعة عليهم من كان بين منزله و مكة دون 48 ميلاً من كلّ جانب، و يعادل 88 كيلومتراً.(1)

و الحاصل: انّ من نأى عن مكة أكثر من 48 ميلاً لا يجوز له إلاّ التمتع.

و أمّا القران و الإفراد فهما فرض أهل مكة و من كانً.

ص: 10


1- . ربما قيل 12 ميلاً، فيعادل 22 كيلومتراً.

بينه و بينها دون 48 ميلاً أو دون 12 ميلاً، و لا يجوز لهما غير هذين النوعين.

ثمّ إنّ من وظيفته التمتع لا يجوز أن يعدل إلى غيره، إلاّ لضيق وقت أو حيض، فيجوز العدول حينئذ إلى الإفراد على أن يأتي بالعمرة بعد الحجّ. و حدّ الضيق هو انّه إذا اعتمر لا يتمكّن من الوقوف بعرفة عند الزوال.

و لا يجوز لمن فرضه القران أو الإفراد كأهل مكة و ضواحيها أن يعدل إلى التمتع إلاّ مع الاضطرار، كخوف الحيض المتوقّع. هذه هي صور أقسام الحجّ الثلاثة، و يتلخص الكلّ في الأُمور التالية:

1. انّ حجّ التمتع للنائي عن مكة و حجّ الإفراد و القران لغير النائي.

2. لا يجوز للمتمتع أن يعدل إلى غيره إلاّ عند الضرورة، و هكذا للمفرد و القارن إلاّ عند الضرورة.

3. انّ حجّ الإفراد و القران شيء واحد يفترقان في

ص: 11

سوق الهدي و عدمه.

4. لا يجوز التداخل بين إحرامين، فلا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراماً آخر حتّى يكمل أفعال ما أحرم له.

5. و يشترط في حجّ التمتع وقوعه في أشهر الحجّ و هي: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجّة و أن يأتي بالحجّ و العمرة في سنة واحدة، و لو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتع بها.(1)

إلى هنا تمّ بيان صور الأقسام الثلاثة على مذهب الإمامية، و إليك بيان أقسام الحجّ وفق مذهب أهل السنّة، فنقول:

قالوا: من أراد الحجّ و العمرة جاز له في الإحرام بهما ثلاث كيفيات.

الأوّل: الإفراد، و هو أن يحرم بالحجّ وحده، فإذا فرغة.

ص: 12


1- . راجع الشرائع: 1771/174; و تحرير الأحكام: 5591/557; جواهر الكلام، و غيرها من الكتب الفقهية للشيعة الإمامية.

من أعماله أحرم بالعمرة و طاف و سعى لها و يأتي بأعمال العمرة.

الثاني: القران، و هو الجمع بين الحج و العمرة في إحرام واحد حقيقة أو حكماً (و سيوافيك تفصيلهما).

الثالث: التمتع، و هو أن يعتمر أوّلاً ثمّ يحجّ من عامه.

هذا إجمال الأقسام الثلاثة عند مذهب أهل السنّة، و في تفاصيلها اختلاف بينهم.

فالذي يهمنا أمران:

الأوّل: تفسير القِران، فالقِران عند أهل السنّة هو الجمع بين الحجّ و العمرة في إحرام واحد، و صفة القران عندهم أن يُهل بالعمرة و الحج معاً من الميقات و يقول: اللّهم إني أريد الحجّ و العمرة فيسِّرهما لي و تقبّلهما مني، فهي عندهم كحجّ التمتع إلاّ أنّه يهلّ بالعمرة و الحجّ بنيّة واحدة و لا يتحلّل بين العمرة و الحجّ.

ص: 13

و في «المغني» لابن قدامة: إنّ الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة:

1. تمتع، و إفراد، و قران.

فالتمتع أن يُهلَّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحجّ من عامه.

و الإفراد أن يهل بالحجّ مفرداً.

و القران أن يجمع بينهما في الإحرام بهما أو يحرم بالعمرة ثمّ يدخل عليها الحجّ قبل الطواف، فأي ذلك أحرم به جاز.

و أمّا الأفضل، فاختارت الحنابلة انّ الأفضل هو التمتع ثمّ الافراد ثمّ القران، و ممّن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و عائشة و حسن و عطاء و طاووس و مجاهد و جابر بن زيد و القاسم و سالم و عكرمة و هو أحد قولي الشافعي.

و روى المروزي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، و إن لم يسقه فالتمتع أفضل، لأنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قرن

ص: 14

حين ساق الهدي و منع كلّ من ساق الهدي من الحل حتّى ينحر هديه.(1)

هذا إجمال ما عليه المذاهب الأربعة، و لعلّ الاختلاف بين المذهب الإمامي و سائر المذاهب في ماهية النسك الثلاثة، قليل، و لو كان هناك اختلاف فإنّما هو في موضعين:

1. في تفسير القران، فحجّ القران عند الإمامية هو نفس حجّ الافراد، غير انّ المفرد لا يسوق الهدي و القارن يسوق.

و سوق الهدي شأن غير النائي عن مكة بالمقدار المذكور.

2. انّهم بتفسير القران بالجمع بين العمرة و الحج، جوّزوا ذلك بالصورتين التاليتين:

أ. أن يهلّ بالعمرة و الحجّ معاً من الميقات بنيّة الأمرين معاً، و هو الجمع الحقيقي.3.

ص: 15


1- . المغني: 3/233.

ب: أن يهلّ بالعمرة فقط ثمّ بالحجّ قبل أن يطوف للعمرة أكثر الطواف.

قال ابن رشد: أمّا القران فهو أن يهلّ بالنسكين معاً أو يهلّ بالعمرة في أشهر الحجّ ثمّ يردف ذلك بالحجّ قبل أن يحل من العمرة و القارن يلزمه الهدي إن كان آفاقيّاً و إلاّ فلا.

و ربّما يقال و يصحّ العكس عند أكثر الفقهاء بأن يحرم بالحجّ ثمّ يدخل العمرة عليه، لكنّه مكروه عند الحنفية.(1)

و أمّا الشيعة الإمامية فلا تجوّز القران بين الحجّ و العمرة بنيّة واحدة، و لا إدخال أحدهما على الآخر، و لا بنيّة حجّتين و لا عمرتين في سنة واحدة.

إذا عرفت ذلك فتحقيق المقام رهن البحث في أُمور:8.

ص: 16


1- . راجع: بداية المجتهد: 3013/293; الهداية في شرح البداية: 1541/150; المغني: 3/232; الفقه على المذاهب الأربعة: 6951/688.

البحث في أُمور

الأوّل: في بيان الأحكام الواردة في الآية

اشارة

يقول سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ).(1)

الآية المباركة تتضمن أحكاماً نشرحها حسب مقاطع الجمل.

ص: 17


1- . البقرة: 196.

1. إتمام الحج و العمرة للّه

يقول سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ ) فما هو المراد من الإتمام؟ إنّه سبحانه يأمر بإتمام الحجّ و العمرة، و المراد من الإتمام في المقام و غيره هو إنجاز العمل كاملاً لا ناقصاً، كما أنّ المراد من كون الإتمام للّه، كون العمل بعيداً عن الرياء و السمعة، و الذي يعرب عن كون المراد من الإتمام هو الإكمال، أمران:

أ: أُطلق الإتمام في القرآن الكريم و أُريد به الإكمال، كقوله سبحانه: (وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) (1) و قوله سبحانه: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (2) و قوله سبحانه: (وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (3) و قوله سبحانه: (وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ

ص: 18


1- . البقرة: 124.
2- . البقرة: 187.
3- . التوبة: 32.

وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ ).(1)

ب: قوله سبحانه: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) أي منعكم حابس قاصر عن إتمام الحجّ فعليكم بما استيسر من الهدي، فالجملة قرينة على أنّ المراد من الإتمام، الإكمال.

و على ذلك جرى المفسرون في تفسير الجملة الآنفة الذكر، قال الشيخ الطوسي: يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيها، ثمّ عزاه إلى مجاهد و المبرد و أبي علي الجبائي.(2)

و قال الرازي: إنّ الإتمام يراد به فعل الشيء كاملاً و تامّاً، فالمراد الإتيان به بما جاء في ذيل الآية من حكم الحصر.(3)

هذا هو المفهوم من الآية، و أمّا تفسير الآية بإفراد كلّ واحد منهما بإنشاء سفر مستقل، فممّا لا تدلّ عليه الآية.9.

ص: 19


1- . يوسف: 6.
2- . التبيان: 1/154.
3- . تفسير الرازي: 5/139.

