ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 16

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 16/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الحدود و التعزيرات

الفصل الثاني في اللواط و السحق و القيادة

في اللواط

الفصل الثاني في بيان حدّ اللواط و هو:وطء الذكران بعضهم بعضاً،و اشتقاقه من فعل قوم لوط؛ و السحق و هو:دلك فرج المرأة بفرج اخرى؛ و القيادة و سيأتي أنّها الجمع بين فاعلي هذه الفواحش (1).

و اللواط:يثبت بالإقرار بإدخال الذكر في دبره و لو بمقدار الحشفة،و في الروضة:إنّ ظاهرهم الاتّفاق على ذلك و إن اكتفوا ببعضها في تحريم امّه و أُخته و بنته (2).

في حالة كونه أربعاً بلا خلاف أجده؛ للعموم و لو في الجملة.

و للصحيح:«بينا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في ملأ من أصحابه،إذ أتاه رجل فقال:يا أمير المؤمنين،إنّي أوقبت على غلام،فطهّرني،فقال:يا هذا،

ص:5


1- في ص 27.
2- الروضة 9:143.

امض إلى منزلك،لعلّ مراراً (1)هاج بك،فلمّا كان من غد عاد إليه،فقال له مثل ذلك،فأجابه كذلك،إلى أن فعل ذلك أربع مرّات،فلمّا كان الرابعة قال له:يا هذا،إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهنّ شئت» الحديث (2)،و سيأتي باقية (3).

و لو أقرّ دون ذلك عُزّر كما قالوه؛ لإقراره على نفسه بالفسق؛ و لم أعرف دليل الكلّية،مع منافاة الحكم هنا لظاهر الصحيحة السابقة، حيث لم ينقل فيها التعزير في الإقرارات الثلاثة.

و يشترط في المقرّ:التكليف بالبلوغ،و كمال العقل و الاختيار، و الحرّية،فاعلاً كان المقرّ أو مفعولاً كما في سائر الأقارير.

و لو لم يقرّ،بل شهد عليه أربعة رجال عدول ثبت اللواط أيضاً،بلا خلاف،كما في الزناء.

و لا يثبت بشهادة النساء و لو ثلاثاً منضمّات مع الرجال؛ لعموم النصوص بعدم قبول شهادتهنّ في الحدود (4)،خرج منه الزناء على بعض الوجوه للنصوص (5)،و بقي ما نحن فيه داخلاً فيه؛ لاختصاصها بالزناء، و لا موجب للتعدية أصلاً بعد كون القياس حراماً.

و لو كانوا أي الشهود دون ذلك العدد أي الأربع بأن كانوا ثلاثة فما دون و لو مع النساء حُدُّوا بلا خلاف؛ للفرية،كما في الزناء.

ص:6


1- المِرَّة:مزاج من أمزجة البدن لسان العرب 5:168.
2- الكافي 7:1/201،التهذيب 10:198/53،الإستبصار 4:822/220،الوسائل 28:161 أبواب حدّ اللواط ب 5 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- في ص 11.
4- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 الأحاديث 29،30،42.
5- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 الأحاديث 4،5،10،11،25.

و يقتل الموقب خاصّة لو لاط بصغير أو مجنون بلا خلاف؛ للعموم،و خصوص ما يأتي من النصوص.

و يؤدّب الصغير و كذا المجنون إن كان ممّن يشعر بالتأديب كما قيل (1)؛ و بتأديب الصغير صريح الخبر:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأة و زوجها قد لاط بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه الشهود بذلك،فأمر به(عليه السّلام)فضرب بالسيف حتى قتل،و ضرب الغلام دون الحدّ،و قال:أما لو كنت مدركاً لقتلتك؛ لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك» (2).

و أمّا الخبر المتضمّن لقتل الغلام باللواط (3)،فمع قصور سنده، و مخالفته الإجماع و الأُصول،محمول على المُدرِك.

و لو كانا بالغين قُتِلا إجماعاً؛ للعموم،و الخبر المزبور بعد الحمل المذكور.

و كذا يقتل اللاطي أو يجلد لو لاط بعبده و يؤدّب هو إن كان صغيراً،و يقتل أيضاً إن كان بالغاً؛ للعموم،مع عدم تعقّل فرق في الموطوء بين الحرّ و العبد.

و لو ادّعى العبد الإكراه من مولاه عليه دُرئ عنه الحدّ دون المولى؛ لقيام القرينة على ذلك،و لأنّه شبهة محتملة فيدرأ بها الحدّ.

و منه يظهر انسحاب الحكم فيما لو ادّعى الإكراه من غير مولاه مع

ص:7


1- كشف اللثام 2:407.
2- الكافي 7:4/199،التهذيب 10:192/51،الإستبصار 4:818/219،الوسائل 28:156 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 1.
3- التهذيب 10:199/54،الإستبصار 4:823/220،الوسائل 28:156 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 2.

إمكانه،و كذا في كلّ من ادّعاه معه،كما صرّح به جماعة (1)؛ لعموم درء الحدّ بالشبهة.

و لو لاط الذمّي بمسلم،قتل و إن لم يوقب بلا خلاف في الظاهر؛ لهتكه حرمة الإسلام،و هو أشدّ من الزناء بالمسلمة،فيشمله فحوى ما دلّ على قتله بزناه بها (2)،مضافاً إلى عموم النصوص الآتية بأنّ حدّ اللوطي حدّ الزاني،فكما أنّ حدّ الذمّي الزاني بها ذلك،فليكن هو حدّه هنا أيضاً، و سيأتي أنّ المراد باللوطي فيها غير الموقب،فتدلّ على الموقب بطريق أولى.و الحربيّ أولى بذلك كما لا يخفى.

و لو لاط الذمّي بمثله،فللإمام الإقامة للحدّ عليه أو دفعه إلى أهل ملّته،ليقيموا عليه حدّهم كما في سائر القضايا؛ و مرّ مستنده في الزناء .

و موجَب الإيقاب القتل للفاعل و المفعول إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً عالماً و يستوي فيه كلّ موقِب و موقَب،حتى العبد و غير المحصن،بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في السرائر (3)،بل ظاهرهم الإجماع عليه،كما في جملة من العبائر،و منها الانتصار و الغنية (4)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و لكن بإزائها نصوص أُخر،دالّة على أنّ حدّ اللوطي حدّ الزاني،إن

ص:8


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:432،و الروضة 9:148،و الكاشاني في المفاتيح 2:64،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:407.
2- الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1.
3- السرائر 3:459.
4- الانتصار:251،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

كان قد أحصن رجم،و إلّا جلد (1).

إلّا أنّها شاذّة لا عامل بها،موافقة للتقيّة،كما صرّح به شيخ الطائفة (2)،حاملاً لها عليها تارة،و أُخرى على غير الإيقاب؛ لتسميته لواطاً أيضاً اتّفاقاً،بل يستفاد من بعض الروايات (3)كونه المراد باللوطي الوارد في النصوص حكمه من القتل و غيره،و هو حسن.إلّا أنّ جملةً منها لا يقبل الحمل الأخير:

منها الصحيح:«إن كان ثقب و كان محصناً رجم» (4).

و المرسل القريب منه بابن أبي عمير،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في الذي يوقب:أنّ«عليه الرجم إن كان محصناً،و عليه الجلد إن لم يكن محصناً» (5).

فينبغي حملها على التقيّة خاصّة،كما صرّح به الشيخ أيضاً،فقال بعد نقله:الوجه فيه ما قدّمناه من حمله على التقيّة،لا غير.

أقول:و هو الجواب عن الأول أيضاً،لكنّه أجاب عنه بوجه آخر، فقال:و تقييد ذلك بكونه محصناً إنّما يدلّ من حيث دليل الخطاب على أنّه إذا لم يكن محصناً لم يكن عليه ذلك،و قد ينصرف عنه لدليل،و قد قدّمنا ما يدلّ على ذلك.

ص:9


1- انظر الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1.
2- التهذيب 10:55 و 56.
3- الجعفريات:135،مستدرك الوسائل 18:79 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 3.
4- الكافي 7:12/200،التهذيب 10:203/55،الإستبصار 4:827/221،الوسائل 28:159 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 7.
5- التهذيب 10:205/56،الإستبصار 4:830/222،الوسائل 28:160 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 8.

أقول:و يضعّف الأخبار المزبورة زيادةً على ما مضى ضعف أكثرها سنداً،و اختصاصها بالفاعل دون المفعول،فلم يتعرّض في أكثرها لحكمه،بل في بعضها أنّ حدّه القتل،ففيه:رجل أتى رجلاً،قال:«عليه إن كان محصناً القتل،و إن لم يكن محصناً فعليه الجلد» قال:فقلت:فما على المؤتى؟قال:«عليه القتل على كلّ حال،محصناً كان أو غير محصن» (1).

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما اختاره بعض متأخّري متأخّري الأصحاب من اشتراط الإيقاب و الإحصان جميعاً في قتل الفاعل أو رجمه (2).

و لا يُحَدّ المجنون مطلقاً و لو كان فاعلاً على الأصحّ الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما مرّ في زناه من الأدلّة (4).

خلافاً لمن مرّ ثمّة،فيحدّ كما لو زنى (5)؛ للفحوى.

و يمنع بمنع المقيس عليه جدّاً.

و الإمام مخيّر في قتل الموقب،بين قتله بالسيف و رجمه، و إلقائه من جدار عال يموت به و إحراقه بالنار حيّاً،و إلقاء جدار عليه،كما ذكره الشيخان (6)و الأكثر،و نفى عنه الخلاف في السرائر (7)،

ص:10


1- الكافي 7:2/198،الفقيه 4:85/30،التهذيب 10:201/55،الإستبصار 4:825/220،الوسائل 28:154 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 4.
2- مفاتيح الشرائع 2:74.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- راجع ج 15:438.
5- راجع ج 15:438.
6- المفيد في المقنعة:786،الشيخ في النهاية:704.
7- السرائر 3:459.

و عليه الإجماع في الغنية (1)،و كذا في الانتصار (2)،إلا أنّه لم يذكر الإحراق،و هو ظاهر المسالك أيضاً (3)؛ إلّا أنّه لم يذكر الأخير في متعلّق التخيير؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة بعد ضمّ بعضها إلى بعض.

ففي الحسن الوارد فيمن أقرّ بالإيقاب-:«يا هذا،إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) حكم في مثلك ثلاثة أحكام،فاختر أيّهنّ شئت،قال:و ما هي يا أمير المؤمنين؟قال:ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت،أو إهدارك من جبل مشدود اليدين و الرجلين،أو إحراق بالنار» (4).

و في الخبر:«لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي» (5).

و في آخر،عن أمير المؤمنين(عليه السّلام):أنّه رجم بالكوفة رجلاً كان يؤتى في دبره (6).

و عنه(عليه السّلام)أنّه قال في اللواط:«هو ذنب لم يعص اللّه تعالى به إلّا امّة من الأُمم،فصنع اللّه تعالى بها ما ذكر في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعله اللّه عزّ و جلّ بهم» (7).

ص:11


1- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
2- الانتصار:251.
3- المسالك 2:432.
4- الكافي 7:1/201،التهذيب 10:198/53،الإستبصار 4:822/220،الوسائل 28:157 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 7:3/199،الفقيه 4:87/31،التهذيب 10:196/53،الإستبصار 4:821/219،الوسائل 28:157 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 2.
6- دعائم الإسلام 2:1600/455،مستدرك الوسائل 18:80 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 6.
7- دعائم الإسلام 2:1602/456،مستدرك الوسائل 18:81 أبواب حدّ اللواط ب 2 ح 5.

و عنه(عليه السّلام):«إذا كان الرجل كلامه كلام النساء،و مشيه مشي النساء، و يمكّن من نفسه فينكح كما ينكح النساء،فارجموه و لا تستحيوه» (1).

و أمّا إلقاء الجدار عليه،فقيل:إنّ فيه خبراً (2)مرويّاً عن مولانا الرضا (3)(عليه السّلام).

و قصور الأسانيد أو ضعفها منجبر بالعمل،و كذا الدلالة؛ مع أنّ في التخيير جمعاً بينها كما عرفته.

نعم،ربما نافى مفهوم العدد في الحسنة التخيير بين الرجم و إلقاء الجدار عليه أيضاً،إلّا أنّه لا يعترض به المنطوق ؛ مع أنّ ظاهرها كون التخيير إلى المحدود دون الإمام،و هو خلاف ما ذكره الأصحاب و شهد به بعض الروايات،كالخبر:«كتب خالد إلى أبي بكر:أنّه اتي برجل يؤتى في دبره،فاستشار أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقال:أحرقه بالنار،فإنّ العرب لا ترى القتل شيئاً» (4).

و يجوز أن يضمّ الإحراق إلى غيره من العقوبات الأُخر بأن يقتل بالسيف أو الرجم أو الرمي به أو عليه،ثم يحرق،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في السرائر (5)،زيادةً في الردع.

ص:12


1- الكافي 7:36/268،التهذيب 10:598/149،الوسائل 28:159 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 5.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):277،مستدرك الوسائل 18:80 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 5.
3- كشف اللثام 2:408.
4- المحاسن:106/112،الوسائل 28:160 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 9؛ بتفاوت يسير.
5- السرائر 3:458،459.

و في الصحيح (1)و غيره (2):أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)أمر بقتل الذي أُخذ في زمن عمر،ثم قال بعد قتله:«قد بقيت له عقوبة أُخرى،قال:و ما هي؟ قال:ادع بِطُنّ (3)من حطب،فدعا به،ثم أخرجه فأحرقه بالنار».

و من لم يوقب كالمفخّذ و الفاعل بين الأليتين فحدّه مائة جلدة مطلقاً و لو كان محصناً على الأصحّ الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة البراءة،و الشكّ في وجوب الزائد،فيدرأ به؛ للشبهة،و للخبر:

في الرجل يفعل بالرجل،فقال:«إن كان دون الثقب فالحدّ،و إن كان ثقب أُقيم قائماً ثم ضرب بالسيف» (5)و الظاهر أنّ المراد بالحدّ الجلد.

خلافاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (6)في المحصن،فالقتل؛ جمعاً بين النصوص المتقدّمة،بحمل ما دلّ منها على القتل مطلقاً على الموقب، و ما دلّ منها على التفصيل بين المحصن و غيره على غيره.

و هو حسن،لولا قوّة احتمال ورود الأخيرة للتقيّة،كما يرشد إليه تصريح جملة منها معتبرة بالتفصيل أيضاً في الموقب،مع ضعف أسانيد غيرها،و تبادر الموقب من اللوطي فيها،و عدم مكافأتها للنصوص التي

ص:13


1- الكافي 7:5/199،التهذيب 10:195/52،الوسائل 28:158 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 3.
2- الكافي 7:6/199،التهذيب 10:193/52،الإستبصار 4:819/219،الوسائل 28:158 أبواب حدّ اللواط ب 3 ح 4.
3- الطنّ:حزمة القصب الصحاح 6:2159.
4- الانتصار:251،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- الكافي 7:7/200،التهذيب 10:194/52،الإستبصار 4:820/219،الوسائل 28:153 أبواب حدّ اللواط ب 1 ح 2.
6- النهاية:704،القاضي في المهذب 2:530،ابن حمزة في الوسيلة:413.

تقابلها.

و للإسكافي و الصدوقين (1)،فأوجبوا القتل فيه مطلقاً و لو لم يكن محصناً،فإنّهم فرضوه فيه،و جعلوا الإيقاب هو الكفر باللّه تعالى؛ للخبر:

عن اللواط،فقال:«بين الفخذين» و عن الموقب،فقال:«ذلك الكفر بما أنزل اللّه تعالى على نبيّه» (2).

و هو مع ضعف سنده معارض بالخبر الذي مرّ سنداً للأكثر؛ للتصريح فيه بأنّ غير الموقب يحدّ و الموقب يقتل،و هو و إن شابه الأول في السند،إلّا أنّه منجبر بالأصل و العمل،فحينئذٍ ينبغي طرحه أو حمله على المستحلّ،فتأمّل ،أو المبالغة في الذنب.

و على الأقوال يستوي فيه أي في الجلد مائة الفاعل و المفعول،و الحرّ و العبد و المسلم و الكافر إن لاط بمثله لا بمسلم؛ لوجوب قتله حينئذ؛ لهتكه حرمة الإسلام و إهانته به.

و لا ينتصف حدّ العبد هنا كما ينتصف في زناه،بلا خلاف،بل في الغنية و عن نكت الإرشاد (3)أنّ عليه إجماع الأصحاب؛ و هو الحجّة، المؤيّدة بإطلاق الرواية.

و لو تكرّر من غير الموقب اللواط ثلاثاً مع تكرار الحدّ بعد كلّ مرّة قتل في المرّة الرابعة،على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى

ص:14


1- حكاه عنهم في المختلف:764.
2- التهذيب 10:197/53،الوسائل 20:340 أبواب النكاح المحرّم ب 20 ح 3.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622،حكاه عن شرح الإرشاد في المسالك 2:433،و هو غاية المراد 4:212.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622.

ما يظهر منها و من جماعة (1)مساواته مع الزاني في ذلك،و أنّ كلّ من قال بالقتل في الرابعة ثمّة قال به في المسألة،و من قال به ثمّة في الثالثة قال به هنا.

و ظاهرهم الإجماع على عدم الفرق بين المسألتين،حتى أنّ شيخنا في الروضة استدلّ للقتل في الرابعة هنا بالرواية (2)الدالّة عليه في تلك المسألة (3).

و حينئذ،فهذا الإجماع أقوى دليل على الحكم هنا و إن اختصّ مورد الرواية التي استدلّ بها بالزناء،و لولاه لكان القول بالفرق متّجهاً؛ لعموم الصحيح بقتل أصحاب الكبائر في الثالثة (4)،مع خلوّه هنا لما عرفت عن المعارض،إلّا أنّ الإجماع المنقول المعتضد بفتوى الأكثر،و بما دلّ على درء الحدود بالشبهة الحاصلة هنا من جهة الخلاف بلا شبهة كافٍ في تخصيص الصحيحة.

و يعزّر المجتمعان تحت إزار واحد حال كونهما مجرّدين و لا رحم أي لا قرابة- بينهما و لا ضرورة(بما يراه الحاكم) (5) من ثلاثين سوطاً إلى تسعة و تسعين على المشهور.و قد تقدّم الكلام في

ص:15


1- منهم الشيخ في النهاية:706،المحقق في الشرائع 4:160،الفاضل المقداد في التنقيح 4:352.
2- الكافي 7:1/191،التهذيب 10:129/37،الإستبصار 4:790/212،الوسائل 28:116 أبواب حدّ الزنا ب 20 ح 1.
3- الروضة 9:153.
4- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.
5- ليست في«ن».

المسألة مستوفى (1).

بقي هنا شيء،و هو:أنّ التقييد بنفي الرحميّة و الضرورة لم يوجد في أكثر روايات المسألة.

نعم،في الخبر:الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد،فقال:

«أذوا رحم؟» فقال:لا،فقال:«أمن ضرورة؟» قال:لا،قال:«يضربان ثلاثين سوطاً» الحديث (2).

و فيه إيماء إليه،لكنّه مع قصور السند يشكل في الأول بأنّ مطلق الرحم لا يوجب تجويز ذلك،فالأولى ترك التقييد به،أو التقييد بكون الفعل محرّماً ،و فيه غنى عن التقييد بالضرورة و التجرّد أيضاً.

مع أنّه لا وجه لاعتبار الأخير أصلاً،حيث يحصل التحريم بالاجتماع الذي هو مناط التعزير من دونه،و لعلّه لذا خلا أكثر النصوص من اعتباره،و بعض النصوص المتعرّض له غير صريح في التقييد به،لكنّه ظاهر فيه،مع صحّة سنده.

و فيه:«كان عليُّ(عليه السّلام)إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة،و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة مائة جلدة» (3).

و صريحه ككثير من النصوص (4)عدم الفرق في المجتمعين بين كونهما رجلين أو امرأتين،و في جملة أُخرى منها عدمه في المجتمعين

ص:16


1- راجع ج 15:450 451.
2- الفقيه 4:21/14،التهذيب 10:146/41،الإستبصار 4:797/213،الوسائل 28:90 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.
3- الكافي 7:10/182،الوسائل 28:89 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 15.
4- انظر الوسائل 28:أبواب حدّ الزنى ب 10 الأحاديث 1،2،4،6.

ذكراً و أُنثى (1)،فلا وجه لتقييد المجتمعين بالذكرين،كما يوجد في كلام بعض أصحابنا (2)،فتأمّل جدّاً .

و لو تكرّر الاجتماع المحرّم مع تكرار التعزير،حُدّا في المرّة الثالثة كما عن النهاية و الحلّي و القاضي و ابن سعيد و في القواعد و التحرير و الإرشاد (3)؛ و مستندهم غير واضح،عدا ما سيأتي من الخبر الناطق بذلك في المرأتين (4)،و هو مع أخصّيته عن المدّعى (5)متضمّن لما لا يقولون به،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى (6).

و عن ابن حمزة:أنّه إن عادا ثلاثاً و عُزّرا بعد كلّ مرّة،قتلا في الرابعة (7).

و كذا يعزَّر من قبّل غلاماً بشهوة من غير رأفة،بلا خلاف أجده؛ لأنّه فعل محرّماً،فيستحقّ فاعله التعزير مطلقاً،كغيره من المحرّمات،بل الأمر فيه آكد.

ففي الخبر المشتهر:«إنّ من قبّل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء، و ملائكة الأرضين،و ملائكة الرحمة،و ملائكة الغضب» (8).

ص:17


1- انظر الوسائل 28:أبواب حدّ الزنا ب 10 الأحاديث 3،5،7،9،10.
2- اللمعة(الروضة البهية 9):155.
3- النهاية:705،الحلّي في السرائر 3:460،القاضي في المهذّب 2:531،ابن سعيد في الجامع للشرائع:555،القواعد 2:257،التحرير 2:224،الإرشاد 2:175.
4- التهذيب 10:159/44،الإستبصار 4:811/217،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25.
5- في«ن» زيادة:أو عدم ارتباط بما هنا.
6- في ص 23.
7- الوسيلة:414.
8- فقه الرضا(عليه السّلام):278،مستدرك الوسائل 14:351 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 3.

و في آخر:«من قبل غلاماً بشهوة ألجمه اللّه تعالى بلجام من نار» (1).

و لا فرق بين المحرم و الأجنبي؛ لإطلاق الدليل،و إن قيّده الأكثر بالثاني.و يحتمل ورود القيد في كلامهم مورد الغالب؛ لأظهريّة الشهوة فيه،و إلّا فلا وجه له،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني (2)،بل مناط التعزير في المحرم آكد،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (3)(رحمه اللّه).

و من عموم المناط يظهر عدم الفرق أيضاً بين الصغير و الصغيرة،بل و لا بين الرجل و المرأة،كما يستفاد من إطلاقهم التعزير في التقبيل و المضاجعة.

و منه يظهر عدم الوجه في ذكر المسألة على حدة بعد دخولها في عموم تلك المسألة،إلّا أن تخصّ بالمرأة،و لكن لا وجه له بعد عموم المناط و العلّة.

و في الخبر:مُحرم قبّل غلاماً بشهوة،قال:«يضرب مائة سوط» (4).

و هو شاذّ،و ربما حمل على التغليظ؛ لمكان الإحرام،كما صرّح به الأصحاب عموماً،و الحلّي في المقام (5).و هو حسن،لولا أنّ المشهور اشتراط عدم بلوغ التعزير الحدّ،و لذا إنّ الحلّي لم يصرّح في مورد الخبر بأكثر من التغليظ.

و احترز بالشهوة عمّا يكون برأفة،أو صداقة دنياويّة،أو عادة عرفيّة،

ص:18


1- الكافي 5:10/548،الوسائل 20:340 أبواب النكاح المحرّم ب 21 ح 1.
2- المسالك 2:433.
3- مجمع الفائدة 13:117.
4- الكافي 7:9/200،التهذيب 10:206/57،الوسائل 28:161 أبواب حدّ اللواط ب 4 ح 1.
5- السرائر 3:461.

فإنّه لا حرج في ذلك و لا إثم،كما صرّح به الحلّي،قال:فإنّه قد روي (1)استحباب تقبيل القادم من مكّة بغير خلاف (2).

السحق

اشارة

و يثبت السحق بما يثبت به اللواط بلا خلاف؛ لعموم المنزلة الواردة في بعض الأخبار،كالمرويّ في مكارم الأخلاق عن النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)، قال:«السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال» (3)و نحوه المرسل الآتي.

و الحدّ فيه مائة جلدة مطلقاً حرّة كانت أو أمة،محصنة أو غير محصنة و يستوي في ذلك الفاعلة و المفعولة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا في جلد المحصنة مائة،فقد اختلفوا فيه،و المشهور ذلك كما(صرّح به) (4)في المسالك (5)،بل ظاهره أنّه مذهب المتأخّرين كافّة، كما هو الظاهر،و ظاهر الانتصار بل صريحه أنّ عليه إجماع الإمامية (6).

للأصل،و ظاهر الموثّق كالصحيح:«السحّاقة تُجلَد» (7)،فلو كان فيه رجم لزم الإخبار بالخاصّ عن العام،و هو باطل.

و صريح المرسل المرويّ عن بعض الكتب،عن مولانا الأمير(عليه السّلام)، أنّه قال:«السحق في النساء كاللواط في الرجال،و لكن فيه جلد مائة؛ لأنّه ليس فيه إيلاج» (8)و ضعف السند مجبور بالشهرة.

ص:19


1- الخصال:635،الوسائل 11:447 أبواب آداب السفر ب 55 ح 7.
2- السرائر 3:461.
3- مكارم الأخلاق 1:1720/496،الوسائل 28:166 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 3.
4- ليست في«ب».
5- المسالك 2:433.
6- الانتصار:253.
7- الكافي 7:3/202،الوسائل 28:165 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 2.
8- دعائم الإسلام 2:1603/456،مستدرك الوسائل 18:86 أبواب حد السحق ب 1 ح 4.

و قال الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة:إنّها تُرجَم مع الإحصان (1) للصحيح:«حدّها حدّ الزاني» (2).

و رُدّ بأنّه أعمّ من الرجم،فيحمل على الجلد جمعاً (3).

و هو حسن؛ لرجحان ما تقدّم من وجوه عديدة،منها:الصراحة في بعضه دون هذا؛ لعدم صراحته،و احتماله ما تقدّم.

لكن في الخبر المرويّ في الاحتجاج عن مولانا القائم(عليه السّلام):أنّه سئل عن الفاحشة المبيّنة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها عن بيته في أيّام عدّتها،فقال(عليه السّلام):«تلك الفاحشة:السحق،و ليست بالزناء؛ لأنّها إذا زنت يقام عليها الحدّ،و ليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحدّ الذي أُقيم عليها،و أمّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، و الرجم هو الخزي،و من أمر اللّه تعالى برجمها ليس لأحد أن يقربها» (4).

و في الخبر:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأتين كانتا تتساحقان، فدعا(عليه السّلام)بالنطع،فأمر بهما فأُحرقتا بالنار» (5).

و يمكن الذبّ عنهما بقصور السند،و أعمّية الثاني من المطلب، و تضمّن الأول لما لا يقول به أحد.مع ضعفهما و لو سلما عن جميع

ص:20


1- النهاية:706،القاضي في المهذّب 2:531،ابن حمزة في الوسيلة:414.
2- الكافي 7:1/202،الفقيه 4:86/31،التهذيب 10:210/58،الوسائل 28:165 أبواب حدّ السحق ب 1 ح 1.
3- انظر المختلف:765،و الإيضاح 4:494،و التنقيح 4:353.
4- كمال الدين:459،الاحتجاج:463،الوسائل 20:437 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 12 ح 5؛ بتفاوت.
5- التهذيب 10:199/54،الإستبصار 4:823/220،الوسائل 28:166 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 1 ح 4؛ بتفاوت يسير.

ذلك عن المقاومة لما مرّ؛ لرجحانه بعمل الأكثر،بل عامّة من تأخّر كما سبق،و به يجاب عن النصوص الآتية في المسألة الثانية و إن تضمّنت الصحيح و غيره و نصّت برجم المحصنة،مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك المسألة،إلّا أنّه خلاف ظاهر الجماعة،فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة،إلّا أنّ درء الحدود بها يوجب المصير إلى الجلد مطلقاً.

هذا،و يستفاد من الروضة أنّ به أخباراً صحيحة،حيث قال في المسألة الآتية:و قيل:ترجم الموطوءة؛ استناداً إلى رواية ضعيفة السند، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (1).

انتهى.

لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان،و صحّة ما دلّ على عدمه مطلقاً غريبة،بل الأمر بالعكس كما عرفته،و هو ظاهر الجماعة،حتى هو في المسالك (2)،و لأجله مال فيه إلى هذا القول،و يشبه أن يكون ذلك منه غفلة،فلا يمكن أن يتّخذ ما ادّعاه من الأخبار الصحيحة حجّة أو معاضدة.

نعم،لو لم يدّع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك باحتمال وقوفه على تلك الأخبار و إن بعد،حيث لم نقف عليها،و لم يتعرّض لها و لو إشارةً غيره.إلّا أنّ دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان؛ لما عرفت،سيّما مع اعتضاده بما ذكرناه هنا.

و تقتل المساحقة مطلقاً في الرابعة مع تكرّر الحدّ ثلاثاً على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،حتى بعض من أوجب القتل في

ص:21


1- الروضة 9:162.
2- المسالك 2:433،434.

الثالثة في الزناء و اللواط،كالشهيد في اللمعة،بل يفهم من الروضة عدم ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة،حيث قال:و ظاهرهم هنا عدم الخلاف،و إن حكمنا بقتل الزاني و اللائط في الثالثة،كما اتّفق في عبارة المصنّف (1).انتهى.

و لكن ظاهر جماعة منهم كالحلّي في السرائر،و الفاضل في المختلف (2)جريان الخلاف المتقدّم هنا أيضاً،و اختار الحلّي الخلاف هنا صريحاً.

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته بالإقرار أو البيّنة،كاللواط فإنّه كذلك أيضاً يسقط حدّه بها قبل ثبوته بأحد الأمرين.

و لا يسقط بعد الثبوت بالإقرار أو البيّنة .

و يجب على الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني،و ليس له العفو عنه فيه.

و يتخيّر بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين (3)ما مرّ في الزناء (4).

لاشتراك الجميع في هذه الأحكام و أمثالها،كما يستفاد من ظاهر الأصحاب،من غير أن يعرف بينهم في ذلك خلاف،و به صرّح في الغنية، مدّعياً عليه الإجماع (5).

و يعزّر المرأتان المجتمعتان تحت إزار واحد مجرّدتين من ثلاثين إلى تسعة و تسعين،كما مرّ في الذَّكَرين المجتمعين (6).

ص:22


1- الروضة 9:159 160.
2- السرائر 3:467،المختلف:766.
3- في«ب»:لعين.
4- راجع ج 15:458 460.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
6- راجع ص 15.

و لو تكرّر منهما الاجتماع مرّتين مع التعزير بينهما أُقيم عليهما الحدّ في المرّة الثالثة بلا خلاف أجده،إلّا من الحلّي في السرائر،فظاهره القتل في الثالثة؛ لأنّه كبيرة،و كلّ كبيرة يقتل بها في الثالثة (1).و كلّية الكبرى ممنوعة كما ستعرفه،و مع ذلك يردّه الأصل و صريح الرواية الآتية،المنجبرة في محلّ البحث بالشهرة العظيمة،التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و لو عادتا رابعةً قال الشيخ في النهاية (2) و جماعة (3):

قتلتا للخبر:« لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحافٍ واحد إلّا و بينهما حاجز،فإن فعلتا نهيتا عن ذلك،فإن وجدتا بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا،فإن وجدتا الثالثة حدّتا،فإن وجدتا الرابعة قتلتا» (4).

و لأنّه كبيرة يقتل بها في الرابعة (5).

و فيهما نظر؛ لضعف سند الأول،مع اشتماله على ما لا(يقولون به) (6)من الحدّ في المرّة الثانية،و ظاهره أيضاً عدم شيء في المرتبة الأُولى عدا النهي خاصّة،و لم يقل به أحد من الطائفة.

ص:23


1- السرائر 3:442،467.
2- النهاية:708.
3- منهم ابن البرّاج في المهذّب 2:533،الحلبي في الكافي في الفقه:410،المحقّق في الشرائع 4:160،العلّامة في المختلف:766.
4- التهذيب 10:159/44،الإستبصار 4:811/217،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 25.
5- إيضاح الفوائد 4:494.
6- في«ب»:يقول به أحد.

و منع كلّية الكبرى في الثاني؛ لما في المسالك من أنّه إن أُريد أنّه مع إيجابها الحدّ فمسلّم،لكن لا يقولون به هنا،و إن أرادوا مطلقاً فظاهرٌ منعه (1).

و من ثمّ اختار الفاضلان و الشهيدان و أكثر المتأخّرين كما في المسالك (2)الاقتصار على التعزير مطلقاً،إلّا في كل ثالثة،فالحدّ.

و لا ريب أنّه أحوط.

و هنا

مسألتان
الأولى لا كفالة في حدّ

مسألتان :

الاُولى: لا كفالة في حدّ زناء و لا غيره من الحدود؛ للنبويّ (3)و المرتضويّ (4)الخاصّيّين،و لأدائه إلى التأخير و التعطيل.

و لا تأخير فيه مع القدرة على إقامته،كما في المرتضويين:

في أحدهما:«ليس في الحدود نظرة ساعة» (5).

و في الثاني:«إذا كان في الحدّ لعلّ و عسى فالحدّ معطّل» (6).

إلّا لعذر و مصلحة،كبرء المريض،و وضع الحبلى،و الإرضاع، و اجتماع الناس،كما مرّ (7).

ص:24


1- المسالك 2:434.
2- المحقّق في الشرائع 4:161،العلّامة في التحرير 2:225،الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:160،المسالك 2:434.
3- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:499/125،الوسائل 28:44 أبواب مقدّمات الحدود ب 21 ح 1.
4- دعائم الإسلام 2:1652/466،مستدرك الوسائل 18:25 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.
5- الفقيه 4:56/36،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 1.
6- الفقيه 4:110/36،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 25 ح 2.
7- راجع ج 15:496 498.

و لا شفاعة في إسقاطه لقوله تعالى وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ [1] (1)و للمستفيضة:

ففي الخبرين:«لا تشفع في حدّ» (2).

و في آخر:«لا يشفعنّ أحدٌ في حدّ إذا بلغ الإمام،فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم،و اشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له،و لا تشفع في حقّ امرئ مسلم و لا غيره إلّا بإذنه» (3)،و قريب منها الصحيح و غيره (4).

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده.

الثانية:لو وطئ زوجته،فساحقت بكراً

الثانية:لو وطئ زوجته،فساحقت بكراً،فحملت البكر فالولد له أي للواطئ لأنّه مخلوق من مائه،و لا موجب لانتفائه عنه،فلا يقدح كونها ليست له فراشاً مع صدق الولد عليه عرفاً و لغةً.

و لا يلحق بالزوجة قطعاً،و لا بالبكر على قول مشهور.و يقوى الإلحاق؛ للصدق العرفي،و انتفاء المانع الشرعي؛ إذ ليس إلّا الزناء، و السحق ليس منه لغةً و لا عرفاً،فيشمله إطلاق ما دلّ على أحكام الولد، من حرمة التناكح،و ثبوت التوارث،مع أنّ الأول ثابت في ولد الزناء اتّفاقاً،

ص:25


1- النور:2.
2- أحدهما في:الكافي 7:1/254،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 3. و الآخر في:الكافي 7:4/254،الوسائل 28:43 أبواب مقدّمات الحدود ب 20 ح 2.
3- الكافي 7:3/254،التهذيب 10:498/124،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 4.
4- انظر الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 20.

فهنا أولى.

فالإلحاق أقوى،إلّا أن يتردّد في شمول الإطلاق لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه.و شمول الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للتبادر (1)بناءً على كونه منه أيضاً؛ لاحتمال كون الإجماع دليلاً مستقلا على الشمول لا قرينة على الدخول تحت الإطلاق.

و على زوجته المساحقة الحدّ للسحق،جلداً أو رجماً،على الخلاف الذي مضى (2).

و المهر للبكر؛ لأنّها سبب في إذهاب عذرتها،و ديتها مهر نسائها.و ليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض (3)، بخلاف هذه.

و على الصبيّة الجلد مائة إذا كانت مطاوعة،بلا خلاف فيه أجده، و كذا فيما سبقه.إلّا من الحلّي،فلم يلحق الولد بالرجل؛ لعدم ولادته على فراشه،و الولد للفراش.و لم يثبت المهر؛ لأنّ البكر بغيّ بالمطاوعة، فلا مهر لها (4).و قد عرفت جوابه.

و يدلّ على أصل المسألة زيادةً عليه النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:«يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشقّ فتذهب عذرتها،ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة،و ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها و يردّ إلى أبيه

ص:26


1- في«ح» و«ب»:للنادر.
2- في ص 19.
3- في«ب»:الافتضاض.
4- السرائر 3:465.

صاحب النطفة،ثم تجلد الجارية الحدّ» الخبر (1)،و في معناه غيره (2).

و هي مع استفاضتها،و صحّة بعضها لا قصور فيها إلّا من حيث الدلالة على رجم المحصنة،مع أنّ الأكثر لم يقولوا به،و هذا القصور مع اختصاصه بهم،دون الشيخ (3)و من تبعه (4)غير قادح في الحجّية؛ فإنّ خروج بعض الرواية عنها بدلالة خارجيّة أقوى لا يوجب خروجها عنها طرّاً،و إن هي (5)إلّا كالعامّ المخصَّص،الذي هو حجّة في الباقي كما عرفته مراراً.

مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة؛ عملاً بهذه النصوص في موردها،و جمعاً بينها و بين ما مرّ من الدليل على عدم رجم المساحقة مطلقاً،كما ذكره بعض الأجلّة (6).

لكن فيه زيادةً على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا الجمع من حيث تعليله رجم الزوجة بأنّها محصنة، و هو كالصريح في عدم مدخليّة للخصوصيّة،و أنّ (7)الإحصان من حيث هو هو العلّة في رجمها.

القيادة

و أمّا القيادة ،فهي:الجمع بين الرجال و النساء للزناء،و الرجال

ص:27


1- الكافي 7:1/202،الوسائل 28:167 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 1.
2- التهذيب 10:211/58،الوسائل 28:169 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 3 ح 3.
3- النهاية:707.
4- كالقاضي في المهذب 2:531،و ابن حمزة في الوسيلة:414.
5- في«ن» زيادة:حينئذ.
6- انظر مجمع الفائدة 13:123.
7- في«س»،«ن»:فإنّ.

و الصبيان و النساء للّواط و السحق.

و يثبت بشاهدين عدلين أو الإقرار من القائد البالغ العاقل المختار مرّتين بلا خلاف؛ للعموم،و مقتضاه الثبوت بالثاني و لو مرّة، و لكن لا قائل به أجده،بل ظاهرهم الاتّفاق على اعتبار المرّتين،و مستندهم من دونه غير واضح.

و عن المراسم و المختلف (1):أنّ كلّ ما فيه بيّنة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرّتين.

و الحدّ فيه خمس و سبعون جلدة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و المسالك (2)،و به صريح الرواية الآتية و ليس فيها ما قيل من أنّه يحلق مع ذلك رأسه و يشهّر في البلد، لكنّه مشهور بين الأصحاب،مدّعى عليه في الانتصار و الغنية الإجماع،و هو كافٍ في الثبوت،سيّما مع الاعتضاد بفتوى المشهور،سيّما مثل الحلّي (3)، الذي لا يعمل بالآحاد،مع أنّه لا مخالف فيه صريحاً،و إنّما ظاهر المتن و غيره التردّد فيه،و لا وجه له بعد ما عرفته.

و يستوي فيه الحرّ و العبد،و المسلم و الكافر بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى إطلاق الرواية الآتية.

و ينفى عن بلده إلى غيره من الأمصار من غير تحديد لمدّة نفيه

ص:28


1- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:410،و هو في المراسم:259،انظر المختلف:763.
2- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المسالك 2:434.
3- السرائر 3:471.
4- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

بأوّل مرّة وفاقاً للنهاية (1)و جماعة (2).

و قال المفيد و ابنا زهرة و حمزة و الديلمي (3)و غيرهم (4):إنّه إنّما ينفى في الثانية.

و الأول مرويّ في رواية عبد اللّه بن سنان التي هي الأصل في هذه المسألة-:عن القوّاد،قال:«يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة و سبعين سوطاً،و ينفى من المصر الذي هو فيه» (5)و نحوه الرضوي (6).

و التصريح بأوّل مرّة و إن لم يقع في شيء منهما،لكنّه مقتضى الإطلاق جدّاً (7).

و الأحوط القول الثاني،بل لعلّه المتعيّن؛ للأصل،و دعوى الإجماع عليه في الغنية،و هو أرجح من الرواية المذكورة من وجوه،منها:صراحة الدلالة،فتقيّد به الرواية.

و لا نفي على المرأة،و لا جزّ و لا شهرة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (8)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،

ص:29


1- النهاية:710.
2- منهم ابن البرّاج في المهذب 2:534،ابن إدريس في السرائر 3:471،ابن سعيد في الجامع:557.
3- المفيد في المقنعة:791،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن حمزة في الوسيلة:414،الديلمي في المراسم:257.
4- كالحلبي في الكافي في الفقه:410.
5- الكافي 7:10/261،الفقيه 4:100/34،التهذيب 10:235/64،الوسائل 28:171 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):310،مستدرك الوسائل 18:87 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
7- ليست في«س».
8- الانتصار:254،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

و اختصاص الفتوى و الرواية بحكم التبادر بالرجل دون المرأة؛ مع منافاة النفي و الشهرة لما يجب مراعاته من ستر المرأة.

و ظاهر النفي في الفتوى و النصّ إنّما هو الإخراج من البلد،و لكن في الرضوي (1)و غيره (2):روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب.و الرواية مرسلة،فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة.

ص:30


1- فقه الرضا(عليه السّلام):310،مستدرك الوسائل 18:87 أبواب حدّ السحق و القيادة ب 5 ح 1.
2- لم نعثر عليه.

الفصل الثالث في حدّ القذف

الأول في الموجب

الفصل الثالث في بيان حدّ القذف و هو لغةً:الرمي بالحجارة،و شرعاً:قيل:رمي المسلم الحرّ الكامل المستتر بالزناء أو اللواط (1).

و هو حرامٌ بنصّ الكتاب (2)،و السنّة المستفيضة بل المتواترة (3)، مضافاً إلى إجماع الأُمّة.

و مقاصده أربعة:

الأول: في بيان الموجب للحدّ و هو الرمي بالزناء أو اللواط بمثل قوله:زنيت بالفتح أو:لطت،أو:أنت زان،أو:لائط، و شبهه من الألفاظ الدالّة على القذف صريحاً.

و كذا لو قال:يا منكوحاً في دُبُره أو:زنى بك فلان،و شبهه من الألفاظ الظاهرة فيه عرفاً،على إشكال فيها؛ لمجامعة الظهور الاحتمال الذي يدرأ به الحدود.

لكن ظاهرهم الاتّفاق على الحدّ في العبارة الأُولى منها،و به صرّح في المسالك (4)و غيره (5).

ص:31


1- التنقيح الرائع 4:358.
2- النور:4،23.
3- الوسائل 28:175 أبواب حد القذف ب 2.
4- المسالك 2:435.
5- الإيضاح 4:504،التنقيح 4:361.

و بالحدّ فيها صرّح بعض المعتبرة:«كان عليّ(عليه السّلام)يقول:إذا قال الرجل للرجل:يا معفوج (1)،يا منكوحاً في دبره،فإنّ عليه الحدّ حدّ القاذف» (2).

و قصور السند مجبور بالعمل،و بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

فلا إشكال في الحدّ بها،و إنّما الإشكال فيما عداها إن لم يكن ثبوته به إجماعاً.

و أيضاً يعتبر في القاذف معرفته بموضع (3)اللفظ بأيّ لغةٍ اتّفق و إن لم يعرف المواجه معناه إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل أي عرف لغته التي يتلفّظ بها.

و لا حدّ مع جهالة قائلها (4) بمدلوله اتّفاقاً؛ للأصل،و عدم صدق القذف حينئذٍ قطعاً.فإن عرف أنّها تفيد فائدةً يكرهها المواجه عُزِّر،و إلّا فلا. و كذا لو قال لمن أقرّ ببنوّته أو حكم الشرع بلحوقه به: لستَ ولدي أو قال لغيره:لستَ لأبيك،فيُحَدّ لاُمّه،بلا خلاف،بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما في المسالك (5)؛ و هو الحجّة الدافعة للإشكال

ص:32


1- في حاشية«ب»:يا موطوء.و في الصحاح 1:329،العفج:يكنّى به عن الجماع.
2- الكافي 7:16/208،التهذيب 10:245/67،الوسائل 28:177 أبواب حدّ القذف ب 3 ح 2.
3- في«ب»:بموضوع.
4- في المختصر المطبوع:..جهالته فائدتها.
5- المسالك 2:435.

المتقدم إليه الإشارة،الجاري هنا أيضاً؛ بناءً على عدم صراحة الألفاظ المزبورة في القذف باحتمال الإكراه في وطء الأُمّ أو الشبهة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي القويّ بالسكوني و صاحبه:«من أقرّ بولد ثم نفاه جُلِد الحدّ و أُلزم الولد» (1).

و في الخبر:الرجل ينتفي من ولده و قد أقرّ به،فقال:«إن كان الولد من حرّة جُلد خمسين سوطاً،و إن كان من أمة فلا شيء عليه» (2)فتأمّل .

و في آخر:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يعزِّر في الهجاء،و لا يجلد الحدّ إلّا في الفرية المصرّحة،بأن يقول:يا زاني،أو:يا ابن الزانية،أو:لست لأبيك» (3)و نحوه آخر (4).

قيل:و في الحسن مثلهما (5).و لم أقف عليه (6).

و ظاهرها كما ترى كون:«لست لأبيك» من الألفاظ الصريحة،و به صرّح في المسالك،فقال:هذه الصيغة عندنا من الألفاظ الصريحة لغةً و عرفاً،فيثبت بها الحدّ لاُمّة (7).

ص:33


1- الكافي 7:8/261،الفقيه 4:113/36،التهذيب 10:338/87،الإستبصار 4:877/233،الوسائل 28:209 أبواب حدّ القذف ب 23 ح 1.
2- الكافي 7:11/262،الفقيه 4:122/38،التهذيب 10:329/83،الإستبصار 4:878/233،الوسائل 28:209 أبواب حدّ القذف ب 23 ح 2.
3- التهذيب 10:340/88،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.
4- الفقيه 4:105/35،قرب الإسناد:176/54،الوسائل 28:205 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 9.
5- كشف اللثام 2:411.
6- و المراد به هو حسن عبد اللّه بن سنان المصرَّح به في عبارة القائل.الكافي 7:1/205،الوسائل 28:176 أبواب حدّ القذف ب 2 ح 2.
7- المسالك 2:435.

و استشكله بعض الأجلّة لما عرفته،قال:إلّا أن يقال:قد صار عرفاً صريحاً في الرمي به،و هو حسن،إلّا أنّه لا ينفع عذراً لما في المسالك من دعوى الصراحة لغةً (1).

و لو قال:زنى بك أبوك أي ولدت من الزناء أو:يا ابن الزاني فالقذف لأبيه خاصّة أو قال: زنت بك أُمّك،فالقذف لاُمّه كذلك،فيُحَدّ للأب أو الأُمّ دون المواجه؛ لأنّه قذفٌ لهما حقيقةً دونه؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً.لكن يعزّر له كما سيأتي؛ لتأذّيه به.

و لو قال:يا ابن الزانيين،فالقذف لهما دون المواجه؛ لما عرفته، و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال،و في النصوص دلالة عليه:

ففي الصحيح:«و إن قال لابنه و أُمّه حيّة:يا ابن الزانية،و لم ينتف من ولدها،جُلِد الحدّ لها،و لم يفرّق بينهما» الخبر (2)،فتدبر .

و إنّما يثبت الحدّ عليه لهما إذا كانا مسلمَين عاقلَين، حرَّين،محصَنَين،فلا يحدّ مع عدم الشرائط أو أحدها فيهما و إن كان المواجه متّصفاً بها،بل يعزّر لهما.

كما أنّه لو اتّصفا بها يحدّ لهما و لو كان المواجه كافراً أو عبداً.

و بالجملة:فاقد الشرائط و لو بعضاً؛ لأنّهما المقذوف دونه،فيتبع كلّاً منهم حكمه.

و لو قال للمسلم:يا ابن الزانية مثلاً و أُمّه كافرة،فالأشبه: أنّ عليه التعزير وفاقاً للحلّي (3)و عامّة المتأخّرين؛ للأصل،و انتفاء التكافؤ

ص:34


1- مجمع الفائدة 13:132.
2- الكافي 7:13/212،التهذيب 10:298/77،الوسائل 28:196 أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1.
3- السرائر 3:520.

للقاذف أو علوّ المقذوف المشترط في ثبوت الحدّ،فإنّ المقذوف هنا الاُمّ، و هي غير مكافئة.

و قال الشيخ في النهاية و القاضي:إنّه يُحَدّ كاملاً (1)؛ لحرمة الولد،و للخبر عن مولانا الصادق(عليه السّلام):عن اليهوديّة و النصرانيّة تحت المسلم فيُقذَف ابنها،قال:« يُضرَب القاذف؛ لأنّ المسلم قد حصنها» (2).

و يضعف بعدم كفاية حرمة الولد،و ضعف الخبر سنداً،فإنّ فيه بنان ابن محمّد المجهول،و دلالةً:

تارةً:بأنّ قذف الابن أعمّ من نسبة الزناء إلى الأُمّ؛ مع أنّ القذف بذلك ليس قذفاً لابنها،بل لها.

و أُخرى:بأنّ ضرب القاذف أعمّ من الحدّ،فيحتمل التعزير،و نحن نقول به.

و في هذين الوجهين نظر؛ لمنافاة الأول قوله:«إنّ المسلم قد حصنها».

و الثاني موجّه على النسخة المتقدّمة و المرويّة في التهذيب،و لكن في الكافي بدل«يضرب القاذف»:«يضرب حدّا».

فإذاً الجواب عنه بضعف السند بمن مرّ كما في سنده في التهذيب، أو بمعلّى بن محمّد كما في سنده في الكافي.

و منه يظهر ما في المختلف من أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية،فإنّها

ص:35


1- النهاية:725،القاضي في المهذّب 2:548.
2- الكافي 7:21/209،التهذيب 10:67،248/75،290،الوسائل 28:200 أبواب حدّ القذف ب 17 ح 6.

واضحة الطريق (1).

و لو سلّم وضوح الطريق،فالخبر غير مكافئ لما مرّ،من حيث اعتضاده بعمل الأكثر،و حصول الشبهة من جهة الخلاف الدارئة.

و لكن يعضد الخبر ما عن الإسكافي من أنّه مرويّ عن مولانا الباقر(عليه السّلام)،و أنّ الطبري روى:أنّ الأمر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد اللّه بن عمر(على عمر بن عبد العزيز) (2)بأن لا يُحَدّ مسلم في كافر، فترك ذلك (3).

و لو قال:يا زوج الزانية،فالحدّ لها خاصّة و كذا لو قال:

يا أبا الزانية،أو:يا أخا الزانية ف إنّ الحدّ للمنسوبة إلى الزناء دون المواجه بالخطاب.

و لو عطف:يا أبا الزانية و ما بعده،على:يا زوج الزانية،و أسقط قوله:فالحدّ لها،مكتفياً للجميع بقوله:فالحدّ للمنسوبة كما فعله غيره كان أخصر،بل و أحسن،فإنّ ما ذكره ربما يوهم خصوصيّة في الشرطيّة الأُولى دون ما بعدها،أو بالعكس،حيث فصلت إحداهما عن الأُخرى،مع اتّحاد حكمهما،و انتفاء الخصوصيّة قطعاً،و كون دليلهما واحداً.

و لو قال:زنيتَ بفلانة،فللمواجه حدٌّ قطعاً؛ لقذفه بالزناء صريحاً.

و في ثبوته للمرأة المنسوب إليها زناه تردّد ينشأ:

من احتمال الإكراه بالنسبة إليها،و لا يتحقّق الحدّ مع الاحتمال،

ص:36


1- المختلف:780.
2- بدل ما بين القوسين في«س»:بن عبد العزيز.
3- حكاه عنه في غاية المراد 4:231.

و لظاهر الصحيح الوارد في نظير البحث:في رجل قال لامرأته:يا زانية أنا زنيت بك،قال:«عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها،و أمّا قوله:أنا زنيت بك، فلا حدّ عليه فيه،إلّا أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزناء عند الإمام» (1).

فإنّه يعطي بظاهره أنّ قوله:زنيت بك،ليس قذفاً؛ حيث نفى الحدّ فيه أصلاً،و منه حدّ القذف،فتأمّل جدّاً .

و من أنّ الزناء فعل واحد،فإن كذب فيه بالنسبة إلى أحدهما كذب بالنسبة إلى الآخر.و وهنه واضح.

و لعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في الشرع،و لذا يجب الحدّ إجماعاً على من قال:يا منكوحاً في دبره،و نحوه.و فيه منع،و إثباته بالمجمع عليه قياس.

و لتطرّق الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما،فينبغي اندراء الحد عنه بالكلّية.و فيه:أنّ المكرَه على الزناء ليس زانياً.

و إلى الاحتمال الأول ذهب الحلّي،و مال إليه في التحرير (2).و إلى الثاني الشيخان (3)و جماعة (4)،و في الغنية و عن الخلاف (5)الإجماع عليه.

و لولاه لكان الأول أقوى؛ للشبهة الدارئة.

ص:37


1- الكافي 7:1/211،الفقيه 4:116/37،التهذيب 10:291/76،الوسائل 28:195 أبواب حد القذف ب 13 ح 1.
2- الحلّي في السرائر 3:520،التحرير 2:247.
3- المفيد في المقنعة:739،الطوسي في النهاية:725،المبسوط 8:16.
4- منهم ابن البراج في المهذّب 2:548،الحلبي في الكافي في الفقه:414،العلّامة في المختلف:780،فخر المحققين في الإيضاح 4:504،الشهيد الثاني في المسالك 2:435.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623،انظر الخلاف 5:405.

و التعريض بالقذف كقوله لمن ينازعه و يعاديه:لست بزان و لا لائط و لا أُمّي زانية،و قوله:يا حلال ابن الحلال،و نحو ذلك- يوجب التعزير بلا خلاف؛ للصحيح:عن رجل سبّ رجلاً بغير قذف فعرّض به،هل يحدّ؟قال:«لا،عليه تعزير» (1)،و لما فيه من الإيذاء المحرّم الموجب له كما يأتي (2).

و كذا يعزّر لو قال لامرأته:لم أجدك عذراء قاصداً به وهنها (3)،كما صرّح به الحلّي (4)،لا مطلقاً،كما هو ظاهر العبارة و غيرها (5)،و يمكن حملها على الأول،كما هو الغالب في هذا القول جدّاً.

و الحكم بالتعزير هنا في الجملة أو مطلقاً هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المختلف (6)؛ لظاهر الموثّق أو الصحيح:في رجل قال لامرأته:لم أجدك عذراء،قال:«يضرب» قلت:فإنّه عاد،قال:

«يضرب،فإنّه يوشك أن ينتهي» (7).

و الضرب فيه و إن لم يكن صريحاً في التعزير،بل أعمّ منه و من الحدّ،لكنّه مع ظهوره فيه محمول عليه؛ للأصل،و صريح الصحيح الآتي،المترجّح على مثله،المثبت للحدّ بما يأتي.

ص:38


1- الكافي 7:240،3/243،17،التهذيب 10:317/81،الوسائل 28:202 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- في ص:38.
3- في«ب»:الأذى.
4- السرائر 3:532.
5- كعبارة الشرائع 4:164،و التحرير 2:238،و القواعد 2:259،و المختلف:782.
6- المختلف:782.
7- التهذيب 10:299/77،الوسائل 22:437 كتاب اللعان ب 17 ح 2.

خلافاً للعماني،فأوجب الحدّ (1)؛ للصحيح:«إذا قال الرجل لامرأته:

لم أجدك عذراء،و ليست له بيّنة قال: يجلد الحدّ و يخلّى بينه و بينها» (2).

و يحتمل الحدّ فيه التعزير،أو اختصاصه بما إذا قصد بقوله المذكور الرمي بالزناء صريحاً و لو بقرينة الحال،و ينبّه عليه قوله(عليه السّلام):«و ليست له بيّنة».

و منه يظهر عدم إمكان الجمع بينه و بين الموثّق المتقدّم بحمل الضرب فيه على الحدّ؛ لكونه أعمّ منه،مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر،و هو اعتضاد ما ذكرناه من الجمع بالأصل،و الشهرة،و صريح بعض المعتبرة بوجود المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده فلا يضرّ ما فيه من الجهالة:في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها:لم أجدك عذراء، قال:«لا حدّ عليه» (3).

و ظاهر الصحيح:في رجل قال لامرأته:لم تأتني عذراء،قال:« ليس عليه شيء؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع» (4)بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد من الشيء المنفيّ فيه إنّما هو خصوص الحدّ،لا التعزير،و إلّا لشذّ و ما ارتبط التعليل؛ فإنّ مقتضاه عدم القذف الصريح الذي هو مناط للحدّ،لا عدم الأذى الموجب للتعزير؛ لحصوله عادةً و إن احتمل الذهاب بغير جماع بل و تعيّن.

ص:39


1- حكاه عنه في المختلف:782.
2- التهذيب 10:302/78،الوسائل 22:438 أبواب اللعان ب 17 ح 5.
3- الفقيه 4:103/34،التهذيب 10:301/78،الوسائل 22:438 كتاب اللعان ب 17 ح 4.
4- الكافي 7:12/212،التهذيب 10:300/78،الاستبصار 3:1345/377،علل الشرائع:1/500،الوسائل 22:436 كتاب اللعان ب 17 ح 1.

و عن الإسكافي الموافقة له فيما لو قال ذلك عند مَرد (1)و سباب ، و المخالفة له في غيره (2).و هو ضعيف.

و بالجملة:فالظاهر ثبوت التعزير لو قال لها ذلك، أو قال لغيره مواجهاً أو غائباً ما يوجب أذى له،كالخسيس و الوضيع و الحقير، و كذا لو قال له: يا فاسق أو:يا خائن أو:يا شارب الخمر و نحو ذلك ممّا يوجب الأذى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ للنصوص المستفيضة عموماً و خصوصاً في بعض الأمثلة:

كالخبر:عن رجل قال لآخر:يا فاسق،فقال:«لا حدّ عليه و يعزّر» (4).

و في آخر:«إذا قال الرجل:أنت خبيث (5)و أنت خنزير،فليس فيه حدّ،و لكن فيه موعظة و بعض العقوبة» (6).

و في ثالث:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل دعا آخر:ابن المجنون،فقال له الآخر:أنت ابن المجنون،فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة،و قال له:اعلم أنّه مستعقب (7)مثلها عشرين،فلمّا جلده

ص:40


1- و هو هتك العرض(القاموس 1:350)كذا في«ب»،و في«ن»:حرد.و هو الغضب(القاموس 1:297)،و في«ح»:جرد.
2- حكاه عنه في المختلف:782.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
4- الكافي 7:15/242،التهذيب 10:314/80،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 4.
5- في«س»،«ن»:خنث.
6- الكافي 7:6/241،التهذيب 10:318/81،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 9 ح 2.
7- في الكافي:مستحق.

أعطى المجلود السوط فجلده (1)نكالاً ينكل بهما» (2).

و في رابع:شكا رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)مَن قال له:احتلمت بأُمّك،فقال(عليه السّلام):«سنوجعه ضرباً وجيعاً حتى لا يؤذي المسلمين،فضربه» الخبر (3).و يستفاد منه الحكم عموماً أيضاً.

و في خبرين:أنّه(عليه السّلام)كان يعزّر في الهجاء (4).

فلا إشكال في الحكم مطلقاً ما لم يكن المؤذي متظاهراً بمعصية اللّه تعالى،و لو تظاهر فلا تعزير؛ لاستحقاقه الاستخفاف،بل كان المؤذي مثاباً بذلك مأجوراً،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (5)؛ لأنّه من النهي عن المنكر.

و قد ورد أنّ من تمام العبادة الوقوع في أهل الريب (6).

و عن مولانا الصادق(عليه السّلام):« إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» (7).

و عنه(عليه السّلام)قال:«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إذا رأيتم أهل الريب و البدع

ص:41


1- في«ب» و الفقيه زيادة:عشرين.
2- الكافي 7:11/242،الفقيه 4:108/35،التهذيب 10:319/81،الوسائل 28:203 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 3.
3- التهذيب 10:313/80،الوسائل 28:210 أبواب حدّ القذف ب 24 ح 1.
4- أحدهما في:الكافي 7:19/243،التهذيب 10:320/82،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 5. و الآخر في:التهذيب 10:340/88،الوسائل 28:204 أبواب حدّ القذف ب 19 ح 6.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
6- السرائر 3(المستطرفات):644.
7- أمالي الصدوق:7/42،الوسائل 12:289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.

من بعدي فأظهروا البراءة منهم،و أكثروا من سبّهم،و القول فيهم، و باهتوهم لئلّا يطمعوا في الفساد في الإسلام،و يحذرهم الناس،و لا تعلّموا من بدعهم،يكتب اللّه تعالى لكم بذلك الحسنات،و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» (1)إلى غير ذلك (2).

و لا تصحّ مواجهته بما يكون نسبته إليه كذباً؛ لحرمته،و إمكان الوقيعة فيه من دونه.

و هل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي عن المنكر فيشترط بشروطه،أم يجوز الاستخفاف به مطلقاً؟ ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى:الثاني،و الأول أحوط .

و يثبت القذف و كلّ ما فيه التعزير بالإقرار مرّتين من المكلّف الحرّ المختار،و بشهادة عدلين بلا خلاف و لا إشكال؛ للعموم.

و إنّما الإشكال في عدم ثبوته بالمرّة من الإقرار كما هو ظاهر العبارة، مع أنّ عموم«إقرار العقلاء» يقتضي الثبوت بها،و لكن ظاهر الأصحاب خلافه،و كأنّه إجماعيٌّ و إن أشعر عبارة الماتن في الشرائع (3)بنوع تردّد له فيه،بل بوجود مخالف أيضاً،و لكن لم نقف عليه.

و يشترط في القاذف الذي يحدّ كاملاً البلوغ،و العقل و الاختيار،و القصد،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التحرير (4)و غيره (5)؛

ص:42


1- الكافي 2:4/375،الوسائل 16:267 أبواب الأمر و النهي ب 39 ح 1؛ بتفاوت.
2- انظر الوسائل 16:267 أبواب الأمر و النهي ب 39.
3- الشرائع 4:167.
4- التحرير 2:238.
5- كشف اللثام 2:412.

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و الخبر في الأول:عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل،هل يجلد؟قال:«لا؛ و ذلك لو أنّ رجلاً قذف الغلام لم يحدّ» (1).

و الصحيح الآتي و غيره (2)في الثاني.

فالصبيّ لا يحدّ بالقذف و لو كان المقذوف كاملاً،بل يعزّر و كذا المجنون لا يُحَدّ بقذفه أحداً و لو كان كاملاً،بل يعزّر.

و ينبغي تقييد التعزير فيه بكونه ممّن يرجى منه الكفّ به؛ لئلّا يلغو.

و منه يظهر وجه أنّه ينبغي تقييده في الصبي بكونه مميّزاً،و إلّا فتعزيره قبيح عقلاً،فكذا شرعاً.

و وجه التعزير فيهما مع القيد حسم مادّة الفساد،و هو الأصل في شرعيّة الحدود و التعزيرات،و إلّا فلم أجد نصّاً بتعزيرهما هنا.

و وجه اشتراط القصد و الاختيار هنا واضح،كما في سائر المواضع.

الثاني في المقذوف

الثاني: في بيان المقذوف الذي يُحَدّ قاذفه كاملاً.

و يشترط فيه لذلك:الإحصان،بلا خلاف،كما في الآية الكريمة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [1] (3).

و لمّا كان له معانٍ متعدّدة قالوا:المراد به هنا: البلوغ،و كمال العقل،و الحرّية،و الإسلام،و الستر أي العفّة عن الزناء و اللواط و عدم

ص:43


1- الكافي 7:5/205،التهذيب 10:251/68،علل الشرائع:1/534،الوسائل 28:185 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 1.
2- في ص 42.
3- النور:4.

التظاهر بهما.

فمن قذف صبيّاً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً بالزناء و اللواط لم يُحَدّ و يعزَّر إجماعاً كما في كلام جماعة (1)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح (2)و غيره (3):«لا حدّ لمن لا حدّ عليه» يعني:لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أر عليه شيئاً،و لو قذفه رجل فقال له:يا زان،لم يكن عليه حدّ.

و الصحيح:في الرجل يقذف الصبية يجلد؟قال:«لا،حتى تبلغ» (4).

و منها:«من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام» (5).

و منها:«لو أُتيت برجل قد قذف عبداً مسلماً بالزناء لا نعلم منه إلّا خيراً لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلّا سوطاً» (6).

و منها:عن الافتراء على أهل الذمّة و أهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟قال:«لا،و لكن يعزّر» (7).

ص:44


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:412،و المقدّس الأردبيلي في زبدة البيان:661.
2- الكافي 7:2/253،الوسائل 28:42 أبواب مقدمات الحدود ب 19 ح 1.
3- دعائم الإسلام 2:1634/462،مستدرك الوسائل 18:95 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:23/209،الوسائل 28:186 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 4.
5- التهذيب 10:269/71،علل الشرائع:2/538،الوسائل 28:181 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 12.
6- الكافي 7:17/208،الفقيه 4:119/37،التهذيب 10:266/71،الوسائل 28:178 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 2.
7- الكافي 7:18/243،التهذيب 10:289/75،الوسائل 28:200 أبواب حدّ القذف ب 17 ح 4.

و قد مرّ ما يدلّ على اعتبار الستر (1).

و أمّا الخبر:«كلّ بالغ من ذكر أو أُنثى افترى على صغير أو كبير،أو ذكر أو أُنثى،أو مسلم أو كافر،أو حرّ أو مملوك،فعليه حدّ الفرية» (2)فمع إرساله،شاذّ لا عامل به،و حمله الشيخ على الافتراء على أحد أبوي الصغير أو المملوك أو الكافر مع إسلامه و حرّيته و غيره؛ على أنّ المراد بالحدّ فيه ما يعمّ التعزير.و لا بأس به و إن بَعُدَ جمعاً.

و ظاهر العبارة و جماعة تعزير قاذف المتظاهر بالزناء (3).

و هو خلاف ما دلّ على نفي تعزيره (4)؛ معلّلاً بعدم حرمته.و لذا مال الشهيدان إلى العدم (5)،و وجّه ثانيهما ما هنا بعموم الأدلّة (6)(7)و قبح القذف مطلقاً،بخلاف مواجهة المتظاهر بالزناء بغيره من أنواع الأذى.و هو كما ترى.

نعم،ربما يؤيّده فحوى ما دلّ على تعزير قاذف الكافر،فتأمّل .

و كذا يشترط فيه انتفاء البنوّة ف الأب لو قذف ولده المحصن لم يحدّ،بل يعزّر.

و كذا لو قذف زوجته الميّتة و لا وارث لها إلّا ولده،نعم،لو كان لها

ص:45


1- في ص:19.
2- الفقيه 4:114/36،التهذيب 10:343/89،الإستبصار 4:881/234،الوسائل 28:186 أبواب حدّ القذف ب 5 ح 5.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:238،و القواعد 2:261،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 9):180،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:346.
4- المتقدّم في ص 40.
5- اللمعة و الروضة 9:181.
6- الوسائل 28:173 أبواب حدّ القذف ب 1.
7- كذا في«س» و المصدر،و في«ن»:أو،و في«ح»:في.

ولد من غيره كان لهم الحدّ تامّاً.

كلّ ذلك للصحيح:عن رجل قذف ابنه[بالزناء]فقال:«لو قتله ما قتل به،و إن قذفه لم يجلد له» قال:«و إن كان قال لابنه:يا ابن الزانية، و أُمّه ميّتة،و لم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلّا ولدها[منه]،فإنّه لا يقام عليه الحدّ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها؛ و إن كان لها ولد من غيره فهو وليّها[يجلد له]؛ و إن لم يكن لها ولد من غيره،و كان لها قرابة يقومون بحقّ الحدّ،جلد لهم» (1).

و لا خلاف في شيء من ذلك و لا في أنّه يحدّ الولد لو قذفه أي قذف الأب- و كذا يحدّ لو قذف الأُمّ أو الأقارب مطلقاً، و يحدّون لو قذفوه؛ للعموم.

الثالث في الأحكام

الثالث: في بيان الأحكام.

فلو قذف شخصٌ جماعة واحداً بعد واحد،فلكلّ واحد حدّ،و لو قذفهم بلفظ واحد ك:يا زناة- فعليه للجميع حدّ واحد إن طالبوا مجتمعين،و إن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ على الأظهر الأشهر،و في الغنية و السرائر الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح:في رجل افترى على قوم جماعة،فقال:«إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً،و إن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد حدّا» (3)و نحوه أخبار أُخر (4)،قصور أسانيدها أو ضعفها بالشهرة العظيمة

ص:46


1- الكافي 7:13/212،التهذيب 10:298/77،الوسائل 28:196 أبواب حدّ القذف ب 14 ح 1؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:519.
3- الكافي 7:1/209،التهذيب 10:254/68،الإستبصار 4:848/227،الوسائل 28:192 أبواب حدّ القذف ب 11 ح 1.
4- انظر الوسائل 28:192 أبواب حد القذف ب 11.

منجبر.

و إنّما حملت على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع كونه أعمّ،جمعاً بينه و بين الحسن:في رجل قذف قوماً جميعاً،قال:«بكلمة واحدة؟» قلت:نعم،قال:«يضرب حدّا واحداً،و إن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حداً» (1)بحمل الأولة على ما لو كان القذف بلفظ واحد، و الأخير على ما لو جاءُوا به مجتمعين.

و عكس الإسكافي،فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً،و بلفظ متعدّد موجباً للاتّحاد إن جاءُوا مجتمعين،و للتعدّد إن جاءُوا متفرّقين (2).

و نفى عنه البأس في المختلف؛ محتجّاً بدلالة الخبر الأول عليه،و هو أوضح طريقاً (3).

و فيه نظر؛ لأنّ تفصيل الأول شامل للقذف المتّحد و المتعدّد،فالعمل به يوجب التفصيل فيهما.و الظاهر أنّ قوله فيه:جماعة،صفة للقوم؛ لأنّه أقرب و أنسب بالجماعة،لا للقذف،و إنّما يتّجه قوله لو جعل صفة للقذف المدلول عليه بالفعل،و أُريد بالجماعة القذف المتعدّد.و هو بعيد جدّاً،بل الظاهر ما ذكرناه،أو ما قيل (4)من أنّ المراد بقوله:جماعة،اجتماعهم في الفرية،بمعنى:قذفهم بكلمة واحدة،و عليه فلا يكون القذف في الخبر

ص:47


1- الكافي 7:2/209،التهذيب 10:256/69،الإستبصار 4:851/227،الوسائل 28:192 أبواب حدّ القذف ب 11 ح 2.
2- حكاه عنه في المختلف:781.
3- المختلف:781.
4- انظر مرآة العقول 23:321.

أعمّ من المتّحد و المتعدّد،بل ظاهر في الأول،و يكون التعارض بينه و بين الخبر الأخير تعارض المطلق و المقيّد من وجه واحد؛ و لا كذلك على تقدير الأعمّية،فإنّ كلّاً منهما مطلق من وجه و مقيّد من آخر؛ و على التقديرين يجب حمل المطلق على المقيّد من طرف واحد،أو من الطرفين.

و هنا قولان آخران للصدوق،أحدهما في الفقيه و المقنع (1)،و ثانيهما في الهداية (2).و هما شاذّان غير واضحي المستند،أو ضعيفة.

و حدّ القذف يُورَث لو مات المقذوف قبل استيفائه و العفو عنه كما يُوَرث المال،و لكن لا يرث الزوج و لا الزوجة بل و لا غيرهما من ذوي الأسباب،عدا الإمام،فيرثه،و لكن ليس له العفو،كما في الغنية، مدّعياً عليه و على أصل الحكم إجماع الإماميّة (3)،كما عن الخلاف (4)و في غيره (5)أيضاً لكن على الثاني خاصّة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه:

منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح المتقدّم (6)فيمن قذف زوجته و هي ميتة و لها قرابة يقومون بحقّ الحدّ،قال:«جلد لهم».

و أمّا الخبر:«الحدّ لا يورث» (7)فمع قصور سنده بالسكوني

ص:48


1- الفقيه 4:38،المقنع:149.
2- الهداية:76.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
4- الخلاف 5:406.
5- السرائر 3:521.
6- في ص 44.
7- الكافي 7:2/255،التهذيب 10:328/83،الإستبصار 4:882/234،الوسائل 28:46 أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 2.

و صاحبه،محمول على ما ذكره الشيخ و غيره (1)من أنّ المراد أنّه لا يورث في أنّ كلّ واحد منهم يأخذ نصيبه و إن كان لكلّ واحد من الورثة المطالبة به على الكمال،كما في صريح الموثّق:«إنّ الحدّ لا يورث كما يورث التركة و المال و العقار،و لكن من قام به من الورثة يطلبه فهو وليّه،و من تركه فلم يطلبه فلا حقّ له،و ذلك مثل رجل قذف رجلاً و للمقذوف أخَوان،فإن عفا أحدهما كان[للآخر]أن يطالبه بحقّه؛ لأنّها أُمّهما جميعاً،و العفو إليهما جميعاً» (2).

و يحتمل الحمل على التقيّة؛ لما ذكره بعض الأجلّة من أنّه قول للعامّة،قال:و لهم قول آخر بأنّه يرثه العصبات (3).و يعضده كون الراوي هو السكوني الذي هو من قضاتهم.

و لو قال:ابنك زان أو:لائط أو:بنتك زانية،فالحدّ لهما مع بلوغهما و عقلهما،لا للمواجه؛ لما مرّ من أنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً (4)، و لازم ذلك أنّ حقّ المطالبة و العفو فيه للمقذوف خاصّة كما في غيره من الحقوق،و إلى هذا ذهب الحلّي (5)و عامّة المتأخّرين.

و قال الشيخ في النهاية و المفيد و القاضي:إنّ له أي

ص:49


1- الشيخ في الاستبصار 4:234؛ و انظر المسالك 2:437،و كشف اللثام 2:414.
2- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:327/83،الإستبصار 4:883/235،الوسائل 28:45 أبواب مقدّمات الحدود ب 23 ح 1؛ بدل ما بين المعقوفين في النسخ:للرجل،و ما أثبتناه من المصدر.
3- انظر كشف اللثام 2:414.
4- في ص 33.
5- السرائر 3:519.

للأب المواجه- المطالبة للحدّ و العفو عنه (1)؛ و الحجّة عليه غير واضحة،عدا ما في المختلف من أنّ العار لاحق به،فله المطالبة بالحدّ و العفو (2).و الكبرى ممنوعة.

هذا،إن لم يسبقه الولدان إلى أحد الأمرين،و لو سبقاه إليه لم يكن له ذلك بلا خلاف فيه،و لا في أنّ للأب الاستيفاء إذا قُذِفا و ولايته ثابتة عليهما؛ قيل (3):لأنّهما غير صالحين للاستيفاء أو العفو،و التأخير معرّض للسقوط.و كذا لو ورث الولد الصغير و من في معناه حدّا كان للأب الاستيفاء أيضاً.و في جواز العفو له في الصورتين إشكال (4).

و لو ورث الحدّ جماعة،فعفا عنه أحدهم،كان لمن بقي و لو واحداً الاستيفاء له على التمام بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (5)،و به صرّحت الموثّقة المتقدّمة.

و يقتل القاذف في المرّة الرابعة إذا حدّ ثلاثاً على الأشهر الأقوى،و في الغنية عليه إجماعنا (6).

و قيل كما عن الحلّي (7)-:إنّه يقتل في الثالثة للصحيح العامّ في كلّ كبيرة (8)؛ و فيه ما عرفته غير مرّة.

ص:50


1- النهاية:724،المفيد في المقنعة:794،القاضي في المهذّب 2:547.
2- المختلف:780.
3- ليست في«ب».
4- كشف اللثام 2:414.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
7- السرائر 3:519.
8- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.

و الحدّ ثمانون جلدة بنصّ الكتاب (1)،و الإجماع،و السنّة المستفيضة (2) حرّا كان القاذف أو عبداً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في صريح الغنية و ظاهر النكت و الروضة و عن الخلاف و غيره أنّ عليه إجماع الإماميّة (3)؛ لعموم الأدلّة،و صريح المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:«إذا قذف العبد الحرّ جُلِد ثمانين،هذا من حقوق الناس» (4).

و نحوه الموثّق (5)و الحسن (6)بزيادة في آخرهما،و هي قوله:«فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى فإنّه يضرب نصف الحدّ» قلت:الذي يضرب نصف الحدّ فيه ما هو؟قال:«إذا زنى أو شرب خمراً فهذا من حقوق اللّه تعالى التي يضرب فيها نصف الحدّ».

خلافاً للصدوق و المبسوط،فعلى المملوك أربعون (7)؛ لقوله تعالى فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [1] (8)

ص:51


1- النور:4.
2- انظر الوسائل 28:175 أبواب حدّ القذف ب 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):622،غاية المراد 4:230،الروضة 9:188،الخلاف 5:403،و انظر:فقه القرآن 2:389،و المسالك 2:436.
4- الكافي 7:1/234،التهذيب 10:270/72،الإستبصار 4:853/228،الوسائل 28:179 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 4.
5- التهذيب 10:277/73،الإستبصار 4:860/229،الوسائل 28:182 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 14.
6- الكافي 7:19/237،التهذيب 10:275/72،الإستبصار 4:858/228،الوسائل 28:181 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 10.
7- الصدوق في المقنع:148،المبسوط 8:16.
8- النساء:25.

و للخبر:عن العبد يفتري على الحرّ كم يجلد؟قال:« أربعين» و قال:

« إذا أتى بفاحشة فعليه نصف» (1).

و لفحوى ما دلّ على تنصيف حدّه في الزناء (2)؛ بناءً على أشدّيته من القذف جدّاً.

و يضعّف الجميع بأنّ المراد من الفاحشة هو الزناء خاصّة كما نقله عن المفسّرين جماعة (3)،و يظهر من اقترانهنّ بالمحصنات.

و الرواية مع ضعف سندها و شذوذها كما صرّح به جماعة (4)لا تعارض المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،المعتضدة بعموم الآية،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة،فيجب طرحها،أو حملها على التقية؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة كالشافعي و أبي حنيفة كما صرّح به بعض الأجلّة (5).

و الأولويّة ممنوعة؛ لوجود الفارق بين الزناء و القذف،بكونه حقّ الناس،و حدّ الزناء حقّ اللّه سبحانه،كما نطقت به الأخبار السابقة،و هو أسهل منه،كما يستفاد منها و من غيرها من المعتبرة (6).و لو سلّمت

ص:52


1- التهذيب 10:278/73،الإستبصار 4:861/229،الوسائل 28:183 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 15،و في الجميع:نصف العذاب.
2- الوسائل 28:133 أبواب حد الزنا ب 31.
3- انظر المسالك 2:436،الروضة 9:177،التنقيح الرائع 4:364،كشف اللثام 2:412،المفاتيح 2:86.
4- منهم الشيخ في التهذيب 10:73،فخر المحقّقين في الإيضاح 4:507،الفاضل المقداد في التنقيح 4:364،الشهيد الثاني في الروضة 9:177.
5- مجمع الفائدة 13:140،ملاذ الأخيار 16:145.
6- الكافي 7:9/235،التهذيب 10:273/72،الوسائل 28:180 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 8.

فلا تعارض صريح الأدلّة،فينبغي الخروج عنها بها بلا شبهة.

و في الصحيح:العبد يفتري على الحرّ،فقال:«يجلد حدّا إلّا سوطاً أو سوطين» (1).

و في الموثّق:«عليه خمسون جلدة» (2).

و حملهما الشيخ على الافتراء بما ليس قذفاً.

و في الصحيح:قال في رجل دعي لغير أبيه:«أقم بيّنتك أُمكّنك منه» فلمّا أتى بالبيّنة قال:إنّ امّه كانت أمة،قال:«ليس عليك حدّ،سبّه كما سبّك،أو اعف عنه» (3).

و يمكن أن يكون السؤال عن رجل ادّعى على آخر أنّه دعاه لغير أبيه،فطلب(عليه السّلام)منه البيّنة،فلمّا أتى بها شهدت بأنّه قال له:إنّ امّه كانت أمة لا أنّه دعاه لغير أبيه،فقال(عليه السّلام):«سبّه كما سبّك أو اعف عنه» و يمكن أن يكون الأمر كذلك في مثل هذا الكلام إذا وجّه به أحد.

و يجلد القاذف بثيابه المعتادة و لا يجرّد عنها كما يجرّد الزاني و لا يضرب ضرباً شديداً،بل يضرب ضرباً متوسّطاً اتّفاقاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها الموثّق:«المفتري يضرب بين الضربين،يضرب جسده كلّه

ص:53


1- التهذيب 10:279/74،الإستبصار 4:862/230،الوسائل 28:184 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 19.
2- التهذيب 10:281/74،الإستبصار 4:864/230،الوسائل 28:184 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 20.
3- التهذيب 10:342/88،الإستبصار 4:867/230،الوسائل 28:183 أبواب حدّ القذف ب 4 ح 17.
4- كشف اللثام 2:414.

فوق ثيابه» (1).

و لا يعزّر الكفّار مع التنابز بالألقاب،أي تداعيهم بها إذا اشتملت على ذمّ؛ و كذا تعييرهم بالأمراض،إلّا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يرى.كذا قالوه،و لعلّه لا خلاف فيه،و لكن نسبه الماتن في الشرائع إلى القيل (2)،المشعر بالتمريض.

و كأنّ وجهه:أنّ ذلك فعل محرّم يستحقّ فاعله التعزير،و الأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله،بل يجب على كلّ منهما ما اقتضاه فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل.

و له وجه لولا الشهرة القريبة من الإجماع،المؤيّدة بفحوى جواز الإعراض عنهم في الحدود و الأحكام فهنا أولى،و ما دلّ على سقوط الحدّ بالتقاذف،كالصحيحين:في أحدهما:عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه،فقال:«يدرأ عنهما الحدّ و يعزّران» (3)فالتعزير أولى.

و في التأييد الثاني نظر،بل ربما كان في تأييد الخلاف أظهر،فتدبّر.

الرابع في اللواحق

الأولى يقتل من سبّ النبيّ ص

الرابع: في اللواحق و هي خمس مسائل :

الأُولى: يقتل من سبّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)،و كذا من سبّ أحد

ص:54


1- الكافي 7:4/213،التهذيب 10:264/70،الوسائل 28:197 أبواب حدّ القذف ب 15 ح 3.
2- الشرائع 4:166.
3- الكافي 7:2/240،التهذيب 10:316/81،الوسائل 28:201 أبواب حدّ القذف ب 18 ح 1. و أورد الآخر في:الكافي 7:14/242،الفقيه 4:128/39،التهذيب 10:307/79،الوسائل 28:202 أبواب حدّ القذف ب 18 ح 2.

الأئمّة(عليهم السّلام) بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها النبويّ الخاصّي:«من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع إلى السلطان،و الواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي» (2).

و منها:عمّن سُمِع يشتم علّياً(عليه السّلام)،فقال:«هو و اللّه حلال الدم،و ما ألف رجل منهم برجل منكم،دعه» (3).

و يستفاد من الرواية الاُولى:أنّه يحلّ دمه لكلّ سامع من غير توقّف على إذن الإمام،كما هو المشهور،بل عليه في الغنية الإجماع (4).

خلافاً للمحكيّ عن المفيد و المختلف،فلم يجوِّزا قتله بغير إذنه (5)؛ للخبر:إنّ أبا بحير عبد اللّه بن النجاشي سأل الصادق(عليه السّلام)فقال:إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلّهم سمعتهم يبرأ من عليّ بن أبي طالب(عليه السّلام)،فقال(عليه السّلام):«لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء،و لكنّك سبقت الإمام،فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى

ص:55


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:438،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:415،و الكاشاني في المفاتيح 2:105.
2- الكافي 7:32/266،التهذيب 10:331/84،الوسائل 28:212 أبواب حدّ القذف ب 25 ح 2.
3- الكافي 7:43/269،التهذيب 10:335/86،الوسائل 28:215 أبواب حدّ القذف ب 27 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:416،و هو في المقنعة:743،و في المختلف:821.

و تتصدّق بلحمها لسبقك الإمام،و ليس عليك غير ذلك» (1)و نحوه المرفوع (2).

و من (3)الثانية و غيرها (4)مع عموم نفي الضرر:اشتراط القتل بما إذا أمن القاتل و لم يخف على نفسه أو ماله أو على مؤمن نفساً أو مالاً، و [أما] انتفاء الجواز مع الخوف على شيء من ذلك،و لا خلاف فيه في الظاهر.

و في إلحاق باقي الأنبياء بهم(عليهم السّلام)وجه قوي؛ لأنّ تعظيمهم و كمالهم قد علم من دين الإسلام ضرورةً،فسبّهم ارتداد،فتأمّل ؛ مع أنّ في الغنية ادّعى عليه إجماع الإماميّة (5).

لكن عن المبسوط:أنّه روي عن عليّ(عليه السّلام)أنّه قال:«لا أُوتى برجل يذكر أنّ داود(عليه السّلام)صادف المرأة إلّا جلدته مائة و ستّين [سوطا] ،فإنّ جلد الناس ثمانون،و جلد الأنبياء مائة و ستّون» (6)فتأمّل .و هو ضعيف.

و ألحق في التحرير (7)و غيره (8)بالنبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):اُمّه و بنته،من غير تخصيص بفاطمة(سلام اللّه عليها).

ص:56


1- رجال الكشّي 2:634/632،الوسائل 29:230 أبواب ديات النفس ب 22 ح 2.
2- الكافي 7:17/376،الوسائل 29:230 أبواب ديات النفس ب 22 ذيل ح 2.
3- أي:و يستفاد من الرواية الثانية و غيرها.
4- الكافي 7:44/269،التهذيب 10:336/86،الوسائل 28:215 أبواب حد القذف ب 27 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- المبسوط 8:15.
7- التحرير 2:239.
8- هو المحقق الكركي في بعض حواشيه على ما حكاه عند صاحب الجواهر 41:438.

قيل (1):و يمكن اختصاص الحكم بها(سلام اللّه عليها)؛ للإجماع على طهارتها بآية التطهير (2).و هو حسن.

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في القاذف بين الرجل و المرأة،و المسلم و الكافر،و بعدم الفرق بين الأخيرين صرّح في المسالك (3)،قال:و قد روي عن عليّ(عليه السّلام):«إنّ يهوديّة تشتم النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله) و تقع فيه،فخنقها رجل حتى ماتت،فأبطل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)دمها» (4).

الثانية يقتل مدّعي النبوّة

الثانية: يقتل مدّعي النبوّة بعد نبيّنا(صلّى اللّه عليه و آله)،بلا خلاف ظاهر و لا محكيّ؛ للنصوص:

منها:إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ!فقال:«إن سمعته يقول ذلك فاقتله» (5).

و كذا يقتل من قال:لا أدري أنّ محمّداً(صلّى اللّه عليه و آله)صادق أم لا،إذا كان على ظاهر الإسلام بلا خلاف.

و في الخبر:أ رأيت لو أنّ رجلاً أتى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فقال:ما أدري أ نبيّ أنت أم لا،كان يقبل منه؟قال:«لا،و لكن يقتله،إنّه لو قبل ذلك منه ما أسلم منافق» (6).

و ربما استدلّ للحكم في المقامين و ما مضى بالارتداد الموجب

ص:57


1- الروضة 9:194.
2- الأحزاب:33.
3- المسالك 2:438.
4- سنن أبي داود 4:4362/129،سنن البيهقي 7:60،و 9:200.
5- الكافي 7:13/258،التهذيب 10:559/141،الوسائل 28:337 أبواب حدّ المرتد ب 7 ح 2.
6- الكافي 7:14/258،التهذيب 10:561/141،الوسائل 28:333 أبواب حدّ المرتد ب 5 ح 4.

للقتل (1).

و هو حسن،إلّا أنّه لا يدلّ على القتل مطلقاً و لو كان المرتدّ ملّياً،بل مقتضاه قتل الفطريّ مطلقاً،و الملّي على بعض الوجوه،و هو خلاف ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،إلّا أن ينزّل على مقتضاه.

و احترز بالقيد عن إنكار الكفّار لصدقه،كاليهود و النصارى،فإنّهم لا يُقتلَون بذلك،و كذا غيرهم من فرَق الكفّار،و إن جاز قتلهم بأمر آخر.

الثالثة يقتل الساحر إذا كان مسلماً

الثالثة:يقتل الساحر إذا كان مسلماً،و يعزّر إذا كان كافراً بلا خلاف،فتوًى و نصّاً.

ففي القويّ:«ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفّار لا يقتل،قيل:

يا رسول اللّه،و لِمَ لا يقتل ساحر الكفّار؟فقال:لأنّ الكفر أعظم من السحر،و لأنّ السحر و الشرك مقرونان» (2).

و عليه يحمل إطلاق باقي النصوص،منها:عن الساحر،فقال:«إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه» (3).

و منها:«من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه،و حدّه القتل إلّا أن يتوب» (4).

و منها:«الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه» (5).

ص:58


1- المسالك 2:438.
2- الكافي 7:1/260،الفقيه 3:1752/371،التهذيب 10:583/147،علل الشرائع:1/546،الوسائل 28:365 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 1.
3- التهذيب 10:585/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.
4- التهذيب 10:586/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 2.
5- الكافي 7:2/260،التهذيب 10:584/147،الوسائل 28:366 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 3.

و في الأوّل منها دلالة على ردّ من قال بانحصار طريق ثبوته في الإقرار؛ لأنّ الشاهد لا يعرف قصده و لا يشاهد التأثير.

و في الثاني منها دلالة على عموم القتل للعامل بالسحر و المتعلّم له، كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها من النصّ و الفتوى.

خلافاً لجماعة،فخصّوه بالأوّل (1)؛ و لعلّ وجهه الأصل،و اختصاص ما دلّ على قتله بقولٍ مطلق بحكم التبادر بالعامل به،و الصريح في العموم ضعيف السند،مع احتمال اختصاصه أيضاً بما مرّ؛ بناءً على أنّ الغالب في المتعلّم له أن يعمل به.و لا يخلو عن وجه.

ثم إنّ مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كونه مستحلا له أم لا،و به صرّح بعض الأصحاب (2).و حكى آخر من متأخّري المتأخّرين قولاً بتقييده بالأول (3)؛ و وجهه غير واضح بعد إطلاق النصّ، المنجبر ضعفه بعد الاستفاضة بفتوى الجماعة،و عدم خلاف فيه بينهم أجده،و لم أرَ حاكياً له غيره.

الرابعة يكره أن يزاد في تأديب الصبي

الرابعة:يكره أن يزاد في تأديب الصبي و تعزيره حيث يحتاج إليه عن عشرة أسواط،و كذا العبد كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد (4)،و السرائر لكن في العبد (5)؛ للنبويّ المرويّ في الفقيه:

«لا يحلّ لوالٍ يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في

ص:59


1- منهم العلّامة في التحرير 2:237،و القواعد 2:262،الشهيد الثاني في الروضة 9:195،و المسالك 2:438،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:416.
2- الروضة 9:195.
3- مفاتيح الشرائع 2:102.
4- الشرائع 4:167،التحرير 2:237،القواعد 2:261.
5- السرائر 3:534.

حدّ» و أذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة (1).

و في آخر:في أدب الصبيّ و المملوك،فقال:«خمسة أو ستّة، و أرفق» (2).

قيل:و بمضمونه أفتى الشيخ في النهاية و يحيى بن سعيد (3).

و في ثالث:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لصبيان:بلّغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أنّي أقتصّ منه» (4).

و في رابع:الرخصة في ضرب الصبيّ للتأديب إلى خمسة (5).

و لم أر عاملاً بهما،مع قصور سندهما و مخالفتهما لما مضى، و الجمع بينهما يقتضي ترتّب الأعداد المذكورة في الكراهة ضعفاً و شدّة.

و إنّما حملها الأصحاب عليها مع أنّ ظاهر جملة منها و صريح بعضها التحريم للأصل،و قصور الأسانيد،و معارضتها بأقوى منها ممّا دلّ على أنّ التعزير إلى الوالي،يجريه بحسب ما يراه ما لم يزد الحدّ.

ففي الخبر المرويّ في الكافي ضعيفاً و عن العلل صحيحاً:كم التعزير؟قال:«دون الحدّ» قلت:دون ثمانين؟قال:«لا،و لكن دون أربعين،فإنّها حدّ المملوك» قلت:و كم ذاك؟قال:«على قدر ما يراه الوالي

ص:60


1- الفقيه 4:187/52،الوسائل 28:375 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 2.
2- الكافي 7:35/268،التهذيب 10:597/149،الوسائل 28:372 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 1.
3- قال به في كشف اللثام 2:415،و هو في النهاية:732،و في الجامع للشرائع لم نجد التصريح به.
4- الكافي 7:38/268،التهذيب 10:599/149،الوسائل 28:372 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- المحاسن:85/625،الوسائل 28:373 أبواب بقية الحدود ب 8 ح 3.

من ذنب الرجل و قوّة بدنه» (1).

و في الموثّق:عن التعزير كم هو؟قال:«بضعة عشر ما بين العشرة إلى العشرين» (2).

و لو فعل المولى بعبده ذلك أي زاد في تأديبه على العشرة- استحبّ له عتقه .

إطلاق العبارة يقتضي ثبوت الاستحباب فيما إذا لم تبلغ الزيادة حدّا، و لم أجد به نصّاً،بل و لا فتوًى،و إنّما الموجود في غير الكتاب حتى الشرائع (3)استحباب العتق لو ضربه في غير حدٍّ حدّا،كما هو ظاهر الصحيح:«من ضرب مملوكاً حدّا من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه،لم يكن لضاربه كفّارة إلّا عتقه» (4)و ظاهره الوجوب كما عن الشيخ في النهاية (5)،لكن فرضه فيمن ضرب عبده فوق الحدّ،و هو خارج عن مورد الرواية،فتكون بظاهرها شاذّة،و العاملون بها في موردها حملوها على الاستحباب،فتأمّل جدّاً .

الخامسة يعزَّر من قذف عبده أو أمته

الخامسة: يعزَّر من قذف عبده أو أمته كما يعزَّر الأجنبيّ بقذفهما؛ لحرمتهما،و عدم الفارق بين الأجنبيّ و المولى هنا،مع عموم ما مرّ من النصوص بتعزير من قذفهما (6).

ص:61


1- الكافي 7:5/241،علل الشرائع:4/538،الوسائل 28:375 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 3.
2- الكافي 7:1/240،التهذيب 10:570/144،الوسائل 28:374 أبواب بقية الحدود ب 10 ح 1.
3- الشرائع 4:167.
4- الكافي 7:17/263،الوسائل 28:48 أبواب مقدمات الحدود ب 27 ح 1.
5- النهاية:732.
6- راجع ص 42.

و في الخبر:«إنّ امرأة جاءت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فقالت:إنّي قلت لأمتي:يا زانية فقال:هل رأيت عليها زناءً؟فقالت:لا،فقال:أما إنّها ستقاد منك يوم القيامة،فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطاً،ثم قالت:

اجلديني،فأبت الأمة،فأعتقتها،ثم أتت النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فأخبرته،فقال:عسى أن يكون به» (1).

و كذا يعزَّر كلّ من فعل محرّماً أو ترك واجباً عالماً بهما و بحكمهما بما دون الحدّ متعلّق ب:يعزَّر،أي يعزَّر هذان بما دون الحدّ بما يراه الإمام.

قيل:و لا يبلغ حدّ الحرّ في الحرّ و إن تجاوز حدّ العبد،و لا حدّ العبد في العبد،ففي الحرّ:من سوط إلى تسعة و تسعين،و في العبد:منه إلى تسعة و أربعين،كما في التحرير (2).

و قيل:يجب أن لا يبلغ أقلّ الحدود،و هو في الحرّ:ثمانون،و في العبد:أربعون (3).

و قيل:إنّه فيما ناسب الزناء يجب أن لا يبلغ حدّه،و فيما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حدّه،و فيما لا مناسب له أن لا يبلغ أقلّ الحدود،و هو:خمسة و سبعون،حدّ القوّاد.و نسبه في المسالك إلى الشيخ و المختلف و اختاره (4).

و مرّ في المسألة السابقة من الأخبار ما يدلّ على المنع عن بلوغه حدّ

ص:62


1- التهذيب 10:311/80،الوسائل 28:174 أبواب حدّ القذف ب 1 ح 4.
2- قال به في كشف اللثام 2:415،و هو في التحرير 2:237.
3- الخلاف 5:497.
4- المسالك 2:439،و لم نعثر عليه في كتب الشيخ،و هو في المختلف:783.

القذف في العبد و هو أربعون مطلقاً،من غير تقييد بكون المعزَّر عبداً، بل يشمل ما لو كان حرّا.و لا ريب أنّ الاقتصار عليه أحوط و أولى،و إن لم أجد به قائلاً.

ثمّ وجوب التعزير في كلّ محرّم من فعل أو ترك إن لم يحصل الانتهاء بالنهي و التوبيخ و نحوهما فهو ظاهر؛ لوجوب إنكار المنكر.و أمّا مع الانتهاء بهما،فلا دليل على التعزير مطلقاً إلّا في مواضع مخصوصة ورد النصّ بالتأديب أو التعزير فيها.

و يمكن تعميم التعزير في العبارة و نحوها لما دون الضرب أيضاً من مراتب الإنكار،فتأمّل جدّاً .

ص:63

الفصل الرابع في حدّ المسكر

الأول في الموجب

الفصل الرابع في بيان حدّ المسكر و هو على قول:ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم،و ظهور السرّ المكتوم .و على آخر:ما يغيّر العقل،و يحصل معه سرور و قوّة النفس في غالب المتناولين.أمّا ما يغيّر العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيّب الحواس الخمس،و إلّا فهو المفسد للعقل،كما في البَنج (1)و الشوكران (2).

و النظر في هذا الفصل يقع في أُمور ثلاثة :

الأوّل: في بيان الموجب للحدّ.

و هو تناول المسكر جنسه و إن لم يسكر قليله: أو الفقّاع، اختياراً،مع العلم ب المتناوَل و التحريم و إن لم يعلم وجوب الحدّ به.

و يشترط مع ذلك: البلوغ،و العقل فهذه قيود أربعة.

فالتناول يعمّ الشارب إيّاه خالصاً و المستعمل له.و الأولى أن يقول:يعمّ الشرب و الاستعمال في الأدوية و الأغذية .

و حيث اجتمعت ثبت الحدّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل هي متواترة.

ص:64


1- البَنْج:نبت له حَبّ يخلط بالعقل و يورث الخبال،و ربّما أسكر إذا شربه الإنسان بعد ذَوبه،و يقال:إنّه يورث السبات المصباح المنير:62.
2- و هو السيكران كما في تاج العروس 12:233 234،و انظر تذكرة اولي الألباب للأنطاكي:84 85.
3- مجمع الفائدة 13:190،كشف اللثام 2:417.

و جملة منها عامّة لكل مسكر متّخذ من العنب و هو المعروف بالخمر أو التمر و هو النبيذ أو الزبيب و هو النقيع أو العسل و هو البِتَع أو الشعير و هو المِزر أو الحنطة،أو الذُّرة،أو غيرها.ففي الصحيح:«كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» (1).

و في الخبر:«يضرب شارب الخمر و شارب المسكر» قلت:كم؟ قال:«حدّهما واحد» (2).

و قريب منهما النصوص الواردة في علّة تحديد حدّ شارب الخمر بثمانين جلدة،من أنّه إذا شرب سكر،و إذا سكر هذى،و إذا هذى افترى، فاجلدوه حدّ المفتري (3)،و هي موجودة في شرب كلّ مسكر،و هي مستفيضة،بل ادّعى في التنقيح أنّها متواترة (4).

و جملة منها ما بين خاصّة بالخمر،و عامّة لها و للنبيذ،و هي تجاوزت حدّ الاستفاضة.

ففي الموثّق كالصحيح:عن رجل حسا حسوة خمر،قال:«يجلد ثمانين جلدة،قليلها و كثيرها حرام» (5).

ص:65


1- الكافي 7:13/216،التهذيب 10:344/89،الوسائل 28:230 أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 1.
2- الكافي 7:11/216،التهذيب 10:345/90،الوسائل 28:230 أبواب حدّ المسكر ب 7 ح 2.
3- علل الشرائع:8/539،الوسائل 28:225 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 7.
4- التنقيح الرائع 4:367.
5- علل الشرائع:6/539،الوسائل 28:223 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 7.

و في الصحيح (1)و غيره (2):«يضرب شارب الخمر و شارب النبيذ ثمانين».

و جملة منها مصرّحة بحكم الفقّاع،كما هو مذهب الأصحاب، و ادّعى عليه جماعة منهم بحدّ الاستفاضة إجماع الإماميّة،مصرّحين بثبوت الحدّ فيه و إن لم يسكر (3).

ففي الصحيح (4)و غيره (5):عن الفقّاع،فقال:«هو خمر،و فيه حدّ شارب الخمر» و نحوهما في إطلاق الخمر عليه المستلزم لثبوت أحكامها التي من جملتها الحدّ كثير من الأخبار (6).

و مقتضى إطلاق هذه النصوص و غيرها و كذا الفتوى و صريح جملة منها أنّه يتعلّق الحكم بالحدّ بتناول المسكر و الفقّاع مطلقاً و لو بالقطرة الغير المسكرة منهما،و ادّعى عليه الإجماع جماعة (7).

و أمّا الصحيحان الدالّان على عدم حدّ شارب النبيذ إن لم يسكر (8)،

ص:66


1- الكافي 7:4/214،التهذيب 10:348/90،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 1.
2- الكافي 7:8/215،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 2.
3- المهذب البارع 5:79،الروضة 9:197،مجمع الفائدة 13:188.
4- التهذيب 10:379/98،الوسائل 28:238 أبواب حدّ المسكر ب 13 ح 1.
5- التهذيب 10:378/98،الإستبصار 4:370/95،الوسائل 28:238 أبواب حدّ المسكر ب 13 ح 3.
6- انظر الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرمة ب 27.
7- منهم الشيخ في الاستبصار 4:236،و السيوري في التنقيح الرائع 4:368،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:192.
8- أحدهما في:التهذيب 10:370/96،الإستبصار 4:886/235،الوسائل 28:224 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 4. و الآخر في:التهذيب 10:371/96،الإستبصار 4:887/236،الوسائل 28:225 أبواب حدّ المسكر ب 4 ح 5.

فمع شذوذهما،محصولان على التقية كما ذكره شيخ الطائفة أو على النبيذ الحلال،كما احتمله بعض الأجلّة (1).

قالوا: و كذا العصير العنبي إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه يجب بتناوله أو استعماله فيما مرّ الحدّ مطلقاً و إن كان قليلاً غير مسكر،و كأنّه إجماع بينهم،كما صرّح به في التنقيح (2)و غيره (3)،و لم أقف على حجّة معتدّ بها سواه.

و كذا كلّ ما حصلت فيه الشدّة المسكرة من نحو العصير التمري و الزبيبي،يجب بتناوله أو استعماله الحدّ بلا خلاف و لا إشكال؛ لعموم ما مرّ من النصّ و الفتوى.

و في ثبوته بتناول العصيرين أو استعمالهما إذا لم يبلغا الإسكار وجهان،مبنيّان على القول بتحريمهما أو حلّهما،و قد مضى في كتاب الأطعمة و الأشربة كون الثاني أشهر و أقوى (4)،فلا حدّ فيهما.و يحتمل العدم على القول الأول أيضاً؛ لعدم التلازم بين التحريم و الحدّ أصلاً،إلّا أن يكون إجماعاً،كما هو ظاهر الأصحاب هنا،حيث إنّ ظاهرهم بناء الوجهين على القولين كما ذكرنا.

و يسقط الحدّ عمّن استعمل المسكر و ما في معناه في نحو الاحتقان و السعوط حيث لا يدخل الحلق،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،

ص:67


1- مجمع الفائدة 11:196.
2- التنقيح الرائع 4:368.
3- انظر الروضة 9:197.
4- في ج 13:443.

و عدم إطلاق الشرب الوارد في النصوص عليه،و مثله و إن جرى في استعماله في نحو الدواء و الغذاء؛ لعدم إطلاق الشرب عليهما جدّاً،إلّا أنّ العذر في ثبوت الحدّ به الإجماع الظاهر،المحكي في جملة من العبائر (1).

و عمّن تناوله مكرهاً بأن و جر في فمه،أو ضرب عليه،أو خوّف بما لا يتحمّله عادةً أو اضطراراً لحفظ النفس،كإساغة اللقمة على الأصحّ.

قيل:أمّا للتداوي أو حفظ الصحّة،فلا يسقط عنه (2).

و فيه إشكال؛ للأصل،و اختصاص النصوص المثبتة للحدّ بشربه بحكم التبادر و غيره بغير الشرب اضطراراً،فلا حدّ فيهما و إن قلنا بتحريمهما،فتأمّل جدّاً (3).

و عمّن جهل المشروب أنّه مسكر مثلاً أو التحريم و إن علمه لقرب عهده بالإسلام و شبهه،أو كان صبيّاً،أو مجنوناً،بلا خلاف.

لحديث رفع القلم في الأخيرين (4).

و الموثّق كالصحيح (5)و غيره (6)في الجاهل بالحكم،و فيه:«إنّ رجلاً شرب خمراً على عهد أبي بكر،فقال:إنّي أسلمت و حسن إسلامي، و منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر و يستحلّون،و لو علمت أنّها حرام اجتنبتها،فقال مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام):ابعثوا به من يدور به على مجالس

ص:68


1- مجمع الفائدة 13:190،كشف اللثام 2:417.
2- المسالك 2:439.
3- ليست في«ب».
4- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
5- الكافي 7:16/216،التهذيب 10:361/94،الوسائل 28:232 أبواب حدّ المسكر ب 10 ح 1.
6- الكافي 7:4/249،الوسائل 28:33 أبواب مقدمات الحدود ب 14 ح 5.

المهاجرين و الأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه،ففعلوا ذلك فلم يشهد عليه أحد،فخلّى عنه،و قال له:إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ» و النصوص به زيادة على ذلك مستفيضة (1).

و يثبت هذا الفعل بشهادة عدلين ذكرين أو الإقرار مرّتين الصادر من مكلّف حرّ مختار بلا خلاف فيهما و في عدم الثبوت بالمرّة من الإقرار،بل على الأخير في ظاهر المبسوط الإجماع (2)؛ و هو الحجّة فيه،كالعمومات في الأولين،و خصوص النصّ الآتي في المسألة الاُولى من مسائل الأحكام في الأول.

الثاني في الحدّ

الثاني: في بيان الحدّ و هو ثمانون جلدةً إجماعاً،و للنصوص المستفيضة المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة (3).

و يستوي فيه الذكر و الأُنثى،و الحرّ و العبد،و الكافر مع التظاهر به بين المسلمين،و هذا قيد للكافر خاصّة،و احترز به عمّا لو كان مستتراً به،فإنّه لا يحدّ حينئذ.

بلا خلاف في شيء من ذلك،عدا مساواة العبد للحرّ في مقدار الحدّ، فإنّ الحكم بها مشهور بين الأصحاب،مدّعى عليه الإجماع في صريح الغنية (4)،و ظاهر السرائر و التهذيب و الشرائع و التحرير (5)،حيث نسب في الأول إلينا،و حكم بشذوذ الرواية الآتية بحدّه أربعين في الثاني،

ص:69


1- انظر الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14.
2- المبسوط 8:61.
3- راجع ص 64.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- السرائر 3:475،التهذيب 10:92،الشرائع 4:169،التحرير 2:226.

و بمتروكيّتها في الثالث،و بمطروحيّتها في الرابع؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عموم الأخبار المتواترة بأنّ حدّ الشارب ثمانون جلدة (1)، من دون فرق فيها بين الحرّ و العبد؛ مع ظهور جملة منها في الشمول للعبد غايته،و هي ما مرّ من المستفيضة (2)بل المتواترة في التعليل تحديده بالثمانين بأنّه إذا شرب سكر،و إذا سكر هذى،و إذا هذى افترى،فاجلدوه جلد المفتري؛ و ذلك بناءً على ما مرّ من أنّ العبد المفتري حدّه ثمانون أيضاً (3).

هذا،مضافاً إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.

ففي الصحيح:«حدّ اليهودي و النصراني و المملوك في الخمر و الفرية سواء،و إنّما صولح أهل الذمّة على أن يشربوها في بيوتهم» (4).

و أصرح منه آخر:«يجلد الحرّ و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر ثمانين» (5).

و في الموثّقات الثلاث (6)و غيرها (7):«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يجلد

ص:70


1- انظر الوسائل 28:220 أبواب حدّ المسكر ب 3.
2- راجع ص 64.
3- راجع ص 49.
4- الكافي 7:14/216،التهذيب 10:355/92،الإستبصار 4:892/237،الوسائل 28:228 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 5.
5- الكافي 7:12/216،الوسائل 28:228 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 4.
6- أحدها في:الكافي 7:8/215،التهذيب 10:353/91،علل الشرائع:9/539،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 1. و الأُخرى في:الكافي 7:9/215،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 2. و الثالثة في:التهذيب 10:354/91،الإستبصار 4:891/237،الوسائل 28:227 أبواب حدّ المسكر ب 6 ذيل ح 2.
7- دعائم الإسلام 2:/464 1647،مستدرك الوسائل 18:112 أبواب حدّ المسكر ب 5 ح 1.

الحرّ و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ ثمانين» قلت:ما بال اليهودي و النصراني؟فقال:«إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار؛ لأنّهم ليس لهم أن يظهروا شربها».

و قصور أسانيدها مع عدم قدحه في الحجّية منجبرة بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكيّة حدّ الاستفاضة و إن اختلفت ظهوراً و صراحةً،و المخالفة للعامّة،كما ستعرفه من شيخ الطائفة.

مع أنّه لا مخالف فيها منّا،عدا الصدوق خاصّة،حيث قال (1)بأنّ حدّه أربعون (2)؛ لما مرّ في الحسن:عن عبد مملوك قذف حرّا،قال:

«يجلد ثمانين،هذا من حقوق المسلمين،فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى فإنّه يضرب فيها نصف الحدّ» قلت:الذي من حقوق اللّه تعالى ما هو؟ قال:«إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحدّ» (3).

و هو مع عدم صحّته و مكافأته لمقابله من وجوه عديدة حمله الشيخ على التقيّة،قال:لأنّه مذهب بعض العامّة.

أقول:و مع ذلك لم يقل الصدوق به؛ لتضمّنه حدّ العبد في القذف ثمانين،و قد مرّ عنه أنّه عنده أربعون (4)،و هو موجب لوهنه أيضاً،إن لم نقل بخروجه بذلك عند الصدوق عن الحجّية.

نعم،يؤيّده الأصل،و إطلاق الحسن:«حدّ المملوك نصف حدّ

ص:71


1- في«ب»:حكم.
2- الفقيه 4:40.
3- التهذيب 10:357/92،الإستبصار 4:894/237،الوسائل 28:229 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 7.
4- راجع ص 50.

الحرّ» (1).

و قريب منه إطلاق الخبر الذي مرّ (2):عن التعزير كم هو؟قال:«دون الحدّ» قلت:دون ثمانين؟قال:«لا،و لكن دون الأربعين،فإنّها حدّ المملوك» الخبر.

و لكن الأصل يجب الخروج عنه بما مرّ،و الخبران قاصرا السند، عديما الجابر؛ مع ضعف الثاني سنداً بمعلّى بن محمّد،و متناً بعدم قائل بتحديد التعزير بما فيه كما مرّ (3)؛ مع ضعفه دلالةً كالأول أيضاً بعدم الصراحة،و احتمالهما (4)التقييد بحدّ ما عدا الشرب،كما ذكره شيخ الطائفة.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول و شذوذه،و إن مال إليه الشهيدان و الفاضل في المختلف (5)،مع عدم تصريحهم بالموافقة،و إنّما غايتهم في الظاهر الميل الضعيف،بل التردّد،و لا وجه له.

و يضرب الشارب و من في معناه عرياناً مستور العورة عن الناظر المحترم على ظهره و كتفيه و سائر جسده و يتّقى وجهه و فرجه و مَقاتله ،بلا خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا عن المبسوط،فقال:لا يجرّد عن ثيابه؛ لأنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)أمر بالضرب و لم يأمر بالتجريد (6).و هو شاذّ،بل

ص:72


1- التهذيب 10:358/93،الإستبصار 4:895/238،الوسائل 28:229 أبواب حدّ المسكر ب 6 ح 9.
2- في ص 59.
3- في ص 58.
4- في«ح» و«ن»:و احتمالها.
5- الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:204،المختلف:769.
6- المبسوط 8:69.

لم يحك الخلاف عنه إلّا نادر،و مضعَّف بالصحيح الصريح:عن السكران و الزاني،قال:«يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين،فأمّا الحدّ في القذف فيجلد على ثيابه ضرباً بين الضربين» (1).

و لا يُحَدّ حتى يُفيق عن سكره،بلا خلاف أجده؛ و كأنّ الحجّة فيه أنّ الحكمة في شرع الحدود هو الإيلام و الإيذاء و التأثّر،ليمتنع المحدود عمّا حُدَّ به فلا يفعله ثانياً،و هي إنّما تحصل بعد الإفاقة لا مطلقاً.

و إذا حُدَّ مرّتين قُتل في المرّة الثالثة كما قطع به الأكثر، و منهم:الشيخان و العماني و التقي و الحلّي و ابن زهرة (2)،و عليه عامّة المتأخّرين،عدا النادر الآتي ذكره،و عليه الإجماع في الغنية و هو الحجّة،مضافاً إلى أنّه المرويّ في الصحاح المستفيضة الصريحة و نحوها من المعتبرة المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة.

ففي الصحيح (3):«من شرب الخمر فاجلدوه،فإن عاد فاجلدوه،فإن عاد فاقتلوه» (4)و مع ذلك معتضد بعموم الصحيح بقتل أهل الكبائر في الثالثة (5).

ص:73


1- الكافي 7:14/216،التهذيب 10:355/92،الوسائل 28:231 أبواب حدّ المسكر ب 8 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:801،الطوسي في النهاية:712،حكاه عن العماني في المختلف:767،التقي الحلبي في الكافي:413،الحلّي في السرائر 3:473،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):623.
3- في«س» و«ن»:الصحاح.
4- الكافي 7:2/218،التهذيب 10:367/95،الوسائل 28:234 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 3.
5- الكافي 7:6/219،التهذيب 10:369/95،الاستبصار 4:791/212،الفقيه 4:182/51،الوسائل 28:234 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 2.

و قال الصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و المبسوط (1):

إنّه يقتل في الرابعة و تبعهما الفاضل في الإرشاد و ولده في الإيضاح و الشهيد في اللمعة (2).

لمرسل الكافي و الفقيه:«إنّه يقتل في الرابعة» (3).

و لأنّ الزناء أعظم منه ذنباً،و فاعله يقتل فيها كما مضى (4)،فهنا أولى.

و المرسل غير مقبول مطلقاً،خصوصاً مع معارضة الصحاح المتقدّمة و غيرها.

و الأولويّة جيّدة لولاها.

و تأوّل ابن أبي عمير المرسلة كما نقله عنه في الكافي فقال:و كأنّ المعنى أنّه يقتل في الثالثة،و من كان إنّما يؤتى به يقتل في الرابعة.

قال بعض الأصحاب:و لعلّ مراده أنّه ما اتي في الثالثة،بل في الرابعة،فيقتل فيها؛ لأنّه ما اتي به إلّا حينئذ،لا أنّه ما استحقّ القتل إلّا فيها (5).

و لو شرب مراراً و لم يُحَدّ خلالها كفى عن الجميع حَدٌّ واحد (بلا خلاف) (6)كما مرّ في الزناء (7).

ص:74


1- المقنع:154،الخلاف 5:473،المبسوط 8:59.
2- الإرشاد 2:180،الإيضاح 4:515،اللمعة(الروضة 9):205.
3- الكافي 7:4/218،الفقيه 4:131/40،الوسائل 28:235 أبواب حدّ المسكر ب 11 ح 7،9.
4- في ج 15:490.
5- مجمع الفائدة 13:196.
6- ليست في«ن».
7- راجع ج 15:488.

الثالث في الأحكام و فيه مسائل

الأولى لو شهد واحد

الثالث:في بيان الأحكام و فيه مسائل أربع:

الاُولى:لو شهد واحد عدل على شخص بشربها أي بشربه الخمر و ما في معناها- و آخر مثله بقيئها أي بقيئه لها- حُدَّ على الأشهر الأقوى،بل ذكر الشهيدان في النكت و المسالك (1)عدم الخلاف فيه بين أصحابنا،و ادّعى إجماعهم عليه في السرائر و التنقيح (2)، و حكي عن الخلاف أيضاً (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الخبر المنجبر ضعفه و لو من وجوه بالعمل،المرويّ في الكتب الثلاثة عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،أنّه قال في حقّ الوليد (4)لمّا شهد عليه واحد بشربها و آخر بقيئها:«ما قاءها إلّا و قد شربها» (5).

و يلزم من التعليل وجوب الحدّ لو شهدا بقيئها.

و تردّد فيهما جماعة من المحقّقين كالسيّد جمال الدين بن طاوس،و الفاضلين في الشرائع و القواعد (6)لاحتمال الإكراه.

و رُدّ بأنّه خلاف الأصل و الظاهر،و لو كان واقعاً لدفع به عن نفسه (7).

ص:75


1- غاية المراد 4:239،المسالك 2:440.
2- السرائر 3:475،التنقيح 4:370.
3- الخلاف 5:492.
4- في جميع المصادر:قدامة بن مظعون.
5- الكافي 7:2/401،الفقيه 3:72/26،التهذيب 6:772/280،الوسائل 28:239 أبواب حدّ المسكر ب 14 ح 1؛ بتفاوت يسير.
6- حكاه عن السيّد جمال الدين بن طاوس في المسالك 2:440،الشرائع 4:170،القواعد 2:264.
7- المسالك 2:440.

و ربما يسلم الأول،و يتردّد في الثاني؛ لأنّ العمدة في الأوّل الإجماع،و هو منفيّ في الثاني (1)و إن كان الحكم فيه أيضاً مشهوراً بين الأصحاب كما ادّعاه بعضهم (2)؛ لما مرّ من احتمال الإكراه،و هو يوجب الشبهة الدارئة.

و الجواب عنه بما مرّ من مخالفته الأصل و الظاهر ضعيف غايته، كيف لا؟!و غايتهما إفادة الظهور،و هو غير كافٍ في إثبات الحدود؛ لعدم منافاتهما الشبهة الدارئة،و لذا لو ادّعى ما يوجبها قُبِلَ و لو كان مخالفاً لهما إجماعاً.

نعم،يجاب عن هذا التردّد بابتنائه على انحصار الدليل في الأوّل في الإجماع بناءً على ضعف الخبر من وجوه،و هو في حيّز المنع؛ لانجبار ضعف الخبر بالشهرة،و دعوى الحلّي الإجماع على روايته و قبوله،فيجبر به بجميع ما فيه،حتى التعليل المقتضي للتعميم.

الثانية من شربها مستحلا

الثانية:من شربها أي الخمر- مستحلا لشربها أصلاً و هو مسلم استُتيب،فإن تاب أُقيم عليه الحدّ ثمانون جلدة خاصّة و إلّا يتب قُتِلَ من غير فرق في الاستتابة بين كونه فطريّاً أو ملّياً،كما عن الشيخين (3)و أتباعهما (4).

قيل:لإمكان عروض الشبهة في الشرب فاستحلّه،و الحدود تدرأ بالشبهات (5).

ص:76


1- الروضة 9:210.
2- المسالك 2:440،و فيه:الأشهر القبول.
3- المفيد في المقنعة:801،الطوسي في النهاية:711.
4- القاضي في المهذّب 2:536،و ابن حمزة في الوسيلة:416،و الراوندي في فقه القرآن 2:379.
5- انظر المسالك 2:440.

و لما رواه المفيد في إرشاده،فقال:روت العامّة و الخاصّة:أنّ قدامة بن مضعون شرب الخمر،فأراد عمر أن يجلده،فقال:لا يجب عليّ الحدّ؛ إنّ اللّه تعالى يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا [1] (1)فدرأ عنه الحدّ،فبلغ ذلك أمير المؤمنين(عليه السّلام)، فمشى إلى عمر،فقال:«ليس قدامة من أهل هذه الآية و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللّه سبحانه،إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً،فاردُد قدامة فاستتبه ممّا قال،فإن تاب فأقم عليه الحدّ،و إن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملّة» الخبر (2).

و قيل و القائل الحلّي و التقي كما حكي (3)-:إنّ حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة،بل يقتل من غير استتابة و هو قويّ متين،و عليه عامّة المتأخّرين؛ لإنكاره ما علم تحريمه ضرورة من الدين،و معه لا شبهة،إلّا إذا ادّعاها و أمكنت في حقّه؛ لقرب عهده بالإسلام و نحوه،فيدفع عنه الشبهة،و لا يقتل بلا شبهة،كما هو الحال في إنكار سائر الضروريّات.

و هذه الصورة خارجة عن مفروض المسألة،بل هو ما إذا لم يكن هناك شبهة محتملة،و لذا أنّ شيخنا في المسالك بعد أن اختار المختار و قال:هذا إذا لم يمكن الشبهة في حقّه؛ لقرب عهده بالإسلام و نحوه،و إلّا اتّجه قول الشيخين،قال:و عليه يحمل استتابة قدامة بن مظعون و غيره

ص:77


1- المائدة:93.
2- الإرشاد 1:203،الوسائل 28:220 أبواب حد المسكر ب 2 ح 1.
3- حكاه عنهما في التنقيح 4:371،و هو في الكافي في الفقه:413،و السرائر 3:477.

ممّن استحلّها في صدر الإسلام بالتأويل (1).انتهى.

و منه يظهر الجواب عن الدليلين اللذين مضيا.

و لكن يتوجّه على شيخنا أنّه كيف استوجه على تقدير الشبهة المحتملة قول الشيخين و من تبعهما بالاستتابة و الحدّ أولاً ثم القتل مع عدمها؟!مع أنّهما ليسا وظيفة المنكر لضروريّ الدين بالشبهة المحتملة،بل وظيفته رفع الشبهة عنه بحيث يصير ما أنكره ضروريّاً له،فإن استحلّ أيضاً كان حينئذٍ مرتدّاً يستتاب إن كان ملّياً،و يقتل إن كان فطريّاً.

و بالجملة:فما ذكره الشيخان لا ينطبق على صورة الشبهة أيضاً.

