سلسله المسائل الفقهیه القبض بين البدعة و السنّة على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 4

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

القبض بين البدعة و السنّة على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[4. القبض بين البدعة و السنّة على ضوء الكتاب و السنّة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

القبض بين البدعة و السنّة

اشارة

إنّ قبض اليد اليسرى باليمنى ممّا اشتهر ندبه بين فقهاء أهل السنّة.

فقالت الحنفية: إنّ التكتّف مسنون و ليس بواجب، و الأفضل للرجل أن يضع باطن كفّه اليمنى على ظاهر كفّه اليسرى تحت سرّته، و للمرأة أن تضع يديها على صدرها.

و قالت الشافعية: يسنُّ للرجل و المرأة، و الأفضل وضع باطن يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر و فوق السرّة ممّا يلي الجانب الأيسر.

ص: 5

و قالت الحنابلة: إنّه سنّة، و الأفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر يسراه، و يجعلها تحت السرة.

و شذّت عنهم المالكية فقالوا: يُندَب إسدالُ اليدين في الصلاة الفرض، و قالت جماعة أيضاً قبلهم، منهم:

عبد اللّه بن الزبير، و سعيد بن المسيب، و سعيد بن جبير، و عطاء، و ابن جريج، و النخعي، و الحسن البصري، و ابن سيرين، و جماعة من الفقهاء. و هو مذهب الليث بن سعد إلاّ انّه قال: إلاّ أن يطيل القيام فيعيا أي يتعب فله القبض.

و المنقول عن الإمام الأوزاعي التخيير بين القبض و السدل.(1)

و ذهب محمد عابد مفتي المالكية بالديار الحجازية إلى أنّ السدل و القبض سنّتان من رسول اللّه و انّ المؤمن إذا طال عليه القيام و هو مسدل، قبض و قال بأنّ السدل0.

ص: 6


1- . محمّد جواد مغنية: الفقه على المذاهب الخمسة: 110.

أصل و القبض فرع.(1)

و أمّا الشيعة الإمامية، فالمشهور أنّه حرام و مبطل، و شذّ منهم من قال بأنّه مكروه، كالحلبي في الكافي.(2)

و مع أنّ غير المالكية من المذاهب الأربعة قد تصوبوا و تصعّدوا في المسألة، لكن ليس لهم دليل مقنع على جوازه في الصلاة، فضلاً عن كونه مندوباً، بل يمكن أن يقال: إنّ الدليل على خلافهم، و الروايات البيانية عن الفريقين التي تُبيّن صلاة الرسول خالية عن القبض، و لا يمكن للنبي الأكرم أن يترك المندوب طيلة حياته أو أكثرها، و إليك نموذجين من هذه الروايات: أحدهما عن طريق أهل السنّة، و الآخر عن طريق الشيعة الإمامية، و كلاهما يُبيّنان كيفية صلاة النبي و ليست فيهما أيّة إشارة إلى القبض فضلاً عن كيفيته.5.

ص: 7


1- . لاحظ رسالة مختصرة في السدل للدكتور عبد الحميد بن مبارك: 5.
2- . النجفي: جواهر الكلام: 1611/15.

القبض بدعة محدثة

اشارة

إنّ القبض بدعة محدثة ظهرت بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، و عمادنا في هذا السبيل حديثان صحيحان:

أحدهما مروي عن طرق أهل السنّة، و الآخر من طرق الإمامية، و الحديثان دليلان قاطعان على أنّ سيرة النبي و أهل بيته (عليهم السلام) جرت على السدل في الصلاة، و انّ القبض ابتدع بعد رحيله (صلى الله عليه و آله و سلم).

ألف: حديث أبي حميد الساعدي

روى حديث أبي حميد الساعدي غير واحد من المحدّثين، و نحن نذكره بنص البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ:

فقال أبو حميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول

ص: 8

اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، قالوا: لِمَ، ما كنت أكثرنا له تبعاً، و لا أقدمنا له صحبة؟! قال: بلى، قالوا:

فأعرض علينا، فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما مَنْكَبيه، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كل عضو منه في موضعه معتدلاً، ثمّ يقرأ، ثمّ يكبّر و يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثمّ يركع و يضع راحتيه على ركبتيه، ثمّ يعتدل و لا ينصب رأسه و لا يقنع، ثمّ يرفع رأسه، فيقول:

سمع اللّه لمن حمده، ثمّ يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يعود كل عظم منه إلى موضعه معتدلاً، ثمّ يقول: اللّه أكبر، ثمّ يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثمّ يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها و يفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثمّ يعود، ثمّ يرفع فيقول: اللّه أكبر، ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً حتى يرجع أو يقرّ كل عظم موضعه معتدلاً، ثمّ يصنع في الركعة الأُخرى مثل ذلك، ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر و رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما فعل

ص: 9

أو كبّر عند افتتاح صلاته، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخّر رجله اليسرى و قعد متورّكاً على شقّه الأيسر، فقالوا جميعاً: صدَق هكذا كان يصلّي رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم).(1)

و الذي يوضح صحّة الاجتماع به الأُمور التالية:

1. تصديق أكابر الصحابة(2) لأبي حميد يدلّ على قوة الحديث، و ترجيحه على غيره من الأدلّة.