نعم انّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يفرّقون بين الحجّ و العمرة، فكانوا يأتون بالعمرة في غير أشهر الحج و بالحجّ في أشهره، و كانوا يفردون كلاًّ عن الآخر، و كانت سيرتهم على ذلك إلى أن أدخل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) العمرةَ في الحجّ حتّى أمر من لبّى بالحج في أشهر الحجّ و أحرم له، أن يجعله عمرة ثمّ يتحلّل و يحرم للحج ثانياً، و قال (صلى الله عليه و آله و سلم): «دخلت العمرة في الحجّ إلى الأبد» كما سيوافيك تفسيره.

نعم روي ذلك مرفوعاً عن أبي هريرة، كما روي أنّ عمر كان يترك القران و التمتع و يذكر أنّ ذلك أتمّ للحجّ و العمرة و أن يعتمر في غير شهور الحجّ، فانّ اللّه تعالى يقول: (اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) و روى نافع عن ابن عمر أنّه قال: «فرّقوا بين حجِّكم و عمرتكم».(1)

كما روي ذلك القول عن قتادة أنّه قال: «الاعتمار في غير أشهر الحج»(2) ، و لعلّه أراد العمرة المفردة لا عمرة4.

ص: 20


1- . تفسير الرازي: 5/145.
2- . التبيان: 1/154.

التمتّع التي لا تنفكّ عن الحجّ.

فظهر ممّا ذكرنا انّ المراد بإتمام الحجّ و العمرة للّه هو إكمالهما على النحو المقدور، فإن لم يمنع حابس يكمله بإتيان عامّة الأجزاء و إن حُصِر، يخرج من الإحرام على النحو الذي سيوافيك، و هو أيضاً نوع من الإتمام.

و أمّا تفسير الإتمام بإنشاء السفر لكلّ من العمرة و الحجّ، فغير مفهوم من الآية و مخالف لسيرة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) حيث أمر أصحابه بإدخال العمرة في الحجّ و تبديل النيّة من الحجّ إلى العمرة، و قد كان ذلك شاقّاً على أصحابه، لأنّهم كانوا قد احرموا للحجّ على النحو الرائج في العصر السابق، فمن حاول تفسير الآية بتفكيك العمرة عن الحجّ بإنشاء سفرين: أحدهما في أشهر الحجّ و الآخر يعني: العمرة في غيره، فقد فسَّر الآية برأيه أوّلاً، و خالف سنّة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ثانياً.

ص: 21

2. إذا أُحصر بالعدو أو المرض

لمّا أمر سبحانه حجاج بيته بإتمام الحجّ و العمرة و إكمالهما، حاول بيان وظيفة المحصر الذي يمنعه حابس عن إكمال الحجّ و العمرة، فقال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ).

أصل الحصر، الحبس، و منه يقال للّذي لا يبوح بسرّه «حَصِر» لأنّه حبس نفسه عن البوح، و المعروف انّ لفظ الحصر مخصوص بمنع العدو إذا منعه عن مراده و ضيّق عليه، و ربما يستعمل في مطلق المانع و يقال: أُحصر بالمرض و حُصر بالعدو.

و على ذلك فالمحصِر عليه التحلّل بالذبح، و لا يتحلّل قبل الذبح كما قال سبحانه: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي ما تيسّر منه، و قيل الهدي جمع الهدية كالتمر جمع التمرة، و المراد من الهدي ما يهدى إلى بيت اللّه عزّ و جلّ تقرّباً إليه، أعلاه بدنة، و أوسطه بقرة، و أيسره شاة.

ص: 22

3. لا يتحلّل قبل الذبح

إنّ المحصر يتحلّل بالذبح، فلا يتحلّل من الإحرام حتّى ينحر أو يذبح. قال سبحانه: (وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) و أمّا ما هو المراد من المحل؟ فهناك أقوال ثلاثة:

أ: الحرم فإذا ذبح به في يوم النحر أحل.

ب: الموضع الذي يُصدّ فيه، لأنّ النبي نحر هديه بالحديبية و أمر أصحابه ففعلوا مثل ذلك، و ليست الحديبية من الحرم.

ج: التفصيل بين المحصر بالعدو، و المحصر بالمرض. فالأوّل يذبح في المحل الذي صُدّ فيه، و أمّا الثاني ينتظر إلى أن يذبح في يوم النحر.

4. حكم المريض و من برأسه أذى

لمّا منع سبحانه حلق الرأس قبل بلوغ الهدي محلّه

ص: 23

رخّص لطائفتين و إن لم يذبحوا:

أحدهما: المريض الذي يحتاج إلى الحلق للمداواة.

و الثاني من كان برأسه أذىً.

و قال: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) فالمحرم المعذور يحلق رأسه قبل الذبح، و في الوقت نفسه يكفِّر بأحد الأُمور الثلاثة، و كلّ واحد منها فدية، أي بدل و جزاء من العمل الذي تركه لأجل العذر، و هو أن يصوم أو يتصدّق أو يذبح شاةً. و أمّا الصوم فيصوم ثلاثة أيّام، و أمّا الصدقة فيتصدّق على ستة مساكين أو عشرة، و أمّا النسك فيذبح شاة، و هو مخيّر بين الأُمور الثلاثة.

5. التمتّع بالعمرة إلى الحجّ

يقول سبحانه: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )، كان كلامه سبحانه في المحصر، و الكلام في المقام في غير المحصر و من حصل له

ص: 24

الأمن و ارتفع المانع كما يدلّ عليه قوله سبحانه: (فَإِذا أَمِنْتُمْ )، فعلى قسم من المكلّفين(1) إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليه ما تيسّر من الهدي في يوم النحر في أرض منى.

المراد من التمتع في (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلاً متمتِّعاً إلى أن يحرم للحج، و عندئذ يجب عليه ما تيسّر من الهدي.

و الآية تصرح بأنّ صنفاً من المكلّفين، و هم الذين فرض عليهم حجّ التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلى زمن إحرام الحجّ، فاستنكار التمتع بين العمرة و الحجّ لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة و الحج و رواحه إلى المواقف و رأسه يقطر ماءً إطاحة بالوحي و تقديم للرأي على الوحي، كما سيوافيك تفصيله.ة.

ص: 25


1- . أي غير حاضري المسجد الحرام كما سيأتي في الآية.

و إنّما ذكر من أعمال الحجّ الكثيرة خصوصَ الهدي، فقال: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) مع أنّ من تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه الاحرام أوّلاً ثمّ الوقوف في عرفة، ثمّ الافاضة إلى المشعر و المزدلفة، ثمّ منها إلى منى و رمي الجمرات و الذبح و الحلق إلى غير ذلك.

أقول: إنّما خصّ ذلك بالذكر لاختصاص الهدي بحكم خاص، و هو سبحانه بصدد بيان حكمه، و هو انّه إذا عجز عن الهدي فله بدل، بخلاف سائر الأعمال فانّ ذاتها مطلوبة و ليس لها بدل، فقال سبحانه مبيّناً لبدل الهدي.

6. الفاقد للهدي

بيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) أي انّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى موطنه على وجه يكون الجميع عشرة

ص: 26

كاملة، و أمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، و هي اليوم السابع و الثامن و التاسع.

7. التمتع بالعمرة إلى الحجّ وظيفة الآفاقي

إنّه سبحانه أشار بأنّ التمتع بالعمرة إلى الحجّ فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، و قال:

(ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) أي ما تقدّم ذكره حين التمتع بالعمرة إلى الحجّ ليس لأهل مكة و من يجري مجراهم و إنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكة، و أمّا الحاضر فهو من يكون بينه و بينها دون 48 ميلاً، و على قول آخر أقلّ من 12 ميلاً من كلّ جانب على الاختلاف.

ثمّ إنّه سبحانه أتمّ الآية بالأمر بالتقوى، أي العمل بما أمر و النهي عمّا نهى، و ذلك لأنّه سبحانه شديد العقاب، فقال: (وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ).

ص: 27

هذا هو تفسير الآية المباركة جئنا به ليكون قرينة واضحة على تفسير ما سنسرد من الروايات و الأحاديث من احتدام النزاع بين النبي و أصحابه في كيفية الحجّ و دام حتّى بعد رحيله (صلى الله عليه و آله و سلم).

و المهم في المقام في إفادة المقصود هو الجملتان التاليتان:

1. (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ ).

2. (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ).

فالأُولى تدلّ على إكمالهما دون افرادهما في الزمان، كما أنّ الثانية تدلّ على لزوم التحلّل و التمتّع بين العملين.

** *

ص: 28

الثاني: متعة الحجّ سنّة أبدية

تضافرت الروايات الصحاح على أنّ متعة الحجّ سنّة أبدية إلى يوم القيامة لا تتغيّر و لا تتبدّل، بل تبقى بحالها إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و نذكر في ذلك ما رواه الشيخان و لا نتجاوز عنهما.

