سلسله المسائل الفقهیه الأذان تشريعاً و فصولاً على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 3

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

الأذان تشريعاً و فصولاً على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[3. الأذان تشريعاً و فصولاً على ضوء الكتاب و السنّة ]

مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

1. قيل للإمام الصادق (عليه السلام):

يقولون إنّ رجلاً من الأنصار رأى الأذان في النوم، فأجاب (عليه السلام):

«كذبوا فانّ دين اللّه أعزّ من أن يُرى في النوم».

2. قال محمد بن الحنفية:

عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام و معالم دينكم فزعمتم أنّه انّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق و الكذب و قد تكون أضغاث أحلام.

ص: 5

ص: 6

الأذان لغة و شرعاً و مكانة المؤذّن عند اللّه

اشارة

الأذان لغة: الإعلام، قال سبحانه: (وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (1) أي إعلام منهما إلى الناس.

و شرعاً: الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة، و هو من خير الأعمال التي يتقرّب بها إلى اللّه تعالى، و فيه فضل كثير و أجر عظيم.

أخرج الشيخ الطوسي في «التهذيب» عن معاوية ابن وهب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): من أذَّن في مصر من أمصار المسلمين سنة،

ص: 7


1- . التوبة: 3.

وجبت له الجنة».(1)

و أخرج أيضاً عن سعد الاسكاف، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «من أذّن سبع سنين احتساباً جاء يوم القيامة و لا ذنب له».(2)

و أخرج الصدوق عن العرزمي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، المؤذّنون».(3)

و أخرج أحمد بن محمد البرقي في «المحاسن» عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): المؤذّن المحتسب، كالشاهر بسيفه في سبيل اللّه، القاتل بين الصفّين».(4)

إلى غير ذلك من الروايات الحاثّة على نشر الأذان و قيام قاطبة الطبقات به، و كراهة حصر الأذان بضعفائهم.8.

ص: 8


1- . التهذيب: 2/283 ح 1126.
2- . التهذيب: 2/283 ح 1128.
3- . ثواب الأعمال: 52.
4- . المحاسن: 48 برقم 68.

و عقدنا هذا البحث لبيان أمرين:

الأوّل: انّ تشريع الأذان تشريع إلهي لا مدخلية للإنسان فيه.

الثاني: دراسة تاريخ التثويب في الفجر و انّه ليس جزءاً من الأذان و إنّما دخل فيه بتصويب البعض.

فيقع الكلام في مقامين:

ص: 9

ص: 10

المقام الأوّل

1 مكانة الأذان في التشريع الإسلامي لم يشارك في تشريعه أىّ إنسان

إنّ الأذان و الإقامة من صميم الدين و شعائره، أنزله اللّه سبحانه على قلب سيّد المرسلين، و إنّ اللّه الذي فرض الصلاة، هو الذي فرض الأذان، و إنّ منشأ الجميع واحد و لم يُشارك في تشريعه أىّ إنسان لا في اليقظة و لا في المنام، و هذا شأن كلّ عبادة يعبد بها الإنسان خالقَه و بارئه، و لم نجد في التشريع الإسلامي عبادة مشروعة قام الإنسان بوضعها، ثمّ نالت إمضاء الشارع و تصويبه إلاّ في مواضع

ص: 11

خاصة ثبتت من النبيّ المعصوم.

و الذي يعرب عن ذلك انّ لجميع فصوله من التكبير إلى التهليل، مسحة إلهية و عذوبة، و سموّ المعنى و فخامته، تثير شعور الإنسان إلى مفاهيم أرقى و أعلى و أنبل ممّا في عقول الناس، فلو كان للأذان و الإقامة مصدر غير الوحي ربّما لا تتمتع بهذه العذوبة و لا المسحة الإلهيّة.

و على ضوء ذلك فليس لمسلم إلاّ قبول أمرين:

أ: انّ تشريع الأذان و الإقامة يرجع إلى اللّه سبحانه و انّه أوحى إلى عبده الأذان و الإقامة و لم يكن لبشر دور في تشريعهما.

ب: كما أنّ أصل الأذان وحي إلهي أنزله اللّه على قلب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فهكذا كلّ فصل منه إيحاء إلى النبي فليس لأىّ إنسان أن ينقص منه فصلاً أو يضيف إليه جزءاً.

ص: 12

2 تاريخ تشريع الأذان في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)

اتّفقت أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على أنّ الأذان من الأُمور العبادية، له من الشأن ما لغيره من العبادات و أنّ المشرّع له هو اللّه سبحانه و قد هبط جبرئيل بأمر منه و علّمه رسول اللّه، كما علّمه رسول اللّه بلالاً، و لم يشارك في تشريعه بل و لا في تشريع الإقامة أحد، فهذا من الأُمور المسلّمة عند أئمّة أهل البيت، و قد تضافرت عليه رواياتهم و كلماتهم نذكر في المقام نزراً يسيراً «و يكفيك من القلادة موضع عنقها».(1)

1. روى ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن

ص: 13


1- . مثل يضرب لبيان كفاية القليل عن الكثير.

زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا أُسري برسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى السماء فبلغ البيت المعمور، و حضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل (عليه السلام) و أقام فتقدم رسول (صلى الله عليه و آله و سلم) و صفَّ الملائكة و النبيّون خلف محمّد (صلى الله عليه و آله و سلم)».

2. أخرج أيضاً بسند صحيح، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا هبط جبرئيل بالأذان على رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان رأسه في حجر علي (عليه السلام)، فأذّن جبرئيل و أقام(1) ، فلمّا انتبه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: يا علي سمعت؟ قال: نعم(2) قال: حفظتَ؟ قال:

نعم. قال: ادع بلالاً، فدعا علي (عليه السلام) بلالاً فعلّمه».(3)2.

ص: 14


1- . لا منافاة بين الروايتين، و كم نزل أمين الوحي ب آية واحدة مرّتين، و الغاية من التأذين في الأوّل غيرها في الثاني، كما هو واضح لمن تدبّر.
2- . كان علي (عليه السلام) محدَّثاً و هو يسمع كلام الملك. لاحظ صحيح البخاري: 4/200، و شرحه: إرشاد الساري: 6/99 و غيره، باب رجال يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء... روى أبو هريرة عن النبيّ أنّه قال: «لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل...».
3- . الكليني: الكافي: 3/302 باب بدء الأذان الحديث 1 و 2.

3. أخرج أيضاً بسند صحيح عن عمر بن أذينة عن الصادق (عليه السلام) قال: ما تروي هذه (الجماعة)؟ فقلت: جعلت فداك في ما ذا؟ فقال: في أذانهم... فقلت: إنّهم يقولون إنّ أُبىّ بن كعب رآه في النوم. فقال: كذبوا فانّ دين اللّه أعزّ من أن يُرى في النوم. قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكراً. فقال أبو عبد اللّه (الصادق) (عليه السلام): إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا عرج بنبيه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى سماواته السبع إلى آخر الحديث الأوّل.(1)

4. و روى محمد بن مكي الشهيد في «الذكرى» عن فقيه الشيعة في أوائل القرن الرابع أعني: ابن أبي عقيل العماني أنّه روى عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنّه لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد(2) فقال: ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنّه أخذ الأذانن.

ص: 15


1- . الكافي: 3/482 ح 1، باب النوادر. و سيأتي أنّه ادّعى رؤيةَ الأذان في النوم ما يقرب من أربعة عشر رجلاً.
2- . سيوافيك نقله عن السنن.

من عبد اللّه بن زيد؟!»(1).

و ليست الشيعة متفرّدة في هذا النقل عن أئمة أهل البيت، فقد روى الحاكم و غيره نفس النقل عنهم، و إليك بعض ما أُثر في ذلك المجال عن طريق أهل السنّة.

5. روى الحاكم عن سفيان بن الليل قال: لمّا كان من أمر الحسن بن علي و معاوية ما كان، قدمت عليه المدينة و هو جالس... قال: فتذاكرنا عنده الأذان، فقال بعضنا: إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبد اللّه بن زيد، فقال له الحسن بن علي: إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك، أذَّن جبرئيل (عليه السلام) في السماء مثنى مثنى، و علّمه رسول اللّه و أقام مرة مرة(2) فعلّمه رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم).(3)

6. روى المتقي الهندي عن الشهيد زيد بن الإمامة.