و من هنا يظهر جواب آخر عن الاستدلال بهما لهما،و أنّ جواب شيخنا عن الرواية بحملها على صورة الشبهة لا يوافق الصواب على ما عرفته،و الحقّ في الجواب عنها بعد الإغماض عن سندها-:أنّها قضيّة في واقعة،فلا تكون عامّة لصورتي كون المستحلّ فطريّاً أو ملّياً؛ لاحتمال كون قدامة ارتداده عن ملّة لا عن فطرة،فيتوجّه حينئذٍ القتل بعد الاستتابة، و بهذا أجاب الفاضل المقداد في شرح الكتاب عن الرواية (2).

هذا حكم الخمر.

و أمّا غيرها من المسكرات و الأشربة كالفقّاع و النبيذ فقد أشار إليه بقوله: و لا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر مطلقاً بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلا كان له أو محرّماً قولاً واحداً؛ لوقوع الخلاف فيها بين المسلمين و تحليل بعضهم إيّاها،فيكون ذلك كافياً في انتفاء الكفر باستحلالها.

ص:78


1- المسالك 2:440.
2- التنقيح 4:371.

و لا فرق بين كون الشارب لها ممّن يعتقد إباحتها كالحنفي (1)- [و غيره (2)]،فيحدّ عليها و لا يكفر؛ لأنّ الكفر مختصّ بما وقع عليه الإجماع من المسلمين و ثبت حكمه ضرورةً من الدين ،و هو منتف في غير الخمر بيقين.

خلافاً للحلبي،فكفّر مستحلّها،و أوجب قتله (3).

و هو نادر،كما صرّح به في الروضة (4).

الثالثة من باع الخمر مستحلا استُتيب

الثالثة: من باع الخمر مستحلا بيعها استُتيب مطلقاً و لو كان فطريّاً؛ إذ ليس تحريمه معلوماً ضرورةً،و قد يقع فيه الشبهة من حيث إنّه يسوغ تناوله على بعض وجوه (5)الضرورات.

قيل:فيعزّر فاعله و يستتاب (6)إن فعله مستحلا فإن تاب قُبِلَ منه و إلّا قُتِلَ حدّا،و كأنّه موضع وفاق،و ما وقفت على نصّ يقتضيه (7).

و فيما سواها من الأشربة إذا باعه مستحلا لا يقتل قطعاً و إن لم يتب؛ لعدم إجماع المسلمين على حرمته،فلا يحكم بكفر مستحلّه الموجب لقتله.

نعم،قالوا: يعزّر لفعله المحرّم و هو حسن إن كان ممّن يعتقد التحريم،و إلّا ففيه نظر وفاقاً لبعض من تأخّر،حيث قال:و في تأديبه مع

ص:79


1- الهداية(البناية في شرح الهداية 1):476.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة،كما في المسالك 2:440.
3- الكافي في الفقه:413.
4- الروضة 9:207.
5- في«ب»:الوجوه.
6- في النسخ زيادة:و.أسقطناها كما في المصدر لاستقامة المعنى.
7- المسالك 2:440.

كونه من أهل الخلاف نظر (1).

الرابعة لو تاب قبل قيام البيّنة

الرابعة: لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط الحدّ عنه،بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى جميع ما مرّ في الزناء من الأدلّة.

و لا يسقط عنه الحدّ لو تاب بعد قيام البيّنة على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للأصل،مع عدم ظهور المسقط بالكلّيّة (3).

خلافاً للحلبي،فجوّز للإمام العفو عنه هنا كما اختاره في الزناء (4).

و هو مع شذوذه على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)حجّته غير واضحة،عدا ما مرّ ثمّة،و قد عرفت جوابه (6).

و لو تاب بعد الإقرار،يتخيّر الإمام في الإقامة للحدّ عليه أو العفو عنه كما في الزناء،على الأظهر الأشهر،كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (7)؛ لأنّها بعد الإقرار مسقطة لتحتّم أقوى العقوبتين و هو الرجم أو الجلد مائة في أقوى الذنبين،و هو الزناء،فأضعفهما و هو الجلد ثمانين و الشرب بطريق أولى.

و بهذا التقرير الذي بيّنّا به الأولويّة يندفع ما أورد عليها جماعة من

ص:80


1- كشف اللثام 2:418.
2- السرائر 3:479،المسالك 2:447،مجمع الفائدة 13:204،كشف اللثام 2:428.
3- في«ن» زيادة:و ربما أشعر بالعدم الرواية الآتية.
4- الكافي في الفقه:407،413.
5- كما في المفاتيح 2:88.
6- في ج 15:470 471.
7- الروضة 9:208،و نسبه في مجمع الفائدة 13:205 و المفاتيح 2:88 إلى المشهور.

وجود الفارق بين الرجم و غيره،من حيث تضمّنه تلف النفس المأمور بحفظها شرعاً،بخلاف صورة الفرض (1)و ذلك لعدم انحصار حدّ الزناء (2)في الرجم،بل يثبت فيه الجلد مائة أيضاً على بعض الوجوه،و قد قدّمنا سقوطه أيضاً كالرجم بالتوبة بعد الإقرار،و لا ريب أنّه أكثر عقوبةً من الجلد ثمانين،و موجبه أعظم ذنباً من موجبه،فليكن سقوط الحدّ هنا بالتوبة أولى(بعده) (3).

هذا،مضافاً إلى عموم مفهوم التعليل في بعض المعتبرة الواردة في اللواط،و فيه:«و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة، و إنّما تطوّع بالإقرار من نفسه،و إذا كان للإمام الذي من اللّه تعالى أن يعاقب عن اللّه سبحانه كان له أن يمنّ عن اللّه تعالى؛ أما سمعت قول اللّه تعالى هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [1] (4)» (5).

و منهم من حَتَم الحدّ و أوجبه،و هو:الحلّي و الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،و قوّاه الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير (7)و جماعة من المتأخّرين (8)؛ لاستصحاب ثبوت الحدّ إلى ظهور المسقط،و ليس بظاهر.

ص:81


1- التنقيح 4:372،المفاتيح 2:89،كشف اللثام 2:418.
2- في«ن» زيادة:الساقط بالتوبة بعد الإقرار.
3- ليست في«س» و«ب» و«ن».
4- سورة ص:39.
5- تحف العقول:360،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 4.
6- الحلّي في السرائر 3:478،الشيخ لم نعثر على كلامه في المبسوط و الخلاف،نعم حكاه عنه جماعة منهم:الحلّي في السرائر 3:478،و العلّامة في المختلف:768.
7- الشرائع 4:171،التحرير 2:227.
8- منهم الشهيد الأوّل في غاية المراد 14:243،و الشهيد الثاني في المسالك 2:440،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:98.

و فيه بعد ما عرفت من وجود الدليل نظر واضح.

و أمّا ما ذكره الحلّي (1)من ظنّه عدم الخلاف فيما ذكره؛ لرجوع الشيخ في الكتابين عمّا في النهاية فواضح وهنه،سيّما بعد ما عرفت من دعوى الشهرة الظاهرة على خلافه في كلام جماعة.

ص:82


1- السرائر 3:479.

الفصل الخامس في حدّ السرقة

الأول في السارق

الفصل الخامس في بيان حدّ السرقة و هو يعتمد فصولاً خمسة:

الأول في بيان السارق الذي يجب قطعه.

و يشترط فيه:التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و ارتفاع الشبهة الدارئة للحدّ من نحو توهّم الملك كما في سائر الحدود و أن لا يكون والداً سرق من ولده،و أن يهتك الحرز و يزيله،ف يخرج المتاع المحرز فيه (1)، و يأخذه سرّاً مختفياً.

فالقيود المشترطة في قطع السارق إذن ستّة فلا يحدّ الطفل و لو راهق الحلم و لا المجنون و لو أدواريّاً إذا سرق حال جنونه لكن يعزّران و يؤدّبان بما يراه الحاكم و إن تكرّر منهما مراراً.

بلا خلاف في الثاني،بل ادّعي الوفاق على عدم حدّه (2)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى حديث رفع القلم عنه (3)من غير معارض فيه،و هو و إن دلّ على نفي التعزير أيضاً إلّا أنّه لا خلاف فيه،و يمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس (4)من باب التكليف،بل وجوب التأديب على

ص:83


1- في المختصر المطبوع زيادة:بنفسه.
2- كشف اللثام 2:420.
3- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
4- في«س» و«ن» زيادة:ذلك.

الحاكم؛ لاشتماله على المصلحة و دفع المفسدة،كما في كل تعزير.

و هذان الدليلان جاريان في عدم حدّ الصبي و تعزيره،كما أطلقه المصنّف و عامّة المتأخّرين (1)،وفاقاً للمفيد و الحلّي كما حكي (2).

و قال الشيخ في النهاية و تبعه القاضي (3):إنّه يعفى عن الطفل أوّلاً،فإن عاد أُدِّب،فإن عاد حُكَّت أنامله حتى تدمى،فإن عاد قُطِعت أنامله،و إن عاد قطع كما يقطع البالغ و اختاره في المختلف بعد أن نسبه إلى الأكثر (4)،و نحوه شيخنا في الروضة،فقال:و مستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة،و عليه الأكثر.و لا بعد في تعيين الشارع نوعاً خاصّاً من التأديب؛ لكونه لطفاً و إن شارك خطاب التكليف في بعض أفراده (5).

و هو حسن إن تمّ ما ذكره من دلالة الأخبار الصحيحة عليه؛ مع أنّا لم نجد شيئاً منها يدلّ عليه بالتفصيل المذكور فيه؛ مع أنّها بأنفسها متعارضة غير متّفقة على تفصيل واحد،و الجمع بينها و تطبيقها على ما في النهاية في غاية الإشكال و الصعوبة،بل لعلّه متعذّر،و مع ذلك خالٍ عن شاهدٍ عليه و حجّة،فيشكل التعويل عليها مطلقاً في إثبات حكم مخالف للأصل،كما أشار إليه الماتن في نكت النهاية،فقال و لنعم ما قال-:

و الذي أراه تعزير الصبيّ،و الاقتصار على ما يراه الإمام أردع له،و قد اختلف الأخبار في كيفية حدّه،فيسقط حكمها لاختلافها و عدم الوقوف (6)

ص:84


1- في«ن» زيادة:عدا النادر منهم.
2- حكاه عنهما في التنقيح 4:373،و هو في المقنعة:803،و السرائر 3:485.
3- النهاية:716،و لم نعثر عليه في كتب القاضي،نعم حكاه عنه في الإيضاح 4:519.
4- المختلف:770.
5- الروضة 9:222.
6- كذا،و في المصدر:الوثوق.

بإرادة بعضها دون بعض.و ما ذكره الشيخ رحمه اللّه خبر واحد لا يحكم به في الحدود؛ لعدم إفادته اليقين،و الحدّ يسقط بالاحتمال (1).

انتهى.

و منه يظهر الجواب عمّا عن المقنع (2)من العفو عنه أولاً،فإن عاد قطعت أنامله أو حكَّت حتى تدمى،فإن عاد قطعت أصابعه،فإن عاد قطع أسفل من ذلك؛ كما في الصحيح (3).

و في آخر رواه في الفقيه:«إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه،فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكّت حتى تدمى،فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه،فإن عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطعت يده و لا يضيّع حدّ من حدود اللّه تعالى» (4).

و لا يخفى ما بينهما من التعارض و لو من جهة الإطلاق و التقييد، و الجمع بينهما بالتقييد و إن أمكن،إلّا أنّه لم يقل به في المقنع و لا غيره، و لم يحك عن أحد.

و عمّا عن ابن سعيد (5)من العمل بما في الصحيح:«إذا سرق الصبيّ عفي عنه،فإن عاد عُزِّر،فإن عاد قطع أطراف الأصابع،فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (6)لمعارضته ما سبقه و غيره من النصوص المعارضة لهما،

ص:85


1- نكت النهاية 3:324.
2- المقنع:150.
3- الكافي 7:6/233،التهذيب 10:476/119،الوسائل 28:295 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 7.
4- الفقيه 4:147/44،الوسائل 28:297 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 12.
5- الجامع للشرائع:563.
6- الكافي 7:4/232،التهذيب 10:472/118،الوسائل 28:294 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 2.

و منها الصحيحان الدالّان على العفو عنه مرّتين،فإن عاد قطع أطراف أصابعه كما في أحدهما،و بنانه بدلاً عنه في الثاني،فإن عاد قطع أسفل من ذلك كما في الأوّل،و من بنانه كما في الثاني،و زيد فيه:«فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (1).

و في الغنية:روى أصحابنا:«أنّ الصبي إذا سرق هُدِّد،فإن عاد ثانيةً أُدِّب بحك أصابعه بالأرض حتى تدمى،فإن عاد ثالثةً قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول،فإن عاد رابعةً قطعت من المفصل الثاني،فإن عاد خامسةً قطعت من أُصولها» (2).

و أكثر النصوص تخالف هذا التفصيل.نعم،في بعضها ما يومئ إليه (3)،لكن فيه العفو بدل التهديد.و لا يخفى ما بينهما من التنافي،إلّا أن يحمل المعفوّ عنه على القطع و الإدماء،فلا ينافي التهديد،لكن السند قاصر.و عبارته و إن أشعرت بالإجماع عليه إلّا أنّه موهون بمخالفته الأكثر، بل الكلّ،كما يظهر من نقل الأقوال الذي مرّ.

و بالجملة:العمل بهذه الأخبار محلّ نظر و إن استفاض صحاحها و قرب من التواتر عددها؛ لما مضى،فينبغي حملها على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم،لا حدّا،كما ذكره في المسالك شيخنا (4)،و مقتضاه

ص:86


1- الأول في:الكافي 7:1/232،التهذيب 10:473/119،الوسائل 28:293 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 1. الثاني في:الكافي 7:2/232،التهذيب 10:474/119،الوسائل 28:294 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 4.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):623 624.
3- التهذيب 10:484/121،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 28 ح 15.
4- المسالك 2:441.

جواز بلوغ التعزير الحدّ هنا و لو في بعض الصور،و لا بأس به؛ لاتّفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه،و لكنّه لا يلائم ما أطلقه المتأخّرون (1)من التعزير؛ بناءً على ما قرّروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحدّ،و في جريانه في محلّ البحث نظر؛ لما مرّ،لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع إلّا فيما اتّفقت في الدلالة عليه،و هو في الخامسة.

و لو سرق الشريك من المال المشترك ما يظنّه نصيباً له،مع ظنّه جواز مباشرته القسمة بنفسه لم يقطع و لو زاد نصاباً؛ للشبهة الدارئة للحدّ الذي منه القطع،بلا خلاف.

و لو علم عدم جواز تولّي القسمة كذلك،قطع إن بلغ نصيب الشريك نصاباً؛ للعموم،و ارتفاع الشبهة بالعلم.

قيل (2):و يحتمل القطع مطلقاً مع بلوغ نصيب الشريك النصاب؛ لفساد القسمة،و وجود حقّ الشريك فيما أخذه(بقدر النصاب) (3).

و يحتمل العدم كذلك؛ لوجود حقّه فيه،مع التأيّد بعموم ما سيأتي من قول أمير المؤمنين(عليه السّلام):«إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء» (4)و الخبر الوارد فيمن سرق من بيت المال:«لا يقطع،فإنّ له فيه نصيباً» (5).

و في الاحتمالين نظر؛ لأنّ فساد القسمة في الشريعة لا يرفع أثر

ص:87


1- في«ب» و«ح»:بعض المتأخرين.
2- كشف اللثام 2:422.
3- ليست في المصدر،و في«ب»:بقدره.
4- الكافي 7:7/223،التهذيب 10:406/104،الإستبصار 4:910/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 1،و في الجميع:«له فيما أخذ شِرك» أي نصيب.
5- الكافي 7:6/231،التهذيب 10:407/105،الإستبصار 4:911/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 2.

الشبهة الحاصلة من مظنّة جواز المباشرة لها بنفسه.و وجود حقّه فيه لا ينافي صدق أخذه النصاب من مال غيره الموجب هو للقطع بمقتضى العموم،و لا إشارة فيما دلّ عليه باشتراط خلوص النصاب عن مال السارق، فتأمّل .

و الخبران قاصرا السند،فلا يصلحان لتخصيص العموم،سيّما مع اعتضاده بفتوى المشهور،و معارضتهما بما سيأتي ممّا هو أوضح منهما سنداً.

و في سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب.

ففي إحداهما :أنّه لا يقطع و المراد بها الجنس؛ لتعدّدها.

منها:«في رجل أخذ بيضة من المغنم و قالوا:قد سرق اقطعه،فقال:

إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء» (1).

و منها:«أربعة لا قطع عليهم:المختلس،و الغلول،و من سرق من المغنم،و سرقة الأجير؛ لأنّها خيانة» (2).

و عمل بمضمونها المفيد و الديلمي و فخر الدين و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (3)،و غيرهم (4).

و قصور سندهما بسهل في الأوّل و إن كان سهلاً،و السكوني

ص:88


1- تقدّمت في ص 85.
2- الكافي 7:6/226،التهذيب 10:449/114،الإستبصار 4:912/241،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 3.
3- المفيد في المقنعة:803،الديلمي في المراسم:258،فخر الدين في الإيضاح 4:525،الفاضل المقداد في التنقيح 4:374.
4- كابن سعيد في الجامع للشرائع:560 و ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 5:93.

و صاحبه في الثاني و إن كان قويّاً يمنع عن العمل بهما و إن اعتضدا بمفهوم التعليل في الخبر الذي مضى؛ لضعف سنده أيضاً من وجوه شتّى.

و في الرواية الأُخرى :أنّه يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب و إلّا فلا (1)،و قد عمل بها الشيخ في النهاية و القاضي و الإسكافي و الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة (2)، مدّعياً هو و بعض من تبعه أنّ عليها عمل الأكثر (3).

و لا بأس به؛ لصحّتها،و صراحتها في التفصيل المحتمل (4)الجامع بين الرواية السابقة بحملها على ما إذا لم يزد عن حصّته نصاباً،و إن نافاه ظاهر ما فيها من التعليل؛ لإمكان حمله على ما يوافقه و بين الموثّقة كالصحيحة:عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين(عليه السّلام)،قال:«كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه» (5)بحملها على صورة أخذه الزيادة عن حصّته بما يبلغ نصاباً،و يحتمل حملها على كون السارق ليس من الغانمين،كما ربما يشعر به ظاهر سياقها.و على أيّ حال،فليس في ظاهرها ما ينافي القولين؛ لكونها قضيّة في واقعة لا عموم لها،محتملة للورود مورداً لا يخالفهما.

ص:89


1- الفقيه 4:151/45،التهذيب 10:410/106،الإستبصار 4:914/242،الوسائل 28:289 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 4.
2- النهاية:715،القاضي في المهذّب 2:542،حكاه عن الإسكافي في المختلف:769،الشرائع 4:173،التحرير 2:228،المسالك 2:442،الروضة 9:228.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2:90.
4- ليست في«ن».
5- التهذيب 10:408/105،الإستبصار 4:913/241،الوسائل 28:288 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 3.و بيضة الحديد:الخُوذَة نهاية ابن الأثير 1:172.

هذا،و المسألة بَعدُ لا تخلو عن تردّد،كما هو ظاهر المتن و القواعد و صريح اللمعة (1)؛ لحصول الشبهة باختلاف الفتوى و الرواية و إن كان ما دلّ منها على التفصيل أوضح سنداً و أظهر دلالةً؛ لوحدته،و تعدّد مقابله(و قوّة دلالته بما فيه من التعليل) (2)مع اعتبار سند بعضه؛ لما عرفت من سهولة أمر سهل،بل قيل بوثاقته (3)،و قوّة السكوني و صاحبه،مع أنّ الاُولى مرويّة عن الكافي صحيحة،و لكن لم أقف عليها كذلك فيه في هذا الكتاب (4)، و لعلّه رواها فيه في كتاب الجهاد،و مقتضى التردّد حصول الشبهة الدارئة.

و بموجب ذلك يظهر للقول الأول قوّة.

و لو سرق الوالد من مال ولده لم يقطع،إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (5)؛ و هو الحجّة،المعتضدة بفحوى ما دلّ على عدم قتله بقتله (6)،و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):«أنت و مالك لأبيك» (7).

و صرّح جماعة (8)بعموم الأب لمن علا،و ظاهر المسالك الإجماع

ص:90


1- القواعد 2:266،اللمعة(الروضة 9):227.
2- ليست في«ن».
3- رجال الطوسي:416.
4- السند في الكافي كذا:عن علي بن إبراهيم،عن أبيه،و عدّة من أصحابنا،عن سهل بن زياد جميعاً،عن ابن أبي نجران..و لا يخفى أنّ السند الأوّل صحيح على مبناه.
5- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:372،و الشهيد الثاني في المسالك 2:442،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:93.
6- انظر الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32.
7- الكافي 5:5/135،التهذيب 6:961/343،الإستبصار 3:157/48،الوسائل 17:262 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 1.
8- كالعلّامة في التحرير 2:228،و القواعد 2:266،و الشهيد الثاني في المسالك 2:442،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:422.

عليه (1).

و لو سرق الولد من مال أحد والديه و إن علا،أو الأُمّ من مال ولدها، وجب القطع بلا خلاف،إلّا من الحلبي (2)،فألحق الاُمّ بالوالد في عدم قطعها لو سرقت من مال ولدها،و هو شاذّ محجوج بعموم الآية (3)و الأخبار (4)بقطع السارق مطلقاً،خرج منه الوالد بالإجماع،فيبقى الباقي.

و منه يظهر انسحاب الحكم في الأقارب لو سرق بعضهم من بعض، و لا خلاف فيه ظاهراً،و ما سيأتي من الصحيح بعدم القطع بسرقة مال الأب و الأخ و الأُخت،محمول على عدم الحرز دونه كما هو الغالب و مقتضى التعليل فيه.

و قيّد جماعة قطع الولد بسرقته من مال الوالدين و الأُمّ بسرقة مال ولدها بما إذا قام المسروق منه بنفقة السارق إن وجبت عليه و إلّا فلا قطع، و صريح الغنية الإجماع عليه (5).

و لا بأس به إذا كان المسروق مأخوذاً بدلاً من النفقة بقدرها ،أو مع الزيادة بما لا يبلغ النصاب؛ و في النصوص إيماء إليه (6).

و لو لم يكن المال محروزاً،أو هتك الحرز غيره و أخرج هو، لم يقطع بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (7)؛ و هو الحجّة،مضافاً

ص:91


1- المسالك 2:442.
2- الكافي في الفقه:411.
3- المائدة:38.
4- الوسائل 28:251 أبواب حد السرقة ب 4.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- انظر الوسائل 28:288 أبواب حد السرقة ب 24.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):623.

إلى النصوص المستفيضة الآتية في الأول،و عدم تحقّق السرقة من الهتك، و لا الأخذ من الحرز من المخرج.

نعم،يجب على الأول ضمان ما أفسده من جدار أو غيره،و على الثاني ضمان المال؛ لحديثي نفي الضرر (1)و ضمان اليد (2).

و لو تعاونا على الهتك و انفرد أحدهما بالإخراج،قطع المخرج خاصّة؛ لصدق السرقة في حقّه دون المتفرّد بالهتك.و لو انعكس، فلا قطع على أحدهما،إلّا إذا أخرجا نصابين.

و لو تعاونا على الأمرين و أخرجا أقلّ من نصابين،ففي وجوب القطع قولان يأتيان.

و لا فرق في الإخراج بين المباشرة و التسبيب،مثل:أن يشدّ بحبل و يجرّ به،أو يؤمر صبي غير مميّز بإخراجه،أو نحو ذلك.أمّا لو أمر مميّزاً به فلا قطع على التسبّب (3)على ما ذكره جماعة (4).

و لو خان المستأمن لم يقطع؛ لأنّه لم يحرز من دونه.و كذا لو هتك الحرز قهراً ظاهراً و أخذ؛ لأنّه ليس بسارق،بل هو غاصب،و للنصوص المستفيضة فيهما.

ففي الصحيح:عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء،فسرق بعضهم متاع بعض،فقال:«هذا خائن لا يقطع،و لكن يتبع بسرقته و خيانته» قيل له:فإن

ص:92


1- الكافي 5:2/292،الفقيه 3:648/147،التهذيب 7:651/146،الوسائل 25:428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.
2- عوالي اللئلئ 1:106/224.
3- في«ب» و«ح»:السبب.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:442،الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:91،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:424.

سرق من أبيه؟فقال:«لا يقطع؛ لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه،هذا خائن،و كذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول» (1).

و في المعتبرة المستفيضة:«لا أقطع في الدغارة (2)المعلنة،و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفي» (3).

و لا فرق في السارق الذي يجب قطعه بين الحرّ و العبد إذا سرق من غير مولاه،و لم يكن عبد غنيمة سرق منها و المسلم و لو سرق من ذمّي كما صرّح به في التحرير (4) و الكافر بأقسامه و الذكر و الأُنثى فهم في ذلك سواء بلا خلاف ظاهر و لا محكيّ؛ للعموم السالم عمّا يوجب التخصيص.

مضافاً إلى خصوص المرسل في العبد،قال:«المملوك إذا سرق من مال مواليه لم يقطع،فإذا سرق من غير مواليه قطع» (5).

و إنّما قيّدنا العبد بما مرّ إذ لا يقطع عبدُ الإنسان بسرقة ماله كما قطع به الأصحاب ظاهراً،و ادّعاه بعضهم صريحاً (6)،و عن المبسوط نفي الخلاف عنه إلّا من داود (7)؛ و دلّت عليه النصوص أيضاً

ص:93


1- الكافي 7:6/228،التهذيب 10:429/110،الوسائل 28:276 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 1.
2- الدغرة:أخذ الشيء اختلاساً الصحاح 2:658.
3- انظر الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12.
4- التحرير 2:228.
5- الكافي 7:22/237،التهذيب 10:438/111،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 3.
6- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:423.
7- المبسوط 8:44.

ففي الصحيح:«إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع» (1).

و أظهر منه الخبر:«عبدي إذا سرقني لم أقطعه» (2).

و قريب منه آخر:«في عبد سرق و اختان من مال مولاه،ليس عليه قطع» (3)و نحوهما المرسل المتقدّم.

و علّل مع ذلك في الشرائع بأنّ في قطعه زيادة إضرار (4)(5).

و فيه لولا النصّ نظر.

و فيه الفقيه بأنّه مال الرجل سرق بعضه بعضاً (6).

و هو نظير ما سيأتي من التعليل.

و كذا لا يقطع عبد الغنيمة بالسرقة منها لأنّه إنّما أخذ من مال مواليه،و للنصوص:

منها:في رجلين قد سرقا من مال اللّه تعالى،أحدهما عبد لمال اللّه، و الآخر من عرض الناس،فقال:«أمّا هذا فمن مال اللّه تعالى ليس عليه شيء،مال اللّه تعالى أكل بعضه بعضاً،و أمّا الآخر فقدّمه و قطع يده» (7).

ص:94


1- التهذيب 10:439/111،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 5.
2- الكافي 7:20/237،التهذيب 10:437/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 2.
3- الكافي 7:5/234،التهذيب 10:436/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 1.
4- الشرائع 4:174.
5- في«ن» زيادة:على المالك.
6- الفقيه 4:49.
7- الكافي 7:24/264،التهذيب 10:501/125،الوسائل 28:299 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 4.

و في القويّ:«و عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه؛ لأنّه فيء» (1).

و يقطع الأجير إذا أحرز المال الذي سرق منه من دونه،على الأشبه الأشهر (2) بل عليه عامّة من تأخّر،كما في المسالك (3)و غيره (4)؛ للعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،كما سيظهر.

خلافاً للنهاية،فأطلق أنّه لا قطع عليه (5)؛ و حجّته غير ظاهرة إن قصد الإطلاق،عدا ما استدلّ له من المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما من المعتبرة-:أنّه لا قطع عليه لأنّه مؤتمن (6).

و التعليل صريح في صورة عدم الإحراز عنه،و ليس عدم القطع فيها محلّ خلاف.

و إليه أشار في الجواب عنها شيخنا في الروضة،فقال بعد نقل هذا القول-:استناداً إلى أخبار ظاهرة في كون المال غير محرز عنهما (7)، فالتفصيل حسن (8).

و كذا يقطع كلّ من الزوج و الزوجة بسرقة مال الآخر مع الإحراز عنه و إلّا فلا،بلا خلاف؛ لما مرّ من العمومات.

و ينبغي تقييد القطع في الزوجة حيث تقطع بما إذا لم تسرق عوضاً

ص:95


1- الكافي 7:20/237،التهذيب 10:437/111،الوسائل 28:298 أبواب حدّ السرقة ب 29 ح 2.
2- في المختصر المطبوع:الأظهر.
3- المسالك 2:442.
4- التنقيح 4:375،المفاتيح 2:94،كشف اللثام 2:422.
5- النهاية:717.
6- انظر الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 14.
7- أي الضيف و الأجير.
8- الروضة 9:241.

عن النفقة الممنوعة عنها من دون زيادة عليها،و إلّا فلا قطع عليها،كما مضى في نظيره قريباً (1).

و كذا الضيف يقطع مع الإحراز عنه،و لا مع العدم،على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ.

و في رواية صحيحة:أنّه لا يقطع بقول مطلق،من دون تفصيل بين الإحراز عنه و عدمه،و فيها:«إذا سرق الضيف لم يقطع،و إذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف» (2).

و لا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (3)،و قد رجع عنه إلى التفصيل في المبسوط و الخلاف (4).و الحلّي (5)،و هو شاذّ،مع اضطرابه في الباب، حيث رجّح أولاً التفصيل (6)،ثم عدم القطع على الإطلاق،و هو غريب، و أغرب منه دعواه الإجماع على الثاني.

و ربما يحكى هذا القول عن الإسكافي و الصدوق في الفقيه و المقنع (7).

مع أنّ عبارة الأول المحكيّة في المختلف صريحة في التفصيل،فإنّه قال:و سرقة الأجير و الضيف و الزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانةٌ لا قطع عليهم

ص:96


1- راجع ص 89.
2- الكافي 7:4/228،التهذيب 10:428/110،علل الشرائع:3/535،الوسائل 28:275 أبواب حدّ السرقة ب 17 ح 1.
3- النهاية:717.
4- المبسوط 8:33،و حكاه عن الخلاف في السرائر 3:487.
5- السرائر 3:488.
6- السرائر 3:487.
7- حكاه عنهما الشهيد الثاني في المسالك 2:442.

فيه،فإن سرقوا ممّا لم يؤتمنوا عليه قطعوا (1).

و قريب منها عبارة الصدوق في الكتابين،فإنّه قال:ليس على الأجير و لا على الضيف قطع؛ لأنّهما مؤتمنان (2).

و وجه الظهور هو التعليل الظاهر في كون سبب عدم القطع إنّما هو الاستئمان المنافي للإحراز عنه المشترط في القطع،و هذا لا نزاع فيه.

و حيث شذّت الرواية ينبغي طرحها،أو حملها على صورة الاستئمان كما هو الغالب،و يشعر به ذيلها؛ للحكم فيه بقطع ضيف الضيف،و ليس ذلك إلّا من حيث إنّ المالك لم يأمنه.

و أظهر منه ما في بعض النصوص:«الأجير و الضيف أمينان ليس يقع عليهما حدّ السرقة و لا غيره» (3)فتدبّر.

و يجب على السارق إعادة المال بعينه مع وجوده و إمكان إعادته،أو ردّ مثله إن كان مثليّا أو قيمته إن كان قيميّاً مع تلفه أو تعذّر ردّه.

و لو عاب ضَمِن الأرش.

و لو كان ذا اجرة لزمته مع ذلك و لو قطع لأنّهما حكمان متغايران:

الإعادة لأخذ مال الغير عدواناً،و القطع حدّا عقوبة على الذنب.

و الأصل فيه بعد ذلك و إجماعنا(الظاهر) (4)المصرّح به في بعض العبائر (5)المعتبرة المستفيضة:

ص:97


1- المختلف:770.
2- الفقيه 4:47،المقنع:151.
3- الكافي 7:5/228،التهذيب 10:425/109،علل الشرائع:2/535،الوسائل 28:272 أبواب حدّ السرقة ب 14 ح 4؛ و ليس في الجميع:و لا غيره.
4- ليست في«ن».
5- كشف اللثام 2:430.

منها الصحيح:«إذا سرق السارق قطعت يده و غرم ما أخذ» (1).

و الموثّق كالصحيح:«السارق يتبع بسرقته و إن قطعت يده،و لا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم» (2).

و الخبر:عن رجل يسرق فيقطع يده و لم يردّ ما سرق،كيف يصنع به في مال الرجل الذي سرق منه؟أو ليس عليه ردّه؟!و إن ادّعى أنّه ليس عنده قليل و لا كثير و علم ذلك منه؟قال:«يستسعى حتى يؤدّي آخر درهم سرقه» (3).

و نبّه بذلك على(ردّ) (4)مالك و أبي حنيفة،حيث قال الأول:إن تلفت العين غرمها إن كان موسراً،و لم يغرمها إن كان معسراً و لو أيسر بعد ذلك (5).

و قال الثاني:لا أجمع بين القطع و الغرم للعين التالفة،فإن غرم له سقط حدّ القطع،و إن سكت المالك حتى يقطع سقط الغرم (6).

الثاني في المسروق

الثاني:في بيان المسروق الذي يجب بسرقته القطع و شروطه.

و منها:اشتراط بلوغه نصاب القطع بلا خلاف،بل عليه

ص:98


1- الكافي 7:15/225،التهذيب 10:412/106،الوسائل 28:264 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 1.
2- التهذيب 10:413/106،الوسائل 28:265 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 4.
3- الكافي 7:9/261،التهذيب 10:518/130،الوسائل 28:264 أبواب حدّ السرقة ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- في«س» و«ن»:خلاف.
5- حكاه عنه النووي في المجموع 20:102.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 10:274 و 294.

إجماعنا في المسالك (1)و غيره (2)؛ و هو الحجّة المخصِّصة لإطلاق الآية و الرواية بقطع السارق بقول مطلق،مضافاً إلى الأدلّة الآتية من الإجماعات المحكيّة و النصوص المستفيضة بل المتواترة.

و قدره ربع دينار،ذهباً خالصاً،مضروباً بسكّة المعاملة أو ما بلغ قيمته ذلك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الخلاف و الاستبصار و الغنية و السرائر و كنز العرفان (3):أنّ عليه إجماع الإماميّة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصّية و العامّية.

ففي الصحيح:«لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر» (4).

و في آخر:«لا يقطع يد السارق إلّا في شيء تبلغ قيمته مِجَنّاً (5)،و هو ربع دينار» (6).

و في الخبرين:عن أدنى ما يقطع فيه السارق،فقال:«في بيضة حديد»،قلت:و كم ثمنها؟قال:«ربع دينار» (7).

ص:99


1- المسالك 2:443.
2- المفاتيح 2:91.
3- الخلاف 5:413،الاستبصار 4:241،الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:483،كنز العرفان 2:350.
4- الكافي 7:6/221،التهذيب 10:384/99،الإستبصار 4:896/238،الوسائل 28:243 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 1.
5- المِجَنّ:الترس الذي يتّقي به المحارب ضرب عدّوه الصحاح 5:2094.
6- الكافي 7:2/221،التهذيب 10:387/100،الإستبصار 4:899/239،الوسائل 28:243 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 2.
7- أحدهما في:الكافي 7:3/221،التهذيب 10:385/99،الإستبصار 4:897/238،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 5،6. و الآخر في:التهذيب 10:389/100،الإستبصار 4:901/239،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل الحديث 6.

و زيد (1)في أحدهما:و قال(عليه السّلام):«لا يقطع يد السارق حتى تبلغ سرقته ربع دينار».

و قول الصدوق بالخُمس (2)،و العماني بالدينار الكامل (3)،شاذّان ضعيفان،و إن دلّ على الأول منهما الموثّق (4)و الصحيحان (5):« أدنى ما يقطع فيه السارق خُمس دينار» كما في الأول و أحدهما،و في الثاني:

«يقطع السارق في كلّ شيء يبلغ قيمته خُمس دينار و إن سرق من زرع أو ضرع أو غير ذلك».

و على الثاني الصحيح:في كم يقطع السارق؟فجمع كفّيه ثم قال:

«في عددها من الدراهم» (6)بناءً على كونها قيمة الدينار في ذلك الزمان،كما يستفاد من كثير من الأخبار (7)و جمع من الأصحاب (8).

و وجه ضعف القولين مع اعتبار سند هذه النصوص و كثرتها

ص:100


1- الزيادة موجودة في كليهما،مضافاً إلى قول المجلسي(ره)في الملاذ 16:196 باتحادهما مع تقديم و تأخير و زيادة أحمد في أول السند،و لعلّه أخذه من كتابه و هذا من كتاب الحسين.
2- المقنع:150.
3- حكاه عنه في المختلف:772.
4- التهذيب 10:394/102،الوسائل 28:244 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل ح 3.
5- أحدهما في:التهذيب 10:393/101،الإستبصار 4:906/240،الوسائل 28:244 أبواب حدّ السرقة ب 2 ذيل ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:395/102،الإستبصار 4:908/240،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 12.
6- التهذيب 10:390/100،الإستبصار 4:902/239،الوسائل 28:245 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 9.
7- وسائل الشيعة 29:193 أبواب ديات النفس ب 1.
8- كالشيخ في التهذيب 4:10 ذيل الحديث 28،و الحر العاملي في الوسائل 28:247،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:495.

و اعتضادها بغيرها أيضاً،مع اعتضاد ما دلّ منها على الأول بإطلاقات الكتاب و السنّة بقطع كلّ سارق،خرج منها ما لو سرق (1)أقلّ من الخمس بالإجماع،فيبقى الباقي-:

أوّلاً:تعارض بعضها مع بعض،مع موافقة ما دلّ منها على اعتبار الدينار على تقدير تسليم دلالته لرأي جماعة من العامّة،رأيهم إلى الآن مشتهرة،كالثوري و أصحاب الرأي و أبي حنيفة (2).

و ثانياً:بقصورها عن المقاومة لما مضى من الأدلّة جدّاً،من حيث الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ لندرة المخالف و شذوذه مع معلوميّة نسبه و الإجماعات المحكيّة،و الأوفقيّة بما دلّ على درء الحدود بالشبهة؛ لحصولها (3)باعتبار اختلاف الفتوى و الرواية في اعتبار الربع أو الخمس،و عدم القطع بالأخير أوفق بالاحتياط بلا شبهة.

لكن هذا المعاضد يدفع القول بالخمس دون كمال الدينار، بل ينعكس فيه،لكنّه في غاية من الضعف قليل الدليل،بل عديمه؛ لأن غاية ما دلّ عليه الصحيحة ثبوت القطع به لا نفيه فيما دونه،فتأمّل .

و مع ذلك تواترت النصوص في ردّه،و إن اختلفت في تعيين الربع أو الخمس كما في النصوص المتقدّمة،أو الثلث كما في صريح الموثّق (4)

ص:101


1- في«ب»:كان.
2- انظر أحكام القرآن للقرطبي 6:161،و المغني و الشرح الكبير لابني قدامة 10:239 و 246.
3- في«ن» زيادة:لا أقل.
4- التهذيب 10:391/101،الإستبصار 4:903/239،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 11.

و ظاهر آخر (1)،أو الدرهمين كما في النصّ الآتي إليه الإشارة.

و بالجملة:لا ريب في صحّة القول الأول،و ضعف ما قابلة و النصوص الدالّة عليه،و يمكن حملها على التقيّة كما ذكره شيخ الطائفة، قال بعد حمل ما دلّ منها على الخمس عليها:لموافقتها لمذاهب كثير منهم (2).و يظهر ذلك أيضاً من كلّ من ادّعى إجماعنا على الربع.

و يحكى في الروضة قول بالقطع في درهمين (3)،كما في بعض النصوص (4).و هو يوافق القول بالخمس؛ بناءً على البناء المتقدّم.

و اعلم أنّه لا فرق فيه بين عين الذهب و غيره،فلو بلغ العين ربع دينارٍ وزناً غير مضروب،و لم تبلغ قيمته المضروب،فلا قطع؛ لأنّ الدينار حقيقةٌ في المسكوك منه،فيحمل عليه إطلاقه الوارد في النصوص.

خلافاً للخلاف و المبسوط (5)،فقوّى (6)عدم اشتراط السكّة.و هو شاذ.

و لو انعكس،بأن كان سدس دينار مصوغاً قيمته ربع دينار مسكوكاً، قطع على الأقوى.

و كذا لا فرق بين علمه بقيمته أو شخصه و عدمه،فلو ظنّ المسروق فلساً فظهر ديناراً،أو سرق ثوباً قيمته أقلّ من النصاب فظهر مشتملاً على ما يبلغه و لو معه،قطع على الأقوى؛ لتحقّق الشرط.و لا يقدح عدم

ص:102


1- التهذيب 10:392/101،الإستبصار 4:904/240،الوسائل 28:246 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 10.
2- الاستبصار 4:240.
3- الروضة 9:231.
4- الفقيه 4:172/49،التهذيب 10:513/128،الوسائل 28:247 أبواب حدّ السرقة ب 2 ح 14.
5- المبسوط 8:19،الخلاف 5:414.
6- في«ن» زيادة:فيهما.

القصد إليه؛ لتحقّقه في السرقة إجمالاً،مع عدم دليل على اعتبار قصد النصاب في القطع بسرقته أصلاً.

قيل:و لشهادة الحال بأنّه لو علمه لقصده (1).و في إطلاقها نظرٌ لا يخفى.

و لا بدّ فيه أيضاً من كونه محرزاً إجماعاً منّا،فتوًى و نصّاً،إلّا نادراً (2).

و حيث لا تحديد له شرعاً صريحاً،وجب الرجوع فيه إلى العرف اتّفاقاً،و ضابطه ما كان ممنوعاً بقفلٍ من حديد و نحوه أو غلقٍ من خشب و ما في معناه أو دفنٍ في العمران؛ أو كان مراعى بالنظر،على اختلاف في الأخير.فقيل بكونه حرزاً،كما في القواعد و التنقيح و عن الخلاف و المبسوط (3)؛ لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك.

و قيل بالعدم،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و السرائر و عن المراسم و الوسيلة و ظاهر المقنعة و المختلف و التحرير و الإرشاد و التلخيص و التبصرة (4)؛ للشبهة في كونه حرزاً،و كون الأخذ معه سرقةً أو اختلاساً.

و للقويّ بالسكوني و صاحبه:«لا يقطع إلّا من نقب نقباً،أو كسر قفلاً» (5).

ص:103


1- الروضة 9:233.
2- حكاه في التنقيح 4:377 عن داود.
3- القواعد 2:268،التنقيح 4:377،الخلاف 5:420،المبسوط 8:23.
4- الشرائع 4:175،السرائر 3:484،المراسم:258،الوسيلة:418،المقنعة:804،المختلف:769،التحرير 2:228،الإرشاد 2:183،تلخيص الخلاف 3:241،التبصرة:197.
5- التهذيب 10:423/109،الإستبصار 4:918/243،الوسائل 28:277 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 3؛ و في الجميع:بيتاً،بدل:نقباً.

قيل:و يمكن أن يقال:لا يتحقّق الحرز بالمراعاة إلّا مع النظر إليه، و مع ذلك لا يتحقّق السرقة؛ لما تقرّر من أنّها لا تكون إلّا سرّاً،و مع غفلته عنه و لو نادراً لا يكون له مراعياً،فلا يتحقّق إحرازه بها،فظهر أنّ السرقة لا تتحقّق مع المراعاة و إن جعلناها حرزاً (1).انتهى.

و لا يخلو عن نظر .

و قيل (و القائل) (2)الشيخ في النهاية (3):إنّ كلّ موضع ليس لغير المالك و المتصرّف فيه دخوله إلّا بإذنه فهو حرز و نسبه في المبسوط و التبيان و كذا في كنز العرفان (4)إلى أصحابنا،و في الغنية إلى رواياتهم مدّعياً عليه إجماعهم (5)؛ و ربما كان في النصوص إيماء إليه.

و منها:الصحيح المتقدّم،المعلّل عدم قطع الرجل بسرقة مال أبيه أو أُخته و أخيه بعدم حجبه عن الدخول إلى منزلهم (6).و ظاهرٌ أنّ المراد من عدم الحجب حصول الإذن له في الدخول (7)،فمفهوم التعليل حينئذ:أنّ مع عدم الإذن يقطع،و هو عين هذا المذهب.

و أظهر منه القويّ بالسكوني و صاحبه:«كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه» قال الراوي:يعني الحمّام و الأرحية (8).

ص:104


1- الروضة 9:243.
2- في«س» و«ن»:كما عن.
3- النهاية:714.
4- المبسوط 8:22،التبيان 3:517،كنز العرفان 2:350.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
6- راجع ص 91.
7- في«ن» زيادة:عادةً.
8- الكافي 7:5/231،الفقيه 4:146/44،التهذيب 10:422/108،الوسائل 28:276 أبواب حدّ السرقة ب 18 ح 2.

و قريب منهما النصوص المتقدّمة بعدم قطع الضيف و الأجير (1)؛ معلّلة بالاستئمان،و ليس إلّا من حيث الإذن في الدخول.

فهذا القول غير بعيد،لو لا ما أورد عليه جماعة و منهم الحلّي من النقض بالدور المفتّحة الأبواب في العمران و صاحبها ليس فيها،فإنّ السارق منها لا قطع عليه بلا خلاف،كما في السرائر (2).

و لذا عن ابن حمزة:أنّه كلّ موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه أو التصرّف بغير إذنه،و كان مغلقاً أو مقفلاً (3).

و كأنّه حاول الجمع بين النصوص المزبورة و قويّة السكوني المتقدّمة (4)،المتضمّنة ل:أنّه لا يقطع إلّا من نقب نقباً أو كسر قفلاً، و لا بأس به.و مرجعه إلى القول الأول،كالقول بأنّ الحرز ما يكون سارقه على خطر خوفاً من الاطّلاع عليه.

و عليه (5)يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقاً للأكثر.

فحرز الأثمان و الجواهر:الصناديق المقفلة،و الأغلاق الوثيقة في العمران.

و حرز الثياب و ما خفّ من المتاع و آلات النحاس:الدكاكين، و البيوت المقفلة في العمران،أو خزائنها المقفلة و إن كانت هي مفتوحة.

و الإصطبل حرز للدواب مع الغلق.

و حرز الماشية في المرعى:عين الراعي،على ما تقرّر؛ و مثله متاع

ص:105


1- راجع ص 95.
2- السرائر 3:484.
3- الوسيلة:418.
4- في ص 102.
5- ليست في«ب».

البائع في الأسواق و الطرقات.

و احترزنا بالدفن في العمران عمّا لو دفن خارجه،فإنّه لا يعدّ حرزاً و إن كان في داخل بيت مغلق؛ لعدم قضاء العرف به،مع عدم الخطر على سارقه.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف:كلّ موضع حرز لشيء من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء (1).(و اختاره الحلّي و الفاضل في التحرير) (2)(3)و هو (4)كما ترى.

و كيف كان لا يقطع من سرق من غير حرز،ك المواضع المأذون في غشيانها و الدخول إليها كالحمّامات،و المساجد و الأرحية،مع عدم مراعاة المالك للمسروق بالنظر؛ للقويّ المتقدّم (5).

و لا خلاف فيه ظاهراً و لا محكيّاً،إلّا عن العماني،حيث قال:إنّ السارق يقطع من أيّ موضع سرق،من بيت،أو سوق،أو مسجد،أو غير ذلك،مطلقاً (6)؛ لقطع النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)سارق مئزر صفوان بن أُميّة في المسجد، ففي الصحيح:أنّه خرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه (7).

ص:106


1- المبسوط 8:22،الخلاف 5:419.
2- الحلّي في السرائر 3:483،التحرير 2:226.
3- ليست في«ن».
4- في«ن» زيادة:مع شذوذه.
5- في ص 102.
6- حكاه عنه في المختلف:776.
7- الكافي 7:2/251،التهذيب 10:494/123،الإستبصار 4:952/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 2.

قيل:و يمكن حمله على التفسير الأخير،فإنّ السارق في المسجد على خطر من أن يطّلع عليه (1).

و في خبر آخر:أنّه نام فأُخذ من تحته (2).

و قال الصدوق:لا قطع من المواضع التي يدخل إليها بغير إذن،مثل:

الحمّامات و الأرحية و المساجد؛ و إنّما قطعه النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)لأنّه سرق الرداء و أخفاه،فلإخفائه قطعه،و لو لم يخفه لعزّره (3).

و هو راجع إلى التفسير الأخير.

و الأولى في الجواب عنه ما ذكره بعض الأصحاب (4)،من عدم منافاته لما دلّ على عدم القطع بالسرقة من نحو المساجد عموماً و خصوصاً،من حيث احتمال أن يكون حين خرج أو نام أحرز رداءه،فينبغي حمله عليه، جمعاً(بينه و بين القوي المتقدّم الذي هو أرجح منه بوجوه شتّى) (5).

و منه يظهر الجواب عن الاستدلال به لما قيل من أنّه إذا كان المالك مراعياً للمال بنظره كان محرزاً و القائل من تقدّم،و منهم:

الشيخ في المبسوط (6).

و ربما يجاب عنه أيضاً بأنّ المفهوم من المراعاة و به صرّح كثير (7)أنّ المراد بها النظر إلى المال،و أنّه لو نام أو غفل عنه أو غاب زال الحرز،

ص:107


1- انظر المسالك 2:443.
2- عوالي اللئلئ 1:255/184،مستدرك الوسائل 18:22 أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 4،سنن البيهقي 8:265.
3- الفقيه 3:193.
4- كشف اللثام 2:424.
5- ما بين القوسين ليس في«ن».
6- المبسوط 8:23،24.
7- المبسوط 8:25،الروضة 9:243،مجمع الفائدة 13:223.

فكيف يجتمع الحكم بالمراعاة مع فرض كون المالك غائباً عنه كما في الرواية الأُولى،أو نائماً كما في الثانية؟!و هو حسن.

و لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين،و يقطع لو كانا باطنين للخبرين:

أحدهما القويّ:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اتي بطرّار (1)قد طرّ من كمّ رجل،فقال:إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه،و إن طرّ من قميصه الداخل قطعته» (2).

و نحوه الثاني (3)،و ضعف سنده كالأول إن كان مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة في المختلف و المسالك (4)و غيرهما (5)،بل لم أجد الخلاف فيه كما صرّح به بعض الأجلّة (6)،و في الغنية و عن الخلاف (7):أنّ عليه إجماع الإماميّة.

و به مضافاً إلى الخبرين يجمع بين ما دلّ على قطع الطرّار بقول مطلق،كالخبر:«يقطع النبّاش و الطرّار و لا يقطع المختلس» (8).

و ما دلّ على عدم قطعه كذلك،كالصحيح:عن الطرّار و النبّاش

ص:108


1- الطرّ:الشقّ و القطع،و منه الطرّار الصحاح 2:725.
2- الكافي 7:5/226،التهذيب 10:455/115،الإستبصار 4:922/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 2.
3- الكافي 7:8/226،التهذيب 10:456/115،الإستبصار 4:923/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ذيل.ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- المختلف:776،المسالك 2:444.
5- مجمع الفائدة و البرهان 13:241.
6- مجمع الفائدة 13:241.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الخلاف 5:452.
8- الكافي 7:6/229،التهذيب 10:460/116،الإستبصار 4:929/245،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 3.

و المختلس،قال:«لا يقطع» (1)و نحوه المرسل كالموثّق (2).

بحمل الأوّل على الطرّ من الأسفل،و الأخيرين على العكس.

مع احتمال الأول الحمل على التقيّة؛ لكونه مذهب العامّة،كما يستفاد من الخلاف،حيث قال:و قال جميع الفقهاء:عليه القطع، و لم يعتبروا قميصاً فوق قميص،إلّا أنّ أبا حنيفة قال:إذا شدّه (3)فعليه القطع،و الشافعي لم يفصّل.

و ظاهر الخبرين المفصّلين أنّ المراد بالظاهر:ما في الثوب الخارج، سواء كان بابه في ظاهره أو باطنه،و سواء كان الشدّ على تقديره من داخله أم خارجه،كما صرّح به في المسالك (4)،و حكاه في الروضة عن الخلاف و المختلف (5)،و فيه:أنّه المشهور (6).

و لا يقطع في سرقة الثمر و هو على الشجر،و يقطع سارقه بعد صرمه و إحرازه .

بلا خلاف في الأخير على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (7)؛ للعمومات،و خصوص ما يأتي من بعض النصوص.

و على الأشهر في الأول مطلقاً؛ لإطلاق النصوص المستفيضة:

ص:109


1- التهذيب 10:467/117،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 4.
2- الكافي 7:3/226،التهذيب 10:451/114،الإستبصار 4:924/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1.
3- في الخلاف 5:451 هنا زيادة:في كمّه،فإن شدّة من داخل و تركه من خارج فلا قطع عليه،و إن شدّه من خارج و تركه من داخل..
4- المسالك 2:444.
5- الروضة 9:249.
6- المختلف:776.
7- التنقيح 4:379.

في اثنين منها و أحدهما القويّ-:«لا قطع في ثمر و لا كثر» و الكثر:

شحم النخل (1).

و منها القويّ الآخر:«قضى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)فيمن سرق الثمار في كمّه:

فما أكل منه فلا شيء عليه،و ما حمل فيعزَّر و يغرم قيمته مرّتين» (2).

و منها:«لا يقطع من سرق من الفاكهة،و إذا مرّ بها فليأكل و لا يفسد» (3).

و إطلاقها و إن شمل صورة السرقة بعد الصرم و الإحراز إلّا أنّه مقيّد بما قبلهما؛ بالإجماع،و الخبر:«إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع،فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قُطِع» (4).

مع إمكان دعوى تبادر كون الثمرة على الشجرة من إطلاق الأخبار، فيختصّ به،و لا يحتاج إلى التقييد.

و قيّده الفاضل و ولده (5)بما إذا لم تكن الشجرة في موضع محرز كالدار،و إلّا فالأولى القطع؛ عملاً بالقواعد،و طعناً في سند النصوص، و جمعاً بينها و بين ما دلّ على القطع على الإطلاق،كالخبر:في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان،قال:«يقطع به» (6).

ص:110


1- الكافي 7:7/231،الفقيه 4:149/44،التهذيب 10:430/110،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 3. و الآخر في:الفقيه 4:821/265،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 6.
2- الكافي 7:3/230،التهذيب 10:431/110،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 2.
3- التهذيب 10:521/130،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 5.
4- التهذيب 10:519/130،الوسائل 28:286 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 4.
5- الفاضل في القواعد 2:268،و ولده في الإيضاح 4:531.
6- الفقيه 4:172/49،التهذيب 10:513/128،الوسائل 28:287 أبواب حدّ السرقة ب 23 ح 7.

و هو حسن،لولا الشهرة الجابرة لضعف النصوص،و ضعف الخبر الأخير،و شذوذ ما دلّ عليه من القطع بالدرهمين،مع عدم وضوح شاهد على الجمع غير مراعاة القاعدة،و تخصيصها بها بعد ما عرفت من اعتبارها غير مستنكر،كما خُصِّص بمثلها قاعدة حرمة التصرّف في الثمرة للغير بالأكل و لو بشرائطه المقرّرة.و لا بُعد في كون ما نحن فيه من ذلك القبيل،إلّا أن يتأمّل في دلالة النصوص بعدم صراحتها في عدم القطع في محلّ النزاع بقوّة احتمال اختصاصها بصورة عدم الإحراز،كما هو الغالب، و إليه أشار شيخنا في الروضة،و به استحسن التقييد (1).

و كذا لا يقطع في سرقة مأكول عام سَنَة أي مجاعة سواء كان مأكولاً بالفعل أو بالقوّة،بلا خلاف ظاهر و محكيّ في بعض العبائر (2)، و نسب إلى روايات الأصحاب في الغنية و السرائر (3).

فمنها القويّ:«لا يقطع السارق في عام سنة» يعني:مجاعة (4).

و نحوه آخر (5).

و إطلاقهما و إن شمل سرقة المأكول و غيره إلّا أنّه مقيّد بالأول بالاتّفاق على الظاهر و ظاهر الخبر:«لا يقطع السارق في سنة المجاعة في شيء ممّا يؤكل،مثل:الخبز و اللحم و أشباه ذلك» (6).

ص:111


1- الروضة 9:250.
2- المفاتيح 2:94.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):624،السرائر 3:495.
4- الكافي 7:2/231،التهذيب 10:442/112،الوسائل 28:291 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 2.
5- دعائم الإسلام 2:1693/473،مستدرك الوسائل 18:141 أبواب حدّ السرقة ب 24 ح 1.
6- الكافي 7:1/231،الفقيه 4:188/52،التهذيب 10:443/112،الوسائل 28:290 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و أظهر منه آخر مرويّ في الفقيه:«لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة» يعني:في المأكول دون غيره (1)،فتأمّل.

و لا فرق في ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى بين كون السارق غنيّاً غير محتاج إلى المأكول،أو فقيراً محتاجاً إليه،و به صرّح شيخنا في المسالك (2).

و يحتمل الاختصاص بالثاني باحتمال اختصاص الإطلاق به بحكم التبادر،و لكن درء الحدّ بالشبهة يقتضي المصير إلى الأول.

و يقطع من سرق مملوكاً بلا خلاف منّا إذا كان صغيراً،بل ظاهر بعض العبارات الإجماع عليه منّا (3)؛ لأنّه مالٌ فيلحقه حكمه و شروطه:من كونه محرزاً،و بلوغ قيمته النصاب.

و لو كان كبيراً مميّزاً فلا قطع بسرقته؛ لأنّه متحفّظ بنفسه.إلّا أن يكون نائماً،أو في حكمه،أو لا يعرف سيّده عن غيره،كذا ذكره جماعة (4)،بل لم أجد فيه خلافاً إلّا من إطلاق العبارة.

و لو كان المسروق حرّا،فباعه السارق قطع وفاقاً للنهاية (5)و جماعة (6)،بل ادّعى في التنقيح عليه الشهرة (7)؛ و النصوص به

ص:112


1- الفقيه 4:141/43،الوسائل 28:291 أبواب حدّ السرقة ب 25 ح 4.
2- المسالك 2:444.
3- كشف اللثام 2:420.
4- قواعد الأحكام 2:265،مسالك الأفهام 2:444،كشف اللثام 2:420.
5- النهاية:722.
6- المختلف:777،المسالك 2:444،مجمع الفائدة 13:243،كشف اللثام 2:420.
7- التنقيح الرائع 4:380.

مستفيضة:

منها القويّ:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اتي برجل قد باع حرّا،فقطع يده» (1).

و منها:عن الرجل يبيع الرجل و هما حرّان،فيبيع هذا هذا،و هذا هذا،و يفرّان من بلد إلى بلد،فيبيعان أنفسهما و يفرّان بأموال الناس،قال:

«يقطع أيديهما؛ لأنّهما سارقا أنفسهما و أموال الناس» (2).

و منها:عن رجل باع امرأته،قال:«على الرجل أن يُقطَعَ يده» (3).

و منها:عن رجل سرق حرّة فباعها،فقال:«عليه أربعة حدود:أمّا أوّلها فسارق يُقطَعُ يده» الخبر (4).

خلافاً للخلاف،فلا قطع عليه،قال:للإجماع على أنّه لا قطع إلّا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً،و الحرّ لا قيمة له،و قال مالك:عليه القطع، و قد روى ذلك أصحابنا (5).

و يضعّف بأنّ قطعه إنّما هو لفساده،لا حدّا بسرقته.

نعم،ربما يشكل بأنّ اللازم عليه تخيير الحاكم بين قتله و قطع يده و رجله من خلاف،إلى غير ذلك من أحكامه،لا يتعيّن القطع بخصوصه،

ص:113


1- الكافي 7:2/229،التهذيب 10:445/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 2.
2- الكافي 7:3/229،التهذيب 10:446/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 3.
3- التهذيب 10:72/24،الوسائل 28:130 أبواب حدّ الزنا ب 28 ح 1.
4- الكافي 7:1/229،الفقيه 4:170/48،التهذيب 10:447/113،الوسائل 28:283 أبواب حدّ السرقة ب 20 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الخلاف 5:428.

إلّا أن يدّعى خصوصيّة فيما نحن فيه،خارجة عن قاعدة حدّ المفسد،تبعاً للنصوص المزبورة،فتأمّل.

و وجّه الحكم في المختلف بأنّ وجوب القطع في سرقة المال إنّما جاء لحراسته و حراسة،النفس أولى،فوجوب القطع فيه أولى (1).

و يضعّف بأنّ الحكم معلّق على مال خاص يسرق على وجه خاص، و مثله لا يتمّ في الحرّ،و مطلق خيانة المال غير مقصود في هذا الباب،كما يظهر من الشرائط،و حمل النفس عليه مطلقاً لا يتمّ،و بشرائطه لا ينتظم؛ مع أنّ إلحاق النفس بالمال يقتضي القطع بسرقته على الإطلاق و لو تجرّد عن بيع،و لم يقولوا به.

و ربما يشكل ما في العبارة من التعليل بوجهٍ آخر،و هو:أنّ العمدة في إثبات القطع هنا هو النصوص،و قد علّله جملة منها بكونه سارقاً، الظاهر في أنّه للسرقة لا غير،فالاعتذار بها أولى.

إلّا أن تردّ بقصور أسانيدها،و عدم وضوح جابر لها عدا الشهرة المحكيّة.و في حصوله بها نوع مناقشة،سيّما مع رجوع الشيخ الذي هو أصلها عمّا في النهاية.

و لكن عليه لا يتوجّه الحكم بالقطع بالتعليل في العبارة؛ لما يرد عليه ممّا عرفته.و دفعه بما قدّمناه من احتمال الخصوصيّة الخارجة بالنصوص بعد فرض ضعفها،غير ممكن.

و لذا أنّ ظاهر جماعة التردّد في المسألة،كالماتن في الشرائع، و الفاضل المقداد في التنقيح،و الشهيدين في المسالك و اللمعتين. (2)و به

ص:114


1- المختلف:777.
2- الشرائع 4:175،التنقيح 4:381،المسالك 2:444،اللمعة و الروضة 9:251.

يتّجه ما في الخلاف من عدم القطع؛ لحصول الشبهة الدارئة.

و إطلاق العبارة و النصوص المتقدّمة بل ظاهر جملة منها عدم الفرق في المسروق بين الصغير و الكبير،كما عن النهاية (1)و جماعة (2).

و لكنّه قيّده في المبسوط و الخلاف (3)و كثير بل الأكثر،كما في المسالك- (4)بالأوّل؛ نظراً إلى أنّ الكبير متحفّظ بنفسه،فلا يتحقّق سرقته.

و هذا التعليل متوجّه على تقدير الاستناد في قطع سارق الحرّ إلى كونه سارقاً،و هو ينافي ما مضى من التعليل بأنّه لفساده لا حدّاً.و أمّا عليه فلا فرق بين الصغير و الكبير،لوجوده في سرقتهما،فتأمّل جدّاً .

و يقطع سارق الكفن (5) من الحرز،و منه القبر بالنسبة إليه خاصّة، إجماعاً على ما يستفاد من الديلمي (6)،و صرّح به في الإيضاح و الكنز و التنقيح (7).

و لا ينافيه ما في المقنع و الفقيه (8)،من عدم القطع على النبّاش إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً؛ لاحتماله كمستنده الآتي (9)الاختصاص بما إذا كان نبّاشاً لم يسرق الكفن،لا مطلقاً؛ مع أنّه معلوم النسب،فلا يقدح

ص:115


1- حكاه عنه في المختلف:777،و هو في النهاية:722.
2- حكاه عنهم في المسالك 2:444،و هو في الإرشاد 2:183،مجمع الفائدة 13:243،الروضة 9:251.
3- المبسوط 8:31،الخلاف 5:428.
4- المسالك 2:444.
5- في المختصر المطبوع زيادة:لأنّ القبر حرز له.
6- المراسم:258.
7- الإيضاح 4:533،كنز الفوائد 3:644،التنقيح 4:381.
8- المقنع:151،الفقيه 4:47.
9- في ص 177.

خروجه في انعقاد الإجماع على خلافه جدّاً.

و الأصل في القطع بسرقته بعد الإجماع المحكيّ في السرائر و الغنية (1)النصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:«يقطع الطرّار و النبّاش،و لا يقطع المختلس» (2).

و في آخر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قطع نبّاشاً» (3).

و في ثالث:«حدّ النبّاش حدّ السارق» (4).

و في الخبر:«يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء» (5).

و في آخر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قطع نبّاش القبر،فقيل له:أ تقطع في الموتى؟ قال:إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا» (6).

و في ثالث:«أنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ،حدّه أن يقطع يده لنبشه و سلبه الثياب» الخبر (7).

ص:116


1- السرائر 3:515،الغنية(الجوامع الفقهية):632.
2- الكافي 7:6/229،التهذيب 10:460/116،الإستبصار 4:929/245،الوسائل 28:271 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 3.
3- التهذيب 10:463/116،الإستبصار 4:932/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 9.
4- الكافي 7:1/228،التهذيب 10:457/115،الإستبصار 4:926/245،الوسائل 28:278 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 1.
5- الكافي 7:4/229،التهذيب 10:458/115،الإستبصار 4:927/245،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 4.
6- التهذيب 10:464/116،الإستبصار 4:933/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 12.
7- الكافي 7:2/228،التهذيب 10:461/116،الإستبصار 4:930/246،الوسائل 28:278 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 2.

و في رابع:«يقطع النبّاش» و قال:«هو سارق و هتّاك الموتى» (1).

و القطع على النبّاش في جملة منها و إن كان مطلقاً يشمل ما لو لم يكن للكفن سارقاً،إلّا أنّه مقيّد بالإجماع على أنّه لا يقطع بمجرّد النبش أولاً،كما هو ظاهر إطلاقها؛ مع أنّ بتتبّع أكثر النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض يظهر أنّ المراد بالنبّاش حيث يطلق هو سارق الكفن.

و يشترط في القطع به بلوغه النصاب مطلقاً،وفاقاً لأكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)؛ للأصل،و عموم ما دلّ على اعتباره في القطع بمطلق السرقة،و خصوص تشبيه النبّاش بالسارق في جملة من النصوص المتقدّمة،و فيها الصحيح و غيره،الظاهر في مساواتهما في الشرائط،بل ظاهر بعضها التعليل بكونه سارقاً.

و قيل:لا يشترط مطلقاً،كما عن الشيخ و القاضي و الحلّي (3)في آخر كلامه،و اختاره الفاضل في الإرشاد (4)؛ لإطلاق الأخبار بقطع النبّاش و سارق الكفن على الإطلاق.

و فيه:منع ثبوته في جميعها؛ لما مضى من ظهور جملة منها في الاشتراط،و بها يقيّد باقيها؛ مع احتمال اختصاصها بحكم التبادر بسارق الكفن الذي يبلغ قيمته النصاب،كما هو الغالب أيضاً.

و ربما قيل بالتفصيل بين المرّة الأُولى فالأوّل،و الثانية و الثالثة فالثاني،

ص:117


1- الكافي 7:5/229،التهذيب 10:459/115،الإستبصار 4:928/245،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 5.
2- المهذّب البارع 5:103.
3- الشيخ في النهاية:722،القاضي في المهذّب 2:554،الحلّي في السرائر 3:514،515،و الحاكي عنهم هو العلّامة في المختلف:774.
4- الإرشاد 2:182.

و عليه الحلّي في أوّل كلامه (1)؛ مستنداً في الأوّل إلى ما قدّمناه من عموم الأدلّة و خصوص النصوص المشبّهة،و في الثاني إلى أنه مفسدٌ فيقطع للإفساد.

و فيه ما مضى سابقاً،مع أنّه شاذّ،و هو قد رجع عنه.

و ما وقفت على من استدلّ للقول الثاني بما أشار إليه الماتن بقوله:

لأنّه أي قطعه- ليس حدّ السرقة،بل لحسم الجرأة .

و فيه زيادة على ما عرفته من ورود الإشكال المتقدّم عليه مخالفة لظاهر النصوص المتقدّمة المشبّهة للنبّاش بالسارق،الظاهرة من جهة التشبيه في كون السبب في الحدّ هو السرقة،من غير اعتبار خصوصيّة للنبش و أخذ الكفن في حدّه.

و لو نبش و لم يأخذ الكفن عُزِّر بما يراه الحاكم؛ لفعله المحرّم فيعزَّر (2)كما مرّ (3).

و للقريب من الصحيح:عن النبّاش،قال:«إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع،و يعزَّر» (4).

و نحوه المرسل كالموثّق في النبّاش:«إذا أُخذ أول مرّة عُزِّر،فإن عاد قطع» (5).

ص:118


1- السرائر 3:512.
2- ليست في«س».
3- راجع ص 60.
4- التهذيب 10:465/117،الإستبصار 4:934/246،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 13.
5- التهذيب 10:468/117،الإستبصار 4:936/246،الوسائل 28:282 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 16.

و إطلاقهما بعدم قطع النبّاش إلّا مع اعتياده النبش،ظاهرٌ فيما قدّمناه عن الصدوق في الكتابين (1).

و نحوهما في ذلك القريب من الصحيح الآخر:عن رجل أُخذ و هو ينبش،قال:«لا أرى عليه قطعاً،إلّا أن يؤخذ و قد نبش مراراً فاقطعه» (2).

و قد حملها الأصحاب على مجرّد النبش الخالي عن أخذ الكفن، جمعاً بينها و بين النصوص المتقدّمة،بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها،و لا سيّما الأخبار المشبّهة منها بالسرقة بناءً على ما سبق،و حمل هذه على ما عرفته.

و الجمع بينها و إن أمكن بما يوافق قوله،إلّا أنّ كثرة تلك الأخبار و شهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور،المصرّح به فيما مرّ من الكتب (3)،ترجّح الجمع الأوّل،فالقول به متعيّن.

و لو تكرّر منه النبش المجرّد عن أخذ الكفن،قطع بمقتضى هذه المعتبرة.

و في هذه الصورة لو فات النبّاش السلطان أي هرب منه فلم يقدر عليه جاز له كما في كلام كثير (4)،و لغيره أيضاً كما في ظاهر إطلاق العبارة قتله؛ ردعاً لغيره من أن ينال مثل فعله.

ص:119


1- راجع ص 114.
2- التهذيب 10:469/118،الإستبصار 4:937/247،الوسائل 28:281 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 11.
3- راجع ص 114.
4- منهم الشيخ في النهاية:722،و القاضي في المهذّب 2:554،و العلّامة في الإرشاد 2:183.

و لم أجد الخلاف فيه إلّا من الشيخ في كتابي الحديث،فلم يفرّع القتل على الفوات من السلطان،بل على إقامة الحدّ عليه ثلاث مرّات (1)، و حكي عن الجامع (2)،و لم أقف على نصّ يقتضي شيئاً من ذلك.

نعم،في المرسل بغير واحد القريب من الصحيح(به و) (3)بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام) برجل نبّاش،فأخذ(عليه السّلام)بشعره فضرب به الأرض،ثم أمر الناس فوطئوه حتى مات» (4)و نحوه مرسل آخر (5).

و ليس فيهما تكرار الفعل و لا الفوت من السلطان،إلّا أن يحملا عليهما جمعاً.و هو حسن؛ للاحتياط في الدم.

و ظاهر العبارة عدم وجوب القتل،كما هو ظاهر الأكثر.

قيل:و أوجبه الشيخ (6).و هو أحوط مع تكرّر النبش مرّات و الحدّ خلالها ثلاثاً،و إلّا فلعلّ الترك أحوط.

الثالث يثبت الموجب بالإقرار مرّتين،أو بشهادة عدلين

الثالث: يثبت الموجب للقطع بالإقرار به مرّتين،أو بشهادة عدلين بلا خلاف و لا إشكال؛ للعمومات،و خصوص ما يأتي من بعض الروايات.

ص:120


1- التهذيب 10:118،الإستبصار 4:248.
2- الجامع للشرائع:563.
3- ليست في«ب».
4- الكافي 7:3/229،التهذيب 10:470/118،الإستبصار 4:939/247،الوسائل 28:279 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 3؛ بتفاوت.
5- التهذيب 10:471/118،الإستبصار 4:940/247،الوسائل 28:282 أبواب حدّ السرقة ب 19 ح 17.
6- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:108،و هو في النهاية:722.

و لو أقرّ به مرّة واحدة اُغرم (1) الذي أقرّ به بلا خلاف، و لكن لم يقطع كما قطع به الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2)،بل فيه عن الخلاف التصريح بالإجماع (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرين و لو بالشهرة،المرويّ أحدهما هنا في الكافي و التهذيب:«لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة،مرّتين،فان رجع ضمن السرقة،و لم يقطع إذا لم يكن شهود» (4).

و نحوه الثاني المرويّ في التهذيب في باب حدّ الزناء (5)،و هو أوضح من الأول سنداً؛ إذ ليس فيه إلّا عليّ بن السندي،و قد قيل بحسنه (6)، بخلافه؛ لتضمّنه عليّ بن حديد الضعيف (7)،و الإرسال بعده،لكنّه لجميل ابن درّاج المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع،فيقطع (8)؛ للعموم،و إطلاق ما دلّ على

ص:121


1- في المختصر المطبوع:عُزِّر.
2- انظر كشف اللثام 2:427.
3- الخلاف 5:443.
4- الكافي 7:2/219،الفقيه 4:145/43،التهذيب 10:515/129،الإستبصار 4:948/250،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:21/8،الإستبصار 4:762/204،الوسائل 28:251 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 6.
6- انظر رجال الكشّي 2:860،و منهج المقال:233،و الخلاصة:96،و ملاذ الأخيار 16:19.
7- في«ح» و«ن» زيادة:بالاتّفاق.
8- قال في المختلف(771):و قال الصدوق في المقنع:و الحرّ إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة واحدة بالسرقة قطع.و لكن ما في المقنع(151):و الحرّ إذا أقرّ على نفسه لم يقطع.

القطع بالسرقة من النصوص،و خصوص الصحيح:«إن أقرّ الرجل الحرّ على نفسه بالسرقة مرّة واحدة عند الإمام قطع» (1).و نحوه آخر يأتي ذكره (2)،مع ضعف المعارض بما مرّ.

و هو حسن لولا ما مرّ من الجابر،و به يترجّح على المقابل،فيخصّ به العموم،و كذا الإطلاق يقيّد به،و الصحيحان يصرفان به عن ظاهرهما:

باحتمال أن يكون معنى القطع فيهما:قطعه عن الإقرار ثانياً،كما روي:أنّ سارقاً أقرّ عند مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فانتهره،فأقرّ ثانياً، فقال:أقررت مرّتين،فقطعه (3)؛ و هو حجّة أُخرى على المختار،و بالجابر المتقدّم يجبر ما فيه من الضعف أو (4)الإرسال.

أو يكون متعلّق الظرف بالسرقة،فيكون مطلقاً في عدد الإقرار،بل مجملاً،كما صرّح به شيخ الطائفة.قيل:و يقر به إمكان توهّم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنّه لا قطع ما لم يتكرّر السرقة (5).

و لكن الإنصاف بُعد هذين الحملين،و لعلّه لذا لم يُجب الشيخ عنهما في الكتابين إلّا بالحمل على التقيّة،قال:لموافقتها لمذهب بعض العامّة.

و ربما يشير إليه الموثّق كالصحيح بفضالة،عن أبان،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما،عن مولانا الصادق(عليه السّلام)،أنّه قال:«كنت عند

ص:122


1- التهذيب 10:504/126،الإستبصار 4:949/250،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 3.
2- انظر ص 123.
3- دعائم الإسلام 2:1701/474،مستدرك الوسائل 18:122 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.
4- في«س»:و.
5- كشف اللثام 2:427.

عيسى بن موسى،فأُتي بسارق و عنده رجل من آل عمر،فأقبل يسألني، فقلت:ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنّه سرق؟قال:يقطع،قلت:

فما تقولون في الزاني إذا أقرّ على نفسه أربع مرّات؟قال:نرجمه،قلت:

و ما يمنعكم[من السارق]إذا أقرّ على نفسه مرّتين أن تقطعوه،فيكون بمنزلة الزاني؟!» (1).

و هو أيضاً ظاهرٌ في اعتبار الإقرار مرّتين هنا،من حيث جعل السارق بمنزلة الزاني؛ بناءً على أنّ الزناء لمّا كان بين اثنين يشترط فيه الأربعة،كما ورد في بعض الأخبار في البيّنة (2)،فيكون لكلّ منهما إقراران،ففي السرقة أيضاً لا بُدّ من إقرارين.

و لعلّ هذا إلزام عليهم بما يعتقدونه من الاستحسانات.

قيل:مع أنّه موافقٌ للعلّة الواقعيّة (3).

هذا،مع ظهور الدلالة فيه عليه من وجه آخر،و هو:أنّ صدره ظاهرٌ في قطعهم السارق بالإقرار و لو مرّة،فقوله(عليه السّلام)في ذيله:«و ما يمنعكم[من السارق]إذا أقرّ» إلى آخره.إن حُمِلَ على ظاهره من عدم قطعهم بالإقرار مرّتين نافي ذيله صدره،فينبغي أن يحمل على أنّ المراد:ما يمنعكم أن تشترطوا في القطع بالإقرار وقوعه مرّتين،بمناسبته لاعتبار تعدّده أربعاً في الزناء.

هذا،و لو سلّم خلوصهما عن جميع ذلك،فهما شاذّان لا عامل بهما

ص:123


1- التهذيب 10:505/126،الإستبصار 4:950/250،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 4؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزناء ب 12.
3- ملاذ الأخيار 16:252.

حتى الصدوق رحمه اللّه لظهورهما في اشتراط وقوع الإقرار مرّة عند الإمام في الاكتفاء بها،و أنّه ليس مطلقاً،و لم يقل به الصدوق-(رحمه اللّه) لاكتفائه بها مطلقاً،فتأمّل جدّاً .

نعم،في المختلف (1)احتمل العمل بهما،و الفرق بين الإقرار عند الإمام فمرّة،و عند غيره فمرّتين،بوجهٍ لا يصلح له سنداً.هذا،مع أنّ الاحتمال ليس بقول.

و كذا قول المقنع (2)بما مرّ ليس بمتحقّق و إن حكي عنه في المختلف و غيره،فقد قال بعض الأفاضل بعد نقل حكايته عنه-:لم أره فيما عندي من نسخه (3)(4).

و على هذا يتقوّى الإجماع الظاهر و المدّعى،و يتعيّن القول الذي اخترناه قطعاً،مضافاً إلى تأيّده زيادة على ما مضى بالاستقراء؛ لاتّفاق الفتاوى على اعتبار المرّتين في جميع الحدود ما عدا الزناء،مع بناء الحدود على التخفيف،و درئها بالشبهة الحاصلة في المسألة من الاختلاف المتقدّم إليه الإشارة،و لا أقلّ منها.

و يشترط في المُقِرّ:التكليف بالبلوغ و العقل و الحرّية، و الاختيار بلا خلاف،كما في سائر الأقارير،بل على اعتبار الحرّية هنا بالخصوص الإجماع عن الخلاف (5)؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى أنّ إقرار العبد إقرارٌ في حقّ الغير،و هو المولى،فلا يكون

ص:124


1- المختلف:771.
2- المتقدّم في ص 120.
3- في«س»:نسخته.
4- كشف اللثام 2:427.
5- الخلاف 5:453.

مسموعاً.

و لخصوص الصحيح:«إذا أقرّ العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع،و إذا شهد عليه شاهدان قُطِعَ» (1).

و بهذه الأدلة يخصّ عموم الصحيح:«من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّه تعالى مرّةً واحدةً،حرّا كان أو عبداً،حرّةً كانت أو أمةً،فعلى الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان،إلّا الزاني المحصن» (2).

مع منافاته الإجماع على اعتبار المرّتين في سائر الحدود،و موافقته التقيّة كما عرفته (3)،فيحتمل الحمل عليها.

و به يجاب عن الصحيح الآخر الذي لا يحتمل التخصيص-:«العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه سرق قطعه،و إذا أقرّت الأمة على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها» (4).

و الشيخ حمله على أنّه إذا انضاف إلى الإقرار الشهادة عليه بالسرقة (5).

و ربما حُمِلَ على محامل أُخر

ص:125


1- الفقيه 4:174/50،التهذيب 10:440/112،الإستبصار 4:920/243،الوسائل 28:305 أبواب حدّ السرقة ب 35 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.
3- راجع ص 121.
4- الكافي 7:7/220،الفقيه 4:173/49،التهذيب 10:441/112،الإستبصار 4:921/244،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- التهذيب 10:112،الاستبصار 4:244.

منها:أن يكون فاعل«قطعه» و«قطعها» مَن جرى اسمه من العامّة في مجلسه،و يكون المعنى:أنّه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره (1).

و منها:أنّ المراد بالعبد و الأمة:عبد اللّه تعالى و أمته (2).

و منها:أنّ المراد إذا انضاف إليه إقرار المولى.

و في الجميع بُعدٌ و إن أفتى بالأخير جماعة (3)؛ قيل:لأنّ الحقّ لا يعدوهما،و يحتمل العدم؛ بناءً على أنّه لا عبرة بإقرار العبد أصلاً (4).

و فيه نظر؛ فإن عدم العبرة به إنّما هو لحقّ سيّده،فإذا صدّقه فكأنّه أسقطه،و كان كما إذا قام (5)البيّنة عليه.

ثم إنّ عدم قبول إقراره إنّما هو بالإضافة إلى قطعه خاصّة،و أمّا بالإضافة إلى الغرامة فيقبل،و يتبع بالسرقة بعد الحرّية،بلا خلاف أجده، و به صرّح بعض الأجلّة (6)؛ للعموم،مع انتفاء المعارض بالكلّية.

و هل يقطع حينئذ؟وجهان:من ارتفاع المانع،و من اندرائه ابتداءً، فيستصحب.و لعلّ هذا أقرب؛ للشبهة الدارئة.

و يتفرّع على اشتراط الاختيار:أنّه لو أقرّ ب السرقة ل الضرب،لم يجز أن يقطع للأصل،و النصوص:

منها زيادةً على ما يأتي الخبر:«من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو

ص:126


1- كشف اللثام 2:428.
2- الوسائل 28:249.
3- المسالك 2:446،مجمع الفائدة 13:283،كشف اللثام 2:428.
4- كشف اللثام 2:428.
5- في«س»:أقام.
6- المفاتيح 2:95.

حبس أو تهديد فلا حدّ عليه» (1).

و في آخر:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:لا قطع على أحد يخوّف من ضرب و لا قيد و لا سجن و لا تعنيف،إلّا أن يعترف،فإن اعترف قطع،و إن لم يعترف سقط عنه؛ لمكان التخويف» (2)و ظاهرٌ أنّ المراد من الاعتراف فيه:ما وقع منه طوعاً لا خوفاً،فيكون الاستثناء منقطعاً،فتأمّل .

نعم،لو ردّ السرقة بعينها بعد الإقرار قطع وفاقاً للنهاية (3)و جماعة ممّن تبعه (4).

للصحيح:عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب،فجاء بها بعينها،هل يجب عليه القطع؟قال:«نعم،و لكن لو اعترف و لم يجيء بالسرقة لم تقطع يده؛ لأنّه اعترف على العذاب» (5).

و لأنّ ردّها قرينة على السرقة،كما يكون القيء على الشرب قرينة.

و فيهما نظر؛ لعدم دلالة الخبر على وقوع الضرب على الإقرار،بل ظاهر السؤال أنّه علم سرقته ببيّنة أو إقرار،و إنّما ضرب على ردّ المال.

و منع دلالة الردّ على السرقة؛ لأنّه أعمّ منها بلا شبهة،كما أنّ القيء أعمّ من الشرب أيضاً.و القول بدلالته عليه على تقدير تسليمه إنّما هو

ص:127


1- الكافي 7:6/261،التهذيب 10:592/148،الوسائل 28:261 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 2.
2- التهذيب 10:511/128،الوسائل 28:261 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 3.
3- النهاية:718.
4- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:561،و العلّامة في المختلف:771،و حكاه الشهيد في غاية المراد 4:262،عن القاضي و الصهرشتي.
5- الكافي 7:9/223،التهذيب 10:411/106،علل الشرائع:1/535،الوسائل 28:260 أبواب حدّ السرقة ب 7 ح 1.

للرواية،لا لوضوح الدلالة؛ لما عرفت ما فيه من المناقشة،فقياسه عليه مع ضعفه مع الفارق،فلا يصلح حجّة.

و لذا قيل كما عن الحلّي (1)-:إنّه لا يقطع؛ لتطرّق الاحتمال (بكونه) (2)عنده بالابتياع أو بالإيداع و هو أشبه بأُصول المذهب و درء الشبهة للحدّ،مع سلامتها كما عرفت عن المعارض، و إليه ذهب أكثر المتأخّرين،و منهم:فخر المحقّقين،و قد أجاب عن الصحيح بعدم دلالته على الإقرار مرّتين و لا مرّة (3).

و اعترضه بعض الأفاضل بأنّه إذا حكم(عليه السّلام)بقطعه مع عدم الإقرار بالسرقة بمجرّد إحضار المسروق،فمع الإقرار مرّتين و إحضاره أولى (4).

و هو حسن إن قالوا بالأصل،و إلّا كما هو الظاهر من جملة من العبائر المحررة لمحلّ النزاع فلا؛ إذ إلحاق الفرع بالأصل فرع قبوله لا من دونه،و بناء الفخر على ذلك في الاعتراض.

و منه يظهر جواب آخر عن الصحيح،بل و عن التعليل؛ فإنّ مقتضاه سيّما بمعونة ما فيه من(التشبيه) (5)قطعه بمجرّد الردّ و لو من دون إقرار، و قد عرفت خروجه عن محلّ النزاع،و إنّه لا قائل به من الأصحاب.إلّا أن يقال بمنع دلالة الردّ على السرقة مجرّداً عن الإقرار،و قياسه على القيء إنّما هو بمعونته و بعد ضمّه إليه لا على الإطلاق.

و لو أقرّ مرّتين تحتّم القطع و لا يجوز العفو عنه و لو أنكر

ص:128


1- السرائر 3:490.
2- في«ن»:بجواز أن يكون.
3- إيضاح الفوائد 4:539.
4- الحواشي على شرح اللمعة للخوانساري:488.
5- في«ن»:القياس.

و رجع عنه،وفاقاً للمبسوط و الحلّي،و عليه الفاضلان في الشرائع و القواعد و الإرشاد و الشهيدان في اللمعتين (1)،و ربما نسب إلى الأكثر (2).و فيه نظر؛ لما سيظهر.

لاستصحاب (3)بقاء التحتّم،و عموم ما دلّ على أخذ العقلاء بإقرارهم،و للصحيح (4)و غيره (5):«إذا أقرّ الرجل على نفسه أنّه سرق ثم جحد فاقطعه و إن رغم أنفه».

خلافاً للنهاية و القاضي و التقي و ابن زهرة و الفاضل في المختلف (6)، فيسقط عنه القطع،و لعلّه بين القدماء أشهر،فقد ادّعى عليه في الغنية إجماع الإماميّة،و به صريح مرسلة جميل السابقة (7):«لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين،فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود».

و للخلاف و موضع آخر من النهاية (8)،فللإمام الخيار بين قطعه و العفو عنه،مدّعياً عليه في الأول الإجماع.

و يدلّ عليه بعده الخبر:«جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فأقرّ

ص:129


1- المبسوط 8:40،الحلّي في السرائر 3:491،الشرائع 4:176،القواعد 2:270،الإرشاد 2:184،اللمعة و الروضة 9:278.
2- المفاتيح 2:95.
3- إنّه رحمه اللّه في مقام الاستدلال للقول بتحتّم القطع.
4- الكافي 7:4/220،التهذيب 10:492/123،الوسائل 28:26 أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 1.
5- التهذيب 10:503/126،الوسائل 28:26 أبواب مقدمات الحدود ب 12 ذيل ح 1.
6- النهاية:718،القاضي في المهذّب 2:544،التقي في الكافي:412،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):623،المختلف:771.
7- راجع ص 7186.
8- انظر النهاية:718،إلّا أنّه في التوبة بعد الإقرار،و الخلاف 5:444.

عنده بالسرقة،فقال:أ تقرأ شيئاً من القرآن؟قال:نعم،سورة البقرة،قال:

قد وهبت يدك لسورة البقرة،فقال الأشعث:أ تعطّل حدّا من حدود اللّه تعالى؟ قال:و ما يدريك ما هذا،إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو عنه، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام،فإن شاء عفا،و إن شاء قطع» (1)و قريب منه آخر (2).

و الإجماع موهون بعدم قائل به سواه.

و الخبران بعد الإغماض عمّا في سندهما ليس فيهما التخيير بعد الرجوع،بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقا و لو لم يرجع،و لا قائل به،إلّا أن يقيّدا بصورة الرجوع بالإجماع.

و المسألة محل تردّد كما هو ظاهر التحرير و غيره (3)،فللتوقف فيها مجال،و لكن مقتضاه المصير إلى القول الثاني؛ لبناء الحدود على التخفيف،و اندرائها بالشبهات.

و ظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين الرجوع و التوبة،فمن أسقط القطع حتماً أو تخييراً في الأوّل أسقطه في الثاني كذلك (4)،و من قال بالعدم قال به في المقامين.

الرابع: في بيان

الحدّ

الحدّ و كيفيته.

و هو قطع اليد،بالكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة،و يختص عندنا ب الأصابع الأربع من اليد اليمنى،و تترك له الراحة و الإبهام

ص:130


1- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3.
2- التهذيب 10:506/127،الإستبصار 4:954/252،الوسائل 28:250 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 5.
3- التحرير 2:230،التنقيح 4:384.
4- ليست في«ب» و«س» و«ح».

و لو عاد ف سرق بعد ذلك أيضاً قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم،و يترك له العقب و لو عاد ف سرق مرّة ثالثة حبس في السجن دائماً و أُنفق عليه من بيت المال مع فقره،لا مطلقاً.

و لو عاد ف سرق في السجن أيضاً قتل بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا ما سيأتي إليه الإشارة بل عليه الإجماع في الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (1)حدّ الاستفاضة.

و النصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة،ففي الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في السارق إذا سرق قطعت يمينه،و إذا سرق مرَّة أُخرى قطعت رجله اليسرى،ثم إذا سرق مرّة أُخرى سجنه و ترك رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، و قال:إنّي لأستحيي من اللّه تعالى أن أتركه لا ينتفع بشيء،و لكني أسجنه حتى يموت في السجن» الخبر (2).

و فيه:«يقطع رجل السارق بعد قطع اليد،ثم لا يقطع بعد،فإن عاد حبس في السجن و أُنفق عليه من بيت مال المسلمين» (3)و نحوه آخر (4).

و في الموثّق:«إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ،فإن عاد

ص:131


1- الخلاف 5:437،الغنية(الجوامع الفقهية):623،السرائر 3:489،المفاتيح 2:97،كشف اللثام 2:429.
2- الكافي 7:4/222،التهذيب 10:402/103،علل الشرائع 1/536،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 1.
3- الكافي 7:6/223،التهذيب 10:404/104،الوسائل 28:256 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 6.
4- الكافي 7:10/224،التهذيب 10:416/107،الوسائل 28:257 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 7.

قطعت رجله من وسط القدم،فإن عاد استودع السجن،فإن سرق في السجن قتل» (1).

و في الخبر:أخبرني عن السارق لمَ تقطع يده اليمنى و رجله اليسرى و لا تقطع يده اليمنى و رجله اليمنى؟فقال:«ما أحسن ما سألت،إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر و لم يقدر على القيام، و إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى اعتدل و استوى قائماً» قلت:و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟فقال:«إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع،إنّما يقطع الرجل من الكعب و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و يعبد اللّه تعالى» قالت له:من أين تقطع اليد؟قال:«تقطع الأربع أصابع و يترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة،و يغسل بها وجهه» الخبر (2).

و ظاهرهما و لا سيّما الأوّل أنّ محل القطع في الرجل إنّما هو الكعب الذي هو عندنا وسط القدم عند معقد الشراك،كما تقدّم في بحث الوضوء مشروحاً،و صرّح به الرواية الأُولى منهما و جماعة من أصحابنا (3)، كالشيخ في المبسوط و الخلاف و التبيان،و السيّدين (4)في الغنية و الانتصار، و الحلّي في السرائر (5)،مدّعين عليه إجماع الإمامية.

ص:132


1- الكافي 7:8/223،التهذيب 10:400/103،الوسائل 28:256 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 4.
2- الكافي 7:17/225،التهذيب 10:401/103،الوسائل 28:257 أبواب حدّ السرقة ب 5 ح 8.
3- في«ن» زيادة:هنا.
4- في النسخ:و السيّدان،و الظاهر ما أثبتناه.
5- المبسوط 8:35،الخلاف 5:437،التبيان 3:517،الغنية(الجوامع الفقهية):623،الانتصار:262،السرائر 3:488.

و حكي التصريح به أيضاً عن الصدوق في المقنع و الحلبي في الكافي و[ابن سعيد و (1)]و ابن حمزة في الجامع و الوسيلة،و الفاضل في التلخيص (2)،و غيرهم (3).

و على هذا يكون المقطوع من عظامها الأصابع و المشط،و يبقى الرسغ و العظم الزورقي و النردي و العقب و ما بينه و بين الساق.

خلافاً لظاهر العبارة هنا و في الشرائع و المقنعة و النهاية و مجمع البيان و المراسم،و سائر كتب الفاضل ما عدا التلخيص،و الروضتين (4)،فعُبِّر فيها بمفصل القدم و ترك العقب،الظاهرين (5)في كون القطع من أصل الساق، أي المفصل بين الساق و القدم،و صرّح به الشيخان في كتبهما المذكورة، و عليه فلا تبقى من عظام القدم إلّا عظم العقب و ما بينه و بين عظم الساق، و تسمّيه الأطبّاء كعباً.

و احتجّ عليه في المختلف (6)بالموثق (7)و غيره (8):«تقطع يد السارق

ص:133


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
2- المقنع:150،الكافي:411،الجامع:561،الوسيلة:420،تلخيص المرام(الينابيع الفقهية 40):206.
3- الصيمري في تلخيص الخلاف 3:248.
4- الشرائع 4:176،المقنعة:802،النهاية:717،مجمع البيان 2:192،المراسم:259؛ و انظر القواعد 2:270،التحرير 2:231،الإرشاد 2:184،تبصرة المتعلمين:197،اللمعة و الروضة 9:284.
5- في«ب»:الظاهر.
6- المختلف:778.
7- الكافي 7:13/224،التهذيب 10:399/102،علل الشرائع:5/537،الوسائل 28:252 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 4.
8- الكافي 7:2/222،التهذيب 10:398/102،الوسائل 28:251 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 2.

و يترك إبهامه و صدر راحته،و تقطع رجله و يترك عقبه يمشي عليها».

أقول:و نحوهما خبر آخر (1)،و الرضوي:«تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» (2).

و المسألة محل إشكال،و مقتضاه المصير إلى الأوّل؛ تقليلاً للعقوبة و درءاً للحدّ و لو شيء منه بالشبهة الحاصلة من اختلاف الفتوى و الرواية.

مع إمكان ترجيحه أيضاً؛ للإجماعات المحكيّة و الروايتين المعتضدتين بها و بالشهرة بين القدماء،و بالصحيح أيضاً،و فيه:«و كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل،فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب» الخبر (3).

بناءً على ما مرّ من كونه عندنا حقيقةً في وسط القدم دون أصل الساق.

و لا تعارضها النصوص المقابلة؛ لضعف جملة منها،و قصور باقيها عن الصحة و المقاومة لما مرّ من الأدلّة،مع موافقتها للعامّة كما يستفاد من الشيخ في المبسوط و الخلاف،حيث قال:القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم و يترك ما يمشي عليه،و عندهم المفصل الذي بين الساق و القدم (4).انتهى.

فلتحمل على التقيّة.

و ربما يؤيّده كون المروي عنه(عليه السّلام)في الرواية الأُولى التي هي أوضحها طريقاً مولانا الكاظم(عليه السّلام)،و التقية في زمانه في غاية من الشدّة، كما مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

ص:134


1- نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى:388/151،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 7.
2- فقه الرضا(عليه السّلام)القديم:77.
3- الفقيه 4:157/46،الوسائل 28:254 أبواب حدّ السرقة ب 4 ح 8.
4- المبسوط 8:35،الخلاف 5:437.

و مع ذلك فهي غير صريحة الدلالة؛ لما فيها من تعليل إبقاء العقب بحكمة ضرورة المشي عليها و الوطء بها،و الظاهر أنّهما لا يتحققان بمجرّد العقب المجرّد،بل به و بما يتّصل به إلى الكعب من عظام القدم،فينبغي أن يصرف به لفظ العقب عمّا هو ظاهر فيه من التجرّد الى ما يوافق الأوّل،بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع و المشط إلى وسط القدم.

و هذا التعليل بعينه موجود في كلام الأصحاب حتى القائلين بالقول الأخير،فيمكن حمل كلامهم أيضاً على ما حمل عليه النصوص،و عليه فيرتفع الخلاف.و لعلّه لهذا لم ينقله عنّا أكثر الأصحاب،بل عامّة من وقفت على كلامهم،عدا الفاضل في المختلف (1)،حيث نقل القولين و رجّح الثاني منهما،و هذا و إن كان صريحاً في اختياره إيّاه،بحيث لا يحتمل الحمل على ما قدّمناه،لكنّه شاذّ.

و لو تكرّرت السرقة من غير حدّ يتخلّلها كفى حدّ واحد إذا أقرّ بها دفعة،أو شهدت بها البيّنات كذلك،بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في الخلاف (2)،بل عليه في الغنية (3)الوفاق،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع للأُولى،لا مطلقاً.

و خصوص الصحيح:في رجل سرق فلم يقدر عليه،ثم سرق مرّة أُخرى فلم يقدر عليه،و سرق مرّة أُخرى،فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الأُولى و السرقة الأخيرة فقال:«تقطع يده بالسرقة الأُولى،و لا تقطع

ص:135


1- المختلف:778.
2- الخلاف 5:441.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):623.

رجله بالسرقة الأخيرة» فقيل له:و كيف ذاك؟قال:«لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأُولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى،(و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثم أمسكوا حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى) (1)» (2).

و ظاهره كون القطع للأُولى،كما في القواعد و عن المقنع و الفقيه و الكافي للحلبي (3)و اختاره في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (4)،و هو حجة أُخرى بعد الرواية؛ مضافاً إلى ثبوت القطع بها أوّلاً فيكون مستصحباً.

و قيل:للأخيرة،كما في الشرائع و السرائر و النهاية (5).

و قيل:كل منهما علّة مستقلّة،كما اختاره شيخنا في المسالك و الروضة (6).

و حجّة القولين مع عدم وضوحها غير مكافئة لما تقدّم من الأدلّة.

و تظهر الفائدة في عفو المسروق منه.

و ظاهر الصحيحة و ما قبلها من الأدلّة حتى الإجماع الاكتفاء بالحدّ الواحد أيضاً لو شهدت بيّنة عليه بسرقة ثم شهدت اخرى عليه بأُخرى قبل القطع للأُولى،و عليه شيخنا في كتابيه.

و قيل:تقطع يده و رجله؛ لأنّ كل واحدة توجب القطع،فتقطع اليد

ص:136


1- ما بين القوسين ليس في غير«ن».
2- الكافي 7:12/224،التهذيب 10:418/107،علل الشرائع:22/582،الوسائل 28:263 أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.
3- القواعد 2:271،المقنع:150،الفقيه 4:46،الكافي في الفقه:412.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- الشرائع 4:178،السرائر 3:493،النهاية:719.
6- المسالك 2:447،الروضة 9:288.

للأُولى و الرجل للثانية (1).

و فيه نظر؛ لعدم دليل على إيجاب كل منهما القطع مطلقا،بل ما دلّ عليه من النصوص المتقدمة مختصّة بصورة تخلّل القطع بين السرقتين،كما عرفته،و لو سلّم فهو مخصّص بما ذكرناه من الأدلّة.

@(و مقتضى الصحيحة ثبوت قطع الرجل للثانية إذا شهدت بيّنتها بعد قطع اليد للأولى ببيّنتها،كما عليه الشيخ في النهاية و الخلاف (2)مدّعيا فيه الوفاق،و عليه الصدوق و غيره (3).

خلافا للمبسوط و السرائر و الفاضلين في الشرائع و المختلف و التحرير و الشهيدين (4)،و يعضدهم الأصل المتقدّم،و به استدلّ في المسالك و الروضة (5)،مضافا إلى قيام الشبهة الدارئة،و أجاب عن الرواية كغيره بضعف الطريق.

و فيه نظر،لاختصاص الضعف بطريقه في التهذيب،و إلاّ فهو في الكافي صحيح على الصحيح،أو حسن كالصحيح على المشهور،و مع ذلك الضعف في التهذيب بسهل الذي ضعفه سهل عندهم،فالقول به غير بعيد،سيّما مع اعتضاده بما مرّ عن الخلاف من الإجماع.لكنّه موهون -زيادة على ندرة القائل به-برجوعه عنه في المبسوط،كما صرّح به الحلّي

ص:137


1- لم نعثر على قائله.
2- النهاية:719،الخلاف 5: 441.
3- المقنع:150،الوسيلة:419،561،الجامع للشرائع:561.
4- المبسوط 8:38،السرائر 3:494،الشرائع 4:178،المختلف:772، التحرير 2:232،الشهيد الأوّل في غاية المراد 4: 266،و الشهيد الثاني في الروضة 9:289،و المسالك2:447.
5- المسالك 2:447،الروضة 9:289.

في السرائر (1)) (2)@ و لا يقطع اليسار مع وجود اليمين مطلقاً و لو كانت شلّاء، و كذا تقطع و لو كانت اليسار شلّاء أو كانتا شلّاءين،وفاقاً للأكثر،بل المشهور كما قيل (3)،بل في الغنية و الخلاف عليه إجماع الإمامية (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص الصحيح:في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق،فقال:«تقطع يده اليمنى على كل حال» (5).

و في آخر و غيره:«أنّ الأشلّ إذا سرق قطعت يمينه على كل حال، شلاء كانت أو صحيحة» الحديث (6).

خلافاً للمبسوط و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك (7)في قطع اليمين الشلّاء،فقيّدوه بما إذا لم يخف معه التلف على النفس بإخبار أهل العلم بالطبّ أنّها متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتّحة.

و لا يخلو عن قوة؛ احتياطاً لبقاء النفس،مضافاً إلى الأصل،و عدم

ص:138


1- .السرائر 3:494.
2- .ما بين القوسين ليس في غير«ن».
3- كشف اللثام 2:429.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الخلاف 5:443.
5- الكافي 7:16/225،التهذيب 10:419/108،الاستبصار 4:915/242،علل الشرائع:6/537،الوسائل 28:266 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 1.
6- الفقيه 4:160/47،علل الشرائع:7/537 و فيه بتفاوت،الوسائل 28:267 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 4.
7- المبسوط 8:38،القاضي في المهذّب 2:544،ابن حمزة في الوسيلة:420،المختلف:777،المسالك 2:446.

معلومية شمول العمومات لمثل محل الفرض؛ لاختصاصها بحكم التبادر باليد الصحيحة،أو الشلّاء التي لا يخاف بقطعها تلف النفس المحترمة،إذ ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها،و عليه يحمل الصحيحان بتخصيصهما بالشلل المأمون مع قطعه على النفس،و كذا الكلام في الإجماعين المنقولين،مع وهن ثانيهما برجوع الناقل له عنه في المبسوط.

و للإسكافي (1)في قطعها مع شلل اليسار فمنعه،قال:بل يخلد الحبس؛ للخبر:«إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلّاء لم تقطع يمينه و لا رجله» (2)مع أنّ المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى يديه.

و هو شاذّ،و مستنده مع ضعفه قاصر عن المقاومة لما قابلة من الصحيح و الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة و العموم.

و لو لم يكن له يسار قطعت اليمين (3) أيضاً،وفاقاً للمشهور؛ للعمومات،و خصوص عموم الصحيح الأوّل.

خلافاً للإسكافي (4)أيضاً،فكشلّاء اليسار؛ لبعض ما مرّ فيه،مضافاً إلى خصوص الصحيح:لو أنّ رجلاً قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟فقال:«لا يقطع و لا يترك بغير ساق» (5).

و أُجيب عنه بالحمل على إظهاره التوبة،و هو بعيد بلا شبهة،إلّا أن

ص:139


1- حكاه عنه في المختلف:777.
2- التهذيب 10:420/108،الإستبصار 4:916/242،الوسائل 28:266 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 2.
3- في المختصر المطبوع:قطع اليمنى،و لعلّه هو الأنسب.
4- حكاه عنه في المختلف:777.
5- التهذيب 10:421/108،الإستبصار 4:917/242،الوسائل 28:267 أبواب حدّ السرقة ب 11 ح 3.

يقال:لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

و إلى هذه الرواية أشار بقوله: و في الرواية أنّه لا يقطع.

و قال الشيخ في النهاية:و لو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى،و لو لم يكن له رجل يسرى لم يكن عليه أكثر من الحبس (1) و حجته غير واضحة عدا وجه الحكمة المتقدّمة سنداً للإسكافي، و هو مع ضعفه و عدم مقاومته لأدلّة المشهور مقتضاه عدم قطع اليسار، لا قطع الرجل كما ذكره،أو التخليد في الحبس كما عليه الإسكافي،فهو أعمّ منهما،و لا دليل على التعيين إلّا بعض الوجوه القياسية التي لا تصلح لإثبات الأحكام الشرعية.

مع أنّه يحتمل على قولهما بعدم قطع اليسار ثبوت التعزير،كما هو الأصل في ارتكاب كل محرّم لم يرد فيه نصّ بالخصوص.

و ممّا ذكرنا يظهر ما في قول الماتن:

و في الكل أي كلّ من العمل بالرواية و ما في النهاية تردّد إذ لا وجه له بالإضافة إلى ما في النهاية كما عرفته،بل بالإضافة إلى الرواية أيضاً،إلّا أنّ احتماله بالإضافة إليها أقرب (2)؛ لصحتها،و وجود قائل بها، و مناسبتها لوجه الحكمة،و إن كان جميع ذلك لا يعارض أدلّة الأكثر.

و لو لم يكن له يمين فهل يقطع اليسار،أم ينتقل إلى الرجل؟ثم مع فقدهما هل يحبس،أم لا،بل يعزّر؟وجوه و أقوال،أحوطها الاكتفاء بالتعزير.

ص:140


1- النهاية:717.
2- في«س»:أقوى.

هذا إذا ذهبت يمينه قبل السرقة،و لو ذهبت بعدها و قبل القطع بها لم يقطع اليسار قولاً واحداً؛ لتعلق القطع بالذاهبة.

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة على السرقة و لا يسقط بعدها بلا خلاف في الأوّل على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،بل عليه دعوى الوفاق في المسالك (2)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الأولوية؛ لسقوط العقوبة الأُخرويّة بها فالدنيويّة أولى.

و للصحيح:«السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى اللّه تعالى و ردّ سرقته على صاحبها فلا قطع عليه» (3).

و المرسل:في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى،فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح،فقال:«إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ» الخبر (4).

و على الأظهر الأشهر في الثاني،بل قيل (5):لا خلاف فيه أيضاً؛ للأصل،و النص:«و إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو» (6).

خلافاً للحلبيّين (7)،فأطلقا جواز عفو الإمام مع التوبة بعد الرفع (8).

ص:141


1- المفاتيح 2:95.
2- المسالك 2:447.
3- الكافي 7:8/220،التهذيب 10:489/122،الوسائل 28:302 أبواب حدّ السرقة ب 31 ح 1.
4- الكافي 7:1/250،التهذيب 10:490/122،الوسائل 28:36 أبواب مقدّمات الحدود ب 16 ح 3.
5- المفاتيح 2:95.
6- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 3.
7- في غير«س»:للحليَّين،و ما أثبتناه هو الصحيح.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):623،الكافي في الفقه:412.

و هو مع شذوذه،و عدم صراحته غير واضح المستند،عدا ما ربما يتوهم من إطلاق الصحيح السابق و تاليه،لكن سياقهما سيّما الثاني ظاهر في التوبة قبل البيّنة،مع أنّ مقتضاهما تحتّم السقوط لا تخيّر الإمام بينه و بين الحدّ.و كذا الجواب عن الأولوية لو استدلّ بها.

و هل يتخيّر الإمام معها أي مع التوبة بعد الإقرار في الإقامة للحدّ و إسقاطه،أم يتعيّن عليه الأوّل،أم الثاني؟أقوال،مضت إليها الإشارة في بحث تحتّم القطع مع الرجوع بعد الإقرار.

و ظهر ثمّة أنّ القول الأوّل مبني على رواية فيها ضعف سنداً و دلالة؛ لعدم إيماء فيها إلى رجوع أو توبة بعد الإقرار،و جبره بالتقييد بهما من جهة الإجماع لا يدفع وهنها الحاصل به في مقام التعارض،لكنّها معتضدة بدعوى الإجماع على مضمونها في الخلاف و الغنية (1)،لكنّها موهونة بشهرة خلافها بين الأصحاب.

و إن اختلفوا في أنّ الأشبه تحتّم الحد أو سقوطه،و قد عرفت رجحانه و لو من جهة الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة.

و لا يضمن الحاكم و لا الحدّاد سراية الحدّ إلى عضو أو نفس، أيّ حدٍّ كان حتى التعزير،فلا دية له مطلقاً،وفاقاً للنهاية و الخلاف و المبسوط و الغنية و ابن حمزة و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (2)،و بالجملة:

الأكثر؛ للأصل،و آية ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (3)

ص:142


1- الخلاف 5:444،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
2- النهاية:755،الخلاف 5:493،المبسوط 8:63،الغنية(الجوامع الفقهية):622،الوسيلة:413،السرائر 3:361،الشرائع 4:171،القواعد 2:264،اللمعة(الروضة 9):217،المسالك 2:441.
3- التوبة:91.

و الصحيح:«أيّما رجل قتله الحدّ و القصاص فلا دية له» (1).

و الخبر:«من قتله الحدّ فلا دية له» (2).

خلافاً للمفيد و الاستبصار (3)في حدّ الآدمي،فيضمن الإمام دية المحدود على بيت المال؛ للمباشرة،و الرواية:«من ضربناه حدّا من حدود اللّه تعالى فمات فلا دية له علينا،و من ضربناه حدّا في شيء من حقوق الناس فإنّ ديته علينا» (4).

و فيهما نظر،سيّما في مقابلة أدلّة الأكثر.

نعم في الإيضاح دعوى تواتر الرواية (5)،و لم تثبت،فإنّها مروية في كتب الحديث ضعيفاً من طرق الآحاد.

و يستفاد منه أنّ محل الخلاف هو التعزير دون الحدّ،و صرّح به في التنقيح (6)،و ربما يظهر أيضاً من الخلاف و المبسوط (7)،قال:لأنّه مقدّر فلا خطأ فيه،بخلاف التعزير فإنّ تقديره مبني على الاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ.

قيل:و هذا يتمّ مع كون الحاكم الذي يقيم الحدود غير المعصوم،و إلّا

ص:143


1- التهذيب 10:813/206،الإستبصار 4:1055/278،الوسائل 29:65 أبواب قصاص النفس ب 24 ح 9.
2- الكافي 7:7/292،التهذيب 10:819/207،الإستبصار 4:1056/279،الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:743،الإستبصار 4:279.
4- الكافي 7:10/292،التهذيب 10:822/208،الوسائل 29:64 أبواب قصاص النفس ب 24 ح 3؛ بتفاوت.
5- إيضاح الفوائد 4:516.
6- التنقيح الرائع 4:389.
7- الخلاف 5:493،المبسوط 8:63.

لم يفترق الحال بين الحدّ و التعزير،و المسألة مفروضة فيما هو أعمّ من ذلك (1).

الخامس في اللواحق،و فيه مسائل

الأولى إذا سرق اثنان نصاباً

الخامس: في ذكر اللواحق،و فيه ثلاث مسائل:

الأُولى: إذا سرق اثنان فصاعداً نصاباً واحداً،أو زائداً مع عدم بلوغ نصيب كل منهما نصاباً قال المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية (2) و الأتباع أجمع كما في المسالك (3):إنّه يقطعان معاً،و الظاهر أنّه مذهب أكثر القدماء،بل في الانتصار و الغنية (4)عليه إجماع الإمامية، و هو الحجة.

مضافاً إلى الرواية المروية في الخلاف،قال:و روى أصحابنا أنّها إذا بلغت السرقة نصاباً و أخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع، و لم يفصّلوا (5).

لكنّها مرسلة؛ إذ لم نقف عليها في كتب الحديث،و لا نقلها ناقل من الأصحاب،و لا أشار إليها أحد منهم في الباب،و إنّما احتجّوا لهم بتحقق الموجب للقطع و هو سرقة النصاب و قد صدر عنهما،فيقطعان؛ و هو كما ترى.

نعم في الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحر فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً،

ص:144


1- المسالك 2:441.
2- المفيد في المقنعة:804،السيّد المرتضى في الانتصار:264،النهاية:718.
3- المسالك 2:447،و هو في المهذّب 2:540،و الوسيلة:419،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
4- الانتصار:264،الغنية(الجوامع الفقهية):623.
5- الخلاف 5:421.

لم يخصّوا أحداً دون أحد،فقضى(عليه السّلام)أن تقطع أيمانهم» (1).

و هو عام من حيث ترك الاستفصال عن بلوغ نصيب كل منهم النصاب و عدمه للصورتين.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف و الإسكافي و الحلّي (2) اشترط بلوغ نصيب كل واحد نصاباً و عليه عامّة متأخّري الأصحاب،و في الخلاف عليه الإجماع،و هو الأوفق بالأصل؛ لاختصاص ما دلّ على قطع السارق نصاباً بحكم التبادر بصورة انفراده به لا مطلقاً؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول.

لكنّه مع وهنه بعدم موافق له من القدماء عدا الإسكافي،و هو بالإضافة إلى باقيهم شاذّ،و كذا الحلّي،مع أنّه بعد الناقل معارض بمثله، بل و أرجح منه بالتعدّد،و عدم ظهور الوهن فيه،و الاعتضاد بالرواية المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة،و عموم الصحيحة المتقدمة،لكنّها قضية في واقعة،و الشهرة الجابرة معارضة بالشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع،فلم يبق للقدماء غير الإجماع المنقول المعارض بالمثل، و رجحان الأوّل بما مرّ يقابل بالأصل المرجِّح لهذا الطرف.

و بالجملة:المسألة محل تردّد،كما هو ظاهر المتن،و لكن مقتضاه ترجيح القول الأخير للشبهة الدارئة للحدّ.

الثانية لو قامت الحجة بالسرقة

الثانية: لو سرق سرقتين موجبتين للقطع و لم يقطع بينهما

ص:145


1- الفقيه 4:150/44،التهذيب 10:517/129،الوسائل 28:304 أبواب حدّ السرقة ب 34 ح 1.
2- المبسوط 8:28،الخلاف 5:420؛ حكاه عن الإسكافي في المختلف:772،الحلّي في السرائر 3:497.

و قامت الحجة أي البيّنة عليه بالسرقة الأُولى فأمسكت ليقطع،ثم شهدت عليه ب السرقة ال اُخرى،قال الصدوق و الشيخ في النهاية و الخلاف (1) قطعت يده بالأُولى و رجله بالأُخرى و ادّعى في الخلاف عليه الوفاق و مع ذلك (2) به رواية صحيحة،و فيها:«و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثم أمسكوا حتى يقطع،ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى» (3).

و لكنه رجع عنه في المبسوط (4)،و تبعه الحلّي و الفاضلان و الشهيدان (5)،و غيرهم من المتأخّرين (6)،و هو الأوفق بالأصل،مع اختصاص ما دل على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع بينهما لا مطلقاً.

و الإجماع المنقول موهون زيادةً على ندرة القائل به برجوع الناقل عنه إلى خلافه في المبسوط.

و أجاب متأخروا الأصحاب عن الرواية بضعف السند.

و فيه نظر؛ لاختصاصه بطريق التهذيب،و إلّا فهو في الكافي مروي بطريق حسن (7)قريب من الصحيح،فطرحه مشكل،و لكنّ العمل به أيضاً

ص:146


1- الصدوق في المقنع:150،النهاية:719،الخلاف 5:441.
2- في« ن».زيادة:وردت.
3- الكافي 7:12/224،التهذيب 10:418/107،علل الشرائع:22/582،الوسائل 28:263 أبواب حدّ السرقة ب 9 ح 1.
4- المبسوط 8:38.
5- الحلّي في السرائر 3:494،المحقق في الشرائع 4:178،العلّامة في التحرير 2:232،الشهيدان في اللمعة و الروضة 9:289،المسالك 2:247.
6- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:391.
7- ليست في«ن».

لا يخلو عن إشكال في نحو المقام.

و الأولى التمسك بعصمة الدم إلّا في موضع اليقين عملاً بالنص المتواتر بدفع الحدّ بالشبهات.

الثالثة قطع السارق موقوف

الثالثة: قطع السارق موقوف عندنا على مرافعة المسروق منه له إلى الإمام تغليباً لحق الناس فيه فلو لم يرافعه إليه لم يرفعه الإمام و لم يقطعه و إن قامت عليه البيّنة حسبة (1)أو أقرّ بها مرّتين،و كذا لو علم بسرقته،كما في الخبر:«الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمراً أن يقيم عليه الحدّ،و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّه في خلقه،و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه» قال:و كيف ذاك؟قال:«لأنّ الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته،و إذا كان للناس فهو للناس» (2).

و لو وهبه المالك العينَ بعد السرقة،أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط القطع و إن كان لو رافعه لم يسقط عنه الحدّ مطلقاً و لو عفا عنه أو وهبه لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)المروي في الصحيح (3)و الحسن (4)و غيرهما (5)لصفوان بن أُميّة حين سُرِقَ رداؤه فقبض السارق

ص:147


1- ليست في«ن».
2- الكافي 7:15/262،التهذيب 10:157/44،الإستبصار 4:809/216،الوسائل 28:57 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 3،في«ح» و«ب»:يزجره،بدل:يزبره،و هما بمعنى واحد.
3- الكافي 7:2/251،التهذيب 10:494/123،الإستبصار 4:952/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ح 2.
4- الكافي 7:3/252،التهذيب 10:495/124،الإستبصار 4:953/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ذيل الحديث 2.
5- دعائم الإسلام 2:1549/444،المستدرك 18:21 أبواب مقدمات الحدود ب 15 ح 1.

و قدّمه إلى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)ثم وهبه:«ألّا كان ذلك قبل أن ينتهي به إليّ».

و للموثّق:«من أخذ سارقاً فعفا عنه فذاك له،فإذا رفع إلى الإمام قطعه،فإن قال الذي سرق منه:أنا أهب له،لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه،و إنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام،و ذاك قول اللّه عزَّ و جلَّ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ [1] (1)فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحدٍ أن يتركه» (2).

و في الصحيح:«لا يعفى عن الحدود التي للّه تعالى دون الإمام،فأمّا ما كان من حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام» (3).

و في الخبر:«و لا يشفعنّ في حدّ إذا بلغ الإمام،فإنّه لا يملكه، و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم» (4)كما في نسخة،و بدّل الدم ب«الندم» في أُخرى.

ص:148


1- التوبة:112.
2- الكافي 7:1/251،التهذيب 10:493/123،الإستبصار 4:951/251،الوسائل 28:39 أبواب مقدّمات الحدود ب 17 ح 3.
3- الكافي 7:4/252،الفقيه 4:185/52،التهذيب 10:496/124،الوسائل 28:40 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:3/254،التهذيب 10:498/124،الوسائل 28:43 أبواب مقدمات الحدود ب 20 ح 4.

الفصل السادس في المحارب

الفصل السادس في بيان حدّ المحارب و هو كلّ مجرِّدٍ سلاحاً كالسيف أو غيره كالحجر و نحوه في برٍّ أو بحرٍ مصرٍ أو غيره ليلاً أو نهاراً لإخافة السابلة و المتردّدين من المسلمين مطلقاً و إن لم يكن المحارب من أهلها أي أهل الإخافة، بأن كان ضعيفاً عنها،و لا من أهل الفتنة،و لا ذكراً على الأشبه الأقوى، و عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في كنز العرفان نسبه إلى الفقهاء (1)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه.

لعموم الآية إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [1] (2).

و شموله للإناث و إن كان فيه نوع غموض،بناءً على أنّ الضمير للذكور و دخول الإناث فيهم مجاز،إلّا أنّ العموم لهنّ جاء من قبل النصوص،ففي الصحيح:«من شهر السلاح في مصر من الأمصار»

ص:149


1- كنز العرفان 2:351.
2- المائدة:33 34.

الحديث (1).و«مَنْ» عامّ حقيقة للذكور و الإناث و أهل الريبة و الإخافة و غيرهم.

خلافاً للشيخين،فاشترطا كونه من أهل الريبة (2).

و للإسكافي (3)،فاشترط الذكورة بما مرّ.و ضعفه قد ظهر.

و أمّا الشيخان فلعلّهما استندا إلى مفهوم الصحيح و غيره:«من حمل السلاح باللّيل فهو محارب،إلّا أن يكون رجلاً ليس من أهل الريبة» (4).

قيل:و لأنّه المتيقن و الحدود تدرأ بالشبهات (5).

و يضعّف بأنّ البحث على تقدير وجود السبب أعني المحاربة فيتحقق المسبّب.

و يدلُّ على اشتراط قصد الإخافة في المحاربة مضافاً إلى الاتفاق عليه على الظاهر إلّا من نادر (6)،مع عدم صدقها عرفاً إلّا به المروي في قرب الإسناد:عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح و السكين،فقال:«إن كان يلعب فلا بأس» (7).

و على عدم اشتراط السلاح من نحو السيف:القوي:في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم،أنّه يغرم قيمة الدار و ما

ص:150


1- الكافي 7:12/248،التهذيب 10:524/132،الإستبصار 4:972/257،الوسائل 28:307 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:804،الطوسي في النهاية:720.
3- حكاه عنه في المختلف:779.
4- الكافي 7:6/246،الفقيه 4:168/48،التهذيب 10:530/134،الوسائل 28:313 أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 1.
5- انظر المسالك 2:449.
6- صفحة 150 هامش 1.
7- قرب الإسناد:1019/258،الوسائل 28:315 أبواب حدّ المحارب ب 2 ح 4.

فيها،ثم يقتل (1).

مضافاً إلى صدق المحاربة بكلّ ما يتحقق به الإخافة و لو حجراً أو غيره.

و ربما يفهم من الروضة عدم اشتراط قصد الإخافة و أنّ به قولاً (2).

و هو مع ضعفه و شذوذه لم أجده،مع أنّه اشترطه في المسالك (3)من دون خلاف فيه يذكره.

و يثبت ذلك بالإقرار من أهله و لو مرّة،أو بشهادة عدلين بلا إشكال و لا خلاف أجده إلّا من الديلمي و المختلف (4)،حيث حكي عنهما القول بأنّ كلّ حدٍّ يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرّتين.

و لا دليل على الكلّية،مع عموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (5)خرج منه ما اشترط فيه التكرار بدليل خارج،فيبقى غيره على العموم.

اللهم إلّا أن يستند إلى الاستقراء،و فحوى ما دلّ على اعتبار التكرار في نحو السرقة و غيرها ممّا هو أضعف حدّا فهنا أولى،فتأمّل جدّاً .