1. روى مسلم عن عمرة قالت: سمعت عائشة - رضي اللّه عنها - تقول: خرجنا مع رسول اللّه لخمس بقين من ذي القعدة و لا نرى إلاّ أنّه الحج حتّى إذا دنونا من مكة أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت و بين الصفا و المروة أن يحل....(1)

2. أخرج مسلم عن جابر) (رضي الله عنه) انّه قال:

ص: 29


1- . صحيح مسلم: 4/32، باب وجوه الإحرام.

أقبلنا مهلِّين مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بحجّ مفرد، و أقبلت عائشة - رضي اللّه عنها - بعمرة، حتّى إذا كنّا بسرف عركت حتّى إذا قدمنا طُفنا بالكعبة و الصفا و المروة، فأمرنا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يُحل منّا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حلُّ ما ذا؟ قال: الحلّ كلّه، فواقعنا النساء و تطيّبنا بالطيب و لبسنا ثيابنا و ليس بيننا و بين عرفة إلاّ أربع ليال، ثمّ أهللنا يوم التروية...(1)

3. أخرج مسلم عن جابر) (رضي الله عنه) قال: خرجنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مهلّين بالحج معنا النساء و الولدان، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت و بالصفا و المروة، فقال لنا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم):

من لم يكن معه هدي فليحلل، قال: قلنا: أىّ الحل؟ قال: الحلّ كلّه، قال: فأتينا النساء و لبسنا الثياب و مسسنا الطيب، فلمّا كان يوم التروية أهللنا بالحج.(2)م.

ص: 30


1- . صحيح مسلم: 4/35، باب وجوه الإحرام.
2- . صحيح مسلم: 4/36، باب وجوه الإحرام.

4. أخرج مسلم عن عطاء، قال: حدّثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري انّه حجّ مع رسول اللّه عامَ ساق الهدي معه، و قد أهلُّوا بالحجّ مفرداً، فقال رسول اللّه: أحلُّوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت و بين الصفا و المروة و قصّروا و أقيموا حلالاً، حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، و اجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به فانّي لو لا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به و لكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محله، فافعلوا.(1)

5. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه قال: قدمنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مهلِّين بالحجّ، فأمرنا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أن نجعلها عمرة و نحل، قال: و كان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة.(2)

6. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه في حديثم.

ص: 31


1- . صحيح مسلم: 4/37، باب وجوه الإحرام.
2- . صحيح مسلم: 4/38، باب وجوه الإحرام.

مفصّل انّه قال: لسنا ننوي إلاّ الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن إلى أن يقول: حتّى إذا كان آخر طوافه (النبي) على المروة، فقال: لو انّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليُحلّ و ليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جُعشم فقال: يا رسول اللّه، أ لعامنا أم لأبد؟ فشبّك رسول اللّه أصابعه واحدة في الأُخرى، فقال: دخلت العمرة في الحج مرتين: لا، بل لأبد أبد.(1)

هذا بعض ما رواه مسلم، و تركنا البعض الآخر و ربّما يأتي لمناسبة خاصة.

و إليك ما رواه البخاري في صحيحه.

1. أخرج البخاري عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، قالت: خرجنا مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في حجّة الوداع فأهللنا بعمرة،).

ص: 32


1- . صحيح مسلم: 4/40، باب حجة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).

قال النبي: من كان معه هدي فليهل بالحجّ مع العمرة، ثمّ لا يحلّ حتّى يحلّ منهما جميعاً.(1)

2. أخرج البخاري عن ابن عباس انّه سئل عن متعة الحجّ، فقال: أحلَّ المهاجرون و الأنصار و أزواج النبي في حجّة الوداع و أهللنا فلمّا قدمنا مكة، قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلاّ من قلّد الهدي، طفنا بالبيت و بالصفا و المروة و أتينا النساء و لبسنا الثياب.(2)

هذا بعض ما رواه البخاري و يأتي بعضه الآخر، و ما رواه الشيخان يدلّ على أُمور:

1. انّ حجّ التمتع فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

2. انّ التمتّع بين العمرة و الحجّ سنّة فيها و ليسم.

ص: 33


1- . صحيح البخاري: 2/140، باب كيف تحل الحائض و النفساء.
2- . صحيح البخاري: 2/144، باب قول اللّه لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

لأحد أن يعترض على التمتع بين الأمرين.

3. انّ العرب في الجاهلية و الإسلام كانوا يُحرمون بالحجّ في أشهر الحجّ لا للعمرة، و لذلك أحرم أصحاب النبي و أزواجه للحجّ تبعاً للسيرة السائدة بين العرب من اختصاص أشهر الحجّ بالحجّ فلمّا دنوا من مكة(1) أو قضوا أعمال العمرة أمرهم النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) بجعل الإحرام عمرة و العدول إليها، و قد كان ثقيلاً عليهم، كما ستوافيك الروايات في هذا الباب.

4. انّ التمتع بين العمرة و الحجّ سنّة أبدية لا تختص بعام دون عام و لا بقوم دون قوم.

5. انّ من ساق الهدي معه ليس له أن يتحلّل و لا يخرج من الإحرام إلاّ إذا بلغ الهدي محلّه و كان النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ممّن ساق الهدي، و لذلك لم يخرج حتّى أبلغ هديه محله، و قد كان عمل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مظنة سؤال للصحابة حيثظ.

ص: 34


1- . الترديد لأجل اختلاف الروايات في ذلك، فلاحظ.

أمرهم بالتحلّل و بقي نفسه على إحرامه فنبّههم النبي بأنّه ساق الهدي و لكنّه لو وُفّق للحجّ في المستقبل لما ساق الهدي، و إلى ذلك يشير قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي».

إنّ في هذا الموضوع روايات في السنن الأربع اقتصرنا بما ذكرنا، و للقارئ أن يرجع إلى السنن و المسانيد فانّه يجد أمثال ما ذكرناه بوفرة.

ص: 35

الثالث: سيرة العرب قبل الإسلام في الحجّ

يظهر ممّا سردناه من الروايات و ما سيوافيك انّ العرب لم تكن تعرف العمرة في أشهر الحجّ و إنّما تأتي بها في غيرها، و لذلك تعاظم عليهم إدخال العمرة في الحجّ، و لأجل إيقاف القارئ على تلك الحقيقة عن كثب، نذكر بعض ما ورد:

1. أخرج البخاري عن ابن عباس) (رضي الله عنه) قال: كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، و يجعلون محرم صفراً و يقولون: إذا برأ الدَّبر، و عفا الأثر، و انسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر.

قدم النبي و أصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللّه أي

ص: 36

الحل؟ قال: الحلّ كلّه.(1)

و الحديث يدلّ بوضوح على أنّ إفراز العمرة عن الحجّ كان سنّة جاهلية سادت على الحج لأسباب غير معلومة و كانوا يصرون على أنّ العمرة بعد انقضاء صفر و في الحقيقة بعد انقضاء محرّم، و لكن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قام بوجه هذه البدعة مدة إقامته في المدينة، فقد اعتمر ثلاث عُمَر في ذي القعدة الحرام كما أتى بعمرة رابعة في حجّه في شهر ذي الحجّة في حجة الوداع، و إليك العُمر التي أحرم لها النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) طيلة حياته:

الأُولى: عمرة الحديبية، و هي أوّلهنّ سنة ست، فصدّه المشركون عن البيت، فنحر البُدْن و حلق هو و أصحابه رءوسهم و حلُّوا من إحرامهم و رجعوا إلى المدينة.

الثانية: عمرة القضاء في العام المقبل في نفس ذلك الشهر.ّ.

ص: 37


1- . صحيح البخاري: 2/142، باب التمتع و الاقران و الافراد بالحجّ.

الثالثة: عمرته من الجعرانة لما خرج إلى حنين ثمّ رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة داخلاً إليها.

الرابعة: عمرته التي قرنها مع حجته.

ص: 38

الرابع: احتدام النزاع بين الصحابة في حياة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)

قد عرفت أنّ العرب في العصر الجاهلي يفرزون العمرة عن الحجّ و يأتون بها في غير أشهر الحجّ، و قد كان الجمع بينهما من أفجر الفجور، و قد ترسخت تلك الفكرة عند العرب في العصر الجاهلي حتّى أضحت جزءاً من كيانهم، فالدعوة إلى إدخال العمرة في الحج كانت دعوة على خلاف ما شبّوا و شاخوا عليه، و لذلك لمّا أمرهم النبي بإدخال العمرة إلى الحجّ و جعل الإهلال للحجّ عمرة، تعاظم أمرهم و ثارت ثورتهم، و قاموا بوجه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على نحو أثاروا غضبه، و إليك بعض ما روي في المقام:

ص: 39

1. أخرج مسلم عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد اللّه في ناس معي قال: أهللنا أصحاب محمد بالحجّ خالصاً وحده، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحل، قال عطاء: قال: حلّوا و أصيبوا النساء، قال عطاء: و لم يعزم عليهم و لكن أحلهنّ لهم، فقلنا: لما لم يكن بيننا و بين عرفة إلاّ خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكرنا المني.

