سلسله المسائل الفقهیه القصر في السفر على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 8

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

القصر في السفر على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[8. القصر في السفر على ضوء الكتاب و السنّة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

هل القصر في السفر عزيمة أو رخصة؟

اتّفق المسلمون تبعاً للكتاب العزيز و السنّة النبوية على مشروعية القصر في السفر و إن لم يكن معه خوف.

إنّما الكلام في أنّ القصر في السفر عزيمة، أو سنّة مؤكدة، أو رخصة؟! هنا أقوال ثلاثة نشير إليها بالتفصيل:

ذهبت الإمامية و الحنفية إلى أنّها عزيمة، و إنّ فرض المسافر في كلّ صلاة رباعية ركعتان.

و قالت المالكية: القصر سنّة مؤكدة لفعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، فانّه لم يُرَ منه في أسفاره انّه أتمّ الصلاة.

ص: 5

أخرج الشيخان عن ابن عمر انّه قال: صحبت النبي فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، و أبو بكر و عمر و عثمان كذلك.(1)

و قالت الشافعية و الحنابلة: القصر رخصة على سبيل التخيير، فللمسافر أن يتمّ أو يقصر.

قال الشيخ الطوسي في «الخلاف»: التقصير في السفر فرض و عزيمة، و الواجب في هذه الصلوات الثلاث: الظهر و العصر و العشاء الآخرة ركعتان، فإن صلّى أربعاً مع العلم وجب عليه الإعادة.

و قال أبو حنيفة مثل قولنا: إلاّ أنّه قال: إن زاد على ركعتين، فإن كان تشهد في الثانية صحّت صلاته و ما زاد على اثنتين يكون نافلة إلاّ أن يأتم بمقيم فيصلي أربعاً فيكون الكل فريضة أسقط بها الفرض.8.

ص: 6


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/205، باب صلاة المسافرين و قصرها من كتاب الصلاة برقم 8.

و القول بأنّ التقصير عزيمة مذهب علي (عليه السلام) و عمر، و في الفقهاء مذهب أبي حنيفة و أصحابه.

و قال الشافعي: هو بالخيار بين أن يصلّي صلاة السفر ركعتين و بين أن يصلّي صلاة الحضر أربعاً، فيسقط بذلك الفرض عنه.

و قال الشافعي: التقصير أفضل.

و قال المزني: و الإتمام أفضل، و بمذهبه قال في الصحابة: عثمان و عبد اللّه بن مسعود و سعد بن أبي وقاص و عائشة، و في الفقهاء: الأوزاعي و أبو ثور.(1)

هذه هي الأقوال.

ثمّ إنّ البحث في صلاة المسافر واسع المجال، فيبحث فيها تارة عن المسافة التي يجوز فيها القصر، و أُخرى عن نوع السفر و انّه هل يختص القصر بالسفر المباح أم يعم سفر المعصية أيضاً؟ و ثالثة في الموضع الذي1.

ص: 7


1- . الخلاف: 1/569، كتاب الصلاة، المسألة 321.

يبدأ منه المسافر بالقصر; و رابعة في مقدار الزمان الذي يتمّ فيه المسافر إذا أقام في موضع، فهناك من يقول يكفي نيّة إقامة أربعة أيام كالمالكية و الشافعية(1) ، و هناك من يقول بأنّه يقصر إلاّ إذا نوى إقامة عشرة أيّام كما عليه الإمامية، إلى غير ذلك من المباحث الراجعة إلى صلاة المسافر، و نحن نركِّز على موضوع آخر و هو كون القصر عزيمة أو سنّة مؤكّدة أو رخصة. و لا ندخل في المواضع الأربعة كما لا ندخل في مبحث شروط القصر التي ذكرها الفقهاء، فانّ البحث في هاتيك المواضيع يحوجنا إلى تأليف كتاب مفرد و قد قمنا بتحريرها في كتاب «ضياء الناظر في صلاة المسافر» المطبوع.

إذا عرفت ذلك فلندخل في صلب الموضوع فنقول:

أمّا الكتاب فقد قال سبحانه: (وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِيج.

ص: 8


1- . الفقه الإسلامي و أدلّته: 3392/338، نقلاً عن الشرح الكبير و مغني المحتاج.

اَلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ).(1)

تفسير مفردات الآية

1. الضرب في الأرض كناية عن السفر، أي إذا سرتم فيها فليس عليكم جناح يعني: حرج و لا إثم أن تقصروا من الصلاة يعني: من عددها فتصلّوا الرباعيات ركعتين.(2)

و بهذا أيضاً فسر القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن»(3) و يؤيد ذلك استعمال الضرب في الأرض في غير واحد من الآيات كقوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا ).(4)

ص: 9


1- . النساء: 101.
2- . التبيان في تفسير القرآن: 3/307.
3- . الجامع لأحكام القرآن: 5/351.
4- . النساء: 94.

و قال سبحانه: (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ).(1)

و قال سبحانه: (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا ).(2)

2. و أمّا الجناح فهو بمعنى الإثم كما تقدّم في عبارة الشيخ في «التبيان»، و قد تضافر استعماله في الإثم في آيات كثيرة.

يقول سبحانه: (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ).(3)

و قد ورد لفظة «جناح» في الكتاب العزيز 25 مرة، و المقصود في الجميع هو ما ذكرنا.

3. انّ قوله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) جزاء للشرط المتأخر، فكأنّه قال سبحانه: «إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ8.

ص: 10


1- . المائدة: 106.
2- . آل عمران: 156.
3- . البقرة: 158.

كَفَرُوا فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ» .

4. المراد من القصر هو تخفيف عدد الركعات من أربع ركعات إلى ركعتين، و ربما يفسر بتخفيف كيفية الصلاة و وصفها من تبدّل الركوع و السجود إلى الإيماء أو الإتيان بالصلاة راكباً أو ماشياً حسب ما تقتضيه الظروف، كما ورد في صلاة الخوف و المطاردة و المسايرة.

نسب ذلك المعنى في بعض الروايات إلى ابن عباس و ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه، و مال إليه أبو بكر الجصاص في تفسيره.(1)

و ربما يظهر من السيد المرتضى في «انتصاره»(2) و القطب الراوندي في «فقه القرآن».(3)

و لكن المعروف بين المفسرين و عليه روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هو انّ المراد من القصر هو تخفيف6.

ص: 11


1- . أحكام القرآن: 2/259.
2- . الانتصار: 53.
3- . فقه القرآن: 4/516.