ص: 16


1- . وسائل الشيعة: الجزء 4/612، الباب الأوّل من أبواب الأذان و الاقامة، الحديث 3.
2- . المروي عنهم (عليهم السلام) أنّ الإقامة مثنى مثنى إلاّ الفصل الأخير و هو مرة.
3- . الحاكم: المستدرك: 3/171، كتاب معرفة الصحابة.

علي بن الحسين، عن آبائه، عن علي: أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) عُلِّمَ الأذان ليلة أُسري به و فرضت عليه الصلاة.(1)

7. روى الحلبي عن أبي العلاء، قال: قلت لمحمد ابن الحنفية: إنّا لنتحدّث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع لذلك محمد ابن الحنفية فزعاً شديداً و قال: عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام، و معالم دينكم، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، تحتمل الصدق و الكذب و قد تكون أضغاث أحلام، قال: فقلت له: هذا الحديث قد استفاض في الناس.

قال: هذا و اللّه الباطل....(2)

8. روى المتقي الهندي عن مسند رافع بن خديج: لمّا أُسري برسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى السماء أُوحي إليه بالأذان فنزل به فعلّمه جبرئيل. (الطبراني في الأوسط0.

ص: 17


1- . المتقي الهندي: كنز العمال: 12/350 برقم 35354.
2- . برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية: 3012/300.

عن ابن عمر)(1).

9 و يظهر ممّا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، انّ الأذان كان بوحي من اللّه سبحانه.(2)

10 قال الحلبي: و وردت أحاديث تدلّ على أنّ الأذان شُرّع بمكة قبل الهجرة، فمن تلك الأحاديث ما في الطبراني عن ابن عمر... و نقل الرواية الثامنة.(3)

هذا هو تاريخ الأذان و طريق تشريعه أخذته الشيعة من عين صافية، من أُناس هم بطانة سنّة الرسول، يروي صادق عن صادق حتى ينتهي إلى الرسول، و أيّدته آثار أُخرى كما عرفت.ه.

ص: 18


1- . كنز العمال: 8/329 برقم 23138، فصل في الأذان.
2- . عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 211 ه): المصنّف: 1/456 برقم 1775.
3- . السيرة الحلبية: 2/296، باب بدء الأذان و مشروعيته.

3 كيفيّة تشريع الأذان في روايات أهل السنّة

قد ورد في روايات أهل السنّة حول كيفية تشريع الأذان أُمور لا تصحّ نسبتها إلى الرسول الأعظم، و حصيلة هذه الروايات كما ستمر عليك تفاصيلها ما يلي:

كان الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) مهتماً بأمر الصلاة جماعة، و لكن كان متحيّراً في أنّه كيف يجمع الناس إلى الصلاة مع بعد الدار و تفرّق المهاجرين و الأنصار في أزقّة المدينة، فاستشار في ذلك في حل العقدة، فأشاروا عليه بأُمور:

1. أن يستعين بنصب الراية، فإذا رأوها آذن

ص: 19

بعضهم بعضاً، فلم يُعجبه.

2. أشاروا إليه باستعمال القُبع، أىّ بوق اليهود، فكرهه النبي.

3. أن يستعين بالناقوس كما يستعين به النصارى، كرهه أوّلاً ثمّ أمر به فعمل من خشب ليضرب به للناس حتى يجتمعوا للصلاة.

4. كان النبي الأكرم على هذه الحالة، إذ جاء عبد اللّه بن زيد و أخبر رسول اللّه بأنّه كان بين النوم و اليقظة إذ أتاه آت فأراه الأذان، و كان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك بعشرين يوماً فكتمه ثمّ أخبر به النبي، فقال: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحييت، فقال رسول اللّه: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فعلّمه، فتعلّم بلال الأذان و أذّن.

هذا مجمل ما يرويه المحدّثون حول كيفيّة تشريع الأذان، فتجب علينا دراسة متونه و أسناده و إليك البيان.

ص: 20

4 روايات في كيفية تشريع الأذان في السنن

1 روى أبو داود (202 275 ه) قال: حدّثنا عباد بن موسى الختلي، و زياد بن أيوب، و حديث عباد أتمّ قالا: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، قال زياد: أخبرنا أبو بشر، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتمّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) للصلاة كيف يجمع الناس لها; فقيل له:

انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك; قال: فذكر له القُنْع يعني الشبُّور قال زياد: شبور اليهود، فلم يُعجبه ذلك، و قال:» هو من أمر اليهود» قال: فذكر له الناقوس، فقال:

ص: 21

«هو من أمر النصارى».

فانصرف عبد اللّه بن زيد (بن عبد ربّه) و هو مهتم لهمِّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، فأُري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبره فقال (له): يا رسول اللّه، إنّي لبين نائم و يقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: و كان عمر ابن الخطاب) (رضي الله عنه) قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً(1) ، قال: ثمّ أخبر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال له:» ما منعك أن تخبرني؟» فقال:

سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحييت، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم):» يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فافعله» قال: فأذّن بلال، قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير أنّ الأنصار تزعم أنّ عبد اللّه بن زيد لو لا أنّه كان يومئذ مريضاً، لجعله رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مؤذناً.ي.

ص: 22


1- . أ فيصح في منطق العقل أن يكتم الإنسان تلك الرؤيا التي فيها إراحة للنبىّ و أصحابه عشرين يوماً، ثمّ يعلّل ذلك بعد سماعها من ابن زيد بأنّه استحيا و أنا أجلّ الخليفة عن هذا المنطق، مضافاً إلى التنافي بينه و بين الحديث الثاني.

2. حدّثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدّثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه، قال: حدّثني أبي: عبد اللّه بن زيد، قال: لمّا أمر رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي، و أنا نائم، رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبد اللّه، أ تبيع الناقوس؟ قال: و ما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أ فلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت (له): بلى، قال: فقال تقول:

اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه، حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه.

قال: ثمّ استأخر عنّي غير بعيد، ثمّ قال: و تقول إذا أقمت الصلاة:

ص: 23

اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه.

فلمّا أصبحتُ أتيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) فأخبرته بما رأيت فقال:» إنّها لرؤيا حق إن شاء اللّه، فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذّن به، فانّه أندى صوتاً منك». فقمت مع بلال، فجعلت أُلقيه عليه و يؤذِّن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب و هو في بيته فخرج يجرُّ رداءه و يقول: و الذي بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم):» فللّه الحمد».(1)

و رواه ابن ماجة (207 275 ه) بالسندين التاليين:

3. حدّثنا أبو عبيد: محمد بن ميمون المدني، حدثناق.

ص: 24


1- . أبو داود: السنن: 1351/134 برقم 498 499 تحقيق محمد محيي الدين. و الحديث حاك عن اطّلاع عمر بعد أذان بلال، خلافاً للحديث السابق.

محمد بن سلمة الحرّاني، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد، عن أبيه، قال: كان رسول اللّه قد همَّ بالبوق، و أمر بالناقوس فنُحِتَ، فأُري عبد اللّه بن زيد في المنام...

إلخ.

4. حدّثنا: محمد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي: حدثنا أبي، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنّ النبي استشار الناس لما يهمّهم إلى الصلاة، فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثمّ ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى، فأُري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له: عبد اللّه بن زيد و عمر بن الخطاب...

قال الزهري: و زاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرّها رسول اللّه...(1).

و رواه الترمذي بالسند التالي:

5. حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدّثنا7.

ص: 25


1- . ابن ماجة: السنن: 2331/232، باب بدء الأذان، برقم 706 707.

أبي، حدّثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد، عن أبيه قال: لمّا أصبحنا أتينا رسول اللّه فأخبرته بالرؤيا... إلخ.

6. و قال الترمذي: و قد روى هذا الحديث إبراهيم ابن سعد عن محمد بن إسحاق أتمَّ من هذا الحديث و أطول، ثمّ أضاف الترمذي: و عبد اللّه بن زيد هو ابن عبد ربّه، و لا نعرف له عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) شيئاً يصحّ إلاّ هذا الحديث الواحد في الأذان.(1)

هذا ما رواه أصحاب السنن المعدودة من الصحاح أو الكتب الستة، و لها من الأهمية ما ليس لغيرها من السنن كسنن الدارمي أو الدارقطني أو ما يرويه ابن سعد في طبقاته، و البيهقي في سننه، و لأجل تلك المكانة الخاصّة فصلنا ما روي في السنن المعروفة، عمّا روي في غيرها.

