ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 15

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 15/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كتاب القضاء

النظر الأول في الصفات

كتاب القضاء و هو في اللغة لمعان كثيرة:الخلق،و منه قوله سبحانه فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [1] (1)أي خلقهنّ.و الحكم،و منه قوله تعالى وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [2] (2)أي يحكم.و الأمر،و منه قوله عزّ و جلّ وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ [3] (3)أي أمر.إلى غير ذلك.

و في الشريعة على ما عرّفه جماعة (4):ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية،على أشخاص معينة من البرية، بإثبات الحقوق و استيفائها للمستحق،و مبدؤه الرئاسة العامّة في أُمور الدين و الدنيا،و غايته قطع المنازعة.

ص:5


1- فصّلت:12.
2- غافر:20.
3- الإسراء:23.
4- في«س» زيادة:كفخر الدين في الإيضاح 4:293،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:230،و شيخنا في المسالك 2:351.

قالوا:و خواصّه أنّ الحكم فيه لا ينقض بالاجتهاد،و صيرورته أصلاً ينفذه غيره من القضاة و إن خالف اجتهاده ما لم يخالف دليلاً قطعياً.و له ولاية على كل مولّى عليه مع فقد وليّه،و مع وجوده في مواضع خاصّة.

و يلزم به حكم البيّنة (1)من شهدت عليه و الشهود،أمّا من شهدت عليه فبإلزامه الحق،و أمّا الشهود فبتغريمهم إيّاه لو رجعوا عن الشهادة.

و هو من فروض الكفاية بلا خلافٍ،فيه بينهم أجده؛ لتوقف نظام النوع الإنساني عليه،و لأنّ الظلم من شيم النفوس،فلا بُدّ من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم،و لما يترتب عليه من النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف.

و الأصل فيه مع ذلك الكتاب،و السنّة،و إجماع الأُمّة المحكي في كلام جماعة (2)،قال سبحانه يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ [1] (3).

و قال تعالى إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ [2] (4).

و في النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«إنّ اللّه تعالى لا يقدس امّةً ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه» (5).

و لعظم فائدته تولّاه النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و من قبله من الأنبياء بأنفسهم لاُمّتهم، و من بعدهم من خلفائهم.

ص:6


1- ليس في«ب».
2- انظر إيضاح الفوائد 4:294،و التنقيح الرائع 4:231،و المسالك 2:351.
3- ص:26.
4- النساء:105.
5- عوالي اللئلئ 3:5/515،كنز العمّال 6:15015/99.

و فيه أجر عظيم لمن يقوم بشرائطه،ففي الخبر:«يد اللّه تعالى فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة،فإذا حاف و كلّه اللّه تعالى إلى نفسه» (1).

و في آخر:«إذا جلس القاضي في مجلسه هبط إليه ملكان يسدّدانه و يرشدانه و يوفّقانه،فإذا جار عرجا و تركاه» (2).

و لكن خطره جسيم،قال مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)لشريح:«جلست مجلساً لا يجلس فيه إلّا نبي أو وصي أو شقي» (3).

و في النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«القضاة ثلاثة:واحد في الجنة،و اثنان في النار؛ فالذي في الجنة رجل عرف الحق و قضى به،و اللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم،و رجل قضى للناس على جهل» (4).

و نحوه الصادقي(عليه السّلام):«القضاة أربعة،ثلاثة في النار،و واحد في الجنة» و الرابع فيه:«رجل قضى بحق (5)و هو لا يعلم فهو في النار» (6).

و اعلم أنّ القاضي يغاير المفتي و المجتهد و الفقيه بالحيثية،و إن كانت الأوصاف المزبورة فيه مجتمعة؛ لأنّ القاضي يسمّى قاضياً و حاكماً باعتبار إلزامه و حكمه على الأفراد الشخصية بالأحكام الشخصية(كالحكم على شخص بثبوت حق عليه لآخر،و أمّا لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار

ص:7


1- الكافي 7:1/410،الفقيه 3:13/5،التهذيب 6:528/222،الوسائل 27:224 أبواب آداب القاضي ب 9 ح 1.
2- عوالي اللئلئ 3:1/515.
3- الكافي 7:2/406،الفقيه 3:8/4،التهذيب 6:509/217،المقنع:132،الوسائل 27:17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 2.
4- سنن أبي داود 3:3573/299،سنن ابن ماجة 2:2315/776.
5- في«ح» و«ب»:بجور.
6- الكافي 7:1/407،الفقيه 3:6/3،التهذيب 6:513/218،المقنعة:721،الوسائل 27:22 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 6.

و الإعلام،فإنّه يسمّى مفتياً) (1)كما أنّه باعتبار مجرد الاستدلال يسمّى مجتهداً،و باعتبار علمه بتعيّن مظنونه حكماً شرعياً في حقه و حق مقلده فقيهاً عالماً بالعلم القطعي بالحكم الشرعي،و من هنا اشتهر و صح أنّ ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم،و ليس فيه ابتناء على القول بالتصويب.

و النظر في الكتاب يقع في مواضع.

في الصفات المعتبرة في القاضي المنصوب من قبل الإمام(عليه السّلام).

و الآداب المتعلقة به و كيفية الحكم له و أحكام الدعاوي.

و اعلم أنّ الصفات المشترطة فيه ستّة:التكليف بالبلوغ و كمال العقل و الإيمان بالمعنى الأخص أي:الاعتقاد بالأُصول الخمسة و العدالة،و طهارة المولد عن الزنا.

و العلم و لو بالمعنى الأعم الشامل للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي،فهو في الحقيقة علم و لو بوسيلة الظن،فإنّه في طريق الحكم لا نفسه.

و الذكورة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة كالمسالك و غيره في الجميع (2)،و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (3)-(رحمه اللّه) فيما عدا الثالث و السادس،و الغنية في العلم و العدالة (4)،و نهج الحق للعلّامة في العلم و الذكورة (5)،و هو الحجة.

ص:8


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- المسالك 2:351؛ و انظر كشف اللثام 2:322،و المفاتيح 3:246.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:5 و 6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- نهج الحق:562 563.

مضافاً إلى الأصل بناءً على اختصاص منصب القضاء بالإمام(عليه السّلام)، اتفاقاً فتوًى و نصاً،و منه زيادة على ما مضى المروي بعدة طرق،و فيها الصحيح في الفقيه:«اتقوا الحكومة فإنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين،كنبي أو وصي نبي» (1)خرج منه القاضي المستجمع لهذه الشرائط بالإذن من قِبَله كما يأتي بالنص و الإجماع،و ليسا في فاقدها كلّاً أو بعضاً.

أمّا فقد الثاني فظاهر،سيّما بعد ما ظهر من الإجماع على العدم.

و أمّا الأوّل فلاختصاصه بجامع الشرائط بحكم الصراحة بالإضافة إلى بعضها،و التبادر بالإضافة إلى آخر منها،فالأصل أقوى حجة على العدم.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر و المحكي كما تقدم،و فحوى الصحيح المتقدم بالإضافة إلى اشتراط العدالة و العلم،و نحوه بالإضافة إلى الدلالة على اعتبارهما فحوى النصوص الآتية من نحو مقبولة عمر بن حنظلة (2)، ممّا أُمر فيه بالأخذ بما حكم الأعدل و الأعلم.

مع أنّ الصبي و المجنون ليسا من أهل الولاية على أنفسهما فكيف على غيرهما؟! و الكافر و الفاسق و ولد الزنا ليسوا من أهل التقليد،مع تنفّر الطباع عن الأخير،و المنع عن إمامته و شهادته كالفاسق،فالقضاء أولى به.

و النصوص المستفيضة بل المتواترة في المنع عن الترافع إلى حكام

ص:9


1- الكافي 7:1/406،الفقيه 3:7/4،التهذيب 6:511/217،الوسائل 27:17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 3.
2- الكافي 1:10/67،الفقيه 3:18/5،التهذيب 6:845/301،الاحتجاج:355،الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

الجور و الظلمة و قضاة العامّة في اعتبار الإيمان و العدالة صريحة.

و مثلها النصوص الأُخر في اعتبار الذكورة ففي الخبر:«لا يفلح قوم وليتهم امرأة» (1).

و في آخر في وصية النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لعليّ(عليه السّلام):«يا علي ليس على المرأة جمعة» إلى أن قال:«و لا تولّي القضاء» (2)فتدبّر.

و النصوص الأُخر على اعتبار العلم مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة مستفيضة،بل متواترة،ففي الصحيح:«من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه تعالى لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب،و لحقه وزر من عمل بفتياه» (3).

و فيه:«أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك من هلك:إيّاك أن تفتي الناس برأيك،و تدين بما لا تعلم» (4).

و يدخل في العدالة اشتراط الأمانة،و المحافظة على الواجبات عن الفوات،و توطين النفس على ترك المحرمات.

و لا ينعقد القضاء إلّا لمن له شرعاً أهلية الفتوى كأن يكون مجتهداً مطلقاً لا متجزّئاً فإنّه ليس له أهليتها كما حقّق في محله مستقصى،و سيأتي الإشارة إليه في الجملة أيضاً.

ص:10


1- الخلاف 2:590،مسند أحمد 5:43،سنن النسائي 8:227،سنن الترمذي 3:2365/360.
2- الفقيه 4:821/263،الوسائل 27:16 أبواب صفات القاضي ب 2 ح 1.
3- الكافي 7:2/409،المحاسن:60/205،الوسائل 27:20 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 1.
4- الكافي 1:2/33،الخصال:66/52،المحاسن:55/205،الوسائل 27:21 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 3.

و لازم ذلك أنّه لا يكفيه مجرد اطلاعه ب فتوى الفقهاء لعدم كونه بذلك مجتهداً مطلقاً يجوز له الإفتاء و القضاء،بل و لا متجزّئاً أيضاً،بناءً على أنّ مناط الاجتهاد مطلقاً إنّما هو العلم بمدارك الأحكام كلّاً أو بعضاً لا الاطلاع بفتوى الفقهاء،فلو حصل له دون الأوّل لم يكن مجتهداً،كما أنّه لو انعكس فعلم بالمدارك و لم يطلع بها،كان مجتهداً مطلقاً لو علم بالمدارك كلها،و متجزئاً لو علم ببعضها.

و الأصل في اعتبار أهليّة الفتوى في صحة القضاء بعد الإجماع الظاهر و المحكي في الروضة و المسالك و غيرهما (1)ما مضى من النصوص المعتبرة للعلم في الفتوى.

و نحوها الأصل (2)،و العمومات من الكتاب (3)و السنّة (4)المستفيضة، بل المتواترة الناهية عن العمل بالمظنة،و من ليس له الأهليّة لا يحصل له سوى المظنة غالباً المنهي عن العمل بها،بل من له الأهليّة كذلك أيضاً،إلّا أنّ حجية ظنه مقطوع بها مجمع عليها،فهو ظن مخصوص في حكم القطع،كسائر الظنون المخصوصة من ظواهر الكتاب و السنّة المتواترة اللفظية،و الأنساب،و السوق،و اليد،و غيرها،و لا كذلك ظن من ليس له الأهليّة؛ إذ لا دليل على حجيته قاطعاً،بل و لا ظنيّاً،و لو سلّم الأخير فغايته إثبات الظني بمثله،و هو غير جائز بإطباق العقلاء.

و من هنا ينقدح وجه المنع عن التجزّي؛ إذ ليس معناه إلّا العمل

ص:11


1- الروضة 3:70،المسالك 2:351؛ و انظر الكفاية:261.
2- في«ح» و«ب»:الأُصول.
3- يونس:36.
4- انظر الوسائل 27:35 أبواب صفات القاضي ب 6.

بالمظنة في بعض الأحكام الشرعية بما حصل له من المعرفة بجزئيات المدارك،و الشرائط الاجتهادية المتعلّقة به خاصّة،و لا قطعيّ على حجيتها، بل و لا ظنّي أيضاً،و إن استدل لها بما يأتي من بعض الأخبار قريباً؛ لما سيظهر لك من ضعفه جدّاً.

و على تقدير صحته فغايته إثبات الظنّي بالظنّي،و هو مع ما فيه مما مضى فيه دور،أو تسلسل أيضاً،و لا كذلك المجتهد مطلقاً؛ لقيام الدليل القاطع على حجية ظنه من الإجماع و الاعتبار،المركب من مقدمات قطعية بديهية مجمع عليها:بقاء التكاليف بالأحكام،و انسداد باب العلم إليها، و عدم التكليف بما لا يطاق أصلاً،فعدم العمل بمظنته و اعتبار العلم حينئذ يستلزم إمّا ارتفاع التكاليف،أو التكليف بما لا يطاق،و هما بديهيّا الفساد.

و لا إجماع في المتجزّي؛ لمكان الخلاف.

و لا اعتبار أيضاً؛ لعدم اجتماع المقدمات الثلاث له جميعاً من حيث عدم صحة دعواه انسداد باب العلم في المسألة التي يجتهد فيها،بعد إطباق الكل و اعترافه أيضاً بقصوره،و احتمال ظهور خلاف ظنّه بتتبع مدارك ما عداها،و كذا دعواه عدم التكليف بما لا يطاق(في حقّه،لأنّه في وسعه و طاقته تحصيل المعرفة بالمدارك كلها،فكيف يقول:لا يكلّفني اللّه تعالى بما لا يطاق) (1)في المسألة التي أنا فيها؟! و لا بُدّ مع ذلك أن يكون ضابطاً،فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد و الدروس (2)،و غيرها (3)،

ص:12


1- ما بين القوسين ليس في«ب» و«س».
2- الشرائع 4:67،الإرشاد 2:138،القواعد 2:201،الدروس 2:65.
3- التبصرة:186،الكفاية:262.

و الظاهر عدم الخلاف فيه،و تدل عليه عبارة الروضة ظاهراً (1)،و وجهه واضح.

و قيّده بعض الأصحاب بالضبط في محل الحكم لا مطلقاً،قال:إذ ما نجد مانعاً لحكم من لا ضبط له كثيراً مع اتصافه بالشرائط،و ضبط حكم هذه الواقعة (2).انتهى.و لا بأس به.

و هل يشترط علمه بالكتابة و قدرته على قرائتها و كَتْبها؟ الأشبه:

نعم وفاقاً للأكثر كما في المسالك (3)،بل الأشهر كما في الروضة (4)، و نسبه في التنقيح إلى الشيخ في المبسوط و أتباعه و الحلي (5).

أقول:و نسبه في السرائر إلى مقتضى مذهبنا (6)،مع عدم نقل خلاف فيه أصلاً مشعراً بدعوى الإجماع عليه منّا،و عليه عامّة متأخّري أصحابنا، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً،و إن أشعر عبارة المتن و ما ضاهاها بوقوع خلاف فيه،لكنهم لم يصرّحوا بالمخالف.

نعم في التنقيح (7)نسبه إلى قوم و لم يعرب عنهم أهم منّا أم ممّن خالفنا؟.

و حيث كان الأمر بهذه المثابة ينبغي القطع بما عليه الجماعة،سيّما مع موافقته الأصل المتقدّم إليه الإشارة،بناءً على اختصاص ما دلّ على

ص:13


1- الروضة 3:62،67.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:15.
3- المسالك 2:351.
4- الروضة 3:62.
5- التنقيح 4:236 237.
6- السرائر 2:166.
7- التنقيح 4:236.

الرخصة في القضاء للفقهاء (1)بحكم التبادر و غيره بعارفي الكتابة منهم لا مطلقاً،و لا مخصص له أصلا،عدا ما قيل (2):من عدم اعتبار الكتابة في النبوة التي هي أكمل المناصب و منها تتفرع الأحكام و القضاء و قد كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أُمّيا لا يحسنها،كما نبّه عليه تعالى بقوله وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ [1] (3).

و هو كما ترى؛ لكونه بعد تسليم دلالة الآية على ذلك قياساً فاسداً لا أولوية فيه أصلاً،بل مع الفارق جدّاً؛ لأنّه(صلّى اللّه عليه و آله)معصوم فبعصمته و قوّة حافظته لا يحتاج إليها.

و لأنّه(صلّى اللّه عليه و آله)يمتنع عليه السهو و النسيان قطعاً،خصوصاً مع نزول الوحي إليه مكرراً،و لا كذلك القاضي من قبله لاضطراره بعدم عصمته و إمكان سهوه و نسيانه و غفلته إلى ما لا يتيسّر لغير النبي(صلّى اللّه عليه و آله) المعرفة به إلّا بها ،هذا.

و عن المبسوط أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان عالماً بها،و إنّما كان فاقداً لها قبل البعثة (4).و به صرّح الحلي أيضاً،فقال:و النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة،و إنّما لم يحسنها قبل البعثة (5).و ظاهره الإجماع عليه منّا.

و يشهد له جملة من أخبارنا،ففي مجمع البحرين عن كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار في باب أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان يقرأ

ص:14


1- في«س»:للقدماء.
2- حكاه في التنقيح 4:236.
3- العنكبوت:48.
4- المبسوط 8:120.
5- السرائر 2:166.

و يكتب بكلّ لسان بإسناده إلى جعفر بن محمد الصوفي قال:سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(عليهما السّلام):يا بن رسول اللّه لِمَ سمّي النبي الأُمّي؟ قال:«ما يقول الناس»؟قلت:يزعمون إنّما سمّي الأمّي لأنّه لم يكتب، فقال:«كذبوا عليه لعنهم اللّه،أنّى يكون ذلك و اللّه تبارك و تعالى يقول في محكم كتابه هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ [1] (1)فكيف يعلّمهم ما لا يحسن؟ و اللّه لقد كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقرأ و يكتب باثنين و سبعين لساناً،و إنّما سمّي الأُمّي لأنّه كان من أهل مكة و مكة من أُمّهات القرى،و ذلك قول اللّه تعالى في كتابه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها [2] (2).

و في رواية أُخرى في الكتاب المشار إليه عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):«إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يقرأ و يكتب و يقرأ ما لم يُكتب» (3).

و اعلم أنّه قد مضى ما دلّ على أنّه لا ينعقد القضاء للمرأة فلا وجه للإعادة.

و في انعقاده للأعمى تردّد ينشأ:

من عدم نفوذ شهادته في بعض القضاء و القاضي ينفذ شهادته مطلقاً، و افتقاره إلى مشاهدة الغرماء للحكم على أعينهم،و أنّ البصر طريق إلى المحسوسات التي يحتاج القاضي إليها.

ص:15


1- الجمعة:2.
2- الأنعام:92.
3- مجمع البحرين(طبعة مؤسّسة البعثة)1:74،بصائر الدرجات:1/225 و 5/227.

و من أنّ شعيباً(عليه السّلام)كان أعمى و قد كان نبياً،و البصر يقوم مقامه شاهدان. و الأقرب الأشهر كما في المسالك و الروضة (1)و شرح الشرائع للصيمري،بل عليه عامّة من تأخّر- أنّه لا ينعقد له القضاء، لا لما ذكر في توجيهه؛ لقصوره بجميع أقسامه عن إفادة الحكم بوجه يطمئنّ به،بل لمثل ما ذكرناه في اشتراط العلم ب الكتابة من بلوغ الشهرة حد الإجماع؛ لعدم معروفية القائل بالخلاف من الأصحاب،و إن أشعر بوجوده بعض العبارات (2).

و من الأصل مع البناء المتقدم،و ضعف دليل الخلاف بكونه قياساً مع الفارق؛ لانجبار عمى شعيب بالعصمة و الوحي،بخلاف القاضي كما مرّ.

مضافاً الى منع جماعة من الأصحاب عماه بالكلية (3)،هذا.

مع أنّ اشتراط المعرفة بالكتابة يستلزم اشتراط البصر،كما نبّه عليه في التنقيح قال:استدلالاً بالملزوم على اللازم (4).فتدبّر.

و في اشتراط الحرّية أيضاً تردّد ينشأ ممّا يأتي،و من أنّ القضاء ولاية،و العبد ليس محلّاً لها؛ لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى،و أنّه من المناصب الجليلة التي لا يليق حال العبد بها.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع (5) أنّه لا يشترط للأصل، و أنّ المناط العلم و هو حاصل،و عموم قوله(عليه السّلام)فيما يأتي من النصوص:

ص:16


1- المسالك 2:351،الروضة 3:62.
2- كعبارة الإيضاح 4:299،و المسالك 2:351،و الروضة 3:67.
3- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:299،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:237،و ابن فهد في المهذب البارع 4:459.
4- التنقيح 4:237.
5- الشرائع 4:68.

«فانظروا إلى رجل منكم،يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه قاضياً بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً» (1).

و في الأدلّة من الطرفين نظر،فالأوّل من الأوّل:بالمنع من عدم أهليّته للولاية مطلقاً بمجرد ما ذكروه من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء؛ إذ غايته عدم الأهليّة مع عدم إذن المولى لا مطلقاً،و هو أخص من المدّعى.

و الثاني منه:بأنّه مجرد دعوى،بل و مصادرة و إعادة للمدّعى.

و أمّا الأوّل من الثاني:فبعدم دليل عليه إن أُريد منه أصالة الجواز،بل الأصل يقتضي العدم كما مضى،بناء على أنّ ثمرة هذا الاختلاف إنّما هو بالإضافة إلى نصب القاضي أو انتصابه في زمان غيبة الإمام(عليه السّلام)،لا زمان حضوره،فإنّه في الثاني إليه،و لا اختلاف في فعله،و حينئذ فالأصل عدم جواز صرف منصبه إلى غيره و التصرف فيه بغير إذنه.

و إن أُريد منه عموم الإذن فيما ورد من النص الآتي،ففيه:أنّه حينئذ نفس العموم لا مغايرة بينهما،و قد جعل أحدهما للآخر بالعطف مغايراً، و كلّ منهما دليلاً مستقلا.

و أمّا الثاني:فبكونه مستنبطاً لا دليل عليه أصلاً فيكون الحكم به قياساً.

و أمّا الثالث منه:فبالمنع من عمومه لغة بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى نحو العبد جدّاً،سيّما بملاحظة قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (2).

ص:17


1- الكافي 7:4/412،الفقيه 3:1/2،التهذيب 6:516/219،الوسائل 27:13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5.
2- النحل:75.

فإذاً المنع أقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا كما في المسالك (1)،و لا شبهة في شهرته و ندرة القائل بخلافه،حيث إنّه لم يقل به أحد عدا الماتن في الشرائع و هنا،هذا.مع أنّه أحوط أيضاً.

و اعلم أنّه لا بُدّ مع اجتماع هذه الشرائط من إذن الإمام(عليه السّلام) بالقضاء لمستجمعها،خصوصاً أو عموماً،و لا يكفي مجرد اجتماعها فيه إجماعاً؛ لما مضى من اتفاق النص و الفتوى على اختصاصه(عليه السّلام)بمنصب القضاء،فلا يجوز لأحد التصرف فيه إلّا بإذنه قطعاً.

و منه ينقدح الوجه فيما اتفقوا عليه من أنّه لا ينعقد القضاء بنصب العوام له أي:لمستجمع الشرائط،و غيره بالطريق الأولى بينهم قاضياً.

لكن روى الكشي في عروة القتات ما يشير إلى الجواز،و فيه:قال:

قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):«أيّ شيء بلغني عنكم؟» قلت:ما هو؟قال:«بلغني عنكم أنّكم أقعدتم قاضياً بالكناسة» قال:قلت:نعم جعلت فداك،رجل يقال له:عروة القتات،و هو رجل له حظّ من عقل،نجتمع عنده فنتكلم و نتساءل،ثمّ نردّ ذلك إليكم،قال:«لا بأس» (2).

إلّا أنّ سنده قاصر بالجهالة،بل و دلالته أيضاً ضعيفة؛ إذ ليس نفي البأس فيه إلّا عما ذكره الراوي و فسّر به نصبهم القاضي من الاجتماع إليه للتسائل و التحادث و الردّ إلى الأئمّة(عليهم السّلام)،و هو غير الاستقضاء له و التحاكم

ص:18


1- المسالك 2:351.
2- رجال الكشي 2:692/669،الوسائل 27:147 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 31.

إليه،و لا ينافيه قوله(عليه السّلام)في الصدر:«أقعدتم قاضياً» لما مرّ من نقل الراوي و بيانه لإقعاده و أنّه ليس للقضاء الحقيقي،بل لما مرّ،و نفي البأس إنّما تعلّق به لا بالاستقضاء الحقيقي،بل ربما دل قوله(عليه السّلام):«أيّ شيء بلغني» على نوع إنكار لما بلغ إليه من إقعاده قاضياً،حيث إنّ المتبادر منه كونه قاضياً حقيقياً،ففيه تأييد لما ذكره الأصحاب جدّاً،فلا شبهة فيه أصلاً.

نعم لو تراضى اثنان خصمان بواحد من الرعية،فحكم بينهما لزم حكمه في حقهما في المشهور بين أصحابنا،بل لم ينقلوا فيه خلافاً أصلاً،مستندين إلى وقوع ذلك في زمان الصحابة و لم ينكر أحد منهم ذلك.

و فحوى النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة اللّه» (1).

و أرى البحث في هذه المسألة قليل الفائدة،بناءً على اختصاصها بزمان حضوره(عليه السّلام)دون غيبته؛ و ذلك لإجماعهم على الظاهر المصرح به في الروضة و المسالك (2)على اشتراط الحكم فيها باستجماع الواحد الذي إليه تحاكما و به تراضيا لجميع صفات القاضي المنصوب من قبله(عليه السّلام)، و شرائطه التي قدّمناها،سوى نص من له الولاية،بالعموم،أو الخصوص.

و فرضه في زمان الغيبة غير متصور،بناءً على ما سيأتي من تحقق الإذن العام في القضاء لمن استجمع تلك الشرائط،فإذا حصلت حالتها في رجل كان مأذوناً،و إن فقدت فيه لم يجز له القضاء مطلقاً،و لو كان الإمام حاضراً،هذا.

ص:19


1- المغني و الشرح الكبير 11:485.
2- الروضة 3:68،المسالك 2:351.

و فرضه في زمان الحضور مشكل أيضاً،بناءً على أنّ ما تضمن الإذن في القضاء لمستجمع الشرائط عام غير مختص بحال الغيبة،بل يشمل ما لو كان(عليه السّلام)حاضراً،فكيف يتصور وجود مستجمع للشرائط حالة الحضور لم يكن من قبله(عليه السّلام)مأذوناً؟ نعم يتصور فرض ذلك لو اشترط الإذن الخاص في زمان الحضور كما هو ظاهر،و لكن الدليل المتضمن للإذن له عام كما قدّمنا،أو لم يشترط فيه اجتماع جميع الصفات و الشرائط المعتبرة في القاضي المنصوب،كما هو ظاهر الشهيد في اللمعة (1).

و لكنّه خلاف ما وقفت عليه من عبائر الجماعة،كالماتن في الشرائع و شيخنا الشهيد الثاني في شرحه و الفاضل في الإرشاد و القواعد و ولده في شرحه و الفاضل المقداد في شرح الكتاب و الشهيد في الدروس (2)،و غيرهم من الأصحاب (3)،حتى أنّ شيخنا الشهيد الثاني كما عرفت ادّعى عليه الوفاق.

و يمكن أن يقال:إنّ ما دلّ على الإذن العالم لم يصدر إلّا عن الأئمّة(عليهم السّلام)،و حضورهم في زمانهم كغيبتهم؛ لعدم بسط يدهم و سلطنتهم،و عدم نفوذ حكمهم،فلا يشترط الإذن الخاص في زمانهم، و حينئذ يختص تصور وجود قاضي التحكيم الذي هو مورد المسألة بزمان النبي(صلّى اللّه عليه و آله):حيث إنّه لم يكن فيه تقية،بل كان نافذ الحكم على جميع

ص:20


1- اللمعة(الروضة البهية 3):68.
2- الشرائع 4:68،المسالك 2:352،الإرشاد 2:138،القواعد 2:200،الإيضاح 4:296،التنقيح 4:238 239،الدروس 2:68.
3- الكفاية:262.

البرية،و يكون المراد بحضوره المشترط فيه الإذن الخاص لنصب القاضي الحضور الخاص الذي ينفذ حكمه فيه،و يكون غيره في معنى الغيبة.

و بذلك صرح جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك،حيث قال بعد قول الماتن: و مع عدم الإمام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت(عليهم السّلام)الجامع للصفات المشترطة في الفتوى؛ لقول أبي عبد اللّه(عليه السّلام):«فاجعلوه قاضياً فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه» (1)و لو عدل و الحال هذه،إلى قضاة الجور كان مخطأ ما لفظه:

ما تقدم من اشتراط نصب القاضي و إن كان فقيهاً مجتهداً و عدم نفوذ حكمه إلّا مع التراضي به مختص بحال حضور الإمام و تمكّنه من نصب القضاة،أمّا مع عدم ذلك إمّا لغيبته أو لعدم بسط يده فيسقط هذا الشرط من جملة الشروط،و هو نصب الإمام (2).انتهى.و وجهه يظهر ممّا قدّمناه.

ثمّ قال:و ينفذ عندنا قضاء الفقيه العدل الإمامي الجامع لباقي الشرائط و إن لم يتراض الخصمان بحكمه؛ لقول أبي عبد اللّه(عليه السّلام)لأبي خديجة:

«إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور،و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا،فاجعلوه بينكم قاضياً،فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه» (3).

إلى أن قال:و قريب منها رواية عمر بن حنظلة:قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث،فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة،أ يحلّ ذلك؟فقال:«من تحاكم

ص:21


1- راجع ص:16.
2- المسالك 2:352.
3- راجع ص:16.

إلى الطاغوت فحكم له فإنّما يأخذه سحتاً و إن كان حقه ثابتاً؛ لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه تعالى أن يكفر به» قلت:كيف يصنعان؟قال:

«انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حاكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً،فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ و علينا ردَّ،و الرادّ علينا الرادّ على اللّه تعالى،و هو في حدّ الشرك باللّه تعالى» (1).

و في طريق الخبرين ضعف و لكنّهما مشتهران بين الأصحاب متفق على العمل بمضمونهما،فكان ذلك جابراً للضعف عندهم (2).انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه.

و هو كما ترى قد كفانا مئونة الاشتغال لشرح ما هنا،إلّا أنّ ما ذكره من الضعف في الرواية الثانية محلّ مناقشة؛ إذ ليس في سندها سوى داود بن الحصين،و النجاشي قد وثّقه (3)،و على تقدير ثبوت وقفه كما ذكره الشيخ و ابن عقدة (4)فهو موثّق،لا ضعيف كما ذكره.و عمر بن حنظلة، و هو ممّن قد حكي عنه بأنّه وثّقه (5)،هذا.

مع أنّ في السند قبلهما صفوان بن يحيى،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (6).

ص:22


1- الكافي 7:5/412،التهذيب 6:514/218،الوسائل 27:13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 4.
2- المسالك 2:352.
3- رجال النجاشي:421/159.
4- رجال الطوسي:5/349،و حكاه عن ابن عقدة في الخلاصة:221.
5- حكاه عنه التفريشي في نقد الرجال:26/253،و صرّح به في الدراية:44.
6- رجال الكشي 2:1050/830.

و بالجملة فالرواية قويّة غاية القوة كالصحيحة حجة في نفسها،مع قطع النظر عن الشهرة الجابرة.

و بها يُعارض جماعة في استدلالهم بالرواية الأُولى على جواز التجزّي في الاجتهاد (1)؛ لمكان قوله فيها:«يعلم شيئاً من قضايانا».

و ذلك لدلالة الرواية الثانية على اعتبار المعرفة بالأحكام جملة؛ لمكان الجمع المضاف،و هو حيث لا عهد يفيد العموم لغة،و هي كما عرفت بحسب السند معتبرة،و لا كذلك الرواية الأُولى؛ لأنّها بالاتفاق ضعيفة،لأنّ في سندها معلّى بن محمّد و أبا خديجة و حالهما في الضعف مشهورة،و الشهرة الجابرة مشتركة فقوّة السند في الأخيرة مرجّحة.

هذا بعد تسليم دلالتها،و إلّا فهي ممنوعة يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الخال العلّامة أدام اللّه تعالى ظلّه في بعض حواشيه ردّاً على بعض هؤلاء الجماعة،فقال:لا نزاع في أنّ العلم بجميع الأحكام ليس شرطاً في الفتوى و الاجتهاد،كيف؟و هو من خواص الشارع،بل النزاع إنّما هو في اشتراط الاطلاع بجميع مدارك الأحكام و القدرة على استنباطها،و منها التوقف،كما لا يخفى على المطلع بأحوال المجتهدين الذين لا تأمّل في اجتهادهم،بل لا يوجد مجتهد إلّا و يتوقف في بعض المسائل،بل و غير واحد منها.

فعلى هذا لا دلالة للرواية على التجزّي،بل على أنّ العالم ببعض الأحكام مجتهد و قوله فيه حجة،و المانع للتجزّي يمنع حصول العلم ببعض الأحكام للمتجزّي إلّا أن يدعي ظهور العلم ببعضها من دون الإحاطة

ص:23


1- منهم العلّامة في التحرير 2:180،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:7،و السبزواري في الكفاية:261.

بجميع المدارك في ذلك الزمان.

لكن لو تمّ هذا بحيث ينفع محلّ النزاع يكون هو الدليل من دون مدخلية الرواية.ثم أطال سلّمه اللّه تعالى في وجه منع المانع للتجزّي عن حصول العلم للمتجزّي،و يرجع حاصله إلى ما قدّمنا تحقيقه قريباً، هذا.

و ذكر شيخنا في المسالك أنّه لا يكفي اجتهاد القاضي في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزّي الاجتهاد أيضاً (1).و لم ينقل فيه خلافاً،و ظاهره يعطي الاتفاق على المنع من قضاء المتجزّي.

و ينبغي القطع به مع وجود المجتهد المطلق و التمكّن منه؛ للأمر بالرجوع إلى الأعلم في مقبولة عمر بن حنظلة الطويلة،و نحوها من أخبار كثيرة (2).

و ما يستفاد من الروايتين من حرمة التحاكم إلى حكّام الجور مجمع عليه بيننا،و غيرهما من الروايات مستفيضة به بل متواترة جدّاً (3)؛ مضافاً إلى الآية الكريمة المذكورة فيها (4).

و يستفاد منها عدم جواز أخذ شيء بحكمهم و إن كان له حقّا،و هو في الدين ظاهر،و في العين مشكل،لكن العموم مقتضاهما.

و في المسالك و غيره (5)استثنى من الحكم بتخطئة التحاكم إليهم ما لو توقّف حصول حقّه عليه فيجوز،كما يجوز الاستعانة على تحصيل الحق

ص:24


1- المسالك 2:351.
2- الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
3- الوسائل 27:11 أبواب صفات القاضي ب 1.
4- النساء:60.
5- المسالك 2:352؛ مفاتيح الشرائع 3:248،كشف اللثام 2:320.

بغير القاضي،قال:و النهي في هذه الأخبار و غيرها محمول على الترافع إليهم اختياراً مع إمكان تحصيل الغرض بأهل الحق،قال:و قد صرّح به في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:«أيّما رجل كان بينه و بين أخ له مماراة في حق،فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه و بينه،فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء:كان بمنزلة الذين قال اللّه عزّ و جل أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [1] (1)» (2)الآية.انتهى.

و ظاهرهما عدم الخلاف حيث لم ينقلاه فيه كالفاضل في المختلف، لكن في صورة ما إذا كان أحد المتخاصمين محقّاً و الآخر مخالفاً،و أمّا في صورة كونهما محقّين،فقد نقل القول بمنعهما عن الترافع إلى هؤلاء عن الحلبي،و اعترضه بالمنع من الفرق بين الصورتين،قال:لأنّ للإنسان أن يأخذ حقّه كيف أمكن،و كما جاز الترافع مع المخالف إلى المخالف توصّلاً إلى استيفاء الحق،فليجز مع المؤمن الظالم بمنع الحق (3).

و هو ظاهر في اعتراف الحلبي بأنّ علّة الجواز حيثما يقول به:هو التوصّل إلى الحق (4)،و مرجعها إلى الأدلّة العامة بنفي العسر و الضرر (5)في الشريعة،و قوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى [2] الآية (6).

ص:25


1- النساء:60.
2- الكافي 7:2/411،الفقيه 3:5/3،التهذيب 6:519/220،الوسائل 27:11 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 2.
3- المختلف:700.
4- الكافي في الفقه:425.
5- في«ح» و نسخة في«ب»:الحرج.
6- البقرة:194.

فالحكم لا بأس به،إلّا أنّه ينبغي أوّلاً إعلام الخصم المانع عن الحق برفعه إلى حاكم الجور إذا أصرّ على حبس الحق،فإن ارتدع و إلّا فليترافع، اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على حرمة الترافع إليهم على محل الضرورة.

و أمّا ما في الكفاية من استشكاله في الحكم بأنّ في الترافع إليهم إعانة لهم على الإثم محرّمة (1)فضعيف غايته،إذ ليس ما دلّ على حرمتها بأقوى ممّا دلّ على حرمة التحاكم إلى هؤلاء الظلمة،فكما تخصّص بأدلّة نفي الضرر و العسر في الشريعة،و آية الاعتداء المتقدمة هذه،فلتكن تلك الأدلّة بها أيضاً مخصصة،و إنّما جعلت أدلّة نفي الحرج مخصِّصة للأدلّة المانعة بنوعيها مع كون التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه فيحتمل العكس،لأوفقيّتها بأصالة البراءة التي هي حجة مستقلة، لو فرض تساقط الأدلّة بعد تعارضها من كل جهة.

و قبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق و يعتمد بنفسه بالقيام بشرائط القضاء،و استحبابه عينيّ،فلا ينافي ما قدّمناه من أنّه واجب كفائي.

و ربما وجب عيناً إذا ألزمه به الإمام(عليه السّلام)،أو لا يوجد من يتولّاه غيره ممّن يستجمع الشرائط.و لا فرق في هذا بين حالتي حضور الإمام و غيبته.و لا خلاف في شيء من ذلك عندنا.

خلافاً لبعض العامة (2)فحكم بالكراهة،للنصوص المحذّرة،منها:

«من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين» (3).

ص:26


1- الكفاية:262.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 11:378.
3- المقنعة:721،الوسائل 27:19 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 8.

و في آخر:«يجاء بالقاضي يوم القيامة فيلقى من شدّة الحساب ما يتمنّى أنّه لم يقض بين اثنين في تمرة قطّ» (1).

و حملها الأصحاب على من لم يستجمع الشرائط،أو إرادة بيان خطره،و لا بأس به.

النظر الثاني:في الآداب

اشارة

النظر الثاني: في الآداب.

و هي قسمان:

المستحبات

مستحبة و مكروهة.

و لم يرد بكثير منها نص و لا رواية،و لكن ذكرها الأصحاب،و لا بأس بمتابعتهم،مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.

فالمستحب: إشعار رعيته و إخبارهم بوصوله و قدومه إن لم يشتهر خبره و طلب من يسأله ما يحتاج إليه من أُمور بلده؛ ليكون فيها على بصيرة من أمره،و النزول في وسط البلد؛ للتسوية بين الخصوم في مسافة الطريق.

و الجلوس في قضائه أي:حالة القضاء في موضع بارز مثل رحبة (2)أو فضاء،ليسهل الوصول إليه،و يكون مستقبل القبلة في جلوسه؛ لتحصيل الفضيلة على قول (3)،و الأكثر على استحبابه مستدبر القبلة ليكون وجوه الناس إليها (4)،نظراً إلى عموم المصلحة.

و أن يأخذ مبتدئاً ما في يد الحاكم المعزول من حجج

ص:27


1- عوالي اللئلئ 3:9/516،كنز العمال 6:15008/97.بتفاوت.
2- الرَّحْبَة:الساحة المنبسطة المتّسعة.تهذيب اللغة 5:26،القاموس 1:75؛ مجمع البحرين 2:69.
3- انظر المبسوط 8:90.
4- كالمفيد في المقنعة:722،و ابن حمزة في الوسيلة:209،و العلّامة في القواعد 2:203.

الناس و ودائعهم ليعلم تفاصيل أحوال الناس،و يعرف حقوقهم و حوائجهم.

و السؤال بعد ذلك عن أهل السجون و إثبات أسمائهم و البحث عن موجب اعتقالهم و حبسهم ليطلق و يخلص من يجب إطلاقه بأن لا يثبت لحبسه موجب،أو لم يظهر له خصم بعد إشاعة حاله.و إن ادّعى أن لا خصم له،ففي إحلافه مع ذلك قولان.

ثم يسأل عن الأوصياء على الأيتام و المجانين،و عن ثبوت وصايتهم و تصرفهم في المال،و يفعل بهم ما يجب:من إنقاذ،أو إسقاط،أو تضمين.

ثم ينظر في الاُمناء الحافظين لأموال اليتامى و المحجور عليهم و الغُيّب،فيعزل الخائن و يسعد الضعيف بمشارك،أو يستبدل به حسب ما اقتضاه رأيه.

ثم ينظر في الضوالّ و اللقيط،فيبيع ما يخشى تلفه و ما يستوعب نفقته ثمنه،و يعمل فيها على ما ينبغي،و يقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم.

و يستحب له تفريق الشهود عند الإقامة،فإنّه أوثق،خصوصاً في موضع الريبة كما فعله سيّد الأوصياء في جملة من قضاياه المعروفة عدا ذوي البصائر و الشأن من العلماء و الصلحاء الأعيان،فلا يستحب تفريقهم،بل و يكره و ربما حرم لما يتضمن تفريقهم من الغضاضة و المهانة بهم،بل و ربما يحصل في ذلك كسر قلوبهم.

و أن يستحضر من أهل العلم و الاجتهاد من يخاوضه و يعاونه في المسائل المشتبهة و يشهدهم حكمه فإن أخطأ نبّهوه،و ما أتلفه خطأً

ص:28

فعلى بيت المال المعدّ للمصالح كما في النص المعمول به (1).

و ينبغي أن يجمع قضايا كل أُسبوع و وثائقه و حججه،و يكتب تاريخها عليها و أنّها لمن هي،فإن اجتمع كل شهر كتب عليه شهر كذا،أو سنة فسنة كذا،أو يوم فيوم كذا؛ ليكون أسهل عليه و على من بعده من الحكّام في استخراج المطلوب منها وقت الحاجة.

و إذا اتخذ كاتباً وجب أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً بصيراً؛ ليؤمن انخداعه،فإن كان مع ذلك فقيهاً جيّد الخط كان حسناً،و ينبغي أن يجلس بين يديه ليملي عليه و يشاهد ما يكتب.

و إذا افتقر إلى مترجم قيل:لم يقبل عندنا إلّا شاهدان عدلان عملاً بالمتفق عليه الأحوط،و إذا تعدّى أحد الغريمين أقامه برفق و عمل بمراتب النهي عن المنكر (2).

المكروهات

و المكروهات:الاحتجاب أي:اتخاذ الحاجب،و هو الذي لا يدخل عليه أحد إلّا برضاه وقت القضاء للنبوي:«من ولّي شيئاً من أُمور الناس،فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم،احتجب اللّه تعالى دون حاجته و فاقته و فقره» (3).

و نقل قول بتحريمه عن بعض الفقهاء (4)؛ لظاهر الخبر.و فيه نظر.

و قرّبه فخر الدين مع اتخاذه على الدوام،بحيث يمنع أرباب الحوائج و يضرّ

ص:29


1- الفقيه 3:16/5،التهذيب 6:872/315،الوسائل 27:226 أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.
2- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:250.
3- عوالي اللئلئ 2:6/343،سنن أبي داود 3:2948/135.و فيهما بتفاوت يسير.
4- حكاه في الإيضاح 4:310.

بهم (1).و استحسنه شيخنا الشهيد الثاني قال:لما فيه من تعطيل الحق الواجب قضاؤه على الفور،و الحديث يصلح شاهداً عليه،و إلّا كان مفيداً للكراهة؛ للتسامح في أدلته (2).انتهى.و لا بأس به.

و أن يقضي مع ما يشغل النفس،كالغضب لغير اللّه تعالى و الجوع،و العطش،و الغم،و الفرح،و المرض،و غلبة النعاس و مدافعة الأخبثين و نحو ذلك من المشغلات،كما يستفاد من الأخبار ففي النبوي(صلّى اللّه عليه و آله):«لا يقضي و هو غضبان» (3).

و في آخر:«لا يقضي إلّا و هو شبعان» (4).

و في ثالث:«لا يقضي و هو غضبان مهموم،و لا مصاب محزون» (5).

و في وصية عليّ(عليه السّلام)لشريح:«و لا تقعدنّ في مجلس القضاء حتى تطعم» (6).

و أن يستعمل الانقباض المانع من الإتيان بالحجة،و اللين الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصم.

و أن يرتّب و يعيّن قوماً دون غيرهم للشهادة لما يترتب عليه من التضييق على الناس،و الغضاضة من العدل الغير المرتّب،و نقل

ص:30


1- إيضاح الفوائد 4:310.
2- المسالك 2:358.
3- الكافي 7:2/413،الفقيه 3:19/6،التهذيب 6:542/226،الوسائل 27:213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 1.
4- سنن الدارقطني 4:14/206.
5- المبسوط 8:88،مغني المحتاج 4:391.
6- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

قول بتحريمه (1)،نظراً إلى أنّ ذلك موجب لإبطال شهادة مقبولي الشهادة؛ فإنّه ربما يتحمل الشهادة غيرهم،فإذا لم تقبل شهادتهم ضاع الحق عن أهله،و قد قال سبحانه وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [1] (2)فأطلق،فتحمل ذلك ضرر على الناس و حرج بالاقتصار،و هما منفيان،و الأشهر الكراهة.

و أن يشفع إلى الغريم صاحب الحق في إسقاط،أو إبطال خوفاً من أن ينسمح الغريم في وجه القاضي فيجيبه لسؤاله مع عدم رضاه في الباطن،هذا إذا كان بعد ثبوت الحق،و إلّا فلا يكره،بل يستحب الترغيب في الصلح و هنا

مسائل

اشارة

مسائل خمس:

الأولى للإمام(عليه السّلام)أن يقضي بعلمه

الأُولى:للإمام(عليه السّلام)أن يقضي بعلمه في الحقوق مطلقاً للناس كانت أم للّه تعالى،إجماعاً في الظاهر المصرح به في كتب جماعة حد الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و الإيضاح و نهج الحق للعلّامة (3)،و غيرها من كتب الجماعة (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى فحاوى الأدلّة الآتية،و علمه المانع من الخلاف،و عصمته المانعة من التهمة،و إمضاء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)الحكم له بالناقة على الأعرابي من أمير المؤمنين(عليه السّلام)،كما في الرواية المشهورة (5).

ص:31


1- قاله الشيخ في المبسوط 8:111.
2- الطلاق:2.
3- الانتصار:236 237،الغنية(الجوامع الفقهية):624،إيضاح الفوائد 4:312،نهج الحق:563.
4- كالتنقيح الرائع 4:242،و المسالك 2:359،و الكفاية:263،و كشف اللثام 2:329.
5- الفقيه 3:210/60،أمالي الصدوق:2/90،الانتصار:238،الوسائل 27:274 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 1.

و هل لغيره أي:لغير الإمام(عليه السّلام)أيضاً أن يقضي بعلمه في حقوق الناس و في حقوق اللّه تعالى من حدوده؟فيه قولان أظهرهما أنّه كسابقه،و هو أشهرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،و في صريح الانتصار و الخلاف و الغنية و نهج الحق و ظاهر السرائر أنّ عليه إجماع الإمامية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلة كثيرة ذكرها الجماعة.

منها:استلزام عدم الجواز إمّا إيقاف الأحكام،أو فسق الحكّام، و اللازم بقسميه باطل،بيان الملازمة أنّه إذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً بحضرته ثم جحد كان القول قوله مع يمينه،فإن حكم بغير علمه و هو استحلافه و تسليمها إليه لزم فسقه،و إلّا لزم إيقاف الحكم لا لموجب،و كذا إذا أعتق عبده بحضرته ثم جحد،و نظائره كثيرة.

و منها:استلزامه أحد الأمرين،إمّا عدم وجوب إنكار المنكر و عدم وجوب إظهار الحق مع إمكانه،أو الحكم بعلمه،و بطلان الأوّل ظاهر، فتعيّن الثاني،بيان اللزوم:أنّه إذا علم بطلان قول أحد الخصمين،فإن لم يجب عليه منعه عن الباطل لزم الأوّل،و إلّا ثبت المطلوب.

و منها:أنّ العلم أقوى من البيّنة،و جواز الحكم بها يستلزم جوازه بالعلم بطريق أولى.

و منها:عموم الأدلّة الدالّة على الحكم مع وجود الوصف المعلّق عليه،كقوله سبحانه وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [1] (2)و قوله

ص:32


1- الانتصار:236 237،الخلاف 2:602،603،الغنية(الجوامع الفقهية):624،نهج الحق:563،السرائر 2:179.
2- المائدة:38.

تعالى اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [1] (1)و الخطاب للحكّام،فإذا علموا بالوصف،عملوا به،و هو أقوى من الحكم، و إذا ثبت ذلك في الحدود ففي غيرها أولى.

و منها:ما ذكره المرتضى-(رحمه اللّه) و هو أقواها،حيث قال:و كيف يخفى إطباق الإماميّة على وجوب الحكم بالعلم؟و هم ينكرون توقّف أبي بكر عن الحكم لفاطمة(سلام اللّه عليها)بفدك لمّا ادعت أنّه نحلها أبوها، و يقولون:إذا كان عالماً بعصمتها و طهارتها،و أنّها لا تدّعي إلّا حقاً فلا وجه لمطالبتها بإقامة البيّنة،لأنّ البيّنة لا وجه لها مع القطع بالصدق (2).

و منها:إمضاؤه(صلّى اللّه عليه و آله)الحكم له بالناقة على الأعرابي من خزيمة بن ثابت (3).

و منها:قول علي(عليه السّلام)لشريح لمّا طالبه بالبيّنة على ما ادّعاه من درع طلحة:«و يحك خالفت السنّة بما طالبت إمام المسلمين بالبيّنة،و هو مؤتمن على أكثر من هذا» (4).

و القول الثاني:للإسكافي،فمنع عنه مطلقاً على ما نقل عنه جمع، و منهم المرتضى (5)-(رحمه اللّه).

و لابن حمزة و الحلّي-(رحمهما اللّه) فمنعا عنه في الأخير خاصّة (6)،و نسب

ص:33


1- النور:2.
2- الانتصار:238.
3- الكافي 7:1/400،الفقيه 3:212/62،الوسائل 27:276 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 3.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- الانتصار:237.
6- الوسيلة:218،و انظر السرائر 2:179.

في المسالك عكس هذا إلى الإسكافي في كتابه المختصر الأحمدي (1).

و مستندهم غير واضح،سوى أنّ في القضاء بالعلم من دون بيّنة تهمة،و تزكية لنفسه،و كل منهما للقضاء مانعة.

و النبوي(صلّى اللّه عليه و آله)في قضية الملاعنة:«لو كنت راجماً من غير بيّنة، لرجمتها» (2).

و أنّ حقوقه سبحانه،مبنيّة على الرخصة و المسامحة،فلا يناسبها القضاء بالعلم من دون بيّنة.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ لأنّ التهمة و التزكية آتيتان في القضاء بالشهود و البيّنة،مع أنّه غير مانع باتفاق الإمامية.

و الرواية عامية غير صالحة بذلك للحجية.

و المسامحة في الحدود إنّما هي قبل ثبوتها،لا بعد الثبوت.

و بالجملة:لا ريب في صحة القول المشهور.

و على الأقوال يقضي بعلمه بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام جمع (3)في تزكية الشهود و جرحهم،حذراً من لزوم الدور،أو التسلسل.

و في الإقرار عنده و إن لم يسمعه غيره،و قيل:يشترط أن يكون في مجلس القضاء (4).و في العلم بخطإ الشهود يقيناً أو كذبهم.و في تعزير من أساء أدبه في مجلسه،و إن لم يعلمه غيره؛ لأنّه من ضرورة إقامة أُبّهة القضاء.

و فيما إذا شهد معه آخر؛ فإنّه لا يقصر عن شاهد واحد.

ص:34


1- المسالك 2:359.
2- عوالي اللئلئ 3:14/518.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:243،و السبزواري في الكفاية:264،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:268.
4- انظر الدروس 2:79،و المسالك 2:359.
الثانية إن عرف الحاكم عدالة الشاهدين حكم

الثانية:إن عرف الحاكم عدالة الشاهدين حكم،و إن عرف فسقهما أطرح شهادتهما.

و إن جهل الأمرين فالأصح التوقف في الحكم بشهادتهما حتى يبحث عنهما مطلقاً و لو علم بإسلامهما،أو صرح المشهود عليه بعدالتهما،على إشكال في هذا ينشأ:

من أنّ البحث و التعديل لحقّ اللّه تعالى،و لذا لا يجوز الحكم بشهادة الفساق،و إن رضي به الخصم،و أنّ الحكم بشهادة الإنسان حكم بتعديله، و لا يجوز بخبر الواحد إجماعاً،كما حكاه في الإيضاح (1).

و من أنّ البحث لحقّ المشهود عليه،و قد أقرّ بعدالتهما،و أنّه أقرّ بوجود شرط الحكم،و كل من أقرّ بشيء نفذ عليه؛ لقوله(عليه السّلام):«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2).

و بهذا أفتى الإسكافي و الفاضل المقداد في التنقيح و الفاضل في التحرير و الإرشاد و القواعد،و ولده في شرحه قاطعاً به (3)كالإسكافي و المقداد،دون والده في القواعد،و قوّاه في الدروس أيضاً (4).

و هو كذلك؛ لما رواه في الوسائل عن مولانا الحسن بن علي العسكري في تفسيره عن آبائه عن عليّ(عليهم السّلام)،قال:«كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي:أ لك حجة؟فإن أقام بيّنة يرضاها

ص:35


1- إيضاح الفوائد 4:315.
2- الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:705،التنقيح 4:243،التحرير 2:184،الإرشاد 2:144،القواعد 2:205،إيضاح الفوائد 4:315.
4- الدروس 2:79.

و يعرفها،أنفذ الحكم على المدّعى عليه» إلى أن قال:«و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ،بعث رجلين من خيار أصحابه يسأل كلّ منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم و محلّاتهم،فإذا أثنوا عليه قضى حينئذ على المدعى عليه،و إن رجعا بخبر سيّئ و ثناء قبيح، لم يفضحهم،و لكن يدعو الخصم إلى الصلح،و إن كان الشهود من أخلاط الناس،غرباء لا يعرفون،أقبل على المدّعى عليه فقال:ما تقول فيهما؟ فإن قال:ما عرفنا إلّا خيراً،غير أنّهما غلطا فيما شهدا عليّ،أنفذ شهادتهما،و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصمين،أو أحلف المدّعى عليه و قطع الخصومة بينهما» (1).

و الرواية طويلة و محصّلها ما ذكرنا من دون نقيصة،و هي صريحة في وجوب البحث عن الوصفين لو جهلا،و إطلاقها يشمل صورة الجهل بإسلامهما و غيرها،بل لعلّها بحكم التبادر و غلبة الإسلام في المتخاصمين و شهودهم في زمانه(صلّى اللّه عليه و آله) ظاهرة في الثانية جدّاً.

و لا خلاف في الحكم في الصورة الأُولى على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (2).

و أمّا ثبوته في الثانية فهو الأشهر بين الطائفة،كما صرح به الشهيدان (3)و غيرهما من الجماعة (4).

ص:36


1- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):376/673،الوسائل 27:239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.
2- انظر المسالك 2:361،و الكفاية:264.
3- الدروس 2:113،المسالك 2:361.
4- انظر الكفاية:264،و كشف اللثام 2:330.

خلافاً للإسكافي و المفيد في كتاب الإشراف و الشيخ في الخلاف، فلم يوجبوا البحث،بل اكتفوا بظاهر الإسلام (1)،بناءً منهم على أنّ الأصل فيه العدالة،و ادعى الأخير عليه إجماع الطائفة (2)،و مبنى الخلاف هنا على الاختلاف في تفسير العدالة،هل هي ظاهر الإسلام مع عدم ظهور فسق، أو حسن الظاهر،أو الملكة،أي:الهيئة الراسخة في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى و المروءة؟.

و ينبغي القطع بضعف القول الأوّل منها؛ لمخالفته الرواية المتقدّمة الدالّة على لزوم البحث مع المعرفة بالإسلام أيضاً،بناءً على الظهور الذي قدّمنا.

و استصحاب عدم ثبوت المشروط بالعدالة إلّا بعد تيقّنها،و لا يقين هنا؛ لعدم دليل على كونها مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق أصلاً،عدا الإجماع المتقدم،و النصوص المدعى عليه دلالتها.

منها الصحيح:في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا،فعدّل منهم اثنان و لم يعدّل الآخران،قال:فقال:«إذا كانوا أربعة من المسلمين لا يعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً،و أُقيم الحد على الذي شهدوا عليه،إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به و علموا،و على الوالي أن يجيز شهادتهم،إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» (3).

و المرسل:عن البيّنة إذا أُقيمت على الحق،أ يحلّ للقاضي أن يقضي

ص:37


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:717،الاشراف(مصنفات المفيد 9):25،الخلاف 6:217.
2- الخلاف 6:218.
3- الكافي 7:5/403،التهذيب 6:759/277،الإستبصار 3:36/14،الوسائل 27:397 كتاب الشهادات ب 41 ح 18.

بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟قال:«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم:الولايات،و التناكح،و المواريث،و الذبائح، و الشهادات،فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً،جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» (1).

و الخبر:عن شهادة من يلعب بالحمام؟فقال:«لا بأس به إذا لا يعرف بفسق» (2).

و في آخر:«كلّ من ولد على الفطرة و عرف بصلاح في نفسه جازت شهادته» (3).

و في ثالث:«المسلمون عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود في حدّ لم يتب منه،أو معروف بشهادة زور،أو ظنين» (4).

و في الجميع نظر:فالإجماع بوهنه بمصير الأكثر على خلافه،مع عدم قائل بما ادّعى عليه عدا الناقل له و بعض من سَبَقَه،و مع ذلك فالمحكي عنه و عن الموافق له ما يوافق القوم،فعن الإسكافي:إذا كان الشاهد حراً،بالغاً،مؤمناً بصيراً،معروف النسب،مرضيّاً،غير مشهور بكذب في شهادة،و لا بارتكاب كبيرة،و لا مقام على صغيرة،حسن التيقّظ،عالماً بمعاني الأقوال،عارفاً بأحكام الشهادة،غير معروف بحيف

ص:38


1- الفقيه 3:29/9،الوسائل 27:392 كتاب الشهادات ب 41 ح 3.
2- الفقيه 3:88/30،التهذيب 6:784/284،الوسائل 27:394 كتاب الشهادات ب 41 ح 6.
3- الفقيه 3:83/28،التهذيب 6:778/283،الإستبصار 3:37/14،الوسائل 27:393 كتاب الشهادات ب 41 ح 5.
4- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

على معامل،و لا تهاون بواجب من علم أو عمل،و لا معروف بمباشرة أهل الباطل و الدخول في جملتهم،و لا بالحرص على (1)الدنيا،و لا بساقط المروءة،بريئاً من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمنين البراءة من أهلها،فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (2).

و عن المفيد:العدل من كان معروفاً بالدين و الورع عن محارم اللّه (3).

و عن النهاية:العدل الذي تجوز شهادته للمسلمين و عليهم،هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان،ثمّ يعرف بالستر و الصلاح و العفاف (4)،إلى آخر ما سيأتي في بعض الصحاح،و قريب منه عن المبسوط (5)،هذا.

مع أنّه معارض بما يظهر من الفاضل المقداد في كنز العرفان من كون تفسير العدالة بالملكة مجمعاً عليه،حيث نسبه إلى الفقهاء بصيغة الجمع المحلّى باللام المفيد للعموم لغة (6).و إليه يشير كلام المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) في شرح الإرشاد أيضاً،حيث قال:و قد عُرّفَتْ في الأُصول و الفروع من الموافق و المخالف بالملكة التي يقتدر بها على ترك الكبائر، و[عدم]الإصرار على الصغائر،و[ملازمة]المروءات (7).

و أظهر منهما في الدلالة على انعقاد الإجماع على خلاف الإجماع

ص:39


1- في النسخ زيادة:أهل،حذفناها وفقاً للمصدر لاستقامة المعنى.
2- حكاه عنه في المختلف:717.
3- المقنعة:725.
4- النهاية:325.
5- المبسوط 8:217.
6- كنز العرفان 2:384.
7- مجمع الفائدة و البرهان 2:351،و 12:311،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

المتقدم كلام الماتن في الشرائع،حيث نسب الرواية الدالة على الاكتفاء في العدالة بظاهر الإسلام إلى الشذوذ و الندرة (1).

و أمّا النصوص،فبضعف سند أكثرها،و عدم جابر لها،مع عدم وضوح دلالة جملة منها،كالمرسل المشترط كون ظاهره ظاهراً مأموناً (2).

و الخبر المشترط زيادةً على الولادة على الفطرة كونه معروف الصلاح في نفسه (3)،و الشرطان كما يحتمل أن يكون المراد بهما عدم ظهور الفسق،كذا يحتمل أن يراد بهما ما يزيد عليه من الملكة،أو حسن الظاهر،و معه لا يمكن الاستدلال،سيّما مع ظهوره منهما بحكم التبادر، و ما سيأتي من الأخبار.

و مع ذلك فهي معارضة بظواهر الكتاب،و السنّة المستفيضة،بل المتواترة المانعة عن قبول شهادة الفاسق بالمرّة،بناءً على أنّ الفاسق اسم لمن ثبت له وصف الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة في نفس الأمر، و لا مدخليّة لسبق المعرفة به في حقيقته و مفهومه لغة،بل و لا عرفاً.

مع أنّ المنع عن قبول شهادته في الآية (4)معلّل بكراهة الوقوع في الندم،و هي كالصريحة بل صريحة في اعتبار الوصف الواقعي،و مقتضى تعليق الحكم عليه لزوم مراعاته و البحث عن ثبوته و عدمه في نفس الأمر، و الإسلام كما يجامع هذا الوصف ظاهراً،كذا يجامعه واقعاً،و بسببه يحتمل الوقوع في الندم،فيجب الفحص عنه.

ص:40


1- الشرائع 4:76.
2- المتقدم في ص:37.
3- المتقدم في ص:37.
4- الحجرات:6.

و قريب منها الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الدالّة على اعتبار العدالة،بناءً على أنّ المتبادر منها عرفاً و عادةً ليس هو مجرد الإسلام مع عدم ظهور فسق جدّاً،سيّما بملاحظة ما يستفاد من جملة وافرة من النصوص في موارد عديدة من اعتبار الأعدليّة،و لا يتأتّى إلّا بقبولها المراتب المرتّبة ضعفاً و قوةً،و لا يكون ذلك إلّا بتفسيرها بغير ذلك مما يرجع إلى أمر وجوديّ،و إلّا فالأمر العدمي و لو ركّب مع وجوديّ لا يقبل المراتب،كما هو واضح.

و مع ذلك فالنصوص بردّها بالخصوص مستفيضة،ففي الصحيح:بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟فقال:

«بأن تعرفوه بالستر و العفاف،و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان،و باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار من شرب الخمر،و الزنا،و الربا، و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف،و غير ذلك،و الدليل عليه أن يكون ساتراً لعيوبه،حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه،و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس،و أن لا يتخلّف عن جماعة المسلمين في مصلّاهم إلّا من علّة،فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا:ما رأينا منه إلّا خيراً،مواظباً على الصلوات،متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه» (1).

و عن مولانا العسكري(عليه السّلام)في تفسير قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [1] (2)قال:«يعني ترضون بدينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه،فما كلّ صالح مميّز،و لا كلّ محصّل مميّز

ص:41


1- الفقيه 3:65/24،الوسائل 27:391 كتاب الشهادات ب 41 ح 1.
2- البقرة:282.

صالح» الحديث (1).

و في الخصال عن مولانا الرضا(عليه السّلام)،عن آبائه،عن عليّ(عليهم السّلام)قال:

«قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من عامل الناس فلم يظلمهم،و حدّثهم فلم يكذبهم،و وعدهم فلم يخلفهم،فهو ممّن كملت مروءته،و ظهرت عدالته،و وجبت اخوّته،و حرمت غيبته» (2)و نحوه آخر مرويّ فيه أيضاً (3).