2. أنّه وصف الفرائض و السنن و المندوبات و لم يذكر القبض، و لم ينكروا عليه، أو يذكروا خلافه، و كانوا حريصين على ذلك، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّهة.

ص: 10


1- . البيهقي: السنن: 2/72، 73، 101، 102; أبو داود: السنن: 1/194، باب افتتاح الصلاة، الحديث 730 736; الترمذي: السنن: 2/98، باب صفة الصلاة; مسند أحمد: 5/424، و ابن خزيمة في صحيحه، باب الاعتدال في الركوع، برقم 587.
2- . منهم: أبو هريرة، و سهل الساعدي، و أبو أُسيد الساعدي، و أبو قتادة الحارث بن ربعي، و محمد بن مسلمة.

أعلمهم بصلاة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، بل قالوا جميعاً: صدقت هكذا كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يصلّي، و من البعيد جداً نسيانهم و هم عشرة، و في مجال المذاكرة.

3. الأصل في وضع اليدين هو الإرسال، لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه.

4. هذا الحديث لا يقال عنه إنّه مطلق و أحاديث تقيّده، لأنّه وصَفَ و عدَّد جميع الفرائض و السنن و المندوبات و كامل هيئة الصلاة، و هو في معرض التعليم و البيان، و الحذف فيه خيانة، و هذا بعيد عنه و عنهم.

5. بعض من حضر من الصحابة ممّن روي عنه أحاديث القبض، فلم يعترض، فدلّ على أنّ القبض منسوخ، أو على أقل أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طول في صلاته، و ليس من سنن الصلاة، و لا من مندوباتها، كما هو مذهب الليث بن سعد، و الأوزاعي، و مالك.(1)1.

ص: 11


1- . الدكتور عبد الحميد بن مبارك: رسالة مختصرة في السدل: 11.

قال ابن رشد: و السبب في اختلافهم انّه قد جاءت آثار ثابتة، نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة و السلام و لم ينقل انّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى.(1)

بقي هنا سؤال و هو انّه قد اشتهر انّ المالكية لا تقول بالقبض و انّ إمامهم مالكاً كرهه، و قال في المدونة: كره مالك وضع اليد اليمنى على اليسرى في الفريضة و قال: لا أعرفه في الفريضة، مع أنّه روى في «الموطأ» حديث القبض حيث روى عن سهل بن سعد، كما روى مرسل عبد الكريم ابن أبي المخارق البصري أنّه قال: من كلام النبوة: إذا لم تستح فافعل ما شئت، و وضع اليدين إحداهما على الأُخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى، و تعجيل الفطر، و الاستيفاء بالسحور.(2)

قلت: إنّ كتاب الموطأ، كتاب رواية، و الإمام ربما7.

ص: 12


1- . بداية المجتهد: 1/99.
2- . الموطأ: 1/158، باب وضع اليدين إحداهما على الأُخرى في الصلاة، الحديث 46، 47.

ينقل و لا يفتى على وفقه، فلذلك ترى في «المدونة» فتاوى تخالف ما رواه في «الموطأ» و من كان ملمّاً بفقهه، يرى أنّ بين ما دُوّن من فتاواه و ما رواه في «الموطأ»، اختلافاً في موارد كثيرة.

قد أشار الدكتور عبد الحميد في رسالة السدل إلى مواردها.(1)

و على كلّ تقدير فقوله: «لا أعرفه في الفريضة» دليل صريح في أنّ عمل أهل المدينة على خلافه، إذ قوله: «لا أعرفه»، معناه لا أعرفه من عمل الأئمة الذين هم التابعون الذين تلقّوا العلم عن الصحابة.

هذا هو الحديث الذي قام ببيان كيفية صلاة النبي و قد روي عن طريق أهل السنّة، و قد عرفت وجه الدلالة، و إليك ما رواه الشيعة الإمامية.6.

ص: 13


1- . رسالة مختصرة في السدل: 76.

ب: حديث حمّاد بن عيسى

روى حمّاد بن عيسى، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة» قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة، فقام أبو عبد اللّه مستقبلَ القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات، و استقبل بأصابع رجليه (جميعاً) لم يُحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة، فقال: اللّه أكبر، ثمّ قرأ الحمد بترتيل، و قل هو اللّه أحد، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما تنفس و هو قائم، ثمّ قال: اللّه أكبر، و هو قائم ثمّ ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرّجات، و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره، حتى لو صبت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره و تردّد ركبتيه إلى خلفه، و نصب عنقه، و غمض عينيه ثمّ سبح ثلاثاً بترتيل و قال: سبحان ربي العظيم و بحمده، ثمّ استوى قائماً،

ص: 14

فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّه لمن حمده، ثمّ كبّر و هو قائم، و رفع يديه حيال وجهه، و سجد، و وضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه و قال: سبحان ربي الأعلى و بحمده، ثلاث مرات، و لم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه، و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفّين، و عيني الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الأنف، فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنّة، و هو الإرغام، ثمّ رفع رأسه من السجود فلمّا استوى جالساً قال: اللّه أكبر، ثمّ قعد على جانبه الأيسر، و وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، و قال:

أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه، ثمّ كبّر و هو جالس و سجد الثانية، و قال كما قال في الأُولى و لم يستعن بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع و لا سجود، و كان مجنّحاً، و لم يضع ذراعيه على الأرض، فصلّى ركعتين على هذا.