قال: يقول جابر بيده كأنّي أنظر إلى قوله «بيده» يحركها، قال: فقام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فينا فقال: قد علمتم انّي أتقاكم للّه و أصدقكم و أبرّكم و لو لا هديي لحللت كما تحلون، و لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلّوا، فحللنا و سمعنا و أطعنا.

قال عطاء: قال جابر: فقدم علىّ من سعايته فقال: بم أهللت، قال: بما أهلّ به النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال له رسول اللّه:

ص: 40

فأهد، و امكث حراماً، قال: و أهدى له علي هدياً، فقال سراقة بن مالك بن جُعشم: يا رسول اللّه:

أ لعامنا هذا أم لأبد، فقال: لأبد.(1)

2. روى مسلم عن جابر بن عبد اللّه) (رضي الله عنه) قال: أهللنا مع رسول اللّه بالحجّ، فلمّا قدمنا مكة أمرنا أن نحلّ و نجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا و ضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فما ندري أ شيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس، فقال: أيّها الناس أحلّوا فلو لا الهدي الذي معي، فعلتُ كما فعلتم، قال: فأحللنا حتّى وطئنا النساء و فعلنا ما يفعل الحلال حتّى إذا كان يوم التروية و جعلنا مكة بظهر، أهللنا بالحج.(2)

3. أخرج مسلم عن عائشة انّها قالت: قدمن.

ص: 41


1- . صحيح مسلم: 3/36، باب بيان وجوه الإحرام و انّه يجوز افراد الحجّ و التمتع و القران.
2- . صحيح مسلم: 3/37، باب بيان وجوه الإحرام و انّه يجوز افراد الحجّ و التمتع و القران.

رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس فدخل علىَّ و هو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول اللّه، أدخله اللّه النار؟ قال: أو ما شعرت انّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون، و لو اني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتّى اشتريه ثمّ أحلّ كما حلّوا.(1)

هذا غيض من فيض ممّا يحكي عن حالة عصيان بين الصحابة في ذلك الموضوع و انّهم لم يستجيبوا بادئ بدء لأمر الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) حتّى أغضبوه، فأين عملهم هذا من قوله سبحانه: (وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (2) و قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).(3)

أي لا تتقدّموا على اللّه و رسوله، و لا تقدّموا قولكم على قولهما.1.

ص: 42


1- . صحيح مسلم: 3/33، باب بيان وجوه الإحرام.
2- . الأحزاب: 36.
3- . الحجرات: 1.

الخامس: عودة التقاليد الجاهلية

اشارة

حجّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مع أصحابه و علّمهم مناسك الحجّ و مواقفه و سننه و طقوسه فأعاد كلّ ما حُرّف إلى محله، و لكن للأسف انّ عمر بن الخطاب، قدم الاجتهاد على النص و منع من متعة الحج و شدد النكير عليه و تبعه عثمان و دام الأمر عليه إلى العهود التالية، و كفى في ذلك ما رواه الشيخان و غيره.

1. روى مسلم عن أبي موسى قال: قدمت على رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و هو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، قال: فقد أحسنت طف بالبيت

ص: 43

و بالصفا و المروة و أحلّ(1) قال: فطفت بالبيت و بالصفا و المروة ثمّ أتيت امرأة من بني قيس فَفَلَتْ رأسي ثمّ أهللت بالحج، قال: فكنت أفتي به الناس حتّى كان في خلافة عمر.

فقال له رجل: يا أبا موسى أو يا عبد اللّه بن قيس، رويدك بعض فُتياك فانّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدك، فقال: يا أيّها الناس ما كنّا أفتيناه فتيا فليتَّئد(2) فانّ أمير المؤمنين قادم عليكم فيه فائتَمُّوا.

قال: فقدم عمر فذكرت ذلك له، فقال: إن نأخذ بكتاب اللّه فانّ كتاب اللّه يأمر بالتمام، و إن نأخذ بسنّة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فانّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يحلّ حتّى بلغّ.

ص: 44


1- . مع أنّ أبا موسى علّق إحرامه بإحرام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و مع ذلك أمر النبي بإحلاله بعد العمرة، و ستوافيك الإجابة عنه في آخر الرسالة في خاتمة المطاف ص 75 فانتظر.
2- . فليتأنّ.

الهدي محله.(1)

و العجب من أبي موسى مع أنّه كان يفتي الناس بما جرت عليه سيرة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و لكنّه في خلافة عمر عدل عن هدي الرسول و أمر الناس بالتأنّي مع أنّه سمع من السائل بأنّه حدث جديد في النسك.

نعم استدلّ عمر على إخراج العمرة عن الحجّ بأمرين:

الأوّل: ما في كتاب اللّه حيث أمر سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ ).

الثاني: سيرة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حيث لم يحل حتّى بلغ الهدي محله.

و كلا الاستدلالين من الوهن بمكان.

أمّا الاستدلال بالكتاب فقد عرفت أنّ معنى إتمام الحجّ و العمرة إكمالهما في مقابل المحصر الذي لا يستطيع الإكمال، و أين هو من إخراج العمرة عن الحجّ؟!م.

ص: 45


1- . صحيح مسلم: 4/44، باب في نسخ التحلّل من الإحرام.

و أمّا سيرة النبي فقد كشف قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) النقاب عن عدم إحلاله، لأنّه ساق الهدي و كلّ من ساق الهدي لا يحلّ إلاّ أن يبلغ الهدي محله.

2. أخرج مسلم عن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس) (رضي الله عنه) يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه، فلمّا قام عمر قال: إنّ اللّه كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، و انّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ و العمرة للّه كما أمركم اللّه و ابتّوا نكاح هذه النساء.(1)

3. و روى أيضاً بالاسناد السابق انّ عمر قال: فافصلوا حجّكم من عمرتكم فانّه أتمّ لحجّكم و أتمّ لعمرتكم.(2)

و يدلّ الحديث على أنّ فصل الحج عن العمرة ظهر في عصر عمر، و قد عرفت أنّ استدلاله بقولهة.

ص: 46


1- . صحيح مسلم: 4/48، باب في متعة الحجّ و العمرة.
2- . صحيح مسلم: 4/48، باب في متعة الحجّ و العمرة.

سبحانه (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ ) لا يمت إلى هذا الباب بصلة، و قوله في ذيل الحديث الثاني (فافصلوا حجكم من عمرتكم) صريح في فصل الحجّ من العمرة و الإتيان بها في غير أشهر الحجّ، و قد مرّ انّ العرب في العصر الجاهلي ترى الجمع بينهما من أفجر الفجور فكأنّ الرجل تأثر مما رسب في ذهنه فحرّم متعة الحج.

4. أخرج مسلم عن أبي موسى انّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فُتياك فانّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدُ حتى لقيه بعدُ فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قد فعله و أصحابه و لكن كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ في الأراك(1) ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رءوسهم.(2)

الحديث يكشف عن أنّه اجتهد أمام النص، لأنّه يكره أن يذهب الحاج إلى عرفة و رأسه يقطر ماءً.

و صار ذلك سبباً للمنع عن السنّة القطعية.(3)0.

ص: 47


1- . الأراك موضع بعرفة قرب نمرة.
2- . صحيح مسلم: 4/45.
3- . سيوافيك البحث عن سبب استنكاره ص 50.

و قد استنكر الخليفة متعة الحجّ إلى حدّ كان الأعاظم من الصحابة على خوف من أن يتفوّهوا بجوازه و كانوا يوصون أن لا ينقل عنهم ما داموا على قيد الحياة، و هذا هو عِمْران بن حصين يوصي بعدم إفشاء كلامه ما دام حيّاً.

أخرج مسلم عن قتادة، عن مطرّف قال: بعث إلي عِمْران بن حُصين في مرضه الذي توفّي فيه، فقال:

إنّي محدِّثك بأحاديث لعل اللّه ينفعك بها بعدي، فإن عشتُ فاكتُم عني و إن مُتُّ فحدِّث بها إن شئت، انّه قد سُلِّم علىَّ و أعلم انّ نبي اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قد جمع بين حج و عمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه و لم ينه عنها نبىّ اللّه قال رجل فيها برأيه ما شاء.(1)

صورة ثانية

و أخرج أيضاً عن مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير،

ص: 48


1- . صحيح مسلم: 4/48، باب جواز التمتع.

