سلسله المسائل الفقهیه الإفطار في السفر على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 9

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

الإفطار في السفر على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[9. الإفطار في السفر على ضوء الكتاب و السنّة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

الإفطار في السفر

اتّفقت كلمة الفقهاء على مشروعية الإفطار جوازاً أو وجوباً في السفر تبعاً للذكر الحكيم و السنّة المتواترة إلاّ انّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية تبعاً لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) و الظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة، و اختاره من الصحابة:

عبد الرحمن بن عوف و عمر و ابنه عبد اللّه و أبو هريرة و عائشة و ابن عباس، و من التابعين: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) و ابنه محمد الباقر (عليه السلام) و سعيد بن المسيب و عطاء و عروة بن الزبير و شعبة و الزهري و القاسم

ص: 5

ابن محمد بن أبي بكر و يونس بن عبيد و أصحابه.(1)

و ذهب جمهور أهل السنّة و فيهم فقهاء المذاهب الأربعة إلى كون الإفطار رخصة و إن اختلفوا في أفضلية الإفطار و الصوم.

قال الجصّاص: الصوم في السفر أفضل من الإفطار، و قال مالك و الثوري: الصوم في السفر أحبّ إلينا لمن قوي عليه، و قال الشافعي: إن صام في السفر أجزأه.(2)

و قال السرخسي: إنّ أداء الصوم في السفر يجوز في قول جمهور الفقهاء، و هذا قول أكثر الصحابة، و على قول أصحاب الظواهر لا يجوز إلى أن قال: إنّ الصوم في السفر أفضل من الإفطار عندنا.

و قال الشافعي: الفطر أفضل، لأنّ ظاهر ما رُوينا من آثار يدلّ على أنّ الصوم في السفر لا يجوز، فإن ترك هذا5.

ص: 6


1- . المحلّى لابن حزم: 6/258.
2- . أحكام القرآن: 1/215.

الظاهر في حقّ الجواز(1) بقي معتبراً في أنّ الفطر أفضل، و قاس بالصلاة فانّ الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الإتمام فكذلك الصوم لأنّ السفر يؤثر فيهما، قال (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة و الصوم».(2)

و قال ابن قدامة المقدسي: حكم المسافر حكم المريض في إباحة الفطر و كراهية الصوم و إجزائه إذا فعله، و إباحة الفطر ثابتة بالنص و الإجماع، و أكثر أهل العلم على أنّه إن صام أجزأه إلى أن قال: و الفطر في السفر أفضل.(3)

و قال القرطبي: و اختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر، فقال مالك و الشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل لمن قوي عليه. و جعل7.

ص: 7


1- . كذا في النسخة و لعلّ الصحيح: في حدّ الجواز.
2- . المبسوط للسرخسي: 923/91.
3- . الشرح الكبير في ذيل المغني: 193/17.

مذهب مالك التخيير و كذلك مذهب الشافعي، قال الشافعي و من تبعه: هو مخيّر و لم يُفضِّل و كذلك ابن عليّة.(1)

و هذه النقول و غيرها صريحة في اتّفاق الجمهور على جواز الإفطار في السفر لا على وجوبه مع اعتراف الشافعي بأنّ ظواهر الأدلّة هو المنع عن الصوم حيث قال: «لأنّ ظاهر ما روينا من الآثار يدلّ على أنّ الصوم في السفر لا يجوز».(2) و إن كان ما نقله القرطبي و غيره عنه يخالفه.

و على كلّ تقدير فالإفطار جوازاً و وجوباً من أحكام السفر، فالمهم هو بيان ما يستفاد من الأدلّة من كون الإفطار عزيمة أو رُخصة. و سيتضح إليك انّ الإفطار عزيمة يدلّ عليها الكتاب و السنّة.1.

ص: 8


1- . الجامع لأحكام القرآن: 2/280.
2- . المبسوط: 3/91.

1 الكتاب وصوم رمضان في السفر

اشارة

قال سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).(1)

(أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).(2)

(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

ص: 9


1- . البقرة: 183.
2- . البقرة: 184.

وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).(1)

إنّ هذه الآيات المباركة تتضمّن أحكام الطوائف الأربع بعد التأكيد على أنّ الصوم ممّا كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم و الكتابة آية الفرض و الوجوب غالباً، و ليس للمكلّف تركه، فاللّه سبحانه يخاطب قاطبة المؤمنين بقوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ). فالصيام مكتوب على الإنسان بأشكال مختلفة من غير فرق بين المُصحّ و المريض و المسافر و المُطيق، لكن يختلف امتثاله حسب اختلاف أحوال المكلّف، لأنّه ينقسم حسب العوارض إلى الأصناف الأربعة، و لكلّ صنف حكمه.

الفقيه كلّ الفقيه ما يكون بصدد فهم القرآن و السنّة5.