و لو شهد بعض اللصوص على بعض أو على غيرهم،أو لهما لم تقبل شهادته قطعاً؛ لفسقه المانع عن قبولها.

و كذا لو شهد بعض المأخوذين لبعض منهم على القاطع عليهم الطريق مطلقاً،على الأشهر الأقوى؛ للتهمة،و بعض المعتبرة:عن رفقة

ص:151


1- الفقيه 4:419/120،التهذيب 10:912/231،الوسائل 28:315 أبواب حدّ المحارب ب 3 ح 1.
2- الروضة 9:292.
3- المسالك 2:449.
4- الديلمي في المراسم:259،المختلف:727.
5- عوالي اللئلئ 1:104/223.

كانوا في طريق قطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص،فشهد بعضهم لبعض؟ فقال:«لا تقبل شهادتهم إلّا بإقرار اللصوص،أو بشهادة من غيرهم عليهم» (1).

و قيل بالقبول لو لم يتعرّض لما أُخذ منه؛ لوجود العدالة المانعة من التهجّم على غير الواقع،و منع التهمة المانعة،بل هو كشهادة بعض غرماء المديون لبعض،و شهادة المشهود لهما بوصية من تركة للشاهدين بوصية منها أيضاً (2).

و هو على تقدير تسليمه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر و لو بعمل الأكثر،بل الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر (3)،فلا يعبأ به.

نعم لو لم يكن الشاهد مأخوذاً احتمل قبول شهادته؛ لعدم التهمة، مع خروجه عن مورد الفتوى و الرواية؛ لظهورهما و لو بحكم التبادر في صورة كونه مأخوذاً،و بالقبول هنا صرّح جمع (4)من غير أن يذكروا خلافاً.

و حدّه القتل أو الصلب أو القطع مخالفاً أي قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى كما يقطعان في السرقة،و صرّح به جماعة من الأصحاب (5)،و يستفاد من بعض أخبار الباب (6).

ص:152


1- الكافي 7:2/394،الفقيه 3:68/25،التهذيب 6:625/246،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 27 ح 2.
2- القائل هو الشهيد في الدروس 2:127،و التعليل موجود في المسالك 2:405.
3- ملاذ الأخيار 10:92.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:18،العلّامة في القواعد 2:272،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:431،المجلسي في ملاذ الأخيار 10:92.
5- منهم العلّامة في الإرشاد 2:186،الشهيد في اللمعة(الروضة 9):294،الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:352،الفاضل الجواد في مسالك الأفهام 4:210.
6- انظر الوسائل 28:309 أبواب حد المحارب ب 1 الأحاديث 4،7،8،11.

أو النفي من مصره إلى مصرٍ آخر،ثم إلى آخر،و هكذا إلى أن يتوب،أو يموت.

و الأصل في هذه الأُمور بعد الكتاب:الإجماع و السنّة المستفيضة.

و للأصحاب اختلاف في أنّها هل على التخيير،أو الترتيب؟ ف قال المفيد و الديلمي و الحلّي و الصدوق في صريح الهداية و ظاهر المقنع (1)كما حكي بالتخيير و عليه أكثر المتأخّرين،و منهم الماتن في الشرائع (2)و هنا؛ لقوله: و هو الوجه .

لظاهر الآية،بناءً على أنّ الأصل في«أو» التخيير،مع التصريح في الصحاح بأنّها له في القرآن حيث وقع (3)،و منها في خصوص هذه الآية أنّ «ذلك إلى الإمام أن يفعل ما يشاء» (4).

و في الصحيح (5)و الموثق (6):«ذلك إلى الإمام،إن شاء قطع،و إن شاء صلب،و إن شاء نفى،و إن شاء قتل» قلت:النفي إلى أين؟قال:«ينفى من مصرٍ إلى مصرٍ آخر».

و الموثق الوارد في شأن نزول الآية صريح في التخيير،و جواز

ص:153


1- المفيد في المقنعة:804،الديلمي في المراسم:251،الحلّي في السرائر 3:505،الهداية:77،المقنع:152.
2- الشرائع 4:180.
3- الكافي 4:2/358،التهذيب 5:1147/333،الإستبصار 2:656/195،الوسائل 13:165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 1.
4- الكافي 7:5/246،التهذيب 10:529/133،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 2
5- الكافي 7:3/245،المقنع:152،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 3.
6- تفسير العيّاشي 1:93/315،الوسائل 28:312 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 9.

الاكتفاء بقطع المحارب خاصّة دون قتله و لو قَتَل،فقد دلّ على قطع النبي(صلّى اللّه عليه و آله) قوماً من بني ضبّة و قد قتلوا ثلاثة ممّن كان في إبل الصدقة مقتصراً عليه (1).

و قال الشيخ و الإسكافي و التقي و ابن زهرة و أتباع الشيخ كما في نكت الإرشاد و المسالك (2) بالترتيب قال في النكت:و ادّعوا عليه الإجماع،و هو ظاهر المصنف في التلخيص.

أقول:و نسب إلى الأكثر (3)،و لكن اختلفوا في كيفيته،ففي النهاية و المهذّب و فقه القرآن للراوندي (4)أنّه يقتل إن قتل،و لو عفا وليّ الدم قتل حدّا لا قصاصاً.

و لو قتل و أخذ المال استعيد منه عينه أو بدله و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى،ثم قتل و صلب و إن أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفاً و نُفي و لو جرح و لم يأخذ المال اقتصّ منه و نُفي و لو اقتصر على شهر السلاح مخيفاً نُفي لا غير .

و في التبيان و المبسوط و الخلاف (5):إن قَتَلَ قُتِلَ،و إن قَتَلَ و أخذ المال قُتِلَ و صُلب،و إن اقتصر على أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف،و إن اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي.

ص:154


1- الكافي 7:1/245،التهذيب 10:533/134،الوسائل 28:310 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 7.
2- الشيخ في النهاية:720،حكاه عن الإسكافي في المختلف:778،التقي في الكافي:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):584،غاية المراد 4:277،المسالك 2:449.
3- كشف اللثام 2:431.
4- النهاية:720،المهذّب 2:553،فقه القرآن 1:366.
5- التبيان 3:504،المبسوط 8:48،الخلاف 5:458.

و في المبسوط و الخلاف (1)أنّه ينفى على الأخيرين.

و في المبسوط (2)أنّه يتحتّم عليه القتل إذا قتل لأخذ المال،و أمّا إن قتل لغيره فالقود واجب غير متحتّم،أي يجوز لولي المقتول العفو مجاناً و على مال.

و في الوسيلة:لم يخل إمّا جنى جناية أو لم يجن،فإذا جنى جناية لم يخل إمّا جنى في المحاربة أو في غيرها،فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه و لا الصلح على مال،و إن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك، و إن لم يجن و أخاف و نُفي عن البلد و على هذا حتى يتوب،و إن جنى و جرح اقتصّ منه و نُفى عن البلد،و إن أخذ المال قطع يده و رجله من خلاف و نُفي،و إن قَتَلَ و غرضه في إظهار السلاح القتل كان ولي الدم مخيّراً بين القود و العفو و الدية،و إن كان غرضه المال كان قتله حتماً و صلب بعد القتل،و إن قطع اليد و لم يأخذ المال قطع و نُفي،و إن جرح و قتل اقتصّ منه ثم قتل و صلب،و إن جرح و قطع و أخذ المال جرح و قطع للقصاص أوّلاً إن كان قطع اليد اليسرى،ثم قطع يده اليمنى لأخذه المال،و لم يوال بين القطعين،و إن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصاً و رجله اليسرى لأخذ المال (3).انتهى.

و لم أجد حجّة على شيء من هذه الكيفيّات من النصوص،و إن دلّ أكثرها على الترتيب في الجملة،لكن شيء منها لا يوافق شيئاً منها،فهي شاذّة،مع ضعف أسانيدها جملة،و لذا اعترضها الماتن و جماعة (4)بأنّها

ص:155


1- المبسوط 8:48،الخلاف 5:458.
2- المبسوط 8:48.
3- الوسيلة:206.
4- الشرائع 4:181،المسالك 2:449،تلخيص الخلاف 3:258،المفاتيح 2:100،انظر مجمع الفائدة 13:294.

لا تنفكّ من ضعف في إسناد،أو اضطراب في متن،أو قصور في دلالة، فالأولى التمسك بظاهر الآية.

و هو حسن لولا الشهرة القديمة الظاهرة و المحكية في النكت و غيره (1)،و حكاية الإجماع المتقدمة الجابرة لضعف الروايات،مع مخالفتها لما عليه أكثر العامّة كما في النكت و يستفاد من بعضها،و لذا حمل الشيخ (2)الأخبار المخيِّرة على التقية.

و اختلاف الروايات في كيفية الترتيب إنّما يضعّف إثبات كيفية خاصّة منها،لا أصله في مقابلة القول بالتخيير بعد اتفاقها عليه.

مع أنّ من جملة ما يدل عليه بحسب السند صحيح،و فيه:سأل الصادق(عليه السّلام)رجل عن الآية،فقال:«ذاك إلى الإمام،يفعل ما يشاء» قال:

قلت:فمفوّض ذلك إليه؟قال:«لا،و لكن نحو (3)الجناية» (4).

و منه يظهر سهولة حمل الصحيح السابق (5)المخيِّر على الترتيب،كما لا يخفى على المنصف اللبيب،لكن ينافيه الخبر الوارد في شأن النزول لكنّه قاصر السند عن الصحة،فالقول بالترتيب أقرب إلى الترجيح.

و لكن يبقى الكلام في الكيفية،هل هي على ما في النهاية (6)،أو غيرها من كتب الجماعة؟و عدم المرجّح مع ضعف آحاد النصوص يقتضي

ص:156


1- غاية المراد 4:278،انظر مرآة العقول 23:384.
2- الإستبصار 4:257.
3- في«ح» و«س»،و«ن» و التهذيب:بحق.
4- الكافي 7:5/246،التهذيب 10:529/133،الوسائل 28:308 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 2.
5- في ص 152.
6- راجع ص 153.

التوقف فيها،و إن كان ما في النهاية لعلّه (1)أقرب و أولى؛ لشهرتها و قبول النصوص التنزيل عليها جمعاً.

و على التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قَتَل المحارب، فللإمام فيها أيضاً الاقتصار على النفي مثلاً،كما هو ظاهر المتن و غيره؟أم يتعيّن فيها اختيار القتل،كما صرّح به المفيد و كثير (2)؟وجهان،أجودهما:

الثاني،لكن قصاصاً لا حدّا،فلو عفا ولي الدم أو كان المقتول ممّن لا يقتصّ له من القاتل سقط القتل قصاصاً و ثبت حدّا،مخيّراً بينه و بين باقي الأفراد.

و لعلّه إلى هذا نظر شيخنا في الروضة حيث تنظّر فيما أطلقه الجماعة من تعيين القتل في تلك الصورة،فقال بعد نقل القول بالتخيير-:نعم،لو قتل المحارب تعيّن قتله و لم يكتف بغيره من الحدود،سواء قتل مكافئاً أم لا،و سواء عفا الولّي أم لا،على ما ذكره جماعة من الأصحاب،و في بعض أفراده نظر (3).انتهى.

و لكن الأحوط ما ذكروه،بل لعلّه المعيّن كما في الصحيح.

و لو تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة،و لو تاب بعد ذلك لم تسقط بلا خلاف كما في نظائره،و يدلُّ على الحكمين معاً هنا الآية،صريحاً في الأوّل و مفهوماً في الثاني،و نحوها بعض النصوص (4).

ص:157


1- ليست في«ب».
2- المفيد في المقنعة:805،الحلّي في السرائر 3:505،و العلّامة في المختلف:779،و الفاضل الجواد في مسالك الأفهام 4:212.
3- الروضة 9:296.
4- الكافي 7:13/248،التهذيب 10:535/135،الوسائل 28:310 أبواب حد المحارب ب 1 ح 6.

و أيضاً إنّ توبته قبل القدرة عليه بعيدة عن التهمة،بخلافها بعد ذلك، فإنّه متّهم بقصد الدفع،مضافاً فيه إلى استصحاب لزوم الحدّ.

و لم يسقط بالتوبة ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل و الجرح و المال في شيء من الحالين،بلا خلاف و لا إشكال؛ إذا لا مدخل للتوبة فيه،بل يتوقف على إسقاط المستحق.

و يصلب المحارب حيّاً إلى أن يموت على القول بالتخيير و اختاره الإمام؛ لأنّه أحد أفراد الحدّ و قسيم للقتل،و هو يقتضي كونه حيّاً.

و مقتولاً على القول الآخر المفصِّل؛ لأنّ صلبه على هذا القول على تقدير قتله و أخذه المال،و قد تقدم أنّه يقتل أوّلاً ثم يصلب.

و لا يجوز أن يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيّام من حين صلبه و لو ملفقة.

و الأصل فيه بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في الخلاف (1)النصوص،منها القويّان،أحدهما النبوي قولاً:«لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيّام حتى ينزل فيدفن» (2).

و نحوه الثاني المرتضوي فعلاً:«صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيّام،ثم أنزله يوم الرابع و صلّى عليه و دفنه» (3).

و في الصادقي:«المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام و يغسل و يدفن،و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام» (4).

ص:158


1- الخلاف 5:463.
2- الكافي 7:39/268،الوسائل 28:319 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:7/246،الفقيه 4:167/48،التهذيب 10:534/135،الوسائل 28:318 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 1.
4- الفقيه 4:166/48،الوسائل 28:319 أبواب حدّ المحارب ب 5 ح 3.

و للعامة قول بتركه حتى يسيل صديداً (1).

قيل:و الظاهر أنّ اللّيالي غير معتبرة،نعم تدخل اللّيلتان المتوسّطتان تبعاً للأيام؛ لتوقفها عليهما،فلو صُلِب أوّل النهار وجب إنزاله عشية الثالث،و يحتمل اعتبار ثلاثة أيّام بلياليها بناءً على دخولها في مفهومها (2).

و الأحوط الأوّل بناءً على عدم تحتّم الصلب ثلاثة و حرمته بعدها.

و ينزل بعد ذلك و يغسل و يحنّط على القول بصلبه حيّاً و كذا على غيره إن لم يؤمر بالاغتسال قبل قتله،و إن أُمِرَ به قبله أو قبل الصلب سقط وجوب غسله كما في نظائره.

و الفرق بين القولين على ما يفهم من ظاهر (3)الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)وجوب تقديم الغسل على الثاني،و عدمه على الأوّل.و وجهه غير واضح،و لذا سوّى بين القولين جماعة (5).

و كيف كان يجب أن يكفّن و يصلّى عليه و يدفن إذا كان مسلماً،بلا خلاف منّا،كما في النصوص المتقدّمة.

قيل:و للعامّة قول بأنّه لا يغسل و لا يصلّى عليه (6).

و حيث ينفى المحارب اختياراً أو حتماً ينفى بما هو الظاهر من معناه،المصرّح به في كلام الأصحاب،مدّعياً بعضهم (7)الإجماع عليه

ص:159


1- حكاه في الخلاف عن ابن أبي هريرة 5:463،و هو في المجموع 20:105.
2- الروضة 9:301.
3- ليست في«ب» و«س».
4- الشرائع 4:182،القواعد 2:272.
5- منهم الشهيد في الدروس 2:61،و الشهيد الثاني في المسالك 2:450،و صاحب المفاتيح 2:101.
6- حكاه في كشف اللثام 2:432،انظر المجموع 20:109.
7- انظر الخلاف 5:461.

و أكثر أخبار الباب،و هو أن يخرج عن بلده إلى غيره و يكتب إلى كلّ بلدٍ يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته و مشاربته و مجالسته،و معاملته حتى يتوب فإن لم يتب استمرّ النفي إلى أن يموت،و نفيه عن الأرض كناية عن ذلك.

و في رواية أنّ معناه إيداعه الحبس (1)،كما عليه بعض العامّة (2)، و ادّعى عليه الإجماع في الغنية (3)،لكن على التخيير بينه و بين المعنى المتقدّم.

و في اخرى أنّ معناه رميه في البحر ليكون عدلاً للقتل و الصلب و القطع (4).

قيل:و ينبغي حملها على ما إذا كان المحارب كافراً أو مرتدّاً عن الدين فيكون الإمام مخيّراً بين قتله بأيّ نحوٍ من الأنحاء الأربعة شاء،و أمّا إذا كان جانياً (5)مسلماً غير مرتدّ عن الدين فإنّما يعاقبه الإمام على نحو جنايته،و يكون معنى النفي ما سبق (6).و فيه نظر .

و اللصّ بالكسر واحد اللصوص،و هو السارق،و بالضم لغة محارب كما في الخبرين:«اللصّ محارب للّه تعالى و لرسوله(صلّى اللّه عليه و آله) فاقتله،فما دخل عليك فعليّ» (7).

ص:160


1- تفسير العيّاشي 1:91/314،الوسائل 28:311 أبواب حدّ المحارب ب 1 ح 8.
2- و هو أبو حنيفة.أحكام القرآن لابن العربي 2:600،المغني لابن قدامة 10:307،و الشرح الكبير 10:309.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- الكافي 7:10/247،الوسائل 28:317 أبواب حدّ المحارب ب 4 ح 5.
5- في«س»:خائناً.
6- مفاتيح الشرائع 2:100.
7- التهذيب 10:135،536/136،538،الوسائل 28:320 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 1،2.

و في ظاهر السرائر إجماعنا عليه،لكن قال:حكمه حكم المحارب (1).

و ظاهره الفرق بينهما،و عدم كونه محارباً حقيقةً،و عليه نبّه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،فقال فيها بعد قول المصنف:و اللصّ محارب-:

بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه و لو بالقتال،و لو لم يندفع إلّا بالقتل كان دمه هدراً،أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً،و إنّما أُطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص،نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا،و بذلك قيّده المصنف في الدروس،و هو حسن.انتهى.

و هو كذلك؛ لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سنداً عن إفادة الحكم مطلقا،مع اختصاص النصوص الواردة بحكم المحارب بمن جرّد سلاحاً أو حمله،فيرجع في غيره إلى القواعد المقرّرة.

أقول:و يعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل،و أنّ دمه هدر مطلقاً،بل قيّدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.

و كيف كان يجوز للإنسان دفعه عن نفسه مطلقاً،و كذا عن ماله إذا تغلّب عليه،و غلب على نفسه السلامة بل قالوا:يجب في الأوّل و لو ظنّ على نفسه التلف؛ لإطلاق النصوص،و وجوب حفظ النفس،و غايته العطب،و هو غاية عمل المفسد،فيكون الدفاع أرجح.

نعم لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب الحفظ،فيجب عيناً إن

ص:161


1- السرائر 3:507.
2- المسالك 2:450،الروضة 9:302،و هو في الدروس 2:59.

توقّف عليه،أو تخييراً إن أمكن به و بغيره.

و كذا في الثاني مع الاضطرار به و التضرر بفقده ضرراً يجب دفعه عقلاً.

قيل:أو كان المال لغيره أمانة في يده،و ربما وجب الدفع عنه مطلقاً من باب النهي عن المنكر (1).

و هو حسن مع عدم التغرير بالنفس،و إلّا فلا يجب،بل لا يجوز.

و الفرق بينه و بين النفس حيث يجب الدفع عنه مطلقا دون المال جواز المسامحة فيه بما لا يجوز التسامح به في النفس،و للصحيح (2)و غيره (3):«لو كنت أنا لتركت المال و لم أُقاتل».

قالوا:و يجب أن يقتصر في جميع ذلك على الأسهل،فإن لم يندفع به ارتقى إلى الصعب،فإن لم يندفع فإلى الأصعب.

و هو حسن اقتصاراً على ما تندفع به الضرورة،مع قصور النصوص المرخِّصة للمقاتلة على الإطلاق كما عرفته عن الصحة،فلا يخرج بها عن مقتضى القواعد المقرّرة.

فلو كفاه التنبيه على تيقّظه بتنحنح و نحوه اقتصر عليه إن خاف من الصياح أن يؤخذ فيقتل أو يجرح،و لو كفاه الصياح و الاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه،فإن لم يندفع به خاصمه باليد أو بالعصا،فإن لم يفد فبالسلاح.

ص:162


1- كشف اللثام 2:433.
2- الفقيه 4:205/68،الوسائل 28:383 أبواب الدفاع ب 4 ح 1.
3- الكافي 7:2/296،التهذيب 10:830/210،الوسائل 28:383 أبواب الدفاع ب 4 ح 2.

و لا ضمان على الدافع لو جنى على اللصّ في هذه المراتب.

و يذهب دم المدفوع و لو بالقتل هدراً إجماعاً ظاهراً و محكيّاً (1)،و النصوص به مستفيضة جدّاً،منها زيادةً على ما مضى الحسن:«أيّما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شيء عليه» (2).

و المرسل كالموثق،بل كالصحيح على ما قيل (3):«إذا دخل عليك اللصّ المحارب فاقتله،فما أصابك فدمه في عنقي» (4).

و الخبر:اللصّ يدخل في بيتي يريد نفسي و مالي،قال:«اقتل فاُشهد اللّه و من سمع أنّ دمه في عنقي» (5).

و في آخر:«إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك و مالك فإن استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه» (6).

و في غيره:«من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي» (7)هذا.

مضافاً إلى الأصل،مع اختصاص ما دلّ على الضمان بالجناية بحكم التبادر بها في غير مفروض المسألة،مع وقوعها بأمر الشارع فلا تستعقب

ص:163


1- كشف اللثام 2:433.
2- الكافي 7:1/290،الفقيه 4:233/75،التهذيب 10:813/206،الإستبصار 4:1055/278،الوسائل 29:59 أبواب القصاص في النفس ب 22 ح 1.
3- روضة المتقين 10:277.
4- الكافي 5:4/51،الوسائل 28:384 أبواب الدفاع ب 6 ح 1.
5- الكافي 7:5/297،التهذيب 10:829/210،الوسائل 28:382 أبواب الدفاع ب 3 ح 1.
6- التهذيب 10:538/136،الوسائل 28:320 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 2.
7- أمالي الطوسي:680،الوسائل 28:321 أبواب حدّ المحارب ب 7 ح 3.

ضماناً كما في سائر المواضع.

و كذا لو كابر امرأة أو جارية على نفسها،أو غلاماً ليفعل بهما محرّماً فدفعه كلّ منهم فأدّى الدفع إلى تلفه،أو دخل داراً فزجروه و لم يخرج،فأدّى الزجر و الدفع إلى تلفه،أو ذهاب بعض أعضائه لم يكن على الدافع ضمان لو راعى في الدفع ما مرّ،و المستند واحد.

مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:في رجل راود امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصاب (1)منه فقتل،قال:«ليس عليها شيء فيما بينها و بين اللّه عزّ و جلّ،و إن قدّمت إلى إمام عادل أهدر دمه» (2).

و في المرسل:عن الرجل يكون في السفر و معه جارية له،فيجيء قوم يريدون أخذ جاريته،أ يمنع جاريته من أن تؤخذ و إن خاف على نفسه القتل؟قال:«نعم» قلت:و كذلك إن كانت معه امرأة؟قال:«نعم»[قلت:] و كذلك الاُمّ و البنت و ابنة العمّ و القرابة يمنعهنّ و إن خاف على نفسه القتل؟ قال:«نعم» قلت:و كذلك المال يريدون أخذه في سفره فيمنعه و إن خاف القتل؟قال:«نعم» (3).

و ما فيه من جواز الدفع مع خوف التلف على النفس محمول على ما إذا لم يبلغ حدّ الظنّ، و ذلك لما عرفت من أنّه لو ظنّ العطب

ص:164


1- في غير«س»:فأصابت،و ما أثبتناه هو الأنسب كما في الكافي.
2- الكافي 7:2/291،الفقيه 4:424/122،التهذيب 10:814/206،الوسائل 29:61 أبواب القصاص في النفس ب 23 ح 1.
3- الكافي 5:5/52،الوسائل 15:122 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 12؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.

و الهلاك بالدفع سلّم المال و لم يجز له الدفع؛ حفظاً للنفس،مع ضعف هذا المرسل و معارضته بالصحيح و غيره المتقدّمين (1)الدالين على جواز ترك الدفاع في المال على الإطلاق.

و ظاهر العبارة اختصاص جواز الترك بالمال دون النفس و العرض، و أنّه يجب الدفع فيهما مطلقاً،و به صرّح الأصحاب في النفس،و تقدّم ما يدلّ عليه.

و أمّا في العرض مع ظنّ الهلاك فمحل نظر،بل الظاهر جواز الاستسلام حينئذٍ،كما صرّح به في التحرير و غيره (2)؛ لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض،كما يستفاد من جملة من الأخبار (3)الواردة في درء الحدّ عن المستكرهة على الزناء؛ معلّلةً بقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [1] (4).

و لو قتل الدافع كان كالشهيد في الأجر؛ للنصوص النبوية:«من قتل دون ماله» كما في بعض (5)،أو«دون عقال» كما في آخر (6)«فهو شهيد» كما فيهما،أو«بمنزلة الشهيد» كما في ثالث (7).

و إنّما يجوز الدفع إذا كان مقبلاً،فإذا ولّى فضربه كان ضامناً لما يجنيه

ص:165


1- في ص 161.
2- التحرير 2:234،روضة المتقين 10:47.
3- انظر الوسائل 28:110 أبواب حد الزنا ب 18.
4- البقرة:173.
5- الفقيه 4:828/272،الوسائل 15:122 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 13.
6- التهذيب 6:282/157،الوسائل 15:120 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 5؛ بتفاوت.
7- الكافي 5:3/52،التهذيب 6:319/167،الوسائل 15:121 أبواب جهاد العدو ب 46 ح 10.

اتفاقاً؛ إذ لا يجوز الضرب إلّا للدفع،و لا دفع مع الإدبار.

و لا يقطع المستلب و هو الذي يأخذ المال جهراً و يهرب،مع كونه غير محارب.

و لا المختلس و هو الذي يأخذ المال خفيةً من غير الحرز.

و لا المحتال على أموال الناس بالتزوير في الشهادة و الرسائل الكاذبة.

و لا المُبنِج قيل:هو من أعطى أحداً البنج حتى خرج من العقل ثم أخذ منه شيئاً (1).

و لا من سقى غيره مُرقداً أي مُنَوّماً فأخذ منه شيئاً،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2).

للأصل،و خروجهم عن نصوص السرقة و المحارب؛ لعدم صدق تعريفهما عليهم،كما ظهر من تعريفهما و تعريفهم.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأوّلين،منها الصحيح:في رجل اختلس ثوباً من السوق،فقالوا:قد سرق هذا الرجل،فقال:«إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة،و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفي» (3).

و الموثّق:«لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أُعزّره» (4)و نحوهما كثير من الأخبار.

و يستفاد منها تفسير المختلس بما مرّ في تفسير المستلب،كما في

ص:166


1- الروضة 9:305،مجمع الفائدة 13:291.
2- كشف اللثام 2:433.
3- الكافي 7:2/226،التهذيب 10:453/114،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 2.
4- الكافي 7:1/225،التهذيب 10:454/114،الوسائل 28:268 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 1.

السرائر و عن النهاية و المهذّب (1).

قيل:و لعلّه أُريد به ما يعمّ المستلب (2)،و ما ذكرناه في تفسيره أشهر بين الفقهاء،و به صرّح في مجمع البحرين (3).

و في الخبر:«ليس على الذي يستلب قطع» (4).

بل يستعاد منهم ما أخذوا و يعزَّرون بما يردعهم و يزجرهم؛ لفعلهم المحرّم،و النصوص،منها زيادةً على ما مرّ الخبر:« اتي عليه السلام برجل اختلس درّة من اذن جارية،فقال:هذه الدغارة المعلنة فضربه و حبسه» (5).

و في آخر:«من سرق خلسة اختلسها لم يقطع،و لكن يضرب ضرباً» (6).

و أمّا ما في الصحيح من قطع الكاذب في الرسالة (7)،فمحمول إمّا على ما ذكره الشيخ من كون القطع للإفساد لا للسرقة (8).و فيه مناقشة للتعليل بها في آخر الرواية.أو على أنّه قضية في واقعة ثبت القطع فيها بالمصلحة،و إلّا فالرواية شاذّة،لا عامل بها بالكلية،مخالفة للأُصول كما عرفته.

ص:167


1- السرائر 3:512،النهاية:722،المهذّب 2:554.
2- كشف اللثام 2:433.
3- مجمع البحرين 4:66.
4- الكافي 7:3/226،التهذيب 10:451/114،الإستبصار 4:924/244،الوسائل 28:270 أبواب حدّ السرقة ب 13 ح 1.
5- الكافي 7:7/226،التهذيب 10:450/114،الوسائل 28:269 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 4.
6- الكافي 7:4/226،التهذيب 10:452/114،الوسائل 28:269 أبواب حدّ السرقة ب 12 ح 5.
7- الكافي 7:1/227،الفقيه 4:144/43،التهذيب 10:426/109،علل الشرائع:4/535،الوسائل 28:273 أبواب حدّ السرقة ب 15 ح 1.
8- الاستبصار 4:243.

الفصل السابع في إتيان البهائم و وطء الأموات،و ما يتبعه

الفصل السابع في بيان حدّ إتيان البهائم و وطء الأموات،و ما يتبعه من الأحكام،و حدّ الاستمناء.

اعلم أنّه إذا وطئ البالغ العاقل المختار بهيمةً مأكولة اللحم أي مقصودةً بالأكل عادةً كالشاة و البقرة و نحوهما ممّا يسمّى في العرف بهيمة،دون نحو الطير ممّا لم يسمّ بها فيه و إن سمّي بها لغةً،كما عن الزجّاج،حيث قال:هي ذات الروح التي لا تميّز،سمّيت بذلك لذلك (1).

و ذلك للأصل،و عدم انصراف الإطلاق إلى المستثنى بحكم العرف المرجّح على اللغة حيث حصل بينهما معارضة،مع أنّه ذكر جماعة (2)أنّها لغةً ذات الأربع من حيوان البرّ و البحر،و هو الموافق للعرف حرم لحمها و لحم نسلها و لبنهما.

و لو اشتبهت الموطوءة في قطيع محصور قسّم نصفين و أُقرع (3) بينهما،بأن يكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما،ثم يخرج على ما فيه المحرّم،فإذا خرج أحد النصفين قسّم كذلك و أُقرع، و هكذا حتى تبقى واحدة،ف يعمل بها ما يعمل بالمعلومة ابتداءً،و هو

ص:168


1- معاني القرآن 2:141.
2- منهم الطبرسي في مجمع البيان 2:151،الشهيد الثاني في الروضة 9:306 المصباح المنير:65،مجمع البحرين 6:19.
3- في المختصر المطبوع:أفرغ.

أن تذبح و تحرق،و يغرم الواطئ قيمتها يوم الوطء إن لم تكن له و لو كان المهمّ و المقصود منها ظهرها،كالبغل،و الحمار، و الدابّة،اغرم ثمنها إن لم تكن له أو مطلقاً،على اختلاف القولين الآتيين في التصدق به أو ردّه على الواطئ،و إنّما ذكر الشرط على مذهبه.

و أُخرجت إلى غير بلده الذي فعل فيه و بيعت وجوباً.

بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1).

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح و غيره:«إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت،فإذا ماتت أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها،و ضرب هو خمسة و عشرين سوطاً ربع حدّ الزاني،و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أُخذ ثمنها منه و دفع إلى صاحبها و ذبحت و أُحرقت بالنار و لم ينتفع بها،و ضرب خمسة و عشرين سوطاً» فقلت:و ما ذنب البهيمة؟قال:«لا ذنب لها،و لكن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فعل هذا و أمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل» (2).

و في الموثّق:عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو ناقة أو بقرة،قال:فقال:

«عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ،ثم ينفى من بلاده إلى غيرها» و ذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم و لبنها (3).

ص:169


1- انظر المبسوط 8:7،الخلاف 5:373،المفاتيح 2:79،كشف اللثام 2:410.
2- الكافي 7:3/204،التهذيب 10:218/60،الإستبصار 4:831/222،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 1.
3- الكافي 7:2/204،التهذيب 10:219/60،الإستبصار 4:832/223،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 2.

و في الحسن:في الرجل يأتي البهيمة،قال:«يجلد دون الحدّ، و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه،و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه،و إن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحدّ، و أخرجها من المدينة التي فعل بها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف،فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها» (1).

و به يقيّد إطلاق ما مرّ من الصحيح و غيره بحملها على مأكولة اللحم.

و هذه النصوص و إن كان ليس في شيء منها ما يدل على تحريم النسل صريحاً إلّا أنّه و تحريم اللبن أيضاً مستفاد من النهي عن الانتفاع بها في جملة منها،و عمومه يستلزم تحريمهما جدّاً.

و في الخبر بل الصحيح كما قيل (2)،و لا يبعد المروي في التهذيب في أواخر كتاب الصيد و الذبائح:عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة،قال:

«إن عرفها ذبحها و أحرقها،و إن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً،حتى يقع السهم بها،فتذبح،و تحرق،و قد نجت سائرها» (3).

و المذكور فيه كما ترى:«قسّمها نصفين أبداً» كما في العبارة و غيرها، و أكثر العبارات خالية عنه.

و في القواعد و التحرير (4):قسّم قسمين.و هو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف،إلّا أن يحمل عليه بقرينة النصّ الذي هو المستند في هذا الحكم

ص:170


1- الكافي 7:1/204،الفقيه 4:99/33،التهذيب 10:220/61،الاستبصار 4:833/223،علل الشرائع:3/538،المقنع:147،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.
2- ملاذ الأخيار 14:203.
3- التهذيب 9:182/43،الوسائل 24:169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 1.
4- القواعد 2:157،التحرير 2:226.

المخالف للأصل المقرّر في شبهة المحصور من وجوب اجتناب الجميع و لو من باب المقدمة،و للأخبار المخالفة له فيها أيضاً؛ لدلالتها على حلّ الجميع ما لم يعرف الحرام بعينه.

و يشكل التنصيف لو كان العدد فرداً،و على النصّ يجب التنصيف ما أمكن،و المعتبر منه العدد لا القيمة،فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.

و في لزوم الصدقة بثمنها الذي بيعت به على الفقراء و المساكين كما عن المفيد و ابن حمزة (1)،أم دفعه إلى الواطئ كما عن الشيخ و الحلّي (2) قولان و وجّه الأوّل لعدم النص عليه بكون ذلك عقوبة على الجناية،فلو أُعيد إليه الثمن لم يحصل العقوبة،و لتكون الصدقة مكفّرةً للذنب.

و فيه نظر؛ لأنّ العقوبة بذلك غير متحقق،بل الظاهر خلافها؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا يعرف فيه كيلا يعيّر بها،و عقوبة الفاعل حاصلة بالتعزير،و تكفير الذنب متوقّف على التوبة،و هي كافية.

و وجه الثاني:أصالة بقاء الملك على مالكه و البراءة من وجوب الصدقة،و الأخبار خالية عن تعيين ما يصنع به،و كذا عبارة جماعة من الأصحاب.

و لذا قال الماتن هنا و في الشرائع (3)و عامة المتأخرين:إنّ الأشبه بأُصول المذهب أنّه يعاد إليه و هذا الأصل في محلّه إن كان

ص:171


1- المفيد في المقنعة:790،ابن حمزة في الوسيلة:415.
2- الشيخ في النهاية:709،الحلّي في السرائر 3:469.
3- الشرائع 4:187.

الفاعل هو المالك،و إن كان غيره فالظاهر أنّ تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة،و إلّا لبقي الملك بغير مالك،أو جمع للمالك بين العوض و المعوّض عنه،و هو غير جائز.

و في بعض الروايات«ثمنها» (1)كما عبّر به الماتن و كثير (2)،و هو عوض المثمن المقتضي لثبوت معاوضة،و الأصل فيها رجوع كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر،و لعلّه السرّ في تخصيصهم لهذه العبارة.

و في بعض الروايات«قيمتها» (3)و هو عوض أيضاً،و بذلك صرّح الشهيدان في النكت و الروضة (4).

و يعزّر الواطئ بما يراه الحاكم على التقديرين أي سواء قلنا بالتصدق أو بالردّ على الواطئ،كما هو ظاهر العبارة،أو سواء وطئ مأكولة اللحم أو غيرها،كما هو مقتضى النصوص و الفتاوي،من غير خلاف بينهما في ثبوت العقوبة على الواطئ مطلقاً،و إن اختلفت في تقديرها بما ذكرناه كما هو ظاهر أكثرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، و من النصوص عليه زيادةً على ما مضى الخبران،بل الصحيحان كما قيل (5):في رجل يقع على البهيمة،قال:«ليس عليه حدّ و لكن يضرب

ص:172


1- الكافي 7:3/204،التهذيب 10:218/60،الإستبصار 4:831/222،الوسائل 28:357 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 1.
2- انظر الشرائع 4:187،النهاية:709،الوسيلة:415.
3- الكافي 7:1/204،الفقيه 4:99/33،التهذيب 10:220/61،الاستبصار 4:833/223،علل الشرائع:3/538،المقنع:147،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.
4- غاية المراد 4:298،الروضة 9:307.
5- لم نعثر عليه.

تعزيراً» (1).

و نحوهما المروي عن قرب الإسناد،و فيه:«لا رجم عليه و لا حدّ، و لكن يعاقب عقوبة موجعة» (2).

أو بخمسة (3)و عشرين سوطاً ربع حدّ الزاني،كما في الصحيح المتقدم و تاليه.

أو بتمام حدّ الزاني،كما في الصحيح (4)و غيره (5).

أو بالقتل مطلقا،كما فيهما (6).

و الأقوى ما ذكرناه؛ لشهرة ما دلّ عليه نصّاً و فتوى،و قصور المقابل له من وجوه شتّى،مع مخالفة بعضها بعضاً.

و جمع الشيخ (7)بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل

ص:173


1- أحدهما في:التهذيب 10:221/61،الإستبصار 4:834/223،الوسائل 28:358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:222/61،الإستبصار 4:835/223،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 5.
2- قرب الإسناد:350/104،الوسائل 28:361 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 11.
3- في«ح» و«س» و«ن»،و نسخة من«ب»:بسبعة،و الظاهر ما أثبتناه كما تقدّم في الصحيح المتقدم و تاليه في ص 168.
4- التهذيب 10:225/61،الإستبصار 4:838/224،الوسائل 28:360 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 8.
5- التهذيب 10:225/62،الإستبصار 4:840/224،الوسائل 28:360 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 9.
6- الأول في التهذيب 10:223/61،الإستبصار 4:836/224،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 6. الثاني في:التهذيب 10:226/62،الإستبصار 4:839/224،الوسائل 28:359 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 7.
7- التهذيب 10:62،الاستبصار 4:224،225.

دون الإيلاج،و الحدّ إذا أولج حدّ الزاني،و هو الرجم أو القتل إن كان محصناً،[و الجلد (1)]إن لم يكن محصناً.

أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرّر منه الفعل ثلاثاً مع تخلّل التعزير؛ لما روي من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين (2).و فيهما بعد.

و يمكن حمل ما تضمن منها على حدّ الزاني على التقية،كما ذكره أيضاً،فقال بعد ذكر الوجه الأوّل:و يمكن على هذا الوجه إن كان مراداً بهذه الأخبار أن تكون خرجت مخرج التقية؛ لأنّ ذلك مذهب العامّة؛ لأنّهم يراعون في كون الإنسان زانياً إيلاج فرج في فرج،و لا يفرّقون بين الإنسان و غيره من البهائم (3).

و أشار بهذه الأخبار إلى الأخبار الأربعة الأخيرة.

و يثبت موجب هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار و لو مرّة وفاقاً للمشهور؛ عملاً بالعمومات.

خلافاً للحلّي و ابن حمزة (4)،فاشترطا الإقرار مرّتين،و يظهر من المختلف الميل إليه (5).

و لم نعرف له مستنداً،إلّا أن يكون الاستقراء،و لا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً،و يحتمل مطلقاً؛ لإيراثه الشبهة الدارئة لا أقلّ منها،فتأمّل جدّاً .

ص:174


1- في النسخ:و الحدّ،و الأنسب ما أثبتناه كما في الاستبصار.
2- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1.
3- الاستبصار 4:224.
4- الحلّي في السرائر 3:468،ابن حمزة في الوسيلة:415.
5- المختلف:767.

هذا بالنسبة إلى العقوبة،و أمّا بالنسبة إلى باقي الأحكام فالظاهر ثبوته بالإقرار مرّة إذا كانت الدابة لنفسه،و إلّا فلا يثبت بإقراره و إن تكرّر سوى ما يتعلّق به من التعزير دون التحريم و البيع؛ لأنّه متعلّق بحق الغير،فلا يسمع،إلّا أن يصدِّقه المالك،فيثبت باقي الأحكام؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذٍ.

و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات للأصل،و الشبهة (و العمومات) (1).

و لو تكرّر الوطء مع التعزير ثلاثاً قتل في الرابعة أو الثالثة،على الخلاف المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

و وطء المرأة الميتة كوطء الحيّة في الحدّ و اعتبار الإحصان و غير ذلك،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في ظاهر بعض العبارات (2)، و هو الحجة.

مضافاً إلى كونه زناءً إجماعاً كما في الانتصار و السرائر (3)،فيدخل في عموم ما دلّ على أحكامه.

و لأنّ حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً،كما ورد في النصوص عموماً و خصوصاً،و منه الخبر:في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها،قال:

«إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ،تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب،و يقام عليه الحدّ في الزناء،إن أُحصن رُجم،و إن لم يكن أُحصن جُلد مائة» (4).

ص:175


1- ليست في«ن».
2- كشف اللثام 2:410.
3- الانتصار:254،السرائر 3:468.
4- الكافي 7:2/228،الفقيه 4:189/52،التهذيب 10:229/62،الوسائل 28:361 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 1.

و بالجملة:لا فرق بين وطئها حيّةً و ميتةً في الحدّ و غيره و لكن يغلظ في العقوبة هنا (زيادةً على الحدّ) (1)اتفاقاً ظاهراً،مصرّحاً به في كلام بعض أصحابنا (2)؛ لأنّ الفعل هنا أفحش قطعاً،و ورد به المرسل كالموثّق صريحاً:في الذي يأتي المرأة و هي ميتة،قال:«وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها و هي حيّة» (3).

و لو كانت زوجت ه أو أمته المحلّلة له فلا حدّ عليه و لكن يعزّر كما قطع به الأكثر،بل لم أجد خلافاً فيه؛ لسقوط الحدّ بالشبهة و بقاء علاقة الزوجية.

و عليه يحمل إطلاق الخبر:عن رجل زنى بميتة،قال:«لا حدّ عليه» (4).

و ربما حُمل على الإنكار،و على ما دون الإيلاج كالتفخيذ و نحوه.

و أمّا ثبوت التعزير فلانتهاكه حرمتها كما قالوا،و ظاهرهم الاتفاق على حرمة وطئها بعد الموت.

و لا يثبت إلّا بأربعة شهود ذكور عدول،وفاقاً للمشهور،بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين؛ لأنّه زناء في الجملة،بل أفحش كما عرفته، فيتناوله عموم أدلّة توقف ثبوته على الأربعة؛ لأنّ شهادة الواحد قذف، و لا يندفع حدّه إلّا بكمال أربعة شهود.

ص:176


1- ما بين القوسين أثبتناه من«ح».
2- كشف اللثام 2:410.
3- التهذيب 10:230/63،الإستبصار 4:843/225،الوسائل 28:362 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 2.
4- التهذيب 10:231/63،الإستبصار 4:844/225،الوسائل 28:362 أبواب نكاح البهائم ب 2 ح 3.

خلافاً للشيخين و ابن حمزة و جماعة (1)،فقالوا:يثبت بشهادة عدلين؛ لأنّها شهادة على فعل واحد يوجب حدّا واحداً،كوطء البهيمة، بخلاف الزناء بالحيّة،فإنّه يوجب حدّين،فاعتبر فيه الأربعة لأنّها شهادة على اثنين.

و استندوا في هذا التعليل إلى رواية إسماعيل بن أبي حنيفة،عن أبي حنيفة قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان،و الزناء لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود،و القتل أشدّ من الزناء؟ فقال:«لأنّ القتل فعل واحد،و الزناء فعلان،فمن ثمّ لا يجوز إلّا أربعة شهود:على الرجل شاهدان،و على المرأة شاهدان» (2).

و لعلّ هذه الرواية مراد الماتن بقوله: و في رواية أنّه يكفي اثنان؛ لأنّها شهادة على فعل واحد و إلّا فلم نقف على رواية خاصّة تدل على ذلك صريحاً و لا ظاهراً سواها،و هي قاصرة السند كما ترى،و إن اعتبرت برواية البزنطي المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن راويها، مضعَّفة التعليل بانتقاضه بالوطء الإكراهي و الزناء بالمجنونة،فإنّهما كذلك مع اشتراط الأربعة فيهما إجماعاً.

فالمتحقق اعتبار الأربعة من غير تعليل،بل في كثير من النصوص ما ينافي تعليله و إن توقف الزناء على الأربعة و القتل على اثنين،مع أنّه أعظم دليل على بطلان القياس.

ص:177


1- المفيد في المقنعة:790،الطوسي في النهاية:708،ابن حمزة في الوسيلة:415؛ يحيى بن سعيد في الجامع:556،العلّامة في المختلف:767.
2- الكافي 7:7/404،التهذيب 6:760/277،الوسائل 29:137 أبواب دعوى القتل ب 1 ح 1.

فالقول الأوّل أقرب إلى الترجيح،سيّما مع اعتضاده بالشبهة الدارئة للحدّ.

و اعلم أنّ الإقرار هنا تابع للشهادة بلا خلاف،فمن اعتبر فيها أربعاً اعتبره فيه أيضاً،و من اكتفى بالاثنين اكتفى بهما في المقامين.

و من لاط بميت كان كمن لاط بحيّ سواء في الحدّ و لكن يعزّر هنا زيادةً على الحدّ المقرّر له من القتل أو الجلد، بلا خلاف؛ لما مرّ في سابقه؛ لأنّهما من باب واحد،بل ثبوت ما فيه هنا أولى كما لا يخفى.

و من استمنى أي استدعى إخراج المني بيده أو بشيء من أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة و الأمة المحلّلة له عزّر بما يراه الإمام و الحاكم،لفعله المحرّم؛ إجماعاً،و لقوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ [1] إلى قوله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [2] (1)فهذا الفعل ممّا وراء ذلك.

و به صرّح مولانا الصادق(عليه السّلام)حيث سئل عن الخضخضة،فقال:«اثم عظيم،و قد نهى اللّه تعالى عنه في كتابه،و فاعله كناكح نفسه،و لو علمت بما يفعله ما أكلت معه» فقال السائل:فبيّن لي يا بن رسول اللّه من كتاب اللّه تعالى فيه،فقال:«قول اللّه عزَّ و جلَّ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [3] و هو ممّا وراء ذلك» الخبر.رواه في الوسائل عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره،عن أبيه،عنه(عليه السّلام) (2).

ص:178


1- المؤمنون:5 7.
2- هذا الحديث ساقط عن كتاب النوادر المطبوع،و هو موجود في الحجريّ منه الملحق بكتاب فقه الرضا(عليه السّلام):62،الوسائل 28:364 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 4.

و في الصحيح:عن الخضخضة،فقال:«من الفواحش» (1).

و في الموثق:عن الرجل ينكح البهيمة أو يدلك،فقال:«كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا و شبهه زناء» (2).

و المراد بكونه زناءً أي في التحريم لا الحدّ،إجماعاً فتوًى و نصّاً، ففي الخبر:«اتي علي(عليه السّلام)برجل عبث بذكره حتى أنزل،فضرب يده بالدرّة حتى احمرّت» و لا أعلمه إلّا قال:«و زوجه من بيت مال المسلمين» (3)و قريب منه آخر (4).

و في الصحيح:عن الرجل يعبث بيديه حتى ينزل،قال:«لا بأس به و لم يبلغ ذلك شيئاً» (5).

و نحوه الخبر:عن الدلك،قال:«ناكح نفسه و لا شيء عليه» (6).

و حُملا على نفي الحدّ،لا التعزير؛ جمعاً.و ليس في فعل علي(عليه السّلام) ما مرّ في الخبرين ما يدل على أنّه تعزيره مطلقاً،بل يحتمل الاختصاص بالقضية التي فعله فيها،و الفعل ليس عامّاً.

و يثبت هذا الفعل بشهادة عدلين،أو الإقرار مرّتين بلا خلاف؛ لما مرّ في نظائره.

ص:179


1- الكافي 5:1/540،الوسائل 20:353 أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 5.
2- الكافي 5:3/540،الوسائل 20:355 أبواب النكاح المحرّم ب 30 ح 2.
3- التهذيب 10:233/64،الإستبصار 4:846/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 2.
4- الكافي 7:25/265،التهذيب 10:232/63،الإستبصار 4:845/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:234/64،الإستبصار 4:847/226،الوسائل 28:363 أبواب نكاح البهائم ب 3 ح 3.
6- الكافي 5:2/540،الوسائل 20:353 أبواب النكاح المحرّم ب 28 ح 6.

و لو قيل يكفي الإقرار مرّة كما عليه الأكثر كان حسناً لعموم الخبر،إلّا ما أخرجه الدليل من اعتبار العدد،و هو هنا منفي.

و قال الحلّي:يثبت بالإقرار مرّتين (1).و ظاهره أنّه لا يثبت بدونه، و لا يخلو عن وجه كما مرّ،سيّما مع حصول الشبهة بالاختلاف،فيدرأ بها الحدّ،فتأمّل.و الحمد للّه تعالى.

ص:180


1- السرائر 3:471.

كتاب القصاص

اشارة

كتاب القصاص بالكسر،و هو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل،أو قطع،أو ضرب،أو جرح،واصلة اقتفاء الأثر،يقال:قصّ أثره،إذا تبعه،فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله.

و هو إمّا في النفس و إمّا في الطرف فالكلام في هذا الكتاب يقع في قسمين:

القسم الأول:

في

القسم الأول في قصاص النفس(القود)

الموجب

اشارة

القود في النفس،و هو بفتح الواو القصاص،يقال:أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به،و سمّي قوداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل أو غيره،قاله الأزهري (1).

و موجبه إزهاق البالغ العاقل أي إخراجه النفس المعصومة التي لا يجوز إتلافها المكافأة لنفس المزهق لها في الإسلام،و الحرّية، و غيرهما من الاعتبارات الآتية عمداً قيد في الإزهاق،أي إزهاقها في حالة العمد.

و زاد جماعة قيد العدوان،محترزين به عن نحو المقتول قصاصاً، فإنّه يصدق عليه التعريف لكن لا عدوان فيه،فخرج به.

ص:181


1- تهذيب اللغة 9:247،248.

و لعلّه مستغنى عنه؛ لإمكان إخراجه (1)بقيد المعصومة،فإنّ غير المعصوم أعمّ من كونه بالأصل كالحربي،و العارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص،فلا احتياج إلى الزيادة كما فعلوه.

إلّا أن يراد بالمعصومة في كلامهم ما لا يباح إزهاقها للكلّ،و بالقيد الزائد إخراج ما يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخر،فإنّ القاتل معصوم بالنسبة إلى غير وليّ القصاص.

و الأصل في هذه القيود يظهر من القول الآتي في الشروط، فلا احتياج إلى ذكره هنا.

و يتحقّق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل و لو نادراً إذا اتفق القتل به،كما هنا و في الشرائع،و كتب الفاضل،و محتمل السرائر،و صريح الفاضل المقداد في الكنز و شرح الكتاب،و عن ابن حمزة،و هو ظاهر الغنية نافياً الخلاف عنه،و عليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه،و غيره من المتأخّرين (2)،و لعلّه عليه عامّتهم،بل لم أجد الخلاف فيه و إن نقلوه.

نعم ظاهر اللمعة (3)التردّد فيه،حيث نسب ما في العبارة إلى القيل، مشعراً بتمريضه،أو متردّداً فيه،و لعلّه ينشأ:

من أنّ العمد يتحقق بقصد القتل لغةً و عرفاً من غير نظر إلى الآلة، فيدخل في عموم أدلّة العمد.

ص:182


1- في«ب»:خروجه.
2- الشرائع 4:195،القواعد 2:277،التحرير 2:240،السرائر 3:321،كنز العرفان 2:366،التنقيح 4:405،ابن حمزة في الوسيلة:431،الغنية(الجوامع الفقهية):619،المسالك 2:456،الروضة 10:16،المهذب البارع 5:143،مجمع الفائدة 13:372.
3- اللمعة(الروضة 10):16.

مضافاً إلى ظاهر المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إنّ العمد كلّ من اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة،أو بحجر،أو بعصاً،أو بوكزة،فهذا كلّه عمد،و الخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره» (1).

و قريب منه الصحيح الآخر:«إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (2).

(و المرسل كالصحيح بابن أبي عمير،عن جميل بن دراج:«قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب ففيه القود،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (3)) (4).

(و نحوه المرسل الآخر المروي عن تفسير العياشي:« كلما أُريد به ففيه القود،و إنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره» (5)) (6).

و نحوه الخبر الآخر المروي عنه أيضاً (7)،إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على القول الأول عموماً،بل ظهوراً في بعضها.

و من الاحتياط،و أنّه لمّا لم يكن الآلة مما يقتل عادةً فمجامعة القصد معها كالقصد بلا ضرب.

ص:183


1- الكافي 7:2/278،التهذيب 10:622/155،الوسائل 29:36 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3.
2- الكافي 7:3/278،التهذيب 10:627/156،الوسائل 29:35 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 1.
3- الكافي 7:1/278،التهذيب 10:623/155،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6.
4- ما بين القوسين ساقط من«س».
5- تفسير العيّاشي 1:223/264،الوسائل 29:40 أبواب القصاص ب 11 ح 16.
6- ما بين القوسين ساقط من«ن».
7- تفسير العياشي 1:223/264،الوسائل 29:40 أبواب القصاص ب 11 ح 16.

مضافاً إلى المعتبرة الأُخر المستفيضة،منها زيادةً على النصوص الدالّة على عدم العمد بضرب الرجل بالعصا أو الحجر بضربة واحدة فمات بها قبل أن يتكلم (1)الموثق:أرمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال:«هذا خطأ إلى أن قال-:و العمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله» (2).

و الصحيح و المرسل:«الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسيف (3)أو بالعصا أو بالحجارة،إنّ دية ذلك تغلظ،و هي مائة من الإبل» (4).

مع إمكان الجواب عن النصوص المتقدمة بحمل العمد فيها على ما يشمل شبه العمد؛ لمقابلته بالخطإ المحض.

و فيه:أنّه معارض بإمكان حمل الأخبار الأخيرة على صورة عدم القصد إلى القتل،كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلّا نادراً،مع ضعف الشاهد على الحمل الأوّل بتضمن جملة منها التصريح بالقود في العمد،و هو لا يجامع حمله على شبه العمد،أو ما يعمّه،هذا.

مع أنه لا داعي إلى هذا الحمل سوى الاحتياط الغير اللازم مراعاته بعد قيام الدليل من العمومات و النصوص الصحيحة الظاهرة على خلافه،

ص:184


1- الكافي 7:9/280،التهذيب 10:628/157،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5.
2- الكافي 7:10/280،التهذيب 10:631/157،الوسائل 29:37 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7.
3- كذا في النسخ،و سيأتي كلامه(رحمه اللّه)فيه قريباً،و في المصادر:بالسوط،و هو الصحيح.
4- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11.

و التعليل بعده في غاية من الضعف،سيّما في مقابلتها.

و النصوص المعارضة مع ضعف دلالتها جملةً كما عرفته أكثرها ضعيفة السند،و المعتبرة منها بحسبه غير مكافئة للأدلّة من وجوه عديدة، مع مخالفة الصحيح منها و ما في معناه للإجماع ظاهراً؛ لجعلهما القتل بالسيف من قسم شبه العمد مطلقاً،و لا قائل به مطلقاً و لو لم يقصد القتل به؛ لكونه ممّا يقتل غالباً،و لا خلاف بينهم في أنّ القتل بمثله عمد مطلقاً، كما أشار إليه الماتن بقوله:

أو القتل بما يقتل غالباً فإنّه عمد و إن لم يقصد القتل بل قصد الفعل خاصّة،و يفهم من الغنية (1)دعوى الإجماع عليه.

و يعضده المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتى قتل،أ يدفع إلى أولياء المقتول؟قال:«نعم، و لكن لا يترك يعبث به،و لكن يجاز عليه» (2)و بمعناه غيره (3)،و فيها الصحيح أيضاً و غيره.

و هي كما ترى عامّة لصورتي قصد القتل بذلك الضرب و عدمه،من حيث ترك الاستفصال،و لا ريب أنّ مثل الضرب الواقع فيها ممّا يقتل غالباً.

و علّل مع ذلك بأنّ القصد إلى الفعل حينئذٍ كالقصد إلى القتل.و هو

ص:185


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- الفقيه 4:238/77،التهذيب 10:632/157،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 12. و المراد ب« يجاز عليه» الإجهاز و الإسراع في قتله،من أجاز يجيز.راجع القاموس المحيط 2:177.
3- الكافي 7:6/279،التهذيب 10:629/157،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 10.

حسن،و بموجب ذلك يترجّح القول الأوّل.

و لو قتل بما لا يقتل غالباً و لم يقصد القتل به،بل قصد الفعل خاصّة فاتفق قتله به ف الأظهر الأشهر كما هنا و في المسالك (1) أنّه خطأ شبيه عمد،و عليه عامّة من تأخّر،حتى الشهيد في اللمعة (2)، بل عليه الإجماع في الغنية (3)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدّمة سنداً للقول الثاني في المسألة السابقة، و منها أخبارها المنجبرة هنا بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المزبورة، مع وضوح الدلالة من غير جهة الإطلاق،و هو ظهورها في صورة عدم القصد إلى القتل بمقتضى ما عرفت من كونها الغالب من أفراد إطلاقها، و بموجب ذلك تترجّح على المعتبرة المقابلة لها في الصورة السابقة، الشاملة بإطلاقها أو عمومها لمفروضنا هنا،فتقيد أو تخصّص بها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (4)،فعمد كالسابق،إمّا مطلقا،كما حكاه عنه جماعة (5)،أو في الأشياء المحدّدة خاصّة،كما حكاه عنه بعض الأجلة (6).

و مستنده غير واضح،عدا النصوص التي عرفت جوابها،مع شذوذها بإطلاقها لو صحّ النقل الثاني،فلا بدّ من تقييدها اتفاقاً على هذا التقدير،إمّا بحملها على صورة القصد إلى القتل أيضاً،كما عليه الأصحاب،أو ما إذا

ص:186


1- المسالك 2:456.
2- اللمعة(الروضة 10):17.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- المبسوط 7:115.
5- المهذب البارع 5:145،المسالك 2:456،مجمع الفائدة 13:373.
6- كشف اللثام 2:439.

كانت الآلة محدّدة خاصّة،كما عليه شيخنا،و ليس هذا التقييد أولى من سابقه،بل هو أولى؛ لما عرفت من الأدلّة المرجّحة لقولنا.

و مثال الفرض كالضرب بالحصاة الصغار و العود الخفيف و نحوهما في غير مقتل بغير قصد القتل؛ لانتفاء القصد إلى القتل،و انتفاء القتل بمثل ذلك عادةً.

أمّا الرمي بالحجر الغامز أي الكابس على البدن لثقله و السهم المحدّد،فإنّه يوجب القود لو قتل مطلقا،و لو لم يقصد القتل به بعد أن قصد به المقتول و كذا لو ألقاه في النار فمات منها أو ضربه بعصا مكرّراً ما لا يحتمله مثله أي مثل المقتول بالنسبة إلى بدنه لصغره،أو مرضه،و زمانه لشدّة الحرّ أو البرد فمات،أو ألقاه إلى الحوت فابتلعه،أو إلى الأسد فافترسه فجميع ذلك عمد يوجب القود لأنّه كالآلة للقتل عادةً يوجبه غالباً و إن لم يكن مقصوداً.

و لا خلاف في شيء من ذلك ظاهراً،و قد مرّ من النصوص ما يدل على الحكم في الضرب بالعصا مكرّراً.

و نحو الإلقاء في النار الطرح في اللُّجّة في الحكم بالقود،إلّا أن يعلم قدرة الملقى على الخلاص منهما لقلّتهما،أو كونه في طرفهما يمكنه الخروج بأدنى حركة فيترك،فلا قود هنا؛ لأنّه حينئذٍ قاتل نفسه.

و لو أمسك واحد شخصاً و قتله آخر و نظر إليهما ثالث، فالقود على القاتل،و يحبس الممسك أبداً حتى يموت و تفقأ عين الناظر كما في القوي (1)المعتضد بالشهرة الظاهرة،و المحكية (2)،بل عليه

ص:187


1- الكافي 7:4/288،الوسائل 29:50 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3.في«س» زيادة:بالسكوني.
2- المفاتيح 2:113.

الإجماع عن الخلاف و في الغنية (1)،و يشعر به عبارة المسالك (2)،و صرّح به في الروضة و غيره (3)،لكن في الحكمين الأوّلين،و بهما وقع التصريح في الصحيحين:في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر،قال:«يقتل القاتل،و يحبس الآخر حتى يموت غمّاً،كما حبسه حتى مات غمّاً» (4)و نحوهما الموثق (5).

و النبوي:«يقتل القاتل،و يصبر الصابر» (6)قيل:معناه أنّه يحبس أبداً (7).

و لو أكره حرّا على القتل،فالقصاص على القاتل المباشر؛ لأنّه القاتل عمداً ظلماً لاستبقاء نفسه،فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله، فيدخل في عمومات الكتاب و السنّة بالقود ممّن قتل غيره لا المكرِه و كذا أي و من هذا الباب لو أمره بالقتل،فالقصاص على المباشر خاصة و يحبس الآمر أبداً حتى يموت،في المشهور،بل عليه الإجماع في الروضة و غيرها (8)،و هو الحجّة.

ص:188


1- الخلاف 5:173،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- المسالك 2:458.
3- الروضة 10:27؛ كشف اللثام 2:445.
4- أحدهما في:الفقيه 4:275/86،التهذيب 10:862/219،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:1/287،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 17 ذيل.ح 1.
5- الكافي 7:2/287،التهذيب 10:860/219،الوسائل 29:50 أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2.
6- سنن البيهقي 8:51.
7- المسالك 2:458.
8- الروضة 10:27؛ مجمع الفائدة 13:394.

مضافاً إلى الصحيح:في رجل أمر رجلاً بقتل رجل،فقال:«يقتل الذي قتله،و يحبس الآمر بقتله في السجن حتى يموت» (1).

و يستفاد منه عدم تحقق الإكراه في القتل،كما عليه أصحابنا،و ادّعى جمع منهم عليه إجماعنا (2)،و وجهه واضح،مصرَّح به في الصحيح:«إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدماء،فإذا بلغ الدم فلا تقية» (3)و نحوه الموثّق (4).

هذا إذا كان المكره بالغاً عاقلاً،و لو اكره المجنون أو الصبي غير المميّز فالقصاص على مكرِههما،على الأقوى؛ لأنّ المباشر حينئذٍ كالآلة.

و لا فرق فيهما بين الحرّ و العبد؛ لعموم الدليل.

و لو اكره الصبي المميّز فلا قود عليه مطلقاً،على الأشهر الأقوى،كما سيأتي الكلام فيه مفصّلاً،و لا على الآمر؛ لعدم المباشرة،مع خروج الصبي بالتمييز عن كونه كالآلة.

و لا فرق فيه أيضاً بين كونه حرّا أو عبداً،و إن افترقا بالإضافة إلى الدية عند جماعة (5)،حيث جعلوها على العاقلة في الأوّل،و متعلّقاً بالرقبة في الثاني.

و لو كان المأمور القاتل عبده أي عبد الآمر ف في القود

ص:189


1- الكافي 7:1/285،الفقيه 4:254/81،التهذيب 10:864/219،الإستبصار 4:1071/283،الوسائل 29:45 أبواب القصاص في النفس ب 13 ح 1.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):620؛ و العلّامة في القواعد 2:281،و الشهيد في المسالك 2:458،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:394،و صاحب المفاتيح 2:118.
3- الكافي 2:16/220،الوسائل 16:234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 1.
4- التهذيب 6:335/172،الوسائل 16:234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 2.
5- الشرائع 4:199،القواعد 2:282،المفاتيح 2:119.

منه و حبس المولى مخلّداً،أم العكس قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين أنّه أي العبد كغيره من الأحرار،يقاد منه مع بلوغه و عقله و يخلّد سيّده السجن،و من سيّده مع جنونه أو صباوته و عدم تمييزه،و لا يقاد منهما إذا كان صبيّاً مميّزاً كما مضى؛ لعموم الدليل على هذه الأحكام.

غير أنّ الصحيحة الدالّة على سجن الآمر و قتل المأمور غير معلوم الشمول لنحو المفروض؛ لإطلاقها الغير المنصرف إليه،بناءً على تبادر الحرّ من الرجل الآمر و المأمور فيها،مع التصريح به في المأمور في نسختها الأُخرى المروية في الفقيه،فإنّ فيها:«رجل أمر رجلاً حرّا» إلّا أنّ في العمومات كفاية إن شاء اللّه تعالى،لكن لا يستفاد منها حبس الآمر مخلّداً، و لعلّه لا قائل بالفرق،فتدبّر .

و المروي في المعتبرين أنه يقتل به السيّد الآمر،و يخلّد (1)العبد السجن،ففي الموثّق كالصحيح:«في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً، فقتله،فقال:يقتل السيّد به» (2).

و في القوي:«هل عبد الرجل إلّا كسوطه أو سيفه،يقتل السيّد، و يستودع العبد السجن حتى يموت» (3).

و عمل بهما الإسكافي بشرط كون العبد جاهلاً أو مكرهاً (4).

ص:190


1- في«ن» زيادة:في أحدهما.
2- الكافي 7:2/285،التهذيب 10:865/220،الإستبصار 4:1072/283،الوسائل 29:47 أبواب القصاص في النفس ب 14 ح 1.
3- الكافي 7:3/285،الفقيه 4:282/88،التهذيب 10:866/220،الإستبصار 4:1073/283،الوسائل 29:47 أبواب القصاص في النفس ب 14 ح 2.
4- حكاه عنه في المختلف:792.

و هو شاذّ،كالمعتبرين،مع قصورهما سنداً،و مكافأة لما مضى، فليطرحا،أو يؤوّلا بما يؤولان إليه،بحملهما على ما إذا كان العبد صغيراً، كما قيل (1).

و هو مع بعده موقوف على جواز تخليد العبد الصغير الغير المميّز السجن،كما دل أحدهما عليه،و لم أر قائلاً به،مع منافاته الأُصول.

و جمع الشيخ (2)بينهما و بين الصحيحة المقابلة لهما عموماً بحسب نسختها التي رواها بحملهما على من اعتاد أمر عبيده بقتل الناس و إكراههم عليه،فيقتل؛ لإفساده في الأرض،و ربما يعدّ ذلك فتوًى له،قيل:و وافقه الحلبيّان (3).

و هذا الجمع مع بعده إنّما يرفع التعارض بالإضافة إلى ما دلّا عليه من قتل السيّد،و أمّا بالإضافة إلى ما فيهما من تخليد العبد السجن فلا،بل ظاهر الصحيحة يفيد قتله،و الخبران صريحان في تخليده.

و الأوفق بالأُصول ترجيح الصحيحة و إن حمل الخبران على صورة إفساد السيّد؛ فإنّ إفساده بمجرّده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته للقتل.

و قال الشيخ في الخلاف و الحلّي في السرائر (4) إن كان العبد القاتل بأمر الغير صغيراً أو مجنوناً سقط القود عن المأمور؛ لنقصه،و عن الآمر؛ لعدم قتله و وجبت الدية على المولى لئلّا يطلّ دم المقتول.

ص:191


1- قاله في المختلف:793.
2- الاستبصار 4:283.
3- كشف اللثام 2:444،و هو في الكافي:387،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- الخلاف 5:169، السرائر 3:349.

و اضطرب كلام المبسوط (1)،فتارة أوجب القود على الآمر حرّا كان المأمور أو عبداً،و أُخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرّا أو عبداً.

و عن ابن حمزة:أنّ المأمور إن كان حرّا بالغاً عاقلاً أو مراهقاً اقتصّ منه،و إن كان حرّا صبيّاً أو مجنوناً و لم يكره لزمت الدية عاقلته،و إن اكره كان نصف الدية على عاقلته و نصفها على الآمر المكرِه،و إن كان عبداً للآمر صغيراً أو كبيراً غير مميّز أقتص من الآمر،و إلّا فمن القاتل،قال:و إذا لزم القود المباشر خلّد الآمر في الحبس،و إن لزم الآمر خلّد المباشر فيه إلّا أن يكون صبيّاً أو مجنوناً (2).

و لو جرح جان عمداً فسرت الجناية إلى النفس فقتل المجروح دخل قصاص الطرف في قصاص النفس اتفاقاً في الظاهر،و بعدم الخلاف فيه صرّح في بعض العبائر (3)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.

أمّا لو جرحه و قتله بعد ذلك ف في الدخول مطلقاً و عدمه كذلك قولان،أحدهما: أنّه لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس كما في السرائر و عن نكت النهاية و موضع من الخلاف و المبسوط،و إليه مال ابن زهرة (4)؛ لعموم نصوص القصاص من الكتاب و السنّة،و قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى [1]

ص:192


1- المبسوط 7:43 و 44.
2- الوسيلة:437.
3- كشف اللثام 2:445.
4- السرائر 3:406،نكت النهاية 3:446،الخلاف 5:210،المبسوط 7:113،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

عَلَيْكُمْ [1] (1)مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

و القول الآخر: أنّه يدخل كما عن موضع آخر من المبسوط و الخلاف و عن التبصرة و الجامع (2)؛ لظاهر الصحيح:عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ و ذهب عقله،فقال:«إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له،فإنّه ينتظر به سنة،فإن مات فيما بينه و بين السنة أُقيد به ضاربه،و إن لم يمت فيما بينه و بين السنة و لم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله» قال:فما ترى في الشجة شيئاً؟قال:«لا؛ لأنّه إنّما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين،و هي الدية،و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائناً ما كان،إلّا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه بواحدة،و تطرح الأُخرى» قال:«و إن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاثة ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنة ما كانت،ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه» قال:«و إن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت،ما لم يكن فيها الموت» (3).

قال الشيخ:و لما روى الأصحاب من أنّه إذا مثّل إنسان بغيره و قتله لم يكن عليه إلّا القتل،و لم يجز التمثيل به (4).

ص:193


1- البقرة:194.
2- المبسوط 7:22،الخلاف 5:163،التبصرة:202،الجامع للشرائع:594.
3- الكافي 7:1/325،الفقيه 4:327/98،التهذيب 10:1003/253،الوسائل 29:366 أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1.
4- المبسوط 7:22.

و فصّل في النهاية (1) فقال: إن فرّقه أي الجرح أو الضرب واحداً بعد واحد لم يدخل و إلّا دخل،و عليه الفاضلان في الشرائع و التحرير و الإرشاد و التلخيص،و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (2)مدّعياً فيها كونه قول أكثر المتأخّرين.

و مستندها أي النهاية رواية محمّد بن قيس الصحيحة إليه، و اشتراكه مجبور بابن أبى عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،الراوي عنه و لو بواسطة محمد بن أبي حمزة،و فيها:رجل فقأ عين رجل و قطع أنفه و أُذنيه ثم قتله،فقال:«إن كان فرّق (3)ذلك اقتصّ منه ثم يقتل،و إن كان ضربه ضربة واحدة ضرب عنقه و لم يقتصّ منه» (4).

و نحوها رواية أُخرى صحيحة:عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثم مات،فقال:«إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثم قتل،و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه» (5)هذا.

مضافاً إلى اعتضاد الحكم في الشقّ الأوّل بجميع ما مرّ دليلاً للقول الأوّل.

و في الثاني:بأنّه من باب السراية التي يدخل معها قصاص

ص:194


1- النهاية:711.
2- الشرائع 4:201،التحرير 2:254،الإرشاد 2:199،المسالك 2:359،الروضة 10:92.
3- في«ب» و الكافي زيادة:بين.
4- الكافي 7:1/326،الفقيه 4:324/97،التهذيب 10:1000/252،الوسائل 29:112 أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 1.
5- التهذيب 10:1002/253،الوسائل 29:112 أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 2.

الطرف في النفس اتفاقاً كما عرفته،فينبغي عدم الخلاف فيه،و عموم أدلّة القول الأوّل لعلّه لا ينافيه؛ لقضاء العرف بأنّه ما جنى عليه إلّا جناية واحدة، فيكون قتله خاصّة اعتداءً بما اعتدى،و اقتصاص الزائد تعدّياً خارجاً،مع دلالة الصحيح المستدل به للقول الثاني عليه أيضاً؛ لقوله:فما ترى في الشجّة شيئاً؟فقال:«لا؛ لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة».

و بالجملة:ينبغي القطع بالتداخل مع اتحاد الضرب مثلاً؛ لاتفاق النصوص عليه و أكثر الفتاوي،مع عدم منافاة العمومات لها،كما مضى، و على تقديرها فلتكن بها مخصَّصة،فإن الخاص أقوى.

بقي الكلام في التداخل مع التعدّد،و الأقرب فيه العدم،لتعدّد ما يدل عليه خصوصاً و عموماً،كتاباً و سنّةً،مضافاً إلى الاستصحاب كما تقدّم، و التأيّد بالاعتبار قطعاً،كما نبّه عليه بعض أصحابنا،فقال على القول الثاني:

و فيه بُعد؛ إذ يلزم أن لو قطع يده مثلاً في وقت،ثم يده الأُخرى في سنة، ثم رجله في سنة،و أُخرى في أُخرى،ثم قتله في سنة،لم يلزمه إلّا القود، أو دية النفس،فينبغي اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربها،و لكنه غير منضبط (1)،انتهى.

و هو حسن،و لا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد،مع أنّه عارضه الماتن في نكت النهاية (2)بالخبر«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه،و بصره،و لسانه،و عقله،و فرجه، و انقطع جماعه و هو حي،بستّ ديات» (3).

ص:195


1- مجمع الفائدة 13:444.
2- نكت النهاية 3:446.
3- الكافي 7:2/325،التهذيب 10:999/252،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 6 ح 1.

و لكن وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضحة.

و ظاهر الماتن هنا التوقف،كالفاضل في القواعد و الشهيد في اللمعة، و به صرّح في المختلف (1).و لا وجه له.

مسائل من الاشتراك
الأولى لو اشترك جماعة في قتل حرٍّ مسلم

مسائل أربع من مسائل الاشتراك في الجناية.

الاُولى :لو اشترك جماعة في قتل حرٍّ مسلم بأن ألقوه من شاهق،أو في بحر،أو جرحوه جراحات مجتمعة،أو متفرقة،و لو مختلفة كمّية و كيفية،فمات بها فللوليّ وليّ المقتول قتل الجميع مع التكافؤ و يردّ على كل واحد منهم ما فضل عن ديته،فيأخذ كلّ منهم ما فضل من ديته عن جنايته،و له قتل البعض أيضاً و يردّ الآخرون الباقون من الدية ب قدر جنايتهم،فإن فضل للمقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام به الوليّ فلو اشترك ثلاثة في قتل واحد و اختار وليّه قتلهم أدّى إليهم ديتين يقتسمونهما بينهم بالسوية،فنصيب كل واحد منهم ثلثا دية،و يسقط ما يخصّه من الجناية و هو الثلث الباقي.

و لو قَتَل اثنين أدّى الثالث ثلث الدية عوضاً عما يخصه من الجناية، و يضيف إليه الولي دية كاملة ليصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية،و هو فاضل ديته عن جنايته،و لأن الوليّ استوفى نفسين بنفس فيردّ دية نفس.

و لو قَتَل واحداً أدّى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية،و لا شيء على الوليّ.

و إن فضل منهم لقصور ديتهم عن دية المقتول،بأن كانوا عبدين أو امرأة حرّة و أمة و قتلوا رجلاً و نقصت القيمة عن الدية كان الفاضل

ص:196


1- القواعد 2:306،اللمعة(الروضة 10):92،المختلف:809.

من دية المقتول على ديتهم له أي للولي.

و الأصل في المسألة قبل إجماعنا الظاهر،المصرّح به في الغنية و غيرها من كتب الجماعة (1)الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة، ففي الصحيح:في رجلين قتلا رجلاً،قال:«إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة و قتلوهما،و تكون الدية بين أولياء المقتولين،و إن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه و ادّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول» الخبر (2).

و في آخر:في عشرة اشتركوا في قتل رجل،قال:«يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا،و يرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية» (3)و نحوه الحسن و الموّثق (4).

و أمّا الخبر:«إذا اجتمع العشرة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤوا،و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً [1] (5)و إذا قتل ثلاثة واحداً خيّر الولي أيّ الثلاثة شاء أن يقتل،و يضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول» (6).

ص:197


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619؛ التنقيح الرائع 4:409.
2- الكافي 7:2/283،التهذيب 10:855/217،الوسائل 29:42 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 4.
3- الكافي 7:1/283،الفقيه 4:276/86،التهذيب 10:857/218،الإستبصار 4:1067/281،الوسائل 29:42 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 3.
4- الكافي 7:4/283،الفقيه 4:274/85،التهذيب 10:854/217،الإستبصار 4:1064/281،الوسائل 29:43 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 6.
5- الإسراء:33.
6- الكافي 7:9/284،التهذيب 10:858/218،الإستبصار 4:1068/282،الوسائل 29:43 أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 7 و 8.و في الجميع:إذا اجتمع العدّة..

فمع قصور سنده عن الصحة و إن قرب منها بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة شاذّ،لا يعترض به الأخبار السابقة؛ لما هي عليه من الاستفاضة،و صحة سند أكثرها،و اعتبار باقيها، و إطباق الفتاوي عليها،و لذا حمله الشيخ تارةً على التقية،قال:لأنّ في الفقهاء من لا يجوّز ذلك،و أُخرى على أنّ المراد أنّه ليس له ذلك إلّا بشرط أن يردّ ما يفضل عن دية صاحبه،قال:و هو خلاف ما ذهب إليه قوم من العامّة،و هو مذهب بعض من تقدّم على أمير المؤمنين(عليه السّلام)؛ لأنّه كان يجوّز قتل الاثنين و ما زاد عليهما بواحد و لا يردّ فضل ذلك،و ذلك لا يجوز على حال (1).

و هذان الحملان لا بأس بهما جمعاً و إن بَعُدا،و لا سيّما الأوّل منهما، كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب (2)،معلّلين بأنّه خلاف المشهور بينهم؛ إذ أكثرهم ذهبوا إلى جواز قتل الجميع كما ذهب إليه أصحابنا، لكنّهم لم يوجبوا ردّاً،بل جعلوا دم كلّ منهم مستحقّاً للوليّ مجّاناً،قالوا:

فالأولى حمله على الاستحباب،و لا بأس به أيضاً.

الثانية يقتصّ من الجماعة في الأطراف

الثانية :يقتصّ من الجماعة في الأطراف كما يقتصّ منهم في النفس لفحوى الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة الصريحة:في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل،قال:«إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية و اقتسماها ثم

ص:198


1- الاستبصار 4:282.
2- منهم الشهيد في المسالك 2:460.

يقطعهما،و إن أحبّ أخذ منهما دية يد»،قال:«و إن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية» (1).

فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع يد الجميع و يردّ فاضل الدية أي دية يده عليهم،يقتسمونه بينهم بالسويّة و له قطع يد البعض منهم،واحداً أو متعدّداً و يردّ عليهم أي على المقطوعين و إنّما جمع الضمير تنبيهاً على ما ذكرنا من دخول المتعدّدين في البعض الذي له الخيار في قطعهم البعض الآخرون بقدر جنايتهم،فإن فضل للبعض المقطوع فضل بأن تعدّد قام به المجنيّ عليه.

و بالجملة:الأمر هنا كما سبق في المسألة السابقة من دون فرق بينهما إلّا من حيث إنّ الشركة في النفس يتحقق بموته بالأمرين أو الأُمور،سواء اجتمعت أم تفرّقت،و هنا لا يتحقق إلّا مع صدور الفعل عنهم أجمع،إمّا بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا،أو يكرهوا إنساناً على قطعه،أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه،أو يضعوا حديدة على المفصل و يعتمدوا عليها جميعاً،و نحو ذلك.

فلو قطع كل واحد منهم جزءاً من يده لم يقطع أحدهم،بل يكون على كلّ منهم حقّ جنايته؛ لانفراده بها،و كذا لو وضعوا منشاراً و نحوه على عضوه و مدّه كل واحد مرّة إلى أن حصل القطع؛ لأنّ كل واحد لم يقطع بانفراده و لم يشارك في قطع الجميع،فإن أمكن الاقتصاص من كلّ واحد على حدة ثبت بمقدار جنايته،و إلّا فلا.

الثالثة لو اشتركت في قتله امرأتان

الثالثة :لو اشتركت في قتله أي قتل الحرّ المسلم امرأتان

ص:199


1- الكافي 7:7/284،الفقيه 4:403/116،التهذيب 10:957/240،الوسائل 29:186 أبواب قصاص الطرف ب 25 ح 1.

قتلتا به و لا ردّ هنا إذ لا فاضل لهما عن ديته،بناءً على أنّ المرأة نصف الرجل و ديتها نصف ديته،كما يأتي.

و في الخبر،بل الصحيح(كما قيل) (1):عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً، فقال:«تقتلان به،ما يختلف في هذا أحد» (2).

و كما أنّ للولي قتلهما كذا له قتل إحداهما،و تردّ الأُخرى ما قابل جنايتها و هو ديتها على الولي،و لا شيء للمقتولة أصلاً؛ لاستيفائها بجنايتها بدل نفسها.

و لو كنّ أي النساء المشتركات في القتل أكثر من امرأتين ردّ الوليّ عليهنّ الفاضل عن ديته إن قتلهنّ جُمع،فإن كنّ ثلاثاً و قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة بينهنّ بالسوية،أو أربعاً فدية امرأتين كذلك، و هكذا.

و إن قتل بعضاً منهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل عن جنايتها، فلو اختار في الثلاث قتل اثنتين ردّت الباقية ثلث ديته بين المقتولتين بالسوية؛ لأنّ ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما،و هو ثلث ديتهما،أو قتل واحدة ردّت الباقيتان على المقتولة ثلث ديتها،و على الوليّ نصف دية الرجل؛ لأنّ جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل،و أولياؤه قد استوفوا بقتل الواحدة نصفها،بقي لهم النصف الآخر يستوفونها من الباقيتين،و كلّ منهنّ إنّما جنت الثلث،فزادت دية كلٍّ على جنايتها بقدر ثلث ديتها.

ص:200


1- ما بين القوسين ليس في«ب».و القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:447.
2- التهذيب 10:716/183،الوسائل 29:84 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 15.

و لو اشترك في قتله رجل و امرأة حرّان فللوليّ قتلهما بعد أن يردّ فاضل دية صاحبه،و هو نصفها إجماعاً؛ لما مضى.

و يختص الرجل بالردّ وفاقاً للنهاية و القاضي و الحلّي (1)و عامة المتأخّرين،و عزاه شيخنا في المسالك (2)إلى الأكثر،و في الروضة (3)إلى المشهور؛ استناداً إلى أنّهما نفسان جنتا على نفس واحدة،فكان على كل واحد نصف الدية،و مع قتلهما فالفاضل للرجل خاصّة؛ لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه،و المستوفى من المرأة بقدر جنايتها،فلا شيء لها.

و خالف في ذلك المفيد (4) رحمه اللّه خاصّة،حيث جعل الردّ بين الرجل و المرأة أثلاثاً للرجل ثلثان،و للمرأة ثلث.

و وجهه غير واضح،عدا ما يتخيل له من أنّ جناية الرجل ضعف جناية المرأة؛ لأنّ الجاني نفس و نصف نفس جنت على نفس،فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك .

و ضعفه بعد ما عرفت ظاهر،مع ظهور الصحيح في خلافه، و فيه:عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلاً خطأً،فقال:«إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما و ردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم،و إن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه و تردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية،و إن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا

ص:201


1- النهاية:745،القاضي في المهذّب 2:468،الحلّي في السرائر 3:345.
2- المسالك 2:460.
3- الروضة 10:34.
4- المقنعة:752.

المرأة قتلوها و يردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية،و إن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية،و على المرأة نصف الدية» (1).

لكنّه مختلّ المتن من وجوه غير خفيّة،و لذا لم نجعله على المختار حجة.

و لو قتل الوليّ الرجل ردّت المرأة عليه نصف الدية (2) لأنّه مقدار جنايتها.

و لو قتل المرأة خاصّة فلا ردّ لها إذ لا فاضل لها عن جنايتها.

و له أي للوليّ مطالبة الرجل الباقي بنصف الدية في مقابل جنايته،بلا خلاف في المقامين،إلّا من النهاية و القاضي (3)في الأوّل، فأوجبا على المرأة ردّ ربع الدية مائتين و خمسين ديناراً،و هو نصف ديتها.

و وجهه غير واضح،عدا ما يتخيّل للمفيد رحمه اللّه و قد عرفت ما فيه،مع أنّه لا يجامع حكمهما سابقاً باختصاص الردّ بالرجل.

نعم في الصحيحة السابقة إشارة إلى ما قالا،و لكن قد عرفت ما فيها.

الرابعة لو اشترك حرّ و عبد

الرابعة :لو اشترك في قتله حرّ و عبد،قال الشيخان في النهاية و المقنعة و القاضي في المهذب (4):إنّ له أي للوليّ قتلهما

ص:202


1- الكافي 7:1/301،الفقيه 4:267/83،التهذيب 10:963/242،الاستبصار 4:1084/286 و فيه:عن هشام بن سالم عن أبي جعفر(عليه السّلام)،الوسائل 29:87 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.
2- في المختصر المطبوع:ديته.
3- النهاية:745،القاضي في المهذّب 2:468.
4- النهاية:745،المقنعة:751،المهذب 2:468.

و يردّ على سيّد العبد قيمته،و له قتل الحرّ خاصّة و يردّ عليه أي على الحرّ المقتول سيّد العبد خمسة آلاف درهم،أو يسلم العبد إليهم أي إلى أولياء الحرّ الشريك في القتل أو يقتل العبد خاصّة و ليس لمولاه على شريكه الحرّ سبيل .

و لا خلاف و لا إشكال فيما ذكروه من الخيار في قتلهما معاً،أو قتل أحدهما؛ لما مضى،و نفى الخلاف عن الجميع في الغنية (1)هنا صريحاً.

و إنّما الإشكال فيما ذكروه في صورة قتلهما من ردّ قيمة العبد إلى سيّده خاصّة من وجهين:تخصيص الردّ بالسيّد مع أنّ الحرّ إنّما جنى نصف الجناية،و ردّ تمام ثمنه مع أنّه إنّما جنى نصف الجناية،فلا يستحقّ سيّده إلّا ما زاد عليه و لم يزد على دية الحرّ،و إن لم يزد قيمته عن نصف دية الحرّ فلا شيء لسيّده؛ لاستيفائه بجنايته،كما لا شيء عليه لو نقص القيمة عنه؛ إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه،كما يأتي.

و كذا يشكل ما ذكروه في الصورة الثانية من ردّ السيّد على الحرّ نصف الدية،فإنّه على إطلاقه لا وجه له؛ لأنّه إنّما يلزمه ذلك لو زادت قيمة العبد على نصف دية الحرّ بمثله،أمّا لو زادت عنه بما دونه فليس عليه إلّا الزيادة،كما لا شيء عليه سوى القيمة فيما لو نقصت عنه أو ساواه (2).

و كذا ما ذكروه في الثالثة من أنّه ليس لمولى العبد على الحرّ شيء بالكلّيّة،فإنّه على إطلاقه أيضاً لا وجه له،بل ذلك مع عدم زيادة القيمة عن النصف،أمّا مع الزيادة عنه فيلزم الحرّ للسيّد تلك الزيادة،و للولي

ص:203


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- كذا،و لعلّ الأنسب:ساوته.

ما زاد عليها إلى نصف الدية،يعني تتمّته.

و من هنا يظهر وجه الإشكال أيضاً فيما أطلقه الحلبي و الحلّي (1)في الصورة الاُولى من ردّ قيمة العبد على السيّد و ورثة الحرّ،و في الثانية من ردّ السيّد على ورثة الحرّ نصف ديته،و في الثالثة من ردّ الحرّ نصف قيمة العبد على سيّده،إلّا أن يبني قولهما على فرضهما بلوغ القيمة تمام الدية من دون زيادة و لا نقيصة.

و بالجملة الحقّ الذي يقتضيه قواعد الأصحاب في الجنايات،و عليه عمل أكثرهم،بل جميع المتأخرين على الظاهر،المصرّح به في المسالك (2) أنّ نصف الجناية على الحرّ،و نصفها على العبد بمقتضى الشركة فلو قتلهما الوليّ ردّ على الحرّ نصف ديته لأنّه الفاضل عن جنايته و على مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية إن كان له فضل،ما لم يتجاوز دية الحرّ،فيردّ إليها،و إن لم يكن له فضل فلا شيء للمولى،و لا عليه إن نقص عنه.

و لو قتل الحرّ يردّ مولى العبد عليه أي على الحرّ الشريك في القتل نصف الدية بل أقلّ الأمرين منه و من القيمة؛ لأنّ الأقل إن كان هو الأوّل فلا يلزم الجاني سواه،و إن كان الثاني فلا يجني الجاني على أكثر من نفسه،و يلزم الوليّ هنا كمال نصف الدية لأولياء الحرّ،و لا يلزم على المولى،بل عليه أقل الأمرين خاصّة.

أو دفع العبد إليهم يسترقّونه،و ليس لهم قتله إجماعاً كما في

ص:204


1- الحلبي في الكافي:386،الحلّي في السرائر 3:347.
2- المسالك 2:461.

الغنية،و ليس فيه شبهة،و يختصّون بالعبد ما لم تزد قيمته عن النصف و إلّا فتكون الزيادة للمولى و يكون معهم شريكاً بالنسبة.

و لو قتل العبد ردّ شريكه الحرّ على المولى ما فضل عن نصف الدية،إن كان في قيمة العبد فضل عن جنايته،بأن تجاوزت قيمته نصف دية الحرّ.

ثم إن استوعب قيمته الدية فله جميع المردود من الحرّ،و إن كانت أقلّ فالزائد من المردود عن قيمته بعد حطّ مقابل جنايته لوليّ المقتول.

و إن لم يكن فيها فضل،بأن كانت نصف دية الحرّ أو أنقص ردّ الحرّ عوض جنايته و هو نصف الدية على الوليّ إن شاء،و إلّا قتله الوليّ إن لم يعف عنه،و ردّ عليه نصف ديته.

و مستند هذه القواعد المقتضية لهذا التفصيل يظهر ممّا مضى و يأتي من الكلام في جناية العبد على الحرّ و ديته،و ربما يشير إليه و لو في الجملة الصحيح الآتي في المسألة الآتية.

و أمّا الخبر:في عبد و حرّ قتلا رجلاً،قال:«إن شاء قتل الحرّ،و إن شاء قتل العبد،فإن اختار قتل الحرّ ضرب جنبي العبد» (1)فمع ضعف سنده قال الشيخ:إنّه لا يدل على أنّه لا يجب على مولاه أن يردّ على ورثة الحرّ نصف الدية أو يسلّم العبد إليهم؛ لأنّه لو كان حرّا لكان عليه ذلك، على ما بيّناه،فحكم العبد حكمه على السواء،و إنّما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار (2).

ص:205


1- التهذيب 10:959/241،الاستبصار 4:1070/282،و فيهما:قتلا رجلا حرّا.الوسائل 29:101 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 7،و فيه:قتلا حرّا.
2- الاستبصار 4:283.

و لو قتلت امرأة حرّة و عبد على الشركة رجلاً حرّا فعلى كل واحد منهما نصف الدية لاشتراكهما في الجناية،و للوليّ الخيار في قتلهما معاً أو أحدهما.

فلو قتلهما أو قتل العبد خاصّة فلا ردّ على المرأة بلا شبهة.

و أمّا العبد فإن كانت قيمته بقدر جنايته فلا ردّ على مولاه أيضاً فإن زادت قيمته عن جنايته ردّت المرأة أو الولي على مولاه الزيادة ما لم تزد على الدية فتردّ إليها،و لو قصرت الزيادة عنها ردّت المتمّم لها على الوليّ.

و لو قتل المرأة خاصّة ردّ السيّد على الوليّ نصف الدية إن بلغته قيمة العبد،و إلّا فلا شيء عليه له سوى القيمة،أو دفع العبد إليهم يسترقّونه.

و المستند في هذه المسألة بعين ما مرّ في سابقتها من القواعد المقررة.

مضافاً إلى الصحيح في الجملة:عن امرأة و عبد قتلا رجلاً خطأً، فقال:«إنّ خطأ المرأة و العبد مثل العمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما،فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردّوا على سيّد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم،و إن أحبّوا أن يقتلوا المرأة و يأخذوا العبد أخذوا،إلّا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم،فليردّوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و يأخذوا العبد أو يفتديه سيّده،و إن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلّا العبد» (1).

ص:206


1- الكافي 7:2/301،الفقيه 4:268/84،التهذيب 10:962/242،الإستبصار 4:1083/286،الوسائل 29:88 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 2.

القول:في الشرائط المعتبرة في القصاص

الأوّل الحرّية
اشارة

القول:في الشرائط المعتبرة في القصاص،و هي خمسة:

الأوّل: التساوي في الحرّية و الرقية.

ف لا يقتل الحرّ بالعبد،بل يقتل بالحرّ مثله،كما في نصّ الكتاب اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [1] (1) و لا ردّ إجماعاً،و للأصل.

و كذا يقتل بالحرة لكن مع الردّ من وليّها عليه نصف ديته؛ لأنّ ديته ضعف ديتها؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها،الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و تقتل الحرّة بالحرّة إجماعاً،و لا ردّ كما في نظيره و بالحرّ إجماعاً،و لتلك المستفيضة،ففي الصحيح:في رجل قتل امرأته متعمداً،قال:«إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه و يؤدّوا إلى أهله نصف الدية، و إن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» و قال:في امرأة قتلت زوجها متعمّدة،قال:«إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها،و ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه» (2).

و فيه:الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه،قال:

«ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية،و إن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل،و إن قتلت المرأة الرجل قتلت به،ليس لهم إلّا نفسها» الحديث (3).

ص:207


1- البقرة:178.
2- الكافي 7:4/299،التهذيب 10:707/181،الإستبصار 4:999/265،الوسائل 29:80 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1.
3- الكافي 7:2/298،التهذيب 10:704/180،الإستبصار 4:997/265،الوسائل 29:81 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3.

و نحوهما أخبار كثيرة هي ما بين صحيحة و معتبرة (1).

و هل يؤخذ منها أي من الحرّة في الفرض الأخير الفضل من دية الرجل الذي قتلت به،و هو نصف ديته،كما يتوهّم من كون ديتها نصف ديته،و يوجد في بعض الروايات:«في امرأة قتلت رجلاً،قال:

تقتل،و يؤدّي وليّها بقية المال» (2)؟.

و الأصحّ أنّه لا يؤخذ منها؛ للأصل،و قوله تعالى اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [1] (3)و للتصريح به في تلك الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،معلّلة بأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه.

و الرواية المخالفة مع وحدتها،و قصور سندها محتملة للتقية،كما صرّح به بعض الأجلة (4)،شاذّة،كما صرّح به الشيخ و جماعة كالشهيدين و غيرهما (5)،و احتمل أوّلهما دعوى الإجماع على خلافها،و ذكر ثانيهما و بعض من تبعه أنّه لا نعلم قائلاً من الأصحاب بمضمونها،و إن كان قول المصنف و كلام غيره يشعر بالخلاف،و احتمل التابع و غيره كون الإشارة إلى الخلاف للرواية لا للقول.

و هو حسن ،إلّا أنّه يحكى عن الراوندي (6)حمل الرواية على يسار

ص:208


1- انظر الوسائل 29:80 أبواب القصاص في النفس ب 33.
2- التهذيب 10:717/183،الإستبصار 4:1009/267،الوسائل 29:85 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17.
3- المائدة:45.
4- انظر التنقيح 4:416.
5- الشيخ في الاستبصار 4:268،الشهيد الأول في غاية المراد 4:363،الشهيد الثاني في الروضة 10:40،و المسالك 2:461؛ الفيض في المفاتيح 2:132،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:446.
6- الحاكي هو الشهيد الأول في غاية المراد 4:363 فقد حكاه عنه في الشرائع.

المرأة،و الصحاح على إعسارها؛ جمعاً،و ظاهره المخالفة في الجملة.

و عن تفسير علي بن إبراهيم:أنّ قوله تعالى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ [1] و اَلْأُنْثى بِالْأُنْثى [2] (1)ناسخ لقوله تعالى اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [3] (2)(3)و ظاهره أنه لا يكتفى بالاقتصاص منها.

و يدلُّ عليه المروي في الوسائل عن المرتضى في رسالته المحكم و المتشابه،بإسناده عن علي(عليه السّلام)في حديث قال:«و من الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص،و هو قوله تعالى وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [4] إلى آخر الآية،فكان الذكر و الأُنثى و الحرّ و العبد شرعاً،فنسخ اللّه تعالى ما في التوراة بقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى [5] فنسخت هذه الآية وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [6] » (4).

قيل (5):و المراد بالنسخ في الرواية التخصيص لا معناه المعروف؛ جمعاً بينها و بين الموثق كالصحيح:في قول اللّه عزّ و جلّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [7] الآية،فقال:«هي محكمة» (6).

و هو حسن،و إلّا فطرح الرواية الأُولى متعيّن؛ للإجماع على جواز

ص:209


1- البقرة:178.
2- المائدة:45.
3- تفسير القميّ 1:169،مستدرك الوسائل 18:240 أبواب القصاص في النفس ب 30 ح 4.
4- المحكم و المتشابه:8،الوسائل 29:86 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19.
5- الوسائل 29:86.
6- التهذيب 10:717/183،الوسائل 29:83 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11.

الاقتصاص من الذكر بالأُنثى و بالعكس على الظاهر،المصرّح به في كنز العرفان و غيره (1)،و الاختلاف في الثاني في أخذ الفاضل منها على تقديره لا ينافيه،فإنّه أمر آخر،هذا.

و قد نقل في الكنز في النسخ قولاً بالعكس،فقال في تفسير قوله تعالى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ [1] الآية:قيل:هذا منسوخ بقوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [2] قال:و ليس بشيء،أمّا أوّلاً:فلأنّه حكاية ما في التوراة،فلا ينسخ القرآن، و أمّا ثانياً:فلأصالة عدم النسخ؛ إذ لا منافاة بينهما،و أمّا ثالثاً:فلأنّ قوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [3] عامّ،و هذا خاصّ،و قد تقرّر في الأُصول بناء العام على الخاص (2).

و تتساوى المرأة و الرجل في الجراح قصاصاً و ديةً،حتى تبلغ ثلث دية الحرّ أو تتجاوزه على الاختلاف فينتصف بعد ذلك ديتها و يقتصّ لها منه مع ردّ التفاوت عليه و له منها،و لا ردّ عليها مطلقاً،كما في قصاص النفس قد مضى،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا ما تقدّم إليه الإشارة.

و اعتبار البلوغ إلى الثلث مذهب المشهور على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (3)،بل و عن الخلاف (4)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة،كم فيها؟قال:«عشر من

ص:210


1- كنز العرفان 2:355:أحكام القرآن للأردبيلي:672،المفاتيح 2:131.
2- كنز العرفان 2:355.
3- المسالك 2:461،كشف اللثام 2:446.
4- الخلاف 5:256.

الإبل» قلت:قطع اثنين؟قال:«عشرون» قلت:قطع ثلاثاً؟قال:«ثلاثون» قلت:قطع أربعاً؟قال:«عشرون» قلت:سبحان اللّه!يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعاً فيكون عليه عشرون،هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله،و نقول:الذي جاء به شيطان،فقال:«مهلاً يا أبان، هذا حكم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية،و إذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف،يا أبان إنّك أخذتني بالقياس،و السنّة إذا قيست محق الدين» (1).

و في الصحيحين:عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص؟قال:«نعم، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء،فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل و سفلت المرأة» (2).

خلافاً للنهاية و السرائر و الإرشاد (3)،فاعتبروا التجاوز؛ للنصوص، منها الصحيح:«الرجال و النساء في القصاص السنّ بالسنّ،و الشجّة بالشجّة،و الإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية،فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية،و دية النساء ثلث الدية» (4).

و الخبر:عن رجل قطع إصبع امرأة؟قال:«تقطع إصبعه حتى ينتهي

ص:211


1- الكافي 7:6/299،الفقيه 4:283/88،التهذيب 10:719/184،الوسائل 29:352 أبواب ديات الأعضاء ب 44 ح 1.
2- الكافي 7:7/300،التهذيب 10:720/184،الوسائل 29:164 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 3.
3- النهاية:748،السرائر 3:403،الإرشاد 2:206.
4- الكافي 7:8/300،التهذيب 10:726/185،الوسائل 29:165 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 6.

إلى ثلث دية المرأة،فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل» (1).

و هي مع قصور سند جملة منها،و عدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى غير واضحة الدلالة إلّا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل،و هو معارض بمفهوم الغاية في الصدر،و الجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس،فلا يمكن الاستدلال بها إلا مع المرجّح،المفقود في المقام،إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة،و الصحاح المستفيضة،و حكاية الإجماع المتقدّمة.

و بالجملة:فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة؛ لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.

و من هنا ينقدح وجه التردّد في نسبة الخلاف إلى النهاية،حيث اشتركت مع النصوص في العلّة التي نشأ منها عدم وضوح الدلالة،حيث قال:و تتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية،فإذا بلغت ثلث الدية نقصت المرأة و زيد الرجل (2).

و قريب منها عبارة الفاضل في الإرشاد،حيث قال:و يقتصّ للرجل من المرأة و بالعكس،و لا ردّ ما لم يتجاوز ثلث الدية،فينتصف المرأة، و كذا يتساويان في الدية ما لم تبلغ الثلث،فينتصف المرأة (3).

و لو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لكدت أن أقول:لا خلاف في المسألة،و إنّ التعبير بالتجاوز عن الثلث إنّما وقع مسامحةً،أو نظراً إلى كون

ص:212


1- الكافي 7:14/301،التهذيب 10:724/185،الوسائل 29:164 أبواب قصاص الطرف ب 1 ح 4.
2- النهاية:773.
3- الإرشاد 2:206.

البلوغ إلى الثلث من دون زيادة و نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة.

و على التقديرين فلو قطع أربعاً من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلّا بعد ردّ دية إصبعين.

و هل لها القصاص في إصبعين من دون ردّ؟وجهان:من إيجاب قطع إصبعين ذلك،فالزائد أولى.

و من النصّ الدالّ على أنّه ليس لها الاقتصاص له في الجناية الخاصّة إلّا بعد الردّ.

و يقوى الإشكال لو طلبت القصاص في الثلاث و العفو في الرابعة، و عدم إجابتها هنا أقوى.

هذا إذا كان القطع بضربة واحدة،و لو كان بأزيد من ضربة ثبت لها دية الأربع،أو القصاص في الجميع من غير ردّ؛ لثبوت الحكم السابق، فيستصحب،و كذا حكم الباقي.

و يقتل العبد بالعبد كما في صريح الكتاب و السنّة،و بالأمة و الأمة بالأمة و بالعبد بلا خلاف؛ لإطلاق اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ [1] .

و هل يشترط التساوي في القيمة،فلا يقتصّ من الجاني مع زيادة قيمته إلّا بعد ردّ الزيادة،أم لا يشترط،كما هو ظاهر إطلاق الأدلّة و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة؟احتمالان،بل قيل:قولان (1)،من الإطلاق، و من أنّ ضمان المملوك يراعى فيه المالية،فلا يستوفي الزائد بالناقص،بل بالمساوي،و ثبوت ردّ الزائد من هذا الوجه لا ينافي الإطلاق بالقصاص؛ لصدقه معه.

ص:213


1- انظر المسالك 2:462.

و قوّى هذا في المسالك (1)،و حكي السابق عن صريح ابن حمزة (2)، و ربما يميل إليه الفاضل في التحرير (3)،حيث نسب إطلاق القصاص مع عدم اعتبار الردّ إلى الأصحاب،و ظاهر الشهيدين في اللمعتين (4)التوقّف (و هو الوجه) (5)و لكنّ القول بعدم الاشتراط أوفق بالأصل،مضافاً إلى ما سبق من إطلاق النص و كلام الأصحاب.

و لا يقتل الحرّ بالعبد و لا بالأمة مطلقا،و لو كان لغيره بل يلزم قيمته يوم قتل بإجماعنا،على الظاهر،المصرّح به في المسالك و الروضة و غيرهما (6).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،ففي الصحيح:

«لا يقتل حرّ بعبد،و لكن يضرب ضرباً شديداً،و يغرم ثمنه دية العبد» (7).

و في آخر:«لا يقتل الحرّ بالعبد،و إذا قتل الحرّ العبد غرم ثمنه و ضرب ضرباً شديداً» (8).و نحوه الموثق كالصحيح (9)و غيره (10).

ص:214


1- المسالك 2:462.
2- الوسيلة:435.
3- التحرير 2:245.
4- اللمعة و الروضة 10:44.
5- ليست في«ب».
6- المسالك 2:462،الروضة 10:45،الخلاف 5:148.
7- الكافي 7:1/304،التهذيب 10:754/191،الإستبصار 4:1032/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 1.
8- الكافي 7:3/304،التهذيب 10:751/191،الإستبصار 4:1029/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 2.
9- الكافي 7:2/304،التهذيب 10:753/191،الإستبصار 4:1031/272،الوسائل 29:96 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 3.
10- التهذيب 10:755/191،الإستبصار 4:1033/272،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 7

و إطلاقها بلزوم القيمة مقيّد بما إذا لا يتجاوز دية الحرّ فإنّ مع التجاوز يردّ إليها،بإجماعنا على الظاهر،المصرَّح به في كثير من العبائر؛ للمعتبرة،منها الصحيح:«إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته و أُدّب» قيل:

و إن كان قيمته عشرين ألف درهم؟قال:«لا يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار» (1).

و لو اختلفا أي الحرّ الجاني و مولى العبد المجنيّ عليه في القيمة فالقول قول الجاني لأصالة عدم الزيادة؛ و كونه منكراً فيقدّم قوله.

و للخبر (2)الصريح:عن رجل قتل عبداً خطأً،قال:«عليه قيمته، و لا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم» قال:و من يقوّمه و هو ميت؟قال:«إن كان لمولاه شهود أنّ قيمته يوم قتله كانت كذا و كذا أخذ بها قاتله،و إن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد باللّه تعالى ماله قيمة أكثر ممّا قوّمته،فإن أبى أن يحلف و ردّ اليمين على المولى،فإن حلف المولى اعطي ما حلف عليه،و لا يجاوز بقيمته عشرة آلاف» (3).

و يعزّر القاتل بما يراه الحاكم و يلزمه الكفّارة لقتل المؤمن عمداً،و هي عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً، بلا خلاف في شيء من ذلك،و المعتبرة بها مع ذلك مستفيضة،و قد تقدّم ما يتعلق منها بالكفّارة في كتابها،و النصوص الدالّة على التعزير قد عرفتها، مضافاً إلى ما سبق في الحدود من الدليل عليه في فعل كلّ محرّم كلّيّة.

ص:215


1- الكافي 7:11/305،الفقيه 4:312/95،التهذيب 10:761/193،الإستبصار 4:1039/274،الوسائل 29:97 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 4.
2- في«ن»:للصحيح.
3- الفقيه 4:318/96،التهذيب 10:762/193،الوسائل 29:208 أبواب ديات النفس ب 7 ح 1.

و لو كان العبد المجني عليه ملكه أي ملك الجاني عزّر و كفّر و لا يقتل به،كما لو كان ملك غيره.

و لا فرق في الجاني هنا بين كونه حرّا أو عبداً،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من سائر الفتاوي،و به صرّح بعض أصحابنا،و لهذا يحسن تخصيصه بالذكر مع معلوميّة عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقا،لكنّه يتّجه على القول بملكيّة العبد لا مطلقاً.

و يحتمل التخصيص وجهاً آخر ،و هو الاتفاق على غرامة الجاني قيمة المجني عليه لو كان لغيره،و الاختلاف فيها لو كان له،فبين مفتٍ بها مع التصدّق على الفقراء كأكثر القدماء،بل لم يُرَ فيهم مخالف عدا الإسكافي (1)،فإنّه أورده بصيغة«روي» مشعراً بالتردّد،كالماتن هنا؛ لقوله:

و في الصدقة بقيمته رواية مسمع بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):

«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)رفع إليه رجل عذّب عبده حتى مات،فضربه مائة نكالاً،و حبسه سنة،و غرّمه قيمة العبد و تصدّق بها عنه» (2).

و فيها ضعف لسهل الضعيف على المشهور،و محمد بن الحسن ابن شمون الغالي،و عبد اللّه بن عبد الرحمن الضعيف،مع تضمّنها الحبس بسنة،و لم نَرَ به قائلاً،و مع ذلك معارضة بظواهر المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحاح و الموثقات و غيرها،الواردة في مقام الحاجة خالية عن ذكر التصدّق بالقيمة،و لم يذكر فيها سوى الكفّارة.

و نحوه عبارته في الشرائع،و عبارة الفاضل في كتبه التي وقفت عليها (3).

ص:216


1- حكاه عنه في غاية المراد 4:365.
2- الكافي 7:6/303،الفقيه 4:388/114،التهذيب 10:933/235،الوسائل 29:92 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 5.
3- الشرائع 4:205،الفاضل في التحرير 2:245،القواعد 2:286،الإرشاد 2:205.

لكن يجبر جميع ذلك فتوى الأصحاب بمضمونها،سيّما نحو ابن زهرة و الحلّي (1)اللذين لا يعملان بالأخبار الصحيحة فضلاً عن مثل هذه الرواية،فعملهما بها أقوى قرينة على قيام قاطع لهما على العمل بها من إجماع أو غيره،و أيّهما كان كفى.

مع أنّ ظاهر الأوّل نفي الخلاف عنها بين أصحابنا،حيث قال بعد ذكر هذا الحكم و أحكام أُخر-:بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كلّه.

و مع ذلك مروية في الفقيه بطريقه إلى السكوني،و هو قوي، و معتضدة بالمرسل (2)و غيره (3):في رجل قتل مملوكه«أنه يضرب ضرباً وجيعاً،و يؤخذ منه قيمته لبيت المال» بحملها على الأخذ للتصدّق؛ إجماعاً و جمعاً،هذا.

مع أنّ الضعف بسهل سهل،و التضمّن للحبس سنة غير قادح،إمّا لعدم استلزام خروج بعض الرواية عن الحجية خروجها عنها كملاً،أو لأنّ الحبس قد رآه(عليه السّلام)مصلحة فيكون تتمّة لتعزيره،كما جعله الضرب مائة، و لعلّه لهذا لم يقدح بهذا في الرواية أحد من أصحابنا عدا بعض متأخّري المتأخّرين (4)،و هو لما عرفت ضعيف،كضعف ما قدح به فيها أيضاً من عدم ظهورها في القتل عمداً،بل ظاهرها أنّه قصد الضرب خاصّة.

و هو غريب جدّاً فإنّ مضمونها صريح في ضربه حتى مات،و لفظة

ص:217


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):620،الحلّي في السرائر 3:355.
2- التهذيب 10:940/236،الوسائل 29:94 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 10.
3- الكافي 7:7/303،التهذيب 10:759/192،الإستبصار 4:1037/273،الوسائل 29:95 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 2.
4- مجمع الفائدة 14:56.

«حتى» كالصريحة في القتل عمداً.

و لئن سلّمنا فمثل هذا الضرب ممّا يقتل غالباً،بل قطعاً،فيكون قتلاً عمداً،و لو لم يكن للقتل قاصداً،كما مضى.

و خلوّ الروايات البيانية عن ذلك غايته الظهور في نفيه،و هو لا يعارض الروايات الصريحة بإثباته،بل هي بالنسبة إليها كالعام بالنسبة إلى الخاصّ مقدّم عليه قطعاً،و التكافؤ المشترط في التقدّم حاصل بما عرفت من فتوى الأصحاب بمضمونها،كما هو الحال في سائر المواضع.

و إليه أشار الشهيد في النكت،فقال:إنّ المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف؛ لاشتماله على القرائن،كما يعرف مذاهب الطوائف،و قد نبّه الشيخ المحقّق على هذا في المعتبر،و بالجملة:العمدة فتوى مشاهير الأصحاب (1)،إلى آخر ما قال.

و لنعم ما قال،و إن لم يرتضه كثير من الأبدال؛ لوجوه مدخولة بيّنتها مع صحة ما ذكره في رسالة مفردة في الإجماع،هذا.

مع أنّ المعتبرة المستفيضة المتقدمة المتضمنة للصحاح و الموثقات و غيرها،الدالّة على عدم قتل الحرّ بالعبد،و أنّه يلزم الجاني بالقيمة و يعزّر، مطلقة لا تنصيص في شيء منها بكون الجاني مولى المجني عليه أم غيره، فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضاً،غاية الأمر سكوتها عن مصرفها،و حيث ثبتت القيمة بإطلاقها هنا كان مصرفها الفقراء إجماعاً.

و ليت شعري كيف غفل الأصحاب عن هذه الروايات فلم يستدلّوا بها مع وضوح دلالتها على الحكم هنا بمعونة ما ذكرنا،و أظنّ الاستدلال بها من خصائص الكتاب،و الحمد للّه تعالى.

و لعلّ الوجه في عدم استدلالهم بها تخيّل اختصاصها بحكم التبادر

ص:218


1- غاية المراد 4:366.

بالجاني غير المولى،و أثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم،كما اندفع بها ما توجّه على ما مرّ من النصوص.

ثم إنّ ما ذكرناه من عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقاً مذهب الأكثر،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض،قال:كالشيخين و القاضي و ابن حمزة و ابن إدريس و الفاضلين (1).

أقول:و غيرهم أيضاً من المتأخرين؛ تمسّكاً بظاهر الكتاب،و ما مرّ من صحاح الأخبار.

و لكن في رواية:إن اعتاد الجاني ذلك أي قتل العبيد قتل به و المراد بالرواية:الجنس؛ لتعدّدها،منها:في رجل قتل مملوكه أو مملوكته،قال:«إن كان المملوك له أُدّب و حبس،إلّا أن يكون معروفاً بقتل المماليك،فيقتل به» (2).

و منها:عن رجل قتل مملوكه؟قال:«إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً،و أُخذ منه قيمة العبد،فتدفع إلى بيت مال المسلمين، و إن كان[متعوّداً (3)]للقتل قتل به» (4).

و منها:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قتل حرّا بعبد» (5)بحملها على المعتاد.

و بمضمونها أفتى جماعة من الأصحاب،و منهم ابن زهرة نافياً

ص:219


1- التنقيح الرائع 4:418.
2- الكافي 7:5/303،التهذيب 10:758/192،الإستبصار 4:1036/273،الوسائل 29:94 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 1.
3- في النسخ:معوداً،و ما أثبتناه من المصادر هو الصحيح.
4- الكافي 7:7/303،التهذيب 10:936/236،الإستبصار 4:1037/273،الوسائل 29:95 أبواب القصاص في النفس ب 38 ح 2.
5- التهذيب 10:757/192،الإستبصار 4:1035/273،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 9.

الخلاف عنه في ظاهر كلامه،قال:لفساده في الأرض لا على وجه القصاص،و كذا لو كان معتاداً لقتل أهل الذّمة (1).

و هو وجه حسن،و النصوص شاهدة،و لا منافاة بينها و بين ما مرّ من الأدلّة بعدم قتل الحرّ بالعبد؛ لظهورها في النفي على جهة القصاص،و نحن نقول به،و لكنّه لا ينافي ثبوته من جهة الفساد.

و دية الأمة المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة فتردّ إليها مطلقا،لذكرٍ كانت أم لأُنثى،كما في العبد،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبائر (2).

و كذا لا يتجاوز بدية العبد الذمّي دية الحرّ منهم أي من أهل الذمّة و لا بدية الأمة الذمّية دية الحرّة الذمّية .

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين كون المولى مسلماً أم ذمّيا،و به صرّح المولى الأردبيلي رحمه اللّه في شرح الإرشاد (3)، و لكن ظاهر الفاضلين في الشرائع و الإرشاد و صريح التحرير و القواعد (4)الفرق بينهما،و اختصاص الحكم بما في العبارة بكون المولى ذمّيا،و لو كان مسلماً اعتبر في دية عبده الذمّي عدم تجاوز دية الحرّ المسلم،و تبعهما الشهيد الثاني في المسالك (5)من غير نقل خلاف،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فوجهه غير واضح.

ص:220


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- مجمع الفائدة 14:59،كشف اللثام 2:450.
3- مجمع الفائدة 14:60.
4- الشرائع 4:205،الإرشاد 2:203،التحرير 2:245،القواعد 2:287.
5- المسالك 2:462.

قيل:و لعلّه مبني على الرواية المحكية عن الإيضاح (1)،مع إطلاق سائر الأخبار بالردّ إلى دية الحرّ،و كون الردّ خلاف الأصل،فيقتصر على المتيقن (2).

و لو قتل العبد حرّا عمداً قتل به اتفاقاً،فإنّ النفس بالنفس،و فيما سيأتي من الأدلّة دلالة عليه.

و لا فرق فيه بين كون الحرّ مولاه أم غيره،و يفرّق بينهما في قتله خطأً بثبوت الدية للحرّ المجنيّ عليه لو لم يكن مولاه،و عدمه لو كان مولاه، و في القوي:عبد قتل مولاه متعمّداً،قال:«يقتل به،و قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) بذلك» (3).

و لم يضمن مولاه جنايته،بل يتعلّق برقبته و يكون وليّ الدم بالخيار بين قتله و استرقاقه للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول،فإن شاءوا قتلوه،و إن شاءوا استرقّوه» (4)و نحوه غيره (5).

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (6).

و إطلاق هذه الأدلّة يقتضي جواز الاسترقاق و لو مع عدم رضى

ص:221


1- إيضاح القواعد 4:581،582.
2- كشف اللثام 2:450.
3- التهذيب 10:780/197،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 10.
4- الكافي 7:7/304،التهذيب 10:767/194،الوسائل 29:99 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 1.
5- الكافي 7:6/304،التهذيب 10:766/194،الوسائل 29:99 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 2.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):619.

المولى،كما صرّح به (1)جماعة (2)معلّلين زيادةً على ما مرّ من النصوص بأنّ الشارع سلّط الوليّ على إتلافه بدون رضاء المولى المستلزم لزوال ملكه عنه،فإزالته مع بقاء نفسه أولى؛ لما يتضمّن من حقن دم المؤمن،و هو مطلوب للشارع.

و احتمل توقف استرقاقه على رضاه؛ لأنّ ثبوت المال في العمد بدل القود يتوقّف على التراضي،و ربما حكي هذا قولاً (3)،و لم أجد له قائلاً.

و كيف كان فالأوّل أقوى؛ لإطلاق النصّ و الفتوى،مع الأولويّة التي عرفتها.

و ليس للمولى فكّه مع كراهة الوليّ كما ليس للقاتل دفع الدية إلى وليّ المقتول إلّا برضاه.

و لو جرح العبد حرّا فللمجروح القصاص منه،فإنّ الجروح قصاص و إن شاء المجروح استرقّه إن استوعبته الجناية بحيث لا يبقى من قيمته بعد إخراجها شيء بالمرّة و إن قصرت الجناية عن قيمته استرقّ المجني عليه منه بنسبة الجناية،أو يباع العبد فيأخذ من ثمنه حقه من أرش الجناية، و لو افتداه المولى و فكّه فداه بأرش الجناية .

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،إلّا في الحكم الأخير،فقيل بما في العبارة:من الفكّ بأرش الجناية زادت عن قيمته أم نقصت؛ لأنّه الواجب لتلك الجناية،و إليه ذهب في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (4)،

ص:222


1- في«ح» زيادة:في المسالك و.
2- إيضاح الفوائد 4:576،المسالك 2:462،المفاتيح 2:134.
3- المفاتيح 2:134،مرآة العقول 24:71.
4- الخلاف 5:149.

قيل:و في المبسوط أنّه الأظهر في الروايات.و قال المحقق:إنه مروي؛ و هو ظاهر النهاية و ابن إدريس و كثير من الأصحاب (1).

و قيل:بل يفكّه بأقلّ الأمرين من القيمة و أرش الجناية؛ لأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه،و المولى لا يعقل مملوكه،فالزائد لا يلزمه (2).و إليه ذهب في المبسوط (3).

و في الصحيح في عبد جرح حرّا:«إن شاء الحرّ اقتصّ منه،و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته،و إن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه،فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحته،و الباقي للمولى،يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه،و يردّ الباقي على المولى» (4).

و يقاد العبد بمولاة أي يقتصّ منه له لو جنى عليه متعمّداً إن شاء الوليّ للمولى الاقتصاص منه؛ لإطلاق ما دلّ على الاقتصاص من العبد للحرّ،أو فحواه؛ و لخصوص القويّ:في عبد قتل مولاه متعمّداً،قال:

«يقتل به،قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك» (5).

و لو قتل عبد مثله أو جرحه عمداً فإن كانا أي العبدان لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص من الجاني منهما أو العفو

ص:223


1- غاية المراد 4:367،مجمع الفائدة 14:64،و في المبسوط 7:7،و الشرائع 2:208،النهاية:752،السرائر 3:357.
2- المفاتيح 2:134.
3- المبسوط 7:39.
4- الكافي 7:12/305،الفقيه 4:309/94،التهذيب 10:776/196،الوسائل 29:166 أبواب قصاص الطرف ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:780/197،الوسائل 29:98 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 10.

عنه؛ لعموم الأدلّة؛ و خصوص الموثّق كالصحيح:عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه،إله أن يقيده به دون السلطان إن أحبّ ذلك؟قال:

«هو ماله يفعل فيه ما شاء؛ إن شاء قتل،و إن شاء عفا» (1).

و إن كانا لاثنين ف يأتي فيه ما مرّ:من أنّ للمولى أي مولى المجني عليه قتله أي الجاني،من دون ردّ فيما لو زاد الجاني المجني عليه قيمةً،أو مع ردّ الزيادة،على اختلاف القولين المتقدم إليهما الإشارة.

إلّا أن يتراضى الموليان عن قتله أو جرحه بدية أو أرش فلا يقتصّ منه بعده،بل يلزم ما تراضيا عليه،كما هو واضح،و سيظهر وجهه ممّا دلّ على جواز الصلح بالدية عن القصاص.

ثم إنّ كلّ ما ذكر في جناية العبد عمداً.

و لو كانت الجناية على مثله أو حرّ خطأ كان لمولى القاتل فكّه ب أقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمته أو بالأرش مطلقا،على الخلاف الذي مضى.