ثمّ قال: «يا حمّاد هكذا صل، و لا تلتفت، و لا تعبث بيديك و أصابعك، و لا تبزق عن يمينك و لا (عن) يسارك

ص: 15

و لا بين يديك».(1)

ترى أنّ الروايتين بصدد بيان كيفية الصلاة المفروضة على الناس و ليست فيهما أيّة إشارة إلى القبض بأقسامه المختلفة فلو كان سنّة لما تركه الإمام في بيانه، و هو بعمله يجسّد لنا صلاة الرسول، لأنّه أخذه عن أبيه الإمام الباقر، و هو عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عن الرسول الأعظم صلوات اللّه عليهم أجمعين فيكون القبض بدعة، لأنّه إدخال شيء في الشريعة و هو ليس منه.2.

ص: 16


1- . الحر العاملي: الوسائل: 4، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 1. و لاحظ الباب 17، الحديث 1 و 2.

دليل القول بلزوم القبض

اشارة

ثمّ إنّ للقائل بالقبض أدلّة نأخذ بدراستها:

إنّ مجموع ما يصحّ الاستدلال به على أنّ القبض سنّة في الصلاة لا يعدو عن روايات ثلاث:(1)

1. حديث سهل بن سعد. رواه البخاري.

2. حديث وائل بن حجر. رواه مسلم و نقله البيهقي بأسانيد ثلاثة.

3. حديث عبد اللّه بن مسعود. رواه البيهقي في سننه و غيره.

و إليك دراسة كل حديث:

ص: 17


1- . و للقبض أدلة أُخرى غير صحيحة كما هو المفهوم من كلام الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: 4/358، و سيوافيك الكلام فيها.

1. حديث سهل بن سعد

روى البخاري عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: «كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» قال أبو حازم: لا أعلمه إلاّ يَنمي ذلك إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) .(1)

قال إسماعيل(2): يُنمى ذلك و لم يقل يَنمي.

و الرواية متكفّلة لبيان كيفية القبض إلاّ أنّ الكلام في دلالته بعد تسليم سنده. و لا يدل عليه بوجهين:

أوّلاً: لو كان النبي الأكرم هو الآمر بالقبض فما

ص: 18


1- . ابن حجر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 2/224، باب وضع اليمنى على اليسرى; صحيح مسلم: 2/13، باب وضع يده اليمنى على اليسرى; و رواه البيهقي في السنن الكبرى: 2/28، الحديث 3، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
2- . المراد: إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي. لاحظ فتح الباري: 5/325.

معنى قوله: «كان الناس يؤمرون»؟ أ وَ ما كان الصحيح عندئذ أن يقول: كان النبي يأمر؟ أ و ليس هذا دليلاً على أنّ الحكم نجم بعد ارتحال النبي الأكرم حيث إنّ الخلفاء و أُمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض بتخيّل أنّه أقرب للخشوع؟ و لأجله عقد البخاري بعده باباً باسم باب الخشوع. قال ابن حجر: الحكمة في هذه الهيئة أنّه صفة السائل الذليل، و هو أمنع عن العبث و أقرب إلى الخشوع، كان البخاري قد لاحظ ذلك و عقّبه بباب الخشوع.

و بعبارة أُخرى: انّ الأمر بالقبض دليل على أنّ الناس كانوا يصلّون على وجه السدْل في عصر النبي و شيئاً بعد عصره، ثمّ حدثت الفكرة فأمروا الناس به.

و ثانياً: أنّ في ذيل السند ما يؤيد أنّه كان من عمل الآمرين، لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال:

قال إسماعيل: «لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبي» بناءً على قراءة الفعل بصيغة المجهول.

ص: 19

و معناه أنّه لا يعلم كونه أمراً مسنوناً في الصلاة غير أنَّه يُعزى و ينسب إلى النبي، فيكون ما يرويه سهل به سعد مرفوعاً.

قال ابن حجر: و من اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي: ينميه، فمراده: يرفع ذلك إلى النبي.(1)

هذا كلّه إذا قرأناه بصيغة المجهول، و أمّا إذا قرأناه بصيغة المعلوم، فمعناه أنّ سهلاً ينسب ذلك إلى النبي، فعلى فرض صحّة القراءة و خروجه بذلك من الإرسال و الرفع، يكون قوله: «لا أعلمه إلاّ...» معرباً عن ضعف العزو و النسبة، و أنّه سمعه عن رجل آخر و لم يسم.