ركعات الصلوات الرباعية، و على ذلك فلفظة «من» في قوله: «من الصلاة» تبعيضية أي شيئاً من الصلاة.

و أمّا جعل من زائدة حسب ما نقله أبو البقاء عن الأخفش القائل بزيادتها في الإثبات فهو غير لائق بالكتاب العزيز.(1)

ثمّ إنّ الآية تخصّ القصر بالسفر المرافق للخوف، و ظاهرها انّ السفر ليس موضوعاً مستقلاً، بل الموضوع هو السفر المرافق للخوف، لكنّ السنّة فسرت الآية و أعطت للسفر استقلالاً للتقصير.

فانّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يقصر في حالتي الخوف و الأمن كما ستوافيك رواياته، و أمّا تعليق القصر على الخوف في الآية كأنّه كان لتقرير الحالة الواقعة، لأنّ غالب أسفار النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم تخلو منه.

و بعبارة أُخرى: انّ القيد في الآية قيد غالبي بالنسبة1.

ص: 12


1- . نقله عن أبي البقاء الآلوسي في روح المعاني: 5/131.

إلى الظروف التي نزلت الآية فيها، فمن حاول أن يحصر التقصير بسفر الخوف دون سفر الأمن، فقد أخذ بظاهر الآية و ترك السنّة النبوية و اتّفاق المسلمين و في مقدمهم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الذين عرّفهم الرسول بكونهم أعدال القرآن و قرناء الكتاب.

ثمّ إنّ من زعم انّ القصر رخصة تمسّك بظاهر الآية و هو قوله سبحانه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ )، و لكنّه غفل عن أنّ هذا التعبير لا يدلّ على مقصوده، لأنّ الآية وردت في مقام رفع توهم الحظر، فكأنّ المخاطب يتصوّر انّ القصر إيجاد نقص في الصلاة و هو أمر محظور، فنزلت الآية لدفع هذا التوهم، لتطيب النفس بالقصر و تطمئن إليه.(1)

و ليس ذلك بغريب فقد ورد مثله في قوله سبحانه: (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّة.

ص: 13


1- . الكشاف: 1/294، ط دار المعرفة.

اَللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ).(1)

فانّ المسلمين لمّا أرادوا الطواف بين الصفا و المروة في عمرة القضاء شاهدوا وجود الأصنام فوق الصفا و المروة، فتحرّج المسلمون من الطواف بينهما، فنزل قوله سبحانه: (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ ).

يقول الطبرسي: كان على الصفا صنم يقال له: اساف و على المروة صنم يقال له: نائلة، و كان المشركون إذا كانوا بهما مسحوهما، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما لأجل الصنمين، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، و هو منقول عن الشعبي و كثير من العلماء، فرجع رفع الجناح عن الطواف بهما إلى تحرّجهم عن الطواف بهما لأجل الصنمين لا إلى عين الطواف، كما لو كان الإنسان محبوساً في موضع لا يمكنه الصلاة إلاّ بالتوجه إلى ما يكره التوجه إليه من المخرج و غيره، فيقال له: لا جناح عليك في الصلاة إلى8.

ص: 14


1- . البقرة: 158.

ذلك المكان، فلا يرجع رفع الجناح إلى عين الصلاة، لأنّ عين الصلاة واجبة و إنّما يرجع التوجّه إلى ذلك المكان.

و رويت رواية أُخرى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّه كان ذلك في عمرة القضاء، و ذلك انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أُعيدت الأصنام، فجاءوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فقيل له: إنّ فلاناً لم يَطُف و قد أُعيدت الأصنام، فنزلت هذه الآية (فلا جناح عليه أن يطوّف بهما) أي و الأصنام عليهما، قال: فكان الناس يسعون و الأصنام على حالها.(1)

و يجري نفس هذا الكلام في المقام، فانّ قصر الصلاة و تبديلها إلى ركعتين من الأُمور التي يتحرّج به المسلم و يتصوّر انّه ترك للفريضة، ففي هذه الظروف يقول سبحانه: (وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ).ة.

ص: 15


1- . مجمع البيان: 1/240 في تفسير الآية.

و على ضوء هذا فالآية لا تدلّ على العزيمة و لا على الرخصة، بل هي ساكتة عن هذا الجانب.

إلى هنا تبين انّ الآية لا تدلّ على أحد الأقوال، فلا محيص من الرجوع إلى السنّة.

أدلّة القول بأنّ القصر عزيمة من السنّة دلّت السنّة المتضافرة المبثوثة في الصحاح و السنن و المسانيد على أنّ القصر عزيمة، و كان النبي يقصر في عامّة أسفاره، فنذكر من الكثير ما يلي:

1. أخرج مسلم عن عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) انّها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر و السفر فأُقرّت صلاة السفر و زيد في صلاة الحضر.(1)

قال الشوكاني: و هو دليل ناهض على الوجوب، لأنّ صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادةة.

ص: 16


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/201; و صحيح البخاري: 2/55، باب يَقصُر إذا خرج من موضعه من كتاب الصلاة.

عليها كما أنّها لا تجوز الزيادة على الأربع في الحضر.

ثمّ إنّ بعض من يحاول إخضاع الرواية على فقه إمام مذهبه ناقش فيها بوجوه واهية، نقلها الشوكاني في كتابه، و إليك نصها:

أ. انّ الحديث من قول عائشة غير مرفوع، و انّها لم تشهد زمان فرض الصلاة و انّه لو كان ثابتاً لنقل تواتراً.

يلاحظ عليه: بأنّ مقتضى عدالة الراوي هو انّه سمع الحديث من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، أو من عدل آخر سمعه منه.

و لو اقتصرنا في الأخذ بروايات عائشة على زمن ملازمتها للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لسقط قسط كبير من رواياتها عن الاعتبار، فانّها كثيراً ما تروي حوادث لم تشاهدها، و نذكر في المقام كنموذج رواية كيفية نزول الوحي على النبي، نقلها البخاري في صحيحه على وجه التفصيل.

كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يجاور في حراء من كلّ سنة شهراً

ص: 17

حتّى إذا كان الشهر الذي بعثه اللّه سبحانه فيه خرج رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى حراء حتّى إذا كانت الليلة التي أكرمه اللّه فيها برسالته، جاءه جبرئيل بأمر اللّه، و لنترك وصف ذلك إلى ما ورد عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بقوله:

«فجاءني جبرئيل و أنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ؟ قلت: ما اقرأ؟ فغتني به حتى ظننت انّه الموت ثمّ أرسلني فقال: اقرأ؟ قال: قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت انّه الموت ثمّ أرسلني فقال: اقرأ؟ قال: قلت: ما ذا أقرأ....(1)

ترى أنّها كيف ترسل كيفية نزول الوحي على الرسول مع أنّها لم تولد يوم ذاك.

ب. انّ المراد بقولها: فرضت، أي قدرت.

ج. المراد من قولها: فرضت، يعني: لمن أراد الاقتصار عليها، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيلق.

ص: 18


1- . صحيح البخاري: 1/3 و 3/173 في تفسير سورة العلق.

التحتم و اقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار.(1)

يلاحظ عليهما: أنّ كلاً من الوجهين صرف للدليل عن وجهه، و هو تفسير بالرأي، و هو أمر مرفوض من غير فرق بين تفسير كلام اللّه سبحانه أو كلام نبيه أو كلام غيره.

2. أخرج مسلم عن عائشة أنّ الصلاة أوّل ما فرضت ركعتين فأقرّت صلاة السفر و أتمّت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ في السفر؟ قال: إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان.(2)

و سيوافيك الكلام في إتمام عائشة في السفر.

3. أخرج مسلم عن ابن عباس قال: فرض اللّه الصلاة على لسان نبيّكم (صلى الله عليه و آله و سلم) في الحضر أربعاً و في السفر ركعتين و في الخوف ركعة.1.

ص: 19


1- . نيل الأوطار: 3/201.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/201.

4. أخرج مسلم عن موسى بن سلمة الهذلي، قال: سألت ابن عباس كيف أُصلّي إذا كنت بمكة إذا لم أصلّ مع الإمام؟ فقال: ركعتين، سنّة أبي القاسم.

5. أخرج مسلم عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلّى لنا الظهر ركعتين.

إلى أن قال: إنّي صحبت رسول اللّه في السفر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه، و صحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه، و صحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه، ثمّ صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه، فقد قال اللّه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).

6. أخرج مسلم عن أنس انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) صلّى الظهر بالمدينة أربعاً، و صلّى العصر بذي الحليفة ركعتين.

ص: 20

7. أخرج مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ «شعبة الشاك» صلّى ركعتين.

و ظاهر الحديث انّ مبدأ القصر بعد الخروج مسيرة ثلاثة أميال، و المشهور على خلافه.

قال النووي: هذا ليس على سبيل الاشتراط و إنّما وقع بحسب الحاجة، لأنّ الظاهر من أسفاره انّه ما كان يسافر سفراً طويلاً فيخرج عند حضور فريضة مقصورة و يترك قصرها بقرب المدينة و يتمّها، و إنّما كان يسافر بعيداً من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصلّيها حينئذ، و الأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فانّه حينئذ يسمّى مسافراً.(1)7.

ص: 21


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/207.

8. أخرج مسلم عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلاً، فصلّى ركعتين، فقلت له فقال: رأيت عمر صلّى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له فقال: إنّما أفعل كما رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يفعل.

و الحديث دالّ على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقصر في السفر دائماً، و انّما الاختلاف في أنّ مبدأ القصر هو الخروج عن البلد كما جرى عليه عمر أو بعد الخروج مسيرة ثمانية عشر ميلاً.

قال النووي: أمّا قوله: «قصر شرحبيل على رأس 17 ميلاً أو 18 ميلاً» فلا حجة فيه، لأنّه تابعي فعل شيئاً يخالف الجمهور، أو يتأوّل على أنّها كانت في أثناء سفره لا انّها غايته، و هذا التأويل ظاهر.(1)

و على كلّ تقدير فما هو موضع الخلاف خارج عن إطار بحثنا.8.

ص: 22


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/208.

9. أخرج مسلم عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) من المدينة إلى مكة فصلّى ركعتين ركعتين حتّى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً.

ثمّ إنّ قصر النبي في مكة مع إقامته فيها عشرة أيّام و إن كان يوافق بعض المذاهب لكنّه يخالف مذهب الإمام مالك، كما يخالف مذهب الإمامية، فانّ نية العشرة قاطعة للسفر موجبة للإتمام، و لعلّ الإقامة لم تكن عشرة كاملة بالضبط بل كانت عشرة عرفية و ربما تنقص عن العشرة التامة.

هذه الأحاديث التسعة نقلها مسلم في صحيحه، و إليك بعض ما نقله غيره.

10. أخرج أبو داود عن عمران بن الحصين، قال: غزوت مع رسول اللّه و شهدت معه الفتح فأقام بمكة 18 ليلة لا يصلي إلاّ ركعتين، و يقول: يا أهل البلد

ص: 23

صلّوا أربعاً فانّا قوم سفر.(1)

و يؤخذ من الحديث صدره، و أمّا ما نسب إلى النبي انّه أقام 18 ليلة لا يصلّي إلاّ ركعتين، فهو معارض مع ما نقله أنس من أنّه أقام بمكة 10 أيام.

و على كلّ تقدير انّ تأكيد النبي على القصر في مكة المكرمة طول إقامته فيها مع أنّه كان بصدد تعليم أحكام الصلاة لأهل مكة الذين كانوا يدخلون في دين اللّه أفواجاً دليل على كون القصر عزيمة، و إلاّ لأتمّ الصلاة، لكونه أوفق في مقام التعليم، لأجل وحدة الإمام مع صلاة المأموم في الكم و الكيف.

11. أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر أنّه قال: صلاة السفر و صلاة الجمعة ركعتان، و الفطر و الأضحى ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد (صلى الله عليه و آله و سلم).(2)6.

ص: 24


1- . سنن أبي داود: 2/10، برقم 1229; و سنن الترمذي: 2/430 برقم 545.
2- . السنن: 1/338، برقم 1036.

12. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: افترض رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ركعتين في السفر كما افترض في الحضر أربعاً.(1)

و هناك روايات مبثوثة في الكتب الفقهية، و إليك نصّها:

13. روي عن صفوان بن محرز انّه سأل ابن عمر عن الصلاة في السفر، فقال: ركعتان فمن خالف السنّة كفر.(2)

14. و روي عن ابن عمر قال: إنّ رسول اللّه أتانا و نحن ضلاّل فعلّمنا، فكان فيما علّمنا أنّ اللّه عزّ و جل أمرنا أن نصلّي ركعتين في السفر.(3)

15. و قال عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفري.