و له دفعه أي العبد الجاني إلى المجني عليه أو وليّه ليسترقّه و له أي للمولى حينئذٍ منه أي من العبد ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول و أرش الجناية و لا يضمن المولى ما يعوز و ينقص من قيمة الجاني عن الدية أو أرش الجناية،فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،و لإطلاق الخبر:«إذا قتل العبد الحرّ فدفع إلى أولياء الحرّ فلا شيء على مواليه» (2).

ص:224


1- الكافي 7:19/307،التهذيب 10:786/198،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 44 ح 1.
2- التهذيب 10:772/195،الوسائل 29:100 أبواب القصاص في النفس ب 41 ح 6.

مع أنّه لا خلاف فيه،و لا في ثبوت الخيار المزبور لمولى الجاني دون وليّ المجنيّ عليه،و سيأتي من النصوص في المدبّر ما يدل عليه.

و استدل عليه بأنّه لا يتسلّط وليّ المقتول هنا على إزالة ملكه عنه بالقتل ليحمل عليه الاسترقاق،و إنّما تعلّق حقّه بالدية من مال المولى فله الخيار.

و في الصحيح:عن مكاتب قتل رجلاً خطأً؟قال:فقال:«إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرقّ فهو بمنزلة المملوك، يدفع إلى أولياء المقتول،فإن شاؤوا قتلوا و إن شاؤوا باعوا» الحديث (1).

و ظاهره تعيّن الدفع،و هو شاذّ،إلّا أن يحمل كونه على وجه الخيار لكن يشكل ما فيه من الحكم بالقصاص في الخطأ،إلّا أن يحمل الخطأ فيه على ما يقابل الصواب لا العمد،و حينئذٍ يخرج الخبر عن محل البحث.

و المدبّر في جميع ذلك كالقنّ فيقتل إن قتل عمداً حرّا أو عبداً،أو يدفع إلى وليّ المقتول يسترقّه،أو يفديه مولاه بالأقلّ،كما مرّ.

ثم إن فداه أو بقي منه شيء بعد أرش الجناية بقي على تدبيره، إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في القواعد (2).

و لو استرقّه كلّه وليّ الدم ففي خروجه عن التدبير قولان اختار أوّلهما الحلّي (3)و أكثر المتأخرين،بل عامّتهم؛ لأنّه انتقل إلى ملك غير المدبِّر،فيخرج عن التدبير،كالبيع؛ و للصحيح:عن مدبَّر قتل رجلاً

ص:225


1- الكافي 7:3/308،الفقيه 4:316/95،التهذيب 10:787/198،الوسائل 29:105 أبواب القصاص في النفس ب 46 ح 2.
2- القواعد 2:285.
3- السرائر 3:354.

عمداً؟فقال:«يقتل به» قال:و إن قتله خطأ؟قال:«يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم،فإن شاؤوا استرقّوه،و ليس لهم قتله،إنّ المدبّر مملوك» (1).

و ثانيهما الشيخان و الصدوق و الإسكافي (2)؛ لقولهم بلزوم الاستسعاء كما حكي،و هو فرع بقاء التدبير لاستصحاب بقائه إلى أن يعلم المزيل.

و للصحيح:عن مدبّر قتل رجلاً خطأً،من يضمن عنه؟قال:«يصالح عنه مولاه،فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره،ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه» (3).

مضافاً إلى النص الآتي الدالّ على الاستسعاء المتفرّع عليه كما عرفت.

و يضعّف الأوّل:بثبوت المزيل،و هو ما مرّ من الدليل.

و الصحيح:بمعارضته بمثله،بل و أجود منه،مع احتمال ضعف دلالته؛ إذ ليس فيه استرقاق وليّ الدم له،بل غاية ما فيه دفعه إليه يخدمه، و هو أعمّ من استرقاقه و عدمه،لو لم نقل بظهوره في الثاني،فيحمل عليه، و يكون المقصود من الدفع للخدمة احتساب أُجرتها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية،و حينئذٍ يصح الحكم ببقاء التدبير بلا شبهة،و يكون من قبيل ما لو افتداه المولى ببذل الدية أو أرش الجناية.

ص:226


1- الكافي 7:8/305،الفقيه 4:315/95،التهذيب 10:782/197،الوسائل 29:102 أبواب القصاص في النفس ب 42 ح 1؛ بتفاوت.
2- المفيد في المقنعة:751،الطوسي في النهاية:751،الصدوق في المقنع:191،حكاه عن الإسكافي في كشف اللثام 2:203.
3- الكافي 7:9/305،التهذيب 10:783/197،الإستبصار 4:1042/275،الوسائل 29:211 أبواب ديات النفس ب 9 ح 1.

و يحتمل الحمل على هذا ما سيأتي من الرواية في الاستسعاء؛ إذ ليس فيها التصريح بدفعه رقّاً لأولياء الدم،بل غايتها الدفع إليهم مطلقاً، فيحتمل الحمل على ما ذكرنا.

مع ضعفها سنداً،و عدم مكافأتها كما قبلها لأدلّة القول الأوّل جدّاً،سيّما مع اشتهارها شهرة عظيمة بين أصحابنا،فالقول الأوّل أقوى.

و بتقدير أن لا يخرج عن التدبير هل يسعى بعد موت المولى في فكّ رقبته من أولياء الدم،أم لا؟ المرويّ في بعض النصوص:

أنّه يسعى و فيه:عن مدبّر قتل رجلاً خطأً؟قال:«أيّ شيء رويتم في هذا؟» قال:روينا عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)أنّه قال:«يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول،فإذا مات الذي دبره عتق» قال:«سبحان اللّه،فيطلّ دم امرئٍ مسلم» قلت:هكذا روينا،قال:«غلطتم على أبي(عليه السّلام)يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول،فإذا مات الذي دبّره استسعى في قيمته» (1).

و ضعف سنده كما مرّ يمنع عن العمل به،مع مخالفته الأصل،و ظاهر الصحيح الثاني؛ لقوله:«ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه» (2)و لعلّه لذا قال المفيد بالعدم كما حكي (3).

و ظاهر الرواية الاستسعاء في قيمة نفسه،كما عن الصدوق و الإسكافي (4)،و عن الشيخ في النهاية و الكتابين (5)الاستسعاء في دية

ص:227


1- الكافي 7:20/307،التهذيب 10:785/198،الإستبصار 4:1044/275،الوسائل 29:212 أبواب ديات النفس ب 9 ح 5.
2- المتقدّم في ص 225.
3- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:165،و هو في المقنعة:751.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:203،و هو في المقنع:191.
5- حكاه عنه في المختلف:792،و هو في النهاية:751،و التهذيب 10:198،و الاستبصار 4:275.

المقتول،و هو مع منافاته لظاهرها،و النصوص القائلة:إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه لا دليل عليه،و لذا نسبه الماتن في الشرائع إلى الوهم (1).

و أوّلَ بعض الفقهاء كلام الشيخ بأنّ دية المقتول الآن هي قيمة العبد؛ لأنّه لا يطالب بأكثر من نفسه،فجاز أن يطلق عليها أنّها دية المقتول (2).

و لا بأس به،و إن لم يرتضه في التنقيح،قائلاً:إنّه عدول عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل (3)؛ صوناً لفتوى الشيخ عن المخالفة للخبر الذي استند هو إليه لها.

و المكاتب إن لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً،أ و كان مشروطاً كان كالرقّ المحض بلا خلاف،للصحيحين،مضى أحدهما في جناية العبد خطأً (4)،و في الثاني:«فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئاً فإنه يقاصّ للعبد منه،و يغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب؛ لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً» (5).

و إن كان مطلقاً و قد أدّى شيئاً تحرر منه بقدر ما أدّى فإن قتل حرّا مكافئاً له في الحرّية و لو كان عبداً من جهة،ما لم تنقص حرّيته عن حرّيته،و إلّا فلا يقتصّ له منه ما لم يتساو حرّيتهما أو يزد حرّية المقتول على حرّية القاتل عمداً قتل به و إن قتل مملوكاً محضاً أو مبعّضاً مع نقصان حرّيته عن حرّية

ص:228


1- الشرائع 4:206.
2- لم نعثر على قائله و لكن حكاه عنه في التنقيح 4:420.
3- التنقيح 4:420.
4- في ص:224.
5- الفقيه 4:319/96،الوسائل 29:214 أبواب ديات النفس ب 10 ح 5.

القاتل فلا قود عليه؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه و تعلّقت الجناية حينئذٍ بذمّته و بما فيه من الرقّية مبعّضة فبقدر ما فيه من الحرّية بذمّته، و بما فيه من الرقية برقبته و يسعى في نصيب الحرّية من قيمة المقتول و ما بإزائها منها و يسترقّ وليّ الدم الباقي منه،أو يباع في نصيب الرقّ من قيمته و إن أمكنه،أو كان ما في يده يفي بتمام قيمة المقتول؛ لأنّه لما فيه من الرقّية يتعلّق من جنايته ما بإزائها برقبته،و تبطل الكتابة حينئذٍ؛ لانتقاله إلى ملك الغير.

و لو قتل حرّا،أو قنّاً،أو مبعّضاً خطأً فعلى الإمام أن يؤدّي عنه بقدر ما فيه من الحرّية إن لم يكن له عاقلة،فإنّه عاقلته،بلا خلاف أجده.

و للصحيح:«إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه،و كان قد أدّى من مكاتبته شيئاً فإنّ علياً(عليه السّلام)كان يقول:يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مكاتبته،و إنّ على الإمام أن يؤدّي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أُعتق من المكاتب،و لا يبطل دم امرئ مسلم،و أرى أن يكون ما بقي على المكاتب ما لم يؤدّه،فلأولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه و ليس لهم أن يبيعوه» (1).

و للمولى الخيار بين فكّ ما فيه من نصيب الرقّية بالأرش أو بأقلّ الأمرين،على الخلاف المتقدم،و تبقى الكتابة بحالها باقية،و بين تسليم حصّة الرّق إلى وليّ المقتول ليقاصّ بالجناية و تبطل الكتابة، و له التصرف فيه كيف شاء من بيع،أو استخدام،أو غيرهما.

ص:229


1- الكافي 7:3/308،الفقيه 4:316/95،التهذيب 10:787/198،الوسائل 29:105 أبواب القصاص في النفس ب 46 ح 2.

هذا هو الذي يقتضيه الأُصول،و عليه أكثر المتأخرين على الظاهر، المصرّح به في المسالك (1)،بل المشهور بين الأصحاب مطلقاً،كما في المهذّب و غيره (2)،و في المسالك أنّ في بعض الأخبار دلالةً عليه.و لم أقف عليه،بل في الصحيح المتقدّم قريباً ما ينافي جواز بيعه لوليّ الدم، و أن ليس له سوى استخدامه حياته و لم يقولوا به،بل حكي القول به عن الصدوق و المفيد و الديلمي (3)،و نفى عنه البأس في المختلف (4)،و يمكن حمله على كراهة البيع أو حرمته إذا أُريد بيعه أجمع.

و في رواية علي بن جعفر المروية بطريق مجهول:أنّه إذا أدّى المكاتب نصف ما عليه فهو بمنزلة الحرّ و هي طويلة في آخرها:

عن المكاتب إذا أدّى نصف ما عليه؟قال:«هو بمنزلة الحرّ في الحدود و غير ذلك من قتل و غيره» (5)و لم أرَ مفتياً بها صرحياً.

نعم الشيخ جمع في الاستبصار (6)بينها و بين الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في مكاتب قتل،قال:يحتسب منه ما أعتق منه فيؤدّي به دية الحرّ،و ما رقّ منه دية الرقّ» (7)بحمله على التفصيل الذي تضمّنته الرواية،و لذا نسبه الأصحاب إلى القول بها.

ص:230


1- المسالك 2:463.
2- لم نعثر عليه في المهذّب،مجمع الفائدة 14:69،مرآة العقول 24:80.
3- حكاه عنهم في المهذّب البارع 5:168،الصدوق في المقنع:192،المفيد في المقنعة:752،الديلمي في المراسم:237.
4- المختلف:795.
5- التهذيب 10:795/201،الإستبصار 4:1049/277،الوسائل 29:213 أبواب ديات النفس ب 10 ح 3.
6- الاستبصار 4:277.
7- الكافي 7:1/307،الفقيه 4:308/94،التهذيب 10:790/200،الإستبصار 4:1048/276،الوسائل 29:213 أبواب ديات النفس ب 10 ح 2.

و فيه نظر؛ لاحتمال إرادته بذلك مجرّد الجمع لا الفتوى،مع أنّه ذكر بعض الأفاضل أنّ الذي في الاستبصار أنّ حكمه حكم الحرّ في دية أعضائه و نفسه إذا جني عليه،لا في جناياته،و إن تضمّنها الخبر،فيحتمل أن يكون إنّما يراه كالحرّ في ذلك خاصّة،كما يرى الصدوق مع نصّه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين،قال:و إذا فقأ حرّ عين مكاتب أو كسر سنّه فإن كان أدّى نصف مكاتبته فقأ عين الحرّ،أو أخذ ديته إن كان خطأً، فإنّه بمنزلة الحرّ و إن كان لم يؤدّ النصف قوّم فأدّى بقدر ما أُعتق منه،و إن فقأ مكاتب عين مملوك و قد أدّى نصف مكاتبته قوّم المملوك و أدّى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه (1)؛ انتهى.

و أشار بما سمعته إلى ما حكاه عنه سابقاً،فقال:و في المقنع:

و المكاتب إذا قتل رجلاً خطأً فعليه من الدية بقدر ما أدّى من مكاتبته، و على مولاه ما بقي من قيمته،فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له فإنّما ذلك على إمام المسلمين (2).

و من هذه العبارة يظهر ما في نسبة جماعة (3)مختار المفيد إلى الصدوق،فإنّ بين مختاريهما فرقاً واضحاً،و كذا في نسبة مختاره إلى الديلمي؛ على ما يظهر من عبارته التي حكاها الفاضل المتقدم عنه في المراسم،و هي هذه:على الإمام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه،و يستسعي في البقيّة (4).

ص:231


1- كشف اللثام 2:449.
2- كشف اللثام 2:449.
3- منهم ابن فهد في المهذّب 5:168،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:68،انظر مرآة العقول 24:80.
4- كشف اللثام 2:449،و هو في المراسم:237.

و هنا

مسائل
الأولى لو قتل الحرّ حرّين

مسائل ثلاث:

الاُولى :لو قتل الحرّ حرّين فصاعداً عمداً فليس للأولياء إلّا قتله بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن المبسوط و الخلاف كما ستسمعه،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى الأصل،و قولهم عليهم السلام:«إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه» (1).

فلو قتلوه لم يكن لهم المطالبة بالدية.

و لو قتله أحدهم،فهل للباقي المطالبة بالدية؟فيه وجهان،بل قولان،من أنّ الجناية لم توجب سوى القصاص،و من عموم قوله(عليه السّلام):

«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (2)و اختار هذا الفاضل في القواعد في هذا الكتاب،و إن تردّد فيه في الديات،و تبعه ولده في الشرح،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب،و شيخنا في المسالك،و إن كان ظاهره التردّد فيه في الروضة،و حكي عن الإسكافي و ابن زهرة (3).

و ظاهر العبارة و نحوها الأوّل،كما عن النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و المبسوط و الخلاف (4)،مدّعى فيهما الإجماع،و هو الأوفق بالأصل.

ص:232


1- الفقيه 4:286/89،الوسائل 29:85 أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 18؛ بتفاوت يسير؛ و كذا الحديث 10 من نفس الباب.
2- عوالي اللئلئ 2:441/160.
3- القواعد 2:284 و 300،إيضاح الفوائد 4:573،التنقيح الرائع 4:421،المسالك 2:463،الروضة 10:50،حكاه عن الإسكافي في المختلف:818،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- النهاية:746،الوسيلة:432،السرائر 3:348،الجامع للشرائع:579،المبسوط 7:61،الخلاف 5:182.

و لو قتل العبد حرّين فصاعداً على التعاقب واحداً بعد واحد ففي رواية علي بن عقبة،عن مولانا الصادق(عليه السّلام):في عبد قتل أربعة أحرار،واحداً بعد واحد،قال:« هو لأولياء الأخير من القتلى،إن شاءُوا قتلوه،و إن شاءُوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّه أولياؤه،فإذا قتل الثاني استُحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني» (1)و هكذا.

و في رواية أُخرى صحيحة أنّهما يشتركان فيه ما لم يحكم به لوليّ الأوّل (2) و باختلافهما اختلف الأصحاب،فبين مفتٍ بالأُولى، كالشيخ في النهاية (3)،و مفتٍ بالثانية كهو في الاستبصار و عن الإسكافي و الحلّي (4)،و عليه عامّة المتأخّرين.

و هو الأقوى؛ لصحة سندها،و اعتضادها بفتوى أكثر الأصحاب،بل كلّهم؛ لرجوع الشيخ عن الأُولى إليها.و بالاعتبار؛ لاشتراكهما في الاستحقاق،و عدم الانتقال بمجرّد الجناية بدون الاسترقاق،فإنّ الأصل في مقتضى العمد القصاص،فلا وجه لتردّد الماتن هنا،مع فتواه في الشرائع (5)بالثانية صريحاً،بل طرح الاُولى متعيّن جدّاً.

و يمكن حملها على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته

ص:233


1- التهذيب 10:774/195،الإستبصار 4:1040/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 3.
2- الفقيه 4:311/94،التهذيب 10:775/195،الإستبصار 4:1041/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 1.
3- النهاية:752.
4- الاستبصار 4:274،حكاه عن الإسكافي في المختلف:795،الحلّي في السرائر 3:357.
5- الشرائع 4:207.

على اللاحق؛ جمعاً.

و احترز بالتعاقب عمّا لو قتلهما دفعةً،فإنّ أولياء المقتولين يشتركون فيه حينئذٍ اتفاقاً،كما في شرح الشرائع للصيمري و المسالك و غيرهما (1)، و في غيرها نفي الخلاف عنه (2).

قالوا:و يكفي في الحكم به للأوّل اختياره استرقاقه قبل جنايته على الثاني،و إن لم يحكم به حاكم،و مع اختياره الاسترقاق لو قَتَل بعد ذلك فهو للثاني،فإن اختار استرقاقه ثم قَتَل فهو للثالث،و هكذا.

و نبّهوا بذلك على خلاف الشيخ في الاستبصار (3)،حيث اشترط في ذلك حكم الحاكم به،و ظاهر الرواية الصحيحة معه،فإنّ فيها:عبد جرح رجلين،قال:«بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته» قيل له:فإن جرح رجلاً في أوّل النهار و آخر في آخر النهار؟قال:«هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل» قال:«فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير» (4).

و حمله في المختلف (5)على ما يجب أن يحكم به،و هو الانتقال المستند إلى الاختيار،و في المسالك بعد نقل ما مرّ عن الشيخ قال:و لعلّه جعل حكم الحاكم به كناية عن اختيار الأوّل الاسترقاق (6).و هو غير بعيد.

ص:234


1- غاية المرام 4:377،المسالك 2:463؛ ملاذ الأخيار 16:400.
2- كشف اللثام 2:451.
3- الإستبصار 4:274.
4- الفقيه 4:311/94،التهذيب 10:775/195،الإستبصار 4:1041/274،الوسائل 29:104 أبواب القصاص في النفس ب 45 ح 1.
5- المختلف:796.
6- المسالك 2:464.
الثانية لو قطع يمين رجلين

الثانية: لو قطع حرّ يمين رجلين حرّين قطعت يمينه للأوّل و يساره للثاني كما لو قطع يمينه و لا يمين له،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المسالك،و عن الخلاف و الغنية (1)،و هو الحجّة المخصِّصة لعموم ما دلّ على اعتبار المماثلة؛ مضافاً إلى ما سيأتي من الرواية الدالّة عليه صريحاً و فحوى.

و قال الشيخ في النهاية (2):و لو قطع يداً و ليس له يدان قطعت رجله باليد،و كذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأوّل فالأوّل و الرجل بالأخير فالأخير،و لمن يبقى بعد ذلك الدية و نحوه في الخلاف (3)،و تبعه أكثر الأصحاب بل لم نقف لهم على مخالف،عدا الحلّي و شيخنا الشهيد الثاني (4)،حيث اعتبرا المماثلة،فلم يجوّزا قطع الرجل باليد،و أوجبا الدية؛ عملاً منهما بالعمومات المتقدّمة.

و هما شاذّان،محكي على خلافهما الإجماع عن الخلاف و في الغنية (5)،و هو الحجّة،مضافاً إلى الرواية المشار إليها بقوله:

و لعلّه استناداً إلى رواية حبيب السجستاني الصحيحة إليه، و كالصحيحة من أصلها؛ لرواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،و مع ذلك مروية في الكتب الثلاثة و المحاسن للبرقي عنه عن أبي جعفر(عليه السّلام) :عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين،قال:فقال:

«يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلاً،و تقطع يساره للذي قطع يمينه

ص:235


1- المسالك 2:463،الخلاف 5:193،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- النهاية:771.
3- الخلاف 5:193.
4- الحلّي في السرائر 3:396،الشهيد الثاني في المسالك 2:463.
5- الخلاف 5:193،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

أخيراً؛ لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأوّل» قال:

فقلت:إن عليّاً(عليه السّلام)إنّما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى،قال:فقال:

«إنّما يفعل ذلك فيما يجب من حقوق اللّه تعالى،فأمّا ما كان من حقوق المسلمين فإنّه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص،اليد باليد إذا كان للقاطع يدان،و الرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان» فقلت له:أو ما توجب عليه الدية و تترك له رجله؟فقال:«إنّما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان،فثمّ توجب عليه الدية؛ لأنّه ليس له جارحة يقاصّ منها» (1).

و هذه الرواية مع اعتبار سندها بما عرفته من القرب من الصحّة معلّلة سليمة عن المعارض بالكلّية عدا العمومات المتقدّم إليها الإشارة، و هي بها مخصَّصة؛ لحصول المكافأة،سيّما مع عمل الأصحاب بها و وصفهم لها بالصحة،و إن لم يظهر وجهه؛ لأنّ حبيباً لم ينصّوا على توثيقه ،و إنّما ذكروا أنّه كان شارياً (2)و انتقل إلينا (3)،و في إلحاقه بذلك بالحسن فضلاً عن الصحيح بُعد.

و يحتمل كون الوصف بها إضافيّاً؛ لصحة الطريق إلى الراوي،و لكن مثله غير نافع لحجّية الحديث إن لم يكن الراوي بصفة الصحيح،و لذا استجود الشهيد الثاني في الروضة (4)طرح الرواية،و العمل بعمومات المماثلة.

ص:236


1- الكافي 7:4/319،الفقيه 4:328/99،التهذيب 10:1022/259،الوسائل 29:174 أبواب قصاص الطرف ب 12 ح 2.
2- قيل:أي خارجياً.منه رحمه اللّه.
3- رجال الكشي 2:637.
4- الروضة 10:51.

و هو ضعيف في الغاية؛ لعدم انحصار الحجة في الرواية الصحيحة، بل القربية منها كذلك،و الرواية كذلك كما عرفته،و على تقدير ضعفها ففتوى الأصحاب لها جابرة،سيّما مع دعوى جملة منهم عليه إجماع الإمامية،و عدم ظهور مخالف لهم بالكلّية عدا الحلّي،و هو شاذّ كما عرفته.

و من هنا يظهر أنّ تردّد الماتن لا وجه له.

و على المختار يجب الاقتصار في مخالفة العمومات على مورد النص،و هو التقاصّ في الرجل باليد،و به قطع الفاضل في التحرير و غيره (1).

خلافاً للحلبي (2)،فعمّم الحكم فقال:و كذلك القول في أصابع اليدين و الرجلين و الأسنان.و لعلّه نظر إلى ما مرّ في الرواية من العلّة.

و اعلم أنّ ذكر هذه المسألة في قصاص الطرف كما فعله جماعة أولى من ذكرها هنا.

الثالثة إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه

الثالثة :إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه بعد ذلك مولاه ففي صحة العتق تردّد :

من بقاء ملكه عليه،و تغليب الحرّية،و كون الأصل في قضية العمد القتل دون الاسترقاق،و هو باق مع العتق؛ لأنّ المقتول مكافئ للحرّ لو كانت الحرّية ابتداءً،فمع طريانها أولى،هذا،مع كون العتق أقوى من الجناية؛ لنفوذه في ملك الغير و هو الشريك،بخلافها.

و من تسلّط الوليّ على إزالة ملكه عنه بالقتل أو الاسترقاق،فيضعف ملك المولى له،و تعلّق حق الغير به قصاصاً أو استرقاقاً،و هو يمنع

ص:237


1- التحرير 2:246،الإرشاد 2:209،القواعد 2:304.
2- الكافي في الفقه:389.

الاسترقاق.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع و شيخنا في شرحه و فخر الدين و الفاضل المقداد في الشرح (1): أنه لا ينعتق؛ لأنّ للوليّ التخيير في الاقتصاص و الاسترقاق بالنصّ و الوفاق،و هو ينافي صحة العتق؛ لعدم إمكان أحد فردي متعلّق الخيار معه،و إن أمكن الفرد الآخر الذي هو الاقتصاص،فإنّ إلزام الوليّ به إجبار لا تخيير.

نعم لو قلنا ببقاء الخيار معه و أنّه إن اقتصّ منه أو استرقّه بطل عتقه، و إن عفا على مال و افتكّه مولاه عتق،و كذا لو عفا عنه مطلقا،كما في التحرير و غيره (2)لم يلزم المحذور،لكن يلزم محذور آخر،و هو كون العتق موقوفاً مع أنّ من شرطه التنجيز و عدم التعليق.

اللهم إلّا أن يمنع عن ضرر مثل هذا التعليق،و يخصّ التعليق الممنوع منه بما ذكره في صيغة العتق،لا ما كان موجباً لتوقّفه من خارج كما نحن فيه،فتدبّر.

و لو كان قتله له خطأً ففي رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر(عليه السّلام) قال:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في عبد قتل حرّا خطأً،فلمّا قتله أعتقه مولاه» قال:«فأجاز عتقه،و ضمّنه الدية» (3)و مقتضاها كما ترى أنه يصحّ العتق و يضمن المولى الدية و به أفتى في النهاية و الفاضل في القواعد (4)؛ لها؛ و لأنّ الخيار في الخطأ إلى السيّد إن

ص:238


1- الشرائع 4:209،المسالك 2:464،فخر الدين في الإيضاح 4:584،التنقيح 4:423.
2- التحرير 2:246،القواعد 2:288.
3- التهذيب 10:794/200،الوسائل 29:216 أبواب ديات النفس ب 12 ح 1.
4- النهاية:751،القواعد 2:287.

شاء سلّمه،و إن شاء فداه،فعتقه دليل على اختياره الافتداء.

و يضعّف الرواية:بأنّ في عمرو ضعف مشهور ،و مع ذلك مرسلة،فلا تصلح للحجّية.

و التعليل:بجواز إعسار السيّد و عجزه عن الدية،فلو حكمنا بصحة العتق لزم أن يطلّ دم امرئ مسلم،و هو باطل،و من ثمّ قيّدها الفاضل (1)بصورة يسار المولى المعتق.و يضعّف هذا بأنّه قد يدافع مع يساره.

و حينئذٍ ف الأشبه اشتراط الصحة بتقديم المولى الضمان للدية على العتق مع رضاء وليّ الدم به،أو أدائه لها قبله؛ فراراً عن ذينك المحذورين،و هو حسن.

و ربما يقيّد الصحة بأداء المولى الدية من دون اعتبار تقديم الأداء، حتى لو أدّاها بعد العتق صحّ و لو لم يضمنها قبله،كما في المسالك (2).

و يشكل حينئذٍ بأنّ العتق لا يقع موقوفاً؛ لبنائه على التغليب،بل إمّا أن يحكم بصحته منجّزاً أو ببطلانه رأساً،فلا وجه للحكم بالصحة متزلزلاً إلى الأداء.

و ظاهر عبارة الماتن هنا و في الشرائع (3)كفاية تقديم الضمان للدية قبل العتق في لزوم صحته مطلقاً،أدّاها قبله أم لا،رضي الوليّ بالضمان أم لا.

و يشكل في صورة عدم الأداء مع عدم ظهور رضاء الوليّ بضمانها، بأنّه قد يضمنها و يدافع بعد ذلك عن الأداء،كما ورد على الفاضل في

ص:239


1- القواعد 2:288.
2- المسالك 2:464.
3- الشرائع 4:209.

القواعد.

فالأجود التعبير بما قدّمناه،وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،حيث لم يعبّر عن الأشبه بما في المتن،بل قال:و التحقيق هنا أن نقول:إن دفع الدية أوّلاً أو ضمن و رضي الوليّ صحّ العتق،و إلّا فلا.

الشرط الثاني الدين

الشرط الثاني: التساوي في الدين فلا يقتل مسلم بكافر مطلقاً ذمّيا كان أو غيره إجماعاً من العلماء كافّة في الحربي على الظاهر،المصرَّح به في الإيضاح (2)،و من الإمامية خاصة مطلقاً،حتى الذمّي مع عدم اعتياد قتله،كما ادّعاه جماعة حدّ الاستفاضة،كالحلّي في السرائر و فخر الدين في الإيضاح و شيخنا في المسالك (3)،و نفى عنه الخلاف في التنقيح (4)و شرح الشرائع للصيمري (5).

و كأنّهم لم يعتدّوا بما يحكى عن الصدوق في المقنع (6)من تسويته بين المسلم و الذمّي في أن الوليّ إن شاء اقتصّ من قاتله المسلم بعد ردّ فاضل الدية،و إن شاء أخذ الدية.

مع أنّه يدل عليه جملة من المعتبرة،كالصحيح:«إذا قتل المسلم النصراني ثم أراد أهله أن يقتلوه قتلوه و أدّوا فضل ما بين الديتين» (7).

ص:240


1- التنقيح 4:423.
2- الإيضاح 4:592.
3- السرائر 3:397،الإيضاح 4:592،المسالك 2:465.
4- التنقيح 4:424.
5- غاية المرام 4:383.
6- المقنع:191.
7- الكافي 7:8/310،التهذيب 10:743/189،الإستبصار 4:1025/271،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 4.

و الصحيح:«إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً و أرادوا أن يقيدوا ردّوا فضل دية المسلم و أقادوا به» (1)و نحوهما الموثق (2).

و لكنّها بإطلاقها شاذّة معارضة بما عرفت من الإجماع المستفيض في كلام الجماعة،و نصّ الكتاب،قال سبحانه وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (3).

مضافاً إلى الاعتبار،و النصوص الآتية،فلتكن هذه مطرحة،أو محمولة على التقية؛ لموافقتها لرأي أبي حنيفة كما حكاه عنه بعض الأجلة (4)،أو على صورة الاعتياد كما فصّلته النصوص المعارضة.

و بالجملة:لا ريب في عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا في الصورة المفروضة.

و لكن يعزّر المسلم القاتل و يغرم دية الذميّ إذا قتله.

و لو اعتاد المسلم ذلك أي قتل الذمّي فهل يجوز قتله به، أم لا؟الحلّي (5)على الثاني؛ عملاً بنصّ الكتاب المتقدّم،مع دعواه الإجماع عليه،و وافقه فخر الدين و والده في جملة من كتبه (6)في ظاهر كلامه.

ص:241


1- الكافي 7:2/309،التهذيب 10:741/189،الإستبصار 4:1023/271،الوسائل 29:107 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 2.
2- الكافي 7:3/309،التهذيب 10:742/189،الإستبصار 4:1024/271،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 3.
3- النساء:141.
4- انظر الإيضاح 4:594.
5- السرائر 3:352.
6- فخر الدين في الإيضاح 4:594،والده في المختلف:794،القواعد 2:290،التحرير 2:247.

و الأشهر كما ادّعاه الشهيدان و غيرهما (1)الأوّل،بل زاد أوّلهما فادّعى الإجماع عليه،فقال:و الحقّ أنّ هذه المسألة إجماعية،فإنّه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس،و قد سبقه الإجماع عليه،و لو كان هذا الخلاف مؤثّراً في الإجماع لم يوجد إجماع أصلاً.

و قريب منه كلام الثاني في الروضة،حيث قال:و العجب أنّ ابن إدريس احتجّ على مذهبه بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر،و هو استدلال في مقابلة الإجماع،انتهى.

و حكى التصريح به عن الانتصار (2)،و هو الحجّة على انتصار هذا القول.

مضافاً إلى نحو الصحيحين المتقدّمين المجوِّزين لقتل المسلم بالذمّي بعد ردّ أوليائه الدية،و شمولها لصورة عدم الاعتياد بالإطلاق مقيّد بالإجماع،و ببعض المعتبرة المروي بعدّة طرق،جملة منها موثّقة كالصحيحة بأبان و فضالة اللذين قد نقل على تصحيح ما يصحّ عنهما إجماع العصابة (3):عن دماء اليهود و النصارى و المجوس،هل عليهم و على من قتلهم شيء،إذا غشّوا المسلمين و أظهروا لهم العداوة؟قال:«لا،إلّا أن يكون متعوّداً لقتلهم» و عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة و أهل الكتاب إذا قتلهم؟قال:«لا،إلّا أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم،فيقتل و هو صاغر» (4).

ص:242


1- الشهيد الأوّل في غاية المراد 4:347،الشهيد الثاني في الروضة 10:55،كشف اللثام 2:454.
2- الانتصار:272.
3- انظر رجال الكشي 2:673،830.
4- الكافي 7:4/309،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:107 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 1.

و نحوه خبر آخر (1)،ضعف سنده كقصور سابقه إن كان منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية،مضافاً إلى حكاية الإجماعات المتقدّمة،و بهذه الأدلّة تخصّ ظاهر الكتاب و إطلاق الصحيحة:«لا يقاد مسلم بذمّي في القتل و لا في الجراحات،و لكن يؤخذ من المسلم ديته للذمّي على قدر دية الذميّ ثمانمائة درهم» (2).

و أمّا الجواب عن إجماع الحلّي فقد عرفته بما في الروضة،فلا ريب أيضاً في هذه المسألة.

و لعلّه لذا رجع الماتن عن التردّد فيها في الشرائع (3)إلى الجزم بما هنا؛ لقوله: جاز الاقتصاص مع ردّ فاضل الدية (4) و ظاهره كما ترى كون القتل قصاصاً لا حدّا،كما عن المقنعة و النهاية و الجامع و الوسيلة (5)، و عن الإسكافي و الحلبي و ظاهر الفقيه و الغنية (6)أنّه يقتل حدّا فلا يجب ردّ الدية،كما عليه الفاضل (7).

و مقتضى النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض بالنسبة إلى ردّ فاضل الدية هو الأوّل،و هو الوجه مع عدم ظهور دليل غيره.

و في الروضة:و يمكن الجمع بين الحكمين،فيقتل لقتله و إفساده،

ص:243


1- الكافي 7:12/310،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:109 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 6.
2- الكافي 7:9/310،التهذيب 10:740/188،الإستبصار 4:1022/270،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.
3- الشرائع 4:211.
4- في المختصر المطبوع:دية المسلم.
5- المقنعة:739،النهاية:749،الجامع للشرائع:572،الوسيلة:431.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:794،الحلبي في الكافي:384،الفقيه 4:92،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
7- التحرير 2:447.

و يردّ الورثة الفاضل.و تظهر فائدة القولين في سقوط القود بعفو الوليّ، و توقّفه على طلبه على الأوّل دون الثاني.و على الأوّل ففي توقّفه على طلب جميع أولياء المقتولين أو الأخير خاصة،وجهان،منشؤهما كون قتل الأوّل جزءاً من السبب أو شرطاً فيه،فعلى الأوّل الأوّل،و على الثاني الثاني، و لعلّه أقوى.و يتفرّع عليه أنّ المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين أو عن دية الأخير،فعلى الأوّل الأوّل أيضاً،و على الثاني الثاني.

و المرجع في الاعتياد إلى العرف،و ربما تحقق بالثانية؛ لأنّه مشتق من العود،فيقتل فيها أو في الثالثة،و هو الأجود؛ لأنّ الاعتياد شرط في القصاص،فلا بدّ من تقدّمه على استحقاقه (1)،انتهى كلامه زيد إكرامه.

و إنّما نقلناه بطوله لتكفّله لجملة من فروع المسألة و متعلّقاته،مع جودة مختاره.

لكن ما ذكره أوّلاً من إمكان الجمع بين الحكمين لا يخلو عن نظر؛ لكونه إحداث قول،و لذا فرع جماعة على القولين ردّ فاضل الدية فأثبتوه على الأوّل،و نفوه على الثاني.

و كذا ما ذكره أخيراً من جواز القتل في الثالثة منظور فيه؛ لعدم صدق الاعتياد بالمرّتين عرفاً،و إن صدق لغةً نظراً إلى مبدأ الاشتقاق،بناءً على ترجيح العرف عليه،كما هو الأظهر الأشهر،و به اعترف.

نعم لو عكس صحّ ما ذكره،فتأمّل .

و يقتل الذمّي بالذمّي و إن اختلفت ملّتهما،كاليهودي و النصراني و بالذمّية بعد ردّ أوليائها فاضل ديته عن دية الذمّية،و هو نصف ديته.

ص:244


1- الروضة 10:57.

و تقتل الذمّية بمثلها،و بالذمّي مطلقاً و لا ردّ هنا؛ فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،مع أنّه لا خلاف فيه و لا في شيء ممّا سبقه،بل حكى عليه الإجماع بعض الأجلّة (1).

و الأصل فيها بعده عمومات الكتاب و السنّة المتقدمة في جناية المسلم و المسلمة،مضافاً إلى خصوص القوية في الجملة:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان يقول:يقتصّ لليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض،و يقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً» (2).

و لو قتل الذمّي مسلماً عمداً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول،و له أي لوليّه الخيرة بين قتله و استرقاقه على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عن الانتصار و السرائر و ظاهر النكت و في الروضة (3)الإجماع عليه، و هو الحجّة.مضافاً إلى الصحيح المروي في الكتب الثلاثة:في نصراني قتل مسلماً،فلمّا أُخذ أسلم،قال:«اقتله به» قيل:فإن لم يسلم،قال:«يدفع إلى أولياء المقتول،فإن شاءُوا قتلوا،و إن شاءُوا عفوا،و إن شاءُوا استرقّوا» قيل:و إن كان معه عين مال،قال:«دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» (4).

و لا فرق في تملّك أمواله بين ما ينقل منها و ما لا ينقل،و لا بين العين و الدين،كما هو ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،و به صرّح في التحرير (5)،

ص:245


1- مجمع الفائدة 14:28.
2- الكافي 7:6/309،التهذيب 10:749/190،الوسائل 29:110 أبواب القصاص في النفس ب 48 ح 1.
3- الانتصار:275،السرائر 3:351،نكت النهاية 3:387،الروضة 10:61.
4- الكافي 7:7/310،الفقيه 4:295/91،التهذيب 10:750/190،الوسائل 29:110 أبواب القصاص في النفس ب 49 ح 1.
5- التحرير 2:247.

و اختصاص السؤال في الرواية بالعين لا يوجب تقييد المال المطلق في الجواب بها،فتأمّل جدّاً .

و كذا لا فرق بين المساوي لفاضل دية المسلم و الزائد عليه المساوي للدية و الزائد عليها؛ لما مضى.

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين (1)،فإنّما أجازا الرجوع على تركته أو أهله بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكاً.

و لا بين اختيار الأولياء قتله أو استرقاقه.

خلافاً للحلّي (2)،فإنّما أجاز أخذ المال إذا اختير الاسترقاق؛ لأنّ مال المملوك لمولاه.

قيل:و يحتمله الخبر و كلام الأكثر (3).و فيه نظر .

و هل يسترقّ ولده الصغار غير المكلّفين؟قولان:

من أنّ الطفل يتبع أباه،فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه،و أنّ المقتضي لحقن دمه و احترام ماله و ولده هو التزامه بالذمّة،و قد خرقها بالقتل،فتجري عليه أحكام أهل الحرب.

و من أصالة بقاء حرّيتهم؛ لانعقادهم عليها،و عموم وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (4)و خلوّ النص المتقدّم عن ذلك مع وروده في مقام الحاجة.

مع ضعف الأوجه السابقة،فالأوّل:بمنع التبعية كلّيةً حتى هنا،و إن

ص:246


1- أبو الصلاح في الكافي في الفقه:385،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- السرائر 3:351.
3- كشف اللثام 2:455.
4- فاطر:18،الزمر:7.

هي إلّا عين المتنازع،و لا دليل عليها أصلاً.

و الثاني:بأنّه يوجب اشتراك المسلمين فيهم؛ لأنّهم فيء،أو اختصاص الإمام(عليه السّلام)بهم،لا اختصاص أولياء المقتول.

و لعلّه لذا قال الماتن: الأشبه:لا و هو كذلك،وفاقاً لكثير من متأخّري أصحابنا،تبعاً للحلّي (1)،و ربما يعزى إلى ابن بابويه و المرتضى (2).

خلافاً للمفيد و جماعة (3)،و ربما نسب إلى الشيخ (4)،لكن ذكر الشهيدان أنّه لم يجداه في كتبه (5).

و لو أسلم الذمّي بعد القتل أي بعد قتله المسلم و قبل قتله به كان كالمسلم في عدم جواز استرقاقه،بل يتعيّن قتله أو العفو عنه، بلا خلاف،كما في الصحيح المتقدم.

و أخذ ماله باقٍ على التقديرين؛ للإطلاق (6)،و به صرّح شيخنا في الروضة (7)،و احتمل بعض الأجلّة خلافه،قال:إذ لا يحل أخذ مال امرئ مسلم بغير وجه مقرّر (8).

و لو قتل الذمّي خطأً لزمته الدية في ماله إن كان له مال و لو

ص:247


1- السرائر 3:351.
2- انظر تعليقات باب القصاص لصاحب مفتاح الكرامة 10:22.
3- المقنعة:753،المراسم(للمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السّلام)):238،الوسيلة:435.
4- نسبه إليه في الإيضاح 4:596،و هو في النهاية:748.
5- الشهيد الأوّل في غاية المراد(مخطوط)309،الشهيد الثاني في المسالك 2:465.
6- في«ن»:للأصل.
7- الروضة 10:61.
8- مجمع الفائدة 14:33.

لم يكن له مال كان الإمام عاقلته دون قومه كما في الصحيح:«ليس بين أهل الذمّة معاقلة فيما يكون من قتل أو جراحة،إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم،فإن لم يكن لهم مال رجعت[الجناية]على إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده» قال:«و هم مماليك الإمام فمن أسلم منهم فهو حرّ» (1).

و به أفتى الشيخ في النهاية (2)و المتأخرون كافّة،و لكن لم يذكروه هنا، بل ذكروه في بحث عاقلة الذمّي من دون أن يذكروا خلافاً فيه ثمّة.

نعم في المختلف و التنقيح (3)حكي الخلاف فيه عن الحلّي،حيث حكم بأنّ عاقلته،الإمام مطلقا و لو كان له مال،و عن المفيد أنّه قال:تكون الدية على عاقلته،و لم يفصّل.و تردّد فيه في المختلف،و لا وجه له؛ لما عرفته من الصحيحة الصريحة.

الشرط الثالث أن لا يكون القاتل أباً

الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أباً للمقتول.

فلو قتل الوالد ولده لم يقتل به مطلقا،بلا خلاف أجده،بل عليه إجماعنا في كلام جماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة العامية و الخاصية،ففي النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):

«لا يقاد الوالد بالولد» (5).

ص:248


1- الكافي 7:1/364،الفقيه 4:357/106،التهذيب 10:674/170،الوسائل 29:391 أبواب العاقلة ب 1 ح 1،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- النهاية:748.
3- المختلف:794،التنقيح 4:428،و هو في السرائر 3:352،و المقنعة:753.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،الشهيد في المسالك 2:467،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:16،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
5- مسند أحمد 1:16،22،سنن الدارقطني 3:182/141،كنز العمّال 15:5.

و في الصحيح:عن الرجل يقتل ابنه،أ يقتل به؟قال:«لا» (1).

و في القريب منه سنداً:«لا يقاد والد بولده،و يقتل الولد إذا قتل والده عمداً» (2).

و نحوه أخبار أُخر مستفيضة،منجبر قصور أسانيدها أو ضعفها بفتوى الطائفة،فلا إشكال بحمد اللّه سبحانه في المسألة.

و لا في أنّ عليه أي الأب القاتل الدّية لورثة ولده الذي قتله غيره؛ لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم،و حسماً للجرأة،و للخبر:«لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع و غيره، و تكون له الدية،و لا يقاد» (3).

و الكفّارة لعموم الأدلّة أو فحواها،بلا شبهة و التعزير لذلك، و للنصّ:في الرجل يقتل ابنه أو عبده،قال:«لا يقتل به،و لكن يضرب ضرباً شديداً،و ينفى عن مسقط رأسه» (4)مع أنّ ذلك مقتضى فعل كلّ محرّم لم يحدّ فيه حدّ.

و يقتل الولد بأبيه بلا خلاف؛ للعمومات،و خصوص ما مرّ من الروايات.

ص:249


1- الكافي 7:4/298،التهذيب 10:943/237،الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 2.
2- الكافي 7:1/297،التهذيب 10:941/236،الوسائل 29:77 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 1.
3- التهذيب 10:1148/237،الوسائل 29:79 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 10.
4- الفقيه 4:290/90،التهذيب 10:939/236،الوسائل 29:79 أبواب القصاص في النفس ب 32 ح 9.

و كذا الاُمّ تقتل بالولد و يقتل بها و كذا الأقارب يقتلون به، و يقتل بهم؛ عملاً بالعمومات،و اقتصاراً فيما خالفها على ما هو مورد الفتاوي و ما مضى من الروايات.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا،إلّا ما يحكى عن الإسكافي في قتل الأمّ بالولد و كذا الأقارب،فمنع عنه تبعاً للعامّة،كما حكاه عنه بعض الأجلّة (1).

و في قتل الجدّ للأب بولد الولد تردّد ينشأ:من أنّه هل هو أب حقيقةً،أو مجازاً؟فإن قلنا بالأوّل لم يقتل به،و إلّا قتل به،و المشهور الأوّل،و منهم الفاضلان في الشرائع و الإرشاد و القواعد و التحرير، و الشهيدان في اللمعتين (2)،و غيرهم من متأخّري الأصحاب (3)،تبعاً للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الوسيلة (4)و يعضدهم تقديم الشارع عقده على ابنة الابن على عقده عليها إذا تقارنا،مع أنّي لم أجد في ذلك مخالفاً عدا الماتن هنا،حيث بقي في الحكم متردّداً،و تبعه بعض (5).

و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في الحكم بعدم قتل الوالد بالولد بين كونه ذكراً أو أُنثى،و كون الوالد مساوياً لولده في الدين و الحرّية أم لا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (6).

ص:250


1- انظر المختلف:819.
2- الشرائع 4:214،الإرشاد 2:203،القواعد 2:291،التحرير 2:249،اللمعة و الروضة 10:64.
3- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
4- الخلاف 5:152،المبسوط 7:9،الوسيلة:431.
5- التنقيح 4:428،المفاتيح 2:127.
6- منهم العلّامة في التحرير 2:249،الشهيد في المسالك 2:467،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:455.
الشرط الرابع كمال العقل

الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقاد المجنون بعاقل،و لا مجنون،سواء كان الجنون دائماً أو أدواراً إذا قتل حال جنونه،بلا خلاف أجده،بل ادعى عليه الإجماع بعض الأجلّة (1)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«كان أمير المؤمنين(عليه السّلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته،خطأً كان أو عمداً» (2).

و القوي:«أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً،فجعل الدّية على قومه،و جعل عمده و خطأه سواء» (3)إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

و لا الصبي بمثله،و لا ببالغ،بلا خلاف إذا لم يبلغ خمسة أشبار و لا عشراً،و كذا إذا بلغهما على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،وفاقاً منهم للحلّي و الخلاف (4)من القدماء،و ادّعى الأخير فيه إجماع الفرقة،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض ما مرّ إليه الإشارة،و للمعتبرة المستفيضة التي هي ما بين صريحة و ظاهرة،فمن الأوّل:الصحيح:«عمد الصبي و خطاؤه واحد» (5).

ص:251


1- كشف اللثام 2:456.
2- الفقيه 4:358/107،التهذيب 10:919/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 1.
3- الفقيه 4:272/85،التهذيب 10:916/232،الوسائل 29:401 أبواب العاقلة ب 11 ح 5.
4- الحلّي في السرائر 3:369،الخلاف 5:176.
5- التهذيب 10:920/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 2.

و الخبر،بل الموثق أو الحسن كما قيل (1):أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:

«عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة» (2).

و نحوه المروي عن قرب الإسناد،عن علي(عليه السّلام)«أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق،و الصبي الذي لم يبلغ:عمدهما خطاء تحمله العاقلة،و قد رفع عنهما القلم» (3).

و من الثاني:النصوص المتقدّمة في كتاب الحجر في حدّ بلوغ الصبي و الجارية.

و بعض الأخبار الأوّلة كبعض ما سبقها في المجنون صريح في أنّ جنايتهما عمداً و خطأً على العاقلة مطلقا،كما عليه الأصحاب،لكن سيأتي في المجنون ما يوهم أخذ الدّية من ماله إن كان له مال،و إلّا فمن عاقلته،إلّا أنّه مع ضعف سنده غير صريح،بل و لا ظاهر في قتله حال الجنون،بل ظاهره ورود الحكم فيه بذلك في صورة اشتباه وقوع قتله حال جنونه أو إفاقته.

و كيف كان فلا شبهة فيما ذكره الأصحاب.

و لكن في رواية أنّه يقتصّ من الصبي إذا بلغ عشراً قيل:

و بها أفتى الشيخ في النهاية و المبسوط و الاستبصار (4)،و لم نظفر بها كذلك مسندة هنا،و إن ذكرها جملة من الأصحاب (5)كذلك،و لكن آخرون

ص:252


1- روضة المتقين 10:341.
2- التهذيب 10:921/233،الوسائل 29:400 أبواب العاقلة ب 11 ح 3.
3- قرب الإسناد:569/155،الوسائل 29:90 أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2.
4- كشف اللثام 2:456،و هو في النهاية:760،المبسوط 7:44،الاستبصار 4:287.
5- السرائر 3:325،القواعد 2:292،التحرير 2:249،المفاتيح 2:126.

منهم (1)اعترفوا بما ذكرناه،فهي مرسلة لا تصلح للحجيّة،فضلاً أن يعترض بها الأدلّة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و أمّا الصحيح:عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلاً؟فقال:«إنّ خطأ المرأة و الغلام عمد،فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما» الحديث (2).

فشاذّ،مخالف للإجماع؛ إذ لا قائل بأنّ خطأ الصبي و المرأة عمد، و لذا حمل الشيخ-(رحمه اللّه) الخطأ فيه على العمد،بناءً على ما يعتقده بعض العامة من أنّ عمدهما خطأ؛ لأنّ من قتل غيره بغير حديد كان ذلك خطأً و يسقط القود (3)،فكأنّه(عليه السّلام)قال:إنّ عمدهما الذي يزعمه هؤلاء خطأً عمد.

و نحوه في الشذوذ ما دلّ على أنّه إذا بلغ ثمان سنين جاز أمره في ماله،و قد وجب عليه الفرائض و الحدود (4)،مع قصور سنده.

و في رواية أُخرى للسكوني عن الصادق(عليه السّلام)،عن أمير المؤمنين(عليه السّلام):«عن رجل و غلام اشتركا في قتل رجل،فقال: إذا

ص:253


1- كنز الفوائد 3:701،إيضاح الفوائد 4:600،التنقيح 4:429،المسالك 2:468،كشف اللثام 2:456.
2- الكافي 7:1/301،الفقيه 4:267/83،التهذيب 10:963/242،الوسائل 29:87 أبواب القصاص في النفس ب 34 ح 1.
3- التهذيب 10:243،الاستبصار 4:287،انظر المبسوط للسرخسي 11:120،بدائع الصنائع 7:180،المغني لابن قدامة 9:324.
4- التهذيب 9:736/183،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.

بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه،و إن لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضى بالدية» (1).

و ليس فيها كما ترى أنّه تقام عليه الحدود كما ذكره الماتن، و بمضمونها أفتى الشيخان و الصدوق و جماعة (2).

و قصور سندها مع عدم مكافأتها لما مضى يوهن العمل بها و يتعيّن العمل بما هو الأشهر من أنّ عمده خطأ حتى يبلغ التكليف لما مضى،مع تأيّده بلزوم الاحتياط في الدماء.

و ليس في شيء من النصوص و أكثر الفتاوي اعتبار الرشد بعد البلوغ.

خلافاً للفاضل في التحرير (3)،فاعتبره.و لم أعلم مستنده،كما اعترف به جماعة (4)،و تأوّله بعض المحشّين عليه بأنّ مراده من الرشد هنا كمال العقل؛ ليخرج المجنون،لا إصلاح المال؛ لقبول إقرار السفيه كما سيأتي.و لا بأس به؛ صوناً لفتوى مثله عن مثله.

ثم إنّ ما ذكر من أنّه لا يقاد المجنون بغيره إنّما هو إذا قتل حال جنونه أمّا لو قتل العاقل ثم جنّ لم يسقط القود بلا خلاف يظهر؛ للأصل.

و الخبر القريب من الصحيح:عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه

ص:254


1- الكافي 7:1/302،الفقيه 4:270/84،التهذيب 10:922/233،الإستبصار 4:1085/287،الوسائل 29:90 أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 1.
2- المفيد في المقنعة:748،الشيخ في النهاية:761،الصدوق في المقنع:186؛ مجمع الفائدة 14:9.
3- التحرير 2:249.
4- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:66،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:456.

الحدّ و لم تصح الشهادة حتى خولط و ذهب عقله،ثم إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله؟فقال:«إن شهدوا عليه بأنّه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به،و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل،و إن لم يترك مالاً أعطي الدية من بيت المال،و لم يطلّ دم امرئ مسلم» (1).

و لو قتل البالغ الصبي مع التكافؤ من غير جهة البلوغ قتل به على الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للعمومات السليمة هنا عن المعارض.

مضافاً إلى ظاهر خصوص المرسل:«كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القود» (2).

خلافاً للحلبي (3)،فأوجب الدية كالمجنون؛ لاشتراكهما في نقصان العقل.

و يضعّف بأنّ المجنون خرج بدليل من خارج كما يأتي،و إلّا كانت العمومات متناولة له،بخلاف الصبي،مع أنّ الفرق بينهما متحقّق،كذا ردّه جماعة (4).

و له أنّ يقول:إنّ النصّ المخرج للمجنون مخرج للصبي أيضاً،و إن

ص:255


1- الكافي 7:1/295،الفقيه 4:242/78،التهذيب 10:915/232،الوسائل 29:72 أبواب القصاص في النفس ب 29 ح 1.
2- الفقيه 4:265/83،التهذيب 10:648/162،الوسائل 29:53 أبواب القصاص في النفس ب 19 ح 5.
3- الكافي في الفقه:384.
4- منهم العلّامة في المختلف:800،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:195،و الشهيد الثاني في المسالك 2:468،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:456.

كان نصّاً في الأوّل و ظاهراً في الثاني؛ لقوله(عليه السّلام):«فلا قود لمن لا يقاد منه» (1)و هو عامّ،و وروده في خصوص المورد لا يوجب التخصيص،كما قرّر في الأُصول.

مع تأيّده بما ورد من مثله في الحدود،و هو أنّه«لا حد لمن لا حدّ عليه» (2)و بلزوم الاحتياط في الدم.

و هو غير بعيد،إلّا أنّ الاكتفاء بمثل هذا الظهور في رفع اليد عن العمومات القطعية من الكتاب و السنّة و ظاهر المرسلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة في غاية الجرأة،و إن كان الاحتياط للأولياء معه،فلا يختاروا قتله،بل يصالحوا عنه بالدية.

و لا يقتل العاقل بالمجنون بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (3)،بل عليه الإجماع في السرائر (4)؛ للصحيح:عن رجل قتل رجلاً مجنوناً؟فقال:«إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود و لا دية،و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين،و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه،و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون،و يستغفر اللّه عزّ و جلّ و يتوب إليه» (5).

ص:256


1- الكافي 7:1/294،الفقيه 4:234/75،التهذيب 10:913/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 1.
2- الكافي 7:1/253،2،الفقيه 4:125/38،التهذيب 10:19،59/83،325،الوسائل 28:42 أبواب مقدمات الحدود ب 19 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
4- السرائر 3:369.
5- تقدّم في ص 254.

و فيه الدلالة أيضاً على بعض ما ذكره بقوله: و تثبت الدية على العاقل إن كان قتله عمداً أو شبيهاً به و على العاقلة إن كان خطأً و لو قصد العاقل دفعه عن نفسه بعد أن أراده،فآل إلى قتله كان دم المجنون هدراً لا دية له على العاقل،و لا عاقلته،اتفاقاً ظاهراً،فتوًى و نصّاً خاصّاً،و هو الصحيح المتقدم،و عامّاً،و هو كثير، و شطر منه قد تقدّم في كتاب الحدود في أواخر الفصل السادس في حدّ المحارب.

و ظاهر إطلاق العبارة و نحوها أنّه لا دية له أصلاً،كما عن النهاية و المهذّب و السرائر (1)،و يقتضيه عموم نصوص الدفع.

خلافاً للمحكي عن المفيد و الجامع (2)،فأثبتاها في بيت المال،كما في الصحيحة،و يقتضيه عموم:«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (3)المروي في المعتبرة.

و رواية أبي الورد المعتبرة برواية الحسن بن محبوب عنه،و هو ممّن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف فضربه المجنون ضربة،فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله،فقال:«أرى أن لا يقتل به،و لا يغرم ديته،و تكون ديته على الإمام، و لا يطلّ دمه» (4).

و نفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع،قال:و المشهور سقوط

ص:257


1- النهاية:759،المهذّب 2:514،السرائر 3:368.
2- المفيد في المقنعة:748،الجامع للشرائع:575.
3- انظر الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35.
4- الكافي 7:2/294،التهذيب 10:914/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 2.

القود و الدية معاً؛ لأنّ الدفع إمّا مباح أو واجب،فلا يتعقّبه ضمان (1).

و في هذا الدليل ما ترى؛ لأنّ مقتضاه نفي الأمرين عن القاتل لا مطلقاً.

و قريب منه الاستدلال بنصوص الدفع؛ لعدم معلومية شمول إطلاقها لمحل البحث،بل ظاهرها كون الحكم بالهدرية مقابلةً للمحارب و مؤاخذةً له بما له من القصد و النية،و ليس ذلك في المجنون بلا شبهة،و جواز دفاعه إنّما هو لأجل حفظ النفس المحترمة،لا المؤاخذة له بالقصد و النية، فلا غرو في وجوب الدية لدم المجنون؛ لأنّ نفسه أيضاً محترمة حيث لم يستصحبها فساد قصد و نيّة،و الشارع لما رخّص في إتلافها من غير تقصير من جهتها تداركها بالدية.

فالقول بثبوتها لا يخلو عن قوة،سيّما مع استفادته ممّا عرفت من المعتبرة بالصحة و القرب منها بما عرفته،و إن وقع الاختلاف بينها بدلالة الصحيحة بكونها في بيت المال،و القريبة منها بكونها على الإمام،لكن الجمع بينهما ممكن بحمل الأخيرة على الصحيحة،و العكس و إن أمكن، إلّا أنّه مع بعده لا قائل به،مع استلزامه ترجيح ما ليس بحجة على الحجة، و هو فاسد بالبديهة.

و يظهر من الماتن هنا و في الشرائع (2)نوع تردّد له في المسألة،حيث أشار إلى الرواية الصحيحة بقوله: و في رواية ديته من بيت المال (3)

ص:258


1- غاية المرام 4:387.
2- الشرائع 4:216.
3- الكافي 7:1/294،الفقيه 4:234/75،التهذيب 10:913/231،الوسائل 29:71 أبواب القصاص في النفس ب 28 ح 1؛ و قد تقدّمت في ص 254.

و لم يُجب عنها بالمرّة.

نعم فتواه أوّلاً بالهدرية مطلقاً ظاهرة في ترجيحه له،و نحوه كلام الفاضل في التحرير (1).و فيه ما عرفته.

و لا قود على النائم إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و للأصل،مع انتفاء التعمّد المشترط في شرعية الاقتصاص.

و هل يثبت عليه الدية في خاصّة ماله مطلقاً،أم على العاقلة كذلك،أم على تفصيل يأتي ذكره في أوائل النظر الثاني من كتاب الديات؟ أقوال،يأتي ذكرها مع تحقيق المسألة كما هو ثمة إن شاء اللّه تعالى.

و في القود من الأعمى إذا قتل من اقتصّ به لو كان بصيراً تردّد و اختلاف،فبين من نفاه و أثبت الدية على العاقلة استناداً إلى الرواية الآتية،كالصدوق و الشيخ في النهاية و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و جماعة (2).

و بين من جعل أشبهه:أنّه كالمبصر في توجّه القصاص كالحلّي (3)و عامّة المتأخّرين على الظاهر،المصرّح به في المسالك (4)لوجود المقتضي له،و هو قصده إلى القتل،و انتفاء المانع؛ لأنّ العمى لا يصلح مانعاً مع اجتماع شروط القصاص من التكليف و القصد و نحوهما، كما هو الفرض،فيشمله عموم الآيات و الروايات.

ص:259


1- التحرير 2:249.
2- الصدوق في الفقيه 4:85،النهاية:760،حكاه عن الإسكافي في المختلف:799،القاضي في المهذّب 2:495،ابن حمزة في الوسيلة:455،الشهيد في غاية المراد 4:342،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:457،و حكاه الشهيد عن الصهرشتي و الطبرسي أيضاً.
3- السرائر 3:368.
4- المسالك 2:468.

و لكن في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):أنّ جنايته خطأ تلزم العاقلة،فإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله،و تؤخذ في ثلاث سنين (1) و نحوها في الدلالة على أن عمده خطأ رواية أُخرى موثقة:«عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية من ماله،فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام،و لا يبطل حق مسلم» (2).

و ضعّفتا باشتراكهما في ضعف السند،و اختلافهما في الحكم، و مخالفتهما الأُصول؛ لاشتمال الاُولى على كون الدّية تجب ابتداءً على العاقلة،و مع عدمها تجب على الجاني،و الثانية على إيجابها على الجاني مع تموّله،و مع عدمه على الإمام،و لم يوجبها على العاقلة و ظاهر اختلاف الحكمين و مخالفتهما لحكم الخطأ،فتكونان شاذّتين من هذا الوجه.

و لعلّه مراد الماتن في جوابه عن الرواية الأُولى بقوله:ف هذه الرواية فيها أي يرد عليها مع الشذوذ أي مضافاً إليه تخصيص لعموم الآية و السنّة القطعيتين،و هو غير جائز عند جماعة من المحقّقين (3)،و منهم الماتن.

و هذا جواب ثالث،و لم يذكره من أجاب بالأوّلين و أبد له بآخر، و هو عدم الصراحة في الدلالة؛ لجواز كون قوله:«خطأ» حالاً و الجملة الفعلية بعده الخبر،و إنّما يتمّ استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعاً على الخبرية.

ص:260


1- الفقيه 4:361/107،التهذيب 10:918/232،الوسائل 29:399 أبواب العاقلة ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:3/302،الفقيه 4:271/85،التهذيب 10:917/232،الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1.
3- منهم ابن إدريس في السرائر 3:368،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:432،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:15.

و يمكن توجّه النظر إلى جميع هذه الأجوبة:

أمّا الأخير:فبمخالفته لظاهر سياقها،حيث سئل(عليه السّلام)في صدرها:

عن رجل ضرب رأس رجل بمِعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله،و أجاب(عليه السّلام)بأنّ«هذين متعديان جميعاً،فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى،و الأعمى جنايته خطأ» إلى آخر ما مضى،و هو ظاهر في كون القتل عمداً من جوه شتّى،منها:

قوله:فقتله،بعد أن أعماه الظاهر في ذلك بمعونة الغالب.

و منها:قوله(عليه السّلام):«هذان متعدّيان» و التعدّي لا يجامع قتل الخطأ كما هو ظاهر.

و منها:تعليله(عليه السّلام)نفي القود بوقوع قتله حال العمى لا كونه خطأً، و لا تلازم بينهما جدّاً،مع كون قوله:«و الأعمى جنايته خطأ» تتمة التعليل، و لو كان المراد التعليل بالخطإ للغا ذكر الأعمى؛ لعدم اختصاص عدم القود بالخطإ به قطعاً.

و بالجملة:لا ريب في ظهور دلالتها كما فهموه حتى المعترض أيضاً،حيث نفى الصراحة دون الظهور،و هو كافٍ،سيّما بعد أن انضمّ إليه الرواية الثانية الصريحة،مع قرب الظهور من الصراحة بمعونة ما عرفته من القرائن الظاهرة غاية الظهور القريب من الصراحة،بل لعلّها سيّما الأخيرة منها صريحة.

و أمّا الثالث:فمتوجّه إن وافقنا الجماعة على كون الآحاد غير مخصِّصة للعمومات القطعية،و إلّا كما هو الظاهر وفاقاً للأكثر فغير متوجّه، و التحقيق في الأُصول.

و أمّا الثاني:فلأنّ خروج بعض الرواية عن الحجية و شذوذها من جهة لا تستلزم خروجها عنها بالكلّية،و شذوذ الروايتين إنّما هو من غير

ص:261

جهة الدلالة على كون عمده خطأ،بل من الجهة المتقدّمة،و إحداهما غير الأُخرى،و خروجها عن الحجية بالجهة الأخيرة غير مستلزم لخروجها عنها في الجهة الأُخرى كما عرفته.

و حيث ثبت بهما كون العمد خطأ ثبت كون الدية على العاقلة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة،إلّا ما يظهر من الصدوق في الفقيه،حيث روى الرواية الاُولى في باب العاقلة بسنده عن العلاء بن رزين،عن الحلبي الراوي (1)،و ظاهره العمل بها بمعونة ما قرّره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحته (2).

و من هنا ينقدح الوجه في صحة التأمّل في دعوى الماتن شذوذ الرواية.

مع القدح فيما ضعّفت به من ضعف سندها؛ لاختصاص ضعفه برواية التهذيب،و إلّا فهي برواية الفقيه صحيحة؛ لأنّ سنده إلى العلاء صحيح في المشيخة،و به صرّح الفاضل في الخلاصة (3).

و كذلك الرواية الثانية ليست بضعيفة،بل موثّقة؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه سوى عمّار الساباطي،و هو و إن كان فطحيّاً إلّا أنّه ثقة،و مع ذلك في السند قبله الحسن بن محبوب،و قد ظهر لك حاله مراراً من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،فيقرب من الصحيح.

فالروايتان معتبرتا السند،صالحتان للحجية،سيّما مع التعدّد، و الاعتضاد بفتوى هؤلاء الجماعة الذين لا يبعد أن يدّعى في حقّهم الشهرة كما ادّعاها بعض الأجلة (4)،مع عدم ظهور مخالف لهم من القدماء بالمرة

ص:262


1- الفقيه 4:107.
2- الفقيه 1:3.
3- رجال العلّامة:278.
4- و هو الشهيد الأول في غاية المراد 4:343.

عدا الحلّي (1)خاصّة؛ لأصله الغير الأصيل من طرحه الأخبار الآحاد،سيّما في مقابلة الكتاب و السنة القطعية.

و ممّا ذكرنا ظهر وجه التردّد و صحته و الإشكال في الترجيح،مع قوّة احتمال جعله في جانب الرواية،مع أنّ لزوم الاحتياط في الدماء يقتضيه بلا شبهة.

الشرط الخامس أن يكون المقتول محقون الدم

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم شرعاً،أي غير مباح القتل شرعاً،فمن أباح الشرع قتله لزناء أو لواط أو كفر لم يقتل به قاتله و إن كان بغير إذن الإمام؛ لأنّه مباح الدم في الجملة،و إن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم،فيأثم بدونه خاصّة .

و لو قتل من وجب عليه القصاص غير الوليّ قتل به؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.

و الأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالغنية و السرائر (2)الاعتبار،و المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح و غيره:عن رجل قتله القصاص له دية؟فقال:

«لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد» و قال:«من قتله الحدّ فلا دية له» (3).

و بمعناهما كثير من المعتبرة (4)،و نحوها النصوص الواردة في إباحة الدفاع و قتل المحارب،و قد مرّ جملة منها (5).

ص:263


1- السرائر 3:368.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):619،السرائر 3:324.و فيهما نفي الخلاف.
3- الكافي 7:7/292،التهذيب 10:819/207،الإستبصار 4:1056/279،الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 1.
4- الوسائل 29:63 أبواب القصاص في النفس ب 24.
5- في ص 163.

القول:فيما يثبت به

الإقرار

القول:فيما يثبت به موجب القصاص و هو أُمور ثلاثة: الإقرار،أو البيّنة عليه أو القسامة و هي الأيمان:

أمّا الإقرار:فتكفي فيه المرّة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)و هو متحقق بالمرّة،حيث لا دليل على اعتبار التعدّد كما في المسألة؛ لما ستعرفه.

مضافاً إلى التأيّد بخصوص الروايات الدالّة بإطلاقها على أخذ المقرّ و الحكم عليه بمجرّد إقراره،مثل ما في قضاء مولانا الحسن(عليه السّلام)الآتي إليه الإشارة (2)،و ما يدل على كون دية الخطأ على المقرّ (3)،فإنّ المذكور فيه الإقرار مرّة،و ما يدل على حكم أنّه لو أقرّ واحد بالعمد و آخر بالخطإ،كما يأتي (4)،و نحو ذلك.

و بعض الأصحاب كالشيخ و الحلّي و القاضي و جماعة (5) يشترط التكرار مرّتين .

و لا يظهر له وجه صحة عدا الحمل على السرقة،و هو قياس فاسد في الشريعة.و الاحتياط في الدماء ،و يعارَض بمثله هنا في جانب المقتول؛ لعموم:«لا يطلّ دم امرئ مسلم» (6).

ص:264


1- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
2- سيأتي في ص 265.
3- الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3،و 398 ب 9.
4- في ص 264.
5- الشيخ في النهاية:742،الحلّي في السرائر 3:341،القاضي في المهذّب 2:502؛ يحيى بن سعيد في الجامع:577،و حكاه عن الطبرسي في غاية المراد 4:408.
6- عوالي اللئلئ 2:441/160.

و منه يظهر جواب آخر عن الأوّل،و هو وجود الفارق؛ لكون متعلّق الإقرار هنا حقّ آدمي،فيكفي فيه المرّة كسائر الحقوق الآدمية،و لا كذلك السرقة،فإنّها من الحقوق الإلهيّة المبنيّة على التخفيف و المسامحة.

و يعتبر في المقرّ البلوغ،و العقل،و الاختيار،و الحرّية كما في سائر الأقارير؛ لعموم الأدلّة،و خصوص الصحيح على الحرّية:عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها؟قال:«لا يجوز إقرار العبد على سيّده،فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد أُخذ العبد بها،أو يفتديه مولاه» (1).

و لو أقرّ واحد بالقتل لمن يقتصّ به عمداً و آخر بقتله له خطأً تخيّر الوليّ للمقتول في تصديق أحدهما و أيّهما شاء،و إلزامه بموجب إقراره؛ لاستقلال كلّ من الإقرارين في إيجاب مقتضاه على المقرّ به،و لمّا لم يمكن الجمع و لا الترجيح تخيّر الوليّ و إن جهل الحال كغيره، و ليس له على الآخر بعد الاختيار سبيل.

و للقريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليّه،فقال أحدهما:

أنا قتلته عمداً،و قال الآخر:أنا قتلته خطأً؟فقال:«إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل،و إن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل» (2).

ص:265


1- الكافي 7:10/305،الفقيه 4:314/95،التهذيب 10:614/153،الوسائل 29:161 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 13 ح 1.
2- الكافي 7:1/289،الفقيه 4:244/78،التهذيب 10:677/172،الوسائل 29:141 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 3 ح 1.

و لا خلاف فيه إلّا من الغنية (1)،فخيّره بين قتل المقرّ بالعمد و أخذ الدية منهما نصفين،و يحكى عن التقي (2)أيضاً.

و لم أجد لهما مستنداً،مع مخالفتهما للنصّ المتقدم المعتضد بعمل الأصحاب كافّة عداهما،مع أنّ المحكي عن الانتصار (3)أنّه ادّعى عليه إجماعنا،و هو حجة أُخرى زيادةً على ما مضى.

و لو اتّهم رجل بقتل من يقتصّ به و أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله و رجع الأوّل عن إقراره فأنكر قتله درئ عنهما القصاص و الدية،و ودي المقتول من بيت المال،و هو أي هذا الحكم و إن كان مخالفاً للأصل،إلّا أنّه قضاء مولانا الحسن بن علي(عليهما السّلام) في حياة أبيه معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا،و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً [1] (4)(5)و الرواية و إن ضعف بالإرسال و الرفع سندها،و بالمخالفة للأصل متنها،إلّا أنّ عليها عمل الأصحاب كافّة إلّا نادراً،على الظاهر،المصرَّح به من دون استثناء في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (6)،و عن الانتصار (7)التصريح بالإجماع عليها،كما هو ظاهر السرائر أيضاً،حيث قال:و روى

ص:266


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- الكافي في الفقه:386.
3- الانتصار:272.
4- المائدة:32.
5- الكافي 7:2/289،الفقيه 3:37/14،التهذيب 10:679/173،الوسائل 29:142 أبواب دعوى القتل ب 4 ح 1.
6- التنقيح 4:434،غاية المرام 4:393.
7- الانتصار:273.

أصحابنا في بعض الأخبار أنه متى أتاهم (1).ثم ذكر مضمون الرواية و لم يقدح فيها أصلاً،و لم يذكر حكم المسألة رأساً مقتصراً عنه بما فيها.

فعلى هذا لا محيص عن العمل بها،و إن كان يرغب عنه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،مقوّياً فيهما العمل بالأصل من تخيير الولّي في تصديق أيّهما شاء و الاستيفاء منه،كما مضى،مع أنّه اعترف باشتهار العمل بالرواية بين أصحابنا،فهي لما فيها من وجهي الضعف جابرة،و لو لم تكن إلى درجة الإجماع بالغة(مع أنّها بالغة) (3)كما عرفته،سيّما مع ظهور دعواه في عبائر جماعة و التصريح بها في كلام من عرفته،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

نعم لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص و الدية عنهما،و إذهاب حق المقرّ له رأساً.و كذا لو لم يرجع الأوّل عن إقراره، و الرجوع فيهما إلى حكم الأصل غير بعيد؛ لخروجهما عن مورد النصّ، فليقتصر فيما خالف الأصل عليه،إلّا أن يدّعى شموله لهما من حيث التعليل.

البيّنة
اشارة

و أمّا البيّنة: فهي شاهدان عدلان و يثبت بهما اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً و لا يثبت بشاهد و يمين اتفاقاً،كما مرّ في كتاب القضاء و لا بشهادة رجل و امرأتين مطلقاً،على أصحّ الأقوال،المتقدمة هي مع تمام التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات.

و إنّما يثبت بذلك أي بكلّ من الشاهد و اليمين،و منه

ص:267


1- السرائر 3:343.
2- المسالك 2:470،الروضة 10:70.
3- ما بين القوسين ليس في«ب».

و امرأتين ما يوجب الدية لا القود كال قتل خطأ،و دية الهاشمة، و المنقّلة،و الجائفة،و كسر العظام و بالجملة:ما لا قود فيه،بل الدية خاصّة؛ لأنّها مال،و قد مرّ في الكتابين ثبوته بل كلّ ما يقصد به المال بهما،مع ما يدل عليه من النصّ و الفتوى،و لا وجه لإعادته هنا.

و لو شهد اثنان ب أنّ القاتل زيد مثلاً و آخران ب أنّه هو عمرو دونه قال الشيخ في النهاية و المفيد و القاضي (1):إنّه يسقط القصاص و وجبت الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود عليه عمداً أو شبيهاً به و لو كان خطأً كانت الدية على عاقلتهما و مستندهم من النصّ غير واضح و لعلّه الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة ب تصادم البيّنتين .

و توضيح هذه الجملة مع بيان دليل لزوم الدية عليهما بالمناصفة ما ذكره الفاضل في المختلف حيث اختار هذا القول و شيّده،و هو أنّه:ليس قبول إحدى البيّنتين أولى من قبول الأُخرى،و لا يمكن العمل بهما، فيوجب قتل الشخصين معاً،و هو باطل إجماعاً،و لا العمل بإحداهما؛ لما قلنا من عدم المرجّح،فلم يبق إلا سقوطهما معاً فيما يرجع إلى القود؛ لأنّ التهجّم على الدماء المحقونة بغير سبب معلوم أو مظنون ممنوع شرعاً؛ لأنّ كل واحدة من البيّنتين مكذِّبة للأُخرى.و إنّما أوجبنا الدية عليهما لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم قد ثبت أنّ قاتله أحدهما،لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو أقوى العقوبتين و أوجبنا أخفّهما (2).

و لمانع أن يمنع سقوط البيّنتين عند تعارضهما بعدم إمكان العمل

ص:268


1- النهاية:742،المقنعة:737،المهذّب 2:502.
2- المختلف:789.

بهما و عدم المرجّح للعمل بإحداهما،بل هنا احتمال ثالث،و هو تخيير الوليّ بينهما،كما ذكروه في تعارض الإقرارين بالقتل عمداً في أحدهما و في الثاني بالخطإ،و دلّ عليه النص الذي مضى،مع تأيّده بما عليه الأصحاب و دلّ عليه بعض الأخبار.

مضافاً إلى الاعتبار من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلاً بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر أصلاً.

و من جميع ما ذكر و لو بضمّ بعضه إلى بعض لعلّه يحصل الظن بجواز قتل من شهدت عليه إحدى البيّنتين ممن اختاره الأولياء،فليس فيه التهجّم على الدماء الممنوع عنه شرعاً،و حينئذٍ فلا يبعد المصير إلى ما عليه الحلّي (1)من التخيير،و إن كان ما ذكره من الأدلّة كلّها أو جلّها لا يخلو عن مناقشة.

لكن شهرة ما عليه الشيخان مع قوّة احتمال استنادهما إلى رواية كما هو السجيّة لهما و العادة،و نبّه عليه شيخنا في المسالك (2)،و ادّعى وجودها لهما الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير (3)،أوجب التردّد في المسألة، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل،و هو عدم القود،بل و عدم الدية أيضاً،كما حكي عن الشيخ-(رحمه اللّه) أنّه احتمله،قال:لتكاذب البيّنتين، و وجود شبهة دارئة للدعوى (4).

و لكن احتمال دعوى عدم القول بالفصل بين القول بعدم التخيير

ص:269


1- السرائر 3:341.
2- المسالك 2:472.
3- السرائر 3:341،التحرير 2:251.
4- حكاه عنه في غاية المراد 14:417.

و الدية و بين القول به مع عدمها؛ لكون ذلك من الشيخ-(رحمه اللّه) احتمالاً لا فتوًى،يعيّن القول بثبوت الدية،سيّما مع التأيّد بما ذكره الفاضل في المختلف (1)لإثباتها،و إن كان في صلوحه لذلك حجة نوع مناقشة،فالعمل على ما في النهاية.

ثم إنّ مقتضى إطلاقه كعبائر أكثر الأصحاب عدم الفرق بين أن يدّعي أولياء المقتول القتل على أحدهما،أو عليهما،أو لا يدّعوا شيئاً منهما.

خلافاً للماتن في النكت (2)،فخصّ الحكم بالصورة الثالثة،و أثبت في الأُولى تسلّط الأولياء على المدّعى عليه،قال:لقيام البيّنة بذلك، و ثبوت السلطنة شرعاً بالآية (3)،فلهم القتل في العمد و الدية في الخطأ و شبهه،و ليس لهم على الآخر شيء منهما،و احتمل في الثانية ثبوت اللوث فيهما،قال:لأنّ الأربعة يتفقون أنّ هناك قاتلاً و مقتولاً و إن اختلفوا في التعيين،فيحلف الأولياء مع دعوى الجزم،و يثبت حينئذٍ القصاص مع ردّ فاضل الدية عليهما،و إليه يميل الشهيدان و غيرهما (4)،لكن لم يذكروا عنه حكم الصورة الثانية،و ناقشهم في ذلك بعض الأجلّة (5)بما لا يخلو عن قوّة،و يطول الكلام بذكره.

و بالجملة:المسألة من المشكلات،فلا يترك الاحتياط فيها حيث يمكن على حال.

ص:270


1- المختلف:789.
2- نكت النهاية 3:374.
3- الإسراء:33.
4- الشهيد الأول في غاية المراد 4:417،الشهيد الثاني في المسالك 2:472؛ التنقيح الرائع 4:435.
5- مجمع الفائدة 14:173.

و لو شهدا بأنّه قتل عمداً فأقرّ آخر أنّه هو القاتل كذلك دون المشهود عليه،ففي رواية زرارة الصحيحة عن أبي جعفر(عليه السّلام) أنّ للوليّ قتل المقرّ،ثم لا سبيل له و لا لورثة المقرّ على المشهود عليه،و له قتل المشهود عليه و لا سبيل له على المقرّ و يردّ المقرّ على أولياء المشهود عليه نصف الدية،و له قتلهما معاً و يردّ على أولياء المشهود عليه خاصّة دون أولياء المقرّ نصف الدية ثم يقتل به،قال زرارة:

قلت:فإن أرادوا أن يأخذوا الدية؟فقال:«الدية بينهما نصفان؛ لأنّ أحدهما أقرّ و الآخر شُهد عليه» قلت:و كيف جُعل لأولياء الذي شُهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حين قُتل،و لم يُجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شُهد عليه و لم يقرّ؟فقال:«لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ،الذي شُهد عليه لم يقرّ و لم يبرئ صاحبه،و الآخر أقرّ و بّرأ صاحبه، فلزم الذي أقرّ و برّأ ما لم يلزم الذي شُهد عليه و لم يبرئ صاحبه» (1).

و في ما تضمّنته من جواز قتلهما معاً إشكال؛ لانتفاء العلم بالشركة المجوّزة لذلك،فإنّ القاتل ليس إلّا أحدهما.

و كذا في إلزامهما بالدية بينهما نصفين لما ذكر،و لعلّه لذا ردّه الحلّي مضافاً إلى قاعدته و حكم بالتخيير،كالمسألة السابقة،فقال:لي في قتلهما جميعاً نظر؛ لعدم شهادة الشهود و إقرار المقرّ بالشركة،قال:أمّا لو شهدت البيّنة بالاشتراك و أقرّ الآخر به جاز قتلهما،و يردّ عليهما معاً دية (2).

ص:271


1- الكافي 7:3/290،التهذيب 10:678/172،الوسائل 29:144 أبواب دعوى القتل ب 5 ح 1.
2- السرائر 3:342.

و استقر به فخر الدين في الإيضاح صريحاً كوالده في التحرير،و هو ظاهره في القواعد و الإرشاد (1).

و قوّاه الماتن في الشرائع (2) لكن قال:غير أنّ الرواية من المشاهير و بشهرتها صرّح الفاضل في كتبه المتقدمة و غيره من الجماعة، مشعرين ببلوغها درجة الإجماع.

و لعلّه كذلك،فقد أفتى به الشيخ و أتباعه و الإسكافي و الحلبي و غيرهم (3)،بل لم نر لهم مخالفاً عدا من مرّ،و عبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلّي و فخر الدين،و هي مشكلة؛ لصحة الرواية،و اعتضادها بعمل الطائفة،فيخصَّص بها القاعدة،و ليس هذه بأوّل قارورة،فكم من أُصول قويّة و قواعد كلّية خصّصت بمثل هذا الرواية،بل و بما دونها،كما لا يخفى على ذي اطّلاع و خبرة.

و لكن المسألة مع ذلك لعلّها لا تخلو عن شبهة،فالأحوط الاقتصار فيها بقتل أحدهما خاصّة؛ لعدم الخلاف فيه ظاهراً،فتوًى و روايةً،و حكى الإجماع عليه الحلّي في السرائر (4)صريحاً.

و هنا

مسائل
الأولى قيل يحبس المتهم بالدم ستة أيام

مسائل ثلاث:

الاُولى: قيل كما عن النهاية و القاضي و الصهرشتي و الطبرسي

ص:272


1- الإيضاح 4:608،التحرير 2:251،القواعد 2:295،الإرشاد 2:216.
2- الشرائع 4:221.
3- الشيخ في النهاية:743،و تبعه القاضي في المهذّب 2:502،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:789،الحلبي في الكافي:387،يحيى بن سعيد في الجامع:578.
4- السرائر 3:342.

و الإسكافي و ابن حمزة (1):إنّه يحبس المتّهم بالدم ستّة أيّام كما عمّن عدا الأخيرين،و بدّلها الأخير بالثلاثة،و الإسكافي بالسنة،و هو كالنهاية إن قرئ«ستّة» بالتاءين على احتمال ظاهر،و إن قرئ«سنة» بالنون بدل التاء الاُولى كان قولاً ثالثاً في المسألة.و مستنده غير واضح كقول ابن حمزة.

و بعد انقضاء المدّة فإن ثبتت الدعوى بإقرار أو بيّنة و إلّا خلّي سبيله و الأصل في المسألة قوية السكوني عن مولانا الصادق(عليه السّلام)أنّه قال:

«إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام،فإن جاء أولياء المقتول ببيّنة،و إلّا خلّى سبيله» (2).

و عمل بها من المتأخّرين جماعة،كالفاضل في التحرير و المختلف (3)،لكن في الأخير قيّده بما إذا حصلت التهمة للحاكم بسبب، قال:عملاً بالرواية،و تحفّظاً للنفوس عن الإتلاف.و إن حصلت التهمة لغيره فلا عملاً بالأصل،و استحسنه الفاضل المقداد في التنقيح و غيره من الأصحاب (4).

و لا يخلو عن قرب يظهر وجهه زيادةً على ما مرّ في المختلف ممّا سبق في كتاب القضاء في بحث جواز تكفيل المدّعى عليه مع دعوى

ص:273


1- النهاية:744،القاضي في المهذّب 2:503،حكاه عن الصهرشتي في مجمع الفائدة 14:214،و عن الطبرسي و الإسكافي في غاية المراد 4:439،ابن حمزة في الوسيلة:461.
2- الكافي 7:5/370،التهذيب 10:683/174،الوسائل 29:160 أبواب دعوى القتل ب 12 ح 1.
3- التحرير 2:254،المختلف:790.
4- التنقيح 4:438،المهذّب البارع 5:210.

المدّعى البيّنة و غيبتها ثم التمسه.

خلافاً لصريح الحلّي و فخر الدين و جدّه على ما حكاه عنه،و ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (1)،فردّوا الرواية رأساً؛ لما أشار إليه بقوله: و في المستند ضعف و مع ذلك فيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها و ظاهر الفاضل في القواعد و الإرشاد (2)التردّد،و هو حسن لولا ما قدّمناه،و يجبر به الضعف و ما بعده،مع إمكان جبره بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايات الراوي (3)،و لذا قيل بوثاقته أو موثّقيته، كما يحكى عن الماتن في بعض تحقيقاته (4)،و يعضده كثرة رواياته،و عمل الأصحاب بها غالباً،و غير ذلك ممّا حقّق في وجه تقويته و تقوية صاحبه، هذا.

مع ما عرفت من عمل هؤلاء الجماعة بروايته في المسألة.

ثم إنّ إطلاقها كإطلاق عبائر أكثرهم يشمل صورتي التماس المدّعى للحبس و عدمه،و قيّده بعضهم (5)بصورة التماسه،و هو حسن،و لعلّه المراد من الإطلاق؛ فإنّه عقوبة لحقّه،فلا يكون إلّا بعد التماسه،و يؤيّده عدم الحكم بدون التماسه مع ثبوته.

و هل المراد بالدم ما يشمل الجراح كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها و صدر الرواية أيضاً،أم القتل خاصّة؛ لاحتمال اختصاص الإطلاق بحكم التبادر به،مع اشتمال ذيل الرواية على ما يعرب عن إرادة القتل من الدم

ص:274


1- السرائر 3:343،إيضاح الفوائد 4:619،الشرائع 4:227.
2- القواعد 2:298،الإرشاد 2:220.
3- عدة الأُصول 1:380.
4- حكاه عنه في الرواشح السماوية:57،الوسائل 30:318.
5- القواعد 2:298،مجمع الفائدة 14:213.

المطلق في صدرها خاصة؟وجهان،و الحوالة إلى الحاكم ليراعى أقلّ الضررين كما قدّمناه في التكفيل غير بعيد.

الثانية لو قتل و ادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته

الثانية: لو قتل رجلاً و ادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته يزني بها قتل به مع اعترافه بقتله صريحاً إلّا أن يقيم البيّنة ب صدق دعواه فلا يقتل حينئذٍ،بلا خلاف في المقامين فتوًى و نصّاً،ففي المرتضوي:رجل قتل رجلاً و ادّعى أنّه رآه مع امرأته،فقال(عليه السّلام):«القود، إلّا أن يأتي ببيّنة» (1).

مضافاً في الأوّل إلى الأصل،و عموم:«البيّنة على المدّعى» (2)و خصوص الصحيح (3)و غيره (4):«إنّ أصحاب النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قالوا لسعد بن عبادة:لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟قال:كنت أضربه بالسيف،فخرج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فقال:ماذا يا سعد؟قال سعد:

قالوا:لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به؟فقلت:أضربه بالسيف،فقال:يا سعد،و كيف بالأربعة الشهود؟فقال:يا رسول اللّه بعد رأي عيني و علم اللّه تعالى أن قد فعل؟!قال:إي و اللّه بعد رأي عينك و علم اللّه تعالى أن قد فعل؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل لكل شيء حدّا، و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا».

و ظاهر إطلاقه و إن كان ربما يتوهّم منه المنافاة للحكم الثاني،إلّا أنّه

ص:275


1- عوالي اللئلئ 3:59/600.
2- الوسائل 27:233 أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 3.
3- الكافي 7:12/176،التهذيب 10:5/3،الفقيه 4:25/16،الوسائل 28:14 أبواب مقدمات الحدود ب 2 ح 1.
4- الكافي 7:15/375،التهذيب 10:1166/312،الوسائل 29:134 أبواب القصاص في النفس ب 69 ح 1.

محمول على كون اعتبار الشهود لدفع القود عن نفسه في ظاهر الشرع و إن لم يكن عليه إثم فيما بينه و بين اللّه تعالى،كما ظهر من الرواية السابقة و فتاوي أصحابنا،و إن اختلفت في تقييد الحكم بعدم إثم الزوج في قتله الزاني بكونه محصناً،كما عن الشيخ و الحلّي (1)،أو إبقائه على إطلاقه فيشمل غير المحصن،كما هو ظاهر أكثر الفتاوي و عن صريح الماتن في النكت (2)،و به صرّح غيره كشيخنا في الروضة،حيث قال في جملة شرحه لقول المصنف:و لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما-:

هذا هو المشهور بين الأصحاب،لا نعلم فيه مخالفاً،و هو مروي أيضاً، و لا فرق في الزوجة بين الدائم و المتمتع بها،و لا بين المدخول بها و غيرها، و لا بين الحرّة و الأمة،و لا في الزاني بين المحصن و غيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك (3).

و نحوه المولى المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) مدّعياً شهرته،بل كونه مجمعاً عليه (4).

الثالثة خطأ الحاكم في القتل و الجرح على بيت المال

الثالثة: خطأ الحاكم في القتل و الجرح على بيت المال كما في الموثّق (5)و غيره (6):قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)أنّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.

ص:276


1- النهاية:744،السرائر 3:343.
2- نكت النهاية 3:379.
3- الروضة البهية 9:121.
4- مجمع الفائدة و البرهان 13:95.
5- الكافي 7:3/354،التهذيب 10:801/203.
6- الفقيه 3:16/5،التهذيب 6:872/315،الوسائل 27:226 أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.

و لعلّه لا خلاف فيه،كما يظهر من التنقيح (1)،حيث لم يتكلم في المسألة مع أنّ دابة التكلم في المسائل الخلافية.

و قال الخال العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) في حواشيه على الأخبار بعد ذكر الرواية:و عليه الفتوى سواء كان في مال لا يمكن استرجاعه،أو قصاص مع عدم تقصير (2).

و من جنى على أحد بعد أن قال:حذار (3)،لم يضمن عاقلته جنايته،كما في الخبر:«كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب(عليه السّلام) يلعبون بأخطار (4)لهم فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه،فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال:حذار،فدرأ عنه أمير المؤمنين(عليه السّلام)القصاص،ثم قال:قد أعذر من حذّر» (5).

و لم أر من تعرّض لهذا الحكم هنا عدا الماتن،و إلّا فباقي الأصحاب تعرّضوا لذكره في كتاب الديات في بحث ضمان النفوس و غيرها.

و ظاهرهم عدم الخلاف فيه،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (6)-(رحمه اللّه) و يحتمل الإجماع،كما يظهر من ابن زهرة و غيره (7)،فيجبر بذلك قصور سند الرواية.

ص:277


1- التنقيح 4:438.
2- ملاذ الأخيار 16:9،انظر مرآة العقول 23:266.
3- في«س» زيادة:قيل:هو بفتح الحاء و كسر آخره مبنيّاً عليه،هذا هو الأصل في الكلمة،لكن ينبغي أن يراد هنا ما دلّ على معناها.
4- الخطر:المقلاع الذي يُرمى به.مجمع البحرين 3:290.
5- الكافي 7:7/292،الفقيه 4:231/75،التهذيب 10:819/207،الوسائل 29:69 أبواب القصاص في النفس ب 26 ح 1.
6- مجمع الفائدة 14:244.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):620،و انظر التنقيح 4:438.

و لكن اشترطوا إسماع الحذار للمجني عليه في وقت يتمكن منها، قالوا:فلو لم يقل:حذار،أو قالها في وقت لا يتمكن المرمي من الحذر، أو لم يُسمع فالدية على العاقلة.و لا بأس به؛ لشهادة الاعتبار به.

و من اعتدي عليه فاعتدى بمثله على المعتدي لم يضمن جنايته و إن تلفت فيها النفس،كما في الصحيح:«من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» (1).

و في آخر:عن رجل أتى رجلاً و هو راقد،فلمّا صار على ظهره ليقربه (2)فبعجه بعجة فقتله،قال:«لا دية له و لا قود،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):

من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له و لا قود» (3).

و يعضده النصوص المتقدمة (4)في محاربة اللص،و جواز قتله إذا لم يمكن دفعه بدونه.

القَسامة

و أمّا القَسامة ف هي لغة من القَسَم بالتحريك،و هو اليمين، و شرعاً الأيمان التي تقسم على الأولياء في الدم،و قد يسمّى الحالفون قسامة على طريق المجاز لا الحقيقة،و صورتها:أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله،و لا يقوم عليه بيّنة و لا إقرار،و يدّعي الوليّ على واحد أو جماعة فيحلف على ما يدّعيه،و يثبت به دم صاحبه.

و لا تثبت إلّا مع اقتران الدعوى ب اللوث بلا خلاف أجده،

ص:278


1- الكافي 7:9/292،الفقيه 4:229/74،التهذيب 10:821/208،الوسائل 29:60 أبواب القصاص في النفس ب 22 ح 4.
2- في«ب» و الكافي و الوسائل:أيقن به.
3- الكافي 7:14/293،التهذيب 10:826/209،الوسائل 29:69 أبواب القصاص في النفس ب 27 ح 1،3.
4- في ص 162.

حتى من نحو الحلّي (1)،و ظاهرهم الإجماع عليه،كما صرّح به في الغنية (2)، و لكن ناقشهم بعض الأجلّة،حيث قال بعد نقله جملةً من الأخبار المتعلّقة بالقَسامة،الدالّة على ثبوتها في الشريعة من طرق العامة و الخاصّة، كالنبوي:«البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر،إلّا في القسامة» (3)و الصحيح:عن القسامة كيف كانت؟فقال:« هي حقّ،و هي مكتوبة عندنا، و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثم لم يكن شيء،و إنّما القسامة نجاة للناس» (4)و الصحيح:عن القسامة؟فقال:«الحقوق كلّها البيّنة على المدّعى، و اليمين على المدّعى عليه،إلّا في الدم خاصّة» (5)ما لفظه:

هذه الأخبار خالية عن اعتبار اللوث لفظاً،يعني لم يؤخذ للقسامة شرط اللوث،نعم في بعضها:وجد القتيل في قليب (6)أو قرية و غير ذلك، و ليس ذلك بواضح و لا صريح في اشتراطه إلى أن قال-:فكأنّ لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطّلعت عليه (7).

أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:لعلّ الوجه فيما ذكروه من اشتراط اللوث مخالفة القسامة للقاعدة،فإنّ إثبات الدعوى بقول المدّعى و يمينه على خلاف القاعدة ؛ لأنّه حكم بغير دليل؛ و لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):«لو يعطى الناس

ص:279


1- السرائر 3:339.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الكافي 7:1/415،التهذيب 6:553/229،الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 1.
4- الكافي 7:1/360،الوسائل 29:151 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 2.
5- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
6- القليب:البئر و هو مذكّر.المصباح المنير:512.
7- مجمع الفائدة 14:182.

بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم و أموالهم» (1).

فيجب الاقتصار فيها على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلا ما ذكرنا؛ لورود أكثر النصوص في قضية عبد اللّه بن سهل المشهورة،و فيها اللوث بلا شبهة،و هي الأصل في شرعية القسامة.

و أمّا باقي النصوص فبين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل التهمة كالقليب و القرية،و هي كالأوّلة،و بين مطلقه بالمرّة،كالروايات المتقدّمة،و إطلاقها غير نافع؛ لورودها لبيان حكم آخر هو أصل الشرعية أو نحوه،لا ثبوتها مطلقاً أو في الجملة،و لذا لم يمكن الاستدلال بها على عدم اعتبار الشرائط الأُخر،و بالجملة:فمثل هذا الإطلاق يعدّ من قبيل المجملات بلا شبهة،هذا.

مع أنّ عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في قرية أو محلّة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية للّوث،و قتيلٍ يوجد في سوق أو فلاة أو جمعة،مع أنّ الفتاوي و النصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت القسامة في الأول دون الثاني.

و من جملة تلك النصوص زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح عن مولانا الباقر(عليه السّلام) (2)قال:«كان أبي(رضى اللّه عنه)إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه،حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً باللّه تعالى ما قتلناه و لا علمنا له قاتلاً،ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل،ذلك إذا قتل في حيّ واحد،فأمّا إذا قتل في عسكر،أو سوق

ص:280


1- سنن البيهقي 10:252 بتفاوت يسير.
2- كذا،و في المصادر:عن جعفر(عليه السّلام).

مدينة،فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال» (1).

و فيه دلالة على اعتبار التهمة في القسامة من وجه آخر،بل وجهين ، كما لا يخفى على من تدبّر سياقه.

و بالجملة:لا ريب في اعتبار اللوث و لا شبهة.

و هو أمارة تقرن الدعوى بحيث يغلب معها الظن بصدق المدّعى في دعواه،و ذلك بالنسبة إلى الحاكم،أمّا المدّعى فلا بُدّ أن يكون عالماً جازماً بما يدّعيه؛ لما مرّ من اشتراط الجزم في المدّعى (2).

و سمّيت هذه الأمارة لوثاً لإفادتها قوة الظن،فإنّه في اللغة بفتح اللام:

القوة (3).

و هي كما لو وجد قتيل في دار قوم أو محلّتهم أو قريتهم (4) مع صغرها و انفصال المحلّة عن البلد الكبير،لا مطلقاً كما ذكره بعض الأصحاب (5)مزيداً في التقييد شيئاً آخر،و هو أن يكون بين القتيل و أهلها عداوة ظاهرة.

أو وجد بين قريتين و هو إلى إحداهما أقرب،فهو لوث لأقربهما،كما في الصحيح و الموثق:عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية،أو بين قريتين؟قال:«يقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضمنت» (6).

ص:281


1- التهذيب 10:812/206،الإستبصار 4:1054/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل ب 9 ح 6.
2- في«ن»:الدعوى.
3- الصحاح 1:291،القاموس 1:180،تهذيب اللغة 15:128.
4- في المختصر المطبوع زيادة:أو بين قريتهم..
5- كشف اللثام 2:460.
6- الكافي 7:1/356،الفقيه 4:224/74،التهذيب 10:805/204،806،الإستبصار 4:1050/277،1051،الوسائل 29:149 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 8 ح 4.

و لو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث و إن ثبت العداوة لإحداهما دون الأُخرى فاللوث لها و إن كانت أبعد.

و كما لو تفرّق جماعة عن قتيل في دار كان قد دخل عليهم ضيفاً،أو دخلها معهم في حاجة.

و كما لو وجد قتيل و عنده رجل و معه سلاح متلطّخ بالدم،و لو كان بقربه سبع أو رجل آخر مولٍّ ظهره لم يوجب ذلك اللوث في حقه.

و كما إذا شهد عدل واحد أو شهد عبيد أو نسوة،أمّا الصبيان و الفسّاق و أهل الذمّة فالمشهور كما في المسالك و غيره (1)عدم حصول اللوث بأخبارهم؛ لعدم العبرة بشهادتهم.

خلافاً للتحرير و المسالك و غيرهما (2)،فقالوا بإفادته اللوث مع حصول الظن.و هو حسن.

قالوا:و لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل؛ لإمكان حصوله بالخنق،و عصر الخصية (3)،و القبض على مجرى النفس،و نحو ذلك.

و لا حضور المدّعى عليه؛ لجواز القضاء على الغائب،و من منعه اشترطه.

و لا عدم تكذيب أحد الوليّين صاحبه،فإنّه لا يقدح فيه.

و لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي؛ عملاً بالعموم،قيل:بل للوليّ إحلاف المنكر يميناً واحدة و لو حصل (4).

و اعلم أنّ ما لا لوث فيه كما أشار إليه الماتن بقوله: أمّا من جهل

ص:282


1- المسالك 2:473،المفاتيح 2:122.
2- التحرير 2:252،المسالك 2:473،المفاتيح 2:122.
3- في«س»:القضيب.
4- قاله العلّامة في التحرير 2:252.

قاتله و لم يحصل في قضيّته اللوث كقتيل الزحام،و الفزعات،و من وجد في فلاة،أو معسكر،أو في سوق،أو جمعة،فديته من بيت المال بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (1).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادةً على الصحيحة المتقدمة الصحيح:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل وجد مقتولاً لا يُدرى من قتله،قال:إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أُعطوا ديته من بيت مال المسلمين،و لا يطلّ دم امرئ مسلم؛ لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام،و يصلّون عليه،و يدفنونه،و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات،أنّ ديته من بيت مال المسلمين» (2)و نحوه صحيح آخر في قتيل الزحام (3).

و في القوي:«ليس في الهايشات عقل و لا قصاص» و الهايشات:

الفزعة تقع في الليل و النهار فيشجّ الرجل فيها،أو يقع قتيل لا يدرى من قتله و شجّه (4).

و قال(عليه السّلام)في حديث آخر:«رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فودّاه من بيت المال» (5).

و في الخبر:«من مات في زحام الناس يوم الجمعة،أو يوم عرفة،أو

ص:283


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:1/354،التهذيب 10:799/202،الوسائل 29:145 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 1.
3- الكافي 7:5/355،التهذيب 10:798/202،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 2.
4- الكافي 7:6/355،التهذيب 10:802/203،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 3.
5- الكافي 7:/355 ذيل ح 6،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 4.

على جسر لا يعلمون من قتله،فديته من بيت المال» (1)و نحوه القوي بزيادة:«أو عيد،أو على بئر» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و لعلّ الحكمة فيه حصول القتل من المسلمين،فتؤخذ الدية من أموالهم المعدّة لمصالحهم.

و مع تحقق اللوث يكون للأولياء أي أولياء المقتول إثبات الدعوى دعوى القتل على المتّهم مطلقاً بالقسامة إجماعاً منّا على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالمهذّب و التنقيح (3)،و هو الحجّة المخصِّصة للأصل المتقدم إليه الإشارة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،البالغة حدّ التواتر،و قد مرّ إلى جملة منها الإشارة،و سيأتي جملة أُخرى منها وافية، مع أنّه لم ينقل الخلاف في شرعيّتها إلّا عن أبي حنيفة (4).

و هي في العمد خمسون يميناً إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالتنقيح و شرح الشرائع للصيمري و الروضة و نكت الإرشاد و المسالك (5)،و لكن في الأخيرين نفي الخلاف عنه.

و كأنّهم لم يعتدّوا بخلاف ابن حمزة حيث قال:إنّها خمسة و عشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد (6).

ص:284


1- الكافي 7:4/355،التهذيب 10:796/201،الوسائل 29:146 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ح 5.
2- الفقيه 4:427/122،الوسائل 29:147 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 6 ذيل ح 5.
3- المهذّب البارع 5:215،التنقيح الرائع 4:440.
4- حكاه عنه في التنقيح 4:440،المبسوط للسرخسي 26:108.
5- التنقيح 4:440،غاية المرام 4:396،الروضة 10:73،نكت الإرشاد 4:428،المسالك 2:473.
6- الوسيلة:460.

و وجهه مع ندرته غير واضح،عدا ما قيل له من أنّه مبني على أنّ الخمسين بمنزلة شاهدين (1).

و هو اعتبار ضعيف لا تساعده الأدلّة،بل إطلاقها من الفتوى و الرواية على خلافه واضحة المقالة،مع مخالفته الأصل و الاحتياط بلا شبهة.

و في الخطأ و شبهه خمسة و عشرون على الأظهر وفاقاً للشيخ في كتبه الثلاثة،و القاضي و الصهرشتي و الطبرسي و ابن حمزة و الفاضلين هنا و في الشرائع و المختلف،و يميل إليه الشهيدان في النكت و المسالك و الفاضل المقداد في التنقيح (2)و غيرهم من المتأخرين (3)،و جعله المشهور في القواعد (4)،و ادّعى عليه الشيخ إجماع الطائفة (5)،و نسبه في الغنية (6)إلى رواية الأصحاب مشعراً بالإجماع عليها،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،ففي الصحيح:«القسامة خمسون رجلاً في العمد،و في الخطإ خمسة و عشرون رجلاً،و عليهم أن يحلفوا باللّه تعالى» (7).

ص:285


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:461.
2- المبسوط 7:211،الخلاف 5:308،النهاية:740،القاضي في المهذّب 2:500،و حكاه عن الصهرشتي و الطبرسي في غاية المراد 4:429،الوسيلة:460،الشرائع 4:224،المختلف:789،النكت 4:429،المسالك 2:472،التنقيح 4:441.
3- الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:618،ابن فهد في المقتصر:433،و انظر المهذب البارع 5:218،مجمع الفائدة 14:193.
4- القواعد 2:297.
5- الخلاف 5:308.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
7- الكافي 7:10/363،التهذيب 10:667/168،الوسائل 29:158 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 1.

و في آخر و غيره:«و القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً،و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلاً» (1).

و هي مع صحة سند أكثرها،و اعتضادها بالإجماع المنقول لا معارض لها،كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

و مؤيّدة بما استدل به في المختلف،فقال:لنا أنّه أدون من قتل العمد،فناسب تخفيف القسامة؛ و لأنّ التهجّم على الدم بالقود أضعف من التهجّم على أخذ الدية فكان التشدّد في إثبات الأوّل أولى (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي و غيرهم (3)،فساووا بينه و بين العمد في الخمسين،و اختاره الفاضل في صريح الإرشاد و القواعد و ظاهر التحرير،و ولده في الإيضاح و الشهيدان في اللمعتين (4).

و مستندهم غير واضح،عدا الأصل،و الاحتياط،و إطلاقات الأخبار بالخمسين،و الأوّل:مخصَّص بما مرّ،و الثاني:معارض بالمثل،فإنّ زيادة الأيمان على الحالف تكليف ينافي إلزام المكلّف به طريقة الاحتياط، و الأخبار لا إطلاق لها؛ فإنّها ما بين نوعين:

نوع ورد في قضيّة عبد اللّه بن سهل،و سياقها أجمع ظاهر،بل صريح في قتله عمداً،فإنّ من جملتها الصحيح:«إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بينما هو

ص:286


1- الكافي 7:9/362،التهذيب 10:668/169،الوسائل 29:159 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 2.
2- المختلف:789.
3- المفيد في المقنعة:736،الديلمي في المراسم:232،الحلّي في السرائر 3:338،و حكاه في المختلف عن ابن الجنيد:789،و قال الشهيد في غاية المراد 4:428:و يلوح من كلام ابن زهرة و تبعه الكيدري.
4- الإرشاد 2:219،القواعد 2:297،التحرير 2:252،إيضاح الفوائد 4:615،اللمعة و الروضة البهية 10:73.

بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً،فقالت الأنصار:إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا،فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للطالبين:أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمّته،فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمّته،فقالوا:يا رسول اللّه ما عندنا شاهدان من غيرنا و إنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره،فودّاه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و قال:إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه ذلك مخافة القسامة فكّف عن قتله،و إلّا حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا و لا علمنا قاتلاً،و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون» (1)و نحوه غيره (2).

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه،مع أنّها على تقدير تسليم إطلاقها قضيّة في واقعة لا عموم لها ينفع المتنازع قطعاً.

و نوع ورد معلّلاً لشرعيّة القسامة بما مرّ في الصحيحة من العلّة،و هي صريحة في اختصاصها بالعمد دون الخطاء و ما يشبهه.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذه الأدلّة،و عدم صلوحها للحجيّة فضلاً أن يعترض بها نحو الأدلّة السابقة،مع ما هي عليه من الكثرة و الخلوص عن شائبة الوهن و الريبة.

فهذا القول ضعيف في الغاية،و إن ادّعى عليه إجماع المسلمين في السرائر (3)،و الشهرة في الروضة (4)؛ لظهور وهن الأوّل بمخالفة عظماء

ص:287


1- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
2- الكافي 7:5/361،التهذيب 10:662/166،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 3.
3- السرائر 3:338.
4- الروضة البهية 10:73.

الطائفة مع أنّه لم ينقل موافقاً له عدا المفيد خاصّة،و على تقدير سلامته عن الوهن فهو معارض بإجماع الشيخ (1).

و بنحو هذا يجاب عن دعوى الشهرة،فإنّها على تقدير تسليمها معارضة بنقل الشهرة على الخلاف في القواعد،كما عرفته (2).

و بالجملة:المذهب هو القول الأوّل،و إن كان الثاني أحوط،لكن لا مطلقا كما زعموه،بل إذا بذل الحالف الزيادة برضاء و رغبة،و إلّا فإلزامه بها خلاف الاحتياط أيضاً،كما عرفته.

و كيفيّتها أن يحلف المدّعى و أقاربه أوّلاً،فإن بلغوا العدد المعتبر و حلف كل واحد منهم يميناً،و إلّا كرّرت عليهم بالسوية أو التفريق، و التخيير إليهم كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر.

و لو لم يكن للمدّعي قسامة أو امتنعوا كلاًّ،أو بعضاً؛ لعدم العلم،أو اقتراحاً حلف المدّعى و من يوافقه إن كان،و إلّا كرّرت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد كملاً.

و لو لم يحلف و كان للمنكر من قومه قَسامة،حلف كل منهم حتى يكملوا العدد و لو لم يكن له قسامة يحلفون كرّرت عليه الأيمان حتى يأتي ب تمام العدد و هذا التفصيل كما هو و إن لم يستفد من أخبار القسامة،إلّا أنّه لا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (3).

و ربما يتوهم من بعض النصوص حلف المنكر أوّلاً،و إلّا فأولياء الدم،كالصحيح في قضية عبد اللّه بن سهل المتضمّن لقوله(صلّى اللّه عليه و آله)لأولياء

ص:288


1- الخلاف 5:308.
2- راجع ص 284.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.

الدم:«يحلف اليهود،قالوا:كيف يحلف اليهود على أخينا قوم كفّار؟قال:

فاحلفوا أنتم،قالوا:كيف نحلف» الحديث (1).

لكنّه محمول على عدم القصد إلى بيان الترتيب،و إلّا فالمعتبرة الواردة في تلك القضية مستفيضة بعكس الترتيب المذكور في هذه الصحيحة،فمنها الصحيح:«فقال(صلّى اللّه عليه و آله)لهم:فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم،قالوا:كيف نقسم على ما لم نر؟قال:فيقسم اليهود، قالوا:كيف نرضى باليهود» الحديث (2).

و نحوه آخر،و في آخره:«و إلّا حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا و لا علمنا له قاتلاً،و إلّا أُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون» (3).

و نحوهما الخبر،و هو طويل،و في آخره:«فإذا ادّعى الرجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدم قبل المدّعى عليهم،فعلى المدّعى أن يجيء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً،فيدفع إليهم الذي حلف عليه،و إن لم يقسموا فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا» الخبر (4).و هو صريح في اعتبار الترتيب.

و نحوه آخر:عن القسامة على من،أعلى أهل القاتل أو على أهل

ص:289


1- الكافي 7:2/360،التهذيب 10:665/168،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:5/361،التهذيب 10:662/166،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 3.
3- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
4- الكافي 7:8/362،الفقيه 4:223/73،التهذيب 10:663/167،الوسائل 29:156 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 5.

المقتول؟قال:«على أهل المقتول» الحديث (1).

و يستفاد من سابقه أنّه لو كان المدّعى عليه أكثر من واحد يكتفى بحلف الجميع العدد من دون اشتراط حلف كل واحد منهم العدد،كما عليه الشيخ في الخلاف (2)،مدّعياً عليه الوفاق.

خلافاً له في المبسوط و لغيره (3)،قالوا:لأنّ الدعوى واقعة على كل واحد منهم بالدم،و من حكمها حلف المنكر العدد.

و هو الوجه؛ لضعف الخبر،مع عدم جابر له في محل البحث.

مع عدم صراحته؛ لاحتماله الحمل على كون الدعوى على القوم على واحد منهم؛ لصحة الإضافة لأدنى ملابسة،و ربما يشير إلى كونه المراد من الرواية قوله(عليه السّلام)في آخرها:«يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً،فيدفع إليهم» و هو ظاهر في أنّ المدّعى عليه واحد،و إنّما أضاف الدعوى إلى القوم لكونه منهم.

و الإجماع موهون،سيّما مع مخالفة الناقل بنفسه.

لكن ظاهر جملة من الأخبار الواردة في قضية سهل هو الأوّل؛ لظهورها في دعوى الأنصار على اليهود أنّهم قتلوا صاحبهم،و مع ذلك فقد اكتفى(صلّى اللّه عليه و آله)منهم بأن يحلفوا خمسين،ففي الصحيح:«خرج رجلان من الأنصار يصيبان من الثمار فتفرّقا فوجد أحدهما ميتاً، فقال أصحابه لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّما قتل صاحبنا اليهود» الحديث (4)،

ص:290


1- التهذيب 10:666/168،الوسائل 29:157 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 6.
2- الخلاف 5:314.
3- المبسوط 7:222،المسالك 2:474.
4- الكافي 7:2/360،التهذيب 10:665/168،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 1.

و نحوه غيره (1).

و لكن في الصحيح:«فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار:إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا» الحديث (2).و هو صريح في المخالفة لتلك،و القضية واحدة،و الجمع بينهما يقتضي إرجاع تلك إلى هذه؛ لصراحته دونها؛ لاحتمالها الحمل على نحو ما مرّ ممّا يرجع إليه،دونه.

و كيف كان لو حلف المدّعى عليه هو أو مع قومه بطلت الدعوى، و أُخذت الدية من بيت المال؛ لدخوله فيمن جهل قاتله؛ و لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم.

و لخصوص الصحيح:«إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم و لم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه،حلّف المتّهمين (3)بالقتل خمسين يميناً باللّه ما قتلناه و لا علمنا له قاتلاً،ثم يؤدّي الدية إلى أولياء القتيل» (4).

و لو نكل عن الأيمان كلّاً أو بعضاً اُلزم الدعوى،عمداً كان القتل المدّعى عليه أو خطأ و لا تردّ اليمين على المدّعى على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا؛ لظاهر الصحيح الثاني المتقدم من النصوص المتضمنة لحلف المدّعى أوّلاً ثم المدّعى عليه (5).

و نحوه بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده بالجهالة بالشهرة،

ص:291


1- الكافي 7:3/361،الوسائل 29:155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 2.
2- الكافي 7:4/361،التهذيب 10:661/166،الوسائل 29:152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.
3- في النسخ:حلف المتّهمون،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب،أي كان أبي حلّف المتهمين..ثم يؤدّي الدية..
4- التهذيب 10:812/206،الإستبصار 4:1054/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 6.
5- راجع ص 288.

و وجود ابن محبوب قبلها،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة،و فيه:«إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلاً،فإن أبوا أن يحلفوا أُغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين» (1).

خلافاً للمبسوط (2)،فقال:تردّ اليمين على المدّعى،كما في سائر الدعاوي،و ظاهر عبارته الإجماع عليه.و هو شاذّ،و إجماعه موهون.

و عليه فهل تردّ القَسامة،أم يكتفى بيمين واحدة؟وجهان، و المحكي عن ظاهر عبارة المبسوط (3)هو الأوّل.

و قيل:إن قلنا:إنّ الخمسين يمين واحدة فله الردّ،و إلّا فلا (4).

و يثبت الحكم في الأعضاء بالقسامة كثبوته بها في النفس، بلا خلاف أجده،بل عليه إجماعنا في المبسوط على ما حكاه عنه في التنقيح (5)،و هو أيضاً ظاهر غيره (6)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.خلافاً لأكثر العامّة.

و هل يعتبر اقتران الدعوى هنا مع التهمة كما في النفس،أم لا؟ ظاهر العبارة و نحوها الأوّل،و هو صريح جماعة،و منهم الحلّي (7)،قيل:

مدّعياً في ظاهر كلامه الإجماع عليه (8)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى بعض

ص:292


1- التهذيب 10:811/206،الإستبصار 4:1053/278،الوسائل 29:153 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 5.
2- المبسوط 7:223.
3- المبسوط 7:223.
4- انظر كشف اللثام 2:462.
5- التنقيح 4:442،و هو في المبسوط 7:223.
6- الخلاف 5:312.
7- السرائر 3:338.
8- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:462.

ما قدّمنا في اعتباره في أصل القسامة.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (1)،فاختار الثاني،و حجته غير واضحة،سيّما في مقابلة تلك الأدلّة.

فما كانت ديته دية النفس كالأنف و اللسان و نحوهما فالأشهر كما هنا و في غيره أنّ عدد القسامة ستّة رجال و هو خيرة الشيخ و أتباعه (2)،و في الغنية (3)الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المروية في الكتب الثلاثة،و فيها الصحيح و غيره، فيما أفتى به أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الديات،و من جملته في القسامة:

«جعل على العمد خمسين رجلاً،و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلاً،و على ما بلغت ديته من الجوارح (4)ألف دينار ستّة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من ستّة نفر» الحديث (5).

خلافاً للديلمي و الحلّي (6)،فساويا بين النفس و الأعضاء في اعتبار الخمسين،أو خمسة و عشرين إن قلنا بها في الخطاء،و إلّا فالخمسين مطلقا،و حكاه الثاني عن المفيد أيضاً،و اختاره أكثر المتأخّرين جدّاً،لكن لم يذكروا الخمسة و عشرين في الخطأ،بل ذكروا الخمسين مطلقا،و في

ص:293


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:462،و هو في المبسوط 7:223.
2- الشيخ في المبسوط 7:223،و تبعه ابن حمزة في الوسيلة:460،و القاضي في المهذب 2:501.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- كذا،و في الكافي و الوسائل:الجروح.
5- الكافي 7:9/362،التهذيب 10:668/169،الوسائل 29:159 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 11 ح 2.
6- المراسم:248،السرائر 3:340.

المسالك و غيره (1)أنّه مذهب الأكثر بقول مطلق،و في غيرهما (2)أنّه المشهور.

و حجتهم غير واضحة،عدا مخالفة القَسامة للأصل،كما تقدّم إليه الإشارة،فيقتصر فيما خالفه على المتيقن من الفتوى و الرواية،و ليس سوى الخمسين لا الستّة.

و هو حسن لولا ما مرّ من المعتبرة المتضمّنة للصحيح على المختار، و الحسن القريب منه على المشهور،و كلاهما حجة على الأشهر الأظهر، سيّما مع التأيّد بغيره و لو ضعف،مع احتمال جبر ضعفه بالشهرة القديمة المحكيّة و حكاية الإجماع المتقدمة.

مع أنّها بنفسها حجة مستقلة،لأنّ الشهرة المخالفة إنّما هي من المتأخرين خاصّة،فلا تؤثّر في وهنها؛ لأنّها سابقة،و خروج نحو الديلمي و الحلّي و المفيد على تقدير خروجه لا يؤثّر الوهن فيها بلا شبهة.

مع أنّ عمدة المتأخّرين و هو الفاضل قد احتاط بهذا القول في التحرير (3)،مشعراً باختياره الأوّل أو التردّد فيه و في الثاني،و فيه المختلف (4)رجع عنه و صرّح باختياره الأوّل،و إن نسبه في الإيضاح و غيره في غيره (5)إلى الثاني،لكنه و هم،و إلى المختار ذهب الخال العلّامة المجلسي و المقدّس الأردبيلي (6)عليهما الرحمة.

ص:294


1- المسالك 2:474،مفاتيح الشرائع 2:124.
2- غاية المراد 4:431.
3- التحرير 2:253.
4- المختلف:789.
5- الإيضاح 4:615،كنز الفوائد 3:715.
6- ملاذ الأخيار 16:345،مجمع الفائدة 14:193 196.

و عليه يقسم كل منهم أي من الستة رجال يميناً،و مع عدمهم أو امتناعهم مطلقا يحلف الوليّ للدم و من يوافقه إن كان ستّة أيمان (1)و لو لم يكن له قسامة،أو امتنع الوليّ من الحلف و غيره أُحلف المنكر إن شاء مع قومه ستّة أيمان.

و لو لم يكن له قوم أو امتنعوا كلّاً أو بعضاً يحصل به العدد حلف هو أي المنكر الستّة أيمان.

و في ما كانت ديته دون دية النفس فيحلف بحساب الستّة ففي اليد الواحدة ثلاثة أيمان،و في الإصبع الواحدة يمين واحدة، و كذا الجرح إن كان فيه ثلث الدية كانت فيه يمينان،و هكذا.

و كذلك على القول الثاني،لكن يبدّل فيه الستّة بالخمسين،و الثلاثة بالخمس و عشرين،و الواحدة بالخمس،و هكذا.

و لا دليل لاعتبار نسبة الأقلّ إلى الأكثر على هذا القول كما ذكره المقدّس الأردبيلي (2)رحمه اللّه مضعفاً له به عدا عدم الخلاف فيه الظاهر بلوغه حدّ الإجماع،و حاصله الإجماع على اعتبارها ،و إن اختلفوا في الأكثر الذي ينسب إليه،أ هو ستّة،أم خمسون؟ و هذا الإجماع لعلّه يؤيّد تلك المعتبرة؛ لأنّها هي المتكفّلة لاعتبار النسبة،و استنادهم في اعتبارها إلى دليل غيرها مع عدم ظهوره بعيد في الغاية.

ص:295


1- في«ح» زيادة:و قيل:خمسون يميناً احتياطاً.
2- مجمع الفائدة 14:194.