فلندرس هذه الروايات متناً و سنداً حتّى تتّضح الحقيقة ثمّ نذكر بقية النصوص الواردة في غيرها فنقول:9.

ص: 26


1- . الترمذي: السنن: 3611/358، باب ما جاء في بدء الأذان برقم 189.

5 تحليل مضمون الروايات

اشارة

إنّ هذه الروايات غير صالحة للاحتجاج لجهات شتى:

الأُولى: لا تتّفق مع مقام النبوّة

إنّه سبحانه بعث رسوله لإقامة الصلاة مع المؤمنين في أوقات مختلفة. و طبع القضية يقتضي أن يعلّمه سبحانه كيفية تحقيق هذه الأُمنية. فلا معنى لتحيّر النبيّ أياماً طويلة أو عشرين يوماً على ما في الرواية الأُولى التي رواها أبو داود، و هو لا يدري كيف يحقّق المسئولية الملقاة على عاتقه، فتارة يتوسّل بهذا، و أُخرى بذاك حتى يُرشد إلى الأسباب و الوسائل التي تؤمِّن مقصوده، مع أنّه سبحانه

ص: 27

يقول في حقّه: (وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (1) و المقصود من الفضل هو العلم بقرينة ما قبله:

(وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ).

إنّ الصلاة و الصيام من الأُمور العبادية و ليسا كالحرب و القتال الذي ربّما كان النبي يتشاور فيه مع أصحابه و لم يكن تشاوره في كيفية القتال عن جهله بالأصلح، و إنّما كان لأجل جلب قلوبهم كما يقول سبحانه:

(وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ).(2)

أ ليس من الوهن في أمر الدين أن تكون الرؤيا و الأحلام و المنامات من أفراد عاديين، مصدراً لأمر عبادي في غاية الأهمية كالأذان و الإقامة؟!...9.

ص: 28


1- . النساء: 113.
2- . آل عمران: 159.

إنّ هذا يدفعنا إلى القول بأنّ كون الرؤيا مصدراً للأذان أمر مكذوب على الشريعة. و من القريب جداً أنّ عمومة عبد اللّه بن زيد هم الذين أشاعوا تلك الرؤيا و روّجوها، لتكون فضيلة لبيوتاتهم و قبائلهم. و لذلك نرى في بعض المسانيد أنّ بني عمومته هم رواة هذا الحديث، و أنّ من اعتمد عليهم انّما كان لحسن ظنّه بهم.

الثانية: انّها متعارضة جوهراً

إنّ ما مضى من الروايات حول بدء الأذان و تشريعه متعارضة جوهراً من جهات:

1. إنّ مقتضى الرواية الأُولى (رواية أبي دواد) أنّ عمر بن الخطاب رأى الأذان قبل عبد اللّه بن زيد بعشرين يوماً. و لكن مقتضى الرواية الرابعة (رواية ابن ماجة) أنّه رأى في نفس الليلة التي رأى فيها عبد اللّه بن زيد.

2. إنّ رؤيا عبد اللّه بن زيد هو المبدأ للتشريع، و أنّ عمر بن الخطاب لمّا سمع الأذان جاء إلى رسول اللّه و قال:

ص: 29

إنّه أيضاً رأى نفس تلك الرؤيا و لم ينقلها إليه استحياءً.

3. إنّ المبدأ لتشريع الأذان، هو نفس عمر بن الخطاب، لا رؤياه، لأنّه هو الذي اقترح النداء بالصلاة الذي هو عبارة أُخرى عن الأذان.

روى الترمذي في سننه و قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة... إلى أن قال: و قال بعضهم:

اتّخذوا قرناً مثل قرن اليهود، قال: فقال عمر بن الخطاب: أ وَ لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ قال: فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): يا بلال قم فناد بالصلاة، أي الأذان.(1)

و رواه النسائي(2) و البيهقي(3) في سننهما.

نعم فسّر ابن حجر النداء بالصلاة ب «الصلاة جامعة»(4) و لا دليل على هذا التفسير.7.

ص: 30


1- . الترمذي: السنن: 1/362 رقم 190، النسائي: السنن: 2/3، البيهقي: السنن: 1/389 في باب بدء الأذان الحديث الأوّل.
2- . الترمذي: السنن: 1/362 رقم 190، النسائي: السنن: 2/3، البيهقي: السنن: 1/389 في باب بدء الأذان الحديث الأوّل.
3- . الترمذي: السنن: 1/362 رقم 190، النسائي: السنن: 2/3، البيهقي: السنن: 1/389 في باب بدء الأذان الحديث الأوّل.
4- . السيرة الحلبية: 2/297.

4. إنّ مبدأ التشريع هو نفس النبي الأكرم.

روى البيهقي:... فذكروا أن يضربوا ناقوساً أو ينوّروا ناراً فأُمر بلال أن يشفع الأذان و يوتر الإقامة.

قال: و رواه البخاري عن محمد عن عبد الوهاب الثقفي، و رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم.(1)

و مع هذا التناقض في النقل كيف يمكن الاعتماد على هذه النقول؟ 5. انّ عمر كان حاضراً عند نقل عبد اللّه بن زيد رؤياه للنبي حسب الحديث الأوّل و لكنّه كان غائباً حسب الحديث الثاني، حيث خرج من بيته لمّا سمع أذان بلال بعد نقل عبد اللّه رؤياه.

الثالثة: انّ الرائي كان أربعة عشر شخصاً لا واحداً

يظهر ممّا رواه الحلبي أنّ الرائي للأذان لم يكن منحصراً بابني زيد و الخطاب، بل ادّعى أبو بكر أنّه أيضاً

ص: 31


1- . البيهقي: السنن: 1/390، الحديث 1.

رأى نفس ما رأياه، و قيل: سبعة من الأنصار، و قيل: أربعة عشر(1) كلّهم ادّعوا أنّهم رأوا في الرؤيا الأذان، و ليست الشريعة شرعة لكل وارد، فإذا كانت الشريعة و الأحكام خاضعة لرؤيا كل وارد فعلى الإسلام السلام.

الرابعة: التعارض بين نقل البخاري و غيره

إنّ صريح صحيح البخاري أنّ النبي أمر بلالاً في مجلس التشاور بالنداء للصلاة و عمر حاضر حين صدور الأمر، فقد روى عن ابن عمر: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلّموا يوماً في ذلك فقال بعضهم: اتّخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، و قال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أ وَ لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟

ص: 32


1- . السيرة الحلبية: 2/300.

فقال رسول اللّه: يا بلال قم فناد بالصلاة.(1)

و صريح أحاديث الرؤيا: أنّ النبي إنّما أمر بلالاً بالنداء إذ قصّ عليه ابن زيد رؤياه و لم يكن عمر حاضراً و إنّما سمع الأذان و هو في بيته، خرج و هو يجرّ ثوبه و يقول: و الذي بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى.(2)

و ليس لنا حمل ما رواه البخاري على النداء ب «الصلاة جامعة» و حمل أحاديث الرؤيا على التأذين بالأذان، فانّه جمع بلا شاهد أوّلاً، و لو أمر النبي بلالاً برفع صوته ب «الصلاة جامعة» لحلّت العقدة ثانياً، و رفعت الحيرة خصوصاً إذا كررت الجملة «الصلاة جامعة» و لم يبق موضوع للحيرة، و هذا دليل على أنّ أمره بالنداء، كان بالتأذين بالأذان المشروع.(3)7.

ص: 33


1- . البخاري: الصحيح: 1/120 باب بدء الأذان.
2- . لاحظ الحديث رقم 2.
3- . شرف الدين: النص و الاجتهاد: 137.

6 مناقشة الأسانيد

ما ذكرنا من الوجوه الخمسة ترجع إلى دراسة مضمون الأحاديث و هي كافية في سلب الركون إليها.

و إليك دراسة أسنادها واحداً بعد الآخر. و هي بين موقوف لا يتّصل سندها بالنبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، و مسند مشتمل على مجهول أو مجروح أو ضعيف متروك، و إليك البيان حسب الترتيب السابق.