ص: 10


1- . البقرة: 185.

سواء أ وافق مذهب إمامه الذي يُقلّده أم خالف، غير انّ كثيراً من المفسرين في تفسير هذه الآيات حاولوا أن يطبقوها على مذهب إمامهم من دون أن يُمعنوا النظر في مفردات الآية و جملها حتّى يخرجوا بنتيجة واحدة من دون اختلاف و قد عرفت أقوالهم.

فنقول: الآيات المتقدّمة تبيّن أحكام الأصناف الأربعة التي عرفت عناوينها، و إليك بيان ما يستفاد من الآيات في حقّ هؤلاء.

1. الصحيح المعافى

إنّ قوله سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) صريح في لزوم الصوم لمن شهد الشهر، من غير فرق بين تفسير شهود الشهر بالحضور في البلد و عدم السفر، أو برؤية الهلال، فليس للشاهد إلاّ تكليف واحد و هو صوم الشهر كلّه إذا اجتمعت فيه الشرائط.

ص: 11

2 و 3 المريض و المسافر

اشارة

2. المريض 3. المسافر و قد بيّن سبحانه حكم المريض و المسافر بقوله في موردين:

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ).(1)

(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ).(2)

و المقصود فهم ما تتضمّنه الجملة في الموردين من الحكم في حقّ المريض و المسافر، فهل هو ظاهر في كون الإفطار عزيمة أو رخصة؟ و الإمعان في الآية يثبت انّ الإفطار عزيمة، و ذلك بوجوه أربعة:

ص: 12


1- . البقرة: 184.
2- . البقرة: 185.

الأوّل: وجوب الصيام في العدّة، آية لزوم الإفطار

إنّ معنى قوله سبحانه: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) أي «فعليه صيام عدّة أيام أُخر» أو «يلزمه صيام تلك الأيام»، و هذا هو الظاهر من أكثر المفسرين حيث يذكرون بعد قوله سبحانه: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) قولهم:

عليه صوم أيّام أُخر. و على ذلك فالمتبادر من الآية هو انّه يلزمه صيام تلك الأيّام، أو على ذمّته صيامها، هذا من جانب.

و من جانب آخر: انّه إذا وجب صيام تلك الأيام مطلقاً، يكون الإفطار في شهر رمضان واجباً، و إلاّ فلو جاز صومه، لما وجب صيام تلك الأيام (أَيّامٍ أُخَرَ ) على وجه الإطلاق فإيجاب صيامها كذلك، آية وجوب الإفطار في شهر رمضان.

الثاني: التقابل بين الجملتين يدلّ على حرمة الصوم

إذا كانت في الكلام جملتان متقابلتان فإبهام

ص: 13

إحداهما يرتفع بظهور الأُخرى، و هذا ممّا لا سترة عليه، و على ضوء هذا نرفع إبهام قوله: (أَوْ عَلى سَفَرٍ ) بالجملة الأُخرى التي تقابله فنقول:

قال سبحانه في من شهد الشهر:

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ).

ثمّ قال في من لم يشهد الشهر:

(وَ مَنْ كانَ ... أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ).

فإذا كان معنى الجملة الأُولى انّ الشاهد يصوم، يكون معنى الجملة الثانية بحكم التقابل انّ المسافر لا يصوم فإذا كان الأمر في الجملة الأُولى ظاهراً في الوجوب يكون النهي في الثانية ظاهراً في التحريم.

و قد روى عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )، قال: «ما أبينها:

ص: 14

من شهد الشهر فليصمه و من سافر فلا يصمه».(1)

الثالث: المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو صيام العدّة

اشارة

إنّ ظاهر قوله سبحانه: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) هو انّ المكتوب على الصنفين من أوّل الأمر هو الصيام في أيّام أُخر، فإذا كان الصيام واجباً على عامة المكلّفين و كان المكتوب عليهم من أوّل الأمر هو الصيام في أيام أُخر، فصيامهم في شهر رمضان يكون بدعة و تشريعاً محرّماً، لاتّفاق الأُمّة على عدم وجوب صومين طول السنة.

كلمات بعض المفسرين تدعم موقفنا

إنّ لفيفاً من المفسرين عند تفسير الآية حرفيّاً فسروا الآية على غرار ما ذكرنا، لكن عند ما وصلوا إلى بيان

ص: 15


1- . الوسائل: 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 8.

حكم الإفطار من العزيمة و الرخصة، صدّهم فتوى إمامهم عن الإصحار بالحقيقة.

