سلسله المسائل الفقهیه -المسح على الخفّين على ضوء الكتاب و السنّة المجلد 2

اشارة

سرشناسه:سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور:سلسله المسائل الفقهیه / تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر:قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری:26 ج

فروست:سلسله المسائل الفقهیه؛ 1.

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ دوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:احکام فقهی

موضوع:فقه تطبیقی

شناسه افزوده:موسسه امام صادق (ع)

ص: 1

المسح على الخفّين على ضوء الكتاب و السنّة

ص: 2

[2. المسح على الخفّين على ضوء الكتاب و السنّة ]

المقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أفضل خلقه و خاتم رسله محمّد و على آله الطيّبين الطاهرين الذين هم عيبة علمه و حفظة سننه.

أمّا بعد، فانّ الإسلام عقيدة و شريعة، فالعقيدة هي الإيمان باللّه و رسله و اليوم الآخر، و الشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى و تحقّق لها السعادة الدنيوية و الأُخروية.

و قد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، و وضع الحلول لكافّة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة قال سبحانه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).(1)

ص: 3


1- . المائدة: 3.

غير أنّ هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلّغ الرسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف كلمتهم فيها، و بما أنّ الحقيقة بنت البحث فقد حاولنا في هذه الدراسات المتسلسلة أن نطرحها على طاولة البحث، عسى أن تكون وسيلة لتوحيد الكلمة و تقريب الخطى في هذا الحقل، فالخلاف فيها ليس خلافاً في جوهر الدين و أُصوله حتّى يستوجب العداء و البغضاء، و إنّما هو خلاف فيما روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، و هو أمر يسير في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية.

و رائدنا في هذا السبيل قوله سبحانه: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً... ).(1)

جعفر السبحاني قم مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)3.

ص: 4


1- . آل عمران: 103.

المسح على الخفّين اختياراً في الحضر و السفر

اشارة

حُكي عن كثير من الصحابة و التابعين جواز المسح على الخفّين، في الحضر و السفر اختياراً من دون ضرورة تقتضيه، و انّ المكلّف مخيّر بمباشرة الرجلين بالغسل، و الخفّين بالمسح، مع اتّفاقهم على عدم جواز المسح على الرجلين مكان الغسل اختياراً و اضطراراً.

غير انّ لفيفاً من الصحابة و أئمّة أهل البيت قاطبة، أنكروا جواز المسح على الخفّين، أشدّ الإنكار كما ستوافيك كلماتهم و في مقدّمتهم:

1. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ص: 5

2. حبر الأُمّة عبد اللّه بن عباس.

3. أُمّ المؤمنين عائشة.

4. عبد اللّه بن عمر، و إن حكي عنه العدول أيضاً.

5. الإمام مالك على إحدى الروايتين، فقد أنكر جواز المسح على الخفّين في آخر أيّامه.

قال الرازي: و أمّا مالك فإحدى الروايتين عنه انّه أنكر جواز المسح على الخفّين، و لا نزاع انّه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة فلو لا انّه عرف فيه ضعفاً و إلاّ لما قال ذلك، و الرواية الثانية عن مالك انّه ما أباح المسح على الخفّين للمقيم و أباحه للمسافر مهما شاء من غير تقدير فيه.(1)

و روى النووي في «المجموع» عن مالك ست روايات، إحداها: لا يجوز المسح، الثانية: يجوز و لكنّه يكره، الثالثة: يجوز أبداً و هي الأشهر عنه و الأرجح عند3.

ص: 6


1- . التفسير الكبير للرازي: 11/163.

أصحابه، الرابعة: يجوز موقتاً، الخامسة: يجوز للمسافر دون الحاضر، السادسة: عكسه.(1)

6. أبو بكر محمد بن داود الظاهري، و هو ابن داود الذي ينسب إليه المذهب الظاهري.(2)

هذا هو موقف الصحابة و التابعين و إمام الظاهريّة في المسألة، و المهم هو دراسة الأدلّة، فانّ الإجماع غير محقّق في المسألة و قد عرفت وجود الاختلاف بينهم، و قبل أن ندخل في صلب الموضوع نرى من الأجدر أن نشير إلى نكتة مهمة في المقام.

إنّ الاختلاف في الرأي إنّما يكون سائغاً إذا كان نتيجةَ الاجتهاد في فهم الأدلّة، كاختلاف المصلّين في غسل الأرجل و مسحهما، لأجل الاختلاف في عطف (أَرْجُلَكُمْ ) في قوله سبحانه: (وَ امْسَحُوا0.

ص: 7


1- . المجموع: 1/500.
2- . المجموع: 1/500.

بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) حيث اختلفوا في أنّها هل هي معطوفة على (بِرُؤُسِكُمْ ) فلا بد من مسحهما أو على «الوجوه و الأيدي» المذكورتين في الجملة السابقة فلا بد من غسلهما؟ فبذلك صار المسلمون على طائفتين مختلفتين في حكم الأرجل.

و هذا النوع من الاختلاف إنّما يتصوّر فيما إذا كان في المسألة دليل من الكتاب و السنّة قابل للاجتهاد و بالتالي قابل للاختلاف في الاستظهار، و أمّا إذا لم يكن فيها أىُّ دليل لفظي، غير ادّعاء رؤية عمل النبي و انّه كان يمسح على الخفّين فالاختلاف في مثلها عجيب جدّاً، لأنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يتوضّأ أمام الناس، ليله و نهاره و كان الناس يتسابقون بالتبرّك بماء وضوئه، و مع ذلك صارت الصحابة بعد رحيله على صنفين، بين مثبت للمسح على الخفّين مطلقاً، و ناف كذلك، و مفصل بين الحضر و السفر، مع أنّ الطائفة النافية كانوا هم الذين يلازمونه طيلة حياته، في إقامته و ظعنه كعلي و عائشة و كانوا يعدّون

ص: 8

شعاراً بالنسبة إليه (صلى الله عليه و آله و سلم) لا دثاراً.