قال ابن حجر في «فتح الباري»: هذا حديث تكلّم في رفعه، فقال الداني: هذا معلول لأنّه ظن من أبي حازم، و قيل بأنّه لو كان مرفوعاً لما احتاج إلى قوله: «لا أعلمه».(2)6.

ص: 20


1- . المصدر نفسه: هامش رقم 1.
2- . فتح الباري: 4/126.

2. حديث وائل بن حجر

اشارة

و روي بصور:

الصورة الأُولى للحديث:

روى مسلم، عن وائل بن حجر: أنّه رأى النبي رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر، ثمّ التحف بثوبه، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثمّ رفعهما، ثمّ كبّر فركع....(1)

و الاحتجاج بالحديث احتجاج بالفعل، و لا يحتج به

ص: 21


1- . مسلم: الصحيح: 1/13، الباب 5 من كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى، و في سند الحديث «همام» و لو كان المقصود، هو همام بن يحيى فقد قال ابن عمار فيه: كان يحيى القطّان لا يعبأ ب «همام» و قال عمر بن شيبة: حدثنا عفان قال: كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه. و قال أبو حاتم: ثقة في حفظه. لاحظ هدى الساري: 1/449. و فيه أيضاً: محمد بن جحادة، و قد أشار النووي في شرحه على صحيح مسلم و قال فيه محمد بن جحادة و سكت.

إلاّ أن يعلم وجهه، و هو بعدُ غير معلوم، لأنّ ظاهر الحديث أنّ النبي جمع أطراف ثوبهِ فغطّى صدره به، و وضع يده اليمنى على اليسرى، و هل فعل ذلك لأجل كونه أمراً مسنوناً في الصلاة، أو فعله لئلاّ يسترخي الثوب بل يلصق الثوب بالبدن و يتّقي به نفسه عن البرد؟ و الفعل أمر مجهول العنوان، فلا يكون حجّة إلاّ إذا علم أنّه فعله بما انّه فعل مسنون في الصلاة.

و هناك احتمال آخر و هو انّ عمل الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) كان للتحرز عن سدل الثوب في الصلاة.

أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: نهى رسول اللّه عن السدل في الصلاة. قال في اللسان: السدل هو اسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل، و قد رويت الكراهة فيه عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).(1)

إنّ النبيّ الأكرم صلّى مع المهاجرين و الأنصار8.

ص: 22


1- . سنن الترمذي: 2/217، الحديث 378.

أزيد من عشر سنوات، فلو كان ذلك ثابتاً من النبي لكثر النقل و ذاع، و لما انحصر نقله بوائل بن حجر، مع ما في نقله من الاحتمالين.

الصورة الثانية للحديث:

أخرج النسائي و البيهقي في سننهما بسندين مختلفين عن وائل بن حجر، قال: رأيت رسول اللّه إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله.(1)

و في لفظ البيهقي: إذا قام إلى الصلاة قبض على شماله بيمينه، و رأيت علقمة يفعله.(2)

و الاستدلال بالحديث رهن صحّة السند و تمامية الدلالة.

أمّا السند فالشيخان و إن نقلاه بسندين مختلفين لكنّهما يشتركان في وجود عبد اللّه في كلا السندين، و في

ص: 23


1- . سنن النسائي: 2/97، باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
2- . سنن البيهقي: 1/28، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.

سنن النسائي: «أنبأنا عبد اللّه»، و في سنن البيهقي: «أنبأنا عبد اللّه بن جعفر»، و المراد هو عبد اللّه بن جعفر بن نجيح السعدي، و كفى في ضعفه ما نقله عبد اللّه ابن الإمام أحمد عن أبيه: كان وكيع إذا أتى على حديثه جزّ عليه، و قال في موضع آخر ينقل عن أبيه عن مشايخه انّه قال: ما كنت أكتب من حديثه شيئاً بعد أن تبيّن أمره.

و قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء.

و قال أبو حاتم: سأل يزيد بن هارون عنه، فقال: لا تسألوا عن أشياء.

و قال عمرو بن علي: ضعيف.

و قال أبو حاتم: منكر الحديث جداً، يحدث عن الثقات بالمناكير.

إلى أن قال:

و قال النسائي: متروك الحديث.

و قال مرة: ليس بثقة.(1)8.

ص: 24


1- . تهذيب التهذيب: 5/174 برقم 298.

و أمّا الدلالة: فلأنّه من المحتمل انّ الحديث هو صورة أُخرى من الحديث الأوّل، و الفرق هو انّ الحديث الأوّل اشتمل على زيادة دونه، حيث جاء في الصورة الأُولى التحف بثوبه ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى و قد مرّ انّ ظاهر الحديث انّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) جمع أطراف ثوبه فغطى به صدره و وضع يده اليمنى على اليسرى لئلا يسترخي الثوب بل يلصق الثوب بالبدن و يقي به نفسه البرد، و بما انّ الفعل مجهول العنوان لا يحتج به ما لم يعرف وجهه.