يقول الطبري: فمن كان منكم مريضاً ممن كلّف صومه أو كان صحيحاً غير مريض و كان على سفر فعدّة من أيام أُخر (يقول) فعليه صوم عدّة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أُخر، يعني من أيّام أُخر غير أيّام مرضه أو سفره.(1)

فظاهر قوله: «فعليه صوم عدّة أيّام» أي يلزم عليهما صوم تلك العدة، و مع لزوم القضاء مطلقاً كيف يكون مخيّراً بين الإفطار و الصيام؟! قال ابن كثير: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) أي المريض و المسافر لا يصومان في حال المرض و السفر، لما في ذلك من المشقة عليهما، بل يفطران و يقضيان بعدة ذلك من أيام أُخر.(2)6.

ص: 16


1- . تفسير الطبري: 2/77.
2- . تفسير القرآن العظيم: 1/376.

و في الوقت نفسه هو يقول بعد صفحة: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فأثبت اللّه صيامه على المقيم الصحيح و رخّص فيه للمريض و المسافر.(1) فأين قوله: «لا يصومان في حال المرض و السفر» من قوله:

و يرخّص فيه للمريض و المسافر؟! فالتعبير الأوّل تعبير عن ظهور الآية جرى على قلمه بصورة عفوية من دون أن يلتفت إلى مذهب إمامه، و الجملة الثانية صدرت منه غفلة عمّا ذكره لدعم رأي إمام مذهبه.

تقدير «فافطر» لتطبيق الآية على المذهب

ثمّ إنّ بعض المفسرين لما أدرك ظهور الآية في لزوم الإفطار و صيام أيّام أُخر مكان الأيّام التي أفطر فيها، حاول أن يطبِّق الآية على مذهب الترخيص فقدّر بعد

ص: 17


1- . المصدر نفسه: 1/378.

قوله: «أو على سفر» لفظة «فأفطَرَ» و قال: «فأفطَرَ» فعدّة من أيّام أُخر، و كأنّ الصيام كتب عليهم أيضاً في شهر رمضان لكن لهم الخيار، فإذا أفطروا يجب عليهم صيام العدة و إن لم يفطروا فلا، و ليس هذا إلاّ لغاية تطبيق الآية على المذهب دون تفسير الآية برأسها، و ها نحن نذكر نماذج من كلماتهم.

1. إنّ الإمام الرازي ممّن ذكر دليل القائل بكون الإفطار عزيمة لا رخصة و مع ذلك اختار المذهب الآخر بحجّة انّ في الآية تقديراً أعني: «فافطر»، أو انّ القضاء يجب بالإفطار لا بالمرض و السفر، يقول:

ذهب قوم من علماء الصحابة إلى أنّه يجب على المريض و المسافر أن يفطر أو يصوم عدّة من أيّام أُخر و هو قول ابن عباس و ابن عمر.

و ذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ الإفطار رخصة، فإن شاء أفطر و إن شاء صام.

ص: 18

احتجّ الجمهور بوجوه:

الأوّل: انّ في الآية إضماراً، لأنّ التقدير: فافطر فعدة من أيّام أُخر.

الثاني: ما ذكره الواحدي في كتاب البسيط، قال: القضاء إنّما يجب بالإفطار لا بالمرض و السفر.

الثالث: ما رواه ابن داود في سننه عن هشام... انّ حمزة الأسلمي سأل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و قال: يا رسول اللّه هل أصوم على السفر؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): صم إن شئت و أفطر إن شئت.(1)

يلاحظ على الوجه الأوّل: انّ الإضمار على خلاف الظاهر. و لا دليل على تقديره سوى تطبيق الآية على المذهب الفقهي.

و على الوجه الثاني: فهو ادّعاء بلا دليل، و ظاهر الآية و الروايات التي ستوافيك انّ السفر لا يجتمع مع الصوم سواء أفطر أو لا.6.

ص: 19


1- . التفسير الكبير: 5/74 و 76.

و أمّا الوجه الثالث: فسيوافيك حال الرواية، فانتظر.

2. قال صاحب المنار في تطبيق الآية على فتوى مذهب الجمهور: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) أي من كان كذلك «فافطر» فعليه صيام عدّة من أيّام أُخر غير تلك الأيّام المعدودات، فالواجب عليه القضاء إذا أفطر بعدد الأيام التي لم يصمها.(1)

أقول: ما ساق صاحب المنار إلى تقدير قوله «فافطر» أو قوله: «إذا أفطر» إلاّ وقوفه على دلالة الآية على لزوم الإفطار و انّ الواجب عليه هو صوم عدّة أيّام أُخر، فحاول بتقدير «إذا أفطر» أن يصرف الآية عن ظهورها و يجعلها ظاهرةً في التخيير بين صيام رمضان و صيام عدّة أيّام أُخر.

و العجب انّه يصرّح في موضع آخر من كلامه بأنّه0.

ص: 20


1- . تفسير المنار: 2/150.

«تأويل»، و معنى كلامه عندئذ انّه صرفٌ للآية عن ظاهرها بلا دليل.