ص: 25


1- . نصب الراية: 2/189.
2- . المغني: 2/107.
3- . نيل الأوطار: 3/204، قال: رواه النسائي.

ركعتان حتم لا يصلح غيرها.(1)

16. و عن عمر بن الخطاب عن النبي قال: صلاة المسافر ركعتان حتّى يئوب إلى أهله أو يموت.(2)

17. عن إبراهيم انّ عمر بن الخطاب صلّى الظهر بمكة ركعتين فلما انصرف قال: يا أهل مكة إنّا قوم سفر، فمن كان منكم من أهل البلد فليكمل، فأكمل أهل البلد.(3)

18. عن أبي الكنود عبد اللّه الأزدي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتان نزلتا من السماء، فإن شئتم فردّوهما.(4)

و الحديث يكشف عن وجود نزاع قائم على قدم و ساق بين التابعين و الصحابة.ن.

ص: 26


1- . المغني: 2/108; المحلى: 4/271.
2- . أحكام القرآن للجصاص: 2/254.
3- . الآثار: 30 و 75 لأبي يوسف كما في الغدير: 8/113.
4- . مجمع الزوائد: 2/154، قال: و رجاله موثقون.

19. عن الصائب بن يزيد الكندي، قال: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثمّ زيد في صلاة الحضر و أقرّت صلاة السفر.(1)

20. عن ابن مسعود قال: من صلّى في السفر أربعاً أعاد الصلاة.(2)

21. عن سلمان قال: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فصلاّها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بمكّة حتّى قدم المدينة فصلاّها بالمدينة ما شاء اللّه، و زيد في صلاة الحضر ركعتين و تركت الصلاة في السفر على حالها.(3)

22. عن جعفر بن عمر قال: انطلق بنا أنس بن مالك إلى الشام إلى عبد الملك و نحن أربعون رجلاً من الأنصار ليفرض لنا، فلمّا رجع و كنّا بفج الناقة صلّى بنا6.

ص: 27


1- . مجمع الزوائد: 2/155، و مرّ نظير هذا الحديث عن عائشة.
2- . مجمع الزوائد: 2/155.
3- . المصدر نفسه: ص 156.

الظهر ركعتين، ثمّ دخل فسطاطه و قام القوم يضيفون إلى ركعتيهم ركعتين أُخريين، فقال: قبح اللّه الوجوه فو الله ما أصابت السنّة و لا قبلت الرخصة، فاشهد لسمعت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: «إنّ أقواماً يتعمّقون في الدين، يمرقون كما يمرق السهم من الرميّة».(1)

23. عن ثمامة بن شراحيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلاّ صلاة المغرب ثلاثاً. إلى آخر الحديث.(2)

24. عن أبي هريرة قال: أيّها الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض لكم على لسان نبيكم (صلى الله عليه و آله و سلم) الصلاة في الحضر أربعاً.(3)

25. عن ابن حرب قال: سألت ابن عمر، كيف صلاة السفر يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إمّا أنتم تتبعون سنّة0.

ص: 28


1- . الإمام أحمد: المسند: 3/159; مجمع الزوائد: 2/155.
2- . الإمام أحمد: المسند: 2/154.
3- . المصدر نفسه: 2/400.

نبيّكم (صلى الله عليه و آله و سلم) أخبرتكم، و أمّا لا تتبعون سنّة نبيّكم فلا أُخبركم؟ قلنا: فخير ما اتّبع، سنة نبيّنا (صلى الله عليه و آله و سلم)، قال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتّى يرجع إليها.(1)

26. عن سعيد بن المسيب، عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «خياركم من قصّر في السفر و أفطر».(2)

هذا ما وقفنا عليه من النصوص عن النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله و سلم) و أصحابه و التابعين لهم بإحسان، و قد أخذ بها لفيف من الصحابة و غيرهم; منهم: عمر بن الخطاب، و ابنه، و ابن عباس، و جابر، و جبير بين مطعم، و الحسن، و القاضي إسماعيل، و حماد بن أبي سليمان، و عمر بن عبد العزيز، و قتادة، و الكوفيون.(3)

أضف إلى ذلك اتّفاق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)،1.

ص: 29


1- . مسند أحمد: 2/124; المغني: 2/111.
2- . المغني: 2/111.
3- . القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 5/351.

و فقهاء الشيعة من عصر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى يومنا هذا.

أ ترى مع هذه الأحاديث مجالاً للقول بأنّ القصر في السفر رخصة لا عزيمة؟! و لو كان الإتمام في السفر سائغاً لكان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يعرب عنه بقول أو بفعل و لو بإتيانه في العمر مرّة لبيان جوازه كما يفعل في غير هذا المورد.

أخرج مسلم في صحيحه من حديث بريدة قال: كان النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يتوضّأ عند كل صلاة فلمّا كان يوم الفتح صلّى صلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: إنّك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال: «عمداً صنعته» أي لبيان الجواز.(1)

و لو كان هناك ترخيص لما خفي على أكابر الصحابة حتّى نقدوا من أتمّها نقداً مرّاً. و بذلك تعلم قيمة تبرير8.

ص: 30


1- . مسلم: الصحيح: 1/122; نيل الأوطار: 1/258.

عمل المتمّين بأنّ الإتمام و القصر مسألة اجتهادية اختلف فيها العلماء.(1)

قصر الصلاة بمنى

تضافرت الروايات على أنّ الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) و الخلفاء بعده و حتّى عثمان في سنين من خلافته كانوا يقصرون في منى دون استثناء، فلمّا أتمّ عثمان بعد ثمانية سنين قامت ضجة عليه، و لما سمع عبد اللّه بن مسعود انّ الخليفة أتمّ الصلاة في منى استرجع، أي قال: (إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )، و لا تقال تلك الكلمة إلاّ إذا ألمّت مصيبة، و هذا يدلّ على أنّ عبد اللّه بن مسعود تلقّى فعل عثمان مصيبة في الدين و رزءاً عظيماً.

و الناظر في هذه الروايات التي سننقلها تباعاً يذعن بأنّ متلقّى الصحابة هو كون القصر عزيمة و التمام غير

ص: 31


1- . محب الدين الطبري: الرياض النضرة: 2/251.