و على كلّ تقدير فالمتّبع هو الدليل، و إليك دراسة أدلّة النافين، فقد احتجّوا بالكتاب و السنّة و اتّفاق أئمّة أهل البيت.

1. الاحتجاج بالكتاب العزيز

قال سبحانه: (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ).(1)

فظاهر الآية فرض مباشرة الأرجل نفسها و المسح على الخفّين ليس مسحاً على الأرجل، و الآية في سورة المائدة المشتملة على آية الوضوء، و هي آخر سورة نزلت على النبي كما نصّت عليه أُمّ المؤمنين عائشة.

روى الحاكم عن جبير بن نفير، قال: حججت فدخلت على عائشة (رض) و قالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، قالت: أما إنّها آخر سورة نزلت، فما

ص: 9


1- . المائدة: 6.

وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه، و ما وجدتم من حرام فحرّموه.

ثمّ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرّجاه.

و نقل أيضاً عن عبد اللّه بن عمرو، انّ آخر سورة نزلت، سورة المائدة. و قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، و أقرّه الذهبي و صححه.(1)

و على هذا فليس لنا العدول عمّا في هذه السورة من الأحكام إلاّ بدليل قطعي يصحّ نسخ الكتاب به إذا قيل بجوازه في الحضر أو السفر اختياراً و لو مدة قصيرة.

قال الرازي: أجمع المفسرون على أنّ هذه السورة (المائدة) لا منسوخ فيها البتة إلاّ قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ ) فإنّ بعضهم قال هذه الآية منسوخة، و إذا كان كذلك امتنع القول بأنّ وجوب


1- . مستدرك الحاكم: 2/311.

غسل الرجلين منسوخ.

ثمّ إنّ خبر المسح على الخفّين بتقدير انّه كان متقدّماً على نزول الآية، كان خبر الواحد منسوخاً بالقرآن، و لو كان بالعكس كان خبر الواحد ناسخاً للقرآن.(1) و لا يُنسخ القرآن بخبر الواحد مهما بلغ من الصحة.

2. الاحتجاج بالسنّة

روى البيهقي عن ابن عمر قال: توضّأ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مرّة مرّة ثمّ قال: هذا وضوء من لا تقبل له صلاة إلاّ به، ثمّ توضّأ مرّتين مرّتين ثمّ قال: هذا وضوء من يضاعف له الأجر مرتين، ثمّ توضّأ ثلاثاً ثلاثاً ثمّ قال: هذا وضوئي و وضوء المرسلين من قبلي.(2)

ص: 11


1- . تفسير الرازي: 11/163.
2- . السنن الكبرى: 1/80، باب فضل التكرار في الوضوء; و رواه ابن ماجة في سننه: 1/419. و لاحظ أحكام القرآن للجصاص: 3/351.

و لا شكّ انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) باشر الفعل بالرجلين دون الخف، لأنّه لو أوقع الفعل على الخفّين لم يحصل الإجزاء إلاّ به و ذلك منفي اتفاقاً، و على ضوء ذلك فمن توضّأ و مسح على الخفّين لا تقبل صلاته حسب تصريح الرسول.

3. إجماع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)

اتّفق أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام على المنع. و قد تضافرت الروايات عنهم، نذكر منها ما يلي:

1. روى الشيخ الطوسي في «التهذيب» بسند صحيح عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: في مسح الخفّين تقية؟ فقال: «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ».(1)

2. روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي الورد قال:

ص: 12


1- . التهذيب: 1/362، الحديث 1093.

قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى علياً (عليه السلام) أراق الماء ثمّ مسح على الخفّين فقال: «كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم سبق الكتابُ الخفّين». فقلت:

فهل فيهما رخصة؟ فقال: «لا، إلاّ من عدوّ تقية، أو ثلج تخاف على رجليك».(1)

3. روى الشيخ الطوسي عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و فيهم علىّ (عليه السلام)، فقال: ما تقولون في المسح على الخفّين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يمسح الخفّين. فقال علي (عليه السلام): «قبل المائدة أو بعدها؟» فقال: لا أدري. فقال علي (عليه السلام): «سبق الكتابُ الخفّين. إنّما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة».(2)

4. روى الصدوق باسناده عن ثابت الثمالي، عن1.

ص: 13


1- . التهذيب: 1/362، الحديث 1092.
2- . التهذيب: 1/361، الحديث 1091.

حبابة الوالبية في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قالت سمعته يقول: «إنّا أهل بيت لا نمسح على الخفّين، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا و ليستنّ بسنتنا.(1)

و قال في مكان آخر: و لم يعرف للنبىّ (صلى الله عليه و آله و سلم) خفّ إلاّ خفّ أهداه له النجاشي و كان موضع ظهر القدمين منه مشقوقاً، فمسح النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على رجليه و عليه خفّاه، فقال الناس: إنّه مسح على خفّيه».(2)

5. روى الصدوق باسناده عن الأعمش، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسّك بها، و أراد اللّه هداه: إسباغ الوضوء كما أمر اللّه في كتابه الناطق، غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين مرّة مرّة و مرّتان جائز، و لا ينقض الوضوء إلاّ البول و الريح و النوم و الغائط و الجنابة، و منث.

ص: 14


1- . الفقيه: 4/298 ح 898.
2- . الفقيه: 1/48، الحديث 10 من أحاديث حدّ الوضوء. و لاحظ سنن البيهقي: 1/282 ففيها ما يؤيد مضمون ذلك الحديث.