على أنّ في نفس الحديث شهادة على أنّ القبض لم يكن رائجاً في الصدر الأوّل، و ذلك لأنّه جاء في الحديث: «رأيت علقمة يفعله» فلو كان القبض أمراً رائجاً بين الصحابة و التابعين لما كان وجه لنسبة هذا الفعل الرائج إلى علقمة راوي الحديث عن وائل، و هذا يدلّ على أنّه كان أمراً غير رائج و لذلك نقله علقمة.

ص: 25

الصورة الثالثة للحديث:

أخرج النسائي بسنده عن وائل بن حجر انّه قال: قلت: لا... إلى صلاة رسول اللّه كيف يصلّي و نظرت إليه، فقام فكبر و رفع يديه حتّى حاذتا أُذنيه، ثمّ وضع يده اليمنى على كفه اليسرى و الرسغ و الساعد.(1)

و أخرجه أيضاً البيهقي في سننه بنفس اللفظ.(2)

و الاحتجاج بالرواية رهن صحّة السند و الدلالة.

أمّا سند النسائي فهو مشتمل على عاصم بن كليب الكوفي، و قد ذكر ابن حجر انّه سئل ابن شهاب عن مذهب كليب و انّه كان مرجئاً، قال: لا أدري، و لكن قال شريك بن عبد اللّه النخعي انّه كان مرجئاً.

و قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد.(3)

ص: 26


1- . سنن النسائي: 2/97، باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة.
2- . سنن البيهقي: 2/28، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.
3- . تهذيب التهذيب: 5/56، برقم 89.

و أمّا سند البيهقي فهو مشتمل على عبد اللّه بن رجاء، فنقل ابن حجر عن ابن معين انّه قال: كان كثير التصحيف، و ليس به بأس.

و قال عمرو بن عدي، صدوق كثير الغلط و التصحيف ليس بحجة، و توفّي عام 219 ه أو 220 ه، و ليس المراد منه عبد اللّه بن رجاء المكي الذي يروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) و غيره.

و لو افترض انّ المراد هو عبد اللّه بن رجاء المكي فهو ليس أيضاً سالماً عن النقد، نقل ابن حجر عن الساجي انّه قال عنده مناكير.

و اختلف أحمد و يحيى فيه، قال أحمد: زعموا انّ كتبه ذهبت فكان يكتب من حفظه فعنده مناكير و ما سمعت منه إلا حديثين، و حكى نحوه العقيلي عن أحمد.(1)

و أمّا الدلالة فلا شكّ انّه أوضح دلالة من الصورتين الأُوليين، و يحتمل فيه أيضاً أن يكون نفس4.

ص: 27


1- . تهذيب التهذيب: 5/211، برقم 364.

الرواية الأُولى غير انّه نقل على وجوه مختلفة و جاء الاختلاف من الرواة و حيث إنّه يحتمل أن يكون نفس الصورة الأُولى، فقد عرفت أنّ فعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يحتمل وجهين و معه لا يحتج به.

إلى هنا تمّت دراسة الحديثين:

الأوّل: حديث سهل الساعدي.

الثاني: حديث وائل بن حجر بصوره الثلاث.

و قد عرفت قصور دلالتهما مع وجود الضعف في أسناد حديث وائل بن حجر، بقي حديث ثالث يستدلّ به على القبض.

ص: 28

3. حديث عبد اللّه بن مسعود

أخرج النسائي عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدّث عن ابن مسعود قال: رآني النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و قد وضعت شمالي على يميني في الصلاة، فأخذ بيميني فوضعها على شمالي.(1)

و أخرجه البيهقي بنفس اللفظ لكن بسند آخر.

و الاستدلال بالحديث رهن صحّة السند و الدلالة.

أمّا الأوّل فكلا السندين يشتملان على الحجاج بن أبي زينب السلمي الذي قال في حقّه أحمد بن حنبل:

أخشى أن يكون ضعيف الحديث.

و قال ابن معين: ليس به بأس.

و قال الحسن بن شجاع البلخي عن علي بن

ص: 29


1- . سنن النسائي: 2/97، باب في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه.

المديني: شيخ من أهل واسط ضعيف.

و قال النسائي: ليس بالقوي.

و قال ابن علي: أرجو انّه لا بأس به فيما يرويه.

ثمّ قال: قال الدارقطني: ليس بالقوي و لا الحافظ.(1)

إلى غير ذلك من الكلمات.

و أمّا الدلالة فيلاحظ انّ عبد اللّه بن مسعود كان من السابقين إلى الإسلام و قد أسلم في أوائل البعثة، و قد لاقى ما لاقى من قريش لأجل إيمانه بالنبي و الإسلام، فمثل هذا لا يمكن أن يجهل بكيفية القبض على فرض كونه سنّة فيضع شماله على يمينه.

***2.

ص: 30


1- . تهذيب التهذيب: 2/201، برقم 372.

أحاديث ضعاف لا يحتجُّ بها

اشارة

ما ذكرناه من الأحاديث هو العمدة في الاستدلال على قبض اليمنى باليسرى، و قد عرفت حالها و عدم قيامها بإثبات المطلوب.