مشروع، و إلاّ فلو كان القصر رخصة أو سنّة لما أثارت حفيظة الصحابة و التابعين ضدّ عثمان.

27. أخرج مسلم في صحيحه عن سالم بن عبد اللّه، عن أبيه، عن رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) انّه صلّى صلاة المسافر بمنى(1) و غيره ركعتين و أبو بكر و عمر و عثمان ركعتين صدراً من خلافته ثمّ أتمّها أربعاً.(2)

28. أخرج مسلم عن ابن عمر قال: صلّى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بمنى ركعتين، و أبو بكر بعده، و عمر بعد أبي بكر، و عثمان صدراً من خلافته. انّ عثمان صلّى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً و إذا صلاّها وحده صلّى ركعتين.(3) و سيأتي انّه كان يعيدها في بيته.

29. أخرج مسلم عن حفص بن عاصم، عن ابنا.

ص: 32


1- . انّ منى تذكر و تؤنث بحسب القصد، إن قصد الموضع فيذكّر، و إن قصد البقعة فتؤنّث.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/209، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين و قصرها.
3- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/209، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين و قصرها.

عمر، قال: صلّى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بمنى صلاة المسافر و أبو بكر و عمر و عثمان ثمانية سنين أو قال: ست سنين، قال حفص: و كان ابن عمر يصلّي بمنى ركعتين ثمّ يأتي فراشه، فقلت: أي عمّ لو صلّيت بعدها ركعتين؟ قال: لو فعلت لأتمت الصلاة.(1)

30. أخرج مسلم عن حارث بن وهب الخزاعي، قال: صلّيت خلف رسول اللّه بمنى و الناس أكثر ما كانوا، فصلّى ركعتين في حجّة منى.(2)

31. أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد، يقول: صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود، فاسترجع، ثمّ قال: صلّيت مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بمنى ركعتين،ا.

ص: 33


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/209، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين و قصرها.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/209، باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافرين و قصرها.

و صلّيت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين، و صلّيت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات، ركعتان متقبّلتان.(1)

يقول النووي بعد قوله: (فليت حظي من أربع ركعات، ركعتان متقبّلتان): إنّ معناه ليت عثمان صلّى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي و أبو بكر و عمر و عثمان في صدر خلافته يفعلون.

و لما كانت الرواية صريحة في أنّ متلقّى عبد اللّه بن مسعود من فعل النبي هو كون القصر عزيمة، و لذلك استرجع و أردفه بقوله: (فليت حظي من أربع ركعات، ركعتان متقبّلتان) حاول النووي و غيره تأويل الأثر و تخفيف الوطأة و قال: مقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و صاحباه، و مع هذا فابن مسعود رضي اللّه عنه موافق على جواز الإتمام، و لهذا كان يصلّي وراء عثمان متمّاً، و لو كان القصر عنده واجباً لما استجاز تركه وراء أحد.ى.

ص: 34


1- . صحيح البخاري: 2/53، باب ما جاء في التقصير و شرح صحيح مسلم للنووي: 5/209، باب قصر الصلاة بمنى.

و لا يخفى انّ ما ذكره تعسف ظاهر، إذ لا معنى للاسترجاع و لا للتمنّي لو كان عمل الخليفة عملاً مشروعاً سوّغه الشرع و أبلغه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) غير انّه اختار النبي أحد فردي التخيير الأفضل مع عدم نفي العدل الآخر.

ثمّ إنّ ما عزي إلى عبد اللّه بن مسعود من أنّه أتمّ الصلاة في السفر عند ما صلّى مع عثمان فإنّما كان مراعاة سياسة مقطعية اتّباعاً لما رآه عثمان خلافاً لرأي نفسه في لزوم القصر، قال الأعمش: حدّثني معاوية بن قرّة عن أشياخه، انّ عبد اللّه صلّى أربعاً، فقيل له: عبت على عثمان ثمّ صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر.(1)

و منه يظهر حال عبد اللّه بن عمر، قال ابن حزم: روينا من طريق عبد الرزاق، عن عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر انّه كان إذا صلّى مع الإمام بمنى أربع ركعات، انصرف إلى منزله فصلّى فيه ركعتين أعادها.(2)ط.

ص: 35


1- . سنن أبي داود: 1/308، كتاب الأُم للشافعي: 1/159.
2- . المحلى: 4/270. و في الهامش: في بعض النسخ «أبي» فقط.

و هؤلاء كانوا يرون رعاية شئون السياسة الزمنية خوفاً من الشر، و هي عندهم أولى من رعاية حفظ الأحكام كما نزلت من عند اللّه و الوقوف أمام قبولها و تغييرها، إلاّ أنّ بعض الصحابة يرى خلاف ذلك، فهذا علي (عليه السلام) أبى أن يصلّي أربعاً في منى رغم إصرار عثمان و بني أُميّة، حيث قيل له: صلّ بالناس، فقال: «إن شئتم صلّيت لكم صلاة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)» يعني ركعتين، قالوا: لا إلاّ صلاة أمير المؤمنين يعنون عثمان أربعاً، فأبى عثمان(1).(2)

هذا و إنّ بني أُميّة قد اتّخذوا من أُحدوثة عثمان سنّة مستمرة مقابل سنّة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى الأبد و إن لم يكن لهم عذر شرعي للإتمام.

أخرج الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن عبد اللّه بن الزبير، قال: لمّا قدم علينا معاوية حاجّاً قدمنا معه مكة، قال: فصلّى بنا الظهر ركعتين، ثمّ انصرف إلى دار الندوة،0.

ص: 36


1- . هكذا في المطبوع و الصحيح: فأبى علي.
2- . المحلى: 4/270.

قال: نهض إليه مروان بن الحكم و عمر بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابنَ عمك بأقبح ما عبتَه به، فقال لهما: و ما ذاك؟ قال: فقالا له: أ لم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟ قال: فقال لهما: و يحكما و هل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و مع أبي بكر و عمر، قالا: فانّ ابن عمك قد كان أتمّها و إن خلافك إيّاه له عيب.

قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها بنا أربعاً.(1)

إلى هنا تمّ ما يدلّ من الأحاديث و الآثار على أنّ القصر في السفر عزيمة و انّ الإتمام أُحدوثة حدثت بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) اجتهاداً أو اتباعاً للمصالح المقطعية، و لا محيص لفقيه، أمام مداومة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أوّلاً، و هذه الروايات و الآثار ثانياً من الخضوع لها و الإخبات إليها.