يقول: اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة: لا يجزي الصوم عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر، لظاهر قوله تعالى: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ )... ظاهره فَعَليه عدّة أو فالواجب عدة، و تأوّله الجمهور بأنّ التقدير(1): فأفطر فعدة.

و لا ينقضي تعجّبي منه، حيث إنّه يصفه بأنّه تأويل و مع ذلك يصرّ على صحة فتوى الجمهور، و مع أنّه يندّد في ثنايا تفسيره بجملة من المقلّدين لأئمّة مذاهبهم حيث يؤوّلون ظواهر الآية تطبيقاً لها لفتوى مذهب إمامهم، و يقول في مسألة الطلاق ثلاثاً التي اختار فيها تبعاً لظاهر القرآن بأنّه لا يقع إلاّ مرة واحدة:

ليس المراد مجادلة المقلّدين أو إرجاع القضاة و المفتين عن مذاهبهم3.

ص: 21


1- . تفسير المنار: 2/153.

فانّ أكثرهم يطّلع على هذه النصوص في كتب الحديث و غيرها و لا يبالي بها، لأنّ العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب اللّه و سنّة رسوله.(1)

و قد ردّ غير واحد من علماء الإمامية على من قدّر «فأفطر» بغية إثبات التخيير.

يقول الشيخ الطوسي: و في هذه الآية دلالة على أنّ المسافر و المريض يجب عليهما الإفطار، لأنّه تعالى أوجب عليهما القضاء مطلقاً، و كلّ من أوجب عليه القضاء بنفس السفر و المرض، أوجب الإفطار...

فان قدّروا في الآية «فافطر» كان ذلك على خلاف الآية. و بوجوب الإفطار في السفر قال عمر بن الخطاب (و قد ذكر أسماء عدّة من الصحابة و التابعين القائلين بوجوب الإفطار الذين ذكرنا أسماءهم في صدر البحث).(2)

يقول العلاّمة الطباطبائي: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ0.

ص: 22


1- . تفسير المنار: 2/386.
2- . التبيان: 2/150.

مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) «الفاء» للتفريع، و الجملة متفرعة على قوله: «كتب» و قوله:

«معدودات» أي انّ الصيام مكتوب مفروض عليهم فيها.

ثمّ يقول: و قد قدّر القائلون بالرخصة في الآية تقديراً فقالوا: إنّ التقدير فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدّة من أيّام أُخر.

و يرد عليه أوّلاً: انّ التقدير كما صرّحوا به خلاف الظاهر لا يصار إليه إلاّ بقرينة، و لا قرينة من نفس الكلام عليه.

و ثانياً: انّ الكلام على تقدير تسليم التقدير لا يدلّ على الرخصة، فانّ المقام كما ذكروه مقام تشريع و غاية ما يدلّ عليه قولنا: «فمن كان مريضاً أو على سفر فافطر» هو، انّ الإفطار لا يقع معصية، بل جائزاً بالجواز بالمعنى الأعم من الوجوب و الاستحباب و الإباحة، و أمّا كونه جائزاً بالمعنى الأخصّ فلا دليل عليه من الكلام البتة، بل

ص: 23

الدليل على خلافه، فانّ بناء الكلام على عدم بيان ما يجب بيانه في مقام التشريع لا يليق بالمشرّع الحكيم و هو ظاهر.(1)

***

الرابع: ذكر المريض و المسافر في سياق واحد

إنّ الآية ذكرت المريض و المسافر في سياق واحد و حكم عليهما بحكم واحد و قال: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) فهل الرخصة في حقّ المسافر فقط، أو تعمّ المسافر و المريض؟ فالأوّل يستلزم التفكيك، فانّ ظاهر الآية انّ الصنفين في الحكم على غرار واحد لا يختلفان، فالحكم بجواز الإفطار في المسافر دون المريض لا يناسب ظاهر الآية.

و أمّا الثاني فهل يصحّ لفقيه أن يفتي بالترخيص في المريض إذا كان الصوم ضاراً أو شاقاً عليه؟! فانّ الإضرار

ص: 24


1- . الميزان: 2/11.

بالنفس حرام في الشريعة المقدسة كما أنّ الإحراج في امتثال الفرائض ليس مكتوباً و لا مجعولاً في الشرع، قال سبحانه: (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ).(1)

إلى هنا تبين حكم المسافر و المريض، و إليك حكم الصنف الرابع.

4. المطيق

هذا هو الصنف الرابع الذي يبيّن سبحانه حكمه بقوله: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ).

و المراد هو الشيخ الكبير و الشيخة الكبيرة اللّذين لا يستطيعان أن يصوما أو لا يستطيعان إلاّ بمشقة كبيرة، و الظاهر هو الثاني، لأنّ الإطاقة في اللغة أدنى درجات المكنة و القدرة على الشيء، فلا تقول العرب أطاق إلاّ إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمّل به

ص: 25


1- . الحج: 78.