عن عِمران بن حُصَين قال: اعلم أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) جمع بين حجّ و عمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب و لم ينهنا عنهما رسول اللّه، قال فيها رجل برأيه ما شاء.(1)

صورة ثالثة

و أخرج أيضاً عن مطرّف، قال: قال لي عمران بن حصين انّي لأُحدّثك بالحديث اليوم ينفعك اللّه به بعد اليوم، و أعلم أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك و لم ينه عنه حتّى مضى لوجهه، ارتأى كلّ امرئ بعد ما شاء أن يرتئي.(2)

صورة رابعة

و أخرج البخاري عن قتادة، قال: حدّثني مطرف عن عمران قال: تمتّعنا على عهد رسول اللّه فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء.(3) فانّ قول عمران بن حصين فإن

ص: 49


1- . صحيح مسلم: 4/48، باب جواز التمتع.
2- . صحيح مسلم: 4/47، باب جواز التمتع.
3- . صحيح البخاري: 2/144 باب التمتع.

عشت فاكتم عنّي و إن مُت فحدث بها إن شئت، أو قوله: «قال رجل فيها برأيه ما شاء» يعرب عن وجود ضغط و كبت من جانب الخليفة في المسألة.

ثمّ إنّ السبب لنهي الخليفة عن متعة الحجّ أحد أمرين:

الأوّل: كراهته أن يكون الحجّاج معرسين بهن في الأراك ثمّ يروحون إلى الحج و رءوسهم تقطر ماء.

قال أبو حنيفة عن حمّاد، عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد قال: بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة، فإذا هو برجل مرجّل شعره، يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أ محرم أنت؟ قال: نعم، فقال عمر: ما هيأتك بهيئة محرم، إنّما المحرم، الأشعث، الأغبر، الأذفر، قال: إنّي قدمت متمتّعاً و كان معي أهلي و إنّما أحرمت اليوم، فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الأيام، فإنّي لو رخصت في المتعة لعرسوا بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجاجاً.(1)ة.

ص: 50


1- . زاد المعاد: 1/214، ط مصر، المطبعة المصرية.

روى سعيد بن المسيب: انّ عمر بن الخطاب نهى أنّ المتعة في أشهر الحجّ، و قال: فعلتها مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و أنا أنهى عنها، و ذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نَصَباً معتمراً في أشهر الحج و إنّما شعثه و نصبه و تلبيته في عمرته ثمّ يقدم فيطوف بالبيت و يحلّ و يلبس و يتطيّب و يقع على أهله إن كانوا معه حتّى إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج و خرج إلى منى يلبّي بحجة لا شعث فيها و لا نصب و لا تلبية إلاّ يوماً، و الحجّ أفضل من العمرة، لو خلّينا بينهم و بين هذا لعانقوهنّ تحت الأراك مع أنّ أهل البيت ليس لهم ضرع و لا زرع، و إنّما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم.(1)

الثاني: خوف تسرب الفقر إلى سكان البيت حيث ليس لهم ضرع و لا زرع فمنع عن الجمع بين العمرة و الحجّ حتّى يتقاطر الحاج في عامة الشهور إلى البلد الأمين،7.

ص: 51


1- . كنز العمال: 5/164 رقم 12477.

و لأجل هذه الغاية منع عن الجمع حتّى يكون الحجّ في عام و العمرة في عام آخر.

روى أبو نعيم في «حلية الأولياء»: انّ عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحجّ، و قال: فعلتها مع رسول اللّه و أنا أنهى عنها و ذلك: انّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً أشهر الحجّ و إنّما شعثه و نصبه و تلبيته في عمرته ثمّ يقدم فيطوف بالبيت و يحل و يلبس و يتطيّب و يقع على أهله إن كانوا معه حتّى إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج و خرج إلى منى يلبي بحجّة لا شعث فيها و لا نصب و لا تلبية إلاّ يوماً، و الحجّ أفضل من العمرة، لو خلّينا بينهم و بين هذا لعانقوهن تحت الأراك و إنّ أهل هذا البيت (أي أهل مكة) ليس لهم ضرع و لا زرع و إنّما ربيعهم في من يطرأ عليهم.(1) و قد مرّ ما يؤيّده من رواية سعيد بن المسيب.

هذا و انّه سبحانه نقل دعاء الخليل حيث سأله5.

ص: 52


1- . حلية الأولياء: 5/205.

سبحانه أن يرزق سكنة مكة من الثمرات و قال: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ).(1)

و قد استجاب سبحانه دعاء أبيهم إبراهيم، يقول سبحانه: (وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ).(2)

و عندئذ فلا حاجة للمنع عن السنّة النبوية بُغية توفير أرزاقهم.

و لعمر الحقّ انّ هذه الأعذار لا تبرّر تغيّر الشريعة و تبديلها و المنع من المناسك التي شرعها سبحانه و بلغها نبيه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و صاحب الشريعة أعرف بمصالح المسلمين و مصالح سدنة مكة و سكنتها.

و قد بلغ منع الخليفة عن متعة الحجّ حتّى قال في7.

ص: 53


1- . إبراهيم: 37.
2- . القصص: 57.

بعض خطبه: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه و أنا أنهى عنهما و أُعاقب عليهما: متعة الحجّ و متعة النساء» و في لفظ الجصاص: لو تقدمت فيها لرجمت. و في رواية أُخرى: أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما:

متعة النساء و متعة الحجّ.(1)

حجّ التمتع على عهد عثمان

و قد اتّبع عثمان سلفه فيما أبدع و أحدث في المناسك فقد منع من الجمع بين العمرة و الحجّ.

روى ابن حزم انّ عثمان بن عفان سمع رجلاً يُحلّ بعمرة و حجّ فقال: علىَّ بالمهلّ، فضربه و حلقه.(2)

ص: 54


1- . البيان و التبيين: 2/193; أحكام القرآن: 2931/290; الجامع لأحكام القرآن: 2/261; زاد المعاد: 2/184، ط مصر.
2- . المحلى: 7/107، ط منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت.

السادس: الصحابة و تحريم متعة الحج

اشارة

قد استنكر لفيف من الصحابة عمل الخليفة و تحريمه متعة الحج بحماس نذكر منهم بعضهم:

1. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قد كان الإمام أمير المؤمنين يكافح البدع و المحدثات الطارئة على الشريعة بحماس و لا يعير أهمية لنهي الناهي مهما كان له السطوة و الشوكة.

1. روى البخاري عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان و علياً، و عثمان ينهى عن المتعة و أن يجمع بينهما; فلمّا رأى علي، أهلّ بهما، لبّيك بعمرة و حجة، قال: ما كنت لأدع سنّة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لقول أحد.(1)

ص: 55


1- . صحيح البخاري: 2/142، باب التمتع و الاقران و الإفراد بالحج.

2. أخرج البخاري عن سعيد بن المسيب قال: اختلف علىّ و عثمان و هما بعُسفان، في المتعة، فقال علي: ما تريد إلاّ أن تنهى عن أمر فعله النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، فلمّا رأى ذلك علىّ أهلّ بهما جميعاً.(1)

3. روى مالك في «الموطأ»: انّ المقداد بن الأسود دخل على علىّ (عليه السلام) بالسقيا و هو يُنجع بكَرات له دقيقاً و خَبطاً، فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى أن يقرن بين الحج و العمرة، فخرج علي (عليه السلام) و على يديه أثر الدقيق و الخبط فما أنسى أثر الدقيق و الخبط على ذراعيه، حتّى دخل على عثمان فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحجّ و العمرة، فقال عثمان: ذلك رأيي، فخرج علي (عليه السلام) مغضباً و هو يقول:

لبيك اللّهم لبيك بحجة و عمرة معاً.(2)

4. عن سعيد بن المسيب قال: حجّ علي و عثمان فلمّا كنّا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع، فقال40

ص: 56


1- . صحيح البخاري: 2/143، باب التمتع.
2- . موطأ مالك: 336، باب القران في الحج، الحديث 40

علي: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبّى علي و أصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان».(1)

5. روى عبد اللّه بن الزبير، قال: أنا و اللّه لمع عثمان بالجحفة و معه رهط من أهل الشام و فيهم حبيب بن مسلمة الفهري، إذ قال عثمان و ذكر له التمتع بالعمرة إلى الحجّ: أن أتمّوا الحجّ و خلّصوه في أشهر الحجّ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فانّ اللّه قد وسع في الخير.

فقال له علي: «عمدت إلى سنّة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و رخصة رخّص للعباد بها في كتابه، تضيق عليهم فيها و تنهى عنها، و كانت لذي الحاجة و لنائي الدار»، ثمّ أهلّ بعمرة و حجّة معاً، فأقبل عثمان على الناس.

فقال: و هل نهيت عنها؟ إنّي لم أنه عنها إنّما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ به، و من شاء تركه.2.

ص: 57


1- . سنن النسائي: 5/152، كتاب الحجّ باب حج التمتع; مستدرك الصحيحين: 1/472.