و في الموثق:«لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً» (4).

و في الخبر:في المكاري و الملاّح و الجمّال؟قال:«لا بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء» (5).

و في آخر:الرجل يشهد لابنه و الابن يشهد لأبيه و الرجل لامرأته، قال:«لا بأس بذلك إذا كان خيّراً» (6).

و المتبادر من الخيّر فيه،و الصيانة و الصلاح و العفّة في سابقه،هو الأمر الوجودي الزائد على مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق قطعاً،كما في العدالة قد مضى.

ص:42


1- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):375/672،الوسائل 27:399 كتاب الشهادات ب 41 ح 23.
2- الخصال:28/208،عيون الأخبار 2:34/29،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 15.
3- الخصال:29/208،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 16.
4- الفقيه 3:77/27،الوسائل 27:395 كتاب الشهادات ب 41 ح 10.
5- الكافي 7:10/396،الفقيه 3:82/28،التهذيب 6:605/243،الوسائل 27:381 كتاب الشهادات ب 34 ح 1.
6- الكافي 7:2/393،التهذيب 6:628/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 2.

و هذه النصوص مع كثرتها و موافقتها الكتاب،و السنّة المستفيضة، بل المتواترة،كما مرّ إليه الإشارة،و اعتبار سند جملة منها،و انجبار باقيها بالشهرة العظيمة بين أصحابنا التي كادت تكون إجماعاً أظهر دلالةً من الروايات الماضية.

بل التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيد،كما صرّح به جماعة (1)،فإنّ الأخبار السابقة على تقدير دلالتها جملةً لا تدل إلّا على أنّ المسلم الذي لم يظهر منه فسق مقبول الشهادة،و هو مطلق يعم ما لو كان متصفاً بالملكة،أو حسن الظاهر،أم لا و هذه النصوص كما عرفتها كالصريحة بل صريحة في اعتبار الشيء الزائد على ما في تلك،فلتكن به مقيّدة.

و بالجملة لا ريب في ضعف القول الأوّل و لا شبهة.

بقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأخيرين،و المشهور القريب من الإجماع،بل المجمع عليه كما يستفاد من كنز العرفان و غيره،كما مرّ (2)الثاني،و هو الأوفق بالأُصول،و ما دلّ على اعتبار العدالة و منع قبول شهادة الفاسق،بناءً على ما مرّ قريباً من اعتبار الوصفين في نفس الأمر،و لا يمكن المعرفة بهما من دون توسط النقل و القرائن القطعيّة إلّا بالمعاشرة الباطنيّة المطلعة على الباطن و السريرة،و إن لم يعلمها كما هي غير اللّه سبحانه، لكن يتعيّن أقرب المجازات حيثما تعذرت الحقيقة.

و هذه القاعدة في غاية من المتانة،سيّما بعد الاعتضاد بالأُصول المتقدمة و الشهرة العظيمة.إلّا أنّ المستفاد من تتبع الأخبار السابقة و سيّما

ص:43


1- الوافي 16:1015،كشف اللثام 2:331.
2- راجع ص:39.

الصحيحين منها و غيرها بعد ضمّ بعضها إلى بعض كفاية حسن الظاهر، كما عليه من متأخّري المتأخّرين جماعة (1).

و الفرق بينه و بين الملكة احتياجها إلى المعاشرة الباطنيّة مدّة مديدة يحصل فيها الاطلاع على السريرة و لو في الجملة،دون حسن الظاهر؛ للاكتفاء فيه بالمعاشرة الظاهرة من نحو ما مرّ في جملة من الروايات المتقدّمة،من مثل رؤيته مواظباً على الصلوات الخمس في جماعة،كما في الصحيح منها،أو معاملته مع الناس فلم يظلمهم،و إخبارهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم،كما في جملة عديدة منها.

و هذا أوفق بما هو الظاهر من حال السلف،و المنقول عنهم،و بدونه لا يكاد ينتظم الأحكام للحكّام،خصوصاً في المدن الكبيرة،و للقاضي المنفذ إليها من بلاد بعيدة،و هو في غاية من القوة إلّا أنّ الاحتياط في المصير إلى الأوّل البتّة،هذا.

مع أنّ الذي يقتضيه التدبّر في حسن الظاهر المستفاد من الأخبار عدم منافاته للقول بالملكة من حيث التعبير عنه في الصحيح منها برؤيته مواظباً على الصلوات الخمس،و معروفيّته بالستر و العفاف،و كفّ البطن و الفرج عن المحرمات.و هما سيّما الثاني تتوقفان على نوع معاشرة و اختبار مطلع على باطن الأحوال،و ذلك فإنّه لا يقال:فلان معروف بالشجاعة مثلاً،إلّا بعد أن يعرف حاله في ميدان القتال و مناضلة الأبطال،فإذا كان ممّن يقتل الرجال و لا يولّي الدبر في موضع النضال و يقاوم الشجعان و يصادم الفرسان صحّ وصفه بالشجاعة،و أنّه معروف بها،و كذلك فيما

ص:44


1- مدارك الأحكام 4:66،الكفاية:279،مفاتيح الشرائع 3:261.

نحن فيه لا يقال:فلان معروف بالكفّ عن الحرام،إلّا بعد اختباره بالمعاملات و المحاورات الجارية بين الناس،كما لو وقع في يده أمانة أو تجارة أو نحو ذلك،أو جرى بينه و بين غيره خصومة أو نزاع،فإن كان ممّن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية فهو العادل،و إلّا فغيره.

و أمّا من لم يحصل الاطّلاع على باطن أحواله و إن رُئي مواظباً على الصلوات و التدريس و التدرس و نحو ذلك،فهو من قبيل مجهول الحال، لا يصدق أنّه يعرف بالاجتناب عن المحرمات،بل يحتمل أن يكون كذلك و أن لا يكون.

و أظهر من هذه الصحيحة الأخبار الأخيرة المعبّرة عنه بمعاملته مع الناس فلم يظلمهم،إلى آخر الأُمور المعدودة فيها،و هي لا تقصر عن المعاشرة الباطنيّة،بل لعلّها عينها،كما يظهر من المسالك حيث قال:يعتبر في المزكّي أن يكون خبيراً بباطن من يعدّله،إمّا بصحبة أو جوار أو معاملة أو نحوها (1).

و نحوها باقي الأخبار الدالّة على اعتبار الخير و الصلاح في العادل (2)؛ إذ مقتضاها اعتبار العلم بوجودهما في نفس الأمر،كما مضى (3)، و لا يحصل إلّا بالخبرة الباطنيّة.

و نحو هذه الأخبار كلمة القدماء المعبّرة عنه بالمعروف بالدين و الورع،كما في كلام المفيد (4)،أو بالستر و العفاف،إلى آخر ما في

ص:45


1- المسالك 2:362.
2- المتقدمة في ص:42،41.
3- راجع ص:34،40.
4- المقنعة:725.

الصحيحة (1)،كما في كلام النهاية (2)،أو بحصوله على ظاهر الإيمان و الستر و العفاف،و اجتناب القبائح أجمع،و نفي التهمة و الظنة و الحسد و العداوة، كما في كلام القاضي (3)،و نحوه كلام الحلبي (4)،بل و أظهر حيث إنّه اعتبر ثبوته على هذه الصفات،لا حصوله على ظاهرها،و معرفة ثبوته عليها لا تحصل إلّا بالمعاشرة الباطنيّة،كما عرفته.

و ليس في اعتبار القاضي الظهور دون الثبوت منافاة لذلك؛ لأنّ الظاهر أنّ مقصوده من التعبير به التنبيه على عدم إمكان العلم بالثبوت في نفس الأمر،لأنّه من خصائص اللّه سبحانه و تعالى،لا أنّه لا يحتاج إلى المعاشرة الباطنيّة،كيف لا؟!و ظهور اجتنابه المحرّمات لا يحصل إلّا برؤيته متمكّناً منها فاجتنب عنها،كأن عومل فاجتنب الكذب و الظلم،و أتُمِنَ فردّ الأمانة، و وعد فوفى،و نحو ذلك،فإنّه إذا رُئي كذلك صدق ظهور اجتنابه الكبائر، لا أنّه إذا رُئي في الظاهر مجتنباً عنها مع عدم العلم بتمكّنه منها،يصدق عليه أنّه على ظاهر الاجتناب؛ إذ هو لا يصدق حقيقةً إلّا بعد التمكّن من فعل المجتَنَب.

و نحو عبارة هؤلاء عبارة الإسكافي المتقدمة (5)و غيرها،ممّا هو ظاهر في اعتبار المعاشرة الباطنيّة،كما في النصوص المتقدمة.

و حينئذ فلا منافاة بين القول بحسن الظاهر بهذا المعنى مع القول بالملكة،فإنّ القائلين بها لم يذكروا في معرفتها زيادة على المعاشرة

ص:46


1- المتقدمة في ص:40.
2- النهاية:325.
3- المهذّب 2:556.
4- الكافي في الفقه:435.
5- راجع ص:38.

الباطنيّة،حيث قالوا:لا بُدّ من الخبرة الباطنيّة و المعرفة المتقادمة.و حينئذ فلا نزاع بين من لا يعتبر ظاهر الإسلام في اشتراط المخالطة الباطنيّة في المعرفة بالعدالة.

نعم ربما يستفاد من جمع وجود قول بالاكتفاء بحسن الظاهر،فإن أُريد به ما مرّ من حسن الظاهر بعد الاختبار بالخبرة الباطنيّة فلا منازعة.

و إن أُريد به حسن الظاهر بدونه،بل حسنه من حيث عدم رؤية خلل منه مع عدم العلم بتمكّنه منه و عدمه،فلا دليل عليه،مع قيام الأدلّة فتوًى و روايةً كما عرفته على خلافه.

مع أنّ حسن الظاهر بهذا المعنى لا يكاد يظهر فرق بينه و بين ظاهر الإسلام،و حسن الظاهر بالمعنى الذي ذكرناه لا يكاد ينفك عن الملكة؛ إذ مع عدمها يبعد غاية البعد أن لا يظهر منه خلل أصلاً لأحد ممّن يختبره باطناً،كما لا يخفى،و لعلّه لذا لم ينقلوا في تعريف العدالة بالملكة خلافاً.

الثالثة تسمع شهادة التعديل مطلقة

الثالثة: تسمع شهادة التعديل مطلقة من غير أن يبيّن سببه، و لا تسمع شهادة الجرح إلّا مفصّلةً مبيّنةً للسبب في المشهور بين الأصحاب،على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (1)،استناداً في الأوّل:إلى أنّ العدالة تحصل بالتحرّز عن أسباب الفسق،و هي كثيرة يعسر ضبطها و عدّها.

و في الثاني:إلى أنّ الجارح قد يبني الجرح على ظنّ خطأ،و أنّ المذاهب فيما يوجب الفسق مختلفة،فلا بُدّ من البيان؛ ليعمل القاضي باجتهاده.

ص:47


1- المسالك 2:362،كشف اللثام 2:332.

و يشكل بأنّ الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة،فإنّ الاختلاف مثلاً في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتّب الفسق على فعله يوجب في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الإصرار عليه،فيزكّيه المزكّي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها،و هو قادح عند الحاكم.

و من ثمّ ذهب الإسكافي إلى وجوب التفصيل فيهما (1)،و هو حسن حيث لا يعلم موافقة مذهب المزكّي للحاكم في أسباب الجرح و التعديل، و أمّا لو علم بأن كان مقلّداً له،أو مجتهداً وافق مذهبه مذهبه،فالأجود حينئذ عدم وجوب التفصيل مطلقاً.

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوبه و الاكتفاء بالإطلاق مطلقاً أيضاً (2).

و للفاضل قول بوجوب التفصيل في التعديل دون الجرح (3)،عكس المشهور.

و آخر بالتفصيل بين علم المزكّي و الجارح بأسبابهما فالإطلاق مطلقاً، و جهلهما بهما فالتفصيل كذلك (4).

و ضعفهما قد ظهر ممّا مضى.

و حيث اكتفي في العدالة بالإطلاق مطلقاً،كما هو المشهور،أو على تفصيل قدّمناه،ففي القدر المعتبر من العبارة عنه أوجه،بل و أقوال.

ص:48


1- حكاه عنه في المختلف:706.
2- هو مذهب القاضي أبي بكر،حكاه عنه الآمدي في الأحكام 2:317،و الغزالي في المستصفى 1:162،و القاضي عضد في شرح المختصر:170.
3- المختلف:706.
4- حكاه في معالم الأُصول:207.

ثالثها:اعتبار ضمّ أحد الأمرين من قوله:لي و عليَّ،أو مقبول الشهادة،إلى قوله:هو عدل،حكاه في المسالك عن أكثر المتأخّرين (1)، و عن الإسكافي ضمّ الأوّل خاصّة (2)،و عن المبسوط الاكتفاء بقوله:هو عدل،من دون اعتبار ضمّ شيء مطلقاً (3).

و لعله أقوى و إن كان المصير إلى ما عليه الإسكافي أحوط و أولى؛ لكونه بين الأقوال جامعاً.

و اختار في المسالك قولاً رابعاً،و هو الاجتزاء بقوله:إنّه مقبول الشهادة،و أنّ إضافة العدل إليه آكد (4).

و لا بأس به إن قصد به جواز الاجتزاء بذلك من حيث إنّه مرادف للفظ العدل.

و يمنع إن منع من الاجتزاء بلفظ العدل؛ لما ظهر لك من الترادف بينهما،و إن كان ما اجتزأ به بالدلالة على العدالة العامّة أظهر و أجلى.

و إذا تعارض الجرح و التعديل فالأقرب أنّه إن لم يتكاذبا بأن شهد المزكي بالعدالة مطلقاً،أو مفصلاً لكن من غير ضبط وقت معين،و شهد الجارح بأنّه فعل ما يوجب الجرح في وقت معين قدّم الجرح؛ لحصول الشهادتين من غير تعارض بينهما حقيقةً.

و إن تكاذبا بأن شهد المعدّل بأنّه كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح بفعل المعصية فيه في غير المكان الذي عيّنه للمعصية،أو كان فيه

ص:49


1- المسالك 2:363.
2- نقله عنه في المختلف:703،و المسالك 2:363.
3- المبسوط 8:110،و حكاه عنه في المختلف:703،و المسالك 2:363.
4- المسالك 2:363.

مشتغلاً بفعل ما يضادّ ما أسند إليه الجارح فالوجه التوقف،وفاقاً للخلاف (1)،إلّا أنّه أطلقه بحيث يشمل صورة عدم التكاذب.قيل (2):

للتعارض مع عدم المرجح،و لا يتمّ إلّا على التفصيل المتقدم،هذا.

و يمكن الجمع بين الشهادتين مع ترجيح التزكية فيما إذا قال المعدّل:

صحّ السبب الذي ذكره الجارح،لكن صحّ عندي توبته و رجوعه عنه.

الرابعة إذا التمس الغريم

الرابعة: إذا التمس الغريم و المدّعي للحقّ من الحاكم إحضار غريمه مجلس الحكم وجب على الحاكم إجابته مطلقاً و لو كان الغريم المسئول إحضاره امرأة بشرط أن كانت بَرْزَة بفتح الباء و سكون الراء المهملة و فتح الزاء المعجمة،كما ضُبِط،و هي التي لا تحتجب احتجاب الشوابّ،و هي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس و تحدثهم،من البروز و هو الظهور.

و لو كان المسئول إحضاره ذا عذر يمنعه عن الحضور كأن كان مريضاً أو امرأة مخدّرة غير بَرْزَة استناب الحاكم من يحكم بينهما أو أمرهما بنصب وكيل ليخاصم عنهما،فإن دعت الحاجة إلى تحليفهما بعث إليهما من يحلفهما.

و اعلم أنّ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم الأوّل بين كون الغريم المطلوب إحضاره حاضراً في البلد أو غائباً عنه،و كونه من أهل الشرف و المروءات الذين يشقّ عليهم حضور مجلس القضاء أم لا.

خلافاً للإسكافي فخصّه بالحاضر الذي لا يشقّ عليه الحضور من

ص:50


1- الخلاف 6:219.
2- قاله السبزواري في الكفاية:264.

جهة الرفعة و الشرف (1)،و وافقه المتأخرون (2)ممّن وقفت على كلامهم في التخصيص بالحضور،و خالفوه في التخصيص بغير ذي الشرف،فأوجبوا حضوره مع الحضور أيضاً،بل في صريح المسالك و ظاهر المبسوط دعوى إجماعنا عليه (3)،و مع ذلك قيدوا عدم وجوب الإحضار في صورة الغيبة بما إذا لم يحرّر المدعي الدعوى،أو حرّرها و لم تكن عند الحاكم مسموعة،و أوجبوا في غير الصورتين الإحضار مطلقاً.

و تلخص من مجموع ما ذكرنا الإجماع على وجوب الإحضار لغير ذي المروءات(مع الحضور مطلقاً و لو لم يحرّر الدعوى،و هو الحجة فيه كالإجماع المحكي المتقدم في وجوب الإحضار لذوي المروءات) (4)أيضاً، مع عدم مخالف فيه عدا الإسكافي،و هو شاذ،هذا.

مضافاً إلى ما استدلّ به الشيخ لوجوب الإحضار مطلقاً من أنّ الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق و حفظها و ترك تضييعها،فلو قلنا إنّه لا يحضره ضاع الحق و بطل؛ لأنّ الرجل ربما تسلّط على مال الغير و أخذه و جلس في موضع لا حاكم فيه،و ما أفضى إلى هذا بطل في نفسه (5).

و اعترضه الفاضل(رحمه اللّه)في المختلف حيث إنّه ممّن منع الإحضار مع الغيبة في الجملة بمنع الملازمة،قال:فإنّ الحاكم يطالب المدّعى بإثبات حقّه،فإذا ثبت فإن حضر،و إلّا باع ماله و دفعه إلى المدّعى،أمّا لو

ص:51


1- نقله عنه في المختلف:702.
2- كالعلّامة في المختلف:703،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:248،و السبزواري في الكفاية:265.
3- المسالك 2:365،المبسوط 8:154.
4- ما بين القوسين ساقط من« ب».
5- الخلاف 6:236.

لم يتمكّن من الإثبات و طلب غريمه لإحلافه،أو لم يكن له مال و كان بيد الغائب ما يقضي به الحق الثابت عند الحاكم،فإنّ الحاكم هنا يبعث في طلبه على ما قاله الشيخ (1).

و سياق كلامه مع الشيخ كما ترى إنّما هو النزاع معه في وجوب الإحضار مع الغيبة مطلقاً،لا وجوبه لذوي المروءات كما فهمه منه الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)،حيث نسب فيه القول بمنع إحضارهم إلى المختلف و جعله موافقاً للإسكافي.

ثم إنّ ما ذكره في المختلف من وجوب الإحضار مع الغيبة في بعض الصور الذي ذكره إنّما هو بعد تحرير الدعوى و سماعها،و أمّا قبله فقد ذكر جماعة (3)بأنّه إن كان الغائب في محلّ ولاية القاضي فإن كان له نائب لم يحضره بل يسمع البيّنة و يكتب إليه.

و إن لم يكن هناك بيّنة أنفذه إلى خليفته ليحكم بينهما.

و إن لم يكن له نائب فإن كان هناك من يصلح للاستخلاف (4)أذن له في القضاء بينهما،قال في المسالك بعد هذا:و إلّا طولب المدعي بتحرير الدعوى،فقد تكون غير مسموعة فيلزم المشقّة بإحضاره لغير حق، بخلاف الحاضر في البلد فإنّه لا يحتاج في إحضاره إلى تقديم البحث،لأنّه ليس في الحضور هنا مئونة و مشقّة شديدة (5).إلى آخر ما ذكره.

ص:52


1- المختلف:703.
2- التنقيح الرائع 4:248.
3- منهم الشيخ في المبسوط 8:155،و الشهيد الثاني في المسالك 2:365،و السبزواري في الكفاية:265.
4- في« ح» و« س»:للاستحلاف.
5- المسالك 2:365.

و منه يظهر وجه فرق المتأخّرين بين حالتي الحضور و الغيبة بوجوب الإحضار في الاُولى مطلقاً و لو لم يحرّر الدعوى،و عدمه في الثانية قبل تحريرها،و محصّله عدم لزوم المشقّة بإحضاره في الأُولى و لزومها في الثانية،و بذلك صرّح أيضاً جماعة (1).

و ناقشهم في ذلك بعض متأخّري المتأخّرين (2)،نظراً منه إلى أنّ في مطلق الإحضار و لو حالة الحضور مشقّة،و لذلك احتمل اختصاص وجوب الإحضار مع الحضور بصورة تحرير الدعوى و سماعها،و له وجه.

إلّا أنّ الإجماع الظاهر و المحكي حتى في كلامه كفانا مئونة البحث في ذلك،سيّما مع اعتضاده بما ذكره من أنّ ذلك كان معمولاً في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار.

الخامسة بذل الرشوة

الخامسة: بذل الرشوة و أخذها على الحكم حرام بالإجماع،و السنّة المستفيضة المتقدّم إليها و إلى جميع ما يتعلّق بالمسألة الإشارة في الفصل الأوّل من كتاب التجارة.

بقي فيها شيء لم نشر إليه مفصلاً ثمّة،و هو الفرق بين الرشوة و الهدية،حيث تجوز له مطلقاً أو في الجملة،على تفصيل تقدّم ذكره ثمّة، فقيل:بأنّ الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق و الامتناع من الحكم به،و الهدية هي العطية المطلقة (3).

و هذا الفرق يناسب ما أطلقه الماتن في الشرائع (4)من اختصاص

ص:53


1- المبسوط 8:155،القواعد 2:207،مفاتيح الشرائع 3:253.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:91.
3- حكاه في المسالك 2:364.
4- الشرائع 4:78.

تحريم الرشوة بطلب التوصل إلى الحكم بالباطل دون الحق.

و لكن ذكر جماعة تحريمها على التقديرين،خصوصاً من جانب المرتشي (1).

و قد قدّمنا ثمّة أنّها محرمة على المرتشي مطلقاً،و على الراشي كذلك إلّا أن يكون محقاً،و لا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها فلا تحرم عليه حينئذٍ،و على هذا يحتاج إلى فرق آخر.

و الأظهر فيه أن يقال:إنّ دفع المال إلى القاضي و نحوه من العمّال إن كان الغرض منه التودّد أو التوسل لحاجة من العلم و نحوه فهو هدية.

و إن كان للتوسل إلى القضاء و العمل فهو رشوة،صرّح بذلك شيخنا في المسالك و غيره (2)،و لعلّ وجهه التبادر العرفي،و ما في مجمع البحرين من أنّها ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له،أو يحمله على ما يريد (3).و قريب منه ما في القاموس (4)و كنز اللغة،و هو كما ترى عامّ لما إذا كان الحكم باطلاً أو حقاً،فلا وجه لتخصيصها بالأوّل.

نعم في النهاية الأثيرية:الراشي الذي يعينه على الباطل (5).

و الفرق بينها و بين أخذ الجعل على القضاء من المتحاكمين أو أحدهما لو قيل بجوازه أخفى.

و بيانه:أنّ الغرض من الرشوة أن يحكم لباذلها على التعيين لحقّ أو باطل،و في الجعل إن شرط عليهما أو على المحكوم عليه،فالفرق واضح؛

ص:54


1- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:35،و الشهيد الثاني في الروضة 3:75.
2- المسالك 2:364؛ و انظر الكفاية:265.
3- مجمع البحرين 1:184.
4- القاموس 4:326.
5- النهاية الأثيرية 2:226.

لأنّه حينئذ في مقابلة عمله معهما و فصل الحكومة بينهما من غير اعتبار الحكم لأحدهما بخصوصه.

و إن شرطه على المحكوم له،فالفرق أنّ الحكم لا يتعلّق الغرض فيه بأحدهما بخصوصه،بل من اتفق له الحكم منهما على الوجه المعتبر يكون عليه الجعل،و هذا ليس فيه تهمة و لا ظهور غرض،بخلاف الرشوة المبذولة له ابتداء من شخص معيّن ليكون الحكم له بخصوصه كيف كان، فإنّ هذا ظاهر في فساد المقصد و صريح في تطرّق التهمة.

و يجب على المرتشي إعادتها عيناً مع وجودها،و عوضاً مثلاً أو قيمةً مع تلفها مطلقاً،كان التلف بتفريطه أم لا،وجوباً فورياً،بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا،بل يظهر من المسالك و غيره أنّ عليه إجماعنا (1)، و فيه خلاف لبعض العامّة،حيث ذهب إلى أنّه يملكها و إن فعل حراماً؛ لوجود التمليك و القبول (2).

و آخرون منهم ذهبوا إلى أنّه يضعها في بيت المال (3).

و هما ضعيفان جدّاً،و لا سيّما الثاني منهما.

النظر الثالث في كيفية الحكم

الأوّل في وظائف الحاكم

الأولى التسوية بين الخصوم

النظر الثالث: في بيان كيفية الحكم،و فيه مقاصد ثلاثة:

الأوّل: في وظائف الحاكم و آدابه و هي أربع:

الأُولى: يجب على القاضي التسوية بين الخصوم في السلام عليهما و ردّه إذا سلّما عليه و الكلام معهما و المكان لهما فيجلسهما

ص:55


1- المسالك 2:365؛ و انظر الروضة 3:75،و الكفاية:265.
2- لم نعثر عليه.
3- المغني 11:439،الشرح الكبير 11:405.

بين يديه معاً و النظر إليهما و الإنصات و الاستماع لكلامهما و العدل في الحكم بينهما،و غير ذلك من أنواع الإكرام كالإذن في الدخول، و طلاقة الوجه.

للنصوص المستفيضة:منها:القريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح رواياته فيجبر به جهالة راويه،و هو طويل و من جملته قول علي(عليه السّلام)لشريح:« ثم واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك،حتّى لا يطمع قريبك في حيفك،و لا ييأس عدوّك من عدلك» (1).

و منها:القوى بالسكوني و صاحبه:« من ابتلى بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة،و النظر،و المجلس» (2).

و في مثله:« إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يضاف الخصم إلّا و معه خصمه» (3).

و في القريب منهما:« ثلاث إن حفظتهنّ و عملت بهنّ كفتك ما سواهنّ،و إن تركتهنّ لم ينفعك شيء،إقامة الحدود على القريب و البعيد،و الحكم بكتاب اللّه تعالى في الرضا و السخط،و القسم بالعدل بين الأحمر و الأسود» (4).

ص:56


1- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:3/413،الفقيه 3:27/8،التهذيب 6:543/226،الوسائل 27:214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 1.
3- الكافي 7:4/413،الفقيه 3:21/7،التهذيب 6:544/226،الوسائل 27:214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 2.
4- التهذيب 6:547/227،الوسائل 27:212 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 2.

و هذه النصوص مع اعتبار أسانيدها جملة و حجية بعضها ظاهرة الدلالة على الوجوب،كما هو الأظهر الأشهر بين متأخري الطائفة،وفاقاً للصدوقين (1)،بل حكى عليه الشهرة المطلقة في المسالك و الروضة (2)، فهي أيضاً لقصور النصوص أو ضعفها لو كان جابرة.

خلافاً للديلمي و الحلّي و الفاضل في المختلف (3)،فحكموا بالاستحباب فيما عدا العدل في الحكم؛ للأصل،و ضعف النصوص سنداً و دلالة.

و في الجميع نظر يظهر وجهه بالتدبر فيما مرّ.

ثم إنّ الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى الخصوم في الكفر و الإسلام.

و لو كان أحد الخصمين مسلماً و الآخر كافراً جاز أن يكون الكافر قائماً و المسلم قاعداً،أو أعلى منزلاً قولاً واحداً،كما جلس علي(عليه السّلام) بجنب شريح في خصومة له مع يهودي (4).

و هل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك؟ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة ذلك (5).

و يحتمل قوياً تعدّيه إلى غيره من وجوه الإكرام،وفاقاً للشهيد الثاني (6)؛ للأصل،و اختصاص النصوص الموجبة للتسوية بحكم التبادر

ص:57


1- الصدوق في الفقيه 3:8،و حكاه عن والده في المختلف:700.
2- المسالك 2:365،الروضة 3:72.
3- المراسم:230،السرائر 2:157،المختلف:701.
4- الغارات 1:124،المستدرك 17:359 أبواب آداب القاضي ب 11 ح 5.
5- كالمحقق في الشرائع 4:80،و العلّامة في القواعد 2:204،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):73.
6- الروضة 3:73.

و غيره بغير مفروض المسألة،و هو تساوي الخصوم في الإسلام أو الكفر أيضاً،على بعد فيه خاصة،مع أنّ شرف الإسلام يقتضي ذلك.

و لا يجب التسوية بينهم مطلقاً في الميل القلبي،بلا خلاف فيه، و لا في استحبابها بقدر الإمكان.

الثانية لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين

الثانية: لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين و يعلّمه شيئاً يستظهر به على خصمه كأن يدّعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى بالجزم حتى تسمع دعواه،أو ادّعي عليه قرض و أراد الجواب بالوفاء فيعلّمه الإنكار لئلّا يلزمه البيّنة بالاعتراف،أو نحو ذلك،بلا خلاف فيه على الظاهر.

قالوا:لأنّه منصوب لقطع المنازعة لا لفتح بابها،فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لنصبه.

قيل:نعم لا بأس بالاستفسار و التحقيق و إن أدّى بالأخرة إلى تلقين صحة الدعوى (1).

و زاد بعض متأخري المتأخرين فقال:بل لا يبعد جواز الأوّل أيضاً إذا كان المدّعى جاهلاً لا يعرف التحرير و القاضي علم بالحال،و ما ذكروه لا يصلح دليلاً للتحريم مطلقاً؛ إذ فتح باب المنازعة الحقيقية التي تصير سبباً لعدم إبطال حقوق الناس ما نعرف فساده،إلّا أن يكون لهم دليل آخر من إجماع و غيره (2).انتهى.

و هو حسن إلّا أنّ فرض علم القاضي بحقيقة الحال لا يتصور معه فتح باب المنازعة بناءً على ما مرّ من جواز القضاء بالعلم،بل لا يحتاج

ص:58


1- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:365.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:54.

حينئذٍ إلى تلقين المدّعى،بل يحكم ابتداء على الخصم بعلمه،فتأمّل.

الثالثة إذا سكتا استحب للحاكم أن يقول تكلما

الثالثة: إذا سكتا أي الخصمان استحب للحاكم أن يقول لهما: تكلما أو:ليتكلم المدّعى منكما أو:إن كنتما حضرتما لشيء فاذكراه،أو ما ناسبه من الألفاظ الدالة عليه.و لو احتشماه أَمَرَ من يقول لهما ذلك،و لا يواجه بالخطاب أحدهما.بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر حتى في النهي عن مواجهة أحدهما بالخطاب،و لكن قد اختلفوا في الأخذ بظاهره كما هو مقتضى وجوب التسوية،أو الكراهة، و الوجه الأوّل؛ لما عرفته.

الرابعة إذا بدر أحد الخصمين سمع منه

الرابعة: إذا بدر أحد الخصمين و سبق إلى الدعوى سمع منه وجوباً هي دون غيرها فهو أولى.

و لو قطع عليه غريمه كلامه في أثناء الدعوى فقال:كنت أنا المدّعى،لم يلتفت إليه الحاكم،بل منعه حتى تنتهي دعواه و حكومته بمطالبة جوابها منه،ثم الحكم بمقتضاه.

و لو ابتدرا و سبقا إلى الدعوى معاً سمع من الذي وقف عن يمين صاحبه في المجلس؛ للخبر الذي أجمع أصحابنا على روايته كما في الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر (1)،حيث قالوا:رواه أصحابنا،و زاد الأوّلان دعوى إجماعنا عليه فتوى أيضاً و فيه:« قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام» (2)و عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل و متقدميهم أيضاً،عدا الشيخ فمال إلى القرعة (3)

ص:59


1- الانتصار:243،الخلاف 6:234،المبسوط 8:154،السرائر 2:157.
2- الفقيه 3:25/7،الوسائل 27:218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 2.
3- المبسوط 8:154،الخلاف 6:234.

كما تقوله العامّة (1)،مع أنّه ادّعى على الأوّل إجماع الطائفة،فهو ضعيف غايته.

كتأمّل الإسكافي (2)في دلالة الرواية بجواز أن يكون أراد بذلك المدّعى؛ لأنّه صاحب اليمين،و اليمين المردودة إليه.

و زاد بعض متأخري المتأخرين جواز أن يكون المراد باليمين يمين القاضي (3).

لمخالفة الاحتمالين للظاهر،سيّما بعد الاتفاق على الظاهر المستظهر من تلك الكتب المتقدّمة (4)المصرح به في المسالك (5)على كون المراد منها ما ذكره،و التأيّد بالصحيح:« إذا تقدّمت إلى والٍ أو قاضٍ فكن يمينه» يعني:يمين الخصم (6).

و إن اجتمع خصوم فإن وردوا مترتبين بدأ بالأول منهم فالأوّل، و إن وردوا جميعاً كتب أسماء المدعين في رقاع و استدعى من يخرج اسمه بالقرعة إلّا أن يتضرر بعضهم بالتأخير،فيقدّم دفعاً للضرر.و مثله ما لو تزاحم الطلبة عند المدرس و المستفتون عند المفتي مع وجوب التعليم و الإفتاء،فيقدّمان الأسبق منهم فالأسبق،فإن جهل أو جاؤا معاً أُقرع بينهم.

و لو جمعهم على درس واحد مع تقارب أفهامهم جاز،و إلّا فلا.

ص:60


1- المغني لابن قدامة 117:447،الشرح الكبير 11:423.
2- حكاه عنه في الانتصار:244،و المختلف:699.
3- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:253.
4- في« ب» زيادة:للأخيار.
5- المسالك 2:366.
6- الفقيه 3:26/7،التهذيب 6:548/227،الوسائل 27:218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 1.

و مع عدم وجوب الأمرين فالأمر إليهما يتخيّران من شاءا،صرّح بذلك جماعة من أصحابنا (1)

المقصد الثاني في جواب المدّعى عليه

الإقرار

المقصد الثاني:

في جواب المدّعى عليه،و هو إمّا إقرار بما ادّعي عليه أو إنكار له أو سكوت عنه،و إنّما جعل هذا جواباً مع أنّه ليس كذلك لغة بل و لا عرفاً،قيل:لأنّه إذا أصرّ عليه جعل كالمنكر الناكل،فهو في الحكم كالإنكار،فكان في معنى الجواب به (2).

أمّا الإقرار فيلزم الحق،و يثبت به في ذمّة المقرّ إذا كان جائز الأمر و التصرف،باستجماعه شرائط الإقرار المقرّرة في بابه المتقدم مطلقاً رجلاً كان المقرّ أو امرأة أو غيرهما،بخلاف ما إذا أقام المدّعى بيّنةً،فإنّه لم يثبت بمجرد إقامتها؛ لأنّها منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها و ردّها.

و مظهر ثمرة الفرق بين المقامين بذلك جواز مقاصّة المدّعى حقّه إذا كان عيناً و ادّعاها مع عدم علمه بها بالإقرار دون البيّنة إذا لم يحكم الحاكم.

فإن التمس المدّعى الحكم له به أي:بالحق الثابت بالإقرار حكم الحاكم له به وجوباً.

و في جوازه بدون مسألته قولان:من أنّه حق له فيتوقف على سؤاله.

و من شهادة الحال بطلبه.

و يأتي الوجهان في مطالبة الحاكم المدّعى عليه بالجواب قبل التِماس

ص:61


1- الدروس 2:75،المسالك 2:366،كشف اللثام 2:328.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:367.

المدّعى.

و الأشهر العدم في المقامين على الظاهر المصرح به في المسالك (1)، بل قال في المبسوط في المقام الثاني:إنّه الصحيح عندنا (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،مع أنّه قوّى الجواز أخيراً،و حكاه في المختلف عن الشيخين و الديلمي و الحلّي أيضاً،و اختاره،قال:لأنّ الحاكم منصوب لذلك،و ربما خفي على المدّعى أنّ ذلك حق له،و هاب الحاكم فضاع حقه (3).

و في هذا الدليل نظر؛ لأخصّيته من المدّعى؛ لاختصاصه بصورة جهل المدّعى،فربما كان المانع يسلّم الجواز هنا،كما اتفق له في التحرير، حيث قال بعد الحكم بأنّه ليس للحاكم أن يحكم عليه إلّا بمسألة المدّعى-:لأنّه حقّه فيتوقف استيفاؤه على مطالبته،و يحتمل أن يحكم عليه من غير مسألته.أمّا لو كان المدّعى جاهلاً بمطالبة الحاكم فإنّ الحاكم يحكم عليه أو ينبّهه على ذلك؛ لئلّا يضيع حقّه بجهله فيترك المطالبة (4).

و منه يظهر وجه آخر للنظر فيما ذكره في المختلف،و هو أنّ جهل المدّعى بذلك لا يوجب جواز الحكم له بالإقرار من غير مسألته؛ لاندفاع الضرر المترتّب عليه بتنبيهه على ما جهله.

فكيف كان فمستند القولين غير واضح،كمستند القول بالتفصيل بالجواز في المقام الأوّل،و عدمه في المقام الثاني،كما هو ظاهر الماتن في

ص:62


1- المسالك 2:367.
2- المبسوط 8:157.
3- المختلف:700،و هو في المقنعة:723،و النهاية:339،و المراسم:230،و السرائر 2:157.
4- التحرير 2:186.

الشرائع (1)،كما اعترف به شيخنا في شرحه (2)،أو بالعكس فالمنع في الأوّل،و الجواز في الثاني،كما هو ظاهر الفاضل في التحرير،حيث قال قبل ما قدّمنا نقله عنه-:إذا حرّر المدّعى دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب،و يحتمل توقّف ذلك على التماس المدّعى؛ لأنّه حقّه فيتوقف على المطالبة،و الأقرب الأوّل؛ لأنّ شاهد الحال يدل عليه،فإنّ إحضاره و الدعوى إنّما يراد بهما ليسأل الحاكم الغريم (3).

و هذا مع ما قدمناه عنه ظاهر في اختياره التفصيل المتقدم كما ذكرناه.

و فيما ذكره هو و غيره من الأصحاب (4)من تعليل الجواز بقرينة شاهد الحال دلالة على الاتفاق على اعتبار إذن المدّعى في مطالبة الجواب،و الحكم له بمقتضاه،و عدم جوازهما من دونه،و أنّ خلافهم إنّما هو في اعتبار الإذن الصريح أو الاكتفاء بشاهد الحال.

و حيث قد تمهد هذا فالأوفق بالأصل حينئذٍ هو الأوّل اقتصاراً على المتيقن،مع اعتضاده بظاهر إجماع المبسوط المتقدم (5)،و مع ذلك فهو أحوط.

و على تقدير التردد بين القولين و عدم وجود أصل يرجع إليه في البين كما هو ظاهر جمع (6)يكون ما ذكرناه أيضاً متعيّناً؛ لغلبة الظن به من

ص:63


1- الشرائع 4:83.
2- المسالك 2:367.
3- التحرير 2:186.
4- انظر المبسوط 8:157،و المسالك 2:367،و المفاتيح 3:254.
5- في ص:61.
6- منهم المحقق في الشرائع 4:83،و السبزواري في الكفاية:267،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:254.

حيث كونه مشهوراً.

و صورة الحكم هنا و في غيره من الأبواب على ما ذكره الأصحاب:

ألزمتك،أو:قضيت عليك،أو:ادفع إليه ماله،و نحو ذلك ممّا يكون صريحاً فيه،دون قوله:ثبت عندي حق خصمك،أو ما شابه ذلك.

و اعلم أنّ فائدة الحكم هنا بعد اتفاقهم على ثبوت الحق بالإقرار كما مضى غير واضحة،عدا ما ذكره شيخنا في المسالك من أنّ فائدته إنفاذ حاكم آخر إيّاه و نحو ذلك (1).

و حيث يتحقق الحكم فإن رضي المحكوم له بالاقتصار على تلفظ الحاكم به فذاك.

و إن التمس أن يكتب له به حجة بحقّه يكون في يده ف لا يكتب له على المقر حجة إلّا بعد المعرفة منه باسمه أي المقر و نسبه أو يشهد بذلك أي بكلّ من الاسم و النسب عدلان مرضيان عنده خوفاً من التزوير بتواطؤ المتداعيين لإثبات إقرار على ثالث فيكتب عليه حجة بخط الحاكم و ختمه؛ ليحكم الحاكم عليه بحكمه السابق المتذكر له بخطه و ختمه حيثما يجاء به،و الحال أنّه غير المقر عنده أوّلاً، فيقع الخطأ بالتزوير في حكمه و هو لا يعلم به،فلا يجوز له ذلك.

إلّا أن يقنع المدّعى بالحِلية و هي بكسر الحاء المهملة ثم الياء المنقطة نقطتين من تحت بعد اللام-:الصفة،فيكتب صفة المقر من طوله و قصره و بياضه و سواده،و نحو ذلك من الأوصاف التي يؤمن معها التزوير.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الشيخين و الحلبي و الديلمي

ص:64


1- المسالك 2:367.

و القاضي (1)في الاكتفاء بالحلية فلم يذكروه،لكن الشيخ في الخلاف بعد نقل ذلك عنهم و نسبة خلافه و الاكتفاء بها إلى من خالفهم من الفقهاء قال:

و الذي قاله بعض أصحابنا يحمل على أنّه لا يجوز أن يكتب و يقتصر على ذكر نسبهما،فإنّ ذلك يمكن استعارته (2).و على ما ذكره يرتفع الخلاف كما هو ظاهر الأصحاب،حيث لم ينقلوه،و قد صرح به الفاضل في المختلف (3)فقال:و التحقيق أنّه لا مشاحّة هنا؛ لأنّ القصد تخصيص الغريم و تمييزه عن غيره و إزالة الاشتباه،فإن حصل ذلك بالحلية جاز.

و اعلم أنّ فائدة كتاب الحاكم هنا مع الاتفاق على عدم جواز الرجوع إليه له و لغيره من الحكّام إلّا بعد العلم بالواقعة و القطع بها-،جعله مذكّراً و منبّهاً عليها،فإذا وقف الإنسان على خطه فإن تذكرها أقام الشهادة عليها، و إلّا فلا.

و حيث ثبت الحق بالإقرار أو غيره كلّف أداؤه و إن امتنع المقر و من في حكمه ممن ثبت عليه الحق من التسليم مع قدرته عليه أمر الحاكم خصمه بالملازمة له حتى يؤدّي.

و لو التمس من الحاكم حبسه حبس بلا خلاف؛ للخبر:

« ليّ (4)الواجد يحل عقوبته و عرضه» (5)و فسّر العقوبة بالحبس،و العرض بالإغلاظ له في القول،كقوله:يا ظالم،و نحوه.

ص:65


1- المفيد في المقنعة:724،الطوسي في النهاية:341،الحلبي في الكافي:445،الديلمي في المراسم:231،حكاه عن القاضي في المختلف:691.
2- الخلاف 6:221.
3- المختلف:691.
4- اللّيّ:مطل الدَّين القاموس المحيط 4:390.
5- أمالي الطوسي:532،الوسائل 18:333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4.

و في الموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه،ثم يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص،فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم» يعني:ماله- (1).

و في معناه أخبار أُخر مروية في التهذيب في أواسط باب الزيادات من هذا الكتاب،و يستفاد منها جواز بيع ماله عليه للحاكم إذا أبى عنه بعد الحبس (2)،و به أفتى الأصحاب أيضاً.

و إن ادّعى الإعسار و هو عندنا كما في كنز العرفان (3)عجزه عن أداء الحق؛ لعدم ملكه لما زاد عن داره و ثيابه اللائقة بحاله و دابّته و خادمه كذلك،و قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي النفقة،فإن كان له أصل مال قبل ذلك،أو كان أصل الدعوى مالاً، كلّف البينة على تلفه، فإن لم يقمها حبس إلى أن يتبين الإعسار،على المشهور؛ للنصوص ففي الموثق و غيره:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يحبس في الدين فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً» (4).

و أمّا الصحيح:« كان(عليه السّلام)لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة:الغاصب، و من أكل مال اليتيم ظلماً،و من ائتمن على أمانة فذهب بها،و إن وجد له شيئاً باعه،غائباً كان أو شاهداً» (5)فقال الشيخ:إنّه لا تنافي بينه و بين

ص:66


1- الفقيه 3:43/19،التهذيب 6:833/299،835،الإستبصار 3:15/7،الوسائل 18:416 أبواب الحجر ب 6 ح 1.
2- التهذيب 6:833/299،834،835.
3- كنز العرفان 2:57.
4- الفقيه 3:43/19،التهذيب 6:834/299،الإستبصار 3:156/47،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 1.
5- التهذيب 6:836/299،الإستبصار 3:154/47،الوسائل 27:248 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 2.

الخبرين الأوّلين،لأنّ الوجه فيه أحد شيئين:

أحدهما:أنّه ما كان يحبس على جهة العقوبة،إلّا الذين ذكرهم.

و الثاني:أنّه ما كان يحبسهم حبساً طويلاً،إلّا الثلاثة الذين استثناهم؛ لأنّ الدين إنّما يحبس فيه بقدر ما يتبين حاله،فإن كان مُعدِماً و علم ذلك من حاله خلي سبيله،و إن لم يكن مُعدِماً الزم الخروج مما عليه،أو يباع عليه ما يقضى به دينه (1).انتهى.

و في الوجهين بُعد،و لا سيّما الثاني،إلّا أنّه لا بأس بهما؛ لرجحان الأخبار الأوّلة على الصحيحة من وجوه عديدة،أظهرها كونها مفتى بها دون هذه؛ لمخالفة الحصر فيها للإجماع جدّاً.

و إن لم يعرف له أصل مال،و لا كانت الدعوى مالاً،بل كانت جناية، أو صداقاً،أو نفقة زوجة،أو قريب،أو نحو ذلك،قُبِل قوله بيمينه؛ لموافقة دعواه الأصل،فيكون كالمنكر،بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالاً،فإنّ أصالة بقائه يمنع قبول قوله.

و مع ثبوته أي ثبوت إعساره بالبيّنة،أو اليمين،أو تصديق المدّعى ينظر و يمهل حتى يمكن له الوفاء و يتيسر،على الأظهر الأشهر،كما صرح به الماتن هنا و في الشرائع و جمع ممّن تأخّر (2)؛ للأصل؛ و قوله سبحانه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [1] (3).

و للأخبار المتقدّمة أخيراً،حتى الصحيح منها،نظراً إلى مفهوم

ص:67


1- الاستبصار 3:48.
2- الشرائع 4:84؛ كشف الرموز 2:499،و انظر المسالك 2:367،و مجمع الفائدة و البرهان 12:131،و الكفاية:267.
3- البقرة:280.

الحصر فيه الدال بعمومه على عدم الحبس هنا.فما في المسالك (1)من عدم وضوح دلالته كما ترى.

و العجب منه و من الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)حيث لم يقفا على ما عدا الصحيحة من الموثق و غيره المتقدمين قبلها مع كونهما مرويين في التهذيب و الاستبصار في هذا الكتاب،فروى ما عدا الموثق في الأوّل في أواخر باب كيفية الحكم و القضاء (3)،و روى الموثق و الصحيحة في أواسط باب الزيادات منه (4).

و روى فيه بعد الصحيحة بلا فاصلة رواية ظاهرة الدلالة على المختار كالسابقة هي للسكوني كالصحيحة برواية عبد اللّه بن المغيرة عنه،و قد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (5)و فيها:« إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها،و كان زوجها معسراً،فأبى(عليه السّلام)أن يحبسه،و قال:إنّ مع العسر يسراً» (6).

و لكن في تسليمه إلى الغرماء ليؤاجروه أو يستعملوه رواية (7) عمل بها في النهاية (8) و قد عرفت أنّ ال أشهر منها ما دل على تخليته و إنظاره إلى يساره،و هو مع ذلك أكثر عدداً،

ص:68


1- المسالك 2:367.
2- التنقيح الرائع 4:250.
3- التهذيب 6:568/232.
4- التهذيب 6:834/299،836.
5- رجال الكشي 2:1050/830.
6- التهذيب 6:837/299،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 2.
7- التهذيب 6:838/300،الإستبصار 3:155/47،الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7 ح 3.
8- النهاية:352.

و أوضح سنداً،و أوفق بالأصل و الآية الكريمة كما مضى،فلا تكافؤ بينهما أصلاً،سيّما مع كون هذه شاذّة لا عامل بها،حتى الشيخ؛ لرجوعه في الخلاف (1)عما ذكره في النهاية إلى ما عليه أصحابنا.

و لابن حمزة قول ثالث في المسألة،ففصّل بين ما إذا كان المعسر ذا حرفة يكتسب بها فالثاني،و غيره فالأوّل،مستدلاً عليه بالرواية الأخيرة (2).

و المناقشة فيه واضحة؛ لعدم دلالة فيها على التفصيل المزبور،بل و لا إشارة.

و لا يمكن الاستدلال له بالجمع بين الأدلّة و الروايات المختلفة؛ لعدم التكافؤ أوّلاً،و عدم وضوح الشاهد عليه ثانياً.

فهذا القول ضعيف كسابقه،بل و أضعف جدّاً،و إن نفى عنه البعد في المختلف (3).

كضعف ما اعتذر به من أنّه يتمكن من أداء ما وجب عليه،و إيفاء صاحب الدين حقه،فيجب عليه كما يجب عليه السعي في المئونة،و مع تمكنه من الكسب لا يكون معسراً؛ لأنّ اليسار كما يتحقق بالقدرة على المال،يتحقق بالقدرة على تحصيله،و لهذا منع القادر على التكسب من أخذ الزكاة،إلحاقاً له بالغني القادر على المال.

و ذلك فإنّ غاية ما ذكره وجوب تكسبه كيف شاء،لا تسلّط الغريم على منافعه بالاستيفاء و الإجارة،كما ذكره ابن حمزة.

نعم لو توانى عن هذا الواجب بحيث يترتب به ضرر على الغرماء

ص:69


1- الخلاف 3:272.
2- الوسيلة:212.
3- المختلف:414.

أمكن أن يجبره الحاكم على التكسب،دفعاً للضرر،و التفاتاً إلى أنّه نوع أمر له بالمعروف.

و لو رأى أنّه لا ينجع فيه جبره و إقامته على الفعل الواجب إلّا بالدفع إلى الغرماء أمكن الجواز؛ لما مرّ،و يمكن أن يحمل عليه الخبر الذي مرّ (1).

و اعلم أنّه لو ارتاب الحاكم بالمقر و شك في بلوغه أو عقله أو اختياره،أو نحو ذلك ممّا هو شرط في صحة إقراره توقف في الحكم بإقراره حتى يستبين حاله من بلوغ و رشد و نحو ذلك، بلا إشكال،و وجهه واضح.

الإنكار

و أمّا الإنكار ف اعلم أنّ عنده أي عند الإنكار يجب أن يقال للمدعي:أ لك بيّنة؟ إن جهل مطالبتها منه،و إن كان عالماً بها جاز للحاكم السكوت عن ذلك،كما جاز له السؤال عنها فإن قال المدّعى: نعم لي البيّنة جاز للحاكم أمره بإحضارها مطلقاً،كما عليه أكثر أصحابنا، على ما صرح به في المسالك و غيره (2)،و منهم الشيخان و الديلمي و الحلبي و القاضي في أحد قوليه،و أكثر المتأخرين (3).

خلافاً للمبسوط و المهذب و السرائر (4)،فلم يجوّزوه مطلقاً؛ لأنّه حق

ص:70


1- راجع ص:68.
2- المسالك 2:369؛ و انظر الكفاية:268.
3- المفيد في المقنعة:723،الطوسي في النهاية:339،الديلمي في المراسم:231،الحلبي في الكافي في الفقه:446،القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في المختلف:690،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:150،و كشف اللثام 2:337،و مفاتيح الشرائع 3:255.
4- المبسوط 8:115،المهذّب 2:585،السرائر 2:158.

له فله أن يفعل فيه ما يرى.

و للفاضل في المختلف و القواعد و الشهيد في الدروس (1)،فالتفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي بكون المقام مقام بينة فالثاني؛ لما مرّ، و جهله بذلك فالأوّل؛ لئلّا يضيع حقه.

و حجج هذه الأقوال غير واضحة،عدا ما استدل للأكثر من أنّ الأمر هنا ليس للوجوب و الإلزام،بل لمجرد إذن و إعلام.

و التحقيق أن يقال:إن قصد المانع عن الأمر بالإحضار في الجملة أو مطلقاً المنع عنه حرمة مطلقاً و لو كان المقصود به الإرشاد و نحوه دون الوجوب،فالحق مع المجوّز؛ للأصل،مع عدم دليل عليها كذلك،و الدليل المتقدم له لا يفيدها،بل مفاده المنع عن الأمر إذا قصد به الوجوب، لا مطلقاً.

و إن قصد المنع عنه كذلك مع قصد الوجوب منه خاصّة لا مطلقاً كما أفاده دليله،فالمنع متوجّه حينئذٍ،إلّا أنّ الظاهر من المجوّز و دليله كما عرفته اختصاص الجواز بما إذا قصد بالأمر الإرشاد و الإعلام،و حينئذٍ فيعود النزاع لفظياً في المقام.

و كيف كان فإذا أحضر المدّعى البيّنة عند الحاكم و عرف عدالتها سمعها و حكم بشهادتها بعد التماس المدّعى سماعها و الحكم بها.

ثم لا يقول لهما:اشهدا؛ لأنّه أمر و هو لا يأمرهما،بل يقول:من كان عنده كلام أو شهادة فليذكر ما عنده إن شاء،فإن أجابا بما لا يثبت به حقّ

ص:71


1- المختلف:690،القواعد 2:209،الدروس 2:77.

طرح قولهما.

و إن قطعا بالحق المدّعى و طابق الدعوى،و عرف العدالة،حكم كما ذكرنا.

و إن عرف فسقهما ترك شهادتهما،و لا يطلب التزكية؛ لأنّ الجارح مقدّم.

و إن جهل حالها طلب من المدّعى تزكيتها،فإن زكّاها بشاهدين أو شاهد أيضاً على قول على كل من الشاهدين يعرفان العدالة و مزيلها أثبتها،ثمّ سأل الخصم من الجرح،فإن اعترف بعدمه حكم كما مرّ.

و إن ادّعاه و استنظر لإثباته أمهله ثلاثة أيّام،فإن أحضر الجارح نظر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل و إجمال و غيرهما،فإن قبله قدّمه على التزكية على التفصيل المتقدّم إليه الإشارة.

و لا خلاف هنا في شيء من ذلك أجده حتى في توقف سؤال البيّنة و الحكم بشهادتها على سؤال المدّعى،لكن في الكفاية و غيرها (1)ذكر فيه الوجهان المتقدم ذكرهما في نظير المسألة.

ثم إنّ إطلاق الأصحاب الإمهال ثلاثة أيام مع الاستنظار يقتضي عدم الفرق بين قول المستنظر:إنّ شهودي على الجرح على مسافة لا يصلون إلّا بعد الثلاثة أيّام و غير ذلك.

قيل:و ينبغي لو عيّن مكاناً بعيداً أن يمهل بقدره إذا لم يؤدّ إلى البعد المفرط الموجب للتضرر بتأخير الحق.

ص:72


1- الكفاية:268؛ مجمع الفائدة 12:150.

و لا بأس به إن لم يثبت الإجماع على خلافه،و في وصية علي(عليه السّلام) لشريح في الخبر المشهور:« و اجعل لمن ادّعى شهوداً غيّباً أمداً بينهما،فإن أحضرهم أخذت له بحقه،و إن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية» (1) فتأمّل . و يستفاد منه أنّه لو لم يحضرها المدّعى بل قال:البيّنة غائبة أُجلّ و ضرب له وقت بمقدار إحضارها بلا خلاف فيه،و في أنّه إن شاء الحاكم خيّره بين الصبر إلى الإحضار و بين إحلافه المنكر،بل ذكر جماعة (2)من دون خلاف بينهم ثبوت الخيار للمدّعي بين إحلافه و بين إقامة البيّنة و لو كانت حاضرة؛ لأنّ الحق له فله أن يفعل ما شاء منهما.

و في جواز تكفيل المدّعى عليه و أخذ الكفيل منه ليحضره متى حضرت البيّنة هنا أي عند غيبة البيّنة و عدم ثبوت الحق بها بعد تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين مجوّز كالشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي في أحد قوليه و ابني حمزة و زهرة (3)،نافياً للخلاف فيه ظاهراً؛ حفظاً لحق المدّعى حذراً من ذهاب الغريم.

و مانع كالإسكافي و الشيخ(رحمه اللّه)في المبسوط و الخلاف و الحلّي

ص:73


1- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 3:88،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:194،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:338.
3- المقنعة:733،النهاية:339،القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في المختلف:690.الوسيلة:212،الغنية(الجوامع الفقهية):626.

و القاضي (1)في قوله الثاني،و عليه أكثر المتأخّرين (2)،بل عامتهم كما في ظاهر المسالك (3)؛ للأصل؛ و كون مثل ذلك عقوبة قبل ثبوت الاستحقاق، مع أنّ الكفيل يلزمه الحق إن لم يحضر المكفول،و هنا لا معنى له قبل إثباته،و لا معنى أيضاً لكون ذلك الحق هنا هو حضور الدعوى و سماع البيّنة،مع أنّه بعد إحضارها إن كان حاضراً،و إلّا يحكم عليه و هو غائب، و يطلب بالحق كسائر الغيّاب.

و لا ريب أنّ الأوّل مع رضا المدّعى عليه أحوط،سيّما مع ما يظهر من الغنية (4)من عدم الخلاف فيه.

مع إمكان المناقشة في أدلّة المنع بمعارضة الأصل بما دلّ على لزوم مراعاة حق المسلم عن الذهاب في نفس الأمر،فيجب التكفيل و لو من باب المقدّمة.

و به يظهر الجواب عن الثاني،فإنّ التكفيل و إن كان ضرراً إلّا أنّ ذهاب الحق أيضاً ضرر آخر،و على الحاكم مراعاة الأقلّ منهما ضرراً،و قد يكون التكفيل أقلّ ضرراً.

و أمّا أنّه لا فائدة في التكفيل قبل إثبات الحق،فمسلّم إن تحقق عدم إمكان إثبات الحق أصلاً في نفس الأمر،و لكنّه غير متحقق بعد احتمال حضور البيّنة و ثبوت الحق بها،فيلزم الكفيل إحضاره أو الالتزام بالحق إن

ص:74


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:690،المبسوط 8:160،الخلاف 6:237،السرائر 2:159،المهذّب 2:586.
2- كالمحقق في الشرائع 4:85،و الشهيد الثاني في الروضة 3:89،و السبزواري في الكفاية:269.
3- المسالك 2:370.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):626.

ثبت و هرب المدعى عليه و لم يكن له مال يقتصّ منه.

و منه يظهر الجواب عن الأخير،فإنّ الحكم عليه و هو غائب غير كاف في التخلّص عن احتمال ذهاب الحق بعد فرض عدم مال له يقتصّ منه و احتمال عدم الوصول إليه ليداعيه،و قياس المقام على إثبات الحق على الغيّب قياس مع الفارق؛ لإمكان التكفيل هنا،و عدمه ثمّة حين غياب الغائب.

فإذاً القول الأوّل لا يخلو عن رجحان إن خيف هرب المنكر و عدم التمكن من استيفاء الحق بعد ثبوته من ماله،و لو لم يخف عن ذلك أمكن ترجيح الثاني.

و بهذا التفصيل صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب،فقال و لنعم ما قال-:و يقوى أنّ التكفيل موكول إلى نظر الحاكم،فإنّ الحكم يختلف باختلاف الغرماء،فإنّ الغريم قد يكون غير مأمون فالمصلحة حينئذٍ تكفيله،و إلّا لزم تضييع حق المسلم،و قد لا يكون كذلك بل يكون ذا ثروة و حشمة و مكنة فلا حاجة إلى تكفيله؛ لعدم ثبوت الحق و الأمن من ضياعه، و ربما كان المدّعى محتالا يكون طلبه للتكفيل وسيلة إلى أخذ ما لا يستحقه (1).

و على القول بالتكفيل فهل يتعيّن في ضرب مدّته ثلاثة أيّام،كما عن ابن حمزة (2)،أو يناط بنظر الحاكم كما هو ظاهر الأكثر؟قولان.

و عليهما يخرج الكفيل من حق الكفالة عند انقضاء الأجل المضروب كائناً ما كان،و لا خلاف فيه على الظاهر،و وجهه مع

ص:75


1- التنقيح الرائع 4:252.
2- الوسيلة:212.

ذلك واضح.

و إن قال المدّعى:أنّه لا بيّنة لي عرّفه الحاكم أنّ له اليمين على خصمه المنكر لحقه،كما أنّ عليه البيّنة عليه،إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،بل المتواترة،منها الخبر المستفيض النقل بين العامّة و الخاصّة:

« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» (1)و لأنه مستند إلى البراءة الأصلية فهو أولى باليمين من المثبت إلّا فيما استثني.

و لا يجوز هنا إحلافه حتى يلتمس المدّعى قولاً واحداً؛ لأنّه حق له و إن كان إيقاعه إلى الحاكم،و ليس هنا شهادة حال؛ إذ ربما تعلق غرضه بعدم سقوط الدعوى بل بقاؤها إلى وقت آخر،إمّا ليتذكر البيّنة،أو ليتحرّى وقتاً صالحاً.

فإن تبرّع المنكر بالحلف أو أحلفه الحاكم من دون سؤاله لغا و لم يعتدّ بها،و أُعيدت مع التماس المدّعى و بعدم الخلاف هنا صرح جماعة من أصحابنا (2).

و ذكر الشهيدان و غيرهما (3)من غير خلاف بينهم أجده،بل ظاهر المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)نسبته إلى الأصحاب كافة (4)أنّه لا يستقل الغريم باليمين من دون إذن الحاكم،لأنّ إيقاعه موقوف على إذنه و إن كان حقاً لغيره؛ لأنّه وظيفته،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يدل عليه.

ثم المنكر إمّا أن يحلف أو يردّه على المدّعى أو ينكل و يأبى

ص:76


1- الاحتجاج:92،علل الشرائع:1/190،تفسير القمي 2:156،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:267،و انظر المفاتيح 3:255.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):85؛ و انظر كشف اللثام 2:337.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:136.

عن الأمرين فإن حلف سقطت الدعوى و إن لم يبرأ ذمّته من الحق في نفس الأمر لو كان كاذباً،بل يجب عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى التخلّص من حق المدّعى،بلا خلاف،كما يستفاد من المعتبرة منها الصحيح و غيره:

« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان،و بعضكم ألحن بحجته من بعض،فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً،فإنّما قطعت له قطعة من النار» (1).

و نحوهما ثالث مروي عن تفسير مولانا العسكري(عليه السّلام)بأدنى تفاوت،و زيد فيه:« فلا يأخذنّه» (2).

و يستفاد منها ثبوت مثل ذلك في جانب المدّعى لو شهدت له البيّنة الكاذبة،و بخصوصه وردت أخبار كثيرة،منها رواية المناهي المشهورة المروية في الفقيه،و فيها:« أنّه نهى عن أكل مال بشهادة الزور» (3).

و لو ظفر له المدّعى بمال لم يجز له المقاصّة بعد إحلاف الحاكم إيّاه بسؤاله،و إن كان له ذلك قبل الإحلاف كما يأتي،و لا مطالبته به، و لا معاودة المحاكمة فلو عاود الخصومة لم تسمع دعواه كلّ ذلك للنصوص المستفيضة:

منها الصحيح:« إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قِبَله،ذهبت اليمين بحقّ المدّعى،و لا دعوى له»

ص:77


1- الكافي 7:1/414،التهذيب 6:552/229،معاني الأخبار:279،الوسائل 27:232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.
2- تفسير الإمام العسكري(عليه السّلام):673،الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 3.
3- الفقيه 4:1/4،الوسائل 27:232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 2.