نعم بقي علينا أن نستعرض أدلّة القول بأنّ القصر رخصة أو سنّة مؤكّدة لا عزيمة و هي أدلّة واهية للغاية لا4.

ص: 37


1- . مسند أحمد بن حنبل: 4/94.

يصحّ للفقيه أن يستند إليها إذا كان ملماً باستنباط الحكم عن أدلّته.

أدلّة القائلين بالرخصة

استدلّ القائلون بعد الكتاب العزيز بأُمور نذكرها تباعاً.

أمّا الكتاب، فقد مضى الكلام فيه حيث قلنا بأنّ الآية لا تدلّ على أحد القولين: الرخصة أو العزيمة، بل هي بصدد بيان رفع توهّم الحظر حيث كان قصر الصلاة مظنّة توهم انّه إيجاد نقص في الصلاة فبيّن سبحانه (بأنّه لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة) و أين هذا من الدلالة على أنّ القصر رخصة؟! إنّما المهم الروايات و الآثار المروية.

1. أخرج مسلم عن يعلى بن أُميّة، قال: قلت لعمر ابن الخطاب: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من

ص: 38

الصلاة أن يفتنكم الّذين كفروا) فقال: عجبتُ ممّا عجبتَ منه، فسألت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ؟ قال: «صدقة منّ اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته».(1)

وجه الدلالة: انّ المتصدّق عليه لا يجب عليه قبول الصدقة.

و أجاب الشوكاني عن الاستدلال المذكور بقوله: إنّ الأمر بقبولها يدلّ على أنّه لا محيص عنها و هو المطلوب.(2)

و كان للشوكاني أن يرد على الاستدلال بوجه آخر أيضاً و يقول: إنّ قياس صدقة اللّه و هديته، على صدقات الناس و هداياهم قياس مع الفارق، و ذلك لأنّ المهدى إليه أو المتصدّق عليه لا يجب عليه قبول الهدية أو الصدقة إذا كان المتصدِّق إنساناً مثله، و أمّا إذا كان المتصدِّق هو اللّه سبحانه فيجب قبولها، و ذلك لأنّ صدقة1.

ص: 39


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/203 برقم 4.
2- . نيل الأوطار: 3/201.

اللّه أمر امتناني، و امتناناته سبحانه ليست أُموراً اعتباطية، بل هي ناشئة من الحكمة البالغة الإلهية، فحيث يعلم اللّه بأنّ المصالح الذاتية للبشر تقتضي ذلك الامتنان يمنّ بها على العباد، فيصير القبول أمراً مفروضاً عليهم.

و ربما يظهر من أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) انّه يحرم رد صدقة اللّه، حيث قال الصادق (عليه السلام): قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّ اللّه عزّ و جلّ تصدّق على مرضى أُمّتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار، أ يسرّ أحدكم إذا تصدق بصدقة أن تُرد عليه؟!».(1)

و كأنّ في رد الصدقة نوع إهانة للمتصدِّق، و في المقام ازدراء بالتشريع الإلهي.

2. أخرج الدارقطني و البيهقي و اللفظ للأوّل عن عبد الرحمن بن أسود، عن عائشة قالت: خرجت مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في عمرة في رمضان فأفطرَ و صمتُ، و قصّر و أتممتُ، فقلت: يا رسول اللّه بأبي و أُمي، أفطرتَ و صمتُ، و قصّرتَ5.

ص: 40


1- . وسائل الشيعة: 1/175.

و أتممتُ؟ فقال: أحسنت يا عائشة.(1)

قال الشوكاني: أخرجه أيضاً النسائي و البيهقي بزيادة: «إنّ عائشة اعتمرت مع رسول اللّه من المدينة إلى مكة حتّى إذا قدمت مكة قالت: بأبي أنت و أُمّي يا رسول اللّه أتممتُ و قصّرتَ»، و الاحتجاج بالرواية رهن صحّة السند أوّلاً و إمكان الأخذ بالمضمون ثانياً.

أمّا السند ففيه العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن أسود بن يزيد النخعي، عن عائشة. قال ابن حبان:

كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات، فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الاثبات.

قال الدارقطني: و هذا اسناد حسن، و عبد الرحمن قد أدرك عائشة و دخل عليها و هو مراهق و هو مع أبيه و قد سمع منها.(2)0.

ص: 41


1- . سنن الدارقطني: 2/188، السنن الكبرى: 3/142.
2- . سنن الدارقطني: 2/188، رقم 40.

و قال أبو حاتم: دخل عليها و هو صغير و لم يسمع منها، و مع هذا الاختلاف كيف يمكن الأخذ بقول راو لم يثبت سماعه من عائشة؟! و على فرض السماع فقد سمع و هو صغير أو مراهق.

و لأجل ذلك احتمل الدارقطني في «العلل» انّه مرسل كما نقله عنه الشوكاني في «نيل الأوطار».(1)

و الذي يزيد في الطين بلّة، انّ الدارقطني تارة نقله عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة، و أُخرى عن عبد الرحمن عن عائشة.(2)

و نقل البيهقي عن أبي بكر النيسابوري انّه من قال عن أبيه في هذا الحديث فقد أخطأ.(3)

هذا كلّه حول السند.

و أمّا المضمون فيلاحظ عليه أوّلاً: أنّه جاء في2.

ص: 42


1- . نيل الأوطار: 3/202.
2- . سنن الدارقطني: 2/188 برقم 39 و 40.
3- . السنن الكبرى: 3/142.

حديث عائشة أنّها قالت: خرجت مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في عمرة رمضان الخ، و هذا ما يخالف التاريخ القطعي في سيرة الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)، فقد جاء في السيرة الحلبية: «لا خلاف انّ عمرة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم تزد على أربع، أي كلّهن في ذي القعدة مخالفاً للمشركين، فانّهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج و يقولون هي من أفجر الفجور... و أوّل تلك الأربعة عمرة الحديبية التي كانت في ذي القعدة التي صدّه فيها المشركون عن البيت.

و ثانيها: عمرته من العام المقبل و هي عمرة القضاء و كانت في ذي القعدة.

و ثالثها: عمرته (صلى الله عليه و آله و سلم) حين قسم غنائم حنين و كانت من الجعرانة و كانت في ذي القعدة.