مسح على الخفّين فقد خالف اللّه و رسوله و كتابه، و وضوؤه لم يتمّ، و صلاته غير مجزية...».(1)

6. ما تضافر عن علي (عليه السلام) أنّه كان يحتج على القائل بالجواز، بأنّ الكتاب سبق المسح على الخفّين.(2)

ما يدعم القول بالمنع

إنّ هناك وجوهاً تدعم القول بالمنع نذكرها تباعاً:

7. ما روي عن ابن عباس) (رضي الله عنه) قال: سلوا هؤلاء الذين يروون المسح هل مسح رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد نزول المائدة؟ و اللّه ما مسح رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد نزول المائدة، و لئن أمسح على ظهر عنز في الصلاة أحب إلىّ من أن أمسح على الخفّين.(3)

ص: 15


1- . الوسائل: 1/279، الحديث 18 من الباب 15 من أبواب الوضوء.
2- . سنن البيهقي: 1/272; عمدة القارئ: 3/97; نيل الأوطار: 1/223.
3- . المبسوط للسرخسي: 1/98; تفسير الرازي: 11/163 و في لفظ الرازي: لأمسح على جلد حمار.

8. و ما روي عن عائشة أنّها قالت: لئن تقطع قدماي أحبّ إلىّ من أن أمسح على خفّين.(1)

نعم نقل غير واحد انّ علياً و عائشة رجعا عن القول بالمنع، إلى القول بالجواز.

غير انّ قولهم بالمنع ثابت عند الجميع و رجوعهم عمّا قالا، خبر واحد لا يصح الاعتماد عليه في المقام.

على أنّ الإمام عليّاً و عائشة كانا مع النبي ليله و نهاره، فكيف يمكن أن يقال: خفى عليهما كيفية وضوء النبي فأفتيا بالمنع و لمّا تبيّن الحق، عدلا عن قولهما؟! 9. انّ الأخذ بالجواز لو كان متأخّراً عن نزول المائدة كان ناسخاً للقرآن الكريم، و القرآن لا ينسخ بخبر الواحد، و قد اتّفق الأُصوليون إلاّ من شذّ على ما ذكرنا، فلا محالة يكون الحديث معارضاً للقرآن الكريم و قد روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «إذا روي لكم عني حديث فأعرضوه8.

ص: 16


1- . المبسوط: 1/98.

على كتاب اللّه، فإن وافقه فاقبلوه و إلاّ فردّوه».(1)

10. اتّفق فقهاء السنّة على أنّ مسح البشرة لا يغني عن الغسل، فالقول بأنّ المسح على الخفّين يغني عن غسل الرجلين أمر عجيب يخالف العقل الصريح.

11. الاختلاف الشديد بين الفقهاء في الجواز و عدمه يوجب سقوط الروايات المجوزة و المانعة فلا محيص من الرجوع إلى ظاهر كتاب اللّه.

12. انّ المسح على الخفّين اختياراً مكان الغسل أو المسح لو كان أمراً مشروعاً، لعرفه الصحابة كلّهم و لم يقع بينهم نزاع و لبلغ مبلغ التواتر مع انّا نرى أنّ النزاع كان بينهم على قدم و ساق.

كلّ ذلك يدلّ على عدم الجواز، و على فرض ثبوت المسح على الخفّين من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فيمكن الجمع بينه و بين الآية الكريمة بالوجهين التاليين:3.

ص: 17


1- . التفسير الكبير للرازي: 11/163.

أ. أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح على الخفّين في فترة خاصة قبل نزول آية الوضوء في سورة المائدة، و الكتاب نسخ ما أثر عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، و بهذا يمكن الجمع بين جواز المسح على الخفّين، و لزوم مباشرة الرجلين، و ما روي عن علي (عليه السلام) متضافراً بأنّه سبق الكتاب الخفّين يشير إلى ذلك، و أنّ المسح على الخفّين كان رخصة من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في فترة من الزمان، غير أنّ الكتاب نسخ هذه الرخصة.

ب. انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح على خفّ أهداه له النجاشي و كان موضع ظهر القدم منه مشقوقاً غير مانع عن مسح البشرة، فمسح النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على رجليه و عليه خفّاه، فقال الناس: إنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح على خفّيه، من دون التفات إلى أنّه لم يمسح على نفس الخفّ بل على الرجلين تحت الخفّ.(1)

و بما ذكرنا من الوجهين يمكن الجمع بين ما نقل من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) من أنّه مسح على الخفّين و ما يستفاد من4.

ص: 18


1- . لاحظ ص 13، رقم 4.

الكتاب من لزوم مباشرة الرجلين و ما عليه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) و لفيف من الصحابة و على رأسهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي عرفه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بقوله:

«علىٌّ مع الحقّ و الحقّ مع علي لا يفترقان حتّى يردا علىّ الحوض».(1)

و الذي قال الإمام الرازي في حقّه في مسألة الجهر بالبسملة حيث كان علي يرى لزوم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية: و من اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه و نفسه.(2)

إلى هنا تمت دراسة أدلّة القائلين بالمنع، فهلمّ معي ندرس أدلّة القائلين بالجواز.

أدلّة القائلين بجواز المسح

اشارة

قد تعرفت على أدلّة القائلين بالمنع، فهلمّ معي

ص: 19


1- . تاريخ بغداد: 14/321، و مجمع الزوائد: 7/232.
2- . التفسير الكبير للرازي: 1/207.

ندرس أدلّة القائلين بالجواز، و هي عبارة عن عدّة روايات:

الأوّل: رواية جرير بن عبد اللّه البجلي

احتجّ القائلون بالجواز بما رواه مسلم في صحيحه عن جرير (بن عبد اللّه البجلي) و روي عن إبراهيم الأدهم أنّه قال: ما سمعت في المسح على الخفّين أحسن من حديث جرير.(1)

فأخرج مسلم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال: بال جرير ثمّ توضّأ و مسح على خفّيه، فقيل:

تفعل هذا قال: نعم، رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بال ثمّ توضأ و مسح على خفّيه.