قلت:و إن كانت له بيّنة عادلة؟قال:« نعم،فإن أقام بعد ما استحلفه باللّه تعالى خمسين قسامة ما كان له حق،فإنّ اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من حلف لكم باللّه فصدّقوه، و من سألكم باللّه تعالى فأعطوه،ذهبت اليمين بحقّ المدّعى،و لا دعوى له» (1).

و الصحيح:عن رجل وقع لي عنده مال و كابرني عليه و حلف،ثمّ وقع له عندي مال،فآخذه لمكان مالي الذي أخذه و جحده و أحلف عليه كما صنع؟فقال:« إن خانك فلا تخنه،و لا تدخل فيما عبته عليه» (2).

و منها:في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده،قال:« إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً،و إن احتسبه عند اللّه تعالى فليس له أن يأخذ شيئاً،و إن تركه و لم يستحلفه فهو على حقه» (3).

و منها:كان بيني و بين رجل من اليهود معاملة،فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف،و قد علمت أنّه حلف يميناً فاجرة، فوقع له عندي بعد ذلك أرباح و دراهم كثيرة،فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده،فأحلف عليها،فكتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) فأخبرته أنّه قد أحلفته فحلف إلى أن قال فكتب:« لا تأخذ منه شيئاً،إن كان ظلمك لا تظلمه،و لو لا أنّك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذه

ص:78


1- الكافي 7:1/417،التهذيب 6:565/231،الوسائل 27:244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:482/113،التهذيب 6:437/197،الإستبصار 3:171/52،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 7.
3- الكافي 7:2/418،الفقيه 3:481/113،التهذيب 6:566/231،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 1.

من تحت يدك،و لكنك رضيت بيمينه،فقد مضت اليمين بما فيها» الخبر (1).

إلى غير ذلك من الأخبار (2)المنجبر قصور أسانيد أكثرها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،كما ستعرفه.

و أمّا الحسن الدال على جواز المقاصّة من المنكر بعد حلفه (3)،فمع ضعفه عن المكافأة لما مرّ سنداً و عدداً و اعتباراً شاذّ،و قد حمله الأصحاب و منهم الصدوق و الشيخ (4)-(رحمهما اللّه) على أنّه حلف من غير استحلاف صاحب الحق.

و هذا كله إجماعي بحسب الظاهر إذا لم يقم بعد إحلافه بيّنة بالحق.

و أمّا لو أقام بعده بيّنة فكذلك لم تسمع على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و نسبه الإسكافي إلى الصادقين(عليهما السّلام) (5)، و في الغنية و عن الخلاف الإجماع عليه (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المتقدمة،فإنّها ما بين صريحة في ذلك كالصحيحة الاُولى،و ظاهرة فيه بالإطلاق أو العموم كالأخبار الباقية.

مع أنّ اليمين حجة للمدّعى عليه كما أنّ البيّنة حجة للمدّعي،فكما لا تسمع يمين المدّعى عليه بعد حجة المدّعى كذلك لا تسمع حجة

ص:79


1- الكافي 7:14/430،التهذيب 6:802/289،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 2.
2- الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83.
3- الفقيه 3:487/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 6.
4- الفقيه 3:114،الاستبصار 3:54.
5- نقله عنه في المختلف:699.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):625،الخلاف 6:293.

المدّعى بعد حجة المدّعى عليه.

و قيل كما عن المفيد و ابن حمزة و القاضي (1):إنّه يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها إلحاقاً لها بالإقرار،فكما يجب الحق به بعد الحلف إجماعاً كما يأتي،يجب بها أيضاً.

و هو بعد تسليم صحته اجتهاد في مقابلة النص الصحيح غير مسموع، و يكون هو الفارق لو سلّم عدم فارق آخر غيره.

و عن التقي و الحلّي و أحد قولي المبسوط (2)التفصيل بين صورتي الإحلاف مع العلم بالبيّنة و الرضا به عنها فالأوّل،و الإحلاف مع نسيانها أو الذهول عنها فالثاني،و مال إليه في المختلف بعد اختياره القول الأوّل، قال:لأنّه طلب الإحلاف لظنّ عجزه عن استخلاص حقه بالبيّنة (3).

و هو كما ترى يرد عليه ما ورد على سابقه من المناقشة بكونه اجتهاداً صرفاً في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة المؤيَّدة بباقي الأخبار المتقدمة.

مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة،بناءً على سقوط الدعوى في مجلس الحلف إجماعاً من المسلمين كافّة،كما ادّعاه جماعة كفخر الدين في الإيضاح (4)،و ابن فهد في المهذب (5)،فيستصحب في محل البحث إلى أن يتحقق صارف،و ليس بمتحقق،و لو لم يكن في المسألة سواه من الأدلة

ص:80


1- حكاه عنهم في المختلف:699،و المهذب البارع 4:473،و هو في المقنعة:733،و الوسيلة:213.
2- حكاه عنهم في المختلف:699 و الدروس 2:88،و هو في المبسوط 8:210،و الكافي في الفقه:447،و السرائر 2:159.
3- المختلف:699.
4- إيضاح الفوائد 4:328.
5- المهذّب البارع 4:472.

لكفانا دليلاً لترجيح القول الأوّل و حجةً.

و هنا قول رابع للشيخ في موضع آخر من المبسوط بالسماع مطلقاً، لم يتعرض لنقله عدا نادر،كالشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة (1)،و لم ينقلا له دليلاً.

و لا ريب في ضعفه،سيّما مع ندرته و عدم معروفيته،و لذا لم يتعرض باقي الأصحاب لنقله.

و لو أكذب الحالف نفسه أو ادّعى سهوه و نسيانه و اعترف بالحق المدّعى كلّاً أو بعضاً جاز للمدّعي مطالبته بما اعترف به، بلا خلاف ظاهر مصرح به في كثير من العبائر،و في المهذب و كلام الصيمري في شرح الشرائع (2)دعوى الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3)السليم هنا عن المعارض عدا ما مرّ من النصوص الدالة على ذهاب اليمين بالدعوى.

و هو بعد تسليم شموله لمحل البحث،مع قوة احتمال عدمه بانصراف الإطلاق بحكم التبادر و غيره إلى غيره مدفوع بأنّ التعارض بينه و بين العموم من قبيل تعارض العمومين من وجه،فيصار إلى الترجيح، و هو في جانب الأوّل بلا ريب بحسب الاعتبار،و عمل الكل به في خصوص المضمار.

و خصوص المعتبرين،في أحدهما:إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً

ص:81


1- الدروس 2:88،المسالك 2:368،الروضة 3:85،و انظر المبسوط 8:158.
2- المهذب البارع 4:474،غاية المرام 4:232.
3- المتقدم في ص 35.

فجحدنيه فحلف لي،ثمّ إنّه جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي استودعته إيّاه،فقال:هذا مالك فخذه،فهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك و مع مالك،و اجعلني في حلّ،فأخذت المال منه و أبيت أن آخذ الربح منه،و أوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك،فما ترى؟ قال:فقال:« خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّله،إنّ هذا رجل تائب و اللّه تعالى يحبّ التوابين» (1).

و ثانيهما الرضوي:« و إذا أعطيت رجلاً مالاً فجحدك و حلف عليه،ثمّ أتاك بالمال بعد مدّة و بما ربح فيه،و ندم على ما كان منه،فخذ منه رأس مالك و نصف الربح،و ردّ عليه نصف الربح،هذا رجل تائب» (2).

و بالأوّل استدل الصدوق في الفقيه على المطلوب هنا،فقال بعد نقل الصحيحة الأُولى-:متى جاء الرجل الذي يحلف على الحق تائباً و حمل ما عليه مع ما ربح فيه فعلى صاحب الحق أن يأخذ منه رأس المال و نصف الربح،و يردّ عليه نصف الربح؛ لأنّ هذا رجل تائب.

و روى ذلك مسمع أبو سيار عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)،و سأذكر هذا الحديث بلفظة في هذا الكتاب في باب الوديعة (3).انتهى.

و على هذا،فلو أنكر الحق عليه ثانياً أو ماطل في أدائه حلّ للمدّعي مقاصّته مع اجتماع شرائط التقاصّ المذكورة في بابه.

و بما حرّرنا يظهر لك ضعف ما يناقش به في الحكم هنا من عدم

ص:82


1- الفقيه 3:882/194،التهذيب 7:793/180،الوسائل 19:89 كتاب الوديعة ب 10 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):252.
3- الفقيه 3:37.

نص فيه،و لا دليل عليه أصلاً،مع كون مقتضى الروايات المتقدمة سقوط الدعوى باليمين مطلقاً.

و قريب منه توهم ضعف الاستدلال بالروايتين على تمام المدّعى، بناءً على أنّ موردهما إنّما هو بذل المديون المال و الإتيان به خاصّة.

و ذلك لانجبار أخصّية المورد بعدم القائل بالفرق بينه و بين غيره.

مع إمكان استفادة التعميم من سياقهما سؤالاً و جواباً بنوع من التدبّر التامّ،فتأمّل جدّاً.

و لو ردّ المنكر اليمين المتوجّهة إليه على المدّعى صحّ و لزمه الحلف،بلا خلاف فيه في الظاهر،مصرح به في جملة من العبائر (1)،و عليه الإجماع في الغنية و غيره (2)،و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.

و قد استثنى الأصحاب من ذلك مواضع ثلاثة،بغير خلاف بينهم فيه أجده،بل نسبه بعض الأصحاب (3)إليهم مؤذناً باتّفاقهم عليه كافّة.

منها:دعوى التهمة.

و منها:دعوى وصي اليتيم مالاً على آخر و أنكر،سواء نكل عن اليمين أو ردّها.

و منها:ما لو ادّعى الوصي على الوارث أنّ الميت أوصى للفقراء بخمس أو زكاة أو حج،أو نحو ذلك ممّا لا مستحق له بخصوصه.

و الوجه في الأوّل واضح،بناءً على أنّ اليمين على الميت و لا يمكن

ص:83


1- مجمع الفائدة 12:137،الكفاية:267.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625؛ و انظر القواعد 2:211.
3- السبزواري في الكفاية:267.

من المدّعى تهمة.

و أما فيما عداه فلعلّه الأصل،و عموم ما دل على لزوم اليمين على المدّعى عليه،مع اختصاص النصوص الآتية التي هي الأصل في أصل المسألة بحكم التبادر بما إذا ثبت باليمين المردودة حق لنفس المدّعى لا لغيره،و بظهور ذلك صرح المقدس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه)-،و وافق القوم على الاستثناء لذلك،و حينئذٍ يلزم على المنكر على تقدير الإنكار إمّا دفع الحق إلى المدّعى،أو اليمين له.

و هل يمين المدّعى بمنزلة البيّنة نفسها؛ لأنّ الحجة اليمين بعد ردّها، و قد وجدت منه؟أو بمنزلة إقرار المنكر؛ لأنّ الوصول إلى الحق جاء من قِبَله بردّه أو نكوله فيكون بمنزلة إقراره؟قولان.

و يتفرع عليهما فروع كثيرة،منها:ثبوت الحق بمجرد يمينه على الثاني،و احتياجه مع ذلك إلى حكم الحاكم على الأوّل؛ لما مرّ.

و اختار المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية (2)الرجوع فيها إلى الأُصول و القواعد،و أنّه يعمل عليها في كل منها من دون أن يجعل أحد القولين أصلاً كليّاً يرجع إليه في جميعها،بل لو اقتضت الأُصول في بعضها ما يوافق أحدهما و في الآخر ما يخالفه عمل بالأصلين معاً.

و هو حسن إن لم يكن في المسألة قولاً ثالثاً يكون للإجماع خارقاً.

و اختارا في الفرع المتقدم عدم التوقف على حكم الحاكم،زعماً منهما كون التوقف عليه مخالفاً للأصل،و أنّ مقتضاه ثبوت الحق من دونه.

و فيه نظر.

ص:84


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:138.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:139،الكفاية:268.

و حيث يتوجه للمنكر ردّها على المدّعى فإن حلف استحق المدّعى؛ لما مضى.

و إن نكل و امتنع عن الحلف،فإن لم يعلّله بشيء،أو قال:

ما أريد أن أحلف، سقطت دعواه و ليس له مطالبة الخصم بعد ذلك، و لا استئناف الدعوى معه في مجلس آخر كما لو حلف المدّعى عليه؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:في رجل يدّعي و لا بيّنة له،قال:

«يستحلفه،فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق» (1).

و منها الموثق كالصحيح،بل قيل (2)صحيح:« إذا أقام المدّعى البيّنة فليس عليه يمين،و إن لم يقم البيّنة،فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى،فلا حق له (3).

و منها:في الرجل يدّعى عليه الحق،و لا بيّنة للمدّعي قال:

«يستحلف،أو يردّ اليمين على صاحب الحق،فإن لم يفعل فلا حقّ له» (4).

و نحوه المرسل المقطوع:« استخراج الحقوق بأربعة وجوه:بشهادة رجلين عدلين،فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان،و إن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعى،و إن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه،فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعى،فهي واجبة عليه أن يحلف،و يأخذ

ص:85


1- الكافي 7:1/416،التهذيب 6:557/230،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 1.
2- قاله السبزواري في الكفاية:268.
3- الفقيه 3:127/37،الوسائل 27:242 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 6.
4- الكافي 7:2/416،التهذيب 6:556/230،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 2.

حقّه،فإن أبى أن يحلف فلا شيء له» (1).

و قصور سنده بالأمرين كما سبقه بالجهالة مجبور بعمل الطائفة.

و لأنّه لولا ذلك لرفع خصمه كلّ يوم إلى القاضي و الخصم يردّ عليه اليمين و هو لا يحلف،فيعظم الخطب.

مع أنّ ذلك إجماعيّ إذا كان في مجلس الحكم،كما صرح به في القواعد و الشرائع (2)،و يظهر أيضاً من تتبع الفتاوى.و إنّما الخلاف و الإشكال في غيره،فقيل:إنّما يسقط حقّه في ذلك المجلس و له تجديده في غيره (3).

و ما ذكرنا أصحّ و أشهر،و عليه عامّة من تأخّر،بل القائل المذكور غير معروف،و مستنده مع ذلك غير واضح،و على تقديره لا يعارض إطلاق النصوص المعتضدة بالأصل و عمل المشهور.

و استثنى من ذلك الشهيدان و بعض من تبعهما (4)ما إذا أتى ببيّنة.

و إطلاق النصوص و الفتاوى يدفع ذلك،إلّا أن يذبّ عنه باختصاصه بحكم التبادر بما إذا لم تكن له بيّنة في نفس الأمر،و انحصر الحجة المثبتة لحقه في يمينه.و لعله غير بعيد.

و إن ذكر لامتناعه سبباً مثل الإتيان بالبيّنة،أو سؤال الفقهاء،أو النظر في الحساب،أو نحو ذلك،ترك و لم يبطل حقّه من اليمين كما في

ص:86


1- الكافي 7:3/416،التهذيب 6:562/231،الوسائل 27:241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.
2- القواعد 2:211،الشرائع 4:80.
3- انظر المبسوط 8:209.
4- الدروس 2:89،الروضة 3:86،و تبعهما الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:257.

المسالك و غيره (1)،و هو حسن،و لا ينافيه إطلاق النصوص؛ لاختصاصه بحكم التبادر بالامتناع الخالي عن ذكر نحو ما ذكر من السبب،فلا يشمل غيره،بل لعلّه لا يعدّ مثله في العرف امتناعاً.

و هل يقدر إمهاله أم لا؟وجهان،أجودهما الثاني عند شيخنا الشهيد الثاني،قال:لأنّ اليمين حقّه،و له تأخيره إلى أن يشاء كالبيّنة فيتمكن من إقامتها متى شاء،و هذا بخلاف المدّعى عليه،فإنّه لا يمهل إذا استمهل؛ لأنّ الحقّ فيه لغيره،بخلاف تأخير المدّعى،فإنّه يؤخّر حقّه فيقبل إذا كان له عذر مسموع (2).و فيه نظر.

و لو نكل المنكر عن اليمين و عن ردّها معاً قال له الحاكم:إن حلفت و إلّا جعلتك ناكلاً،مرّةً وجوباً،و يكرّر ذلك ثلاثاً استظهاراً لا فرضاً، كذا قالوه.

و إن أصرّ،قضى عليه بالنكول و يلزم بحق المدّعى بمجرده، وفاقاً للصدوقين و الشيخين و الديلمي و الحلبي (3)؛ للنبوي المتقدم المستفيض:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (4)فإنّه جعل جنس اليمين في جانب المدّعى عليه،كما جعل جنس البينة في جانب المدّعى،و التفصيل قاطع للشركة،و ردّ اليمين على المدّعى حيث يحكم عليه بها جاء من قبل الردّ لا بأصل الشرع المتلقّى من الخبر.

ص:87


1- المسالك 2:368؛ و انظر المفاتيح 3:257.
2- المسالك 2:368.
3- الصدوق في المقنع:132،و حكاه عن والده في المختلف:695،المفيد في المقنعة:724،الطوسي في النهاية:340،الديلمي في المراسم:231،الحلبي في الكافي في الفقه:447.
4- تقدّم في ص:75.

و للصحيح المشار إليه بقوله: و هو المروي: عن الأخرس كيف يحلف؟قال:« إن أمير المؤمنين(عليه السّلام)كتب له اليمين و غسلها و أمره بشربها،فامتنع،فألزمه الدين» (1).

و ظاهره أنّه لم يردّ اليمين على خصمه،و إلّا لنقل،و لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب،بل عن وقت الحاجة.

مع أنّ قوله:« فألزمه» دالّ على تعقيب الإلزام للامتناع بغير مهلة لمكان الفاء،و هو ينافي تخلّل اليمين بينهما،و فعله(عليه السّلام)حجة كقوله.

و الفرق بين الأخرس و غيره ملغى بالإجماع.

و الخبر:عن رجل يدّعي قِبَل الرجل الحق،و لا يكون له بيّنة بماله، قال:« فيمين المدّعى عليه،فإن حلف فلا حق له،و إن لم يحلف فعليه» (2).

فرتب ثبوت الحق على عدم حلفه،فلا يعتبر معه أمر آخر.و قصور السند بالجهالة مجبور بتلقّي الأصحاب إيّاه بالقبول في غير مورد المسألة، و هو الحكم بثبوت اليمين على المدّعى على الميت مع بيّنته.

و في الجميع نظر،فالأوّل:بعدم دلالته على الحكم بالنكول صريحاً، بل و لا ظاهراً،و إنّما غايته إفادة أنّ جنس اليمين على المنكر،و أنّه وظيفته، و نحن لا ننكره،و ليس فيه دلالة على ذلك بشيء من الدلالات الثلاث بعد ملاحظة أنّ المتبادر منه بيان الوظيفة الشرعية في الأصل و الإبتداء لكل من

ص:88


1- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302،أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
2- الكافي 7:1/415،الفقيه 3:128/38،التهذيب 6:555/229،الوسائل 27:236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

المنكر و المدّعي،و هو لا ينافي ردّ اليمين على المدّعى من باب الردّ،و لو من الحاكم الذي هو نائب المنكر حيث يستعصي و يوقف الأمر على حاله، و يبقى النزاع الموجب للفساد على حاله،لا بأصل الشرع المتلقّى من الخبر،كما اعترف به المستدل في جوابه عن النقض المتقدم.

و بالجملة:إن ارتفع المنافاة بما ذكره في محلّ النقض و دفعه فلترتفع به أيضاً في محل البحث،و عدم قيام دليل على ثبوت الردّ فيه على تقدير تسليمه لا يوجب المنافاة على تقدير ثبوته.

و بالجملة:المقصود من ذلك دفع المنافاة التي هي الأصل و البناء في صحة الاستدلال،و حيث فرض عدمها بالرد في محل البحث أيضاً و لو على تقدير ثبوته،لم يصح الاستدلال بالخبر المذكور على الحكم بالنكول و ردّ القول بالردّ.

و الثاني أوّلاً:بعدم القائل بإطلاقه؛ لأنّ الحكم بالنكول على تقدير القول به مشروط اتفاقاً بالنكول عن كلّ من الحلف و ردّه،و ليس فيه إلّا الإشارة إلى النكول عن الحلف خاصّة دون النكول عن ردّه،فلا بدّ من تقديره،و ليس بأولى من تقدير الردّ على المدّعى و حلفه.

و بالجملة:فلا بدّ من تقدير شيء،و لا قرينة في الخبر على تعيينه، فكما يمكن تقدير ما يوافق الاستدلال كذا يمكن تقدير ما يخالفه،و حيث لا مرجّح فيه للأوّل على الثاني لم يتوجه الاستدلال به،فتأمّل.

و ثانياً:بأنّ لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة و إن كان مسلّماً قبحه، إلّا أنّ الحاجة في الخبر كما يظهر من صدره هو معرفة كيفيّة حلف الأخرس،لا كيفيّة الحكم في الدعوى معه مع نكوله،و لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب لا بأس به،كما قرّر في محله.

ص:89

و ثالثاً:بأنّ الخبر قضية في واقعة،فلا تكون عامّة،فتأمّل.

و رابعاً:بأنّه فرع العمل به في كيفية إحلاف الأخرس،و لم يقل به المشهور و منهم الماتن و غيره ممّن حكم بالنكول و غيره،عدا نادر كما يأتي،فلا يمكنهم الاستناد إليه لإثباته.

و خامساً:بمنافاته على تقدير تسليم دلالته لما سيأتي من إطباق الجمهور على نقل خلافه عن علي(عليه السّلام).

و الثالث:بضعف السند أوّلاً،و تلقّي الأصحاب إيّاه بالقبول جابر لخصوص ما تلقّوه لا جميعاً،كما بيّنت الوجه فيه في رسالة في الإجماع مستقصى.

و ثانياً:باختلاف النسخة فيه،ففي الكافي و التهذيب كما مرّ،و في الفقيه بدل محل الاستدلال و هو قوله:« و إن لم يحلف فعليه» بقوله:« و إن ردّ اليمين على المدّعى فلم يحلف فلا حق له» و عليه فلا دلالة فيه على الحكم،و اختلاف النسخة موجب لتزلزل الرواية،و إن رجّحت النسخة الأُولى بتعدد النقلة.

و ثالثاً:بضعفه دلالة بما ضعّفنا به الصحيحة المتقدمة من عدم القائل بإطلاقه،فلا بدّ من تقييده إمّا بالنكول عن الردّ،كما هو مناط الاستدلال.

أو بما إذا ردّ اليمين على المدّعى و حلف،و ليس بمرجوح بالإضافة إلى الأوّل،كما مرّ.

و رابعاً:بإجمال مرجع الضمير في عليه و المبتدأ المقدر،فكما يحتمل المنكر و يكون المبتدأ المقدر الحق،كذا يحتمل المدّعى و يكون المقدر الحلف،أو المنكر و يكون الحق المقدر غير المال بمعنى الدعوى، و يكون كناية عن عدم انقطاع الدعوى عنه بمجرد نكوله،فلا يحسبه مفرّاً

ص:90

عنها،بل هي عليه باقية،و ربما أوجب عليه المدّعى بعد إتيان المدّعى باليمين المردودة عليه.

و خامساً:بأنّ في ذيله ما يؤيّد القول الآتي،بل و ربما يستدل عليه به،و هو قوله(عليه السّلام):« و لو كان» أي المدّعى عليه« حيّاً لأُلزم باليمين،أو الحق،أو يُردّ اليمين عليه» بصيغة المجهول،كما هو في التهذيب (1)المعتبر المصحح عندي مضبوط،و به صرح بعض الفضلاء (2)أيضاً.

و وجه التأيّد ظاهر؛ إذ العدول عن قول:أو ردّ اليمين،أو يَردّ، بصيغة المعلوم إلى المجهول لا وجه له بحسب الظاهر غير التنبيه على عدم انحصار الرادّ في المنكر و إمكان كونه غيره،و ليس إلّا الحاكم.

و سادساً:بقوة احتماله كغيره على تقدير تسليمه الحمل على التقية؛ لكونه مذهب جماعة من العامّة،كما سيأتي إليه الإشارة،و منهم أبو حنيفة، و رأيه مشتهر بينهم،بل و أكثرهم عليه في الأزمنة السابقة و اللاحقة.

و لعلّ ما ذكرناه من وجوه النظر في هذا الخبر عدا الأخير منها هو الوجه في عدم استدلال أكثر الأصحاب به لهذا القول في محلّ البحث.

و قيل:يَردّ الحاكم اليمين على المدّعى من باب نيابته العامّة فإن حلف ثبت حقه،و إن نكل بطل و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً لكثير من القدماء كالإسكافي و الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي و ابن زهرة و ابن حمزة و أكثر المتأخرين (3)،عدا الماتن هنا و في الشرائع و شيخنا الشهيد

ص:91


1- راجع ص:87.
2- انظر مجمع الفائدة 12:145.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:695،المبسوط 8:212،الخلاف 6:290 293،الحلّي في السرائر 2:180،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):626،ابن حمزة في الوسيلة:229؛ كشف الرموز 2:501.

الثاني و بعض من تبعه (1)،مع تردّد ما للماتن و شيخنا.

و بالجملة:لا ريب في شهرة هذا القول بين المتأخّرين،بل عليه عامتهم كما يظهر من المسالك (2)،و عن الخلاف و في الغنية الإجماع عليه (3)،و في السرائر (4)أنّه مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية (5)،و قد رجع عنه في الخلاف و المبسوط (6)،و ظاهره أيضاً الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل الدال على براءة ذمّة المنكر عن الحق المدّعى عليه،و عدم ثبوته عليه بمجرد نكوله؛ لاحتمال كونه لاحترام اليمين لا الإذعان بثبوت الحق و لزومه،فلا يخرج عنه إلّا بدليل قائم على إثباته عليه بمجرده.

و الجواب عنه بقيام الدليل على ذلك كما مرّ ضعيف،يظهر وجهه لمن تأمّل الأجوبة عنه التي تقدمت و فيها نظر.

و قريب منه الجواب عن الإجماع بوجود المخالف من نحو المفيد و غيره (7)؛ لضعفه أوّلاً:بابتنائه على أُصول العامّة في الإجماع حيث جعلوه مجرد الوفاق،و لا يتم على ما عليه الأصحاب من أنّه هو الاتفاق الكاشف عن قول الإمام(عليه السّلام)،و لو كان في اثنين و خلى عنه مائة مطلقاً كائناً من

ص:92


1- الشرائع 4:76،الروضة 3:87؛ المفاتيح 3:257.
2- المسالك 2:369.
3- الخلاف 6:290 292،الغنية(الجوامع الفقهية):626.
4- السرائر 2:180.
5- النهاية:340.
6- المبسوط 8:212.
7- المقنعة:724؛ و انظر المراسم:231،و الكافي في الفقه:447.

كانوا.

نعم لو بلغ المخالف في الكثرة حد الشهرة أمكن القدح فيه بالوهن لنا الموجب للمرجوحية،أو الخروج عن الحجية،و ليس في المسألة بلا شبهة.

و ثانياً:بعدم صراحة كلامهم في المخالفة؛ لاحتماله الحمل على ما حمل عليه الحلّي (1)كلام النهاية من أنّ المراد بقوله:لزمه الحق،يعني أنّ بنكوله صارت اليمين على المدّعى،بعد أن كانت له،و كل من كانت عليه فهو أقوى من صاحبه،و القول قوله مع يمينه،لا أنّه بمجرد النكول يقضي الحاكم عليه بالحق،من دون يمين خصمه.

و ربما يشير إلى قرب حمله النظر في كلام الغنية (2)،حيث ادّعى على المختار صريحاً إجماع الإماميّة،و مع ذلك قال فيما بعد ذلك بورقة:و إن نكل المدّعى عليه عن اليمين،ألزمه الخروج عن حق خصمه ممّا ادّعاه، فتدبّر،هذا.

مع التأيّد بكثير ممّا ذكره الجماعة (3)دليلاً لهذا القول و حجة، و لا فائدة لذكرها بعد قوّة إمكان المناقشة فيها،و بسببها لا يمكن أن يتخذ حجة،لكنها للتأييد كما عرفت صالحة،هذا.

مضافاً إلى ما في المختلف و غيره (4)من نسبة الجمهور هذا القول إلى مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)،و إطباقهم على النسبة يدفع عنهم توهم الكذب

ص:93


1- السرائر 2:180.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625 626.
3- راجع ص:91.
4- المختلف:695؛ و انظر التنقيح الرائع 4:255.

و نحوه،سيّما مع مخالفة جمع منهم له،فيكون ذلك حجة قويّة مؤيّدة بما حكاه شيخنا في حاشيته على كتابه المسالك من أنّ هذا القول مذهب الشافعي و مالك،و الأوّل قول أبي حنيفة و أحمد،و موافقة الشافعي للإمامية في أكثر الفروع مشهورة غير مستورة،و أبو حنيفة بطرف الضد من ذلك، و الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب،فتدبّر.

و مع ذلك فهذا القول أحوط أيضاً لو بذل المدّعى اليمين؛ لثبوت الحق عليه حينئذٍ إجماعاً.

و أمّا مع عدم بذله لها و نكوله عنها فتصور الاحتياط في هذا القول مشكل،و إن أطلق جماعة (1)كونه أوفق بالاحتياط؛ لأنّ المدّعى بنكوله عن اليمين بعد ردّها عليه يوجب سقوط حقه،و عدم جواز مطالبة المنكر بشيء، و هو لا يوافق القول الأوّل لإثبات الحق فيه على المنكر بنكوله على الإطلاق.

و الاحتياط عبارة عن الأخذ بالمتفق عليه المتيقّن،و الأخذ بهذا القول فيما فرضناه ليس كذلك قطعاً،لاحتمال كون الحق مع القول الأوّل،فلو عمل بهذا القول لذهب حق المدّعى لو كان.

و على القول الأوّل لو بذل المنكر اليمين بعد الحكم عليه من الحاكم بالنكول لم يلتفت إليه بلا خلاف فيه و في عدم الالتفات إليه أيضاً بعد إحلاف الحاكم المدّعى على القول الثاني؛ لثبوت الحق عليه بذلك فيستصحب إلى تيقّن المسقط،و ما دلّ على السقوط بيمينه مختص بحكم التبادر و غيره بيمينه قبل الحكم عليه بنكوله،أو إحلاف المدّعى بردّ الحاكم اليمين عليه،أو ردّه في غير صورة نكوله.

ص:94


1- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:501 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:148 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.

هذا إذا كان الحكم عليه بنكوله بعد عرض حكمه عليه و لو مرّة.

و لو قضى بنكوله من غير عرض فادّعى الخصم الجهل بحكم النكول ففي نفوذ القضاء إشكال:من تفريطه،و ظهور عذره،و لعلّ الثاني أظهر، و بالأصل أوفق.

و لو بذلها قبل حلف المدعي فالأقرب جوازه،و لو منعناه فرضي المدّعى بيمينه قيل:فله ذلك (1).

و اعلم أنّ المستفاد من عبائر الأصحاب عدا الماتن هنا عدم الالتفات إلى اليمين المبذولة بعد النكول لا بعد الحكم به،و هو مشكل،و لذا اعترضهم المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)فقال:هو فرع ثبوت الحق بالنكول فوراً، و لا دليل عليه (2).

و هو حسن إلّا أنّ احتمال مسامحتهم في التعبير و إرادتهم ما هنا قائم، فتأمّل .

و اعلم أنّه لا يستحلف المدّعى مع بيّنته المرضية بغير خلاف أجده،و به صرح في عبائر جماعة (3)،و عن الخلاف الإجماع عليه (4)، و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح (5)و غيره (6):عن الرجل يقيم البيّنة على حقه،هل عليه أن

ص:95


1- قاله في المسالك 2:368.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:149.
3- انظر المسالك 2:369،و كشف اللثام 2:338،و المفاتيح 3:258.
4- الخلاف 6:236.
5- التهذيب 6:558/230،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.
6- الكافي 7:1/417،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ذيل الحديث 1.

يستحلف؟قال:« لا».

و نحوهما الموثق (1)القريب منه بفضالة عن أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنهما (2).

و أمّا الخبر المخالف لذلك (3)فمع قصور سنده و شذوذه محمول:إمّا على ما إذا اشتبه عليه صدق البيّنة كما قيل (4)،و فيه نظر.أو على الاستحباب إن بذل المدّعى اليمين،أو مطلقاً.

و كيف كان فلا ريب في الحكم إلّا في الشهادة ب الدين على الميت فإنّ المدّعى مع بيّنته عليه يستحلف على بقائه في ذمّته استظهاراً بغير خلاف في الظاهر،مصرح به في كثير من العبائر (5)،و في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري الإجماع عليه (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح:أو تقبل شهادة الوصي بدين على الميت مع شاهد آخر عدل؟فوقّع(عليه السّلام):« نعم،من بعد يمين» (7).

و في الثاني المتقدم صدره:« فإن كان المطلوب بالحق قد مات، فأُقيمت عليه البيّنة،فعلى المدّعى اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو،لقد مات

ص:96


1- التهذيب 6:559/230،الوسائل 27:243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.
2- انظر رجال الكشي 2:830/673.
3- الكافي 7:1/412،الفقيه 3:28/8،التهذيب 6:541/225،الوسائل 27:244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 4.
4- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.
5- الكفاية:267،المفاتيح 3:258.
6- المسالك 2:369،الروضة 3:104،غاية المرام 4:233.
7- الكافي 7:3/394،الفقيه 3:147/43،التهذيب 6:626/247،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 28 ح 1.

فلان،و أنّ حقّه لعليه،فإن حلف،و إلّا فلا حق له،لأنّا لا ندري،لعلّه أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها،أو بغير بيّنة قبل الموت،فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة،فإن ادّعى و لا بيّنة فلا حقّ له؛ لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ،و لو كان حيّاً لأُلزم اليمين،أو الحقّ،أو يردّ عليه،فمن ثمّ لم يثبت له عليه حق» (1).

و قصور السند مجبور بالاعتبار و العمل.

و في تعدّي الحكم إلى ما يشارك مورد الفتوى و النص،كالدعوى على الطفل و الغائب و المجنون قولان،الأوّل مختار الأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (2)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور (3)؛ لمشاركتهم للميّت في العلّة المومأ إليها في النص،فيكون من باب اتحاد طريق المسألتين،أو منصوص العلّة.

و فيه:أنّ العلّة المومَأُ إليها احتمال توفية الميت قبل الموت،و هي في محل البحث غير حاصلة،و إن حصل مثلها،و التعدّي بمثله قياس فاسد في الشريعة،و مورد الرواية أقوى من الملحق به؛ لليأس منه بالكلية دونه،فإنّ لهم لساناً يرتقب جوابه و هم باقون على حجتهم.

خلافاً للماتن في الشرائع فاختار الثاني (4)،و نقله في الكفاية عن جماعة (5)و عدّ منهم العلّامة،مع أنّه قد اختار الأوّل في الإرشاد

ص:97


1- المتقدم في ص:87.
2- المسالك 2:370؛ الكفاية:268.
3- غاية المرام 4:233.
4- الشرائع 4:76.
5- الكفاية:269.

و القواعد (1)،و وجه لزوم الاقتصار فيما خالف النصوص المتقدمة الدالة على أنّه لا يمين مع البيّنة على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

و منه يظهر وجه ما في التنقيح و المسالك من اختصاص الحكم في الميت بما إذا كان المدّعى عليه ديناً،فلو كانت الدعوى عيناً في يده بعارية أو غصب دفعت إليه مع البيّنة من غير يمين (2).

و فيه نظر،فإنّ المورد و إن اختص بالدين إلّا أنّ مقتضى التعليل المنصوص و هو الاستظهار العموم.

و ربما وجّه ما فيهما من الفرق و ثبوت اليمين في الدين خاصّة باحتمال الإبراء منه و غيره من غير علم الشهود،بخلاف العين فإنّ ملكها إذا ثبت استصحب.

و يضعف بأنّ احتمال تجدّد نقل الملك ممكن في الحالين، و الاستظهار و عدم اللسان آتٍ فيهما،فالأجود اعتبار اليمن مطلقاً،وفاقاً لإطلاق بعض العبائر،و ظاهر شيخنا في الروضة (3).

قيل (4):و من لم يوجب اليمن فيها أي في الدعوى على الطفل و نحوه أوجب تكفيل القابض استظهاراً،و كذا مع القول باليمين إذا تعذّرت،و في الخبر الوارد في الحكم على الغائب:« و يكون الغائب على حجته إذا قدم،و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً» (5).

ص:98


1- الإرشاد 2:145،القواعد 2:210.
2- التنقيح 4:256،المسالك 2:370.
3- الروضة 3:105.
4- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:258.
5- الكافي 5:2/102،التهذيب 6:413/191،الوسائل 27:294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.
السكوت

و أمّا السكوت:فإن كان لدهش أزاله الحاكم بالرفق و الإمهال، و إن كان لغباوة و سوء فهم توصّل إلى إزالته بالتعريف و البيان،و إن كان لآفة بدنيّة من صمم،أو خرس توصّل إلى معرفة جوابه من إقراره أو إنكاره بالإشارة المفهمة للمطلوب باليقين.

و لو افتقر إلى مترجم عارف بجوابه لم يقتصر على العدل الواحد بل لا بدّ من عدلين كما قالوه (1)؛ تحصيلاً للأقرب إلى اليقين.

و لو كان سكوته عناداً ألزمه الجواب أوّلاً باللطافة و الرفق،ثمّ بالإيذاء و الشدّة،متدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فإن أجاب،و إلّا حبسه حتّى يجيب إن سأله المدّعى كما في اليمين،وفاقاً للمفيد و الديلمي و النهاية و الخلاف و ابن حمزة (2)،و المتأخّرين كافة على الظاهر المصرح به في المسالك و الكفاية (3)؛ لأنّ الجواب حقّ عليه،فيجوز حبسه لاستيفائه عنه.

و في الشرائع و التحرير أنّ به رواية (4)،قيل (5):و لعلّها قوله(عليه السّلام):

« ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه» (6)بناءً على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصة.

و قيل:يجبر حتى يجيب من غير حبس،بل يضرب و يبالغ في

ص:99


1- القواعد 2:209 الروضة 3:93،الكفاية:269.
2- المفيد في المقنعة:725،الديلمي في المراسم:230،النهاية:342،الخلاف 6:238،ابن حمزة في الوسيلة:212.
3- المسالك 2:370،الكفاية:269.
4- الشرائع 4:77،التحرير 2:187.
5- انظر كشف اللثام 2:338.
6- المتقدم في ص 65.

الإهانة إلى أن يجيب.

و مستنده غير واضح عدا ما استدل له من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و فيه نظر،فإنّهما يحصلان أيضاً بالأوّل،فلا وجه للتخصيص به، سيّما مع رجحان مقابله بما مرّ من الخبر المنجبر قصوره بفتوى الأكثر،و بما مرّ من النصوص الكثيرة الدالة على حبس أمير المؤمنين(عليه السّلام)الغريم باللّي و المطل،من دون أن يحصّل الحق منه بالجبر و الضرب (1)،هذا.

مع أنّ القائل بهذا القول غير معروف،و إنّما ذكره الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد (2)قولاً:و لم يذكروا له قائلاً.

و عن المبسوط أنّه يقول له الحاكم ثلاثاً:إن أجبت و إلّا جعلتك ناكلاً،و رددت اليمين على خصمك (3)،و اختاره الحلّي (4)،و قوّاه بعض المتأخّرين،قال:لأنّ السكوت عن الجواب هو النكول،بل أقوى منه،فإنّ النكول معه إنكار و امتناع من الحق و عدم الحلف و عدم الردّ؛ فإذا صحّ الحكم حينئذٍ يصح مع عدم الجواب؛ لأنّه إمّا مقرّ،أو منكر،فنهاية ما يصير أن يكون منكراً،و لم يحلف و لم يردّ،و جميع أدلة الحكم بالنكول و الردّ جار فيه (5).

و فيه نظر؛ لمنع كونه إمّا مقرّاً،أو منكراً؛ لأنّ هنا احتمالاً ثالثاً أشار إليه هو أيضاً فيما بعد معترضاً على الحلّي،و هو أنّه قد يكون أدّى الحق

ص:100


1- الوسائل 18:418 كتاب الحجر ب 7.
2- الشرائع 4:77،التحرير 2:187،القواعد 2:209.
3- المبسوط 8:160.
4- السرائر 2:163.
5- مجمع الفائدة 12:170.

و لم يكن منكراً يلزمه اليمين،و لا مقرّاً يلزمه الحق،فيسكت عن الإنكار لعدم صحته،و عن الإقرار لإلزامه بالمقرّ به،مع عدم البيّنة على أدائه.

و ما أجاب به عنه من أنّه إن قدر على الإثبات يفعل،و إلّا يورّي، مع أنّه قد أدخل الضرر على نفسه إن كان ترك الإشهاد على الوجه الشرعي في الأداء منظور فيه،أوّلاً:باحتمال عدم تمكنه من الإثبات بموت الشهود،و لا من التورية،إمّا لعدم علمه بشرعيتها،أو لعدم اهتدائه إلى طريق معرفتها.

و ثانياً:بمخالفة الحكم بالنكول بمجرده أو بعد ردّ اليمين إلى المدّعى الأصل،فلا يجوز إلّا بعد قيام دليل شرعي،و ليس قيامه بجلي مطلقاً و لو قلنا بأنّ السكوت نكول،فإنّ كلية الكبرى ممنوعة؛ إذ لا دليل عليها مطلقاً حتى في صورة النكول بعد الإنكار إلّا الإجماع،فإنّه الذي أجاز لنا ثمة الحكم على المنكر بعد إحلاف المدّعى،و لولاه لتوقفنا فيه بلا شبهة،و هو مفقود في المسألة كما هو واضح.

سيّما مع إطباق المتأخّرين كافّةً كما عرفته على اختيار القول الأوّل، فدعواه أنّ جميع أدلة الحكم بالنكول و الردّ جار فيه غير واضحة،بل لعلها ممنوعة.

فإذاً القول الأوّل في غاية القوة،سيّما مع دعوى جماعة (1)أنّ به رواية،و ظاهرهم كونها نصّاً في حكم المسألة،و هي و إن لم نظفر بها كما صرح به آخرون (2)،إلّا أنّ غايتها حينئذٍ أن تكون مرسلة،فتجبر كاحتمال

ص:101


1- راجع ص 99.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:370،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:170،و السبزواري في الكفاية:269،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:254.

قصور الدلالة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلها إجماع في الحقيقة.

مضافاً إلى الاعتضاد بما قدمناه من الرواية النبوية،و ما أشرنا إليه بعدها من النصوص الكثيرة.

المقصد الثالث في كيفية الاستحلاف

اشارة

المقصد الثالث:

في بيان كيفية الاستحلاف و ما ينعقد به اليمين الموجبة للحق من المدّعى و المسقطة للدعوى من المنكر.

و اعلم أنّه لا يستحلف أحد إلّا باللّه تعالى و أسمائه الخاصّة به و لو كان الحالف كافراً كما في النصوص المستفيضة المتقدمة جملة منها،و غيرها من الإجماعات المستفيضة في كتاب الأيمان و النذور.

بقي منها ما دلّ على عموم الحكم للكافر بالخصوص،و هي أيضاً مستفيضة،ففي الصحيح:« لا يحلف اليهودي و لا النصراني و لا المجوسي بغير اللّه تعالى،إنّ اللّه تعالى يقول وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [1] (1)» (2).

و فيه:عن أهل الملل كيف يستحلفون؟فقال:« لا تحلّفوهم إلّا باللّه تعالى» (3).

و في الموثق كالصحيح:هل يصلح لأحد أن يحلف أحداً من اليهود

ص:102


1- المائدة:49.
2- الكافي 7:4/451،التهذيب 8:1013/278،الإستبصار 4:131/39،الوسائل 23:265 كتاب الأيمان ب 32 ح 1.
3- الكافي 7:1/450،التهذيب 8:1016/279،الإستبصار 4:134/40،الوسائل 23:266 كتاب الأيمان ب 32 ح 3.

و النصارى و المجوس بآلهتهم؟فقال:« لا يصلح لأحد أن يحلف إلّا باللّه تعالى» (1).إلى غير ذلك من النصوص،و ظاهرها كالفتاوى الاكتفاء في الحلف بلفظ الجلالة مطلقاً.

خلافاً للمبسوط (2)في المجوسي،فلم يجوّز في إحلافه الاقتصار على لفظ الجلالة،نظراً إلى اعتقاده أنّ النور إله،فيحتمل إرادته إيّاه من الإله المعرّف،فلا يكون حالفاً باللّه تعالى،و أوجب لذلك أن يضم إليه ما يزيل الاحتمال.كخالق النور و الظلمة إماطة لتأويله.

و هو مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص المعتبر شاذّ،كما صرح به بعض الأصحاب (3)،و لكن أفتى به الشهيد في الدروس (4)،و مال إليه فخر الدين محتجاً بأنّه يجب الجزم بأنّه حلف،و لا يحصل الجزم بذلك (5).

و هو أحوط،و إن كان في تعيينه نظر؛ لضعف الحجة بأنّ الجزم المعتبر هو العلم بكونه قد أقسم باللّه تعالى الذي هو المأمور به شرعاً،أمّا مطابقة قصده للفظه فليس بشرط في صحة اليمين.

قيل:و من ثم كانت النيّة نيّة المحلف إذا كان محقاً لا الحالف،و هو دليل على عدم اعتبار مطابقة القصد للّفظ (6).

و مقتضى النصوص المتقدمة و الإجماعات المنقولة أنّه لا يجوز

ص:103


1- الكافي 7:2/451،التهذيب 8:1015/279،الإستبصار 4:133/39،الوسائل 27:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 5.
2- المبسوط 8:205.
3- و هو الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:265.
4- الدروس 2:96.
5- إيضاح الفوائد 4:335.
6- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:371.

الإحلاف بغير أسمائه سبحانه،كالكتب المنزلة،و الرسل المعظمة، و الأماكن المشرفة،مضافاً إلى خصوص المعتبرة،ففي الصحيحين:« إنّ للّه عزّ و جلّ أن يقسم من خلقه بما يشاء،و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» (1).

و قيل بالكراهة (2).

و على التقديرين فلا اعتداد به في إثبات الحق مطلقاً،عملاً بإطلاق الأدلة المتقدمة.

و لكن ذكر الماتن و قبله الشيخ في النهاية و جماعة (3)أنّه إن رأى الحاكم إحلاف الذميّ بل مطلق الكافر كما قيل (4) بما يقتضيه دينه كونه أردع و أكثر منعاً له عن الباطل إلى الحق من الحلف باللّه عزّ و جلّ جاز له إحلافه به،عملاً برواية السكوني:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)استحلف يهوديّاً بالتوراة التي أُنزلت على موسى(عليه السّلام)» (5).

و هو كما ترى؛ لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى،مع ضعفها في نفسها على المشهور بين أصحابنا (6)،و كونها قضية في واقعة لا عموم فيها،و لذا خصها الشيخ في التهذيب (7)بالإمام(عليه السّلام)كما هو

ص:104


1- الأوّل في:الفقيه 3:1120/236،الوسائل 23:259 كتاب الأيمان ب 30 ح 1. و الثاني في:الكافي 7:1/449،التهذيب 8:1009/277،الوسائل 23:259 كتاب الأيمان ب 30 ح 3.
2- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:371.
3- النهاية:347؛ و انظر المهذّب 2:589،و الوسيلة:228،و اللمعة(الروضة البهية 3):95.
4- انظر المسالك 2:371.
5- الكافي 7:3/451،التهذيب 8:1019/279،الإستبصار 4:135/40،الوسائل 23:266 كتاب الأيمان ب 32 ح 4.
6- انظر المفاتيح 3:265،و مرآة العقول 24:335 و الكفاية:270.
7- التهذيب 8:279.

موردها،مع احتمال كون الحلف بالتوراة فيها مع ضميمة الحلف باللّه تعالى للتأكيد و التشديد و نحوهما.

و أيّدها الشيخ في الاستبصار (1)بالصحيحين في أحدهما:عن الأحكام،فقال:« في كل دين ما يستحلفون» (2)كما في نسخة،أو « يستحلّون» كما في أُخرى.

و في الثاني:« قضى عليّ(عليه السّلام)فيمن استحلف أهل الكتاب يمين صبرٍ:أن يستحلف بكتابه و ملّته» (3).

و فيهما نظر:لجواز أن يكون المراد بالأوّل أنّه يمضى عليهم حكمه إذا حلفوا عند حاكمهم،كما أنّه يجرى عليهم أحكام عقودهم،و يلزم عليهم ما ألزموا به أنفسهم.

و احتمال رجوع الضمير في الثاني إلى الموصول،أو كون ذلك بعد ضمّ اليمين باللّه تعالى.

و بالجملة:القول الأوّل أظهر،و لكن الجمع بينهما أحوط.

و يستحب بلا خلاف للحاكم تقديم العظة على اليمين لمن توجّهت إليه،و التخويف من عاقبتها بذكر ما ورد فيها من الآيات و الروايات المتضمنة لعقوبة الحلف كاذباً.

و يجزيه أي الحالف أن يقول في يمينه: و اللّه ما له قِبَلي كذا بلا خلاف عملاً بالإطلاق.

ص:105


1- الاستبصار 4:40.
2- التهذيب 8:1017/279،الإستبصار 4:136/40،الوسائل 23:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 7.
3- التهذيب 8:1018/279،الإستبصار 4:137/40،الوسائل 23:267 كتاب الأيمان ب 32 ح 8.

و في النبوي:« من حلف باللّه تعالى فليصدق،و من حلف له باللّه تعالى فليرض،و من لم يرض فليس من اللّه» (1).

و يجوز للحاكم بل يستحب كما هو المشهور تغليظ اليمين عليه بالقول ك:و اللّه الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب و الشهادة،الرحمن الرحيم،الطالب الغالب،الضارّ النافع،المهلك المدرك،الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية،كما في الصحيح المتضمن لإحلاف الأخرس (2).

و الزمان كالجمعة و العيدين و بعد الزوال و العصر و نحو ذلك.

و المكان كالكعبة و الحطيم و المقام و المسجد الحرام و الحرم و الأقصى تحت الصخرة و المساجد في المحراب.

و هو ثابت في الحقوق كلها و إن قلّت استظهاراً،عدا المال فإنّه لا تغليظ فيه لما دون نصاب القطع بلا خلاف في شيء من ذلك.

قيل:لأنّ التغليظ مظنّة رجوع الحالف إلى الحق خوفاً من عقوبة العظيم،و على تقدير جرأته عليه كاذباً مظنّة مؤاخذته،حيث أقدم على الحلف به مع إحضار عظمته و جلالته و انتقامه في الموضع الشريف و الزمان الشريف اللذين هما محل الاحترام (3).

و في الخبر المروي في الوسائل عن قرب الإسناد:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان

ص:106


1- الكافي 7:1/438،التهذيب 8:1040/283،عقاب الأعمال:228،الوسائل 23:211 أبواب الأيمان ب 6 ح 1.
2- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
3- قاله في المسالك 2:371.

يستحلف اليهود و النصارى في بيعهم و كنائسهم،و المجوس في بيوت نيرانهم،و يقول:شددوا عليهم احتياطاً للمسلمين» (1).

و في المرسل:« لا يحلف أحد عند قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)على أقلّ ممّا يجب فيه القطع» (2).

قالوا:و لو امتنع الحالف من الإجابة إلى التغليظ لم يجبر،و لم يتحقق بامتناعه نكول (3)؛ لما مرّ من أنّ« من حلف له باللّه فليرض».

و الظاهر من النص و الفتوى اختصاص استحباب التغليظ في حق الحاكم دون الحالف،بل التخفيف في جانبه أولى؛ لأنّ اليمين مطلقاً مرغوب عنها،فكلّما خفّفت كان أولى.

و في الخبر« إذا ادّعى عليك مال،و لم يكن له عليك (4)،فأراد أن يحلفك،فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطه و لا تحلف،و إن كان أكثر من ذلك فاحلف،و لا تعطه» (5).

و في آخر:حدثني أبو جعفر(عليه السّلام):« إنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج» إلى أن قال:« فقضى لأبي أنّه طلّقها،فادّعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه،فقال له أمير المدينة:يا علي إمّا أن تحلف،و إمّا أن تعطيها،فقال:يا بني!قم فأعطها أربعمائة دينار،فقلت له:يا أبت!جعلت فداك،أ لست محقاً؟!قال:بلى يا بني!و لكنّي أجللت

ص:107


1- قرب الإسناد:284/86،الوسائل 23:268 كتاب الأيمان ب 32 ح 11.
2- التهذيب 6:855/310،الوسائل 27:298 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 29 ح 1.
3- المسالك 2:371،الكفاية:270،المفاتيح 3:266.
4- في« ح» و« س» زيادة:بيّنة.
5- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 كتاب الأيمان ب 3 ح 1.

اللّه تعالى أن أحلف يمين صبر» (1).

و يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة لليمين،على الأشهر المصرح به في كلام جمع كالمهذب و التنقيح و شرح الشرائع للصيمري و المسالك و الكفاية و غيرها من كتب الجماعة (2)فاختاروه أيضاً،معلّلين بأنّ الشارع أقام إشارته مقام تلفظه في سائر أُموره.

و قيل كما عن الشيخ في النهاية (3):إنّه يوضع يده مع ذلك على اسم اللّه سبحانه في المصحف إن حضر،و إن لم يحضر فعلى اسمه المطلق.

و مستنده مع شذوذه و مخالفة الأصل و ما دلّ على قيام إشارته مطلقاً مقام تلفظه غير واضح.

و قيل كما عن ابن حمزة خاصّة (4):إنه يكتب اليمين في لوح و يغسل و يؤمر بشربه بعد إعلامه فإن شرب كان حالفاً،و إن امتنع أُلزم الحق.

للصحيح:عن الأخرس،كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين و لم يكن للمدعي بيّنة؟فقال:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام)» لما ادّعي عنده على أخرس من غير بيّنة:« الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأُمّة جميع ما تحتاج إليه،ثم قال:ائتوني بمصحف،فاُتي به،فقال للأخرس، ما هذا؟فرفع رأسه إلى السماء،و أشار أنّه كتاب اللّه عزّ و جلّ،قال:ائتوني

ص:108


1- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 كتاب الأيمان ب 2 ح 1.
2- المهذّب البارع 4:478،التنقيح 4:257،غاية المرام 4:238،المسالك 2:372،الكفاية:270؛ و انظر إيضاح الفوائد 4:336،و مجمع الفائدة 12:185.
3- النهاية:347.
4- الوسيلة:228.

بوليّه،فأتي بأخ له و أقعده إلى جنبه،ثمّ قال:يا قنبر،عليَّ بدواة و صحيفة،فأتاه بهما،ثمّ قال لأخ الأخرس:قل لأخيك هذا بينك و بينه إنّه علي(عليه السّلام)،فتقدم إليه بذلك،ثمّ كتب أمير المؤمنين(عليه السّلام):و اللّه الذي» إلى آخر ما مرّ في كيفية اليمين المغلظة« إنّ فلان بن فلان المدّعى ليس له قِبَل فلان بن فلان يعني الأخرس حقّ،و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا سبب من الأسباب،ثمّ غسله،و أمر الأخرس أن يشربه،فامتنع،فألزمه الدين» (1).

و نفى عنه البعد الفاضل المقداد في شرح الكتاب،قال:فإنّ الإشارة لا تنافيه،بل هذا من أحد جزئيّاتها (2).

و فيه بعد تسليم كونه أحد جزئيّاتها أنّ ظاهر هذا القول المحكي في العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة تعيّن إحلافه بعين ما في العبارة، و ما نفى عنه البعد إنّما هو جوازه من حيث كونه أحد أفراد الإشارة لا تعيّنه، و لعله لا خلاف فيه إن صح الفردية.

نعم ما ذكره من الجواز و عدم التعيّن صريح عبارة ابن حمزة المحكية في كلام جماعة و منهم فخر الدين في الإيضاح،فإنّه قال في وسيلته:إذا توجه على الأخرس وضع يده على المصحف،و عرّفه حكمها،و حلّفه بالأسماء أي أسماء اللّه (3)تعالى،قال:فإن كتب اليمين على لوح ثم غسلها،و جمع الماء في شيء و أمره أن يشربه جاز،فإن شرب فقد حلف، و إن أبى ألزمه (4).

ص:109


1- الفقيه 3:218/65،التهذيب 6:879/319،الوسائل 27:302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.
2- التنقيح الرائع 4:259.
3- في المصدر:و حلّفه بالإيماء إلى أسماء اللّه.
4- إيضاح الفوائد 4:337،و هو في الوسيلة:228.

و منه يظهر فساد نسبة القول بتعيّن ما في العبارة إليه إلّا أن يكون المراد من النسبة نسبة الجواز لا التعيّن.

و عليه يكون مذهب المشهور عدم جوازه؛ و لعله لمنع كونه من أفراد الإشارة،فلا يمكن تجويزه من جهتها،و لا من جهة الصحيحة؛ لكونها قضية في واقعة،فلا تكون عامّة،و احتمال كون الحلف فيها بشرب المكتوب بعد الحلف بالإشارة،و يكون ذلك من باب التغليظ كما فعله(عليه السّلام) في اليمين المكتوبة.

و بالجملة:الخروج عن الأصل الدال على القول الأوّل المعتضد بعمل الأكثر (1)،بل عامّة من تأخّر حتى الفاضل المقداد (2)؛ لتجويز ما في الرواية زعماً منه كونه أحد أفراد الإشارة،فيكون ذلك اتفاقاً منه و منهم على أنّها المعتبر في إحلافه خاصّة مشكل غايته.

و الأحوط الجمع بينهما إن رضي الأخرس بإحلافه بما في الرواية، و إلّا فالإشارة متعيّنة.

و اعلم أنّه لا يجوز أن يحلف الحاكم أحداً إلّا في مجلس قضائه أي مجلس حضوره مع إذنه،بلا خلاف،بل ظاهرهم الإجماع عليه كما يستفاد من كثير و منهم المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) في شرح الإرشاد و صاحب الكفاية (3)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة عدم لزوم ما يترتب على الحلف من سقوط الحق أو لزومه بمجرده،فيقتصر فيما خالفها على المتيقن من النص و الفتوى، و ليس إلّا بعد ذلك.

ص:110


1- راجع ص 107.
2- راجع ص 109.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:188،الكفاية:270.

و أمّا النصوص الدالة على لزومه به،فلا عموم فيها يمكن التشبث بذيله لإثبات اللزوم بالحلف مطلقاً،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى الحلف بغير الحكم و إذنه؛ لكونها منساقة لبيان أحكام أُخر غير ما يراد إثباته من الإطلاق في محل البحث و أمثاله.

مضافاً إلى أنّ الغالب في الحلف في مقام الدعاوي التي هي موردها كونه بحضور الحاكم و إذنه.

و إلى بعض ما ذكرناه و غيره يشير كلام المقدس الأردبيلي(رحمه اللّه)حيث قال في بيان دليل الحكم:و لعله أنّه من تتمة الحكم و لا حكم لغيره؛ إذ هو العالم بالكيفية لا غير،أو الإجماع،أو تبادر ذلك إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات و العبارات (1).

و بالجملة:قد تقرر عندهم عدم جواز الإحلاف لغير الحاكم مطلقاً إلّا أن يكون المستحلف معذوراً عذراً شرعياً كالمريض و الزمن اللذين لا يمكنهما أو يشق عليهما الحضور إلى الحاكم،و الخائف من العدوّ،و نحو ذلك.

أو كان امرأة غير برزة أي:مخدّرة ليس من عادتها و شأنها البروز و التردد إلى أنديه الرجال و الحكام،و يكون ذلك نقصاً في حقها، و عيباً عليها،أو حائضاً أو نفساء أو مستحاضةً لا تأمن تلوّث المسجد بنجاستها مع كون الحاكم فيه،أو احتياج إلى التغليظ فيه.

و بالجملة:كل معذور شرعاً يجوز له معه التخلف عن الحلف عند الحاكم،و يستنيب الحاكم حينئذ من يحلّفه في موضعه،بلا خلاف.

و لاستلزام الحضور مع ذلك العسر و الحرج المنفيين عقلاً و شرعاً، و ليس في شيء من الفتاوى التي وقفت عليها اعتبار مباشرة الحاكم

ص:111


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:188.

الإحلاف بنفسه و لو بالمسير إليه مطلقاً و لو لم يكن السير إليه نقصاً له و مسقطاً لمحله عند الناس.

و احتمل بعض الأصحاب ذلك إلّا مع استلزامه النقص على الحاكم (1).

و ليس في محله؛ إذ مع مخالفته لإطلاق الفتاوى يوجب فتح بابه إلقاء الحاكم في ضيق و شدّة منفية في الشريعة،مع عدم كونه معهوداً في الأعصار السابقة و اللاحقة عند أحد من حكّام الخاصّة و العامّة،و إلّا لاشتهر اشتهار الشمس و اتضح غايته.

و لا يحلف المنكر على نفي ما ادّعي عليه مطلقاً إلّا على القطع و الجزم به و يحلف كذلك أيضاً على فعل غيره إن كان على إثباتٍ،و لو كان على نفيٍ حلف على نفي العلم به إن ادّعي عليه،و إلّا لم تسمع الدعوى على المعروف بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في الكفاية و غيرها (2).

و لو ادّعي عليه بمال أو غيره و أنكر حلف على البتّ،إمّا على نفي استحقاق المدّعى لما يدّعيه،أو على نفي ما يدّعيه إن أراد بالخصوص، على الأصح كما يأتي.

و إن ادّعي على غيره به كما لو ادّعي على الوارث العلم بما يدّعيه المدّعى على المورث و طالبه به بعد أن ترك الوفاء في يده فأنكره،أو ادّعى على المنكر أنّ وكيله قبض أو باع ما وكّل فيه و أنكر،حلف على نفي العلم به؛ لعدم العلم بالانتفاء.

و لو فرض إمكان العلم بالانتفاء؛ كما إذا كانت الدعوى متعلقة بزمان

ص:112


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:188.
2- الكفاية:270،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:189.

مخصوص،أو مكان كذلك،و هو يعلم كذب المدّعى فيهما،حلف على البتّ أيضاً.

و وجهه كسائر ما يحلف فيه على البتّ بعد الاتفاق عليه واضح أيضاً،من حيث إنّ المتبادر من الحلف و اليمين على الشيء الوارد في النصوص و الفتاوى هو الحلف عليه بتّاً و قطعاً،سيّما مع تضمن كثير من النصوص الواردة في بيان كيفية الحلف كالصحيح الوارد في إحلاف الأخرس و غيره (1)الحلف على البتّ بأنّ فلاناً ليس له عليَّ حق،و نحو ذلك،فلا ريب فيه حيثما كان الحالف عالماً بما حلف عليه نفياً،أو إثباتاً.

و أمّا لو لم يكن عالماً به كما لو ادّعي عليه بشيء و لم يعلم به مطلقاً، فهل يحلف على نفي العلم،أو يردّ اليمين على المدّعى و إلّا يكون ناكلاً؟ إشكال.

قيل (2):مقتضى ظاهر كلامهم الثاني،لكن في إثبات ذلك إشكال؛ إذ لا يبعد الاكتفاء حينئذٍ بالحلف على نفي العلم،و لا دليل على نفيه؛ إذ الظاهر أنّه لا يجب عليه إيفاء ما يدّعيه إلّا مع العلم،و يمكن على هذا أن يكون عدم العلم بثبوت الحق كافياً في الحلف على عدم الاستحقاق؛ لأنّ وجوب إيفاء حقه إنّما يكون عند العلم به،لكن ظاهر عباراتهم خلاف ذلك،و بعض المتأخرين احتمل قوياً عدم القضاء بالنكول في الصورة المذكورة و إن قيل به في غيره،بل يجب الردّ حينئذٍ،و احتمل الاكتفاء في الإسقاط بيمينه على عدم علمه بذلك.

أقول:ما احتمله هو و بعض المتأخّرين (3)من الاكتفاء حينئذٍ بالحلف

ص:113


1- المتقدم في ص 108.
2- قاله في الكفاية:270.
3- مجمع الفائدة 12:191.

على نفي العلم محلّ تأمّل؛ لعدم الدليل عليه،و عدم الدليل على نفيه غير كاف بعد ملاحظة أنّ الأصل عدم انقطاع الدعوى المسموعة بمثل هذه اليمين،سيّما و أن تكون مسقطة للبيّنة لو أُقيمت بعدها،فيقتصر فيما خالفه على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلّا ما إذا كان اليمين على البتّ لا مطلقاً.