و رابعها: عمرته (صلى الله عليه و آله و سلم) مع حجة الوداع فانّه أحرم لخمس بقين من ذي القعدة، و قد قالت عائشة: اعتمر

ص: 43

رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع.(1)

و على هذا فكيف يمكن الأخذ بمضمون الحديث مع أنّه لم يكن للنبي مع زوجته أيّة عمرة في شهر رمضان؟! قال في «البدر المنير»: إنّ في متن هذا الحديث نكارة، و هو كون عائشة خرجت معه في عمرة رمضان، و المشهور انّه (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يعتمر إلاّ أربع عمر ليس منهنّ شيء في رمضان بل كلّهن في ذي القعدة إلاّ التي مع حَجَّته، فكان إحرامها في ذي القعدة و فعلها في ذي الحجة، و هذا هو المعروف في الصحيحين و غيرهما.(2)

و ثانياً: أنّه كيف أتمّت عائشة و صامت مع أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و أصحابه قصّروا و أفطروا و لم يكن عملها عمل يوم واحد، بل كانت على ما يروى عبر الأيام من المدينة المنورةر.

ص: 44


1- . السيرة الحلبية: 3413/340.
2- . نيل الأوطار: 3/202، نقلاً عن البدر المنير.

إلى مكة المشرفة، و كانت القوافل تقطع المسافة بين البلدين في حوالي عشرة أيام، فهل يعقل أن تخالف أُمّ المؤمنين النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) و الصحابةَ و هي بمرأى و مسمع من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و غيره؟! و لذلك قال ابن تيمية: هذا حديث كذب على عائشة، و لم تكن عائشة تصلّي بخلاف النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و سائر الصحابة، و هي تشاهدهم يقصرون ثمّ تتم هي وحدها بلا موجب.

كيف و هي القائلة: فرضت الصلاة ركعتين فزيدت في صلاة الحضر و أقرّت صلاة السفر؟! فكيف يظن بها انّها تزيد على فرض اللّه و تخالف رسول اللّه و أصحابه؟!!(1) 3. أخرج الدارقطني عن محمد بن منصور بن أبي الجهم، حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد اللّه بن داود، عن المغيرة3.

ص: 45


1- . ابن قيم الجوزية: زاد المعاد: 1/161 و نقله أيضاً الشوكاني في نيل الأوطار: 3/203.

ابن زياد الموصلي، عن عطاء، عن عائشة: انَّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يتم الصلاة في السفر و يقصر.

ثمّ قال: المغيرة بن زياد الموصلي ليس بالقوي.(1)

4. أخرج أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا طلحة قال: سمعت عطاء يحدث عن عائشة، قالت: كلّ ذلك قد فعل رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في السفر صام و أفطر.(2)

و نقله الدارقطني بهذا الاسناد مع اختلاف طفيف في المتن، ثمّ قال في آخره: طلحة ضعيف.(3)

يلاحظ على الروايتين: أنّ السند لا يحتج به، لما عرفت من أنّ المغيرة ليس بالقوي و طلحة ضعيف، و على فرض صحّة الاحتجاج فلا يقاومان ما تضافر عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قولاً و فعلاً على القصر، كما لا يقاوم ما تضافر عن9.

ص: 46


1- . سنن الدارقطني: 2/189.
2- . مسند الطيالسي: 6/609، ط مكة المكرمة.
3- . سنن الدارقطني: 2/189.

الصحابة من أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يقصر طيلة عمره في السفر و قد مرت الروايات الدالّة عليه.

و أمّا الدلالة فلأنّ عائشة تروي فعل النبي و انّه كان يتم و لكن من المحتمل انّ إتمامه كان في صورة عدم اجتماع شرائط القصر في سفره، و قد قرر في محلّه انّ العمل لا يحتج به حتّى يعلم وجهه، و العمل في تينك الروايتين مجمل جدّاً، لاحتمال أن يكون الإتمام لأجل الرخصة في السفر أو لعدم وجود شرائط القصر.

ثمّ إنّ لابن حزم في «المحلى» كلاماً جامعاً حول هذه الروايات، حيث قال:

أمّا الذي من طريق عبد الرحمن بن الأسود، فانفرد به العلاء بن زهير الأزدي لم يروه غيره، و هو مجهول.

و أمّا حديث عطاء، فانفرد به المغيرة بن زياد لم يروه غيره، و قال فيه أحمد بن حنبل: هو ضعيف كلّ حديث أسنده فهو منكر.

ص: 47

5. ما رواه النووي في شرحه على صحيح مسلم و حيث قال: إنّ الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا يسافرون مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، فمنهم القاصر و منهم المتمم و منهم الصائم و منهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض.(1)

نقل ابن قدامة عن أنس، قال: كنّا أصحاب رسول اللّه نسافر فيتمّ بعضنا و يقصر بعضنا و يصوم بعضنا و يفطر بعضنا فلا يعيب أحد على أحد، ثمّ قال: و لأنّ ذلك إجماع الصحابة رحمهمُ اللّه بدليل انّ فيهم من كان يتم الصلاة و لم ينكر الباقون عليه بدليل حديث أنس.(2)

و قال الشوكاني: الحجة الثالثة على جواز الإتمام ما في صحيح مسلم و غيره، انّ الصحابة كانوا يسافرون مع9.

ص: 48


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 5/201، كتاب صلاة المسافرين و قصرها.
2- . المغني: 2/109.

رسول اللّه فمنهم القاصر و منهم المتم، و منهم الصائم و منهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض.(1)

يلاحظ عليه: بأنّه قد أخرج مسلم في باب جواز الصوم و الفطر في شهر رمضان للمسافر سبع روايات عن أبي سعيد الخدري و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أنس بن مالك ليس فيها أىّ أثر من القصر و الإتمام، بل الروايات تدور على الصوم و الإفطار، فلم يظهر لي مصدر ما نسب إلى أنس: «فيتم بعضنا و يقصر بعضنا».(2)

و نذكر نموذجاً من هذه الروايات.

سئل أنس) (رضي الله عنه) عن صوم رمضان في السفر، فقال: سافرنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في رمضان فلم يعبم.

ص: 49


1- . نيل الأوطار: 2023/201، و ذكره النووي في شرح صحيح مسلم.
2- . لاحظ شرح صحيح مسلم للنووي: 7/237 باب جواز الصوم و الفطر في شهر رمضان للمسافر الحديث 93، 94، 95، 96، 97، 98، 99 و لاحظ صحيح مسلم: 3/143، باب جواز الصوم و الفطر في شهر رمضان للمسافر من كتاب الصوم.