قال الأعمش، قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأنّ إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

و قد فسر النووي وجه إعجابهم بقوله: إنّ اللّه تعالى قال في سورة المائدة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى

ص: 20


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 1653/164، الحديث 72.

اَلْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ ) فلو كان إسلام جرير متقدّماً على نزول المائدة، لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً ب آية المائدة، فلمّا كان إسلامه متأخّراً علمنا أنّ حديثه يُعمل به، و هو مبين انّ المراد ب آية المائدة غير صاحب الخف، و السنّة مخصِّصة للآية، و اللّه أعلم.(1)

يلاحظ عليه: أوّلاً: بأنّه خبر واحد لا يُنسخ الكتاب به، فانّ للكتاب العزيز مكانة عظيمة لا يجاريه شيء سوى السنة المتواترة أو الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم لا الخبر الواحد فضلاً عن حديث يتعجّب راويه عن عمل جرير، فلو كان شيئاً شائعاً بين المسلمين لما تعجّب منه.

و ثانياً: أنّ الاحتجاج به فرع أن يكون إسلام جرير بعد نزول المائدة و هو غير ثابت، بل الثابت خلافه حيث أسلم قبله.8.

ص: 21


1- . المصدر السابق: 3/168.

قال ابن حجر العسقلاني: جزم ابن عبد البر انّ جريراً أسلم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بأربعين يوماً، و هو غلط، ففي الصحيحين عنه انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال له: استنصت الناس في حجة الوداع، و جزم الواقدي بأنّه وفد على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في شهر رمضان سنة عشر و انّ بعثه إلى ذي الخلصة كان بعد ذلك و انّه وافى مع النبي حجّة الوداع من عامه إلى أن قال: إنّ الشعبي حدّث عن جرير انّه قال لنا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): إنّ أخاكم النجاشي قد مات، أخرجه الطبراني فهذا يدلّ على أنّ إسلام جرير كان قبل سنة عشر، لأنّ النجاشي مات قبل ذلك.(1)

أقول: إنّ النجاشي قد توفي في حياة النبي في شهر رجب سنة تسع من الهجرة.

قال الذهبي: قال النبي للناس: إنّ أخاً لكم قد مات بأرض الحبشة، فخرج بهم إلى الصحراء و صفّهم6.

ص: 22


1- . الإصابة: 1/234، ترجمة جرير، برقم 1136.

صفوفاً، ثمّ صلّى عليه، فنقل بعض العلماء انّ ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة.(1)

و نقل في الموسوعة العربية العالمية انّه توفّي في عام تسع من الهجرة يعادل 630 ميلادية.(2)

و على ضوء هذا فلا يصحّ الاحتجاج بخبر جرير، لأنّه من المحتمل جدّاً أن يكون عمل النبي قبل نزول المائدة بكثير، فنسخته سورة المائدة كما قال علي (عليه السلام): سبق الكتاب الخفّين.

و لو احتملنا انّ إسلامه كان بعد سورة المائدة، فهو خبر واحد لا ينسخ به الكتاب فانّ للكتاب، منزلة عظيمة لا يعادلها شيء.

الثاني: رواية المغيرة بن شعبة

أخرج مسلم بسنده عن الأسود بن هلال، عن

ص: 23


1- . سير اعلام النبلاء: 1/443 برقم 86.
2- . الموسوعة العربية العالمية: 25/220.

المغيرة بن شعبة قال: بينا أنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ذات ليلة إذ نزل فقضى حاجته، ثمّ جاء فصببت عليه من إداوَة كان معي، فتوضّأ و مسح على خفّيه.

و قد أخرجه بطرق أُخرى كلّها تنتهي إلى المغيرة بن شعبة.(1)

يلاحظ على الرواية: أوّلاً: أنّ المغيرة بن شعبة لا يحتج بحديثه لسوابقه النكراء قبل إسلامه و بعده على الرغم من انّ له في الصحيحين اثني عشر حديثاً، و يكفي في ذلك ما نتلوه عليك من جريمته المروِّعة على قومه.

1. روى المؤرّخون: وَفَد المغيرة مع نفر من بني مالك على المقوقس فأهدى لهم ما أهدى، فلمّا خرجوا من عنده أقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم فخرجوا و حملوا معهم الخمر.

يقول المغيرة: كنّا نشرب الخمر فأجمعتُ على قتلهم0.

ص: 24


1- . شرح صحيح مسلم للنووي: 3/171، برقم 76 و لاحظ رقم 75 و 77 و 78 و 80.

فتمارضت، و عصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يُصدَّع و لكنّي أُسقيكم فلم ينكروا، فجعلت أُسرف لهم، و أترع لهم جميعاً الكأس، فيشربون و لا يدرون حتى ناموا سكراً، فوثبتُ و قتلتهم جميعاً و أخذت ما معهم، فقدمت على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فوجدته جالساً في المسجد مع أصحابه و عليَّ ثياب سفر، فسلمت، قال أبو بكر: أ من مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتُهم، و أخذت أسلابهم، و جئت بها إلى رسول اللّه ليخمسها، فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): «أمّا إسلامك فنقبله و لا آخذ من أموالهم شيئاً، لأنّ هذا غدر و لا خير في الغدر» فأخذني ما قرب و ما بعد.

قلت: إنّما قتلتهم و أنا على دين قومي، ثمّ أسلمت الساعة.

قال: «فانّ الإسلام يجبُّ ما كان قبله».

و كان قتل منهم ثلاثة عشر.(1)7.