و ليس في النصوص و الفتاوي الدالة على سقوطها بها ما يدل على السقوط هنا؛ لما عرفت من أنّ المتبادر من اليمين على الشيء فيها اليمين على البتّ خاصّة،و مقتضى ذلك عدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم، فينحصر قطع الدعوى و سقوطها في ردّ اليمين على المدّعى،إن حلف أخذ،و إن نكل سقطت الدعوى.

و ما ذكره من أنّ الظاهر أنّه لا يجب عليه إيفاء ما يدّعيه إلّا مع العلم، إلى آخره،فمسلّم إذا أُريد به فيما بينه و بين اللّه تعالى،و لكن لا ينفع في إثبات كفاية الحلف على نفي العلم في مقام الدعوى و إسقاطها،و إن هو إلّا عين النزاع جدّاً.

و منه يظهر الوجه في منع قوله:و يمكن على هذا أن يكون عدم العلم،إلى آخره،مضافاً إلى منع كفاية ذلك في الحلف على نفي الاستحقاق المطلق من حيث إنّ المتبادر منه نفي الاستحقاق و لو في نفس الأمر،و لا يمكنه الحلف عليه؛ لإمكانه،و عدم علمه به إنّما يوجّه له الحلف على عدم تكليفه في الظاهر بإيفائه لا الحلف على عدم استحقاقه في الواقع،و بينهما فرق واضح.

و بالجملة:الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في محل البحث وجهه غير واضح،سيّما مع مخالفته الأصل المتقدم.

و لكن يمكن أن يقال:إنّ ثبوت الحق على المنكر بيمين المدّعى إذا

ص:114

كانت بردّ الحاكم خلاف الأصل أيضاً،فيقتصر فيه على المتيقن من النص و الفتوى،و ليس إلّا ما إذا ردّ المنكر اليمين عليه،أو ردّها الحاكم مع نكوله عن الردّ من غير دعواه عدم العلم بالحق،بل دعواه العلم بنفيه،و ليس ما نحن فيه منه قطعاً،فالمسألة محل إشكال؛ لتعارض الأصلين.

إلّا أنّ الظاهر ترجيح عدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم؛ لما ذكره القائل من كونه مقتضى ظاهر كلامهم (1)،و هو كذلك من حيث حكمهم بعنوان العموم بكون الحلف على المنكر في فعل نفسه على البتّ مطلقاً، على نفي كان أو إثبات،و لا يمكن ذلك فيما نحن فيه،فلا يحلف، و لا يتصور حينئذٍ قطع الدعوى إلّا بردّ اليمين على المدّعى،إمّا من المنكر، أو الحاكم بعد نكوله عن الردّ،و لا يمكن ترجيح الاكتفاء بذلك بما ذكروه في تعليل الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في الدعوى على الغير من عدم العلم بالانتفاء؛ لتأتّي ذلك بعينه هنا.

و ذلك لأنّ اكتفاءهم بذلك ثمّة إنّما هو من حيث عدم كون المنكر طرفاً لأصل الدعوى على الغير،بل هو الطرف الآخر لها،و إنّما المنكر طرف دعوى اخرى معه،و هي كونه عالماً بالمدعى و ثبوته على الغير في الدعوى الاُولى،فحلفه على نفي العلم حقيقة حلف على نفي ما ادّعي عليه على القطع في هذه الدعوى.

فظهر أنّ حلف المنكر على القطع أبداً حتى بالنسبة إلى فعل الغير مطلقاً؛ لأنّ ما يحلف عليه ليس إلّا ما هو ينكره،حقاً كان أو غيره،و بذلك صرح الفاضل في التحرير (2).

و يتحصل من هذا أنّ متعلق الحلف ليس إلّا ما تعلق به الدعوى،

ص:115


1- راجع ص 113.
2- التحرير 2:192.

و هو المتبادر من النصوص أيضاً،و الحلف على نفي العلم فيما نحن فيه ليس حلفاً على ما تعلق به دعوى المدّعى؛ لأنّ دعواه ثبوت الحق في ذمّته لا علمه به،و لا تلازم بينهما،لإمكان أن يدّعي الحق عليه و لا يدّعي العلم عليه معتذراً باحتمال نسيانه،فحينئذٍ يمينه على نفي العلم لاغية لا ربط لها بما تعلقت به الدعوى بالكلية،فكيف يمكن أن تكون بها ساقطة؟! نعم لو ادّعي عليه العلم بالحق حال الدعوى أيضاً اتّجه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم،و سقوط أصل الدعوى بها حينئذٍ،لتركّبها،كما ذكروه في الحلف على نفي العلم بفعل الغير،و لكن الظاهر أنّ مثله في المقامين لا يسقط اعتبار البيّنة لو أُقيمت بعد الدعوى،عملاً بعموم ما دلّ على اعتبارها،مع سلامته عن المعارض فيهما؛ لاختصاص ما دل على سقوط البيّنة باليمين بحكم التبادر و غيره باليمين على نفي الحق لا نفي العلم.

و بالجملة:الظاهر فيما نحن فيه حيث لا يدّعى عليه العلم بالمدّعى عدم الاكتفاء بالحلف على نفي العلم،بل لا بدّ من ردّ اليمين إلى المدّعى،و لا مخصص في قطع الدعوى من دونه.

أمّا المدّعى و لا شاهد له فلا يمين عليه كما لا بيّنة على المنكر مطلقاً،بلا خلاف فيهما نصّاً و فتوى،فلو أتى كلّ منهما بما هو وظيفة الآخر لم تسمع، إلّا إذا حلف المدّعى مع الردّ أي ردّ المنكر اليمين إليه فتسمع حينئذٍ اتفاقاً فتوى و نصّاً،كما مضى.

أو مع نكول المنكر عن الحلف و الردّ فتسمع أيضاً على قول قوي اخترناه،و على القول الآخر الذي يحكم فيه عليه بنكوله تكون يمين المدّعى لاغية من هذا الوجه أيضاً،أو مع اللوث في دعوى الدم فتسمع بلا خلاف فيه ظاهراً،و مضى الإشارة إليه سابقاً،و يأتي تمام الكلام فيه

ص:116

مفصلاً في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

و يحلف المدّعى حيثما توجه الحلف إليه على الجزم و القطع كالمنكر،بلا خلاف؛ لما مرّ،و لا يمين له على نفي العلم مطلقاً،إلّا إذا انقلب الدعوى و صار منكراً،كما لو ادّعى الوارث لمورثه ديناً على أحد و ادّعى هو الإبراء مثلاً،و علم المدّعى به أيضاً و أنكره،فيحلف حينئذٍ على نفي العلم كالمنكر أوّلاً حيث يحلف عليه،و هذا في الحقيقة راجع إليه جدّاً.فيتحصل منه أنّ حلف المدّعى على البتّ أبداً.

و يكفي المنكر مع إطلاقه الإنكار كقوله:لا يستحق عندي شيئاً الحلف على عدم الاستحقاق مطلقاً،كان المدّعى حقاً معيناً أو مطلقاً أيضاً،اتفاقاً على الظاهر المصرح به في المسالك و غيره (1)؛ لأنّ الغرض يحصل به،و نفي العام يستلزم نفي الخاص،و مع الجواب بنفي الخاص كقوله:لم أغصب،أو:لم أشتر،أو:لم أستأجر،فكذلك أيضاً إن حلف عليه.

و إن أراد الحلف على نفي الاستحقاق المطلق ففي إجابته قولان، أقربهما و أشهرهما:نعم؛ لدخول الخاص في ضمن نفيه،و جواز تعلق غرض صحيح بالعدول إلى العام بأن كان قد غصب،أو استأجر،أو اشترى،و لكن برئ من الحق بدفع،أو إبراء،فحلفه على نفي الخاص كذب،و العدول إلى العام مع كونه صدقاً يتضمن الغرض من براءة حقه، و على هذا القول عامّة المتأخّرين،بل لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الشيخ (2)،حيث ألزم الحلف على وفق الجواب؛ لأنّه المطابق للدعوى، و جوابه بنفي الأخصّ يقتضي عدم تلك الاحتمالات الموجبة للعدول إلى

ص:117


1- المسالك 2:373؛ و انظر الكفاية:271،و المفاتيح 3:267.
2- المبسوط 8:211.

الأعم،و لو وقعت لأجاب ابتداء بنفي الاستحقاق.

و يضعف بأنّه مع تسليم قدرته على الحلف على وفق الجواب لا يلزم منه وجوب إجابته،و إنّما اللازم له الحلف على البراءة من حقه بأيّ لفظ اتفق،فله العدول إلى نفي الاستحقاق اقتراحاً.

و لو ادّعى المنكر الإبراء أو الأداء أو الإقباض انقلب مدّعياً و المدّعي منكراً،فيكفيه أي المدّعى اليمين على بقاء الحق و لو حلف على نفي ذلك كان آكد،لكنه غير لازم،بلا خلاف ظاهر حتى من الشيخ، مصرح به في بعض العبائر كعبارة المسالك و غيره (1)،لكن الاُولى ليست بصريحة في نفي الخلاف،نعم ربما كانت ظاهرة فيه حيث لم ينقل الخلاف فيها هنا عن أحد،و نص فيها على أنّ الشيخ المخالف سابقاً لم يخالف هنا،و لكن جعل الحلف على نفي ما ادّعاه بخصوصه أحوط.

و لا تتوجّه اليمين على الوارث بالدعوى على مورثه إلّا مع شروط ثلاثة:الأوّل: دعوى المدعي على الوارث علمه بموته أي المورث أو إثباته عطف على الدعوى،فيكون هذا الشرط أحد الأمرين من دعوى علمه بموته،أو إثبات موته على الوارث المنكر له بالبيّنة و نحوها و لو على إقراره به.

و الثاني:دعوى علمه أي الوارث بالحق الذي يدّعيه على مورثه.

و إذا توجه اليمين على الوارث بدعوى علمه بالأمرين فأنكرهما أو أحدهما حلف على نفي العلم بهما أو بأحدهما؛ لما مضى،و لو أثبتهما عليه لم تتوجه له اليمين على إنكارهما.

و لا تتوجه اليمين عليه بعد ثبوتهما أيضاً،إلّا بعد تحقق الشرط

ص:118


1- المسالك 2:373؛ الكفاية:271.

الثالث و هو دعوى: أنّه أي الميت ترك في يده أي الوارث مالاً يفي بحقه كلّاً أو بعضاً و أنكره الوارث،فتتوجه عليه اليمين حينئذٍ، و يحلف على البتّ لا على نفي العلم؛ لأنّه حلف على فعل نفسه نفياً، و لا يتوجه في مثله الحلف على نفي العلم،كما مضى.

و لو نكل عن الحلف هنا أو في أحد الأمرين اللذين مضيا ردّه على المدّعى،و لو نكل عن الردّ أيضاً جعل ناكلاً و حكم عليه بمجرده أو بعد ردّ اليمين على المدّعى،و يؤخذ منه الحق بعد يمينه على اختلاف القولين.

و إنّما لم يؤخذ منه الحق بمجرد ثبوت الأمرين بناءً على عدم الخلاف في أنّ الوارث لا يجب عليه أداء دين المورث من ماله،بل إن ترك المورث مالاً في يده يفي بالدين أو بعضه وجب عليه الأداء و إلّا فلا،سواءً كان عالماً بالدين أم لا.

و اعلم أنّ من شرط سماع الدعوى أن يكون المدّعى مستحقاً لموجبها ف لا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البيّنة،و لا تتوجه بها يمين على المنكر بلا خلاف يعرف فيه في الجملة،و به صرّح في الكفاية (1).

و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها:المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المروي في التهذيب في كتاب الحدود في أواسط باب حدّ الفرية منه،و في الكافي في الكتاب المزبور أيضاً،لكن بسند فيه سهل و ضعفه سهل،بل قيل:ثقة (2)و إرسال،و هو مجبور بابن أبي نصر المرسِل له، مضافاً إلى انجبار الأمرين كالإرسال السابق إن أوجب الضعف بالعمل، و فيه:« اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل،فقال:هذا قذفني،و لم تكن له

ص:119


1- الكفاية:271.
2- انظر رجال الطوسي:416.

بيّنة،فقال:يا أمير المؤمنين،استحلفه،فقال:لا يمين في حدّ» (1)الخبر.

و في خبر آخر:« لا يستحلف صاحب الحدّ» (2).

و في ثالث مروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من هذا الكتاب:« أنّ رجلاً استعدى عليّاً(عليه السّلام)على رجل،فقال:إنّه افترى عليّ، فقال للرجل:فعلت ما فعلت؟فقال:لا،فقال(عليه السّلام)للمستعدي:أ لك بيّنة؟ قال:فقال:ما لي بيّنة،فأحلفه لي،فقال(عليه السّلام):ما عليه يمين» (3)هذا.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ من النص و الفتوى على أنّ اليمين على من أنكر بالمنكر لما عدا الحدّ من الحقوق المالية،و نحوها مما يستحقها المدّعى لا اللّه تعالى.

مع أنّه سبحانه لم يأذن في الدعوى،بل ظاهره الأمر بالستر و الإخفاء،و الكف عن تتبع معايب الناس و كشفها،و قد ورد تحريم الغيبة (4)و اتفق عليه أيضاً،و حدّ المدّعى عند عدم الشهود،و الأمر بدرء الحدود بالشبهات كما في المرسل المروي في الفقيه،قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« ادرأوا الحدود بالشبهات،و لا شفاعة،و لا كفالة، و لا يمين في حدّ» (5).

هذا إذا كانت الحدود حقّا محضاً للّه تعالى كحدّ الزنا و شرب الخمر و نحوهما.

و لو اشتركت بينه تعالى و بين الآدمي كحدّ القذف ففي سماع الدعوى

ص:120


1- الكافي 7:1/255،التهذيب 10:310/79،الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 1.
2- التهذيب 10:602/150 الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 2.
3- التهذيب 6:868/314 الوسائل 28:46 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 3.
4- الوسائل 12:278 أبواب أحكام العشرة ب 152.
5- الفقيه 4:190/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.

بها من المقذوف قولان،أحدهما و هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط (1):أنّها تسمع ترجيحاً لجانب حق الآدمي و هو المقذوف،و فرع على قوله بأنّه لو ادّعى عليه بأنّه زنى لزمه الإجابة عن دعواه و يستحلف على ذلك،فإن حلف سقطت الدعوى و لزم القاذف الحدّ،و إن لم يحلف ردّت اليمين على القاذف فيحلف و يثبت الزنا في حقه بالنسبة إلى سقوط حدّ القذف،و لا يحكم عليه بحدّ الزنا؛ لأنّ ذلك حق اللّه تعالى محض.

و استشكله الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (2)؛ لعموم قوله(عليه السّلام):« لا يمين في حدّ» (3)و يعضده خصوص ما مرّ من النصوص، و لا ضعف فيه بإرسال و لا غيره كما عرفته،هذا.

مضافاً إلى عموم ما دلّ على حدّ المفتري من الكتاب و السنّة،و ثبوته قبل حلفه بالردّ بهما و بالإجماع،و سقوطه بحلف القاذف بعد ردّ اليمين إليه غير معلوم،فيستصحب،فعدم السماع هنا أيضاً أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عامّة من وقفت على كلامه ممّن تأخّر،عدا الشهيد في الدروس،فقد استحسن قول الشيخ من حيث تعلقه بحق الآدمي،و حمل نفي اليمين في الخبر على ما إذا لم يتعلّق بحقه (4).

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

و لو ادّعى الوارث لمورثه مالاً على غيره سمعت دعواه مطلقاً سواءً كان عليه أي على المورث دين يحيط بالتركة أو لم يكن بلا خلاف ظاهر و لا محكي،حتى من القائل بعدم انتقال التركة إلى الوارث،

ص:121


1- المبسوط 8:216.
2- الشرائع 4:91،القواعد 2:212.
3- المتقدم في ص 6708.
4- الدروس 2:93.

و أنّها باقية على حكم مال الميت مع إحاطة الدين بها.

و لا إشكال فيه على القول بالانتقال كما عليه الفاضل في جملة من كتبه (1)،و شيخنا الشهيد الثاني و جمع ممّن تبعه (2)؛ لأنّها على هذا التقدير ماله فتسمع منه الدعوى على إثباته،و إن منع عن التصرف فيها إلى أن يوفّى الدين إجماعاً كما في الإيضاح و المسالك (3)،عملاً بالعمومات أو الإطلاقات الدالة على سماع الدعوى من كل من يستحق المدّعى فيها، و حجره عن التصرف فيه إلى الوفاء غير مانع،كما أنّ حجره عنه في أمواله المرهونة أو المحجور عليه فيها غير مانع عن سماع الدعوى فيها.

و أمّا على القول الآخر الذي عليه الشيخ في المبسوط و الخلاف كما حكاه عنه في الدروس (4)،و الماتن في الشرائع و الفاضل في بعض كتبه (5)، بل الأكثر كما في المسالك و غيره (6)،فوجهه بعد الاتفاق عليه على الظاهر ما ذكروه من أنّ الوارث قائم مقام المورث،و من ثَمّ لو أبرأه الغريم من الدين صارت التركة ملك الوارث،فهو مالك لها بالقوة،و على هذا فلو توجه اليمين مع الشاهد أو بردّ الغريم فالحالف هو الوارث،و إن كان المنتفع بالمال هو المدين.

و في هذا الوجه إشكال،و العمدة هو الوفاق،و يمكن أن يجعل وجهاً مرجّحاً للقول بالانتقال.

ص:122


1- القواعد 2:212،التحرير 2:192.
2- المسالك 2:375؛ و انظر الكفاية:273،و كشف اللثام 2:342،و المفاتيح 3:317.
3- الإيضاح 4:342،المسالك 2:375.
4- الدروس 2:95،و هو في المبسوط 8:193،و الخلاف 6:282.
5- الشرائع 4:92،التحرير 2:192.
6- المسالك 2:316؛ و انظر الكفاية:292.

مضافاً إلى ما استدلوا به من استحالة بقاء ملك بغير مالك،فإنّه لا ينتقل إلى الديّان إجماعاً كما حكاه جماعة (1)،و الميت غير مالك، فينحصر المالك في الوارث.

و لا تنافي هذه الأدلّة الأدلّة الدالة على أنّ الإرث بعد الدين و الوصية من الكتاب و السنّة كقوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ [1] (2).

و الصحيح:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في دية المقتول:أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه تعالى و سهامهم،إذا لم يكن على المقتول دين» (3)لإمكان حملها على الملك المستقر،و لكنه خلاف الظاهر .

و تظهر الفائدة في النماء المتخلل بين الوفاة و الوفاء و غيره،دون حكم المسألة؛ لما عرفته من الاتفاق عليه.

و لا ريب في تعيّن هذا القول لو سلمت مقدمات دليله الذي ذكرناه عنهم،و إلّا فيمكن أن يكون تركة الميت كدية ما يجنى عليه بعد موته، فإنّها لا مالك لها،بل تصرف عنه في وجوه القرب كما في الصحيح (4)، و عليه الأكثر،بل في الغنية الإجماع عليه (5).و حينئذٍ فالأصح ما عليه الأكثر عملاً بظواهر أدلتهم المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة.

ص:123


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:316،و السبزواري في الكفاية:292،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:317.
2- النساء:12.
3- الكافي 7:2/139،الفقيه 4:744/232،التهذيب 9:1338/375،الوسائل 26:35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.
4- انظر الكافي 7:1/347،و 4/349،الفقيه 4:404/117،التهذيب 10:1065/270،و 1073/273،الوسائل 29:324 أبواب ديات الأعضاء ب 24 ح 1،2.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):621.

و اعلم أنّه يجوز عندنا للحاكم أن يقضي بالشاهد الواحد و اليمين في الأموال و الديون مطلقاً،و بالجملة ما يكون مالاً أو يقصد منه المال،كما في عبائر الأكثرين كالمفيد،و الشيخ في الاستبصار و المبسوط و الخلاف،و الديلمي،و الحلّي (1)،قائلاً بأنّه مذهب جميع أصحابنا،و عليه عامّة المتأخرين و متأخريهم،و في جملة من عبائرهم نفي الخلاف عنه،أو دعوى الإجماع عليه.

خلافاً للشيخ في النهاية و التقي و ابن زهرة (2)فخصوا القضاء بهما في الديون خاصّة،و ادّعى الأخير عليه إجماع الإمامية.

و لا ريب في وهنه إن أراد بالدين معناه الأخص؛ إذ لم يذهب إليه عدا الناقل و نادر.مع رجوع الشيخ عنه في كتبه الثلاثة مدعياً عليه في الخلاف الإجماع (3)،و مع ذلك معارض بإجماع الحلّي و الشيخ نفسه في الخلاف و غيره المتقدم المعتضد بما ذكرناه من عبائر الأكثرين،و أنّه عليه عامّة المتأخّرين.

فلا إشكال في التعميم،سيّما مع ما يظهر من الفاضل في المختلف (4)من نفي الخلاف فيه،حيث حمل الدين في كلام النهاية على المال مطلقاً،بل ادّعى الإجماع فيه في محل آخر (5)،و هو ظاهر في ورود الدين بالمعنى العام الشامل له،بل يظهر من مجمع البحرين (6)وروده

ص:124


1- المفيد في المقنعة:726،الإستبصار 3:35،المبسوط 8:189،الخلاف 6:274،الديلمي في المراسم:233،الحلّي في السرائر 2:140.
2- النهاية:334،الكافي في الفقه:438،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الخلاف 6:274.
4- المختلف:725.
5- المختلف:716.
6- مجمع البحرين 6:252.

لمطلق الحقوق،و عليه فيمكن حمل عبارة من عدا النهاية عليه أيضاً، فيرتفع الخلاف.

و لعله لهذا لم يشر إلى الخلاف هنا أحد من الأصحاب.

و يدلُّ على العموم مضافاً إلى إطلاق كثير من النصوص خصوص كثير من النصوص،ففي الصحيح في الفقيه:« لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد،إذا علم منه خير،مع يمين الخصم في حقوق الناس،فأمّا ما كان من حقوق اللّه تعالى و رؤية الهلال فلا» (1).

و قريب منه النصوص الدالّة على قضائه(عليه السّلام)بهما في الحقوق (2)، لكن بلفظ الحق المفرد،و هو يشمل الدين و غيره من الأموال.

و الصحيح المتضمن لتخطئة علي(عليه السّلام)شريحاً في عدم قضائه بالشاهد و اليمين في دعواه لدرع طلحة مشهور،و هو طويل،و قال في آخره:« فغضب عليّ(عليه السّلام)،و قال:خذوها» أي الدرع« فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات» (3)و جعل(عليه السّلام)منها عدم اعتباره الشاهد و اليمين،فقال:« ثمّ أتيتك بالحسن،فقلت:هذا واحد،و لا أقضي بشهادة رجل واحد،حتى يكون معه آخر،و قد قضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بشهادة واحد و يمين».

و ما يقال في تضعيف دلالته من أنّه(عليه السّلام)إنّما أنكر عليه قوله:

و لا أقضي بشهادة واحد،حيث أطلق ذلك في كل موضع،فأراد(عليه السّلام)أن ينبّهه على خطائه و أنّ هذا ليس بعام في سائر الحقوق؛ لأنّ فيها ما يقضى

ص:125


1- الفقيه 3:104/33،التهذيب 6:746/273،الإستبصار 3:116/33،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 12.
2- الوسائل 27:264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14.
3- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

فيه بشهادة واحد مع يمين صاحب الحق و هو الدين،فكان ينبغي أن يستثنيه و لا يطلق القول إطلاقاً فلعله بعيد عن ظاهر سياق الرواية .

و لا تعارضها النصوص الدالة على كون متعلّق قضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و الأمير(عليه السّلام)هو خصوص الدين،كالصحيح:« كان(صلّى اللّه عليه و آله)يجيز في الدين شهادة رجل واحد،و يمين صاحب الدين،و لا يجيز في الهلال إلّا شاهدي عدل» (1)و نحوه آخر في قضاء عليّ(عليه السّلام) (2).

و الموثق:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحق،و ذلك في الدين» (3).

و نحوه الخبر:« قضى(عليه السّلام)بشهادة رجل واحد،مع يمين الطالب في الدين» (4).

لضعف دلالة الصحيحين منها على عدم قضائه فيما عدا الدين.

و ما دل عليه منها ما بين قاصر أو ضعيف سنداً؛ و مع ذلك فلا دلالة فيهما إلّا على أنّ قضاءه(عليه السّلام)بذلك كان في الدين و لم يقض به في غيره،و هو أعم من عدم جواز القضاء به فيه،فقد يجوز و لكن لم يتفق له(عليه السّلام)،فتأمّل .

و مع ذلك فهما كالصحيحين قاصران عن المقاومة لما قدمناه من

ص:126


1- الكافي 7:8/386،التهذيب 6:740/272،الإستبصار 3:108/32،الوسائل 27:264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 1.
2- الكافي 7:1/385،التهذيب 6:749/275،الإستبصار 3:111/33،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 11.
3- الكافي 7:3/385،التهذيب 6:742/272،الإستبصار 3:109/32،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 5.
4- التهذيب 6:754/273،الإستبصار 3:110/32،الوسائل 27:268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 10.

الأدلة من الإجماعات المنقولة،و النصوص الكثيرة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي هي الآن إجماع في الحقيقة،فلتطرح هذه الروايات على تقدير وضوح دلالتها،أو تحمل على ما حمل عليه عبارة النهاية و من ضارعه كما فعله جماعة (1).

و مما ذكرنا ظهر المستند في حكم أصل المسألة،مضافاً إلى دعوى الإجماع منّا عليه في الجملة في المسالك و غيره (2)،و نفى عنه الخلاف كذلك جماعة (3)،و النصوص به زيادة على ما قدمناه مستفيضة كادت تبلغ مع ما مضى التواتر،بل لعلها متواترة،هذا.

مضافاً إلى فحوى المعتبرة،منها الصحيح:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين،يحلف باللّه تعالى أنّ حقّه لحقّ» (4).

و الموثق (5)بل الصحيح (6)و غيره (7):« إذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه جائز» و بمضمونها أفتى أكثر الأصحاب،و هو الأصح.

ص:127


1- انظر مجمع الفائدة 12:435،و الكفاية:272.
2- المسالك 2:375،مجمع الفائدة 12:430،433،روضة المتقين 6:150،مرآة العقول 24:229.
3- منهم الكاشاني في المفاتيح 3:264،و السبزواري في الكفاية:272.
4- الكافي 7:7/386،الفقيه 3:106/33،التهذيب 6:739/272،الإستبصار 3:107/32،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 3.
5- الفقيه 3:105/33،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 1.
6- في« ح» و« س» زيادة:كما في الروضة.
7- الكافي 7:6/386،التهذيب 6:738/272،الإستبصار 3:106/31،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 4.

خلافاً للحلّي (1)و الماتن،كما سيأتي مع التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و لا يقبل الشاهد و اليمين و لا يقضى بهما في غيره أي غير ما ذكر من المال و ما يقصد منه مثل الهلال،و الحدود،و الطلاق المجرد عن المال، و القصاص بلا خلاف؛ للأصل،مع اختصاص ما مرّ من الفتوى و النص بقبولهما في المال،مع تصريح جملة من الثاني بالمنع عن قبولهما في الأوّلين،و بعض منه و إن دل على قبولهما في مطلق حقوق الناس الشامل لنحو القصاص،سيّما إذا قوبلت فيه بحقوق اللّه تعالى،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على تقييده بالمال.

و يشهد له أخبار اختصاص قضائهما صلّى اللّه عليهما و آلهما بهما في الديون خاصّة بعد حملها عليه،فلا إشكال في عدم جواز القضاء بهما فيما عداه،و إن كان يظهر من الكفاية (2)نوع تردّد له فيه لولا الإجماع.

و في قبولهما في النكاح و الخلع و العتق بأقسامه و الوقف خلاف، فبين:

مانع عنه فيما عدا الأخير،كالشيخ في المبسوط و الحلّي في السرائر (3).

و مانع عنه في الأوّل،كالديلمي و الحلبي و فخر الدين و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (4)،مدّعياً هو كسابقه أنّه الأشهر بين الطائفة،قالا:لأنّ

ص:128


1- السرائر 2:138.
2- الكفاية:272.
3- المبسوط 8:189،السرائر 2:142.
4- المراسم:233،الكافي في الفقه:439،إيضاح الفوائد 4:348،الروضة 3:102.

المقصود الذاتي منه الإحصان،و إقامة السنّة،و كفّ النفس عن الحرام، و النسل،و أمّا المهر و النفقة فإنّهما تابعان.

و مفصِّل فيه بين دعوى المرأة فالقبول؛ لتضمنها المهر و النفقة، و دعوى الرجل فالمنع؛ للأصل،كشيخنا في المسالك و بعض من تبعه (1)، وفاقاً للفاضل في القواعد و التحرير (2)،و في الروضة أنّ القائل بالقبول مطلقاً غير معلوم (3).

و متوقّف فيه،كالماتن في الشرائع و الشهيد في الدروس (4).

و مانع عنه في الثاني،كالفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد و الشهيد في الدروس و اللمعة (5)،و نسبه في الروضة إلى الأكثر (6)،و اختار فيها و في المسالك التفصيل فيه بين دعوى المرأة فالمنع؛ لما مرّ،و دعوى الرجل فالقبول،قال:فإنّ دعواه يتضمن المال و إن انضمّ إليه أمر آخر، فينبغي القطع بثبوت المال كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره كالسرقة،فإنّهم قطعوا بثبوت المال،و هذا قويّ،و جزم به في الدروس (7).

و مانع عنه في الثالث،و هو المشهور كما في المسالك و الروضة قال:

لتضمنه إثبات الحرية و هي ليست بمال (8).

ص:129


1- المسالك 2:376؛ و انظر المفاتيح 3:264.
2- القواعد 2:213،التحرير 2:192.
3- الروضة 3:102.
4- الشرائع 4:136،الدروس 2:97.
5- الإرشاد 2:162،التحرير 2:192،القواعد 2:213،الدروس 2:97،اللمعة(الروضة البهية 3):99.
6- الروضة 3:99.
7- الروضة 3:100،المسالك 2:376،الدروس 2:98.
8- المسالك 2:376،الروضة 3:100.

و قيل:يثبت بهما؛ لتضمنه المال من حيث إنّ العبد مال للمولى،فهو يدّعي زوال الماليّة (1).

و ظاهر اللمعة عدم الخلاف في المنع عن القبول في التدبير و الكتابة و الاستيلاد،و بذلك صرح في الروضة فقال:و ظاهره عدم الخلاف فيها،مع أنّ البحث آت فيها،و في الدروس ما يدل على أنّها بحكم العتق،لكن لم يصرحوا بالخلاف فلذا أفردها (2).انتهى.

و اختلف كلام الفاضل في التحرير و القواعد،ففي كتاب العتق و التدبير قطع بثبوتهما بهما من غير نقل خلاف (3)،و في هذا الباب منه قطع بعدم ثبوتهما بهما كذلك (4)،و توقف في الدروس مقتصراً على نقل القولين (5).

و مانع عنه في الرابع،إمّا مطلقاً كالشيخ في الخلاف (6)،أو مع عدم انحصار الموقوف عليه كالشهيدين في الدروس و المسالك و غيرهما (7)، و قاض بهما مطلقاً كالشيخ في المبسوط،و الحلّي في السرائر،و الحلبي، و الفاضل في القواعد،و غيرهم (8).

و مبنى الخلاف عندهم على أنّه هل ينتقل ملك الوقف إلى الموقوف

ص:130


1- انظر القواعد 2:101،و التحرير 2:78.
2- الروضة 3:100،الدروس 2:97.
3- التحرير 2:82،القواعد 2:101.
4- التحرير 2:192،القواعد 2:213.
5- الدروس 2:97.
6- الخلاف 6:280.
7- الدروس 2:97،المسالك 2:377؛ و انظر كشف اللثام 2:344.
8- المبسوط 8:190،السرائر 2:142،الكافي في الفقه:438،القواعد 2:213؛ و انظر الشرائع 4:137.

عليه،أم إلى اللّه عزّ و جلّ،أمّا الأوّل مع الانحصار،و الثاني مع عدمه،أو يبقى على ملك الواقف؟أقوال،و الأكثر على الأوّل،بل جعله الأوّلان مقتضى المذهب،و نسبه الأخيران إلينا،معلّلين مختارهم هنا بذلك،فقالا:

لأنّه عندنا ينتقل إلى الموقوف عليه.

و ظاهرهم كما ترى دعوى الإجماع عليه،و يفهم أيضاً من ابن زهرة في الغنية في كتاب الوقف (1)،بل ادّعى على خروجه عن ملك الواقف إجماع الإماميّة كالشيخ في الخلاف (2)،و هذا هو الأظهر للإجماعات المنقولة حد الاستفاضة.

مضافاً إلى ما استدلوا عليه زيادة على ذلك من أنّه مال لا بدّ له من مالك،و اختصاص الموقوف عليه به دون غيره دليل على أنّه المالك.و كذا جميع أحكام الملك،و الامتناع عن نقله لا يخرج[ه]عن ملكيته كأُمّ الولد و الأموال المرهونة.

و أنّه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا،و إنّما يجوز لو كان ملكاً له.

و أنّه يضمن باليد و القيمة.فلا ريب في جواز القضاء بهما في هذا.

و يبقى الكلام في الجواز فيما تقدمه،و ثبوته فيه مطلقاً غير بعيد؛ لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة و عموم بعضها بثبوت حقوق الناس بهما (3)،و هو يشمل ما نحن فيه جدّاً،و يقتصر في تخصيصه بالمال على الإجماع المفيد له،و ليس في محل البحث؛ لمكان الخلاف،و إلى هذا

ص:131


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- الخلاف 3:539.
3- راجع ص 125.

يميل في الكفاية (1).

و فيه نظر؛ لظهور الإجماع من تتبع الفتاوي و دعواه في كلامهم على التخصيص المزبور كلّيّاً،و لا ينافيه الخلاف هنا بعد ظهور كلمات القاضي بهما في محله في أنّ الباعث له على ذلك إنّما هو دعواه كون المتعلق مالاً و لو مآلاً،و هو صريح في عدم الخروج عن مقتضى التخصيص المجمع عليه،بل التزام به منه،و حينئذٍ فلا بدّ من تحقيق معنى تعلق الدعوى بالمال الموجب لقبول القضاء بهما،هل هو التعلق المقصود بالذات من الدعوى، أو مطلق التعلق و لو بالاستتباع.

و الذي يقتضيه النظر في كلماتهم أنّ المراد به إنّما هو الأوّل،و لذا لم يثبتوا بهما النسب و الرجعة بلا خلاف أجده،بل عليه الوفاق في المسالك (2)،مع أنّهما يستتبعان المال من النفقة و نحوها بلا شبهة.

و حينئذٍ فالأقوى في النكاح عدم القبول مطلقاً؛ لما مضى في كلام شيخنا الشهيد الثاني (3)،مضافاً إلى الأصل المعتضد بالشهرة.و كذا في الخلع لكن على التفصيل المتقدم في كلامه (4)،لما ذكره.

و لي في الثالث:توقف،و لكنّ الأصل يقتضي العدم،مع كونه أشهر.

و يشترط تقدم شهادة الشاهد الواحد و إقامتها أوّلاً و كذا تعديله قبل اليمين،ثم الإتيان بها.

و لو عكس ف بدأ باليمين قبل الشهادة أو التعديل وقعت لاغية،و يفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة للشهادة،كما هنا و في الشرائع

ص:132


1- الكفاية:285.
2- المسالك 2:376.
3- راجع ص:129.
4- راجع ص:129.

و السرائر و التحرير و القواعد و اللمعتين و الدروس و المسالك (1)،و علّل الحكم فيه بأنّ وظيفة المدّعى بالأصالة إنّما هو البيّنة،و اليمين تتميم لها بالنص،ثم حكى الخلاف فيه عن بعض العامة،و هو ظاهر في عدم الخلاف فيه بيننا،و لذا نسبه في المفاتيح إلينا (2)،فلو تمّ إجماعاً،و إلّا فللنّظر فيه مجال،وفاقاً للكفاية (3)؛ لضعف التعليل،و إطلاق النصوص و كثير من الفتاوي.

و إن أمكن الذبّ عنه بعدم العبرة به في أمثال ما نحن فيه،أوّلاً:

بوروده لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه.

و ثانيا:بتبادر التقديم منه،سيّما مع اشتماله على التقديم الذكري، و حينئذ فالوقوف مع الأصل يقتضي المصير إلى ما ذكروه؛ أخذاً بالمتيقن؛ و التفاتاً إلى ظهور الإجماع مما مرّ من العبائر،و من حال الحلّي و طريقته حيث لم يستند في فتاويه إلّا على الإجماع و نحوه من الأُصول القطعية.

و لا يحلف مع عدم العلم بما يحلف عليه،لأنّ الحلف من شرطه الجزم به،و هو يتوقف على العلم بكونه حقاً له على وجه يتميّز عن غيره و إن لم يعلمه مفصّلاً،فلا يجوز له الحلف بقول الشاهد،و لا بما يجده مكتوباً بخطّه،أو خطّ مورثه،و إن أمن التزوير ما لم يحصل العلم.

و لا يثبت مال غيره فلو ادّعى غريم الميت مالاً له على آخر مع شاهد فإن حلف الوارث ثبت،و إن امتنع لم يحلف الغريم،و لا يجبر

ص:133


1- الشرائع 4:92،السرائر 2:141،التحرير 2:193،القواعد 2:213،اللمعة(الروضة البهية 3):102،الدروس 2:98،المسالك 2:376.
2- المفاتيح 3:264.
3- الكفاية:272.

الوارث عليه،و كذا لو ادّعى المرتهن رهناً و أقام شاهداً واحداً أنّه للراهن لم يحلف؛ لأنّ يمينه لإثبات مال الغير،فلم يجز،بلا خلاف فيه و في السابق، بل ظاهر المسالك و غيره (1)كونه مجمعاً عليه بيننا.

و الأصل فيه بعده الأصل،مع عدم ما يدل على ثبوت الحق بيمين غير المستحق عدا إطلاق بعض النصوص،و في شموله لنحو محل البحث نظر؛ لنظير ما مرّ قريباً من التبادر و غيره،فتدبّر .فلا وجه للتأمّل فيه كما اتفق لبعض من تأخّر (2).

و هنا

مسألتان
الأولى لا يحكم الحاكم بإخبار حاكم آخر

مسألتان:الاُولى: لا يجوز أن يحكم الحاكم بإخبار حاكم آخر أي لا يمضي و لا ينفذ حكمه في واقعة إذا أنهاه إليه بإخباره و لا بالبيّنة (3)بثبوت الحكم المزبور عند غيره و هو الحاكم الآخر.

و لو اكتفى بالضمير و أسقط المضاف كان أخصر و أوضح.

و لا بكتابة إليه مطلقاً،إجماعاً في الثلاثة لو كان المحكوم به شيئاً من حقوق اللّه سبحانه؛ لبنائها على التخفيف؛ و لزوم درئها بالشبهة؛ و عدم ثبوتها بالإقرار و لو في الجملة.

و كذا لو كان من حقوق الناس في الإنهاء بالكتابة،بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (4)،فأوجب الإنفاذ بها على الحاكم الثاني.

و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في كثير من الكتب كالسرائر و التحرير و المختلف و القواعد و غيرها من كتب الأصحاب (5)،و هو الحجة

ص:134


1- المسالك 2:377؛ و انظر الكفاية:273.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:203.
3- في المطبوع من المختصر:283:بقيام البيّنة.
4- حكاه عنه في المختلف:706.
5- السرائر 2:176،التحرير 2:188،المختلف:706،القواعد 2:216؛ و انظر كشف اللثام 2:347،و المفاتيح 3:269.

على ضعفه.و لا يقدح فيها خروجه؛ لمعلومية نسبه.

مضافاً إلى الخبرين:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ و لا غيره حتى وليت بنو أُمية،فأجازوا بالبيّنات» (1).

و ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكية،و الأدلة القاطعة من الكتاب و السنّة المانعة عن العمل بالمظنّة،بناءً على أنّ الكتابة لا تورث العلم؛ لاحتمالها التزوير فيها،أو عبث الكاتب بها و عدم قصده ما فيها.

فلا ريب في ضعف ما اختاره،و إن مال إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة،قائلاً:إنّه قد يحصل الظن المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من الشاهدين،بل العلم بالأمن من التزوير،و انّه كتب قصداً لا غير،فإذا ثبت بأيّ وجه كان مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأنّ القاضي الفلاني الذي حكمه مقبول حكم بكذا يجب إنفاذه و إجراؤه من غير توقف،و يكون ذلك مقصود ابن الجنيد.و يمكن أن لا ينازعه أحد، و يكون مقصود النافي المنع في غير تلك الصور،بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير،و على تقديره لم يكن معلوماً كونه مكتوباً قصداً،و لهذا يجوز العمل بالمكاتبة في الرواية،و أخذ المسألة و العلم و الحديث من الكتاب الصحيح عند الشيخ المعتمد،كما جوّزوه في الأُصول لنقل الحديث (2).انتهى.

و فيه نظر؛ لأنّ ذلك فرع قيام دليل قاطع على جواز العمل بالظن

ص:135


1- التهذيب 6:840/300،841،الوسائل 27:297 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 28 ح 1 و ذيله.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:209.

مطلقا،و لم نجده في نحو محل البحث مما يتعلق بموضوعات الأحكام التي لم تتوقف عليها مطلقاً،و لو كان الظن للعلم متاخماً.

و مجرد كون الظن بالكتابة أقوى من الظن الحاصل من شهادة الشاهدين لا يوجب قطعيته و لا حجّيته إلّا على تقدير أن يكون حجّيتها من حيث إفادتها المظنّة،و هو ممنوع،بل كلمة القائلين بحجّيتها و سماعها هنا مطبقة على أنّها من جهة الأدلة الأربعة التي سيأتي ذكرها،و هي أدلة قاطعة، أو ظنّية ظنّاً مخصوصاً مجمعاً عليه،و مثلها لم يقم على اعتبار ظنّ الكتابة، بعد إمكان دفع الضرورة التي هي الأصل في تلك الأدلة بالإشهاد على الحكم،و إقامة البيّنة و إنفاذ الحاكم الثاني الحكم بها.

و بالجملة:لو كان السبب لاعتبار شهادة الشاهدين هو إفادتها المظنّة أمكن ما ذكره،أمّا لو كان قضاء الضرورة و غيره مما هو كالدليل القاطع فلا وجه له،و لا لقياس الكتابة بالشهادة،و لا بالاكتفاء بالرواية المكاتبة و أخذ المسألة و نحوهما مما ذكره؛ لأنّ مستند الاكتفاء بهذه الأُمور المعدودة في نحو الأحكام الشرعية إنّما هو من حيث قضاء الضرورة،و انسداد باب العلم بها بالكلية،و عدم إمكان تحصيلها إلّا بالمظنّة،و أنّ عدم اعتبارها حينئذ يوجب إمّا الخروج عن التكليف،أو التكليف بما لا يطاق،و هما ممتنعان قطعاً،عقلاً و شرعاً.

و هذا السبب يختص بها دون نحو ما نحن فيه مما لم ينسد فيه باب العلم و يمكن تحصيله،فيجب فيه تحصيل القطع،فإن حصل،و إلّا فيرجع إلى الأصل،و هذا طريق قطعي لا ينكر،مسلّم عند الكل حتى هذا القائل.

و يضعف قياس الكتابة هنا بها في الرواية زيادة على ذلك أنّه لو صح لزم اعتبارها هنا مطلقاً و لو لم يفد الظنّ الأقوى،بل و لو أفاد ظنّاً ما كفى

ص:136

للاكتفاء به في الرواية المكاتبة عند القائل بحجّيتها إن لم يحصل لها معارض أقوى،فما ذكره من التقييد بالظنّ الأقوى أو المتاخم لا وجه له أصلاً،بل ينبغي أن يطلق اعتبار الكتابة،كما هو ظاهر الإسكافي (1)و الأصحاب (2)الرادّين عليه في المسألة،هذا.

و في كلامه مناقشات أُخر يطول الكلام بذكرها،و إنّما المهم ممّا يرد عليه هو ما ذكرنا.

و كذا في الإنهاء بالبيّنة بمجردها من غير أن يشهدها الحاكم الأوّل على حكمه في الواقعة،بلا خلاف أجده من الأصحاب كافة.

نعم احتمل الإنفاذ بها مطلقاً البعض المتقدم إليه الإشارة (3)،معلّلاً بما يرجع حاصله إلى عدم تعقل مدخلية للإشهاد في اعتبارها،مع كونه داخلاً في عموم الأدلة الآتية التي عمدتها قضاء الضرورة و مسيس الحاجة إلى الإنفاذ بالبيّنة.

و هو حسن لولا عدم الخلاف في عدم الإنفاذ بها هنا،مع احتمال أن يمنع الدخول في العموم،بناءً على أنّ مسيس الحاجة إنّما يبيح الاكتفاء بالشيء لو لم يتصور اندفاعها إلّا به،و هي تندفع بالبيّنة التي أشهدها الحاكم،فلا وجه للاكتفاء بغيرها،بل الأصل الناهي عن العمل بالظنّ مع عدم مخرج عنه في محل البحث يقتضي المصير إلى ما ذكروه،و محصله وجوب استناد الحكم إلى القطع إلّا حيثما لا يمكن مع مسيس الحاجة إليه، فيجب تحصيل الأقرب إليه،و ليس إلّا المتفق عليه،و إلى هذا الأصل يشير كلام كثير في هذا البحث،و لا ريب في قوته و متانته.

ص:137


1- راجع ص 134.
2- راجع ص 134.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:211 212.

و أمّا عدم الإنفاذ بإخبار الحاكم،فمحل خلاف بين الأصحاب،فبين:

مختار له،كظاهر إطلاق المتن و نص الخلاف (1).

و مختار للإنفاذ،كالفاضل في القواعد و الإرشاد،و الشهيدين في الدروس و المسالك (2).

و متردّد فيه،كالماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير (3)،ينشأ:

من الأصل المتقدم المعبر عنه في كلامهم بأنّه حكم من الثاني بغير علم و قد نهى اللّه تعالى عنه،خرج منه ما دل عليه دليل من خارج،فيبقى الباقي على الأصل.

و ممّا سيأتي إن شاء اللّه تعالى من جوازه مع الشهادة على حكمه فمع مشافهته أولى.

و فيه نظر؛ إذ المشافهة الموجبة للأولوية إنّما هي مشافهة حكمه الذي هو متعلق الشهادة،لا مشافهة إخباره به،فإن الأولوية هنا غير واضحة.و لعله إلى هذا يشير كلام بعض الأجلة حيث قال في منعها:فإنّ الغرض من الشهود إثبات حكم الحاكم لا إقراره به،و ليس إثباته بقول الحاكم أقوى من إثباته بشاهدين عدلين؛ إذ هما عدلان و هو عدل واحد، و قول العدلين حجة دون الواحد (4).انتهى.

و لكنه خلاف الإنصاف.

و كل من منع هنا يلزمه المنع عن الإنفاذ بالبيّنة التي أشهدها الحاكم

ص:138


1- الخلاف 2:595.
2- القواعد 2:217،الإرشاد 2:165،الدروس 2:92،المسالك 2:380.
3- الشرائع 4:96،التحرير 2:188.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:211.

مع عدم حضورها مجلس الحكم و الدعوى بطريق أولى.

و في قبولها على القول الآخر إشكال،لكنه ظاهر كل من قال به ممّن مرّ،و نسبه في المسالك إلى الأكثر (1)بعد أن اختاره بأدلة،منها:أنّ الأدلة الآتية الدالة على تسويغ أصل هذا الإنفاذ آتية في هذه الصورة.

و فيه مناقشة تقدم إلى وجهها الإشارة،مع أنّه لو شملت الأدلة الآتية هذه الصورة لشملت صورة ما إذا لم يشهد الحاكم البيّنة،كما احتمله البعض المتقدم إليه الإشارة (2)،فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عمّا ذكره،فتأمّل .

و كيف كان الاحتياط في المقامين يقتضي المصير إلى العدم،سيّما في الثاني؛ عملاً بالأصل؛ و اقتصاراً على المتيقن.

نعم لو حكم الحاكم الأوّل بين الخصوم و أثبت الحكم و أشهد على نفسه و حكمه شاهدين عادلين حضرا الدعوى و سمعاها و إقامة شهادة الشاهدين على المدّعى و حكم الحاكم و شهد ال شاهدان بحكمه عند آخر وجب على الحاكم المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و به صرح جمع (3)معربين عن دعوى إجماعهم عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما ذكروه من مسيس الحاجة في إثبات الحقوق مع تباعد الغرماء،و تعذّر نقل الشهود من البلاد المتباعدة،أو تعسّرها،و عدم مساعدة شهود الفرع أيضاً على النقل،و الشهادة الثالثة غير مسموعة،و أمّا

ص:139


1- المسالك 2:381.
2- راجع ص 137.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:261.

الشهادة على الحكم فهي بمنزلة الثانية،فتكون مسموعة.

و أنّها لو لم تشرع لبطلت الحجج مع تطاول المدّة،و لأدّى إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة،بأن يرافعه المحكوم عليه إلى آخر.

و أنّ الغريمين لو تصادقا أنّ حاكماً حكم عليهما ألزمهما الحاكم ما حكم به الأوّل إجماعاً في الظاهر المصرح به في بعض العبائر (1)،فكذا إذا قامت البيّنة؛ لأنّها تثبت ما لو أقرّ الغريم به لزم،هذا.

مع أنّ القائل بالمنع هنا غير معروف،و إن حكاه الأصحاب في كتبهم،و يظهر من المختلف أنّه جماعة،لكنه قال:و ربما منع من ذلك جماعة من علمائنا (2).

و فيه نوع إيماء إلى عدم قطعه بمخالفتهم،و حجتهم مع ذلك غير واضحة عدا الأصل المخصص بما مرّ من الأدلة.

و ما يستفاد من الماتن في الشرائع و غيره (3)من فتوى الأصحاب بأنّه لا يجوز كتاب قاضٍ إلى قاضٍ و لا العمل به،و الخبرين المتقدمين (4)، فضعفهما ظاهر؛ لاختصاصها بغير محل النزاع،و هو المنع من كتاب قاضٍ إلى قاضٍ و إجازة العمل به،و نحن نقول به.

نعم ربما كان في ذيل الخبرين ما يعرب عن المنع عن كتاب قاضٍ إلى قاضٍ مطلقاً و لو كان مع البيّنة،لكن ضعفهما سنداً،و عدم جابر لهما هنا،مع عدم مقاومتهما لشيء من الأدلة التي قدمناها،يضعف الاستناد إليهما،سيّما مع عدم صراحة دلالتهما،بل و لا ظهورهما في المنع عن

ص:140


1- كما في التنقيح الرائع 4:261.
2- المختلف:706.
3- الشرائع 4:97؛ و انظر المفاتيح 3:269.
4- في ص 135.

العمل بالبيّنة مطلقاً حتى التي نحن نقول بها؛ إذ البيّنة التي أجازته بنو أُميّة لعلها كانت البيّنة على صحة الكتابة لا على الحكم،أو عليه لكن من دون شرائطه المتقدمة.

الثانية في القسمة

الثانية: في بيان أحكام القسمة.

و إنّما ذكرت في كتب أكثر الأصحاب هنا مع أنّها بكتاب الشركة أنسب؛ لأنّ القاضي لا يستغني عن القسام للحاجة إلى قسمة الشركاء،بل القسام كالحكام.

و الأصل في شرعيتها الإجماع،بل الضرورة،و الكتاب و السنّة،قال اللّه تعالى وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى [1] (1)الآية.

و في اخرى وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [2] (2).

و فعلها النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فقد قسم خيبر على ثمانية عشر سهماً (3).

و قال:« الشفعة فيما لا تقسم،فإذا رفعت الحدود و عرف الطرق فلا شفعة» (4).

و روى أنّه كان لعليّ(عليه السّلام)قاسم يقال له:عبد اللّه بن يحيى،و كان يرزقه من بيت المال (5)،و لذا أفتى الأصحاب باستحباب أو وجوب أن يتخذ الإمام قاسماً،و أنّ رزقه من بيت المال،مع أنّ الحاجة تدعو إليها؛ إذ قد يتبرم الشركاء أو بعضهم بالمشاركة،أو يريدون الاستبداد بالتصرف، و الناس مسلّطون على أموالهم.

ص:141


1- النساء:8.
2- القمر:28.
3- المبسوط 8:133.
4- سنن البيهقي 6:102.
5- المبسوط 8:133.

و هي عندنا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر (1)مجرد تمييز الحقوق و الأنصباء بعضها عن بعض،و ليست بيعاً و إن اشتملت على ردّ؛ لعدم افتقارها إلى صيغة،و قبولها الإجبار،و تقدر أحد النصيبين بقدر الآخر،و البيع ليس فيه شيء من ذلك.و اختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات.و اشتراك كل جزء يفرض قبلها بينهما و اختصاص كل واحد بجزء معيّن و إزالة ملك الآخر بعدها بعوض مقدر بالتراضي ليس حد البيع حتى يدل عليه.

و تظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها،و عدم بطلانها بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع،و عدم خيار المجلس، و قسمة الوقف من الطلق،و غير ذلك.

و لا يشترط حضور قاسم من قبل الحاكم،بل و لا من قبلهما في صحتها و لزومها،بلا خلاف؛ لأنّ المقصود وصول كل حق إلى صاحبه، فإذا حصل من الشركاء كفى بل هو أحوط لأنّه أبعد من التنازع، خصوصاً إذا كان من قِبَل الإمام(عليه السّلام)،فإنّه كالحاكم يقطع التنازع بين المتقاسمين.

و إذا عدّلت السهام بالأجزاء في متساويها كيلاً،أو وزناً، أو ذرعاً،أو عدّاً بعدد الأنصباء،أو بالقيمة في مختلفها،كالأرض و الحيوان و غيرهما كفت القرعة في تحقق القسمة و لزومها،بلا خلاف فيما لو كان القاسم من قِبَل الإمام،قالوا:لأنّ قرعته بمنزلة حكمه،و لذا يشترط فيه العدالة و المعرفة،فلا يعتبر رضاهما بعدها.

ص:142


1- كالقواعد 2:218،و إيضاح الفوائد 4:366،و الروضة البهية 3:113،و كشف اللثام 2:350.

و أمّا لو تراضيا بقاسم،أو تقاسمها بأنفسهما بالتعديل و الإقراع،ففي كفايتها عن الرضا هنا أيضاً مطلقاً،أم لا بدّ من اعتباره بعدها كذلك،أم الثاني إن كان قسمة ردّ،و إلّا فالأوّل،أقوال.

خيرها أوسطها،وفاقاً للشيخ و الفاضل في التحرير (1)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على عدم اللزوم و بقاء الشركة بحالها على المتيقن من الفتاوى،و ليس إلّا اللزوم بقسمة قاسم الإمام أو غيره مع الرضا بعد القرعة لا مطلقاً.

خلافاً لإطلاق العبارة،بل ظاهرها و صريح جماعة كالفاضل في الإرشاد و القواعد (2)فالأوّل،بل قال في الأخير بالاكتفاء بالرضا و لو من غير قرعة،و تبعه الشهيدان في المسالك و اللمعة (3).

قيل:لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتمييز الحق (4).

و هو حسن[لو ورد (5)]نص معتبر بلزوم القسمة بقول مطلق، و لم أجده،و به صرح أيضاً في الكفاية (6).فدعوى إيجابها التمييز مطلقاً مع مخالفته الأصل محلّ نظر.

و بالجملة:يجب الوقوف في كل حكم مخالف للأصل لم يرد به النص بحيث يقتضيه خصوصاً أو عموماً على المتفق عليه المتيقن.و إلى ما ذكرناه يشير كلام فخر الإسلام في منع ما استدل به والده لمختاره من أنّ

ص:143


1- المبسوط 8:133،التحرير 2:202.
2- الإرشاد 2:154،القواعد 2:218.
3- المسالك 2:382،اللمعة(الروضة البهية 3):117.
4- قاله في الروضة 3:117.
5- في النسخ:لورود،و الظاهر ما أثبتناه.
6- الكفاية:273.

القرعة سبب التعيين،حيث قال:إنّ القرعة إنّما تعيّن بحكم الحاكم،أو تراضيهما بعدها،أمّا لا مع أحدهما فيمنع أنّها سبب التعيين؛ لأصالة بقاء الشركة (1).

و ظاهره حيث اقتصر على المنع و لم يردّه قبوله.

و للدروس و الروضة (2)،فالثالث،و لعل مستنده الجمع بين الدليلين.

و هو ضعيف في الغاية؛ لعموم مقتضاهما بلا شبهة،و لا شاهد على الجمع من إجماع أو رواية،هذا.

و يظهر من فخر الإسلام و الفاضل المقداد (3)عدم الإشكال بل و الخلاف في اعتبار الرضا في قسمة الردّ،حيث قالا بعد ذكر وجهي القولين بالاكتفاء و العدم:و هذا البحث إنّما هو في القسمة التي لا تشتمل على ردّ،و أمّا إن اشتملت على ردّ فلا بُدّ من التراضي كما في الابتداء،و كل قسمة يعتبر فيها التراضي بعد القرعة لا بد في التراضي من ذكر القسمة، كأن يقول:رضيت بها.

و اعلم أنّ كل ما يتساوى أجزاؤه وصفاً و قيمةً،و يعبر عنه بالمثلي،لو التمس أحد المتشاركين فيه القسمة و امتنع عنها الآخر يجبر الممتنع على قسمته جامداً كان كالحنطة و الشعير و نحوهما من الحبوب و الثمار،أو مائعاً كالخلول و العسل و السمن و الأدهان.

و كذا يجبر على قسمة القيمي،و هو كل ما لا يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في القسمة ضرر و لا ردّ ك الدار المتفقة الأبنية و الأرض

ص:144


1- إيضاح الفوائد 4:369.
2- الدروس 2:117،الروضة 3:119.
3- إيضاح الفوائد 4:369،التنقيح الرائع 4:263.

المتشابهة الأجزاء و الخشب و غير ذلك،و لا خلاف في دخول الإجبار في جميع ذلك،على الظاهر المصرح به في الكفاية (1)،و يظهر من غيره (2)؛ لأنّ للإنسان ولاية الانتفاع بماله،و الانفراد أكمل نفعاً،و يسمّى قسمة إجبار.

و أمّا مع الضرر أو الردّ ف لا يجبر الممتنع على القسمة إن لزمه أحدهما بلا خلاف فيه أيضاً،على الظاهر المصرح به في الكتاب المتقدم؛ إذ لا ضرر و لا إضرار،و الردّ معاوضة محضة يستدعي التراضي، و يسمّى قسمة تراض.

و التعليل الأخير و إن اقتضى منع دخول الإجبار في أصل القسمة لتضمنها شبه المعاوضة بل نفسها و إن كانت معاوضة على حدةٍ،لا بيعاً، و لا غيره،إلّا أنّه خارج بعدم الخلاف فيه كما مر،بل الإجماع كما يظهر من بعض مَنْ تأخر (3).

و لو لزمهما الضرر معاً أو الملتمس خاصّة و كان طلب القسمة معه يوجب سفهاً لم يجبر الممتنع أيضاً،بل لم يجز له و لا للحاكم الإجابة، بلا خلاف أجده،و وجهه واضح تقدم هو و بعض ما يتعلق بالمقام من تحقيق الضرر و الاختلافات فيه و غيره.

النظر الرابع في الدعوى

الفصل الأول في المدعي

اشارة

النظر الرابع في بيان الدعوى و ما يتعلق بها و هي تستدعي أن نذكر هنا

ص:145


1- الكفاية:273.
2- انظر المفاتيح 3:87.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:219.

فصولاً ثلاثة:

الأول: في بيان المدّعى و قد اختلف الفقهاء في تفسيره، فقيل:إنّه هو الذي يترك و يخلّى سبيله لو ترك الخصومة و لم يطالب بشيء.

و قيل:إنّه الذي يدّعي خلاف الأصل،أو أمراً خفياً خلاف الظاهر،و يقابله المنكر على التعريفين.

و ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و القواعد و الروضة (1)انحصار الخلاف في قولين،و حكي التصريح به عن عميد الرؤساء في شرح القواعد،فقال:

و قد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين،حكاهما المصنف،و كذا الشيخ نجم الدين في الشرائع (2).و هو ظاهر التنقيح (3).

و لكن الظاهر من باقي الأصحاب كفخر الدين و الشهيد في الدروس و المهذب و الصيمري و شيخنا في المسالك و جملة ممن تبعه (4)،بل صريحهم أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:

ثالثها:المعطوف بأو في العبارة خاصّة في مقابل الثاني و هو المعطوف عليه خاصّة.و ربما ينسب إلى فخر الدين جعله هو المعطوف مع المعطوف عليه مردّداً بينهما كما في العبارة،و لم أجده في الإيضاح.

ص:146


1- الشرائع 4:106،القواعد 2:208،الروضة 3:76.
2- كنز الفوائد 3:471.
3- التنقيح الرائع 4:266.
4- إيضاح الفوائد 4:323،الدروس 2:83،المهذّب البارع 4:482،غاية المرام 4:251،المسالك 2:387؛ و انظر الكفاية:274،و كشف اللثام 2:335،و المفاتيح 3:270.

و لو صحت النسبة كان الفرق بين القولين حينئذ انحصار الدعوى في مخالف الظاهر على الثاني،و ثبوتها بمخالفة الأصل أيضاً على الأوّل.

فظهر فساد توهم اتحادهما؛ لتواردهما على ثبوت الدعوى بمخالفة الظاهر،فلا شهادة في كلام الفخر من هذه الجهة على انحصار الخلاف في القولين،مع أنّه صرح سابقاً بما قدّمنا إليه الإشارة.

و كيف كان،القائل بالأوّل معروف،و هو الماتن هنا و في الشرائع و الشهيدان في اللمعتين و غيرهم (1)،و لعله المشهور.و القائل بغيره مطلقا غير معروف،و إنّما ذكره الأصحاب قولاً،و لم يسمّوا له قائلاً،و مع ذلك لم يختاروا عدا ما ذكرنا من الأقوال شيئاً،و لم يذكروا لشيءٍ منها دليلاً.

و التحقيق في مثله يقتضي الرجوع إلى العرف و اللغة؛ لأنّهما المحكّمان فيما لم يرد به نص في الشريعة.

فنقول:الدعوى لغة الطلب،كما صرح به جماعة،كفخر الدين في الإيضاح و شارحي الكتاب في المهذب و التنقيح (2)،و لعل القول الأوّل أنسب به،و إن كان أعم منه،و لعل العرف يساعده أيضاً،بل ربما يساعد الثاني،كما أشار إليه المقدس الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال:الحق في معناه الأوّل،و قريب منه الثاني؛ لأنّه المتبادر عرفاً من المدّعى فيحمل عليه؛ لما تقرّر من أنّه إذا لم يكن للّفظ حقيقة شرعية يحمل على العرفي (3).هذا.

و أثر الاختلاف هيّن،إذ لا يختلف موجبه غالباً،كما إذا طالب زيد عمرواً بدين في ذمّته،أو عين في يده فأنكر،فزيد لو سكت ترك،

ص:147


1- الشرائع 4:106،اللمعة(الروضة البهية 3):76؛ و انظر القواعد 2:208.
2- إيضاح الفوائد 4:323،المهذّب البارع 4:482،التنقيح الرائع 4:266.
3- مجمع الفائدة و البرهان 12:115.

و يخالف قوله الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة عمرو من الدين،و عدم تعلق حق زيد بالعين،قالوا:و يخالف قوله الظاهر من براءة عمرو.

و هو حسن مع قيام أمارات على براءته توجب ظهورها،و إلّا فظهورها ليس إلّا من جهة الأصل،و لعله غير الظهور المدّعى هنا فلا يقابل به.

و كيف كان،عمرو منكر على جميع التقادير؛ إذ لا يترك و سكوته، و يوافق الأصل و الظاهر على ما قالوه.