مشقة كثيرة.

و على كلّ تقدير فالواجب عليه فدية طعام، و قد اختلفوا في مقدار الفدية على نحو مذكور في الفقه، فمنهم من قال: نصف صاع و هم أهل الرأي، و قال الشافعي: مدّ عن كلّ يوم، و هو المذهب المنصور عند الإمامية.

لكن الاكتفاء بهذا المقدار أمر جائز، غير انّ من قدر على الزائد من هذا المقدار فهو خير، كما يقول سبحانه:

(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) أي أطعم أكثر من مسكين فهو خير.

ثمّ إنّ هنا تفسيرين آخرين للتطوّع:

1. الجملة ناظرة إلى المطيق و المقصود من جمع بين الصوم و الصدقة فهو خير.

يلاحظ عليه بأنّه بعيد عن ظاهر الآية، فانّ المفروض انّ الشيخ لا يطيق الصوم إلاّ ببذل عامة جهده و طاقته فهل يستحبّ له الجمع بين الصوم و الصدقة؟!

ص: 26

أضف إلى ذلك انّ المستطيع يجب عليه الصوم وحده و لا يستحب له الفدية و لكن الشيخ الكبير يستحب له مع الصوم، الفدية!! 2. الجملة ناظرة إلى أصحاب الأعذار، أعني: المريض و المسافر، و المقصود: إن زادا على تلك الأيام المعدودات فهو خير له، لأنّ فائدته و ثوابه له، و «الفاء» في قوله: (فَمَنْ تَطَوَّعَ ) يدلّ على هذا، لأنّها تفريع على حصر الفرضية في(1) الأيام المعدودات.

يلاحظ عليه بأنّه كيف تكون الجملة ناظرة إلى أصحاب الأعذار مع توسط حكم الصنف الرابع بينهما حيث قال: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ )، (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ )، (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ).

و الظاهر انّه يرجع إلى الصنف الرابع، و الجملة8.

ص: 27


1- . تفسير المنار: 2/158.

تفريع على حصر الفرض في طعام مسكين، و المقصود: فمن تطوّع بزيادة إطعام المسكين فهو خير له.

إلى هنا تمّ حكم الأصناف الأربعة.

*** بقي الكلام في تفسير قوله سبحانه (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) فنقول:

من هو المخاطب في قوله: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )؟ ثمّ إنّه سبحانه بعد ما بيّن أحكام الأصناف الأربعة خاطب عامة المؤمنين مرّة أُخرى بقوله:

(وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).

و هذا الخطاب على غرار الخطاب السابق، أعني قوله:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ).

و الفرق بين الخطابين انّ الخطاب السابق خطاب

ص: 28

إجمالي و دعوة إلى الصوم و الخطاب اللاحق خطاب بعد تفصيل أحكام الأصناف الأربعة، فتكون النتيجة:

و ان تصوموا أيّها المكلّفون على النحو المذكور في الآية خير لكم، أي: يصوم الشاهد، و يفطر المريض و المسافر و يصوم في أيّام أُخر و يفدي المطيق.

و أمّا من يقول بالرخصة في المريض و المسافر أو في خصوص المسافر يتخذ ذلك ذريعة للرخصة و يقول «إنّ الخطاب فيها لأهل الرخص، و انّ الصيام في رمضان خير لهم من الترخّص(1) بالإفطار».

يلاحظ عليه بأنّ التفسير نابع من محاولة إخضاع الآية على المذهب الفقهي، و هو التخيير بين الصوم و الإفطار، و لكنّه غير تام لوجهين:

1. انّ صرف الخطاب العام إلى الصنف الخاص،ه.

ص: 29


1- . تفسير المنار: 2/158، نقله عن بعض المفسرين و ردّ عليه بقوله: و هذا غير مطرد و لا متفق عليه.

تفسير بلا دليل و من شعب التفسير بالرأي.

2. لو كان الخطاب لأهل الرخص كان اللازم أن يقول: و ان يصوم المسافر خير من الإفطار و يبيّن الحكم باللفظ الغائب، لا بالخطاب الحاضر.

بل الظاهر كما مرّ انّه تأكيد على امتثال الفريضة و انّ الصوم خير، فله أثره الجميل في النفس فانّ التنزّه عن الاسترسال في استيفاء اللذائذ الجسمانية، و كبح جماح الشهوات يورث التقوى و التجافي عن الاخلاد إلى الأرض.

و لغاية الإيضاح نقول إنّ الآية الثانية، تتشكل من أربع فقرات بعد بيان انّ الواجب لا يتجاوز عن كونه أيّاماً معدودات.

الأُولى: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ).

الثانية: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ).

الثالثة: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ).

ص: 30

الرابعة: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).