قال: فما أنسى قول رجل من أهل الشام مع حبيب ابن مسلمة: انظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ و اللّه لو أمرني لضربت عنقه، قال: فرفع «حبيب» يده فضرب بها في صدره و قال: اسكت فانّ أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أعلم بما يختلفون فيه.(1)

2. عبد اللّه بن عمر

اشارة

و لم يكن علىّ (عليه السلام) هو الوحيد بين الصحابة في الاستنكار و إن كان وحيداً في شدة استنكاره بل كان هناك من يستنكر التحريم بين الفينة و الأُخرى، روى القرطبي في تفسيره عن سالم قال: إنّي لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال ابن عمر:

حسن جميل، قال: فإنّ أباك كان ينهى عنها، فقال: ويلك فإن كان أبي نهى عنها

ص: 58


1- . جامع العلم: 270، طبع دار الكتب الحديثة، مصر.

و قد فعله رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و أمر به أ فبقول أبي آخذ أم بأمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)؟! قم عنّي.(1)

و سئل عبد اللّه بن عمر عن متعة الحج؟ قال: هي حلال، فقال له السائل: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال:

أ رأيت إن كان أبي نهى عنها و صنعها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أ أمر أبي يتبع أم أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)؟! فقال الرجل: بل أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: لقد صنعها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم).(2)

صورة ثانية

قال سالم: سئل ابن عمر عن متعة الحجّ فأمر بها فقيل له: إنّك تخالف أباك؟ قال: إنّ أبي لم يقل الذي تقولون إنّما قال: أفردوا العمرة من الحجّ، أي انّ العمرة لا تتم في شهور الحجّ إلاّ بهدي و أراد أن يزار البيت في غير شهور الحجّ، فجعلتموها أنتم حراماً و عاقبتم الناس

ص: 59


1- . تفسير القرطبي: 2/388.
2- . سنن الترمذي: 3/186 برقم 824.

عليها، و قد أحلّها اللّه عزّ و جلّ و عمل بها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: فإذا أكثروا عليه.

قال: أ فكتاب اللّه عزّ و جلّ أحقّ أن يُتبع أم عمر؟!(1)

صورة ثالثة

قال سالم: كان عبد اللّه بن عمر يفتي بالذي أنزل اللّه عزّ و جلّ من الرخصة في التمتع و سنّ فيه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، فيقول ناس لعبد اللّه بن عمر: كيف تخالف أباك و قد نهى عن ذلك؟! فيقول لهم عبد اللّه: ويلكم، أ لا تتقون اللّه؟ أ رأيتم إن كان عمر نهى عن ذلك يبتغي فيه الخير و يلتمس فيه تمام العمرة فلم تحرّمون و قد أحلّه اللّه و عمل به رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)؟ أ فرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أحقّ أن تتّبعوا سنّته أو عمر؟! إنّ عمر لم يقل لك: إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام و لكنّه قال:

إن أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحجّ.(2)

ص: 60


1- . السنن الكبرى: 5/21.
2- . السنن الكبرى: 5/21.

3. استنكار ابن عباس

و ممّن استنكر عمل الخليفة و من لفّ لفّه، حبر الأُمّة عبد اللّه بن عباس) (رضي الله عنه). روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتّع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، فقال عروة: نهى أبو بكر و عمر عن المتعة، فقال ابن عباس: ما يقول عريّة؟!(1) قال: نقول نهى أبو بكر و عمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و يقولون: قال أبو بكر و عمر.(2)

4. استنكار أُبي بن كعب

و ممّن استنكر تحريم المتعة و لم ير نهي الخليفة صالحاً للأخذ هو الصحابي العظيم: أُبي بن كعب أخرج السيوطي عن مسند ابن راهويه و أحمد انّ عمر بن الخطاب همّ أن ينهى عن متعة الحجّ فقام إليه أُبي بن

ص: 61


1- . مصغَّر عروة.
2- . مسند أحمد: 1/337.

كعب فقال: ليس ذلك لك، قد نزل بها كتاب اللّه و اعتمرناها مع رسول اللّه، فنزل عمر.(1)

5. استنكار سعد بن أبي وقاص

إنّ سعد بن أبي وقاص كان ممّن يعظِّمه عمر بن الخطاب و يحترمه و كان يأمر ابنه عبد اللّه باتّباعه، و قد أنكر تحريم متعة الحجّ. أخرج الإمام مالك عن محمد بن عبد اللّه بن حارث، أنّه حدّثه: أنّه سمع سعد بن أبي وقاص و الضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان و ممّا يذكر انّ التمتع بالعمرة أي الحج، فقال الضحاك بن قيس: لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّ و جلّ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فانّ عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول اللّه و صنعناها معه.(2)

ص: 62


1- . الدر المنثور: 1/520، ط دار الفكر.
2- . الموطأ: 294، برقم 63، باب ما جاء في التمتع; زاد المعاد: 1/179 ط مصر.

عن محمد بن عبد اللّه بن نوفل قال: سمعت عامَ حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال: حسنة جميلة، قال: قد كان عمر ينهى عنها فأنت خير من عمر؟! قال: عمر خير مني و قد فعل ذلك النبي و هو خير من عمر.(1)

6. عمران بن حصين

قد استنكر عمران بن حصين تحريم متعة الحج و أوصى في أُخريات عمره و في المرض الذي توفّي فيه أن يُحدَّث عنه: انّ نبي اللّه جمع بين حجّ و عمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه و لم ينه عنها نبي اللّه و إنّما نهى عنها رجل برأيه، دون دليل في كتاب اللّه و سنّة رسوله.(2)

و قد توالى الاستنكار في العهود اللاحقة و إن كان المرتقون على صهوات الحكم مصرّين على اتّباع السلف

ص: 63


1- . سنن الدارمي: 2/36، ط دار الفكر.
2- . صحيح مسلم: 4/48، باب جواز التمتع.

إلى أن زالت الحكومة الأُموية و أخذ بنو عباس بزمام الحكم، فانتشر القول بجواز التمتع بالعمرة إلى الحجّ، و ذلك لأنّ الجواز موقف جد العباسيّين فرفعوا الحرج عن المسلمين، و تبنّى أحمد بن حنبل في عهدهم دخولها في الحج، و ذاع القول به إلى يومنا هذا بين المذاهب خصوصاً بين الحنابلة.

التمتّع بالعمرة إلى الحج و شروطه

قد عرفت أنّ حجّ التمتّع عبارة عن الإهلال بالعمرة ثمّ الإهلال بعد الإتيان بها ثمّ الإحرام إلى الحجّ، و إليه يشير قوله سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ).

قال القرطبي: التمتّع بالعمرة إلى الحجّ عند العلماء على أربعة أوجه منها وجه واحد مجتمع عليه، و الثلاثة مختلف فيها.

فأمّا الوجه المجتمع عليه فهو التمتع المراد بقول اللّه

ص: 64

جلّ و عز: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) و ذلك أن يحرم الرجل بعمرة في أشهر الحجّ و أن يكون من أهل الآفاق، و قدم مكة ففرغ منها ثمّ أقام حلالاً بمكة إلى أن أنشأ الحجّ منها في عامه ذلك قبل رجوعه إلى بلده، أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته، فإذا فعل ذلك كان متمتعاً و عليه ما أوجب اللّه على المتمتع، و ذلك ما استيسر من الهدي يذبحه و يعطيه للمساكين بمنى أو بمكة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام، و سبعة إذا رجع إلى بلده، و ليس له صيام يوم النحر بإجماع من المسلمين و اختلف في صيام أيّام التشريق.

فهذا إجماع من أهل العلم قديماً و حديثاً في المتعة، و رابطها ثمانية شروط:

الأوّل: أن يجمع بين الحجّ و العمرة.

الثاني: في سفر واحد.

الثالث: في عام واحد.

الرابع: في أشهر الحجّ.

ص: 65

الخامس: تقديم العمرة.

السادس: لا يمزجها، بل يكون إحرام الحجّ بعد الفراغ من العمرة.

السابع: أن تكون العمرة و الحجّ عن شخص واحد.

الثامن: أن يكون من غير أهل مكة.

و تأمّل هذه الشروط فيما وصفنا من حكم التمتع تجدها.(1)

و هذا هو الذي مُنع عنه بعد رحيل الرسول، لا غير.

و نهى عنه عمر بن الخطاب و تبعه عثمان و معاوية و من بعدهم.1.

ص: 66


1- . الجامع لأحكام القرآن: 2/391.