القول في كيفيّة الاستيفاء

اشارة

القول في (1)الاستيفاء أي استيفاء القصاص اعلم أنّ قتل العمد يوجب القصاص بالأصالة و لا تثبت الدية فيه إلّا صلحاً،و لا تخيير للوليّ بينهما،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في ظاهر الخلاف و المبسوط و صريح السرائر و الغنية (2)أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الآيات الكثيرة و السنّة المتواترة بإثبات القود،و ليس في أكثرها التخيير بينه و بين الدية،فإثباته لمخالفته الأصل يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كما ستعرفه.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:«من قتل مؤمناً متعمّداً قيد به،إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية،فإن رضوا بالدية و أحبّ ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفاً» الحديث (3).

خلافاً للإسكافي،فيتخيّر الوليّ بين القصاص و العفو و أخذ الدية، قال:و لو شاء الوليّ أخذ الدية و امتنع القاتل من ذلك و بذل نفسه للقود كان الخيار إلى الوليّ (4).و هو أيضاً ظاهر العماني،حيث قال:فإن عفا الأولياء عن القود لم يقتل،و كان عليه الدية لهم جميعاً (5).

ص:296


1- في المختصر المطبوع زيادة:كيفيّة.
2- الخلاف 5:178،المبسوط 7:52،السرائر 3:324،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
3- التهذيب:10:638/159،الإستبصار 4:980/261،الوسائل 29:196 أبواب ديات النفس ب 1 ح 9.
4- حكاه عنه في المختلف:783.
5- حكاه عنه في المختلف:784.

و هذا القول شاذّ،و مستنده غير واضح،عدا ما استدل له من النبويين،في أحدهما:«من قتل له قتيل فهو بخير النظرين،إمّا أن يفادي، و إمّا أن يقتل» (1).

و في الثاني:«من أُصيب بدم أو خَبل» و الخَبل:الجراح«فهو بالخيار بين إحدى ثلاث،إمّا أن يقتصّ،أو يأخذ العقل،أو يعفو» (2).

و الخاصّيّ،و فيه:«العمد هو القود،أو رضاء وليّ المقتول» (3).

و أنّ فيه إسقاط بعض الحق،فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدين.

و أنّ الرضاء بالدية ذريعة إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.

و في الجميع نظر؛ لقصور الروايات سنداً،بل و دلالةً؛ إذ ليس فيها إلّا الخيار بين الثلاثة في الجملة،لا كليةً حتى لو لم يرض الجاني بالدية لكان له الخيار في أخذها،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى هذه الصورة،فإنّ الغالب رضاء الجاني بالدية مطلقاً،سيّما مع اختيار الوليّ لها، فإنّ النفس عزيزة.

مع احتمالها الحمل على التقية؛ لكونها مذهب الشافعي و أحمد و جماعة من العامّة،على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة،قال بعد نقل الخلاف عنهم:فأوجبوا الدية بالعفو و إن لم يرض الجاني (4).

و يضعّف الثاني بمنع كون قبول الدية إسقاط حق،بل معاوضة صرفة

ص:297


1- مسند أحمد 2:238،صحيح البخاري 1:39،سنن البيهقي 8:52.
2- مسند أحمد 4:31،سنن ابن ماجة 2:2624/876،سنن البيهقي 8:52.
3- التهذيب 10:634/158،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
4- كشف اللثام 2:466.

يحتاج إلى مراضاة الطرفين،كما لو أبرأ الدين أو بعضه بعوض من غير جنسه.

و الثالث بعد تسليمه لا يفيد ثبوت الخيار للوليّ و تسلّطه على أخذ الدية من الجاني،و إن كان بذلها واجباً عليه،فإنّ لكل تكليفاً،و تكليف أحدهما و هو الجاني لا يغيّر حكم الآخر و هو الوليّ من حرمة تسلّطه على صاحبه.

و لعلّه لذا أنّ الشهيدين في اللمعتين (1)مع اختيارهما المختار مالا إلى وجوب بذل الدية على الجاني مع قدرته عليه لو طلبها الوليّ،و لم ينسب ثانيهما إلى الإسكافي سوى هذا،و لكن عبارته المحكية صريحة فيما نسبه الأصحاب إليه،حتى هو في المسالك (2)ممّا قدّمنا إليه الإشارة (3)،هذا.

مع أنّ هذه الأدلّة لا تكافئ شيئاً ممّا قدّمناه،و سيّما الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها (4)إجماع في الحقيقة،و لا يقدح فيه خروج القديمين؛ لمعلومية نسبهما المانعة عن القدح في الحجية.

مضافاً إلى الأصل و ما بعده من المعتبرة،و إن لم يكن في المطلوب صريحة،فإنّ محل الدلالة فيها اشتراط رضا الجاني ببذل الدية،و هو يحتمل الورود مورد الغالب،و هو حصول رضاه كما عرفته،فلا عبرة بمفهومه،كما قرر في محلّه و مرّ غير مرّة.

ص:298


1- اللمعة و الروضة البهية 10:90.
2- المسالك 2:476.
3- راجع ص 295.
4- ليست في«ن».

و يتفرّع على المختار أنّه إذا طلب الوليّ المال تخيّر الجاني بين دفعه و تسليم نفسه للقود.

و أنّه لو عفا عليه لم يصحّ عفوه بدون رضا القاتل؛ لأنّ حقه ليس هو المال،و عفوه لم يقع مطلقاً.

و أنّه لو عفا كذلك سقط القود و لم تلزم الدية؛ لأنّها ليست واجبة له بالأصالة أو أحد أفراد الحقّ المخيّر حتى يوجب إسقاط أحدهما بقاء الآخر.

و لا يجوز أن يقضي الحاكم بالقصاص ما لم يتيقّن التلف بالجناية فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية إن أمكن،دون النفس،فإذا قطع الجاني يد شخص مثلاً فمات المجني عليه بعد ذلك و لم يعلم استناد موته إلى الجناية فلا يقتل الجاني إلّا بعد تيقّن حصول الموت بالجناية،و مع الاشتباه يقتصر على قطع اليد دون القتل،و وجهه واضح.

و المراد باليقين ما يعمّ اليقين الشرعي الحاصل من نحو الإقرار و الشهادة،هذا بالنسبة إلى الحاكم،و أمّا بالنسبة إلى الشهود و وليّ الدم إذا أراد قتل الجاني حيث يجوز له فلا بُدَّ من العلم الواقعي.

و للوليّ الواحد المبادرة بالقصاص بنفسه بعد تيقّنه بثبوته،من دون توقّف على شيء،وفاقاً لأحد قولي المبسوط (1)،و عليه أكثر المتأخرين،بل عامّتهم؛ لأنّه كالأخذ بالشفعة و سائر الحقوق؛ و لعموم فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [1] (2)و نحوه من الأدلّة الدالّة على جواز اقتصاص

ص:299


1- المبسوط 7:56.
2- الإسراء:33.

الوليّ من الجاني بتعمده الجناية،من دون دلالة فيها على توقّفه على شيء و لا إشارة.

و قيل كما عن الخلاف و موضع آخر من المبسوط و المقنعة و المهذّب و الكافي (1):إنّه يتوقف على إذن الحاكم و يحرم بدونه و إن لم يضمن أرشاً و لا دية (2)،و عليه الفاضل في القواعد (3).و لعلّه الظاهر من الغنية،فإنّ فيها:و لا يستقيد إلّا سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك، و هو وليّ من ليس له وليّ من أهله إلى أن قال-:بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كلّه (4).

و ظاهره دعوى الإجماع عليه كالشيخ في الخلاف (5)،فإن تمّ فهو الحجّة،لا ما يقال لهم:من أنّه يحتاج في إثبات القصاص و استيفائه إلى النظر و الاجتهاد؛ لاختلاف الناس في شرائطه و في كيفيّة الاستيفاء،لخطر أمر الدماء.

فإنّ مفاده عدم الجواز مع عدم العلم بثبوت القصاص باحتمال الاختلاف في النظر و الاجتهاد،و نحن نقول به،لكنّه خارج عن محل النزاع؛ إذ هو كما عرفت تيقّن الوليّ بثبوت القصاص،و هو غير متوقّف على إذن الحاكم بالاقتصاص؛ لحصوله بمجرّد حكمه به،بل و من دونه أيضاً لو كان الوليّ عارفاً بثبوت القصاص في واقعته عند مجتهده،أو مطلقاً

ص:300


1- الخلاف 5:205،المبسوط 7:100،المقنعة:760،المهذّب 2:485،الكافي:383.
2- في«ن» زيادة:لو فعل.
3- القواعد 2:299.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
5- الخلاف 5:205.

حيث يكون ثبوته إجماعيّاً أو ضروريّاً.

و لا ريب أنّ الاستيذان أحوط،سيّما مع نقل نفي الخلاف الذي مرّ، مع عدم ظهور وهنه من الخارج؛ إذ لم يخالف فيه من القدماء عدا الشيخ في أحد قوليه،و هو بمجرّده لا يوجب القدح فيه،سيّما مع نفيه هو أيضاً عنه الخلاف في الخلاف،و شهرة الخلاف إنّما هو بين المتأخّرين،هذا.

مع إشعار جملة من النصوص باعتبار الإذن،كالخبر:«من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة» (1)و قريب منه غيره (2)، فتأمّل .

و ظاهر العبارة عدم الكراهة،و لكن حكم بها في الشرائع (3)،و نحوه الفاضل في التحرير (4)،و لا ريب فيها؛ لشبهة الخلاف الموجبة لها لا أقلّ منها.

قالا:و تتأكّد الكراهة في قصاص الطرف.قيل:لأنّه بمثابة الحدّ، و هو من فروض الإمام؛ و لجواز التخطّي مع كون المقصود معه بقاء النفس بخلاف القتل،و لأنّ الطرف في معرض السراية،و لئلاّ تحصل مجاحدة (5).

و لو كانوا أي الأولياء جماعة لم يجز لأحدهم الاستيفاء بنفسه،بل يتوقف على الاجتماع إمّا بالوكالة لأجنبي أو أحدهم،أو

ص:301


1- التهذيب 10:1091/279،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 8.
2- التهذيب 10:813/206،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.
3- الشرائع 4:228.
4- التحرير 2:255.
5- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:477.

بالإذن،وفاقاً للفاضلين و الشهيدين (1)و غيرهم من المتأخّرين (2)، و بالجملة:المشهور،كما في شرح الشرائع للصيمري (3)؛ لتساويهم في السلطان،و لاشتراك الحقّ فلا يستوفيه بعضهم،و لأنّ القصاص موضوع للتشفّي و لا يحصل بفعل بعضهم.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف (4): لو بادر أحدهم بالاستيفاء جاز له ذلك و ضمن الدية عن حصص الباقين و هو خيرة السيّدين (5)،مدّعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين،و هو الحجّة،لا ما يقابل لهم أو قالوه:من قوله تعالى فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [1] (6)و بناء القصاص على التغليب،و أنّه لو عفا بعضهم على مال أو مطلقاً كان للآخر القصاص مع أنّ القاتل قد أحرز بعض (7)نفسه،فهنا كذلك بطريق أولى.

لإمكان المناقشة في الجميع؛ لعدم ظهور الآية في المطلوب، و التغليب ليس بحجّة،بل غير مسلم،فإنّه يسقط بالشبهة مثل سائر الحدود،و جواز استقلال البعض بالاستيفاء و القصاص بعد أخذ الباقي حقه بالعفو و غيره لا يستلزم جوازه بدون أخذهم ذلك،فكيف الأولوية؟! فتأمّل .

ص:302


1- الشرائع 4:228،القواعد 2:299،اللمعة و الروضة البهية 10:95.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:445،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 13:430،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:139.
3- غاية المرام 4:402.
4- المبسوط 7:53،الخلاف 5:179.
5- لم نعثر على قول السيد المرتضى في كتبه لكن حكاه عنه الشهيد في غاية المراد 4:324،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الإسراء:33.
7- أثبتناه من«ب».

و هذه الوجوه و إن لم تصلح للحجية،لكنّها معاضدات قويّة للإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،السليمة مع ذلك عمّا يوجب وهنها سوى الشهرة المتأخّرة،و هي ليست بموهنة كما عرفته،و الشهرة المطلقة المحكية معارضة بدعوى المولى الأردبيلي رحمه اللّه في شرح الإرشاد (1)على هذا القول الأكثرية،و بعد التساقط تبقى الإجماعات عن الوهن بها سليمة.

فإذاً هذا القول في غاية القوّة،سيّما مع التأيّد بما قيل (2)من أنّ الباقي إمّا أن يريد قتله،أو و الدية،أو العفو،فإن أراد القتل فقد حصل،و إن أراد الدية فالمباشر باذل،و إن أراد العفو فيعفو فيه أيضاً؛ إذ المقصود منه المثوبة من اللّه سبحانه،و هي على التقديرين حاصلة،فتأمّل .

و لا ريب أنّ القول الأوّل أحوط.

و لا قصاص في النفس إلّا بالسيف،أو ما جرى مجراه من آلة الحديد.

و يقتصر المستوفي على ضرب العنق حال كونه غير ممثِّل بقطع اذن،أو أنف،أو نحو ذلك مطلقاً و لو كانت الجناية من الجاني بالتحريق للمجني عليه أو التغريق له أو الرضخ (3) أي الرمي عليه بالحجارة و نحوها من كل مثقل،على الأشهر الأقوى،بل نفى في الغنية (4)عنه الخلاف بين أصحابنا،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كالفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في الروضة،حيث قالا بعد نقل القول بجواز

ص:303


1- مجمع الفائدة و البرهان 13:430.
2- قاله المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 13:431.
3- في النسخ:الرضح بالحاء المهملة و الأنسب ما أثبتناه من المختصر.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

قتله بمثل القتلة التي قتل بها و دليله-:و هو متّجه لولا انعقاد الإجماع على خلافه (1).و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،ففي جملة منها تضمّنت الصحيح و غيره:عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أ يدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟قال:«نعم،و لكن لا يترك يعبث به،و لكن يجيز عليه بالسيف» (2).

و في المرسل:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [1] (3)ما هذا الإسراف الذي نهى اللّه تعالى عنه؟قال:

«نهى أن يقتل غير قاتله،أو يمثّل بالقاتل» (4).

و في المروي عن قرب الإسناد:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)لمّا قتله ابن ملجم قال:احبسوا هذا الأسير» إلى أن قال(عليه السّلام):«فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به» (5).

و في آخر عنه أيضاً:«أنّ الحسن(عليه السّلام)قدّمه فضرب عنقه بيده» (6)إلى غير ذلك من النصوص.

خلافاً للإسكافي،فقال(بما مرّ) (7)إمّا مطلقاً،كما يحكى عنه

ص:304


1- التنقيح 4:446،الروضة 10:92.
2- الكافي 7:4/279،التهذيب 10:630/157،الوسائل 29:126 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 1.
3- الإسراء:33.
4- الكافي 7:7/370،الوسائل 29:127 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 2.
5- قرب الإسناد:515/143،الوسائل 29:127 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 4.
6- قرب الإسناد:516/143،الوسائل 29:128 أبواب القصاص في النفس ب 62 ح 5.
7- بدل ما بين القوسين في«ب»:يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها.

كثيراً (1)،أو مشروطاً بما إذا وثق بأنّه لا يتعدّى،كما حكاه عنه في المختلف و بعض أصحابنا (2)؛ لقوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (3)و النبوي:«من حرّق حرّقناه،و من غرّق غرّقناه» (4).

قيل:و روى أنّ يهوديّاً رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) فرضخ رأسه (5).و لأنّ المقصود من القصاص التشفّي،و إنّما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به (6).

و في الجميع نظر،عدا الآية الكريمة،فإنّها فيما ذكره ظاهرة، و المصير إليه لا يخلو عن قوّة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع كما عرفته من هؤلاء الجماعة،و المخالف شاذّ،و إن مال إليه جماعة مرّ إليهم الإشارة،لكن لم يجسروا على المخالفة،و لكنّها صريح المسالك و المحكي عن المختلف و الجامع (7)،حيث قال:و يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها.

و على هذا القول يستثني ما إذا حصل الجناية بمحرّم كالسحر،و وطء الدبر،و وجور الخمر أو البول مثلاً في الحلق،و وجهه واضح.

و على المختار لو خالف فأسرف في القتل أساء و لا شيء عليه من القصاص و الدية،و أمّا التعزير فلا يسقط؛ لفعله المحرّم.

ص:305


1- كما في المسالك 2:478،و التنقيح 4:446،و المفاتيح 2:142.
2- المختلف:820،كشف اللثام 2:468.
3- البقرة:194.
4- سنن البيهقي 8:43.
5- سنن البيهقي 8:42،في النسخ:رضح بالحاء المهملة،و ما أثبتناه من المصدر.
6- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:478.
7- المسالك 2:478،المختلف:820،الجامع للشرائع:599.

و لا يضمن سراية القصاص في الطرف إلى النفس أو غيرها ما لم يتعدّ المقتصّ فيقتصّ منه في الزائد إن اعترف به عمداً،و إن قال:

خطأ،أُخذت منه دية الزيادة،و لا خلاف في شيء من ذلك أجده.

و النصوص بأصل الحكم بعد الاعتبار مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلّها متواترة،ففي الصحيح:«أيّما رجل قتله الحدّ و القصاص فلا دية له» الحديث (1).

و في القوي:«من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن» (2).

و في الموثّق:عمّن أُقيم عليه الحدّ فمات (3)،إيقاد منه،أو يؤدى ديته؟قال:«لا،إلّا أن يزاد على القود» (4).

و فيه الدلالة على الضمان في صورة التعدّي و الزيادة.

و ينبغي حمل الدية المطلقة فيه على ديتها خاصّة؛ لأن المستوفى من دونها حقه،فلا وجه لأخذ الدية من أجله.

و يدلُّ عليه أيضاً أنّه بالنسبة إلى الزائد جانٍ،فيلزمه القصاص أو الدية على حسب الجناية؛ للعمومات من الكتاب و السنّة.

و هنا مسائل
الأولى لو اختار بعض الأولياء الدية

و هنا مسائل أربع:

الاُولى :لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها إليه

ص:306


1- التهذيب 10:813/206،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9.
2- الكافي 7:19/377،التهذيب 10:1090/279،الوسائل 29:64 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 2.
3- أثبتناه من«ب» و المصدر.
4- التهذيب 10:1086/278،الوسائل 29:65 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 7.

القاتل لم يسقط القود لو أراده غيره على الأشهر (1) بل لا خلاف فيه يظهر،كما في عبائر جمع ممّن تأخّر،كالفاضل المقداد في الشرح و شيخنا في الروضة و غيرهما (2)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّ عليه فتوى الأصحاب (3)،و ظاهرهم الإجماع عليه كما ادّعاه بعض الأصحاب (4)،و به صرّح في الغنية (5)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و قوله سبحانه فَقَدْ جَعَلْنا [1] الآية (6).

و خصوص الصحيحة الصريحة:في رجل قتل و له أب و أُمّ و ابن، فقال الابن:أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي،و قال الأب:أنا أعفوه،و قالت الأُمّ:

أنا آخذ الدية،قال:«فليعط الابنُ أُمّ المقتول السدس من الدية،و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا،و ليقتله» (7).

و نحوها رواية أُخرى:في رجل قتل و له وليّان فعفا أحدهما و أبى الآخر أن يعفو،قال:«إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل و ردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه» (8).

و قريب منهما الصحيح:عن رجل قتل رجلين عمداً و لهما أولياء،

ص:307


1- في المختصر المطبوع:الأشبه.
2- التنقيح 4:446،الروضة 10:96،و انظر ملاذ الأخيار 16:359.
3- غاية المرام 4:404.
4- انظر كشف اللثام 2:466.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الإسراء:33.
7- الكافي 7:2/356،الفقيه 4:353/105،التهذيب 10:686/175،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 1.
8- الكافي 7:1/356،التهذيب 10:694/177،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 2.

فعفا أولياء أحدهما و أبى الآخرون؟قال:فقال:«يقتل الذي لم يعف،و إن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا» (1).

و على هذا ف للآخرين الباقين القصاص لكن بعد أن يردّوا على المقتصّ منه الجاني نصيب من فاداه من الدية،كما يستفاد من الصحيح السابق و ما بعده.

و كذلك لو عفا البعض من الأولياء مطلقا لم يسقط القود، و لم يقتصّ الباقون حتى يردّوا عليه أي على الجاني نصيب من عفا أيضاً،بلا خلاف في هذا أيضاً،و دلّ عليه الخبران الأوّلان.

فلا إشكال في الحكم في المسألتين بحمد اللّه،و إن خالفته روايات مشتملة على الصحيح و غيره،دالّة على سقوط القود بالعفو (2)،لكنّها مع قصور أكثرها سنداً،و عدم مكافأتها لما مضى شاذّة لا قائل بها،كما مضى،و إن أشعر عبارة الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير و الشهيد في اللمعة (3)بوجود مخالفٍ في هذا الحكم،لكن الظاهر عدم كون الخلاف منّا،بل من العامّة العمياء،كما حكاه عنهم جماعة من أصحابنا (4)، و لذا حملوا هذه الأخبار على التقيّة،قالوا:لاشتهار ذلك بينهم.

و هذا أجود من حمل هذه على الاستحباب،أو ما ذكره الشيخ في

ص:308


1- الكافي 7:8/358،التهذيب 10:688/176،الإستبصار 4:991/263،الوسائل 29:113 أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 3.
2- انظر الوسائل 29:115 أبواب القصاص في النفس ب 54.
3- الشرائع 4:230،التحرير 2:255،اللمعة(الروضة البهية 10):96.
4- منهم الشيخ في الخلاف 5:181 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:139،و المجلسي في ملاذ الأخيار 16:359.

الاستبصار (1)من تقييدها بصورة ما إذا لم يؤدّ مريد القود الدية،و إن كان لا بأس بهما أيضاً؛ جمعاً بين الأدلّة.

الثانية لو فرّ القاتل حتى مات

الثانية :لو فرّ القاتل عمداً حتى مات،فالمروي في الموثقين و غيرهما (2) وجوب الدية في ماله إن كان له مال و لو لم يكن له مال أُخذت من الأقرب إليه فالأقرب و زيد في الموثقين:«فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام،فإنّه لا يطلّ دم امرئ مسلم» و به أفتى أكثر الأصحاب،بل في الغنية (3)الإجماع عليه،و هو حجة أُخرى؛ مضافاً إلى الروايات المعتبر سند أكثرها،و المنجبر بالشهرة باقيها.

و قيل كما في السرائر و عن المبسوط (4):إنّه لا دية لأنّ الثابت بالآية و الإجماع هو القصاص،فإذا فات محلّه فات.

و هو حسن لولا ما مرّ من الإجماع المحكي و الروايات،مع إمكان أن يقال بوجوب الدية و لو فرض عدمهما؛ من حيث إنّه فوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوّض فيضمن البدل،كما يستفاد من الصحيح:عن رجل قتل رجلاً عمداً فدفع (5)إلى الوالي،فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه،فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟فقال:«أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل» قيل

ص:309


1- الاستبصار 4:263.
2- الكافي 7:3/365،التهذيب 10:671/170،الإستبصار 4:985/261،الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4 ح 1 و 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- السرائر 3:330،المبسوط 7:65.
5- كذا،و في المصادر عدا التهذيب:فرُفع.

فإن مات القاتل و هم في السجن؟فقال:«إن مات فعليهم الدية» (1).

و حيث ثبت بذلك وجوب الدية في ماله لو كان ثبت وجوبها في مال الأقرب فالأقرب مع عدمه بالإجماع المركّب،إذا لا قائل بالفرق.

و أما ما يجاب عن هذا الاعتبار من أنّه لو مات فجأةً و لم يمتنع من القصاص و لم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت فهو متوجّه إن لم يخصّص الدعوى بالهارب،و أمّا مع التخصيص فلا،و هو ظاهر العبارة هنا و في النهاية و الغنية (2)،بل أكثر الأصحاب كما في المسالك و النكت (3)،بل عامّتهم عدا الفاضل في الإرشاد كما في التنقيح (4)و لعلّه الأقرب؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص،و يحتمل العموم؛ لما في بعضه من التعليل المفيد له.

ثم الموثّقان ليس فيهما اعتبار الموت،بل علّق الحكم فيهما على مطلق الهرب،و ليس في غيرهما ما يقتضي التقييد به فيعتبر،و إنّما وقع قيد الموت فيه في كلام الراوي،و هو لا يوجبه،و إن أوجب اختصاص الحكم في الجواب منه(عليه السّلام)بمورده،و لكنّه غير التقييد،هذا.

مع أنّ في الكافي بعد نقل الموثّقين (5)قال:و في رواية أُخرى:«ثمّ للوالي بعد حبسه و أدبه» (6)و هي و إن كانت مرسلة إلّا أنّها للتأكيد صالحة، و لكن ظاهر الأصحاب يفيد اعتباره.

ص:310


1- الكافي 7:1/286،الفقيه 4:252/80،التهذيب 10:875/223،الوسائل 29:49 أبواب القصاص في النفس ب 16 ح 1.
2- النهاية:736،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- المسالك 2:481،غاية المراد 4:319.
4- التنقيح 4:448،و هو في الإرشاد 2:198.
5- كذا في النسخ،و ليس في الكافي إلّا أحد الموثقين.
6- الكافي 7:/365 ذيل الحديث 3،الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4 ح 2.
الثالثة لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم

الثالثة :لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم لاستحقاق وليّ كل مقتول القصاص عليه بسبب قتله،فلو عفا بعض المستحقّين لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ دية،و به ينصّ الصحيح المتقدم ذيل المسألة الأُولى.

و إن اجتمعوا على المطالبة استوفوا حقوقهم و لا سبيل لهم إلى ماله فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه.

و لو تراضوا أي الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ واحد منهم دية كاملة،بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من استحقاق كلّ منهم عليه نفساً كاملة؛ و لذا لو عفا أحدهم استحقّ الباقي القصاص من دون ردّ (1)،و الدية المصالح بها من كل إنّما هي على ما يستحقّه،و ليس إلّا نفساً كاملة كما عرفته،فما بإزائها أيضاً دية كاملة إن لم يتراضوا بالأقلّ.

ثم كل ذا إذا اتفقوا على أحد الأمرين،و أمّا لو اختلفوا،فطلب بعضهم الدية و الباقي القصاص،فهل لهم ذلك؟وجهان:من أنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه،و من أنّ لكل قتيل (2)حكمه بانفراده،و لو انفرد كان لوليّه القصاص و العفو على الدية.

و لا فرق في جميع ذلك بين جنايته على الجميع دفعةً أو على التعاقب،لكن في الأوّل لم يكن أحد الأولياء أولى (3)من الآخر،حتى لو بادر أحدهم (4)بالقرعة أو مطلقا لم يكن آثماً،بل مستوفياً حقه؛ لأنّ له نفساً كاملة.

ص:311


1- أثبتناه من«ن» و في سائر النسخ:دية.
2- في«ب»:قتل.
3- في«س» و«ن» زيادة:بالقود.
4- في«ن» زيادة:به.

و في استحقاق الباقين حينئذٍ الدية وجهان:من أنّ الواجب في العمد القصاص،و قد فات محلّه،و من استلزامه أن يطلّ دم امرئ مسلم،فينتقل إلى بدلها،و هو الدية إن لم يكن الواجب ابتداءً أحد الأمرين،و الأوّل مختار الشيخ (1)،و هو الأوفق بالأصل،و الثاني مختار شيخنا الشهيد الثاني و غيره (2).

و في الثاني يقدّم السابق في الاستيفاء؛ لاستحقاقه القصاص منفرداً من غير معارض قبل تعلّق حقّ الباقين،فيقضى له بحكم الاستصحاب، و في أخذ الدية للباقين الوجهان المتقدمان.

و يحتمل مساواتهم،فلا يحكم للسابق كالسابق؛ لأنّ السبب الموجب لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً،و هو متحقق في الجميع،فيستوون فيه،و يقدّم أحدهم بالقرعة،أو يجتمعون على الاستيفاء.

و على كلّ تقدير فإن بادر أحدهم و استوفى وقع موقعه؛ لأنّ له نفساً مكافئة فقد استوفى تمام حقّه من غير زيادة و إن أساء،حيث لا يكون هو السابق على القول بتقديمه أو لم نقل بالتخيير،و يبقى الإشكال في سقوط حق الباقين من حيث فوات محل القصاص أو الانتقال إلى الدية.

الرابعة إذا ضرب الوليّ الجاني و تركه ظنّاً أنّه مات

الرابعة :إذا ضرب الوليّ الجاني و تركه ظنّاً منه أنّه مات فبرئ ففي رواية (3) أنّه يقتصّ بمثل ذلك الضرب من الوليّ،ثم يقتله

ص:312


1- النهاية:746.
2- المسالك 2:480؛ و انظر المختلف:819.
3- الكافي 7:1/360،الفقيه 4:452/128،التهذيب 10:1087/278،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 61 ح 1.

الوليّ،أو يتتاركا (1) أي يترك كل واحد الآخر و يتجاوز عنه.و عمل بإطلاقها الشيخ و أتباعه كما في المسالك و غيره (2).

و لم يرتضه المتأخّرون،كالماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد،و ولده في شرحه،و الفاضل المقداد في التنقيح،و شيخنا في المسالك (3)،و غيرهم (4)،قالوا:لأنّ الراوي أبان بن عثمان،و فيه ضعف بفساد عقيدته بالناووسية،على ما ذكره علي بن الحسن بن فضّال (5) مع إرسال ه الرواية عمّن أخبره.

و اختاروا في ذلك التفصيل،فقالوا: الوجه في ذلك اعتبار الضرب و ملاحظته فإن كان ضربه بما يسوغ له قتله به و الاقتصاص لم يقتصّ من الوليّ بل جاز له قتله من غير قصاص،كما لو ضرب عنقه فظنّ أنّه مات و الحال أنّه لم يمت،و ذلك لأنّه استحق إزهاق نفسه من غير قصاص،و ما فعله به كان مباحاً له،و الإباحة لا تستعقب ضماناً كما مضى.

و إن كان ضربه بما لا يسوغ له قتله به،كأن ضربه بالعصا و الحجر و نحوهما،كان للجاني أن يقتصّ من الوليّ ثم يسلّم نفسه للقتل،أو يتتاركا.

و هو حسن،و يمكن حمل الرواية عليه؛ لعدم صراحتها في

ص:313


1- في المختصر المطبوع:أو يتتاركان.
2- المسالك 2:482؛ و انظر كشف اللثام 2:470.
3- الشرائع 4:233،الإرشاد 2:199،التحرير 2:256،القواعد 2:302،الإيضاح 4:632،التنقيح 4:451،المسالك 2:482.
4- كشف اللثام 2:470.
5- رجال الكشي 2:660/640.

الإطلاق،مع كونها قضية في واقعة،فلا عموم فيها،بل لعلّها ظاهرة في القسم الثاني.

و هذا هو الوجه في الذبّ عنها،لا ما ذكروه من ضعف الراوي؛ لعدم ثبوته إلّا بإخبار من يضاهيه في فساد العقيدة ،فإن ثبت بإخباره قُبِل روايته؛ إذ كما لا يمنع فساد العقيدة في المخبِر كذا لا يمنع في المخبَر عن حاله، مع عدم صراحة خبره في فساد عقيدته بعد احتمال أن يراد به أنّه من قوم ناووسية،لا أنّه ناووسي العقيدة.

و لو سلّم جميع ذلك فقول علي بن الحسن معارض بقول الكشّي:إنّ العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه و الإقرار له بالفقه (1)،و هو أعدل من الجارح،فليقدّم عليه.و لو سلّمنا،الجمع بينهما أفاد كونه موثقاً كما هو المشهور،أو قويّاً على الأقوى،بناءً على عدم ظهور دعوى الإجماع في التوثيق،و إن جعلوها صريحة فيه،أو ظاهرة،و بالجملة:

فلا ريب في قوّة الراوي و جواز الاعتماد على روايته،كما هو ظاهر المشهور،و صرّح به في الخلاصة (2).

و أمّا الإرسال بعده فمنجبر بحكاية الإجماع المتقدّمة،كما عرفته غير مرّة،فتأمّل ،هذا.

مضافاً إلى عمل الشيخ بها و التبعة،مع أنّ الرواية مروية في الكتب الثلاثة،و سندها في الكافي و التهذيب و إن كان ضعيفاً قبل إبان بالإرسال أيضاً في الأوّل،و الجهالة في الثاني،لكنّه في الفقيه إليه صحيح،و مع ذلك فليس بعده أيضاً إرسال،فإنها رويت فيه هكذا:

ص:314


1- رجال الكشي 2:705/673.
2- رجال العلّامة:21.

و في رواية أبان بن عثمان:«أنّ عمر بن الخطاب اتي برجل قد قتل أخا رجلٍ،فدفعه إليه و أمره أن يقتله،فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله،فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه حتى برئ،فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل فقال:أنت قاتل أخي و لي أن أقتلك،فقال له:قد قتلتني مرّة،فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله،فخرج و هو يقول:يا أيّها الناس قد قتلني و اللّه مرّة،فمرّوا به على علي بن أبي طالب(عليه السّلام)فأخبره بخبره، فقال:لا تعجل عليه حتى أخرج إليك،فدخل علي(عليه السّلام)على عمر فقال:

ليس الحكم فيه هكذا،فقال:ما هو يا أبا الحسن؟فقال:يقتصّ هذا من أخ المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه،فظنّ الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه،فعفا عنه و تتاركا» (1)فتأمّل جدّاً .

و لو قتل رجل صحيح مقطوعَ اليد فأراد الوليّ قتله ردّ دية اليد عليه إن كانت قطعت في قصاص أو أخذ المقطوع ديتها،و إن شاء الوليّ طرح دية اليد و أخذ الباقي من دية النفس،و هو النصف.

و إن كانت يده ذهبت من غير جناية جناها كما لو سقطت بآفة سماوية أو غيرها و لا أخذ لها دية كاملة مع الجناية عليه قتل قاتله و لا ردّ هنا،بلا خلاف فيه و لا شبهة يعتريه؛ لعموم النفس بالنفس كتاباً و سنّة،السليم هنا عن المعارض بالكلّية،و مقتضاه و إن كان عدم الردّ في الصورة (2)السابقة أيضاً،إلّا أنّه إنّما نشأ فيها من رواية وردت في المسألة:

و هي رواية سورة بن كليب المروية في الكافي و التهذيب عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً و كان المقتول اقطع

ص:315


1- الفقيه 4:452/128،الوسائل 29:125 أبواب القصاص في النفس ب 61 ح 1.
2- في غير«ح»:الصور.

اليد اليمنى؟فقال:«إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه،أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها،فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن كان أخذ دية يده و يقتلوه، و إن شاؤوا طرحوا عنه دية يد و أخذوا الباقي» قال:«و إن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئاً، و إن شاؤوا أخذوا دية كاملة» و قال:«هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

و عمل بها الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و غيرهما (2)،و هو مشكل؛ لجهالة الراوي ،و عدم ظهور ما يوجب حسنه،و إن ادّعاه في المسالك (3)،و لذا ردّها فخر الدين في الإيضاح (4).و لكن في السند قبله الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه،فيجبر به الجهالة.

مع التأيّد بما قيل (5)من أنّه لا يقتصّ للناقص من الكامل إلّا بعد الردّ،كالمرأة من الرجل،فهنا كذلك.

و بأنّه لو قطع كفّه بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع، كما يأتي (6)(7).

و في الاستدلال بهذين المؤيّدين نظر؛ لمنع الكلّية في الأوّل،

ص:316


1- الكافي 7:1/316،التهذيب 10:1083/277،الوسائل 29:111 أبواب القصاص في النفس ب 50 ح 1.
2- السرائر 3:404،التحرير 2:256،الشرائع 4:233.
3- المسالك 2:482.
4- الإيضاح 4:631.
5- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 4:453.
6- في ص:337.
7- في«ح» زيادة:في الخبر.

و ما ذكره في بيانها من قصاص المرأة قياس غير مسموع،و مع ذلك مع الفارق؛ لنقص المرأة نفساً لا طرفاً،مع معارضته بالقسم الأخير المتقدم فيما نحن فيه الذي لا ردّ فيه اتفاقاً.

و كذا الكلام في الثاني بعد تسليمه،فإنّ مقتضاه الردّ على الإطلاق، و لا يقولون به فيما نحن فيه،فهو و إن قوي من جهة لكن ضعف من اخرى.

و بالجملة:ليس المستند في المسألة عدا الرواية المتقدمة،فإن قلنا باعتبارها سنداً كانت هي الحجّة،و إلّا فالقول بما عليه الفخر أقوى،لكن الشأن في إثباته،و في الاكتفاء فيه بما ذكرنا إشكال،فالمسألة محل تردّد و إشكال،كما هو ظاهر الماتن و صريح الفاضل في الإرشاد و القواعد و غيرهما (1).

ثم إنّ إطلاق العبارة بجواز الاقتصاص من القاتل بعد ردّ الدية عليه أو مطلقاً يقتضي عدم الفرق بين كونه هو القاطع أو غيره،عفا عنه المقطوع أم لا،كما هو الأشهر الأقوى،بل عن المبسوط أنّه مذهبنا (2)؛ للعمومات السليمة عن المعارض أصلاً.

و عن المبسوط (3)أنّه حكى وجهاً بعدم الجواز في الصورة الاُولى مع كون الجناية الأُولى معفوّاً عنها؛ أخذاً من أنّ القتل بعد القطع كسراية الجناية الأُولى و قد سبق العفو عن بعضها فليس له القصاص في الباقي أيضاً.

و هو كما ترى،فإنّ القتل إحداث قاطع للسراية،فكيف يتوهّم أنّه

ص:317


1- الإرشاد 2:199،القواعد 2:302،و انظر غاية المراد(مخطوط)الورقة:304.
2- المبسوط 7:67.
3- المبسوط 7:67.

كالسراية؟!و على تقديره فاستلزام العفو عن البعض لسقوط القود ممنوع، و يشير إليه المرسل:في رجل شجّ رجلاً موضحة ثم يطلب فيها فوهبها له، ثم انتقضت (1)به فقتلته،فقال:«هو ضامن للدية إلّا قيمة الموضحة؛ لأنّه وهبها و لم يهب النفس» الحديث (2)،فتدبّر.

ص:318


1- انتقض الجرح:فسد بعد برئه.لسان العرب 7:243.
2- الكافي 7:8/327،التهذيب 10:1134/292،الوسائل 29:387 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 7 ح 1.في غير التهذيب:انتقضت.

القسم الثاني في قصاص الطرف

القسم الثاني:

في قصاص الطرف و المراد به ما دون النفس،و إن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد،و الرجل،و الاُذُن،و الأنف،و غيرها،كالجرح على البطن،و الظهر، و غيرهما.

و يشترط فيه التساوي في الإسلام و الحرّية،أو كون المقتصّ منه أخفض،و انتفاء الأُبوّة،إلى آخر ما فصّل سابقاً.

و بالجملة:الحكم هنا في الشروط،بل العمد و شبهه و الخطاء كما في قصاص النفس قد مضى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في صريح الغنية و ظاهر غيره (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع القطعي،بل الضرورة،و الكتاب و السنّة المتقدم بعضها،و الآتي إلى جملة منها الإشارة في أصل ثبوت القصاص في الأطراف،قال سبحانه وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ [1] (2)و فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا [2] الآية (3).

و في الخبر في أمّ الولد:«يقاصّ منها للمماليك،و لا قصاص بين الحرّ و العبد» (4)و هو ظاهر في اشتراك التساوي في الحرّية حتى في

ص:319


1- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- المائدة:45.
3- البقرة:194.
4- الكافي 7:17/306،التهذيب 10:779/196،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 43 ح 1.

الأطراف؛ للإطلاق.

و يستفاد اشتراط التساوي في غيرها بعد الإجماع المركّب،مضافاً إلى الإجماع البسيط من تتبّع النصوص،بل الاعتبار أيضاً،فتدبّر.

فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس،و لا يشترط التساوي في الذكورة و الأُنوثة،بل يقتصّ للرجل من المرأة،و لا ردّ، و للمرأة من الرجل مع الردّ فيما زاد عن الثلث أو بلغه،على الخلاف المتقدّم هو،مع نقل الإجماع و النصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاصّ بينهما في بحث الشرط الأوّل من شرائط القصاص الخمسة، فلا وجه للإعادة.

و يعتبر هنا زيادةً على شروط النفس المتقدمة التساوي أي تساوي العضوين المقتصّ به و منه في السلامة من الشلل،أو فيه مع انتفاء التعزير في المقتصّ منه.

و الشلل:قيل:هو يبس اليد و الرجل بحيث لا يعمل،و إن بقي فيها حسّ أو حركة ضعيفة (1).و ربما اعتبر بطلانهما (2).و هو ضعيف.

و كيف كان فلا يقطع العضو الصحيح منه من يد أو رجل بالأشلّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (3)،و هو الحجة المخصّصة للعمومات،مضافاً إلى الاعتبار،و إطلاق خصوص بعض المعتبرة:في رجل قطع يد رجل شلّاء،قال:«عليه ثلث الدية» (4).

ص:320


1- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:471.
2- لم نعثر على قائله و لكن حكاه في المسالك 2:483 عن بعضهم.
3- الخلاف 5:194.
4- الكافي 7:4/318،التهذيب 10:1064/270،الوسائل 29:332 أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح 1.

و يقطع العضو الأشلّ بمثله،و بالصحيح ما لم يعرف أنّه لا ينحسم بلا إشكال فيه،و في تعيّن الدية مع المعرفة بإخبار أهل الخبرة بعدم الانحسام و انسداد أفواه العروق،و لا خلاف فيهما أيضاً،بل عليهما الإجماع في الغنية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات في الأوّل؛ و لزوم صيانة النفس المحترمة عن التلف،مع إمكان تدارك الحق بالدية،و يخطر بالبال ورود رواية (2)لها عليه دلالة في الثاني،و نسبة الحكم فيه في المسالك و غيره (3)إلى المشهور ربما توهّم وجود خلاف فيه أو إشكال،و لكن لا أثر لهما.

و حيث يقطع الشلّاء يقتصر عليها و لا يضم إليها أرش التفاوت؛ للأصل،و عدم دليل على الضمّ مع (4)تساويهما في الحرمة (5).

و يقتصّ المسلم من الذمّي و يأخذ منه فضل ما بين الديتين للصحيح:عن ذمّي قطع يد مسلم؟قال:«تقطع يده إن شاء أولياؤه، و يأخذون فضل ما بين الديتين» الحديث (6).

و في سنده إضمار،و في ذيله مخالفة للأصل،لكن لم أجد خلافاً فيما يتعلّق منه بما نحن فيه حتى من نحو الحلّي (7)،و ظاهر التنقيح (8)عدم

ص:321


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- الكافي 7:1/317،التهذيب 10:1082/276،الوسائل 29:172 أبواب قصاص الطرف ب 10 ح 1.
3- المسالك 2:483،المفاتيح 2:129.
4- في«س» زيادة:عدم.
5- في«ب» و«س»:الحرية.
6- التهذيب 10:1096/280،الوسائل 29:183 أبواب قصاص الطرف ب 22 ح 1.
7- السرائر 3:403.
8- التنقيح 4:452.

الخلاف فيه،حيث لم يتعرض لذكر هذا الحكم،و لو وجد فيه خلاف لنقله و تعرّض له،كما هو دأبه.

و يعضده ما مرّ من ردّ فضل ما بين الديتين إذا قتل المسلم بالذمّي باعتياده القتل له أو مطلقاً،و أنّه لو قتل ذمّي مسلماً دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول،و أنّ لهم الخيرة بين قتله و استرقاقه،حيث إنّه لم يكتف في الاقتصاص منه بنفسه،بل يضمّ إليه ماله،فتدبّر.

و لا يقتصّ للذميّ من المسلم،و لا للعبد من الحرّ بل يجب الدية؛ لفقد التساوي في الإسلام و الحرّية المشترط في القصاص،كما مرّ إليه الإشارة.

مضافاً إلى خصوص الخبر المتقدّم قريباً:«و لا قصاص بين الحر و العبد» (1)في الثاني.

و الصحيح:«لا يقاد مسلم بذمي في القتل و لا في الجراحات،و لكن يؤخذ من المسلم[جنايته للذمّي (2)]على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم» (3)في الأوّل.

و أمّا ما في ذيل الصحيح المتقدم من أنّه:«إن قطع المسلم يد المعاهد خيّر أولياء المعاهد،فإن شاءُوا أخذوا الدية،و إن شاءُوا قطعوا يد المسلم و أدّوا إليه فضل ما بين الديتين،و إذا قتل (4)المسلم صنع كذلك» (5)فقد مرّ

ص:322


1- راجع ص:317.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:دية الذمّي،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
3- الكافي 7:9/310،التهذيب 10:740/188،الإستبصار 4:1022/270،الوسائل 29:108 أبواب القصاص في النفس ب 47 ح 5.
4- كذا،و في المصادر:قتله.
5- راجع ص 319.

الجواب عن أمثاله في الشرط الثاني من شرائط قصاص النفس من الشذوذ، و احتمال التقية،أو الاختصاص بصورة الاعتياد خاصّة،كما فصّلته النصوص ثمّة.

و يعتبر التساوي في الشجاج أي الجرح و الشقّ بال مساحة طولاً و عرضاً اتفاقاً على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1).

قيل:لإشعار لفظ القصاص به (2).

و للاعتبار،فلا يقابل ضيّقة بواسعة،و لا يقنع بضيّقة عن واسعة،بل يستوفي بقدر الشجّة في البُعدين.

لا نزولاً و عمقاً،بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و هو الحجة المؤيدة بما قيل (4)،سيّما (5)مع اختلاف الرؤوس في السمن و الضعف و غلط الجلد و دقّته.

و لكن في صلوحه حجة مستقلّة نظر؛ لما قيل (6)من أنّ ذلك ليس بموجب؛ إذ يؤتى بما يمكن و يسقط الباقي و يؤخذ أرش الزائد،كما ذكروه في المساحة طولاً من أنّه يلزم اعتبار التساوي فيها و لو استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره دون المجني عليه و بالعكس،و لا يكمل الزائد عنه من القفاء و لا من الجبهة؛ لخروجهما عن محل الاستيفاء،بل يقتصر على

ص:323


1- انظر كشف اللثام 2:479.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:479.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 14:116،المفاتيح 2:131،كشف اللثام 2:479.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:131.
5- ليست في«ب».
6- قالبه الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14:116.

ما يحتمله(العضو،و يؤخذ للزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية،فيستوفى بقدر ما يحتمله) (1)الرأس من الشجّة و ينسب الباقي إلى الجميع و يؤخذ للفائت بنسبته،فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة،و هكذا.

و مثل ذلك جارٍ فيما نحن فيه لولا الإجماع على أنّه لا يعتبر التساوي فيه بل يراعى فيه حصول اسم الشجّة المخصوصة التي حصلت بها الجناية من خارصة،أو باضعة،أو غيرهما،حتى لو كان عمق المتلاحمة مثلاً نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى ما فوقها، فيمنع عنها حينئذٍ؛ لاختلاف الاسم.

و يثبت القصاص فيما لا تغرير (2)فيه بالنفس أو الطرف، و لا يتعذّر فيه استيفاء المثل كالخارصة و الباضعة و السمحاق و الموضحة و سيأتي تفسيرها مع ما بعدها،و كذا كل جرح يمكن استيفاء المثل فيه من دون تغرير بأحدهما.

و يسقط فيما فيه التغرير أو يتعذّر أن يكون المثل فيه مستوفى كالهاشمة،و المنقّلة،و المأمومة،و الجائفة،و كسر الأعضاء و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا فيما سيأتي إليه الإشارة.

و الحجّة بعده العموم فيما ليس فيه تغرير.و الأصل،مع لزوم صيانة النفس أو الطرف المحترمين عن التلف،و اعتبار المماثلة في غيره.

و لو قيل فيه بجواز الاقتصار على ما دون الجناية من الشجّة التي

ص:324


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- في المختصر المطبوع و النسخ هنا و في الموارد الآتية:التعزير،و ما أثبتناه هو الصحيح.

لا تغرير فيها و أخذ التفاوت بينها و بين ما استوفاه،فيقتصّ من الهاشمة بالموضحة و يؤخذ للهشم ما بين ديتهما،و على هذا القياس كان وجهاً.

و لكن ظاهر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المسالك (1)الاقتصار على الدية مطلقا،و يشهد لهم النصوص،منها:«الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلّا الحكومة،و المنقّلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و في المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلّا الحكومة» (2).

و منها:«في الموضحة خمس من الإبل،و في السمحاق دون الموضحة أربع من الإبل،و في المنقّلة خمس عشرة من الإبل،و في الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و المنقّلة تنقل منها العظام و ليس فيها قصاص إلّا الحكومة،و في المأمومة تقع ضربة في الرأس إن كان سيفاً،فإنّها تقطع كل شيء و تقطع العظم فتؤمّ المضروب،و ربما ثقل سمعه،و ربما اعتراه اختلاط،فإن ضرب بعمود أو بعصا شديدة فإنّها تبلغ أشدّ من القطع يكسر منها القِحف،قِحف الرأس» (3).

و منها:«لا قصاص في عظم» (4).

لكنّها مع قصور السند الخبران الأوّلان منها مقطوعان لم يسند إلى إمام،و الأخير منها معارض بالصحيح:عن السنّ و الذراع يكسران عمداً

ص:325


1- المسالك 2:483.
2- الفقيه 4:436/125،الوسائل 29:179 أبواب قصاص الطرف ب 16 ح 1.
3- التهذيب 10:1143/294،الوسائل 29:180 أبواب قصاص الطرف ب 16 ح 2.و القِحف:العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة.لسان العرب 9:275.
4- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:368/143،الوسائل 29:186 أبواب قصاص الطرف ب 24 ح 2.

أ لهما أرش،أو قود؟فقال:«قود» قلت:فإن أضعفوا الدية؟قال:«إن أرضوه بما شاء فهو له» (1).

و ظاهر الشيخين (2)العمل به مقيّداً بما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه.

و في الموثّق كالصحيح:«و أمّا ما كان من الجراحات في الجسد فإنّ فيها القصاص،أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها» (3).

و اعلم أنّ عدّ الهاشمة و ما بعدها ممّا لا قصاص فيه للتغرير أو غيره هو المشهور بين الأصحاب.

خلافاً للنهاية و المقنعة و الديلمي (4)،فلم يعدّوا منه ما عدا المأمومة و الجائفة،بل صرّحوا بثبوت القصاص في الجراح مطلقا عداهما؛ معلّلين نفي القصاص فيهما بأنّ فيه تغريراً بالنفس.

و هذا التعليل كما ترى لا يختصّ بهما،بل جارٍ في نحو الهاشمة و المنقّلة،و لذا اعترض الحلّي على الشيخ في النهاية،فقال بعد نقل كلامه فيها-:إلّا أنّه رجع في مسائل خلافه و مبسوطه إلى ما اخترناه،و هو الأصح؛ لأنّ تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة و المنقّلة (5).

و لنعم ما ذكره،و لذا اعتذر في المختلف عن الشيخين،فقال:كأنّهما

ص:326


1- الكافي 7:7/320،التهذيب 10:1077/275،الوسائل 29:176 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 4.
2- المقنعة:761،النهاية:772.
3- التهذيب 10:1084/277،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 5.
4- النهاية:775،المقنعة:766،المراسم:247.
5- السرائر 3:408.

لم يصرّحا بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقّلة،بل بتعميم القصاص في الجراح،و الهشم و النقل كأنّهما خارجان عن الجراح (1).

و عليه فيرتفع الخلاف،لكن عن ابن حمزة (2)التصريح بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقّلة،و هو ضعيف في الغاية.

و في جواز الاقتصاص من الجاني قبل الاندمال أي قبل برء المجني عليه من الجراحة تردّد من عدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس،فيسقط القصاص في الطرف،و من عموم قوله سبحانه وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ [1] (3)و قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا [2] الآية (4)،لمكان الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة،و الأصل عدم حصول السراية.

أشبهه:الجواز مع استحباب الصبر إلى الاندمال،وفاقاً للإسكافي و الخلاف (5)،و عليه عامّة المتأخرين،بل لم أقف على مخالف لهم عدا الشيخ في المبسوط،فاختار المنع؛ لما مرّ،على ما ذكره جماعة (6)، و عبارته المحكية في المختلف غير مطابقة للحكاية،بل ظاهرة في الكراهة،فإنّه قال بعد نقل القول بالمنع إلّا بعد الاندمال-:و هو الأحوط عندنا؛ لأنّها ربما صارت نفساً (7).و لفظ الأحوط يشعر بالاستحباب.

ص:327


1- المختلف:812.
2- حكاه عنه في المختلف:812،و هو في الوسيلة:444،445.
3- المائدة:45.
4- البقرة:194.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:821،الخلاف 5:196.
6- منهم الفاضلان الآبي في كشف الرموز 2:624،و المقداد في التنقيح الرائع 4:453،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:142.
7- المختلف:821،و هو في المبسوط 7:75.

و يجتنب القصاص في الحرّ الشديد،و البرد الشديد،و يتوخّى فيه اعتدال النهار بلا خلاف أجده،قالوا:حذراً من السراية،و ربما يؤيّده ما مرّ في الحدود من تأخيرها إلى ذلك الوقت.

و ظاهر التعليل كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة وجوب التأخير، و اختصاصه بقصاص الطرف دون النفس،و استظهر بعض الأصحاب (1) الاستحباب،و هو بعيد،كاحتمال آخر:العموم لقصاص النفس أيضا.

و لو قطع شخص شحمة اذُن آخر فاقتصّ منه فألصق المجني عليه الشحمة بمحلّها كان للجاني إزالتها بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في التنقيح،قال:و إنّما الخلاف في العلّة،فقيل:

ليتساويا في الشين كما ذكره المصنف،و قيل:لأنّها ميتة لا تصحّ الصلاة معها.و يتفرّع على الخلاف أنّه لو لم يزلها الجاني و رضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني؛ لكونه حامل نجاسة لا تصحّ الصلاة معها (2).

أقول:و الأوّل خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (3)،مدّعياً في صريح الأوّل و ظاهر الثاني الإجماع،و هو الحجّة المعتضدة بالنص الذي هو الأصل في هذه المسألة:«أنّ رجلاً قطع من اذُن الرجل شيئاً،فرفع ذلك إلى علي(عليه السّلام)فأقاده،فأخذ الآخر ما قطع من اذُنه فردّه على اذُنه فالتحمت و برئت،فعاد الآخر إلى علي(عليه السّلام)فاستقاده،فأمر بها فقطعت ثانية و أمر بها فدفنت،و قال(عليه السّلام):إنّما يكون القصاص من أجل الشين» (4)و قصور سنده

ص:328


1- مجمع الفائدة و البرهان 14:131.
2- التنقيح 4:454.
3- الخلاف 5:201،المبسوط 7:92.
4- التهذيب 10:1093/279،الوسائل 29:185 أبواب قصاص الطرف ب 23 ح 1.

أو ضعفه منجبر بالعمل.

و الثاني خيرة الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و القواعد و شيخنا في المسالك (1)،و هو غير بعيد.

و الذي يختلج بالبال إمكان القول بالتعليلين؛ لعدم المنافاة بينهما،مع وجود الدليل عليهما،فيكون للإزالة بعد الوصل (2)سببان:القصاص، و عدم صحة الصلاة،فإذا انتفى الأوّل بالعفو مثلاً بقي الثاني كما في مثال العبارة،و لو انتفى الثاني بقي الأوّل كما في المثال المزبور.

و لو أوجب الإزالة ضرراً لا يجب معه إزالة النجاسة للصلاة في الشريعة،و كما لو قطع الشحمة فتعلّقت بجلده فاقتصّ منها و ألصقها الجاني كان للمجني عليه إزالتها ليتساويا في الشين،و ليس للإمام ذلك إن عفا عنه المجني عليه؛ للضرر،أو لأنّها لم تبن من الحي لتكون ميتة.

و لو اقتصرنا على التعليل الثاني لم يكن ذلك للمجني عليه أيضاً في المثال الثاني؛ لحصول الاقتصاص بالإبانة المخصوصة المماثلة لجناية الجاني.

و يقتصّ الأنف الشامّ بعادم الشمّ،و كذا الأُذن الصحيحة بالصمّاء بلا خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (3)؛ لعموم وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ [1] (4)مع حصول الاعتداء بمثل ما اعتدى بناءً على خروج المرضين عن العضوين و ثبوت أحدهما في الدماغ و الآخر

ص:329


1- السرائر 3:405،التحرير 2:258،القواعد 2:307،المسالك 2:484.
2- في«س»:الأصل.
3- المفاتيح 2:129.
4- المائدة:45.

في الصماخ أو ما وراءه،فلا تعلّق للمرض بالمحل،حتى لو قطع أنفه أو اذُنه فأزال شمّه أو سمعه فهما جنايتان لا يرتبط أحدهما بالآخر.

و لا يقطع ذكر الصحيح بالعنّين و يقطع بذكر الصغير و المختون (1)و الأغلف و مسلوب الخصيتين،بلا خلاف؛ للعموم في المثبت،و الإلحاق بأشلّ اليد و الإصبع،المساعد بالاعتبار في المنفي،و لذا قالوا في قطع ذكر العنّين بثلث الدية،و ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الطائفة (2).

و لكن في القوي:أن فيه الدية (3)،و حكي القول بمضمونه عن الصدوق و الإسكافي (4).

و هو ضعيف عن المقاومة لما مرّ،فليطرح،أو يحمل على بيان إرادة نفي القصاص و ثبوت أصل الدية في الجملة لا بيان كمال الدية،أو على التقية فقد حكي عن الشافعية قطع الصحيح بالعنّين (5)،بناءً على أنّ العنن نقص في الدماغ و القلب،لا شلل في الذكر.

و يقلع عين الأعور (6) أي ذي العين الواحدة خلقةً،أو بآفة،أو قصاص،أو جناية بعين ذي العينين المماثلة لها محلا و إن عمي بذلك الأعور و بقي بلا بصر،بلا خلاف يظهر،و به صرّح جمع ممن

ص:330


1- فيه«ح» و«ن»:و المجنون.
2- الخلاف 5:202.
3- الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
4- نقله عنهما في المختلف:816.
5- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:480.
6- في المختصر المطبوع زيادة:الصحيحة.

تأخّر (1)،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم الأدلة وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [1] (3)و خصوص المعتبرة، ففي الصحيح و القريب منه بفضالة عن أبان اللذين قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة:أعور فقأ عين صحيح،فقال:«تفقأ عينه» قال:قلت:

يبقى أعمى،فقال:«الحقّ أعماه» (4).

و مقتضى الأصل و إطلاقها كالفتاوي و صريح جماعة من أصحابنا (5)عدم ردّ شيء على الجاني،مع أنّ دية عينه ضعف دية عين المجني عليه في ظاهر الأصحاب،كما يأتي.

و كذا يقتصّ له أي للأعور منه أي من ذي العينين بعين واحدة بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (6)،فجوّز الاقتصاص له منه بعينيه أيضاً مع ردّ نصف الدية.

و هو مع شذوذه،و عدم وضوح مستنده،و مخالفته لظاهر النص الآتي مضعّف بأنّ العينين إن تساويا عينه فلا ردّ،و إلّا فلا قلع.

و ما يقال:من أنّ عدم المساواة لا يمنع الاقتصاص،فإنّ الأُنثى يقتصّ لها من الذكر مع الردّ في موضعه مع أنّها غير مساوية له.

ص:331


1- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14:83،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:141.
2- الخلاف 5:252.
3- المائدة:45.
4- الكافي 7:9/321،التهذيب 10:1079/276،الوسائل 29:178 أبواب قصاص الطرف ب 15 ح 1.
5- منهم ابن إدريس في السرائر 3:381،و المحقق في الشرائع 4:236،و العلّامة في التحرير 2:258.
6- حكاه عنه في التنقيح 4:456.

مضعّف بأنّ الاقتصاص بين الذكر و الأُنثى إنّما هو في شيء واحد بواحد مثل النفس بالنفس،لا اثنين بواحد كما هنا،و أنّ نفس الأُنثى نصف الذكر،فهو ضعفها،بخلاف عين الأعور،فإنّها إمّا واحدة مثل أُخرى أو مثلهما،و هو ظاهر،و لذا لا يقتصّ لعين الرجل الواحدة عيني المرأة مع التساوي،و يقتصّ لعيني المرأة عيني الرجل مع الردّ.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،كالمحكي عن كثير من الأصحاب (1)من إطلاقهم تخيّر الأعور بين الاقتصاص بالعين الواحدة و أخذ الدية كاملة،مع أنّ موجب العمد ليس إلّا الأوّل،و إنّما يثبت الثاني صلحاً، كما مرّت إليه الإشارة،و بهذا هنا صرّح جماعة (2).

و حيث اقتصّ له بالعين الواحدة ف في ردّ الجاني عليه نصف الدية دية النفس قولان،و المروي (3) في الصحيح و غيره:

الردّ ففي الأوّل:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت:أن تفقأ إحدى عيني صاحبه و يعقل له نصف الدية،و إن شاء أخذ ديةً كاملةً و يعفى عن عين صاحبه» (4).

و في الثاني:عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور؟فقال:«عليه الدية كاملة،فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتصّ من صاحبه و يأخذ منه

ص:332


1- حكاه عنهم في غاية المراد 4:314،و التنقيح 4:454.
2- منهم الشهيدان في غاية المراد 4:372،و المسالك 2:484،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:454.
3- في المختصر المطبوع:أشبههما.
4- الكافي 7:1/317،التهذيب 10:1057/269،المقنع:183،الوسائل 29:331 أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 2.

خمسة آلاف درهم فعل؛ لأنّ له الدية كاملة،و قد أخذ نصفها بالقصاص» (1).

و هو خيرة الشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية و أتباعه و الفاضل في المختلف و الشهيدين في النكت و المسالك و الروضة (2)،و غيرهم (3).

و لا يخلو عن قوة؛ لصحة سند الرواية،و اعتضادها بغيرها من الرواية الأُخرى،و ما اتفقوا عليه من أنّ دية عين الأعور خلقةً أو بآفة دية النفس كاملةً،كما هو ظاهر الروايتين،و به صرّح في الثانية و غيرها من المعتبرة الآتية هي مع نقل الإجماعات المحكية على ذلك حدّ الاستفاضة في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالى.

خلافاً لجماعة و منهم المفيد و الشيخ في المبسوط و الحلّي و الفاضلان في الشرائع و التحرير (4)،فلم يوجبوا الردّ؛ لقوله تعالى وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [1] (5)فلو وجب معها شيء آخر لم يتحقّق ذلك،خصوصاً على القول بأنّ الزيادة على النص نسخ،و أصالة البراءة من الزائد.

و يضعّف الأصل بلزوم العدول عنه بما مرّ،و به يضعّف أيضاً ما قبله على تقدير تسليم عمومه،و إلّا فلا عموم له؛ لأنّ العين مفرد محلّى باللّام،و غايته الإطلاق الغير المعلوم الانصراف إلى نحو المقام؛ لندرته (6)،

ص:333


1- التهذيب 10:1058/269،الوسائل 29:331 أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 4.
2- النهاية:766،و تبعه الديلمي في المراسم:244،و الحلبي في الكافي:396،المختلف:803،غاية المراد 4:373،المسالك 2:484،الروضة 10:82.
3- التنقيح 4:455.
4- المقنعة:761،المبسوط 7:146،السرائر 3:381،الشرائع 4:236،التحرير 2:258.
5- المائدة:45.
6- في«ن» زيادة:فتأمّل.

مع أنَّ موجب إكمال الدية إنّما هو من حيث البصر أي المنفعة،لا من حيث العين و الجارحة،و لذا مع التراضي على الدية تجب الدية كاملةً اتفاقاً،فتوًى و روايةً.

و أمّا ما يقال في الجواب:من أنّ الآية حكاية عن التوراة فلا يلزمنا، فمدفوع بإقرارها في شرعنا اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،مع أنّ الأصل بقاء ما كان، فتأمّل جدّاً .

ثم إنّ إطلاق العبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق في الحكم على الجاني بردّ نصف الدية على الأعور إن قلنا به بين كون عورة خلقةً أو بآفة أو غيرهما،و خصّه جماعة بالأوّلين،و تحقيق الكلام فيه يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و سنّ الصبي إذا جني عليها عمداً ينتظر به مدّة جرت العادة بالنبات فيها،و في كتب الفاضل سنة (1)،و استغربه جماعة و منهم الشهيد -(رحمه اللّه) قال:فإنّي لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفّحي لها،ككتب الشيخين و ابن البراج و ابن حمزة و ابن إدريس و ابني سعيد و غيرهم من القائلين بالأرش مع العود،و ابن الجنيد و من تبعه من القائلين بالبعير مطلقاً،و لا في رواياتهم،و لا سمعته من الفضلاء الذين لقيتهم،بل الجميع أطلقوا الانتظار بها،أو قيّدوه (2)بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها،و هو الوجه؛ لأنّه ربما قلع سنّ ابن أربع سنين،و العادة قاضية بأنّها لا تنبت إلّا بعد مدّة تزيد على السنة قطعاً،و إنّما هذا شيء اختصّ به المصنف قدّس اللّه روحه فيما علمته في جميع كتبه التي وقفت عليها،

ص:334


1- انظر القواعد 2:327،التحرير 2:260،التبصرة:209،الإرشاد 2:207.
2- في النسخ:قيّد،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.

حتى أنّه في التحرير علّله بأنّه الغالب،و لا أعلم وجه ما قاله،و هو أعلم بما قال.

نعم في رواية أحمد بن محمد،عن ابن محبوب،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:«السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة،فإن وقعت اغرم الغارم (1)خمسمائة درهم،و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي الدية» (2)و هذه و إن كانت صحيحة إلّا أنّها لا تدل على المطلوب؛ إذ موضوعها سنّ ضربت و لم تسقط،قال:و يمكن أن يعتذر له بأنّ المراد به إذا قلعها في وقت تسقط أسنانه فيه،فإنّه ينتظر سنة،و لا ريب أنّ هذا إذ ذاك غالب (3)،انتهى ما ذكره.

و لنعم ما أفاده،إلّا أنّ ما ذكره كباقي الجماعة من أنّهم لم يجدوا ذلك في كتب أحد من الأصحاب غريب،فقد ذكره الماتن في الشرائع (4)أيضاً، اللّهم إلاّ أن يكون قرؤوه«سنّة» بتشديد النون و إضافة الظاهر إلى المضمر، كما احتمل في عبارة الفاضل أيضاً،لكنّه بالنسبة إلى عبارته في الإرشاد (5)في غاية البُعد،بل لا تقبله كما لا يخفى على من راجعه،و كذا التعليل السابق المحكي عن التحرير (6).

و كيف كان فإن عادت ففيها الأرش و الحكومة،و هي التفاوت لو

ص:335


1- كذا،و في المصادر:الضارب.
2- الكافي 7:9/334،الفقيه 4:346/102،التهذيب 10:1008/255،الإستبصار 4:1095/290،الوسائل 29:298 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 4.
3- غاية المراد 4:379،380.
4- الشرائع 4:237.
5- الإرشاد 2:207.
6- التحرير 2:260.

كان عبداً بين قيمته لو لم تسقط سنّه تلك المدّة و قيمته و قد سقطت فيها، وفاقاً للمشهور على الظاهر،المصرّح به في المسالك (1)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في السرائر (2)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المرسلة كالصحيحة:في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت،قال:«ليس عليه قصاص،و عليه الأرش» (3).

و إلّا تعد و حصل اليأس من عودها و لو بإخبار أهل الخبرة ل كان فيها القصاص كما نصّ به جماعة (4)؛ لعموم الأدلة؛ فإنّه قلع السنّ الحاصلة في الحال و أفسد المَنبِت فيقابل بمثله.

و حكي في المسالك (5)قول بالعدم؛ لأنّ سنّ الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى،و سنّ البالغ أصلية فلا يكون مماثلة لها.

و ذهب جماعة (6)إلى أنّ في سنّ الصبي بعير مطلقا من غير تفصيل إلى العود و عدمه؛ للخبرين:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كل سنّ» (7).

ص:336


1- المسالك 2:385.
2- الخلاف 5:244،السرائر 3:386.
3- الكافي 7:8/320،الفقيه 4:343/102،التهذيب 10:1025/260،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 2.
4- المسالك 2:385.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:97،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:457.
6- منهم ابن حمزة في الوسيلة:448،و العلّامة في المختلف:806 و قد حكاه فيه عن الإسكافي.
7- أحدهما في:الكافي 7:10/334،التهذيب 10:1010/256،الوسائل 29:299،338 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 6،و ب 33 ح 2. و الآخر في:التهذيب 10:1033/261،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 3.

و قصور سندهما بل ضعف أحدهما جدّاً يمنع عن العمل بهما، سيّما في مقابلة ما مضى،و إن نسبه (1)في المبسوط إلى أصحابنا (2)،و في المختلف إلى أكثرهم (3)،مشعرين بدعوى الإجماع و الشهرة عليهما؛ لوهنها،مع عدم صراحتها بل و لا ظهورها فيهما،و معارضتها بمثلها بل و أقوى منهما.

و عن الإسكافي (4)قول ثالث مفصّل بين عودها فالبعير،و عدمه و اليأس منها فالدية،و لم أعرف مستنده،سيّما في مقابل ما تقدم من الأدلّة.

ثم إنّ هذا كلّه في سنّ الصبي قبل أن يثغر،أمّا إذا ثغر أي سقطت أسنان اللبن منه و نبتت ثم جنى عليها بعد ذلك فلها أحوال:

منها:أن لا تعود أبداً بحيث حصل اليأس منها عادةً،فيثبت بدلها إمّا القصاص أو الدية،لكن لا يعجل بهما،بل إن قضى أهل الخبرة بعودها في مدّة أُخِّر إلى انقضائها إن قلنا بعدم القصاص و الدية مع عودها مطلقاً،بل الأرش خاصّة،و إلّا جاز التعجيل بهما كذلك.

و منها:أن تعود ناقصةً أو متغيّرةً،فيثبت الأرش،و كذا لو عادت تامّةً،و قيل (5):لا أرش و لا دية هنا؛ لأنّ ما عاد قائم مقام الأوّل،فكأنّه

ص:337


1- في«ن»:نسبها.
2- المبسوط 7:138.
3- المختلف:806.
4- حكاه عنه في المختلف:806.
5- قال في المهذّب 2:483:و إن رجعت كما كانت سالمة من التغيّر و النقصان لم يكن فيها قصاص و لا دية.

لم يفت،و صار كما لو عاد السنّ غير المثغر.

و الأظهر وفاقاً للفاضلين و غيرهما (1)ثبوته؛ لأنّه نقص دخل على المجني عليه بسبب الجاني فلا يهدر؛ للحديث (2)؛ و لزوم الظلم،و عود السنّ نافى القصاص و الدية،لا أرش النقص.

قيل (3):و في المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص مطلقا؛ لأنّه لم تجر العادة بنبات سنّ الثغر،و ما اتفق نعمة و هبة جديدة من اللّه سبحانه، فلا يسقط ما على الجاني استحقه.

و لو جنى على العين بما أذهب النظر و البصر منها خاصّة مع سلامة الحدقة اقتصّ منه أي من الجاني بما يمكن معه المماثلة بإذهاب البصر و إبقاء الحدقة.

قيل (4):بذرّ كافور و نحوه،أو بأن يوضع على أجفانه القطن المبلول حذراً من الجناية عليها و يفتح العين و يقابل بمرآة محماة بالنار مقابلة للشمس حتى يذهب النظر كما فعله مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام) على ما دلّ عليه بعض النصوص (5).

و هو مع ضعف سنده ليس فيه ما يومئ إلى تعيّنه بعد احتمال كونه أحد أفراد الواجب التخييري،فما يظهر من العبارة هنا و في التحرير

ص:338


1- الشرائع 4:237،المختلف:806،المسالك 2:485.
2- الكافي 7:8/320،الفقيه 4:343/102،التهذيب 10:1025/260،الوسائل 29:177 أبواب قصاص الطرف ب 14 ح 2.
3- المسالك 2:486.
4- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:476.
5- الكافي 7:1/319،التهذيب 10:1081/276،الوسائل 29:173 أبواب قصاص الطرف ب 11 ح 1.

و القواعد (1)من تعيّنه لا وجه له،و لذا نسبه الماتن في الشرائع و الشهيد في اللمعة (2)إلى القيل المشعر بالتمريض،و هو حسن.

لكن في الروضة (3)أنّ القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب.

و وجهه غير واضح،و لا ريب أنّ الاستيفاء على هذا الوجه أحوط، و إن كان تعيّنه محل بحث.

ثم إنّ ظاهر العبارة و غيرها مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس لا لها نفسها،و الظاهر من الرواية غيره و أن النظر في المرآة بعد استقبال العين بالشمس،فإنّ متنها هكذا:

«دعا علي(عليه السّلام)بمرآة محماة (4)ثم دعا بكرسف فبلّه،ثم جعله على أشفار عينيه على حواليها،ثم استقبل بعينه عين الشمس» قال:«و جاء بالمرآة،فقال:انظر،فنظر فذاب الشحم و بقيت عينه قائمة و ذهب البصر» (5).

و لو قطع شخص كفّاً مقطوعة الأصابع،ففي رواية:يقطع المقطوع كفّ القاطع و يردّ عليه أي على القاطع دية الأصابع .

و عمل بها الشيخ و القاضي و الفاضل في الإرشاد و القواعد

ص:339


1- التحرير 2:259،القواعد 2:307.
2- الشرائع 4:236،اللمعة(الروضة البهية 10):83.
3- الروضة 10:84.
4- كذا،و في المصادر:فحماها.
5- الكافي 7:1/319،التهذيب 10:1081/276،الوسائل 29:173 أبواب قصاص الطرف ب 11 ح 1.

و التحرير (1)،و نسبه في المسالك (2)إلى أتباع الشيخ،بل زاد فنسبه كالشهيد في النكت (3)إلى الأكثر،فإن صحّت شهرة جابرة،و إلّا فالرواية ضعيفة.

و قال الحلّي:إنّها مخالفة لأُصول المذهب؛ إذ لا خلاف بيننا أنّه لا يقتصّ العضو الكامل للناقص،قال:و الأولى الحكومة في ذلك و ترك القصاص و أخذ الأرش فيه (4).

و ظاهر المتن و غيره و صريح المختلف (5)التوقف فيه،و لا يخلو عن وجه،و إن كان القول الأوّل لعلّه أوجه،و الثاني أحوط.

و لا يجوز أن يقتصّ عمّن لجأ إلى الحرم،و لكن يضيّق عليه في المأكل و المشرب حتى يخرج ثم يقتصّ منه بلا خلاف أجده، و نفاه صريحاً في المسالك (6)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في التنقيح (7)،و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومات الأمن لمن دخله من الآية (8)و الرواية،ففي الصحيح:الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم،قال:«لا يقام عليه الحدّ و لا يطعَم و لا يسقى و لا يكلَّم و لا يبايَع،فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ،و إن جنى في الحرم جنايةً أُقيم عليه

ص:340


1- النهاية:774،حكاه عن القاضي في المختلف:810،الإرشاد 2:199،القواعد 2:302،التحرير 2:256.
2- المسالك 2:482.
3- غاية المراد 4:332.
4- السرائر 3:404.
5- انظر المهذّب البارع 5:234،235،المختلف:810.
6- المسالك 2:490.
7- الخلاف 5:224،التنقيح 4:460.
8- آل عمران:97.

الحدّ في الحرم،فإنّه لم ير للحرم حرمة» (1).

و هو نصّ في جواز أن يقتصّ عمّن جنى في الحرم فيه الجار متعلّق ب:يقتصّ،أي من جنى فيه يقتصّ منه فيه،و لا يجب أن يقتصّ منه خارجه،و في المثل:كما تدين تدان،مع أنّه أيضاً لا خلاف فيه،و عموم أدلّة القصاص السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة يقتضيه.

و مقتضاها اختصاص الحكم الأوّل بالحرم؛ لاختصاص مخصِّصها به، فيشكل إلحاق مشاهد الأئمة(عليهم السّلام)به،و إن حكي عن الشيخين و القاضي، و مال إليه في السرائر (2)،و كذا التنقيح،فقال:و هو قريب،أمّا أوّلاً:فلما ورد منهم أنّ بيوتنا مساجد.

و أمّا ثانياً:فلما تواتر من رفع العذاب الأُخروي عمّن يدفن بها، فالعذاب الدنيوي أولى.

و أمّا ثالثاً:فلأنّ ذلك مناسب لوجوب تعظيمها،و استحباب المجاورة بها و القصد إليها (3).

و لا ريب أنّ ما قالوه أحوط،و إن كان في تعيّنه بهذه الوجوه الثلاثة نظر ،و الحمد للّه أوّلاً و آخراً.

ص:341


1- علل الشرائع:1/444،الوسائل 13:227 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 5.
2- المفيد في المقنعة:744،الطوسي في النهاية:756،القاضي في المهذّب 2:516،السرائر 3:363.
3- التنقيح 4:460.

ص:342

كتاب الديات

اشارة

كتاب الديات جمع دية بتخفيف الياء،و هي:المال الواجب بالجناية على الحرّ في نفس أو ما دونها،و ربما اختصّت بالمقدّر بالأصالة،و أُطلق على غيره اسم الأرش و الحكومة،و المراد بالعنوان ما يعمّ الأمرين،و هاؤها عوض من واو فاء الكلمة،يقال:وديت القتيل:أعطيت ديته،و ربما يسمى الدية لغةً عقلاً (1)؛ لمنعها من التجرّي على الدماء،فإنّ من معاني العقل المنع.

و الأصل فيها قبل الإجماع الكتاب،و السنّة،قال اللّه سبحانه وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ [1] (2).

و السنّة متواترة مضى جملة منها،و سيأتي إلى جملة أُخرى منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

النظر الأول أقسام القتل و مقادير الديات

أقسام القتل

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة:

الأول: في بيان أقسام القتل و مقادير الديات و اعلم أنّ أقسامه أي القتل،بل مطلق الجناية ثلاثة:عمد محض،و خطأ محض،و شبيه بالعمد فالعمد أن يقصد إلى الفعل و القتل به مطلقا،أو الفعل خاصّة مع

ص:343


1- الصحاح 5:1769،لسان العرب 11:461،المصباح المنير:422،القاموس 4:19.
2- النساء:92.

حصول القتل به غالباً و قد سلف مثاله (1) في أوّل كتاب القصاص.

و الشبيه بالعمد أن يقصد إلى الفعل دون القتل بشرط أن لا يكون الفعل مما يحصل به القتل غالباً مثل أن يضرب للتأديب،أو يعالج للإصلاح ضرباً و علاجاً لا يحصل بهما الموت إلّا نادراً فيموت المضروب و المعالَج.

و الخطأ المحض أن يخطئ فيهما أي في الفعل و قصد القتل مثل أن يرمي الصيد فيتخطّاه السهم إلى إنسان فيقتله و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا ما قدّمنا إليه الإشارة،و مجموع ما هنا يعلم صحته ممّا سبق ثمّة،فلا وجه للإعادة.

و موجَب الأوّل القصاص لا الدية،إلّا صلحاً كما سبق،بخلاف الأخيرين،فإنّ موجَبهما الدية لا غير مطلقاً.

و يفترقان في محلّها و كمّيتها و زمان أدائها،كما سيأتي ذلك مفصّلاً.

مقادير الديات

إذا عرفت ذلك ف اعلم أنّ دية قتل العمد حيث تتعيّن أو يراد الصلح عليها مائة من مسانّ الإبل و هي الثنايا (2)فصاعدا،و في بعض كلمات الشهيد-(رحمه اللّه) أنّ المسنّة من الثنيّة إلى بازل (3)عامها (4).

أو مائتا بقرة و هي ما يطلق عليه اسمها و لو كان غير مسنّة،على ما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من النصوص و الفتاوي.

خلافاً للمحكي عن النهاية و المهذّب و الجامع (5)فمسنّة.

ص:344


1- في المختصر المطبوع:مقاله.
2- جمع ثنيّ،و هي الإبل تدخل في السنة السادسة.المصباح المنير:85.
3- و هو البعير إذا دخل في السنة التاسعة.المصباح المنير:48.
4- حكاه عنه في الروضة 10:176.
5- النهاية:736،المهذّب 2:457،الجامع للشرائع:572.

و الحجة عليه غير واضحة،فهو ضعيف،و مع ذلك شاذّ،كالمحكي عن الأخير في الأوّل أيضاً،حيث قيّده بالفحولة.

و لكنّها أحوط،سيّما الأخير؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه،و فيها الصحيح(و الموثّق و غيرهما) (1):عن دية العمد؟فقال:«مائة من فحولة الإبل المسانّ،فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم» (2).

و لكن في صلوحها لتقييد النصوص المطلقة نظر؛ لاعتضادها دون هذه بفتوى الأكثر،سيّما مع ورودها في مقام الحاجة،و اشتمال هذه على ما لم يقل به أحد من الطائفة،و لذا حملها الشيخ على التقية (3).

أو مائتا حلّة بالضمّ،على الأشهر الأظهر بين الطائفة،و نفى عنه الخلاف بعض الأصحاب (4)،و عليه الإجماع في الغنية (5)،و هو الحجّة، دون الصحيح:سمعت ابن أبي ليلى يقول:كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، و فرض على أهل الشاة ألف شاة و على أهل اليمن الحلل مائتي حلّة (6).

لعدم الحجة في نقل ابن أبي ليلى،سيّما و أنّ الراوي سأل

ص:345


1- بدل ما بين القوسين في«ب»:و غيره.
2- الفقيه 4:241/77،التهذيب 10:636/159،الإستبصار 4:977/260،الوسائل 29:200 أبواب ديات النفس ب 2 ح 2؛ و انظر الحديثين 3،5 من نفس الباب.
3- الإستبصار 4:261.
4- المفاتيح 2:143.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الكافي 7:1/280،الفقيه 4:245/78،التهذيب 10:640/160،الإستبصار 4:975/259،الوسائل 29:193 أبواب ديات النفس ب 1 ح 1.

أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عمّا رواه،فقال:«كان علي(عليه السّلام)يقول:الدية ألف دينار، و قيمة الدنانير عشرة آلاف درهم،و على أهل الذهب ألف دينار،و على أهل الورق عشرة آلاف درهم لأهل الأمصار،و لأهل البوادي الدية مائة من الإبل،و لأهل السواد مائتا بقرة،أو ألف شاة».

و لم يذكر(عليه السّلام)أصل الحلّة فضلاً عن عددها،و مع ذلك فما هنا إنّما هو على نسخة التهذيب،و أمّا على نسخة:الكافي و الفقيه و الاستبصار فإنّما هو مائة حلّة،و لذا قال الصدوق بها في المقنع (1)،و لكنّه شاذّ،و مستنده لما عرفت ضعيف.

و أمّا الصحيح:في الدية،قال:ألف دينار،أو عشرة آلاف درهم، و يؤخذ من أصحاب الحلل الحلل،و من أصحاب الإبل الإبل،و من أصحاب الغنم الغنم،و من أصحاب البقر البقر (2).

فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلّة دون عددها أنّها مائتان أو مائة.

مع أنّ في بعض نسخ التهذيب«الخيل»،بدل الحُلل،و حينئذٍ لا دلالة فيه على الأصل أيضاً،لكن نسخة الكافي بما نقلناه واحدة،و هي أرجح من نسخة التهذيب المزبورة،سيّما مع أنّ بعض نسخه أيضاً له موافقة.

و اعلم أنّ كل حلّة ثوبان على ما نص عليه أكثر أهل اللغة و الأصحاب،من غير خلاف بينهم أجده،فعن أبي عبيد:الحلل برود اليمن،و الحُلّة إزار و رداء،لا تسمّى حلّة حتى تكون ثوبين (3).

ص:346


1- المقنع:182.
2- الكافي 7:4/281،التهذيب:10:637/159،الوسائل 29:195 أبواب ديات النفس ب 1 ح 4.
3- حكاه عنه في الصحاح 4:1673،و هو في غريب الحديث 1:139.

و ابن الأثير:الحلّة واحدة الحلل،و هي برود اليمن و لا تسمّى حلّة إلّا أن تكون ثوبين من جنس واحد (1).

و المصباح المنير:الحلّة بالضم لا تكون إلّا ثوبين من جنس واحد (2).

و العين:الحلّة إزار و رداء،برد أو غيره،لا يقال لها حلّة حتى تكون ثوبين،و في الحديث تصديقه (3).

و القاموس:لا تكون حلّة إلّا من ثوبين أو ثوب له بطانة (4).

و يستفاد منهم أن التعدّد له مدخلية في صدق الحلّة و عدمه مع الوحدة،و عليه فيكون القيد في العبارة توضيحاً لا تقييداً،و كذلك التقييد بكونهما من برود اليمن على ما يستفاد من الأوّلين.

و في السرائر زاد بعد اليمن:أو نجران (5).و لم أقف على دليله،نعم ما مرّ عن العين ربما يعضده،فتدبّر.

ثم إنّ المعتبر من الثياب ما يصدق عليه اسم الثوب عرفاً،لا مجرّد ما يستر العورة خاصّة،كما ربما يقال؛ لفساده قطعاً.

أو ألف دينار أي مثقال ذهب خالص،كما في صريح الخبر:« دية المسلم عشرة آلاف من الفضة،أو ألف مثقال من الذهب،أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً،و من الإبل مائة على أسنانها،و من البقر مائتين» (6).

ص:347


1- النهاية الأثيرية 1:432.
2- المصباح المنير 1:148.
3- العين 3:28.
4- القاموس المحيط 3:370.
5- السرائر 3:323.
6- الكافي 7:2/281،التهذيب 10:633/158،الإستبصار 4:973/258،الوسائل 29:194 أبواب ديات النفس ب 1 ح 2.

و في باقي النصوص المعتبرة ألف دينار (1).

أو ألف شاة و هي ما يطلق عليه اسمها و لو كان أُنثى.

و أمّا المعتبرة المتقدمة (2)الدالة على أنّ مكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم،فقد عرفت جوابه،مع دعوى الإجماع على خلافها في الغنية (3)،و عدم قائل بها هنا على ما أجده،إلّا ما ربما يتوهّم من الشيخ في الكتابين (4)،حيث حملها على وجهين:

أحدهما:أنّ الإبل يلزم أهل الإبل،فمن امتنع من بذلها ألزمه الوليّ قيمتها،و قد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم،كما في الصحيح:«و من الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة» (5).

و ثانيهما:اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرّا،كما في الخبر المتضمّن للسؤال عن قتله له قال:«مائة من الإبل المسانّ،فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم» (6).

و لكن الظاهر أنّ ذلك منه ليس قولاً،بل إنّما ذكره جمعاً.

أو عشرة آلاف درهم كما مرّ في جملة من المعتبرة،و يأتي في جملة أُخرى إليه الإشارة.

ص:348


1- انظر الوسائل 29:193 أبواب ديات النفس ب 1 الأحاديث 1،4،5،7،8،9،10.
2- في ص 342.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- التهذيب 10:161،الاستبصار 4:261.
5- الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:194 أبواب ديات النفس ب 1 ح 3.
6- الوسائل 29:201 أبواب ديات النفس ب 2 ح 5.

و أمّا ما في الصحيح و غيره من أنّه اثنا عشر ألفاً (1)،ف مع شذوذه، و عدم ظهور قائل به،و دعوى الإجماع في الغنية (2)على خلافه محمول على التقية،كما ذكره الشيخ،قال:لأنّ ذلك مذهب العامّة،و احتمل أيضاً حملهما على ما ذكره الحسين بن سعيد و أحمد بن محمد بن عيسى معاً:

أنه روى أصحابنا أنّ ذلك من وزن ستّة،قال:و إذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف درهم (3).

و اعلم أنّ هذه الخصال الستّة و إن لم يشتمل على تمامها رواية فيما أجده،إلّا أنّها مستفادة من الجمع بين روايات المسألة بعد ضمّ بعضها إلى بعض،مع تضمّن جملة منها خمسة ما عدا الحلّة،كالصحيحة المتضمّنة لنقل ابن أبي ليلى (4)،و كذا الصحيحة التي بعدها (5)على نسخة الخيل بدل الحلل،و إلّا فهي شاملة للستّة،و إن قصرت عن إفادة بيان العدد في الحلّة، و نحوهما الرواية المتقدّمة في الدينار (6)بحمل الواو في جملة من أعدادها على«أو» بقرينة الإجماع و الروايات الأُخر؛ فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)بعضها يكشف عن بعض،فما يقال:من عدم وضوح دلالة الأخبار على تمام هذه الخصال لا وجه له،هذا.

و قد ادّعى في الغنية (7)الإجماع عليها بعد ما ذكرها بعين ما هنا مخيّراً

ص:349


1- التهذيب 10:638/159،639،الإستبصار 4:980/261،981،الوسائل 29:196،197 أبواب ديات النفس ب 1 ح 9،10.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- التهذيب 10:162،الاستبصار 4:261.
4- المتقدمة في ص 342.
5- المتقدمة في ص 343.
6- راجع ص 344.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

بينها،و نفى عنه الخلاف بعض أصحابنا (1)أيضاً،فلا إشكال فيها بحمد اللّه تعالى.

و إنّما الإشكال في أنّها هل على التخيير،كما هو ظاهر العبارة و عامة المتأخرين؟أم على التنويع،بمعنى أنّه يجب كل صنف منها على أهله، كما عن الشيخين و غيرهما من القدماء (2)؟ و للأوّل بعد الأصل-:ظاهر«أو» المفيدة للتخيير في جملة من النصوص،مع ظهور دعوى الإجماع عليه في عبائر كثير،كالحلّي و غيره (3).

و للثاني:الاحتياط،و ظواهر كثير من النصوص المتقدمة جملة منها (4)،المتضمّنة لأنّ الإبل على أهلها،و البقر على أهلها،و هكذا.

و حمل هذه على إرادة التسهيل على القاتل لئلّا يكلّف تحصيل غيره فتنطبق على أخبار التخيير و إن أمكن،إلّا أنّه يمكن الجمع بالعكس،بحمل «أو»،على التنويع،فتنطبق على أخباره،و لعلّ الترجيح مع الأوّل؛ لظواهر الإجماعات المحكية،مضافاً إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

و تظهر الثمرة فيما لو بذل ربّ كلّ صنف غيره بدون رضاء وليّ المقتول،فيجوز على المشهور و لا على غيره.

و تستأدى هذه الدية في سنة واحدة لا يجوز تأخيرها عنها

ص:350


1- المفاتيح 2:143.
2- المفيد في المقنعة:735،الطوسي في النهاية:736؛ و انظر المهذّب 2:457.
3- الحلي في السرائر 3:323،كشف اللثام 2:494.
4- راجع ص 342،343.

بغير رضاء المستحق،و لا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة، بلا خلاف بيننا أجده،إلّا من ظاهر الخلاف (1)،فجعلها حالّة،و على خلافه في ظاهر عبائر جماعة (2)و صريح الغنية و السرائر (3)إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة:قال:«كان علي(عليه السّلام)يقول:تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين،و تستأدى دية العمد في سنة» (4).

و هي من مال الجاني لا بيت المال،و لا العاقلة،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة،و منهم السيد ابن زهرة في الغنية (5)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّ تعلق الدية بغير الجاني خلاف الأصل،فيقتصر فيه على الخطأ؛ لأنّه مورد الفتوى و النصّ؛ لصريح الخبرين:«لا تضمن العاقلة عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً» (6)و في المضمر:«فإن لم يكن له مال يؤدّي ديته يسأل المسلمين حتى يؤدّوا عنه ديته إلى أهله» (7).

ص:351


1- الخلاف 5:220.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:679،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:462،و الشهيد الثاني في المسالك 2:489.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،السرائر 3:322.
4- الكافي 7:10/283،الفقيه 4:250/80،التهذيب 10:646/162،الوسائل 29:205 أبواب ديات النفس ب 4 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الفقيه 4:360/107،التهذيب 10:670/170،673،الإستبصار 4:983/261،984،الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3 ح 1،2.
7- الفقيه 4:212/70،التهذيب 10:655/164،الوسائل 29:34 أبواب القصاص في النفس ب 10 ح 5.

و لا تثبت إلّا بالتراضي بها عن القود حيث يتعيّن على الأصح، كما مرّ،و أمّا على غيره فلا يحتاج إليه،و كذا حيث لا يتعيّن القود كقتل الوالد للولد،أو تعيّن و لكن فات بمبادرة أحد الأولياء إليه،أو موت القاتل، أو كان القاتل عاقلاً و المقتول مجنوناً،أو نحو ذلك.

و اعلم أنّ الخطأ(و شبيه العمد) (1)يشاركان العمد في هذه الخصال الستّة،كما سيأتي إليه الإشارة،و إنّما يفترقان عنه في أسنان الإبل خاصّة، فإنّها فيه ما مرّ،و فيهما دونه سنّاً،و يفترقان أحدهما عن الآخر بأنّ أسنانها في الخطاء دون أسنانها في شبيهه.

و لكن في تعيين الأسنان في كل منهما خلاف نصّاً و فتوى، ف في دية شبيه العمد منها روايتان إحداهما الصحيح:«قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر،إنّ دية ذلك تغلظ،و هي مائة من الإبل،منها أربعون خَلِفة بين ثنيّة إلى بازل عامها،و ثلاثون حِقّة،و ثلاثون بنت لبون» (2).

و عمل بها الصدوق و الإسكافي على ما حكي (3)،و اختاره الفاضل في المختلف و التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة و جمع من المتأخّرين (4)،و لا بأس به؛ لصحة السند،مع السلامة عما يصلح

ص:352


1- في«ن»:و العمدَ شبهَه.
2- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:39 أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11.
3- حكاه عنهما في المختلف:784.
4- المختلف:784،التحرير 2:268،المسالك 2:489،الروضة 10:177،و انظر المقتصر:440،و المفاتيح 2:143.

للمعارضة من النص.

و ثانيتهما الخبر:«دية المغلظة التي تشبه العمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل:ثلاث و ثلاثون حِقّة،و ثلاث و ثلاثون جذعة،و أربع و ثلاثون ثنيّة،كلّها طروقة الفحل» (1)و نحوه آخر (2).

و عمل بهما المفيد و التقي و الديلمي و غيرهم (3).

و في سندهما ضعف على المشهور بعلي بن أبي حمزة و محمد بن سنان،فلا يتوجّه العمل بهما،سيّما و أن يطرح لأجلهما الرواية الاُولى مع صحتها.

و اعلم أنّ هنا قولاً ثالثاً أشار إليه بقوله: أشهرهما: أنّها ثلاث و ثلاثون بنت لبون سنّها سنتان فصاعداً و ثلاث و ثلاثون حِقّة سنّها ثلاث سنين فصاعداً و أربع و ثلاثون ثنيّة سنّها خمس سنين فصاعداً طروقة الفحل أي التي بلغت أن يضربها الفحل،قال به الشيخ في النهاية و عن ابن حمزة في الوسيلة (4).

و مستند هذا القول غير واضح،و إن جعله الماتن أشهر الروايتين،فإنّا لم نقف عليها كما اعترف به جماعة من أصحابنا (5)،و يظهر من شيخنا في

ص:353


1- الكافي 7:2/281،التهذيب 10:633/158،الإستبصار 4:973/258،الوسائل 29:200 أبواب ديات النفس ب 2 ح 4.
2- التهذيب 10:977/247،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
3- المقنعة:735،الكافي:392،المراسم:239،و انظر إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):289.
4- النهاية:738،الوسيلة:441.
5- منهم الفاضلان:الآبي في كشف الرموز 2:632،و المقداد في التنقيح 4:463،و ابن فهد في المقتصر:438.

المسالك و بعض من تبعه (1)أنّها الرواية الثانية المتقدّمة،و هو غفلة واضحة فإنّه ليس فيها ذكر بنت لبون،بل فيها بدلها جذعة.

و نحو هذا القول:القول بهذه الأسنان أيضاً لكن مبدلاً فيه الأربع و الثلاثين ثنيّة طروقة الفحل بأربع و ثلاثين خَلِفة بفتح الخاء و كسر اللام،أي الحامل،كما عن الخلاف و المهذّب (2).

و ربما يجمع بين هذين القولين بأن يراد من طروقة الفحل في الأوّل ما طرقها الفحل فحملت بقرينة أنّ الحقّة ما بلغت أن يضربها الفحل.

و عن النهاية و الإصباح و في الغنية (3)أنّه روي:ثلاثون بنت مخاض، و ثلاثون بنت لبون،و أربعون خَلِفة،قال في النهاية:كلّها طروقة الفحل.

و لم نقف عليها.

و يضمن هذه الدية أيضاً الجاني خاصّة لا العاقلة للأصل المتقدّم إليه الإشارة؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في ظاهر السرائر (4)بل صريحه،و صريح التحرير و الغنية (5).

خلافاً للمحكي عن الحلبي (6)،فجعلها على العاقلة.و هو شاذّ.

و للنهاية و المهذّب و الغنية (7)فيما لو مات أو هرب،فيؤخذ بها حينئذٍ

ص:354


1- المسالك 2:489،و انظر المفاتيح 2:143.
2- الخلاف 5:221،المهذّب 2:459.
3- النهاية:738،إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):289،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- السرائر 3:335.
5- التحرير 2:268،الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الكافي:396.
7- النهاية:738،المهذّب 2:458،الغنية(الجوامع الفقهية):620.

أولى الناس به،و إن لم يكن له أحد ففي بيت المال.

و لعلّه غير بعيد؛ لثبوت مثله في العمد كما مرّ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الغنية.

و أنكره الحلّي (1)،فقال:إنّه خلاف الإجماع،فإنّه لا ضمان عليهما إلّا في الخطأ المحض.و هو معارَض بمثله بل و أجود،فتأمّل .

و اعلم أنّا لم نقف على رواية تدل على مقدار زمان تأديتها فيه، إلّا أنّه قال المفيد:تستأدى في سنتين (2) و تبعه أكثر الجماعة،بل عامّتهم كما في ظاهر الروضة (3)مشعراً بالإجماع عليه،كما في ظاهر السرائر (4)،حيث قال:عندنا تستأدى في سنتين من مال القاتل خاصّة.

و نحوه ظاهر المبسوط (5)،و نفى الخلاف عنه في الغنية (6).

و هو الحجة المؤيّدة بما احتجَّ عليه في المختلف:من أنّه كما ظهر التفاوت بين العمد و الخطأ في الأجل لتفاوت الجناية فيهما،وجب أن يظهر بالنسبة إليهما و إلى شبيه العمد؛ لوجود المقتضي عملاً بالمناسبة (7).

فلا وجه للتردّد المستفاد من العبارة و ما ضاهاها من عبائر جماعة كالمهذّب و الشرائع و النهاية (8)،و لا لما يحكى عن ابن حمزة من أنّه

ص:355


1- السرائر 3:335.
2- المقنعة:739.
3- الروضة 10:179.
4- السرائر 3:322.
5- المبسوط 7:115.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
7- المختلف:785.
8- المهذّب 2:458،الشرائع 4:246،النهاية:738.

تستأدى في سنتين إن كان معسراً،و إلّا ففي سنة (1)،و لا لما عن الخلاف من أنّها تستأدى في سنة،و دية العمد حالّة (2).

و في دية قتل الخطأ المحض منها أيضاً روايتان بل روايات و أقوال أشهرهما (3) بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم:أنّها عشرون بنت مخاض،و عشرون ابن لبون،و ثلاثون بنت لبون،و ثلاثون حِقّة (4) و هي مع ذلك صحيحة.

و في الثانية أنّها:«خمس و عشرون بنت مخاض،و خمس و عشرون بنت لبون،و خمس و عشرون حقّة،و خمس و عشرون جَذَعة» (5)و بها أفتى ابن حمزة (6).

و هذه هي الرواية الثانية في المسألة السابقة،كما أنّ الاُولى هنا هي الأُولى السابقة بعينها،فليت الماتن و غيره عملوا بها ثمّة كما عملوا بها هنا؛ لصحتها،مع ضعف ما قابلها،و إن حكي عن الخلاف (7)أنّه ادعى إجماع الفرقتين عليهما،و تأيّدت الثانية هنا بما عن تفسير العياشي (8)من نقله

ص:356


1- الوسيلة:441.
2- الخلاف 5:220،221.
3- في«ن» و«س»:أشهرها سيّما.
4- الكافي 7:3/281،الفقيه 4:240/77،التهذيب 10:635/158،الإستبصار 4:976/259،الوسائل 29:199 أبواب ديات النفس ب 2 ح 1.
5- الكافي 7:7/282،التهذيب 10:634/158،الإستبصار 4:974/258،الوسائل 29:198 أبواب ديات النفس ب 1 ح 13.
6- الوسيلة:441.
7- الخلاف 5:226.
8- تفسير العياشي 1:227/265،الوسائل 29:202 أبواب ديات النفس ب 2 ح 10.

رواية بمضمونها.

و في رواية ثالثة أنّها:«ثلاث و ثلاثون حِقّة،و ثلاث و ثلاثون جَذَعة، و أربع و ثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها،كلّها خَلِفة» (1).

و هي و إن كانت صحيحة،إلّا أنّي لم أجد عاملاً بها،و مع ذلك كون ذلك في الخطأ لم يذكر فيها إلّا بنقل علي بن حديد الذي هو في سندها، و هو ضعيف جدّاً تضعف به الرواية لولا كون ابن أبي عمير شريكاً له في نقل أصلها.

و عن المبسوط و في السرائر أنّها عشرون بنت مخاض،و عشرون ابن لبون،و عشرون بنت لبون،و عشرون حِقّة،و عشرون جَذَعة (2).و لم أجد به رواية.

و تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها،إجماعاً منّا بل من الأُمّة أيضاً كما عن الخلاف (3)حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الصحيحة السابقة.

و يضمنها العاقلة لا الجاني إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،بل المتواترة،يأتي ذكرها في بحث العاقلة إن شاء اللّه تعالى.

نعم إن فقدت العاقلة أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل إن كان له مال،و إلاّ فعلى الإمام،كما يأتي ثمّة.

و لو قتل في الشهر الحرام و هو أحد الأربعة:المحرّم،و رجب،

ص:357


1- الكافي 7:8/282،الوسائل 29:201 أبواب ديات النفس ب 2 ح 7.
2- المبسوط 7:115،السرائر 3:322.
3- الخلاف 5:277.
4- المهذب البارع 5:246،كشف اللثام 2:495.

و ذو القعدة،و ذو الحجة أُلزم دية و ثلثاً من أيّ الأجناس كان،لمستحق الأصل؛ تغليظاً عليه،لانتهاكه الحرمة،بلا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة (2)ففي الموثق كالصحيح:«عليه دية و ثلث» (3).

و في الخبر:عن الرجل يقتل في الشهر الحرام،ما ديته؟قال:«دية و ثلث» (4).

و هل يلزم مثل ذلك لو قتل في الحرم الشريف المكي زاده اللّه شرفاً؟ قال الشيخان (5) و أكثر الأصحاب: نعم و منهم ابن زهرة و الحلّي (6)،مدّعيين عليه في ظاهر كلامهما إجماع الإمامية،كما ستعرفه، و هو الحجة.

مضافاً إلى الموثّق كالصحيح:في رجل قتل في الحرم،قال:«عليه دية و ثلث» (7).

و صريح جماعة و منهم الماتن هنا و في الشرائع (8)لقوله: و لا أعرف الوجه خلوّ فتواهم عن الرواية،بل مطلق الحجة،و كأنّهم لم يقفوا على هذه الرواية،و إلّا فهي مع اعتبار سندها في المطلوب صريحة،معتضدة

ص:358


1- منهم الشيخ في الخلاف 5:222،و الحلّي في السرائر 3:323،و الشهيد الثاني في الروضة 10:182،و الفيض الكاشاني في المفاتيح:2:144.
2- في«ح» زيادة:المستفيضة.
3- الفقيه 4:257/81،الوسائل 29:204 أبواب ديات النفس ب 3 ح 5.
4- الكافي 7:6/281،الوسائل 29:203 أبواب ديات النفس ب 3 ح 1.
5- المقنعة:743،النهاية:756.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):620،السرائر 3:323.
7- التهذيب 10:851/216،الوسائل 29:204 أبواب ديات النفس ب 3 ح 3.
8- الشرائع 4:246.

بما مرّ من الإجماعات المحكية،و بما علّله المتأخّرون من اشتراكهما في الحرمة و تغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره،فقولهم في غاية القوة.

و هل يلحق بها حرم المدينة و مشاهد الأئمّة على مشرّفها ألف صلاة و سلام و تحية؟مقتضى الأصل العدم،و في الشرائع و الإرشاد و التحرير (1)عن الشيخ الإلحاق،و عبارته في النهاية لا تساعده،كما نبّه عليه الحلّي (2).

قيل:و الظاهر اختصاص التغليظ بالعمد (3)؛ للأصل،و اختصاص أكثر الفتاوي به من حيث التعليل بالانتهاك.

و فيه نظر،فإنّ مقتضى الخبرين العموم،و به صرّح الحلّي،فقال:قد ذكرنا أنّ الدية تغلظ في العمد المحض و عمد الخطأ،و تخفّف في الخطأ المحض أبداً إلّا في موضعين:المكان و الزمان،فالمكان:الحرم،و الزمان:

الأشهر الحرم،فعندنا أنّها تغلظ بأن توجب دية و ثلثاً (4).و ظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه أيضاً.

و قريب منه ابن زهرة،حيث أطلق الحكم و لم يعلّل بما يوجب التقييد بالعمد،فقال:و يجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية و ثلث إلى أن قال-:كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (5).

و مثله في الإطلاق عبارة الفاضل في التحرير و الإرشاد (6)،و لذا صرّح

ص:359


1- الشرائع 4:246،الإرشاد 2:233،التحرير 2:268.
2- السرائر 3:363،انظر النهاية:756.
3- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:496.
4- السرائر 3:323.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- التحرير 2:268،الإرشاد 2:233.

بالعموم للثلاثة بعض متأخّري الأصحاب (1)مدّعياً عليه النص و الإجماع.

و لا تغليظ عندنا في الأطراف،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (2)، و ادّعى بعضهم في ظاهر كلامه الإجماع عليه (3)؛ للأصل،و اختصاص الفتوى و النص بالقتل.

و لا في قتل الأقارب؛ لذلك،و به صرّح في المختلف (4).خلافاً للمبسوط و الخلاف (5)،فيغلظ.و دليله مع شذوذه غير واضح.

ثم إنّ كل ذا في دية قتل الحرّ المسلم.

و أمّا دية قتل المرأة الحرّة المسلمة ف على النصف من الجميع أي جميع المقادير الستّة المتقدمة،فمن الإبل خمسون،و من الدنانير خمسمائة،و هكذا،إجماعاً محقّقاً و محكياً في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،فمنها زيادةً على ما مرّ في بحث تساوي الرجل و المرأة في دية الجراحات ما يبلغ الثلث و غيره الصحيح:«دية المرأة نصف دية الرجل» (7).

ص:360


1- هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
2- منهم العلّامة في التحرير 2:268،و الشهيد الثاني في الروضة 10:184،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
3- كما في السرائر 3:323.
4- المختلف:824.
5- المبسوط 7:116،انظر الخلاف 5:222.
6- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:496،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:144.
7- الكافي 7:1/298،التهذيب 10:705/180،الوسائل 29:205 أبواب ديات النفس ب 5 ح 1.

و الصحيح:عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس الولد تمخض؟ قال:«عليه الدية خمسة آلاف درهم» الحديث (1).

و لا تختلف دية الخطأ و العمد و شبههما في شيء من المقادير الستة عدا النعم أي الإبل،فتختلف دية الثلاثة فيها كما عرفته،و أمّا عدم الاختلاف فيما عداها و ثبوته في شبيه العمد و الخطأ أيضاً مخيّراً بينها فقد ذكره جماعة،كالفاضلين هنا و في الإرشاد و القواعد،و الشهيدين في اللمعتين،و غيرهما (2)،من غير ذكر خلاف و لا إشكال،و هو أيضاً ظاهر الحلّي (3)مدّعياً عليه الإجماع في ظاهر كلامه،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص الواردة بالستة كما عرفته،و تصريح جملة منها بالتخيير بين جملة منها في الخطأ،و لا قائل بالفرق،ففي الخبر:

«دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل،أو عشرة آلاف من الورق،أو ألف من الشاة» و قال:«دية المغلظة التي تشبه العمد و ليست بعمد أفضل من الخطأ بأسنان الإبل:ثلاث و ثلاثون حقّة» إلى آخر ما تقدم (4).

و في آخر:«و الخطأ مائة من الإبل،أو ألف من الغنم،أو عشرة آلاف درهم،أو ألف دينار،و إن كانت الإبل فخمس و عشرون بنت مخاض» إلى آخر ما سبق أيضاً (5).

ص:361


1- الكافي 7:5/299،التهذيب 10:725/185،الوسائل 29:206 أبواب ديات النفس ب 5 ح 3.
2- الإرشاد 2:233،القواعد 2:322،اللمعة و الروضة البهية 10:175؛ و انظر التنقيح الرائع 4:463،و كشف اللثام 2:495،و المفاتيح 2:143.
3- السرائر 3:323.
4- في ص 350.
5- في ص 353.

و في ثالث:«دية الرجل مائة من الإبل،فإن لم يكن فمن البقر» إلى أن قال:«هذا في العمد،و في الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة» (1).

و الصحيحة المتقدمة (2)صريحة في ثبوت الدراهم في قتل الخطأ في المرأة،فكذا غيره و غيرها؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً كما مضى،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه،و إن كان ربما يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين (3)حصول نوع شك له و ريبة.

و في مقدار دية الحرّ الذمي روايتان،بل روايات، و المشهور منها التي عليها عامّة أصحابنا إلّا النادر:أنّها ثمانمائة درهم مطلقاً،يهوديّاً كان أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً،و هي مع ذلك صحاح و معتبرة مستفيضة كادت تبلغ التواتر،معتضدة بالأصل و بمخالفة العامّة و الإجماع المحكي في الغنية و كنز العرفان (4)،ففي الصحيح:عن دية اليهودي و النصراني و المجوسي؟قال:«ديتهم سواء ثمانمائة درهم» (5).

و الرواية الثانية منها الصحيح:«دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم» (6).

و قريب منه الموثّق كالصحيح:«من أعطاه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ذمّة فديته

ص:362


1- التهذيب 10:644/161،الوسائل 29:197 أبواب ديات النفس ب 1 ح 12.
2- في ص 357.
3- انظر كشف اللثام 2:495.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):620،كنز العرفان 2:369.
5- الكافي 7:11/310،التهذيب 10:730/186،الإستبصار 4:1012/268،الوسائل 29:218 أبواب ديات النفس ب 13 ح 5.
6- الفقيه 4:298/91،التهذيب 10:735/187،الإستبصار 4:1017/269،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 2.

كاملة» الخبر (1).

و منها الضعيف:«دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم،و دية المجوسي ثمانمائة» و قال:«إنّ للمجوس كتاباً يقال له:جاماس (2)» (3).

و هي كما ترى قاصرة عن المقاومة للرواية الاُولى من وجوه شتّى، سيّما مع اختلافها،و مخالفة بعضها بعضاً،و موافقتها للعامّة العمياء،كما حكاه عنهم خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) و لأجله حملها على التقية، فقال:و الأظهر حمل ما زاد على ثمانمائة على التقية؛ لموافقتها لمذاهب العامّة؛ إذ ذهب جماعة منهم إلى أنّ ديته ثلث دية المسلم(أربعة آلاف درهم) (4)و رووا ذلك عن عمر و عثمان،و ذهب إليه الشافعي،و رووا أيضاً عن عمر رواية أُخرى،و هي أنّ دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم، و دية المجوسي ثمانمائة درهم (5).

و هي مع ذلك شاذّة لا عامل بإطلاقها.

إذاً الأقوال في المسألة أربعة:منها:ما مرّ.

و منها:ما عليه شيخ الطائفة في كتابي الحديث و النهاية (6):من التفصيل بين قتل الذمّي اتفاقاً فثمانمائة،و قتله اعتياداً فما في الأخبار

ص:363


1- الفقيه 4:299/92،التهذيب 10:736/187،الإستبصار 4:1018/269،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 3.
2- في نسخة من الفقيه:جاماسف،و في اخرى:جاماسب.
3- الفقيه 4:296/91،التهذيب 10:737/187،الإستبصار 4:1019/269،الوسائل 29:222 أبواب ديات النفس ب 14 ح 4.
4- ما بين القوسين ليس في المصدر.
5- ملاذ الأخيار 16:382.
6- الاستبصار 4:269،التهذيب 10:187،النهاية:749.

الأخيرة باختلافها،بحمله له على اختلاف نظر الحاكم،قال:فإذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة،و أربعة آلاف درهم اخرى، بحسب ما يراه أصلح في الحال و أردع،فأمّا من كان ذلك منه نادراً لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم،حسب ما تضمنته الأخبار الأوّلة.

و نفى عنه البأس في المختلف (1)،و مال إليه بعض من تأخّر (2)؛ لظهور وجه الجمع المزبور من الموثق:عن مسلم قتل ذمّيا؟قال:فقال:

«هذا شيء شديد لا يحتمله الناس،فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد،و عن قتل الذمّي» ثم قال:«لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيين» الخبر (3).

و فيه نظر؛ لاشتراك الجمع المفتي به بالتكافؤ المفقود في المقام؛ لكثرة الأخبار الأوّلة،و صحتها،و موافقتها الأصل،و اشتهارها بإطلاقها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع كما عرفته من الغنية (4)، و لا كذلك الأخبار الأخيرة حتى الموثقة المستشهد بها عليه،فإنّها بطرف الضدّ لتلك في المرجّحات المزبورة.

و منها:قولا الصدوق في الفقيه و الإسكافي (5)المفصِّلان تفصيلاً لا يوجد أثر لهما في الأخبار المزبورة،كما لا أثر لتفصيل الشيخ فيها و إن

ص:364


1- المختلف:818.
2- انظر كشف اللثام 2:496.
3- التهذيب 10:738/188،الإستبصار 4:1020/270،الوسائل 29:221 أبواب ديات النفس ب 14 ح 1.
4- راجع ص 359.
5- أحدهما في الفقيه 4:91،و الآخر حكاه عن الإسكافي في المختلف:818.

أشعر به الموثق،و لا شاهد لتفصيلهما أصلاً،فإذاً قولهما أضعف الأقوال جدّاً،فلا فائدة لذكرهما.

و دية نسائهم الحرائر على النصف من ذلك أربعمائة درهم، بلا خلاف أجده،و لعلّ مستنده عموم الأدلّة المتقدمة بأنّ المرأة نصف الرجل في الدية.

قيل:و دية أعضائهما و جراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم و جراحاته من ديته.و في التغليظ بما يغلظ به المسلم نظر:من عموم الأخبار،و كون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق، و لعلّ الأوّل أقوى،و كذا تتساوى دية الرجل منهم و المرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف كالمسلم (1).

و لعلّ المستند في جميع ذلك نحو ما احتملنا كونه مستنداً في أصل المسألة،مع دعوى الإجماع عليه في الغنية (2).

و لا دية لغيرهم أي غير الثلاثة من أهل الكفر مطلقاً،حتى أنّ أهل الكتاب لو خرجوا عن الذمّة لم يكن لهم دية،بلا خلاف أجده؛ للأصل،مع عدم معلومية انصراف إطلاقات الدية إليهم،و إشعار جملة من المستفيضة الواردة في دية أهل الذمّة باختصاص شرعيتها لأهل الكفر بهم خاصّة.

مضافاً إلى الموثق كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه:عن دماء المجوس و اليهود و النصارى،هل عليهم و على من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين،و أظهروا العداوة لهم؟قال:«لا،إلّا أن يكون

ص:365


1- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:191.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.

متعوّداً لقتلهم» الحديث (1)،فتدبّر.

و في دية ولد الزنا المظهر للإسلام قولان بل أقوال أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين بل عليه عامّتهم أنّ ديته كدية الحرّ المسلم لعموم الأدلّة على إسلام من أظهره،و جريان أحكامه عليه من غير قاطع على استثناء ولد الزناء،مضافاً إلى إطلاق أخبار الديات،و تصريح بعضها بالمسلم أو المؤمن الصادقين عليه بمجرّد إظهارهما،كما مضى.

و القول الثاني للصدوق و علم الهدى (2)،و هو أنّ ديته كدية أهل الكتاب ثمانمائة درهم،كما في النصوص الصريحة المروية في آخر باب الزيادات من التهذيب (3).

لكنها ما بين مرسلة،و ضعيفة بالجهالة،مع عدم جابر لها بالمرّة سوى دعوى الإجماع في كلام الأخير،و هي لندرة القائل،بل عدمه إلّا المدّعى و بعض من سبقه موهونة،فهي ضعيفة،كدعوى كفره التي استدل بها أيضاً مضافاً إلى الدعوى السابقة؛ لمنعها،كما هو ظاهر المتأخّرين، و صرّح به في المختلف،فقال:و الأصل الذي بنى السيّد عليه من كفر ولد الزناء ممنوع (4).

أقول:و لو صحّت هذه الدعوى لكان مقتضاها عدم الدية مطلقا،كما عليه الحلّي (5)مستدلّاً بها،هذا.

ص:366


1- الكافي 7:4/309،الفقيه 4:301/92،التهذيب 10:744/189،الإستبصار 4:1026/271،الوسائل 29:223 أبواب ديات النفس ب 16 ح 1.
2- المقنع:185،الانتصار:273.
3- التهذيب 10:315.
4- المختلف:794.
5- السرائر 3:352.

و قول السيّد ليس بذلك البعيد؛ للأصل،مع عدم معلومية دخول نحو ولد الزناء في إطلاق أخبار الديات،حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن و المسلم؛ لإطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه،من حيث عدم تبادره منه،مع انسياقه سياق بيان مقدار الديات و غيره ممّا لا يتعلق بما نحن فيه،فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به.

و كذا شمول ما دلّ على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع،فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله،و إنّما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمّي؛ لفحوى ما دل على ثبوتها فيه،مع شرفه بإسلامه الظاهري،و ليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي.

و يمكن أن يجعل ما ذكرناه جابراً للنصوص و الإجماع المحكي،مع تأيّد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلّي المتأخّر عن حاكيه،و أمّا الشهرة فإنّما هي من زمن المحقّق و من بعده.

و إلى الروايات مع الجواب منها أشار الماتن بقوله: و في رواية أنّ ديته كدية الذمّي،و هي ضعيفة بما مرّ،إلّا أن يجبره السيّد بما عرفته.

مضافاً إلى أنّ السند في بعضها (1)صحيح إلى جعفر بن بشير،و هو ثقة،و الإرسال بعده لعلّه غير ضارٍّ؛ لقول النجاشي:روى عن الثقات و رووا عنه (2).قاله في مدحه،و لا يكون ذلك إلّا بتقدير عدم روايته عن الضعفاء، و إلّا فالرواية عن الثقة و غيره ليس بمدح كما لا يخفى،هذا.

مع احتمال انجبارها أيضاً بنحو الأخبار الواردة في غسالة الحمّام (3)؛

ص:367


1- الفقيه 4:389/114،التهذيب 10:1172/315،الوسائل 29:222 أبواب ديات النفس ب 15 ح 2.
2- رجال النجاشي:119.
3- الوسائل 1:218 أبواب الماء المضاف ب 11.

المانعة عنها،معلّلةً بأنّه يغتسل فيه اليهودي و النصراني و ولد الزناء،حيث ساقته في سياق أهل الكتاب مشعرةً باتحادهم في الحكم و المماثلة،فتأمّل ، هذا.

و في الصحيح:كم دية ولد الزناء؟قال:«يعطى الذي أنفق ما أنفق عليه » الحديث (1).

و هو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلّي و أنّها ما أنفق عليه، و هو يشمل ما قصر عن دية الحرّ المسلم،بل و الذمّي أيضاً،بل لعلّه ظاهر فيه،إلّا أنّ الأخير خارج بالإجماع،كخروج ما زاد عنه به أيضاً،فيتعيّن الثمانمائة جدّاً.

مع أنّ العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحرّ المسلم كالصريح، بل لعلّه صريح في عدم لزومها،فيضعّف به ما عليه المشهور جدّاً،و يتعيّن قول السيّد ظاهراً،فتأمل جدّاً.

و دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ و لو تجاوزت دية الحرّ ردّت إليه (2) و دية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة.

و الاعتبار بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً و إن كان مولاه ذمّيا على الأقوى،و بدية الذمّي إن كان المملوك ذمّيا و لو كان مولاه مسلماً على الأقوى أيضاً،و قد مضى الكلام في المسألة و ما يتعلّق بها مستوفى في كتاب القصاص في الشرط الأوّل من شرائطه،فلا وجه لإعادته.

و هي كدية الأحرار تؤخذ من مال الجاني إن قتله أي العبد

ص:368


1- الفقيه 4:739/231،التهذيب 9:1234/343،الإستبصار 4:686/183،الوسائل 29:223 أبواب ديات النفس ب 15 ح 4.
2- في المختصر المطبوع:إليها،و هو الأنسب.

عمداً أو شبيهاً به،و من عاقلته إن قتله خطأً و دية أعضائه و جراحاته تؤخذ بنسبة العضو إلى الكل من حيث قيمته على قياس نسبة أعضاء الحرّ إلى كلّه من حيث الدية فما أي أيّ عضو فيه أي في ذلك العضو حال كونه من الحرّ (1)ديته أي دية الحر ف في ذلك العضو من العبد قيمته،كاللسان و الذكر و اليدين و الرجلين،فلو جنى عليها من العبد كان فيها تمام قيمته ما لم يتجاوز دية الحرّ،كما أنّه لو جنى عليها من الحرّ كان فيها كمال ديته.

و ما فيه أي أيّ عضو من الحرّ في الجناية عليه دون ذلك أي دون كمال الدية من نصفها أو ثلثها مثلاً ف في الجناية عليه من العبد من قيمته بحسابه أي بحساب ما يؤخذ فيه من الدية في الحرّ،فلو قطع إحدى يديه الصحيحة مثلاً يؤخذ من قيمته نصفها،كما أنّه يؤخذ نصف دية الحرّ لو قطعت منه،و في حكم العبد بالنسبة إلى الحرّ الأمة بالنسبة إلى الحرّة.

و بالجملة:الحرّ أصل للعبد في المقدّر له و ينعكس في غيره، فيكون العبد أصل الحرّ فيما لا تقدير فيه منه،فيفرض الحرّ عبداً سليماً من الجناية و ينظر كم قيمته حينئذٍ،و يفرض عبداً فيه تلك الجناية و ينظر كم قيمته،و ينسب إحدى القيمتين إلى الأُخرى،و يؤخذ له من الدية بتلك النسبة.

و الوجه في جميع ذلك واضح،مع عدم خلاف فيه أجده،و في المسالك أنّه كالمتفق عليه (2)،و يشهد له النصوص المستفيضة،منها زيادةً

ص:369


1- في النسخ زيادة:مِن.
2- المسالك 2:464.

على الموثقة الآتية القوي:«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» (1).

و منها:«إذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته» (2).

و منها:في رجل شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمته» (3).