أمّا الرواية الأُولى التي رواها أبو داود فهي ضعيفة:

1. تنتهي الرواية إلى مجهول أو مجاهيل، لقوله: عن عمومة له من الأنصار.

ص: 34

2. يروي عن العمومة، أبو عمير بن أنس، فيذكره ابن حجر و يقول فيه: روى عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في رؤية الهلال و في الأذان.

و قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

و قال ابن عبد البر: مجهول لا يحتج به(1).

و قال جمال الدين: و هذا ما حدّث به في الموضوعين: رؤية الهلال و الأذان جميع ما له عندهم.(2)

أمّا الرواية الثانية: فقد جاء في سندها من لا يصح الاحتجاج به، نظراء:

1. محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي: أبو عبد اللّه المتوفّى حدود عام 120 ه.

قال أبو جعفر العقيلي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي و ذكر محمد بن إبراهيم التيمي المدني5.

ص: 35


1- . ابن حجر: تهذيب التهذيب: 12/188 برقم 867.
2- . جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 34/142 برقم 7545.

فقال: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو منكرة.(1)

2. محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، فانّ أهل السنّة لا يحتجون برواياته، و إن كان هو الأساس ل «سيرة ابن هشام المطبوعة».

قال أحمد بن أبي خيثمة:... و سئل يحيى بن معين عنه، فقال: ليس بذاك، ضعيف. قال: و سمعت يحيى بن معين مرة أُخرى يقول: محمد بن إسحاق عندي سقيم ليس بالقوي.

و قال أبو الحسن الميموني: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف. و قال النسائي: ليس بالقوي.(2)

3. عبد اللّه بن زيد، راوية الحديث و كفى في حقّه1.

ص: 36


1- . تهذيب الكمال: 24/304.
2- . المصدر نفسه: 42424/423، و لاحظ تاريخ بغداد: 2241/221.

أنّه قليل الحديث، قال الترمذي: لا نعرف له عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) شيئاً يصح إلاّ هذا الحديث الواحد في الأذان، قال الحاكم: الصحيح: أنّه قُتل بأُحد، و الروايات عنه كلّها منقطعة، قال ابن عدي: لا نعرف له شيئاً يصح عن النبيّ إلاّ حديث الأذان.(1)

و روى الترمذي عن البخاري: لا نعرف له إلاّ حديث الأذان.(2)

و قال الحاكم: عبد اللّه بن زيد هو الذي أُرِيَ الأذان، الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول. و لم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده.(3)

و أمّا الرواية الثالثة: فقد اشتمل السند على محمد ابن إسحاق بن يسار، و محمد بن إبراهيم التيمي، و قد تعرّفت على حالهما كما تعرفت على أنّ عبد اللّه بن زيد كان6.

ص: 37


1- . السنن: الترمذي: 1/361; ابن حجر: تهذيب التهذيب: 5/224.
2- . تهذيب الكمال: 14/541.
3- . الحاكم: المستدرك: 3/336.

قليل الرواية، و الروايات كلّها عنه منقطعة، لأنّه قتل بأُحد.

و أمّا الرواية الرابعة: فقد جاء في سندها:

1. عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد اللّه المدني.

قال يحيى بن سعيد القطان: سألت عنه بالمدينة، فلم أرهم يحمدونه. و كذلك قال علي بن المديني.

و قال علي أيضاً: سمعت سفيان و سئل عن عبد الرحمن بن إسحاق، قال: كان قدرياً فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا مقتل الوليد، فلم نجالسه.

و قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: روى عن أبي الزناد أحاديث منكرة.

و قال أحمد بن عبد اللّه العجلي: يكتب حديثه، و ليس بالقوي.

و قال أبو حاتم: يكتب حديثه، و لا يحتجّ به.

و قال البخاري: ليس ممّن يعتمد على حفظه... لا يعرف له بالمدينة تلميذ إلاّ موسى الزمعىّ، روى عنه أشياء

ص: 38

في عدّة منها اضطراب.

و قال الدارقطني: ضعيف يرمى بالقدر.

و قال أحمد بن عدي: في حديثه بعض ما ينكر و لا يتابع.(1)

2. محمد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي (150 240 ه) فيعرّفه جمال الدين المزّي بقوله: قال ابن معين: لا شيء، و أنكر روايته عن أبيه. و قال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: ذاك رجل سوء كذّاب...، و أخرج أشياء منكرة.

و قال أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي: و سألته يعني أبا زرعة عن محمد بن خالد، فقال:

رجل سوء.

و ذكره ابن حبان في كتاب الثقات و قال: يخطئ و يخالف.(2)

و قال الشوكاني بعد نقل الرواية: و في اسناده ضعف8.

ص: 39


1- . تهذيب الكمال: 16/519 برقم 3755.
2- . المصدر نفسه: 25/139 برقم 5178.

جدّاً(1).

و أمّا الرواية الخامسة: فقد جاء في سندها:

1. محمد بن إسحاق بن يسار.

2. محمد بن الحارث التيمي.

3. عبد اللّه بن زيد.

و قد تعرّفت على جرح الأوّلين، و انقطاع السند في كل ما يرويان عن الثالث، و بذلك يتّضح حال السند السادس فلاحظ.

هذا ما ورد في السنن. أمّا ما ورد في غيرها فنذكر منه ما رواه الإمام أحمد، و الدارمي، و الدارقطني في مسانيدهم، و الإمام مالك في موطّئه، و ابن سعد في طبقاته، و البيهقي في سننه، و إليك البيان:7.

ص: 40


1- . الشوكاني: نيل الأوطار: 382/37.

7 روايات الأذان في غير الكتب الستّة

اشارة

قد عرفت من الحاكم انّ الشيخين: البخاري و مسلماً لم يخرّجا حديث عبد اللّه بن زيد لاختلاف الناقلين في أسانيدهما و إنّما أخرجه من أصحاب الكتب الستة; أبو داود و الترمذي و ابن ماجة أصحاب السنن، و قد عرفت وجود التناقض في مضامينها و الضعف في أسانيدها، فهلم معي ندرس ما رواه أصحاب المسانيد و غيرهم ممّن تعدّ كتبهم دون الكتب الستة في الإتقان و الصحّة.

ألف: ما رواه الإمام أحمد في مسنده

روى الإمام أحمد رؤيا الأذان في مسنده عن عبد اللّه

ص: 41

ابن زيد بأسانيد ثلاثة(1):

1. قد ورد في السند الأوّل زيد بن الحباب بن الريان التميمي (المتوفّى 203 ه).

و قد وصفوه بكثرة الخطأ و له أحاديث تستغرب عن سفيان الثوري من جهة اسنادها، و قال ابن معين:

أحاديثه عن الثوري مقلوبة.(2)

كما اشتمل على عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن زيد ابن عبد ربّه، و ليس له في الصحاح و المسانيد إلاّ رواية واحدة و هي هذه، و فيها فضيلة لعائلته، و لأجل ذلك يقلُّ الاعتماد عليها.

كما اشتمل الثاني على محمد بن إسحاق بن يسار الذي تعرَّفت عليه.

و اشتمل الثالث على محمد بن إبراهيم الحارث7.

ص: 42


1- . الإمام أحمد: المسند: 434/42.
2- . الذهبي: ميزان الاعتدال: 2/100 برقم 2997.

التيمي، مضافاً إلى محمد بن إسحاق، و ينتهي إلى عبد اللّه ابن زيد، و هو قليل الحديث جداً.

و قد جاء في الرواية الثانية بعد ذكر الرؤيا و تعليم الأذان لبلال:

إنّ بلالاً أتى رسول اللّه فوجده نائماً، فصرخ بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، فأُدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر. و كفى في ضعف الرواية ما في ذيلها.

ب: ما رواه الدارمي في مسنده

روى رؤيا الأذان الدارمي في مسنده بأسانيد، و كلها ضعاف، و إليك الأسانيد وحدها:

1. أخبرنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة، حدّثني محمد ابن إسحاق و قد كان رسول اللّه حين قدمها... الخ.

2. نفس هذا السند و جاء بعد محمد بن إسحاق: حدّثني هذا الحديث، محمد بن إبراهيم بن الحارث

ص: 43

التيمي، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه، عن أبيه بهذا الحديث.

3. أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدّثنا أبي عن ابن إسحاق... و الباقي نفس ما جاء في السند الثاني.(1)

و الأوّل منقطع، و الثاني مشتمل على محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي و قد عرفت حاله، و الثالث مشتمل على ابن إسحاق و قد عرفت حاله.

ج: ما رواه الإمام مالك في الموطأ

روى الإمام مالك رؤيا الأذان في موطّئه: عن يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد أنّه قال: كان رسول اللّه قد أراد أن يتّخذ خشبتين يضرب بهما....(2)

ص: 44


1- . الدارمي: السنن: 2691/268 باب بدء الأذان.
2- . مالك: الموطأ: 75 باب ما جاء في النداء للصلاة برقم 1.

و السند منقطع، و المراد يحيى بن سعيد بن قيس المولود قبل عام 70 و توفّي بالهاشمية سنة 143 ه.(1)

د. ما رواه ابن سعد في طبقاته

رواه محمد بن سعد في طبقاته بأسانيد(2) موقوفة لا يحتجّ بها:

الأوّل: ينتهي إلى نافع بن جبير الذي توفّي في عشر التسعين و قيل سنة 99 ه.

و الثاني: ينتهي إلى عروة بن الزبير الذي تولّد عام 29 و توفّي عام 93 ه.

و الثالث: ينتهي إلى زيد بن أسلم الذي توفّي عام 136 ه.

و الرابع: ينتهي إلى سعيد بن المسيب الذي توفّي

ص: 45


1- . سير أعلام النبلاء: 5/468 برقم 213.
2- . الطبقات الكبرى: 2471/246.

عام 94، و إلى عبد الرحمن ابن أبي ليلى الذي توفّي عام 82، أو 83 ه.

و قال الذهبي في ترجمة عبد اللّه بن زيد: حدّث عنه سعيد بن المسيب و عبد الرحمن بن أبي ليلى و لم يلقه.(1)

و روى أيضاً بالسند التالي:

أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، أخبرنا مسلم بن خالد، حدّثني عبد الرحيم بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر: أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أراد أن يجعل شيئاً يجمع به الناس... حتى أُريَ رجل من الأنصار يقال له عبد اللّه بن زيد، و أُريه عمر بن الخطاب تلك الليلة... إلى أن قال: فزاد بلال في الصبح «الصلاة خير من النوم» فأقرّها رسول اللّه.

فقد اشتمل السند على:ي.

ص: 46


1- . سير أعلام النبلاء: 2/376 برقم 79، و سيوافيك تفصيله في المقام الثاني.

1. مسلم بن خالد بن قرقرة: و يقال: ابن جرحة.

ضعّفه يحيى بن معين.

و قال علي بن المديني: ليس بشيء.

و قال البخاري: منكر الحديث.

و قال النسائي: ليس بالقوي.

و قال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، منكر الحديث يكتب حديثه و لا يحتج به، تعرف و تنكر.(1)

2. محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب الزهري المدني (51 123 ه).

قال أنس بن عياض، عن عبيد اللّه بن عمر: كنت أرى الزهري يعطي الكتاب فلا يقرؤه و لا يقرأ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك، فيقول: نعم.

و قال إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني عن الفريابي:5.

ص: 47


1- . جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 27/508 برقم 5925.

سمعت سفيان الثوري يقول: أتيت الزهري فتثاقل علىّ، فقلت له: لو أنّك أتيت أشياخنا، فصنعوا بك مثل هذا; فقال: كما أنت، و دخل فأخرج إلىَّ كتاباً، فقال: خذ هذا فاروه عنّي، فما رويت عنه حرفا.(1)

ه: ما رواه البيهقي في سننه

روى البيهقي رؤيا الأذان بأسانيد لا يخلو الكل عن علّة أو علاّت، و إليك الإشارة إلى الضعاف الواردين في أسانيدها:

الأوّل: يشتمل على أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، و قد تعرفت على أبي عمير بن أنس، و أنّه قال فيه ابن عبد البر: و إنّه مجهول لا يحتجّ به(2) يروي عن مجاهيل(3) باسم العمومة، و لا دليل على كون هؤلاء من

ص: 48


1- . المصدر نفسه: 44026/439.
2- . البيهقي: السنن: 1/390.
3- . ابن حجر: تهذيب التهذيب: 12/188 برقم 868.

الصحابة، و إن افترضنا عدالة كل صحابي، و على فرض التسليم أنّ العمومة كانوا منهم، لكن موقوفات الصحابي ليست بحجّة، إذ لا علم بأنّه روى عن النبي.

الثاني: يشتمل على أُناس لا يحتج بهم:

1. محمد بن إسحاق بن يسار.

2. محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي.

3. عبد اللّه بن زيد.

و قد تعرّفت على الجميع.

الثالث: مشتمل على ابن شهاب الزهري، يروي عن سعيد بن المسيب المتوفّى عام 94 ه عن عبد اللّه بن زيد.(1) و قد عرفت أنّهما لم يدركا عبد اللّه بن زيد.

و: ما رواه الدارقطني في سننه:

روى الدارقطني رؤيا الأذان بأسانيد، إليك بيانها:

1. حدّثنا محمد بن يحيى بن مرداس، حدّثنا أبو

ص: 49


1- . البيهقي: السنن: 1/390.

داود، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا حماد بن خالد، حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن عبد اللّه، عن عمِّه عبد اللّه ابن زيد.

2. حدّثنا محمد بن يحيى: حدثنا أبو داود، حدثنا عبيد اللّه ابن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا محمد بن عمرو، قال: سمعت عبد اللّه بن محمد، قال: كان جدي عبد اللّه ابن زيد بهذا الخبر.(1)

و قد اشتمل السندان على محمد بن عمرو، و هو مردّد بين الأنصاري، الذي ليس له في الصحاح و المسانيد إلاّ هذه الرواية، قال الذهبي: لا يكاد يعرف; و بين محمد ابن عمرو أبو سهل الأنصاري الذي ضعّفه يحيى القطان، و ابن معين و ابن عدي.(2)0.

ص: 50


1- . الدارقطني: السنن: 1/245 برقم 56 و 57.
2- . الذهبي: ميزان الاعتدال: 3/674 برقم 8017 و 8018; جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 26/220 برقم 5516; ابن حجر: تهذيب التهذيب: 9/378 برقم 620.

3. حدّثنا أبو محمد بن صاعد، حدثنا الحسن بن يونس، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: قام رجل من الأنصار، عبد اللّه بن زيد، يعني إلى النبي فقال: يا رسول اللّه إنّي رأيت في النوم....(1)

و هذا السند منقطع، لأنّ معاذ بن جبل توفّي عام 20 أو 18 ه و تولّد عبد الرحمن بن أبي ليلى، سنة 17 ه; مضافاً إلى أنّ الدارقطني ضعّف عبد الرحمن و قال: ضعيف الحديث سيّئ الحفظ، و ابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد اللّه بن زيد.(2)

إلى هنا تم الكلام في المقام الأوّل، و اتّضح أنّ الأذان انّما شرع بوحي إلهي، لا برؤيا عبد اللّه بن زيد و لا1.

ص: 51


1- . الدارقطني: السنن: 1/242 برقم 31.
2- . الدارقطني: السنن: 1/241.

برؤيا عمر بن الخطاب و لا غيرهما كائناً من كان، و انّ هذه الأحاديث، متعارضة جوهراً، غير تامّة سنداً، لا يثبت بها شيء، مضافاً إلى ما ذكرنا في صدر البحث من الاستنكار العقلي، فلاحظ.

و حان البحث عن كيفية دخول التثويب في أذان الفجر، و هذا هو المقام الثاني الذي نتلوه عليك فنقول:

ص: 52

المقام الثاني:

1 دراسة تاريخ دخول التثويب في أذان صلاة الفجر

اشارة

التثويب من ثاب يثوب: إذا رجع فهو بمعنى الرجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فانّ المؤذّن إذا قال: «حيّ على الصلاة» فقد دعاهم إليها، فإذا قال:» الصلاة خير من النوم» فقد رجع إلى كلام معناه:

المبادرة إليها.