و هناك أحاديث و آثار رويت في غضون الكتب جمعها البيهقي في سننه، و لا يصحّ واحد منها لضعفها سنداً و دلالة، و نحن لأجل إكمال حلقة البحث نسرد تلك الأحاديث و نناقشها سنداً و دلالة حتى يقف القارئ على مواطن الخلل.

1. حديث هُلْب

اشارة

أخرج الترمذي عن قتيبة عن أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هُلْب، عن أبيه:

قال:

ص: 31

كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يؤمُّنا فيأخذ شماله بيمينه.(1)

و رواه البيهقي بلفظ آخر و هو: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) واضعاً يمينه على شماله في الصلاة.(2)

يلاحظ عليه: أنّ السند ضعيف كالدلالة.

أمّا السند، فإليك ترجمة راويين منه.

قبيصة بن هُلب

قال الذهبي: قال العجلي: ثقة، و ذكره ابن حَبّان في الثقات.

و قال ابن المديني: مجهول.(3)

و قال ابن حجر: مجهول لم يرو عنه غير سماك.

و قال النسائي: مجهول.(4)

ص: 32


1- . سنن الترمذي: 2/32، برقم 252.
2- . سنن البيهقي: 2/29.
3- . ميزان الاعتدال: 3/384، رقم 6863.
4- . تهذيب التهذيب: 8/350، رقم 633.
سماك بن حرب

قال الذهبي: صدوق، صالح. روى ابن المبارك عن سفيان انّه ضعيف.

قال جرير الضبّي: أتيت سماكاً فرأيته يبول قائماً فرجعت و لم أسأله، فقلت: خرف.

و روي أحمد بن أبي مريم عن يحيى: سماك ثقة، كان شعبة يضعّفه.

و قال أحمد: سماك مضطرب الحديث.

و قال أبو حاتم: ثقة، صدوق.

و قال صالح: جَزَرة: يضعف.

و قال النسائي: إذا انفرد بأصل لم يكن بحجة، لأنّه كان يلقّن فيتلقن إلى غير ذلك من كلمات التضعيف.(1)

و قال ابن حجر:

ص: 33


1- . ميزان الاعتدال: 2/233 برقم 3548.

قال عنه أحمد: مضطرب الحديث.

قال ابن أبي خيثمة: قال سمعت ابن معين سئل عنه ما الذي عابه قال: اسند أحاديث لم يُسندها غيره.

و قال ابن عمار: يقولون إنّه كان يخلِّط و يختلفون في حديثه.

و كان الثوري يضعّفه بعض الضعف.

و قال يعقوب بن شيبة: قلت لابن المديني: رواية سماك عن عكرمة، فقال: مضطربة.

و قال زكريا بن علي، عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث.

قال يعقوب: و روايته عن عكرمة خاصة مضطربة.(1)

و أمّا الدلالة فليست في الرواية تصريح في أنّه يضع يمينه على شماله في خصوص حال القراءة، بل ظاهره انّه3.

ص: 34


1- . تهذيب التهذيب: 8/350، رقم 633.

يضع يمينه على شماله في عامة حالات الصلاة و هو ممّا لم يلتزم به أحد.

2. حديث محمد بن أبان الأنصاري

أخرج البيهقي بسنده عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة قالت: ثلاث من النبوّة: تعجيل الإفطار، و تأخير السحور، و وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.(1)

و يكفي في ضعف الحديث ما ذكره البخاري في تاريخه الكبير، بعد نقل هذا الحديث و قال: و لا نعرف لمحمد سماعاً من عائشة، و في نسخة و لا يعرف لمحمد سماع.(2)

و قد نقل محقّق كتاب «التاريخ الكبير» للبخاري في

ص: 35


1- . سنن البيهقي: 2/29.
2- . التاريخ الكبير: 11/32 رقم 47; ميزان الاعتدال: 3/454 برقم 7129.

الهامش أقوال الرجاليين في حقّه، فخرج بالنتيجة التالية:

إنّه أنصاري مدني، ثمّ صار إلى اليمامة، و انّه أرسل عن عائشة.(1)

3. حديث عقبة بن صهبان

روى البيهقي بسنده عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن صهبان، عن علي) (رضي اللّه عنه) (فصل لربّك و انحر) قال: هو وضع يمينك على شمالك في الصلاة.(2)

يلاحظ على الاستدلال أوّلاً: أنّ عاصم الجحدري لم يوثّق. قال الذهبي: عاصم بن العجّاج الجحدري البصري، قرأ على يحيى بن يعمر و نصر بن عاصم، أخذ عنه سلام بن أبو المنذر و جماعة قراءة شاذة فيها ما ينكر.(3)

ص: 36


1- . التاريخ الكبير: 11/34، قسم الهامش.
2- . سنن البيهقي: 2/29.
3- . ميزان الاعتدال: 2/354، رقم 4057.

و ذكره البخاري في تاريخه و قال: عاصم الجحدري يعدّ في البصريين، عن عقبة بن ظبيان و لم يوثقه.(1)

ثمّ إنّ الحديث حسب نقل البيهقي ينتهي إلى عقبة بن صهبان.