و قد يختلف،كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول،فقال الزوج:أسلمنا معاً فالنكاح باقٍ،و قالت:مرتّباً فلا نكاح،فهي على الأوّلين مدّعية؛ لأنّها لو تركت الخصومة لتركت،و استمر النكاح المعلوم وقوعه،و الزوج لا يترك لو سكت؛ لزعمها انفساخ النكاح،و الأصل بقاؤه،و عبّروا عنه بأصل عدم التعاقب؛ لاستدعائها تقدم أحد الحادثين على الآخَر،و الأصل عدمه، و على الظاهر الزوج مدّع؛ لبعد التساوق،فعلى الأوّلين يحلف الزوج و يستمرّ النكاح،و على الثالث تحلف المرأة و يبطل.و كذا لو ادّعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما و يساره و ديانته،و أنكرته،فمعه الظاهر،و معها الأصل (1).

و يشترط فيه أي في المدّعى التكليف بالبلوغ و كمال العقل و أن يدّعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه بأن يكون وكيلاً،أو وصيّاً،أو وليّاً،أو حاكماً،أو أمينه،فلو ادّعى الصغير أو المجنون أو من لا ولاية له عليه لم تسمع دعواه،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به

ص:148


1- انظر إيضاح الفوائد 4:324،و التنقيح الرائع 4:266،و الروضة البهية 3:77.

صرح بعض الأجلّة (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص إطلاق ما دل على سماع الدعوى و أحكامها من النص و الفتوى بحكم التبادر و غيره بما إذا صدرت ممن اجتمعت فيه الشرائط المزبورة و غيرها.و يزيد الحجة على اعتبار التكليف تضمّن الدعوى أُموراً تتوقف عليه كإقامة البيّنة و نحوها.

و من الدليل السابق يظهر وجه اشتراط إيراد الدعوى بصيغة الجزم إمّا بأن يصرّح به،أو يطلق أنّ لي عليه كذا من دون تصريح بما يعرب عن عدم الجزم به من لفظ الظن و نحوه؛ لرجوع الإطلاق إليه بحكم التبادر،و به صرّح في الدروس و غيره (2).

و كون المدّعى به مملوكاً ممّن يصح تملكه،فلو قال:أظن الحق عليه،أو أتّهمه،أو قال:لي عليه خمر أو خنزير و نحوهما،و كان مسلماً لم تسمع منه الدعوى بلا خلاف في الأخير،و كذا في الأوّل إذا كان فيما لا يخفى.

و أمّا في غيره كالتهمة فقولان،ظاهر إطلاق الماتن هنا و صريحه في الشرائع و صريح الفاضل المقداد في شرح الكتاب و الكيدري و ابن زهرة (3)العدم،و نسبه في الكفاية إلى المشهور (4).

و فخر الدين و الشهيدان في نكت الإرشاد و المسالك و الروضة و المحقق الثاني (5)كما حكي على الثاني،وفاقاً منهم لبعض القدماء

ص:149


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:115.
2- الدروس 2:84؛ و انظر مجمع الفائدة 12:124.
3- الشرائع 4:82،التنقيح الرائع 4:268،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الكفاية:266.
5- فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:328،غاية المراد(مخطوط)الورقة:250،المسالك 2:366،الروضة 3:79،رسائل المحقق الكركي 2:219،220.

كابن نما (1).

و تردد فيه الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير (2)،و هو ظاهر الصيمري و غيره (3).

ينشأ:ممّا قدمناه،مضافاً إلى أنّ الدعوى توجب التسلّط على الغير بالإلزام بالإقرار،أو بالإنكار،أو التغريم،و هو ضرر عليه منفي،و أنّها في معرض أن يتعقّبها يمين المدّعى أو القضاء بالنكول و هما غير ممكنين هنا؛ لاستحالة الحلف على الظن،و امتناع ثمرة النكول؛ إذ لا يستحل الغريم أن يأخذ بمجرد إنكار المدّعى عليه و نكوله عن اليمين؛ لاحتمال كونه للتعظيم أو غيره.

و من عموم قوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [1] (4)فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [2] (5)و أنّ الأصل عدم الاشتراط،و أنّه لو كان الجزم شرطاً لم يكف اللفظ المحتمل عند الحاكم،بل كان يجب عليه الاستفسار فيه،فيقول:هل أنت جازم أم لا؟ و التالي باطل،فالمقدم مثله.

بيان الملازمة:أنّ الجهل بالشرط يستلزم عدم الجزم بالمشروط، فلا يحصل الجزم بسماع الدعوى.

و في جميع هذه الأدلة الأخيرة نظر؛ لمنع العموم في الآية،و إنّما غايتها الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع،و لو سلّم فلا دلالة

ص:150


1- حكاه عنه في الشرائع 4:82.
2- القواعد 2:208،الإرشاد 2:144،التحرير 2:186.
3- غاية المرام 4:229،و انظر المفاتيح 3:259.
4- المائدة:49.
5- النساء:65.

فيها على كون الحكم فيه سماع الدعوى،فقد يكون الحكم فيه ردّها كسائر ما يردّ فيه الدعاوي و لم تسمع إجماعاً.

و التمسك بأصالة عدم الاشتراط حسن حيث يكون إطلاق ينفع،أو عموم،و وجود كل منهما هنا غير معلوم،و عموم الآية على تقدير تسليمه دليل آخر،فلا يتم به الأصل .

و اشتراط الجزم إنّما هو في الصيغة لا في نفس الأمر و العقيدة،كما صرح به الشهيدان في النكت و المسالك،و الصيمري في شرح الشرائع (1)، قالوا:فإنّه من المعلوم أنّه إذا كان للإنسان بيّنة تشهد له بالحق و هو لا يعلم به له أن يدّعي عند الحاكم لتشهد البيّنة له.

و لعله لهذا نسب الجزم المعتبر في العبارة و غيرها إلى الصيغة خاصّة، تنبيهاً على عدم اعتباره في العقيدة،و حينئذ فلا يجب على الحاكم الاستفسار بعد ظهور الصيغة في الجزم و إن احتمل خلافه حيث لم يصرح به؛لما عرفت من رجوع الإطلاق إليه،هذا.

و لو سلمت هذه الأدلة فمفادها سماع الدعوى مطلقاً و لو لم يكن هناك تهمة أصلاً،و لم يقولوا به،بل ظاهرهم الإطباق على خلافه،و إن حكى القول بالإطلاق شيخنا الشهيد الثاني (2)،فإنّ قائله غير معروف و لا في كلام أحد عدا شيخنا مذكور،و لعله من العامّة،و على تقدير كونه منّا يصح النقض أيضاً جدلاً مع هؤلاء الجماعة،و لو ذبّ عنه بالإجماع على التقييد لم ينفع؛ لإيراثه الوهن في أدلتهم و لو بالإضافة إلى ما تقدم من الأدلة المعارضة.

ص:151


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:250،المسالك 2:266،غاية المرام 4:228.
2- المسالك 2:367.

و بالجملة:الظاهر ما عليه الماتن،و اللّه سبحانه هو العالم.

قالوا:و على الثاني إن حلف المنكر أو قضينا بالنكول فلا كلام،و إن لم نقض إلّا بردّ اليمين لم تردّ هنا؛ لعدم إمكانه،بل توقف الدعوى (1).

و منه يظهر ما في استدلال الشهيد في النكت (2)على اختياره له بأنّ فيه حسماً لمادة النزاع؛ لعدم انحسامها على تقدير النكول عن اليمين، و عدم إمكان الردّ و القضاء بالنكول.

نعم تنحسم على القول بالقضاء به،و هو لا يقول به،فلا يوافق دليله مختاره،إلّا أن يلتزم بحبس المنكر إلى أن يقرّ أو يحلف،كما ذكره الصيمري (3)،و لكنّه لم يذكره هو و لا من عداه،بل ظاهرهم إيقاف الدعوى، و به صرح بعضهم (4)،فتأمّل جدّاً.

مع أنّ حسم مادة النزاع غير منحصر في سماع الدعوى؛ لإمكانه بردّها أيضاً كسائر ما يردّ فيه الدعاوي إجماعاً،كما مضى (5).

و اعلم أنّ من كانت دعواه عقوبة كالقصاص،و حدّ القذف، فلا بُدّ من الرفع الى الحاكم،بلا خلاف يعرف،كما في الكفاية (6).

و إن كانت عيناً و تيقن استحقاقها فله انتزاعها عن المنكر و لو قهراً ما لم يثر فتنة،و لا يقف ذلك على إذن الحاكم بلا خلاف؛ لأنّه عين ماله فلا حاجة الى الرجوع في تحصيله إلى غيره فإنّ« الناس مسلّطون على

ص:152


1- انظر المسالك 2:367،و الكفاية:267،و المفاتيح 3:259.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:250.
3- غاية المرام 4:230.
4- المسالك 2:367.
5- في ص 151.
6- الكفاية:275.

أموالهم» (1)و لو أدّى إلى الفتنة فلا بُدّ من الرفع إليه أو إلى من يؤمن معه منها؛ دفعاً لها.

و لو كانت ديناً و الغريم مقرّ به باذل له غير مماطل،أو مماطل،أو غير باذل مع إمكان الانتزاع بالحاكم أو كانت دعواه دينا مع جحوده أي الغريم،و لكن له عليه أي على الدين حجّة يتمكن معها من إثباته عليه عند الحاكم و انتزاعه منه بإعانته لم يستقل المدّعى حينئذ بالانتزاع من دون إذن الغريم،أو الحاكم حيث لا يمكن إذنه،بلا خلاف فيه فيما عدا الأخير.

للأصل،مع فقد ما يوجب الخروج عنه عدا تعلق حقه بذمّته،و ليس بمخرج؛ لأنّه أمر كلّي و للمديون التخيير في تعيينه من ماله،فلا يتعين في شيء منه بدون تعيينه،أو تعيين الحاكم حيث لا يمكن تعيينه بمماطلته أو عدم بذله.

و لا يتصور اعتبار إذن الحاكم إلّا في هاتين الصورتين،دون ما فرضه الماتن من بذل الغريم؛ لأنّ الحاكم إنّما (يتولي عن) [يلي على ] (2)الممتنع و من في معناه.

اللّهم إلّا أن يتصور حينئذٍ في غيبة الغريم مع حلول الدين و تضرّر المدّعى بالتأخير إلى حضوره،فيكون في معنى الممتنع،فيندفع به الاعتراض المتقدم،و إن أورده شيخنا في المسالك (3)على عبارة الماتن في الشرائع (4)القريبة من عبارته هنا،فتأمّل .

ص:153


1- عوالي اللئالئ 1:99/222،198/457،و ج 2:383/138،و ج 3:49/208.
2- في« ح»:يلي على.
3- المسالك 2:388.
4- الشرائع 4:108.

و أمّا عدم الاستقلال في الأخير فمختار الماتن هنا خاصّة؛ للاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الضرورة،و هي هنا منتفية؛ لإمكان التوصل إلى الحق بالحكم بمعونة البيّنة؛ و لأنّ الممتنع عن وفاء الدين يتولّى القضاء عنه الحاكم و يعيّن من أمواله ما يشاء،و لا ولاية لغيره عليه.

خلافاً للأكثر،على الظاهر المصرح به في المسالك (1)،بل المشهور كما في كلام الصيمري و الكفاية (2)،و عليه عامّة المتأخّرين حتى الماتن في الشرائع (3)،و هو الأظهر؛ عملاً بعموم الأدلة التي ستذكر،بل صريح بعضها كما سيظهر،و بها يخصّ الأصل الذي مرّ،سيّما بعد التأيّد بأصالة عدم إلزام المدّعى بكلفة الترافع إلى الحاكم،و إقامة البيّنة و إحضارها مع تشتّتها، و احتمال ردّ الحاكم لها أو غيره ممّا يوجب سقوط الحكم كما قيل (4)،فتأمّل .

و العجب من بعض الأصحاب (5)حيث استدل للمختار بما روي عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أنّه لما قالت له هند:يا رسول اللّه إنّ أبا سفيان رجل شحيح و أنّه لا يعطيني ما يكفيني و ولدي إلّا ما أخذت منه سرّاً و هو لا يعلم،فهل عليَّ في ذلك شيء؟فقال(صلّى اللّه عليه و آله):«خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف» (6).

فإنّ فيه:أنّ أمره(صلّى اللّه عليه و آله)لها بذلك لعله إذن منه لها من قِبَل ولايته على زوجها الممتنع،إلّا أن يمنع بتوقفه على استئذان هند إيّاه في ذلك،و الحال أنّها قد سألته،و السؤال يقتضي كون الأمر جواباً عن مسألة لا إذناً عن

ص:154


1- المسالك 2:388.
2- غاية المرام 4:254،الكفاية:275.
3- الشرائع 4:109.
4- انظر كشف اللثام 2:343.
5- المسالك 2:388.
6- صحيح مسلم 3:7/1338،سنن ابن ماجة 2:2293/769.

الممتنع و رخصته.

و فيه نظر.

و لو فات أحد الشروط المتقدمة بأن كانت دعواه عيناً أو ديناً، و الغريم منكر لا حجة له عليه،أو مقرّ غير باذل،أو باذل مماطل مع عدم إمكان الانتزاع بالحاكم و حصل للغريم في يد المدّعى مال كان له المقاصّة و أخذه عوضاً عن حقه من غير زيادة،بلا خلاف أجده فيما إذا لم يكن مال وديعة،و به صرّح جماعة (1)،بل يفهم الإجماع عليه من الغنية (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى قوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (3)الآية،و قوله عزّ شأنه فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [2] (4)و فحوى النبوي:« ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه» (5).

و خصوص النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة في بحث سقوط الدعوى بإحلاف المنكر و لو أُقيم عليها البيّنة بعده (6)الصحاح المستفيضة:

منها:إنّي أُعامل قوماً فربما أرسلوا إليَّ فأخذوا منّي الجارية و الدابّة

ص:155


1- منهم المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:126،و السبزواري في الكفاية:275،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:132.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):592.
3- البقرة:194.
4- البقرة:194.
5- مسند أحمد 4:388،سنن ابن ماجة 2:2427/811،سنن أبي داود 3:3628/313،الوسائل 18:333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4.
6- راجع ص 77.

فذهبوا بها منّي،ثمّ يدور لهم المال عندي،فآخذ منه بقدر ما أخذوا منّي؟ فقال:« خذ منه بقدر ما أخذوا منك و لا تزد عليه» (1).

و منها:إنّي أُخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها،و الدابّة الفارهة فيأخذونها،ثمّ يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟فقال:« خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» (2)و نحوه آخر (3).

و الحسنان كالصحيحين:قلت:رجل لي عليه دراهم فجحدني و حلف عليها،أ يجوز لي لو أن وقع له قِبَلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟قال:

فقال:« نعم،و لهذا كلام» قلت:و ما هو؟قال:« يقول:اللّهم إنّي لم آخذه ظلماً و لا خيانة،و إنّما أخذته مكان مالي الذي أخذ منّي،و لم أزدد عليه شيئاً» (4).

و لا يقدح تضمّنهما جواز القصاص مع الحلف،و اعتبارهما الدعاء المزبور؛ لاحتمال حمل الأوّل على الحلف من غير استحلاف،كما تقدم في البحث السابق (5)،و الثاني على الاستحباب،كما هو ظاهر الأصحاب؛ لخلوّ أكثر أخبار المسألة الواردة ظاهراً في بيان الحاجة عنه بالمرّة،مع اختلاف المتضمن له في بيان الكيفية،ففي بعض كما مرّ،و في آخر يقول:« اللّهم

ص:156


1- الفقيه 3:489/115،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 1.
2- التهذيب 6:978/347،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 1.
3- التهذيب 6:939/338،الوسائل 17:214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 7.
4- الفقيه 3:485/114،التهذيب 6:982/348،الإستبصار 3:168/52،الوسائل 17:273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 4.
5- راجع ص 79.

إنّي لم آخذ ما أخذت منه خيانةً و لا ظلماً و لكني أخذته مكان حقي» (1).

و في الفقيه:و في خبر آخر:«إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز له أن يحلف إذا قال هذه الكلمة» (2).

و ظاهره اعتبار الدعاء لجواز الحلف لا لأصل جواز الأخذ ،كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة،فهذا أيضاً اختلاف آخر،مع قصور أسانيد الكل، و عدم مقاومته لما مرّ من وجوه عديدة تظهر لمن تدبّر،و مع ذلك فهو أحوط؛ حملاً للمطلق على المقيد،وفاقاً للصدوق في الفقيه،و الشيخ في التهذيب،إلّا أن ظاهرهما التعيين،و فيه نظر.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي،بل ظاهرهما و صريح جملة منهما عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان المال المقتص منه من غير جنس الحق أو من جنسه،قالوا:و يتخير في الأوّل بين أخذه بالقيمة العادلة فيما بينه و بين اللّه تعالى،و بين بيعه و صرفه في جنس الحق، و يستقل بالمعاوضة كما يستقل بتعيين أحد الفردين المخير بينهما.

قيل:و الرجوع إلى الحاكم في ذلك أولى (3).و لا ريب فيه إذا لم يخف به على حقه من التلف أصلاً.

و هل يتعين عليه أخذ الجنس إذا اجتمع مع غيره؟ظاهر إطلاق الأدلة كالعبارة و نحوها العدم،خلافاً للشهيدين و غيرهما (4)،فيتعين،و هو أحوط،و إن كان في تعيينه نظر.

ص:157


1- الفقيه 3:486/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ذيل الحديث 5.
2- الفقيه 3:487/114،الوسائل 17:274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 6.
3- قاله في المسالك 2:389،و المفاتيح 3:132.
4- الدروس 2:85،المسالك 2:389؛ و انظر المفاتيح 3:132.

و أمّا الوديعة ففي جواز الاقتصاص منها مع الكراهة قولان:

أوّلهما ظاهر إطلاق المتن و نحوه،و صريح الشرائع،و الشيخ في التهذيبين،و الحلّي في السرائر،و الفاضل في الإرشاد و المختلف، و الصيمري في شرح الشرائع،و الفاضل المقداد في التنقيح،و الشهيدين في النكت و المسالك،و فيه و في الكفاية أنّه عليه أكثر المتأخّرين (1).

و هو كذلك،بل لعله عليه عامّتهم؛ لإطلاق الأدلة،بل عمومها الناشئ من لفظة« مَنْ» في الآية،و من ترك الاستفصال في الأخبار المتقدمة و غيرها،كالأخبار المتقدمة (2)في البحث المتقدم إليه الإشارة.

و الخبرين،في أحدهما:عن الرجل يكون له على الرجل[الدين] (3)فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده،أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟قال:« نعم» (4).

و في الثاني:إنّه كان لي على رجل دراهم،فجحدني،فوقعت له عندي دراهم،فأقبض من تحت يدي مالي عليه؟و إن استحلفني حلفت أن ليس له عليّ شيء؟قال:« نعم» (5)الخبر،هذا.

مضافاً إلى خصوص جملة من المعتبرة،و منها:رواية هند المتقدمة،

ص:158


1- الشرائع 4:109،الاستبصار 3:53،التهذيب 6:349،السرائر 2:37،الإرشاد 2:143،المختلف:412،غاية المرام 4:254،التنقيح 4:269،غاية المراد(مخطوط)الورقة:249،المسالك 2:389،الكفاية:275.
2- في ص:77.
3- في النسخ:العين،و ما أثبتناه من المصادر.
4- التهذيب 6:986/349،الإستبصار 3:167/51،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 10.
5- التهذيب 8:1083/293،الوسائل 23:285 كتاب الأيمان ب 47 ح 1.

بناءً على أنّ مال الرجل في يدي امرأته كالوديعة (1).

و أظهر منها الخبر:عن رجل دفع إليه مال ليصرفه في بعض وجوه البرّ،فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به،و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال،فقال:هل يجوز لي أن أقبض مالي أو أردّه عليه و أقتضيه؟فقال:« اقبض مالك مما في يدك» (2).

و أظهر منهما خبران آخران،بل هما صريحان،أحدهما الصحيح:أنّ شهاباً ما رآه أي أبا العباس في رجل ذهب له ألف درهم و استودعه بعد ذلك ألف درهم،قال أبو العباس:فقلت له:خذها مكان الألف الذي أخذه منك،فأبى شهاب،قال:فدخل شهاب على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)فذكر له ذلك،فقال:« أمّا أنا فأحبّ إليّ أن تأخذ و تحلف» (3).

و محبته(عليه السّلام)ذلك مع الاتفاق على المرجوحية غير قادح في الحجية بعد احتمال خصوصية في واقعة شهاب أوجبت تلك المحبة.و دفعه بالأصل حسن إن لم يستلزم منه طرح الرواية المعتبرة و خروجها عن الحجية بالكلية،و أمّا مع الاستلزام كما فيما نحن فيه فلا؛ لعموم ما دل على حجية أمثال الرواية.مع أنّ فيه جمعاً بين الأدلة.

و في الثاني:رجل غصب رجلاً مالاً أو جاريةً ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه،أ يحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب:« نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه،و إن كان أكثر فليأخذ منه

ص:159


1- راجع ص 155.
2- التهذيب 6:984/348،الإستبصار 3:170/52،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 8.
3- التهذيب 6:979/347،الإستبصار 3:174/53،الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 2.

ما كان عليه و ليسلّم الباقي إليه إن شاء اللّه» (1).

و قصور سنده إن كان كغيره منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة،مع أنّ سند هذا ربما استظهر فيه الصحة،فهذا القول لا يخلو عن قوّة.

خلافاً للصدوق في الفقيه،و الشيخ في النهاية بل أكثر كتبه كما في المختلف،و التقي و الحلبي (2)،و الكيدري،و أبي علي الطبرسي،و ابن زهرة العلوي،فاختاروا المنع (3)،و ادعى الأخير عليه إجماع الإمامية،و مال إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة (4)..

له،و للكتاب،و السنّة المستفيضة الآمرة بردّ الأمانة،و خصوص المعتبرة،ففي الصحيح:عن الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه،ثم يستودعني مالاً،أَ لي أن آخذ مالي عنده؟قال:« لا،هذه خيانة» (5).

و فيه:« من ائتمنك بأمانة فأدّها إليه،و من خانك فلا تخنه» (6)فتأمّل .

و في القريب منه بابن أبي عمير الراوي عن موجب قصوره،و هو ممن قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه من رواياته (7)-:أنّ

ص:160


1- التهذيب 6:985/349،الإستبصار 3:173/53،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 9.
2- كذا في النسخ،و لعل المراد بالحلبي هو القاضي ابن البراج.
3- الفقيه 3:115،النهاية:307،الخلاف 3:461،المختلف:412،الكافي في الفقه:331،و حكاه عن القاضي في المختلف:412،و عن الكيدري في غاية المراد(مخطوط)الورقة:249،المؤتلف من المختلف 2:577،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
4- مجمع الفائدة و البرهان 9:126 و 12:107 111،و انظر المفاتيح 3:132.
5- الكافي 5:2/98،الفقيه 3:483/114،التهذيب 6:438/197،الوسائل 17:275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 11.
6- الفقيه 3:484/114،الوسائل 17:276 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 12.
7- رجال الكشي 2:830.

ابني مات و ترك مالاً في يد أخي فأتلفه،ثمّ أفاد مالاً فأودعنيه،فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟فأخبرته بذلك فقال:« لا،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أدّ الأمانة إلى ما ائتمنك،و لا تخن من خانك» (1).

و في الجميع نظر:فالأوّل:بأنّ غايته أنّه رواية صحيحة لا تعارض ما قدمناه من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً.

و الثاني:أوّلاً:بالمعارضة بالمثل من الكتاب و السنّة الدالة على جواز الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به،و هذا أرجح بالشهرة و الاتفاق على العمل بها في مسألة التقاصّ و لو في الجملة،و التأيّد بأدلة نفي الضرر و العسر و الحرج في الشريعة،فتأمّل .

و ثانياً:بأنّه ليس بأولى من عمومات الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير بغير رخصة و أنّه خيانة،فكما خصّصت بأدلة جواز المقاصة فلتكن العمومات المستدل بها هنا أيضاً مخصّصة.

و الثالث:أوّلاً:بما أُجيب به عن الإجماع المتقدم.

و ثانياً:بعدم الصراحة؛ لاحتمالها الحمل على الكراهة،أو على ما إذا لم يجتمع بعض شروط جواز المقاصّة المتقدمة التي منها عدم التمكن من الانتزاع منه إلّا بها،و عدم إحلافه سابقاً،و غير ذلك،فتحمل على صورة التمكن منه بغيرها أو إحلافه.

و يعضده تضمن هذه الروايات النهي عن الخيانة،و لا يحصل مع الأخذ مقاصّة؛ لأنّه في قوّة أداء الأمانة إلى من ائتمنه؛ لأنّه وفى منها دينه

ص:161


1- التهذيب 6:981/348،الإستبصار 3:172/52،الوسائل 17:273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 3.

بإذن الشارع العام كما سبق،فكان بمنزلة أدائها إلى وكيله،و أداء الأمانة إليه قائم مقام الأداء إلى المالك،و لا تتحقق الخيانة بذلك؛ لأنّ استيفاء الحق ليس بخيانة،و إنّما مقتضى الخيانة أكل الوديعة بغير حق.

و إلى هذا يشير جملة من الروايات المتقدمة المتضمنة للدعاء،فإنّ في جملته:« اللّهم إنّي لم آخذه ظلماً و لا خيانةً،و إنّما أخذته بدل مالي الذي أخذه» (1)و هو كما ترى ظاهر في أنّ الأخذ بدل الحق ليس ظلماً و لا خيانة.

و قريب منها في الدلالة عليه الخبر:كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف،و قد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها،فكتب:« لا تأخذ منه شيئاً،إن كان ظلمك فلا تظلمه،و لو لا أنّك رضيت بيمينه،فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك،و لكنّك رضيت بيمينه،فقد مضت اليمين بما فيها» (2)الخبر.

و هو كما ترى ظاهر في اختصاص اتصاف الأخذ بالظلم بصورة فقد شرط المقاصّة،و عدمه في صورة وجوده،و على هذا فلا تنافي بين الأخبار.

و في سماع الدعوى المجهولة كشيء أو ثوب أو فرس تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين:

مانع عنه،كالشيخ في المبسوط،و الحلّي في السرائر،و الفاضل في التحرير،و الشهيد في الدروس (3)،جازمين به؛ لعدم فائدتها،و هو حكم

ص:162


1- راجع ص 156.
2- الكافي 7:14/430،التهذيب 6:802/289،الوسائل 27:246 أبواب كيفية الحكم ب 10 ح 2.
3- المبسوط 8:259،السرائر 2:177،التحرير 2:186،الدروس 2:84.

الحاكم بها لو أجاب المنكر بنعم،بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته، و القيمي بقيمته،و الأثمان بجنسها و نوعها و قدرها و إن كان البيع و شبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنّه إيجاب في الحال و هو غير مختلف، و الدعوى إخبار عن الماضي و هو مختلف.

و قائل بأنّ أشبهه الجواز كالماتن هنا،و الفاضل في الإرشاد و القواعد،و فخر الدين في شرحه،و شيخنا في المسالك و الروضة (1)، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)؛ لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الحكم من الكتاب و السنّة،و ما ذكر في وجه المنع غير صالح للتقييد و المانعية؛ لإمكان الحكم بالمجهول،فيحبس حتى يبيّنه كالإقرار، و لأنّ المدّعى ربما يعلم حقه بوجه ما خاصّة بأن يعلم أنّ له عنده ثوباً،أو فرساً،و لا يعلم شخصهما،و لا وصفهما،فلو لم تسمع دعواه لبطل حقه، فالمقتضي له موجود و المانع مفقود.

و لأنّه تسمع دعوى الوصيّة بالمجهول،و الإقرار به،و يستفسره الحاكم،بلا خلاف،كما في الإيضاح و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و الكفاية (3)،بل إجماعاً كما في التنقيح (4)،فكذا يصح الدعوى و يستفسره الحاكم،و إلّا لزم الحرج و الضرر،مع عدم تعقل فرق بين الإقرار و الدعوى

ص:163


1- الإرشاد 2:143،144،القواعد 2:208،إيضاح الفوائد 4:327،المسالك 2:366،الروضة 3:79.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:116،و السبزواري في الكفاية:266،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:335.
3- إيضاح الفوائد 4:327،المسالك 2:366،غاية المرام 4:228،الكفاية:266.
4- التنقيح الرائع 4:270.

إلّا من حيث إنّ المقرّ لو طولب بالتفصيل خيف من رجوعه،و المدّعي لا يرجع؛ لوجود داعي الحاجة فيه دونه،و هو غير كاف في ذلك؛ لما ذكرنا.

و هذا أقوى،و عليه فيلزم الخصم ببيان الحق المقرّ به،أو المثبت عليه بالبيّنة،و يقبل تفسيره بمسمّى الدعوى،و يحلف على نفي الزائد،أو عدم العلم به إن ادّعي عليه أحدهما.و منه يظهر أيضاً ضعف ما مرّ في وجه المنع من دعوى عدم الفائدة في الحكم بالدعوى المجهولة،فإنّ ما ذكرناه فائدة و أيّ فائدة.

و هنا

مسائل
الأولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضي له به

مسائل خمس:

الاُولى: من انفرد بالدعوى لما لا يد لأحد عليه قضي له به و أنّه ملكه يجوز ابتياعه منه و التصرف فيه بإذنه،بلا خلاف؛ لأنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدّعى منه،و لا لمطالبته البيّنة،و لا لإحلافه؛ إذ لا خصم حتى يترتب عليه ذلك.

و ربما يستدل عليه بعد الإجماع بل الضرورة بوجوب حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة.

و هو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى الإجماع أخصّ من المدّعى .

و من هذا الباب أن يكون بين جماعة كيس،فيدّعيه أحدهم من غير منازع له منهم و لا من غيرهم،فإنّه يقضى به له دون الباقين،كما في الموثق بل الصحيح كما قيل (1)و فيه:قلت عشرة كانوا جلوساً، و وسطهم كيس فيه ألف درهم،فسأل بعضهم بعضاً:أ لكم هذا الكيس؟

ص:164


1- انظر الكفاية:275.

فقالوا كلهم:لا،فقال واحد منهم:هو لي،قال:« هو للذي ادّعاه» (1).

الثانية لو انكسرت سفينة

الثانية: لو انكسرت سفينة مشغولة بأموال محترمة و غرقت في البحر و ما شاكله فما أخرجه البحر منها فهو لأهله،و ما أُخرج منها بالغوص فهو لمخرجه كما في النهاية و الإرشاد (2)؛ لرواية أُميّة بن عمرو عن الشعيري قال:سئل أبو عبد اللّه(عليه السّلام)عن سفينة انكسرت في البحر، فاُخرج بعضه بالغوص،و أخرج البحر بعض ما غرق فيها،فقال:

« ما أخرجه البحر فهو لأهله،اللّه تعالى أخرجه،و أمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم،و هم أحقّ به» (3).

و في الرواية كما ترى ضعف أو قصور،و مخالفة للأُصول؛ لأنّ الإخراج بالغوص لا يوجب خروجه عن ملك المالك؛ لعدم دليل على كون الغوص من المملّكات،إلّا أنّ العمل بها كما في ظاهر المسالك و صريح الكفاية (4)مشهور.

و صرح الحلّي في السرائر بالإجماع عليها بعد أن قيّدها بصورة يأس أرباب الأموال عنها؛ فإنّه قال بعد نقلها-:وجه الفقه في هذا الحديث أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه،و ما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده و غاص عليه؛ لأنّه صار بمنزلة المباح،و مثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء و ماء،فهو لمن أخذه؛ لأنّه خلّاه آيساً منه و رفع يده عنه،فصار مباحاً،و ليس هذا قياساً؛ لأنّ مذهبنا ترك القياس،و إنّما هذا على جهة

ص:165


1- الكافي 7:5/422،التهذيب 6:810/292،الوسائل 17:273 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 17 ح 1.
2- النهاية:351،الإرشاد 2:143.
3- التهذيب 6:822/295،الوسائل 25:455 أبواب اللقطة ب 11 ح 2.
4- المسالك 2:389،الكفاية:275.

المثال،فالمرجع فيه إلى الإجماع و تواتر النصوص،دون القياس و الاجتهاد،و على الخبر إجماع أصحابنا منعقد (1)انتهى.

فإن جبرناها بالإجماع و الشهرة المنقولين،و إلّا ففي العمل بها لما مضى إليه الإشارة مناقشة،كما هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (2)، و صريح جماعة (3).

و اختلفوا في تنزيلها:فأبو العباس في مقتصره (4)نزّله على ما ذكره الحلّي من التقييد بصورة اليأس،و آخرون (5)نزّلوه على صورة الإعراض عنها،كالمحقرات التي يعرض عنها،كما لو احتطب المسافر و خبز به أو طبخ ثم ترك الباقي معرضاً عنه؛ فإنّه يجوز لغيره أخذه.

و هم بين مطلق لحصول الملك للآخذ بإعراض المالك،و مقيّد له بكونه في المهلكة و بعد الاجتهاد في الغوص و التفتيش،و أمّا لو خلى عن المهلكة،أو لم يبالغ في التفتيش فإنّه لا يخرج عن الملك.

و في الجميع نظر؛ لعدم قيام دليل على جواز تملك الأموال بيأس أربابها،أو إعراضها عنها مطلقاً.

نعم غاية الأخير إفادة الإباحة،و مع ذلك لا يصلح شيء منها توجيهاً للرواية؛ إذ بعد تسليم صحتها لا تختص بإفادة التمليك في صورة الغوص خاصّة،بل يجري في صورة إخراج البحر لها أيضاً،مع أنّ الرواية صرّحت

ص:166


1- السرائر 2:195.
2- الشرائع 4:109.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:271،و السبزواري في الكفاية:275،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:344.
4- المقتصر:380.
5- كالعلّامة في القواعد 2:213،و الشهيد الثاني في المسالك 2:389.

بأنّها حينئذ لأربابها،إلّا أن يذبّ عن هذا بالإجماع.و فيه نظر.

و الأولى وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب و غيره (1)،عدم خروج شيء من ملك مالكه بشيء من ذلك.

نعم لو علم الإعراض منه يقيناً أفاد إباحة لا ملكاً،فلو استردّه المالك من الآخذ كان له ذلك مع وجود العين،و لا مع تلفها؛ للأصل في المقامين، مع وقوع التلف بإذنه المستفاد من إعراضه في الثاني فلا يتعقبه ضمان اليد، فتدبّر.

و حيث أخذ من دون علم بالإعراض كان حكمه حكم اللقطة،أو المال المجهول المالك.

الثالثة روي في رجل دفع إلى رجل دراهم

الثالثة: روى الشيخ في التهذيب في أوائل باب الزيادات من هذا الكتاب بسنده عن محمّد بن يحيى،عن علي بن إسماعيل،عن محمّد بن عمرو بالواو في نسخة و بدونها في أُخرى عن علي بن الحسين،عن حريز،عن أبي عبيدة قال:قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه(عليهما السّلام): رجل دفع إلى رجل ألف درهم،و عبّر عنها الماتن ب دراهم اختصاراً مع عدم اختلاف المعنى،و ليس فيها كون الدفع بضاعة كما ذكره الماتن و غيره (2)،و لا مضاربة كما في السرائر (3)،و إن كان الظاهر منها أحدهما،بل فيها بعد ما مرّ بلا فصل يخلطها بماله و يتّجر بها قال: ف لمّا طلبها منه قال:ذهبت و في الرواية ذهب المال، و المعنى واحد و كان لغيره أي لغير الدافع معه أي مع المدفوع إليه

ص:167


1- التنقيح الرائع 4:272؛ و انظر المسالك 2:389.
2- التنقيح الرائع 4:273.
3- السرائر 2:38.

مثلها مال كثير لغير واحد ف قال:كيف صنع أُولئك؟قال: أخذوا أموالهم ف قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه(عليهما السّلام)جميعاً: يرجع أي الدافع عليه أي على المدفوع إليه بماله الذي دفعه إليه و يرجع هو أي المدفوع إليه على أُولئك بما أخذوا (1).

و هذه الرواية مع قصور سندها كما ترى مخالفة للأُصول جدّاً؛ لأنّ الدفع فيها على جهة الأمانة بضاعة كانت أو غيرها،و مقتضاها عدم ضمان الأمين للعين بعد تلفها،إلّا أن يكون فرّط أو تعدّى،و ليس لذكرهما في الرواية عين و لا أثر أصلاً،و على تقدير الضمان بهما فلا وجه لرجوع الغارم بما غرمه إلى أُولئك الذين لهم المال؛ إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] :فلهذا قال الماتن هنا و في النكت (2)و غيره من الأصحاب (3): و يمكن حمل ذلك أي الحكم برجوع صاحب البضاعة على العامل بما له،و رجوعه على أُولئك بما أخذوا على من أي عاملٍ خلط المال المدفوع إليه بأموال أولئك و الحال أنّه لم يأذن صاحبه في ذلك و أذن له الباقون فيه.

و الأصل في هذا الحمل الحلّي في السرائر،حيث قال بعد نقل الخبر:هذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته،و وجه الفقه و الفتيا عندي على تسليم الخبر،أنّ الأوّل دفع المال إليه فخلطه بغيره،فلمّا خلطه بغيره

ص:168


1- الكافي 7:16/431،التهذيب 6:799/288،الوسائل 18:417 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 2.
2- نكت النهاية 2:81.
3- كالفاضل في التحرير 2:205،و أبي العباس في المهذب 4:486،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:273،و الحلّي في السرائر 2:186،كما يأتي.منه رحمه اللّه.

فرّط فيه بالخلط فضمنه،و أصحاب الأموال الباقية خلط أموالهم بإذنهم، و الأوّل خلط ماله في أموالهم بغير إذنه،فيجب عليه الضمان للأوّل جميع ماله،فلمّا أخذ أصحاب الأموال الذين أذنوا في الخلط و رضوا به أموالهم على التمام و الكمال،فقد أخذوا ما لم يكن لهم،بل الواجب تسليم مال من لم يأذن بالخلط[على الكمال،و يدخل النقصان و الخسران على الباقين، فلمّا أخذوا المال رجع صاحب المال الذي لم يأذن بالخلط (1)]على المضارب المفرّط بالخلط بجميع ماله،و رجع المضارب على من أخذ المال بقدر ما غرم.

و قوله في الخبر:يخلطها بماله و يتجر بها،المعنى فيه:خلطها بماله و اتّجر بها،و إن كان أتى به بلفظ المستقبل،فقد يأتي المستقبل بمعنى الماضي،و هذا كثير في كلام العرب و القرآن،قال اللّه تعالى وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ [1] (2)معناه:ينادي،قال الشاعر:

و انضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخادم و ذبائح

(3)معناه:فلقد كان،بغير شك (4).انتهى.

و في استشهاده بالآية و حكمه كباقي الجماعة برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه مناقشة واضحة (5).مع عدم تمامية الحمل المزبور إلّا

ص:169


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الأعراف:48.
3- بيت من قصيدة لزياد بن سليمان الأعجم يرثي بها المغيرة بن المهلّب.الأغاني 15:381.
4- السرائر 2:186.
5- أمّا في الاستشهاد بالآية فلأنّ الذي فيها الماضي بدل المستقبل،لا بالعكس كما هو محل البحث.و أمّا الحكم برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه،فلأنّه لا داعي له و لا موجب له بالكليّة غير تصرّفهم في ملك الدافع،و هو ليس إلّا الباقي بعد التلف بالنسبة،فلو كان مال الدافع عشرة مثلاً و مال الباقين تسعين،و تلف من المجموع الممزوج بعضها ببعض البالغ مائة،عشرة يكون التالف موزّعاً على كل منهم بنسبة ماله،فلو كانوا عشرة لزم كل واحد منهم النقص بواحد،فبموجب ذلك يكون النقص على الدافع واحداً يأخذه من المدفوع إليه بضمانه،و يبقى من ماله تسعة فتكون هي التي أخذها الباقون و وجب عليهم ضمانها،و لا موجب لضمانهم العاشر الذي غرمه الدافع أيضاً؛ لعدم أخذهم إيّاه،و إنّما يضمن المدفوع إليه خاصّة للدافع لمكان تفريطه،فسبب الضمان فيه مختص به دونهم،و لا وجه لضمانهم بعد فرض أن سبب ضمانهم هو الأخذ،فإنّهم لم يأخذوه،بل أخذوا التسعة لا غير منه رحمه اللّه.

بعد تقييدات أُخر في الخبر ليس لشيء منها فيه عين و لا أثر.

و مع ذلك لا احتياج لتكلفاته في حمل يخلط على معنى خلط؛ لعدم منافاته الحمل المزبور من حيث كون متعلقه طلب الخلط بمال المدفوع إليه خاصّة دون مال أولئك الجماعة،و مبنى الحمل على المزج بأموالهم دون مال المدفوع إليه خاصّة،و لذا حكم بضمانهم ما أخذوه.

و لكن الأمر سهل بعد ما عرفت من قصور السند و المخالفة للأصل، مع اتفاقهم على الظاهر على عدم العمل بها،و إن كان الظاهر منهم عدم المناقشة فيها من حيث السند؛ لنسبتهم إيّاها إلى حريز خاصّة عن أبي عبيدة معربين عن صحته إليه،و لعلهم أخذوها من كتابه فتكون صحيحة،و لكن يكفي في ردّها عدم عملهم بها،مع كونها للأُصول مخالفة.

الرابعة لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين

الرابعة: لو وضع المستأجر الأُجرة على يد أمين له فتلفت كان المستأجر ضامناً يجب عليه غرامتها للأجير إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك و رخّصه في دفعها إلى الأمين فحقّه حينئذ حيث وضعه لأنّه

ص:170

ملك الأُجرة بنفس العقد،فإذا عيّن أحداً لقبضها كان ذلك القابض وكيلاً له،و قبض الوكيل قبض الموكل،فيدخل في ضمان الأجير بقبض وكيله، بخلاف الصورة الأُولى فإنّ الأُجرة في ضمان المستأجر حتى يقبضها الأجير،و ذلك الذي وضعت الأُجرة عنده ليس وكيلاً للأجير،فتكون باقية على ضمان المستأجر.

و للحسن،بل الصحيح المروي في التهذيب في الباب المتقدم:عن رجل استأجر أجيراً فلم يأمن أحدهما صاحبه،فوضع الأجر على يد رجل فهلك ذلك الرجل و لم يدع وفاء و استهلك الأجر؟فقال:« المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي،إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي بالرجل،فإن فعل فحقه حيث وضعه و رضي به» (1).

الخامسة يقضى على الغائب

الخامسة: يجوز أن يقضى على الغائب عن مجلس الحكم مع قيام البيّنة عليه بالحق و يباع ماله و يقضى دينه و يكون الغائب على حجته إذا قدم،بلا خلاف عندنا فيه في الجملة،بل ظاهر الشهيدين في النكت و المسالك و غيرهما (2)أنّ عليه إجماع الإمامية،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين سنداً و لو لم يبلغ درجة الصحة،مع احتمالها في سند أحدهما،و فيهما:« الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة،و يباع ماله، و يقضى عنه دينه و هو غائب،و يكون الغائب على حجته إذا قدم» قال:

« و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء» (3).

ص:171


1- الكافي 7:17/431،الفقيه 3:445/107،التهذيب 6:801/289،الوسائل 19:109 كتاب الإجارة ب 6 ح 1.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:255،المسالك 2:370؛ و انظر الكفاية:269.
3- التهذيب 6:827/296،الوسائل 27:294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.

و الخبر المستفيض عنه(صلّى اللّه عليه و آله) كما قيل (1)أنّه قال لهند زوجة أبي سفيان و قد قالت:إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي -:« خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف» (2)و كان أبو سفيان غائباً عن المجلس.

و إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الغائب بين كونه غائباً عن البلد،أو حاضراً فيه متعذّراً عليه حضوره المجلس أم لا.

و لا خلاف فيه في الأوّل مطلقا سواء كان بعيداً أو قريباً.و كذا في الثاني إذا كان الحضور عليه متعذّراً،بل عليه الوفاق في المسالك (3)، و الإجماع في غيره (4).

و اختلفوا فيه مع عدم تعذّر الحضور عليه على قولين،فبين:

مانع عن القضاء عليه حينئذ،كالشيخ في المبسوط (5)؛ معلّلاً بأنّ القضاء على الغائب موضع ضرورة فيقتصر فيه على محلّها؛ و أنّه ربما وجد مطعناً و مدفعاً،و جاز الحكم في الغائب للمشقّة بطول انتظاره.و مال إليه المقدس الأردبيلي (6)-(رحمه اللّه).

و بين مجوّز كالفاضلين و الشهيدين و فخر الدين و غيرهم من متأخّري

ص:172


1- قاله في المسالك 2:370.
2- المتقدم في ص 155.
3- المسالك 2:370.
4- انظر الخلاف 6:239.
5- المبسوط 8:162.
6- مجمع الفائدة و البرهان 12:205.

أصحابنا (1)،بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً،قالوا:لعموم الأدلة.

و لم أقف عليها عدا الروايات المتقدمة،و لا عموم في الأخيرة منها بعد تسليم سندها و دلالتها على أصل الحكم في المسألة؛ لأنّها قضية في واقعة فلا تكون عامّة،و لفظ الغائب فيما عداها و إن كان مطلقاً إلّا أنّ المتبادر منه الغائب عن البلد خاصّة.

اللهم إلّا أن يكون المراد من الأدلة المستدل بعمومها ما دل على لزوم الحكم بالبيّنة (2)،مع عدم مانع لها بالكلية؛ لأنّ الغائب إن كان منكراً فالبيّنة قامت عليه،و إن كان مقرّاً فالبيّنة مؤكّدة لإقراره،فعلى كل تقدير لا مانع من الحكم.و هذا أيضاً ربما لا يخلو عن نظر .

و كيف كان،لا ريب أنّ القول الأوّل أحوط إن لم يتعين.

و اعلم أنّ ما تضمنه المعتبران من أنّه لا يدفع إليه المال إلّا بكفلاء هو مذهب الشيخ في النهاية و القاضي و الحلّي و الماتن هنا و في الشرائع (3).و مال إليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (4)،و اختاره صاحب الكفاية (5).

خلافاً لابن حمزة،فلم يذكر التكفيل (6)،بل أوجب على الغريم بدله

ص:173


1- المحقق في الشرائع 4:86،العلّامة في القواعد 2:216،الشهيد الأول في الدروس 2:91،الشهيد الثاني في المسالك 2:370،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:357؛ و انظر الكفاية:269،و كشف اللثام 2:347.
2- الوسائل 27:229 أبواب كيفية الحكم ب 1.
3- النهاية:352،القاضي في المهذّب 2:584،الحلّي في السرائر 2:195،الشرائع 4:85.
4- المسالك 2:370،الروضة 3:104.
5- الكفاية:269.
6- الوسيلة:214.

اليمين،و تبعه الفاضل و جملة ممن تبعه (1)،و ادعى عليه الشهرة جماعة، كالصيمري و صاحب الكفاية (2)،و قد مرّ في بحث الدعوى على الميت إلى مستندهم الإشارة،و قد عرفت جوابه.

و نزيد عليه هنا بأنّه اجتهاد في مقابلة الرواية المعتبرة في نفسها، المعتضدة بعمل الطائفة و لو في أصل المسألة،و لا ريب أنّ الجمع بين الأمرين حيث يرضى به الغريم أحوط،و إلّا فالعمل بالرواية متعين (3).

ثم إنّ جواز الحكم على الغائب يختص عندنا و عند كلّ من قال به من العامة العمياء بما إذا كان الحق الثابت عليه بالبيّنة من حقوق الآدميين مطلقاً (4)،دون حقوق اللّه تعالى إذا كانت محضاً و كذا إذا كانت بحقهم مشوبة،كالسرقة،بلا خلاف أجده إلّا من الماتن في الشرائع (5)،حيث تردّد في جواز القضاء بالقطع في المثال:

من حيث إنّه حق اللّه تعالى فينبغي أن لا يثبت؛ لبنائها على التخفيف اتفاقاً.

و من الاتفاق على ثبوت حق الآدمي فيه و هو يستلزم ثبوت حقه سبحانه؛ لأنّهما معلولا علّة واحدة،و لا يثبت أحدهما بدون الآخر.

و في المسالك أنّ باقي الأصحاب قطعوا بالفرق و انتفاء القطع؛ نظراً

ص:174


1- القواعد 2:210،التحرير 2:187،إيضاح الفوائد 4:334،الدروس 2:90،اللمعة(الروضة البهية)3:104.
2- غاية المرام 4:233،الكفاية:269.
3- في« ب»:متّجه.
4- أي مالاً كانت أو عقود المعاوضات أم غيرها كالنكاح و الطلاق و العتق و الجنايات و القصاص.منه رحمه اللّه.
5- الشرائع 4:86.

إلى وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر،و تخلف أحد المعلولين لمانع واقع كثيراً،و منه في هذا المثال ما لو أقرّ بالسرقة مرّة فإنّه يثبت عليه المال دون القطع،و لو كان المقرّ محجوراً عليه في المال يثبت في القطع دون المال،فليكن هناك كذلك،و الأصل فيه أنّ هذه ليست عللاً حقيقية،و إنّما هي معرفات الأحكام (1)،انتهى.و هو حسن.

ص:175


1- المسالك 2:370.

الفصل الثاني الاختلاف في الدعوى

مسائل
الأولى لو كان في يد رجل و امرأة جارية

الفصل الثاني في بيان أحكام الاختلاف في الدعوى،و فيه أيضاً مسائل خمس:

الاُولى:لو كان في يد رجل و امرأة جارية صغيرة فادّعى الرجل أنّها مملوكته،و ادّعت المرأة حريتها و أنّها ابنتها،فإن أقام أحدهما بيّنة على ما يدّعيه قضي له بها و إلّا يقيما البيّنة على المدّعى تركت الجارية تذهب حيث شاءت للخبر المروي في الكافي في باب قبل باب النوادر من هذا الكتاب،و في التهذيب في أواسط باب تعارض البيّنات بسند فيه سهل،و ضعفه على الأشهر سهل،بل قيل:ثقة (1).مع أنّه في الأوّل بسند حسن كالصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (2)مروي.

و فيه:عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل و امرأة،ادّعى الرجل أنّها مملوكة له،و ادّعت المرأة أنّها ابنتها،فقال:« قد قضى في هذا عليٌّ(عليه السّلام)» قلت:و ما قضى في هذا؟قال:« كان يقول:الناس كلّهم أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالرقّ و هو مدرك.و من أقام بيّنة على عبد أو أمة فإنّه يدفع إليه يكون له رقّاً» قلت:فما ترى أنت؟قال:« أرى أن أسأل الذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على ما ادّعى،فإن أحضر شهوداً يشهدون أنّها مملوكة له لا يعلمونه باع و لا وهب،دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من

ص:176


1- رجال الطوسي:4/416.
2- رجال الكشي 2:830.

يشهد لها أنّ الجارية ابنتها حرّة مثلها،فلتدفع إليها و تخرج من يد الرجل» قلت:فإن لم يقم الرجل شهوداً أنّها مملوكة له؟قال:« تخرج من يده،فإن أقامت المرأة البينة على أنّها ابنتها دفعت إليها،و إن لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعاه و لم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية،تذهب حيث شاءت».

و يستفاد منه و من العبارة عدم ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ،حيث اشترطا في إلحاق الجارية بها إقامتها البيّنة على أنّها ابنتها،و هو أحد القولين في المسألة.

خلافاً لجماعة (1)؛ للصحيحين المتقدمين مع تمام التحقيق فيها في بحث الإقرار (2)،إلّا أنّ هذا الرواية لم تذكر ثمّة.

و للجماعة الذبّ عنها أوّلاً:بعدم مكافأتها للصحيحين سنداً و عدداً.

و ثانياً:بقوّة احتمال خروجها عن موضوع المسألة جدّاً؛ لاشتراط من يكتفي في ثبوت النسب بإقرار الأُمّ عدم منازع لها فيه.و أما مع المنازع كما فيما نحن فيه فلا يلحق بأحدهما مع عدم البيّنة قولاً واحداً.و إنّما يترك الجارية تذهب حيث شاءت؛ لأصالة الحرّية المستفادة من صدر الرواية و غيرها من المعتبرة التي مضت إليها الإشارة ثمة.

فلا إشكال و لا خلاف فيما تضمّنته الرواية.

و لم أقف على تعرّض لذكر مضمونها عدا الماتن هنا و الشيخ في النهاية (3)،و الحلّي في السرائر لكن على تفصيل،فقال:و قد روى أصحابنا

ص:177


1- انظر النهاية:684،و المبسوط 3:38،و الوسيلة:225،و الجامع للشرائع:343،و الإرشاد 1:411،و التذكرة 2:173.
2- راجع ج 13 ص 152.
3- النهاية:344.

أنه إذا كانت جارية مع رجل و امرأة،فادّعى الرجل أنّها مملوكته،و ادّعت المرأة أنّها ابنتها و هي حرّة،و أنكرت الجارية الدعويين جميعاً كان على الرجل البيّنة بأنّ هذه الجارية مملوكته لم يبعها و لم يعتقها،فإن أقام البيّنة بذلك سلّمت إليه،و كذلك إن أقرّت الجارية أنّها مملوكته و كانت بالغة سلّمت إليه،و إن لم يقم بيّنة و لا تكون هي بالغة،أو تكون بالغةً غير أنّها لا تقرّ انتزعت من يده،فإن أقامت المرأة بيّنة أنّها بنتها سلّمت إليها إذا كانت صغيرة،و إن لم تكن لها بيّنة تركت الجارية تمضي حيث شاءت (1).

انتهى.

و ظاهره كما ترى وجود رواية على التفصيل الذي ذكره،و لم أقف عليها،و الرواية التي قدمناها خالية عن هذا التفصيل كما ترى،مع وقوع التصريح فيها بعدم كون الجارية بالغة.

الثانية لو تنازعا عينا في يدهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث

الثانية: ظاهر اليد يقتضي الملكية ما لم يعارضه البيّنة،بلا خلاف فيه أجده،و ربما كان ذلك إجماعاً،بل ضرورة.و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في فصل تعارض البينة-:

الخبر المروي في الكتب الثلاثة،و فيه:أ رأيت إذا رأيتُ شيئاً في يد رجل أ يجوز أن أشهد أنّه له؟فقال:« نعم» قلت:فلعلّه لغيره،قال(عليه السّلام):« و من أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكاً لك،ثم تقول بعد الملك:هو لي، و تحلف عليه،و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟» ثم قال(عليه السّلام):« و لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق» (2).

ص:178


1- السرائر 2:171.
2- الكافي 7:1/387،الفقيه 3:92/31،التهذيب 6:695/261،الوسائل 27:292 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 2.

و قريب منه الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن إبراهيم صحيحاً،و عن الاحتجاج مرسلاً عن مولانا الصادق(عليه السّلام)في حديث فدك:

« إنّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لأبي بكر:تحكم فينا بخلاف حكم اللّه تعالى في المسلمين؟قال:لا،قال:فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه،من تسأل البيّنة؟قال:إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين،قال:فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليَّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟» الخبر (1).

و حينئذٍ ف لو تنازعا عيناً و قال كل منهما:إنّ جميعها لي،و لا بيّنة لهما،فإن كانت في يدهما و تصرّفهما كثوب في يدهما أو دار سكناها قضي بها لهما بينهما بالسويّة،و لكل منهما إحلاف صاحبه على نفي ما يدّعيه ممّا في يده،و لا يتعرض واحد منهما في حلفه لإثبات ما في يده،بل يقتصر على أنّه لا حقّ لصاحبه ممّا في يده.فإن حلفا أو نكلا قضي بالسوية بينهما،و إن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف بالكل.

ثم إن حلف الذي بدأ الحاكم بتحليفه و نكل الآخر بعده،حلف الأوّل اليمين المردودة إن لم نقض بالنكول،كما هو المختار.و إن نكل الأوّل و رغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادّعاه صاحبه و يمين الإثبات للنصف الذي ادّعاه هو.

و هل يكفي حينئذ اليمين الواحدة الجامعة بين النفي و الإثبات فيحلف

ص:179


1- تفسير القمي 2:156،الاحتجاج:92،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.

أنّ الجميع له و لا حقّ لصاحبه فيه،أو يقول:لا حقّ له في النصف الذي يدّعيه،و النصف الآخر لي؟ أو لا بدّ من يمينين إحداهما نافية و الأُخرى مثبتة؟وجهان.

أوفقهما بالأصل الثاني؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات، فلا يكتفى بأحدهما إلّا بعد قيام دليل لا أثر له هنا أصلاً.

إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الأوّل،من غير خلاف بينهم يعرف عدا ما في المسالك (1)،حيث احتمل الثاني بعد أن ذكر الأوّل و حكم به.و في التحرير (2)استقرب الأوّل مشعراً بوقوع الخلاف فيه.

و وجهه غير واضح،عدا ما في المسالك من أنّ كلّاً منهما قد دخل وقته (3).و لم أفهمه.

ثم هل يتخيّر الحاكم في البدأة بالإحلاف،أو يقرع بينهما؟وجهان.

و تظهر الفائدة في تعدّد اليمين على[المبتدئ (4)]على نكول الآخر (5).

قيل:و يمكن أن يقال:كل واحد منهما مدّعٍ و مدّعى عليه هاهنا، فينبغي أن ينظر إلى السبق فمن تسبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه (6).

ص:180


1- المسالك 2:390.
2- التحرير 2:194.
3- في المصدر:فيه.
4- في النسخ:المدّعى،و الظاهر ما أثبتناه.
5- أي على تقدير نكول الآخر.و ظهور الثمرة على هذا التقدير إنّما هو على المذهب المشهور من الاكتفاء باليمين الواحدة الجامعة بعد نكول الأوّل،و أمّا على القول الآخر من لزوم التعدد فلا تظهر للزوم اليمين على أي تقدير.منه رحمه اللّه تعالى.
6- المسالك 2:390.

و اعلم أنّ عدم القضاء بالعين بينهما نصفين إلّا بعد حلف كل منهما لصاحبه أو نكولهما هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرّح به في شرح الشرائع للصيمري (1).

و في المسالك قال:بل لم ينقل الأكثر فيه خلافاً (2).و لعلّه أراد بمقابل الأكثر الماتن في الشرائع (3)،حيث حكى ما عليه الأصحاب قولاً بعد أن حكم بالقضاء بينهما نصفين مطلقاً.و لم أَرَ غيره قد نقل الخلاف فيه، و لا من أفتى بما ذكره.

نعم في الغنية:و إن كان لكلّ واحد منهما يد و لا بيّنة لأحدهما كان الشيء بينهما نصفين،كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (4).و لكنه غير صريح بل و لا ظاهر في عدم اعتبار الإحلاف.

و كيف كان،فالمذهب ما عليه الأصحاب؛ لعموم ما دلّ على ثبوت اليمين على من أنكر،و لا ريب أنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ لما في يد الآخر، و منكر لما في يده للآخر،فإذا ادّعى كلّ منهما على صاحبه النصف الذي في يده و أنكر صاحبه ذلك،لزم المنكر الحلف كما في سائر الدعاوي.

هذا.

مضافاً إلى فحوى بعض ما سيأتي من الأخبار الدالّة على إحلاف كلّ منهما لصاحبه مع تعارض البيّنة،فمع عدمه أولى،فتأمّل جدّاً.

و لو كانت في يد أحدهما و تصرّفه خاصّة قضي بها للمتشبّث و هو ذو اليد و للخارج إحلافه لكونه منكراً و الخارج مدّعياً؛ لأنّ الأصل

ص:181


1- غاية المرام 4:257.
2- المسالك 2:390.
3- الشرائع 4:110.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):625.

عدم تسلّطه على ما في يد غيره،و ظاهر الحال يشهد لذي اليد بالملك، كما مرّ.

و في الخبر:« فإن كانت له» أي للمدّعي الخارج« بيّنة،و إلّا فيمين الذي هو في يده،هكذا أمر اللّه عزّ و جلّ» (1).

و في آخر:« فإن كانت في يد أحدهما،و أقاما جميعاً البيّنة؟قال:

« أقضي بها للحالف الذي في يده» (2).

و في ثالث:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اختصم إليه رجلان في دابّة، و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها،فقضى بها للذي هي في يده،و قال:و لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (3).

و الأول دالّ على الحكم هنا صريحاً،و الأخيران دالّان عليه فحوى على قول (4).و عدم اعتبار الحلف في الأخير غير قادح بعد ظهور اعتباره من الأوّلين،فيحمل عليهما حمل المطلق على المقيّد.مضافاً إلى العمومات الدالّة على اعتباره.

فإن نكل ذو اليد عن الحلف أُحلف الخارج على المختار من عدم القضاء بالنكول.

ص:182


1- التهذيب 6:594/240،الإستبصار 3:143/43،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 14.
2- الكافي 7:2/419،التهذيب 6:570/233،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.
3- الكافي 7:6/419،التهذيب 6:573/234،الإستبصار 3:133/39،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 3.
4- أي قول من يعمل بمضمون الخبرين من تقديم بيّنة ذي اليد على بيّنة الخارج.منه رحمه اللّه.

و الكلام في حلفهما كما سلف،فيحلف ذو اليد على النفي و الخارج على الإثبات.

و لو كانت في يد ثالث،و صدّق أحدهما بأنّها له،فهو في حكم ذي اليد قضي بها له مع يمينه و للآخر إحلافه أي المصدّق إن ادّعى عليه علمه بأنّها له،فإن امتنع حلف الآخر و أغرمه القيمة لا العين؛ لاستحقاق المصدّق له إيّاها بإقراره،فلا يمكنه ارتجاعها منه،و إنّما يغرم القيمة لتفويته العين على الآخر بإقراره.

و لو صدّقهما قضي بها لهما بالسوية،و لكلّ منهما إحلاف الآخر كما لو كانت في يدهما،و لهما إحلافه إن ادّعيا علمه؛ لفائدة الغرم مع اعترافه،لا القضاء بالعين.فإن حلف،و إلّا غرم نصف القيمة للحالف منهما.و لو حلفا معاً غرم القيمة تماماً لهما يقتسمانها كالعين بينهما نصفين.

و إن كذّبهما أقرت العين في يده بعد يمينه لهما،سواءً ادّعاها لنفسه أم لا.و لا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه،أو إلى أحد معيّن.

و لو قال:هي لأحدكما و لا أعرفه،احتمل قوّياً القرعة،فيحلف من خرجت له.فإن نكل حلف الآخر،و إن نكلا قسمت بينهما.و يحتمل القضاء بها نصفين بينهما ابتداء بعد حلفهما أو نكولهما،كما لو كانت بيدهما.و لكن الأوّل لعلّه أقوى.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم تكن بيّنة لهما.و إن كانت لإحداهما حكم له بها.

و لو كانت لكلّ منهما و أمكن الجمع بينهما كما لو شهدت أحدهما بملك زيد أمس و الأُخرى بانتقاله إلى عمرو الآن،أو أطلقت إحداهما و فصّلت الأُخرى جمع بينهما؛ لوجوب العمل بهما مع عدم التعارض بينهما.و لو تعارضتا ففيه تفصيل يأتي ذكره في الفصل الثالث إن شاء اللّه تعالى.

ص:183

الثالثة إذا تداعيا خُصّاً

الثالثة: إذا تداعيا خُصّاً بالضم و التشديد،و هو البيت الذي يعمل من القصب،كما في مجمع البحرين و غيره (1).و في الفقيه:أنّه الحائط من القصب بين الدارين (2) قضي لمن إليه (3)القِمط بالكسر،و هو الحبل الذي يشدّ به الخُصّ،و بالضم جمع قماط،و هي شداد الخُصّ من ليف و خوص و غيرهما.

و الحكم بذلك مشهور بين الأصحاب،كما صرّح به جماعة،و منهم الشهيدان في الدروس في هذا الكتاب و كتاب الصلح،و في الروضة و المسالك (4)في الكتاب الأخير،بل ربما تشعر عبارة المسالك بالإجماع عليه،و حكى عن التذكرة أيضاً (5).و به صرّح في نوادر هذا الكتاب من السرائر،و في كتاب الصلح من الغنية (6).

و الحجّة فيه قبل ذلك هي رواية عمرو بن شمر،عن جابر المرويّة في الفقيه عن أبي جعفر(عليه السّلام)،عن جدّه،عن علي(عليه السّلام):« أنّه قضى في رجلين اختصما في خصّ،فقال:إنّ الخصّ للذي إليه القمط» (7).