و فسّره صاحب القاموس: بمعان منها: الدعاء إلى الصلاة، و تثنية الدعاء، و أن يقول في أذان الفجر:

«الصلاة خير من النوم مرتين».

و قال في المغرب: التثويب: القديم، هو قول المؤذن

ص: 53

في أذان الصبح: «الصلاة خير من النوم مرتين» و المحدَث «الصلاة الصلاة» أو «قامت قامت».(1)

و الظاهر أنّه غلب استعماله بين أئمّة الحديث في القول المذكور أثناء الأذان، ربّما يطلق على مطلق الدعوة بعد الدعوة، فيعمّ ما إذا نادى المؤذِّن بعد تمام الأذان بالقول المذكور أيضاً أو بغيره ممّا يفيد الدعوة إليها بأىّ لفظ شاء.

قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: التثويب هو العود إلى الإعلام بعد الإعلام، و قول المؤذِّن «الصلاة خير من النوم» لا يخلو عن ذلك. فسمّي تثويباً.(2)

فالمقصود في المقام تبيين حكم قول المؤذِّن أثناء الأذان لصلاة الفجر: «الصلاة خير من النوم»، فهل هوة.

ص: 54


1- . البحراني: الحدائق: 7/419. و لاحظ النهاية في غريب الحديث: 1/226، لسان العرب مادة «ثوب»، و القاموس مادة «ثوب».
2- . السنن: 2/14 قسم التعليقة.

مشروع، أو بدعة حدثت بعد النبي لما استحسنه بعض الناس من إقراره في الأذان، سواء أ كان هو التثويب فقط أو عمَّ مطلق الدعوة إلى الصلاة و لو بعد تمام الأذان، بهذا اللفظ أو بغيره؟ فنقول: التثويب بهذا المعنى ورد تارة في خلال أحاديث رؤية الأذان، و أُخرى في غيرها، أمّا الأوّل فقد ورد في ما يلي:

1. ما رواه ابن ماجة (الرواية الرابعة) و قد عرفت نصَّ الشوكاني على ضعفها.(1)

2. ما رواه الإمام أحمد: و قد عرفت ما في سنده من الضعف حيث جاء فيه: محمد بن إسحاق، و عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه.(2)

3. ما رواه ابن سعد في طبقاته: و في سنده: مسلم1.

ص: 55


1- . لاحظ الرواية الرابعة ص 25 و كلمة الشوكاني ص 39 من هذه الرسالة.
2- . لاحظ ما نقلناه عن الإمام أحمد، بعد أحاديث السنن ص 41.

ابن خالد بن قرقرة و قد عرفت ضعفه.(1)

و أمّا الثاني أي نقل التثويب في غير رؤية الأذان فقد نقله أصحاب السنن، و إليك النصوص:

4. ما رواه ابن ماجة: بالسند التالي: حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن عبد اللّه الأسدي، عن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، قال: أمرني رسول اللّه أن أثوب في الفجر و نهاني أن أثوب في العشاء.(2)

و في هذه الرواية دلالة على أنّ التثويب يستعمل في مطلق الدعوة إلى الصلاة، و إن لم يكن بلفظ «الصلاة خير من النوم» بشهادة النهي عن التثويب في العشاء، لأنّ التثويب فيه لا يتحقّق إلاّ بلفظ آخر، مثل «الصلاة جامعة»، أو «قد قامت الصلاة» و غيرهما.

5. حدثنا عمر بن رافع، حدثنا عبد اللّه بن المبارك، عن5.

ص: 56


1- . لاحظ ص 47 من هذا الكتاب.
2- . ابن ماجة: السنن: 1/237 برقم 715.

معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن بلال: أنّه أتى النبيّ يؤذِنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فأُقرّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك.(1)

و السندان منقطعان أمّا الأوّل: فابن أبي ليلى ولد عام 17 و مات بلال عام 20 أو 21 بالشام و كان مرابطاً بها قبل ذلك من أوائل فتوحها، فهو شامي و ابن أبي ليلى كوفي، فكيف يسمع منه مع حداثة السن و تباعد الديار؟!(2) و رواه الترمذي مع اختلاف في أوّل السند، و قال: حديث بلال لا نعرفه إلاّ من حديث أبي إسرائيل الملاّئي، و أبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم (ابن عتيبة) قال: إنّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم.

و أبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق،8.

ص: 57


1- . ابن ماجة: السنن: 1/237 برقم 716.
2- . الشوكاني: نيل الأوطار: 2/38.

و ليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث.(1)

أمّا الثاني فقد قال فيه ابن ماجة نقلاً عن الزوائد: اسناده ثقات إلاّ أنّ فيه انقطاعاً (لأنّ) سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال.(2)

6. ما رواه النسائي: أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد اللّه، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن أبي سلمان، عن أبي محذورة، قال: كنت أُؤذّن لرسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و كنت أقول في أذان الفجر الأوّل: حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه.(3)

و في سنن البيهقي(4) و سبل السلام(5) مكان» أبي1.

ص: 58


1- . الترمذي: السنن: 1/378، برقم 198.
2- . ابن ماجة: السنن: 1/237، برقم 716. ولد سعيد بن المسيب عام 13 و توفّي عام 94 ه.
3- . النسائي: السنن: 2/13 باب التثويب في الأذان.
4- . البيهقي: السنن: 1/422; الصنعاني: سبل السلام: 1/221.
5- . البيهقي: السنن: 1/422; الصنعاني: سبل السلام: 1/221.

سلمان»: «أبي سليمان».

قال البيهقي: و أبو سليمان اسمه «همام المؤذن» و لم نجد ترجمة لهمام المؤذّن فيما بأيدينا من كتب الرجال فلم يذكره الذهبي في» سير أعلام النبلاء»، و لا المزّي في «تهذيب الكمال»، و الرجل غير معروف.

و أمّا أبو محذورة فهو من الصحابة لكنّه قليل الرواية، لا يتجاوز ما رواه عن عشر روايات و قد أذّن لرسول اللّه في العام الثامن، في غزوة حنين.(1)

7. ما رواه البيهقي في سننه بسند ينتهي إلى أبي قدامة، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده قال: قلت: يا رسول اللّه علّمني سنّة الأذان، و ذكر الحديث و قال فيه: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم...8.

ص: 59


1- . ابن حزم الأندلسي: أسماء الصحابة الرواة: 161 برقم 188.

8. ما رواه أيضاً بسند ينتهي إلى عثمان بن السائب: أخبرني أبي و أُم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نحوه.(1)

و محمد بن عبد الملك قد تعرّفت على حاله. و عثمان ابن السائب ولداً و والداً، غير معروفين ليس لهما إلاّ رواية واحدة.(2)

9. ما رواه أبو داود بسند ينتهي إلى الحرث بن عبيد، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول اللّه علّمني سنّة الأذان إلى أن قال: فإن كان صلاة الصبح قلت:

الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم...(3).0.

ص: 60


1- . البيهقي: السنن: 4221/421 باب التثويب في أذان الصبح.
2- . الذهبي: ميزان الاعتدال: 2/114، برقم 3075 (السائب); ابن حجر: تهذيب التهذيب: 7/117 برقم 252 (عثمان بن السائب).
3- . أبو داود: السنن: 1/136، برقم 500.

و السند مشتمل على محمد بن عبد الملك، قال ابن حجر: قال عبد الحق: لا يحتج بهذا الاسناد، و قال ابن القطان: مجهول الحال، لا نعلم روى عنه إلاّ الحارث.(1)

و قال الشوكاني في حقّ محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة: غير معروف الحال، و الحرث بن عبيد و فيه مقال.(2)

10. روى أيضاً بسند ينتهي إلى عثمان بن سائب: أخبرني أبي و أُم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة، عن النبي. نحو هذا الخبر.(3)

و قد عرفت ضعف السند.

11. روى أيضاً بسند ينتهي إلى إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنّه سمع أبا محذورة01

ص: 61


1- . ابن حجر: تهذيب التهذيب: 9/317.
2- . الشوكاني: نيل الأوطار: 2/38.
3- . أبو داود: السنن: 1371/136، باب كيفية الأذان برقم 501

يقول: ألقى علىّ رسول اللّه الأذان حرفاً حرفاً إلى أن قال: و كان يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم....(1)

و إبراهيم بن إسماعيل له رواية واحدة، و هو بعد لم يوثّق(2) مضافاً إلى احتمال الانقطاع في السند.