الصائم على المفطر و لا المفطر على الصائم.

قال الشوكاني: و لم نجد في صحيح مسلم قوله: «فمنهم القاصر و منهم المتم» و ليس فيه إلاّ أحاديث الصوم و الإفطار.(1)

و لنفرض صحّة ما عزي إلى صحيح مسلم لكن من أين ثبت انّ النبي اطّلع على فعلهم فأقرّهم عليه حتى يكون التقرير حجة علينا؟ و ليس عمل الصحابي بمجرّده حجة ما لم يعلم كونه مستنداً إلى قول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و عمله.

قال الشوكاني: إنّ إجماع الصحابة في عصره ليس بحجّة و الخلاف بينهم في ذلك مشهور بعد موته.(2)

إلى هنا تمّ ما يمكن أن يكون دليلاً لجواز الإتمام في السفر، و قد عرفت أنّ الجميع سراب لا ماء فلا يمكن أن يحتج بها أمام الروايات و الآثار الهائلة، التي رويت بطرق مختلفة تنتهي إلى الصحابة.2.

ص: 50


1- . نيل الأوطار: 3/202.
2- . نيل الأوطار: 3/202.

يقول ابن حزم: و رويناه أيضاً من طريق حذيفة و جابر و زيد بن ثابت و أبي هريرة و ابن عمر كلّهم عن رسول اللّه بأسانيد في غاية الصحة.(1)

بقي هنا شيء آخر و هو التمسّك بعمل الصحابي و الصحابية، و إليك دراسته.

الاحتجاج بفعل عثمان و عائشة

و ربما يحتجّ على جواز الإتمام بفعل عثمان الذي أتمّ في مكة و في منى مع أنّه كان مسافراً و مهاجراً عن مكة و متوطّناً في المدينة.

يلاحظ على هذا الاحتجاج: أنّ فعل الصحابي ليس حجّة ما لم يستند إلى حديث صحيح عن رسول اللّه، فانّ الحجة هي فعل المعصوم لا فعل غيره.

أضف إلى ذلك انّه قامت الضجة ضد عثمان

ص: 51


1- . المحلّى: 4/271.

و استنكره كثير من الصحابة حتى استرجع عبد اللّه بن مسعود.

و الذي يدلّ على أنّ عثمان أتمّ من عند نفسه من دون دليل صالح، ما أخرجه مسلم عن الزهري عن عروة عن عائشة.

قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان.(1)

و نقله ابن حزم في «المحلى»، قال: قال الزهري، فقلت لعروة: فما كان عمل عائشة ان تتم في السفر و قد علمت أنّ اللّه تعالى فرضها ركعتين ركعتين؟ قال: تأوّلت من ذلك ما تأوّل عثمان من إتمام الصلاة بمنى.(2)

فلو كان لعثمان دليل على جواز الإتمام لاحتجّ به و لم يلجأ إلى التأويل، و هذا دليل على أنّ القصر في السفر0.

ص: 52


1- . شرح صحيح مسلم: 5/202، كتاب صلاة المسافرين.
2- . المحلّى: 4/270.

متعيّن و لكنّه أتمّ بمسوّغ خاص هو أعلم به.

و قد قام غير واحد ممّن يحاول تبرير فعل الخليفة و أُمّ المؤمنين بنحت أعذار لهما!! قال النووي: اختلف العلماء في تأويلهما:

1. فالصحيح الذي عليه المحقّقون انّهما رأيا القصر جائزاً و الإتمام جائزاً، فأخذا بأحد الجائزين و هو الإتمام.

يلاحظ عليه: أنّه ليس بتأويل، فلو كان هناك دليل على جواز الإتمام لكان عليه أن يحتجّ به من دون تأويل، و لذلك أوّلوا فعل الخليفة و أُمّ المؤمنين بوجوه أُخرى، أعني:

2. انّ عثمان إمام المؤمنين و عائشة أُمّهم فكأنّهما في منازلهما.

يلاحظ عليه: عزب عن المؤوِّل انّ النبي أولى منهما بذلك، فلما ذا تداوم على القصر؟! 3. انّ عثمان تأهّل بمكة.

يلاحظ عليه: بمثل ما لوحظ على الوجه السابق،

ص: 53

فانّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) سافر بأزواجه منهنّ مكية و قد قصّر.

4. فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلاّ يظنوا ان فرض الصلاة ركعتان أبداً حضراً و سفراً.

يلاحظ عليه: بما لوحظ على السابق بأنّ هذا المعنى كان موجوداً في زمن النبي، بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر ممّا قيل.

إلى غير ذلك من الوجوه التافهة التي لا يركن إليها الفقيه و التي نقلها الإمام النووي في شرحه و أبطل الكلّ إلاّ الوجه الأوّل، و قد عرفت أنّه أيضاً غير مبرر.(1)

و بذلك يعلم أنّ فعل الصحابية عائشة لا يكون دليلاً مع أنّها الراوية بأنّه سبحانه فرض الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر و السفر فأقرّت صلاة السفر و زيد في صلاة الحضر.(2)

إنّ لابن جرير الطبري كلاماً حول فعل عائشة2.

ص: 54


1- . شرح صحيح مسلم: 5/202، باب صلاة المسافرين و قصرها.
2- . شرح صحيح مسلم: 5/202.

حيث روى في تفسير قوله تعالى: (وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) بسنده عن عمر بن عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: في السفر أتموا صلاتكم، فقالوا: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يصلّي في السفر ركعتين، فقالت: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان في حرب و كان يخاف، هل تخافون أنتم.(1)

و علق عليه الشوكاني بقوله: قيل في تأويل عائشة أنّها إنّما أتمّت في سفرها إلى البصرة لقتال علي (عليه السلام) و القصر عندها إنّما يكون في سفر طاعة إلى أن قال: و أمّا تأوّل عائشة فأحسن ما قيل فيه ما أخرجه البيهقي باسناد صحيح من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنّها كانت تصلّي في السفر أربعاً، فقلت لها:

لو صليت ركعتين، فقالت: يا ابن أُختي إنّه لا يشق علي، و هو دالّ على أنّها تؤوّل انّ القصر رخصة و انّ الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل.(2)2.

ص: 55


1- . تفسير الطبري: 4/155.
2- . نيل الأوطار: 3/212.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.