و في عمرو و إن كان ضعف بنص جماعة من أهل الرجال كالنجاشي و غيره (8)،إلّا أنّه مجبور بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة

ص:184


1- مجمع البحرين 4:168،المصباح المنير:171،القاموس المحيط 2:312.
2- الفقيه 3:57.
3- في« ح» و« س» زيادة:معاقد.
4- الدروس 2:114،و 3:349،الروضة 4:194،المسالك 1:272.
5- التذكرة 2:191.
6- السرائر 2:194،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
7- الفقيه 3:197/57،الوسائل 18:454 كتاب الصلح ب 14 ح 2.
8- النجاشي:765/287؛ و انظر رجال العلّامة:241.

التي كادت تكون محقّقة؛ لعدم مخالف في الرواية صريحاً،بل و لا ظاهراً عد الماتن هنا و الشهيد الثاني و الصيمري (1)،مع أنّ ظاهر الأولين التردّد لا المخالفة.و منه يظهر ما في المهذّب (2)من نسبة المخالفة إلى المتأخّرين كافّة،كيف و عمدة المتأخّرين الفاضلان و الشهيدان،و قد أفتوا ما عدا الشهيد الثاني في الشرائع و الإرشاد و القواعد و الدروس (3)بالرواية.

و مع ذلك الحجّة غير منحصرة فيها،فقد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) :عن خُصّ بين دارين،كما في التهذيب،و بدّل بالحظيرة في الكافي و الفقيه،فزعم، كما في الكتابين الأولين،و عوّض عنه في الأخير بقوله:« فذكر أنّ عليّاً(عليه السّلام)قضى بذلك لصاحب الدار الذي من قبله وجه القماط» (4).

و هي و إن كانت قضية في واقعة فلعلّه(عليه السّلام)عرفها و أجرى الحكم بمقتضاها فلا يتعدّى إلى غيرها،إلّا أنّ ظاهر السؤال في صدر الرواية عن حكم المسألة،و الجواب عنه بعده بنقل القضاء عنه(عليه السّلام)في الواقعة يقتضي عدم اختصاصه بها،بل عمومه لكل واقعة،و إلّا لكان السؤال مسكوتاً عن جوابه بالمرّة،و فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لا ريب في قبحه و لا شبهة.و بالجملة فلا وجه للمناقشة في الروايتين سنداً و دلالة.

ص:185


1- الروضة البهية 4:194،غاية المرام 2:22.
2- المهذّب البارع 4:488.
3- الشرائع 2:125،الإرشاد 1:405،القواعد 1:187،الدروس 2:114،3:349.
4- الكافي 5:3/295،الفقيه 3:196/56،التهذيب 7:649/146،الوسائل 18:454 كتاب الصلح ب 14 ح 1.

نعم ربما يمكن المناقشة فيهما بمخالفتهما القواعد و الأُصول المقررة في نحو المسألة تقدمت إليها الإشارة في المسألة السابقة.

و يمكن الذبّ عنها أيضاً بأنّ المخالفة ليست مخالفة تضادّ،بل مخالفة عموم و خصوص.و دفعها بالتخصيص ممكن بعد التكافؤ الحاصل هنا بصحّة سند الخاص و تعدّده و مخالفته العامّة،كما يستفاد من الغنية، حيث قال بعد ذكر الحكم و نقل إجماعنا عليه-:و يحتجّ على المخالف بما رووه من طرقهم من أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بعث عبد اللّه بن اليماني ليحكم بين قوم اختصموا في خصّ،فحكم به لمن إليه القمط،فلمّا رجع إليه(صلّى اللّه عليه و آله)أخبره بذلك،فقال:« أصبت و أحسنت» (1).انتهى.

و منه يظهر وجود رواية أُخرى في المسألة كما أشار إليه في المسالك (2)،و كونها عامية تجبره الشهرة كالرواية السابقة،هذا.

و ربما يخص العمل بالرواية بما إذا اقتضت العادة كون وقوع وجه القماط إلى جانب قرينة على ملكيّة الخصّ لصاحبه،و لكن الفتاوى مطلقة إلّا أنّ تنزيلها على ذلك غير بعيد.

و كيف كان ينبغي تخصيص الحكم بمورد الرواية من الخصّ دون غيره،و إن حصل فيه نحو معاقد القمط و شهدت العادة بكونه قرينة على الملكية لجهة.فإنّ غاية ذلك الظهور،و لا يخصّص به الأُصول،بل ترجّح هي عليه حيث لم يقم على العكس دليل،كما فيما نحن فيه على ما هو المفروض.

الرابعة إذا ادّعى أبو الميتة إعارته

الرابعة: إذا ادّعى أبو الميتة إعارته لها بعض متاعها كلّف البيّنة،

ص:186


1- الغنية(الجوامع الفقهية):594.
2- المسالك 1:272.

و كان كغيره من الأنساب و غيرهم،على المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المسالك و غيره (1)؛ عملاً بعموم:« البيّنة على المدّعى،و اليمين على المدّعى عليه» (2).

و النبوي:« لو يعطى الناس بأقوالهم لادّعى قوم دماء قوم و أموالهم» (3).

و فيه أي في المقام رواية بالفرق بين الأب و غيره،فيصدّق في دعواه دونهم،مروية في الكتب الثلاثة صحيحة في الكافي و التهذيب احتمالاً،و في الفقيه صحيحة جزماً،عن جعفر بن عيسى،و هو حسن:

قال:كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام):جعلت فداك المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من المتاع و الخدم،أتقبل دعواه بلا بيّنة؟أم لا تقبل دعواه إلّا ببيّنة؟فكتب(عليه السّلام):« يجوز بلا بيّنة» قال:و كتبت إلى أبي الحسن(عليه السّلام) يعني:علي بن محمد(عليهما السّلام)-:جعلت فداك!إن ادّعى زوج المرأة الميّتة أو أبو زوجها أو أُمّ زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم،أ يكون بمنزلة الأب في الدّعوى؟فكتب(عليه السّلام):« لا» (4).

ص:187


1- المسالك 2:398،الكفاية:278.
2- الكافي 7:1/415،2،عوالي اللآلي 2:11/345،و 3:22/523،تفسير القمي 2:157،سنن الترمذي 2:1355/398،1356،1357،السنن الكبرى للبيهقي 10:252،253 سنن الدارقطني 4:8/157.
3- سنن الدارقطني 4:9/157 بتفاوت يسير،و كذا في سنن ابن ماجة 2:2321/778،و السنن الكبرى للبيهقي 10:252.
4- الكافي 7:18/431،الفقيه 3:214/64،التهذيب 6:800/289،الوسائل 27:290 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 23 ح 1.

و هي ضعيفة بالمكاتبة عند جماعة (1)،و بالشذوذ و الندرة بلا شبهة؛ لعدم قائل بها،بل و إطباق الفتاوى على خلافها حتى من الشيخ المحكيّ عنه فتواه بها (2)؛ لرجوعه عنها في المسائل الحائريات كما حكاه عنه في السرائر (3).

نعم ظاهر الصدوق الفتوى بها،حيث رواها في الفقيه في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة،مع ضمانه فيه (4)أن لا يروى فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحّته.لكن الظاهر المحكي عن جدّي المجلسي(رحمه اللّه)و غيره (5)عدوله عمّا وعد به.

و كيف كان،فالعمل على ما عليه الأصحاب؛ لمخالفة الرواية العمومات المعتضدة بعملهم،فلتطرح،أو تحمل على ما حملها عليه الحلّي (6)من حمل قوله:« يجوز بلا بيّنة» على الاستفهام الإنكاري بحذف حرفة،أو على الإنكار لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة.

و لكن تتمّة الخبر ينافي الحملين،كما صرّح به في التحرير (7).

و ربما حملها بعض (8)على الظاهر من أنّ المرأة تأتي المتاع من بيت أهلها،و ظاهره العمل عليها حينئذٍ.

ص:188


1- منهم الحلّي في السرائر 2:187،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:277،و السبزواري في الكفاية:278.
2- انظر النهاية:349.
3- المسائل الحائريات(الرسائل العشر):297،السرائر 2:188.
4- في« ح» زيادة:بناءً على ما ذكره في أوّله.
5- روضة المتقين 1:17،مشرق الشمسين(الحبل المتين):270.
6- السرائر 2:189.
7- التحرير 2:205.
8- التحرير 2:205،و انظر كشف اللثام 2:356.

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا في ذيل المسألة السابقة قد مرّ.

اللّهم إلّا أن يذبّ عنه بدعوى حصول الظنّ من الاستقراء و تتبّع الموارد الجزئية في الدعاوي التي عمل فيها بمجرد الظهور،بجواز العمل به و الحكم بسببه،كما سيدّعي ذلك العلّامة في المختلف في المسألة الآتية (1).

و له وجه إلّا أنّ في بلوغه هنا قوّة المقاومة للأُصول المعتضدة بعمل الأصحاب إشكالاً،بل الأخذ بمقالتهم أولى.

الخامسة إذا تداعى الزوجان متاع البيت

الخامسة: إذا تداعى الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر متاع البيت الذي في يدهما قضي لمن له البيّنة مطلقاً، بلا خلاف.و إن لم يكن لهما بيّنة فله ما يصلح للرجال كالعمائم و الدروع و السلاح و لها أي للزوجة ما يصلح للنساء كالحلي و المقانع و قمص النساء.

و ما يصلح لهما كالفرش و الأواني يقسم بينهما نصفين بعد التحالف،أو النكول،وفاقاً للشيخ في النهاية و الخلاف (2)،و الحلّي في السرائر (3)،و الإسكافي،و ابن حمزة،و الكيدري (4)،و الماتن هنا صريحاً و في الشرائع (5)ظاهراً،و الفاضل في التحرير (6)،و أبي العباس في المهذب (7)،و الشهيد في الدروس (8)،و هو ظاهر القاضي،إلّا أنّه قرّبه في

ص:189


1- في ص 191.
2- النهاية:351،الخلاف 6:352.
3- السرائر 2:192 194.
4- حكاه عن الإسكافي و الكيدري في غاية المراد(مخطوط)الورقة:261،الوسيلة:227.
5- الشرائع 4:119.
6- التحرير 2:200.
7- المهذّب البارع 4:489.
8- الدروس 2:111.

الدعوى بعد الطلاق (1).

و بالجملة الأكثر،كما في المسالك (2)،بل المشهور،كما في ظاهر الشرائع و صريح النكت (3)،بل في الخلاف و السرائر (4)دعوى الإجماع عليه.و نسبه في المبسوط (5)إلى روايات الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أيضاً.و لا ينافيه فتواه فيه بخلافه كما يأتي؛ لما صرّح به بعد النسبة أنّه على الأحوط.

و الأصل فيه قبل ذلك المروي في التهذيبين بسند فيه جهالة،و لكنّها في الفقيه صحيحة،و فيها:« إذا طلّق الرجل امرأته و في بيتها متاع فلها ما يكون للنساء،و ما يكون للرجال و النساء يقسّم بينهما،فإذا طلّق المرأة فادّعت أنّ المتاع لها،و ادّعى الرجل أنّ المتاع له،كان له ما للرجال،و لها ما للنساء» (6).

و الموثق:في امرأة تموت قبل الرجل،أو رجل قبل المرأة،قال:

« ما كان من متاع النساء فهو للمرأة،و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما،و من استولى على شيء منه فهو له» (7).

و في آخر:عن رجل يموت،ما له من متاع البيت؟قال:« السيف

ص:190


1- المهذّب 2:579.
2- المسالك 2:398.
3- الشرائع 4:119،غاية المراد(مخطوط)الورقة:261.
4- الخلاف 6:354،السرائر 2:193.
5- المبسوط 8:310.
6- الفقيه 3:215/65،التهذيب 6:818/294،الإستبصار 3:153/46،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 4.
7- التهذيب 9:1079/302،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.

و السلاح و ثياب جلده» (1).

و قصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً كما ذكره جماعة (2)غير ضائر بعد ظهورها فيه،كما اعترفوا به،هذا.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الشق الأخير،و الظهور المستند إلى العادة فيما عداه،كما صرّح به الحلّي و غيره (3)،و العمل به في مقابلتها و إن كان خلاف الأصل و القاعدة كما مر إليه الإشارة إلّا أنّه هنا ظاهر الفتاوى؛ لإطباقها على العمل بالظاهر و لو في الجملة،و عدم مخالف فيه عدا الشيخ في المبسوط (4)كما يأتي،و قد عرفت تصريحه بكونه على الأحوط.

و الفاضل و إن وافقه في بعض كتبه،إلّا أنّه رجع عنه في المختلف و قال بالرجوع إلى العرف العام أو الخاص،فإن وجد عمل به،و إن انتفى أو اضطرب كان بينهما،قال:

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار و النظر راجعة إلى ذلك،و لهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل،و كون المتشبّث به أولى من الخارج؛ لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً،فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر،و الرجوع إلى من يدّعي ظاهر العرف.و أمّا مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح فيتساويان (5).

ص:191


1- التهذيب 6:832/298،الإستبصار 3:152/46،الوسائل 26:215 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 2.
2- غاية المراد(مخطوط)الورقة:261 المسالك 2:398،مجمع الفائدة 12:253.
3- السرائر 2:194؛ و انظر التنقيح الرائع 4:278،و المختلف:698.
4- المبسوط 8:310.
5- المختلف:698.

و اختار هذا الشهيدان في النكت و المسالك (1).و نفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع (2).

و استحسنه أبو العباس في المهذب قال:و يؤيّده استشهاده(عليه السّلام) أي فيما يأتي من الروايات بالعرف حيث قال:« قد علم من بين لابتيها» (3)و مثله قوله(عليه السّلام):« لو سألت من بينهما» يعني:الجبلين،و نحن يومئذ بمكة « لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فتعطى التي جاءت به،فإن زعم أنه أحدث فيه شيئاً فليأت البيّنة» (4)(5).

و ما اختاروه حسن لولا إطلاق ما مرّ من النصوص و الإجماعات المنقولة، و لكن يمكن تنزيلها عليه بأن يقال:إنّ إطلاقها وارد مورد الغالب في العادة؛ لحكمها غالباً بكون ما للرجل للرجل و ما للنساء للمرأة.

و بذلك صرّح الحلّي الذي هو أحد نقلة الإجماع،فقال:لأنّ ما يصلح للنساء الظاهر أنّه لهنّ،و كذلك ما يصلح للرجال،فأمّا ما يصلح للجميع فيداهما معاً عليه فيقسم بينهما؛ لأنّه ليس أحدهما أولى به من الآخر،و لا ترجيح لأحدهما على الآخر،و لا يقرع ها هنا؛ لأنّه ليس بخارج عن أيديهما (6).انتهى.

ص:192


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:262،المسالك 2:398.
2- غاية المرام 4:268.
3- التهذيب 6:829/297،الإستبصار 3:149/44،الوسائل 26:215 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ذيل الحديث 1.
4- الكافي 7:1/130،الإستبصار 3:151/45،الوسائل 26:213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1.
5- المهذّب البارع 4:491.
6- السرائر 2:194.

و على هذا التنزيل فمآل القولين واحد ،و به صرّح المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه)في شرح الإرشاد (1)،و إن حكاهما جماعة من الأصحاب (2)قولين تبعاً للظاهر منهما،فإنّ إطلاق الحكم في الأوّل بكون ما للرجل للرجل و بالعكس يشمل صورتي قضاء العادة بذلك كما هو الغالب و عدمه.و لا كذلك الثاني؛ لتفصيله بين الصورتين،فوافق الأوّل في الأُولى، و خالفه في الثانية.

و لا ريب أنّ هذا القول أظهر؛ إذ ليس لمخالفة الأُصول في الصورة الثانية دليل يعتدّ به عدا إطلاق النصوص و الإجماعات المنقولة.و في التمسك به إشكال بعد قوة ما ذكرناه من احتمال وروده مورد الغالب من قضاء العادة بذلك،و حصول الظهور منها بلا شبهة،سيّما و أنّ الحلّي (3)الذي هو أحد نقلة الإجماع كما عرفت استند إلى ذلك معرباً عن عدم كون الحكم بذلك على الإطلاق.

و بهذا القول يجمع بين الأخبار المتقدّمة و ما في رواية أُخرى مروية بعدّة طرق صحيحة و موثقة و هو كون المتاع المتنازع فيه مطلقاً للمرأة خاصّة إلّا أن يقيم الرجل البيّنة قد علم من بين لابتيها يعني من بين جبلي منى أنّ المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع،و نحن يومئذ بمنى،كما في بعضها.

و في آخر:« لو سألت من بين لابتيها» يعني الجبلين،و نحن يومئذٍ

ص:193


1- مجمع الفائدة 12:254.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:381،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:277،و الشهيد الثاني في المسالك 2:398.
3- راجع ص 192.

بمكة« لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل،فتعطى التي جاءت به،و هو المدّعى،فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت بالبيّنة» (1).

بحمل الجميع على ما إذا كان هناك عادة تشهد بالحكم لمن حكم له فيها.و التعليلات في الرواية الأخيرة على الجمع المزبور شاهدة،و قد مرّ إليه في كلام المهذب الإشارة (2).

فلا وجه للقول بإطلاق ما في هذه الرواية و قطع النظر عما فيها من العلّة المخصّصة،كما هو صريح الشيخ في الاستبصار (3)،و ظاهر الكليني في الكافي (4)،و الصدوق في الفقيه،إلّا أنّه خصّها بالمتاع الذي هو من متاع النساء،و المتاع الذي يحتاج إليه الرجال كما تحتاج إليه النساء،قال:فأمّا ما لا يصلح إلّا للرجال فهو للرجل،و ليس هذا الحديث بمخالف للذي قال:« له ما للرجال و لها ما للنساء» و باللّه التوفيق (5).انتهى.

فإنّ هذه الرواية و إن تعدّد طرقها و صحّت إلّا أنّها لا تكافؤ الأدلة المتقدمة من وجوه شتّى،و منها:ندرة القائل بها،بل و عدمه صريحاً؛ لرجوع الشيخ عنها في باقي كتبه إلى المختار صريحاً في بعضها،و ظاهراً فيما عداه (6)،و الكليني لم يفت بها صريحاً،و إنّما عنون الباب و حكاها

ص:194


1- الكافي 7:1/130،التهذيب 6:829/297،830،831،و ج 9:1078/301،الإستبصار 3:149/44،150،151،الوسائل 26:213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1.
2- المتقدم في ص 192.
3- الاستبصار 3:47.
4- الكافي 7:131.
5- الفقيه 3:65.
6- راجع ص 189.

خاصّة (1)،و هو و إن كان ظاهراً في فتواه بها،إلّا أنّ احتمال تخصيصه لها بما خصّصناها به لمكان التعليل قائم جدّاً.

و الصدوق لم يقل بإطلاقها،بل قيّدها بما مضى،و هو موافق للقوم إلّا في حكمه بأنّ ما يصلح لهما للمرأة،و لا شاهد له فيه،مع مخالفته الأُصول و إطلاق النصوص،مع تصريح جملة منها بأنّ مالهما بينهما.

و منها:الصحيحة التي رواها،لكنها دلت على ذلك برواية الشيخ خاصّة (2)؛ لكونها المتضمنة للحكم المذكور.و أمّا هو فقد رواها مجرّدة عن ذلك،و لذا زعم حصول الجمع بينهما و بين الرواية الثانية بما ذكره،و إلّا فجمعه على رواية الشيخ يتطرق إليه النظر بما عرفته.

و بالجملة:فجمعه على تلك الرواية لا وجه له،كما لا وجه لجمع الشيخ في الاستبصار (3)بحمل الرواية الأُولى على التقية،أو على حكمه(عليه السّلام)بذلك صلحاً و مصلحة،و الثانية على مرّ الحق؛ لبعده،سيّما الأخير،مع عدم الداعي له،بل و عدم إمكان المصير إليه؛ لفقد التكافؤ بناء على كون الأُولى مشهورة بين الأصحاب بل و مجمعاً عليها،كما صرح به هو في الخلاف (4)،فالشهرة في هذه تقابل المخالفة للعامّة إن صحّت في الرواية الثانية،بل الشهرة راجحة عليها بمراتب عديدة.فالرواية الأُولى أرجح من الثانية،فينبغي صرف وجوه الحمل إليها دون الاُولى.و لا حمل أجود ممّا ذكرناه،بل بعد التدبّر فيهما و ملاحظة وجه الجمع الذي ذكرناه

ص:195


1- الكافي 7:130.
2- التهذيب 6:818/294،الإستبصار 3:153/46،الوسائل 26:216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 4.
3- الإستبصار 3:47.
4- الخلاف 3:645.

يظهر عدم التعارض بينهما أصلاً.

و قال الشيخ في المبسوط :إنّه إذا لم يكن لهما بيّنة و يدهما عليه كان بينهما نصفين بعد حلف كل منهما لصاحبه (1).و تبعه الفاضل في ظاهر الإرشاد و صريح القواعد و ولده في شرحه (2)؛ أخذاً بالعمومات،و طرحاً للروايات لاختلافها.

و فيه نظر يعلم وجهه ممّا مرّ،مع أنّ ذلك من الشيخ كما عرفت على جهة الاحتياط،فإنّه قال بعده:و قد روى أصحابنا أنّ ما يصلح للرجال فللرجل و ما يصلح للنساء فللمرأة،و ما يصلح لهما يجعل بينهما.و في بعض الروايات أنّ الكل للمرأة و على الرجل البيّنة؛ لأنّ من المعلوم أنّ الجهاز ينتقل من بيت المرأة إلى بيت الرجل،و الأوّل أحوط (3).انتهى.

هذا،و يحتمل أن يريد من الأوّل ما رواه الأصحاب دون ما أفتى به؛ لكونه أوّلاً بالنسبة إلى الرواية الثانية.و حاصله حينئذٍ أنّ الرواية الأُولى أحوط.

و به صرّح في الخلاف،فقال:إن اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما:كلّه لي،و لم يكن مع واحد منهما بيّنة نظر فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه،و ما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها،و ما يصلح لهما كان بينهما.و قد روي أنّ القول في جميع ذلك قول المرأة مع يمينها،و الأول أحوط (4).انتهى.

ص:196


1- المبسوط 8:310.
2- الإرشاد 2:151،القواعد 2:223،إيضاح الفوائد 4:380.
3- المبسوط 8:310.
4- الخلاف 6:352.

و كلامه على كلا التقديرين ظاهر في رضاه بالعمل بمذهب الأكثر،بل و على التقدير الثاني يستفاد منه كونه أحوط.و حينئذ فلا وجه لعدّ الشيخ في المبسوط مخالفاً للقول الأول،إلّا من حيث تجويزه العمل بما ذكره في المبسوط،لا من حيث منعه عن العمل بما عليه الأصحاب.و هو في الحقيقة موافق لهم في جواز العمل بما صاروا إليه.و ليس الأمر كما يستفاد من موافقيه من تعين العمل بما أفتوا به،و المنع عن العمل بما عليه القوم.

و من هنا يظهر مرجّح آخر لما صاروا إليه من حيث موافقة الشيخ لهم في المبسوط أيضاً،بل مطلقاً،فإنّ ما ذكره في الاستبصار (1)مع رجوعه عنه غير معلوم كونه فتوى له،فلعله ذكره لمجرّد الجمع بين الأخبار،و قد مضى الإشارة إلى مثله مراراً،هذا.

و لو جمع بينهما بنحو ما قدمناه لكان أظهر و أولى.

ثم إنّ ما ذكره في الاحتياط في الكتابين محل نظر؛ لأنّه الأخذ بالمتيقن،و ليس في شيء من الأقوال بمتحقق.

بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه،و هو أنّ الفاضل المقداد في شرح الكتاب رجّح ما عليه الفاضل في القواعد و الإرشاد (2)،قال:لما قلنا من تكافؤ الدعويين من غير ترجيح؛ و لأنّ الحكم لكل بما يصلح له لو كان حقاً لزم الحكم بمال شخص لغيره؛ لكونه صالحاً لذلك الغير،و هو باطل.

و بيان اللزوم:أنّه جاز أن يموت للمرأة أخ فترث منه عمائم و طيالسة و دراريع و سلاحاً،و يموت للرجل أُمّ أو أُخت فيرث منها حلياً و مقانع و قمصا مطرزة بالذهب و يكون ذلك تحت أيديهما،فلو حكم لكل بما

ص:197


1- راجع ص 195.
2- راجع ص 196.

يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره.لا يقال:قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):نحن نحكم بالظاهر و اللّه تعالى يتولّى السرائر (1)،و ما قلناه هو الظاهر.لأنّا نقول:

نمنع أنّ ذلك الظاهر؛ لأنّ الظاهر هو راجح غير مانع عن النقيض،و مع ما ذكرنا من الاحتمال الا رجحان.و ما ذكره العلّامة من العرف ممنوع؛ لأنّه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين الرجل و المرأة في متاع هذا شأنه،و هو باطل (2).انتهى.

و فيه نظر.

أمّا أوّلاً:فبأنّه اجتهاد في مقابلة الأدلة المتقدمة من النصوص المعتبرة و المستفيضة،و الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كلام جماعة كما عرفته،و إطراح لجميع ذلك بالكلية.

و لا يرتكبه ذو فطنة و دُربة.

و أمّا ثانياً:فبأنّ قوله:لتصادم الدعويين مع عدم الترجيح.إلى آخره ممنوع.

أمّا على القول الأوّل فمطلقاً؛ لما عرفته من دعوى الحلّي و غيره الرجحان عرفاً و عادة (3).

و أما على القول الثاني الذي اختاره في المختلف (4)ففيما إذا حصل الرجحان بالعادة كما هو الغالب،و لذا ادّعاه الحلي و غيره مطلقاً،و إنكاره حينئذ لا معنى له،بل فاسد جدّاً.

ص:198


1- إيضاح الفوائد 3:486،كشف الخفاء 1:193.
2- التنقيح الرائع 4:278.
3- راجع ص 191.
4- المختلف:698.

و إن كان مراده من إنكاره دعوى عدم إمكان حصول الترجيح بالعادة بالكلية و أنّه من الأُمور المحالة عادةً،فهو أوضح حالاً في الفساد من أن نبيّنه،كيف لا؟!و لا وجه له عدا ما ذكره من الاحتمال،و هو بمجرده غير مانع من الظهور ما لم يتساو هو و الاحتمال المقابل له،و لا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال غير مساوٍ للاحتمال الآخر غالباً،بل هو أرجح إمّا مطلقاً،كما ادّعاه الحلّي و غيره،أو في أغلب الأحوال و أكثر العادات،كما هو المقطوع به الذي لا شك فيه.

و حال الظهور في المسألة لا يقصر عن الظهور المحكوم به في جزئيات مسائل الدعاوي التي ذكرها العلّامة من نحو ظهور اليد في الملكية.و لا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال مثله بل و أمثاله جارٍ فيها،سيّما و إذا كان اليد يد نحو السارق و الظلَمة.و لا ريب أنّه لا ينافي ظهورها في الملكية عنده و عند العلماء كافّة.

و نحو الظهور في تلك المسائل الظهور المحكوم به في المسألتين السابقتين،على المشهور في الأُولى منهما،و على قول بل و احتمال في الثانية.

و بالجملة:دعوى عدم إمكان حصول الظهور من العادة مطلقاً مكابرة صرفة لا يرتاب في فسادها ذو مسكة.

و أمّا ثالثاً:فبأنّ قوله:و ما ذكره العلّامة من العرف ممنوع،إن أراد به منع حكم العرف بالظهور،فمع أنّه لا يساعده التعليل بقوله:لأنّه لو كان قاعدة شرعية.إلى آخره،فيه ما عرفته من أنّه مكابرة.

و إن أراد عدم حجّية مثله كما هو الظاهر من التعليل و إن لم يساعده العبارة،ففيه أوّلاً:أنّه و إن كان مقتضى الأصل كما عرفته،إلّا أنّ الخروج

ص:199

عنه لازم بما تقدم من الأدلة من النصوص و الإجماعات المنقولة.فالقول بحجّية الظهور في المسألة مستند إليها،و هو لا يوجب حجّيته مطلقاً حتى فيما نقض و عارض به العلّامة ممّا لم يتحقق فيه مثل تلك الأدلة.

نعم ربما يرد عليه النقض بما ذكره من حيث استناده إلى الاستقراء المفيد لحجيّة الظهور في الدعاوي كلّية،و لكن للعلّامة الذبّ عنه بالتزامه الحكم في كل ما لم يقم الدليل على خلافه من إجماع أو غيره.و دعواه حينئذٍ بطلان اللازم غير مجدٍ لالتزامه به،بل لا يجدي إلّا حيثما يعترف بالبطلان فيه،و لعله لا يعترف به إلّا حيث يقوم دليل عليه فيه.و معه النقض غير مانع؛ لكون الدليل حينئذٍ هو الفارق،و لولاه لالتزم بالحكم فيما نقض به،فكيف يدّعي بطلانه فيه؟.

و ثانياً:بأنّ إنكار حجّيته إن كان من حيث منعه حصوله فقد قدّمه، و لا وجه لإعادته،بل و لا لنقضه.و إن كان من حيث عدم دليل عنده على حجّيّته مع تسليم ظهوره،ففيه بعد ما عرفت من وجود الدليل عليها إمّا مطلقاً أو فيما نحن فيه خاصّة-:أنّ الحديث المذكور في كلامه دليل على حجّيته حتى باعترافه،حيث إنّه لم يناقش فيه لا في سنده و لا في دلالته، و إنّما منع حصول الظهور فيما نحن فيه،فإذا سلّمه كما هو المفروض فلا ينبغي أن يتكلم في حجّيته.

ص:200

الفصل الثالث في تعارض البيّنات

الفصل الثالث في بيان أحكام تعارض البيّنات و تضادّها بحيث يستلزم العمل بكل منهما تكذيب الأُخرى.

اعلم أنّ العين التي تعارضت فيها إمّا أن تكون في يد أحد المتداعيين،أو يدهما معاً،أو يد خارج عنهما:

فإن كان الأوّل كان الحكم فيه أن يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق أي من غير ذكر سببه مطلقاً،تساوتا عدالةً و كثرةً، أم اختلفتا فيهما على الأشبه الأقوى.

وفاقاً لجمهور أصحابنا كالصدوقين،و الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و كتاب البيوع من الخلاف،و الديلمي،و القاضي،و ابن حمزة لكن فيما لا يتكرر ملكه،و الحلّي،و ابن زهرة،و الفاضلين في صريح المتن و الشرائع و المختلف و ظاهر التحرير و الإرشاد و القواعد،و الشهيدين في النكت و الروضة،و إن توقّفا فيه في الدروس و اللمعة و المسالك (1)،و هو

ص:201


1- الصدوق في المقنع:133،و الفقيه 3:39 و حكاه فيهما عن والده،النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،الخلاف 3:130،الديلمي في المراسم:234،القاضي في المهذّب 2:578،ابن حمزة في الوسيلة:219،الحلّي في السرائر 2:168،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،الشرائع 4:111،المختلف:694،التحرير 2:195،الإرشاد 2:150،القواعد 2:222،غاية المراد(مخطوط)الورقة:258،الروضة 3:108،الدروس 2:101،المسالك 2:390.

ظاهر المقداد في التنقيح،و غيره من المتأخّرين (1).و نسبه في الخلاف إلينا،و جعله في المبسوط (2)مذهبنا مشعراً بدعوى الإجماع عليه بيننا،و به صرّح في الغنية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الرواية المستفيضة أنّ البيّنة على المدّعى و اليمين على الجاحد (3).فإنّ تخصيص المدّعى بالبيّنة و الجاحد باليمين قاطع لشركتهما فيهما.

و قصور الدلالة من حيث إنّ غايتها إفادة لزوم البيّنة على المدّعى، لا عدم الحكم بها لو أقامها المنكر و عدم سماعها منه.

مجبور أوّلاً:بفهم الأصحاب منها ما ذكرنا،حيث استدلوا بها هنا و في غير مقام ساكتين عليها،بل ظاهرهم الجزم بوضوح دلالتها.

و ثانياً:بالخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة،كما عرفتها و سيأتي أيضاً إليها الإشارة،و فيه:رجل في يده شاة فجاء رجل فادّعاها، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع،و جاء الذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول و أنّها ولدت عنده،و لم يهب و لم يبع،فقال(عليه السّلام):

« حقّها للمدّعي،و لا أقبل من الذي في يده بيّنة،لأنّ اللّه تعالى إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعى،فإن كانت له بيّنة،و إلّا فيمين الذي هو في يده،

ص:202


1- التنقيح الرائع 4:281،إيضاح الفوائد 4:410؛ و انظر المفاتيح 3:271.
2- المبسوط 8:258.
3- الوسائل 27:233 أبواب كيفية الحكم ب 3.

هكذا أمر اللّه تعالى» (1).

و هو مع ذلك حجّة أُخرى مستقلة،سيّما مع مخالفتها العامّة،كما سيأتي إليه الإشارة.

خلافاً للشيخ في المبسوط (2)و كتاب الدعاوي من الخلاف (3)،فقال:

يقضى للداخل.

و مستنده مع ندرته غير واضح من الأخبار،و ما استدل له به منها ممّا سيأتي مختصّ بغير ما نحن فيه.و الاعتبار و إن شهد له من حيث إنّ ذا اليد له حجّتان:هي و البيّنة،و الآخر له حجّة واحدة،فيترجّحان عليها،إلّا أنّه ساقط عن درجة الاعتبار بعد ما عرفته من أنّ وظيفة ذي اليد اليمين دون البيّنة،فوجودها في حقه كعدمها بلا شبهة،و لذا لو أقامها بدلاً عن يمينه لم تقبل منه إجماعاً (4)إن لم يقمها المدّعى.

و للمفيد (5)-(رحمه اللّه) فرجّح الأعدل من البيّنتين ثم الأكثر منهما،و مع التساوي فبيّنة الخارج مطلقاً،مطلقتين كانتا أم مقيّدتين أم مختلفتين.

و وافقه الإسكافي (6)،لكن في اعتبار الأكثرية خاصّة دون الأعدلية، فلم يذكرها،و دون الحكم للخارج مع التساوي في الكثرة،بل حكم فيه

ص:203


1- التهذيب 6:594/240،الإستبصار 3:143/43،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 14.
2- المبسوط 8:258.
3- الخلاف 6:329.
4- في« ب» زيادة:و.
5- المقنعة:730.
6- حكاه عنه في المختلف:693.

للحالف منهما،و لذي اليد مع حلفهما أو نكولهما.

و استدل لهما في اعتبار الأكثرية بالصحيح:عن الرجل يأتي القوم، فيدّعي داراً في أيديهم،و يقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها من أبيه، لا يدري كيف أمرها؟فقال:« أكثرهم بيّنة يستحلف و تدفع إليه» و ذكر:«أنّ علياً(عليه السّلام)أتاه قوم يختصمون في بغلة،فقامت لهؤلاء بيّنة أنّهم أنتجوها على مذوَدهم لم يبيعوا و لم يهبوا،و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك،فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم» (1).

و فيه نظر،فإنّ الاستدلال به إن كان من جهة الذيل المتضمن لقضاء علي(عليه السّلام)في البغلة فوجه النظر فيه واضح؛ لعدم التعرض فيه لكونها في يد أحدهما كما هو فرضنا،فيحتمل كونها في يد ثالث،و نحن نقول به، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و إن كان من جهة الصدر المصرّح فيه بكون العين المتنازع فيها في يد أحدهما،فوجه النظر فيه أنّه لا تعلّق له بما نحن فيه من تعارض البيّنتين بالملك؛ و ذلك لأنّ الظاهر منه بل صريحه أنّ بيّنة ذي اليد إنّما هي على كون الدار في يده بالإرث،لا على كونها في يده بالملك،و يحتمل فيه القول بمضمونه كما حكاه في المختلف عن الحلبي (2)،و يظهر أيضاً من الصدوق في الفقيه،حيث قال بعد نقل الرواية المزبورة:

ص:204


1- الكافي 7:1/418،الفقيه 3:129/38،130،التهذيب 6:575/234،الإستبصار 3:135/40،الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 1.
2- المختلف:693،الكافي في الفقه:439.

لو قال الذي في يده الدار:إنّها لي و ملكي،و أقام على ذلك بيّنة، و أقام المدّعى على دعواه بيّنة،كان الحق أن يحكم بها للمدّعي؛ لأنّ اللّه تعالى عزّ و جلّ إنّما أوجب البيّنة على المدّعى و لم يوجبها على المدّعى عليه،و لكن هذا المدّعى عليه ذكر أنّه ورثة عن أبيه و لا يدري كيف أمرها، فلهذا أوجب الحكم باستحلاف أكثرهم بيّنة و دفع الدار إليه (1).انتهى.

و هو صريح في عدم اعتباره الأكثرية بل و غيرها من وجوه التراجيح فيما نحن فيه،فما ذكره الشهيدان (2)و غيرهما (3)من موافقته المفيد في اعتبار الأكثرية مطلقاً محل مناقشة.

و كذا نسبة ابن فهد في المهذب و الشهيد في الدروس (4)ذلك مع اعتبار الأعدلية قبله إلى قدماء الأصحاب كما في الأوّل،و إلى أكثرهم كما في الثاني أيضاً محل مناقشة؛ إذ لم نقف على قائل بذلك منهم عدا من ذكرناه.و كلمات باقيهم كما يستفاد من المختلف (5)و إن تضمنت ذلك إلّا أنّه فيما إذا كانت العين في يد خارجة ثالثة،و هو ليس من خصائصهم،بل أفتى به المتأخرون كما اعترفا به أيضاً.

و بالجملة:لا وجه لما ذكروه من النسبة،كما لا وجه للاستدلال بما ذكر من الرواية للمفيد و الإسكافي في مفروض المسألة،كما اتفق للشهيد الثاني (6)و جملة ممن تبعه (7)؛ لما عرفته.

ص:205


1- الفقيه 3:39.
2- الدروس 2:101،المسالك 2:390.
3- انظر المهذّب البارع 4:492.
4- المهذّب البارع 4:492،الدروس 2:101.
5- المختلف:693،694.
6- المسالك 2:391.
7- انظر الكفاية:276،و كشف اللثام 2:354.

و مع ذلك قاصرة عن إفادة تمام ما عليه المفيد من اعتبار الأعدلية و كونها قبل الأكثرية،و لا متمّم له من إجماع أو رواية.

و مع ذلك هي معتبرة للحلف،و هو لم يعتبره.

و كذا حكمه بتقديم الخارج مع التساوي في الكثرة لا يستفاد منها، و لعله أخذه من الجمع بينها و بين ما قدمناه من الأدلة،كما صرّح به في الدروس (1)،و لكنه غير ممكن لنا؛ لعدم التكافؤ بينهما عندنا؛ لرجحان الأدلة التي قدمناها على هذه الرواية من وجوه عديدة،مع ما عليه هذه الرواية مما عرفته من عدم ارتباطها بمورد المسألة.

فلا يمكننا المصير إلى ما عليه المفيد،و لا إلى ما عليه الإسكافي من الحكم مع التساوي عدداً للحالف منهما و لذي اليد مع حلفهما أو نكولهما؛ لعدم استفادتهما من الرواية المزبورة،مع مخالفتهما لما مضى من الأدلة.

مع عدم دليل على الثاني منهما سوى ما عرفته في مذهب الخلاف (2)من حجة ضعيفة،و لا على الأوّل عدا رواية:« أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف،فقضى بها للحالف» فقيل:لو لم يكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة؟قال:« أحلفهما فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف،و إن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين».قيل:فإن كانت في يد واحد منهما و أقاما جميعاً البيّنة؟فقال:

« أقضي بها للحالف الذي في يده» (3).

ص:206


1- الدروس 2:101.
2- راجع ص 203.
3- الكافي 7:2/419،التهذيب 6:570/233،الإستبصار 3:130/38،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.

و هي مع عدم دلالتها على التفصيل الذي ذكره على المشهور ضعيفة،و مع ذلك غير مكافئة لما مرّ من الأدلة،متضمنة لما لم يقل به المشهور من الطائفة و هو القضاء فيها بالعين التي في يدهما بمجموعها للحالف منهما،و المشهور كما سيأتي التشريك بينهما مطلقاً،إلّا أن يحمل على ما إذا لم يكن بيّنة لهما.

و للعماني فصار إلى القرعة مطلقاً،مدّعياً تواتر الأخبار بقضاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بذلك (1).

و هو شاذّ،و الأخبار المستفيضة أو المتواترة كما ذكره و إن كانت مطلقة إلّا أنّ ظاهر الأصحاب عداه الإطباق على تقييدها بما إذا كان تعارض البيّنتين في العين الخارجة عن يد المتداعيين.

و لعله للجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلّة بتقديم بيّنة الخارج،و هي بالنظر إلى هذه الأخبار خاصّة،فلتكن عليها مقدمة.و يمكن تقييد كلام العماني بذلك أيضاً،و لعله لذا لم يشر إلى خلافه أحد في المسألة،مع أنّ الأخبار الدالة عليه مستفيضة.

و كيف كان،فالمختار ما عليه الأصحاب.

كل ذا إذا شهدتا بالملك المطلق.

و يقضى لصاحب اليد لو انفردت بيّنته ب ذكر السبب كالنتاج،و قديم الملك،و كذا الابتياع و أطلقت بيّنة الآخر،و لم يذكر فيها شيء من الأسباب،وفاقاً للشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية و كتابي الحديث و الخلاف و المبسوط (2)مشعراً فيهما بدعوى الإجماع عليه،حيث قال

ص:207


1- حكاه عنه في المختلف:693.
2- النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،الخلاف 6:332،المبسوط 8:258.

فيهما:قبلناها،و زاد في الأوّل فقال:بلا خلاف بيننا.و به تشعر عبارة ابن فهد،حيث نسب القول الآتي إلى الندرة (1).و إليه ذهب القاضي و الطبرسي و الفاضلان و الشهيدان (2)في كتبهم المتقدّمة.

و الحجة عليه غير واضحة عدا الإجماع المستشعر من عبائر الشيخ و ابن فهد المتقدمة،و ما في التنقيح (3)من تأيّد يده بالسبب،و حديث جابر أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)قضى لصاحب اليد لمّا أقام كل منهما البيّنة أنّه أنتجها عنده (4).

و نحوه بعض الروايات الآتية (5).

و المناقشة في الجميع واضحة،أمّا الإجماع فبعد تسليم ظهوره من العبارة موهون بعدم قائل به من القدماء عدا الناقل له و بعض من تبعه،و إلّا فأكثر القدماء على تقديم بيّنة الخارج هنا أيضاً كالصدوقين و المفيد و الديلمي و الحلي و ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (6).

و بإجماعه يعارض الإجماع المتقدم أيضاً،مع رجحانه عليه بالتصريح فيه بلفظه،و عدم وهنه بموافقة من مرّ من القدماء له،و لكنهم كمدّعي الإجماع أطلقوا الحكم بتقديم بيّنة الخارج من دون تفصيل بين

ص:208


1- المهذّب البارع 4:499.
2- القاضي في المهذّب 2:578،الطبرسي في المؤتلف من المختلف 2:563،المحقق في الشرائع 4:111،العلّامة في القواعد 2:232،الشهيد الأوّل في غاية المراد(مخطوط)الورقة:259،الشهيد الثاني في الروضة 3:109،المسالك 2:390.
3- التنقيح الرائع 4:281.
4- سنن البيهقي 10:256.
5- ستأتي في ص 210.
6- الصدوق في الفقيه 3:39،و حكاه عن والده في المقنع:134،المفيد في المقنعة:730،الديلمي في المراسم:234،الحلّي في السرائر 2:168،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.

كونها مطلقة أو مقيّدة،إلّا أنّ الإطلاق يكفي في الشمول لما نحن فيه سيّما مع ما مرّ في عبارة الصدوق (1)من التعليل،و قريب منها عبارة ابن زهرة.

و أمّا تأيّد اليد بالسبب فحسن إن لم يقم الدليل على عدم اعتبار اليد من أصله في مقابلة بيّنة المدّعى،و قد عرفت قيامه،و صار إليه هؤلاء الجماعة في المسألة السابقة.هذا مع أنّ في حصول التأيّد بالسبب نظراً، و لو سلّمنا اعتبارها هنا.

و أمّا الروايات فقاصرة الأسانيد مع ضعف الاُولى،و عديمة التكافؤ لما قدمناه من الأدلة على تقديم البيّنة الخارجة،مع أنّ موردها اشتمال البيّنتين على السبب،فلا ربط لها بمحل البحث من كون بيّنة الداخل مقيدة و الأُخرى مطلقة.

اللّهم إلّا أن يرتبط بالأولوية كما في المسالك (2)،لكنها تتوقف على القول بمضمون الروايات من تقديم بيّنة الداخل فيما لو كانتا مقيدتين، و سيأتي أنّ مذهب الماتن و أكثر الجماعة القائلين بتقديم بيّنة الداخل هنا تقديم بيّنة الخارج ثمّة،معرضين عن الرواية،فكيف يصح لهم الاستناد إليها في المسألة من جهة الأولوية،مع عدم قولهم بأصل ما فيها.

و بالجملة:الوجه عند الأحقر تقديم بيّنة الخارج هنا كما مضى؛ لما مضى،وفاقاً لمن مضى.

و لو تساويا أي البيّنتان في ذكر السبب بأن شهد كل منهما على النتاج عند من شهدت له مثلاً ف في القضاء للخارج أو الداخل روايتان،أشبههما ما تضمّن القضاء للخارج و هو اختيار من مرّ و الفاضلين في كتبهم المتقدّمة،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب،

ص:209


1- راجع ص 204.
2- المسالك 2:390.

و الشهيدين في النكت و الروضة (1)،و غيرهم (2).

و بالجملة المشهور،على الظاهر المصرح به في كلام الخال العلّامة المجلسي(رحمه اللّه)حيث قال في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية،و هي الرواية المتقدمة دليلاً للمختار في المسألة السابقة ما لفظه:تدل على ترجيح بيّنة الخارج فيما إذا كانتا مسبّبتين،و هو المشهور الموافق للأُصول، و لعلّ ما مرّ من الأخبار من ترجيح بيّنة الداخل محمول على التقية؛ لشهرته بين العامّة فتوًى و روايةً،فإنّهم رووا عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّ رجلين تداعيا دابّة فأقام كل واحد منهما البيّنة أنّها دابّة أنتجها،فقضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)للذي في يديه،و عمل عليه أكثرهم.

ثم قال:و ممّا يرجّح هذا الخبر و أشار به إلى الخبر الدال على المختار هو أنّه معلّل،و الخبر المعلّل أولى بالعمل عند التعارض كما ذكره أئمّة الأُصول (3).انتهى كلامه،علَتْ في فراديس الجنان أقدامه.

و أشار بما مرّ من الأخبار إلى الرواية الثانية،و هي متعددة:

منها:ما مرّ سنداً للإسكافي (4).

و منها:الموثق« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)اختصم إليه رجلان في دابة، و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها،فقضى بها للّذي هي في يده،و قال:لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (5).

ص:210


1- راجع ص 207.
2- انظر كشف اللثام 2:365.
3- انظر ملاذ الأخيار 10:72.
4- راجع ص 206.
5- الكافي 7:6/419،التهذيب 6:573/234،الإستبصار 3:133/39،الوسائل 27:250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 3.

و الأولى قد عرفت أنّها ضعيفة،مع أنّها غير واضحة الدلالة على الحكم في مفروض المسألة.

و الثانية و إن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة إلّا أنّها لا تقاوم الرواية المتقدّمة المعتضدة بما قبلها من الرواية المستفيضة،و بالشهرة الظاهرة و المحكية كما عرفته،و بدعوى الإجماع على تقديم بيّنة الخارج على الإطلاق في الغنية (1)،و بالمخالفة لما عليه أكثر العامّة،كما عرفته من كلام الخال العلّامة في حمله الرواية الثانية على التقية.و لعله يعضده كون الراوي لها غياث بن إبراهيم و هو بتري.فتأمّل .

و بالجملة:طرح هذه الرواية متعين،و إن ذهب إليها الشيخ في الخلاف و التهذيبين (2)،و نسبه في المسالك (3)إليه في النهاية و إلى الماتن، و لعله و هم؛ لتصريح الماتن هنا كما ترى و في الشرائع (4)أيضاً بتقديم بيّنة الخارج هنا.

و عبارة النهاية المحكية في المختلف (5)ساكتة عن حكم البيّنتين المسبّبتين،و إنّما حكمت بتقديم بيّنة ذي اليد إذا انفردت بالسبب،و لذا لم ينسبه فيها إلى ما ذكره أحد من الطائفة حتى من تبعه.بل صرح جمع بما ذكرناه من النسبة،كالفاضل في المختلف،و ابن فهد في المهذّب،و الشهيد في النكت (6)،و غيرهم.

ص:211


1- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الخلاف 6:329،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237.
3- المسالك 2:390.
4- الشرائع 4:111.
5- المختلف:691،692،النهاية:344.
6- المختلف:692،المهذّب البارع 4:493،غاية المراد(مخطوط)الورقة:259.

و يشبه هذا الوهم الوهم الذي نسبه الشهيدان في النكت و المسالك (1)إلى المبسوط في نسبة تقديم بيّنة ذي اليد مع كون البيّنتين مقيّدتين أو مطلقتين إلى مختاره في النهاية،حيث قال:مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا ما ذكرناه في النهاية،و هو أنّه إذا شهدتا بالملك المطلق و يد أحدهما عليها حكم لليد،و كذا إن شهدتا بالملك المقيد لكل واحد منهما و يد أحدهما عليها حكم لمن هو في يده (2).انتهى.

مع أنّه رجّح في النهاية (3)في البيّنتين المطلقتين تقديم بيّنة الخارجة لا الداخلة،و لم يتعرض فيها لحكم البيّنتين المقيّدتين بشيء بالمرّة كما عرفته.

و ظاهره كما ترى المصير إلى ما في الخلاف مشعراً بدعوى الإجماع عليه فتوى و رواية.

و هو كما ترى،لاختلاف رواياتنا جدّاً،مع كون الأشهر منها ما اخترناه،و عدم ظهور قائل بما نسبه إلى مذهبنا عداه هنا و في الخلاف و كتابي الحديث (4)،مع تأمّل ما في فتواه بذلك فيهما؛ لما مرّ وجهه مراراً، و مع ذلك معارض بما مرّ من إجماع الغنية (5)صريحاً.

و مما حققناه في الصور الثلاث يظهر أنّ الأقوى فيها تقديم الخارج، و أنّه الأشهر،إلّا في الصورة الثانية؛ لعدم تحقق شهرة فيها معتدّ بها.

و بقي هنا صورة رابعة هي عكس الثانية،و لم يذكر حكمها في العبارة

ص:212


1- غاية المراد(مخطوط)الورقة:259،المسالك 2:390.
2- المبسوط 8:258.
3- النهاية:344.
4- راجع ص 211.
5- راجع ص 211.

صريحاً،و لكنه يستفاد من الحكم في الثانية بالأولوية كما صرّح بها جماعة (1)،مع أنّه لا خلاف فيه أجده،و به صرح بعض الأجلة (2).

نعم ربّما يأتي فيها خلاف من مضى في الصورة الأُولى ممّن رجّح بالأعدلية و الأكثرية أو حكم بالقرعة،و لكن الجواب عنه قد عرفته.

و لو كانت يداهما أي المتداعيين عليه أي على الشيء المتنازع فيه قضي لكل منهما بما في يد الآخر دون ما في يده مطلقاً، تساوت البيّنات عدالةً و كثرةً و إطلاقاً و تقييداً أم اختلفتا فيها،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا إلّا نادراً.

خلافاً للمهذب (3)و جماعة (4)من القدماء،فخصّوا ذلك بما إذا تساوتا في الأُمور المتقدّمة كلها،و حكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما،و اختلفوا في بيان المرجّح لها.فعن المفيد (5)اعتباره الأعدلية خاصّة هنا و إن اعتبر الأكثرية بعدها فيما مضى.

و عن الإسكافي (6)اعتبار الأكثرية خاصّة كاعتباره لها فيما مضى،و في المهذّب (7)اعتبارهما مرتباً بينهما الأعدلية فالأكثرية.

ص:213


1- منهم العلّامة في المختلف:694،و الشهيد الثاني في المسالك 2:390،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:353.
2- انظر السرائر 2:168.
3- المهذّب البارع 4:494.
4- منهم المفيد في المقنعة:730،و ابن حمزة في الوسيلة:218،و الديلمي في المراسم:234.
5- المقنعة:730.
6- حكاه عنه في المختلف:693.
7- المهذّب البارع 4:494.

و عن ابن حمزة (1)اعتباره التقييد أيضاً مردّداً بين الثلاثة غير مرتّب بينها.

و عن الديلمي (2)اعتبار المرجّح مطلقاً،غير مبيّن له أصلاً.

و لم أجد دليلاً على شيء منها هنا،عدا ما ربما يتخيل من أمر اعتباري دالّ عليها في الجملة لا مطلقاً،و هو أنّ حال البيّنتين هنا كحال الخبرين المتعارضين حيث يتعين الأخذ بأرجحهما،و يجمع بينهما مع التكافؤ و إمكان الجمع و لو في الجملة كما هنا.

و هو ضعيف جدّاً؛ لكونه قياساً،و مع ذلك يتضمّن فارقاً،و هو أنّ مناط العمل بالخبر ليس من حيث كونه خبراً،بل من حيث كونه للظن مفيداً،فينبغي متابعة أقوى الظنّين من الخبرين المتعارضين إن كان حاصلاً؛ تحصيلاً لما هو أقرب إلى العلم المأمور بتحصيله و ما به أحرى،و لا كذلك العمل بالبيّنة،فإنّ مناط العمل بها خصوصيتها لا إفادتها المظنّة،و إنّها من قبيل الأسباب كاليد و الأنساب،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (3)، و لهذا يعمل عليها و لو لم تفدها بالكلية،بل لو حصل من شهادة الفاسق و نحوه ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل منها بمراتب شتى يعمل بها دون شهادتهما.

و منشأ الفرق هو اختلاف مفاد الأدلة على حجّية الأمرين،فإنّ مفاد ما دلّ على حجّية الخبر حجّيته من حيث إفادته المظنّة،لا من حيث الخبرية.و ما دل على حجّية البيّنة حجيتها من حيث البيّنة لا من حيث

ص:214


1- الوسيلة:218.
2- المراسم:234.
3- منهم البحراني في الحدائق 22:77.

إفادتها المظنّة.

و لا ريب أنّ البيّنتين المختلفتين بأحد الأُمور المتقدمة و إن اختلف الظنّ الحاصل منهما ضعفاً و قوةً مشتركتان فيما هو المناط في حجيّتهما، و هو كون كل منهما بيّنة،فيجب العمل بكل منهما لإثبات ما في يد كلٍّ لصاحبه؛ لكونه بالإضافة إليه مدّعياً و هو بالنسبة إليه منكراً.

و منه يظهر الوجه في القضاء لكلٍّ بما في يد الآخر مع عدم اعتبار اليمين،كما هو المشهور،على الظاهر المصرّح به في المسالك و الكفاية (1)و غيرهما (2).

و هو لازم لكل من قدّم بيّنة اليد الخارجة أو الداخلة،مع توجيهه التنصيف بينهما بأنّ مع كل منهما مرجّحاً باليد على نصفها فقدّمت بيّنته على ما في يده.

و لو وجّه بتساقط البيّنتين و بقاء الحكم كما لو لم يكن هناك بيّنة لزم اليمين،كما هو واضح.

و تقديم اليد الداخلة كما عرفت ضعيف،و التوجيهان غير معلومي المأخذ.

و لقد قوّى الفاضل في التحرير (3)ثبوت اليمين على كل منهما مع حكمه بتقديم بيّنة الخارج،و أنّ القضاء هنا لكل منهما بما في يد الآخر.

و جعل ما ذكرناه من عدم اعتبار اليمين احتمالاً.و لعله استند إلى ما مرّ من الخبر سنداً للإسكافي المتضمّن لأنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)،

ص:215


1- المسالك 2:390،الكفاية:276.
2- انظر ملاذ الأخيار 10:51.
3- التحرير 2:195.

فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف،فقضى بها للحالف،فقيل:لو لم تكن في يد واحد منهما،إلى آخر ما مضى (1).

و لكنه كما عرفت ضعيف،غير صريح في كون العين بيدهما،كما هو محل البحث هنا،فيحتمل كونها بيد ثالث و نحن نقول به كما يأتي.

و هو و إن خالف ظاهر الخبر إلّا انّ ارتكابه لا بُدّ منه جمعاً بينه و بين الأصل و الأدلّة النافية لاعتبار اليمين في نحو المسألة.

و لا ريب أنّ عدم التنصيف بينهما إلّا بعد إحلافهما أحوط و أولى؛ خروجاً من شبهة الخلاف،مع اعتبار سند الرواية؛ إذ ليس فيه سوى الخشاب،و هو ممدوح ،و غياث بن كلوب،و هو و إن ضعف في المشهور إلّا أنّ الشيخ قال:إنّ الأصحاب عملوا بحديثه (2).هذا.

مع أنّه يستفاد من الفاضل المقداد في الشرح عدم الخلاف في الإحلاف،حيث قال بعد الإشارة إلى ما يترتب على الخلاف في تقديم بيّنة الخارج أو الداخل من الحكم لكلٍّ بما في يد الآخر على الأوّل،و بما في يده على الثاني-: فيكون بينهما نصفين على التقديرين،سواء أقاما بيّنة أو لم يقيما بيّنة،و يكون لكل منهما اليمين على صاحبه،فإن حلفا أو نكلا فالحكم كما تقدم.و إن حلف و نكل الآخر قضي بها للحالف (3).انتهى.

و لكن هذا منه غريب،سيّما مع أنّ دابة ذكر الخلاف حيث كان،فإنّ الخلاف في ذلك كما عرفت مشهور،سيّما و أنّ عدم الإحلاف أيضاً مشهور.و مع ذلك فلزومه و عدمه يترتبان على الخلاف الذي ذكره،بل هما

ص:216


1- راجع ص 206.
2- عدة الأُصول 1:380.
3- التنقيح الرائع 4:281.

العمدة في ثمرة ما رتّبه عليه،و إلّا فمجرده ليس ثمرته،و إنّما هو مجرد اختلاف عبارة بأنّ على القول بالقضاء للخارج يحكم لكل بما في يد الآخر،و على القول الآخر يحكم له بما في يده.و هو ليس بثمرة معنوية حقيقة؛ لثبوت النصف لكل منهما على التقديرين،كما ذكره.

و بما ذكرناه من كون الإحلاف و عدمه ثمرة ذلك الاختلاف صرّح جمع من الأصحاب،و منهم ابن فهد في المهذب،حيث قال:فإن أقاما بيّنتين نظر إلى أعدلهما فأكثرهما و رجّح به.فإن تساويا فيهما قضي لكل منهما بما في يده على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف،و بما في يد صاحبه كمذهب النهاية و كتابي الأخبار.و تظهر الفائدة في ضمّ اليمين إن حكمنا بتقديم بيّنة الداخل؛ لأنّ الظاهر تساقط البيّنتين مع تعارضهما،و يقضى للداخل لأنّه الأصل،فيتوجه اليمين عليه لدفع دعوى المدّعى.و إن قلنا يقضى له بما في يد صاحبه لا يتوجه على أحدهما يمين؛ لأنّ القضاء له مستند إلى بيّنة،و هي ناهضة بثبوت الحق،فيستغني عن اليمين (1).انتهى.

و ظاهره تعين اليمين على القول بتقديم الداخل؛ لما وجّهه به من التساقط.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من احتمال عدم اليمين على هذا القول أيضاً إذا وجّه التنصيف بأنّ مع كل منهما مرجّحاً،إلى آخر ما مضى،فتأمّل جدّاً.مع أنّه حكي في المسالك (2)و غيره (3)قولاً.

ص:217


1- المهذّب البارع 4:494.
2- المسالك 2:390.
3- كشف اللثام 2:353.

و اعلم أنّ ظاهر إطلاق عبارة العماني بلزوم القرعة و تقديم من أخرجته يقتضي جريان خلافه السابق هنا أيضاً،و نحوه إطلاق مستفيضته.

و جوابهما يعلم ممّا مضى (1).

و لو كان المدّعى به في يد ثالث خارج عنهما قضي بالأعدل أي بأرجح البيّنتين عدالةً ف إن تساويا فيها قضي ل الأكثر منهما شهوداً فإن تساويا عدالةً و كثرةً أُقرع بينهما،فمن خرج اسمه أُحلف و قضي له بتمام المدّعى به. و لو امتنع عن الحلف أُحلف الآخر و قضي له بتمامه و لو امتنعا معاً عنه قسّم المدّعى به بينهما على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و كتابي الحديث و موضع من الخلاف،و الحلبي،و القاضي،و الحلّي،و ابن حمزة، و يحيى بن سعيد،و ابن زهرة العلوي (2)مدّعياً الإجماع عليه.

و هو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة المتقدّم إليها الإشارة الدالّ بعضها على اعتبار الأكثرية بقول مطلق،كالصحيح:« أنّ عليّاً(عليه السّلام)أتاه قوم يختصمون في بغلة،فقامت لهؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مِذْوَدهم، لم يبيعوا و لم يهبوا،و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك،فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم» (3)الخبر.

و جملة منها باستعمال القرعة كذلك.

ص:218


1- راجع ص 207.
2- النهاية:344،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:238،الخلاف 6:333،337،الحلبي في الكافي:439،القاضي في المهذّب 2:578،الحلّي في السرائر 2:168،ابن حمزة في الوسيلة:220،ابن سعيد في الجامع:532،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الكافي 7:1/418،التهذيب 6:575/234،الإستبصار 3:135/40،الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 1.

ففي الصحيح:عن رجلين شهدا على أمر،و جاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا،فقال:« يقرع،فأيّهم قرع فعليه اليمين،و هو أولى بالحق» (1).

و نحوه الخبر الصحيح:في شاهدين شهدا على أمر واحد،و جاء آخران فشهدا على غير الذي شهد الأوّلان فاختلفوا،قال:« يقرع بينهم، فمن قرع عليه اليمين فهو أولى بالقضاء» (2).

و في الموثق (3)و غيره:« إنّ رجلين اختصما إلى علي(عليه السّلام)في دابّة، فزعم كل واحد منهما أنّها نتجت على مِذْوَده،و أقام كل واحد منهما بيّنة سواء في العدد،فأقرع بينهما سهمين،فعلّم السهمين كل واحد منهما بعلامة،ثم قال:اللّهم ربّ السموات السبع،و ربّ الأرضين السبع،و ربّ العرش العظيم،عالم الغيب و الشهادة،الرحمن الرحيم،أيّهما كان صاحب الدابّة و هو أولى بها فأسألك أن يقرع و يخرج سهمه،فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها» (4).

إلى غير ذلك من النصوص،بحمل هذه على الصورة الأخيرة من تساوي البيّنتين في العدالة و الكثرة،كما تشعر به الروايتان الأخيرتان و لو في الجملة.

و أظهر منهما إشعاراً بل ربّما كان دليلاً الخبر:« كان علي(عليه السّلام)إذا

ص:219


1- التهذيب 6:577/235،الإستبصار 3:137/40،الوسائل 27:254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 11.
2- الكافي 7:4/419،الفقيه 3:178/52،التهذيب 6:572/233،الوسائل 27:251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 6.
3- الفقيه 3:177/52،التهذيب 6:576/234،الإستبصار 3:136/40،الوسائل 27:254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 12.
4- التهذيب 6:582/236،الإستبصار 3:141/41،الوسائل 27:255 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 15.

أتاه رجلان ببيّنة شهود عددهم سواء و عدالتهم،أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين،و كان يقول:اللّهم ربّ السموات أيّهم كان الحق له فأدّه إليه،ثم يجعل الحق للذي يصير إليه اليمين» (1).

و هو و إن لم يستفد منه الترتيب بين الأعدلية و الأكثرية،لكنه محمول عليه بقرينة الإجماع المتقدّم إليه الإشارة،فإنه الجامع بين اختلاف ما مرّ من النصوص و كذا كثير من فتاوي القدماء المختلفة في الترجيح بالأعدلية و الأكثرية،و الرجوع بعد التساوي فيهما إلى القرعة.

فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصّة،كالمفيد (2).

و من اقتصر على اعتبار الأكثرية كذلك.كالإسكافي و الصدوقين (3).

نعم ذكرا قبل اعتبارها إنّ أحقّ المدّعيين من عُدّل شاهداه،فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهوداً.و هو ليس نصّاً في اعتبار الأعدلية و إن كان له محتملاً.

و بين من اقتصر على اعتبارهما خاصّة و لم يذكر الترتيب بينهما،و لا القرعة بعدهما،كالشيخ في موضع من الخلاف قائلاً:إنّه الظاهر من مذهب الأصحاب (4).

و من اقتصر على ذكر المرجّح مطلقاً له من دون بيان له و لا ذكر القرعة،كالديلمي و الشيخ في موضع من الخلاف (5)،لكنّه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

ص:220


1- الكافي 7:3/419،الفقيه 3:181/53،التهذيب 6:571/233،الإستبصار 3:131/39،الوسائل 27:251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 5.
2- المقنعة:730.
3- راجع ص 213.
4- الخلاف 6:333.
5- المراسم:234،الخلاف 6:337.

و بين من فصّل بعين ما في العبارة لكن مقدّماً للأكثرية على الأعدلية، كالحلّي في السرائر (1)،و عزاه إلى ظاهر الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه.

و بين من اقتصر على القرعة خاصّة،كالعماني (2).

و الإنصاف أنّ الجمع بين هذه الفتاوى المختلفة و النصوص أيضاً بالإجماع المزبور لا يخلو عن إشكال،سيّما مثل فتوى الحلّي و العماني، فإنّ سياق عبارته كالصريح في المنع عن القضاء بينهما بالسوية و لو بعد نكولهما عن الحلف بعد القرعة،فإنّه قال بعد الحكم بها-:

و زعم بعض العامّة أنّ المدّعيين إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل على شيء واحد له دون غيره حكم بينهما نصفين،فيقال لهم:أ كتاب اللّه تعالى حكم بذلك،أم سنّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،أم بإجماع.فإن ادّعوا الكتاب،فالكتاب ناطق بالردّ عليهم.و إن ادّعوا السنّة،فالسنّة بالقرعة مشهورة بالردّ عليهم.و إن ادّعوا الإجماع كفوا الخصم مؤونتهم،يقال لهم:

أ ليس إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل في دار أنّها له،فشهود كل واحد منهما تكذّب شهود الآخر،و العلم محيط بأنّ إحدى الشهداء كاذبة و الأُخرى صادقة.فإذا حكمنا بالدار بينهما نصفين فقد أكذبنا شهودهما جميعاً؛ لأنّ كل واحد تشهد شهوده بالدار كلّها دون الآخر.فإذا كانت إحدى الشهود كاذبة و الأُخرى صادقة فيجب أن تسقط إحداهما؛ لأنّه لا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا إلّا بإلقاء إحداهما،و لم يوجد إلى إلقاء واحد منهما سبيل إلّا بالقرعة (3).

ص:221


1- السرائر 2:167.
2- راجع ص 207.
3- نقله عنه في المختلف:693.

و استدلاله كما ترى يمنع عن القضاء بينهما بالتنصيف بسبب البيّنتين مطلقا؛ لمنافاته لشهادة كل منهما و تضمنه إسقاطهما،و هو يشمل التنصيف في الصورة التي نحن فيها،إلّا أن يقال باستناد التنصيف فيها إلى تعارض البيّنتين و تساقطهما مع عدم إمكان ترجيح إحداهما على الأُخرى بالقرعة و نحوها،فتكون كالصورة التي وقع النزاع و لا بيّنة فيها أصلاً.و لا كذلك التنصيف قبل القرعة؛ لعدم تساقطهما،لإمكان ترجيح إحداهما بها.

هذا مع عدم تمكن العماني عن منع التنصيف بعد القرعة و نكولهما عن الحلف،كما لا يخفى.فتأمّل .

و كيف كان،فلا ريب في شهرة ما في العبارة من التفصيل،على الظاهر المصرح به في المسالك و الكفاية (1)،فيعضد بها الإجماع المتقدّم إليه الإشارة.مضافاً إلى اعتضاده بالإجماعات الظاهرة من عبارة الشيخ و الحلّي (2)و لو في الجملة.

و قال الشيخ في المبسوط :إنّه يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق،و يقسم إن شهدتا بالملك المقيد و لو اختصّت إحداهما بالمقيد قضي بها دون الأُخرى (3).

و حجته مع شذوذه و ندرته،و مخالفته لما مرّ من الحجة غير واضحة عدا ما في المسالك (4)من استدلاله له بالقرعة مع الشهادة بالملك المطلق بالصحيح (5)المصدّر به أخبار القرعة،قال بعد نقله:فحمله على

ص:222


1- المسالك 2:391،الكفاية:276.
2- راجع ص 220،221.
3- المبسوط 8:258.
4- المسالك 2:391.
5- المتقدّم في ص 218.

ما إذا أطلقت؛ لدلالة ظاهر الشهادة عليه (1).

أقول:و فيه نظر.

و في القسمة مع الشهادة بالملك المقيّد بالموثّق المتقدّم (2)المتضمن ل« أنّ عليّاً(عليه السّلام)اختص إليه رجلان في دابّة،و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده،و قال:لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين».

أقول:و هي مع قصورها عن المقاومة لما مضى قد عرفت الجواب عنها.و عبارة العماني المتقدّمة (3)يؤيّد ورودها للتقيّة،مضافاً إلى المؤيّدات المتقدم إليها الإشارة (4)،مع أنّها معارضة بصريح الموثقة و غيرها المتقدّمين في أحاديث القرعة (5)؛ لتضمّنها الحكم بها مع شهادة البيّنتين فيها بالملك المقيد لا مطلقاً.و في ترجيح ذات السبب بقوتها،مضافاً إلى ما سبق من الأخبار الدالة على تقديم ذات السبب.

أقول:وجه ترجيح ذات السبب غير واضح.و ما سبق من الأخبار قد سبق الجواب عنه،مع أنّ ظاهرها أنّ سبب الترجيح إنّما هو اليد لا خصوص السبب؛ لأنّ موردها تضمّن البيّنتين إيّاه،فإنّ الترجيح فيها لذات اليد منهما،و لو كان للسبب لكان التوقف لازماً،و إنّما استنبطه الأصحاب من الجمع بينها و بين ما دل على ترجيح بيّنة الخارج كما مرّ.

و بالجملة:لا شبهة في ضعف هذا القول و أنّ القول الأوّل بإطلاق القرعة أشبه و أشهر؛ لما مرّ.

ص:223


1- المسالك 2:391.
2- في ص:206.
3- راجع ص:221.
4- في ص:211.
5- في ص 219.

و وجّه الأشبه في التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (1)بشيء آخر، و هو أنّهما بيّنتان تعارضتا،و لا ترجيح لإحداهما على الأُخرى،و لا يجوز إبطالهما،فيتعيّن الجمع بينهما بعد القرعة و اليمين.

و اعلم أنّ ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد و اللمعة (2)عدم اعتبار اليمين مع الترجيح بالأعدلية أو الأكثرية.

خلافاً للصدوقين،و الشيخ في النهاية و الخلاف و الكتابين،و القاضي، و ابن زهرة (3)فاعتبروا اليمين لكن مع الترجيح بالأكثرية،و سكتوا عن اعتبارها مع الترجيح بالأعدليّة.

و هو أظهر؛ لدعوى الأخير و الشيخ في الخلاف عليه إجماع الإمامية، و يناسبه الأخبار المتقدّمة الدالة على اعتبارها مع القرعة،لكن مقتضى هذا اعتبارها مع الترجيح بالأعدلية أيضاً،كما أفتى به شيخنا في الروضة (4)، فيمكن إرجاع كلمات القوم إلى اعتبارها مطلقاً،فلا خلاف في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

ص:224


1- التنقيح الرائع 4:282،غاية المرام 4:260.
2- الشرائع 4:111،الإرشاد 2:163،التحرير 2:195،القواعد 2:232،اللمعة(الروضة البهية 3):107.
3- الصدوق في المقنع:134،و حكاه فيه عن والده،النهاية:343،الخلاف 6:333،الاستبصار 3:42،التهذيب 6:237،القاضي في المهذّب 2:578،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الروضة 3:107.

كتاب الشهادات

اشارة

كتاب الشهادات جمع شهادة،و هي لغةً إمّا من شَهد بمعنى حضر،و منه قوله سبحانه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [1] الآية (1).أو من شَهِدَ بمعنى علم،و على ذلك سمّي تعالى شهيداً أي عليماً.

و شرعاً قيل:إنّه إخبار عن حق لازم لغيره،واقع عن غير حاكم.

و بالقيد الأخير يخرج إخبار اللّه تعالى و رسوله،و الأئمّة(عليهم السّلام)،و إخبار الحاكم حاكماً آخر؛ فإنّ ذلك لا يسمّى شهادة (2).

و الأصل فيها بعد إجماع العلماء كافّةً الآيات المتكاثرة،قال سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [2] (3)و قال تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [3] (4).

و النصوص بها مع ذلك مستفيضة بل متواترة،تقدّم إلى جملة منها

ص:225


1- البقرة:185.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:400.
3- البقرة:282.
4- البقرة:283.

الإشارة،و سيأتي جملة أُخرى منها وافرة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و في النبوي المشهور:أنّه سئل(صلّى اللّه عليه و آله)عن الشهادة،فقال للسائل:

« ترى الشمس؟» قال:نعم،فقال:« على مثلها فاشهد أو دع» (1).

النظر الأول في صفات الشاهد

الأولى البلوغ

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة:

الأوّل: في بيان صفات الشاهد المعتبرة فيه و هي ست:

الاُولى: البلوغ بلا خلاف فيه في الجملة،و به صرّح في الغنية (2)مطلقاً،و لكن قال فيما بعد:و تقبل شهادة الصبيان في الشجاج و الجراح خاصّة إذا كانوا يعقلون ذلك،و يؤخذ بأوّل أقوالهم و لا يؤخذ بآخرها؛ بدليل إجماع الطائفة (3).هذا مضافاً إلى ما ستقف عليه من الإجماعات المحكية.

فلا تقبل شهادة الصبي غير المميّز إجماعاً كما في الإيضاح و الدروس و المسالك (4).و كذا المميز ما لم يصر مكلّفاً بالبلوغ،بلغ عشراً أم لا،إجماعاً في الثاني إذا شهد في غير الجنايات،كما في الإيضاح و المهذّب و شرح الشرائع للصيمري (5).و كذا إذا شهد فيها عند معظم الأصحاب،على الظاهر المصرح به في المهذّب (6)،بل يظهر من التنقيح عدم الخلاف فيه،حيث حمل إطلاق بعض النصوص الدال على قبول شهادته على ما إذا بلغ عشراً،قال:إذ لا قائل بقبولها لدون العشر (7).

ص:226


1- عوالي اللئلئ 3:1/528،المستدرك 17:422 كتاب الشهادات ب 15 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- الإيضاح 4:417،الدروس 2:123،المسالك 2:400.
5- الإيضاح 4:417،المهذّب البارع 4:507،غاية المرام 4:274.
6- المهذّب البارع 4:507.
7- التنقيح 4:285.

و لكن في الكتب الثلاثة المتقدّمة المحكي فيها الإجماع في المسألة السابقة حكي الخلاف هنا عن ظاهر الخلاف و الإسكافي (1)،حيث أطلقا القول بقبول شهادته في الجراح من دون تقييد بالعشر.

و الأصح ما عليه الأكثر؛ لما سيظهر.

و على الأظهر في الأوّل أيضاً إذا كان في غير الجنايات،و هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،بل و من سبق إلّا من شذّ و ندر،و يستفاد من جملة من العبارات الإجماع عليه كما سيظهر؛ للأصل،بل الأُصول،مع عدم دليل يدل على القبول عدا إطلاقات الكتاب و السنّة،و خصوص بعض النصوص،كالخبرين:

في أحدهما:« إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته» (2).

و في الثاني:« شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا و يرجعوا إلى أهلهم» (3).

و في الجميع نظر؛ لعدم عموم في الأوّل لغةً،بل و لا عرفاً بعد اختصاصه بحكم التبادر و غيره بالبالغ من الرجال،و مع ذلك معارض بعموم كثير من النصوص الدالة على اعتبار أُمور في الشاهد،مع القطع بعدم وجود شيء منها في الصبي بلا شبهة.

و قصور سند الخبرين؛ بالقطع في الأوّل،و طلحة بن زيد العامي في

ص:227


1- الخلاف 6:270،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:717.
2- الكافي 7:1/388،التهذيب 6:644/251،الوسائل 27:344 كتاب الشهادات ب 22 ح 3.
3- الفقيه 3:79/27،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 22 ح 6.

الثاني،مع ضعف دلالتهما باحتمال الحمل على القبول في الصورة الآتية المتفق عليها حمل المطلق على المقيد،و تضمن الأوّل ما لا يقول بإطلاقه أحد من أصحابنا،و احتمال الثاني الموافقة للعامّة العمياء،بقرينة الراوي الذي مضى.

و مع ذلك معارضان بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن القبول فيه،كالصحيح:في الصبي يشهد على الشهادة،فقال:« إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته» (1).

و أظهر منه القويان،القريب أحدهما منه:« إنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها» (2).

و المراد من الكبر فيه و الإدراك في الأوّل بحكم التبادر بل و الاستقراء البلوغ.

و أظهر منهما الصحيح:تجوز شهادة الصبيان؟قال:« نعم في القتل، و يؤخذ بأوّل كلامه،و لا يؤخذ بالثاني منه» (3).

و الخبر:عن شهادة الصبي،قال:فقال:« لا،إلّا في القتل،يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني» (4).

ص:228


1- الكافي 7:4/389،التهذيب 6:647/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 7:5/389،التهذيب 6:648/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 2. الثاني:الفقيه 3:80/28،التهذيب 6:643/250،الإستبصار 3:51/18،الوسائل 27:343 أبواب الشهادات ب 21 ح 4.
3- الكافي 7:2/389،التهذيب 6:645/251،الوسائل 27:343 كتاب الشهادات ب 22 ح 1.
4- الكافي 7:3/389،التهذيب 6:646/252،الوسائل 27:343 كتاب الشهادات ب 22 ح 2.

و هذه النصوص أجدر بالترجيح و أولى؛ لوجوه شتى لا تخفى.

و منه يظهر ضعف القول المشار إليه بقوله: و قيل :إنّه تقبل إذا بلغ عشراً مطلقاً في الجنايات و غيرها و هو مع ذلك شاذّ متروك كما هنا و في الشرائع و شرحه للصيمري (1)بحيث كاد أن يعدّ مخالفاً للإجماع،كما تشعر به العبارات المزبورة،مع أنّه لم ينقله غير الفاضلين، و الشهيد (2)،و في شرح الشرائع للصيمري عن عميد الرؤساء (3)أنّه إلى الآن لم نظفر بهذا القول.

و لكن في المهذّب و المسالك (4)عن صاحب كشف الرموز أنّه حكاه عن الشيخ في النهاية.و فيه نظر؛ فإنّ الموجود في كلامه أنّ الشيخ في النهاية حكى هذا القول (5)،لا أنّه حكاه عنه فيها.و قد عرفت ما يصلح دليلاً مع جوابه مفصّلاً،و زاد الأصحاب فذكروا في ردّه وجوهاً:

منها:حديث:« رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ» (6)بناءً على أنّ في رفعه عنه دلالة على أنه لا عبرة بأقواله و أفعاله.

و منها:علمه بعدم المؤاخذة له يرفع الوثوق بقوله،فلا يحصل الظن بصدقه؛ لعدم المانع له عن الكذب حينئذٍ.

و منها:أنّ قوله على نفسه لا يقبل بالإقرار،فلا يقبل على غيره بالشهادة؛ لكونه أكثر شروطاً؛ و لعدم التهمة في الإقرار و تجويزها في الشهادة،فهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

ص:229


1- الشرائع 4:125،غاية المرام 4:274.
2- التحرير 2:207،الدروس 2:123.
3- غاية المرام 4:274،و هو في كنز الفوائد 3:540.
4- المهذّب 4:508،المسالك 2:400.
5- كشف الرموز 2:514.
6- عوالي اللئلئ 1:48/209.

و أكثر هذه الوجوه و إن كان لا يخلو عن نظر وجهه لا يخفى،إلّا أنّه يصلح مقوّياً لما قدّمناه من الأدلة و مؤيّداً.كلّ ذا في قبول شهادة الصبيان ذوي العشر في غير الجنايات.

و اختلف عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات من القتل و الشجاج و الجراح،بعد اتفاقهم على القبول فيها في الجملة،كما في الانتصار و المهذّب و ظاهر التنقيح و شرح الشرائع للصيمري،بل صريح الأخير و الغنية (1)كما عرفته،و كلام التقي المحكي في التنقيح،فإنّه قال:و القدر المجمع عليه القبول في الجراح مع بلوغ العشر،و يؤخذ بأوّل كلامهم. (2)

و نحوه كلام الماتن في الشرائع،و شيخنا في الروضة (3)،و لكنهما زادا القيودات الآتية،و لذا نسب الماتن الاختلاف هنا و في الشرائع (4)إلى العبارة،و به صرح جماعة و منهم الصيمري في شرح الشرائع،قال:و إنّما قال المصنّف:اختلف عبارات الأصحاب في قبول شهادتهم بالجراح و القتل؛ لأنّه لا خلاف بينهم في قبول شهادتهم في الجملة،و إنّما الخلاف في العبارات،فبعضهم قَبِلَها في الجراح و القصاص،و هو المفيد (5)و بعضهم قَبِلَها في الجراح دون القصاص،و هو الشيخ في النهاية و العلّامة و الشهيد (6)،و بعضهم اشترط اجتماعهم على مباح (7)،و بعض لم يشترطه،

ص:230


1- الانتصار:250،المهذّب البارع 4:510،التنقيح 4:286،غاية المرام 4:274،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- التنقيح 4:286،و انظر الكافي في الفقه:436.
3- الشرائع 4:125،الروضة 3:125.
4- الشرائع 4:125.
5- المقنعة:727.
6- النهاية:331،التحرير 2:207،الدروس 2:123.
7- الخلاف 6:270،القواعد 2:236،الروضة البهيّة 3:125.

و بعضهم اشترط عدم الافتراق (1)،و لم يشترطه بعضهم (2).

و قريب منه كلام الفاضل المقداد،و ابن فهد في شرحي الكتاب (3)، و لكنّهما و الماتن في الشرائع (4)نقلا عن النهاية ما اختاره المفيد من إلحاق القصاص بالجراح،و عزاه الثاني إلى الحلّي (5)أيضاً،و حكى الأوّل ما نسبه الصيمري إلى الشيخ في النهاية عنه في الخلاف.

و نحوه الماتن في الشرائع و شيخنا في شرحه،و حكى فيه مذهب المفيد عن الأكثر حيث قال بعد نقل الروايتين الأخيرتين المتضمنتين لقبول شهادتهم في القتل-:و لفظ الروايتين تضمن القتل فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق أولى،فمن ثم ذكر الأكثر القتل و الجراح،و منهم من اقتصر على الجراح،كالشيخ في الخلاف و المصنّف في النافع،و لعله أراد بها ما يشمل لغةً القتل؛ لأنّ القتل هو المنصوص فيما هو مستند الاستثناء (6)انتهى.

و منه يظهر كون مذهب المفيد هو مختار الأكثر،بل الكل كما يفيده توجيهه المتقدّم،مع تخصيصه فيما بعد القول بالقبول في الجرح خاصّة إلى الشهيد؛ فإنّه قال:و في الدروس صرّح باشتراط ان لا يبلغ الجراح النفس، ثم قال:و اشتراط ذلك لا يخلو من إشكال،إلّا أن يجعل مجرّد الاحتياط في النفوس،و إلّا فمراعاة النصوص تقتضي إدخالها.و إطراحها نظراً إلى

ص:231


1- الخلاف 6:270،القواعد 2:236،الروضة البهيّة 3:125.
2- غاية المرام 4:274.
3- التنقيح الرائع 4:286،المهذّب 4:510.
4- الشرائع 4:125.
5- المهذّب البارع 4:509،و هو في السرائر 2:136.
6- المسالك 2:400.

عدم صحتها و مخالفتها الأصل يقتضي إخراج الجراح أيضاً (1).

و من قوله هذا يظهر وجه النظر في مختار الماتن هنا و في الشرائع من أنّ محصّلها الذي يعتمده وفاقاً منه للخلاف (2) القبول في الجراح خاصّة مع بلوغ الصبي العشر ما لم يختلفوا في القول و لو اختلفوا فيه يؤخذ بأوّل قولهم إذا أراد من الجراح ما يقابل القتل،لا ما يشمله؛ لعدم استفادته من الروايتين اللتين هما الأصل في المسألة.

اللّهم إلّا أن يكون المراد من قوله:محصّلها،يعني القدر المتفق عليه من تلك العبارات و المجمع عليه بيننا،و لعله الظاهر من العبارة،سيّما و أن صرّح بأظهر منها على ذلك دلالة في الشرائع،فقال بعد نقل الروايتين-:

و التهجّم على الدماء بخبر الواحد خطر،فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة بلوغ العشر،و بقاء الاجتماع إذا كان على مباح؛ تمسّكاً بموضع الوفاق (3).

و هو كما ترى صريح في طرحه الروايات و أخذه بالمجمع عليه.

فما في كلام شيخنا المتقدم من أنّ اطراحها يقتضي إخراج الجراح أيضاً،محل نظر واضح؛ إذ طرح الروايات يقتضي ذلك لو انحصر المستند في مخالفة الأصل فيها،و قد عرفت من كلام الماتن استناده إلى الإجماع الذي ادّعاه،فالإطراح حينئذ لا يقتضي إخراج الجراح أيضاً،فقد يكون نظر الدروس إلى ما ذكره الماتن.

ص:232


1- المسالك 2:400،و هو في الدروس 2:123.
2- الخلاف 6:270.
3- الشرائع 4:125.

و العجب من شيخنا كيف نسب مختار الخلاف إلى الماتن هنا خاصّة مع أنّ عبارته في الشرائع (1)كعبارته هنا في الموافقة له،هذا.

و ما ذكره من عدم صحة الروايات،محل نظر؛ فإنّ الرواية الأُولى (2)صحيحة على المختار،و إن كان فيه إبراهيم بن هاشم،وفاقاً لجماعة من المحققين (3)،و حسنته كالصحيحة حجّة عند المشهور،و منهم هو أيضاً في مواضع عديدة (4).

و حينئذ يتوجه المصير إلى إلحاق القتل بالجراح،سيّما مع كونه مذهب الأكثر كما ذكره هو و جمع ممّن تأخّر عنه (5)و منهم الحلّي (6)الذي لا يعمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.

فهذان معاضدان للرواية أو جابران لها،مضافاً إلى اعتضادها بالرواية الثانية (7).و بهما مضافاً إلى الإجماعات المحكية تجمع بين الروايات و الأدلة المتقدمة المختلفة.

و منه يظهر ضعف ما عليه فخر الإسلام (8)من عدم قبول شهادتهم مطلقاً؛ تمسّكاً ببعض الوجوه التي قدّمناها.

ص:233


1- الشرائع 4:125.
2- راجع ص 228.
3- منهم السيد ابن طاوس في فلاح السائل:158،و السيد الداماد في الرواشح السماوية:48،و الأردبيلي في زبدة البيان:155،و السيد بحر العلوم في رجاله 1:462.
4- المسالك 1:507.
5- منهم السبزواري في الكفاية:278،و انظر المفاتيح 3:276.
6- السرائر 2:136.
7- راجع ص 228.
8- إيضاح الفوائد 4:417.

و بندرته و الإجماع على خلافه صرح في المهذب و شرح الشرائع للصيمري (1).و ليس في مختاره احتياط بعد قيام الأدلة القاهرة على خلافه، بل يجب المصير إلى ما اقتضته حذراً من ضياع حق المجنيّ عليه،فتأمّل .

نعم الأحوط الأخذ بالمتفق عليه خاصّة دون غيره مما اختلف فيه، و هو ما ذكره الماتن في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه،و الشهيدين في الدروس و اللمعتين (2)من اعتبار قيود أربعة:بلوغ العشر،و الاجتماع لمباح،و كون الحكم في الجراح و الشجاج دون النفس و ما شرط في الخلاف من أن لا يفترقوا و يرجعوا إلى أهلهم بعد الفعل المشهود به إلى أن يؤدّوا الشهادة.

سيّما مع دلالة الرواية المقطوعة المتقدمة (3)و نفي الخلاف المتقدم من التنقيح (4)على القيد الأوّل،و فحوى ما دل على اعتبار العدالة في البالغين على الثاني،و الاحتياط المأمور به في صيانة النفس المحترمة عن التلف على الثالث،و رواية طلحة بن زيد المتقدمة (5)على الرابع.

و هذه الأدلة على اعتبار القيودات المذكورة و إن كان في صلوحها حجةً سيّما و إن تخصّص بها الروايتان المتقدمتان اللتان هما الأصل في المسألة مناقشة،إلّا أنّها توجب شدّة الأمر في الاحتياط و قوّته،سيّما في مراعاة القيد الأوّل،بل لا يبعد المصير إلى تعين اعتباره؛ لانجبار المقطوعة

ص:234


1- المهذّب البارع 4:510،غاية المرام 4:274.
2- الشرائع 4:125،القواعد 2:235،التحرير 2:207،الدروس 2:123،اللمعة(الروضة البهية 3):125.
3- راجع ص 227.
4- التنقيح الرائع 4:285.
5- راجع ص:227.

المتقدمة الدالة عليه بما عرفته (1)من الشهرة المحكية،بل لعلّها أيضاً ظاهرة.

و وجه ما ذكرناه من الاحتياط قوّة الأدلّة المانعة من الأُصول المؤيّدة بالاعتبار و العمومات المعتضدة بخصوص ما مرّ من الأخبار،و عدم الاطمئنان التام بتخصيصها بمثل الروايتين المتقدمتين (2)؛ لضعف الثانية، و قصور الاُولى عن الصحة على الأشهر بين الطائفة،مع عدم وضوح جابر لهما؛ لعدم وقوف القائلين بهما على موردهما؛ لكونه القبول في القتل مطلقاً غير مقيّد بشيء من القيود المتقدمة جدّاً،مع أنّهم أطبقوا على اعتبارها كلّاً أو بعضاً و اختلفوا في القبول في القتل الذي هو مورده كما هو ظاهر الشيخين و الحلّي (3)،و عدمه كما هو ظاهر كل من اقتصر على ذكر الجراح خاصّة كالتقي،و المرتضى،و ابن زهرة،و الفاضلين في كتبهم المتقدمة (4)،و صريح الشهيدين في الدروس و الروضة (5)،و ظاهر الانتصار و الغنية (6)دعوى الإجماع على عدم القبول في غيرها.

و لا ريب أنّ المتبادر منها الجراح التي لا تؤدّي إلى النفس،و لذا فهم الفرق بينها و بين القصاص جماعة من أصحابنا،فجعلوا القول بكل منهما

ص:235


1- في« ح» و« ب» زيادة:عن المهذب.
2- في ص 228.
3- المفيد في المقنعة:727،الطوسي في النهاية:331،الحلّي في السرائر 2:136.
4- التقي في الكافي:436،المرتضى في الانتصار:250،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،المحقق في الشرائع 4:125،العلّامة في التحرير 2:207.
5- الدروس 2:123،الروضة 3:125.
6- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.

مقابلاً للآخر.

و القائلون باختصاص القبول بها على هذا هم الأكثر،و لازم ذلك طرحهم الروايتين،فينعكس الجابر،سيّما مع دعوى الإجماع عليه في الانتصار و الغنية.

و حينئذ فلعلّه يتعين الاحتياط المتقدم،كما اختاره الفاضلان و الشهيدان؛ اقتصاراً فيما خالف الأُصول القطعية على المجمع عليه المتيقن.

لكن يستفاد من سياق كلمات السيدين (1)أنّهما أرادا بالجراح ما يعم القتل؛ حيث ذكرا على وجه الاستناد ما يدل عليه،فقالا:و قد اشتهر عند الناس أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى في ستة غلمان دخلوا الماء فغرق أحدهم،فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنّهما غرّقاه،و شهد الاثنان على الثلاثة أنّهم غرّقوه:أنّ على الاثنين ثلاثة أخماس الدية و على الثلاثة الخمسان (2).

و عليه فيتقوى القبول في نفس القتل أيضاً.

ثم إنّ مقتضى الأدلّة المانعة مع اختصاص الأدلة المجوّزة فتوًى و رواية بالصبي خاصّة عدم قبول شهادة الصبية مطلقاً،و به صرّح جماعة كالفاضل في التحرير،و شيخنا في الروضة (3).

الثانية كمال العقل

الثانية: كمال العقل،فالمجنون لا تقبل شهادته في شيء إجماعاً على الظاهر المصرح به في كثير من العبائر (4)؛ لقوله تعالى ذَوَيْ عَدْلٍ [1]

ص:236


1- الانتصار:250،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الكافي 7:6/284،الفقيه 4:277/86،التهذيب 10:953/239،إرشاد المفيد 1:220،الوسائل 29:235 أبواب موجبات الضمان ب 2 ح 1.
3- التحرير 2:207،الروضة 3:125.
4- كالمحقق في الشرائع 4:126،و العلّامة في التحرير 2:207،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:297،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:369.

مِنْكُمْ [1] (1)و مِمَّنْ تَرْضَوْنَ [2] (2)و خصوص ما مرّ من الصحيح في شهادة الصبي:« إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته» (3).

و من يناله الجنون و يعتوره أدواراً في وقت دون وقت تقبل شهادته في حال الوثوق باستكمال فطنته و كمال عقله، بلا خلاف فيه أيضاً على الظاهر المصرح به في بعض العبائر (4)؛ لعموم الأدلّة و زوال المانع.

و ذكر المتأخّرون (5)من غير خلاف بينهم أجده أنّ في حكمه المغفّل الذي لا يحفظ و لا يضبط و يدخل فيه التزوير و الغلط و هو لا يشعر؛ لعدم الوثوق بقوله.و كذا من يكثر غلطه و نسيانه،و من لا يتنبّه لمزايا الأُمور و تفاصيلها،إلّا أن يعلم عدم غفلته فيما يشهد به.

و على الحاكم التفتيش عن حال من هذه صفته إلى ان يغلب على ظنّه علمه و تفطنه،و وجهه واضح.

و في الخبر عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [3] قال:« ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه،فما كل صالح مميّز محصّل،و لا كل محصّل مميّز صالح» (6).

ص:237


1- الطلاق:2.
2- البقرة:282.
3- الكافي 7:4/389،التهذيب 6:647/251،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 21 ح 1.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:297.
5- كالمحقق في الشرائع 4:126،و الشهيد في الدروس 2:124،و السبزواري في الكفاية:279،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:277.
6- تفسير العسكري(عليه السّلام):672،الوسائل 27:399 كتاب الشهادات ب 41 ح 23.

الثالثة الإسلام

الثالثة :الإسلام،فلا تقبل شهادة الكافر بأقسامه مطلقاً إلّا فيما سيستثنى؛ بالإجماع،و الكتاب،و السنّة المستفيضة بل المتواترة،تقدم بعضها و ستأتي جملة أُخرى منها وافرة.

و المعروف من مذهب الأصحاب اشتراط الإيمان أيضاً،أي كونه اثني عشرياً،بل في التنقيح و المهذب و شرح الشرائع للصيمري و المسالك و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (1)رحمه اللّه الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على قبول شهادة غير المؤمن؛ لاختصاص إطلاقات الكتاب و السنّة لقبول شهادة المسلم بحكم التبادر و غيره بالمؤمن دون غيره،سيّما نحو رِجالِكُمْ [1] و مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [2] بناءً على مذهب الإمامية من اختصاص الخطابات الشفاهية بالمخاطبين بها دون غيرهم،و ليس المخالف بموجود زمن الخطاب جدّاً، هذا.

و على تقدير العموم فلا ريب أنّ التقييد بمن ترضون يدفع احتمال دخول المخالف بناء على ما عرفت في الرواية السابقة المفسّرة له بمن ترضون دينه و أمانته،و لا ريب أنّه ليس بمرضيّ الدين.

هذا كله على تقدير القول بإسلامه حقيقةً،و أمّا على القول بكفره كما هو مختار كثير من قدماء الأصحاب،و منهم الحلّي (2)مدّعياً الإجماع عليه فلا إشكال في عدم قبول شهادته؛ لكفره،فلا يدخل في إطلاق

ص:238


1- التنقيح 4:287،المهذّب البارع 4:510،غاية المرام 4:275،المسالك 2:401،مجمع الفائدة و البرهان 12:298.
2- السرائر 2:139.

ما دلّ على قبول شهادة المسلم.

ثم على تقدير الدخول فيه فهو معارض بإطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادة الكافر بناءً على إطلاق الكفر عليهم في الأخبار المستفيضة (1)بل المتواترة المقتضي كونه إمّا كافراً حقيقةً كما هو رأي بعض الأُصوليين (2)، أو مشاركاً له في أحكامه التي منها عدم قبول الشهادة.

و على تقدير تعارض الإطلاقين و التساقط في البين فالرجوع إلى حكم الأصل متعين.

و أمّا الصحيح:قلت للرضا(عليه السّلام):رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين،قال:« كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (3).

فهو و إن توهّم منه قبول شهادة من هو عدل في مذهبه من أهل الإسلام،إلّا أنّه مضعّف بأنّ ظاهره على التوهم المزبور قبول شهادة الناصبي،و هو خلاف الإجماع المنعقد على كفره بالكفر المقابل للإسلام، و مع ذلك فاشتراط الصلاح فيه يدفع احتمال دخول المعاند؛ لفساده بفسقه الناشئ عن حكمه بالباطل و غير ما أنزل اللّه تعالى،فيشمله قوله سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [1] (4)إلى غير ذلك من الآيات المحكوم فيها بكفره و ظلمه أيضاً (5).

ص:239


1- الوسائل 27:386 كتاب الشهادات ب 38.
2- انظر المنتهي 1:523.
3- الفقيه 3:83/28،التهذيب 6:783/284،قرب الاسناد:1309/365،الوسائل 27:398 كتاب الشهادات ب 41 ح 21.
4- المائدة:47.
5- المائدة:44،45.

و بفسقه صرّح جماعة (1)من الأصحاب هنا حيث استدلوا لاعتبار الإيمان بأنّ غير المؤمن فاسق و ظالم؛ لاعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر.

و أمّا الجواب عن هذا الاستدلال بأنّ الفسق إنّما يتحقق بفعل المعصية مع اعتقاد كونه معصية،لا مع اعتقاد كونه طاعة،و الظلم إنّما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به.

فحسن إن اختير الرجوع في بيان معنى الفسق و الظلم إلى العرف حيث إنّ المتبادر منهما مدخلية الاعتقاد في مفهومهما.

و أمّا إن اختير الرجوع إلى اللغة فمنظور فيه؛ لعدم مدخلية الاعتقاد في مفهومهما فيها،فتأمّل جدّاً.هذا.

و يستفاد من بعض الروايات (2)كما قيل (3)ردّ شهادة بعض المخالفين في أصول العقائد،و في القوي:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كان لا يقبل شهادة فحاش،و لا ذي مخزية في الدين» (4).

و بالجملة لا ريب في اعتبار هذا الشرط أيضاً.

فلا تقبل شهادة غير الإمامي مطلقاً على مسلم أو غيره أو لهما قطعاً،إلّا في صورة خاصّة أشار إليها بقوله: و تقبل شهادة الذمّي العدل

ص:240


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:287،و الشهيد في المسالك 2:401،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:299،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:369.
2- دعائم الإسلام 2:1834/511،المستدرك 17:433 كتاب الشهادات ب 26 ح 1.
3- مفاتيح الشرائع 3:278.
4- الكافي 7:7/396،التهذيب 6:603/243،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 32 ح 1.

في دينه في الوصية بالمال خاصّة مع عدم المسلم بإجماعنا الظاهر، المستفيض النقل في كثير من العبائر (1).

و لكن في اعتبار الغربة حينئذ تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين:معتبر لها،كالإسكافي و الحلبي (2)صريحاً،و الشيخ في المبسوط و ابن زهرة في الغنية (3)ظاهراً،و ربما يفهم منهما كونه إجماعيا بيننا.

و نافٍ لاعتبارها،كعامّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً منهم لظواهر أكثر القدماء،كالشيخين في المقنعة و النهاية،و العماني،و الديلمي،و القاضي، و الحلّي (4).و ربما ظهر من الفاضلين في الشرائع و التحرير انعقاد الإجماع عليه،حيث قالا:و باشتراط الغربة رواية مطرحة (5)و أشارا بالرواية إلى الخبر القاصر السند بالجهالة،و فيها:« و إنّما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة و طلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم» (6).

ص:241


1- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 4:510،و الشهيد الثاني في الروضة 3:127،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:469.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:722،الحلبي في الكافي في الفقه:436.
3- المبسوط 8:187،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
4- المقنعة:112،النهاية:334،حكاه عن العماني في المختلف:722،المراسم:233،المهذّب 2:557،السرائر 2:139.
5- الشرائع 4:126،التحرير 2:208.
6- الكافي 7:8/399،التهذيب 6:655/253،الوسائل 19:312 كتاب أحكام الوصايا ب 20 ح 7.

و قريب منها الآية (1)و أكثر النصوص (2)الواردة في المسألة؛ لتضمّنها اشتراط الغربة،و منها يظهر أحد وجهي التردّد.

و الوجه الآخر قوة احتمال ورود الحصر و الشرط مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما،مع إطلاق كثير من النصوص،بل و عموم جملة معتبرة منها؛ لتضمّنها التعليل بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (3).و مفهوم التعليل يتعدى به الحكم إلى غير مورده و يعارض به مفهوم الحصر و الشرط و لو سلّم عدم ورودهما مورد الغالب.

و حيث إنّ التعارض بينهما من باب التعارض الذي يمكن معه رفع اليد عن ظاهر أحدهما بالآخر وجب المصير إلى الترجيح،و هو من جهة الشهرة العظيمة مع عموم مفهوم التعليل.

و الإجماع المستشعر من عبارتي المبسوط و الغنية مع وهنه بكون ظاهر أكثر الأصحاب على خلافه معارض بمثله المستشعر من عبارتي الفاضلين،مع عدم وهنه بمصير الأكثر إلى مضمونه.

و قد تقدم الكلام في المسألة مع بعض ما يتعلق بها في أواخر كتاب الوصية.

و تقبل شهادة المؤمن على جميع أهل الملل اتّفاقاً على الظاهر المصرّح به في المسالك (4)؛ للنبوي المروي فيه و في الخلاف (5)

ص:242


1- المائدة:106.
2- الوسائل 19:309 أبواب أحكام الوصايا ب 20.
3- الكافي 7:2/398،التهذيب 6:652/252،الوسائل 19:311 كتاب أحكام الوصايا ب 2 ح 5.
4- المسالك 2:401.
5- الخلاف 6:274.

« لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دين إلّا المسلمون،فإنّهم عدول على أنفسهم و على غيرهم».

و في الصحيح:« تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الذمّة على المسلمين» (1).

و في آخر:« تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب» (2).

و يستفاد من الأولين مضافاً إلى ما تقدم من الأدلة على اشتراط الإيمان أنّه لا تقبل شهادة أحدهم أي أحد أهل الملل على مسلم و لا على غيره مع أنّه إجماعي في الحربي مطلقاً كما في الإيضاح (3)، و في الذمّي أيضاً إذا كان على مسلم في غير الوصية كما فيه و في التحرير و المهذب و المسالك (4).

و أما إذا كان على غيره فإن كان من أهل ملّته فسيأتي الكلام فيه.و إن كان من غير ملّته فمشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف، و لا ينقل إلّا عن الإسكافي (5)؛ حيث ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على ملّته و على غير ملّته.

و هو مع شذوذه محجوج هو كمستنده الآتي بما مرّ من الأدلة على اشتراط الإيمان،و خصوص النبوية المتقدمة،و الموثقة الآتية،و رواية

ص:243


1- الكافي 7:1/398،التهذيب 6:651/252،الوسائل 27:386 كتاب الشهادات ب 38 ح 1.
2- الفقيه 3:81/28،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 38 ح 3.
3- الإيضاح 4:418.
4- التحرير 2:207،المهذّب البارع 4:510،المسالك 2:401.
5- حكاه عنه في المختلف:722.

اخرى معتبرة بل محتملة للصحة:عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم؟فقال:« لا،إلّا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم،و إن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية لأنّه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم و لا تبطل وصيته» (1).

و هل تقبل شهادته على أهل ملّته؟فيه رواية بالجواز و فيها:

عن شهادة أهل الملّة،قال:فقال:« لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم،فإن لم تجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية،لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد» (2)و أفتى بها الشيخ في النهاية (3).و اعترضها الماتن و غيره (4)بأنّها ضعيفة و ليس كذلك،بل هي على الأظهر الأشهر موثقة،لكنها غير مكافئة لعمومات الأدلّة على اعتبار الإسلام من الكتاب و السنّة.و مع ذلك فهي عند الشيخ القائل بها ضعيفة؛ لأنّ في سندها العبيدي،و هو ممن اختص بتضعيفه،فقال:إنّه ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن بابويه من رجال نوادر الحكمة و قال:لا أروي ما يختص بروايته (5).و مع ذلك فقد رجع عنها في المبسوط و الخلاف (6)و إن اختلف مقالته فيهما،ففي الأوّل اختار المنع مطلقاً،و في الثاني الجواز إذا اختاروا الترافع إلينا،قال:فأمّا إذا

ص:244


1- الكافي 7:7/399،التهذيب 6:654/253،الوسائل 19:309 كتاب الوصايا ب 20 ح 1.
2- الكافي 7:2/398،التهذيب 6:652/252،الوسائل 27:390 كتاب الشهادات ب 40 ح 4.
3- النهاية:344.
4- الشرائع 4:126؛ و انظر التحرير 2:207.
5- انظر الفهرست:140.
6- المبسوط 8:187،الخلاف 6:272 274.

لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك.

و اختار هذا الفاضل في المختلف،و نزّل الرواية عليه،فقال معترضاً عليها:و الجواب:المنع عن صحة السند،و القول بالموجب كما اختاره الشيخ في الخلاف،و هو أنّه إذا ترافعوا إلينا و عدلوا الشهود عندهم فإنّ الأولى هنا القبول (1).

و مال إليه الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد نقله عن الخلاف:

و هذا في الحقيقة قضاءً بالإقرار؛ لما تقدم أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه (2).

أقول:و فيه نظر؛ إذ حكم الحاكم بشاهدين اعترف الخصم بعدالتهما إنّما هو حيث جهلها و لم يعلم بفسقهما،و إلّا فلو علم به لم يجز له الحكم و إن اعترف الخصم بعدالتهما.و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ الفرض علمه بفساد مذهبهما و إيجابه فسقهما،فيكون من قبيل ما إذا رضي الخصم من الحاكم الحكم بشهادة الفاسقين مع علمه بفسقهما،و هو غير جائز قطعاً.

و مما ذكرنا ظهر أنّ الأشبه المنع عن القبول مطلقاً،وفاقاً للعماني،و المفيد في المقنعة،و الشيخ في المبسوط،و الحلّي، و القاضي (3)،و بالجملة الأكثر كما في الدروس (4)،بل المشهور كما في

ص:245


1- المختلف:722.
2- التنقيح 4:288.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:721،المقنعة:726،المبسوط 8:187،السرائر 2:139،المهذّب 2:557.
4- الدروس 2:124.

المسالك و غيره (1)،و اختاره الفاضلان و الشهيدان و عامّة المتأخّرين (2)، و نقله في الخلاف (3)عن مالك و الشافعي و أحمد،و عزا فيه مختار الإسكافي إلى أبي حنيفة و الثوري.

و به تشعر الصحيحة المتقدمة (4)من حيث تخصيصها المنع عن قبول شهادته ب:على المسلمين خاصّة.

و أظهر منها الصحيح المروي في الفقيه،و فيه:هل تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟قال:« نعم إنّ لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد» (5).

و لكنهما مع ضعف دلالة الأُولى غير مكافئتين لما مضى من وجوه شتى،مع احتمالهما الحمل على التقية عن رأي أبي حنيفة (6)المشتهر رأيه بين العامّة في الأزمنة السابقة و اللاحقة كما عرفته،و يؤيّده مصير الإسكافي (7)إليه كما مرّ غير مرّة.

و مع ذلك تحتمل الثانية الاختصاص بالوصية بقرينة ما فيها من العلّة الموجودة في كثير من روايات تلك المسألة،و منها الرواية المتقدمة (8)

ص:246


1- المسالك 2:401،مجمع الفائدة و البرهان 12:303.
2- الشرائع 4:126،التحرير 2:207،إرشاد الأذهان 2:156،اللمعة(الروضة البهية 3):127؛ إيضاح الفوائد 4:418 419،التنقيح الرائع 4:288،المقتصر:388.
3- الخلاف 6:272.
4- في ص 243.
5- الفقيه 3:84/29،الوسائل 27:389 كتاب الشهادات ب 40 ح 1.
6- نقله عنه ابن قدامة في المغني 12:52.
7- راجع ص 243.
8- راجع ص 244.

المانعة عن قبول شهادته على غير أهل ملّته المستثنية من المنع صورة الوصية خاصّة،معلّلةً بما علّل به الجواز المطلق في هذه الرواية.

و مع ذلك فظاهر قوله(عليه السّلام):« إن لم يوجد» إلى آخره،مخالف للإجماع إن جعل مرجع الضمير في« ملّتهم» و« غيرهم» المذكورين فيه أهل الذمّة،كما هو ظاهر السياق من وجه،و إن خالفه من وجه آخر كما سيظهر؛ لدلالته على قبول شهادة الحربي مع فقد الذمّي،و قد مرّ أنّه خلاف الإجماع من الكل حتى الإسكافي (1).

و كذا إن جعل مرجع الضميرين غير أهل ملّتهم المتقدم في السؤال؛ لتضمنه معنى الجمعية كما هو ظاهر سوق عبارة:« إن لم يوجد» إلى آخره؛ حيث لم يذكر فيها الواو؛ و ذلك لأنّ مفادها حينئذ أنّه إن لم يوجد من أهل ملّة غير أهل الذّمة جازت شهادة غيرهم أي أهل الذمّة عليهم،و مقتضاه اشتراط قبول شهادة كل ملّة على غير أهلها فَقْد شاهد عليه من أهل ملّته، و لم يقل به أحد من أصحابنا حتى الإسكافي؛ لحكمه بالقبول مطلقاً من غير تقييد بما ذكر من الشرط أصلاً.

و بالجملة الظاهر ضعف هذا القول،سيّما مع ظهور عبارة الخلاف (2)بكونه مخالفاً لما اختاره أصحابنا،حيث نسب مضمون الموثقة إلى جماعة من العامّة و قال:إنّه الذي اختاره أصحابنا،فتأمّل .

ثم إنّه عندنا كما لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم كذا لا تقبل لأمثالهم؛ لعموم الدليل،و به صرّح الفاضل في التحرير (3)،و الشيخ أفتى بقبول

ص:247


1- راجع ص 243.
2- الخلاف 6:273.
3- التحرير 2:207.

شهاداتهم لأمثالهم كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم (1)

الرابعة العدالة

الرابعة: العدالة فلا تقبل شهادة الفاسق اتفاقاً،بل ضرورةً بالكتاب و السنّة و الإجماع،و النصوص به مستفيضة بل متواترة،و قد مضى بيان ما يتحقق به العدالة في كتاب القضاء،و بقي الكلام في بيان ما تزول به.

و لا ريب و لا خلاف في زوالها بالكبائر و قد مرّ من النصوص ثمة ما يدل علية.

و منها الصحيح:بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم،فقال:« أن تعرفوه بالستر،و العفاف،و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان،و باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار من شرب الخمر،و الزناء،و الربا،و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف، و غير ذلك» (2)الخبر.

و قد اختلف الفقهاء في تفسيرها اختلافاً شديداً،إلّا أنّ الذي عليه أكثرهم كما في التنقيح (3)هو أنّها كل ذنب توعّد اللّه تعالى بالعقاب في الكتاب العزيز.و هو الذي عليه المشهور من أصحابنا كما صرّح به جمع منهم،و منهم صاحب الذخيرة (4)و بعض المتأخرين عنه (5)،و زاد الأوّل فقال:و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر.

ص:248


1- النهاية:334.
2- الفقيه 3:65/24،الوسائل 27:391 كتاب الشهادات ب 41 ح 1.
3- التنقيح 4:291.
4- الذخيرة:304.
5- كصاحب الحدائق 10:46.

أقول:و هو كذلك،و لذا نسبه الصيمري (1)إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و به تشعر الصحيحة السابقة،و نحوها صحيحة أُخرى في تفسير وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [1] (2)قال:« معرفة الإمام،و اجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار» (3).

و هو مع ذلك ظاهر كثير من المعتبرة المستفيضة،بل صريحها.

ففي الصحيح:عن الكبائر كم هي و ما هي؟فكتب:« الكبائر من اجتنب ما أوعد اللّه تعالى عليه النار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً،و السبع الموجبات:قتل النفس الحرام،و عقوق الوالدين،و أكل الربا،و التعرب بعد الهجرة،و قذف المحصنة،و أكل مال اليتيم،و الفرار من الزحف» (4).

و فيه:« الكبائر سبع:قتل المؤمن متعمداً،و قذف المحصنة،و الفرار من الزحف،و التعرب بعد الهجرة،و أكل مال اليتيم ظلماً،و أكل الربا بعد البيّنة،و كلّ ما أوجب اللّه عليه النار» (5).

و في الخبر:عن الكبائر،فقال:« ما أوعد اللّه تعالى عليه النار» (6).

ص:249


1- غاية المرام 4:277.
2- البقرة:269.
3- الكافي 2:20/284،الوسائل 15:315 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 45 ح 1.
4- الكافي 2:2/276،الوسائل 15:318 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 1.
5- الكافي 2:3/277،الوسائل 15:322 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 6.
6- الفقيه 3:1758/373،ثواب الأعمال و عقاب الأعمال:233،الوسائل 15:327 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 24.

و في آخر:في قول اللّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [1] الآية (1)« الكبائر التي أوجب اللّه تعالى عليها النار» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و في الصحيح:« هي في كتاب علي(عليه السّلام)سبع:الكفر باللّه،و قتل النفس،و عقوق الوالدين،و أكل الربا بعد البيّنة،و أكل مال اليتيم ظلماً، و الفرار من الزحف،و التعرب بعد الهجرة» (3).

و عن مولانا الرضا(عليه السّلام)في رسالته إلى المأمون:« هي قتل النفس التي حرم اللّه،و الزناء،و السرقة،و شرب الخمر،و عقوق الوالدين،و الفرار من الزحف،و أكل مال اليتيم ظلماً،و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أُهلّ به لغير اللّه من غير ضرورة،و أكل الربا بعد البيّنة،و السحت،و الميسر و هو القمار،و البخس في المكيال و الميزان،و قذف المحصنات،و اللواط، و شهادة الزور،و اليأس من روح اللّه،و الأمن من مكر اللّه،و القنوط من رحمة اللّه،و معونة الظالمين و الركون إليهم،و اليمين الغموس،و حبس الحقوق من غير عسر،و الكذب،و الكبر،و الإسراف،و التبذير،و الخيانة، و كتمان الشهادة،و الاستخفاف بأولياء اللّه تعالى،و الاستخفاف بالحجج، و الاشتغال بالملاهي،و الإصرار على الصغائر من الذنوب» (4).

ص:250


1- النساء:31.
2- مسائل علي بن جعفر:191/149،الوسائل 15:326 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 21.
3- الكافي 2:8/278،الوسائل 15:321 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 4.
4- عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:1/120،الوسائل 15:329 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 33.

و وجه الجمع بين الأخبار السابقة و هذه الأخبار و نحوها المتوهم تعارضها لها من حيث تضمن هذه تعداد الكبائر،و حصرها في عدد مخصوص من سبع كما في الأوّل و نحوه،أو ما زاد كما في الباقي،و هو مناف لما تضمنته تلك من أنّها ما أوجب اللّه تعالى عليه النار،و هو يزيد عن الأفراد المعدودة في هذه النصوص و ترتقي إلى سبعمائة كما عن ابن عباس (1)و تبعه من الأصحاب جماعة (2)ما ذكره بعض الأصحاب من أنّه يجوز أن يكون مراتب الكبائر مختلفة بأن يكون السبع أكبر من الباقي (3).

أقول:و يعضده بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة لأنّها سبع بعد الحكم فيه بأنّها ما أوجب عليه النار.

و أظهر منه الخبران (4):« أكبر الكبائر سبع:الشرك باللّه العظيم،و قتل النفس التي حرّم اللّه تعالى إلّا بالحق،و أكل مال اليتيم،و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات،و الفرار من الزحف،و إنكار ما أنزل اللّه تعالى عزّ و جلّ».

هذا،و يحتمل حمل الأخبار الأخيرة المتضمنة للتعداد على التمثيل،

ص:251


1- حكاه عنه الطبري في جامع البيان 4:27.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:291،و الشهيد الثاني في الروضة 3:129،و صاحب الحدائق 10:51.
3- الحدائق 10:49.
4- الأول في:التهذيب 4:417/149،الوسائل 15:325 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 20. و الثاني في:الفقيه 3:1745/366،الخصال:56/363،علل الشرائع:1/474،الوسائل 15:326 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 22.

لا الحصر.و يؤيّده اختلافها في بعض الأفراد المعدودة فيها.

و كذا لا ريب في زوالها ب الصغائر و هي ما عدا الكبائر إذا كان مصرّاً عليها،و لا خلاف فيه أيضاً؛ فإنّ الإصرار عليها يلحقها بالكبائر،و لذا ورد:« لا صغيرة مع الإصرار،و لا كبيرة مع الاستغفار» (1).

و اختلفوا في المراد من الإصرار على أقوال،فقيل:هو الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة (2).

و قيل:المداومة على نوع واحد منها (3):

و قيل:يحصل بكلٍّ منهما (4).و نقل بعضهم قولاً بأنّ المراد به عدم التوبة (5).و ضعّفه جماعة من المحققين (6)،مع أنّه ورد في النصوص ما يدل عليه،كالخبر:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [1] قال:« الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر،و لا يحدّث نفسه بتوبة» (7).

و لعلّه لضعف السند ،مع مخالفته لما يستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة من كون المراد بالإصرار المداومة عليه أو العزم على المعاودة،قال

ص:252


1- الكافي 2:1/288،الوسائل 15:337 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 48 ح 3.
2- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و السبزواري في الذخيرة:305.
3- انظر المدارك 4:67.
4- المسالك 2:402،و فيه:و لعل الإصرار يتحقق بكل منهما.
5- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 1:506 عن الحسن.
6- الذخيرة:305،البحار 85:29،و انظر الحدائق 10:54.
7- الكافي 2:2/288،الوسائل 15:338 أبواب جهاد النفس ب 48 ح 4،و الآية في سورة آل عمران:135.

الجوهري:أصررت على الشيء،إذا أقمت و دمت عليه (1).

و قال ابن الأثير:أصرّ على الشيء يصرّ إصراراً إذا لزمه و داومه و ثبت عليه (2).

و قال في القاموس:أصرّ على الأمر لزم (3).و قريب منه كلام ابن فارس في المجمل (4).

و قسّم الشهيد الإصرار إلى فعلي و حكمي،فالفعلي:هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة،أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة، و الحكمي:هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها (5).و قد ارتضاه جماعة من المتأخّرين،كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة،و الفاضل المقداد في كنز العرفان (6).

و النص خال عن بيان ذلك،لكن المداومة على نوع واحد من الصغائر،و العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يناسب المعنى اللغوي،بل العرفي المفهوم من الإصرار،على تأمّلٍ في الأخير.

و أمّا الإكثار من الذنوب و إن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عنّ له من غير توبة فالظاهر أنّه قادح في العدالة،بلا خلاف بينهم في ذلك أجده،و به صرّح بعض

ص:253


1- الصحاح 2:711.
2- النهاية 3:22.
3- القاموس:2:71.
4- مجمل اللغة 3:223.
5- القواعد و الفوائد 1:227.
6- المسالك 2:402،الروضة 3:130،كنز العرفان 2:385.

الأجلّة (1)،و في التحرير الإجماع عليه (2).فلا فائدة في تحقيق كونه داخلاً في مفهوم الإصرار أم لا.

و يفهم من عبارة جماعة كالفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير (3)أنّه غير داخل في معنى الإصرار.و على كل تقدير فالمداومة على الذنب أو الإكثار منه قادح في العدالة قطعاً.

و أمّا العزم عليه بعد الفراغ ففي كونه قادحاً تأمّل إن لم يكن ذلك اتفاقياً.

أمّا الندرة من اللمم و صغائر الذنوب مع عدم العزم عليها ثانياً فلا تزول بها العدالة على الأقوى،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و ابن حمزة و الفاضلين و الشهيدين (4)،و غيرهم من سائر المتأخّرين (5)،بل عليه عامّتهم؛ لظاهر بعض الصحاح المتقدمة (6)المعرِّف للعادل بمجتنب الكبائر خاصّةً من دون تعرض فيه للصغائر بالمرّة.و ذلك بناءً على الفرق بينهما كما سيأتي إليه الإشارة.

هذا مضافاً إلى ما ذكروه من أنّ زوال العدالة بمثل ذلك يوجب عدم وجود عادل أصلاً ؛ إذ الإنسان لا ينفك عن الصغائر إلّا المعصوم عليه

ص:254


1- كشف اللثام 2:371.
2- التحرير 2:208.
3- الإرشاد 2:156،القواعد 2:236،التحرير 2:208.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:717،المبسوط 8:217،الوسيلة:230،المحقق في الشرائع 4:127،العلّامة في التحرير 2:208،الشهيد الأول في الدروس 2:125،الشهيد الثاني في الروضة 3:130.
5- إيضاح الفوائد 4:421.
6- في ص 248.

السلام،و في ذلك تعطيل للأحكام الكثيرة المبتنية على وجود العدل، و تفويت للمنافع العظيمة الدينية و الدنيوية،و تضييع للحقوق بالكلية،و فيه من الحرج و الضيق ما لا يخفى على ذي دُرْبَة،و قد قال سبحانه ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (1)و قال عزّ شأنه يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [2] الآية (2).

خلافاً للمفيد،و القاضي،و الحلبي،و الشيخ في العدة،و أبي علي الطبرسي،و الحلّي (3)،فقالوا بقدح ذلك في العدالة،بناءً منهم على أنّ كل ذنب كبيرة،و لا صغيرة إلّا بالإضافة،و ظاهر الشيخ و من ذكر بعده كونه مجمعاً عليه بين الطائفة.و على هذا فلا تنافي مذهبهم الصحيحة المتقدمة.

و الوجه الاعتباري المذكور بعدها قد اعترضه الحلّي بأنّه متّجه إن لم يمكن تدارك الذنب بالاستغفار،و الحال أنّه ممكن به و بالتوبة.

و في كلّ من البناء و الاعتراض نظر،أمّا الأوّل:فلأنّ الأظهر الأشهر الذي عليه عامّة من تأخّر انقسام الذنب إلى كبيرة و صغيرة حقيقةً؛ لما يظهر من الآية الكريمة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [3] (4)الآية.و النصوص المستفيضة بل المتواترة.

منها زيادةً على المستفيضة المتقدمة (5)الدالّة على تفصيل الكبائر-

ص:255


1- الحج:78.
2- البقرة:185.
3- أوائل المقالات(مصنفات الشيخ المفيد 4):83،المهذب 2:556،الكافي في الفقه:435،عدّة الأصول 1:359،مجمع البيان 2:38،السرائر 2:118.
4- النساء:31.
5- راجع ص 251.

الخبر:« إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر» (1).

و في آخر:« من اجتنب الكبائر كفّر اللّه تعالى عنه جميع ذنوبه، و ذلك قول اللّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [1] (2).

و في ثالث:عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [2] هل تدخل الكبائر في مشيئة اللّه تعالى؟ قال:« نعم ذاك إليه عزّ و جلّ إن شاء عذّب عليها و إن شاء عفا» (3).

و قريب منه خبران آخران (4).و يشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال أنّه يكفّر الذنوب إلّا الكبائر (5)،و أمثال ذلك.

و بالجملة:تخصيص الكبيرة ببعض أنواع الذنوب في الأخبار أكثر من أن تحصى.و لا معارض لها صريحاً بل و لا ظاهراً عدا الإجماع المستفاد من كلمات من تقدم،و ما دلّ من الأخبار على أنّ كل معصية شديدة و أنّها قد

ص:256


1- لم نعثر عليه بهذا النص،و لكن المضمون موجود في أخبار كثيرة،انظر ثواب الأعمال:15،17،43،75،195،197،و إرشاد القلوب للديلمي:412،و دعائم الإسلام 1:135،مستدرك الوسائل 3:13 أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 4،6،7.
2- الفقيه 3:1781/376،الوسائل 15:316 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 45 ح 4.
3- الفقيه 3:1780/376،الوسائل 15:334 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 47 ح 7.و الآية في سورة النساء:48.
4- أحدهما في الكافي 2:18/284،الوسائل 15:333 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 47 ح 1. و الآخر في:تفسير القمي 1:140،الوسائل 15:336 أبواب جهاد النفس ب 47 ح 14.
5- ثواب الأعمال:193،195،197.

توجب لصاحبها النار (1)،و ما دل منها على التحذير من استحقار الذنب و استصغاره (2).

و لا شيء منهما يصلح للمعارضة،أمّا الإجماع:ف بعد الإغماض عن وهنه في أمثال ما نحن فيه إنّه معارض بما مرّ من الصيمري من نسبة تعريف الكبائر بما أوعد اللّه تعالى عليه النار إلى الأصحاب،و هو يستلزم أنّ الذنوب التي لم يتوعّد اللّه عليها بالنار ليست كبائر عندهم،فلا يبقي بعد ذلك إلّا أن يكون صغائر.

مع أنّه جعل هذا القول الذي عمّم فيه الكبائر لجميع الذنوب مقابلاً لما نسبه الى الأصحاب.و عن شيخنا البهائي في الحبل المتين (3)أنّه عزا المختار إلى الأصحاب معرباً عن دعوى الإجماع عليه،هذا.

و قد عرفت استفاضة نقل الشهرة على تخصيص الكبيرة بما نسبه الصيمري إلى الأصحاب كافّة،فالإجماع المستظهر من كلامهما يترجح بها على الإجماع المستظهر من عبائر هؤلاء الجماعة.

و أمّا الروايات:فنحن نقول بمضمونها من أنّ كلّ ذنب شديد؛ لاشتراكها في معصية الربّ المجيد،إلّا أنّ مجرّد ذلك لا يوجب كون الجميع كبائر بمعنى ما توعّد عليه بالنار كما استفيد من الأخبار.

مع أنّها على تقدير تسليم وضوح دلالتها لا تعارض الآيات و الأخبار التي قدّمنا؛ لاستفاضتها،بل و تواترها،و اعتضادها بفتوى عامّة متأخّري

ص:257


1- الكافي 3:31/450،التهذيب 2:502/130،الوسائل 15:322 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 5.
2- الوسائل 1:114 أبواب مقدمة العبادات ب 28.
3- الحبل المتين:82.

أصحابنا بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً.

و أمّا الثاني:فلما ذكره جماعة (1)أوّلاً:من أنّ التوبة متوقفة على العزم على عدم المعاودة،و العزم على ترك الصغائر متعذّر أو متعسّر؛ لأنّ الإنسان لا ينفك عنه غالباً،و كيف يتحقق منه العزم على تركها أبداً مع ما جرت من حاله و حال غيره من عدم الانفكاك منها غالباً.

و ثانياً:أنّه لا يكفي في التوبة مطلق الاستغفار و إظهار الندم حتى يعلم من حاله ذلك،و هذا قد يؤدّي إلى زمان طويل يفوت معه الغرض من الشهادة و نحوها،فيبقى العسر و الحرج بحالهما.