السابع: التبريرات المختلقة للحظر المفروض

اشارة

لمّا كان النهي عن متعة الحجّ، يضاد صريح الكتاب، و عمل النبي و سنّته، و عمل أكابر أصحابه، حاول غير واحد تأويل النهي، بوجوه نذكر منها وجهين:

1. فسخ الحجّ إلى العمرة

ربما يقال: انّ المنهي، هو فسخ الحجّ إلى العمرة التي يأتي بعدها فمن أحرم للحجّ، فله أن يأتي بأعماله ثمّ ينشئ إحراماً آخر للعمرة، فليس له أن يعدل عن حجّ القران إلى حجّ التمتع، و هذا هو الذي ينقله بدر الدين العيني الحنفي عن بعضهم، و إليك نصّه: قال عياض و غيره جازمين بأنّ المتعة التي نهى عنها عمر و عثمان هي

ص: 67

فسخ الحجّ إلى العمرة، لا العمرة التي يحجّ بعدها.

و لمّا كان التأويل بمكان من الوهن حيث تدفعه النصوص السابقة عن جابر و ابن عباس و عمران بن حصين و سعد بن أبي وقاص، كما تدفعه نصوص العلماء على أنّ المنهي عنه هو الجمع بين العمرة و الحجّ ردّ عليه بدر الدين الحنفي و قال: قلت يرد عليهم ما جاء في رواية مسلم في بعض طرقه التصريح بكونه متعة الحجّ، و في رواية له انّ رسول اللّه أعمر بعض أهله في العشر، و في رواية: جمع بين حج و عمرة، و مراده التمتع المذكور و هو الجمع بينهما في عام واحد.(1)

قلت: و يخالف هذا التأويل، كلمات المحرِّم:

الف: أنّي أخشى أن يعرّسوا بهن في الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حجاجاً.8.

ص: 68


1- . عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: 4/568.

ب: انّي لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجاجاً.

ج. كرهت أن يكونوا معرسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحج تقطر رءوسهم.

د: انّ أهل البيت ليس لهم ضرع و لا زرع و إنّما ربيعهم في من يطرأ عليهم.

فانّ هذه الكلمات صريحة في أنّ النهي عن الجمع بين العمرة و الحج، بل ليس للوافد إلاّ الحجّ، ثمّ الإتيان بالعمرة في العام المقبل، لاستكراهه التعرس بالنساء بين العملين أو ليفيض الزائر في عامة الشهور إلى مكة المكرمة.

2. اختصاص التمتّع بالصحابة

إنّ في الفقه الإسلامي باباً باسم خصائص النبي و الأُمور أو الأحكام المختصة به، و قد ذكرها العلاّمة الحلّي برمّتها في كتاب «تذكرة الفقهاء» أوائل كتاب النكاح و لم تسمع إذن الدنيا، خصائص الصحابة و انّ لهم خصائص كخصائص النبي مع أنّ حكمه (صلى الله عليه و آله و سلم) على الأوّلين كحكمه

ص: 69

على الآخرين، و حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، و حرامه حرام إلى يوم القيامة.

لكن لما كان تحريم التمتع، و المنع عن الجمع بين العمرة و الحجّ، يضاد الكتاب و السنّة القطعية حاول بعضهم تأويله قائلاً بأنّ الجمع بينهما من خصائص أصحاب النبي، حتّى عزوه إلى أبي ذر، حسب ما رواه مسلم.

أخرج مسلم عن أبي ذر انّه قال: كانت متعة الحجّ لأصحاب محمد خاصّة.(1)

و في رواية أُخرى: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة يعني: متعة النساء و متعة الحجّ.(2)

و قد أيّدوه ببعض الآثار التي قال في حقّها ابن القيم الجوزية: إنّ تلكم الآثار الدالّة على الاختصاص بالصحابة بين باطل لا يصحّ عمّن نُسب إليه البتة، و بين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص8.

ص: 70


1- . الجمع بين الصحيحين: 1/271 رقم 368.
2- . الجمع بين الصحيحين: 1/271 رقم 368.

المشرِّع المعصوم.(1)

و في صحيح الشيخين و غيرهما عن سراقة بن مالك قال: متعتنا هذه يا رسول اللّه لعامنا هذا أم لأبد؟ قال: لا بل لأبد أبد.

و في صحيحة أُخرى عن سراقة: قام رسول اللّه خطيباً فقال: ألا إنّ العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة.(2)

و قد مرّ نقل البخاري انّ العرب كانت تعدّ العمرة في أشهر الحجّ قبل الإسلام من أفجر الفجور، و قد نهض النبي بأمر من اللّه بإعادة السنّة الإبراهيمية إلى الساحة، فاعتمر أربع عمر كلّها في أشهر الحجّ.

3. عزوه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و طروء النسيان على الصحابة قد تعرفت على مدى صحة التأويلين السابقين2.

ص: 71


1- . زاد المعاد: 1/207.
2- . مسند أحمد: 4/175; سنن البيهقي: 4/352.

و بُعدهما عن النصوص الواردة في الموضوع فهلمَّ معي نقرأ ما انتحله ابن أبي سفيان حيث نسب النهي عن الجمع بين العمرة و الحجّ إلى رسول اللّه، و لما سأل أصحاب النبي عن هذا النهي و واجه استنكارهم له، رماهم بالنسيان.

أخرج أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان انّه قال لأصحاب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) هل تعلمون انّ رسول اللّه نهى عن كذا أو كذا، و ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون انّه نهى ان يقرن بين الحجّ و العمرة؟ فقالوا: أمّا هذا فلا، فقال: أما إنّها معهن و لكن نسيتم.(1)

و لو كان المسئول شخصاً أو شخصين من أصحاب النبي لكان احتمال تطرق النسيان إليه أو إليهما مبرر، و لكنّه سأل أصحاب النبي، الظاهر في أنّ المسئول كان جماعة كثيرة، فهل يحتمل أن يتسرب النسيان إلى هؤلاء، الذين طالت صحبتهم مع النبي و لا يذكره إلاّ ابن4.

ص: 72


1- . سنن أبي داود: 2/157 رقم الحديث 1794.

أبي سفيان الذي أسلم عام الفتح و قصرت صحبته و قلّ سماعه؟! كيف و قد كان مع النبي أُلوف من الصحابة رأوا بأُمّ أعينهم عمل النبي و قوله و حثّه و ترغيبه إلى الجمع بين العمرة و الحجّ، و الإحلال بينهما من المحظورات.

قال ابن القيم: لما عزم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) على الحج علم الناس انه حاج فتجهّزوا للخروج معه و سمع بذلك مَنْ حول المدينة فقدموا يريدون الحج مع رسول اللّه و وافاه في الطريق خلائق لا يحصون، فكان من بين يده و من خلفه و عن يمينه و شماله مدّ البصر.(1)ر.

ص: 73


1- . زاد المعاد: 1/175، طبع مصر.

خاتمة المطاف

في أُمور:

الأوّل: اتّفقت كلمة شرّاح الصحيحين على أنّ المراد من «رجل» في قوله: «و قال رجل برأيه» هو عمر بن الخطاب، قال القسطلاني في شرح قوله: «قال رجل برأيه ما يشاء» هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان، لأنّ عمر أوّل من نهى عنها فكان من بعده تابعاً له في ذلك.

ففي صحيح مسلم انّ ابن الزبير كان ينهى، و ابن العباس يأمر بها فسألوا جابراً فأشار إلى أنّ أوّل من نهى عنها عمر.(1)

و قال النووي في شرح صحيح مسلم: هو عمر بن الخطاب، لأنّه أوّل من نهى عن المتعة، فكان من بعده من

ص: 74


1- . إرشاد الساري: 4/169.

عثمان و غيره تابعاً له.(1)

الثاني: أخرج مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بعثني إلى اليمن فوافقته في العام الذي حجّ فيه، فقال لي رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): يا أبا موسى كيف قلت حين أحرمت؟ قال: قلت: لبّيك إهلالاً كإهلال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، فقال: هل سقت هدياً؟ فقال:

لا، قال: فانطلق فطف بالبيت و بين الصفا و المروة ثمّ أحل.(2)

هنا سؤال هو انّ علي بن أبي طالب و أبا موسى علّقا إحرامهما بإحرام النبي، فأمر عليّاً بالدوام على إحرامه، و أمر أبا موسى بجعله عمرة فما هو الفارق بين الإحرامين؟ أقول: قد أجاب عنه النووي في شرحه و قال: إنّ0.

ص: 75


1- . شرح النووي: 8/451.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي: 8/450.