و لو جنى جان على العبد و في معناه الأمة بما فيه قيمته فليس للمولى المطالبة بها حتى يدفع العبد برمّته أي بتمامه إلى الجاني أو عاقلته إن قلنا بأنّها تعقله،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (4)،و به صريح الموثّقة:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام) في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنّه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد،و يأخذ العبد» (5).

و فيهما الحجة،دون ما علّل به من استلزام جواز المطالبة مع عدم دفعه الجمع بين العوض و المعوّض عنه؛ لاندفاعه بأنّ القيمة عوض الجزء الفائت لا الباقي،و لذا قيل بجوازها معه فيما لو كان الجاني على العبد

ص:370


1- الفقيه 4:313/95،التهذيب 10:763/193،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 2.
2- التهذيب 10:778/196،الوسائل 29:389 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 4.
3- الكافي 7:13/306،الفقيه 4:310/94،التهذيب 10:764/193،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 1.
4- منهم الطوسي في الخلاف 5:267،و الشهيد الثاني في الروضة 10:198،و المحقّق الكاشاني في المفاتيح 2:146.
5- التهذيب 10:765/194،الوسائل 29:388 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 3.

غاصباً له (1)،و إنّما قيل بعدم الجواز في غيره للنص و الوفاق.

أقول:لا اختصاص لهما بغير الغاصب،بل يشملانه إطلاقاً،بل عموماً في الأوّل من حيث ترك الاستفصال فيه المفيد له على الأقوى، فتأمّل جدّاً .

و لو كانت الجناية على المملوك بما دون ذلك أي بما لا يبلغ قيمته أخذ المولى أرش الجناية بنسبته من القيمة و ليس له أي للمولى دفعه أي العبد إلى الجاني و المطالبة بالقيمة أي بتمام قيمة العبد إلّا برضاء الجاني،بل يمسكه و يطلبه بدية الفائت مع التقدير،أو أرشه مع عدمه في الحرّ،فإنّه حقّه،دون الدفع و المطالبة بتمام القيمة؛ لأنّ ذلك معاوضة لا تثبت إلّا بالتراضي.

قيل:و للعامّة قول بأنّ له ذلك (2).

و لا يضمن المولى جناية العبد مطلقاً،و لكن يتعلّق برقبته، و للمولى الخيار بين دفعه أو فكّه بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين منه و من القيمة،على الخلاف المتقدم في القصاص في البحث المتقدم إليه قريباً الإشارة.

و مضى ثمة أيضاً الكلام في أنّه لا تخيّر لوليّ (3)المجني عليه بل للمولى إذا كانت الجناية خطأً،و ينعكس إذا كانت عمداً.

و أنّه لو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخيّر المولى أيضاً في دفع الأرش أو تسليمه ليستوفي المجني عليه منه قدر الجناية

ص:371


1- انظر الروضة 10:198،و المفاتيح 2:146.
2- قال به في كشف اللثام 2:497.
3- في«ح» و المختصر المطبوع:لمولى.

استرقاقاً أو بيعاً و يكون المولى معه فيما يفضل شريكاً.

و أنّه يستوي في جميع ذلك الرقّ المحض و المدبّر مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،أو أُمّ ولد على التردّد في الأخير لم يسبق ذكره فيما مضى،ينشأ:من عموم الأدلّة على أنّ المولى لا يعقل مملوكه،و من أنّ المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها فأشبه ما لو أعتق الجاني عمداً.

مضافاً إلى النص:«أُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و ما كان من حقوق اللّه عزّ و جلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها» الحديث (1).

و هذا خيرة الشيخ في ديات المبسوط،نافياً الخلاف فيه إلّا عن أبي ثور،قال:فإنّه قال:أرش جنايتها في ذمّتها يتبع به بعد العتق (2)،و تبعه القاضي (3).

و الأوّل مذهبه في استيلاد المبسوط و الخلاف (4)،مدّعياً عليه إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّها مملوكة يجوز بيعها،و تبعه الحلّي و أكثر المتأخّرين،كالفاضلين في الشرائع و التحرير و القواعد،و فخر الدين في شرحه،و الشهيدين في ظاهر المسالك و صريح اللمعة (5)،و نسبه في شرحها إلى المشهور.و لعلّه أقوى.

ص:372


1- الكافي 7:17/306،التهذيب 10:779/196،الوسائل 29:103 أبواب القصاص في النفس ب 43 ح 1.
2- المبسوط 7:160.
3- المهذّب 2:488.
4- المبسوط 6:187،الخلاف 5:272.
5- السرائر 3:22،الشرائع 4:248،التحرير 2:269،القواعد 2:323،إيضاح الفوائد 4:685،المسالك 2:161،اللمعة(الروضية البهية 6):372.

و يمنع عن كون الاستيلاد مانعاً من البيع هنا؛ لأنّ حق الجناية من الاستيلاد أقوى .

و النصّ قاصر سنداً بالجهالة،و إن روى عن موجبها الحسن بن محبوب الذي قد أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة؛ لعدم بلوغه بذلك درجة الصحة فضلاً أن يعارض به الأدلّة المعتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكية.

و نفي الخلاف موهون بنقل النافي له الإجماع على الخلاف،مع نفي الحلّي الخلاف عنه أيضاً (1)،بل ظاهره إجماعنا عليه كما في الخلاف،و أنّ خلافه مذهب أهل الخلاف،و عليه يتعيّن حمل الرواية على التقية.

ص:373


1- السرائر 3:22.

النظر الثاني في موجبات الضمان

البحث الأول عن المباشرة

اشارة

النظر الثاني في بيان موجبات الضمان للدية مطلقاً و البحث فيه إمّا في المباشرة،أو التسبيب،أو تزاحم الموجبات أمّا المباشرة: فضابطها الإتلاف لا مع القصد إليه و إن قصد الفعل الموجب له،كمن رمى غرضاً فأصاب إنساناً،أو ضربه للتأديب فمات مثلاً.

و حيث قد عرفت ذلك ف اعلم أنّ الطبيب يضمن في ماله من بل مطلق ما يتلف بعلاجه و لو طرفاً؛ لحصول التلف المستند إلى فعله، و لا يطلّ دم امرئ مسلم؛ و لأنّه قاصد إلى الفعل مخطئ في القصد،فكان فعله شبيه عمد و إن احتاط و اجتهد و أذن المريض أو وليّه،و كان حاذقاً ماهراً في فنّه علماً و عملاً؛ لأنّ ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا، لتحقق الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى و إن اختلف الضامن.

و هذا الحكم ممّا لم أجد خلافاً فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصراً في المعرفة،أو عالج من غير إذن من يعتبر إذنه،و بنفي الخلاف هنا صرّح المقدّس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و في التنقيح عليه الإجماع (2).

و أمّا إطلاقه حتى في ما لو كان عارفاً و عالج مأذوناً فلا خلاف فيه

ص:374


1- مجمع الفائدة و البرهان 14:227.
2- التنقيح الرائع 4:469.

أجده أيضاً،إلّا من الحلّي (1)،حيث قال هنا بعدم الضمان؛ للأصل؛ و لسقوطه بإذنه؛ و لأنّه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضمان.

و هو مع شذوذه،بل و دعوى الإجماع على خلافه في كلام جماعة، كابن زهرة و الماتن في نكت النهاية و الشهيد في نكته كما حكاه عنه في الروضة (2)مضعّف بأنّ أصالة البراءة ينقطع بدليل شغل الذمّة،و هو ما قد عرفته،و الإذن إنّما هو في العلاج لا في الإتلاف،و لا منافاة بين الجواز و الضمان كالضارب للتأديب،هذا.

و يعضد المختار المعتبران الآتيان في إفادة البراءة سقوط الضمان، و تضمين الأمير(عليه السّلام)قاطع حشفة الغلام.

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل،مع نفي الحلّي بنفسه الخلاف عن صحة الأخير،لكن وجّهه بأنّ المراد أنّه فرّط فقطع غير ما أُريد منه،فإنّ الحشفة غير محل الختان.

و لا جواب لهذا التوجيه إلّا من حيث الحكم بتعيّنه؛ إذ لا دليل في الخبر عليه،مع احتماله الحمل على غير صورة التفريط،كاحتماله الحمل على صورته.

و الأولى في الجواب عنه الاكتفاء بهذا الاحتمال،فإنّه بمجرّده كافٍ في ردّ دلالة الرواية على الحكم في المسألة؛ لكونها قضية في واقعة.

و لو أبرأه المريض المعالج أو الوليّ له من الجناية قبل

ص:375


1- السرائر 3:373.
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):619،نكت النهاية 3:421،الروضة 10:110،و هو في غاية المراد 4:448.

وقوعها فالوجه الصحة وفاقاً للشيخ و أتباعه و الحلبي (1)،بل المشهور كما في المسالك و غيره (2) لإمساس (3)الضرورة و الحاجة إلى مثل ذلك؛ إذ لا غنى عن العلاج و إذا عرف الطبيب أنّه لا مخلص له عن الضمان توقّف عن العمل مع الضرورة إليه،فوجب في الحكمة شرع الإبراء؛ دفعاً للضرورة.

و يؤيده رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:«قال أمير(عليه السّلام):من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه،و إلّا فهو ضامن» (4)و إنّما ذكر الولّي لأنّه هو المطالب على تقدير التلف،فلمّا شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولّى المطالبة.

و قيل و القائل الحلّي (5):إنّه لا يصح؛ لأنّه إبراء ممّا لم يجب و أيّده شيخنا الشهيد الثاني (6)مجيباً عن الأدلّة السابقة،قال:فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجرّدها مع قيام الأدلّة على خلافه،و الخبر سكوني،مع أنّ البراءة حقيقة لا تكون إلّا بعد ثبوت الحق؛ لأنّها إسقاط ما في الذمّة من الحق،و ينبّه عليه أيضاً أخذها من الوليّ؛ إذ لا حقّ له قبل الجناية،و قد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدّت إلى الأذى (7)، انتهى.

ص:376


1- الشيخ في النهاية:762،و تبعه القاضي في المهذّب 2:499،و الحلبي في الكافي:402.
2- المسالك 2:490،و انظر المفاتيح 2:117.
3- كذا،و لعلّ الأنسب:لمسيس،أو:لمساس..
4- الكافي 7:1/364،التهذيب 10:925/234،الوسائل 29:260 أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 1.
5- السرائر 3:373.
6- في«ن» و«ح» زيادة:في كتابيه.
7- المسالك 2:490.

و ما ذكره من الجواب عن الحاجة لم أفهمه ،و عن الرواية بالضعف فمجبور على تقديره بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلامه،نعم دلالتها ضعيفة بما ذكره،و لعلّه لذا جعلها الماتن مؤيّدة لا حجة.

لكن أجاب عنه بعض الأجلّة فقال:لأنّك تعرف أنّ معنى«تطبّب» أنّه أراد فعله لا أنّه فعله،و هو ظاهر،و قد مرّ وجه إسناده إلى الوليّ و أنّه تنبيه على صحة إبراء المريض إذا كان الحق له بالطريق الأولى،و أنّه لا يحتاج حينئذٍ إلى الأمر به،و هو ظاهر (1)،انتهى.

و هذا الجواب و إن كان بعيداً لغة،إلّا أنّه لعلّه يساعده العرف و فهم الفقهاء،حيث فهموا من الرواية هذا،لا ما ذكره شيخنا و تفرّد به في الجواب عنها.

و بالجملة:المسألة محل تردّد كما هو ظاهر الفاضلين-(رحمهما اللّه) في الشرائع و الإرشاد و القواعد و غيرهما (2).

لكن مقتضى الأصل مع عدم معلومية شمول ما دلّ على الضمان بالجناية شبيه العمد لها بعد الإذن و الإبراء عدم الضمان،و إلى هذا الوجه أشار المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:و ما ثبت شرعاً أنّ كل إتلاف موجب للضمان (3)،هذا.

مضافاً إلى مسيس الحاجة،و الجواب عنه في كلام شيخنا قد عرفتَ أنه ما عرفتُه.

ص:377


1- مجمع الفائدة 14:231.
2- الشرائع 4:249،الإرشاد 2:222،القواعد 2:213،المهذّب البارع 5:262.
3- مجمع الفائدة 14:229.

و أيّده المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) ب«المؤمنون عند شروطهم» قال:

و مرجع الإبراء عدم المؤاخذة،و عدم ثبوت حق لو حصل الموجب، و لا استبعاد في لزوم الوفاء بمعنى عدم ثبوت حق حينئذٍ،أو أنّه يثبت و يسقط،فلا يكون إسقاطاً لما ليس بثابت،فتأمّل .

و كذا البحث في البيطار في المسألتين،فإنّه طبيب أيضاً لكن في الحيوان.

و النائم إذا انقلب على إنسان أو فحص برجله أو يده،أي قلبهما فقتل ه أو جرحه ضمن الدية،بلا خلاف أجده،و به صرّح في التنقيح و غيره (1).

و هل هي في ماله أم على عاقلته؟ تردّد و اختلاف،فبين قائلٍ بالأوّل،كالشيخين في النهاية و المقنعة و غيرهما من القدماء (2)، و مختارٍ للثاني،كأكثر المتأخّرين،بل عامّتهم.

و هو الأظهر؛ لأنّه مخطئ في فعله و قصده،فيكون خطأً محضاً و ديته على العاقلة اتفاقاً،كما مضى؛ مضافاً إلى التأيّد بالنصوص الآتية،و إن خالفت الأُصول في صورة واحدة لا دخل لها بمفروض المسألة.

مع أنّا لم نجد للقول الأوّل دليلاً عدا ما يستفاد من الشيخ من دعوى كونه شبيه عمد،و فيه ما عرفته.

نعم يظهر من الحلّي-(رحمه اللّه) أنّ به رواية،حيث قال:و الذي يقتضيه أُصول مذهبنا أنّ الدية في جميع هذا يعني هذا و مسألة الظئر الآتية على العاقلة؛ لأنّ النائم غير عامد في فعله،و لا عامد في قصده،و هذا حدّ قتل

ص:378


1- التنقيح الرائع 4:471،غاية المرام 4:425.
2- النهاية:758،المقنعة:747،و انظر المراسم:241،الجامع للشرائع:583.

الخطأ المحض،و لا خلاف أنّ دية قتل الخطأ المحض على العاقلة،و إنّما هذه أخبار آحاد لا يرجع بها على الأدلّة،و الذي ينبغي تحصيله في هذا أنّ الدية على النائم نفسه؛ لأنّ أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس،و ذلك لا يحمله العاقلة بلا خلاف (1)،انتهى.

و لم نقف على هذه الرواية،و لا أشار إليها أحد غيره،فمثلها مرسلة لا تصلح للحجية،فضلاً أن يخصّص بها الأُصول القطعية المعتضدة بالشهرة العظيمة،لكنّها فيما إذا لم يكن النائم ظئراً.

أمّا لو كان هو الظئر ف للأصحاب فيه أقوال ثلاثة:

أحدها:التفصيل،و هو أنّها إن طلبت المظائرة للفخر و العزّة ضمنت الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات،و إن كانت طلبتها للفقر و الحاجة فالدية على العاقلة اختاره الماتن هنا و في الشرائع و النكت،و الفاضل في الإرشاد،تبعاً للشيخ و ابن حمزة (2)،و به نصوص صريحة،لكن في سندها ضعف و جهالة،و في متنها مخالفة للأُصول المتقدمة؛ و لذا اختار الأكثر خلافها،و إن اختلفوا في محل الدية.

فبين من جعله مالها مطلقاً،كالمفيد و الديلمي و الحلّي كما عرفته و ابن زهرة (3)،مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

و من جعله العاقلة،كالفاضل في التحرير و القواعد و المختلف، و شيخنا في المسالك (4)،و حكاه عن أكثر المتأخّرين.

ص:379


1- السرائر 3:365.
2- الشرائع 4:252،نكت النهاية 3:411،الإرشاد 2:233،النهاية:757،الوسيلة:454.
3- المقنعة:747،المراسم:241،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- التحرير 2:262،القواعد 2:313،المختلف:799،المسالك 2:493.

و لعلّه الأظهر؛ للأُصول المتقدّمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة؛ لوهن إجماع ابن زهرة في نحو المسألة بلا شبهة،و قصور النصوص بما عرفته.

لكن عن الماتن في نكت النهاية أنّه قال:لا بأس بالعمل بها؛ لاشتهارها،و انتشارها بين الفضلاء من علمائنا،و يمكن الفرق بين الظئر و غيرها بأنّ الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف،فيضمن لا مع الضرورة (1)،انتهى.

و لو صحّت هذه الشهرة كانت جابرة،لكنّها كدعوى الإجماع موهونة،فلا يجسر بهما على الخروج عن الأُصول المتقدمة،مع أنّ دعواها معارضة بدعوى شيخنا في المسالك الأكثرية بين المتأخّرين كما عرفته.

و لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً قبلاً أو دبراً أو ضمّاً فماتت ضمن الدية (2) في ماله إن لم يتعمّد القتل أو ما يؤدّي إليه غالباً، على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة المتأخّرين؛ لأنّه قتل شبيه العمد؛ لقصده الفعل و خطائه في القصد.

و للنصوص،منها الصحيح:عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه؟قال:«الدية كاملة،و لا يقتل الرجل» (3).

و عن الماتن أنّه قال:لا يقال:فعله سائغ فلا يترتب عليه ضمان؛ لأنّا نمنع و لا نجيز له العنف،قال:أمّا لو كان بينهما تهمة و ادّعى ورثة الميت

ص:380


1- نكت النهاية 3:411.
2- في المختصر المطبوع و نسخة في«ح» زيادة:و كذا الزوجة.
3- الفقيه 4:259/82،التهذيب 10:828/210،الوسائل 29:269 أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 1.

منهما أن الآخر قصد القتل أمكن أن يقال بالقسامة و إلزام القاتل القود (1)، انتهى.

و به قطع الحلّي (2)،و لا بأس به إن بلغت التهمة اللوث المعتبر في القسامة.

ثم إنّ ظاهر النصّ و الفتوى و الأُصول أنّ عليه دية شبيه العمد،خلافاً للمفيد (3)،فجعلها مغلظة،و حجته غير واضحة.

و قال الشيخ في النهاية و عن الجامع (4)أنه إن كانا مأمونين فلا ضمان عليهما؛ للمرسل:عن رجل أعنف على امرأة أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر؟قال:«لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين، فإن كانا متّهمين أُلزما (5)اليمين باللّه أنّهما لم يريدا القتل» (6).

و في هذه الرواية كما ترى ضعف بالإرسال،و المخالفة للأُصول،و خصوص ما مرّ من النصوص،مع أنّها عامّة لا تصريح فيها بنفي الدية،فيحتمل الحمل على نفي القود و المؤاخذة خاصّة حمل المطلق على المقيّد،و يحمل اليمين فيها مع التهمة على يمين القسامة إثباتاً للقود دون الدية،و فيها الدلالة حينئذٍ على ما حكم الماتن بإمكانه و قطع به الحلّي من

ص:381


1- نكت النهاية 3:413.
2- السرائر 3:366.
3- المقنعة:747.
4- النهاية:758،انظر الجامع للشرائع:583.
5- في«ح» و«س» و«ن»:الزمتهما،و في«ب»:ألزمهما،و الأنسب ما أثبتناه من الكافي و الوسائل.
6- الكافي 7:12/374،الفقيه 4:260/82،التهذيب 10:827/209،الإستبصار 4:1058/279،الوسائل 29:270 أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 4.

ثبوت القسامة هنا مع التهمة.

و بهذا الجمع صرّح الشيخ في التهذيب و الاستبصار اللذين هما بعد النهاية.

و لو حمل [إنسان] (1)على رأسه متاعاً فكسره،أو أصاب به إنساناً أو غيره فقتله أو جرحه ضمن ذلك في ماله كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد و اللمعة (2)،لكن في الجناية على الإنسان خاصة،و عن النهاية و المهذّب و في السرائر (3)،لكن في ضمان المتاع خاصّة،و مع ذلك قالوا:إلّا أن يدفعه غيره،فضمانه عليه.

و الأصل في المسألة رواية داود بن سرحان الثقة،المروية بعدّة طرق،و فيها الصحيح و غيره:في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات أو انكسر منه،فقال:«هو ضامن» (4).

و ردّها في المسالك بأنّ في طريقها سهل بن زياد،و هو ضعيف، و هي بإطلاقها مخالفة للقواعد؛ لأنّه إنّما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى فعله و خطائه في القصد،فلو لم يقصد الفعل كان خطأً محضاً،كما تقرّر،و أمّا المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أميناً عليه كغيره من الأموال (5)،انتهى.

و فيه نظر؛ لعدم الضعف إلّا بالطريق المروي في الكافي و التهذيب

ص:382


1- في«ح» زيادة:إنسان.
2- الشرائع 4:249،التحرير 2:262،القواعد 2:313،الإرشاد 2:223،اللمعة(الروضة البهية 10):112.
3- النهاية:759،المهذّب 2:495،السرائر 3:368.
4- الكافي 7:5/350،الفقيه 4:263/82،و فيه:هو مأمون.التهذيب 10:909/230،الوسائل 29:244 أبواب موجبات الضمان ب 10 ح 1.
5- المسالك 2:490.

في باب ضمان النفوس،و أمّا الطريق الآخر المروي في الأخير و الفقيه (1)في كتاب الإجارات منهما فليس بضعيف،بل صحيح،و مع ذلك الضعف بسهل سهل،سيّما بعد الانجبار بعمل الأصحاب (2)،كما يظهر منه في الروضة،حيث إنّه بعد ما استشكل في إطلاق الحكم بمخالفة القاعدة بنحو ما في المسالك قد ذكره قال:إلّا أنّهم أطلقوا الحكم هنا (3).

و من هنا ينقدح الجواب عنها بمخالفتها القاعدة؛ إذ هي لا توجب قدحاً في الرواية المعمولة،بل سبيلها كسبيل الروايات المخصّص بها القاعدة.

نعم لو لا صحة السند و عمل الأصحاب لاتّجه ما ذكره،و لكنّهما يصححان ما في العبارة،بل لعلّ الصحة مع فتوى جماعة أيضاً كافية.

و لقد أيّد المختار بعض الأجلة مع زعمه ضعف الرواية،و مخالفتها القاعدة،فقال بعد تضعيفها بهما-:إلّا أنّه قد يقال:إنّه من الأسباب،و إنّه غير معلوم دخوله في الخطأ؛ لما مرّ من تفسيره في الروايات و سيأتي أيضاً،و تضمين شخص بجناية غيره خلاف القواعد العقلية و النقلية، فلا يصار إليه إلّا في المجمع عليه و المتيقن (4).

أقول:و فيما ذكره أخيراً نظر واضح لا يحتاج وجهه إلى بيان،و إن استسلفه و اعتمد عليه في غير مقام،هذا.

و يؤيّد المختار في ضمان المتاع على الإطلاق الخبر:أنّه اتي بحمّال

ص:383


1- الفقيه 3:719/163،التهذيب 7:973/222،الوسائل 29:244 أبواب موجبات الضمان ب 10 ذيل الحديث 1.
2- في«ن» زيادة:كافة.
3- الروضة 10:114.
4- مجمع الفائدة 14:234.

كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه،و كان(عليه السّلام) يقول:«كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن» فسألته من المشترك:فقال:

«الذي يعمل لي و لك و لذا» (1)و نحوه آخر (2)،منجبر ضعف سندهما بالعمل.

و أمّا الصحيح:في الحمّال (3)يكسر الذي حمل أو يهريقه،قال:«إن كان مأموناً فليس عليه شيء،و إن كان غير مأمون فهو ضامن» (4).

فشاذّ غير معلوم العامل،و التفصيل بالتفريط و عدمه غير مذكور فيه، و حمل التفصيل فيه عليه ليس بأولى من حمله على ما إذا ادّعى كسر الحمل من دون علم صاحبه به،و يكون المراد حينئذٍ أنّه يستحب أن لا يكلّفه البينة إذا كان مأموناً،و إلّا فهو ضامن،و يكون حينئذٍ سبيله كسبيل كثير من الأخبار الدالّة على هذا التفصيل،هذا.

و عن المرتضى (5)دعوى الإجماع على ضمان الأجير ما يتلف في يده و لو بغير سببه،و تمام الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الإجارة.

و في رواية النوفلي عن السكوني أنّ عليّاً(عليه السّلام)ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام (6)،و هي و إن قصر سندها بهما إلّا أنّها مناسبة للمذهب و إن حملت على غير (7)صورة التفريط؛ لما مرّ في ضمان الطبيب دية

ص:384


1- التهذيب 7:976/222،الوسائل 19:152 كتاب الإجارة ب 30 ح 13.
2- الفقيه 3:707/161،الوسائل 19:153 كتاب الإجارة ب 30 ح 16.
3- في«ن» و الكافي و الوسائل:الجمّال..
4- الكافي 5:6/244،الفقيه 3:715/163،التهذيب 7:944/216،الوسائل 19:150 كتاب الإجارة ب 30 ح 7.
5- حكاه عنه في المسالك 1:330،و هو في الانتصار:225.
6- التهذيب 10:928/234،الوسائل 29:260 أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 2.
7- ليست في«ب».

ما يجنيه في ماله.

و لو وقع إنسان من علوّ على آخر فقتله (1) أو جرحه فإن قصد الوقوع عليه و كان ممّا يقتل غالبا أو نادراً لكن مع قصده القتل أيضاً قتل به لأنه عمد يوجب القود و إن لم يقصد القتل مع الندرة،بل قصد الوقوع عليه خاصّة فاتفق موته فهو شبيه عمد يضمن الدية في ماله،و إن قصد الوقوع لكن لا عليه فصادفه فهو خطأ محض ديته على العاقلة.

و إن دفعه الهواء أو زلق فوقع عليه بغير اختيار منه و لا قصد للوقوع فلا ضمان عليه،و لا على عاقلته؛ لعدم استناد القتل إلى فعله، بل إلى أمر خارجي،و ليس هو كالنائم المنقلب على غيره؛ لحصول الجناية فيه بفعله و لو من غير اختياره،بخلاف ما نحن فيه؛ لحصولها بفعل غيره و لو بواسطته،هذا.

مضافاً إلى النصوص،منها الصحيح:في رجل يسقط على الرجل فيقتله،فقال:«لا شيء عليه» (2).

و الصحيح:عن رجل وقع على رجل فقتله؟فقال:«ليس عليه شيء» (3).

و الخبر:عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما؟ فقال:«ليس على الأعلى شيء،و لا على الأسفل شيء» (4).

ص:385


1- في المطبوع من المختصر النافع:و لو وقع على إنسان من علو فقتل.
2- الفقيه 4:230/75،التهذيب 10:838/212،الإستبصار 4:1062/280،الوسائل 29:56 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 2.
3- الكافي 7:1/288،الوسائل 29:238 أبواب موجبات الضمان ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:3/289،التهذيب 10:835/211،الوسائل 29:57 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 3.

قيل (1):و يحتمل أن يكون كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته،و أن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في بيت المال كما في السرائر و التحرير (2)؛ لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم.

و الاحتمال الأوّل لما عرفت بعيد،و الثاني ليس بذلك البعيد و إن نافته ظواهر النصوص المتقدمة الواردة في مقام الحاجة،فلو وجبت الدية على بيت المال لبيّنته،فتأمّل .

مضافاً إلى أصالة البراءة،هذا كلّه في الواقع عليه،و أمّا الواقع هو فدمه لو مات هدر على جميع التقادير،بلا خلاف (3)؛ لأنّ قتله لم يستند إلى أحد يحال عليه الضمان.

و في الموثّق:في رجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى،قال:

«لا شيء على الأسفل» (4).

و لو دفعه دافع و هو إنسان فالضمان أي ضمان المدفوع عليه لو مات أو انجرح على الدافع فيقاد منه إن قصد جنايته بذلك مطلقاً، و كذا إن لم يقصد جنايته مع كون الدفع ممّا يقتل غالباً،و إن كان ممّا يقتل نادراً فالدية في ماله إن قصد الدفع عليه،و إلّا فخطأ محض إن قصد مطلق الدفع تؤخذ من عاقلته.

و الحكم بكون الضمان على الدافع دون المدفوع هو الأشهر بين المتأخّرين على الظاهر،بل صرّح بالشهرة المطلقة شيخنا في الروضة (5)،

ص:386


1- قال به في مجمع الفائدة 14:246.
2- السرائر 3:366،التحرير 2:263.
3- في«ن» زيادة:أجده.
4- الفقيه 4:237/76،الوسائل 29:57 أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 4.
5- الروضة 10:121.

و هو خيرة الحلّي و المفيد (1)على ما حكي عنه،و وجهه واضح؛ لأنّه هو السبب القوي،و المباشر ضعيف بالإلجاء أو منتفٍ.

مضافاً إلى إطلاق النصوص النافية للضمان عن الواقع،بل عمومها الشامل لمفروض المسألة،حيث لم يستفصل فيها عن كون الوقوع منه أو من غيره،و هو و إن استلزم عدم ضمان الواقع مطلقاً حتى في جملة من الصور المتقدمة المحكوم عليه فيها بضمانه،لكنّها مخرجة عنه بالإجماع، و لا إجماع هنا حتى يخرج به عنه أيضاً.

و قال الشيخ في النهاية و كتابي الحديث (2)،و تبعه الجامع (3)كما حكي:إنّ دية المقتول على الواقع،و يرجع هو بها على الدافع للصحيح:في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله،قال:«الدّية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول،و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه» قال:

«و إن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً» (4).

و لا يخلو عن قوة من حيث الصحة و الصراحة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة،فالخروج به عنها في غاية الجرأة،مع إمكان حمله على أنّ أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له،هذا كلّه في ضمان المدفوع عليه.

و أمّا المدفوع فضمانه على الدافع قولاً واحداً،و به صرّح الصحيح المتقدّم. و لو ركبت جارية على اُخرى فنخستها أي المركوبة ثالثة

ص:387


1- السرائر 3:366،المقنعة:742.
2- النهاية:758،الاستبصار 4:280،التهذيب 10:212.
3- الجامع للشرائع:584.
4- الكافي 7:2/288،الفقيه 4:249/79،الوسائل 29:238 أبواب موجبات الضمان ب 5 ح 2.

فقمصت المركوبة،أي:نفرت و رفعت يديها و طرحتها فصرعت الراكبة و وقعت فماتت قال الشيخ في النهاية و أتباعه على ما حكاه جماعة (1)،بل ادّعى عليه في الشرائع و التحرير و المسالك (2)الشهرة:إن الدية بين الناخسة و القامصة نصفان و قال المفيد(رحمه اللّه) في المقنعة:عليهما ثلثا الدية و يسقط الثلث بإزاء الراكبة لركوبها عبثاً (3) و نحوه عن الإصباح و الكافي (4)و في الغنية (5)،و فيهما أنّ الراكبة كانت لاعبة،و لو كانت راكبة بأُجرة كان كمال ديتها على الناخسة و المنخوسة.

و مستند الأوّل رواية أبي جميلة المفضّل بن صالح،المروية في الفقيه و التهذيب،عن سعد الإسكاف،عن الأصبغ بن نباته،قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت:أنّ«ديتها نصفان على الناخسة و المنخوسة» (6).

و في أبي جميلة ضعف مشهور غير مختلف فيه،و لعلّه لذا خصّه الماتن بالتضعيف،و إلّا فباقي الرواة المذكورون هنا بل و غيرهم أيضاً مشاركون له في القصور.

ص:388


1- النهاية:763،المهذب 2:499،حكاه عنهم في التنقيح 4:474،غاية المرام 4:427،المسالك 2:492.
2- الشرائع 4:251،التحرير 2:267،المسالك 2:492.
3- المقنعة:750.
4- إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):291،الكافي في الفقه:394.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الفقيه 4:439/125،التهذيب 10:960/241،الوسائل 29:240 أبواب موجبات الضمان ب 7 ح 1.

و يمكن جبر جميع ذلك،و كذا مخالفة الرواية لما سيأتي من الأُصول،بكون القول بها باعتراف الماتن و نحوه ممّن مضى هو المشهور، فلا قصور،و لكن الاعتماد على نقل مثل هذه الشهرة مع عدم وجدان موافق للنهاية صريحاً سوى القاضي لعلّه ممنوع.

و ما ذكره المفيد حسن عند الماتن هنا و في النكت و الفاضل في المختلف (1)؛ لموافقة الأُصول،فإنّ القتل إذا استند إلى جماعة يكون أثره موزّعاً عليهم،و الراكبة من الجملة.

و مع ذلك رواه في الإرشاد مرسلاً،فقال:إنّ عليّاً(عليه السّلام)رفع إليه باليمن خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثاً و لعباً،فجاءت جارية أُخرى فقرصت الحاملة فقفزت لقرصها فوقعت الراكبة فاندق عنقها فهلكت،فقضى(عليه السّلام)على القارصة بثلث الدية،و على القامصة بثلثها، و أسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة (2)فبلغ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فأمضاه (3).

و رواه في المقنعة كذلك أيضاً كالحلبي و ابن زهرة (4)،و لكنّها مرسلة لا تصلح للحجية،و إفادة الأُصول لهذا القول مطلقا ممنوعة.

و خرّج المتأخّر و هو الحلّي (5) وجهاً ثالثاً فأوجب الدية بأجمعها على الناخسة إن كانت ملجئةً للمركوبة إلى القموص و على القامصة إن لم تكن ملجئة

ص:389


1- نكت النهاية 3:423،المختلف:797.
2- في الوسائل و نسخة من الإرشاد:الواقصة.و الوقص هو كسر العنق،النهاية لابن أثير 5:214.
3- إرشاد المفيد 1:196،الوسائل 29:240 أبواب موجبات الضمان ب 7 ح 2.
4- الكافي:394،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- السرائر 3:374.

و هو خيرة الفاضل في الإرشاد و مستحسنه في التحرير (1)،و محتمل الماتن في الشرائع (2)،و قوّاه فخر الدين (3)و شيخنا في الروضة،قال:

أمّا الأوّل فلأنّ فعل المكرَه مستند إلى مكرِهِه،فيكون توسّط المكرَه كالآلة،فيتعلّق الحكم بالمكرِه.

و أمّا الثاني فلاستناد القتل إلى القامصة وحدها،حيث فعلت ذلك مختارة.

قال:و لا يشكل بما أورده المصنف في الشرح من أنّ الإكراه على القتل لا يسقط الضمان،و أنّ القمص في الحالة الثانية ربما كان يقتل غالباً فيجب القصاص؛ لأنّ الإكراه الذي لا يسقط الضمان ما كان معه قصد المكرَه إلى الفعل،و بالإلجاء يسقط ذلك،فيكون كالآلة،و من ثمّ وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ الإلجاء،و القمص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته،فضلاً عن كونه مما يقتل غالباً،فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.

نعم لو فرض استلزامه له قطعاً و قصدته توجّه القصاص،إلّا أنّه خلاف الظاهر (4).انتهى.

و هو قوي متين لولا مخالفته للروايات المشهورة قطعاً بين الأصحاب،و إن اختلفت بعضها مع بعض،إلّا أنّها متفقة في ردّ هذا الوجه و غيره من الوجوه المخرجة أيضاً،كالمحكي عن الراوندي (5)من التفصيل

ص:390


1- الإرشاد 2:224،التحرير 2:267.
2- الشرائع 4:251.
3- إيضاح الفوائد 4:677.
4- الروضة 10:134.
5- حكاه عنه في التنقيح الرائع 4:474.

بين بلوغ الراكبة و اختيارها فما عليه المفيد،و صغرها و كرهها فما عليه الشيخ.و ما في التنقيح (1)من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثاً فالأوّل، و لغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير ملجأة،و إلّا فعلى الناخسة.

فهذه الأوجُه ضعيفة،سيّما الأخيرين؛ لعدم شاهد لهما سوى محاولة الجمع بين الأقوال و الروايات،و لا يصحّ إلّا بعد شاهد،و ليس بواضح.

و لو صحّ الجمع من دونه لكان ما عليه الحلبي و ابن زهرة في غاية القوة؛ عملاً بروايتهما المفصّلة بين كون الركوب عبثاً فما في المقنعة، و كونه بأُجرة فما في النهاية،و روايتها و إن كانت مطلقة بتنصيف الدية إلّا أنّها محمولة على الصورة الثانية حمل المطلق على المقيد،فتأمّل ،هذا.

مع أنّ الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة كلية،و إنّما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة و المنخوسة،و أمّا صورة الجهل بها فليست لحكمها مفيدة.

فالمسألة محل تردد و شبهة،و إن كان مختار الحلّي في الصورة الاُولى لا يخلو عن قوّة؛ لإمكان الذبّ عن الروايات المشهورة بأنّها قضية في واقعة فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية،و المختار فيها خيرة المفيد و من تبعه؛ للأُصول المتقدمة؛ مضافاً إلى أصالة البراءة.

و إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات،ضمن الآخران الباقيان الدية على رواية أبي بصير (2)المروية في الكتب الثلاثة بأسانيد متعدّدة عن علي بن أبي حمزة عنه،و هو ضعيف بلا شبهة

ص:391


1- التنقيح الرائع 4:474.
2- الكافي 7:8/284،الفقيه 4:410/118،التهذيب 10:958/241،الوسائل 29:236 أبواب موجبات الضمان ب 3 ح 1.

و لأجله تحقّق في الرواية ضعف و إن روى عنه في بعض طرقها (1)ابن أبي عمير مع صحة الطريق إليه؛ لعدم بلوغها بذلك درجة الصحة، هذا.

مضافاً إلى ما فيها من المخالفة للأُصول الآتية،و مع ذلك شاذّة لا عامل بها صريحاً.

نعم رواها الشيخ في النهاية و الصدوق في الفقيه و المقنع (2)، و ظاهرهما و إن كان العمل بها إلّا أنّ الأوّل قد رجع عنها في المبسوط كما حكاه عنه الحلّي (3)،فانحصر العامل بها في الصدوق،و هو نادر قطعاً.

و الأشبه وفاقاً للحلّي (4)و عامّة المتأخّرين أن يضمن كل واحد ثلثاً من دية الميت و يسقط ثلث لمساعدة التالف لهما و شركته في تلف نفسه معهما،فيسقط ما قابل فعله،و إلّا لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه،و هو باطل قطعاً،قال تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (5)و يمكن حمل الرواية عليه؛ لعدم التصريح فيها بأنّ عليهما الدية كملاً،فإنّ متنها هكذا:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات،فضمّن الباقيين ديته؛ لأنّ كل واحد منهما ضامن لصاحبه» (6).

ص:392


1- الفقيه 4:410/118.
2- النهاية:764،الفقيه 4:118،المقنع،لم نعثر عليها فيه لكن حكاه عنه في المختلف:798.
3- السرائر 3:377،و هو في المبسوط 7:166.
4- السرائر 3:377.
5- فاطر:18.
6- راجع ص 389.

و«ديته» و إن كان ظاهراً في كمالها إلّا أنّه ليس صريحاً فيه،فيحتمل ما ذكرناه من إرادة ثلثيها.

و من اللواحق مسائل
الأولى من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه

و من اللواحق لهذا الباب مسائل أربع:

الاُولى: من دعا غيره بالتماسه فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه حتى يرجع المدعوّ إليه أي إلى منزله،بلا خلاف فيه في الجملة،بل عليه الوفاق كذلك في الروضة (1)و كلام جماعة (2)،و ادّعى الإجماع عليه مطلقاً ابن زهرة في الغنية و عن الماتن في نكت النهاية (3)،و هو الحجة.

مضافا إلى الخبرين،في أحدهما:«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):كلّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلّا أن يقيم البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله» (4).

و في الثاني:«إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته» (5).

و هما و إن ضعفا و خالفا الأصل المجمع عليه على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (6)من أنّ الحرّ الكامل لا يضمن ما لم يثبت الجناية عليه،إلّا أنّهما منجبران بفتوى الطائفة و الإجماعات المحكية.

و عليه فلو لم يرجع و لم يعلم خبره بموت و لا حياة ضمن الداعي

ص:393


1- الروضة 10:122.
2- المهذّب البارع 5:274،انظر مجمع الفائدة 14:251.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،نكت النهاية 3:409.
4- الكافي 7:3/287،الفقيه 4:279/86،التهذيب 10:868/221،الوسائل 29:51 أبواب القصاص في النفس ب 18 ح 1.
5- التهذيب 10:869/222،الوسائل 29:274 أبواب موجبات الضمان ب 36 ح 1.
6- التنقيح الرائع 4:476.

ديته في ماله دون عاقلته،بلا خلاف كما في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (1)،و لم يذكره هنا أحد من الطائفة،كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (2)-(رحمه اللّه) و هو كذلك،فإنّ عبائر المتقدّمين و المتأخّرين ممّن وقفت على كلامه متفقة الدلالة على ضمان الدية في هذه الصورة،إطلاقاً في بعض،و تصريحاً في جملة.

نعم يستفاد من اللمعة عدم الضمان مطلقاً هنا،و علّله في الروضة (3)بأصالة البراءة منه ديةً و نفساً حتى يتحقق سببه،و هو في غير حالة القتل مشكوك فيه.

و فيه نظر؛ فإنّ سبب الضمان هنا نصّاً و فتوى إنّما هو إخراجه من بيته،و ليس المخرَج عنه فيهما سوى عوده إليه حيّاً،و لا يشترط في صدق الضمان تحقّق تلفه،بل يكفي فيه صدق ضياعه و عدم العلم بخبره، فضياعه كتلفه،و ضمانه حينئذٍ كضمان المال الضائع بعينه،هذا.

مع أنّ عدم الخلاف الظاهر المحكي في تلك العبائر كافٍ في ردّه.

و لو وجد مقتولاً فإن أقرّ الداعي بقتله أو أُقيمت البيّنة عليه به أُقيد به،بلا خلاف فيه و في أنّه ادّعى قتله على غيره و أقام به عليه البيّنة و في معناها الإقرار و نحوه صرف عنه الضمان إلى ذلك الغير.

و لو عدم البيّنة منه عليه أو لم يدّع القتل على أحد ففي القود من الداعي أو إلزامه بالدية تردّد و اختلاف بين الأصحاب، و لكن أشبهه و أشهره على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (4) أنّه

ص:394


1- التنقيح الرائع 4:476،غاية المرام 4:428.
2- مجمع الفائدة و البرهان 14:251.
3- الروضة 10:123.
4- قال في كشف الرموز 2:642:فعليه الدية على الأظهر من أقوال الأصحاب،و نسبه في غاية المرام 4:429 إلى الأكثر.

لا قود للأصل،مع حصول الشك في موجب القصاص؛ لصدق الضمان المحكوم به في الفتوى و النص بضمان الدية التي هي بدل النفس كصدقه بالقود،و حيث لا معيِّن لهذا تعيّن الأوّل قطعاً؛ للشبهة الدارئة،هذا.

مع احتمال تعيينه من وجه آخر،و هو الاتفاق على أنّ المراد من الضمان المذكور فيهما بالنسبة إلى الصورة السابقة و الآتية إن قلنا به فيها هو ضمان الدية،فليكن هو المراد منه أيضاً بالنسبة إلى هذه الصورة،إمّا (1)لاتحاد اللفظة المفيدة للحكم في الصور الثلاثة،أو (2)إلحاقاً للأقلّ بالأكثر، فتأمّل ،هذا.

مضافاً إلى تصريح ابن زهرة (3)بضمان الدية في عبارته المحكي فيها على الحكم مطلقاً إجماع الإمامية،و هو خيرة النهاية و الحلّي (4)،مصرِّحين بأنّه عليه رواية،بل روايات كما في كلام الأخير،لكنّه و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك و الروضة (5)خصّوا ذلك بصورة عدم اللوث و التهمة،و قالوا في صورتها بالقسامة فيلزم بموجب ما أقسم عليه الوليّ من عمد أو خطأ أو شبهه،و مع عدم قسامته يُقسم المُخرِج و لا دية.

و هو تقييد للنصّ و الفتوى من غير دلالة،مع احتمال دعوى ظهورهما بحكم الغلبة في صورة اللوث خاصّة،و أنّه لأجله حكم فيهما بالضمان قوداً أو ديةً كلّيّة؛ حسماً لمادّة الفساد،فتأمّل جدّاً .

و عموم أدلّة القسامة باللوث و إن شمل هذه الصورة إلّا أنّه لا بُعد في تخصيصها و إخراج هذه الصورة منها بالأدلّة في المسألة،كما خصّصت من

ص:395


1- ليست في«س».
2- في«س»:و.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- النهاية:757،السرائر 3:364.
5- المختلف:798،المسالك 2:493،الروضة 10:126.

الأُصول بعدم ضمان الحرّ و أُخرجت منها بلا شبهة،فهذا القول ضعيف.

و أضعف منه القول بالقود هنا إمّا مطلقا،كما عن المفيد-(رحمه اللّه) في الإرشاد (1)،أو إذا لم يدّع البراءة من قتله،كما عن ابن حمزة و الديلمي (2)، لكنّه خيّر أولياء المقتول بينه و بين أخذ الدية،و لعلّ حجته العمل بإطلاق الضمان الصادق بهما كما مضى.

لكنه يدفعه ما قدّمناه،مع أنّ ذلك على تقدير تسليمه لم يدل على التفصيل بين دعوى البراءة فالدية،و عدمها فالقود مخيّراً أو معيّناً،كما ذكره هو و من قبله.

و أمّا المفيد-(رحمه اللّه) فلعلّه استند إلى ظاهر الرواية الأُولى المتضمن صدرها لقضاء مولانا الصادق(عليه السّلام)في مثل هذه القضية بالقود،فقال:

«يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه» إلى آخر القضية (3).

لكن يمكن الجواب عنها بعد ضعف سندها،و عدم جابر له هنا بأنّه لعلّه لمصلحة التقرير و إيضاح الأمر كما ربما يشعر به سياقه،و مع ذلك فظاهره على تقدير التسليم الضمان بالقود مطلقاً حتى في الصورة السابقة و الآتية،و لم يقل به قطعاً.

و على المختار يكون عليه في ماله الدية قولاً واحداً؛ لعموم النص و الفتوى بالضمان الصادق بضمانها كما عرفته.

و لو وجد ميتاً و لم يوجد فيه أثر قتل أصلاً لا قود،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (4).

ص:396


1- الإرشاد 2:224.
2- الوسيلة:454،المراسم:241.
3- الكافي 7:3/287،الفقيه 4:279/86،التهذيب 10:868/221،الوسائل 29:51 أبواب القصاص في النفس ب 18 ح 1.
4- التنقيح الرائع 4:476.

لكن في لزوم الدية عليه قولان،أشبههما و أشهرهما،على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1) اللزوم لعموم الخبرين المنجبرين بما مرّ،و لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم،مضافاً إلى إطلاق الإجماع المنقول،و ما في السرائر (2)من أنّ به رواية.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،فلا شيء عليه مطلقاً؛ للأصل.و يضعّف بما مرّ.

و للحلّي (4)،ففصّل بين صورتي عدم اللوث فكما قالا،و ثبوته فالقسامة،و يلزم بموجب ما يقسم عليه الوليّ من عمد فقود،و غيره فدية، و نحوه الفاضل في المختلف (5)،إلّا أنّه أثبت مع القسامة الدية مطلقاً.

و هما ضعيفان يظهر ضعفهما ممّا مضى،مضافاً إلى ضعف الأخير من وجه آخر لو ابقي على إطلاقه بحيث يشمل ما لو كان المقسم عليه عمداً كما لا يخفى.

و قد تردّد الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في اللمعة (6).

و لا وجه له.

و للمسألة فروعات جليلة تطلب من الروضة (7)،فإنّ ما حقّق فيها و أفاده في غاية الجودة (8).

ص:397


1- قال في غاية المرام 4:429:و هو المشهور بين الأصحاب.
2- السرائر 3:364.
3- الشرائع 4:252،التحرير 2:263،المسالك 2:493،الروضة 10:125.
4- السرائر 3:364.
5- المختلف:798.
6- الإرشاد 2:224،القواعد 2:314،اللمعة(الروضة البهية 10):123.
7- الروضة 10:128 130.
8- في«ح»:القوّة.
الثانية لو عادت الظئر بالطفل

الثانية: لو عادت (1)الظئر بالطفل الذي ائتمنت على إرضاعه في بيتها فأنكره أهله أنّه طفلهم صدّقت الظئر؛ لأنّها أمينة ما لم يثبت كذبها،و تلزمها مع ثبوته الدية،أو إحضاره،أو إحضار من يحتمل أنّه هو لأنّها لا تدّعي موته و قد تسلّمته فتكون في ضمانها،و لو ادّعت الموت فلا ضمان.

و حيث تحضر من يحتمله يقبل و إن كذبت سابقاً؛ لأنّها أمينة لم يعلم كذبها ثانياً.

و لو استأجرت أُخرى لإرضاعه و دفعته إليها بغير إذن أهله فجهلت خبره ضمنت الدية و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما مرّ،و الصحيح في الأوّل:عن رجل استأجر ظئراً فدفع إليها[ولده (2)]فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد و زعمت أمّه أنّها لا تعرفه و زعم أهلها أنّهم لا يعرفونه،قال:«ليس لهم ذلك فليقبلوه فإنّما الظئر مأمونة» (3).

و مثله في الأخير:عن رجل استأجر ظئراً فأعطاها ولده فكان عندها، فانطلقت الظئر فاستأجرت اخرى فغابت الظئر بالولد فلا تدري ما صنع به؟ قال:«الدية كاملة» (4).

و هل يعتبر اليمين حيث يقبل قولها كما في كلّ أمين،أم لا؟إطلاق

ص:398


1- في النسخ:أعادت،و ما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
3- الفقيه 4:416/119،التهذيب 10:870/222،الوسائل 29:266 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 2.
4- الفقيه 4:413/119،414،التهذيب 10:871/222،الوسائل 29:267 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 3.

النص و الفتوى يقتضي الثاني،و بالأوّل صرّح بعض الأصحاب (1)،و هو أحوط،و يمكن تنزيل إطلاقهما عليه.

الثالثة لو دخل لصّ فجمع متاعاً و وطئ صاحبة المنزل قهراً

الثالثة: لو دخل لصّ منزلاً فجمع متاعاً و وطئ صاحبة المنزل قهراً فثار ولدها فقتله اللصّ ثم قتلته المرأة ذهب دمه أي اللص هدراً باطلاً لا عوض له و ضمن مواليه و ورثته دية الغلام الذي قتله و كان لها أربعة آلاف درهم من تركته عوضاً عن البضع لمكابرتها على فرجها فليست بغيّاً.

و لمّا كانت هذه الجملة بإطلاقها مخالفة للأُصول القطعية كما صرّح به الحلّي و غيره (2)نسبها الماتن إلى الرواية فقال: و هي رواية محمّد بن حفص،عن عبد اللّه بن طلحة،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (3) و كذا باقي الأصحاب.

لكنّها محتملة للانطباق مع الأُصول كما ذكروه،فوجّهوا الأوّل:بأنّه محارب يقتل إذا لم يندفع إلّا به.

و الثاني:بفوات محلّ القصاص فيضمن الورثة دية الغلام إذا لم يكن للّص تركة كما مرّ.

و الثالث:بحمل المقدّر من الدراهم على أنّه كان مهر أمثالها،بناءً على أنّه لا يتقدّر بالسنّة؛ لأنّه جناية يغلب فيه جانب الماليّة،و بهذا التنزيل لا تنافي الأُصول،لكن لا يتعيّن ما قدّر فيها من عوض البضع إلّا في الفرض المزبور.

و لو فرض قتل المرأة اللصّ قصاصاً عن ولدها،أو أسقطنا الحقّ بفوات

ص:399


1- هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:483.
2- السرائر 3:362؛ و انظر المسالك 2:493،و مجمع الفائدة 14:256.
3- الكافي 7:12/293،الوسائل 29:62 أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 2.

محل القصاص،سقط غرم الأولياء؛ و لو قتلته لا قصاصاً و لا دفاعاً اقيدت به، و ذلك لما مرّ،مع ضعف إسنادها بجهالة الراويين،و كونها قضية في واقعة محتملة لما تنطبق به مع الأُصول.

و عنه (عليه السّلام)بالطريق السابق في امرأة أدخلت الحجلة صديقاً لها ليلة بنائها و زفافها،فلمّا ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق فاقتتل هو و زوجها في البيت فقتله الزوج لما وجده عندها فقتلت المرأة الزوج قال: ضمنت المرأة دية الصديق و قتلت بالزوج (1) و لا إشكال في هذا،و إنما هو في سابقه؛ فإنّ الصديق إمّا كان يستحق القتل لقصده قتل الزوج(أو بهجمه عليه) (2)و محاربته معه مع عدم اندفاعه إلّا بالقتل،أولا،فإن كان الأوّل لم تستحق الدية،و إن كان الثاني ضمنها الزوج لا المرأة.

و الوجه أنّ دم الصديق هدر في الشق الأوّل،كما هو ظاهر الخبر؛ و لذا أطلق الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير و ولده في شرحه و الصيمري و الفاضل المقداد في الشرح (3)و غيرهم (4)،وفاقاً منهم للحلّي (5)؛ لما مرّ،و مقتضاه عدم الفرق بين علم الصديق بالحال و عدمه.

خلافاً للّمعة (6)،فقيّده بالثاني.و لم أعرف وجهه.

ص:400


1- الفقيه 4:426/122،الوسائل 29:258 أبواب موجبات الضمان ب 21 ح 1.
2- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
3- الشرائع 4:253،التحرير 2:264،إيضاح الفوائد 4:661،غاية المرام 4:430،التنقيح الرائع 4:480.
4- مجمع الفائدة 14:257.
5- السرائر 3:363.
6- اللمعة(الروضة البهية 10):141.

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني-(رحمه اللّه) المناقشة لهم في الحكم،فقال بعد تعليله له بأنّ للزوج قتل من يجد في داره للزناء فسقط القود عن الزوج-:و يشكل بأنّ دخوله أعمّ من قصد الزناء،و لو سلّم منعنا الحكم بجواز قتل مريده مطلقاً (1)،انتهى.

و هو حسن لو كان الدليل منحصراً فيما ذكره،و قد عرفت وجود غيره،و هو كونه متهجّماً على الزوج و محارباً معه،و دمه هدر حينئذٍ اتفاقاً فتوًى و روايةً،فالأصحّ ما ذكره الجماعة؛ لما عرفته.

مع ضعف الرواية،و كونها قضية في واقعة،فلعلّه(عليه السّلام)علم بموجب ما حكم به من ضمان الدية،و ربما يوجّه تارةً بأنّها غرّته،و أُخرى بأنّها أخرجته من بيته ليلاً.

الرابعة لو شرب أربعة فسكروا فوجد جريحان و قتيلان

الرابعة: لو شرب أربعة مسكراً فسكروا فوجد بينهم جريحان و قتيلان،ففي رواية محمّد بن قيس:أنّ علياً(عليه السّلام)قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن أسقط جراحة المجروحين أي دية جراحتهما من الدية و قال عليه السلام:«إن مات أحد المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء» (2).

و في رواية النوفلي،عن السكوني(عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)) (3)أنّه قضى في(نحو) (4)هذه القضية ف جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و أخذ دية المجروحين من دية المقتولين (5)

ص:401


1- الروضة 10:141.
2- الكافي 7:5/284،التهذيب 10:956/240،الوسائل 29:233 أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 1.
3- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س» و«ن».
4- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س» و«ن».
5- الفقيه 4:280/87،التهذيب 10:955/240،إرشاد المفيد 1:219،المقنعة:750،الوسائل 29:233 أبواب موجبات الضمان ب 1 ح 2.

و الرواية الأُولى مشهورة بين الأصحاب،كما صرّح به جماعة و منهم الفاضل المقداد في التنقيح،قال:حتى أنّ ابن الجنيد قال:لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قُضي بالدية على الباقي و وضع منها أرش الجناية (1).

و مع ذلك صحيحة؛ لكون الراوي هو الثقة بقرينة ما قبله و ما بعده، و بذلك صرّح من المحقّقين جماعة (2)،لكنّها مخالفة للأُصول،إمّا لعدم استلزام الاجتماع المذكور و الاقتتال كون القاتل هو المجروح و بالعكس،أو لما ذكره الشهيد من أنّه إذا حكم بأنّ المجروحين قاتلان فلِمَ لا يستعدي منهما،و أنّ إطلاق الحكم بأخذ دية الجرح و إهدار الدية لو ماتا لا يتم أيضاً،و كذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما؛ لأنّ موجَب العمد القصاص (3).و قريب منه ما ذكره الحلّي (4).

و يمكن دفع هذا بكون القتل وقع منهما حالة السكر،فلا يوجب إلّا الدية في مال القاتل،وفاقاً لجماعة (5).و منه يظهر الجواب عن الرواية الثانية،مع ما هي عليه من قصور السند و عدم المقاومة للرواية الصحيحة المشهورة.

و يدفع الإشكال بإهدار الدية لو ماتا:بفرض الجرح غير قاتل؛ و وجوب دية الجرح لوقوعه أيضاً من السكران،أو لفوات محل القصاص، فانحصر الوجه في مخالفتها للأصل فيما ذكرنا.

ص:402


1- التنقيح الرائع 4:482.
2- منهم المجلسي في ملاذ الأخيار 16:509،و مرآة العقول 24:32،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:493.
3- غاية المراد 4:467.
4- السرائر 3:374.
5- انظر التنقيح 4:482،و الروضة 10:145.

و الوجه أنّها كالثانية قضية في واقعة لا عموم لها يعمّ جميع الصور حتى ما يخالف منها للأُصول و هو أعلم بما أوجب ذلك الحكم الذي حكم به فيها،فلعلّه كان شيئاً يوافق الحكم معه مع الأُصول.

و الشهرة بنفسها سيّما المحكية منها ليست بحجة،و مع ذلك ليس بمعلوم كونها على الفتوى،فيحتمل كونها على الرواية خاصّة،و لو سلّم فهي ليست بمحقّقة،و حكايتها موهونة؛ إذ لم نجد مفتياً بها صريحاً أصلاً، و لم يحك عن أحدٍ إلّا عن الإسكافي و القاضي (1)،و هما نادران جدّاً.

نعم رواها الكليني و الصدوق و الشيخان و ابن زهرة و غيرهم (2)من غير أن يقدحوا فيها بشيء بالكلية،و هو بمجرّده ليس صريحاً في الفتوى بها،بل و لا ظاهراً ظهوراً يعتدّ به.

و على هذا الوجه فما الذي ينبغي أن يحكم في هذه القضية؟ذكر جماعة (3)أنّها صورة لوث،فلأولياء المقتولين القسامة على المجروحين؛ لأنّ كلّ واحد من المقتولين و المجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة،و يجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدراً.

و هو حسن،لكنّه منحصر فيما إذا كان هناك أولياء مدّعون،و يشكل مع عدمهم،و لعلّ الأخذ بالرواية الصحيحة في هذه الصورة غير بعيد؛ لعدم أصل ظاهر يرجع إليه فيها،و يمكن تنزيلها عليها،بل لعلّها ظاهرها،فتأمّل

ص:403


1- حكاه عن ابن الجنيد في التنقيح 4:482،و عنهما في المهذّب البارع 5:283،284.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،و راجع ص 399.
3- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 5:283،و الصيمري في غاية المرام 4:432،و الشهيد الثاني في الروضة 10:147.

جدّاً .

و لو كان في الفرات ستّة غلمان فغرق واحد منهم فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنّهم غرّقوه،و شهد الثلاثة على الاثنين أنّهما غرّقاه ف (1) قضى(عليه السّلام)فيهم بما في رواية النوفلي عن السكوني و رواية محمّد بن قيس جميعاً عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) في الرواية الأُولى و عن أبي جعفر(عليه السّلام) في الرواية الثانية: أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى بالدية أخماساً بنسبة الشهادة فجعل ثلاثة أخماس على الاثنين و خُمسين على الثلاثة (2).

و هي و إن صحّ سندها بالطريق الثاني لكنّها مخالفة لأُصول المذهب،و الموافق لها من الحكم أنّ شهادة السابقين إن كانت مع استدعاء الوليّ و عدالتهم قبلت،ثم لا تقبل شهادة الآخرين؛ للتهمة،و إن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم، و يكون ذلك لوثاً يمكن إثباته بالقسامة.

و يذبّ عن الرواية مع كونها على ما ذكره الماتن هنا و في الشرائع (3) متروكة بما أشار إليه بقوله: فإن صحّ النقل فهو واقعة في عين فلا يتعدّى؛ لاحتمال ما يوجب الاختصاص بها.

و بالجملة:الكلام في هذه الرواية كما مضى في سابقتها،حتى في

ص:404


1- في النسخ:و،و ما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.
2- الكافي 7:6/284،الفقيه 4:277/86،التهذيب 10:953/239،إرشاد المفيد 1:220،المقنعة:750،الوسائل 29:235 أبواب موجبات الضمان ب 2 ح 1.
3- الشرائع 4:253.

اشتهارها روايةً و فتوى القاضي (1)بها،و ادّعى السيّدان (2)شهرتها بحيث يظهر منهما الاعتماد عليها،فليت شعري؟!كيف ادّعى الماتن متروكيّتها مع مساواتها في جميع ذلك لسابقتها،بل لعلّها أقوى منها؛ لاختلافها دون هذه؛ لعدم اختلاف فيها،فلا بُعد في العمل بها حيث لأقسامه و لا قبول شهادة،مع تأمّل ما فيه أيضاً.

و اعلم أنّ عادة الأصحاب جرت بحكاية هذه الأحكام هنا منسوبة إلى الرواية؛ نظراً إلى مخالفتها الأُصول،و احتياجها أو بعضها في الردّ إليها إلى التأويل أو التقييد،أو للتنبيه على مأخذ الحكم المخالف لها،و قد يزيد (3)بعضهم التنبيه على ضعف المستند أو غيره تحقيقاً (4)لعذر اطراحها.

البحث الثاني في التسبيب

البحث الثاني:في التسبيب و هو في الجملة موجب للضمان،بلا خلاف أجده؛ للاعتبار المؤيد بحديث نفي الضرار؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الآتية في المضمار.

و ضابطه:ما لولاه لما حصل التلف،لكن علّته غير السبب كحفر البئر و ما في معناها و نصب السكين و نحوه و طرح المعاثر من نحو قشور البطيخ و المزالق كرشّ الماء و نحوه في الطرق مثلاً و إلقاء الحجر و نحوه فيها ف إنّ التلف لم يحصل من شيء منها،بل من

ص:405


1- المهذّب 2:499.
2- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- في«ح»:يريد.
4- في«ب»:تخفيفاً.

العثار المسبّب عنها،و ليس الضمان فيها كلّياً،بل على تفصيل ذكره الماتن و غيره من أصحابنا (1).

و هو أنّه إن كان إحداث شيء من ذلك في ملكه لم يضمن التالف بها فيه إمّا مطلقاً،كما يقتضيه الأصل و إطلاق النصوص الآتية و العبارة و نحوها.

أو مقيّداً بما إذا لم يتضمن غروراً،و إلّا فيضمن،كما لو جهل الداخل بإذنه لكونه أعمى،أو كون ذلك مستوراً،أو الموضع مظلماً،أو نحو ذلك.

و لعلّه أظهر،وفاقاً لجمع ممّن تأخّر (2)؛ عملاً بأدلّة نفي الضرر؛ و قدحاً في دلالة الإطلاقات بقوة احتمال اختصاصها بحكم التبادر بغير محل الفرض.

و ربما يشعر به الخبر:«لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شيء و لا ضمان،و لكن ليغطّها» (3).

و ألحق جماعة (4)بالملك المكان المباح؛ لإباحة التصرف فيه، فلا عدوان يوجب ضمان ما يتلف فيه و يقتضيه.

و هو حسن لولا ما سيأتي من إطلاق الأخبار بالضمان بالإحداث فيما لا يملكه،بل عمومها الشامل لما نحن فيه،إلّا أن يذبّ عنه بنحو مما ذبّ عن سابقه.

ص:406


1- كالفاضل المقداد في التنقيح 4:486،و الشهيد الثاني في الروضة 10:151.
2- انظر الإيضاح 4:668،و المسالك 2:494،و كشف اللثام 2:489.
3- الكافي 7:6/350،التهذيب 10:906/230،الوسائل 29:242 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 4.
4- منهم المفيد في المقنعة:749،الحلّي في السرائر 3:370،و الشهيد الثاني في المسالك 2:494.

و لو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن ديته إمّا مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها و النصوص الآتية أو مقيّداً في الأوّل:بوقوع الإحداث فيه من غير إذن المالك،و أمّا معه و لو بعده (1)فكوقوعه في ملكه.

و في الثاني:بعدم كون الإحداث لمصلحة المسلمين،و أمّا معه فلا ضمان،كما ذكره جماعة (2)،و إن اختلفوا في نفي الضمان مع الإحداث للمصلحة هل هو مطلق،أو مشروط بما إذا كان بإذن الإمام؟ و لعلّه غير بعيد؛ لإلحاق إذن المالك للمُحدِث بالحدث ملكَه بملِكه في عدم العدوان الذي هو الأصل في شرعية الضمان بالإتلاف حيث لا دليل على العموم،كما فيما نحن فيه؛ لعدم عموم فيه سوى الإطلاق الممكن أن يذبّ عنه بما ذبّ به في سابقه.

و بنحوه يجاب عن نفي الضمان في الإحداث مع المصلحة؛ مضافاً إلى أنّه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] .

و الأصل في هذه المسائل مضافاً إلى ما عرفته المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما مرّ و ما سيأتي الصحاح:«من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن» (3).

و الموثّقان:عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟فقال:«أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان،و أمّا ما حفر في الطريق أو في غير

ص:407


1- ما بين المعترضتين ليس في«ب».
2- منهم العلّامة في التحرير 2:264،و الشهيد الثاني في الروضة 10:151،و المسالك 2:494.
3- الكافي 7:3/350،الفقيه 4:395/115،التهذيب 10:905/230،911/231،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 2.

ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه» (1).

و الحسن:«كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان» (2).

و أمّا الموثّق:عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم،هل يضمنون؟قال:«ليس يضمنون،فإن كانوا متّهمين ضمنوا» (3)و نحوه المرفوع:«إن كانوا متهمين ضمنوا» (4)فمحمول على وقوع القسامة.

و منه أي من التسبيب نصب الميازيب،و هو جائز إلى الطرق النافذة إجماعاً كما في كلام جماعة (5)حدّ الاستفاضة،و لكن عن ابن حمزة (6)أنّه للمسلمين المنع عنه،و يمكن تخصيصه بالمضرّ،فلا خلاف كما ذكروه.

و لكن في ضمان ما يتلف به قولان،أحدهما: أنّه لا يضمن إلّا مع التفريط في نصبه،كأن يثبت على غير عادة أمثاله و هو الأشبه وفاقاً للمفيد و الحلّي و جماعة (7)؛ للإذن في نصبها شرعاً،

ص:408


1- الكافي 7:1/349،الفقيه 4:390/114،التهذيب 10:903/229،904،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 3.
2- الكافي 7:7/350،التهذيب 10:907/230،الوسائل 29:241 أبواب موجبات الضمان ب 8 ح 1.
3- الفقيه 4:394/115،التهذيب 10:840/212،الوسائل 29:255 أبواب موجبات الضمان ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:13/374،الوسائل 29:255 أبواب موجبات الضمان ب 18 ح 2.
5- منهم الحلّي في السرائر 3:371،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:485،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:487.
6- الوسيلة:426.
7- المفيد في المقنعة:749،الحلّي في السرائر 3:370،الشهيد في اللمعة(الروضة 10):154،الفاضل المقداد في التنقيح 4:486،الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:269.

فلا يستعقب ضماناً؛ و لأصالة البراءة.

و قال آخرون،و منهم الشيخ في المبسوط و الخلاف (1)، مدّعياً فيه عليه إجماع الأُمّة:إنّه يضمن و إن جاز وضعه؛ لأنّه سبب الإتلاف و إن أُبيح السبب كالطبيب و البيطار و المؤدِّب،و للنصوص و هي كثيرة،و إن اختلفت في الدلالة ظهوراً و صراحةً،ففي الصحاح المتقدمة و رواية (2) النوفلي عن السكوني قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):«من أخرج ميزاباً،أو كنيفاً،أو أوتد وتداً،أو أوثق دابّة،أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن» (3).

و للنظر في هذه الأدلّة مجال؛ لعدم الدليل على الضمان بمطلق الإتلاف حتى ما أبيح سببه،و الطبيب و البيطار خارجان بالنص المعتمد عليه،و ليس في محل البحث؛ لقصور دلالة الروايات الصحيحة،و عدم صحة سند الرواية الأخيرة،و لا جابر لها من شهرة أو غيرها سوى حكاية إجماع الأمّة،و هي موهونة بلا شبهة،سيّما مع مخالفة نحو المفيد بل الناقل نفسه أيضاً في النهاية،حيث قال:فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شيء (4).و هو ممّن قد ادّعى الإجماع في المبسوط على جواز نصب الميزاب.

و بالجملة:الخروج عن أصالة البراءة القطعية بهذه الأدلّة جرأة عظيمة،و لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة،فهي محل تردّد،كما هو

ص:409


1- المبسوط 7:189،الخلاف 5:291.
2- في المختصر المطبوع:و هو رواية.
3- الكافي 7:8/350،الفقيه 4:392/114،التهذيب 10:908/230،الوسائل 29:245 أبواب موجبات الضمان ب 11 ح 1.
4- النهاية:761.

ظاهر الفاضل في التحرير و شيخنا في المسالك و الروضة و غيرهم (1)،حيث اقتصروا على نقل القولين مع ذكر ثالث احتمالاً في الأوّل و قولاً لجماعة في الأخير،و هو الحكم بالضمان مطلقاً إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط؛ لأنّ وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار،كالروشن و الساباط،و بضمان النصف إن كان الساقط الجميع؛ لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزائه،و هو لا يوجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها.و أصل هذا التفصيل من المبسوط (2)،و تبعه في القواعد و ولده في شرحه و غيرهما (3)مفتين به.

و كذا القول في الجناح و الروشن لا يضمن ما يتلف بسببهما إلّا مع التفريط؛ لما ذكرنا.

و اعلم أنّ هذا كلّه في الطرق النافذة،أمّا المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك فيها إلّا بإذن أربابها أجمع؛ لأنّها ملك لهم،و إن كان الواضع أحدهم فبدون الإذن يضمن مطلقاً إلّا القدر الداخل في ملكه؛ لأنّه سائغ لا يتعقّبه ضمان.

و لو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، و لم يضمن صاحب المدخول عليها بلا خلاف في الأخير مطلقا؛ للأصل و ما سيأتي من النص.

و أمّا الأوّل:فقد أطلقه الشيخ و القاضي (4)أيضاً،بل نسبه في

ص:410


1- التحرير 2:265،المسالك 2:496،الروضة 10:154،المهذّب البارع 5:288،289.
2- المبسوط 7:188.
3- القواعد 2:315،الإيضاح 4:665،كشف اللثام 2:487.
4- النهاية:762،المهذّب 2:497.

المسالك و الروضة (1)بعد الشيخ إلى جماعة؛ لإطلاق النص بذلك في قضاء علي(عليه السّلام)في جناية ثور على حمار:«فقال:إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور،و إن كان الحمار قد دخل على الثور في مراحه فلا ضمان عليهم» (2)و نحوه آخر في هذه الواقعة (3)لكن مع اختلافات يسيرة.

و ضعف سندهما يمنع عن العمل بهما،مع مخالفة إطلاقهما الأصل و القاعدة،و كونهما قضية في واقعة.

و الوجه وفاقاً للمتأخّرين كافّة اعتبار التفريط في جناية الدابّة الاُولى فلو لم يفرّط في حفظها بأن انفلتت من الإصطبل الموثق،أو حلّها غيره،فلا ضمان عليه؛ للأصل،و عدم تقصير يوجب الضمان.

مضافاً إلى فحوى المرسل:«بعث رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عليّاً(عليه السّلام)إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مرّ يعدو،فمرّ برجل فنفحه (4)برجله فقتله،فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي(عليه السّلام)،فأقام صاحب الفرس البيّنة عند عليّ(عليه السّلام)أنّ فرسه أفلت من داره فنفح (5)الرجل،فأبطل علي(عليه السّلام)دم صاحبهم» الحديث (6).

ص:411


1- المسالك 2:496،الروضة 10:159.
2- الكافي 7:6/352،التهذيب 10:901/229،الوسائل 29:256 أبواب موجبات الضمان ب 19 ح 1.
3- الكافي 7:7/352،التهذيب 10:902/229،إرشاد المفيد 1:197،الوسائل 29:256 أبواب موجبات الضمان ب 19 ح 2.
4- في«ب»:فعجّه،و في غيرها من النسخ:فبعجه،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.النفح هو الضرب و الرمي.النهاية الأثيرية 5:89.
5- في النسخ:و بعج،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
6- الكافي 7:8/352،التهذيب 10:900/228،أمالي الصدوق:7/285،الوسائل 29:257 أبواب موجبات الضمان ب 20 ح 1.

و ضعف السند مجبور بما مر،و يمكن تنزيل الخبرين على هذا ، و كذا كلام القائل بهما،سيّما مع أنّه ذكر في النهاية ما يوافقه،فقال:إذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه حبسه و حفظه،فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شيء،فإن علم به و فرّط في حفظه كان ضامناً لجميع ما يصيبه من قتل نفس و غيرها (1)،إلى آخر ما قال.

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه،بل بإطلاقه يشمل محل البحث، فليس بمخالف لما عليه أصحابنا.

و لو دخل أحد داراً لغيره فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم،و إلّا يدخلها بإذنهم فلا ضمان عليهم،بغير خلاف ظاهر مستفاد من كثير من العبائر (2)،بل عن ظاهر المبسوط (3)الإجماع عليه، و هو الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة،و فيها القويّ و غيره.

و إطلاقها كالفتاوي يقتضي عدم الفرق في الكلب بين كونه حاضراً في الدار و عدمه،و لا بين علمهم بكونه يعقر الداخل و عدمه.

و لو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممّن يجوز الدخول بإذنه اختصّ الضمان به،و إلّا فكما لو لم يأذن إن لم يتضمّن إذنه تغريراً للداخل،و إلّا فيضمن مع جهله بحال الآذن و أنّه ممّن لا يجوز الدخول بإذنه.

و لو اختلفا في الإذن قدّم المنكر؛ للأصل.

و يضمن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها دون رجليها و كذا القائد

ص:412


1- النهاية:761.
2- مجمع الفائدة 14:264،المفاتيح 2:116،كشف اللثام 2:488.
3- المبسوط 8:80.

لها يضمن ما تجنيه باليدين خاصّة،هذا إذا سارا بها و أما لو وقف أحدهما بها ضمن كل منهما جنايتها مطلقا و لو برجليها،و كذا لو ضربها أحدهما فجنت ضمنا جنايتها مطلقاً و لو ضربها غيرهما ضمن الضارب مطلقا و كذا السائق لها يضمن جنايتها مطلقا.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية و شرح الشرائع للصيمري (1)،لكن في الجملة.

و هذا التفصيل و إن لم يستفد من رواية واحدة إلّا أنّه مستفاد من الجمع بين المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيحين:عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابّته إنساناً برجلها؟قال:«ليس عليه ما أصابته برجلها،و لكن عليه ما أصابته بيدها؛ لأنّ رجلها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن اللّه تعالى يدها يضعها حيث يشاء» (2).

و التعليل ظاهر في أنّ الضمان حالة الركوب خاصّة،و كذا هو مع قوله في القائد:«فإنّه يملك يدها» ظاهر في اختصاص ضمانه بما تجنيه بيديها خاصّة دون رجليها.

و أظهر منهما القوي:أنّه(عليه السّلام)ضمّن القائد و السائق و الراكب،فقال:

«ما أصاب الرِّجل فعلى السائق،و ما أصاب اليد فعلى القائد و الراكب» (3).

ص:413


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620،غاية المرام 4:436.
2- الأول:الكافي 7:3/351،الفقيه 4:397/115،التهذيب 10:888/225،الإستبصار 4:1074/284،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 3. الثاني:التهذيب 10:889/226،الإستبصار 4:1076/284،الوسائل 29:249 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 9.
3- الكافي 7:15/354،الفقيه 4:400/116،التهذيب 10:887/225،الإستبصار 4:1075/284،الوسائل 29:248 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 5.

و ظاهره في السائق و إن كان اختصاص ضمانه بما تجنيه بالرجل خاصّة بقرينة المقابلة،إلّا أنّه محمول على إرادة بيان الفرق بينه و بين الأخيرين بعدم ضمانهما ما تجنيه بالرجل،بخلافه فيضمنه أيضاً،و الشاهد عليه بعد فتوى الأصحاب التعليل المتقدم في الصحيحين للحكم بضمان ما تجنيه باليدين من كونهما قدّامه يضعهما حيث يشاء،و هو جارٍ في الرجلين أيضاً بالنسبة إلى السائق جدّاً.

مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بابن سنان على المشهور بالعمل:عن رجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها؟قال:«ليس عليه ما أصابت برجلها،و عليه ما أصابت بيدها،و إذا وقف فعليه ما أصابت بيدها و رجلها،و إن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها و رجلها» (1).

و فيه الدلالة على الضمان مع الوقوف بالدابة لما تجنيه مطلقا،و عليه يحمل إطلاق ما مرّ،مع ظهوره في حالة السير خاصّة.

و كذا يحمل عليه إطلاق ما دلّ على ضمان الراكب لما تجنيه و لو بالرجلين مطلقاً،كالخبر:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يضمن الراكب ما وطأت بيدها أو رجلها،إلّا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها» (2)بحمله على ما إذا ساقها خاصّة.

و فيه الدلالة على ضمان الضارب مطلقا،مالكاً كان أو غيره؛ للإطلاق

ص:414


1- الكافي 7:2/351،التهذيب 10:886/225،الإستبصار 4:1078/285،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 2.
2- التهذيب 10:890/226،الإستبصار 4:1077/284،الوسائل 29:249 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 10.

مضافاً إلى الاعتبار،و الصحيح:عن الرجل ينفر بالرجل فيعقره و تعقر (1)دابّته رجلاً (2)آخر؟فقال:«هو ضامن لما كان من شيء» (3).

و في آخر:«أيّما رجل فزع رجلاً عن الجدار أو نفر به دابة فخرّ فمات فهو ضامن لديته،و إن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه» (4).

و نحوه في ذلك الموثق كالصحيح و غيره:في صاحب الدابة:أنّه «يضمن ما وطئت بيدها و رجلها،و ما نفحت (5)برجلها فلا ضمان عليه إلّا أن يضربها إنسان» (6).

و المراد بضمان ما تجنيه بيدها و رجلها ما تجنيه بها أجمع و يكون الضمان باليدين خاصّة،و إلّا فلا معنى لقوله(عليه السّلام):«و ما نفحت برجلها فلا ضمان عليه».

و قوله(عليه السّلام):«إلّا أن يضربها» استثناء منقطع،أو عن قوله سابقاً:

«يضمن ما وطئت بيدها و رجلها».

و ينبغي تقييد الضرب بما إذا كان عبثاً كما في الرواية الأُولى،و إلّا فلو قصد الدفع لم يكن ضامناً قطعاً؛ للأصل،و خصوص الخبر:عن رجل كان راكباً على دابّة فغشي رجلاً ماشياً حتى كاد أن يوطئه،فزجر الماشي الدابّة

ص:415


1- في النسخ:و يعقر،و ما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.
2- في الكافي و الوسائل:رجلٌ.
3- الكافي 7:3/351،التهذيب 10:888/225،الوسائل 29:252 أبواب موجبات الضمان ب 15 ح 1.
4- الكافي 7:9/353،التهذيب 10:895/227،الوسائل 29:252 أبواب موجبات الضمان ب 15 ح 2.
5- في النسخ:بعجت،و ما أثبتناه من الكافي و الفقيه و الوسائل هو الأنسب.
6- الكافي 7:11/353،الفقيه 4:402/116،التهذيب 10:880/224،الوسائل 29:247 أبواب موجبات الضمان ب 13 ح 4،و انظر الحديث 7.

عنه فخرّ عنها فأصابه موت أو جرح؟قال:«ليس الذي زجر ضامناً،إنّما زجر عن نفسه» (1)و نحوه آخر (2)،هذا.

مضافاً إلى إطلاق النصوص بعدم الضمان بالدفاع أو فحواها.

ثم إنّ مقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين في الصحيحين ثبوته فيما تجنيه برأسها أيضاً،بل مطلق مقاديم بدنها التي هي قدّام الراكب، سيّما أعاليها؛ لثبوت الحكم فيها(مع ذلك) (3)بطريق أولى،و عليه أكثر أصحابنا وفاقاً للمبسوط (4)،و عن الخلاف (5)الاقتصار على اليدين؛ جموداً فيما خالف الأصل على مورد النص،و لأجله تردّد الماتن في الشرائع (6)، إلّا أنّه اختار ما اخترناه،قال:لتمكّنه من مراعاته.و هو حسن،و مرجعه إلى ما ذكرنا.

و اعلم أنّ هنا نصوصاً دالّة بإطلاقها على عدم الضمان بجناية الدابّة إمّا مطلقاً كما في القوي:«العجماء جبار» (7)و غيره:«بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها شيئاً» (8)أو ما دامت مرسلة كما في المرسل (9)،فمع ضعف أسانيدها

ص:416


1- الفقيه 4:235/76،التهذيب 10:839/212،الوسائل 29:58 أبواب قصاص النفس ب 21 ح 3.
2- التهذيب 10:877/223،الوسائل 29:58 أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 3.
3- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
4- المبسوط 8:80.
5- الخلاف 5:511.
6- الشرائع 4:257.
7- الكافي 7:20/377،التهذيب 10:884/225،الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32 ح 2.
8- التهذيب 10:885/225،الإستبصار 4:1080/285،الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32 ح 3.
9- الفقيه 4:399/116.

محمولة على ما إذا فلتت عن صاحبها من غير تفريط منه في حفظها،أو ما اعتيد إرسالها للرعي،فإنّ المشهور عدم الضمان هنا،كما ذكره الخال العلّامة المجلسي (1)(رحمه اللّه).

و لو ركبها اثنان تساويا في الضمان لما تجنيه بيديها و رأسها، بلا خلاف؛ لاشتراكهما في اليد و السببية،إلّا أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض فيختصّ الضمان بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.

و في الخبر:في دابة عليها ردفان فقتلت الدابة رجلاً أو جرحت، فقضى في الغرامة بين الردفين بالسوية (2).

قيل (3):و فيه تردّد،و لكن الأصحاب قاطعون به،هذا إذا كانا هما المتولّين لأمرها.

و أمّا لو كان معها صاحبها مراعياً لها ضمن هو دون الراكب مطلقا،و يأتي في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً.

و لو ألقت الراكب لم يضمن المالك للأصل إلّا أن يكون الإلقاء بتنفيره أي المالك،فيضمن حينئذٍ؛ للسببية؛ مضافاً إلى ما مرّ من النصوص الصحيحة و غيرها بإيجاب الضرب ضمان الجناية.

و لو اجتمع للدابّة سائق و قائد،أو أحدهما و راكب،أو الثلاثة اشتركوا في ضمان مشترك مع الاشتراك في الحفظ و الرعاية،و اختصّ السائق بجناية

ص:417


1- ملاذ الأخيار 16:476.
2- الفقيه 4:401/116،التهذيب 10:926/234،الوسائل 29:281 أبواب موجبات الضمان ب 43 ح 1.
3- قاله في كشف اللثام 2:489.

الرجلين،و غير المشارك في الحفظ كالعدم.

و لو أركب مملوكه دابّة (1)ضمن المولى جناية الدابّة بيديها، بلا خلاف إذا كان صغيراً؛ للصحيح الآتي و غيره:عن رجل حمل غلاماً يتيماً على فرس استأجره بأُجرة و ذلك معيشة ذلك الغلام قد يعرف ذلك عصبته فأجراه في الحَلبة (2)فنطح الفرس رجلاً فقتله،على من ديته؟قال:

« على صاحب الفرس» قلت:أ رأيت لو أنّ الفرس طرح الغلام فقتله؟قال:

«ليس على صاحب الفرس شيء» (3).

و كذا إذا كان كبيراً في ظاهر إطلاق المحكي عن الشيخ و القاضي و الإسكافي (4)،بل الأكثر كما في التنقيح (5)،و نسبه في الروضة بعد الشيخ إلى جماعة (6)؛ لإطلاق الصحيح:في رجل حمل عبده على دابّته فوطئت رجلاً،فقال:«الغرم على مولاه» (7).

و من الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك و هو الحلّي،قال:لأنّه فرّط بركوبه له الدابّة،و إن كان بالغاً عاقلاً فإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته،أو يفديه السيّد،و إن كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك،و لا يستسعى،

ص:418


1- في المختصر المطبوع:دابّته.
2- وزان سَجدة:خيل تجمع للسباق من كلّ أوب.المصباح المنير:146.
3- التهذيب 10:876/223،الوسائل 29:253 أبواب موجبات الضمان ب 16 ح 2.
4- حكاه عنهم في المهذب البارع 5:292،و غاية المرام 4:436.
5- التنقيح 4:487.
6- انظر الروضة 10:159.
7- الكافي 7:10/353،الفقيه 4:398/116،قرب الاسناد:602/165،الوسائل 29:253 أبواب موجبات الضمان ب 16 ح 1.

و لا يلزم مولاه ذلك (1).

و استحسنه كثير من المتأخّرين (2)و زادوا في الأخير أنّه يتعلّق برقبته يتبع به بعد عتقه،و هو كذلك؛ للأصل؛ و عموم ما دلّ على جناية الراكب، مع ضعف دلالة إطلاق الصحيح،بل الظاهر اختصاصه بالصغير بشهادة السياق و لفظ الحمل و الإركاب،و نحوه جار في كلام الشيخ و الأتباع.

و اعلم أنّ في التنقيح (3)نسب إلى الحلّي أنّه اشترط شيئين:ما مرّ، و آخر و هو:وقوع الجناية على آدمي فقط.

و فيه نظر،فإنّه اشترط الأخير في البالغ،و أمّا الصغير فلم يذكر فيه إلّا الصغر و بعده فأطلق.

البحث الثالث في تزاحم الموجبات

البحث الثالث:في تزاحم الموجبات اعلم أنه إذا اتفق اجتماع السبب و المباشر و تساويا في القوة، أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر اتفاقاً على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (4)،و ذلك ك اجتماع الدافع مع الحافر،و الممسك مع الذابح فيضمن الدافع و الذابح دون المجامع،و قد مرّ من النصوص ما يدل على الأخير،و فيه الحجة على أصل هذه القاعدة،مضافاً إلى الاتفاق الذي عرفته،هذا مع علم المباشر بالسبب.

و لو جهل المباشر السبب ضمن المسبِّب بكسر الباء الأُولى،أي

ص:419


1- السرائر 3:372.
2- منهم المحقق في الشرائع 4:257،و العلّامة في المختلف:801،و الشهيد الثاني في المسالك 2:497.
3- التنقيح الرائع 4:487.
4- كشف اللثام 2:489.

ذو السبب كمن غطّى بئراً (1)في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالحال فالضمان على الحافر بلا خلاف ظاهر إلّا من الماتن هنا،فقد حكم به على تردّد مع أنّه حكم به في الشرائع (2)كباقي الأصحاب من غير تردّد؛ لضعف المباشر هنا بالغرور،و قد اشترط في تقديمه على السبب قوّته،و هي مفقودة في المفروض.

مع أنّي لم أجد وجهاً لتقديم المباشر هنا إلّا ما ذكره في التنقيح (3):

من عموم:إذا اجتمع المباشر و السبب فالضمان على المباشر،و هو كما ترى؛ إذ لم أجد به نصّاً حتى يكون عمومه معتبراً،و إنّما المستند فيه مجرّد الوفاق المعتضد بالاعتبار،و هما كما عرفت مفقودان في المضمار.

و من هذا الباب واقعة الزبية بضم الزاء المعجمة،و هي الحفرة التي تحفر للأسد،و قضاء علي(عليه السّلام)فيها مشهورة بين الخاصّة و العامّة،لكن بكيفيات مختلفة.

و صورتها: أنّه وقع فيها واحد فتعلّق بآخر و الثاني بثالث و جذب الثالث رابعاً فوقعوا جميعاً فأكلهم الأسد و فيه أي فيما حكم به(عليه السّلام)فيها روايتان من طرقنا مختلفتان إحداهما:رواية محمد ابن قيس الصحيحة إليه قطعاً،و هو الثقة بقرينة ما قبله و ما بعده،و هو روايته عن أبي جعفر(عليه السّلام) أنه قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الأوّل أنّه فريسة الأسد لا يلزم أحداً و أغرم أهله ثلث الدية للثاني، و غرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية،و غرّم الثالث لأهل الرابع كمال

ص:420


1- في المختصر المطبوع زيادة:حفرها.
2- الشرائع 4:257.
3- التنقيح الرائع 4:488.

الدية (1)و الأُخرى أي الرواية الثانية:

رواية مسمع،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام):«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى للاوّل ربع الدية،و للثاني ثلث الدية،و للثالث نصف الدية،و للرابع الدية كاملة، و جعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا (2) و فيهما من المخالفة للأُصول ما لا يخفى،و إن وُجّهتا بتوجيهات زعم موافقتهما بها معها،لكنّها في التحقيق لا تفيد توفيقاً،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (3)،و لذا تركنا ذكرها.

و مع ذلك في سند الأخيرة منهما إلى مسمع ضعف بعدّة ضعفاء فهي ساقطة عن درجة الاعتبار لا حجة فيها قطعاً.

و أمّا الأُولى فيشكل التمسك بها أيضاً؛ لما مضى،إلّا أنّها مشهورة شهرةً لا يمكن دفعها،و استفاض نقلها في كلام كثير من أصحابنا (4)،بحيث إنّه لا رادّ لها و زاد جماعة منهم فادّعوا أنّ عليها فتوى الأصحاب كافّة،كما في ظاهر العبارة و غيرها (5)،أو أكثرهم كما في الروضة و غيرها (6)،فإن بلغت الشهرة إجماعاً،و إلّا فالتمسك بالرواية

ص:421


1- الكافي 7:3/286،الفقيه 4:278/86،التهذيب 10:951/239،إرشاد المفيد 1:196،المقنعة:750،الوسائل 29:237 أبواب موجبات الضمان ب 4 ح 2.
2- الكافي 7:2/286،التهذيب 10:952/239،الوسائل 29:236 أبواب موجبات الضمان ب 4 ح 1.
3- انظر الروضة 10:168،مجمع الفائدة 14:276،كشف اللثام 2:491.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:259،و العلّامة في التحرير 2:267،و الشهيد الثاني في المسالك 2:498.
5- التنقيح الرائع 4:489،غاية المرام 4:438.
6- الروضة 10:168؛ و قال في المسالك 2:498..و عمل بمضمونها جماعة منهم،أي الأصحاب.

مشكل و إن صحّ سندها؛ لكونها قضية في واقعة لا عموم لها،فيحتمل اختصاصها بواقعة اقترنت بأُمور أوجبت الحكم بما فيها.

و بنحو هذا يجاب أيضاً عن الرواية الأخيرة لو سلّم سندها،و الشهرة ليست بحجة بنفسها ما لم تكن إجماعاً،أو تقترن برواية واضحة الدلالة و إن كانت ضعيفة،و ليست كسابقتها هنا كما فرضنا،و لذا استوجه الفاضل في التحرير (1)الرجوع إلى الأُصول في هذه الواقعة لو اتفقت في زماننا، و هو خيرة شيخنا في الروضة أيضاً،حيث إنّه استوجه أوّلاً ردّ الروايتين لما مضى بزيادة دعواه اشتراكاً في راوي الاُولى،ثم قال:و حيث يطرح الخبران فالمتّجه ضمان كل دية من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه (2)،انتهى.

و احتمله الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و الإرشاد و غيرهما (3)،و قالوا بعده:و إن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك و المشارك في الجذب كان على الأوّل دية و نصف و ثلث،و على الثاني نصف و ثلث، و على الرابع ثلث لا غير،و إنّما لم يذكر هذا في الروضة لضعفه عنده،بل و عندهم أيضاً،كما يظهر منهم جدّاً.

و اعلم:أنّ حكمهم على كل منهم بالدية لمجذوبه إنّما يتم لو كانت جنايتهم عمداً أو شبيهه،لا خطأ.

و يضعّف بأنّ ما صدر عنهم من الجذب إنّما هو من حيث لم يشعروا به لما اعتراهم من الدهشة،فهو كانقلاب النائم على من قتله،فلا يكون

ص:422


1- التحرير 2:267.
2- الروضة 10:175.
3- الشرائع 4:259،القواعد 2:319،الإرشاد 2:228،و انظر المهذّب البارع 5:297.

عمداً و لا شبيهه،و بذلك صرّح جماعة (1)،رادّين به من ضعّف الرواية الثانية في حكمها بأنّ الدية على العاقلة،بناءً على زعمه كون الجناية فيها عمداً أو شبيهه،و على هذا فمقتضى الأُصول أخذ الدية من العاقلة.

ص:423


1- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 5:297،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:491.

النظر الثالث في الجناية على الأطراف

اشارة

النظر الثالث

الأوّل في ديات الأعضاء

اشارة

في الجناية على الأطراف و بيان مقادير دياتها و مقاصده ثلاثة:

الأوّل :في بيان ديات الأعضاء و اعلم أنّ في شعر الرأس إذا جني عليه الدية كاملة.

و كذا اللحية على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح المروي في الفقيه و التهذيب:رجل صبّ ماءً حارّاً على رأس رجل فأسقط شعره فلا ينبت أبداً،قال:«عليه الدية» (2)كذا في الفقيه،و في التهذيب:فامتعط شعر رأسه و لحيته.و نحوه غيره (3)من دون زيادة و لحيته.

و القوي و غيره:«في اللحية إذا حلقت فلم ينبت الدية كاملة،فإذا نبتت فثلث الدية» (4).

و الخبر:أهرق رجل قدراً فيها (5)مرق على رأس رجل فذهب شعره،

ص:424


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:379/111،التهذيب 10:992/250،الوسائل 29:341 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 2.
3- الكافي 7:24/316،التهذيب 10:991/250.
4- الكافي 7:23/316،الفقيه 4:381/112،التهذيب 10:990/250،الوسائل 29:341 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1.
5- في النسخ زيادة:ماء.

فاختصموا في ذلك إلى علي(عليه السّلام)فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره،فقضى عليه بالدية (1).

إلى غير ذلك من النصوص الآتي إلى بعضها الإشارة.

و قصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة، فاندفع الاعتراض به على ما عدا الصحيحة.

و أمّا الاعتراض عليها بأنّ مفادها لزوم الدية في جناية شعر الرأس و اللحية معاً،و هو غير لزومها في أحدهما خاصة،كما هو المدّعى فمندفع بابتنائه على نسخة التهذيب،و أمّا نسخة الفقيه فقد عرفت خلوّها عن اللحية،و لعلّها أضبط من تلك النسخة،سيّما مع موافقتها للروايات الأُخر في المسألة،هذا إذا لم ينبتا.

فإن نبتا فالأرش على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأنّه الواجب حيث لا تقدير له في الشرع.

خلافاً للحلبي و الغنية (2)،فاختارا عشر الدية،و حجتهما غير واضحة عدا ما في الأخير من حكاية الإجماع،و هي هنا موهونة بلا شبهة،و نسب في المسالك (3)قولهما إلى النهاية،لكن في الرأس خاصّة،مع أنّ صريح عبارته المحكية في المختلف (4)كظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة عدم مخالفته للقوم فيه،و اختصاص خلافه معهم في اللحية خاصّة حيث حكم فيها بثلث الدية.

ص:425


1- الفقيه 4:380/112،التهذيب 10:1035/262،الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 3.
2- الكافي:396،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- المسالك 2:499.
4- المختلف:801.

و قال الشيخ المفيد و الصدوق (1)في موضع من المقنع: إن لم ينبتا فمائة دينار و حجتهما غير واضحة عدا ما يستفاد من الأوّل و القاضي و الديلمي (2)أنّ به رواية،و لم نجدها،فهي مرسلة لا يعترض بها الأدلّة المتقدمة.

و بنحوه يجاب عن مرسلة أُخرى مروية عن بعض الكتب:عن مولانا الرضا(عليه السّلام)أنّه قال:« من حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار،فإن حلق لحيته فلم ينبت فعليه الدية،و إن نبت فطالت (3)بعد نباتها فلا شيء له» (4)مضافاً إلى شذوذها و عدم ظهور قائل بها بالمرّة.

و قال الشيخ في الخلاف و النهاية و الإسكافي (5):إنّ في اللحية إذا نبتت ثلث الدية،و في الرواية المتقدمة و هي القوية و غيرها و إن كان دلالة عليه إلّا أنّه فيها (6) ضعف بالسكوني في الأُولى،و عدّة من الضعفاء في الثانية،و لا جابر لهما في المسألة،بل الشهرة التي هي العمدة في الجبر على خلافها كما عرفته،هذا إذا كان المجني عليه ذكراً.

و في شعر رأس المرأة ديتها كملاً إذا لم ينبت كالرجل فإن نبت فمهرها (7)المثل بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (8)في الثاني،فأثبت

ص:426


1- المقنعة:756،المقنع:190.
2- حكاه عنهما في المختلف:801،و انظر المهذّب 2:476،و المراسم(ينابيع الفقهية 24):148.
3- في«ب»:فطالب.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):320.
5- الخلاف 5:211،النهاية:768،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:801.
6- في«ح» و«س»:فيهما.
7- في المختصر المطبوع:فمهر مثلها.
8- حكاه عنه في المختلف:801.

فيه ثلث الدية.و حجته مع شذوذه غير واضحة،بل على خلافه الإجماع في الغنية (1)،و فيه الحجة.

مضافاً إلى الرواية الصريحة:ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟فقال:«يضرب ضرباً وجيعاً و يحبس في محبس المسلمين حتى يستبرأ شعرها،فإن نبت أخذ منه مهر نسائها،و إن لم ينبت أُخذ منه الدية كاملة» قلت:فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟فقال:«إنّ شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال،فإذا ذهب أحدهما وجب لها المهر كملا» (2).

و قصور السند بالجهالة مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكية،و حكاية الإجماع المتقدمة،و فيها الدلالة على الحكم في الأوّل أيضاً،مع عدم خلاف فيه أجده،و ادّعى فيه أيضاً الإجماع في الغنية (3)،فلا شبهة فيه قطعاً،سيّما مع استلزام ثبوت الحكم في الرجل ثبوته هنا بطريق أولى،كما لا يخفى.

و في شعر الحاجبين معاً خمسمائة دينار،و في كل واحد مائتان و خمسون ديناراً،وفاقاً للأكثر،بل ادّعى الشهرة عليه جمع ممن تأخّر (4)،و في السرائر (5)الإجماع عليه،و هو الحجة.

ص:427


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:10/261،التهذيب 10:1036/262،الوسائل 29:334 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- كالصيمري في غاية المرام 4:442،و الشهيد الثاني في المسالك 2:499،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:147.
5- السرائر 3:378.

مضافاً إلى الخبر:«و إن أُصيب الحاجب فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين مائتان و خمسون ديناراً،فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك» (1).

قيل:و روى عن الرضا(عليه السّلام)أيضاً نحو ذلك (2).

خلافاً للمبسوط و الغنية و الإصباح (3)،فالدية كاملة،و في كل واحد نصفها،و ظاهر الأوّلين الإجماع عليه،و يؤيدّه عموم النص و الفتوى على أنّ فيما كان في الجسد اثنين الدية.

لكن في معارضة ذلك لما مرّ نظر؛ لرجحانه بعمل الأكثر،مع صراحة كل من الإجماع و الخبر،هذا،مضافاً إلى الأصل.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين عود نباتهما و عدمه، و في الغنية و الإصباح (4)أنّ ما ذكر إذا لم ينبت شعرهما،و إلّا فالأرش.

و قال الديلمي:إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية،و قد روي أيضاً أنّ فيهما إذا لم ينبت مائة دينار (5).و قال في المختلف:و الوجه عندي الحكومة فيما إذا نبت،و هو قول الحلبي؛ للأصل (6).

و في بعضه أي بعض كل واحد من الشعور المذكورة بحسابه أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محل الشعر المجني عليه إلى

ص:428


1- الكافي 7:2/330،الوسائل 29:289 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3.
2- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498.
3- المبسوط 7:153،الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24:292.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):292.
5- المراسم:245.
6- المختلف:817.

محل الجميع و إن اختلف الشعر كثافةً و خفّةً،و يدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع الظاهر النص المتقدم قريباً،و حيث قلنا بالأرش فهو الثابت و لا نسبة.

و في الشعور النابتة على الأجفان و يعبّر عنها بالأهداب أقوال،منها:

الدية كاملة مع عدم النبات،كما في المبسوط و الخلاف (1)مدّعياً عليه الوفاق.

و منها:نصفها،كما عن القاضي (2)،و لم أقف له على شاهد.

و منها:الأرش حالة الانفراد عن الجفن،و السقوط حالة الاجتماع، كشعر الساعدين و غيرهما من الأعضاء الذي ليس فيه إلّا الأرش،بلا خلاف كما عليه الحلّي (3)و كثير من المتأخّرين (4)،قالوا:لعدم دليل على التعيين، و عدم دخوله تحت إحدى القواعد،و هو ظاهر الماتن هنا،حيث لم يذكر ديتها كباقي الشعور،و هو متين لولا الإجماع المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر كما في الروضة (5).

و اعلم أنّ المرجع في النبات و عدمه إلى أهل الخبرة،فإن اشتبه فالمروي في بعض ما مرّ (6)أنّه ينتظر سنة،ثم إن لم يعد تؤخذ الدية،و لو طلب الأرش قبلها دفع إليه؛ لأنّه إمّا الحق أو بعضه،فإن مضت و لم يعد أُكمل له على وفق الدية.

ص:429


1- المبسوط 7:130،الخلاف 5:197.
2- المهذّب 2:376.
3- السرائر 3:378.
4- انظر المختلف:802،المهذب البارع 5:306،المسالك 2:500.
5- الروضة 10:201.
6- راجع ص 423.

و في العينين الدية كاملة و في كل واحدة نصف الدية بإجماع الأُمة،كما في صريح المسالك و ظاهر الغنية (1)،و ادّعى الإجماع المطلق جماعة (2)،و هو الحجّة.

مضافاً إلى السنّة المستفيضة بل المتواترة عموماً فيما كان منه في الجسد اثنين،و خصوصاً في العينين،ففي الصحيح:«كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما دية،و في إحداهما نصف الدية،و ما كان واحد ففيه الدية» (3).

و الصحيح:«ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين» قال:قلت:رجل فقئت عينه،قال:«نصف الدية» الحديث (4).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون العين صحيحةً،أو حولاء،أو عمشاء ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها،أو جاحظة عظيمة المُقلة،أو جهراء لا تبصر في الشمس،أو رمداء،أو غيرها،و بذلك صرّح جماعة (5)،قالوا:أمّا لو كان عليها بياض فإن بقي معه البصر تامّاً فكذلك،و لو نقص نقص من الدية بحسابه، و يرجع فيه إلى رأي الحاكم.

و في الأجفان الأربعة الدية كاملة،بلا خلاف كما في ظاهر

ص:430


1- المسالك 2:500،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- منهم العلّامة في التحرير 2:271،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498،و قال المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:361:كأنّه الإجماع.
3- الفقيه 4:332/100،التهذيب 10:1020/258،الوسائل 29:287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 12.
4- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.
5- منهم العلّامة في القواعد 2:324،و الشهيد الثاني في الروضة 10:202،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148.

الشرائع و صريح الصيمري في شرحه و عن التحرير (1).

و اختلفوا في كيفية التقسيط ف قال العماني و الشيخ في المبسوط (2)ربع الدية في كل واحد و تبعهما من المتأخّرين جماعة (3)؛ للصحيحين المتقدمين القائلين:إنّ كل ما كان في الإنسان منه اثنان فيه الدية و في أحدهما نصف الدية،و في الدلالة مناقشة؛ لأنّ الأجفان ليست ممّا في الإنسان منه اثنان إلّا بتكلّف أنّ جفن (4)كل عين كواحدة،و هو مجرّد عناية.

قيل:مع أنّ أوّلهما مقطوع،و الظن بكونه موصولاً إلى الإمام غير كافٍ في الاعتماد عليه (5).

و فيه نظر،فإنّ القطع فيه إنّما هو في التهذيب،و إلّا ففي الفقيه مسند عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،فالأولى في الجواب الاقتصار على ضعف الدلالة و زيادة عدم المقاومة لما سيأتي من الأدلّة.

و قال في الخلاف في (6) الجفن الأعلى ثلثا الدية و في الأسفل الثلث مدّعياً عليه الإجماع و الأخبار،و تبعه الحلّي (7)؛ لشبهة الإجماع، و نسبه في المبسوط (8)إلى رواية الأصحاب.

ص:431


1- الشرائع 4:262،غاية المرام 4:444،التحرير 2:274.
2- حكاه عن العماني في المسالك 2:500،المبسوط 7:130.
3- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:688،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة 10):202،و ابن فهد الحلّي في المقتصر:450.
4- كذا،و لعلّ الأنسب:جفني.راجع الخلاف 5:236،و المسالك(نشر المعارف الإسلامي)15:403.
5- قاله في المسالك 2:500.
6- الخلاف 5:236.
7- السرائر 3:378.
8- المبسوط 7:130.

و لم نرها،و الإجماع معارض بمثله،بل و أجود كما يأتي،مع وهنه هنا جدّاً،سيّما مع مخالفة الناقل لنفسه في موضع آخر من الخلاف (1) على ما نقله عنه الماتن في الشرائع و شيخنا في شرحه (2)- و قال فيه بما قاله في النهاية (3) من أنّ في الأعلى ثلث الدية،و في الأسفل النصف،و عليه الأكثر كما في كلام جمع (4)،بل الشهرة كما في كلام آخرين (5)،و عليه الإجماع في الغنية (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده أو ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية حدّ الاستفاضة،و الإجماع الذي عرفته،و فيه:«إن أُصيب شفر العين الأعلى فَشَتَرَ (7)فديته ثلث دية العين مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار،و إن أُصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتا دينار و خمسون ديناراً..فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك» الحديث (8).

قيل:و كذا روي عن الرضا(عليه السّلام) (9)،و هو الأظهر،و عليه فينقص من

ص:432


1- لم نعثر عليه.
2- الشرائع 4:262،المسالك 2:500.
3- النهاية:764.
4- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:203،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:362.
5- كالمحقق في الشرائع 2:262،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- الشتَر:انقلاب في جفن العين.لسان العرب 4:393.
8- الكافي 7:2/330،الوسائل 29:282 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3.
9- قاله في كشف اللثام 2:499.

دية المجموع سدس الدية،و ربما كان فيه منافاة لما مرّ من نفي الخلاف عن ثبوت الدية كملاً في الأجفان الأربعة،إلّا أن يذبّ عنه بما حكاه عن بعضٍ جماعة (1):من أنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأُولى،و إلّا فالواجب دية كاملة إجماعاً.

و في الروضة بعد نقله عنه قال:و هذا هو الظاهر من الرواية،لكن فتوى الأصحاب مطلقة (2).و لنعم ما قاله.

و لا فرق بين أجفان صحيح العين و غيره حتى الأعمى؛ للإطلاق.

و لا تتداخل دية الأجفان مع العينين لو قلعهما معاً،بل يجب عليه ديتان،بلا خلاف؛ لأصالة عدم التداخل.

و في عين الأعور الصحيحة الدية دية النفس كاملة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و المختلف و التنقيح و نكت الإرشاد (3)،و غيرها من كتب الجماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادةً على ما مرّ في كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف الصحيح و غيره:في عين الأعور الدية كاملة (5).

ص:433


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:203،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499،و القائل هو ابن فهد في المهذّب البارع 5:309.
2- الروضة 10:203.
3- الخلاف 5:236،الغنية(الجوامع الفقهية):621،المختلف:803،التنقيح الرائع 4:495،نكت الإرشاد 4:372.
4- الروضة 10:204،المهذّب البارع 5:312،كشف اللثام 2:498.
5- التهذيب 10:1058/269،الوسائل 29:179 أبواب قصاص الطرف ب 15 ح 2.

و مرّ ثمّة وجه الحكمة في هذا الحكم،و هو كون الجناية فيها في المنفعة التي هي الإبصار دون الجارحة.

و مقتضاه تقييد الحكم بما إذا كان العور خلقةً،أو ذهبت العين الفاسدة بشيء من قبل اللّه تعالى،أو من غيره حيث لا يستحق عليه أرشاً كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون،فلو استحق ديتها و إن لم يأخذها أو ذهبت في قصاص فنصف دية النفس ديتها كاملة؛ للأصل العامّ،و عدم معلومية انصراف إطلاق النصوص إلى محل البحث.

مضافاً إلى عدم الخلاف في أصل التقييد،و إن اختلفوا فيما يستحقه في محل الفرض هل هو النصف،أو الثلث؟و المشهور الأوّل،بل عليه الإجماع في كلام جمع و منهم ابن زهرة (1)،و هو الأصحّ؛ عملاً بما مرّ من الأصل المجمع عليه نصّاً و فتوى من أنّ في إحدى العينين نصف الدية مطلقا،خرج منه عين الأعور بآفة أو خلقة بما تقدم،فيبقى ما نحن فيه تحته مندرجاً،مع أنّه لا خلاف فيه إلّا من الحلّي (2)،حيث حكم بالثاني، و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في المختلف و التنقيح و غيرهما (3)، و حكما كسائر المتأخرين بأنّ ذلك منه و هم،و بيّنوا وجهه بما لا طائل مهمّاً في ذكره.

و في خسف العين العوراء أي الفاسدة روايتان و قولان أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4)حدّ الاستفاضة،

ص:434


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- السرائر 3:380.
3- المختلف:803،التنقيع الرائع 4:495،المهذّب البارع 5:313.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:262،و الشهيد الثاني في الروضة 10:205،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:496.

الصحيح:إنّ«في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي الحرّ و أُنثييه ثلث الدية (1) » أي ديتها حال كونها صحيحة،كما صرّح به جماعة (2)، و ادعّى عليه (3)الإجماع في الغنية (4).

و في الثانية:أنّ فيه ربع الدية (5)،و عمل بها المفيد و الديلمي (6) مطلقا،و الحلبي و ابن زهرة (7)فيما إذا كان الجناية عليها بإذهاب سوادها أو طبقها بعد أن كانت مفتوحة،و ادّعى الأخير فيه إجماع الإمامية،فإن تمّ، و إلّا فالرواية مع أنّها مطلقة ضعيفة و إن تعدّدت،فلا تكافئ السابقة مع صحتها و شهرتها،و شذوذ هذه و ندرتها،بل في الشرائع (8)أنّها متروكة.

و لا فرق هنا بين كون العور خلقةً،أو بآفة من اللّه تعالى،أو جناية جانٍ استحق عليه ديتها،بلا خلاف،إلّا من الحلّي (9)،ففرّق و حكم بتمام ديتها خمسمائة دينار فيما عدا الأخير،و بثلثها فيه،نافياً الخلاف عن الأوّل.

و هو غريب،و لذا خطّأه المتأخّرون و نسبوه إلى الوهم كالسابق،

ص:435


1- الكافي 7:6/318،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:1062/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:205،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:498.
3- في«ن» زيادة:و على أصل الثلث.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- الكافي 7:8/318،التهذيب 10:1061/270،الوسائل 29:334 أبواب ديات الأعضاء ب 29 ح 2.
6- المقنعة:760،المراسم:244.
7- الكافي في الفقه:396،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- الشرائع 4:262.
9- السرائر 3:382.

قالوا:و سبب خطائه سوء فهمه لكلام الشيخ.

أقول:و ربما يشير إلى فرقه الصحيح:عن رجل قطع لسان رجل أخرس،فقال:«إن كان ولدته امّه و هو أخرس فعليه ثلث الدية،و إن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه،و كذلك القضاء في العينين و الجوارح،هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

لكنّه صرّح في العور خلقةً بثلث الدية،و لم يقل به،نعم لفظ «الثلث» ساقط في الفقيه،و إنّما هو في نسخة الكافي و التهذيب،فيحتمل كونه شاهداً له بالنسخة الأخيرة،لكن ليس فيها قوله:«و كذلك القضاء» الذي هو محل الاستدلال،فلا شاهد فيه لما ذكره،و مجرّد دلالته على الفرق بين الصورتين في الجملة غير نافع له مع مخالفته لما حكم به من تمام الدية،مع أنّه من الآحاد التي ليست عنده بحجة.

و من هنا ظهر شذوذ هذه الصحيحة،و عدم ظهور قائل بها بالمرّة، كما صرّح به بعض الأجلّة (2).

فالعجب من شيخنا في المسالك و الروضة و غيره (3)كيف استدلّوا بها للمختار مضافاً إلى الصحيحة السابقة.

و في الأنف إذا استؤصل الدية كاملة و كذا لو قطع مارنه و هو ما لان منه و نزل عن قصبته،بلا خلاف في الأخير أجده،و النصوص

ص:436


1- الكافي 7:7/318،الفقيه 4:376/111،التهذيب 10:1063/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 2.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
3- المسالك 2:500،الروضة 10:205،و انظر غاية المرام 4:445.

به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح و الموثّق و غيرهما:«في الأنف إذا قطع المارن الدية» (1).

و على الأشهر في الأوّل أيضاً؛ للأصل؛ و عموم ما مرّ من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدية (2)،و الأنف بتمامه منه بلا شبهة.

و خصوص الصحيح و غيره:«في الأنف إذا استؤصل جدعه (3)الدية» (4).

و قريب منهما الموثّق«في الأنف إذا قطع الدية كاملة» (5)خلافاً للمحكي عن المبسوط و المهذّب و الوسيلة (6)،فقالوا:إنّ الدية فيه إنّما هو للمارن خاصّة،و في الزائد الحكومة،و هو خيرة التحرير و شيخنا في الروضة (7)،و لعلّه لعدم دليل على أنّ دية الاستئصال غير (8)دية المارن، و ليس في أدلّة المشهور عموماً و خصوصاً سوى أنّ فيه الدية،أمّا أنّها له أو للمارن فليس فيها عليه دلالة،فيحتمل كونها لأجل المارن خاصّة.

و فيه نظر؛ فإنّ وجه الدلالة في أدلّتهم إنّما هو ظهورها في أنّ الاستئصال الدية خاصّة،لا مع زيادة الحكومة لما قطع من القصبة،كما هو

ص:437


1- الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4،6،10.
2- في ص 428.
3- في النسخ و التهذيب:جذعه،و ما أثبتناه هو الأنسب.
4- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
5- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.
6- المبسوط 7:95،المهذّب 2:482،الوسيلة:447.
7- التحرير 2:269،الروضة 10:207.
8- ليست في«ب».

مقتضى قول المبسوط و من تبعه (1).

و يمكن أن يقال:إنّ غاية أدلّة المشهور ثبوت الدية،و ليس فيه ما ينفي الحكومة؛ إذ ليس فيها مقام حاجة يمكن إثباتها بذلك،و الدليل على ثبوتها أنّ الزائد على المارن جارحة ذهبت زيادة عليه،و ديته لا يقع شيء منها في مقابلتها،فالاكتفاء بها يستلزم تفويت تلك الجارحة عليه من دون بدل،و هو غير جائز،فما ذكروه أقوى،فتأمّل جدّاً .

و موضع الخلاف ما لو قطع المارن و القصبة معاً،أمّا لو وقع التفريق في جنايتهما ثبت للقصبة الحكومة زيادةً على دية المارن قولاً واحداً.

و في حكم قطع الأنف ما أشار إليه بقوله: أو كسر ففسد بلا خلاف يظهر فيه و لا في أنّه لو جبر على غير عيب ف ديته مائة دينار بل على الأخير الإجماع في الغنية (2).

و في شلله و هو فساده ثلثا ديته صحيحاً،و في قطعه أشل ثلث الدية،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل على الأوّل الإجماع عن المبسوط و الخلاف (3)،و هو الحجة المؤيدة بثبوت مثل الحكم في شلل اليد و الرجل و الأصابع.

و يدلُّ على الأخير بعض النصوص:«كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (4)و فيه تأييد ما للحكم في سابقه،فتدبّر .

و في الحاجز نصف الدية إذا استؤصل،و مستنده غير واضح و إن

ص:438


1- في غير«ن» زيادة:دون المشهور.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- المبسوط 7:131،الخلاف 5:238.
4- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.

أفتى به الأكثر كما في كلام جمع (1).

نعم في كتاب ظريف المروي بعدّة طرق معتبرة:«فإن قطعت روثة الأنف فديتها خمسمائة دينار نصف الدية» (2).

و هو يصح مستنداً بناءً على ما عليه الماتن و ابن عمّه و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد (3):من تفسير الروثة بالحاجز،و لم يثبت،بل المعروف عند أهل اللغة أنّها الأرنبة أو طرفها حيث يقطر الرعاف،و الأرنبة عندهم طرف الأنف،و يسمّون الحاجز بالوَتَرة،و سمّي في الكتاب المذكور بالخيشوم.

قيل (4):و روى عن الرضا(عليه السّلام)أيضاً،و هو صريح في أنّ المراد بالروثة فيه ليس الحاجز،و مع ذلك ففيه في نسخة الكافي تفسيرها بطرف الأنف (5)،كما عليه أهل اللغة،و قريب منه ما قاله الصدوق:من أنّها مجمع المارن (6).

و الأجود وفاقاً للّمعة و شرحها (7)الحكم في الحاجز بالثلث؛ عملاً بالأصل،و القاعدة في تقسيط الدية على أجزاء العضو الذي ثبتت فيه

ص:439


1- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499،و نسبه في المسالك 2:501،و مجمع الفائدة 14:366 إلى المشهور.
2- الكافي 7:2/331،الفقيه 4:194/57،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 1.
3- الشرائع 4:263،الجامع للشرائع:593،القواعد 2:324،التحرير 2:269،الإرشاد 2:237.
4- انظر كشف اللثام 2:499.
5- الكافي 7:331.
6- الفقيه 4:57.
7- اللمعة و الروضة البهية 10:208.

بالنسبة،و المارن الموجب لها مشتمل عليه و على المنخرين،و حكى هذا الفاضل في القواعد (1)قولاً،لكن قيل:إنّه لم نعرف له قائلاً (2).

أقول:غير بعيد كونه الحلّي،فإنّه قال بعد الحكم بأنّ في الأنف و كذا مارنه الدية ما لفظه:و فيما نقص منه بحساب ذلك (3).و هو ظاهر فيما ذكرناه من رجوعه هنا إلى القاعدة التي قدّمناها.

و في أحد المنخرين نصف الدية على قول الشيخ في المبسوط مدّعياً أنّه مذهبنا،قال:لأنّه ذهب بنصف المنفعة و نصف الجمال (4).و هو كما ترى .

و في رواية بل روايات أنّ فيه ثلث الدية (5) و هي و إن كانت بأجمعها ضعيفة،لكنّها موافقة للقاعدة،و مع ذلك مشهورة بين الطائفة على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (6).

و بها يضعّف القول بالربع أيضاً،كما عن الحلبيين و الكيدري و في الغنية (7)؛ مضافاً إلى عدم وضوح مستنده،و إن اعتذر لهم الشهيد (8)بالقاعدة بزعم تجزّؤ المارن بأجزاء أربعة:المنخرين،و الحاجز،و الروثة،و هو على

ص:440


1- القواعد 2:324.
2- قال به في كشف اللثام 2:499.
3- السرائر 3:382.
4- المبسوط 7:131.
5- التهذيب 10:1034/261،الوسائل 29:351 أبواب ديات الأعضاء ب 43 ح 1.
6- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:208،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:148،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:499.
7- حكاه عنهم في غاية المراد 4:528،و هو في الكافي:397،و الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- غاية المراد 4:528.

تقدير تسليمه لا يعترض به الرواية الصريحة المعمول بها بين الطائفة.

و في الأُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة و في استئصال كل واحدة منهما نصف الدية،و في بعضها بحساب ديتها بأن يعتبر مساحة المجموع من أصل الاُذن و ينسب المقطوع إليه و يؤخذ له من الدية بنسبته إليه،فإن كان المقطوع النصف فالنصف،أو الثلث فالثلث،و هكذا، و يعتبر الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة.

و الأصل في جميع ذلك مضافاً إلى الإجماع الظاهر،المصرَّح به في الغنية (1)المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل ما مرّ في أنّ ما في الإنسان منه اثنان فالدية،و في أحدهما نصفها (2).

و من الثاني الصحيح:«و في الأُذنين الدية،و في إحداهما نصف الدية» (3).

و نحوه الصحيح الآخر (4)،لكن في إحداهما.

و الموثقان:«و في الاُذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها،و إذا قطعها من طرفها ففيها قيمة عدل» (5)و ربما كان فيهما الدلالة على الأخير.

و أظهر منهما في ذلك ما في خبرين،أحدهما في كتاب ظريف

ص:441


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- راجع ص 428.
3- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4.
4- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
5- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7،و الآخر في:التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.

المروي بعدّة طرق من قوله(عليه السّلام):«و ما قطع منها فبحساب ذلك» (1).

و لكن في شحمتها ثلث ديتها على الأشهر الأقوى،بل لا أجد فيه خلافاً من أحدٍ صريحاً،مع أنّ في الغنية و عن الخلاف (2)أنّ عليه إجماعنا،و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض النصوص المنجبر ضعف سنده و لو من وجوه بالشهرة:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن» (3).

و في خرم الشحمة و شقها ثلث ديتها أي الشحمة على الظاهر،المصرّح به في كلام الحلّي (4)،أو الاُذن كما تميل إليه جماعة (5)، و به صرح ابن حمزة (6)،و لا خلاف في أصل الحكم أجده هنا أيضاً،بل عن الخلاف (7)أنّ عليه إجماعنا،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما في كتاب ظريف السابق ذكره من قوله(عليه السّلام):«و في قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو الذي هي فيه» (8).

ص:442


1- الكافي 7:5/333،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:296 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 1،و الآخر في:مجمع الفائدة 14:368،و كشف اللثام 2:500.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:234.
3- الكافي 7:5/333،التهذيب 10:1013/256،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 2.
4- السرائر 3:382.
5- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:207،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:500.
6- الوسيلة:446.
7- الخلاف 5:234.
8- الكافي 7:10/335،الفقيه 4:60،التهذيب 10:302،الوسائل 29:301 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 1.

و قريب منه الخبر:«في كل فتق ثلث الدية» (1)و أصل الفتق الشقّ، و ضعف السند منجبر بالعمل.

مضافاً إلى التأيّد بورود مثله في خرم الأنف،ففي الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في خرم الأنف ثلث دية الأنف» (2).

فالعجب من شيخنا في المسالك و الروضة كيف نفى المستند للحكم في المسألة فقال بعد نقله عن الحلّي تفسير العبارة بما عرفته ما لفظه:

مع احتمال إرادة الاُذن أو ما هو أعم،و لا مستند لذلك يرجع إليه (3)، انتهى.

و اعلم أنّ ظاهره كالماتن في الشرائع (4)عدم قبول تفسير الحلّي،و به صرّح الفاضل في المختلف،فقال:إنّه تأويل بلا دليل،و مخالف لظاهر كلام الشيخ (5).لكن ظاهر الماتن هنا و المحكي عن الجامع (6)المصير إلى ما عليه الحلّي،و هو الأجود؛ لإجمال العبارات و النصوص المتقدمة،و عدم ظهور يعتدّ به في شيء منها،فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها،و هو ما صرنا إليه،و يدفع الزائد بالأصل.