و ما رواه الدارقطني فعلى أقسام:

12. ما يدلّ على أنّه سنّة في الأذان، رواه عن أنس و عمر من دون أن ينسباه إلى النبي و هي ثلاثة أحاديث.(3)

13. ما يدلّ على أنّ النبي أمر بلالاً بذلك لكن السند منقطع. رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال (4) مع ضعف في سنده لمكان عبد الرحمن بن الحسن فيه1.

ص: 62


1- . أبو داود: السنن: 1371/136، باب كيفية الأذان برقم 504.
2- . جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 2/44 برقم 147.
3- . الدارقطني: السنن: 1/243 برقم 403938.
4- . الدارقطني: السنن: 1/243 برقم 41.

المكنّى ب «أبي مسعود الزجاج» و قد عرّفه أبو حاتم: بأنّه لا يحتج به، و إن ليّنه الآخرون.(1)

14. ما يدلّ على الإعلام قبل الأذان، بأي شكل اتّفق، و هو خارج عن المقصود، و قد ضعّف بعض من جاء في سنده.(2)

ما رواه الدارمي:

15. روى الدارمي بسند ينتهي إلى الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن... قال حفص:

حدّثني أهلي، أنّ بلالاً أتى رسول اللّه يؤذنه لصلاة الفجر فقالوا: إنّه نائم، فنادى بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. فأُقرّت في أذان صلاة الفجر.(3)

و الرواية لا يحتج بها لمكان الزهري أوّلاً، و حفص بنر.

ص: 63


1- . انظر ميزان الاعتدال: 2/556 برقم 4851.
2- . الدارقطني: السنن: 2451/244 برقم 48، 51، 52، 53.
3- . الدارمي: السنن: 1/270، باب التثويب في أذان الفجر.

عمر الذي ليس له إلاّ رواية واحدة و هي هذه(1) مضافاً إلى كون الأصل الناقل مجهولاً.

16. ما رواه الإمام مالك: انّ المؤذّن جاء إلى عمر ابن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم. فأمر عمر أن يجعلها في نداء الصبح.(2)

حصيلة الروايات:

إنّ روايات التثويب متعارضة جداً لا يمكن إرجاعها إلى معنى واحد، و إليك أقسامها:

1. ما يدلّ على أنّ عبد اللّه بن زيد رآه في رؤياه و أنّه كان جزءاً من الأذان من أوّل الأمر.

2. ما يدلّ على أنّ بلالاً زاده فيه و قرّره النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)

ص: 64


1- . جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 7/30 برقم 1399، و قال الذهبي في ميزان الاعتدال: 1/560 برقم 2129: تفرّد عن حفص، الزهري.
2- . الإمام مالك: الموطأ: 78 برقم 8.

على أن يجعله بلال جزءاً من الأذان كما في رواية الدارمي.

3. ما يدلّ على أنّ عمر بن الخطاب أمر المؤذّن أن يجعلها في نداء الصبح كما رواه الإمام مالك.

4. ما يدلّ على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) علّمها أبا محذورة، كما رواه البيهقي في سننه.

5. ما يظهر أنّ بلالاً ينادي بالصبح فيقول: «حىَّ على خير العمل» فأمره النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يجعل مكانها:» الصلاة خير من النوم» و ترك «حيّ على خير العمل» كما رواه المتقي الهندي في كنزه (8/345 برقم 23188).

و مع هذا التعارض الواضح، لا يمكن الركون إليها، و بما أنّ أمرها دائر بين السنّة و البدعة، فتركها متعيّن لعدم العقاب على تركها، بخلاف ما لو كانت بدعة.

ص: 65

2 كلمات الأعلام في التثويب

إنّ بين الصحابة و التابعين من يراه بدعة و أنّه لم يأمر به النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و إنّما حدث بعده (صلى الله عليه و آله و سلم)، و إليك نصوصهم:

1. قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن حفص أنّ سعداً (المؤذّن) أوّل من قال: الصلاة خير من النوم، في خلافة عمر، فقال عمر: بدعة، ثمّ تركه، و انّ بلالاً لم يؤذّن لعمر.

2. و عنه أيضاً: أخبرني حسن بن مسلم أنّ رجلاً سأل طاوساً: متى قيل الصلاة خير من النوم؟ فقال:

أما إنّها لم تقل على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و لكنّ بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقولها رجل غير

ص: 66

مؤذن، فأخذها منه. فأذّن بها فلم يمكث أبو بكر إلاّ قليلاً حتى إذا كان عمر قال: لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث، و كأنّه نسيه و أذّن بها الناس حتى اليوم.(1)

3. روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ليث عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فسمع رجلاً يثوب في المسجد، فقال: اخرج بنا من (عند) هذا المبتدع.(2)

نعم يظهر ممّا رواه أبو داود في سننه أنّ الرجل ثوب في الظهر و العصر لا في صلاة الفجر.(3)

4. ما روي عن أبي حنيفة كما في جامع المسانيد عنه عن حماد عن إبراهيم قال: سألته عن التثويب؟8.

ص: 67


1- . المتقي الهندي: كنز العمال: 8/357 برقم 23252 و 23251; و رواه عبد الرزاق في المصنف: 1/474 برقم 1827 و 1828 و 1829.
2- . عبد الرزاق الصنعاني: المصنف: 1/475 برقم 1832، و رواه أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال: 8/357 برقم 23250.
3- . أبو داود: السنن: 1/148 برقم 538.

فقال: هو ممّا أحدثه الناس، و هو حسن، ممّا أحدثوه. و ذكر أنّ تثويبهم كان حين يفرغ المؤذّن من أذانه: إنَّ الصلاة خير من النوم مرتين. قال: أخرجه الإمام محمد بن الحسن (الشيباني) في الآثار فرواه عن أبي حنيفة ثمّ قال محمد: و هو قول أبي حنيفة رضي اللّه عنه و به نأخذ.(1)

و هذه الرواية تدلّ على أنّ التثويب في عصر الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) أو في عصر الخلفاء كان بعد الفراغ عن الأذان و لم يكن جزءاً منه و انّما كان يذكره المؤذّن من عند نفسه إيقاظاً للناس من النوم.

ثمّ إنّه أُدرج في نفس الأذان.

5. قال الشوكاني نقلاً عن البحر الزخار: أحدثه عمر فقال ابنه: هذه بدعة. و عن علي (عليه السلام) حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه. ثمّ قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة و بلال: قلنا لو كان لما أنكره علي و ابن عمر6.

ص: 68


1- . الخوارزمي: جامع المسانيد: 1/296.

و طاووس سلمنا فأُمرنا به إشعاراً في حال، لا شرعاً جمعاً بين الآثار.(1)

6. و قال الأمير اليمني الصنعاني (المتوفّى عام 182 ه): قلت: و على هذا ليس «الصلاة خير من النوم» من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة و الإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأوّل. ثمّ قال: و إذا عرفت هذا، هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هو من ألفاظ الأذان أو لا، و هل هو بدعة أو لا؟(2) 7. نقل ابن قدامة عن إسحاق أنّه بعد ما نقل رواية أبي محذورة قال: هذا شيء أحدثه الناس، و قال أبو عيسى: هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم و هو الذي0.

ص: 69


1- . الشوكاني: نيل الأوطار: 2/38.
2- . الصنعاني: سبل السلام في شرح بلوغ المرام: 1/120.

خرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه.(1)

8. ما استفاض من أئمّة أهل البيت من كونها بدعة: روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة؟ فقال: «ما نعرفه».(2)

9. و الذي تبيّن لي من دراسة ما ورد حول الأذان: أنّ عائلتين استغلّتا ما روي عن جدّهم عبد اللّه بن زيد و أبي محذورة فعَمِدتا بنشر ما نُسِبَ إلى جدهما لما فيه من فضيلة للعائلة، و لو لا ذلك لم يكن لهذين الأمرين (تشريع الأذان بالرؤيا و التثويب في أذان صلاة الفجر) انتشار بهذا النحو الواسع، و لأجل ذلك ربّما يرتاب الإنسان فيما نقل عن جدهما، و قد عرفت وجود رواة في أسانيد الروايات يُنسَبون إلى هاتين العائلتين.ب.