ص: 25


1- . سير اعلام النبلاء: 3/25، رقم الترجمة 7.

هذه جريمته النكراء في عهد الجاهلية و تكشف عن خبث باطنه و طينته حيث قتل ثلاثة عشر شخصاً من أرحامه طمعاً في أموالهم، و الإسلام و إن كان يجبّ ما قبله من حيث الحكم التكليفي، إلاّ أنّه لا يغيّر خبث سريرة الإنسان الذي شبّ عليه إلاّ بالعكوف على باب التوبة و الانقطاع إلى الاعمال الحسنة و التداوم عليها و التي تنمُّ عن تبدّل حاله و إيقاظ ضميره.

هذه صحيفة حياته السوداء قبل الإسلام، و أمّا بعده فلم تختلف كثيراً، و يشهد على ذلك الأُمور التالية:

2. أخرج الذهبي عن عبد اللّه بن ظالم قال: كان المغيرة ينال في خطبته من علي، و أقام خطباء ينالون منه، و ذكر الحديث في العشرة المشهود لهم بالجنة لسعيد بن زيد.(1)

3. انّ معاوية وضع قوماً من الصحابة و قوماً من7.

ص: 26


1- . سير اعلام النبلاء: 3/31، رقم الترجمة 7.

التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه و البراءة منه، و جعل على ذلك جُعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضوه، منهم المغيرة بن شعبة.(1)

4. أخرج أحمد في مسنده عن قطبة بن مالك قال: نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن أرقم:

قد علمت أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان ينهى عن سبّ الموتى فلم تسبّ عليّاً و قد مات.(2)

5. و قد أخرج أيضاً في مسنده أحاديث نيله من أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته و اعتراض سعيد بن زيد عليه.(3)

6. قال ابن الجوزي: قال: قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة، فقام صعصعة بن صوحان فتكلّم، فقال المغيرة: أرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن8.

ص: 27


1- . شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: 1/358.
2- . مسند أحمد: 4/369.
3- . المسند: 1/188.

علياً، فقال: لعن اللّه من لعن اللّه و لعن علي بن أبي طالب، فأخبره بذلك، فقال: أُقسم باللّه لتقيِّدنه، فخرج، فقال: انّ هذا يأبى إلاّ علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه اللّه، فقال المغيرة: أخرجوه أخرج اللّه نفسه.(1)

إنّ سوابقه تحكي على أنّه كان داهية يستغل دهاءه لنيل مآربه بأي قيمة كانت و إن انتهت على حساب الإسلام.

7. روى الذهبي أنّ معاوية دعا عمرو بن العاص بالكوفة، فقال: أعنِّي على الكوفة، قال: كيف بمصر؟ قال: استعمل عليها ابنك عبد اللّه بن عمرو، قال: فنعم فبينا هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة و كان معتزلاً بالطائف فناجاه معاوية، فقال المغيرة: تؤمِّر عَمرواً على الكوفة، و ابنه على مصر و تكون كالقاعد بين لحيي الأسد، قال: ما ترى؟ قال: أنا أكفيك الكوفة، قال: فافعل. فقالر.

ص: 28


1- . كتاب الأذكياء لابن الجوزي: 142، طبع دار الفكر.

معاوية لعمرو حين أصبح إنّي قد رأيت كذا، ففهم عمرو، فقال: أ لا أدلّك على أمير الكوفة؟ قال: بلى، قال: المغيرة، و استغن برأيه و قوته عن المكيدة، و اعزله عن المال، قد كان قبلك عمر و عثمان فعلا ذلك قال:

نِعْمَ ما رأيتَ، فدخل عليه المغيرة، فقال: إنّي كنت أمّرتك على الجند و الأرض، ثمّ ذكرت سنّة عمر و عثمان قبلي، قال: قد قبلت.(1)

و كفت سنّة عمر و عثمان في حقّه في الدلالة على مدى ما كان يتمتّع الرجل به من الأمانة و الورع في حقوق المسلمين و أموالهم!! 8. و الذي يشهد على موبقات الرجل و انّه لم يتغير عمّا كان عليه في عصر الجاهلية انّه اتُّهم بالزنا و هو أمير الكوفة في عصر الخليفة عمر بن الخطاب و شهد عليه شهود أربعة، منهم: أبو بكرة و نافع و شبل فشهدوا على7.

ص: 29


1- . سير اعلام النبلاء: 3/30، رقم الترجمة 7.

أنّهم رأوه يولجه و يخرجه و يلج ولوج المِرْوَد في المكحلة فلمّا حاول رابع الشهود و هو زياد بن أبيه حاول الخليفة أن يدرأ عنه الحد للشبهة فخاطبه بقوله: إنّي لأرى رجلاً لم يخز اللّه على لسانه رجلاً من المهاجرين، فقال له الخليفة: أ رأيته يدخله كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، و لكنّي رأيت مجلساً قبيحاً و سمعت نَفَساً عالياً و رأيته متبطّنها(1)... و بذلك درأ عنه الحدّ بالشبهة.

فهذه مكانة الرجل بين المسلمين، أ فيمكن أن يقبل حديث ذلك الرجل في أمر عبادي يمارسه المسلمون في نهارهم و ليلهم؟! و ثانياً: نفترض انّه رجل يحتج بحديثه و انّ الإسلام جبّ ما قبله، و لكنّه من أين ثبت انّ فعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كان بعد نزول المائدة؟ إذ من المحتمل أن يكون قبله بكثير، و قدة.