مضافاً إلى التأيّد بأنّ مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة و خرمها

ص:443


1- الكافي 7:10/312،التهذيب 10:979/248،الوسائل 29:337 أبواب ديات الأعضاء ب 32 ح 1.
2- الكافي 7:3/331،التهذيب 10:1014/256،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 2.
3- المسالك 2:501،الروضة 10:206.
4- الشرائع 4:263.
5- المختلف:804.
6- الجامع للشرائع:593.

في مقدار الدية أصلاً،و هو مستبعد جدّاً،و بهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلّا ما صرّح فيه بثلث دية الاُذن.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي يقتضي عدم الفرق في الخرم الموجب لثلث الدية بين الملتئم منه و غيره،و عن ابن حمزة (1)التخصيص بالثاني،و قال في الأوّل بالحكومة،و هو ظاهر رواية ظريف المتقدمة، و ربما يعضده الاستقراء لما مرّ في الشعر و نحوه،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

و في استئصال الشفتين الدية بالإجماع الظاهر،المستفيض النقل (2)،المعتضد بالعمومات المتقدمة في الأُذنين،و خصوص النصوص المستفيضة (3)،و فيها الصحيح و غيره.

و لكن في تقدير دية كل واحدة منهما خلاف ف قال الشيخ في المبسوط (4)في العليا الثلث،و في السفلى الثلثان،و اختاره المفيد في المقنعة و جماعة كالمراسم و الكافي و الجامع و الإصباح (5)على ما حكي عنهم،و هو خيرة الغنية (6)مدّعياً في ظاهر كلامه كالمبسوط إجماع الإمامية،قال المفيد:لأنّها تمسك الطعام و الشراب،و شينها أقبح من شين

ص:444


1- الوسيلة:446.
2- الشرائع 4:263،القواعد 2:325،التحرير 2:272،المهذّب البارع 5:318،كشف اللثام 2:500.
3- الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1.
4- المبسوط 7:132.
5- المقنعة:755،المراسم:244،الكافي:398،انظر الجامع للشرائع:590،613،614،إصباح الشيعة(الينابيع الفقهية 24):293،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:500.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

العليا،و بهذا ثبتت الآثار عن أئمّة الهدى(عليهم السّلام).

و الإجماع معارض بمثله كما يأتي.

و التعليل لا يفيد سوى التفضيل (1)في السفلى و نحن نقول به كما ستدري،و لكنّه لا يعيّن الثلثين كما يقولون،فيحتمل الثلاثة أخماس كما في القول الآتي.

و الآثار مرسلة لم نقف عليها،مع أنّ الموجود منها على خلافها،إلّا ما في كتاب ظريف (2)الذي وصل إلينا،و هو و إن تضمّن الثلثين في السفلى لكنّه صرّح بالنصف في العليا،و لم يقولوا به،فهو و إن وافق من جهة لكن خالف من اخرى،مع أنّ المحكي عنه أيضاً المخالفة مطلقا كما ستعرفها.

و قال في الخلاف (3):في العليا أربعمائة دينار،و في السفلى ستمائة،و كذا قال في النهاية و كتابي الحديث (4)،و حكي عن المقنع و الهداية و المهذّب و الوسيلة و الصهرشتي و الطبرسي و اختاره في المختلف (5).

و به رواية أبي جميلة،عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) قال:«في السفلى ستّة آلاف،و في العليا أربعة آلاف،لأنّ السفلى يمسك

ص:445


1- في النسخ:التفصيل،و الأنسب ما أثبتناه.
2- الكافي 7:331 باب الشفتين،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
3- الخلاف 5:238.
4- النهاية:766،الاستبصار 4:288،التهذيب 10:246.
5- حكاه عنهم في غاية المراد 4:531،و هو في المقنع:180،الهداية:77،المهذّب و لم نعثر عليه في المهذب،الوسيلة:443،الصهرشتي انظر الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 2:341،المختلف:804.

الماء» (1).

و فيها كما ترى ضعف بأبي جميلة،و إن روى عنه الحسن بن محبوب المحكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (2)،و حكى الماتن مضمونها عن كتاب ظريف أيضاً (3)؛ لعدم بلوغها بالأوّل درجة الاعتبار و الصحة،و ضعف الحكاية بمخالفتها لما يروى عن ذلك الكتاب في الكتب المشهورة ممّا ستعرفه.

نعم عن الخلاف (4)دعوى الإجماع،لكنّه بعد الإغماض عن وهنه في نحو المضمار معارض بالمثل،بل و أجود؛ للتعدّد،كما مضى.

و قال الإسكافي و ابن بابويه (5) على ما حكاه الماتن: في العليا نصف الدية،و في السفلى الثلثان لما في كتاب ظريف المروي (6) في الكتب المشهورة بعدّة طرق معتبرة كما عرفته،لكن ندرة القول به و متروكيته كما في الشرائع و شرحه للصيمري (7)،و عدم مقاومته لما سبق من الأدلّة و ما يأتي يضعِّف العمل به،سيّما مع مخالفته للأدلّة فتوًى و نصّاً على أنّ في الشفتين الدية لا زائداً،إلّا أن يخصّ ذلك بصورة الجناية عليهما معاً لا منفرداً.

ص:446


1- الكافي 7:5/312،الفقيه 4:330/99،التهذيب 10:974/246،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 2.
2- راجع رجال الكشي 2:830.
3- الشرائع 4:264.
4- الخلاف 5:239.
5- حكاه عنهما في المختلف:804.
6- الكافي 7:331 باب الشفتين،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
7- الشرائع 4:264،غاية المرام 4:449.

و قال ابن أبي عقيل: إنّ في كل واحدة نصف الدية لا يفضل إحداهما على الأُخرى بزيادة (1) و هو قوي متين؛ لعموم الأدلّة على أنّ:

ما كان اثنين ففي كل منهما نصف الدية،و خصوص الموثق:«الشفتان العليا و السفلى سواء في الدية» (2).

و حمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد.

و إليه ذهب الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير و الإرشاد و القواعد، و الشهيدان في اللمعتين،و الفاضل المقداد في الشرح (3)،و غيرهم من المتأخرين (4).

و لكن في النفس منه شيء؛ لندرة القول به بين القدماء،بل كاد أن يكون خلاف المجمع عليه بينهم،كما نصّ عليه الحلّي،فقال بعد تقويته هذا القول-:إلاّ أن يكون على خلافه إجماع،و لا شك أنّ الإجماع منعقد على تفضيل السفلى،و الاتفاق حاصل على الستمائة دينار،و الأصل براءة الذمة ممّا زاد عليه،قال:و بهذا القول الأخير أعمل و أُفتي،و هو قول شيخنا في الاستبصار (5).

و يعني القول بالأربعمائة و الستمائة،و قد كان اختار أوّلاً القول الأوّل، و لنعم ما استدرك.

ص:447


1- حكاه عنه في المختلف:804.
2- التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.
3- الشرائع 4:264،التحرير 2:272،الإرشاد 2:237،القواعد 2:325،اللمعة و الروضة البهية 10:209،التنقيح 4:498.
4- انظر كشف اللثام 2:500،المفاتيح 2:148.
5- السرائر 3:383.

و به يضعّف قول من تأخّر،سيّما مع دعاوي الإجماعات المتقدّمة، و ورود الروايات العديدة على خلافه.

و لكن ما حقّقه في اختيار ما في الاستبصار ضعيف؛ فإنّ حاصله الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد على الستمائة،و هو جارٍ في الزائد عن الثلث في العليا أيضاً،فهو و إن أبرأ ذمّة إلّا أنّه شغل اخرى،و التمسك به مشروط بأن لا يلزم منه ثبوت تكليف و لو من وجه آخر،و لو لزم لم يجز قطعاً.

و لو تمسك به في العليا أيضاً لزم خرق الإجماع جدّاً؛ لعدم قائل بالثلث في العليا و ثلاثة أخماس في السفلى كما يقتضيه الأصل فيهما،بل كلّ من قال بالأوّل في الأُولى قال بضعفِه في الثانية،و كلّ من قال بالثلاثة أخماس فيها قال بالخُمسَين في الاُولى،مع أنّ هذا خيرة الإستبصار (1)الذي اختاره لا ما سبقه،فالتمسك لإثباته بأصالة البراءة ضعيف في الغاية.

و من جميع ما مرّ ظهر أنّ المسألة محل تردّد و شبهة،لكن الذي يقتضيه النظر ضعف الأخيرين جدّاً،و يبقى الكلام في تعيين أحد الأوّلين و ترجيحه على الآخر،و لا مرجّح يظهر،فليؤخذ بما هو الأحوط،و هو الأخذ بالمتيقن من الثلث في العليا و الثلاثة أخماس في السفلى،و يرجع في الزائد في المقامين إلى الصلح.

و على الأقوال في (2)بعضها يؤخذ له بحساب ديتها كما سبق في نظائرها.

و في استئصال اللسان الصحيح الدية كاملةً إجماعاً؛ لما مرّ

ص:448


1- الاستبصار 4:288.
2- في المختصر المطبوع زيادة:قطع.

من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدية (1).

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،و فيها الموثق و غيره (2):«في اللّسان إذا استؤصل الدية كاملة».

و كذا في إذهاب النطق جملة و لو بقي اللسان بحاله،بلا خلاف فيه و في أنّه إذا ذهب بعضه قسّمت الدية على الحروف و أُعطي بقدر الفائتة، لا إشكال فيه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:في رجل ضرب رجلاً في رأسه فثقل لسانه،أنّه«يعرض عليه حروف المعجم كلّها،ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها» (3).

و لو قطع بعضه أي بعض اللسان اعتبر بحروف المعجم أيضاً دون مساحته عند أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (4)،و حجتهم غير واضحة؛ لاختصاص المستفيضة المتقدمة بالجناية على المنفعة دون الجارحة التي هي مفروض المسألة.

نعم في الموثق:رجل طرف لغلام طرفة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض و لم يفصح ببعض،قال:«يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية،و ما لم يفصح به أُلزم الدية» قال:قلت:فكيف هو؟قال:«على

ص:449


1- راجع ص 428.
2- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7. و غيره:التهذيب 10:1148/296،الفقيه 4:194/55،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 3.
3- الوسائل 29:358 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 1.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:377،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501.

حساب الجمل:ألف ديتها واحد،و الباء ديتها اثنان،و الجيم ثلاثة،و الدال أربعة،و الهاء خمسة،و الواو ستة،و الزاي سبعة،و الحاء ثمانية،و الطاء تسعة،و الياء عشرة،و الكاف عشرون،و اللام ثلاثون،و الميم أربعون، و النون خمسون،و السين ستّون،و العين سبعون،و الفاء ثمانون،و الصاد تسعون،و القاف مائة،و الراء مائتان،و الشين ثلاثمائة،و التاء أربعمائة، و كل حرف يزيد بعد هذا من:أ،ب،ت،ث،زدت له مائة درهم» (1).

و هو ظاهر فيما ذكروه؛ لقوله:فقطع بعض لسانه،و به صرّح بعض الأصحاب،بل قال:إنّه نصّ (2)فيه.

و منه يظهر ما في اعتراض المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) على الأصحاب بعدم الدليل،قال:فإنّ الدليل على ما سمعت و أشار به إلى الأخبار المتقدمة إنّما دلّ على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط و لم يذهب من الجرم شيء؛ إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف،و أنّه قد يسقط من اللسان و لا يحصل قصور في صدور الحروف،فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا كان فيها فقط،و على المساحة و المقدار على تقدير النقص فيه فقط (3)،إلى آخر ما ذكره(رحمه اللّه).

و لعلّه غفل عن دلالة هذه الموثقة،أو حمل قطع بعض اللسان في قوله:فقطع،على قطع بعض النطق و الكلام؛ لإطلاق اللسان عليه كثيراً،

ص:450


1- التهذيب 10:1043/263،الإستبصار 4:1108/293،الوسائل 29:360 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 7،بتفاوت يسير.
2- كشف اللثام 2:501.
3- مجمع الفائدة 14:377.

و هو و إن كان مجازاً إلّا أنّ القرينة قائمة عليه فيها،و هي عطف«قطع» على طرف،و الطرف في الأصل الضرب على طرف العين،ثم نقل إلى الضرب على الرأس،كما في النهاية الأثيرية (1)،و ظاهر أنّ الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي،بل المجازي،و على هذا يكون سبيل هذه الرواية سبيل المستفيضة في اختصاصها بجناية المنفعة،لا الجارحة.

مضافاً إلى منافاة ما فيها من بسط الدية بحسب حروف الجمل لما عليه الأصحاب كافّة فيما أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (2)من بسطها على حروف المعجم بالسوية،كما هو ظاهر المستفيضة،بل صريح بعضها، و هو قوية السكوني:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل ضرب فذهب بعض كلامه و بقي بعض كلامه،فجعل ديته على حروف المعجم كلّها،ثم قال:

تكلّم بالمعجم،فما نقص من كلامه فبحساب ذلك،و المعجم ثمانية و عشرون حرفاً،فجعل ثمانية و عشرين جزءاً،فما نقص من ذلك فبحساب ذلك (3).

فالأصحّ ما ذكره من عدم دليل بذلك من نصّ و لا رواية.

و الذي يقتضيه النظر و يعضده الأُصول وجوب دية للذّاهب من جرم اللّسان بالمساحة،و أُخرى للذّاهب من الحروف بالنسبة،و يحتمله ما عن الحلبي و الإصباح و في الغنية (4):من أنّه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب

ص:451


1- النهاية الأثيرية 3:121.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501،و فيه:إلا المفيد في بعض نسخ المقنعة.
3- التهذيب 10:1042/263،الإستبصار 4:1107/293،الوسائل 29:360 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 6.
4- الكافي في الفقه:397،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):292،الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الواجب في جميعه و يقاس بالميل،و إذا ذهب بعض اللسان يعنون الكلام اعتبر بحروف المعجم.

لكن يحتمل إرادتهم بذلك الاعتبار بالمساحة إن لم يذهب من الكلام شيء،أو ذهب منه أقلّ من مساحة اللسان بالنسبة إلى الدية،كأن ذهب منه ربعه و من اللسان نصفه،فيؤخذ من الدية بنسبته دون الكلام.

و الاحتمال الأوّل أوفق بالأُصول،لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم؛ لإطباقهم ظاهراً على تداخل الديتين مطلقا،حتى لو تفاوت نسبة كل منهما إلى الدية الكاملة،بأن كان إحداهما بالربع و الأُخرى بالنصف،أو بالعكس.

لكن اختلفوا في أخذ الزيادة عن القدر المتداخل فيه مطلقاً،كما عليه المبسوط (1)نافياً الخلاف عنه،و حكى في المختلف عن الحلبي أيضاً (2)، أو إذا كانت الزيادة للمنفعة خاصّة،و لو انعكس فلا زيادة،كما عليه الأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (3)،بناءً منهم على أنّه لا اعتبار بقدر المقطوع هنا،و دليلهم غير واضح عدا ما قيل (4):من إطلاق ما مرّ من المستفيضة.و فيه ما عرفته.

فإذاً الأجود القول الأوّل؛ أخذاً بالأصل الدالّ على لزوم ديتي الجارحة و المنفعة و أبعاضهما بالنسبة،خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة الإجماع،و الأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقاً،

ص:452


1- المبسوط 7:134.
2- المختلف:805.
3- منه ابن فهد في المهذب البارع 5:323 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:377،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:501.
4- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:213.

فتوًى و رواية،ففي البعض أولى،فتأمّل جدّاً ،و يبقى الزائد عنه مندرجاً تحته؛ مضافاً إلى التأيّد بنقل عدم الخلاف المتقدم.

و قد اختار هذا القول من محقّقي المتأخّرين جماعة،و منهم الفاضل في المختلف و التحرير و القواعد،و شيخنا في المسالك و الروضة (1)، و غيرهم (2).

و هي أي الحروف ثمانية و عشرون حرفاً في المشهور بين الفقهاء،و به نصّت القوية المتقدمة (3)،و نحوه رواية أُخرى صحيحة (4)و ثالثة عن مولانا الرضا(عليه السّلام)مروية (5)،و قصور السند فيها و في الاُولى مجبور بالشهرة بين الفقهاء.

و لكن في رواية أُخرى صحيحة (6)أنّها تسعة و عشرون حرفاً،و هي مع أنّها معارضة بمثلها لراويها أيضاً،و زيادةً عليه عرفتها مطرحة لم أجد بها عاملاً عدا يحيى بن سعيد فيما يحكى عنه (7)،و هو شاذّ،بل على خلافه في ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و غيره (8)الإجماع

ص:453


1- المختلف:805،التحرير 2:270،القواعد 2:325،المسالك 2:501،الروضة 10:215.
2- انظر المفاتيح 2:149.
3- في ص 449.
4- الفقيه 4:266/83،الوسائل 29:358 أبواب ديات المنافع ب 2 ذيل الحديث 2.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):318،المستدرك 18:392 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 3.
6- التهذيب 10:1040/263،الإستبصار 4:1105/292،الوسائل 29:359 أبواب ديات المنافع ب 2 ح 5.
7- حكاه عنه في كشف اللثام 2:501،و هو في الجامع للشرائع:591.
8- الشرائع 4:264،المقتصر:451.

من العلماء،بل من اللغة و العرف أيضاً كما في المسالك و غيره (1)،لكن قيل:إنّه المشهور عند أهل العربية (2)،و عن الكشّاف في تفسير أوّل سورة البقرة أنّ حروف المعجم تسعة و عشرون و اسمها ثمانية و عشرون (3).

و كيف كان فالمذهب هو الأوّل؛ لما مرّ،مع ضعف المعارض،و عدم تعرضه لبيان الزائد ما هو؟و إن قيل:الظاهر أنّه فرّق بين الهمزة و الألف (4).

و في استئصال لسان الأخرس ثلث الدية بلا خلاف أجده، بل عليه في ظاهر المبسوط و السرائر و صريح الخلاف و الغنية (5)إجماع الإمامية،و فيه الحجة.

مضافاً إلى الصحيح:«في لسان الأخرس و عين الأعمى ثلث الدية» (6).

و لا فرق بين كون الخرس خلقيّاً أو عرضيا؛ لإطلاق النص و الفتوى، و لكن مرّ في بعض الصحاح (7)ما يفيد تقييده بالثاني،و لزوم تمام الدية في الأوّل،و لم أَرَ به عاملاً،فيكون على الظاهر شاذّاً.

و في قطع بعضه بحساب ديته بمساحته،كما سبق في

ص:454


1- المسالك 2:501،المفاتيح 2:149.
2- قاله في كشف اللثام 2:501.
3- انظر الكشاف 1:29.
4- المفاتيح 2:149.
5- المبسوط 7:135،السرائر 3:385،الخلاف 5:241،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الكافي 7:6/318،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:1062/270،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 1.
7- الفقيه 4:376/111،الوسائل 29:336 أبواب ديات الأعضاء ب 31 ذيل الحديث 2.

نظائره.

و لو ادّعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية ففي رواية:

« يضرب لسانه بالإبرة،فإن خرج الدم أحمر فقد كذب،و إن خرج أسود فقد صدق » (1)و قد عمل بها الحلبي و ابنا زهرة و حمزة و الشيخ في الخلاف (2)مدّعياً عليه الوفاق.

فإن تمّ إجماعاً أو شهرة جابرة،و إلّا فالسند ضعيف بجماعة،و لذا أعرض عنها المتأخّرون،و قالوا بالتصديق بالقسامة خمسين يميناً بالإشارة أو ستّة على الخلاف المتقدم إليه الإشارة (3)؛لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك، و حصول الظن المستند إلى الأمارة بصدقه و هي الجناية،فيكون لوثاً تثبت به القسامة؛ لما تقدم في بحثها من الأدلّة،و حكي القول بهذا أيضاً عن النهاية (4).

و ظاهر الماتن التوقّف في الحكم،مع أنّه في الشرائع (5)حكم بالقسامة،و لعلّه نشأ من ضعفها كما عرفته،و من قوّة احتمال انجبارها بفتوى هؤلاء القدماء،و سيّما ابن زهرة الذي لا يعمل بالآحاد المجرّدة عن القرائن القطعية،مع احتمال عبارته دعوى الإجماع عليه كالشيخ،و مع ذلك الرواية مروية في الكتب الثلاثة،مع قوة احتمال فتوى الصدوق و الكليني

ص:455


1- الكافي 7:7/323،الفقيه 3:35/11،التهذيب 10:1053/268،الوسائل 29:363 أبواب ديات المنافع ب 4 ح 1.
2- الحلبي في الكافي في الفقه:397،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621،ابن حمزة في الوسيلة:449،الخلاف 5:240.
3- راجع ص 292.
4- النهاية:767.
5- الشرائع 4:248.

بها،و لا سيّما الأوّل،فتأمّل جدّاً .

و في الأسنان بفتح الهمزة لو كسرت فذهبت أجمع الدية كاملاً،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى المعتبرة الآتية.

و هي أي الأسنان المقسوم عليها الدية ثمانية و عشرون سنّاً توزّع عليها متفاوتة كما يذكر منها المقاديم اثنا عشر الثنيّتان و هما وسطها،و الرباعيتان خلفهما،و النابان وراءها،كلّها من أعلى،و مثلها من أسفل،و فيها ستّمائة دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسون ديناراً،و المآخير ستّة عشر أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك و أضراس ثلاثة،و فيها أربعمائة دينار موزّعة عليها بالسوية في كل واحد خمسة و عشرون ديناراً.

و الأصل في هذا التفصيل رواية حكم بن عتيبة (3)أنّه قال لأبي جعفر(عليه السّلام):إنّ بعض الناس في فيه اثنتان و ثلاثون سنّاً،و بعضهم له ثمان و عشرون سنّاً،فعلى كم تقسم دية الإنسان؟فقال:«الخلقة إنّما هي ثمان و عشرون سنّاً اثنتا عشرة في مقاديم الفم و ست عشرة سنّاً في مآخيره، فعلى هذا قسّمت دية الأسنان،فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم،و هي اثنتا عشرة سنّاً،فديتها كلّها ستة آلاف درهم،و في كل سنّ من المآخير مائتان و خمسون درهماً،و هي ست عشرة

ص:456


1- منهم الشيخ في الخلاف 5:243،و الشهيد الثاني في المسالك 2:502،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:386،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:503.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- في«ب»:عيينة.

سنّاً،فديتها أربعة آلاف درهم،فجميع دية المقاديم و المآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم،و إنّما وضعت الدية على هذا،فما زاد على ثمان و عشرين سنّاً فلا دية له،و ما نقص فلا دية له،هكذا وجدناه في كتاب علي(عليه السّلام)» (1).

و ضعف سندها منجبر بفتوى أصحابنا كافّة على الظاهر،المصرَّح به في المسالك و غيره (2)،بل الإجماع كما في ظاهر الغنية و غيره (3)،و هو حجة أُخرى في المسألة.

مضافاً إلى المرسلة المروية في الفقيه قال:قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام).. (4)

و ذكر مضمون الرواية.

فلا إشكال في المسألة،و إن ورد فيها نصوص مستفيضة (5)،فيها الصحيح و غيره ظاهرة المخالفة من حيث الدلالة على التسوية بين الأسنان كلّها في[نصف (6)]عشر الدية؛ لشذوذها على إطلاقها،و احتمالها لذلك الحمل على المقاديم خاصّة،سيّما مع كونها أقرب إلى التلف بالجناية،مع أنّه لو لم تحمل عليها لكانت الدية تزيد على الدية الكاملة،و لا يبعد أيضاً حملها على التقية كما ذكره خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) قال:لاتفاق العامّة على أنّ في كل سنّ خمساً من الإبل،و أنّه لا فرق بين المقاديم

ص:457


1- الكافي 7:1/329،الفقيه 4:351/104،التهذيب 10:1005/254،الإستبصار 4:1089/288،الوسائل 29:343 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 2.
2- المسالك 2:502،المفاتيح 2:150.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621،و انظر الخلاف 5:243.
4- الفقيه 4:347/103،الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 1.
5- الوسائل 29:342 أبواب ديات الأعضاء ب 38.
6- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

و المآخير (1).

و أمّا القوي:«الأسنان إحدى و ثلاثون ثغرة و في كل ثغرة ثلاثة أبعرة و خُمس بعير» (2).فقد حمله الشيخ على التقية،قال:لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة،و لسنا نعمل به.

و لا دية للزائدة عن العدد المذكور لو قلعت منضمّة إلى العضو المقدّر ديته المشتمل على غيره؛ للأصل و الرواية المتقدمة المعتضدين بثبوت الحكم في نظير المسألة،كالإصبع الزائدة لو قطعت مع الكفّ جملة،مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلّا من إطلاق ما في الغنية و عن المقنعة و الكافي و الإصباح و نكت النهاية (3)من أنّ فيها حكومة من دون تفصيل بين قطعها منضمّة أو منفردة،و لكن الأصحاب لم يحكوا عنهم الخلاف هنا،بل حكوه عنهم في الثانية،و لعلّهم فهموا ما يفيد اختصاص كلامهم بها(فيكون الحكم هنا وفاقيّاً لكن الفاضل في المختلف (4)حكم بالأرش في المقامين مستدلّاً بأنّ فيه ألماً و نقصاً في خلقته،و هذا يتمّ في القلع منفرداً لا منضمّاً) (5).

و كيف كان لا إشكال في عدم شيء فيها هنا و إنّما الإشكال في أنّه هل لها ثلث دية الأصل الذي يجنيه كما عن الوسيلة و التحرير (6)،

ص:458


1- ملاذ الأخيار 16:547.
2- التهذيب 10:1029/260،الإستبصار 4:1094/290،الوسائل 29:344 أبواب ديات الأعضاء ب 38 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621،المقنعة:119،الكافي في الفقه:398،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،نكت النهاية 3:436.
4- المختلف:805.
5- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
6- الوسيلة:448،التحرير 2:274.

فيكون لها ثلث دية المقاديم إن كان بينها،و ثلث دية المآخير إن كان كذلك،و إن كانت فيما بينهما فالأقلّ؛ للأصل لو قلعت منفردة عنه،أم يثبت فيها الحكومة فينظر فيما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه لو كان عبداً،و يعطى بحساب دية الحرّ منه،كما في كلام هؤلاء الجماعة،و قوّاه الحلّي،قال:و به أخبار كثيرة معتمدة (1).و اعترضه الماتن فيما حكي عنه بأنّا لا ندري قوّته من أين عرفها؟و لا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها؟و لا الكثرة من أين حصّلها؟و نحن مطالبوه بدعواه (2).

أقول:و لعلّه لذا اختار الأكثر كما في المسالك و الروضة و غيرهما (3) الأوّل،وفاقاً للفقيه و النهاية و السرائر و الجامع (4)،و عن الخلاف (5)دعوى الإجماع عليه،فإن تمّ كان هو الحجة،لا ما ذكره من فساد ما ادّعاه الحلّي من الأخبار المعتمدة؛ لاحتمال دليل آخر غيره،و لعلّه الإجماع كما ادّعاه في الغنية (6)،و به يذبّ عن حكاية الإجماع المتقدّمة.

مع تأيّد هذا بالقاعدة المسلّمة (7)بثبوت الحكومة فيما لم يرد بتقديره نصّ في الشريعة كما هو مفروض المسألة،بل روي عن مولانا الرضا(عليه السّلام):

«أضراس العقل لا دية فيها إنّما على من أصابها أرش كأرش الخدش» (8).

ص:459


1- انظر السرائر 3:386،فإنّه قوّى القول بالثلث ظاهراً،و كذا اعتراض الماتن إليه يكون بالنسبة إلى القول بالثلث.
2- نكت النهاية 3:436.
3- المسالك 2:502،الروضة 10:218،و انظر المفاتيح 2:150.
4- الفقيه 4:103،النهاية:767،السرائر 3:386،الجامع للشرائع:592.
5- الخلاف 5:205.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- ليست في«ب» و«س».
8- فقه الرضا(عليه السّلام):319،المستدرك 18:378 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 3.

و هذه تعاضد القول بالحكومة،و يظهر منها بيان السنّ الزائدة،و أنّها أضراس العقل المتأخّرة عن مجموع الأسنان الموزّع عليها الدية،مع أنّ ذلك مقتضى تقسيمها بما عرفته،و صرّح به جماعة (1)،فلا اشتباه في الزائدة و الأصلية،فما في المسالك و غيره (2)من الإشكال مع عدم التميّز بينهما لا أعرف وجهه،سيّما مع تصريحهم بالتقسيم بما عرفته.

و أمّا الاستدلال للقول بالثلث بوروده في غيره كالإصبع الزائدة فقياس فاسد في الشريعة،فالقول بالحكومة في غاية القوّة،و اختاره من المتأخّرين الفاضل في المختلف (3)كما عرفته،و يميل إليه بعض الميل شيخنا في الروضة و المسالك (4).

و هنا قول آخر حكي عن المقنع (5)،و هو أنّه لا شيء في الزائدة، و لم يفصّل بين صورتي قلعها منضمّة أو منفردة،و ربما استدل له برواية الحكم المتقدمة (6)،و لا دلالة فيها على نفي الأرش،بل الدية خاصّة.

و في اسوداد السنّ بالجناية و لم تسقط ثلثا الدية لها و هي صحيحة،بلا خلاف أجده حتى من الشيخ في المبسوط (7)،إلّا أنّه قيّده بما إذا ذهب كل منافعها حتى لا يقوى على أن يمضغ بها شيئاً،و قال فيها من دونه بالحكومة.

و الأصل في المسألة مضافاً إلى عدم الخلاف فيها في الجملة،بل

ص:460


1- انظر التحرير 2:274،و اللمعة(الروضة 10):216.
2- المسالك 2:502،المفاتيح 2:150.
3- المختلف:805.
4- الروضة 10:218،المسالك 2:502.
5- المقنع:190.
6- راجع ص 454.
7- المبسوط 7:141.

الإجماع كما عن الخلاف و في الغنية (1)الصحيح:«السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة،فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم،و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي ديتها» (2).

و ليس فيه كسائر فتاوي الأصحاب و الإجماعات المنقولة التفصيل بما في المبسوط،كما اعترف به فيه،فقال بعد الحكم بالحكومة:و قد روى أصحابنا فيها مقدّراً ذكرناه في النهاية (3)،يعني ثلثي ديتها.

فهو ضعيف جدّاً،إلّا أن يحمل النص و كلام الأصحاب على المقيّد كما يومئ إليه عبائر جمع منهم (4)،حيث علّلوا الحكم زيادةً على النص بأنّ ذلك بمنزلة الشلل،و هو لا يحصل إلّا في المقيّد،فتأمّل .

و في المقام أخبار أُخر (5)شاذّة،و مع ذلك أكثرها بحسب السند قاصرة أو ضعيفة،و بعضها قابل للجمع بينه و بين الرواية المعمولة.

و كذا روي في انصداعها و نقلقلها و لم تسقط ثلثا الدية،كما قطع بها الشيخان و جماعة (6)،بل ادّعى عليها في الروضة (7)الشهرة و هي تصلح جابرة لما في سند الرواية من ال ضعف إن وجدت، لكنّا لم نقف عليها،و به صرّح جماعة كالفاضل المقداد و الصيمري

ص:461


1- الخلاف 5:246،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:9/334،الفقيه 4:346/102،التهذيب 10:1008/255،الإستبصار 4:1095/290،الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 40 ح 1.
3- النهاية:768.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 10:218،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:392،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:150.
5- انظر الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 40.
6- المقنعة:757،النهاية:768؛ و انظر الشرائع 4:266،و القواعد 2:327.
7- الروضة 10:218.

و غيرهما (1)،فهي مرسلة سنداً و متناً لا تصلح الشهرة لها جابرة؛ إذ الجبر فرع وضوح الدلالة،و هو غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية،و مع ذلك فالمروي في كتاب ظريف و الرضوي (2)كما حكي أنّ فيه نصف ديتها، لكن لم أجد به قائلاً.

و حيث ضعف التمسك بهذه الروايات كان الحكومة أشبه عملاً بالقاعدة فيما لم يرد له تقدير في الشريعة.

و في قلع السنّ السوداء ثلث الدية لها و هي صحيحة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما صرّح به جماعة (3)،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في الغنية (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى صريح الخبر أنّ«في السنّ السوداء ثلث ديتها» (5).

و عموم آخر:«كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (6)لكنّه يتمّ على تقدير[تحقق (7)]الشلل بالسواد.

خلافاً للشيخ في النهاية و عن الجامع (8)،فالربع؛ للخبر (9).

ص:462


1- التنقيح 4:500،غاية المرام 4:452،كشف اللثام 2:504.
2- الكافي 7:/333 ذيل 5،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 1،فقه الرضا(عليه السّلام):319،المستدرك 18:380 أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1.
3- منهم المحقق في الشرائع 4:266،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:150.
4- الخلاف 5:247،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- التهذيب 10:1074/275،الوسائل 29:351 أبواب ديات الأعضاء ب 43 ح 2.
6- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
7- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
8- النهاية:767،الجامع:592.
9- التهذيب 10:1031/261،الوسائل 29:349 أبواب ديات الأعضاء ب 40 ح 3.

و فيه مع ضعف سنده عدم مقاومته لما مرّ،سيّما مع تأيّده بأنّ في اسودادها ثلثي ديتها كما مضى،فينبغي أن يكون في قلعها سوداء ثلثها.

و له في المبسوط (1)،فالحكومة؛ لضعف الأخبار،فيرجع إلى القاعدة.

و هو حسن لولا الشهرة الجابرة له.

و في كتاب ظريف:«فإن سقطت بعد و هي سوداء فديتها اثنا عشر ديناراً و نصف دينار» (2).و هو يؤيّد ما في النهاية،لكن نسخه مختلفة،ففي الكافي و التهذيب كما ذكر،و في الفقيه:«فديتها خمسة و عشرون ديناراً» (3).

و يتربّص بسنّ الصغير الذي لم يثغر مدّة يمكن النبات فيها عادة فإن نبتت فله الأرش و الحكومة و إن لم تنبت فله دية المثغر على الأصح،وفاقاً لجماعة (4).

و في رواية عمل بها جماعة (5)أنه فيها بعير من غير تفصيل فيها بين صورتي النبات و عدمه و هي رواية النوفلي عن السكوني (6)و رواية مسمع (7)،و السكوني ضعيف على المشهور،و صاحبه

ص:463


1- المبسوط 7:142.
2- الكافي 7:/333 ذيل 5،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 8 ح 1.
3- الفقيه 4:58.
4- منهم الشيخ في المبسوط 7:138،و الشهيد الثاني في الروضة 10:218،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:504.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:138،و ابن حمزة في الوسيلة:448،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:648.
6- التهذيب 10:1033/261،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 3.
7- التهذيب 10:1010/256،الوسائل 29:338 أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح 2.

مجهول و الطريق إلى مسمع في هذه يعني روايته ضعيف أيضا بسهل و غيره،و مع ذلك معارضتان بأجود منهما،و قد مضى تمام التحقيق في المسألة في كتاب القصاص في أواخر القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.

و في قطع اليدين و نحوهما الرجلان معاً الدية كاملة و في قطع كل واحدة منهما نصف الدية اتفاقاً،فتوًى و نصّاً مستفيضاً،عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:«ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين» (1)و نحوه عموماً ما مرّ مراراً.

و خصوصاً الصحيح الآخر:«و في اليد نصف الدية» (2).

و نحوه الموثّقان:عن اليد؟قال:«نصف الدية» (3).

و نحوه الخبر بزيادة:«و في اليدين جميعاً الدية،و في الرجلين كذلك» (4).

و إطلاقها كالفتاوي و صريح جملة منها يقتضي عدم الفرق بين اليمنى و اليسرى،و اليد الواحدة خلقةً أو بآفة و المتعدّدة،و ظاهر بعض

ص:464


1- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
3- أحدهما في:الكافي 7:2/311،التهذيب 10:973/246،الوسائل 29:297 أبواب ديات الأعضاء ب 7 ح 3. و الآخر في:التهذيب 10:975/246،الإستبصار 4:1088/288،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10.
4- الكافي 7:6/312،الفقيه 4:329/99،التهذيب 10:971/245،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 6.

الأصحاب (1)أنّ عليه إجماع الطائفة،و هو حجة أُخرى،مضافاً إلى الإطلاقات،فلا يلتفت إلى قوّة اليمنى و كثرة منافعها،و كون اليد الواحدة خلقةً بمنزلة اليدين كما عين الأعور خلقةً؛ لأنّ ذلك خارج بالنص و الإجماع،و إلحاقها بها قياس.

و حدّها أي اليد التي لها الدية المعصم أي الزند عندنا على الظاهر،المصرَّح به في عبارة بعض أصحابنا (2)،معرباً عن دعوى إجماعنا عليه،و هو القرينة على المراد منها في الأخبار،و لولاه لأشكل الحكم،إمّا للإجمال،أو لتبادر جملة العضو إلى المنكب منها عند الإطلاق الموجب لحمل اللفظ عليه.

و تدخل دية الأصابع في ديتها حيث يجتمعان في قطع واحد، بلا خلاف،بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق الأخبار بأنّ في اليدين أو إحداهما الدية أو نصفها.

و في قطع الأصابع العشرة من اليدين كانت أو من الرجلين الدية كاملة إجماعاً على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (4)حدّ الاستفاضة،و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.

و في قطع كل واحدة منها عشر الدية دية النفس،على

ص:465


1- انظر كشف اللثام 2:504.
2- كما في كشف اللثام 2:504.
3- انظر غاية المرام 4:454.
4- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621،و العلّامة في التحرير 2:274،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:504.

الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه المتأخّرون كافّة،و صرّح جماعة (1)منهم بالشهرة؛ للمستفيضة،ففي الصحيح:عن الأصابع أ سَواء هنّ في الدية؟قال:«نعم» (2).

و فيه:«أصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية،في كل إصبع عشر من الإبل» الخبر (3).

و في الموثق:عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟ فقال:«هنّ سواء في الدية» (4).

و في الخبر:«في الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل» (5)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و قيل كما عن الخلاف و الوسيلة و الإصباح و ابن زهرة (6):إنّ في الإبهام ثلث دية اليد الواحدة،و في الأربع الباقية الثلثان بينها بالسوية، و ادّعى الأوّل و الأخير عليه إجماع الإمامية،و قال به الحلبي (7)أيضاً،لكن في اليد خاصّة،و قال في الرِّجل بالتسوية؛ لما في كتاب ظريف من قوله

ص:466


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:502،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:401،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:151.
2- الكافي 7:10/328،التهذيب 10:1015/257،الإستبصار 4:1098/291،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3.
3- الفقيه 4:345/102،التهذيب 10:1016/257،الإستبصار 4:1100/291،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 4.
4- الفقيه 4:340/102،التهذيب 10:1023/259،الإستبصار 4:1101/291،الوسائل 29:347 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 6.
5- الإستبصار 4:1102/292،الوسائل 29:348 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ذيل ح 7.
6- الخلاف 5:248،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
7- الكافي في الفقه:398.

«في الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار..و في الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة و ثمانون ديناراً و ثلث دينار..و دية الأصابع[و القصب (1)]التي في القدم للإبهام ثلث دية الرجلين ثلاث مائة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار» إلى أن قال:«و دية كل إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة و ثمانون ديناراً و ثلث دينار» (2)و نحوه الرضوي كما حكي (3).

و في الجميع نظر؛ لوهن نقل الإجماع بمخالفة الأكثر،مع معارضته باستفاضة نقل الشهرة الموهنة على خلافه،و قصور الخبرين عن المقاومة للمستفيضة من وجوه عديدة.

و دية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد في كل عقدة ثلث ديتها و في الإبهام تقسم ديتها على اثنتين في كل منهما نصفها،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الخلاف و في الغنية (4)؛ للقوي:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان يقضي في كل مفصل من الأصابع بثلث عقل تلك الإصبع إلّا الإبهام[فإنّه (5)]كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام؛ لأنّ لها مفصلين» (6).

ص:467


1- في النسخ:و العَصَب،و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 7:10/334،11/338،الفقيه 4:194/60،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 12 ح 1،308 أبواب ديات الأعضاء ب 17 ح 1.
3- حكاه في كشف اللثام 2:505،و هو في فقه الرضا((عليه السّلام)):323.
4- الخلاف 5:249،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- في النسخ:فإنّها،و ما أثبتناه من المصادر.
6- الفقيه 4:385/113،التهذيب 10:1018/257،الوسائل 29:350 أبواب ديات الأعضاء ب 42 ح 1.

و أمّا ما في كتاب ظريف و الرضوي كما حكي ممّا يخالف ذلك فشاذّ لا عامل به.

و في قطع الإصبع الزائدة ثلث دية الأصلية بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)؛ لبعض المعتبرة و لو بالشهرة:«في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة» (3).

و أمّا الخبر:«الخلقة التي قسّمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين، ما زاد أو نقص فلا دية له» (4)فمع ضعف سنده محمول على قطعها منضمّة،و يحمل الأوّل على قطعها منفردة؛ جمعاً.

و في شلل الأصابع أو اليدين أو الرجلين ثلثا ديتها بلا خلاف أجده،بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف و في الغنية (5)أنّ عليه الإجماع؛ للمروي في الصحيح و غيره:«إذا يبست من الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلّها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد» قال:«و إن شلّت بعض الأصابع و بقي بعض فإنّ في كل إصبع شلّت ثلثي ديتها» قال:«و كذلك الحكم في الساق و القدم إن شلّت أصابع القدم» (6).

ص:468


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الكافي 7:11/338،الفقيه 4:349/103،التهذيب 10:1011/256،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 2.
4- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
5- المبسوط 7:143،الخلاف 5:249،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- الكافي 7:9/328،الفقيه 4:348/103،التهذيب 10:1017/257،الإستبصار 4:1097/290،الوسائل 29:347 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 5،بتفاوت يسير.

و يرشد إليه أنّ في قطع الشلّاء ثلث ديتها اتفاقاً ظاهراً،و نسبه بعض الأصحاب (1)إليهم كافّة مشعراً بكونه إجماعاً،و ادّعاه في الغنية صريحاً، و يدلّ عليه الخبران أيضاً،في أحدهما:«في كلّ إصبع من أصابع اليدين ألف درهم..و كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (2).

و الثاني:فيمن قطع يد رجل له ثلاث أصابع من يده شلل..«و قيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكفّ ألف درهم؛ لأنّها على الثلث من دية الصحاح» (3).

و أمّا النصوص (4)الدالّة على أنّ في شلل اليدين،و كذا الأصابع الدية، كالصحيحة،فشاذّة لا عامل بها أجده،و إن تضمّنت الصحيح و غيره،مع مخالفتها الاعتبار،و عدم مقاومتها لما مر من الإجماع و الأخبار،فلتطرح،أو تحمل على التقية؛ لكونها مذهب الشافعي كما حكاه بعض الأجلّة (5)،أو يقرأ:«سلّت» فيها بالسين المهملة لا المعجمة،بمعنى انتزعت و قطعت، فلا معارضة.

و في الظفر إذا قلع و لم ينبت،أو نبت أسود عشرة دنانير،فإن

ص:469


1- انظر كشف اللثام 2:506.
2- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
3- الكافي 7:14/306،التهذيب 10:777/196،الوسائل 29:332 أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح 2.
4- أنظر الوسائل 29:346،348 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3،8،وص 357 أبواب ديات المنافع ب 1 ح 1.
5- حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.

نبت أبيض فخمسة دنانير وفاقاً للمشهور كما ادّعاه جماعة (1)حدّ الاستفاضة؛ لرواية مسمع:«في الظفر إذا قطع و لم ينبت،أو خرج أسود فاسداً عشرة دنانير،فإن خرج أبيض فخمسة دنانير» (2).

و في سند الرواية ضعف بجماعة،لكنه مجبور بالشهرة،كما اعترف به الفاضلان في الشرائع و التحرير (3).

و أمّا الصحيح المطلق فيه لخمسة دنانير (4)فشاذّ،لا عامل به،محتمل للتقييد بالرواية بحمله على ما لو عاد أبيض،و لا بُعد في هذا الحمل و لا غرابة،و إن حكم بها شيخنا في الروضة (5)؛ إذ لا وجه له سوى صحة المطلقة و ضعف المفصّلة،و إلّا فهي أصرح دلالةً بها تفوق على الصحيحة بحيث يجب حملها عليها بلا شبهة،و الضعف منجبر بالشهرة،و الصحيحة بإطلاقها شاذّة لا عامل بها،كما عرفت،و اعترف هو به في المسالك (6)، و رفع اليد عن مثلها بالرواية المنجبرة بالشهرة ليس بأوّل قارورة.

فلا غرابة فيه،بل الغرابة إنّما هي فيما ذهب إليه الحلّي (7)و تبعه جماعة و منهم هو في المسالك و الروضة (8)،و هو وجوب عشرة دنانير متى

ص:470


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:502،و الشهيد الثاني في الروضة 10:230،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
2- الكافي 7:12/342،التهذيب 10:1012/256،الوسائل 29:349 أبواب ديات الأعضاء ب 41 ح 1.
3- الشرائع 4:268،التحرير 2:274.
4- الكافي 7:11/328،التهذيب 10:1016/257،الوسائل 29:350 أبواب ديات الأعضاء ب 41 ح 2.
5- الروضة 10:231.
6- المسالك 2:503.
7- السرائر 3:388.
8- المسالك 2:503،الروضة 10:231.

قلع و لم يخرج،و متى خرج أسود فثلثا ديته؛ لأنّه في معنى الشلل؛ و لأصالة البراءة من الزائد،مع ضعف المأخذ،و بُعد مساواة عوده لعدمه.

و وجه الغرابة في ذلك أنّ فيه اطراحاً للروايات جملةً،سيّما الصحيحة؛ لعدم معلومية عملهم بها بالمرّة،فتأمّل ،بخلاف الضعيفة؛ لعملهم بها في الصورة الأُولى.

فإن كانت هي الحجة لهم فيها فلتكن حجة في صورة نباته أسود أيضاً،و الأدلّة التي ذكروها في مقابلها لا تقاومها؛ لكونها ما بين عام يجب تخصيصه بها،و استبعاد و نحوه ممّا هو اجتهاد صرف لا يسمع في مقابلتها.

و إن لم تكن هي الحجة لهم فلا دليل لهم على اعتبار العشرة دنانير عدا تخيّل الإجماع عليه.

و فيه نظر،فإنّ للإسكافي (1)هنا قولاً ثالثاً،و هو أنّ في ظفر إبهام اليد عشرة دنانير،و في كلّ من الأظفار الباقية خمسة،و في ظفر إبهام الرِّجل ثلاثون،و في كل من الباقية عشرة،كلّ ذلك إذا لم ينبت أو نبت أسود معيباً،و إلّا فالنصف من ذلك.

و هو كما ترى صريح في عدم ثبوت العشر في كلّ من الأصابع.

و الذبّ عنه بعدم قدح في خروجه لمعلومية نسبه حسن لو حصل القطع بقول المعصوم(عليه السّلام)بالعشر مطلقاً من اتفاق من عداه،و قد يمنع.

و لو سلّم فلا يمكن ذلك من شيخنا،كما لا يذهب على من له انس بطريقته في الإجماع،و لا يخفى.

فانحصر الحجة على العشر في الرواية،فإن تمسّكوا بها له فليقولوا به مطلقاً و يرفعوا اليد عن الأدلّة التي ذكروها؛ لما ذكرنا،و إلّا فلا أعرف

ص:471


1- حكاه عنه في المختلف:807.

دليلهم على ثبوت العشر حيث اعتبروه أصلاً.

و مع ذلك لا وجه لطرحهم الرواية الصحيحة و عدم العمل بإطلاقها عدا ندرتها و شذوذها،و هو بعد تسليمه يرفع أصل ما استبعده من الفقهاء.

و في كتاب ظريف:«في كل ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير،و من أظفار الرجل عشر» (1)و لم أرَ به عاملاً،فهو شاذّ كالصحيحة.

و في كسر الظهر مع عدم صلاحه بالعلاج و الجبر الدية كاملة و كذا لو احدودب بالجناية،فخرج ظهره و ارتفع عن الاستواء أو صار بحيث لا يقدر على القعود أصلاً،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الأوّل في الغنية (2)،و حكي عن الخلاف (3)في الأخيرين،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل ما مرّ مراراً،و من الثاني في الأوّل الصحيح:في الرجل يكسر ظهره،فقال:«فيه الدية كاملة» (4)و نحوه غيره (5).

و منه في الثاني في كتاب ظريف:«فإن أحدب منها الظهر فحينئذٍ تمّت ديته ألف دينار» (6).

ص:472


1- الكافي 7:10/334،الفقيه 4:194/58،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 12 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الخلاف 5:253.
4- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4.
5- الكافي 7:7/312،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.
6- الكافي 7:/342 ذيل 12،الفقيه 4:/58 194،التهذيب 10:1148/295،الوسائل 29:311 أبواب ديات الأعضاء ب 18 ح 1.

و نحوه الخبر:«الظهر إذا أحدب ألف دينار» (1).

و منه في الثالث الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أنّ فيه الدية» (2).

و قصور السند أو ضعفه حيث كان بالعمل منجبر.

و لو صلح بعد الكسر أو التحديب بحيث يقدر على المشي و القعود كما كان يقدر عليهما و لم يبق عليه من أثر الجناية شيء فثلث الدية على المشهور،كما في المسالك و الروضة و غيرهما (3)،و لم أعرف مستنده،و به صرّح جماعة (4).

قيل:و يمكن أن يكونوا حملوه على اللحية إذا نبتت،و قد مرّ،أو على الساعد (5)،ففي كتاب ظريف أنّ فيه:«إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس» (6)بناءً على أنّ المراد به الساعدان جميعاً (7).

و هو كما ترى،بل الظاهر وصول نصّ إليهم لم يصل إلينا.

و هنا أقوال أُخر غير معلومة المأخذ عدا ما في الغنية (8):من أنّ فيه

ص:473


1- الكافي 7:1/311،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 2.
2- الكافي 7:8/312،التهذيب 10:978/248،الوسائل 29:305 أبواب ديات الأعضاء ب 14 ح 1.
3- المسالك 2:503،الروضة 10:232،غاية المرام 4:457.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:408،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:506.
5- في النسخ:الساعدين،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.
6- الكافي 7:335،الفقيه 4:60،التهذيب 10:301،الوسائل 29:301 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 1.
7- قاله في كشف اللثام 2:506.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

عشر الدية مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و حكي أيضاً عن الإصباح و موضع من السرائر و المقنعة (1).

و الحجة عليه بعد الإجماع المزبور ما في كتاب ظريف من أنّه:

«إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار،و إن عثم فألف دينار» (2)و به أفتى في الإرشاد (3)أيضاً،فقال:و لو كسر الصلب و جبر على غير عيب فمائة دينار،فإن عثم فألف،مع أنّه قال قبل ذلك بلا فاصلة:فإن صلح أي الظهر فالثلث.

و هو غريب،إلّا أن يبنى على الفرق عنده بين الظهر و الصلب،كما يستفاد منه أيضاً في التحرير (4)،و لكنّه خلاف ظاهر الأصحاب،بل صريح بعضهم كشيخنا في الروضة (5)،حيث فسّر الصلب بالظهر،و به صرّح في مجمع البحرين و غيره (6).

و في قطع ثديي المرأة ديتها كاملة و في كل واحدة نصف الدية إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في الغنية و التحرير و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (7)؛ للقاعدة المتقدمة غير مرّة في أنّ كل ما في الإنسان منه اثنان فيه ديته،و في أحدهما نصفها.

ص:474


1- الإصباح(الينابيع الفقهية 24):293،السرائر 3:410،المقنعة:767.
2- الكافي 7:338،الفقيه 4:62،التهذيب 10:304،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.
3- الإرشاد 2:239.
4- التحرير 2:271.
5- الروضة 10:232.
6- مجمع البحرين 2:101،لسان العرب 1:526.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621،التحرير 2:273،الروضة 10:233،و انظر مرآة العقول 24:93،و فيه:بلا خلاف.

مضافاً إلى خصوص الصحيح المتضمّن لقول الأمير(عليه السّلام):«في رجل قط ثدي امرأته:إذاً أُغرّمه لها نصف الدية» (1).

و كذا في حلمتي ثدييها عند جماعة (2)؛ للقاعدة المزبورة.

و استشكله آخرون (3):من ذلك،و من أنّ الدية تجب في الثديين و هما بعضهما،فينبغي أن يكون فيهما بعضها بالحساب.

و الحمل على اليد و الرجل حيث تجب الدية بقطع الأصابع منهما خاصّة و بقطعها مع الكفّ أو القدم أيضاً،و نحو ذلك قياس مع الفرق بالإجماع و النص و عدمهما،و بإطلاق اليد و الرجل على أبعاضهما عرفاً كثيراً كما في آيتي الوضوء (4)و قطع السارق (5)،بخلاف الثدي؛ لعدم إطلاقه على الحلمة كإطلاقهما على أبعاضهما.

و هذا الوجه حسن إن منع عموم ما يدل على القاعدة بحيث يشمل لمفروض المسألة،و إلّا فلا وجه له؛ فإنّ الحكم بالدية لذلك حكم بالنص لا بالقياس.

و حيث أوجبناها لحلمتيها فلإن نوجبها في حلمتي الرجل بطريق أولى؛ لعدم ثديين له تكونان بعضاً منهما حتى يجري فيهما وجه المنع عن

ص:475


1- الكافي 7:17/314،التهذيب 10:998/252،الوسائل 29:354 أبواب ديات الأعضاء ب 46 ح 1.
2- منهم الشيخ في المبسوط 7:148،و ابن حمزة في الوسيلة:450،و الحلّي في السرائر 3:394.
3- منهم المحقق في الشرائع 4:268،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:660،و العلّامة في القواعد 2:328.
4- المائدة:6.
5- المائدة:38.

الدية في حلمتيها،كما لا يخفى،و به أفتى الفاضل في جملة من كتبه (1)تبعاً للشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي (2)مدّعيين أنّه مذهبنا.

و قال ابن بابويه في الفقيه و ابن حمزة (3):إنّ في كل من حملة ثدي الرجل ثمن الدية مائة و خمسة و عشرون ديناراً و فيهما معاً ربع الدية،استناداً إلى كتاب ظريف (4).

و المسألة محل إشكال،فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال،و إن كان القول بالحكومة في المقامين لا يخلو عن قوّة وفاقاً لجماعة (5)؛ للشك في عموم القاعدة لمفروض المسألة،و عدم دليل يعتدّ به على تقدير؛ لتعارض كتاب ظريف إن قلنا باعتبار سنده مع الإجماع المستظهر من عبارة الشيخ و الحلّي،و لا مرجّح يطمأنّ به،فيرجع إلى الضابط فيما لا تقدير له؛ مضافاً إلى أصالة البراءة.

و في قطع حشفة الذكر فما زاد و إن استؤصل الدية كاملة، إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (6)،و هو الحجة بعد القاعدة المشار إليها غير مرّة.

مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي

ص:476


1- الإرشاد 2:241،التحرير 2:273،المختلف:809.
2- المبسوط 7:148،الخلاف 5:257،السرائر 3:394.
3- الفقيه 4:65،الوسيلة:450.
4- الكافي 7:338،الفقيه 4:65،التهذيب 10:307،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.
5- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:699،و الشهيد الثاني في المسالك 2:503.
6- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الصحيح و غيره:«في الذكر إذا قطعت الحشفة فما فوق الدية» (1)و نحوهما صحيح آخر (2)،لكن من دون قوله:«فما فوق».

و في الموثقين:«في الذكر إذا قطع الدية كاملة» (3).

و نحوه الخبر (4)،لكن مقيّداً بذكر الرجل،و ليس المراد من القيد إخراج ذكر الصغير؛ للاتفاق ظاهراً على دخوله فتوًى و نصّاً،ففي الصحيح و القوي:«في ذكر الغلام الدية» (5).

بل المراد و اللّه العالم إخراج نحو ذكر الخنثى إذا لم تعلم حالها، أو علم كونها أُنثى،فإنّ في ذكرها و الحال هذه إمّا ثلث ديتها كما عن الإسكافي و المقنع (6)،لكنّه لم يضف الدية إليها،بل قال:ثلث الدية، و أطلقها؛ أو الحكومة كما صرّح به بعض الفضلاء (7)؛ عملاً بالقاعدة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة؛ لعدم نصّ على ما ذكرا من ثلث الدية مطلقاً.

و حيث شمل الحكم ذكر الصبي مطلقا فشموله للشيخ و الشابّ العاجز

ص:477


1- الكافي 7:3/311،التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:284 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4؛ و انظر الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 6.
2- الكافي 7:4/312،التهذيب 10:972/246،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 5.
3- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:975/246،976،الوسائل 29:285،286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7،10.
4- التهذيب 10:977/247،الوسائل 29:287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 11.
5- الصحيح في:الكافي 7:14/313،الفقيه 4:325/98،التهذيب 10:982/248،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 1. و القوي في:الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:816،المقنع:180.
7- انظر كشف اللثام 2:508.

عن الجماع أصلاً أولى،و بالعموم لجميع هؤلاء صرّح جماعة من أصحابنا (1).

و في ذكر العنّين ثلث الدية على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و مرّ نقل الإجماع عليه عن الخلاف مع نقل الخلاف فيه من كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف.

و كذا ذكر الأشل فيه ثلث الدّية،و هو الذي يكون منبسطاً أبداً فلا ينقبض و لو في الماء البارد،أو يكون منقبضاً أبداً فلا ينبسط و لو في الماء الحارّ،و إن التذّ صاحبه و أمنى بالدخول أو المساحقة و أولد؛ لأنّه عضو أشلّ و ديته ذلك،كما أنّ في الجناية عليه صحيحاً حتى صار أشل ثلثي ديته،و عليه الإجماع في الغنية (2)،مع عدم خلاف فيه أجده.

و فيما قطع منه أي من كل من حشفة ذكر الصحيح و ذكر العنّين يؤخذ من ديتهما بحسابه أي بحساب ذلك المقطوع منسوباً إلى مجموع الحشفة في الأوّل،و إلى مجموع الذكر في الثاني و أشلّه مطلقا.

و الفرق بينهما و بين الصحيح أنّ الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذَّة الجماع و وردت بخصوصها الدّية،بخلافها فيهما؛ لاستواء الجميع في عدم المنفعة و عدم ورود الدية فيهما لخصوص الحشفة،مع كونه عضواً فينسب بعضه إلى مجموعة بناءً على الأصل.

و في (3)الخصيتين معاً الدية كاملة إجماعاً،فتوًى و نصّاً، عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:«و في البيضتين الدية» (4).

ص:478


1- منهم الشيخ في المبسوط 7:151،و الشهيد الثاني في الروضة 10:235،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:508.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- في«ب» و«س» زيادة:سلّ.
4- التهذيب 10:970/245،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ذيل الحديث 4.

و في كل واحدة منهما نصف الدية وفاقاً للمقنعة و المبسوط و النهاية و الكافي و الكامل و الإصباح و السرائر و الغنية (1)،و بالجملة:الأكثر، كما صرّح به جماعة (2)،بل عليه المتأخّرون كافّة،و ظاهر الغنية أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص القائلة:إنّ ما في الإنسان منه اثنان في أحدهما نصف الدية (3).

و يعضده إطلاق ما في كتاب ظريف من قوله:«و في خصية الرجل خمسمائة دينار» (4).

و في رواية صحيحة عمل بها جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف (5)مدّعياً عليه الإجماع أنّه في اليسرى ثلثا الدية و في اليمنى الثلث،مع تضمّنها أنّ ما كان في الجسد منه اثنان فيه نصف الدية،و لذا سأل الراوي عن التفصيل (6)فقال:أ ليس قلتَ:«ما كان في الجسد منه اثنان..؟!» فقال:« لأنّ الولد» منها أي«من البيضة اليسرى» (7).

و نحوها المرفوع المروي في الفقيه عن مولانا الصادق(عليه السّلام)قال

ص:479


1- المقنعة:755،المبسوط 7:152،النهاية:769،الكافي في الفقه:399،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):294،السرائر 3:393،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:503،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:152.
3- انظر الوسائل 29:283،287 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1،12.
4- الفقيه 4:65،التهذيب 10:307.
5- الخلاف 5:259،الجامع للشرائع:589،المهذّب 2:48،المراسم:244.
6- في«ن»:التفضيل.
7- الكافي 7:22/315،التهذيب 10:989/250،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.

«الولد يكون من البيضة اليسرى،فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية،و في اليمنى الثلث» (1).

و عمل بها من المتأخّرين الفاضل في المختلف (2)،مستدلّاً عليه زيادةً على الروايتين بتفاوتهما في المنفعة فتتفاوتان في الدّية.

و فيه نظر؛ لأنّه مجرّد مناسبة،و في صلوحها حجة مناقشة،سيّما في مقابلة تلك الأدلّة،فإذاً الحجة الرواية الخاصة أن سلّمناها.

مع كون الثانية مرفوعة،و مضمونها كالصحيحة من انحصار الولد في اليسرى ممّا قيل:إنّه قد أنكره بعض الأطباء (3)،و إنّه نسبه الجاحظ إلى العامة العمياء (4).

لكن يمكن الذبّ عن هذا باندفاعه بعد تسليمه بأنّه لا يعارض به ما ثبت بالنص الصحيح عن أئمّة الهدى سلام اللّه عليهم،لكن الإشكال في التمسّك به في مقابلة الأدلّة العامّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و إجماع الخلاف مع وهنه بمخالفة الأكثر معارض بمثله.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا يترك الاحتياط فيها على حال مع الإمكان،و مع عدمه فالإشكال بحاله،و لكن مقتضى الأصل المصير إلى ما عليه الأكثر.

و هنا قولان آخران،أحدهما للإسكافي،و هو أنّ فيهما معاً و كذا في اليسرى الدية،و في اليمنى نصفها (5).

و الثاني للراوندي،و هو التنصيف في الشيخ اليائس من الجماع

ص:480


1- الفقيه 4:386/113،الوسائل 29:311 أبواب ديات الأعضاء ب 18 ح 2.
2- المختلف:809.
3- الروضة 10:237.
4- كشف اللثام 2:508،و هو في كتاب الحيوان 1:123.
5- حكاه عنه في المختلف:808.

و التثليث في الشابّ (1).

و هما مع مخالفتهما و لا سيّما الأوّل الأدلّة المتقدمة،بل الإجماع لا شاهد عليهما عدا الثاني،فربما يتخيّل له الجمع بين النصوص بذلك، و لا شاهد عليه عدا إشعار التعليل به،و هو قريب إن عملنا بالنص المعلّل به،و الإشكال إنّما هو فيه.

و في أُدْرَة الخصيتين بضمّ الهمزة فسكون الدال ففتح الراء المهملتين،و هي انتفاخهما أربعمائة دينار،فإن فَحَجَ بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم،أي تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قدميه فلم يقدر على المشي أو مشى مشياً لا ينتفع به فثمانمائة دينار بلا خلاف حتى من نحو الحلّي (2)ممّن لا يعمل بالآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية.

و المستند كتاب ظريف (3)المروي بعدّة طرق معتبرة،كما عرفته، و على تقدير ضعفه فهو مجبور بالشهرة،كما اعترف به الماتن في الشرائع (4)و جماعة (5).

و في الخبر:تزوّج رجل امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففقأت (6)بيضته فصار آدر،فكان بعد ذلك ينكح(و لا يولد له) (7)،فسألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن ذلك،و عن رجل أصاب[سرة (8)]رجل ففتقها؟

ص:481


1- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد 4:541.
2- السرائر 3:393.
3- انظر التهذيب 10:307 308.
4- الشرائع 4:269.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:503،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:505،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:152.
6- كذا،و في المصادر:ففتقت.
7- في الكافي و الوسائل:و يولد له.
8- بدل ما بين المعقوفين في النسخ:صرّة،و ما أثبتناه من المصادر.

فقال(عليه السّلام):«في كل فتق ثلث الدية» (1)و هو ظاهر المنافاة للحكم الأوّل،إلّا أنّه قاصر السند،شاذّ،لا يوجد به عامل،فليطرح،أو يحمل على ما إذا لم يبلغ الفتق الأُدرة كما قيل (2)،فتأمّل.

و في قطع الشفرتين بالضمّ،و هما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم،كما في مجمع البحرين و الشرائع و القواعد و الروضة و عن المبسوط (3)،و لكن عن موضع آخر منه و في السرائر (4)تفسيرهما بما يخالف ذلك،و هو حاشية لحم الفرج،مع نسبتهما له إلى أهل اللغة، و وافقهم على النسبة بعض الأجلة (5) الدية كاملة و في كل واحد منهما نصف الدية بلا خلاف أجده؛ للقاعدة المتقدمة غير مرّة.

مضافاً إلى الخبرين،أحدهما الصحيح:عن رجل قطع فرج امرأته؟ قال:«أُغرمه لها نصف الدية» (6).

و نحوه الثاني،لكن فيه:«لاُغرمنّه ديتها» (7).

و هو محمول على قطع الشفرتين معاً،و الأوّل على قطع إحداهما، و الشاهد عليه بعد الاتفاق القاعدة التي قدّمناها.

ص:482


1- الكافي 7:10/312،التهذيب 10:979/248،الوسائل 29:337 أبواب ديات الأعضاء ب 32 ح 1.
2- انظر كشف اللثام 2:509،و لمزيد التوضيح انظر مفتاح الكرامة 10:448.
3- مجمع البحرين 3:352،الشرائع 4:269،القواعد 2:329،الروضة 10:238،المبسوط 7:149.
4- السرائر 3:392.
5- كشف اللثام 2:509.
6- الكافي 7:17/314،التهذيب 10:998/252،الوسائل 29:340 أبواب ديات الأعضاء ب 36 ح 2.
7- الكافي 7:15/313،الفقيه 4:382/112،التهذيب 10:996/251،الوسائل 29:340 أبواب ديات الأعضاء ب 36 ح 1.

و ليس في الخبرين كما ترى لفظ الشفرتين حتى يحتاج إلى تحقيق معناهما،بل غاية ما فيهما قطع الفرج،و المتبادر منه الشفرة بالمعنى الأوّل.

و إثبات الدية في قطعها بالمعنى الثاني بالقاعدة حسن إن سلّم شمول عموم ما دلّ عليها للشفرتين بهذا المعنى،لكنّه محل إشكال،و الأصل يقتضي المصير فيه إلى الحكومة،أو الدية بنسبة المساحة إلى ما تجب فيه الدية من الشفرة بالمعنى الأوّل،فتأمّل .

و في الإفضاء للمرأة الحرّة فلم يندمل صحيحاً الدية أي ديتها كاملة،إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في الغنيّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي الصحيح:

عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟قال:

«الدية كاملة» (2).

و أمّا ما في القوي (3)من ثبوت الأرش فمع قصور سنده و عدم مقاومته للمستفيضة من وجوه عديدة محمول على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة، قال:لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة (4).

أو على ما إذا كانت المفضاة جارية،فقد روى الصدوق-(رحمه اللّه) عن نوادر الحكمة:أنّ الصادق(عليه السّلام)قال في رجل[أفضت (5)]امرأته جاريته

ص:483


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الكافي 7:11/313،الفقيه 4:337/101،التهذيب 10:980/248،الوسائل 29:370 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
3- التهذيب 10:986/249،الإستبصار 4:1112/295،الوسائل 29:282 أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 3.
4- الإستبصار 4:295.
5- في النسخ:افتضت،و الأنسب ما أثبتناه كما في الوسائل.

بيدها؛ فقضى أن:«تقوّم قيمة و هي صحيحة و قيمة و هي مفضاة،فيغرمها ما بين[الصحة (1)]و العيب،و أجبرها على إمساكها؛ لأنّها لا تصلح للرجال» (2).

و لعلّه لذا خصّ الحكم بالحرّة في بعض العبائر كالغنية (3)،لكنّه خلاف ما يقتضيه إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،فتأمّل .

أو على ما ذكره الخال العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) من تقييده بما إذا لم يبلغ حدّ الإفضاء المصطلح عليه (4).

و هو كما في مجمع البحرين (5) أن يصير المسلكين أي مسلك الحيض و الغائط واحداً و قيل: هو أن يخرق الحاجز بين مخرج البول و مخرج الحيض كما في المبسوط و السرائر و الفاضل في القواعد و الشهيدين في اللمعتين (6)،بل لم أرَ مخالفاً لهم عدا من مرّ و الماتن هنا،و غلّطاه في الكتابين الأوّلين بعد أن نسباه إلى كثير من أهل العلم؛ و وجهه أنّ الحاجز بين القبل و الدبر عصب قوي يتعذّر إزالته بالاستمتاع غالباً،فيشكل أن يحمل عليه إطلاق النص و الفتوى،و لا كذلك الحاجز بين مدخل الذكر و مخرج البول،فإنّه رقيق ربما انقطع بالتحامل عليها،فهذا القول أقوى.

ص:484


1- في النسخ:الصحيحة،و الأنسب ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 4:378/111،الوسائل 29:330 أبواب ديات الأعضاء ب 26 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- ملاذ الأخيار 16:532.
5- مجمع البحرين 1:331.
6- المبسوط 7:149،السرائر 3:393،القواعد 2:330،اللمعة و الروضة 10:239.

و يلحق به في الأحكام كلّها الإفضاء بالتفسير الأوّل بطريق أولى،و به صرّح جماعة من أصحابنا،كالفاضل في المختلف و التحرير و القواعد و ولده في شرحه (1)،قال:لصدق اسم الإفضاء على كلّ منهما حقيقة، و عليه فيرجع النزاع لفظيّاً.

لكن لو رجّح الإفضاء بالتفسير الأوّل أشكل أن يلحق به الإفضاء بالتفسير الثاني؛ لعدم الدليل،إلّا أن يعلّل أصل الحكم زيادةً على النص بإذهاب منفعة الوطء التي هي من أهمّ المنافع التي يجب بفواتها الدية، و هو مشترك بين التفسرين.

و هو حسن بالإضافة إلى الحكم بوجوب الدية،سيّما مع وقوع التصريح به له في بعض النصوص الصحيحة (2).

و اعلم أنّه لا فرق في لزوم الدية بين الزوج و غيره إذا كان قبل بلوغها؛ لإطلاق النص و الفتوى؛ مضافاً إلى التصريح به في الزوج في جملة منهما،و يختصّ بغيره بعده؛ لإطلاقهما.

و يسقط ذلك أي لزوم الدية عن الزوج لو أفضى (3) زوجته بعد البلوغ بلا خلاف فيه في الجملة؛ لأنّه فعل سائغ (4)مأذون فيه شرعاً،فلا ينبغي أن يوجب ضماناً؛ و للصحيح و غيره المتقدّمين في كتاب النكاح (5).

ص:485


1- المختلف:808،التحرير 2:271،القواعد 2:331،إيضاح الفوائد 4:703.
2- التهذيب 10:1037/262،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 2.
3- في المختصر المطبوع:وطئها.
4- ليس في«ن» و«س».
5- راجع ج 11:69،70.

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها يقتضي عدم الفرق في الإفضاء بين صورتي وقوعه بتفريط و عدمه.

خلافاً للمختلف و الروضة (1)فقيّداه بالصورة الثانية،و استجوده أيضاً بعض الأجلّة (2)،و لا بأس به،و إن كان بعد لا يخلو عن مناقشة.

أمّا لو كان إفضاء الزوج زوجته قبله أي قبل البلوغ ضمن الدية لما عرفته من إطلاق الفتوى و الرواية؛ مضافاً إلى التصريح به في الصحيح و غيره المتقدمين ثمّة،لكن فيهما أنّه لا شيء عليه لو أمسكها و لم يطلّقها،و الشيء المنفي يعمّ الدية أيضاً،و لكن لم أجد به قائلاً،و به صرّح خالي العلّامة المجلسي (3)-(رحمه اللّه) بل زاد فقال:و لم يقل به أحد، و حمل على ما سوى الدية،و أمّا هي فتجب عليه بلا شبهة.

مع المهر إن وقع الإفضاء بالجماع؛ لتحقّق الدخول الموجب لاستقراره،و لو وقع بغيره كالإصبع مثلاً بني استقراره على عدم عروض موجب التنصيف كالطلاق و الموت حيث قلنا به.

و لزمه أي الزوج مع ذلك الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما و تحرم عليه مؤبّداً،و قد مضى بيان ذلك مع ما يتعلق بالمسألة في كتاب النكاح مفصّلاً.

و في قطع الرجلين معاً الدية كاملة و في كل واحدة نصف الدية إجماعاً؛ لما مرّ في اليدين عموماً و خصوصاً.

مضافاً إلى الموثق:«في الرجل الواحدة نصف الدية» (4).

ص:486


1- المختلف:808،الروضة 10:240.
2- كشف اللثام 2:509.
3- ملاذ الأخيار 16:530،مرآة العقول 24:93.
4- الكافي 7:7/312،التهذيب 10:976/247،الوسائل 29:285 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 7.

و الخبر:«في أنف الرجل إذا قطع من المارن الدية تامّة» إلى أن قال:

«و الرجلان بتلك المنزلة» (1).

و حدّهما مفصل الساق (2) ،و إن اشتملت على الأصابع بلا خلاف.

و في أصابعهما و أظفارهما ما في أصابع اليدين و أظفارهما من التفصيل و الأحكام،بلا خلاف إلّا من الحلبي و الإسكافي (3)،حيث فرّق الأوّل بين إبهامي اليدين و الرجلين،فأثبت الثلث في الأوّل و العشر في الثاني،و فرّق الثاني بين أظفارهما كما مضى،و لكن ظاهر الأصحاب و الأدلّة خلافهما و اتحاد الرجلين مع اليدين و أبعاضهما حكماً من دون فرق أصلاً.

و هنا

مسائل
الأولى دية كسر الضلع خمسة و عشرون ديناراً

مسائل ستّ:

الأُولى: دية كسر الضلع خمسة و عشرون ديناراً إن كان ممّا خالط القلب،و عشرة دنانير إن كان ممّا يلي العضدين كما هنا و في الشرائع و التحرير و الإرشاد و القواعد و اللمعتين و عن الوسيلة (4)،و بالجملة:لم أجد خلافاً فيه حتى من السرائر (5)،لكنّه أطلق المقدار الأوّل في مطلق الضلع و لم يفصّل.

و المستند في المسألة كتاب ظريف (6)المروي بعدّة طرق معتبرة كما

ص:487


1- الكافي 7:9/312،الوسائل 29:286 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 8.
2- في«ح»،زيادة:و القدم.
3- الحلبي في الكافي:398،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:807.
4- الشرائع 4:270،التحرير 2:275،الإرشاد 2:241،القواعد 2:329،اللمعة و الروضة البهية 10:251،الوسيلة:450.
5- السرائر 3:411.
6- الكافي 7:338،الفقيه 4:62،التهذيب 10:304،الوسائل 29:304 أبواب ديات الأعضاء ب 13 ح 1.

عرفته،و هو مصرّح بالتفصيل الذي ذكره الجماعة.

و ظاهرهم كالمستند أنّ الأضلاع قسمان،قسم يخالط القلب ففيه المقدار الأوّل،و قسم لا يخالطه و يلي العضدين و هو الأعلى منها ففيه المقدار الثاني.

و من الأصحاب من نزّل العبارات على أنّ لكل ضلع جانبين،ففي جانبها الذي يخالط القلب خمسة و عشرون و في الجانب الآخر المقدار الآخر،و هو الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،و تبعه شيخنا في المسالك و الروضة (2)،و لم أعرف وجهه.

الثانية لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه

الثانية: لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه فلم يملك بذلك غائطه و لا بوله ففيه الدية كاملة،كما في الكتب المتقدمة من غير خلاف لهم أجده،و به صرّح الصيمري (3)،بل زاد فقال:بل فتاوي الأصحاب متطابقة.و بالشهرة صرّح في المسالك و الروضة (4)،قال:و كثير من الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً.و هذه العبارة ربما أشعرت بوجود ناقل للخلاف في المسألة،و لم أعرفه،و على تقدير وجوده فضعيف غايته.

للمعتبرة المعتضدة بالشهرة،ففي الصحيح:عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه،ما فيه؟فقال:«الدية كاملة» الخبر (5).

و في الموثق،بل الصحيح كما قيل (6):«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في

ص:488


1- التنقيح الرائع 4:507.
2- المسالك 2:504،الروضة 10:251.
3- غاية المرام 4:459.
4- المسالك 2:504،الروضة 10:252.
5- الكافي 7:11/313،الفقيه 4:337/101،التهذيب 10:980/248،الوسائل 29:370 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 1.
6- قال به في مجمع الفائدة 14:422.

الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه و لا بوله أنّ في ذلك الدية» (1).

و مع ذلك فيه إذهاب للمنفعة المهمّة،فيناسبه إيجاب الدية كاملة.

و المراد بالبُعصوص:عظم الورك و عظم رقيق حول الدبر و هو العُصعُص كما في مجمع البحرين و غيره (2)،و بالعجان بكسر العين ما بين الخصية و الفَقحة،أي حلقة الدبر (3).

الثالثة قال الشيخان في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو

الثالثة: قال الشيخان في المقنعة و النهاية (4):إنّ في كسر عظم من عضو لقطعه مقدّر خمس دية ذلك العضو،فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره و به قال الحلّي و ابن زهرة (5)مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و حكي عن المراسم و الإصباح و الجامع و التحرير و القواعد و التلخيص و الإرشاد و التبصرة (6).

و عن الخلاف (7)أنّه قال:إذا كسرت يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد،و إن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره،و استدلّ عليه بالإجماع و الأخبار.

و عن الوسيلة (8)أنّ في كسر كل من العضد و المنكب و المرفق و قصبة

ص:489


1- الكافي 7:12/313،الفقيه 4:326/98،التهذيب 10:981/248،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 2.
2- مجمع البحرين 4:164؛ و انظر لسان العرب 7:7.
3- مجمع البحرين 6:281.
4- المقنعة:766،النهاية:776.
5- السرائر 3:410،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- المراسم:245،الإصباح(الينابيع الفقهية:24):295،الجامع:596،التحرير 2:273،القواعد 2:329،الإرشاد 2:241،التبصرة:214.
7- الخلاف 5:250.
8- الوسيلة:453.

الساعد و أحد الزندين أو الكفّين خمس دية اليد،و في كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية كسر الكفّ،و في الثانية نصف دية كسر الكفّ،و في كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر ديناراً و ثلثاً،و في كسر الأوّل نصفه،و في صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر.

و قالا في موضحته ربع دية كسره و به قال أيضاً جميع من مرّ مدّعيا ابن زهرة فيه أيضاً الإجماع (1)،و لم ينقل الخلاف هنا عمّن سبق نقل الخلاف عنه و لا غيره،بل عن الخلاف الموافقة هنا مدّعياً عليه الوفاق أيضاً (2).

و قالا في رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ أو عثم فإن بريء على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه و به قال أيضاً جميع من سبق، مع دعوى ابن زهرة عليه أيضاً الإجماع (3)،و عن ابن حمزة أنّه قال:فإن رضّ أحد خمسة أعضاء:المنكب،و العضد،و المرفق،و الرسغ،و الكفّ، و انجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد،و قيل:مائة (4)و ثلاثون ديناراً و ثلث (5).

و قالا في فكّه من العضو بحيث يتعطل ثلثا ديته أي دية ذلك العضو فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه و به قال من مرّ أيضاً عدا ابن زهرة،فلم يذكر هذه المسألة،و لم ينقل الخلاف هنا عن أحد.

و ظاهر المتأخّرين الموافقة لهم في جميع الأحكام المتقدمة،و به صرّح الماتن في النكت فيما حكي عنه،لكن في مسألتي الكسر و الرضّ،

ص:490


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- انظر الخلاف 5:263.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- في المصدر زيادة:و ثلاثة.
5- الوسيلة:453.

فقال مشيراً إليهما:ذكرهما الشيخان و تبعهما المتأخّرون و لم يشيروا إلى المستند (1).

و بشهرتها على الإطلاق صرّح شيخنا في الروضة،فقال بعد الحكم بجميع ما مرّ-:هذا هو المشهور،و الأكثر لم يتوقّفوا في حكمه إلّا المحقق في النافع فنسبه إلى الشيخين،و المستند كتاب ظريف مع اختلاف يسير، فلعلّه نسبه إليهما لذلك (2).

و قريباً منه ذكر في المسالك (3)،لكن جعل المستند كتاب ظريف من دون ذكر ما فيه من الاختلاف،و جعل وجه النسبة إلى الشيخين ضعف المستند دونه،و لذا اعترضه المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه)فقال:

و قد عرفت عدم الضعف؛ فإنّ ما في كتابه منقول من غيره بطريق حسن،بل صحيح،و لكن ما رأيته،و كأنّه يفهم من رواية كتاب ظريف من مثل:«في العضد إذا كسر و جبر على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد، و دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً».

و من مثل:«و في الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين[مائتا (4)]دينار،فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة و ستّون ديناراً،و دية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً» و لعلّ المراد كسر الركبتين معاً.

و من قوله:«و دية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار،فإن

ص:491


1- نكت النهاية 3:455.
2- الروضة 10:250.
3- المسالك 2:504.
4- في النسخ:مائة،و لعل الصحيح ما أثبتناه،كما في المصادر.

كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس دية كسره ثمانون ديناراً،فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة و عشرون ديناراً» (1).

و قال:في كتاب ظريف:«فإن رضّ أي المنكب فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار،فإن فكّ فديته ثلاثون ديناراً» (2).

و أمثالها كثيرة،و لا يفهم ما ذكروه،بل يفهم غيره من ثلث دية النفس في رضّ العضو إذا عثم،و دية فكّه ثلاثون ديناراً،فقول شارح الشرائع:

و مستند هذا التفصيل كتاب ظريف؛ غير واضح (3)،انتهى.

و هو حسن،و لكن ما في الروضة لا يرد عليه شيء ممّا ذكره،و إنّما نقلنا كلامه بطوله لتكفّله مع ذلك لبيان مآخذ الأحكام من كتاب ظريف و ما يتعلق به من النقض و الإبرام،لكن مرجعه إلى الإشكال في ثبوتها كما ذكروه؛ لعدم دليل يدل عليها كما سطروه؛ لما في كتاب ظريف من الاختلاف المعلوم.

و هو حسن،إلّا أنّ نقل الإجماع في الغنية المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة و المحكية،و إجماع الخلاف في الموضحة،مع عدم دليل واضح على صحة ما عليه الخلاف في مسألة الكسر،و ابن حمزة فيها و في مسألة الرضّ،عدا الإجماع في الخلاف الموهون بمصير من عداه إلى الخلاف،

ص:492


1- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300،الوسائل 29:307 أبواب ديات الأعضاء ب 16 ح 1.
2- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300 301،الوسائل 29:299 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
3- مجمع الفائدة و البرهان 14:423.

مع معارضته بالمثل لعلّه كافٍ في إثباتها عدا الحكم الأخير،فيشكل من حيث عدم نقل الإجماع فيه،لكن الشهرة العظيمة مع عدم خلاف فيها أجده و لا نقله أحد من الطائفة لعلّها كافية في إثباته أيضاً،سيّما مع إمكان دعوى عدم القائل بالفرق بينه و بين ما سبقه من الأحكام،فكلّ من قال بها قال به أيضاً،فتأمّل جدّاً.

مع إمكان الاستدلال عليه بما ذكره المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:

و يمكن أن يستدل على ما ذكره في المتن للفك بأنّه شلل،و بقوله في كتاب ظريف في ذكر الورك:«و دية فكّها ثلثا ديتها» (1)و نحوها،فافهم،و ما يفهم منه في المجبور و المصلح على غير عيب أربعة أخماس الفك و الكسر كثير في كتاب ظريف،و قد مرّ البعض (2)،انتهى المقصود من كلامه(قدّس سرّه).

الرابعة قال بعض الأصحاب في الترقوة إذا كسرت

الرابعة: قال بعض الأصحاب و لعلّه الشيخ في المبسوط و الخلاف (3)،كما يفهم من الماتن في الشرائع (4):أنّ في الترقوة بفتح التاء فسكون الراء فضمّ القاف،و هي العظم الذي بين ثغرة النحر و العاتق إذا كسرت فجبرت على غير عيب فأربعون ديناراً و حكي أيضاً عن ابن حمزة (5)،و أفتى به من المتأخّرين جماعة (6)،بل في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب (7).

ص:493


1- التهذيب 10:305.
2- مجمع الفائدة 14:424.
3- انظر المبسوط 7:155،الخلاف 5:261.
4- الشرائع 4:271.
5- الوسيلة:449.
6- منهم العلّامة في الإرشاد 2:241،و التبصرة:214،و الشهيدان في اللمعة و الروضة 10:246،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:424.
7- غاية المرام 4:459.

و المستند كتاب ظريف (1) و الرضوي (2)كما حكي.

و المصنف لم يجزم بذلك؛ لأنّ التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية،و الكتاب المذكور لعلّه لم يصلح عنده حجة إمّا لضعفه كما زعمه غيره (3)،أو لتضمّنه ما لا يقول به الأصحاب كثيراً.

و فيهما نظر،و لو سلّما لانجبرا بالشهرة المحكية،بل الإجماع كما عن الخلاف (4).

و ليس في النص و الفتوى حكم الترقوتين إذا لم تجبرا أو جبرتا على عيب،فينبغي الرجوع فيهما إلى القاعدة،و مقتضاها الحكومة،و يشكل لو نقصت عن الأربعين؛ لوجوبها فيما لو عدم العيب،فكيف لا تجب معه! و لو قيل بوجوب أكثر الأمرين كما في الروضة (5)كان حسناً.

و عن ابن حمزة و المهذّب و في شرح الشرائع للصيمري (6)أنّ فيهما الدية كاملة،و في إحداهما نصفها؛ عملاً بضابطة أنّ ما في الإنسان منه اثنان فيهما الدية و في أحدهما نصفها.

و هو حسن إن سلّم شمولها لنحو الترقوتين،و هو محلّ تردّد،و الأصل يقتضي الرجوع إلى الحكومة كما قلنا.

الخامسة روي:أنّ من داس بطن إنسان حتى أحدث

الخامسة: روي:أنّ من داس بطن إنسان حتى أحدث في ثيابه ببول

ص:494


1- الكافي 7:334،الفقيه 4:59،التهذيب 10:300،الوسائل 29:299 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):321،المستدرك 18:347 أبواب ديات الأعضاء ب 9 ح 4.
3- المسالك 2:504.
4- انظر الخلاف 5:261.
5- الروضة 10:248.
6- الوسيلة:449،لم نعثر عليه في المهذب للقاضي،و هو موجود في المهذب البارع 5:352،غاية المرام 4:460.

أو غائط خاصّة كما هو ظاهر الرواية،فلا يلحق بهما الريح كما فعله في الروضة (1)،بل يجب القطع فيها بالحكومة،كما صرّح به بعض الأجلّة (2) ديس بطنه حتى يحدث أو يفتدي بثلث الدية،و هي رواية النوفلي عن السكوني عن مولانا الصادق(عليه السّلام)أنّه رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام) رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى(عليه السّلام) (3)بذلك.

و عمل بمضمونها جماعة كالشيخين و ابن حمزة (4)،و نسبه في الروضة إلى الأكثر (5)،و عن الشيخ في الخلاف عليه الإجماع (6)،فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلّا فالرواية قضيّة في واقعة مخالفة للأُصول،كما أشار إليه الحلّي،فقال بعد نقلها:الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا الرواية؛ لأنّ فيه تغريراً (7)بالنفس،فلا قصاص في ذلك بحال (8).و تبعه من المتأخّرين جماعة (9)مختارين الحكومة.

و ظاهر الفاضلين هنا و في الشرائع و التحرير و الشهيد في اللمعة (10)و غيرهم (11)التوقّف في المسألة،حيث أجابوا عن الرواية بأنّ راويها

ص:495


1- الروضة 10:253.
2- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:507.
3- الكافي 7:21/377،الفقيه 4:374/110،التهذيب 10:1089/279،الوسائل 29:182 أبواب قصاص الطرف ب 20 ح 1.
4- المقنعة:761،النهاية:770،الوسيلة:450.
5- الروضة 10:253.
6- الخلاف 5:299.
7- في النسخ:التعزير،و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
8- السرائر 3:395.
9- منهم العلّامة في المختلف:809،و ابن فهد في المهذب البارع 5:353،و الشهيد الثاني في المسالك 2:504.
10- الشرائع 4:271،التحرير 2:275،اللمعة(الروضة 10):253.
11- مجمع الفائدة 14:425.

السكوني و فيه ضعف مشهور،و لم يصرّحوا مع ذلك بالحكومة.

و هو حسن؛ لما ذكرنا من القوادح.و لإمكان الذبّ عنها بالإجماع و الشهرة المنقولين،مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (1)،مع أنّ صاحبه لا ينفكّ عنه غالباً،فيقوى قبول رواياتهما، سيّما مع كثرتها و عمل الأصحاب بأكثرها،مع ردّهم الروايات الصحيحة في مقابلها،و اعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بالرواية عنهما كثيراً، و لذا يعدّ حديثهما قويّاً.

لكن الخروج بذلك عن مقتضى الأُصول محل إشكال،و الأصل معه يقتضي المصير إلى الحكومة إن لم يمكن الخروج عنه بنحو من المصالحة.

السادسة من افتضّ بكراً بإصبعه

السادسة: من افتضّ بكراً بإصبعه مثلاً فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه ديتها كملاً و مهر نسائها على الأظهر الأشهر كما هنا و في التنقيح (2)،و نسبه في الفقيه إلى أكثر روايات الأصحاب (3).

أقول:و ممّا وصل إلينا منها صريحاً رواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن(عليه السّلام)أنّ فيه الدية (4)،و لم نقف على الباقي،و لعلّها وصلت إليه و لم تصل إلينا،أو أراد بها ما سيأتي من النصوص في أنّ السلس فيه الدية كاملة،و لأجله اختار الفاضلان و جماعة (5)مضمون الرواية فقالوا:إنّ استمساك البول منفعة واحدة،فيجب في تفويتها الدية كاملة.

ص:496


1- العدّة 1:380.
2- التنقيح 4:509.
3- الفقيه 4:66.
4- التهذيب 10:308،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 3.
5- الشرائع 4:271،التحرير 2:271،الإيضاح 4:704،غاية المرام 4:461.

و لكن في رواية ظريف المشهورة أنّ فيه ثلث ديتها (1) و هي و إن اعتبر سندها و اعتضدت بغيرها كالخبر المتقدم مراراً أنّ في كل فتق ثلث الدية،لكن لم أجد بها قائلاً،فلا يعترض بها ما قدّمنا،سيّما مع اعتضاده بالشهرة الظاهرة و المحكية،و بها يجبر ضعف الرواية السابقة، مضافاً إلى انجباره بالنصوص الآتية.

و في التحرير (2)أنّ في رواية أُخرى مهر نسائها،و لم يشر غيره إليها، و لعلّها قوية السكوني:«إنّ عليّاً(عليه السّلام)رفع إليه جاريتان دخلتا الحمام فافتضّت إحداهما الأُخرى بإصبعها،فقضى على التي فعلت عقلها» (3)أي مهرها،على ما فهمه جماعة (4).

و يحتمل أن يكون المراد ب«عقلها» ديتها،و به نصّ في مجمع البحرين،فقال بعد تفسير العقل بالدية-:و منه الحديث:«جاريتان افتضّت إحداهما الأُخرى» ثم ساق الرواية و قال بعدها:يعني ديتها (5).

و على هذا فتكون هذه الرواية معاضدة للرواية الأُولى،لكن ليس فيها ذكر المهر،و ربما يتوهّم منه نظراً إلى ورودها في مقام الحاجة عدم لزومه، و لكن الأمر فيه سهل؛ للاتفاق على ثبوته،مضافاً إلى الرواية السابقة الصريحة و القاعدة،فإنّ هنا جنايتين في منفعة و جارحة،و الأصل عدم

ص:497


1- الفقيه 4:66،التهذيب 10:308،الوسائل 29:335 أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 3.
2- التحرير 2:271.
3- التهذيب 10:987/249،الوسائل 29:354 أبواب ديات الأعضاء ب 45 ح 1.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:419،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:510.
5- مجمع البحرين 5:427.

التداخل إلّا ما أخرجته الأدلّة و لا مخرج في المسألة،و ظاهر الأصل ثبوت مهر المثل كما أفتى به الجماعة.

قيل:و يحتمل أرش البكارة (1)،كما يشعر به القوية المتقدّمة في إفضاء المرأة (2).

ص:498


1- قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:419،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:510.
2- راجع ص 481.

المقصد الثاني في الجناية على المنافع

المقصد الثاني في بيان أحكام الجناية على المنافع و دياتها.

اعلم أنّ في ذهاب العقل الدية كاملة،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في المبسوط و الغنية و غيرهما من كتب الجماعة (1)، و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها زيادةً على ما يأتي ظاهر الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه،و بصره، و لسانه،و عقله،و فرجه،و انقطع جماعه و هو حي،بستّ ديات» (2)و يعضده القاعدة في أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه واحد كان فيه الدية.

و لو شجّه أو قطع عضواً منه فذهب عقله لم تتداخل الجنايتان بل لكل منهما ديته على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للمبسوط و الخلاف (3)،مدّعياً في ظاهر الأوّل و صريح الثاني الإجماع عليه،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الرواية السابقة،و أصالة عدم التداخل في الدية.

و لكن في رواية (4) صحيحة عمل بها في النهاية

ص:499


1- المبسوط 7:126،الغنية(الجوامع الفقهية):621 و فيها:بالإجماع،كما في الخلاف 5:234،و مجمع الفائدة 14:426،و كشف اللثام 2:510.
2- الكافي 7:2/325،التهذيب 10:999/252،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 6 ح 1.
3- المبسوط 7:127،الخلاف 5:234.
4- الكافي 7:1/325،الفقيه 4:327/98،التهذيب 10:1003/253،الوسائل 29:366 أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1.

و ابن سعيد (1)أنّه إن كانت الجنايتان بضربة واحدة تداخلتا دية،و إلّا فلا،و هي طويلة مضى ذكرها في أوائل كتاب القصاص في بحث تداخل جناية النفس و الأطراف،و لم يعمل بها الأكثر هنا و ثمة،حتى الشيخ في النهاية هناك؛ لأنّ ظاهرها كما عرفته دخول جناية الطرف في النفس مطلقاً و لو افترقتا،و لم يقل به في النهاية،بل قال في صورة الافتراق بعدم التداخل،فليت شعري كيف يمكن استناده إليها هنا مع مخالفتها لما ذكره ثمّة،و يحتمل أن يكون له هنا مستند آخر غيرها لم يصل إلينا.

و بالجملة:هذه الرواية و إن كانت صحيحة إلّا أنّ العامل بها هنا لم أجده سوى الشيخ و بعض من تبعة،و هو قد رجع عنها في كتابيه المتقدّمين،و صرّح به الحلّي فقال هنا بعد الحكم بعدم التداخل-:و قد كنّا قلنا من قبل:فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة،إلّا أن يكون ضربه بضربتين أو ثلاث فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذٍ جنايتها، [فأوردناه (2)]على ما أورده شيخنا في نهايته،إلّا أنّ هذا أظهر من ذلك، و شيخنا فقد رجع عمّا أورده في نهايته،و قال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه،و هو الصحيح؛ لأنّ تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (3)،انتهى.

و كأنّه لم يقف على كلامه هذا،الفاضل المقداد في شرح الكتاب (4)، فنسب إليه الموافقة هنا للنهاية.

ص:500


1- النهاية:771،الجامع:595.
2- في النسخ:و أوردنا،و ما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.
3- السرائر 3:414.
4- التنقيح 4:510.

و بالجملة:فلا يعترض بمثل الرواية الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مضافاً إلى ظاهر الرواية السابقة.

و مع ذلك تضمّنت أنّه لو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة،فإن مات قيد به،و إن بقي و لم يرجع إليه عقله فعليه الدية و هو أيضاً مخالف للأُصول،كما يظهر من الفاضلين هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير (1)،حيث نسبا هذا الحكم إلى الرواية،و أشار إليه الشهيد -(رحمه اللّه) في النكت،فقال:و وجهه أنّ إطلاق القود بعد مضي السنّة لا يتمّ إلّا بتقدير أن يكون الضربة ممّا يقتل غالباً،أو قصده و حصل الموت بها، و لكن الرواية أعمّ من ذلك،إلّا أنّه-(رحمه اللّه) قال:و لكن هذا مقيّد بالنص الصحيح (2)،فلذا لم يتوقّف فيه غيرهما،و يمكن تقييده بما يوافق الأُصول جمعاً،و قرينته الضرب بعمود الفسطاط على الرأس،فربما كان ذلك مما يقتل غالباً.

و في إذهاب السمع من الأُذنين معاً الدية كاملة، بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح التحرير و ظاهر الغنية (3)، و هو الحجة زيادةً على ما مرّ في العقل من النص عموماً و خصوصاً،و منه هنا زيادةً على ما يأتي الصحيح:«في ذهاب السمع كلّه ألف دينار» (4).

و في إذهاب سمع كل اذن نصف الدية مطلقاً،كانت إحداهما أحدّ من الأُخرى أولا،كانت الأُخرى ذاهبة بسبب من اللّه تعالى أو بجناية

ص:501


1- الشرائع 4:272،الإرشاد 2:242،التحرير 2:275.
2- غاية المراد 4:550.
3- التحرير 2:275،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الكافي 7:1/311،الفقيه 4:55،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1.

أو غيرهما،بلا خلاف أجده إلّا من ابن حمزة (1)،فأوجب الدية كاملة إن كانت الأُخرى ذهبت بسبب من اللّه سبحانه،و نصفها إن كانت ذاهبة بغيره مطلقاً.و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير ظاهر عدا القياس بعين الأعور، و هو فاسد.

و في بعض السمع بحسابه من الدية بلا خلاف؛ للقاعدة؛ مضافاً إلى الرواية (2)التي استندوا إليها لكيفية استعلام النسبة بين الصحيحة و الناقصة و هي أن تقاس الناقصة إلى الأُخرى بأن تسدّ الناقصة سدّاً شديداً و تطلق الصحيحة و يصاح به بصوت لا يختلف كميّته،كصوت الجرس متباعداً عنه حتى يقول:لا أسمع ثم يعاد عليه ثانياً من جهة أُخرى،و لو فعل به ذلك مراراً من أربع جهات كما في الرواية كان أولى.

و على كل حال يجب أن تعتبر المسافة من جانبيه،أو جوانبه الأربع بأن يعلّم مبدأ كل مسافة قال فيها:لا أسمع،و منتهاه، و ينسب إلى باقي المسافات مبدءاً و منتهًى و يصدّق مع التساوي أي تساوي المسافات قدراً و يكذّب مع التفاوت ثم مع التساوي تطلق الناقصة و تسدّ الصحيحة سدّاً جيّداً و يفعل به كذلك أي يعتبر بالصوت كما مرّ حتى يقول:لا أسمع،ثم يكرّر عليه الاعتبار كما مرّ،و ينسب التفاوت بين الصحيحة و الناقصة و يؤخذ من ديتها بنسبة التفاوت بينهما.

و الرواية المتضمّنة لهذه الكيفية و إن كانت ضعيفة إلّا أنّها مجبورة بالاعتبار،مع عدم خلاف فيها في ظاهر الأصحاب،و يعضدها ما في كتاب

ص:502


1- الوسيلة:445.
2- الكافي 7:4/322،الفقيه 4:333/100،التهذيب 10:1045/265،الوسائل 29:362 أبواب ديات المنافع ب 3 ح 2.

ظريف بعد ذكر المقايسة بين العينين من قوله:«و إن أصاب سمعه شيء فعلى نحو ذلك يضرب له بشيء لكي يعلم منتهى سمعه،ثم يقاس ذلك» (1)و نحوه غيره (2).

و لا يقاس السمع في يوم ريح،و لا في المواضع المختلفة في الارتفاع و الانخفاض؛ لعدم الانضباط،بل يتوخّى و يختار القياس في سكون الهواء و المواضع المعتدلة.

و في إذهاب ضوء العينين معاً الدية و في إحداهما نصفها، بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (3)،بل عليه الإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسألتين عموماً و خصوصاً.

و لو ادّعى إذهاب نظره عقيب الجناية و هي أي العين و حدقتها قائمة و لم يعلم بصدقه بالبيّنة أو تصديق الجاني حلف المجني عليه باللّه تعالى القسامة على الأظهر الأشهر،كما في المسالك (5)،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ لما في كتاب ظريف (6)،و ما عرضه يونس على مولانا الرضا(عليه السّلام)المروي في الصحيح و غيره،و فيهما:أنّ القسامة على ستة أجزاء،فإن ادّعى ذهاب البصر كلّه حلف ستّاً أو حلف هو و خمسة رجال

ص:503


1- الفقيه 4:56،التهذيب 10:298.
2- الكافي 7:9/324،التهذيب 10:1050/267،الوسائل 29:374 أبواب ديات المنافع ب 12 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- كشف اللثام 2:511.
5- المسالك 2:504.
6- تقدمت الإشارة إليه في الهامش 2.

معه،و إن ادّعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة،و إن ادّعى ذهاب ثلثه حلف يمينين،أو هو و آخر معه (1)،و هكذا.

و في رواية ضعيفة أنّه يقابل ب عينه الشمس فإن بقيتا مفتوحتين صدق و إلّا كذب،و بها أفتى ابن زهرة و الديلمي و الحلبي و الشيخ في الخلاف (2)،مدّعياً عليه الإجماع.

و فيه وهن بمخالفة الأكثر،و الرواية ضعيفة كما عرفته،مع قصورها كالإجماع المحكي عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة.

فهذا القول ضعيف،و إن نفى البأس عنه في المختلف (3)إن أفاد الحاكم ظنّاً؛ لعدم دليل عليه أيضاً،مع كونه خارجاً عن إطلاق القولين و أدلّتهما من دون دليل أجده له صالحاً،عدا ما دلّ على حجّية ظنّ الحاكم، و لا عموم له يشمل المقام؛ لاختصاصه بالظنّ الحاصل له في نفس الحكم الشرعي دون موضوعاته إلّا ما أخرجه الدليل منها،و لا مخرج هنا،إلّا أن يدّعى الاستقراء،و لم أتبيّنه هنا.

و لو ادّعى نقصان بصر إحداهما قيست إلى الأُخرى،و فعل بالنظر إلى المنظور كما فعل بالسمع بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في الغنية (4)؛ للمعتبرة،منها الصحيح:عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره،أيّ شيء يعطى؟قال:«تربط إحداهما،ثم توضع له بيضة ثم

ص:504


1- الكافي 7:9/324،التهذيب 10:1050/267،الوسائل 29:374 أبواب ديات المنافع ب 12 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621،المراسم:245،الكافي في الفقه:396،الخلاف 5:235.
3- المختلف:817.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

يقال له:انظر،فما دام يدّعي أنّه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال:لا أبصر،قرّبها حتى يبصر،ثم يعلّم ذلك المكان،ثم يقاس ذلك القياس من خلفه و عن يمينه و عن شماله،فإن جاء سواء،و إلّا قيل له:كذبت حتى يصدق» إلى أن قال:«و يصنع بالعين الأُخرى مثل ذلك ثم يقاس ذلك على دية العين» (1).

و نحوه صحيح آخر (2)،و غيره (3)،لكن ليس فيهما ذكر للجهات الأربع،بل اقتصر فيهما على جهتين خاصّة،و عليهما العمل،إلّا أنّ مراعاة الجهات الأربع أحوط و أوضح.

و ما تضمّنته هذه النصوص في كيفية الاعتبار أجود و أشهر.

و عن المفيد (4)-(رحمه اللّه)الاعتبار بنحو آخر،و لكنّ الأمر سهل؛ إذ الظاهر أنّ الضابط هو فعل ما يظهر معه للحاكم صدق المدّعى كما صرّح به في المختلف (5)،و لذا قال بعد نقل الأقوال في كيفية الاعتبار-:و لا خلاف و لا طائل تحت هذه المسألة.

و لو ادّعى نقصانهما قيستا إلى أبناء سنّه بأن يوقف معه و ينظر ما يبلغه نظره،ثم يعتبر ما يبلغه نظر المجني عليه،و يعلم نسبة ما بينهما،فإن

ص:505


1- الكافي 7:8/323،التهذيب 10:1046/265،الوسائل 29:368 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 1.
2- الفقيه 4:331/100،التهذيب 10:1049/266،الوسائل 29:369 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 3.
3- الكافي 7:6/323،التهذيب 10:1047/266،الوسائل 29:368 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 2.
4- المقنعة:758.
5- المختلف:802.

استوت المسافات الأربع صدق و إلّا كذب،بلا خلاف أجده،بل عليه في ظاهر الغنية إجماع الإمامية (1)،و هو الحجة المعتضدة بالصحيح:«اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل قد ضرب رجلاً حتى نقص من بصره،فدعا برجل من أسنانه فأراهم شيئاً فنظر ما نقص من بصره فأعطاه من ديته ما انتقص من بصره» (2).

و لا يقاس في يوم غيم،و لا في أرض مختلفة الجهات؛ لئلّا يحصل الاختلاف بالعارض؛ و للقوي و غيره:«لا تقاس عين في يوم غيم» (3).

و في إبطال الشم من المنخرين معاً الدية كاملة،و من إحداهما خاصّة نصفها،بلا خلاف أجده،و به صرّح في المبسوط و الخلاف و الغنية (4)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسائل السابقة من القاعدة.

و لو ادّعى ذهابه عقيب جناية يمكن زواله بها و لم يظهر حاله بالامتحان اعتبر بتقريب الحراق بضم الحاء و تخفيف الراء،و هو ما يقع فيه النار عند القدح أي يقرب منه بعد علوق النار به فإن دمعت عيناه و حوّل أنفه عنه فهو كاذب و إلّا فصادق،كما في الرواية المتقدمة في اعتبار بصر العين المدّعى زواله،و أفتى بها هنا أيضاً ابن زهرة و الشيخ في

ص:506


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:321/97،التهذيب 10:1055/268،الوسائل 29:269 أبواب ديات المنافع ب 8 ح 4.
3- الفقيه 4:339/101،التهذيب 10:267،1051/268،1052،الوسائل 29:365 أبواب ديات المنافع ب 5 ح 1،2.
4- المبسوط 7:131،الخلاف 5:238،الغنية(الجوامع الفقهية):621.

الخلاف (1)مدّعياً أيضاً عليه الوفاق.و فيهما ما سبق.

و الأشهر على الظاهر،المصرّح به في المسالك (2)تحليف المجني عليه بالقسامة كما في المسألة السابقة،عملاً بالقاعدة.

و العجب من الماتن كيف أخذ بها في المسألة السابقة و نحوها ممّا تقدّم إليه الإشارة طارحاً للرواية،و عكس في المسألة؟!مع أنّ الجميع من باب واحد فتوًى و نصّاً و قاعدةً.

و لو أُصيب أحد بجناية فتعذّر عليه بها إنزال المني كان فيه الدية كاملةً،بلا خلاف أجده،و ربما يستدل له بما مرّ من القاعدة من أنّ كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية.

و في الخبر:«في الظهر إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة» (3).

و اعلم أنّه قيل:في سلس البول و هو نزوله مترشّحاً لضعف القوّة الماسكة له الدية كاملة؛ للقاعدة المتقدمة،و للخبرين،في أحدهما:«أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى في رجل ضرب حتى سلس بوله بالدية كاملة» (4)و نحوه الثاني المروي عن قرب الإسناد (5).

و فيهما ضعف سنداً،و في القاعدة دلالةً،و لذا نسبه الماتن هنا و في الشرائع (6)إلى القيل مشعراً بتمريضه.

ص:507


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:238.
2- المسالك 2:505.
3- التهذيب 10:1028/260،الوسائل 29:376 أبواب ديات المنافع ب 14 ح 1.
4- الفقيه 4:363/108،التهذيب 10:995/251،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 4.
5- قرب الإسناد:530/147،الوسائل 29:372 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 5.
6- الشرائع 4:274.

نعم عليه أكثر المتأخّرين،بل في المسالك و الروضة أنّه المشهور بين الأصحاب (1)،و ربما أُيّد بما مرّ من النصوص بإثبات الدية بكسر البعصوص فلا يملك استه،و ضرب العجان فلا يستمسك بوله و لا غائطه.

و فيه نظر؛ لعدم دلالتها على كون الدية لأجل الجناية على المنفعة خاصّة كما هو مفروض المسألة،و الشهرة بنفسها ليست بحجة إلّا أن تجعل لضعف الخبرين جابرة،و هو حسن إن لم تعارضه الشهرة القديمة.

و الظاهر ثبوتها على الخلاف و هو العمل بما في رواية من أنّه إن دام السلس إلى الليل لزمته الدية كاملةً و إن دام إلى الزوال لزم ثلثاها،و إن دام إلى الضحوة لزم ثلث الدية (2) فقد حكي القول به عن السرائر و النزهة و الجامع و الوسيلة (3)،و اختاره من المتأخّرين الفاضل المقداد (4)،و ادّعى المحقّق الثاني فيما حكي عنه (5)الشهرة و جبر بها ضعف الرواية.

فالمسألة لذلك محل إشكال و ريبة،لكن الأصل يقتضي المصير إلى القول الثاني؛ فإنّ لزوم كمال الدية على الإطلاق ممّا ينفيه أصالة البراءة، فينبغي الاقتصار فيه على الصورة المتّفق عليها،و هي الصورة الأُولى،و أمّا الصور (6)الباقية فالأصل عدم لزومه أيضاً.

ص:508


1- المسالك 2:505،الروضة 10:264.
2- التهذيب 10:994/251،الفقيه 4:362/107،الوسائل 29:371 أبواب ديات المنافع ب 9 ح 3.
3- السرائر 3:391،النزهة:143،146،148،الجامع:594،الوسيلة:442،450.
4- التنقيح الرائع 4:512.
5- مجمع الفائدة 14:446.
6- في غير«ن»:الصورة.

و إثبات الثلث و الثلثين في الصورتين الأخيرتين و إن كان ممّا لا يساعده الأصل حيث يزيدان عن الحكومة إلّا أنّه جاء من قبل الإجماع و عدم قائل بها مطلقاً؛ فإنّ كل من نفى كمال الدية على الإطلاق قال بالقول الثاني المفصّل على الإطلاق.

و عليه فليطرح الخبران المطلقان للدية،مع كونهما قضية في واقعة، أو يحملا على الصورة الأُولى خاصّة جمعاً،سيّما مع كونها أظهر أفراد المطلق؛ لندرة الصورتين الأخيرتين فيما أحسبه.

و حكى الفاضل في الإرشاد و القواعد (1)قولاً ثالثاً مفصّلاً كالثاني،لكن مبدلاً الثلثين بالنصف.و لم أعرف قائله و لا مستنده،و به صرّح جماعة (2).

و اعلم أنّ الظاهر أنّ المراد بالدوام في الصور الثلاث الدوام في كل يوم لا في يوم أو أيّام كما فهمه العلّامة (3)و جماعة (4)؛ لأنّ المعهود أنّ الدية و بعضها المقدّر إنّما يجب في ذهاب العضو أو المنفعة بالكلية،و أنّ مع العود الحكومة مع أصالة البراءة.

ص:509


1- الإرشاد 2:243،القواعد 2:333.
2- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:711،و الفاضلان المقداد في التنقيح 4:513،و الهندي في كشف اللثام 2:513.
3- القواعد 2:333.
4- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:711،و الفاضلان المقداد في التنقيح 4:512،و الهندي في كشف اللثام 2:513.

المقصد الثالث في الشجاج و الجراح

الشجاج ثمان
الحارصة

(المقصد الثالث) في بيان ديات الشجاج و الجراح فالشجاج بكسر الشين جمع شجّة بفتحها،و هي الجرح المختصّ بالرأس كما في مجمع البحرين (1)،أو الوجه أيضاً كما في كلام جماعة (2)و عزي إلى نص اللغة،و يسمّى في غيرهما جرحاً بقول مطلق ثمان على المشهور الحارصة،و الدامية،و المتلاحمة،و السمحاق، و الموضحة،و الهاشمة،و المنقّلة،و المأمومة،و الجائفة فهذه تسعة، و لكن الأخيرة من الجراح لا الشجاج؛ إذ لا اختصاص لها بالرأس و الوجه،و عليه فيكون عدد الشجاج المختصّ بهما كما هو معناها لغةً بل و عرفاً ثمانية كما في العبارة و غيرها.

فالحارصة بإهمال الحروف جملة هي التي تقشر الجلد و تخدشه و فيها بعير على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للخبر المعتبر،بل الصحيح أو القريب منه:«في الحرصة شبه الخدش بعير» (3).

خلافاً للإسكافي،فنصف بعير (4).و هو شاذّ،و مستنده غير واضح.

و إطلاق النص و أكثر الفتاوي يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج

ص:510


1- مجمع البحرين 2:312.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:267،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:513،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
3- التهذيب 10:1138/293،الوسائل 29:382 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 14.
4- حكاه عنه في المختلف:811.

ذكراً أو أُنثى،حرّا أو مملوكاً.

خلافاً للغنية و الإصباح و الجامع (1)فعبّروا بأنّ فيها عشر عشر الدية، و عليه يفترق الذكر و الأُنثى.

و فيه مع مخالفته إطلاق النص أنّ افتراقهما لا يكون إلّا بعد بلوغ الثلث أو (2)التجاوز عنه لا مطلقاً،كما مضى أيضاً و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و يمكن تنزيل عبائرهم عليه بأن يراد بالدية المضاف إليها عشر عشر دية الذكر التي هي الأصل،دون دية الأُنثى التي هي نصفها.

و لابن حمزة (3)،ففرّق بين الحرّ فما في النص و العبارة،و المملوك فالأرش على حسب القيمة.

و هو غير بعيد؛ للشك في دخول مثله في إطلاق الفتوى و النص، سيّما مع اختلافه مع الحرّ في كثير من الأحكام،سيّما الديات،و لكن الحكم بالأرش على الإطلاق مشكل،بل ينبغي تقييده بما إذا وافق عشر عشر قيمته كما هو الضابط في دية أعضائه،من نسبتها إلى دية الحرّ ثم إلى دية مجموعة التي هي قيمته،ما لم تزد عن دية الحرّ فتردّ إليها،(كما مضى) (4)و يأتي أيضاً.

و يمكن إرجاع ما في الكتب الثلاثة المتقدمة من إثبات عشر عشر الدية إلى هذا،بحمل الدية فيها على ما يعمّ نحو قيمة المملوك،فتأمّل جدّاً .

ص:511


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):295،الجامع:600.
2- في«س»:و.
3- الوسيلة:444.
4- ما بين القوسين ليس في«ح» و«ب» و«س».
الدامية

و هل الحارصة هي الدامية فتكون ديتها ديتها بعيراً،و يبدل عنها في عدد الثمانية الذي فيه بعيران بالباضعة؟أم غيرها فتكون ديتها بعيرين،و تكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة؟ قال الشيخ (1) و جماعة (2) نعم للخبرين:«قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) في الدامية بعيراً،و في الباضعة بعيرين،و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة» (3).

و قصور سندهما و لا سيّما الأوّل لضعفه من وجوه يمنع عن العمل بهما،سيّما مع عدم مكافأتهما لأدلّة المشهور جدّاً.

و لذا صار الأكثرون كما هنا و في الشرائع و التحرير (4)،بل في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري (5)المشهور على خلافه للمعتبرة المستفيضة منها الرواية المتقدّمة؛ إذ فيها بعد ما مرّ بلا فصل:

«و في الدامية بعيران،و في الباضعة و هي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل» الخبر (6).

و منها الصحيحان و غيرهما:«و في الباضعة ثلاث من الإبل» (7).

ص:512


1- المبسوط 7:122،الخلاف 5:231.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة:444،و ابن سعيد في الجامع:600،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
3- أحدهما في:الكافي 7:6/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 8. و الآخر في:الكافي 7:1/326،التهذيب 10:1126/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 6.
4- الشرائع 4:275،التحرير 2:276.
5- المسالك 2:505،الروضة 10:267،غاية المرام 4:468.
6- راجع ص 507.
7- أحدهما في:الفقيه 4:433/124،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4. و الخبر في:التهذيب 10:1124/290،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.

و هما و إن لم يتضمّنا ذكر الحارصة و الدامية إلّا أنّهما دلّا على أنّ في الباضعة ثلاثاً من الإبل،و كل من قال به من المشهور قال بتغايرهما،كما مضى و سيأتي الإشارة إليه أيضاً.

فهي أي الدامية أذن التي تقطع الجلد و تأخذ في اللحم يسيراً و فيها بعيران.

المتلاحمة

و المتلاحمة و هي التي تقطع الجلد و تأخذ في اللحم كثيراً و هل هي غير الباضعة فيجب فيها ثلاثة أبعرة و في الباضعة بعيران،و يكون أوّل الشجاج الدامية و الحارصة مترادفتين؟أم متّحدتان ديتهما ثلاثة أبعرة،و يكون أوّلها الحارصة فيها بعير،و ثانيها الدامية فيها بعيران؟ اختلاف مبني على الاختلاف السابق فمن قال ثمّة:أنّ الدامية غير الحارصة و هم المشهور قال: الباضعة هي المتلاحمة ديتها ثلاثة أبعرة،عدا الإسكافي (1)،و هو نادر.

و من قال:الدامية هي الحارصة و هو الشيخ و من تبعه فالباضعة عنده غير المتلاحمة فيها بعيران.

و حيث قد عرفت أنّ الأوّل أقرب ففي المتلاحمة و الباضعة إذن ثلاثة أبعرة و يظهر من هنا عدم الخلاف فتوًى و نصّاً في ثبوتها في

ص:513


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:811.

المتلاحمة،و إنّما هو في ثبوتها في الباضعة،و قد عرفت من المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة ثبوتها فيها أيضاً.

و الخبران المتقدّمان و إن نصّا على الخلاف بإثبات البعيرين فيها، و الثلاثة في المتلاحمة خاصّة،فارقين بينهما،إلّا أنّك قد عرفت الجواب عنهما،فما عليه الأكثر في المقامين أقوى إن فرض ثمرة معنوية تترتّب على الخلاف،و إلّا فيعود النزاع لفظيّاً كما صرّح به في المسالك و الروضة (1)شيخنا،فتأمّل جدّاً .

السِّمحاق

و السِّمحاق بكسر السين المهملة و إسكان الميم،و هي التي تقطع اللحم و تقف على السمحاقة،و هي الجلدة المغشية للعظم،و فيها أربعة أبعرة للصحيحين (2)و غيرهما من المستفيضة (3)،و عليه الإجماع على الظاهر،المحكي في الغنية و عن الانتصار و الناصريات و الخلاف (4).

و عن الإسكافي أنّه روي عن أمير المؤمنين(عليه السّلام)أنّ فيها حقّة و جذعة و ابنة مخاض و ابنة لبون (5).

و عن المقنع أنّ فيها خمسمائة درهم،قال:و إذا كانت في الوجه

ص:514


1- المسالك 2:505،الروضة 10:268.
2- أحدهما في:الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4. و الآخر في:التهذيب 10:1124/290،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.
3- الوسائل 29:أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 6،10،14،16.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الانتصار:276،الناصريات(الجوامع الفقهية):219،الخلاف 5:231.
5- حكاه عنه في المختلف:811.

فالدية على قدر الشين (1).و عليه ينصّ المرسل (2).

الموضحة

و الموضحة و هي التي تكشف عن وضح العظم و بياضه و تقشر السمحاقة و فيها خمسة أبعرة بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في الغنية (3)،و حكي عن الخلاف و غيره (4)؛ للصحاح (5)و الموثّق القريب منها (6)و غيرها من المستفيضة (7).و في كتاب ظريف:«في موضحة الرأس خمسون ديناراً» (8)و قريب منه الخبر:فيمن شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمة العبد» (9).

و يستفاد من الجمع بينهما و بين المستفيضة أنّ ذكر الإبل فيها و النقد فيهما بعنوان المثل،و أنّ الضابط نصف عشر الدية كما عبّر به في الغنيّة (10)و عبائر جماعة (11)مع نفي الخلاف عنه،كتعبيرهم بخمسي عشر الدية في

ص:515


1- المقنع:181.
2- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الخلاف 5:192،كشف اللثام 2:515.
5- انظر الوسائل 29:أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 4،12،14.
6- التهذيب 10:1131/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 13.
7- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 الأحاديث 5،6،10،11،16.
8- الكافي 7:332،الفقيه 4:58،التهذيب 10:300 فيه و في الفقيه بتفاوت يسير،الوسائل 29:295 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 6 ح 1.
9- التهذيب 10:1141/293،الوسائل 29:389 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 8 ح 5.
10- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
11- منهم الشيخ في الخلاف 5:192،و انظر الكافي في الفقه:400،و الإصباح(الينابيع الفقهية 24):295،و الجامع للشرائع:600.

المسألة السابقة،و يمكن تنزيل عبائر الأكثر المعبّرة بالإبل خاصّة عليه، بحمله على المثل في المقامين،بل فيما يأتي و ما مضى مطلقاً (1).

الهاشمة

و الهاشمة و هي التي تهشم العظم أي تكسره و إن لم تسبق بجرح و فيها عشرة أبعرة عشر الدية،بلا خلاف،و به صرّح في الغنية (2)،و بالإجماع بعض الأجلّة (3)؛ للقوي:أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في الهاشمة بعشر من الإبل (4).

و ليس فيه كالعبارة و نحوها ما ذكره جماعة (5)من اعتبار الأسنان فيها أرباعاً في الخطأ و أثلاثاً في شبهه على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة،و إن كان أحوط.

المنقّلة

و المنقّلة و هي على تعريف الماتن و جماعة (6) التي تحوج إلى نقل العظم من موضع إلى غيره،و قيل فيها تفاسير أُخر متقاربة و فيها خمسة عشر بعيراً عشر الدية و نصفه،بلا خلاف كما عن المبسوط و الخلاف و في الغنية (7)؛ للصحيح (8)و الموثّق القريب منه

ص:516


1- في«ن»:أيضاً.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
4- الفقيه 4:437/125،التهذيب 10:1139/293،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 2.
5- منهم الشيخ في المبسوط 7:121،و الشهيد الثاني في الروضة 10:270،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
6- منهم العلّامة في القواعد 2:333،و الإرشاد 2:244،و الشهيد في اللمعة(الروضة 10):272،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.
7- المبسوط 7:122،الخلاف 5:192،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
8- الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4.

سنداً (1)و غيرهما من المستفيضة (2).

و فسّرت في بعضها بالتي قد صارت قرحة ينقل منها العظام (3)،و في بعضها بعد قوله:«و في المنقّلة خمسة عشر من الإبل» :«عشر و نصف عشر» (4)و فيه دلالة على الضابط المتقدم،لكن فيه قطع،و في المفسِّر إرسال.

و أوجب العماني هنا عشرين بعيراً (5).و هو مع ندرته جدّاً على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (6)لم أر له مستنداً.

المأمومة

و المأمومة و هي التي تصل إلى أُمّ الرأس،و هي الخريطة الجامعة للدماغ بكسر الدال،و لا تفتقها و فيها ثلث الدّية كما في الغنية و عن الخلاف و المراسم و المقنع و الوسيلة (7)و غيرها (8)؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح عن الشجّة المأمومة؟فقال:«ثلث الدية، و الشجّة الجائفة ثلث الدية» (9).