عليّاً كان معه هدي كما كان مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) الهدي فبقي على إحرامه كما بقي النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و كلّ من معه هدي، و أبو موسى لم يكن معه هدي فتحلّل بعمرة كمن لم يكن معه هدي و لو لا الهدي مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لجعلها عمرة.(1)

الثالث: انّ في حظر متعة الحجّ لعبرة لمن سبر التاريخ، و حاول الوقوف على الوقائع التي جرت فيه، فهذا هو النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قد حجّ و معه آلاف من أصحابه و من تبعه من الأعراب حيث أمر فيه بإدخال العمرة في الحجّ و الاحلال بينهما و قد شهد به الكبير و الصغير و الداني و النائي، و بالرغم من ذلك فقد غلب منطقُ القوة على قوة المنطق عُقْب رحيله حتى صار التمتع بالعمرة إلى الحجّ من المحرمات التي يعاقب عليها مرتكبها أشدّ العقوبة، مع أنّ هذه المسألة لم تكن مصدر تهديد0.

ص: 76


1- . شرح صحيح مسلم: 8/450.

للسلطات الحاكمة.

فإذا كان هذا هو حالها فما ظنك بالمسائل السياسية التي تهدِّد المنافع الشخصية للبعض، فلا غرو في أن يقف أصحاب الآراء و الأهواء بوجه الحقّ الذي أمر به النبي.

و بذلك يسهل على القارئ الكريم الوقوف على مغزى مخالفة بعض الصحابة للحقّ المشروع لعلي (عليه السلام) في الخلافة.

إنّ كثيراً من الباحثين من أهل السنّة يأوّلون ما ورد من النصوص حول خلافة الإمام أمير المؤمنين في أوائل البعثة و أواسطها و أواخرها و يفسرونها بالدعوة إلى نصرة علي و محبّته، يقول الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في وقته في رسالته إلى السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي:

ص: 77

إنّ أُولي البصائر النافذة و الرؤية الثاقبة ينزّهون الصحابة عن مخالفة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في شيء من ظواهر أوامره و نواهيه و لا يجوّزون عليهم غير التعبّد بذلك، فلا يمكن أن يسمعوا النص على الإمام ثمّ يعدلوا عنه أوّلاً و ثانياً و ثالثاً، و كيف يمكن حملهم على الصحّة في عدولهم عنه مع سماعهم النصّ عليه؟ ما أراك بقادر على أن تجمع بينهما.(1)

و ما ذكره شيخ الأزهر نابع من حسن ظنه بالصحابة كافة، و لكن لو سبر أخبارهم لوقف على أنّهم خالفوا النصوص في موارد كثيرة، و منها متعة الحجّ على الرغم من أنّها لم تشكّل تهديداً لمصالحهم بل كانت مجرد استهجان للتحلّل بين العمرة و الحجّ.

و أمّا النصوص التي تتعرض لمصالحهم الشخصية،3.

ص: 78


1- . المراجعات: ص 234، المراجعة 83.

فقد كانوا يخالفونها في حياته فكيف بعد رحيله؟! و الموارد التي لم يتعبّد السلف من الصحابة بالنصوص فيها أكثر من أن تذكر في ذلك المجال، و كفانا في ذلك ما قام به السيد شرف الدين العاملي في كتابه القيم «النص و الاجتهاد» فقد جمع شطراً وافراً من اجتهادات الصحابة مقابل النص، و قد أنهاها إلى 66 مورداً، نقتصر منها على هذا النموذج:

رزية يوم الخميس التي حيل فيها بين النبي و ما كان يرومه من كتابة أمر بالغ الأهمية، فانّها من أشهر القضايا و أكبر الرزايا أخرجها أصحاب الصحاح و السنن و نقلها الإمام البخاري في صحيحه، بسنده إلى عبيد اللّه بن عتبة ابن مسعود عن ابن عباس، قال: لمّا حضر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن حسبنا كتاب

ص: 79

اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلّوا بعده، و منهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي، قال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): قوموا، فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم.(1)

و يكشف عن ذلك الحوار الذي جرى بين الخليفة و ابن عباس الذي نقله على وجه التفصيل شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد في شرحه، يقول:

قال عمر بن الخطاب لابن عباس: يا ابن عباس أ تدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين.

قال: لكنّي أدري.

قال: ما هو، يا أمير المؤمنين؟م.

ص: 80


1- . صحيح البخاري: 1/30، باب كتابة العلم.

قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة، فتجْحفوا الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، و وفقت فأصابت.(1)

و بما انّ المقام لا يقتضي التبسّط فلنقتصر على ذلك.

الرابع: المعروف انّ الخليفة حرم متعة الحجّ لاستلزامه التحلّل بين العمرة و الحجّ، و هذا ممّا كان يستهجنه الخليفة و يعرب عنه قوله:

«إنّي أخشى أن يعرّسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حجّاجاً»، و قوله: «كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رءوسهم».

و على ذلك فقد رخص في الإفراد و القران، أمّا الفارد فلأنّ العمرة يؤتى بها بعد الحجّ، و أمّا القران فانّ الحاج بما انّه يهل بالعمرة و الحجّ معاً فلا يتحلّل بين العملين.ن.

ص: 81


1- . شرح نهج البلاغة: 12/53، في شرح قوله: للّه بلاد فلان.

و لكنّه بالنسبة إلى سائر أقواله فقد منع عن حجّ القران أيضاً، و ذلك لأنّه كان يصر بفصل الحجّ عن العمرة مستدلاً بأنّه ليس لأهل هذا البلد ضرع و لا زرع.(1) و كان ينادي بقوله: «فافصلوا حجّكم عن عمرتكم فانّه أتم لحجّكم و أتمّ لعمرتكم»(2) و معنى ذلك حرمان أكثر الناس من العمرة التي دعا إليها سبحانه بقوله:

(وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ )، إذ ربما لا تتهيّأ الأسباب لإقامة الآفاقي في مكة المكرمة حتّى يحول الحول فيأتي بالعمرة نزولاً لنهي الخليفة.

و ما أبعد عمل الخليفة و ما يرويه ابن عباس، و يقول: و اللّه ما أعمر رسول اللّه عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، و قال كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض.(3)9.

ص: 82


1- . مرّ كلامه ص 46، 51، 52.
2- . مرّ كلامه ص 46، 51، 52.
3- . صحيح البخاري: 3/69.

الخامس: قد روى عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما مرّ من احتدام النزاع بين النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و لفيف من صحابته في إدخال العمرة في الحجّ و التحلّل بعد الأُولى.

روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لمّا فرغ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) من سعيه بين الصفا و المروة أتاه جبرئيل (عليه السلام) عند فراغه من السعي و هو على المروة، فقال: إنّ اللّه تعالى يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي. فأقبل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) على الناس بوجهه، فقال: يا أيّها الناس هذا جبرئيل و أشار بيده إلى خلفه يأمرني عن اللّه عزّ و جلّ أن آمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي فأمرهم بما أمر اللّه به.

فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) نخرج إلى منى و رءوسنا تقطر من النساء.

و قال آخرون: يأمرنا بشيء و يصنع هو غيره. فقال: يا أيّها الناس لو استقبلت من

ص: 83

أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس، و لكنّي سُقت الهدي و لا يحلّ من ساق الهدي حتّى يبلغ الهدي محلّه. فقصر الناس و أحلّوا و جعلوها عمرة.

فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال يا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد إلى يوم القيامة و شبّك بين أصابعه. و أنزل اللّه تعالى في ذلك قرآناً:

(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(1).(2)

السادس: انّ رسول اللّه أقام بالمدينة عشر سنين فلما نزل قوله سبحانه: (وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (3) أمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بانّ رسول اللّه يحجّ في عامه هذا7.

ص: 84


1- . البقرة: 196.
2- . التهذيب: 5/30، باب ضروب الحجّ، الحديث 3.
3- . الحج: 27.

فاتبعه من حضر المدينة و أهل العوالي و الاعراب.

و اختلفت كلمة أهل السنة في كيفية حجّه إلى أقوال و وجوه:

1. انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان قارناً لا مفرداً. و هذا خيرة ابن قيم الجوزية، و أقام على مختاره ما يربو على 21 دليلاً.(1)

2. انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حجّ حجّاً مفرداً لم يعتمر فيه و احتجّوا برواية عائشة في الصحيحين انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أهل بالحجّ.

3. انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حجّ متمتّعاً تمتعاً حلّ فيه من إحرامه ثمّ أحرم يوم التروية بالحجّ مع سوق الهدي.

4. حجّ متمتعاً تمتعاً لم يحل منه لأجل سوق الهدي.

هذه الوجوه ذكرها ابن قيم الجوزية و بسط الكلام في أدلّة القائلين و نقدها.(2) و أمّا ما هو الحقّ حسب2.

ص: 85


1- . زاد المعاد 2201/216.
2- . لاحظ زاد المعاد: 2321/222.

روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فموكول إلى محلّه و قد استدلّ صاحب الحدائق على أنّه لم يكن متمتعاً بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي.(1)

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ ).(2)7.

ص: 86


1- . الحدائق: 14/313.
2- . سورة ق: 37.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.