ص: 30


1- . سير اعلام النبلاء: 3/28، رقم الترجمة 7; الأغاني: 14/146; تاريخ الطبري: 4/207; الكامل: 2/228، إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

أسلم الرجل قبل صلح الحديبية الذي كان في العام السادس، و يؤيد ذلك ما رواه الذهبي عن أبي إدريس قال: قدم المغيرة بن شعبة دمشق فسألته، قال: وضّأت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) في غزوة تبوك فمسح على خفّيه.(1)

الثالث: دراسة سائر الروايات

قد روى غير واحد من المحدّثين فعل النبي في السفر أو في السفر و الحضر و أنّه مسح على الخفّين، و الغالب عليها هو نقل فعل النبي من دون أن يذكر فيها لفظه و أنّه أمر بالمسح على الخفّين، و على فرض أنّه أمر لفظاً بالمسح على الخفين لم تعيّن ظروف العمل، و قد جمع أبو بكر البيهقي عامّة الروايات في السنن، فنذكر قسماً كبيراً ممّا رواه:

1. عن سعد بن أبي وقّاص أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح

ص: 31


1- . سير اعلام النبلاء: 3/22.

على الخفّين.

2. عن حذيفة قال: مشى رسول اللّه إلى سباطة قوم فبال قائماً، ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضّأ و مسح على خفّيه. و قال: رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن أبي أياس، و رواه مسلم من وجه آخر عن الأعمش.

و كفى في ضعف هذه الرواية أنّه نسب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ما لا يليق بمنزلته و مكانته و لا يرتكبه إلاّ الأراذل من الناس.

كيف يمكن أن ينسب إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) انّه بال قائماً مع أنّ المروي عن ابن مسعود انّه قال: من الجفاء أن تبول و أنت قائم، و كان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً.

قالت عائشة: من حدّثكم انّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يبول قائماً فلا تصدّقوه، ما كان يبول إلاّ قاعداً.

ثمّ إنّ ابن قدامة بعد ما نقل هذا حاول أن يصحّح

ص: 32

الحديث بقوله: و لعلّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فَعَل ذلك لتبيين الجواز و لم يفعله إلاّ مرة واحدة، و يحتمل انّه في موضع لا يتمكّن من الجلوس فيه.(1)

و ما ذكر من الوجه الأوّل مردود بأنّ في إمكان الرسول أن يبيّن جواز المسح على الخفين بكلامه لا بفعله الذي يعد من صفات غير المبالين بأحكام الشريعة.

قد أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر قال: رآني رسول اللّه أبول قائماً، فقال: يا عمر لا تبل قائماً.(2)

مضافاً إلى أنّ ظاهر الحديث أنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يتطهّر من البول فلا بدّ من القول بالحذف و التقدير في جمل الحديث، و على فرض الصحّة فهو ينقل فعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) من دون أن يوقِّت ظروفه فلا يكون حجّة في مقابل القرآن الكريم. و لعلّه كان قبل نزول آية الوضوء. و به تظهر حال9.

ص: 33


1- . المغني: 1/156.
2- . سنن ابن ماجة: 1/112، برقم 309.

رواية سعد بن أبي وقاص حيث لم تعيّن ظرف العمل و انّه هل كان قبل نزول المائدة أو بعدها؟ 3. عن جعفر بن أُميّة بن الضمري، عن أبيه: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح على عمامته و خفّيه، و الكلام في هذا الحديث هو نفس الكلام في الحديثين السابقين.

4. عن كعب بن عجرة قال: حدّثني بلال قال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) توضّأ و مسح على الخفّين و الخمار.

5. عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) توضّأ مرّة مرّة و مسح على الخفّين، و صلّى الصلوات كلّها بوضوء واحد. فقال له عمر: صنعتَ شيئاً ما كنتَ تصنعه. فقال:

عمداً فعلته يا عمر.

أقول: قد قام رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) بفعله هذا يوم الفتح قبل نزول سورة المائدة بشهادة رواية بريدة حيث قال: صلّى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد

ص: 34

و مسح على خفّيه. فقال له عمر: إنّي رأيتك صنعتَ شيئاً لم تصنعه قال: عمداً صنعته.

6. روى المقدام بن شريح قال: سألت عائشة عن المسح على الخفّين؟ فقالت: ايت علياً فانّه أعلم بذلك منّي، فأتيت عليّاً فسألته عن المسح، فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً و ليلة و المسافر ثلاثاً.

و لا يصحّ الاحتجاج به و بنظيره ما لم يثبت ظرف العمل و انّ فعل النبي كان بعد نزول سورة المائدة.(1)0.

ص: 35


1- . لاحظ في الوقوف على هذه المأثورات: السنن الكبرى للبيهقي: 2771/270.

تساؤلات حول مسألة المسح على الخفّين

اشارة

ثمّ إنّ هناك تساؤلات حول هذه المسألة نطرحها على صعيد البحث و الدراسة، و لعلّ الفقيه المفتي بجواز المسح على الخفّين في عصرنا هذا يجد لها أجوبة:

1. لا شكّ أنّ الوضوء و إن كان عبادة و شرطاً في صحّة الصلاة و لكنّه في الوقت نفسه تطهير للمتوضّئ يقول سبحانه في ذيل آية الوضوء: (وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(1).

فإذا كان الوضوء كالغسل و التيمّم سبباً للتطهير فهو فرع مباشرة الرجلين لا الخفّين و النعلين و لا الجوربين،

ص: 36


1- . المائدة: 6.

فانّ المسح عليها لا يستتبع طهارة إن لم يؤثر في انفعال اليد بالأوساخ التي على الخفّين أو النعلين أو الجوربين. فتجويزه في الحضر و السفر اختياراً موقتاً أو غير مؤقت على خلاف النظافة التي دعا إليها الإسلام في غير واحد من تعاليمه.