و جاءت الفقرات الثلاث الأُول بصيغة الغائب بخلاف الأخيرة فجاءت بصيغة الخطاب.

و هذا دليل على أنّه منقطع عن المقاطع الثلاثة و تأكيد للخطاب الأوّل بعد التفصيل أعني قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ).

*** ثمّ إنّه سبحانه ذكر في الآية الثالثة جملاً ثلاثاً:

أ. (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ).

و هو بيان لحكمة رفع الصيام عن الأصناف الثلاثة، أي أُمروا بالإفطار لأجل اليسر و دفع العسر، من غير فرق بين المريض و المسافر و من يشق عليه الصيام.

ب. (وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ).

ص: 31

و هو راجع إلى قضاء المريض و المسافر، أي أنّ الموضوع عنهما هو حكم الصيام في شهر رمضان، و أمّا القضاء بعدد الأيّام المعدودات فلا.

ج. (وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).

الجملة غاية أصل الصيام حيث إنّه سبحانه يطلب من عباده، تكبيرَه في مقابل هدايتهم حتّى يكونوا شاكرين لنعمه.

هذا تفسير الآيات الثلاث حسب ما يوحيه ظاهرها.

ص: 32

2 السنّة وصوم شهر رمضان في السفر

قد عرفت قضاء الكتاب في مورد الصوم في السفر و انّ الواجب هو الإفطار و القضاء في أيّام أُخر حسب ما أفطر، فلنرجع إلى السنّة و لندرس الروايات الواردة، و سيوافيك انّها تعاضد القرآن الكريم و لا تخالفه قيد شعرة بشرط الإمعان في مضامينها و أسنادها، أمّا ما ورد عن طريق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فهو متضافر لا يسعنا نقلها في المقام و إنّما نتبرّك بذكر بعضها:

1. روى الكليني بسنده عن الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث قال: «و أمّا صوم السفر و المرض فانّ العامة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام و إن

ص: 33

شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام».(1)

2. روى الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمّى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قوماً صاموا حين أفطر و قصّر: عصاة، و قال: هم العصاة إلى يوم القيامة، و انّا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا».(2)

3. روى الكليني عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه عزّ جلّ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )، قال: «ما أبينها: من شهد الشهر فليصمه، و إن سافر فلا يصمه».(3)1.

ص: 34


1- . الكافي: 4/83، باب وجوه الصوم.
2- . الكافي: 4/127، باب كراهية الصوم في السفر، الحديث 6.
3- . المصدر نفسه، الحديث 1.

4. روى الكليني عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ اللّه عزّ و جلّ تصدّق على مرضى أُمّتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار، أ يسرُّ أحدكم إذا تصدّق بصدقة(1) ان ترد عليه».

5. روى الكليني عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر» و قال: «إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان و معه الناس و فيهم المشاة، فلمّا انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر و العصر فشرب و أفطر ثمّ أفطر الناس معه، و ثَمَّ أُناس على صومهم فسمّاهم العصاة، و إنّما يؤخذ بآخر أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)».(2)).

ص: 35


1- . المصدر نفسه، الحديث 2.
2- . المصدر نفسه، الحديث 5. و قد ورد هذا المضمون في غير واحد من روايات أهل السنّة روى مسلم في رواية خرج رسول اللّه عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثمّ أفطر و كان صحابة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره) شرح صحيح مسلم للنووي: 7/229).

هذا بعض ما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ذكرناه ليكون نموذجاً لما لم نذكر، و اقتصرنا بالقليل من الكثير، و من المعلوم أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أحد الثقلين اللّذين تركهما الرسول بين الأُمّة لصيانتها عن الضلالة فلا يعادل قولَهم قولُ الآخرين.

و من حسن الحظ انّ روايات أهل السنّة توافق ما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، و نذكر منها ما يلي:

1. أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، كان رسول اللّه في سفر فرأى ازدحاماً و رجلاً قد ظُلِّل عليه.

فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم.

فقال: ليس من البر الصوم في السفر.

و في لفظ صحيح مسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر.(1)3.

ص: 36


1- . صحيح البخاري: 3/44; صحيح مسلم: 7/233.

إنّ البر في مصطلح القرآن هو العمل الحسن الذي يقابله الإثم، يقول سبحانه: (وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ ) (1) فإذا لم يكن الصوم في السفر براً فهو إثم و حكم الإثم واضح.

و قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) و إن ورد فيمن وقع في حرج شديد، لكن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ضرب قاعدة كلية لمطلق الصائم في السفر، سواء أ كان عليه حرج أم لا، بشهادة انّه لو كان الموضوع هو الصوم الحرجي لكان عليه التركيز عليه و يقول ليس من البر الصوم الحرجي أو يستشهد بقوله سبحانه: (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ).