و قال البيهقي: و رواه البخاري في التاريخ في ترجمة عقبة بن ظبيان عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة: سمع عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان عن علي (فصلّ لربّك و انحر) رفع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره.

و ما يرويه البخاري في تاريخه حسب ما نقله البيهقي يختلف عمّا نقله البيهقي بالمباشرة بوجهين:

الأوّل: انّ السند ينتهي عند البيهقي إلى عقبة بن صهبان، و حسب نقل البخاري إلى عقبة بن ظبيان.

الثاني: انّ عاصم الجحدري حسب نقل البيهقي1.

ص: 37


1- . التاريخ الكبير: 6/486، رقم 3061.

يروي عن عقبة بن صهبان، و حسب ما نقله عن تاريخ البخاري ينقل عاصم عن أبيه عن عقبة بن ظبيان.

و مع الأسف الشديد انّ أباه (عجاج) لم يعنون في الرجال فمثل هذا الحديث لا يحتج به أبداً.

4. حديث غزوان بن جرير

روى البيهقي عن غزوان بن جرير، عن أبيه، قال: كان علي) (رضي اللّه عنه) إذا قام إلى الصلاة فكبّر، ضرب بيده اليمنى على رسغه الأيسر، فلا يزال كذلك حتّى يركع، إلاّ أن يحكّ جلداً أو يصلح ثوبه.(1)

و كفى في ضعف الرواية انّ جريراً والد غزوان مجهول.

قال الذهبي: جرير الضبي عن علي و عنه ابنه غزوان لا يعرف.(2)

ص: 38


1- . سنن البيهقي: 2/29.
2- . ميزان الاعتدال: 1/397 رقم 1474.

5. مرسلتا غضيف و شدّاد

روى البيهقي و قال: و رُوينا عن الحارث بن غضيف الكندي و شداد بن شرحبيل الأنصاري انّ كلّ واحد منهما رأى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فعل ذلك «واضعاً يمينه على شماله».(1)

هذا ما نقله البيهقي و ضبطه الترمذي بالنحو التالي: غطيف بن الحارث.(2)

فعلى نقل البيهقي الراوي هو الحارث بن غضيف الكندي بينما على نقل الترمذي الراوي هو غطيف بن الحارث، فاشتبه الوالد بالولد و لم يعرفا.

و يظهر ممّا نقله ابن حجر انّه أدرك النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و هو صبي، قال ناقلاً عنه: كنت صبياً أرمي نخل الأنصار فأتوا بي النبيَّ، فمسح رأسي و قال: كل ممّا سقط و لا ترمي نخلهم.

بل يظهر من بعضهم انّه من التابعين لم يدرك

ص: 39


1- . سنن البيهقي: 2/29.
2- . سنن الترمذي: 2/32، الحديث 252.

النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).

قال: ذكره جماعة في التابعين.(1)

فتلخص ممّا ذكرنا انّ الحديث لا يحتجّ به، و ذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: انّه حديث مرسل، و ليس لأصحاب الحديث سند إليهما.

و ثانياً: انّه أدرك النبي و هو صبي، و لأجل ذلك ترى انّهم يعرّفونه بقولهم: «له صحبة» أي صحبة قليلة.

و ثالثاً: لم يثبت انّه صحابي، و قد عدّه جماعة من التابعين.

و على كلّ حال فحديث هذا حاله اشتبه اسمه ضبطاً أوّلاً، و اشتبه الوالد بالولد ثانياً، و كانت صحبته قليلة في أيام الصبى ثالثاً، بل لم يثبت له صحبة و انّه من التابعين رابعاً لا يحتجّ به.2.

ص: 40


1- . الاصابة: 3/186 رقم 6912.

6. حديث نافع عن ابن عمر

أخرج البيهقي بسنده عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا بثلاث: تعجيل الفطر، و تأخير السحور، و وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.

هذا نفس الحديث الذي رواه محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة، لاحظ رقم 2.

و قال البيهقي: تفرّد به عبد المجيد، و إنّما يعرف بطلحة بن عمرو و ليس بالقوىّ.(1)

و عرفه الذهبي بأنّه صدوق مرجئ كأبيه.

وثّقه ابن معين، و قال أبو داود: ثقة داعية إلى الإرجاء.

و قال ابن حبان: يستحق الترك، منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، و يروي المناكير عن المشاهير.

ص: 41


1- . سنن البيهقي: 2/29.

قال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه.

و قال الدارقطني: لا يحتجّ به و يعتبر به.

و قال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ثقة يروي عن قوم ضعفاء.

و قال البخاري: كان الحميدي يتكلّم فيه و قال أيضاً في حديثه بعض الاختلاف و لا يعرف له خمسة أحاديث صحاح.(1)

7. حديث ابن جرير الضبي

أخرج أبو داود عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت عليّاً رضي اللّه عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة.

قال أبو داود: و روى عن سعيد بن جبير «فوق السرة»، و قال أبو مجلز: «تحت السرة» و روى عن أبي هريرة

ص: 42


1- . ميزان الاعتدال: 2/648، برقم 5183.