2. إنّ المسح على الخفّين مسألة فقهية فرعية اختلف فيها الصحابة و التابعون، و قد اشتهر عن علي و ابن عباس و عائشة و أئمة أهل البيت قاطبة و غيرهم المنع عنه، و كان الإمام (عليه السلام) و تلميذه حبر الأُمّة يستدلّان بأنّ آية الوضوء نسخت هذا، و مع هذا فلا يتجاوز الاختلاف فيه عن الاختلاف في الحكم الفرعي، و ما أكثر الخلاف في الأحكام الفرعية; و مع ذلك نرى أنّ شهاب الدّين أحمد بن محمد القسطلاني ينقل في شرحه على صحيح البخاري عن الكرخي أنّه قال: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفّين، و ليس [المسح] بمنسوخ، لحديث مغيرة في

ص: 37

غزوة تبوك و هي آخر غزواته (صلى الله عليه و آله و سلم) و المائدة نزلت قبلها في غزوة المريسيع، فأين النسخ للمسح.(1)

و لا يخفى ما في كلامه من الوهن.

أمّا أوّلاً: فانّ ما ذكره لا يخلو من المغالاة في القول، إذ أي ملازمة بين عدم تجويز المسح على الخفّين و الخروج عن حظيرة الإسلام و ليس في المسألة إلاّ خبر واحد كخبر المغيرة، غير المفيد علماً و لا قطعاً.

و اتّهام المخالف بالكفر سيئة موبقة، و قد قال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما».(2)

و ثانياً: أنّ المائدة نزلت قبل رحيله (صلى الله عليه و آله و سلم) بثلاثة أشهر أو أقلّ، و أمّا غزوة المريسيع، فقد كانت في شهر شعبان من العام السادس من الهجرة، و قيل قبله.(3) نعم نزل فيها9.

ص: 38


1- . في المصدر مكان أين: فأمن، راجع: إرشاد الساري: 1/278.
2- . صحيح مسلم: 1/56، كتاب الإيمان باب من قال لأخيه يا كافر.
3- . السيرة النبوية لابن هشام: 2/289.

آية التيمّم و هي قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ).(1)

3. و ممّا يشهد على أنّ النزاع بين الصحابة و التابعين في مسألة المسح على الخفّين كان على قدم و ساق انّ بعض من يروي المسح على الخفّين عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يعمل بخلافه. روى البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) سئل عن المسح على الخفّين فقال: للمسافر ثلاثة أيام و لياليهنّ و للمقيم يوم و ليلة، و كان أبي (أبو بكرة) ينزع خفّيه و يغسل رجليه.(2)

و لما كان ذيل الحديث يوجد وهناً فيما يرويه عن6.

ص: 39


1- . النساء: 43.
2- . السنن الكبرى: 1/276.

النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) حيث إنّ عمله كان على خلاف روايته، حاول غير واحد من المحدّثين تصحيحه.(1)

4. إنّ الظاهر من غير واحد من الروايات التي نقلها البيهقي في سننه أنّه يجوز المسح على الخفّين في السفر و الحضر جميعاً، و قد عقد باباً بهذا العنوان: «باب مسح النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) على الخفّين في السفر و الحضر»، و قد عرفت رواية حذيفة و أُسامة انّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مسح على الخفّين و هو في المدينة، و معنى ذلك أنّه يجوز أن يختار المكلّف طيلة عمره المسح على الخفّين، و أنّ غسل الرجلين مختصّ بمن لم يلبس الخفّين، و هذا شيء لا ترتضيه روح الفقه و لا سيرة المتشرّعة و لا حكمة الوضوء.

و إن كنت في شكّ من ذلك، فإليك فتاوى الفقهاء في هذا الصدد:».

ص: 40


1- . الشرح الصغير: 1/152، 153، 158; جواهر الإكليل: 1/24، و لاحظ الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 37، مادة «مسح».

يرى جمهور الفقهاء الحنفيّة و الشافعيّة و الحنابلة، توقيت مدّة المسح على الخفّين بيوم و ليلة في الحضر و ثلاثة أيّام للمسافر، و لكن المالكية تجوّز المسح على الخفّين في الحضر و السفر من غير توقيت بزمان، فلا ينزعهما إلاّ بموجب الغسل و يندب للمكلّف نزعهما في كلّ أُسبوع مرّة يوم الجمعة و لو لم يرد الغسل لها، و نزعهما مرّة في كلّ اسبوع في مثل اليوم الذي لبسهما فيه، فإذا نزعهما لسبب أو لغيره وجب غسل الرجلين.

و استدلّوا بما رواه ابن أبي عمارة، قال: قلت: يا رسول اللّه: أمسح على الخفّين؟ قال: نعم، قلت: يوماً؟ قال: و يومين، قلت: و ثلاثة؟ قال: نعم و ما شئت.(1)

5. انّ الشيء الغريب حقّاً هو انّ الفقهاء لم يجوّزوا المسح بماء الوضوء على الرجلين مباشرة لا في الحضر و لا في السفر، و مع ذلك جوّزوا المسح على الخفّين على الرغم5.

ص: 41


1- . كتاب المجموع شرح المهذّب للنووي: 1/505.

من أنّ الخفين لا صلة لها بالمتوضّي سوى انّهما وعاءان للرّجْلين.

6. ثمّ هناك من يتصوّر انّ الحكمة في جواز المسح على الخفّين، التيسير و التخفيف عن المكلّفين الذين يشق عليهم نزع الخف و غسل الرجلين في أوقات الشتاء و البرد الشديد، و في السفر و ما يصاحبه من الاستعجال و مواصلة السفر.(1)

و ما ذكر من الحكمة لو صحت يوجب اختصاص المسح على الخفّين بموارد الحرج و الضرورة، و أين هذا من الإفتاء به دون تقييد؟! 7. و أظنّ أنّ الإصرار على بقاء حكم المسح على الخفّين كان لأجل مخالفة الإمام علي (عليه السلام) حيث كان هو و بيته يجاهرون بالمنع من المسح على الخفّين، و قد أعطى المجوّزون المسألة أكثر ممّا تستحقّ، قال أبو بكر بن المنذر:2.