يقول ابن حزم: فإن قيل: إنّما منع (عليه السلام) في مثل حال ذلك الرجل.

قلنا: هذا باطل لا يجوز، لأنّ تلك الحال محرّم، البلوغُ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر كما هو في2.

ص: 37


1- . المائدة: 2.

السفر، فتخصيص النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بالمنع من الصيام في السفر إبطال لهذه الدعوى المفتراة عليه (صلى الله عليه و آله و سلم) و واجب أخذ كلامه (عليه السلام) على عمومه.(1)

2. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال: «أُولئك العصاة،(2) أُولئك العصاة».

و المراد من العصيان هو مخالفة أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول سبحانه: (وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )(3).

و العجب ممّن يريد احياء مذهب إمامه يحمل الحديث على أنّ أمره (صلى الله عليه و آله و سلم) كان أمراً استحبابياً، لكنّه بمعزل6.

ص: 38


1- . المحلّى: 6/254.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي: 7/232.
3- . الأحزاب: 36.

من الواقع، فأين الاستحباب من قوله: «أُولئك العصاة، أُولئك العصاة»؟! 3. أخرج ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «صائم رمضان في السفر كالمفطر(1) في الحضر».

و دلالة الحديث على كون الإفطار عزيمة واضحة، فانّ الإفطار في السفر إذا كان اثماً و حراماً فيكون النازل منزلته أعني: الصيام في نفس هذا الشهر اثماً و حراماً.

4. أخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك، عن رجل من بني عبد الأشهل قال: أغارت علينا خيل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فأتيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و هو يتغدّى، فقال: «ادن فكل»، قلت: إنّي صائم قال: «اجلس أُحدّثك عن الصوم أو الصيام، إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع عن المسافر شطر الصلاة، و عن المسافر و الحامل و المرضع، الصوم أو7.

ص: 39


1- . سنن ابن ماجة: 1/532، رقم الحديث 1666; سنن أبي داود: 2/217 رقم 2407.

الصيام». و اللّه لقد قالهما النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كلتاهما أو إحداهما، فيا لهف نفسي فهلاّ كنت طعمت من طعام رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم).(1)

5. روى أبو داود انّ دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، و ذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثمّ إنّه أفطر و أفطر معه أُناس و كره آخرون أن يفطروا، فلمّا رجع إلى قريته، قال: و اللّه لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن انّي أراه، انّ قوماً رغبوا عن هدى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول ذلك للذين صاموا ثمّ قال عند ذلك: اللّهم اقبضني إليك.(2)

هذا بعض ما يستدلّ به على كون الإفطار عزيمة، و قد تركنا البعض الآخر لما استوفينا البحث في نقل الروايات الواردة في الصحاح و السنن في كتابنا «البدعة»، فمن أراد التبسط فليرجع إليه.3.

ص: 40


1- . سنن ابن ماجة: 1/533 برقم 1667.
2- . سنن أبي داود: 2/319، الحديث 2413.

3 ما اتّخذ ذريعة لجواز الصوم في السفر

اشارة

إنّ هنا روايات يتمسّك بها على أنّ الإفطار رخصة و انّ المكلّف مخيّر بينه و بين الصيام و قبل الخوض في المقام نلفت نظر القارئ إلى أُمور ثلاثة يظهر بالإمعان فيها حال بعض ما روي في المقام.

1. انّ البحث مركّز على حكم صيام شهر رمضان في السفر، و انّ الإفطار عزيمة أو رخصة و أمّا صيام غيره في السفر فخارج عن موضوع البحث.

2. انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أمر بالإفطار في عام الفتح (السنة الثامنة من الهجرة) و كان الحكم قبله على الجواز، فلو دلّ حديث عليه فإنّما يصحّ الاستدلال به إذا ورد بعد عام الفتح، و إلاّ فالجواز قبل الفتح ليس مورداً للنقاش.

ص: 41

3. لو افترضنا دلالة الروايات على التخيير فتقع المعارضة بين الآمرة بالإفطار و الحاكمة على التخيير، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات فما وافق الكتاب فهو الحجّة دون ما خالف.

و على ضوء هذه الأُمور ندرس الروايات المجوّزة و نقول: إنّ الروايات المجوّزة على أصناف:

أ. ما ليس صريحاً في شهر رمضان

1. أخرج البخاري عن عائشة انّ حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم): أصوم في السفر و كان كثير الصيام فقال: «إن شئت فصم، و ان شئت فافطر».(1)

إنّ قوله: «و كان كثير السفر» يصلح أن يكون قرينة على أنّ السؤال كان عن الصوم المندوب، و لو لم يكن قرينة فالحديث ليس صريحاً في صيام شهر رمضان، و ما لم

ص: 42


1- . صحيح البخاري: 3/43.