ص:517


1- التهذيب 10:1131/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 13.
2- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2.
3- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
4- التهذيب 10:1143/294،الوسائل 29:383 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 18.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:515.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:505،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:515.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621،الخلاف 5:192،المراسم:247،المقنع:181،الوسيلة:445.
8- القواعد 2:333،المفاتيح 2:153.
9- التهذيب 10:1130/291،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 12.

و نحوه الخبر (1)،لكن بزيادة تفسير الثلث في الجائفة بثلاث و ثلاثين من الإبل،و فيه إيماء إلى وقوع التجوّز في الثلث في الجائفة،فيحتمل وقوعه فيه أيضاً في المأمومة،سيّما مع ورود الصحيح (2)و غيره (3)بأنّه فيها ثلاث و ثلاثون بعيراً و مثل هذا التجوّز شائع.

و لذا أنّ الفاضلين في الشرائع و التحرير (4)مع تصريحهما بأنّ فيها ثلث الدية فسّراه بثلاث و ثلاثين من الإبل من دون ذكر ثُلث.

و نحوهما الشيخان في المقنعة و النهاية و المرتضى في الناصريات (5)على ما حكي عنهم،فقالوا:فيها ثلث الدية:ثلاثة و ثلاثون بعيراً،أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث و لا يتحدّد في الإبل و البقر و الغنم على السلامة،كما في عبارة السيّد و شيخه،و قريب منها عبارة النهاية،لكن بزيادة الحلّة و عدم إشارة إلى العلّة.

و ذكر الحلّي أنّ فيها ثلث الدية دية النفس و هي ثلاث و ثلاثون بعيراً فحسب بلا زيادة و لا نقصان إن كان من أصحاب الإبل،و لم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس؛ لأنّ رواياتهم هكذا مطلقة،و كذا مصنّفاتهم و قول مشايخهم و فتاويهم،

ص:518


1- الفقيه 4:432/124،التهذيب 10:1123/289،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 10.
2- الكافي 7:3/326،التهذيب 10:1125/290،الوسائل 29:379 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 4.
3- التهذيب 10:1124/290،معاني الأخبار:1/329،الوسائل 29:381 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 11.
4- الشرائع 2:277،التحرير 2:276.
5- المقنعة:766،النهاية:775،الناصريات(الجوامع الفقهية):219.

و إجماعهم منعقد على هذا الإطلاق،أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث و لا يتحدّد في الإبل و البقر و الغنم (1).انتهى.

و هو صريح في دعوى الإجماع على سقوط الثلث من عدد الإبل، لكن عرفت إطلاق عبائر جماعة بثلث الدية بقول مطلق،و مقتضاه زيادة الثلث في العدد المتقدم،و حكي التصريح بها عن المبسوط فقال:فيها ثلاثة و ثلاثون بعيراً و ثلث بعير (2).

و به صرّح في القواعد (3)،و شيخنا في المسالك و الروضة (4)،و بعض من تبعه (5)،مختارين التجوّز في العكس بحمل ما دلّ على العدد من دون ذكر الثلث عليه تخفيفاً في اللفظ و تجوّزاً في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة و الإيماء إلى إكمال الثلث من إيجابه.

و هو حسن إن وجد مرجّح لهذا التجوّز،و ليس عدا المناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة بل في المسألة أيضاً بالإضافة إلى النقدين و الحلّة،و هي بمجرّدها للترجيح غير صالحة،سيّما و أنّ الشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة للتجوّز في الأوّل مرجّحة.

و لو سلّم عدمهما لكان التحقيق يقتضي التوقّف في ترجيح أيّهما أو تساقطهما،و معه يكون وجوب ثلث البعير زيادة على العدد بالأصل منفيّاً، فما في العبارة أقوى،و إن كانت الزيادة أو العدول إلى النقدين و ما شاكلهما

ص:519


1- السرائر 3:407.
2- المبسوط 7:122.
3- القواعد 2:333.
4- المسالك 2:506،الروضة 10:273.
5- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 14:454،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:153.

أحوط و أولى.

الجائفة

و الجائفة و هي التي تبلغ الجوف من أيّ الجهات كان و لو من ثغرة النحر و فيها ثلث الدية كما في النصوص المستفيضة (1)،و فيها الصحيح و القريب منه،لكن في بعضها بعد الحكم بأنّ فيها الثلث فسّر بالثلاث و الثلاثين بعيراً (2)،و قد تقدم،فيأتي فيها احتمال التجوّز المتقدم أيضاً،سيّما مع ورود الصحيح و غيره بأنّ فيها ثلاثاً و ثلاثين من الإبل.

لكن الأصحاب هنا أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث بعير على العدد من غير خلاف بينهم يعرف،و به صرّح في الغنية (3)، و حكي عن المبسوط و الخلاف (4)،بل صرّح بالاتفاق على زيادته هنا شيخنا في الروضة (5).

فإن تمّ فهو الحجة،و لكن في التمامية مناقشة؛ لأنّ عبارات الأصحاب هنا بالثلث و إن كانت مطلقة،إلّا أنّ تعليل جملة منهم سقوط الثلث في المسألة السابقة بأنّه من البعير لا يحدّ كما وقع في عبارة السيّد و شيخه و الحلّي (6)،أو بلزوم متابعة النص بالعدد كما وقع في عبارة الماتن في الشرائع (7)،و قريب منه الفاضل في المختلف (8)،جارٍ في المسألة؛ لعدم

ص:520


1- الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2.
2- الفقيه 4:432/124،التهذيب 10:1123/289،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 10.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- المبسوط 7:124،الخلاف 5:232.
5- الروضة 10:275.
6- راجع ص 515.
7- الشرائع 2:277.
8- المختلف:812.

تحديد ثلث البعير فيها أيضاً و لو بزعمهم،و ورود الصحيح و غيره بالثلاث و الثلاثين من غير ذكر ثلث.

و هنا

مسائل
الأولى دية النافذة في الأنف

مسائل ثمان:

الأُولى: دية النافذة في الأنف بحيث تثقب المنخرين معاً و لا تنسد ثلث ديته بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة،و منها كتاب ظريف و الرضوي كما حكي (2)، و الخبر:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في النافذة تكون في العضو ثلث الدية دية ذلك العضو» (3).

فإن صلحت و انسدّت فخمس الدية مائتا دينار في المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المختلف (4).

و مستندهم غير واضح عدا ما قيل من كونه كتاب ظريف (5).و هو غريب؛ فإنّ المروي فيه على ما يوجد في الكتب الثلاثة و المختلف و غيره (6)أنّ فيها خمس دية الروثة مائة دينار،و به أفتى الإسكافي و الحلّي في السرائر و عن الخلاف (7)،و هو الأصحّ؛ لعدم المعارض،مضافاً إلى

ص:521


1- كشف اللثام 2:499.
2- حكاه في كشف اللثام 2:499.
3- الكافي 7:12/328،التهذيب 10:1137/293،الوسائل 29:380 أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 7.
4- المختلف:819.
5- انظر مجمع الفائدة 14:454.
6- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:298،المختلف:819؛ و انظر كشف اللثام 2:499.
7- حكاه عن الإسكافي في المختلف:819،لم نعثر عليه في السرائر،الخلاف 5:237.

الأصل.

و لو كانت النافذة في أحد المنخرين خاصّة إلى الحاجز بينهما فعشر الدية مائة دينار،إمّا مطلقاً كما هنا و في الشرائع و اللمعة و غيرها (1)،أو بشرط البرء و إلّا فسدس الدية،كما عليه الفاضل و عن جماعة كالشيخين و القاضي و الحلّي و الديلمي و الحلبي (2)،و غيرهم (3)، و في الغنية (4)،و الظاهر أنّه المشهور كما صرّح به في المختلف (5).

و حجّتهم على التقديرين غير واضحة عدا ما يحكى من الرضوي (6)، و فيه العشر بقول مطلق،و هو مع أنّه خلاف المشهور معارض بما في كتاب ظريف من أنّ فيها عشر دية الروثة خمسين ديناراً (7)،و عليه الإسكافي (8)أيضاً.

و منه يظهر ما في جعل المستند للقول بالعشر مطلقا كتاب ظريف،

ص:522


1- الشرائع 4:277،اللمعة(الروضة 10):275،الإرشاد 2:245،مجمع الفائدة 14:454.
2- التحرير 2:269،المفيد في المقنعة:767،الطوسي في النهاية:776،777،لم نعثر عليه في المهذّب و حكاه عنه في المختلف 819،الحلّي في السرائر 3:411،لم نعثر عليه في المراسم و حكاه عنه في المختلف:819،الحلبي في الكافي:397.
3- انظر الروضة 10:276.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- المختلف:819.
6- فقه الرضا(عليه السّلام):316،مستدرك الوسائل 18:342 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 4.
7- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:298،الوسائل 29:293 أبواب ديات الأعضاء ب 4 ح 1.
8- كما حكاه عنه في المختلف:819.

و كذا في نسبة القول بالتفصيل بين البرء فالعشر و عدمه فالسدس إلى العلّامة خاصّة،مع أنّه رأي جماعة،بل المشهور كما عرفته.

الثانية في شقّ الشفتين

الثانية :في شقّ الشفتين معاً حتى تبدو الأسنان و لم تبرأ ثلث ديتهما سواء استوعبهما الشقّ أم لا،في ظاهر إطلاق النص و الفتوى و لو برئت الجرحة فخمس ديتهما،و لو كانت الجرحة في إحداهما خاصّة و لم تبرأ فثلث ديتها،و مع البرء فخمس ديتها بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي،فقال:في العليا ثلث ديتها،و في السفلى نصف ديتها (1)،و أطلق.و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في الغنية (2).

و يوافقه كتاب ظريف إلّا في السفلى إذا لم تبرأ،فقد أوجب في قطعها ثلثي الدية ستّمائة دينار و ستّة و ستّين ديناراً ثلثي دينار،و في شقّها إذا لم تبرأ ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثين ديناراً و ثلث دينار (3).

فجعله مستنداً لتمام ما في العبارة كما فعل ليس في محلّه ،بل هو أقرب بالدلالة على ما عليه الإسكافي في السفلى،لكنّه أطلق نصف الدية فيها من دون اشتراط للبرء بخلاف الرواية فقد اشترطته،فهي في الحقيقة ليست حجة على شيء من القولين.

الثالثة إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل

الثالثة :إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل فديتها مائة دينار كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و اللمعة (4)،و نسبه في شرحها

ص:523


1- حكاه عنه في المختلف:818.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الكافي 7:331،الفقيه 4:57،التهذيب 10:299،الوسائل 29:294 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
4- الشرائع 4:278،الإرشاد 2:245،اللمعة(الروضة البهية 10):281.

و المسالك إلى الشيخ و جماعة كما في الأوّل،و أتباعه كما في الثاني (1)، و في القواعد و التحرير (2)إلى القيل،مؤذناً بتوقّفه فيه.

و لعلّ وجهه ما قيل:من أنّه لم نقف على مستنده،و هو مع ذلك يشكل بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المائة كالأنملة؛ إذ يلزم زيادة دية النافذة فيها على ديتها،بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على ثلاث (3).

و هو حسن،إلّا أنّ ما ذكره من عدم الوقوف على مستنده غريب؛ للتصريح به في كتاب ظريف (4)،و ما عرضه ابن فضّال على أبي الحسن(عليه السّلام)المروي في الصحيح و الموثق بالأخير،و فيه:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في دية جراحة الأعضاء» إلى أن قال:«و أفتى في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شيء من الرجل في أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار» (5).

فالأجود الاقتصار في الاستشكال فيه بما ذكره في وجهه،و زيادة أنّ عمومه لا يلائم ما في كتاب ظريف أيضاً من قوله في نافذة الأنف ما مرّ، و في نافذة الكفّ إن لم تنسدّ فمائة دينار،و في نافذة الساعدين خمسين ديناراً،و في نافذة القدم لا تنسدّ خمس دية الرجل مائتا دينار:«و في نافذة الخدّ و يرى منها جوف الضم فديتها مائتا دينار،فإن دووي فبرئ و التأم و به

ص:524


1- المسالك 2:506.
2- القواعد 2:334،التحرير 2:277.
3- قاله الشهيد الثاني في الروضة 10:281.
4- الفقيه 4:66،التهذيب 10:308.
5- الكافي 7:5/327،التهذيب 10:1135/292،الوسائل 29:378 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 3.

أثر بيّن و شين فاحش فديته خمسون ديناراً،فإن كانت نافذة في الخدّين كليهما فديتها مائة دينار،و ذلك نصف دية التي يرى منها الفم،و إن كانت رمية بنصل نشبت بالعظم حتى تنفذ إلى الحنك فديتها مائة و خمسون ديناراً جعل منها خمسون ديناراً لموضحتها (1)،و إن كانت ناقبة و لم تنفذ فديتها مائة دينار» (2).

و مع ذلك يعارضه الخبر:«في النافذة تكون في العضو ثلث دية ذلك العضو» (3).

و لكن في سنده ضعف،و رفع اليد عن النص الصحيح المعتضد بعمل هؤلاء الأعاظم الذين لم يُرَ لهم مخالف صريحاً مشكل.

مع إمكان الذبّ عن وجوه الإشكال،فعمّا ذكره القائل بالتزامه، و الذبّ عنه بتخصيص العموم بالمائة بما فيه كمال الدية كما حكاه قولاً في الروضة و غيرها (4)،أو ما كان ديته زائدة على المائة كما احتمله بعض الأجلّة (5).

و عمّا ذكرناه بتخصيصه أيضاً بغير ما تضمنه من النوافذ المزبورة؛ إذ التنافي بينهما و بينه ليس تنافي تضادٍّ،بل عموم و خصوص يجري فيه التخصيص المذكور،لكنّه يتوقّف على وجود قائل به،و لم أره،مع أنّ النص عام كعبائر الجماعة.

ص:525


1- في النسخ:لموضحة،و الأنسب ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 7:332،الفقيه 4:58،التهذيب 10:299،الوسائل 29:295 أبواب ديات الأعضاء ب 6 ح 1.
3- المتقدم في ص 518.
4- الروضة 10:282؛ و انظر المسالك 2:506.
5- هو المحقق الثاني على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 10:489.

و تخصيصهم الحكم بالرجل يقتضي أنّ المرأة ليست كذلك،فيحتمل فيها الرجوع إلى الأصل من الأرش أو حكم الشجاج بالنسبة و ثبوت خمسين ديناراً على النصف كالدية.

و عن بعض فتاوي الشهيد-(رحمه اللّه) أنّ الأُنثى كالذّكر في ذلك،ففي نافذتها مائة دينار أيضاً (1).

و هو مناسب للأصل المقرّر من مساواتها للرجل في دية الأعضاء ما لم يبلغ الثلث أو يتجاوزه،و لكن التقييد بالرجل في النص و الفتوى لا يناسبه،فتأمّل .

الرابعة في احمرار الوجه بالجناية

الرابعة :في احمرار الوجه بالجناية من لطمة و شبهها دينار و نصف،و في اخضراره بها ثلاثة دنانير بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و في السرائر و الغنية و غيرها من كتب الجماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الموثقة كالصحيحة:«قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في اللطمة يسودّ أثرها في الوجه أنّ أرشها ستّة دنانير،فإن لم تسودّ و اخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير،فإن احمرّت و لم تخضرّ (3)فإنّ أرشها دينار و نصف» (4).

و فيها دلالة على أنّ في اسوداده ستّة دنانير،كما عليه الأكثر و منهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الوفاق (5).

ص:526


1- حكاه عنه في الروضة 10:283.
2- الانتصار:276،الخلاف 5:262،السرائر 3:410،الغنية(الجوامع الفقهية):621،المهذّب البارع 5:365.
3- في النسخ:تخضارّ،و ما أثبتناه من المصادر.
4- الكافي 7:4/333،الفقيه 4:408/118،التهذيب 10:1084/277،الوسائل 29:384 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 4 ح 1.
5- الخلاف 5:262.

و قيل و القائل المفيد و جماعة و منهم السيّدان (1)مدّعيين عليه الإجماع:أنّ فيه ثلاثة دنانير كما في الاخضرار و هو الأوفق بالأصل،و لكنّ الأوّل أنسب بالاعتبار بعد النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر.

و قال جماعة منّا من غير خلاف بينهم أجده،كما صرّح بعض الأجلّة (2)،و ادعى عليه في الروضة الشهرة (3)،و عن الانتصار و الخلاف و في الغنية (4)دعوى الإجماع عليه-: و هي أي هذه الجنايات الثلاث في البدن على النصف ممّا في كل منها في الوجه،ففي الاحمرار ثلاثة أرباع الدينار،و في الاخضرار دينار و نصف،و كذا في الاسوداد أو ثلاثة على الاختلاف.

و نسبه الماتن هنا و في الشرائع (5)إليهم مؤذناً بالتردّد فيه؛ لعدم نصّ بذلك عنده عدا الرواية المتقدمة،و هي خالية عنه كما صرّح به شيخنا في الروضة (6).

و فيه مناقشة؛ فإنّ الخلوّ إنّما هو في الكافي و التهذيب،و أمّا في الفقيه فمتضمّنة له،ففيه بعد ما مرّ:«و في البدن نصف ذلك».

و ظاهر النصّ و الفتوى أنّ ذلك يثبت بوجود أثر اللطمة و نحوها في الوجه مثلاً و إن لم يستوعبه و لم تدم فيه.

ص:527


1- المقنعة:766،الانتصار:276،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- التنقيح الرائع 4:515.
3- الروضة 10:277.
4- الانتصار:276،الخلاف 5:262،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- الشرائع 4:278.
6- الروضة 10:278.

و ربما حكي (1)قول باشتراط الدوام،و إلّا فالأرش.و هو ضعيف،مع عدم ظهور قائله.

و هل يخصّ ذلك بوجه الحرّ كما يظهر من الغنية (2)،أم يعمّه و وجه العبد مثلاً كما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى؟ وجهان،و الأصل مع قوة احتمال اختصاصهما بحكم التبادر بالحرّ يرجّح الأوّل،فيرجع في العبد إلى الحكومة كما في كل لطمة أو وكزة لم تتضمّن التغييرات المزبورة،مع احتمال مراعاة النسبة إلى القيمة.

و مورد النص و الفتوى في المسألة الأُولى إنّما هو خصوص الوجه، و عن الخلاف و في السرائر (3)أن الرأس كالوجه،و لم أعرف وجهه.

نعم ربما يستأنس له بالخبر:«الموضحة و الشجاج في الوجه و الرأس سواء في الدية؛ لأنّ الوجه من الرأس،و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس» (4)فتدبّر.

الخامسة كل عضو له دية مقدّرة ففي شلله

الخامسة :كل عضو له دية مقدّرة ففي شلله أي جعله أشل ثلثا ديته صحيحاً و في قطعه بعد شلله ثلث ديته صحيحاً،بلا خلاف أجده في المقامين،بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف و في الغنية (5)، و كذا على الثاني في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (6)،و هو الحجة.

ص:528


1- حكاه في الروضة 10:278،و كشف اللثام 2:516.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
3- الخلاف 5:262،السرائر 3:410.
4- الكافي 7:4/327،الفقيه 4:435/125،التهذيب 10:1132/291،الوسائل 29:385 أبواب ديات الأعضاء ب 5 ح 1.
5- الخلاف 5:261،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
6- مفاتيح الشرائع 2:145،و كشف اللثام 2:516.

مضافاً إلى النصوص الواردة بهما و لو في أطراف مخصوصة تقدّم إليها الإشارة،و هو كافٍ بعد ضمّ عدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في الخبر الوارد في الأصابع صحيحة و شلّاء:«و كلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح» (1)و هو عام في الثاني بناءً على أنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

نعم في كتاب ظريف و ما عرضه يونس على مولانا الرضا(عليه السّلام):

و شلل اليدين ألف دينار،و الرجلين ألف دينار (2).و هو شاذّ،كالقوي الوارد بالدية في ذكر العنّين (3)و إن حكي القول به عن الصدوق و الإسكافي (4).

و نحوهما في الشذوذ الصحيح:«في الإصبع عُشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلّت» الخبر (5).

السادسة دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء

السادسة :دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء بلا خلاف؛ للإطلاقات إن قلنا بعدم اختصاصها بالرأس كما هو المشهور؛ و للمعتبرين، أحدهما القوي:«الموضحة في الوجه و الرأس سواء» (6).

ص:529


1- الكافي 7:2/330،التهذيب 10:1004/254،الوسائل 29:345 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1.
2- الكافي 7:1/311،التهذيب 10:968/245،الوسائل 29:283 أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 2.
3- الكافي 7:13/313،الفقيه 4:320/97،التهذيب 10:983/249،الوسائل 29:339 أبواب ديات الأعضاء ب 35 ح 2.
4- حكاه عنهما في المختلف:816،و هو في المقنع:186.
5- الكافي 7:10/328،التهذيب 10:1015/257،الوسائل 29:346 أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 3.
6- التهذيب 10:1144/294،الوسائل 29:385 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 5 ح 2.

و في الثاني:«الموضحة و الشجاج في الرأس و الوجه سواء في الدية؛ لأنّ الوجه من الرأس» (1)و هو صريح في العموم منطوقاً و مفهوماً،و به تجبر أخصّية مورد الأوّل،مضافاً إلى عدم القول بالفصل.

و أمّا الخبر:«في السمحاق،و هي التي دون الموضحة خمسمائة درهم،و فيها إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين» (2)ففيه مع شذوذه ضعف بالإرسال،و عدم مقاومة لما مرّ من الأخبار المعتضدة أو (3)المنجبرة بعمل الأصحاب.

و دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه الجراحة من دية الرأس و هي دية النفس،ففي حارصة اليد مثلاً نصف بعير أو خمسة دنانير،و في حارصة إحدى أنملتي الإبهام عشر بعير أو نصف دينار،بلا خلاف أجده،و لم أجد دليلاً على هذه الكلّيّة بعده.

نعم في الخبر المتقدم:«و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس».

و في الموثق:«في الجروح في الأصابع إذا أوضح العظم نصف عشر دية الإصبع» (4).

و هما مع قصور سندهما،بل ضعف الأوّل لا يفيدان تمام المدّعى،إلّا أن يجبر جميع ذلك بالإجماع المركّب.

ص:530


1- الكافي 7:4/327،الفقيه 4:435/125،التهذيب 10:1132/291،الوسائل 29:385 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 5 ح 1.
2- الكافي 7:8/327،الوسائل 29:380 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 2 ح 9.
3- في«س»:و.
4- التهذيب 10:1128/290،الوسائل 29:176 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 2،و في الوسائل:عشر دية الإصبع،كما في الفقيه 4:350/103.

مضافاً إلى اعتبار سند الموثق،لكنّه روي في التهذيب كما مرّ،و في الكافي«عشر دية الإصبع» (1)بإسقاط لفظ النصف،و عليه فيلحق بالشواذ.

و اعلم أنّ كتاب ظريف تضمّن تفاصيل ديات الجراح في البدن موافقاً للقوم في بعضها و مخالفاً لهم في آخر منها،و لذا لا يمكن الاستدلال به لهم هنا.

السابعة كلّ ما فيه من الرجل ديته

السابعة :كلّ ما كان فيه حال كونه من الرجل الحرّ ديته كاملة كالنفس و اليدين و الرجلين و العقل و نحو ذلك ففيه أي في ذلك الشيء إذا كان من المرأة ديتها نصف ديته.

و في ذلك إذا كان من الذمّي ديته ثمانمائة درهم و من الذمّية ديتها.

و فيه إذا كان من العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ فيردّ إليها،و من الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة،بلا خلاف في شيء من ذلك،و قد تقدّم التحقيق فيها في الشرط الأوّل من شرائط القصاص،و في النظر الأوّل من كتاب الديات.

و كلّ ما كان فيه حال كونه من الرجل الحرّ مقدّر مخصوص كإحدى اليدين و الرجلين و الأُذنين و نحو ذلك من الأطراف التي يجب في الجناية عليها نصف الدية أو ثلثاها أو ثلثها أو عشرها أو نحو ذلك من المقادير،و كالحارصة و الدامية و الموضحة و نحوها من الشجاج و الجراح التي يجب فيها المقدّر من دياتها السابقة مفصّلة.

فهو إذا كان من المرأة فيه ديته بنسبة ديتها فما فيه من

ص:531


1- الكافي 7:7/327.

الرجل نصف ديته مثلاً ففيه من المرأة نصف ديتها،و ما كان فيه منه ثلثا ديته أو ثلثها أو عشرها أو نحو ذلك ففيه من المرأة مثل ذلك لكن بنسبة ديتها.

و من الذمّي و الذمّية كذلك أي بنسبة ديتهما و من العبد و الأمة بنسبة قيمته ما بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (1).

و النصوص به مع ذلك مضافاً إلى الاعتبار مستفيضة،منها القوي:

«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» (2).

و منها في رجل شجّ عبداً موضحة،قال:«عليه نصف عشر قيمته» (3).

و منها:«يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب ذلك يصير أرش الجراحة،و إذا جرح الحرّ العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته» (4)إلى غير ذلك من النصوص.

و في الصحيح:عن رجل مسلم فقأ عين نصراني؟فقال:«دية عين الذمّي أربعمائة درهم» (5).

و في آخر:«جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في

ص:532


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
2- الفقيه 4:313/95،التهذيب 10:763/193،الوسائل 29:168 أبواب قصاص الطرف ب 5 ح 1.
3- الكافي 7:13/306،التهذيب 10:764/193،الوسائل 29:167 أبواب قصاص الطرف ب 4 ح 3.
4- الكافي 7:15/306،التهذيب 10:778/196،الوسائل 29:167 أبواب قصاص الطرف ب 4 ح 2.
5- الفقيه 4:303/93،التهذيب 10:747/190،الوسائل 29:218 أبواب قصاص الطرف ب 13 ح 4.

كل شيء» (1)و نحوه النصوص المستفيضة المتقدّمة في البحثين المتقدم إليهما الإشارة.

لكن فيها الدلالة على أنّ الحرّة تساوي الحرّ في ديات الأطراف و الجراح حتى تبلغ الثلث،ثم ترجع إلى النصف و عليها عمل الأصحاب كافّة،و إن اختلفوا كاختلافها من وجه آخر،و (2)و ينافي ذلك عموم الصحيحة المزبورة،لكنّها قابلة للتخصيص بتلك المستفيضة بحملها على ما إذا زاد عن ثلث الدية.

و هذه النصوص و إن لم تف بتمام ما في العبارة من المطلوب لكن يتمّم بالإجماع المركّب و عدم قائل بالفرق بين مواردها و غيرها.

و احترز بقوله:فيما فيه مقدّر،عمّا لا تقدير فيه،فإنّ فيه الحكومة مطلقاً،بلا خلاف أجده،و يشهد له كثير من المعتبرة،منها الصحيح:

« و ما كان جروحاً دون الاصطلام (3)فيحكم به ذوا عدل منكم» الخبر (4).

و في آخر:«إنّ عندنا الجامعة» قلت:و ما الجامعة؟قال:«صحيفة فيها كل حلال و حرام،وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش» و ضرب بيده إليّ فقال:«أ تأذن يا أبا محمد؟» فقلت:جعلت فداك،إنّما أنا لك فاصنع ما شئت،فغمزني بيده و قال:«حتى أرش هذا» (5).

ص:533


1- التهذيب 10:723/185،الوسائل 29:384 أبواب ديات الشجاج و الجراح ب 3 ح 2.
2- ليست في«ب».
3- الاصطلام:الاستئصال و القطع.الصحاح 5:1967.
4- الفقيه 4:323/97،الوسائل 29:302 أبواب ديات الأعضاء ب 11 ح 2.
5- الكافي 1:1/238،الوسائل 29:356 أبواب ديات الأعضاء ب 48 ح 1.

و الحكومة و الأرش في اصطلاح الفقهاء عبارة عن معنى واحد و هو تفاوت ما بين الصحة و العيب.

و معناه في نحو العبد واضح،لكن لا يتجاوز بقيمته (1)عن دية الحرّ كما مرّ غير مرّة،و ينقص من قيمته حال العيب أيضاً بتلك النسبة، فلو تجاوز دية الحرّ بقدر الربع مثلاً و ردّ إليها بإسقاطه فليسقط مثله من قيمته حال العيب أيضاً،و يراعى التفاوت بين القيمتين و يؤخذ،فتأمّل .

و في الحرّ أن يقوّم سليماً من نقص تلك الجناية إن كان عبداً و يقوّم مجروحاً كذلك أي بفرض كونه عبداً و ينسب التفاوت بين قيمتي حال الصحة و العيب إلى القيمة الأُولى و يؤخذ من الدية بحسابه أي التفاوت من النصف و الثلث و العشر و نحو ذلك،فلو قوّم عبداً صحيحاً بعشرة و معيباً بتسعة وجب للجناية عشر دية الحرّ،و يجعل العبد أصلاً له في ذلك،كما أنّ الحرّ أصل له في المقدّر.

الثامنة من لا وليّ له فالإمام(عليه السّلام)وليّ دمه

الثامنة :من قتل و لا وليّ (2)فالإمام(عليه السّلام)وليّ دمه،و له المطالبة بالقود في العمد أو الدية في شبهه و الخطأ،بلا خلاف،فتوًى و روايةً و اعتباراً.

و هل له العفو عنهما؟ المروي في الصحيح لا (3) ،و هو المشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعاً كما في الإيضاح و المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري (4)،و هو كذلك؛ لعدم

ص:534


1- في«ن»:حال الصحة.
2- في المختصر المطبوع زيادة:له.
3- الكافي 7:1/359،الفقيه 4:248/79،التهذيب 10:697/178،الوسائل 29:124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.
4- إيضاح الفوائد 4:715،المسالك 2:506،الروضة 10:288،غاية المرام 4:472.

مخالف فيه عدا الحلّي (1)،و هو شاذّ.

و تحقيق المسألة مضى في كتاب الإرث في المسألة الثالثة من مسائل بحث مانعية القتل عن الإرث،فلا نعيده،مع أنّ البحث قليل الفائدة.

ص:535


1- السرائر 3:336.

النظر الرابع في اللواحق و هي أربع

الأولى دية الجنين الحرّ المسلم

النظر الرابع في اللواحق و هي مسائل أربع الأُولى: في دية الجنين و هو الحمل في بطن امّه.

و اعلم أنّ دية الجنين الحرّ المسلم تبعاً لإسلام أبويه أو أحدهما إذ اكتسى اللّحم و تمّت خلقته و لم تلجه الروح مائة دينار عشر الدية ذكراً كان الجنين أو أُنثى على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الغنية و السرائر و عن صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح:«إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)جعل دية الجنين مائة دينار و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء،فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار،و ذلك أنّ اللّه عزَّ و جلَّ خلق الإنسان من سلالة و هي النطفة فهذا جزء،ثم علقة فهذا جزءان،ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظم فهو أربعة أجزاء،ثم يكسى لحماً حينئذٍ تمّ جنيناً،فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار،و المائة دينار خمسة أجزاء،فجعل للنّطفة خمس المائة عشرين ديناراً،و للعلقة خمسي الدية أربعين ديناراً،و للمضغة ثلاثة

ص:536


1- الغنية(الجوامع الفقهية):621،السرائر 3:416،الانتصار:264،الخلاف 5:291،المبسوط 7:193.

أخماس المائة ستّين ديناراً،و للعظم أربعة أخماس الدية ثمانين ديناراً،فإذا أُنشئ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذٍ نفس ألف دينار كاملة إن كان ذكراً،و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار» الخبر (1).و قريب منه أخبار كثيرة يأتي إليها الإشارة.

خلافاً للعماني،فقال:فيه الدية كاملة (2)؛ للصحيح:«إذا كان عظماً شقّ له السمع و البصر و رتبت جوارحه،فإن كان كذلك فيه الدية كاملة» (3)و نحوه آخر (4).

و هو شاذّ،و مستنده غير صريح؛ للإطلاق المحتمل تقييده بصورة ولوج الروح جمعاً،و للأخبار المفصّلة،مع احتماله الحمل على دية الجنين مائة دينار.

و للإسكافي،فأطلق أنّ فيه غرّة عبد أو أمة (5)؛ للنصوص الآتية.

و ستعرف جوابه.

و للمبسوط،ففرّق بين الذكر فما مرّ،و الأُنثى فنصفه (6).

و هو مع عدم وضوح مستنده شاذّ،و إن قيل:يفهم منه أنّ على ما ذكره الاتفاق (7)،بل على خلافه في السرائر الإجماع (8)،و هو الحجة.

ص:537


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات ب الأعضاء 19 ح 1.
2- حكاه عنه في المختلف:813.
3- الكافي 7:10/345،التهذيب 10:1103/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 4.
4- الكافي 7:8/344،الوسائل 29:313 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 2.
5- حكاه عنه في المختلف:813.
6- المبسوط 7:194.
7- قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:518.
8- السرائر 3:416.

مضافاً إلى إطلاق الفتاوي و الروايات،بل ظواهر جملة منهما،و منها الصحيحة السابقة،حيث لم تفصّل بين ديته ذكراً أو أُنثى إلّا حال ولوج الروح خاصّة.

و نحوها الصحيحة أو المرسلة القربية منها سنداً:«دية الجنين خمسة أجزاء:خمس للنطفة عشرون ديناراً،و للعلقة خمسان أربعون ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس ستّون ديناراً،و للعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، فإذا تمّ الجنين كان له مائة دينار،فإذا أُنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً،و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار» الحديث (1).

و قريب منهما الحسن القريب من الصحيح،بل قيل صحيح (2):«في النطفة أربعون ديناراً،و في العلقة ستّون ديناراً،و في المضغة ثمانون ديناراً، فإذا اكتسى العظام لحماً ففيه مائة دينار،قال اللّه عزَّ و جلَّ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [1] (3)فإن كان ذكراً ففيه الدية،و إن كان أُنثى ففيها ديتها» (4).

و هو إن لم يصرّح بأنّ ذلك في ولوج الروح،إلّا أنّ في ذكر قوله سبحانه ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [2] الآية،إشارة إلى ذلك،فإنّ خَلْقاً آخَرَ [3] كما عرفته من الصحيحين السابقين هو الروح،و ظاهره و إن نافى الأخبار السابقة في ديات النطفة و العلقة و المضغة،إلّا أنّه محمول على

ص:538


1- الكافي 7:2/343،التهذيب 10:1099/281،الوسائل 29:229 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 1.
2- لم نعثر عليه،قال المجلسي في ملاذ الأخيار 16:604،حسن كالصحيح.
3- المؤمنون:14.
4- التهذيب 10:1102/282،الوسائل 29:317 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 9.

زيادة خلقه النطفة إلى أن تبلغ العلقة،و زيادة العلقة إلى تبلغ المضغة، و زيادة المضغة إلى أن تبلغ العظم.

و لو كان الجنين ذمّيا أي متولّداً عن ذمّي ملحقاً به فعشر دية أبيه ثمانين درهماً،بلا خلاف أجده،بل عن الخلاف (1)و في ظاهر عبارة بعض الأجلّة (2)بل جماعة الإجماع عليه (3)،و هو الحجة،دون ما في التنقيح (4)من أنّ إلحاق الولد الحرّ بأبيه في الأحكام حقيقة غالبة،و لا ما ذكره جماعة (5)من مناسبة ذلك لمراعاة جنين الحرّ المسلم بدية أبيه؛ فإنّ جميع ذلك مناسبات يشكل التعويل عليها في إثبات الأحكام،سيّما مع معارضتها بمثلها،و هو أنّ أهل الذمّة مماليك الإمام(عليه السّلام)كما وقع التصريح به في كثير من الأخبار،و من حكم المملوك أنّ دية جنينه تعتبر بعشر دية امّه كما يأتي،و عليه فيناسب أن تكون دية الجنين الذمّي عشر دية امّه.

و وقع التصريح به أيضاً في روايتي مسمع (6)و السكوني عن جعفر،عن أبيه،عن علي(عليه السّلام):أنّه«قضى في جنين اليهودية و النصرانية و المجوسية عشر دية أُمّه » (7).

ص:539


1- الخلاف 5:296.
2- كشف اللثام 2:519.
3- انظر الروضة 10:293،و المهذب البارع 5:374،و غاية المراد 4:473.
4- التنقيح الرائع 4:17.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:507،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:329 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:519.
6- الكافي 7:13/310،التهذيب 10:748/190،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 22 ح 2.
7- التهذيب 10:1122/288،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 22 ذيل الحديث 2.

لكنّهما ضعيفتا السند،سيّما الاُولى،و المناسبة المؤيّدة لهما ليست بحجة كما مضى،و على تقدير حجيتها في نفسها فلا يعترض بها اتفاق الأصحاب الظاهر و المحكي على خلافها،و لولاه لكان المصير إليها قويّاً، سيّما مع اعتضادها بالروايتين،و قوّة سند الثانية منهما،و لكن لا محيص بعد ذلك عن اطراحهما،أو حملهما على ما يجتمعان مع الفتاوي.

و لو كان مملوكاً فعشر قيمة امّه المملوكة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،و في السرائر و عن الخلاف الإجماع عليه (1)؛ للقوي:

«في جنين الأمة عشر ثمنها» (2).

خلافاً للمبسوط،فعشر قيمة الأب إن كان ذكراً و عشر قيمة الاُمّ إن كان أُنثى (3).

و هو مع شذوذه لم أعرف له مستنداً.

و احترز بتقييد الاُمّ بالمملوكة عمّا لو كانت حرّة،فإنّ فيه عشر دية أبيه كما في القواعد (4).

قيل:لأنّ الأصل في الولد أن يتبع الأب،و حكم الجنين الحرّ ذلك، خرج ما إذا كانت أمة بالنصّ و الإجماع (5).و فيه نظر؛ لما مرّ.

و احتمل فيه أيضاً عشر قيمة الأُمّ على تقدير الرقّية (6).قيل:لعموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها (7).

ص:540


1- السرائر 3:417،الخلاف 5:298.
2- التهذيب 10:1121/288،الوسائل 29:323 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 2.
3- المبسوط 7:197.
4- القواعد 2:336.
5- كشف اللثام 2:519.
6- كشف اللثام 2:519.
7- كشف اللثام 2:519.

و فيه نظر أيضاً؛ لاختصاص موردهما بجنين الأمة لا مطلقاً.

و استقرب في التحرير عشر دية أُمّه ما لم تزد على عشر قيمة أبيه (1).

قيل:جمعاً بين عموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها،و رقّ الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على أبيه الرقيق (2).

و في عموم النص ما مرّ،و وجه الأخير للعبد لم يظهر،فالمسألة محل نظر،و لكنّ الأخذ بالأقلّ أجدر؛ عملاً بالأصل؛ و أخذاً بالمتيقّن.

و اعلم أنّه لا كفّارة في؛ قتل الجنين في جميع أحواله؛ للأصل؛ و اختصاص ما دلّ على وجوبها بصورة القتل المشروط بحياة القتيل،و لا خلاف فيه هنا ظاهراً،بل عليه في (3)بعض العبارات إجماعنا (4)،و هو حجة أُخرى.

و لو جني عليه بعد أن ولجته الروح فالدية دية النفس كاملة للذّكر،و نصفها للأُنثى بلا خلاف أجده (5)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة تقدّم إلى جملة منها الإشارة (6).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين موت الجنين في البطن أم خارجه.

خلافاً للغنية،فخصّ وجوب كمال الدية بالصورة الثانية،قال:و إن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية (7).

ص:541


1- التحرير 2:277.
2- كشف اللثام 2:519.
3- في«ن» زيادة:ظاهر.
4- كشف اللثام 2:519.
5- في«ن» زيادة:في الجملة.
6- في ص 533 535.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

و لم أعرف مستنده سوى ما ادّعاه في ظاهر كلامه من إجماع الإمامية، و وهنه ظاهر؛ إذ لا موافق له أجده عدا الحلبي و العماني و الإسكافي (1)، لكنّهما ذكرا ذلك في الجنين المملوك خاصّة؛ للرواية:في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها،فقال:«إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة امّه،و إن كان ضربها فألقته حيّاً فمات فإنّ عليه عشر قيمة امّة» (2).

و هي ضعيفة السند قاصرة المتن عن إفادة ما ذكره ابن زهرة؛ لاختصاصها ككلام القديمين بالجنين المملوك خاصّة،و مع ذلك صريحة ككلامهما بإثبات العشر و نصفه في الصورتين مع ولوج الروح، و هو-(رحمه اللّه) قد صرّح بلزوم دية النفس أو نصفها حينئذٍ لو مات خارجاً، و نصفهما (3)لو مات في بطنها.

و من هنا ظهر عدم موافقته للقديمين أصلاً إلّا في أصل التفصيل بين الموت في البطن أو خارجه.

و لو لم يكتس اللّحم ففي ديته قولان،أحدهما: أنّها غرّة عبد أو أمة مطلقاً،ذهب إليه الشيخ في جملة من كتبه (4)وفاقاً للإسكافي (5)، لكنّه أطلق و لم يفصّل بين اكتسائه اللحم و عدمه كما مرّ،و الشيخ فصّل بين الصورتين و وافق الأصحاب في لزوم المائة في الأُولى،و وافقه في الثانية؛

ص:542


1- الحلبي في الكافي:393،و حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:813.
2- الكافي 7:5/344،الفقيه 4:370/110،التهذيب 10:1116/288،الوسائل 29:322 أبواب ديات الأعضاء ب 21 ح 1.
3- في«ح» و«ب» و«س»:و نصفها.
4- المبسوط 4:125،الخلاف 4:113.
5- حكاه عنه في المختلف:813.

جمعاً بين النصوص المتقدّمة الدالّة على المائة و النصوص الدالّة على الغرّة بقول مطلق،كالصحيح:

«جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً،فقال الأعرابي:لم يهلّ و لم يصح و مثله يطلّ،فقال له النبي(صلّى اللّه عليه و آله):اسكت سجّاعة،عليك غرّة وصيف أو أمة» (1)و نحوه الصحيح (2).

و القوي في قضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك في مثل تلك القضية (3).

و الصحيح:عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس الولد تمخض؟ فقال(عليه السّلام):«عليه خمسة آلاف درهم،و عليه دية الذي في بطنها غرّة وصيف أو وصيفة» (4).

و الخبر:«إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعه إليها» (5).

بحمل الأوّلة على تامّ الخلقة كما هو صريحها،و الأخيرة على ناقصها كأن طرح علقةً أو مضغةً،و استشهد عليه بالصحيح:في امرأة شربت دواءً و هي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها،قال:«إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شقّ له السمع و البصر فإنّ عليها ديته تسلّمها إلى أبيه،و إن كان

ص:543


1- الكافي 7:3/343،الفقيه 4:367/109،التهذيب 10:1110/286،الإستبصار 4:1127/300،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 2.
2- التهذيب 10:1111/286،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 4.
3- الكافي 7:7/344،التهذيب 10:1109/286،الإستبصار 4:1126/300،الوسائل 29:319 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 3.
4- الكافي 7:5/299،التهذيب 10:1112/286،الإستبصار 4:1129/301،الوسائل 29:320 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 6.
5- الكافي 7:4/344،التهذيب 10:1108/286،الإستبصار 4:1125/300،الوسائل 29:320 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 5.

جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه» (1).

و في هذا الجمع نظر؛ لأنّ فيه اطراحاً للأخبار الأوّلة في صورة عدم تمام الخلقة،لتصريحها بالتفصيل الذي عرفته و سيأتي إليه الإشارة.

و ينافيه إطلاق أخبار الغرّة،إلّا أن يجمع بينهما بحمل إطلاقها على تفصيل تلك بتقييده بغرّةٍ تساوي عشرين ديناراً في النطفة،و أربعين في العلقة،و هكذا،لكنّه لا يلائم ما اختاره من لزوم الغرّة على الإطلاق.

و ينافيه صريح الصحيحة الأخيرة؛ لنصها بلزوم الغرّة أو أربعين ديناراً في المضغة،مع أنّ مقتضى تلك النصوص لزوم ستّين ديناراً فيها.

مع أنّ المستفاد من المعتبرة تعيين قيمة الغرّة بخمسين ديناراً كما في الصحيح و القوي:الغرّة قد تكون بمائة دينار و تكون بعشرة،فقال:

«بخمسين» (2)و عليه الإسكافي (3).أو بأربعين كما في ظاهر الصحيحة المتقدّمة،و الموثّق:«إنّ الغرّة تزيد و تنقص و لكن قيمتها أربعون ديناراً» (4)هذا.

مع أنّ جملة من أخبار الغرّة قضية في واقعة،فليس فيها حجة، و الباقية بعضها ضعيف،و الصحيح منها كما عداه لا يقاوم الأخبار السابقة من وجوه عديدة،أعظمها اشتهارها و مخالفتها للعامّة،دون هذه لموافقتها

ص:544


1- الكافي 7:6/344،الفقيه 4:369/109،التهذيب 10:1113/287،الإستبصار 4:1130/301،الوسائل 29:318 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 1.
2- الكافي 7:13/346،الفقيه 4:368/109،التهذيب 10:1114/287،الوسائل 29:321 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 7،و انظر الحديث 9.
3- حكاه عنه في المختلف:813.
4- الكافي 7:16/347،التهذيب 10:1115/287،الوسائل 29:321 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 8.

لمذهب كثير منهم،كما صرّح به الشيخ،و احتمل لذلك حملها على التقية، قال:لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة و قد روي ذلك عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (1).

أقول:و يؤيّده كون جملة من رواياتها عن السكوني الذي هو من قضاتهم،و مصير الإسكافي إليه أيضاً، و لذا اختار أكثر الأصحاب بل المشهور على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (2)القول الثاني و هو توزيع الدية أي المائة و تقسيمها على مراتب حالاته، ففيه و هو عظم ثمانون ديناراً و مضغة ستّون،و علقة أربعون،و نطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون كما فصّلته تلك الأخبار السابقة و غيرها من المعتبرة،و ادّعي عليه الإجماع في الغنية (3)،و على هذا فلا حاجة بنا إلى تحقيق معنى الغرّة و ذكر الاختلاف فيها.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي على المختار بإثبات الديات المقدّرة في محالّها يقتضي ثبوت كلٍّ منها فيما يصدق عليه مبدأ كلٍّ منها، حتى أنّ في النطفة قبل تمام الأربعين يوماً من وضعها في الرحم و لو بيومٍ يكون فيها مقدّرها عشرون ديناراً،و هكذا.

و قال الشيخ في النهاية (4): و فيما بينهما أي بين الحالتين،أي حالة وضعها في الرحم و حالة انتقالها إلى العلقة،و حالة و انتقالها إليها و انتقالها إلى المضغة،و هكذا بحسابه و هو مجمل،و فسّره الحلّي (5)بأنّ

ص:545


1- الاستبصار 4:302.
2- الروضة 10:292،المفاتيح 2:154،كشف اللثام 2:520.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- النهاية:778.
5- السرائر 3:416.

النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة،و كذا ما بين العلقة و المضغة، فيكون لكلّ يوم دينار.

و اعترضه الماتن فقال في الشرائع:نحن نطالبه بصحة ما ادّعاه الأوّل، ثم بالدلالة على أنّ تفسيره مراد،على أنّ المروي في المكث بين النطفة و العلقة أربعون يوماً،و كذا بين العلقة و المضغة،روى ذلك سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين(عليه السّلام) (1)،و محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السّلام) (2)،و أبو جرير القمي عن موسى بن جعفر(عليه السّلام) (3)،و أمّا العشرون فلم نقف لها على رواية.

و لو سلّمنا المكث الذي ذكره من أين أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيّام؟مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق(عليه السّلام):أنّ لكلّ قطرة أي من الدم تظهر على النطفة دينارين (4).إلى آخر ما ذكره (5).

و قريباً منه ذكر الفاضل في التحرير (6)،و حكى عنه أيضاً في نكت النهاية (7).

ص:546


1- الكافي 7:15/347،التهذيب 10:1101/281،الوسائل 29:316 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 8.
2- الكافي 7:10/345،التهذيب 10:1103/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 4.
3- التهذيب 10:1102/282،الوسائل 29:317 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 9.
4- الكافي 7:11/345،الفقيه 4:365/108،التهذيب 10:1105/283،الوسائل 29:314 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 5.
5- الشرائع 4:281.
6- التحرير 2:278.
7- نكت النهاية 3:459.

و هو حسن،إلّا ما فهماه من الحلّي من كون مدّة المكث من حالة إلى أُخرى عشرين يوماً،و ذلك فإنّ الظاهر من كلامه خلافه،و اعتباره في المكث أربعين كما ذكروه،فإنّه قال:الجنين:الولد ما دام في البطن،و أقلّ ما يكون نطفة،و فيها بعد وضعها إلى عشرين يوماً عشرون ديناراً،ثم بعد العشرين يوماً لكل يوم دينار إلى أربعين يوماً و هي دية العلقة،فهذا معنى قولهم:و فيما بينهما بحساب ذلك،ثم تصير مضغة و فيها ستّون ديناراً، و فيما بين ذلك بحسابه (1).

و هو كما ترى ظاهر بل صريح فيما قلناه.

و لو قتلت المرأة فمات (2)معها الجنين فللأولياء دية المرأة كملاً خمسمائة دينار و نصف الديتين أي نصف دية ذكر و نصف دية أُنثى يصير مجموعهما سبعمائة و خمسين ديناراً يؤخذ على الجنين إن جهل حاله ذكورة و أُنوثة.

فإن علم حاله ذكراً كان أو أُنثى كانت الدية للجنين بحسابه ألف دينار على الأوّل،و نصفه على الثاني،بلا خلاف في الحكم الأخير نصّاً و فتوى،و على الأظهر في الأوّل أيضاً،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،و عن الخلاف الإجماع عليه (3)؛ للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:و إن قتلت امرأة و هي حبلى فتم (4)فلم يسقط ولدها و لم يعلم أ ذكر هو أم أُنثى و لم يعلم أبعدها مات أو قبلها فديته نصفان،نصف

ص:547


1- السرائر 3:416.
2- في المختصر المطبوع زيادة:ولدها.
3- الخلاف 5:294.
4- في غير«ب»:متمّ.

دية الذكر و نصف دية الأُنثى،و دية المرأة كاملة بعد ذلك (1).

و ربما أُيّدت بالنصوص الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل على القول به.

و قيل و القائل الحلّي (2):إنّ مع الجهالة يستخرج ذكورة الجنين و أُنوثته بالقرعة؛ لأنّه لكل أمر مشكل.و هو و إن كان حسناً على أصله لكنّه غير مستحسن (3) على غيره لأنّه لا إشكال مع النقل الصحيح المشتهر (4)بين الأصحاب،بحيث لا يكاد يوجد مخالف فيه سواه،و هو شاذّ،بل على خلافه كما عرفت حكي الإجماع.

و لو ألقته المرأة مباشرةً أو تسبيباً بأن شربت دواءً مثلاً فطرحته فعليها دية ما ألقته لورثته مطلقا و لا نصيب لها منها، بلا خلاف؛ للأُصول،مضافاً إلى النصوص،ففي الصحيح:فيمن شربت ما أسقطت به،قال:فهي لا ترث من ولدها من ديته ؟قال:«لا،لأنّها قتلته» (5).

و لو كان الإلقاء بإفزاع مُفزعٍ فالدية عليه أي على ذلك المُفزِع،بلا خلاف أيضاً؛ للأُصول،و النصوص،و منها زيادةً على أحاديث الغرّة المتقدّمة (6)الصحيح:«في منيّ الرجل يفزع عن عرسه

ص:548


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- انظر السرائر 3:417.
3- بدل ما بين القوسين في المختصر المطبوع:غلط.
4- في«س»:المشهور.
5- الكافي 7:6/344،الفقيه 4:369/109،التهذيب 10:1113/287،الإستبصار 4:1130/301،الوسائل 29:318 أبواب ديات الأعضاء ب 20 ح 1.
6- في«ن» زيادة:الخبر:كانت امرأة تؤتى فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروّعها و أمر أن يجاء بها ففزعت المرأة فأخذها الطلق إلى بعض الدور فولدت غلاماً فاستهل الغلام ثمّ مات،فدخل عليه من روعة المرأة و من موت الغلام ما شاء اللّه تعالى،فقال له بعض جلسائه:يا أمير المؤمنين!ما عليك من هذا شيء،و قال بعضهم:و ما هذا؟قالوا:سلوا أبا الحسن(عليه السّلام)،فقال لهم أبو الحسن(عليه السّلام):«لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم،و لئِن كنتم قلتم برأيكم أخطأتم» ثم قال:«عليك دية الصبي».الكافي 7:11/374،التهذيب 10:1165/312،الوسائل 29:267 أبواب موجبات الضمان ب 30 ح 1.و نحوه المرسل المروي عن إرشاد المفيد 1:204،إلّا أنّه قال:فقال علي(عليه السّلام):«الدية على عاقلتك لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك» و يؤيده..الوسائل 29:268 أبواب موجبات الضمان ب 30 ح 2.

فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير،و إذا أفرغ فيها عشرين ديناراً» الخبر (1).

و يستحق دية الجنين وارثه المتقدّم بيانه في كتاب الإرث،و يظهر ممّا مرّ ثمّة دليل أصل الحكم في المسألة،مضافاً إلى الإجماع منّا عليه المحكي في ظاهر السرائر و عن صريح الخلاف (2)،و صريح النصوص المستفيضة منها زيادةً على ما مرّ في أحاديث الغرّة و الصحيحة المتقدّمة قريباً ما ورد في دية الميت،و فيه:«و هي» أي دية الجنين«لورثته،و دية هذا» أي الميت«له لا للورثة» (3)إلى غير ذلك من النصوص.

و دية أعضائه و جراحاته يعتبر بنسبة ديته ففي قطع يده خمسون ديناراً،و في حارصته دينار،و هكذا،بلا خلاف؛ للصحيح:

«و قضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح

ص:549


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- السرائر 4:401،الخلاف 4:114.
3- الكافي 7:4/349،الفقيه 4:404/117،التهذيب 10:1073/273،الإستبصار 4:1121/298،الوسائل 29:325 أبواب ديات الأعضاء ب 24 ح 2.

الذكر و الأُنثى الرجل و المرأة كاملة،و جعل له في قصاص جراحته و معقلته على قدر ديته و هي مائة دينار» (1).

و من أفزع مجامعاً فعزل بذلك النطفة فعليه دية ضياع النطفة عشرة دنانير بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و في (2)الغنية (3)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة قريباً.

و لو عزل عن زوجته الحرّة اختياراً بغير إذنها قيل:يلزمه أيضاً دية النطفة عشرة دنانير،و الأشبه الاستحباب لما مرّ في النكاح، و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه في المقام؛ لدعوى الشيخ في الخلاف و ابن زهرة على الوجوب الإجماع (4)،مع مصير كثير من الأصحاب إليه، و هو خيرة الفاضل في القواعد و المقداد في شرح الكتاب (5).

الثانية في الجناية على الحيوان

اشارة

الثانية:في بيان أحكام الجناية على الحيوان الصامت.

اعلم أن من أتلف حيواناً مأكولاً لحمه شرعاً كالنعم من الإبل و البقر و الغنم بالذكاة متعلّق بقوله:أتلف لزمه الأرش و هو تفاوت ما بين قيمته حيّاً و مذكى،بلا خلاف فيه في الجملة؛ دفعاً لضرر الجناية الغير المندفع حيث لا يعفو المالك عنها إلّا به.

و هل لمالكه دفعه إلى الجاني و المطالبة له بقيمته يوم إتلافه مخيّراً بينه و بين الأرش؟

ص:550


1- الكافي 7:1/342،الفقيه 4:194/54،التهذيب 10:1107/285،الوسائل 29:312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
2- ليست في«ن».
3- الانتصار:265،الخلاف 5:293،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
4- الخلاف 5:293،الغنية(الجوامع الفقهية):621.
5- القواعد 2:336،التنقيح 4:522.

قال الشيخان و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1): نعم له ذلك كذلك،نظراً إلى كونه مفوِّتاً لمعظم منافعه فصار كالتالف،و ضعفه ظاهر؛ لأنّ فوات معظمها لا يقتضي دفع ماليته رأساً حتى يلزم بالقيمة بتمامها.

و الأشبه الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للمبسوط و الحلّي (2)أنّه لا يجوز له ذلك لأنّه إتلاف لبعض منافعه لا جميعها فيضمن عوض التالف خاصّة؛ لأصالة براءة ذمّة الجاني عمّا زاد عنه؛ و لأنّه باقٍ على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلّا بالتراضي من الجانبين، و لا كلام في الجواز معه،كما لا كلام في جوازه لو فرض عدم القيمة له أصلاً،كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه،فيلزمه القيمة؛ لأنّها حينئذٍ مقدار النقص.

و لو أتلفه لا بالذكاة كأن خنقه أو قتله بما لا يجوز الذكاة به لزمته قيمته يوم إتلافه بلا خلاف،بل عليه في ظاهر الغنية و صريح الإيضاح الإجماع (3)؛ للضرر الغير المندفع مع عدم العفو إلّا بها.

و يوضع منا ما له قيمة من الميتة كالشعر،و الصوف،و الوبر،و الريش، و نحو ذلك،كما صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده،و وجهه واضح لمن تدبّره،و عليه ينزل إطلاق العبارة.

و لو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئاً من عظامه أو جرحه

ص:551


1- المقنعة:769،النهاية:780،المهذّب 2:512،المراسم:242،الوسيلة:248.
2- المبسوط 8:30،السرائر 3:420.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620،الإيضاح 4:729.
4- منهم الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 10:321،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:523.

فللمالك الأرش إن كانت حياته مستقرّة،و إلّا فالقيمة،وفاقاً لجماعة (1)؛ للأُصل المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة بربع ثمن الدابّة لو فقأ عينها،و منها الصحيحان (2)و غيرهما (3)،لكن ظاهرها تعيّن الربع كما عليه الماتن و يحكى عن الشيخ و جماعة (4).

و لا بأس به،إلّا أن تحمل الروايات و كلماتهم على صورة اتفاق كون الربع أرشاً و توافقهما مقداراً،لا تعيّن الربع مطلقا حتى لو زاد عن الأرش أو نقص عنه،لكنّه بعيد جدّاً.

و إن كان ممّا لا يؤكل لحمه شرعاً و يقع عليه الذكاة كالأسد و النمر و الفهد و نحو ذلك فأتلفه بها ضمن أرشه كالمأكول،و فيه القول بتخيّر المالك الذي مضى.

و كذا يجب الأرش في قطع أعضائه و جراحاته و كسر عظامه مع استقرار حياته و إلّا فقيمته.

و لو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيّاً و يوضع منها ما مضى، و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و يدلُّ عليه بعده ما مرّ من الأدلّة.

و لو كان ممّا لا يقع عليه الذكاة كالكلب و الخنزير ففي كلب الصيد

ص:552


1- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:322.
2- الكافي 7:3/368،التهذيب 10:1149/309،1150،الوسائل 29:355 أبواب ديات الأعضاء ب 47 ح 1،2.
3- الكافي 7:2/367،التهذيب 10:1152/309،الوسائل 29:356 أبواب ديات الأعضاء ب 47 ح 4.
4- المختصر النافع:314،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:523،و هو في النهاية:781،و المهذب 2:512،و الوسيلة:428،و حكاه عن ابن جنيد أيضاً في المختلف:818.

مطلقا أربعون درهماً على الأشهر الأقوى؛ للنصوص المستفيضة،ففي الخبرين،المروي أحدهما في الفقيه مرسلاً (1)،و ثانيهما عن الخصال مسنداً بطريق حسن:«دية كلب الصيد أربعون درهماً» (2).

و في آخرين،أحدهما الموثق:«دية الكلب السلوقي أربعون درهما» (3)و بإطلاقهما أفتى الشيخ في النهاية (4).

و يحتملان ككلامه التقييد بالمعلّم منه للصيد،كما صرّح به المفيد و غيره (5)،و نزّل عليه عبارته في السرائر فقال:و إنّما أطلق ذلك؛ لأنّ العادة و العرف أنّ الكلب السلوقي الغالب عليه أنّه يصطاد،و السلوقي منسوب إلى سلوق قرية باليمن (6).انتهى.

و هو الظاهر من الأصحاب،حيث لم ينقلوا الخلاف عنه في ذلك، بل أنّما نقلوا الخلاف عنه و عن المفيد و القاضي و ابن حمزة من حيث التقييد بالسلوقي خاصّة (7)،قال الماتن في الشرائع:و من الناس من خصّه بالسلوقي وقوفاً على صورة الرواية (8).

و في عبارته هذه إشعار بما مرّ من فهمه من الرواية و كلام الشيخ

ص:553


1- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
2- الخصال:9/539،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 5.
3- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2. و الآخر في:الخصال:10/539،الوسائل29/ 227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 6.
4- النهاية:780.
5- المقنعة:769؛ المراسم:243.
6- السرائر 3:421.
7- حكاه عنهم في المختلف:815،و هو في النهاية:780،و المقنعة:769،و المهذّب 2:512،و الوسيلة:428.
8- الشرائع 4:285.

و غيره كلب الصيد لا مطلق السلوقي،و كأنّه-(رحمه اللّه) لم يقف على الخبرين الأوّلين،و إلّا فصورتهما مطلق كلب الصيد من دون تقييد فيهما بالسلوقي، بل إنّما هو في الخبرين الأخيرين.

و في رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:

«قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)فيمن قتل كلب الصيد،قال: يقوّم و كذلك البازي و كذلك كلب الغنم و كذلك كلب الحائط » (1).

و أفتى بها الإسكافي،إلّا أنّه قال:لا يتجاوز بالقيمة أربعين درهماً (2).

و كأنّه جمع به بين الأخبار،و استحسنه في المختلف (3).

و هو ضعيف؛ لقصور سند الرواية،و إن وافقت الأصل العام بلزوم القيمة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة؛ لتوقّف ذلك على ردّ الروايات الأوّلة التي هي مع استفاضتها و اشتهارها جملة منها معتبرة،و هو ضعيف في الغاية،سيّما مع رفع اليد عن الأصل بها في الجملة اتفاقاً.

و بموجب ذلك يتعيّن القول الأوّل مع كونه كما عرفت أشهر بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

و في كلب الغنم كبش كما هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و اللمعتين و المسالك (4)،و عزي فيه إلى الأكثر؛ للخبر (5).و في سنده

ص:554


1- الكافي 7:7/368،التهذيب 10:1156/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:815.
3- المختلف:815.
4- الشرائع 4:285،التحرير 2:279،القواعد 2:339،اللمعة و الروضة البهية 10:323،المسالك 2:510.
5- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.

ضعف.

و قيل و القائل الصدوق و الشيخان و الديلمي و القاضي و الحلّي (1)،و الظاهر أنّه المشهور،كما صرّح به في الشرائع و التحرير (2)و غيرهما (3)-:فيه عشرون درهماً و هو أقوى؛ للمرسل (4)المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية.

و للفاضل هنا قولان آخران،أحدهما لزوم القيمة،اختاره في المختلف (5)؛ للأصل العام بناءً على ضعف الخبرين؛ و للقويّة المتقدّمة.

و هو حسن لولا الرواية المنجبرة المترجّحة بذلك على الأصل و القوية.

و ثانيهما التخيير بين الخبرين الأوّلين،اختاره في الإرشاد (6).

و لا وجه له سوى الجمع بينهما،و هو في الحقيقة اطراح لهما بعد عدم شاهد عليه أصلاً،مع رجحان ما اخترناه منهما بما مضى.

و كذا قيل أي بالعشرين درهماً في كلب الحائط أي البستان، و يحتمل الشمول للدار و لا أعرف الوجه فيه،و به اعترف جماعة (7)، لكنّه مشهور شهرة عظيمة على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (8)،فإن

ص:555


1- المقنع:192،المقنعة:769،النهاية:780،المراسم:243،المهذّب 2:512،السرائر 3:421.
2- الشرائع 4:285،التحرير 2:279.
3- انظر كشف اللثام 2:523.
4- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
5- المختلف:815.
6- الإرشاد 2:235.
7- منهم المحقق في الشرائع 4:286،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:525،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:160.
8- منهم الشهيد الثاني في الروضة 10:324،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:523،و نسبه الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:349،إلى أكثر العبارات.

بلغت الإجماع،و إلّا فالقول بالقيمة في غاية القوّة؛ للأصل العام المؤيّد بالقوية المتقدّمة،و مال إليه من المتأخّرين جماعة (1)،بل صرّح به شيخنا في الروضة (2).

و للصدوق (3)قول آخر في المسألة.و هو أنّ فيه زنبيلاً من تراب؛ للمرسل:«و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطي و على صاحبه أن يقبل» (4).

و قريب منه ما يحكى عن الإسكافي من أنّ دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب (5).

و في كلب الزرع قفيز من برّ في المشهور على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (6)،بل في التنقيح:لم نعرف قائلاً بغير ما ذكر المصنّف (7).

مع أنّه حكي عن الصدوق ما مرّ (8)،و هو يعطي الخلاف فيه، كالمرسل،و يوافقهم (9)ما يحكى عن المفيد (10)هنا.

ص:556


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:525،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 14:349،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:160.
2- الروضة 10:224.
3- المقنع:192.
4- الفقيه 4:442/126،الوسائل 29:227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
5- حكاه عنه في المختلف:815.
6- انظر كشف اللثام 2:523.
7- التنقيح 4:526.
8- حكاه عنه في المهذّب البارع 5:396.
9- كذا،و لعلّ الأنسب:يوافقه.
10- حكاه عنه العلّامة في المختلف:815،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:396.

و في الخبر:«و دية كلب الزرع جريب من برّ» (1).

و ربما استدل به للأكثر (2).و فيه نظر؛ لعدم معلومية توافق مقدار الجريب مع القفيز،بل عن الأزهري أنّه أربعة أقفزة (3)،و يستفاد من مجمع البحرين أنّه عشرة أقفزة (4)،و القفيز ثمانية مكاكيك،و المَكّوك ثلاث كيلجات،و الكيلجة مَنا و سبعة أثمان مَنا،و المَنا:رطلان،كما عن الصحاح (5).

و لا يضمن المسلم ما عدا ذلك من الكلاب،بل مطلق ما لا يملكه المسلم،على الأظهر الأشهر،بل (6)عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل، مع عدم الملكية الموجب لعدم صدق الضرر الذي هو الأصل في إيجاب الضمان في نحو المقام.

و ما دلّ على وجوب قفيز أو زنبيل من تراب في بعض الكلاب من النص و الفتوى لعلّه محمول على إرادة الكناية عن عدم الدية لا وجوبه البتّة،و إلّا لكان لزوم دفعه و قبوله خالياً عن الفائدة،مضافاً إلى ندرة الفتوى،و قصور سند الرواية.

أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير فالمتلف له يضمن قيمته عند مستحلّيه إذا استجمع شرائط الذمّة،بلا خلاف أجده؛ لأنّه إذا فعل ذلك

ص:557


1- الكافي 7:6/368،التهذيب 10:1155/310،الوسائل 29:226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.
2- انظر المهذّب البارع 5:396،و مجمع الفائدة 14:349.
3- تهذيب اللغة 11:51.
4- مجمع البحرين 2:22.
5- الصحاح 3:892،و 4:1609.
6- في«ن» زيادة:لعلّه.

حقن دمه و ماله؛ و للنصوص:«أنّ عليّا(عليه السّلام)ضمّن رجلاً أصاب خنزيراً لنصراني قيمته» (1).

و لا فرق في الجناية على ما يملكه بين وقوعها على نفسه أو أطرافه لإطلاق الدليل،إلّا أنّ في الأخير يلزم الأرش،و يشترط في ضمانه استتار الذمّي به و إلّا الحق بالحربي،فلا حرمة لنفسه فضلاً عن ماله.

و هنا

مسائل
الأولى قضى علي(عليه السّلام)في بعير بين أربعة عقله أحدهم

مسائل ثلاث:

الاُولى :قيل (2) بل روي في الصحيح على الصحيح:أنّه قضى علي(عليه السّلام)في بعير بين أربعة عقله أحدهم فعبث في عقاله فوقع في بئر فانكسر فقال أصحابه للذي عقله:اغرم لنا بعيرنا أنّ على الشركاء غرامة حصّته أي العاقل(لأنّه أوثق حظّه فذهب حظّهم بحظه (3).

و مفهوم هذا التعليل غير ما أشار إليه الماتن و غيره (4)بقولهم:) (5) لأنّه حفظه و ضيّعه الباقون و كيف كان هو مشكل على إطلاقه،و إن حكي القول به في التنقيح عن الشيخ و القاضي (6)،و ذلك فإنّ مجرّد وقوعه أعمّ من تفريطهم فيه،بل

ص:558


1- الفقيه 3:717/163،التهذيب 10:880/224،الوسائل 29:262 أبواب موجبات الضمان ب 26 ح 2.
2- قاله في كشف اللثام 2:542.
3- الفقيه 4:450/127،التهذيب 10:910/231،الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 39 ح 1.
4- الروضة 10:328.
5- ما بين القوسين ليس في«ح» و«ب» و«س».
6- التنقيح 4:526.

من تفريط العاقل،و من ثمّ أوردها أكثر الأصحاب بلفظ الرواية،مشعرين بالتوقّف فيها أو ردّها،كما هو ظاهر الماتن هنا و حكي عنه في النكت (1)أيضاً،حيث أجاب عنها بقوله: و هو حكم في واقعة فلا يتعدّى بها إلى غيرها.

و يمكن حملها على ما لو عقله و سلّمه إليهم ففرّطوا،أو نحو ذلك من الوجوه المقتضية للضمان.لكنّه ينافي سياق الرواية،سيّما تعليلها الوارد فيها،و لعلّه لذا لم يجسر الأصحاب على ردّها صريحاً عدا شيخنا في المسالك و الروضة،فقال:و الأقوى ضمان المفرِّط منهم دون غيره (2).

الثانية في جنين البهيمة عشر قيمتها

الثانية :في جنين البهيمة عشر قيمتها كما هنا و في السرائر مدّعياً عليه إجماع أصحابنا و تواتر أخبارنا (3).

و لم أقف على شيء منهما،إلّا على عبارة الماتن و القوي:«في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها» (4)و هو قاصر السند،يشكل الخروج به عن مقتضى الأصل.

و لعلّه لذا اختار الفاضل في التحرير أرش ما نقص من أُمّها،قال:

فيقوّم حاملاً و حائلاً و يلزم الجاني بالتفاوت (5).

و هو حسن لولا دعوى الإجماع و تواتر الأخبار و قوّة سند الرواية،مع اعتضادها بما ورد من نظيره في دية جنين الأمة (6).

ص:559


1- التنقيح 4:526،و هو في نكت النهاية 3:468.
2- المسالك 2:511،الروضة 10:328.
3- السرائر 3:419.
4- الكافي 7:8/368،التهذيب 10:1120/288،الوسائل 29:225 أبواب ديات النفس ب 18 ح 2.
5- التحرير 2:279.
6- الوسائل 29:322 أبواب ديات الأعضاء ب 21.

و في عين الدابة ربع قيمتها وفاقاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (1)؛ للمستفيضة المتقدمة في مسألة لزوم الأرش بالجناية على أطراف الحيوان، مع تأمّل ما فيها تقدّم إليه الإشارة (2).

و عن الشيخ في المبسوط و الخلاف (3)أنّه حكى عن الأصحاب أنّ في عين الدابّة نصف قيمتها،و في العينين كمال قيمتها،و كذا كل ما في البدن منه اثنان.

و لم نقف على مستنده عدا القياس على الإنسان،و هو ضعيف.

الثالثة روى السكوني لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً

الثالثة :روى الشيخ في التهذيب في آخر باب الجناية على الحيوان في الصحيح عن عبد اللّه بن المغيرة،عن السكوني،عن جعفر، عن أبيه،عن علي(عليه السّلام)قال:«كان(عليه السّلام)لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً و يقول:على صاحب الزرع حفظه و كان يضمّن ما أفسدت ليلاً » (4).

و هذه الرواية مشهورة بين قدماء الأصحاب حتى لا يكاد يعرف بينهم خلاف،حتى أنّ ابن زهرة ادّعى عليها إجماع الإمامية (5)، و ادّعى جملة من الأصحاب الشهرة هنا،و منهم الشهيد في نكت الإرشاد (6)،بل زاد فادّعى إجماع الأصحاب.

ص:560


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:523.
2- راجع ص 548.
3- المبسوط 3:62،الخلاف 3:397.
4- التهذيب 10:1159/310،الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 1.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
6- الروضة 10:326،نكت الإرشاد(غاية المراد 4):520.

إلّا أنّ ظاهر المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي (1)الإطباق على خلافه، فقالوا بعد نقلها،و الاعتراف بشهرتها: غير أنّ في السكوني ضعفاً، و الأولى اعتبار التفريط من صاحب الدابة في ضمانه ما أفسدته ليلاً كان الإفساد أو نهاراً فلو لم يفرّط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها و أُغلق عليها الباب مثلاً فوقع الحائط أو نقب اللّصّ نقباً فخرجت و لم يعلم به و أفسدت فلا ضمان عليه؛ لأنّه غير مفرّط.

و هو حسن؛ للأُصول،إلّا أنّ في العدول عن الرواية المشهورة المدّعى عليها إجماع العصابة إشكالاً،بل اللازم المصير إليها؛ لانجبار ضعفها لو كان بالشهرة،مع قوّة راويها كما عرفته غير مرّة،سيّما و أن روى عنه عبد اللّه بن مغيرة المدّعى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (2).

و مع ذلك المستند غير منحصر فيها،بل النصوص بمعناها بعد حكاية الإجماع المتقدمة مستفيضة مرويّة جملة منها في التهذيب في باب الزيادات من كتاب التجارة (3)،و كذا في الكافي في أواخر ذلك الكتاب (4).

منها الصحيح على الظاهر:عن البقر و الغنم[و الإبل]بالليل تكون بالمرعى فتفسد شيئاً،هل عليها ضمان؟فقال:«إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان،من أجل أنّ أصحابه يحفظونه،و إن أفسدت ليلاً فإنّ عليها ضمان» (5).

ص:561


1- السرائر 3:424.
2- رجال الكشي 2:830.
3- التهذيب 7:224.
4- الكافي 5:301.
5- الكافي 5:1/301،التهذيب 7:981/224،الوسائل 29:277 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 3،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و منها:عن قول اللّه عزَّ و جلَّ وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [1] (1)فقال:«لا يكون النفش إلّا باللّيل،إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار،و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار،و إنّما رعيها بالنهار و أرزاقها،فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية باللّيل عن حرث الناس،فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش» الخبر (2)،و قريب منه غيره (3).

و في جملة من النصوص أنّ ذلك ممّا قضى به سليمان على نبينا و آله و عليه السلام (4).

و ظاهر سياقها كما ترى صريح في أنّه ليس على صاحب الدابّة ضمان ما أفسدته نهاراً و لو قصر المالك في حفظها؛ لتعليلها بأنّه ليس عليه في النهار حفظها؛ لأنّ فيه رعيها و أرزاقها،و ظاهر استناد الأصحاب إليها.

فما ذكره بعض الأفاضل (5)وفاقاً للشهيد (6)(رحمه اللّه) من كون النزاع بين القوم لفظيّاً،و أنّ القدماء إنّما ذكروا الليل و النهار تبعاً للرواية،و تمثيلاً للتفريط و عدمه؛ لكون الغالب حفظ الماشية ليلاً.ليس بجيّد.

و لذا اعترضه شيخنا في المسالك و الفاضل المقداد و المولى الأردبيلي (7)-(رحمه اللّه) فقال بعد نقله:و هو جيّد،و لكن خلاف ظاهر

ص:562


1- الأنبياء:78.
2- الكافي 5:2/301،التهذيب 7:982/224،الوسائل 29:278 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 4.
3- الكافي 5:3/302،الوسائل 29:278 أبواب موجبات الضمان ب 40 ح 5.
4- الوسائل 29:276 أبواب موجبات الضمان ب 40.
5- كشف اللثام 2:524.
6- اللمعة(الروضة البهية 10):327.
7- المسالك 2:511،التنقيح 4:528،مجمع الفائدة و البرهان 14:354.

عباراتهم؛ إذ لا يجب الجمع بين أقوالهم كالروايات و الآيات و الأدلّة،و أيضاً إنّ عادة بعضهم مثل الشيخ عدم الخروج عن لفظ الرواية و لا ينظر الوجه و العلّة،فتأمّل .انتهى.

و من أخبار المسألة أيضاً النبوي المروي في كلام جماعة،و منهم ابن زهرة (1):أنّ ناقة براء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدته فقضى(صلّى اللّه عليه و آله)أنّ على أهل الأموال حفظها نهاراً،و على أهل المواشي حفظها ليلاً،و أنّ على أهلها الضمان في الليل (2).

و يؤيّده ما ورد من أنّ«العجماء جُبار» (3)بناءً على أنّ غالب جنايتها وقوعها في النهار.

الثالثة في كفّارة القتل

الثالثة (4):في بيان كفّارة القتل و قد مرّ في كتابها أنّه تجب كفّارة الجمع بين الخصال الثلاث:

العتق،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً بقتل العمد،و تجب المرتّبة بقتل الخطإ و في معناه شبيه العمد،كما صرّح به في التحرير و القواعد (5).

و ذكر الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الشهيدان في اللمعتين و المسالك (6)و غيرهم (7)أنّها إنّما تجب الكفّارة مطلقا كما يقتضيه

ص:563


1- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- عوالي اللئلئ 1:9/382،المستدرك 18:330 أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 1.
3- الوسائل 29:271 أبواب موجبات الضمان ب 32.
4- أي:من اللواحق.
5- التحرير 2:279،القواعد 2:345.
6- الشرائع 4:287،التحرير 2:279،القواعد 2:345،اللمعة و الروضة 10:294،المسالك 2:511.
7- كشف اللثام 2:530.

إطلاق العبارة و نحوها و صريح بعضهم،أو في الخطأ خاصّة كما هو ظاهر التحرير مع المباشرة للقتل خاصّة دون التسبيب له فلو طرح حجراً في ملك غيره أو سابلة فهلك بها عاثر ضمن الدية و لا كفّارة مطلقاً،كان التسبيب عمداً أو خطأً.

و لم أجد لهم على ذلك دليلاً صالحاً عدا ما قيل من الأصل،و عدم تبادره إلى الفهم من القتل الوارد في النصوص (1).و فيه نظر؛ لمنع التبادر بعد الاتفاق على شموله له بالإضافة إلى الدية،إلّا أن يمنع الاتفاق على الشمول له لفظاً،بل يجعل مورده ثبوت أصل الدية لا دخوله تحت إطلاق لفظ القتل.و فيه بُعد.

و كيف كان فالعمدة هو عدم الخلاف في الحكم،بل ربما أشعر عبارة المسالك و غيره بالإجماع عليه،حيث نسبه في الأوّل إلى الأصحاب (2)من غير ذكر خلاف و لا دليل عليه،بل اقتصر منه على النسبة مشعراً بأنّ ذلك هو الحجة في المسألة،و في الثاني لم ينقل الخلاف فيه منّا،بل قال:خلافاً للشافعي (3).

و لعلّه كاف في الحجة،سيما بعد التأيّد بالأصل،و احتمال عدم ظهور المخصّص كما عرفته.

و تجب الكفّارة بقتل المسلم،ذكراً كان أو أُنثى،صبيّاً أو مجنوناً،حراً أو عبداً مطلقا و لو كان ملكاً للقاتل على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف فيه يظهر،إلّا ما يحكى عن كفّارات النهاية و القاضي (4)في

ص:564


1- قاله في كشف اللثام 2:530.
2- المسالك 2:511.
3- كشف اللثام 2:530.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:530،و هو في النهاية:573،و المهذّب 2:424.

العبد.

قيل:للصحيح:في الرجل يقتل مملوكه متعمّداً،قال:«يعجبني أن يعتق رقبة،و يصوم شهرين متتابعين،و يطعم ستّين مسكيناً،ثم تكون التوبة بعد ذلك» (1)لإشعار«يعجب» بالفضل (2).

و فيه نظر؛ لظهور السياق في رجوع الفضل إلى الترتيب بين الكفّارة و التوبة بتقديم الاُولى على الثانية،لا إلى أصل الكفّارة.

ثم لو سلّم إشعاره أو دلالته فلا يعترض به إطلاقات الكتاب و السنّة، و خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«من قتل عبده متعمّداً فعليه أن يعتق رقبة،و أن يطعم ستّين مسكيناً،و أن يصوم شهرين» (3)و نحوه الموثقان (4).

و الحسنان:عن رجل قتل مملوكاً له متعمّداً،قال:«يعتق رقبة، و يصوم شهرين متتابعين» (5)إلى غير ذلك من النصوص (6).

و كذا تجب بقتل الجنين الآدمي المؤمن إن ولجته الروح مطلقا و لا تجب قبل ذلك كما مضى.

ص:565


1- الكافي 7:2/302،الفقيه 4:305/93،التهذيب 10:932/235،الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 1.
2- قاله في كشف اللثام 2:530.
3- الكافي 7:4/303،التهذيب 10:929/234،الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 3.
4- الكافي 7:1/302،التهذيب 10:931/235،الوسائل 29:92 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 4.
5- انظر الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 2،وص 99 أبواب القصاص في النفس ب 40 ح 12.
6- الوسائل 29:91 أبواب القصاص في النفس ب 37.

و قد خالف الفاضل في التحرير (1)هنا،فأوجب الكفّارة فيه مطلقاً، و لو لم يلجه الروح،مع أنّه في بحث ديته صرّح بما هنا،و هو الأقوى؛ للأصل،بل قد عرفت أنّ عليه في بعض العبارات إجماعنا (2)،مع أنّي لم أجد له موافقاً إلّا الشافعي فيما حكي عنه (3)،و مع ذلك فلم أعرف له مستنداً.

و لا تجب بقتل الكافر ذمّيّاً كان أو حربيّا أو معاهداً بلا خلاف أجده،بل قيل:عندنا،خلافاً للعامّة،لتوهّمهم ذلك من الآية (4).

و لو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالماً عامداً لا لضرورة التترّس و نحوه فعليه القود و الكفّارة بلا خلاف أجده،بل بإجماعنا كما يشعر به عبارة بعض الأجلّة (5)،و هو الحجة؛ مضافاً إلى إطلاقات الكتاب و السنّة.

و لو ظنّه حربيّا (6) فقتله فلا دية له و عليه الكفّارة بلا خلاف في لزومها،و وفاقاً للأكثر في عدم الدية،بل في ظاهر المسالك و غيره و عن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه (7)؛ لقوله سبحانه وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ [1] مع قوله بعد

ص:566


1- التحرير 2:279.
2- راجع ص 537.
3- حكاه عنه في كشف اللثام 2:530 و انظر المجموع 19:188،و المبسوط للسرخسي 26:88.
4- قاله في كشف اللثام 2:530.
5- كشف اللثام 2:530.
6- في المطبوع زيادة:فبان مسلماً.
7- المسالك 2:511؛ و انظر كشف اللثام 2:530،المبسوط 7:245.

ذلك فَإِنْ كانَ [1] يعني المقتول خطأً مِنْ قَوْمٍ [2] أي في قوم؛ لأنّ حروف الصفات بعضها يقوم مقام بعض عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [3] و قوله بعد ذلك وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [4] (1)لفهمنا من الثاني أنّ المؤمن يكون في دار الحرب فيظنّ كافراً فيُقتل لا دية له،و إلّا لم يظهر وجه للتفصيل و إهمال الدية فيه.

خلافاً للحلّي،فأوجب الدية لئلّا يطلّ دم امرئ مسلم (2).

و قوله(عليه السّلام):«في النفس مائة من الإبل» (3)قال:و الدية و إن لم تذكر في الآية،فقد علمناها بدليل آخر إلى أن قال-:و أيضاً فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك،و لم يخالف أحد منهم في ذلك (4).

و هو نادر،و لذا لم ينقل الخلاف عنه هنا إلّا نادر.و وهن إجماعه لعدم الوقوف على موافق له ظاهر،مع معارضته بالمثل.و ما ذكره من الإطلاقات غير معلوم الشمول لنحو الفرض؛ لعدم التبادر،و على تقديره فهي مقيّدة بالآية الشريفة النافية بظاهرها من حيث السياق للدية،فتكون بالإضافة إلى الإطلاقات أخصّ فلتكن عليها مقدّمة.

و منه يظهر أنّ وجه دلالة الآية ليس أنّه لم يذكر فيها الدية كما زعمه و قدّم لذا عليها الإطلاقات المزبورة،بل إنّما هو ظهور سياقها في نفيها،

ص:567


1- النساء:92.
2- عوالي اللئالي 2:160،مستدرك الوسائل 18:413 أبواب ديات النفس ب 2 ح 2.
3- عوالي اللئالي 3:1/608،مستدرك الوسائل 18:296 أبواب ديات النفس ب 1 ح 3.
4- السرائر 3:321.

فينعكس الأمر كما عرفته.

ثم إنّ إطلاق الآية و العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ظهور كون المقتول أسيراً أم غيره.

خلافاً للشيخ في المبسوط و الخلاف و الفاضل في التحرير و القواعد و الصيمري في شرح الشرائع (1)،فقيّدوه بالثاني.

و تردّد فيه الماتن في الشرائع (2):من ذلك،و من إطلاق ما دلّ على لزوم الدية.

و فيه ما قد عرفته،فإذاً الأولى الأخذ بإطلاق الآية،مضافاً إلى أصالة البراءة.

الرابعة في العاقلة

الأمر الأول المحل

الرابعة:في بيان العاقلة التي تحمل دية الخطأ.

و النظر هنا يقع في أُمور ثلاثة المحل،و كيفية التقسيط أي توزيع الدية و تقسيمها عليهم و اللواحق أمّا المحلّ ف هو العصبة،و المعتق،و ضامن الجريرة، و الإمام(عليه السّلام) مرتّبين كترتيبهم في الإرث على تفصيل يأتي إليه الإشارة.

و ضابط العصبة كل من يتقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب خاصّة و إن لم يكونوا وارثين في الحال كالإخوة و أولادهم و إن نزلوا و العمومة و أولادهم كذلك و الأجداد و إن علوا وفاقاً للمقنعة و المبسوط و الخلاف و المهذّب و الفاضلين هنا و في الشرائع و الإرشاد

ص:568


1- المبسوط 7:246،الخلاف 5:321،التحرير 2:279،القواعد 2:345،غاية المرام 4:483.
2- الشرائع 4:287.

و التحرير و القواعد و المختلف و الشهيد في اللمعة (1)،و غيرهم (2)،و بالجملة:

المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف و الروضة و المسالك (3).

و في السرائر أنّهم العصبات من الرجال،سواء كان وارثاً أو غير وارث،الأقرب فالأقرب،و يدخل فيها الولد و الوالد.و قال:إجماع أصحابنا منعقد على أنّ العاقلة جماعة الورّاث من الرجال دون من يتقرب بالأُمّ (4).

و ظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه،و إن زعم مخالفة قوله لقولهم فعدّ قولاً آخر (5)،و لم أفهم الوجه فيه،إلّا من حيث إطلاقه الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهّم منه الشمول لمثل الإخوة من الاُمّ و الأخوال، لكن تصريحه أخيراً باستثناء من يقترب منهم بالأُمّ يدفع ذلك،و يوجب اتحاد قوله مع قولهم،و لذا لم يجعله كثير مخالفاً لهم.

و عبارته صريحة في دعوى الإجماع،و هو الحجة المعتضدة بالشهرة المحققة و المحكية،المحتملة كونها إجماعاً،كما ربما يستفاد من المختلف (6)حيث استند بها لهذا القول،و الحال أنّ الشهرة بالمعنى المصطلح ليست عنده بحجة ما لم تبلغ درجة الإجماع،فاستناده بها لعلّه كاشف عن بلوغها تلك الدرجة،هذا.

ص:569


1- المقنعة:735،المبسوط 7:173،الخلاف 5:277،المهذّب 2:503،الشرائع 4:288،الإرشاد 2:229،التحرير 2:279،القواعد 2:342،المختلف:787،اللمعة(الروضة 10):308.
2- انظر المفاتيح 2:156.
3- المختلف:787،الروضة 10:308،المسالك 2:511.
4- السرائر 3:331.
5- كما في المهذّب البارع 5:415.
6- المختلف:787.

مضافاً إلى ما قيل من أنّ ما ذكروه هو المعروف من معناها (1).

و يوافقه ما في مجمع البحرين:عَصَبة الرجل بنوه و قرابته لأبيه،قال:

و الجمع العصائب (2)،قال الجوهري:و إنّما سمّوا عَصَبة لأنّهم عصبوا به أي أحاطوا به،فالأب طرف،و الابن طرف،و الأخ جانب،و العمّ جانب (3).

فتدبّر.

و قيل في النهاية و الغنية و الإصباح فيما حكي (4)أنّهم هم الذين يرثون القاتل ديته لو قتل و لا يلزم من لا يرث ديته شيئاً مطلقا.

و اعترضه جماعة،و منهم الماتن في الشرائع،فقال:و في هذا الإطلاق و هم؛ فإنّ الدية يرثها الذكور و الإناث،و الزوج و الزوجة،و من يتقرّب بالأُمّ على أحد القولين،و يختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال،و ليس كذلك العقل،فإنّه يختصّ الذكور من العَصَبة دون من يقترب بالأُمّ،و دون الزوج و الزوجة (5).

و هو حسن،إلّا أنّ بعض الأفاضل وجّه كلامهم بما يرجع به إلى ما عليه القوم،فقال:و عبارة النهاية هكذا:و أمّا دية الخطأ فإنّها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل أن لو قتل،و لا يلزم من لا يرث من ديته شيئاً على حال،و هي توهِم العموم،و ليست صريحة فيه،فإنّ الوصف يجوز أن يكون للتعليل دون التفسير،و لذا قال المحقّق:و في هذا الإطلاق و هم،

ص:570


1- قاله في كشف اللثام 2:526.
2- كذا،و في المصدر:العصاب.
3- مجمع البحرين 2:122،و هو في الصحاح 1:182.
4- كشف اللثام 2:526.
5- الشرائع 4:288.

فيكون كقول المفيد،و لا يؤخذ لإخوته من امّه شيء،و لا من أخواله؛ لأنّه لو قتل و أُخذت ديته ما استحق إخوته لأُمّه و أخواله منها شيئاً،فلذلك لم يكن عليهم منها شيء،ثم ليس في عبارة النهاية تفسير العصبة.و عبارة الغنية و الإصباح،كذا:و عاقلة الحرّ المسلم عَصَبته الذين يرثون ديته.

و ظاهرها أيضاً التعليل،و الاتّكال في معنى العصبة على وضوحه،و أنّ المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال،أو التوضيح أو التنصيص على الاختصاص بالمتقرّبين بالأب (1).انتهى.

و يؤيدّه فهم الحلّي (2)من النهاية ما يوافقه،و لذا لم يعترضه،بل اعتضد به،فتأمّل .

و كيف كان فالقول الأوّل أظهر لما مرّ.

و من الأصحاب من خصّ به الأقرب (3)ممّن يرث بالتسمية، و مع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرّب بالأُمّ مع من يتقرّب بالأب و الأُمّ أو بالأب أثلاثاً كالإرث،و قد يستدل له بالنصوص الواردة فيمن هرب و لم يظفر به حتى مات أنّه يؤخذ من تركته،فإن لم يكن فمن الأقرب فالأقرب (4).

و المرسل:في الرجل إذا قتل رجلاً خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية:«إنّ الدية على ورثته،فإن لم يكن له عاقلة فعلى

ص:571


1- حكاه في كشف اللثام 2:526،و هو في النهاية:737،و المقنعة:735،و الغنية(الجوامع الفقهية):620.
2- السرائر 3:331.
3- في«ن» زيادة:فالأقرب.
4- الوسائل 29:395 أبواب العاقلة ب 4.

الوالي من بيت المال (1).

و في الجميع نظر؛ لضعف المرسل كبعض تلك النصوص،مع خروجها على تقدير القول بها في تلك المسألة عن مفروض المسألة؛ لكونه دية الخطأ لا العمد كما هو موردها،و أحدهما غير الآخر،هذا.

مضافاً إلى قصور الجميع عن المكافأة لما قدّمناه من الأدلة.

و نسب جماعة (2)من الأصحاب هذا القول إلى الإسكافي،قالوا:

و هو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل قال:اُتي أمير المؤمنين(عليه السّلام) برجل من أهل الموصل قد قتل رجلاً خطأ،فكتب أمير المؤمنين(عليه السّلام)إلى عامله بها في كتابه:«أسأل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها و أصبت له قرابة من المسلمين فادعهم إليك،ثمّ انظر،فإن كان هناك رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه أحد من قرابته فألزمه الدية و خذها منه في ثلاث سنين،و إن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب و كانوا قرابته سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه،و على قرابته من قبل امّه من الرجال الذكور المسلمين،ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية و اجعل على قرابته من قبل امّه الثلث» الحديث (3).

و سلمة الراوي فيه ضعف لكونه بترياً مذموماً.انتهى محصّل

ص:572


1- التهذيب 10:676/172،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 6 ح 1.
2- منهم العلّامة في المختلف:787،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:533،و الشهيد الثاني في المسالك 2:511.
3- الكافي 7:2/364،الفقيه 4:356/105،التهذيب 10:675/171،الوسائل 29:392 أبواب العاقلة ب 2 ح 1.

ما ذكروه.

و ناقشهم في النسبة بعض الفضلاء،فقال:و عبارة الإسكافي كذا:

العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء،سواء كانوا من قبل أبيه أو امّه،فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب و الإخوة للاُمّ كان على الإخوة للأب الثلثان،و على الإخوة للاُمّ الثلث،سواء كان المستحق للميراث واحداً أو جماعة،و لا يلزم ولد الأب شيء إلّا بعد عدم الولد و الأب،و لا يلزم ولد الجدّ شيء إلّا بعد عدم الولد للأبوين.و هي ليست نصّاً في استحقاق الإرث بالتسمية،و لا في شمول العقل كلّ من يرث بالتسمية،بل ظاهر قوله:سواء كان من قبل أبيه أو امّه،اختصاصه بالأجداد و بالإخوة و الأعمام و الأخوال و أولادهم،ثم ليس فيها اشتراط التشريك بين المتقرب بالأب و المتقرب بالأُمّ بعدم الوارث.

ثم قال:و لكن ظاهر المختلف أنّه نزّلها على مضمون خبر سلمة بن كهيل (1).انتهى.و هو جيّد.

و اعلم أنّ الرواية لا دلالة لها على القول المحكي في العبارة بإطلاقه؛ لشموله المتقرب بالأُمّ و المتقرب بالأب الذكور و الإناث،و كذا الأقرب ممّن يرث بالتسمية يشمل نحو الاُمّ و البنت و الأُخت،مع أنّ الرواية مصرّحة بالتقييد بالرجال،فالاستدلال بها لذلك كما في العبارة و غيرها لا يخلو عن إشكال،و لذا عدلت عنه إلى الاستدلال بتلك النصوص المزبورة و إن كانت قريبة منها في وجه الضعف و الإشكال.

اللهم إلّا أن ينزّل إطلاق القول على الرواية بتقييده بما فيها من إرادة

ص:573


1- كشف اللثام 2:527.

الرجال خاصّة،كما وجّه به كلام النهاية (1)،و يجعل الاستدلال بها له على ذلك قرينة،فافهم .

و يدخل الآباء و الأولاد في العقل على الأشبه وفاقاً للمفيد و الإسكافي و الشيخ في النهاية و الحائريات و السرائر و الجامع و أبي العباس كما حكي (2)،و هو خيرة الفاضلين هنا و في الشرائع و التحرير و القواعد و الصيمري و الشهيد في اللمعة (3)،و هو ظاهر التنقيح (4)،و بالجملة:

المشهور على الظاهر،المصرّح به في الإيضاح (5)،بل ادّعى الحلّي عليه الإجماع (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى دخولهم في مفهوم العَصَبة لغةً كما يستفاد من كلام الجوهري المتقدّم (7)و كثير من أهلها.

خلافاً للمحكي عن الخلاف و المبسوط و المهذّب و الوسيلة (8)، فلا يدخلون؛ لأصالة البراءة.

و يجب الخروج عنها بما عرفته،مع ضعف التمسك بها هنا بناءً على

ص:574


1- راجع ص 566.
2- المقنعة:735،حكاه عن الإسكافي في المختلف:787،النهاية:737،الحائريات(الرسائل العشر):296،السرائر 3:331،الجامع للشرائع:573،و المقتصر:469،و المهذب البارع 5:416.
3- الشرائع 4:288،التحرير 2:279،القواعد 2:342،غاية المرام 4:486،اللمعة(الروضة البهية 10):308.
4- التنقيح 4:532.
5- الإيضاح 4:744.
6- السرائر 3:332.
7- راجع ص 566.
8- حكاه عنهم في المختلف:786،و هو في الخلاف 5:277،و المبسوط 7:173،و المهذّب 2:503،و الوسيلة:437.

إيجابه اشتغال ذمّة أُخرى مع أنّ الأصل براءتها أيضاً،و مرجعه إلى معارضتها بالمثل كما لا يخفى.

و للإجماع.

و فيه وهن ظاهر،كدعوى شيخنا في المسالك و الروضة (1)عليه الشهرة،مع معارضتهما بالمثل كما عرفته.

و لخروجهم عن مفهوم العَصَبة.

و فيه منع ظاهر عرفت وجهه.

و لنصوص عامية.

نعم في الصحيح:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في امرأة أعتقت رجلاً،و اشترطت ولاءه،و لها ابن،فألحق ولاءه بعَصَبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها» (2).

لكنّه غير واضح الدلالة؛ لاحتمال كون«دون ولدها» استثناءً من العَصَبة،و الأصل في الاستثناء الاتصال،و عليه فتكون الرواية واضحة الدلالة على المختار،مع استفادته أيضاً من رواية سلمة بن كهيل المتقدّمة، لكن ضعف سندها كما عرفته،مع اشتمالها على أحكام غريبة لم يقل بجملة منها أحد من الطائفة ربما أوجب الوهن في الاستدلال بها و جعلها حجّة،و إن أمكن الذبّ عنه بجبره بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة.

و لا يشركهم أي العاقلة في العقل القاتل بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلّة،قال:خلافاً لأبي حنيفة (3).

ص:575


1- المسالك 2:512،الروضة 10:310.
2- التهذيب 8:921/253،الإستبصار 4:80/25،الوسائل 23:70 كتاب العتق ب 39 ح 1.
3- كشف اللثام 2:527.

و الحجة عليه بعده أصالة البراءة،مع ظهور النص و الفتوى باختصاص الدية بالعاقلة.

و لا تعقل المرأة،و لا الصبي،و لا المجنون،و إن ورثوا من الدية بلا خلاف على الظاهر،المحكي عن المبسوط (1).

قيل:لخروجهم عن مفهوم العصبة عرفاً،و أصل البراءة (2).

و في أصل البراءة ما عرفته.و أمّا دعوى الخروج فهي حسنة بالإضافة إلى المرأة،أمّا الصبي و المجنون فدعوى خروجهما عن مفهومها لعلّها لا تخلو عن إشكال.

و الأصل على تقدير صحته يخرج عنه بالإطلاقات،إلّا أن يذبّ عنها بعدم معلومية شمولها لهما؛ لعدم تباردهما منها جدّاً و لو كانا داخلين تحت مفهوم العصبة حقيقةً.

و تحمّل العاقلة دية الموضحة و ما فوق الموضحة كالهاشمة و المنقّلة و نحوهما اتفاقاً منّا على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (3)حدّ الاستفاضة،و فيه الحجة؛ مضافاً إلى الإطلاقات،و خصوص الموثقة الآتية.

و في تحمّلها ما دون الموضحة من الحارصة و الدامية و نحوهما قولان أحدهما:نعم،ذهب إليه الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي في السرائر (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ للإطلاقات.

ص:576


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:527،و هو في المبسوط 7:175.
2- قاله في كشف اللثام 2:527.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:344،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:535،و الشهيد الثاني في الروضة 10:313.
4- المبسوط 7:178،الخلاف 5:283،السرائر 3:334.

و الثاني:و هو المروي في الموثق (1) أنّها لا تحمله و هو خيرة الشيخ في النهاية و الحلبي و القاضي في أحد قوليه و الغنية و الإصباح و الوسيلة كما حكي (2)،و إليه ذهب الفاضل في المختلف و ولده في الإيضاح و الفاضل المقداد و الصيمري (3)،و غيرهم من المتأخّرين (4)،و الظاهر أنّه المشهور كما صرّح به في التحرير و الروضة (5).

و هو الأقوى؛ لاعتبار سند الرواية بالموثقية.

مضافاً إلى الاعتضاد أو الانجبار بالشهرة الظاهرة و المحكية، و بالاعتبار؛ للزوم الضرر الكثير بالتحمّل،بناءً على غلبة وقوع التنازع و حصول الجنايات الكثيرة من الناس،فلو وجب كلّ جرح قلّ أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقّة لهم،و تساهل الناس في الجنايات؛ لانتفاء الضمان عنهم،فتأمّل .

و بذلك يذبّ عن الإجماع المنقول،مع وهنه بمصير الأكثر على خلافه،و يتعيّن الخروج به عن الإطلاقات،مع إمكان التأمّل في شمولها لمحل البحث؛ لاحتمال اختصاصها بحكم التبادر بدية النفس.

و لا ينافيه الاتفاق على التحمّل في نحو الموضحة؛ لاحتمال كون

ص:577


1- الكافي 7:4/365،التهذيب 10:669/170،الوسائل 29:396 أبواب العاقلة ب 5 ح 1.
2- النهاية:737،الكافي في الفقه:396،و قال به القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في غاية المراد 4:485،و المهذب البارع 5:508،الغنية(الجوامع الفقهيّة):620،الإصباح(الينابيع الفقهية 24):289،الوسيلة:437،و حكاه عنهم في كشف اللثام 2:528.
3- المختلف:812،الإيضاح 4:746،التنقيح 4:535،غاية المرام 4:487.
4- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 14:291.
5- التحرير 2:280،الروضة 10:314.

ذلك بمجرّد الاتفاق،لا للإطلاق،و حينئذٍ يجب الرجوع إلى حكم القاعدة من كون الأصل في الجناية تعلّق ديتها برقبة الجاني،لا غيرها؛ إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] (1)خرجنا عنها فيما عدا موضع الخلاف بالوفاق، و يبقى ما عداه داخلاً تحتها.

و ربما يستفاد من قول الماتن هنا و الفاضل في القواعد (2): غير أنّ في الرواية ضعفاً ميلهما إلى القول الأوّل،أو توقّفهما فيه.

و هو ضعيف،كدعوى ضعف الرواية؛ لأنّها من الموثّق لا الضعيف بمعنى المصطلح ،لكنّ الأمر في هذا سهل،سيّما على طريقة الماتن.

و إذا لم يكن للجاني عاقلة من قومه ضمن المعتق جنايته إن كان،و إلّا فعصباته،ثمّ معتق المعتق،ثمّ عصباته،ثم معتق أبي المعتق،ثم عصباته،كترتيب الميراث،و مع عدمهم أجمع فعلى ضامن جريرته إن كان.

و حيث لا ضامن جريرة له أيضاً ضمن الإمام جنايته بلا خلاف في شيء من ذلك أجده في الجملة،و لكن استفادتها كما هي من النصوص مشكلة.

نعم النصوص مستفيضة بضمان ضامن الجريرة العقل و كذا الإمام مع فقده،ففي الصحيح:«من لجأ إلى قوم فأقرّوا بولايته كان لهم ميراثه، و عليهم معقلته» (3).

و بمعناه الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المروية في باب

ص:578


1- الأنعام:165.
2- القواعد 2:344.
3- التهذيب 10:685/175،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 7 ح 1.

ميراث ضامن الجريرة،و فيها:«إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه،و عليه معقلته» (1).

و فيها إشعار بتلازم الإرث و ضمان العقل،و قد تقدّم في المواريث ثبوت إرث المعتق و ضامن الجريرة و الإمام مترتّبين،فيعقلون كذلك.

و في الصحيح:«من مات و ليس له وارث من قرابته،و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال» (2)و هو كالنص في ضمان المعتق الجريرة و العقل.

و في الصحيح:«السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللّه تعالى،فما كان ولاؤه للّه سبحانه فهو لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ما كان لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فإنّ ولاءه للإمام(عليه السّلام)،و جنايته على الإمام،و ميراثه له» (3)إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على أنّ ميراث من لا وارث له للإمام(عليه السّلام)،و معقلته عليه (4)،هذا.

و في المرسل:الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية«إنّ الدية على ورثته،فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال» (5).

و هو صريح في ضمان الأشخاص الثلاثة الدية حيث يستحقون

ص:579


1- الوسائل 26:243 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 1.
2- الكافي 7:2/169،الفقيه 4:773/242،التهذيب 9:1381/387،الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 1.
3- الكافي 7:2/171،التهذيب 9:1410/395،الوسائل 26:248 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3 ح 6.
4- الوسائل 26:246 أبواب ولاء ضمان الجريرة ب 3.
5- التهذيب 10:676/172،الوسائل 29:397 أبواب العاقلة ب 6 ح 1.

الإرث،و هو و إن شمل العاقلة الأُنثى من القرابة مثلاً،لكنّه مقيّد بغيرها من الذكران؛ لما مضى،فيبقى الباقي تحته مندرجاً،و العام المخصّص حجة في الباقي،كما حقّق في محلّه مستقصى.

و فيه إشعار بلزوم الدية في مال الجاني أوّلاً،و مع عدمه فعلى عاقلته، و به صرّح جماعة (1)،لكن بالنسبة إلى ضمان الإمام خاصّة،فقالوا:إنّ ضمانه مؤخّر عن ضمان الجاني،و منهم ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسلة،و القاعدة المتقدّم إليها قريباً الإشارة،و به صرّح جملة من النصوص في جناية الأعمى:«أنّها خطأ و يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً،فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله تؤخذ بها في ثلاث سنين» كما في الصحيح (3).

و في الموثق:«إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية في ماله،فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام» (4).

خلافاً لآخرين،فقالوا:ضمان الإمام مقدّم على ضمان الجاني، و منهم الحلّي مدّعياً عليه أيضاً الإجماع (5)،و هو الحجّة.

ص:580


1- منهم الشيخ في النهاية:737،و ابن حمزة في الوسيلة:436،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:537.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
3- الفقيه 4:361/107،التهذيب 10:918/232،الوسائل 29:399 أبواب العاقلة ب 10 ح 1.
4- الكافي 7:3/302،الفقيه 4:271/85،التهذيب 10:917/232،الوسائل 29:89 أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1.
5- السرائر 3:335.

مضافاً إلى إطلاق الأدلّة بكون الإمام ضامن جريرة مع فقد العاقلة.

و يمكن تقييده بما مرّ،إلّا أن يجاب عنه بضعف المرسل منه سنداً و متناً؛ لاشتماله زيادةً على ما تقدّم على تقديم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير الإمام،و ظاهر الأصحاب كالروايتين الواردتين في الأعمى اللتين هما أحد تلك الأدلّة خلافه.

و الإجماع المنقول معارض بالمثل.

و روايتا الأعمى بعد الإغماض عن احتياج إطلاقهما إلى تقييد ما تضمّنتا كون جنايته خطأ مطلقاً،و لم يرتضه المتأخّرون كما مضى.

و الأصل يخرج عنه بالإطلاقات.

و ظاهر العبارة كغيرها و صريح جماعة (1)كون الدية على الإمام في ماله.خلافاً لآخرين (2)،ففي بيت مال المسلمين.

و منشأ الاختلاف اختلاف النصوص،ففي جملة منها على الإمام، و في اخرى على بيت المال،و المسألة كسابقتها محل إشكال،و للتوقف فيهما مجال.

و جناية الذمّي في ماله مطلقا و إن كانت خطأً،فإن لم يكن له مال فعاقلته الإمام(عليه السّلام) قالوا: لأنّه يؤدّي إليه جزيته كما يؤدّي المملوك إلى مولاه ضريبته (3) فكان بمنزلته و إن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته؛ لأنّه ليس مملوكاً محضاً.

ص:581


1- منهم الحلّي في السرائر 3:335.
2- منهم السلّار في المراسم:239،و الصيمري في غاية المرام 4:488،و الكاشاني في المفاتيح 2:157.
3- في المختصر المطبوع زيادة:و لا يعقله قومه.

و الأولى الاستدلال عليه بعد الإجماع الظاهر المستظهر من بعض العبائر بالصحيح:«ليس بين أهل الذمة معاقلة،فما يكون من قتل أو جراحة إنّما تؤخذ ذلك من أموالهم،فإن لم يكن له مال رجعت إلى إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده» قال:«و هم مماليك الإمام،فمن أسلم منهم فهو حرّ» (1).

الأمر الثاني في كيفية التقسيط

و أمّا كيفية التقسيط فقد تردّد فيه الشيخ فقال في موضع من المبسوط و الخلاف:على الغني عشرة قراريط نصف دينار،و على الفقير خمسة قراريط ربعه (2).و تبعه القاضي في المهذّب و الفاضل في الإرشاد و القواعد (3).

و لكن اختلف عباراتهم،فالفاضل أطلق كما ذكرنا،و لم يبيّن أنّ المقدارين أكثر ما يلزمهما،أو أنّهما لازمان عليهما لا أقلّ منهما.

و القاضي فسّره بالأوّل.

و الشيخ بالثاني،قال:للإجماع على لزومهما،و لا أكثر؛ للأصل،مع عدم دليل.

و فيه نظر؛ لضعف الأصل بما مرّ مراراً من معارضته بالمثل؛ لأنّ دفع الأكثر من النصف عن الغني،و من الربع عن الفقير بالأصل،يوجب اشتغال ذمّة آخر به،و هو أيضاً مدفوع بالأصل.

و عدم الدليل عليه ممنوع،كيف لا؟!و النص و الفتوى بلزوم الدية

ص:582


1- الكافي 7:1/364،الفقيه 4:357/106،التهذيب 10:674/170،علل الشرائع:1/541،الوسائل 29:391 أبواب العاقلة ب 1 ح 1.
2- المبسوط 7:174،الخلاف 5:282،286.
3- المهذّب 2:504،الإرشاد 2:230،القواعد 2:343.

على العاقلة مطلقان يشملانه،حتى لو كان العاقلة من ذوي القرابة واحداً تعيّن عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها كذلك،و مع العدم تعيّن عليه ما قدر،و يكون الزائد على مقدوره واجباً على من بعده من مراتب العاقلة و درجاتها؛ لأنّ عجزه عنه يصيّره كالعدم إجماعاً،فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة،و هكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية من العاقلة يجب عليها المقدور من الزيادة،و ما لا يقدر عليه منها يجب على من بعده من العاقلة،و هكذا.

و على هذا ف الوجه وقوفه أي التقسيط على رأي الإمام أو من نصبه للحكومة و لو عموماً،فيدخل فيه المجتهد الجامع لشرائط الفتوى بحسب ما يراه من أحوال العاقلة في الغنى و الحاجة،فيدفع الدية عن الفقير الذي لا قدرة له بالكليّة و يوجبها على الغني و الفقير المتوسط بحسب مقدورهما و ما يقتضيه المصلحة،بحيث لا يستلزم إضراراً و لا إجحافاً بهما بالكلية،و إن زادت الدية عنهما بعد ذلك فضّها على المرتبة الثانية.

و اختار هذا في موضع آخر من المبسوط و الخلاف (1)،و تبعه الحلّي و جماعة من المتأخّرين (2)،و لعلّه المشهور بينهم.

و يبدأ بالتقسيط على الأقرب من العاقلة إلى الجاني رتبةً و درجةً فالأقرب فيأخذ من أقرب الطبقات أوّلاً،فإن لم يكن أو لم يحتمل تخطّى إلى البعيد ثم الأبعد،و هكذا ينتقل مع الحاجة إلى المولى،ثم إلى عصبته،ثم إلى مولى المولى،ثم إلى ما فوق،ثم إلى الإمام(عليه السّلام).

ص:583


1- المبسوط 7:178،الخلاف 5:279.
2- السرائر 3:333،الروضة 10:315.

و يحتمل بسطها على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب؛ لعموم الأدلّة بوجوبها على العاقلة.

و لكنّ الأوّل أظهر وفاقاً للأكثر؛ لعموم وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] (1)و لا قائل بالفرق.

مضافاً إلى ما مرّ من إشعار النصوص و الفتاوي بل ظهورهما في كون العقل كالإرث يترتّب كترتّبه،و يلزم حيث يثبت،و منها المرسل المتقدم المتضمّن لقوله(عليه السّلام):«إنّ الدية على ورثته» (2)فتأمّل .

و يؤيّده النصوص المتقدمة فيمن قتل و هرب فمات أنّه تؤخذ الدية من الأقرب إليه فالأقرب (3).

خلافاً للمحكي عن المبسوط و الجامع (4)،فقالا بالاحتمال المتقدم.

و يؤجّلها أي الدية الإمام أو من نصبه عليهم أي على العاقلة ثلاث سنين على ما سلف بيانه و نقل الدليل عليه في أوائل كتاب الديات.

الأمر الثالث في اللواحق و هي مسائل ثلاث
الأولى لو قتل الأب ولده عمداً

و أمّا اللواحق فمسائل ثلاث:

الاُولى :لو قتل الأب ولده عمداً فلا قصاص كما مرّ في كتابه و دفعت الدية بعد أن تؤخذ منه إلى الوارث للابن و لو كان بعيداً، و لو ضامن جريرة،أو إماماً و لا نصيب للأب منها لأنّه قاتل عمداً لمورّثه فلا يرث منه إجماعاً.

ص:584


1- الأنفال:75.
2- راجع ص 575.
3- راجع ص 567.
4- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:529.

و لو لم يكن للابن وارث سوى الأب فهي أي الدية المأخوذة منه للإمام(عليه السّلام) و لو قتله الأب خطأً فالدية على العاقلة،و يرثها الوارث للابن مطلقا،و لا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك.

و إنّما الإشكال في توريث الأب من الدية في صورة الخطأ، ففيه قولان،أشبههما و أشهرهما: أنّه لا يرث منها شيئاً مطلقا،و قد تقدم التحقيق في ذلك في كتاب المواريث مستوفى و إنّما أعاده هنا لبيان وقوع الاختلاف هنا في ذلك على القول بتوريثه من الدية فيما لو لم يكن وارث للمقتول سوى الأب و العاقلة هل تؤخذ منهم الدية و تدفع إليه أم لا شيء له عليهم؟ فإن قلنا:إنّ الأب لا يرث من ديته أو مطلقا شيئاً فلا دية له قطعاً و إن قلنا:يرث،ففي أخذ الدية له هنا من العاقلة تردّد :

من أنّه الجاني و لا يعقل ضمان الغير له جناية جناها،و العاقلة إنّما يضمن جنايته للغير،و هو خيرة الأكثر،بل لا خلاف فيه هنا يظهر.

و من إطلاق ما دلّ على وجوب الدية على العاقلة للورثة،و الأب منهم،فيرث؛ لوجود السبب،و انتفاء المانع.

و فيه نظر؛ لمنع الإطلاق بحيث يشمل نحو محل الفرض؛ لندرته، و عدم تبادره،فيختصّ بغيره ممّا هو الغالب المتبادر،و هو غير محل الفرض،فيرجع حينئذٍ إلى مقتضى الأصل من لزوم الدية على الجاني دون غيره.

ثم في دعوى كون الأب هنا من الورثة بقول مطلق نظر:أمّا على

ص:585

القول بعدم إرثه مطلقا فظاهر،و كذا على القول بعدم إرثه من الدية خاصّة؛ إذ هو بالنسبة إليها ليس من الورثة.

و أمّا على القول بإرثه منها فحسن إن سلّم منه ذلك كلّيّاً،أو كان دليل آخر عليه كذلك،و إلّا فالدعوى من دونهما أو أحدهما مصادرة و أوّل البحث.و تسليم كونه وارثاً فيما إذا كان له ورثة غير العاقلة كالأُمّ و البنت مثلاً لا يستلزم تسليم كونه وارثاً هنا،فتأمّل جدّاً .

الثانية لا تعقل العاقلة عمداً

الثانية :لا تعقل العاقلة عمداً محضاً و لا شبيهاً به،و إنما تعقل الخطأ المحض و لا إقراراً،و لا صلحاً يعني إذا أقرّ الجاني بالقتل خطأً مع عدم ثبوته إلّا بإقراره لم يثبت بذلك شيء على العاقلة.

و كذا لو اصطلح القاتل و الأولياء في العمد مطلقاً،و الخطأ مع عدم ثبوته على الدية لا يلزم العاقلة منها شيء،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ لأصالة البراءة؛ و اختصاص المخرج عنها من النص و الفتوى بدية الخطأ المحض الثابت بنحو من البيّنة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة:«لا يعقل العاقلة عمداً،و لا عبداً، و لا صلحاً،و لا اعترافاً» (1).

و كذا لا تعقل جناية الإنسان على نفسه مطلقا،بل يكون دمه هدراً،بلا خلاف فيه ظاهراً،بل قيل:إنّه كذلك عندنا و ضمّن العاقلة الأوزاعي و أحمد و إسحاق (2).و هو ظاهر في إجماعنا عليه،و هو الحجة؛

ص:586


1- الوسائل 29:394 أبواب العاقلة ب 3،و مستدرك الوسائل 18:415 أبواب العاقلة ب 3.
2- قاله في كشف اللثام 2:529.

مضافاً إلى بعض ما مرّ إليه الإشارة.

و لا يعقل المولى عبداً بمعنى أنّ العبد لو قتل إنساناً خطأً أو جنى عليه كذلك لا يعقل المولى جنايته،بل يتعلق برقبته،كما سلف بيانه في كتاب القصاص في الشرط الأوّل من شرائطه،و قد ذكرنا ثمّة عدم الخلاف فيه،كما هو ظاهر جماعة و منهم الصيمري و الفاضل المقداد (1)هنا،حيث أرجعا قول الماتن الآتي:على الأظهر،إلى المستولدة خاصّة،بل صرّح الثاني بالإجماع عليه،فإنّه قال:وجه الأظهرية كونها رقّاً،و الإجماع منعقد على أنّ المولى لا يعقل عبداً،و هو عامّ في أمّ الولد و غيرها.

أقول:و يدلُّ عليه مضافاً إليه النصوص المتقدمة ثمّة،لكن في النهاية:و إذا قتل عبد حرّا خطأً فأعتقه مولاه جاز عتقه،و كان على مولاه دية المقتول؛ لأنّه عاقلته (2).

و يفهم منه الخلاف في المسألة،و أظهر منه عبارة الغنية،حيث قال:

و عاقلة الرقيق مالكه (3).

و يمكن الاستناد لهما بمفهوم التعليل في الصحيح المتقدم في عاقلة الذمّي أنّه الإمام لأنّه يؤدّي إليه الجزية كما يؤدّي العبد إلى سيّده الضريبة (4).

لكنّه لا يعارض النصوص المتقدّمة ثمّة،المعتضدة مع الصراحة و الكثرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في

ص:587


1- غاية المرام 4:487،التنقيح الرائع 4:540.
2- النهاية:753.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):620.
4- راجع ص 578.

الحقيقة؛ لشذوذ قولهما.

مع احتمال إرادتهما كون المولى عاقلته لو جنى بعد العتق لا قبله، كما احتمله الحلّي في عبارة النهاية (1)،و هو و إن بعد في عبارة الغنية،لكن يؤيّده أنّه لم يذكر عاقلة المعتَق بالكلّية،و هو بعيد غايته لو لم يكن هو مراداً بتلك العبارة.

و يحتمل إرادتهما مطلق الضمان،كما حمل الفاضل في المختلف عليه عبارة النهاية،فقال:و الشيخ عنى بالعاقلة هنا الضامن لا المعنى المتعارف (2).

أقول:و لا ريب في صحة عقل المولى لعبده بهذا المعنى؛ لما مضى ثمّة من أنّ على المولى في جناية عبده إمّا دفعه إلى وليّ المجني عليه،أو فكّه بقيمته،و أيّا ما كان ثبت الضمان عليه.

و الفرق بينه و بين العقل بالمعنى المتعارف استلزامه ضمان تمام الدية و لو زادت عن قيمة العبد،بخلاف الضمان فإنّ متعلّقه ليس إلّا دفع العبد مع الزيادة،أو فكّه بالقيمة من غير زيادة.

و كيف كان لا فرق على المختار بين كون العبد قنّاً أي رقّاً محضاً أو مدبّراً أو مكاتباً أو أُمّ ولد على الأظهر الأشهر.

خلافاً للشيخ في أحد قوليه و القاضي (3)،فيعقلها مولاها؛ للخبر المتقدم مع تمام التحقيق في المسألة في آخر النظر الأوّل من الأنظار الأربعة

ص:588


1- السرائر 3:358.
2- المختلف:796.
3- النهاية:751،المهذّب 2:488.

من كتاب الديات (1)،من أراده فليراجعه ثمّة.

الثالثة لا تعقل العاقلة بهيمة

الثالثة :لا تعقل العاقلة للإنسان جناية بهيمة له على إنسان، و إن كان جنايتها مضمونة عليه على تقدير تفريطه في حفظها.

و كذا لا تعقل إتلاف ذلك الإنسان مال أحد،بل هو مضمون عليه و يختصّ ضمانها أي العاقلة بالجناية ممّن تعقل عنه على الآدمي فحسب بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ للأصل،مع اختصاص ما دلّ على ضمان العاقلة من الفتوى و الرواية بجناية الآدمي على مثله خطأً،لا مطلقا.

و حيث انتهى الكلام في الكتاب بعون اللّه تعالى الملك الوهّاب إلى هنا قال الماتن رحمه اللّه تعالى-:

فهذا ما أردناه و قصدنا حصره و ضبطه مختصرين مطوّله، مجرّدين محصّله و نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا ممّن شكر بلطفه و كرمه عمله،و غفر بفضله و سعة رحمته زلله (2).

و يقول أقلّ الخليقة،بل اللّاشيء في الحقيقة:أحمد اللّه سبحانه على توفيقه و تسهيله لتأليف هذا التعليق،و أسأله بجوده و كرمه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم،موجباً لثوابه الجسيم،و أن يغفر (3)لعبده ما قصر فيه من اجتهاد،أو وقع له من خلل في إيراد،إنّه هو الغفور الرحيم البَرّ الكريم.

ص:589


1- راجع ص 369.
2- في المطبوع زيادة:و جعل الجنّة منقلبه و منقله،إنّه لا يخيب من سأله،و لا يخسر من أمله،إنّه ولي الإعانة و التوفيق و الصلاة و السلام على محمد و آله أجمعين.
3- في«ح»:يعفو.

و المرجوّ ممّن يقف على هذا التعليق و يرى فيه خطأً أو خللاً أن يصلحه،و ينبّه عليه،و يوضحه،و يشير إليه،حائزاً بذلك منّي شكراً جميلاً،و من اللّه تعالى أجراً عظيماً جزيلاً.

و فرغ من تسويده مؤلّفه الفقير إلى اللّه تعالى الغني علي بن محمد علي الطباطبائي منتصف ليلة الجمعة،و هي السابعة و العشرون من شهر صفر سنة اثنين و تسعين و مائة بعد الألف من الهجرة النبوية،على صاحبها أفضل صلوات و تسليمات و تحية.

ص:590

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.