و ليس بالقوي.(1)

يلاحظ عليه: أنّ ابن جرير الضبّي هو نفس غزوان ابن جرير و قد تقدّم الكلام في الوالد برقم 4، و لعلّه نفس الحديث السابق و ليس حديثاً آخر.

و أمّا ما روى عن طاوس قال: كان رسول اللّه يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثمّ يشدّ بينهما على صدره و هو في الصلاة(2) فهو حديث مرسل لأنّ طاوس من التابعين.

و هناك آثار عزيت إلى ابن الزبير انّه قال: صف القدمين و وضع اليد على اليد من السنّة.(3)

كما قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الكف في الصلاة تحت السرة.(4)

و من المعلوم أنّ قول الصحابي ليس بحجة ما لم ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).8.

ص: 43


1- . سنن أبي داود: 1/201، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة برقم 757 و 759.
2- . سنن أبي داود: 1/201، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة برقم 757 و 759.
3- . سنن أبي داود: 2011/200، برقم 754 و 758.
4- . سنن أبي داود: 2011/200، برقم 754 و 758.

اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ

قد تبيّن من هذا البحث الضافي أُمور:

الأوّل: انّ أبا حُمَيد الساعدي ممّن نقل صلاة النبي بتفاصيلها و لم يذكر شيئاً من القبض، و قد نقل كيفية صلاة النبي في حضور عشرة من الصحابة، و قد نال تصديق الحاضرين منهم.

و ليس القبض أمراً طفيفاً حتّى يغفل عنه الراوي أو الحضور من الصحابة، فلو كانت صلاة النبي مرفّقة معه لاعترض أحد منهم عليه و آخذوه بترك ذكره.

الثاني: انّ ما استدلّ على كون القبض سنّة بين ضعيف الدلالة، أو ضعيف السند، أو كليهما.

الثالث: إذا كان القبض من سنن الصلاة لما خالفه أئمّة أهل البيت قاطبة حتى عدّوه من سنّة المجوس كما

ص: 44

ستوافيك روايتهم.

الرابع: انّ الأمر دائر بين البدعة و السنّة، و مقتضى الاحتياط هو ترك القبض، لأنّ في الأخذ احتمال الحرمة و ارتكاب البدعة، بخلاف الترك فليس فيه إلاّ ترك أمر مسنون، و هو ليس أمراً محظوراً.

الخامس: العجب من فقهاء أهل السنّة انّهم طرقوا جميع الأبواب إلاّ باب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) !!

أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)

إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يتحرّزون عن القبض و يرونه من صُنع المجوس أمام الملك.

1. روى محمد بن مسلم، عن الصادق أو الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة و حكي اليمنى على اليسرى؟ فقال: «ذلك التكفير، لا يُفعل».(1)

ص: 45


1- . الوسائل: 4، الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 1.

2. و روى زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «و عليك بالإقبال على صلاتك، و لا تكفّر، فإنّما يصنع ذلك المجوس».(1)

3. روى الصدوق بإسناده عن علي (عليه السلام) أنّه قال: «و عليك بالإقبال على صلاتك، و لا تكفّر، فإنّما يصنع ذلك المجوس».(2)

4. روى الصدوق بإسناده عن علي (عليه السلام) أنّه قال: «لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدي اللّه عزّ و جلّ يتشبّه بأهل الكفر يعني المجوس».(3)

و في الختام نلفت نظر القارئ إلى كلمة صدرت من الدكتور علي السالوس، فهو بعد ما نقل آراء فقهاء الفريقين، وصف القائلين بالتحريم و الإبطال بقوله: «و أُولئك الذين ذهبوا إلى التحريم و الإبطال، أو التحريم7.

ص: 46


1- . الوسائل: 4 الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2 و 3 و 7.
2- . الوسائل: 4 الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2 و 3 و 7.
3- . الوسائل: 4 الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2 و 3 و 7.

فقط، يمثّلون التعصب المذهبي و حبّ الخلاف، تفريقاً بين المسلمين».(1)

ما ذنب الشيعة إذا هداهم الاجتهاد و الفحص في الكتاب و السنّة إلى أنّ القبض أمر حدث بعد النبي الأكرم، و كان الناس يُؤمرون بذلك أيام الخلفاء، فمن زعم أنّه جزء من الصلاة فرضاً أو استحباباً، فقد أحدث في الدين ما ليس منه، أ فهل جزاء من اجتهد، أن يُرمى بالتعصب المذهبي و حب الخلاف؟! و لو صح ذلك، فهل يمكن توصيف الإمام مالك به؟ لأنّه كان يكره القبض مطلقاً، أو في الفرض أ فهل يصح رمي إمام دار الهجرة بأنّه كان يحب الخلاف؟! أجل لما ذا لا يكون عدم الإرسال و القبض ممثلاً للتعصب المذهبي و حبّ الخلاف بين المسلمين، يا ترى؟!3.

ص: 47


1- . فقه الشيعة الإمامية و مواضع الخلاف بينه و بين المذاهب الأربعة: 183.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.