ص: 42


1- . الموسوعة الفقهية: 37/262.

روينا عن الحسن البصري، حدثني سبعون من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يمسح على الخفّين، قال: و روينا عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفّين اختلاف. هو جائز قال جماعات من السلف نحو هذا.(1)

كما ذكر البيهقي أسماء حوالي عشرين صحابياً جوّزوا المسح على الخفّين منهم: عمر بن الخطاب و سعد ابن أبي وقاص و عبد اللّه بن مسعود و حذيفة بن اليمان و أبو أيوب الأنصاري و أبو موسى الأشعري و عمّار بن ياسر و جابر بن عبد اللّه و عمرو بن العاص و أنس بن مالك و سهل بن سعد و أبي مسعود الأنصاري و المغيرة بن شعبة و البراء بن عازب و أبي سعيد الخدري و جابر بن سمرة و أبو أمامة الباهلي و عبد اللّه بن الحارث بن جزر و أبو زيد الأنصاري.(2)2.

ص: 43


1- . المجموع: 1/501.
2- . سنن البيهقي: 1/272.

و العجب انّهم عطفوا عليّاً (عليه السلام) و ابن عباس على هؤلاء لمزيد الثقة بالجواز.

فروع المسألة

ثمّ إنّ القائلين بجواز المسح على الخفّين اختلفوا فيما يرجع إليه من فروع اختلافاً شديداً فاختلفوا في المواضع التالية:

1. تحديد المحل: فاختلفوا فيه فقال قوم: إنّ الواجب من ذلك مسح أعلى الخف و إنّ مسح الباطن أعني: أسفل الخف مستحب، و مالك أحد من رأى هذا، و الشافعي; و منهم من أوجب مسح ظهورهما و بطونهما، و هو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك.

و منهم من أوجب مسح الظهور فقط و لم يستحب مسح البطون، و هو مذهب أبي حنيفة و داود و سفيان و جماعة; و شذّ أشهب: فقال: إنّ الواجب مسح الباطن أو

ص: 44

الأعلى، أيّهما مسح، و سبب اختلافهم تعارض الآثار الواردة في ذلك و تشبيه المسح بالغسل.

2. نوع محل المسح فانّ القائلين به اتّفقوا على جواز المسح على الخفّين و اختلفوا في المسح على الجوربين، فأجاز ذلك قوم و منعه قوم، و ممّن منع ذلك: مالك و الشافعي و أبو حنيفة، و ممّن أجاز ذلك: أبو يوسف و محمد صاحبا أبي حنيفة و سفيان الثوري، و سبب اختلافهم في صحّة الآثار الواردة عنه (صلى الله عليه و آله و سلم)، انّه مسح على الجوربين و النعلين، و اختلافهم أيضاً في هل يقاس على الخف غيره، أم هي عبادة لا يقاس عليها و لا يتعدّى بها محلّها؟ 3. صفة الخفّ فانّهم اتّفقوا على جواز المسح على الخفّ الصحيح و اختلفوا في المخْرق، فقال مالك و أصحابه: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيراً، و حدّد أبو حنيفة بما يكره الظاهر منه أقلّ من ثلاثة أصابع، و قال قوم بجواز المسح على الخفّ المنخرق ما دام يسمّى خفّاً، و إن

ص: 45

تفاحش خرقه، و ممّن روي عنه ذلك الثوري، و منع الشافعي أن يكون في مقدّم الخف خرق يظهر منه القدم، و لو يسيراً في أحد القولين عنه. ثمّ ذكر سبب اختلافهم.

4. التوقيت فانّ الفقهاء اختلفوا فيه، فرأى مالك انّ ذلك غير مؤقت و إنّ لابس الخفّين يمسح عليها ما لم ينزعهما أو تصيبه جنابة، و ذهب أبو حنيفة و الشافعي إلى أنّ ذلك مؤقت. و السبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك.

5. شرط المسح على الخفين هو أن تكون الرجْلان طاهرتين بطُهر الوضوء و ذلك شيء مجمع عليه إلاّ خلافاً شاذاً. و قد روي عن ابن القاسم عن مالك، ذكره ابن لبابة في المنتخب و إنّما قال به الأكثر لثبوته في حديث المغيرة و غيره إذا أراد أن ينزع الخف عنه فقال (عليه السلام): دعهما فإنّي ادخلتهما و هما طاهرتان، و المخالف حمل هذه الطهارة على الطهارة اللغوية.

ص: 46

6. الاختلاف في نواقض هذه الطهارة فانّهم أجمعوا على أنّها نواقض الوضوء بعينها و اختلفوا هل نزع الخف ناقض لهذه الطهارة أم لا؟ فقال قوم: إن نَزَعه و غسل قدميه فطهارته باقية، و إن لم يغسلهما و صلّى أعاد الصلاة بعد غسل قدميه، و ممّن قال بذلك مالك و أصحابه و الشافعي و أبو حنيفة إلى أن قال و قال قوم: طهارته باقية حتى يحدث حدثاً ينقض الوضوء و ليس عليه غسل، و ممّن قال بهذا القول داود و ابن أبي ليلى و قال الحسن بن حي: إذا نزع خُفّيه فقد بطلت طهارته.(1)

و هذه الاختلافات في الفروع مبنية على القول بجواز المسح على اختيار، فإذا بطل الأصل يكون الكلام في الفروع أمراً لغواً لا طائل تحته و إن أطنب القائلون بالجواز الكلام فيها.ص.

ص: 47


1- . بداية المجتهد: 231/18 بتلخيص.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.