يكن كذلك لا يحتجّ به.

2. ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في بعض أسفاره في يوم حار حتّى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحرّ و ما فينا صائم إلاّ ما كان من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و ابن رواحة.(1)

يلاحظ عليه: بما ذكرناه في الرواية السابقة من عدم ظهور الرواية في صوم شهر رمضان، و معه لا يحتجّ به، مع أنّه يحتمل أن يكون صومه قبل عام الفتح.

3. أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنّا نسافر مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فلم يعب الصائم على المفطر و لا المفطر على الصائم.(2)

يلاحظ عليه: بأنّه ليس صريحاً في شهر رمضان مضافاً إلى سكوت الصحابة ليس حجّة شرعية و ليسي.

ص: 43


1- . صحيح البخاري: 3/43.
2- . صحيح البخاري: 3/44. و نقله مسلم مقيّداً برمضان، و سيوافيك في القسم الثاني.

بعد نبوة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نبوة تشريعية حتّى يكون تقريرهم حجّة.

على أنّه يحتمل أن يكون ذلك قبل يوم الفتح، و قد عرفت أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ندّد بمن لم يُفطر في ذلك اليوم و قال: «أُولئك العصاة، أُولئك العصاة».

4. أخرج مسلم بسنده عن طاوس، عن ابن عباس، قال: لا تعب على من صام و لا على من أفطر، فقد صام رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في السفر و أفطر.(1)

و ليس الحديث صريحاً في شهر رمضان و لا ظاهراً فيه، على أنّه يمكن أن يكون قبل الفتح، و منه يظهر ما نقله مسلم في صحيحه(2) و ما ذكره ابن حزم في «المحلّى» عن علي.(3)7.

ص: 44


1- . صحيح مسلم: 3/143، باب جواز الصوم و الفطر.
2- . صحيح مسلم: 3/143.
3- . المحلى: 6/247.

ب: ما هو صريح في شهر رمضان و ليس صريحاً في ما بعد الفتح

5. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد) (رضي الله عنه) قال: كنّا نسافر مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) رمضان فما يعاب على الصائم صومه و لا على المفطر إفطاره.(1)

6. و أخرج عن أنس) (رضي الله عنه) عن صوم رمضان في السفر فقال: سافرنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر و لا المفطر على الصائم.(2)

يلاحظ عليه: قد سافر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مرّة في شهر رمضان في غزوة بدر، و أُخرى في عام الفتح، فلعلّ الحديثين ناظران إلى سفره (صلى الله عليه و آله و سلم) في شهر رمضان في غزوة بدر، و إلاّ فهو (صلى الله عليه و آله و سلم) قد ندّد بمن تخلّف و صام في رمضان عام الفتح و سمّاهم عصاة، و الحديثان شاهدان على أنّ ما

ص: 45


1- . صحيح مسلم: 3/143، باب جواز الصوم و الفطر.
2- . صحيح مسلم: 3/143، باب جواز الصوم و الفطر.

دلّ على الجواز، فإنّما يرجع إلى ما قبل الفتح لا فيه و لا بعده.

ج: ما هو ضعيف سنداً لا يحتجّ به

و هناك روايات ضعاف لا يحتج بها، نذكر منها نموذجين:

1. ما روي عن العطريف بن هارون مرسلاً: انّ رجلين سافرا فصام أحدهما و أفطر الآخر، فذكرا ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: كلاكما أصاب.(1)

2. ما روي مرسلاً عن أبي عياض: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أمر أن ينادى في الناس من شاء صام و من شاء أفطر.(2)

و الرواية مرسلة لا يحتجّ بها.(3)

كما أنّ ما رواه ابن حزم عن عائشة (4)«انّها كانت

ص: 46


1- . المحلى: 6/247.
2- . المحلى: 6/248.
3- . المحلى: 6/247.
4- . المصدر السابق.

تصوم في السفر و تتم الصلاة» اجتهاد منها لا يحتجّ به إذا صامت في شهر رمضان بعد الفتح.

و حاصل الكلام: انّ هذه الروايات بين ما هي غير صريحة في كون الصيام كان صيام شهر رمضان أو صريح في كونه في شهر رمضان لكن ليس صريحاً فيما بعد الفتح و بين ما هي ضعيفة سنداً لا يحتج بها.

و لو افترضنا دلالة هذه الروايات على الرخصة فتقع المعارضة بينها و بين ما دلّت بصراحتها على أنّ الإفطار عزيمة و عندئذ يقع التعارض بينهما فتصل النوبة إلى المرجّحات، و أُولى المرجّحات هو موافقة الكتاب، و من المعلوم انّ الطائفة الأُولى توافق الكتاب و قد عرفت دلالة الكتاب على أنّ الإفطار عزيمة.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

ص: 47

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.