ص: 70


1- . ابن قدامة: المغني: 1/420.
2- . الوسائل: 4/650 الباب 22 من أبواب الأذان و الإقامة، الحديث 1، و لاحظ أحاديث الباب.

10. انّ الفصل الأوّل و الفصل الثاني يشهد على أنّه سبحانه هو الإله في صفحة الوجود و أنّ ما سواه سراب ما أنزل اللّه به من سلطان.

و ثالث الفصول، يشهد على أنّ محمّداً (صلى الله عليه و آله و سلم) رسوله، الذي بعثه لإبلاغ رسالاته و إنجاز دعوته.

ففي نهاية ذلك الفصل يتبدّل نداؤه و إعلانه من الشهادة، إلى الدعوة إلى الصلاة التي فرضها و التي بها يتّصل الانسان بعالم الغيب، و فيها يمتزج خشوعه، بعظمة الخالق، ثمّ الدعوة إلى الفلاح و النجاح، و خير العمل التي تنطوي عليها الصلاة.

و في نهاية الدعوة إلى الفلاح و خير العمل، يعود و يذكر الحقيقة الأبدية التي صرّح بها في أوليات فصوله و يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، لا إله إلاّ اللّه.

هذه هي حقيقة الأذان و صورته و الجميع سبيكة واحدة أفرغتها يد التشريع السماوي في قالب جمل، تحكي

ص: 71

عن حقائق أبدية، تصدّ الإنسان عن الانكباب في شواغل الدنيا و ملاذّها.

هذا ما يحسّه كل إنسان واع منصت للأذان، و متدبّر في فصوله و معانيه، و لكن هنا حقيقة مرّة لا يمكن لي و لا لغيري إخفاؤها بشرط التجرّد عن كل رأي مسبق، أو تعصّب لمذهب و هو أنّ المؤذِّن إذا انحدر من الدعوة إلى الصلاة، و الفلاح و خير العمل في أذان صلاة الفجر إلى الإعلان بأنّ الصلاة خير من النوم، فكأنّما ينحدر من قمة البلاغة إلى كلام عار عن الرفعة و البداعة، يُعلِن شيئاً يعرفه الصبيان و من دونهم، يصيح بجد و حماس على شيء لا يجهله إلاّ من يجهل البديهيات، لأنّ إعلانه بأنّها خير من النوم، أشبه بمن يُعلن في محتشد كبير بأنّ الاثنين نصف الأربعة.

هذا هو الذي أحسسته عند ما تشرفت بزيارة بيت اللّه الحرام عام 1375 ه و أنا أستمع للأذان في الحرمين

ص: 72

الشريفين، و لم تزل تجول في ذهني و مخيّلتي أنّ هذا الفصل ليس من كلام الوحي و انّما أُقحم لسبب من الأسباب، بين فصول الأذان، فهذا ما دعاني إلى البحث و التنقيب في هذا الموضوع و تأليف هذه الرسالة.

ص: 73

خاتمة المطاف بدعة تلو بدعة

إنّ تاريخ الأذان و الإقامة حافل بالبدع، و قد تصرفت فيه يد المبدعين لغايات استحسانية لا يعرَّج إليها في التشريع، و إليك بعض ما أحدث فيه بعد النبي.

1. الأذان الثاني يوم الجمعة جرت السيرة في عهد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و الشيخين على إقامة الأذان حينما يصعد الإمام على المنبر لإلقاء الخطابة، و لما كثر الناس في عهد الخليفة الثالث أمر بأذان ثان و هو الأذان عند دخول الوقت على المأذنة، و هذا هو المعروف بالأذان الثاني للخليفة. و قد روي عن الشافعي من أنّه

ص: 74

استحب أن يكون للجمعة أذان واحد عند المنبر.(1)

إذا كان الأذان من الأُمور التوقيفية فليس ليد التشريع البشري التصرف فيه بزيادة أو نقيصة و كان في وسع الخليفة أن يقوم بعلاج الموقف من وجه آخر، و هو إعلام الناس بالوسائل التي لا تمتّ إلى التشريع الإسلامي بصلة مكان أن يأمر المؤذن بأذان آخر لم يكن من ذي قبل.

و العجب انّ الفقهاء أنفسهم اختلفوا فيما يتعلّق بأذاني الجمعة من أحكام و أيّهما المعتبر في تحريم البيع الوارد في قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ).(2)

2. و قد استحدث علماء الكوفة من الحنفية بعد عهد الصحابة تثويباً آخر، و هو زيادة الحيعلتين أي عبارة» حي على الصلاة، حي على الفلاح» مرّتين بين الأذان و الإقامة في الفجر، و استحسنه متقدّمو الحنفية في9.

ص: 75


1- . المجموع: 3/132.
2- . الجمعة: 9.

الفجر فقط، و كره عندهم في غيره، و المتأخّرون منهم استحسنوه في الصلوات كلّها إلاّ في المغرب لضيق الوقت و ذلك لظهور التواني في الأُمور الدينية، و قالوا: إنّ التثويب بين الأذان و الإقامة في الصلوات يكون بحسب ما يتعارفه أهل كلّ بلد بالتنحنح أو الصلاة الصلاة أو غير ذلك.

3. استحدث أبو يوسف جواز التثويب لتنبيه كل من يشتغل بأُمور المسلمين و مصالحهم كالإمام و القاضي و نحوهما، فيقول المؤذن بعد الأذان:

السلام عليك أيّها الأمير، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يرحمك اللّه. و شارك أبا يوسف في هذا الشافعية و بعض المالكية، و كذلك الحنابلة إن لم يكن الإمام و نحوه قد سمع الأذان، و استبعده محمد بن الحسن، لأنّ الناس سواسية في أمر الجماعة و شاركه في ذلك بعض المالكية.(1)ن.

ص: 76


1- . الموسوعة الفقهية: 2/361، مادة أذان.

5 حذف الحيعلة من الأذان قد تقدّم منّا أنّ البدعة في الأذان بإدخال التثويب ليس فريداً في بابه، بل له نظير آخر، و هو: حذف «حيّ على خير العمل» من فصول الأذان و الإقامة، و ذلك لغاية أن لا يكون الإعلان به في الأذان سبباً في تثبيط العامة عن الجهاد، لأنّ الناس إذا عرفوا أنّ الصلاة خير العمل، لاقتصروا عليها و أعرضوا عن الجهاد.

و هذا بعين اللّه إطاحة بالتشريع و تصرّفٌ فيه، بتفلسف تافه. فانّ المشرّع كان واقفاً على هذا المحذور، و مع ذلك أدخله في الأذان.

قال القوشجي و هو من متكلّمي الأشاعرة ناقلاً عن الخليفة الثاني أنّه قال على المنبر:

ص: 77

ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) و أنا أنهى عنهنّ و أُحرّمهنّ و أُعاقب عليهنّ و هي: متعة النساء، و متعة الحج، و حىّ على خير العمل.(1)

و قد أطبقت الشيعة على كونه جزءاً من الأذان، و على ذلك جروا، من العهد النبوي إلى يومنا هذا، و صار ذلك شعاراً لهم. و إنّ كثيراً من المؤرّخين يكنّون عن الشيعة بمن يحيعلون أي الذين يقولون: «حيّ على خير العمل».

قال أبو الفرج في «مقاتل الطالبيين» في مقتل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنّه استولى على المدينة، و صعد عبد اللّه بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) عند موضع الجنائز، فقال للمؤذّن: أذّن ب» حي على خيرت.

ص: 78


1- . علاء الدين القوشجي (المتوفّى عام 879 ه بالقسطنطينية): شرح التجريد: 484. اقرأ ترجمته في كتابنا» بحوث في الملل و النحل ج 2 ط. بيروت.

العمل»...(1).

و قال الحلبي: و نقل عن ابن عمر و عن الإمام زين العابدين علىّ بن الحسين (عليه السلام) أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد» حيّ على الفلاح»: «حيّ على خير العمل».(2)

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ).(3)0.

ص: 79


1- . أبو الفرج الاصفهاني (284 356 ه): مقاتل الطالبيين: 297.
2- . برهان الدين الحلبي: السيرة: 2/305.
3- . الأنعام: 90.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.