و في الأوّل نظر؛ لمنع توقف التوبة على ما ذكر من العزم كما عن جمع (2)،قيل:و في بعض الأخبار (3)دلالة عليه (4).مع أنّه لو تمّ لزم منه عدم وجوب التوبة عن صغار الذنب بل و كباره إذا جرّب الإنسان من حاله عدم الانفكاك منها في أغلب أحواله،و هو خلاف الإجماع على الظاهر المصرح به في كلام بعض الأصحاب (5).

و الثاني أيضاً لا يخلو عن نظر،هذا.

و لا ريب أنّ اعتبار ترك مطلق الذنوب أحوط،كما يستفاد من الخبر:

« فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهد ان فهو من

ص:258


1- منهم العلّامة في المختلف:718،و فخر المحققين في الإيضاح 4:421،و الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:321.
2- حكاه عنهم في الذخيرة:303.
3- الوسائل 16:61 أبواب جهاد النفس ب 83،مستدرك الوسائل 12:117 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 83.
4- الذخيرة:303.
5- الذخيرة:303.

أهل العدالة و الستر،و شهادته مقبولة،و إن كان في نفسه مذنباً» (1)الحديث.

و اعلم أنّ الماتن لم يتعرّض للمروءة في مزيل العدالة مع اشتهار زوالها بمخالفتها،إمّا لكونها جزءاً منها كما هو المشهور بينهم،أو شرطاً في قبولها كما جرى عليه جماعة (2).

و كأنّه لم يجعل تركها قادحاً فيها،أو متوقّف فيه كما هو الوجه جدّاً؛ لعدم وضوح دليل على اعتبارها،عدا ما قيل (3)من أنّ مخالفة المروءة إمّا لخبل و نقصان عقل أو قلّة مبالاة و حياء،و على التقديرين تبطل الثقة و الاعتماد على قوله،أمّا الخبل فظاهر،و أمّا قليل الحياء فلأنّ من لا حياء له يصنع ما يشاء،كما ورد في الخبر (4).

و هو مستند ضعيف.و أضعف منه ما استدل به بعض (5)من قول مولانا الكاظم(عليه السّلام):« لا دين لمن لا مروءة له،و لا مروءة لمن لا عقل له» (6).

فإنّ فيه ما ذكره بعض الفضلاء (7)من أنّ استعمال المروءة بالمعنى

ص:259


1- أمالي الصدوق:3/91،الوسائل 27:395 كتاب الشهادات ب 41 ح 13.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:402،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:315.
3- قاله في المسالك 2:402.
4- سنن ابن ماجة 2:4183/1400،أمالي السيد المرتضى 1:53،عوالي اللئالي 1:91/59،المستدرك 8:22/466.
5- هو الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف البحراني،حكاه عنه في الحدائق 10:18.
6- تحف العقول:290،المستدرك 8:224 أبواب آداب السفر ب 38 ح 12.
7- هو الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني،حكاه عنه في الحدائق 10:18.

الذي ذكره الأصحاب غير معروف في كلامهم(عليهم السّلام)،و حينئذ فالأظهر حمله على بعض المعاني المروية عنهم(عليهم السّلام)في تفسيرها.

أقول:و أشار بالمعنى المذكور لها بين الأصحاب إلى ما قالوه من أنّها التخلق بخلق أمثاله في زمانه و مكانه،فالأكل في السوق و الشرب فيها لغير سوقي إلّا إذا غلبه العطش،و المشي مكشوف الرأس بين الناس،و كثرة السخرية و الحكايات المضحكة،و لبس الفقيه لباس الجندي و غيره ممّا لا يعتاد لمثله بحيث يسخر منه،و بالعكس،و نحو ذلك،يسقطها عندهم.

و بالمعاني المروية عنهم(عليهم السّلام)إلى ما في بعض النصوص من أنّها إصلاح المعيشة (1).و ما في بعض آخر منها من أنّها ستّة،ثلاثة منها في الحضر و هي:تلاوة القرآن،و عمارة المساجد و اتخاذ الإخوان.و مثلها في السفر،و هي:بذل الزاد،و حسن الخلق،و المزاح في غير معاصي اللّه سبحانه (2).

و ما في ثالث من أنّها أن يضع الرجل خوانه بفناء داره (3).إلى غير ذلك.و ليس في شيء من هذه المعاني المروية ما يوافق ما ذكره الأصحاب في معنى المروءة،و لا كونها معتبراً في العدالة بالكلية.

نعم ربما يشعر به بعض الروايات،منها:« من عامل الناس فلم يظلمهم،و حدّثهم فلم يكذبهم،و وعدهم فلم يخلفهم،فهو ممن كملت مروءته،و ظهرت عدالته،و وجبت اخوّته،و حرمت غيبته» (4).

ص:260


1- معاني الأخبار:5/258،الوسائل 11:435 أبواب آداب السفر ب 49 ح 9.
2- عيون الأخبار 2:13/26،الخصال:11/324،الوسائل 11:436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 14.
3- معاني الأخبار:9/258،الوسائل 11:436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 13.
4- الخصال:28/208،عيون الأخبار 2:34/29،الوسائل 27:396 كتاب الشهادات ب 41 ح 15.

لكن الإشعار غير كاف،سيّما مع قصور السند.

و لا ريب أنّ اعتباره أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر.

و لا يقدح في العدالة اتخاذ الحمام و الطيور للأُنس بها و إنفاذ الكتب و إرسالها إلى البلدان،بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في الكفاية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و فحوى ما سيأتي من بعض المعتبرة،بل يستفاد من المعتبرة المستفيضة استحباب اتخاذها للأُنس.

منها:« ليس من بيت فيه حمام إلّا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ،إنّ سفهاء الجنّ يعبثون بالبيت فيعبثون بالحمام و يدعون الإنسان» (2)و بمعناه كثير من الأخبار.

و منها:دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر،فقلت:جعلت فداك هذا الحمام يقذر الفراش،فقال:

« لا،إنّه يستحب أن يسكن في البيت» (3).

و كذا اقتناؤها للّعب بها،و إن كره عند كافّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المبسوط و القاضي (4)،و ظاهر المبسوط أنّ عليه إجماعنا،حيث قال:فإنّ اقتناؤها للّعب بها و هو أن يطيّرها و يتقلب في السماء و نحو هذا فإنّه مكروه عندنا (5).و هو الحجة،مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

ص:261


1- الكفاية:281.
2- الكافي 6:5/546،الوسائل 11:516 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 8.
3- الكافي 6:15/548،الوسائل 11:520 أبواب أحكام الدواب ب 34 ح 1.
4- النهاية:327،المبسوط 8:222،المهذّب 2:557.
5- المبسوط 8:222.

و خصوص الخبر المروي في التهذيب بطريقين (1)،و في الفقيه بطريق حسن (2):عن شهادة من يلعب بالحمام،قال:« لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق».

و قصور السند بالجهالة مجبور بعمل الطائفة،مع انجباره في الطريق الثالث بأبان بن عثمان الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة (3)، فلا تضر الجهالة بعده،و ليس قبله سوى الوشّاء المحكوم بحسنه عند أصحابنا،فالرواية بنفسها معتبرة.

لكن ربما يتأمّل في الدلالة بما نقله بعض الأجلّة من أنّ لعب الحمام عند أهل مكة هو لعب الخيل (4)،و عليه فيحتمل ورود الخبر على مصطلحهم،و ربما أشعر به سياقه في الطريق الثالث؛ فإنّ فيه بعد ما مرّ-:

قلت:فإنّ من قبلنا يقولون:قال عمر:هو شيطان،فقال:« سبحان اللّه!أما علمت أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان،و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل،فإنّها تحضره الملائكة، و قد سابق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أُسامة بن زيد و أجرى الخيل».

و لو لا أنّ المراد باللّعب بالحمام ما اصطلحوا عليه لما كان لردّ الإمام(عليه السّلام)على رمع (5)بقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الوارد في الرهان،و لا لذكره سباقه مع أُسامة في الخيل وجه،فتأمّل .

ص:262


1- التهذيب 6:784/284،785،الوسائل 27:412 كتاب الشهادات ب 54 ح 1،2.
2- الفقيه 3:88/30،الوسائل 27:413 كتاب الشهادات ب 54 ح 3.
3- رجال الكشي 2:673.
4- الوسائل 27:413،الهامش.
5- مقلوب عمر.

و مع ذلك تضمن جواز المسابقة بالريش المتبادر منه الطيور،و لم يقولوا به،فالاستدلال به لعلّه لا يخلو عن إشكال،لكنه يصلح مؤيّداً للدليل.

خلافاً للحلّي،فحكم بقدحه في العدالة،قال:لقبح اللّعب (1).

و ضعّفوه بمنع القبح أوّلاً،و أنّ الخبر المتقدم يدفعه ثانياً.

و فيه نظر؛ لتوجه المنع إليهما،أمّا الثاني:فلما مضى،و أمّا الأوّل:

فلأنّ ما دلّ على قبحه و ورد بذمّة من الآيات و الروايات أظهر من أن تخفى، فإذا ثبت القبح و الذمّ ثبت النهي؛ إذ لا ذَمَّ على ما لم ينه عنه اتفاقاً.و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يعدّ للإجماع مخالفاً لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد جدّاً .

ثم إنّ هذا إن لعب بها من غير رهان.

و أما اللّعب بها بالرهان عليها فقادح في العدالة قولاً واحداً؛ لما مضى في كتاب السبق من اختصاص جوازه بالخف و الحافر من الحيوان لأنّه في غيره قمار منهي عنه.و لكنه ينافيه الخبر المتقدم و إن حمل الريش فيه على السهام،لأنّ فيه ريشاً.و ربما حمل على التقية.

و ذكر شيخنا في المسالك أنّه قيل:إنّ حفص بن غياث وضع للمهدي العباسي في حديث:« لا سبق إلّا في نصل،أو خف،أو حافر» قوله:أو ريش؛ ليدخل فيه الحمام تقرّباً إلى الخليفة،حيث رآه يحبّ الحمام،فلما خرج من عنده قال:اُشهد أنّ قفاه قفا كذّاب،ما قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أو ريش،و لكنه أراد التقرب إلينا بذلك،ثم أمر بذبح

ص:263


1- السرائر 2:124.

الحمام (1).

و اللعب ب النرد و الشطرنج و الأربعة عشر تردّ به الشهادة.

و كذا الغناء و سماعه و العمل بآلات اللهو من العود و الزمر و سماعها بناءً على حرمتها بالإجماع الظاهر،و المحكي في ظاهر عبائر جمع (2)، و النصوص المستفيضة،بل المتواترة،و قد مرّ منها ما يتعلق بالغناء و سماعه في أوّل كتاب التجارة (3).

و أمّا ما يتعلق بما عداه فمستفيضة أيضاً.

ففي القوي:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن اللعب بالشطرنج و النرد» (4).

و في الخبرين أحدهما المرسل كالصحيح:عن قول اللّه تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [1] قال:« الرجس من الأوثان الشطرنج،و قول الزور الغناء» (5).

و في كثير من النصوص عدّ الشطرنج و النرد من الميسر (6)،و في آخر من الباطل (7).

و في القوي:قال:« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):أنهاكم عن الزفْنِ و المزمار

ص:264


1- المسالك 2:404.
2- منهم العلّامة في المنتهي 2:1011 1012،و الشهيد في المسالك 2:403،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:333 334.
3- راجع ج 8 ص 156،و انظر الوسائل 17 أبواب ما يكتسب به ب 99 104.
4- الكافي 6:17/437،الوسائل 17:320 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 9.
5- الكافي 6:2/435،الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 1،و الآية في سورة الحج:30.
6- تفسير العياشي 1:185/341،الوسائل 17:321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 14.
7- الكافي 6:4/435،الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 2.

و الكوبات و الكَبَرات (1)» (2).

و في الصحيح:إنّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست ألعب بها و لكن أنظر،فقال:« مالك و لمجلس لا ينظر اللّه تعالى إلى أهله» (3).

و في القريب منه بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (4):

« أنّ استماع اللهو و الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» (5).

و في الخبر:« ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة» (6).

و في آخر:« من أصغى إلى ناطق فقد عبده،فإن كان الناطق يروي عن اللّه عزّ و جلّ فقد عبد اللّه عزّ و جلّ،و إن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (7).

و بالجملة:لا ريب في التحريم و زوال العدالة بكل من ذلك مع الإصرار و المداومة،و بدونهما أيضاً في الغناء؛ للتوعد عليه بالنار في قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [1] (8)لتفسير لَهْوَ [2]

ص:265


1- الزفْن:الرقص،الكُوبَة:الطبل الصغير المختصر،الكبر،الطبل له وجه واحد.الصحاح 1:215،و 5:2131،القاموس 1:131،و 4:233،المصباح المنير:524،مجمع البحرين 3:469.
2- الكافي 6:7/432،الوسائل 17:313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 6.
3- الكافي 6:12/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 1.
4- رجال الكشي 2:830.
5- الكافي 6:23/434،الوسائل 17:316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1.
6- الكافي 6:20/434،الوسائل 17:313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 3.
7- الكافي 6:24/434،الوسائل 17:317 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 5.
8- الكافي 6:5/431،الوسائل 17:305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.

اَلْحَدِيثِ [1] بالغناء في النصوص المستفيضة،مع وقوع التصريح في جملة منها بكونه ممّا وعد اللّه تعالى عليه بالنار.

ففي الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه (1):« الغناء ممّا وعد اللّه تعالى عليه النار» و تلا هذه الآية:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي [2] الآية (2).

و أمّا سماعه و استعمال آلات اللهو ففي زوال العدالة به من دون إصرار إشكال؛ لعدم ما يدل على كونه من الكبائر،و إنّما المستفاد من النصوص مجرد النهي عنه و تحريمه من دون توعيد عليه بالنار،فهو من الصغائر لا يقدح في العدالة إلّا مع الإصرار عليها كما مضى إليه الإشارة، و بذلك صرّح شيخنا في المسالك (3)،و استحسنه في الكفاية (4).

و ربما يستفاد من إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (5)حصول القدح في العدالة بكل ما ذكر مطلقاً و لو فعل من دون إصرار و لا مداومة.و هو مشكل؛ لعدم دليل على الوعد بالنار فيما عدا الغناء كما مضى.

نعم ربما يستفاد من جملة من الأخبار التوعيد بها في اللعب بالشطرنج.

منها:« أنّ للّه تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلّا من أفطر على مسكر،أو مشاحن أو صاحب شاهين».قلت:و أيّ شيء

ص:266


1- انظر رجال الكشي 2:830.
2- الكافي 6:4/431،الوسائل 17:304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.
3- المسالك 2:403.
4- الكفاية:281.
5- كعبارة الشرائع 4:128،و القواعد 2:236،و التحرير 2:209،

صاحب الشاهين؟قال:« الشطرنج» (1)و نحوه غيره (2).لكنها مع قصور أسانيدها جملة غير واضحة الدلالة على ما مر إليه الإشارة،لكنها مؤيّدة بالرواية (3)المتقدمة في تعداد الكبائر المتضمنة لرسالة مولانا الرضا(عليه السّلام)إلى المأمون؛ حيث قد عدّ منها الميسر و الاشتغال بالملاهي،و قد عرفت من النصوص (4)المتقدمة كون الشطرنج و النرد من الميسر.

و لا ريب في كونهما كاستعمال باقي آلات اللهو من الملاهي.

لكن تلك الرواية و النصوص العادّة لهما من الميسر غير واضحة الأسانيد و لا معلومة الجابر في محل البحث،عدا ما ذكره في الذخيرة في حق الرواية من أنّها مروية في عيون أخبار الرضا[(عليه السّلام)]بأسانيد متعدّدة لا تخلو عن اعتبار (5).

و في الاكتفاء بذلك في الاعتماد عليها هنا إشكال و إن كان الاحتياط فيه بلا إشكال،سيّما مع ورود جملة من النصوص بردّ شهادة المقامر و اللاعب بالنرد و الشطرنج بقول مطلق.

منها:« و لا تقبل شهادة شارب الخمر و لا شهادة اللاعب بالشطرنج و النرد و لا شهادة المقامر» (6).

و منها:« لا تقبل شهادة صاحب النرد و الأربعة عشر و صاحب الشاهين»

ص:267


1- الكافي 6:5/435،الوسائل 17:319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 4.
2- الوسائل 17:318 أبواب ما يكتسب به ب 102.
3- المتقدمة في ص 6836.
4- راجع ص 6848.
5- الذخيرة:304.
6- الفقيه 3:67/25،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 7.

الخبر (1).

و لو لا قصور سندهما،و قوة احتمال إرادة المصرّ من اللاعب بالشطرنج و المقامر كما هو الغالب المتبادر لكان المصير إلى الإطلاق من اللوازم.

و اعلم أنّ من جملة آلات اللهو الدفّ و إنّما خصّه الماتن بالذكر قصداً إلى استثناء صورة خاصّة من الحكم بتحريمها أشار إليها بقوله:

إلّا في الإملاك بالكسر:العرس و الزفاف و في الختان للصبيان فإنّ الدفّ فيهما مباح و لو على كراهة عند الماتن هنا و في الشرائع، و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد،و الشهيد في الدروس و المحقق الثاني كما حكي (2)،وفاقاً للمحكي عن المبسوط و الخلاف (3)مدّعياً عليه الوفاق،للنبويّين:«أعلنوا بالنكاح و اضربوا عليه بالغربال» يعني الدفّ (4).

و في الثاني:فصل ما بين الحلال و الحرام الضرب بالدفّ عند النكاح (5).

خلافاً للحلّي و التذكرة (6)فمنعا عنه فيهما أيضاً؛ عملاً بالعمومات

ص:268


1- الكافي 7:9/396،الفقيه 3:76/27،التهذيب 6:604/243،الوسائل 27:380 كتاب الشهادات ب 33 ح 1.
2- الشرائع 4:128،الإرشاد 2:157،التحرير 2:209،القواعد 2:236،الدروس 2:126،جامع المقاصد 4:24.
3- المبسوط 8:224،الخلاف 6:307.
4- سنن ابن ماجة 2:1895/611.
5- مسند أحمد 3:418،و ج 4:259،الجامع الصغير 2:5851/212؛ بتفاوت يسير.
6- السرائر 3:205،التذكرة 2:483.

الناهية عن اللهو مطلقاً،و نفى عنه البعد في الكفاية (1).

و لا ريب أنّه أحوط و إن كان في تعينه نظر؛ لاشتهار القول الأوّل فتوًى بل و عملاً أيضاً.فتأمّل جدّاً.

فينجبر به سند الخبرين جبراً يصلحان معه لتخصيص العمومات المستدل بها على المنع،سيّما مع اعتضادهما بفحوى المعتبرين و فيهما الصحيح المبيحين لأجر المغنّية في العرائس (2)بناءً على أشدّية حرمة الغناء؛ لتصريح النص (3)بكونه من الكبائر،و لا كذلك اللهو كما عرفته مما مضى.

و يجبر أخصّيتهما من المدّعى باختصاصهما بالنكاح دون الختان بعدم القائل بالفرق بينهما،سيّما مع عدم تعقّل الفرق و قوّة دعوى كون مناط الجواز قطعياً مشتركاً بينهما،هذا.

مع ما في مجمع البحرين من قوله:و فيه:يقولون:إنّ إبراهيم(عليه السّلام) ختن نفسه بقدوم على دفّ.لكنه فسّره ب:على جنب،قال:و الدفّ بالفتح الجنب من كل شيء و صفحته (4).انتهى.

و هو غير المعنى المتبادر منه عند الإطلاق جدّاً،لكنه أنسب بعصمته عليه السلام المانعة عن ارتكابه نحو هذا المكروه الشديد الكراهة بلا شبهة،إن لم نقل بكونه من الأُمور المحرّمة.

ص:269


1- الكفاية:281.
2- الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2 و 3.
3- الخصال:9/603،الوسائل 15:331 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 36.
4- مجمع البحرين 5:59.

ثم إنّ إطلاق الخبرين كالعبارة و غيرها يقتضي عدم الفرق في الدفّ المحلّل بين كونه ذات صنج أو غيره،و قيّده الشهيد و المحقق الثاني (1)بالثاني،و ربما يظهر من المسالك (2)عدم الخلاف فيه،فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر لإطلاق أكثر العبائر فالإطلاق متعين.

و المراد بالصنج هنا ما يجعل في إطار الدفّ من النحاس المدوّرة صغاراً،كما عن المطرزي (3).و أمّا أصله فهو الذي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر،كما عنه و عن الجوهري (4).و هو من آلات اللهو،و في الحديث:« إيّاك و الصوانج فإنّ الشيطان يركض معك و الملائكة تنفر عنك» (5).

و ممّا يقدح في العدالة و تردّ به الشهادة لحرمته لبس الحرير المحض للرجال خاصّة مع الاختيار،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و غيره من كتب الأصحاب (6)؛ و هو الحجة.مضافاً إلى النصوص، و منها الحديث المشهور:« أُحلّ الذهب و الحرير للإناث من أُمّتي و حرام على ذكورها» (7).

ص:270


1- الدروس 2:126،جامع المقاصد 4:24.
2- المسالك 2:404.
3- المغرب 1:309.
4- الصحاح 1:325.
5- أصل زيد النرسي(كتاب الأُصول الستة عشر):51،المستدرك 13:216 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 4.
6- المسالك 2:404؛ المعتبر 2:87،التحرير 1:30،المدارك 3:173،كشف اللثام 2:373.
7- سنن النسائي 8:161.

و في لفظ آخر:« هذان محرّمان على ذكور أُمّتي» (1)مشيراً إليهما.

و في رواية:« من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (2).

إلّا إذا لبسه في الحرب أو حال الضرورة؛ للنصوص المذكورة هي و سائر ما يتعلق بالمقام في بحث لباس المصلّي من كتاب الصلاة (3).

و منه التختم بالذهب و التحلّي به بل لبسه مطلقاً كما في الإرشاد و القواعد و الدروس و المسالك (4)،و ظاهره عدم الخلاف فيه،و به صرّح كثير ممن تبعه (5).و لعلّهم فهموا من العبارة و نحوها مما خص فيه المنع بالتختّم و التحلّي خاصّة التمثيل لا الحصر.و هو غير بعيد،و به ربما يشعر بعض تلك العبارات كعبارة التحرير،حيث قال:لبس الحرير المحض حرام إلى أن قال-:و كذا لبس كل محرم كالتختم بالذهب و التحلّي به للرجال (6) فتدبّر.

و الأصل في حرمته بعد الإجماع الظاهر و المحكي ما مرّ من النص و النبوي (7).

فلا إشكال فيها،و لا في زوال العدالة بلبسهما مع الإصرار عليه.و كذا مع عدمه في ظاهر إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة.

ص:271


1- سنن النسائي 8:160.
2- مسند أحمد 1:26.
3- راجع ج 2 ص 319 333.
4- الإرشاد 2:157،القواعد 2:236،الدروس 2:126،المسالك 2:404.
5- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:374،و السبزواري في الكفاية:281.
6- التحرير 2:209.
7- راجع ص 269.

و فيه إشكال؛ إذ لا يستفاد من أدلّة المنع كونه من الكبائر،و إنّما غايتها إفادة التحريم،و هو أعم منه،و الأصل يلحقه بالصغائر،فالوجه عدم ردّ الشهادة بمجرد اللبس من دون إصرار و مداومة،كما نبّه عليه المقدس الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و تبعه صاحب الكفاية فقال:و لعلّ قدحه في الشهادة باعتبار الإصرار (2).

و ربما يفهم منه كون ذلك مراد الأصحاب و مذهبهم أيضاً.و هو غير بعيد،و لا ينافيه إطلاق عبائرهم؛ لقوة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أو الاكتفاء فيه بالمرة الواحدة؛ و إنّما أحالوا تشخيص ذلك إلى الخلاف في زوال العدالة بكل ذنب أو بالكبائر منها خاصّة،و ملاحظة الفقيه كلّاً من المحرمات المزبورة مع أدلتها و أنّها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر؛ و عليه العمل بمفادها كيفما اقتضاه مذهبه في تلك المسألة.

و اعلم أنّ المحرّمات القادح فعلها في العدالة مطلقاً أو في الجملة كثيرة؛ و قد جرت عادة الفقهاء بذكر جملة منها في هذا الكتاب،و اقتصر الماتن منها هنا على قليل روماً للاختصار،و من أراد الاطّلاع على كثير منها فعليه بما عدا الكتاب من كتب الأصحاب المطوّلة كالشرائع و الإرشاد و القواعد و غيرها،و شروحها المبسوطة،سيّما شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (3)-(رحمه اللّه) فقد استوفى فيه أكثر مما استوفاه غيره.

ص:272


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:376.
2- الكفاية:281.
3- الشرائع 4:127،الإرشاد 2:156،القواعد 2:236،المسالك 2:403،الكفاية:280،مجمع الفائدة و البرهان 12:347.

و لا تقبل شهادة القاذف مع عدم اللعان أو البيّنة؛ بالآية الكريمة وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً [1] (1).

و الإجماع الظاهر و المحكي في كلام جماعة (2).

و النصوص المستفيضة التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و تقبل شهادته لو تاب و إن لم يسقط عنه الحدّ،بلا خلاف، بل عليه إجماعنا كما في التحرير و التنقيح (3).

و الأصل فيه بعده الآية الكريمة و النصوص المستفيضة،منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة القريب من الصحيح بحمّاد المجمع على تصحيح ما يصح عنه (4):عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّا،ثم يتوب و لا يعلم منه إلّا خيراً،تجوز شهادته؟قال:« نعم،ما يقال عندكم؟» قلت:

يقولون توبته فيما بينه و بين اللّه تعالى،و لا تقبل شهادته أبداً،فقال:« بئس ما قالوا،كان أبي(عليه السّلام)يقول:إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيراً جازت شهادته» (5).

و القوي بالسكوني:« ليس يصيب أحد حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته» (6).

ص:273


1- النور:4.
2- الخلاف 6:261،المؤتلف من المختلف 2:534،و انظر المسالك 2:403،و الكفاية:280.
3- التحرير 2:208،التنقيح 4:293.
4- رجال الكشي 2:673.
5- الكافي 7:2/397،التهذيب 6:620/246،الإستبصار 3:125/37،الوسائل 27:383 كتاب الشهادات ب 36 ح 2.
6- الكافي 7:4/397،التهذيب 6:619/245،الإستبصار 3:124/37،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 3.

كذا رواه الكليني،و الشيخ أيضاً لكن في نسخةٍ،و رواه في أُخرى بزيادة:« إلّا القاذف،فإنّه لا تقبل شهادته،إنّ توبته فيما بينه و بين اللّه تعالى» (1).

و في هذه الزيادة منافاة لما ذكره الأصحاب في المسألة؛ لكنها على تقدير صحتها مع خلوّ نسخة الكافي عنها الذي هو أضبط من التهذيب، سيّما مع اختلاف نسخه هنا و موافقة بعضها لنسخته كما مضى موافقة للتقية،كما يستفاد من الرواية السابقة،فلتحمل عليها،سيّما مع كون الراوي من قضاة العامّة.

و بالجملة:لا شبهة في المسألة،سيّما مع عدم الخلاف فيها.

و إن اختلف في حدّ توبته أي القاذف بعد الاتفاق على اعتبار إكذاب نفسه فيها،كما صرّح به في الغنية (2)،و يستفاد من الخلاف، حيث قال:من شرط التوبة من القذف أن يكذب نفسه،و حقيقة ذلك أن يقول:كذبت فيما قلت.هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا؛ لأنّه لا خلاف بين الفرقة أنّ من شرط ذلك أن يكذب نفسه،و حقيقة الإكذاب أن يقول:

كذبت فيما قلت (3).

و قريب منه كلامه في المبسوط،حيث قال:و اختلفوا في كيفية إكذابه نفسه،قال قوم:أن يقول:القذف باطل حرام،و لا أعود إلى ما قلت.و قال بعضهم:التوبة إكذابه نفسه،و حقيقة ذلك أن يقول:كذبت فيما قلت.

ص:274


1- التهذيب 6:786/284،الإستبصار 3:127/37،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 6.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- الخلاف 6:263.

و روى ذلك في أخبارنا،و الأوّل أقوى؛ لأنّه إذا قال:كذبت فيما قلت،ربما كان كاذباً؛ لجواز أن يكون صادقاً في الباطن و قد تعذّر عليه تحقيقه،فإذا قال:القذف باطل حرام،فقد أكذب نفسه (1).انتهى.

و ما اختاره فيه من كيفية الإكذاب اختاره الحلّي (2)؛ للتعليل الذي ذكره،و اختاره الفاضل في الإرشاد و التحرير و المختلف و القواعد،و ولده في شرحه (3)،لكن على تفصيل هو أنّه إن كان في قذفه كاذباً فحدّ توبته إكذاب نفسه،و إن كان صادقاً فحدّها أن يقول:أخطأت؛ جمعاً بين النصوص الآتية الدالة على أنّ حدّها إكذاب نفسه بقول مطلق،و ما مرّ من التعليل في كلام الشيخ،الراجع حاصله إلى حرمة الكذب،فلا يمكنه التكذيب مع صدقه،فعليه بدله إن يخطأ نفسه.

و هو حسن إن صحّ التعليل،و فيه نظر؛ إذ حاصله و مبناه الفرار من الكذب،و هو يحصل بالتورية،و اعتبارها أقرب إلى النصوص مما ذكره من التصريح بالتخطئة،و أنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر؛ لما في التصريح بالتخطئة من التعريض بالقذف أيضاً،فإفساده أكثر من إصلاحه.

و بهذا صرّح جماعة و منهم الشهيد في الدروس و قال في تضعيفه زيادةً على ذلك-:و بأنّ اللّه تعالى سمّى القاذف الذي لا يأتي بالشهود كاذباً (4).

ص:275


1- المبسوط 8:179.
2- السرائر 2:116.
3- الإرشاد 2:157،التحرير 2:208،المختلف:717،القواعد 2:236،إيضاح الفوائد 4:423.
4- الدروس 2:126.

و تنبّه لهذا الفاضل في التحرير،فقال بعد ذكر مختاره:و قيل:يكذب نفسه مطلقاً،ثم إن كان صادقاً ورّى باطناً.و الأوّل أقرب،و الثاني مروي و إن كان ليس بعيداً من الصواب؛ لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذباً إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق،لأنّه كاذب في حكم اللّه تعالى و إن كان صادقاً (1).انتهى.

و منه يظهر صحة القول المحكي في كلامه و ميله إليه؛ و هو مختار الصدوقين و العماني،و الشيخ في النهاية و الماتن هنا و في الشرائع، و الشهيدين في الدروس و المسالك،و الفاضل المقداد في التنقيح و غيره (2).

و الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين،بل المتقدّمين أيضاً؛ و قد عرفت دعوى ابن زهرة عليه الإجماع،و نفي الشيخ الخلاف عنه في الخلاف ناسباً له إلى مقتضى المذهب،و لكنه صار فيه أيضاً إلى مختاره في المبسوط معلّلاً بما مرّ فيه،و قد عرفت ما فيه.

و بالجملة:عبارته ظاهرة في نفي الخلاف الذي هو كإجماع ابن زهرة حجة على اعتبار إكذاب نفسه.و ظاهره و حقيقته كما اعترف به يقتضي المصير إلى ما عليه الماتن و غيره.و نحوهما إطلاق المعتبرة المستفيضة، ففي النبوي:« توبة القاذف إكذاب نفسه» (3).

و في الصحيح:عن المحدود إن تاب تقبل شهادته؟فقال:« إذا تاب، و توبته أن يرجع مما قال و يكذب نفسه عند الإمام(عليه السّلام)و عند المسلمين،

ص:276


1- التحرير 2:208.
2- الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف:717،النهاية:326،الشرائع 4:127،الدروس 2:126،المسالك 2:403،التنقيح 4:293،كنز العرفان 2:347.
3- انظر الدر المنثور 5:20 21.

فإذا فعل فإنّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك» (1).

و في القريب منه:عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟قال:

« يكذب نفسه» قلت:أ رأيت إن أكذب نفسه أتقبل شهادته؟قال:

« نعم» (2).

و ظاهرها حصول التوبة بمجرد الإكذاب.و فيه إشكال،بل الظاهر عدمه إلّا بعد التوبة و الندامة حقيقةً،كما ذكره بعض المحققين (3)،و دلّ عليه المرسل:عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ قال:« نعم» قلت:و ما توبته؟قال:« يجيء و يكذب نفسه عند الإمام و يقول:قد افتريت على فلانة،و يتوب مما قال» (4).

و لعلّه ظاهر الأصحاب أيضاً.

و يمكن حمل الروايات السابقة عليه بدعوى ورودها مورد الغالب من أنّ المكذب نفسه يكون في الحقيقة تائباً حقيقة غالباً.

و ظاهر المرسل كالصحيح المتقدم عليه اعتبار كون الإكذاب عند الإمام،و به صرّح العماني (5)و جماعة (6)،و زاد الأوّل:و عند جماعة من المسلمين.و يظهر من الإيضاح و التنقيح و الصيمري عدم الخلاف في اعتبار

ص:277


1- الكافي 7:6/397،التهذيب 6:616/245،الإستبصار 3:121/36،الوسائل 27:385 كتاب الشهادات ب 37 ح 1.
2- الكافي 7:1/397،التهذيب 6:615/245،الإستبصار 3:120/36،الوسائل 27:383 كتاب الشهادات ب 36 ح 1.
3- مجمع الفائدة 12:377.
4- الكافي 7:5/397،التهذيب 6:617/245،الإستبصار 3:122/36،الوسائل 27:384 كتاب الشهادات ب 36 ح 4.
5- حكاه عنه في المختلف:717.
6- إيضاح الفوائد 4:424،التنقيح 4:294.

ذلك؛ حيث قالوا:و على الأقوال كلها لا بدّ من إيقاع ذلك عند من قذف عنده،و عند الحاكم الذي حدّه،فإذا تعذّر ففي ملأ من الناس (1).

و مرادهم من الأقوال،الأقوال المتقدمة في تفسير إكذاب نفسه التي منها ما عليه الماتن و أكثر المتأخّرين من تفسيره بمفاده الحقيقي.و منها قول المبسوط و الخلاف و السرائر (2)المشار إليه في العبارة بقوله:

و فيه قول آخر متكلف من الجهات التي مرّت مع زيادة عليها نشير إليها هنا،و هي استلزامه اطراح النصوص المتقدمة المعتبرة أسانيدها طرّاً مع عدم الباعث عليه عند الشيخ و أمثاله أصلاً عدا التعليل المتقدم،و هو على تقدير صحته يقتضي الاقتصار في مخالفتها على صورة صدقه في القذف خاصّة لا مع كذبه فيه أيضاً.

و لذا إنّ الفاضل (3)الموافق لهما من حيث التعليل في الصورة الأُولى خالفهما في الصورة الثانية تفادياً من طرح الروايات بالكلية،و هو و إن خلص بذلك من هذا الاعتراض،إلّا أنّه وقع فيما هو أمرّ منه،و هو أنّه إحداث قول ممنوع منه؛ إذ الأقوال في المسألة التي وصلت إلينا من قدمائنا اثنان كما هو ظاهر العبارة و غيرها.

و لكن حكى هو في المختلف و ولده في الإيضاح و غيرهما عن ابن حمزة قولاً ثالثاً،و هو أنّه إن كان صادقاً قال:الكذب حرام،و لا أعود إلى مثل ما قلت،و أصلح،و إن كان كاذباً قال:كذبت فيما قلت (4).

ص:278


1- إيضاح الفوائد 4:424،التنقيح 4:294.
2- راجع ص 273،274.
3- راجع ص 274.
4- المختلف:717،إيضاح الفوائد 4:423 و انظر التنقيح 4:294،و المهذّب البارع 4:516 و هو في الوسيلة:231.

و هو و إن أشبه التفصيل الذي ذكراه،لكن يفترق عنه من وجه آخر، كما لا يخفى على من تدبّره،و لذا جعلاه قولاً آخر مقابلاً لما اختاراه.

و هذا القول و إن اشترك مع باقي الأقوال عدا المشهور في الضعف و القصور،إلّا أنّه أقرب إلى النصوص،و أبعد عن التعريض بالقذف اللازم من قول الفاضل و ولده.

و وجه ضعفه عدم صراحة قوله:و الكذب حرام.إلى آخر ما ذكره، في صورة الصدق في إكذاب نفسه،و إنّما غايته الظهور الضعيف القريب من الإشعار الغير المتبادر من إكذاب النفس الوارد في النصوص.

و بالجملة:فالمذهب ما عليه المشهور.

ثم إنّ ظاهر العبارة و نحوها من عبائر الجماعة كفاية التوبة بمجردها في قبول الشهادة،كما هو ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة،و لكن الآية اشترطت الإصلاح بعد التوبة،و فسّره الأكثر بالاستمرار عليها و لو ساعة.

قال فخر الإسلام:و هذا المعنى متفق عليه،و إنّما الخلاف في الزائد عليه و هو إصلاح العمل،فقال ابن حمزة:يشترط مطلقاً،أي في الصادق و الكاذب.و لم يشترطه الشيخ-(رحمه اللّه) في النهاية مطلقاً.و قال في المبسوط:

يشترط في الكاذب لا الصادق.و هو اختيار ابن إدريس.احتجّ المصنف بأنّ الاستمرار على التوبة إصلاح و الأمر المطلق يكتفى فيه بالمسمى، و لم يشترط في الرواية المتقدمة،بل علّق قبول الشهادة على التوبة و إكذاب نفسه.و فيه نظر؛ لحمل المطلق على المقيد مع اتحاد القضية (1).انتهى.

و ظاهره الميل إلى قول ابن حمزة؛ لما ذكره من حمل مطلق الرواية

ص:279


1- إيضاح الفوائد 4:424.

على الآية المقيّدة.

و هو حسن،إلّا أنّ الإشكال في تعيين المراد من الإصلاح،هل هو إصلاح العمل،أو إصلاح الحال و النفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة؟ لكلٍّ وجه،فالتبادر للأوّل،و الإطلاق للثاني.و لعلّه أظهر؛ لأصالة الإطلاق مع الشك في التبادر المقيّد له ببعض الأفراد،و مع ذلك أشهر.

و ربما يشير إليه الخبر القريب من الصحيح الذي مرّ (1)في أوّل البحث المتضمن لقوله(عليه السّلام):« إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيراً جازت شهادته» فتدبّر.

هذا كله في التوبة عن القذف،و أمّا عن غيره فينبغي القطع بكفايتها عن إصلاح العمل؛ لعموم:« التوبة يجبّ ما قبلها» (2):« و التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (3).

مع اختصاص الآية (4)المشترطة للإصلاح بتوبة القاذف خاصّة.

نعم إن توقّفت على أداء حقوق اللّه تعالى أو الناس لزمه أداؤها تحصيلاً لها،و إلّا فلا توبة له جدّاً.

الخامسة ارتفاع التهمة

الخامسة: ارتفاع التهمة في الشهادة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في المسالك (5)و غيره (6).و النصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة،ففي الصحاح:عن الذي يردّ من الشهود،

ص:280


1- في ص 272.
2- الوسائل 16:71 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 86.
3- الكافي 2:10/435،الوسائل 16:74 أبواب جهاد النفس ب 86 ح 8.
4- النور:5.
5- المسالك 2:405.
6- انظر مجمع الفائدة 12:383،و المفاتيح 3:278.

قال:فقال:« الظنين و الخصم» كما في أحدها (1)،و بدّل الخصم بالمتهم في آخر منها (2)،و جمعت الثلاثة في ثالثها:قلت:فالفاسق و الخائن،فقال:

« كل هذا يدخل في الظنين» (3).

و في الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب،و الخصم، و الشريك،و دافع مغرم،و الأجير،و العبد،و التابع،و المتهم،كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم» (4)و نحوها غيرها (5).

و ظاهر إطلاقها المنع عن قبول شهادة المتهم مطلقاً كائناً من كان، و هو خلاف ظاهر كثير من الروايات الواردة في قبول شهادة الرجل لزوجته و بالعكس (6)،و شهادته لابنه و لأخيه (7)،و كذا خلاف ظاهر الأصحاب فيما ذكروه من قبول شهادة الصديق لصديقه و الوارث لمورّثه و غير ذلك ممّا يتضمّن تهمة،فليست هذه الأخبار باقية على إطلاقها.

و على ذلك نبّه الشهيدان و غيرهما (8)،ففي الروضة:و لا يقدح مطلق التهمة،فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة،و الوارث لمورّثه بدين و إن كان

ص:281


1- الكافي 7:2/395،التهذيب 6:602/242،الوسائل 27:373 كتاب الشهادات ب 30 ح 2.
2- الكافي 7:1/395،التهذيب 6:601/242،الوسائل 27:373 كتاب الشهادات ب 30 ح 1.
3- الفقيه 3:66/25،الوسائل 27:374 كتاب الشهادات ب 30 ح 5.
4- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.
5- الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 32.
6- الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25.
7- الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 26.
8- الدروس 2:127،الروضة 3:132،مجمع الفائدة و البرهان 12:382،كشف اللثام 2:374.

مشرفاً على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها،و كذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين و يتعرضوا لذكر ما أُخذ لهم.انتهى.

و نحوه الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه،فقال:و ليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع،فإنّ شهادة الصديق لصديقه،إلى آخر ما في الروضة من الأمثلة بتغييرات في الجملة،منها ذكره الخلاف في المثال الثالث،فقال:قيل:لا يقبل،و القبول قوي،و ما هو إلّا كشهادة بعض غرماء المديون لبعض،و كما لو شهد الاثنين بوصية من تركة و شهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضاً.

و زاد على الأمثلة فقال:و لا تردّ شهادة غرماء المديون له بمال قبل الحجر،و لا شهادة السيد لمكاتبه في أحد قولي الفاضل.انتهى.

و ظاهرهما سيّما الثاني من حيث تفريعه قبول شهادة المذكورين على دعوى الإجماع بعنوان التعليل كون قبول شهادتهم مجمعاً عليه غير ما أشار إلى الخلاف فيه،فلا إشكال فيه في محل الإجماع،استناداً في تقييد الأصل و إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول الشهادة بالتهمة إليه.

و يشكل في غيره ينشأ من الاتفاق على كل من ردّها بها و قبولها معها،مع عدم وضوح الفرق بين المقامين،مع اشتراكهما في أصل التهمة، و لم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة و المجامع منها معه.

و لكن التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى إطلاق الأخبار المتقدمة؛ نظراً إلى أنّها بالإضافة إلى ما دلّ على قبول شهادة العدل عموماً أو إطلاقاً،إمّا خاصّة فيقيد بها،أو عامّة فيصير التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه.و حيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر من إجماع

ص:282

أو غيره ينبغي الرجوع إلى حكم الأُصول،و هو هنا عدم القبول مطلقاً.

إلّا أن يتردّد في التهمة في بعض الأفراد أنّها هل هي تهمة،أو داخلة في إطلاق التهمة في النصوص المانعة عن قبول الشهادة معها؟كما سيأتي من شهادة الوصي و الوكيل فيما لهما الولاية فيه مع عدم نفع لهما إلّا خصوص التصرف فيه،فإنّ قبول الشهادة في مثله أوفق بالأصل من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق،مع سلامته عن معارضة عموم الأخبار؛ لما عرفت من التأمّل،إمّا في أصل حصول التهمة،أو دخولها في إطلاق التهمة المذكورة فيها.

و إلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي-(رحمه اللّه) في مسألة شهادة الوصي و الوكيل،حيث قال بعد نقل عدم قبول شهادتهما عن أكثر الأصحاب-:و فيهما تأمّل؛ إذ لا نص فيهما بخصوصهما،و العقل لا يدرك التهمة فيهما،بل الولاية في مثل ذلك ضرر و تعب،إلّا أن يكون يجعل بحسب مقدار المال،فتأمّل ،و لا إجماع؛ إذ نقل عن ابن الجنيد عدم ردّ شهادتهما فيما ذكر،و عموم أدلة قبول الشهادة يدل على القبول،و العدالة تمنع،بل ظاهر حال المسلم يمنع شهادة الزور،بل من التهمة الممنوعة و وجوب الحمل على الصحة.و يؤيّده مكاتبة الصفار الصحيحة قال:كتبت إلى أبي محمد(عليه السّلام):هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟فوقّع(عليه السّلام):«إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى اليمين» (1)الحديث (2).انتهى.

ص:283


1- الكافي 7:3/394،الفقيه 3:147/43،التهذيب 6:626/247،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 28 ح 1.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:385.

و قريب منه الشهيد في الدروس،حيث قال:و لو شهد الوصي بمال لليتيم فالمشهور الردّ،و قال ابن الجنيد:تقبل.و دفع بأنّ الوصي متهم بالولاية على المال.و في تأثير هذه التهمة نظر،و خصوصاً في مال لا اجرة له على حفظه أو إصلاحه (1).انتهى.

و هو في غاية الجودة و المتانة.و عليك بمراعاة هذه القاعدة فإنّها تنفعك في مواضع.

إذا عرفتها ف اعلم أنّه لا تقبل شهادة الجارّ أي الذي يجرّ نفعاً كالشريك إذا شهد لشريكه فيما هو شريك فيه بحيث تقتضي الشهادة المشاركة له فيه.

و الوصي فيما له فيه ولاية و كذا الوكيل،على إشكال في الأخيرين،كما عرفته هنا و في أواخر كتاب الوصية أيضاً،إلّا أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما هو ظاهر جماعة (2)ربما توجب المصير إلى ما هنا من المنع،و لذا صار إليه أكثر من تأمّل فيه بما ذكرنا، و منهم الشهيد المتقدم ذكره فقد أفتى به في اللمعة (3)،و كذا في الدروس بعد تنظّره السابق،فقال بعده:فلنذكر أسباب التهمة المعتبرة،فمنها ما يجرّ بشهادته نفعاً،كالشريك إلى أن قال-:و الوصيّ في متعلق وصيته، و غرماء المفلّس و الميّت،و السيّد لعبده.و منها أن يدفع ضرراً،كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية الخطإ،و شهادة الوكيل و الوصي بجرح الشهود على الموكّل و الموصي،إلى آخر ما ذكره.

ص:284


1- الدروس 2:128.
2- انظر المسالك 2:405،و الكفاية:281.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):131.

و ينبغي القطع به إذا تضمّن شهادتهما احتمال جرّ نفع لهما بأن عيّن لهما اجرةً على التصرف في المشهود عليه.

و أمّا الحكم في الأوّل فلا خلاف و لا إشكال فيه؛ لما مرّ،مضافاً إلى المرسل كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه (1)،مع أنّه في الفقيه مروي من غير إرسال:عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه،قال:

« تجوز شهادته إلّا في شيء له فيه نصيب» (2).

و أمّا الخبر:عن ثلاثة شركاء ادعى واحد و شهد الاثنان،قال:

« يجوز» (3)فمع قصوره سنداً و مكافأةً لما مضى من وجوه شتى،يحتمل الحمل على القبول فيما ليس لهما شركة فيه أصلاً،و إلّا فطرحه متعين جدّاً،مع أنّه مرويّ بطريق آخر موثق كالصحيح (4)كما مرّ،إلّا أنّه بدّل فيه « يجوز» ب« لا يجوز شهادتهما» و يحتمل سقوط الزيادة في الرواية الأُولى.

و لا تقبل شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه،و تقبل له و لغيره،و عليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً،بلا خلاف فيهما،بل عليهما الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (5)-(رحمه اللّه) و ظاهر المسالك (6)،لكن في الأوّل خاصّة.هذا.

ص:285


1- رجال الكشي 2:673.
2- الفقيه 3:78/27،التهذيب 6:623/246،الإستبصار 3:40/15،الوسائل 27:370 كتاب الشهادات ب 27 ح 3.
3- التهذيب 6:622/246،الإستبصار 3:39/15،الوسائل 27:370 كتاب الشهادات ب 27 ح 4.
4- الكافي 7:1/394،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 27 ح 1.
5- مجمع الفائدة و البرهان 12:389.
6- المسالك 2:405.

مضافاً في الأوّل إلى القوي:« لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين» (1).

و نحوه عن معاني الأخبار:« لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا ذي غمز على أخيه،و لا ظنين في ولاء،لا قرابة،و لا القانع مع أهل البيت» (2).

قال الصدوق-(رحمه اللّه)-:الغمز:الشحناء و العداوة.و الظنين:المتهم في دينه.و الظنين في الولاء و القرابة:الذي يتهم بالدعاء إلى غير أبيه و المتولي غير مواليه.و القانع مع أهل البيت:الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم، كالخادم لهم و التابع و الأجير و نحوه (3).هذا.

مع أنّ العداوة المزبورة من أسباب التهمة بلا خلاف و لا شبهة؛ لصدق التهمة على مثلها في اللغة و العرف و العادة،فيدخل صاحبها في إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول شهادة ذي التهمة،مع وقوع التصريح في جملة منها بردّ شهادة الخصم الصادق على العدوّ حقيقةً،مع كونه معناه مطابقةً.

و في الثاني إلى عمومات قبول شهادة العدل من الكتاب و السنّة،مع سلامتها عن معارضة الأخبار المزبورة؛ لعدم شمول ما دلّ منها على ردّ شهادة المتهم لمفروض المسألة؛ لعدم تهمة فيها بلا شبهة،و اختصاص إطلاق ما دل منها بردّ شهادة الخصم بحكم التبادر و الغلبة بشهادته على عدوّه لا له،فلا إشكال في المسألة.

نعم يشكل فرض حصول العدالة مع تلك العداوة بعد الاتفاق فتوًى

ص:286


1- الفقيه 3:73/27،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 5.
2- معاني الأخبار:3/208،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 8.
3- معاني الأخبار:209.

و رواية على أنّ عداوة المؤمن و بغضه لا لأمر ديني معصية،فكيف يجامع قبول الشهادة؟!.

و قد تفطن لهذا الإشكال شيخنا الشهيد الثاني فقال:و لا يخفى أنّ الفرح بمساءة المؤمن و الحزن بمسرّته معصية،فإن كان العداوة من هذه الجهة و أصرّ على ذلك فهو فسق،و ظهور الفسق مع التقاذف أوضح، فالجمع بين العداوة و قبول الشهادة لا يخلو عن إشكال (1).انتهى.

و تبعه جماعة (2)،و لكن دفعوه تارةً بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن،و أُخرى بأنّ عداوة المؤمن حرام إذا كان بغير موجب لا مطلقاً، و ثالثةً بعدّ عداوته من الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة.و بهذا صرّح شيخنا في المسالك في دفع الإشكال،فقال بعد ما مرّ:إلّا أن يفسّر الإصرار بالإكثار من الصغائر، لا بالاستمرار على واحدة مخصوصة (3).

و ظاهر عبارته هذه و ما ذكره في وجه الإشكال جزمه بكون عداوة المؤمن من الصغائر لا الكبائر.

و فيه إشكال؛ فإنّ العدوّ كما فسّره الأصحاب هنا، و دلّ عليه العرف و اللغة أيضاً هو الذي يسرّ و يفرح بالمساءة و المكروهات الواردة على صاحبه و يساء و يغتمّ بالمسرّة و النعم الحاصلة له.

و زاد جملة و منهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمه،و هو حينئذ عين المبغض و الحاسد،كما يستفاد من تعريفه لهما في

ص:287


1- المسالك 2:405.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:390 و السبزواري في الكفاية:282.
3- المسالك 2:405.

الكتاب المزبور،حيث قال بعد قول الماتن:و الحسد معصية،و كذا بغضة المؤمن،و التظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه:و المراد بالحسد كراهة النعمة على المحسود و تمنّي زوالها عنه،سواء وصلت إلى الحاسد أم لا.

و بغضته كراهته و استثقاله لا بسبب ديني (1)،إلى آخر ما ذكره.

فالعداوة على هذا من الكبائر بناءً على كونهما منها،كما يستفاد من النصوص الواردة في ذمّهما على الظاهر،المصرّح به في كلام المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) و زاد فقال:بل كاد أن يكون كفراً (2).

و بكونهما كبيرةً صرّح شيخنا أيضاً،فقال في شرح كلام الماتن المتقدم:لا خلاف في تحريم هذين الأمرين،و التهديد عليهما في الأخبار مستفيض،و هما من الكبائر فيقدحان في العدالة (3).انتهى المقصود من كلامه هنا.

و حينئذ فكيف يتأتّى له الجزم بكون العداوة المزبورة من الصغائر مع تصريحه كما عرفت بكونها من الكبائر.

و منه يظهر الوجه في التأمّل في التوجيه الثالث،نعم الأوّلان لا يخلوان عن حسن،لكن مع تأمّل ما.

و احترز بالدنيوية عن الدينية،كأن يبغضه لكفره أو لفسقه،فإنّها غير مانعة مطلقاً إجماعاً؛ لما مرّ من قبول شهادة المؤمن على أهل الأديان،دون العكس مطلقاً،إلّا في الوصية خاصّة كما عرفته.

و حيث منعت العداوة عن قبول الشهادة فلو اختصّت بأحد الجانبين

ص:288


1- المسالك 2:404.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:343.
3- المسالك 2:404.

اختصّ بالقبول الخالي منها،و إلّا لملك كل غريم ردّ شهادة العدل عليه بأن يقذفه و يخاصمه.

و النسب و القرابة لا يمنع القبول للشهادة،فتقبل من الأب لولده و عليه،و من الولد لوالده،و الأخ لأخيه و عليه؛ بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في صريح الانتصار و الغنية،و ظاهر المسالك (1)و غيره (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص الآية الآتية،و المعتبرة المستفيضة (3)و فيها الصحاح و الموثقان:عن شهادة الوالد لولده و الولد لوالده و الأخ لأخيه،قال:« تجوز».

و ليس في ظاهر إطلاقها كباقي الأدلّة من العمومات و الإجماعات المحكية اشتراط ضميمة،أي ضمّ عدل آخر أجنبي.

خلافاً للنهاية فاعتبرها (4).

و حجّته غير واضحة عدا ما في رواية:« إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً و معه شاهد آخر» (5).

و هي مع قصور سندها و أخصيتها من المدعى غير مكافئة لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتى،فلا تصلح لتقييدها،سيّما مع إمكان التأمّل في دلالتها.

و في قبول شهادة الولد على أبيه خلاف بين الأصحاب أظهره

ص:289


1- الانتصار:244،الغنية(الجوامع الفقهية):624،المسالك 2:405.
2- الكفاية:282،كشف اللثام 2:375.
3- الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 26.
4- النهاية:330.
5- التهذيب 6:790/286،الوسائل 27:368 كتاب الشهادات ب 26 ح 5.

عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في كتبه إلّا ما يأتي،و الشهيد في النكت،و غيرهم من المتأخرين (1) المنع وفاقاً منهم لأكثر القدماء كالصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (2).

و بشهرته صرّح جماعة (3)حدّ الاستفاضة،بل عليه عن الخلاف، و السيد في الموصليات،و في السرائر و الغنية (4)إجماع الإمامية،إلّا أنّ الأخير جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع،و موته فالقبول.

و هو و إن كان غير مذكور هنا في عبارات الأصحاب المانعين مطلقاً أو في الجملة،إلّا أنّ المتبادر من إطلاق عبائرهم في المنع صورة حياة الأب دون موته،مع أنّهم صرّحوا بذلك في بحث أنّ شروط الشهادة معتبرة حالة الأداء دون التحمل،و منهم شيخنا في المسالك في ذلك البحث و في بحث قبول شهادة العبد على مولاه لو أعتق،فقال:و كذا أي قبلت الشهادة لو شهد الولد على والده ثم مات الأب فأقامها بعده (5).و لم ينقل هو و لا غيره فيه خلافاً.

ص:290


1- الشرائع 4:130،القواعد 2:237،التبصرة:190،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:268،كشف الرموز 2:519،الإيضاح 4:427.
2- الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والده في المختلف:720،المفيد في المقنعة:726،الطوسي في النهاية:330،القاضي في المهذّب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:231،الحلّي في السرائر 2:134.
3- منهم العلّامة في التحرير 2:209،و الشهيد الثاني في المسالك 2:405،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:405،و انظر الكفاية:282،و كشف اللثام 2:375.
4- الخلاف 6:296 298،الموصليّات(رسائل المرتضى 1):246،السرائر 2:134،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- المسالك 2:408.

و الأصل في المنع هنا بعده المرسلة التي هي في الفقيه مروية،قال بعد نقل بعض الأخبار المتقدمة-:و في خبر آخر أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده (1).

و الضعف بالإرسال مجبور بعمل الأصحاب،و بما يظهر من الانتصار من كونها رواها الأصحاب،حيث قال:و مما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء لأحد إلّا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمداً على خبر يروونه من أنّه لا تجوز شهادة الولد على الوالد و إن جازت شهادته له (2).انتهى.

و ظاهر أصحابنا المتأخرين عدم الظفر بهذه الرواية حيث لم يستدلوا على المنع بها،بل بما مرّ من الإجماع،و بقوله تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [1] (3)قالوا:و ليس من المعروف الشهادة عليه،و الردّ لقوله و إظهار تكذيبه،فيكون ارتكاب ذلك عقوقاً مانعاً من قبول الشهادة (4).

و لا يخفى عليك ضعف هذه الحجة الأخيرة؛ فإنّ قول الحق و ردّه عن الباطل و تخليص ذمّته من الحق عين المعروف،كما نبّه عليه في النبوي:

«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» فقيل:يا رسول اللّه!كيف أنصره ظالماً؟قال:

«تردّه عن ظلمه فذاك نصرك إيّاه» (5).

و لأنّ إطلاق النهي عن عصيان الوالد يستلزم وجوب إطاعته عند أمره

ص:291


1- الفقيه 3:71/26،الوسائل 27:369 كتاب الشهادات ب 26 ح 6.
2- الانتصار:244.
3- لقمان:15.
4- منهم العلّامة في المختلف:720،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:427،و ابن فهد في المهذّب البارع 4:520.
5- مسند أحمد 3:99.

له بارتكاب الفواحش و ترك الواجبات،و هو معلوم البطلان.

و لأنّ ذلك لو تمّ لاقتضى منع قبول شهادته على الوالدة؛ للنهي عن معصيتها أيضاً،و لم يقولوا به.هذا.

و لو سلّم فغايته إفادة المنع لو استلزم الشهادة عقوقاً،بأنّ يواجه الأب بالشهادة عليه و نحو ذلك فيسخطه عليه،و هذا لا يستلزم المنع مطلقاً و لو لم يستلزمه،بأن شهد عليه عند الحاكم سرّاً بحيث لا يطّلع عليه أحد يخبر أباه بذلك،فتأمّل جدّاً .

و مع ذلك فالآية المزبورة معارضة بآية أُخرى هي على الجواز أنصّ و أظهر منه دلالةً،و هي قوله تعالى كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (1).

و أمّا الجواب عنها بأنّ الأمر بالإقامة لا يستلزم القبول ف مع أنّه لا يجامع الاستدلال بالآية المتقدمة على المنع عن إقامة الشهادة يضعّف بأنّه لولا القبول لزم العبث في إقامتها،و بأنّه معطوف على القبول و هو الشهادة على نفسه،و معطوف عليه القبول و هو الشهادة على الأقربين،فلو كان غير مقبول لزم عدم انتظام الكلام،و هو محال.هذا.

مع أنّ الأمر بالإقامة يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة بلا خلاف أجده،فيجب أن يستلزم بالإضافة إلى الوالد أيضاً؛ لأنّهما ذكرا في كلمة واحدة.

و مع ذلك فسياق الآية زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة كالصريح في أنّ المقصود من الأمر بالإقامة قبول الشهادة لا غيرها من نحو تذكير

ص:292


1- النساء:135.

المشهود عليه على الحق و تنبيهه عليه.

و بالجملة:لا ريب في دلالة الآية على قبول الشهادة،و بموجب ذلك يشكل القول بالمنع في المسألة،سيّما مع ورود نصوص كثيرة بمقتضى الآية،و قصور الأسانيد منجبر بالموافقة لها بلا شبهة.

و لهذا جنح إلى القول بالقبول جماعة كأبي العباس في المقتصر، و الشهيدين في الدروس و المسالك،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب، و الصيمري و المقدس الأردبيلي (1)-(رحمهم اللّه) و غيرهم من متأخّري المتأخّرين، لكنهم لم يجتروا على مخالفة الأصحاب صريحاً و لا ظاهراً عدا الشهيد في الدروس (2)،فقد قوى فيه القبول،و من عداه اقتصر على تشييد أدلّته و منع أدلّة المنع،مؤذنين بنوع تردد لهم فيه كالفاضل في التحرير (3)؛ حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر و اقتصر عليه.

و وجه التردد واضح من:صريح الآية و النصوص بالقبول،و من الإجماعات المحكيّة على المنع،المعتضدة بالمرسلة و الشهرة العظيمة التي لا تكاد توجد لها من القدماء مخالف،عدا المرتضى خاصّة فيما حكاه عنه الحلّي (4)و جماعة (5)،و عبارته المتقدمة (6)غير صريحة في المخالفة،بل

ص:293


1- المقتصر:388،الدروس 2:132،المسالك 2:405،التنقيح الرائع 4:295،غاية المرام 4:281،مجمع الفائدة و البرهان 12:405.
2- الدروس 2:132.
3- التحرير 2:209.
4- السرائر 2:134.
5- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:519،و فخر المحققين في الإيضاح 4:427،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:295.
6- راجع ص 290.

و لا ظاهرة كما اعترف به جماعة،سيّما مع نقله الإجماع على المنع كما عرفته.

نعم حكاه الفاضل المقداد في كنز العرفان (1)عن الإسكافي أيضاً، و لكنه خلاف المحكي عنه في المختلف و المسالك و غيرهما (2)من أنّه و العماني لم يتعرّضا للحكم هنا بنفي و لا إثبات،فتأمّل جدّاً.

و بالجملة:المسألة عند العبد محل توقف و إشكال،و لكن مقتضاهما الرجوع إلى ما عليه المشهور من المنع و عدم القبول؛ لمخالفته الأُصول،مع عدم وضوح مخصّص لها يطمئن إليه يدلّ على القبول،فتأمّل .

و كذا تقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها،و شهادتها له و عليه؛ لعين ما مرّ من الأدلة على القبول في المسألة السابقة عدا نصوصها،و لكن بمعناها هنا كثير من المعتبرة:

ففي الصحيح:عن الرجل يشهد لامرأته،قال:« إذا كان خيراً جازت شهادته لامرأته» (3).

و في آخر:« تجوز شهادة الرجل لامرأته و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها» (4).

و نحوه الموثق:عن شهادة الرجل لامرأته؟قال:« نعم» و المرأة

ص:294


1- كنز العرفان 2:386.
2- المختلف:720،المسالك 2:405،و انظر المفاتيح 3:280.
3- الكافي 7:2/393،التهذيب 6:628/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 2.
4- الكافي 7:1/392،التهذيب 6:627/247،الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25 ح 1.

لزوجها؟قال:« لا،إلّا أن يكون معها غيرها» (1).

و شرط بعض الأصحاب و هو الشيخ في النهاية،و القاضي و ابن حمزة (2)في قبول شهادة الزوج انضمام غيره من أهل الشهادة إليه.

و كذا شرطه في قبول شهادة الزوجة أيضاً،استناداً إلى الروايتين الأخيرتين،و هما كما ترى واردتان في الزوجة خاصّة و ربما صحّ فيها الاشتراط دونه؛ لافتراقهما بقوّة مزاجه و شداد عقله بخلافها.

مع أنّ ظاهر سياق الموثقة بل صريحها عدم الاشتراط في الزوج و اختصاصه بالزوجة،فالاشتراط فيه لا وجه له،بل لا يبعد القول بعدم الاشتراط فيها أيضاً،كما عليه المتأخرون (3)كافّةً،وفاقاً لظاهر كثير من القدماء،كالمفيد،و الشيخ في المبسوط و الخلاف،و العماني،و الحلبي، و الحلّي (4)،و بالجملة المشهور،كما في شرح الشرائع للصيمري (5).

و به يظهر ما في التحرير من نسبة الاشتراط فيهما إلى الأصحاب كافّةً،و في الزوج خاصّة إلى جماعة (6).

و كيف كان،فالقول بالقبول مطلقاً في غاية القوّة؛ لعدم صلوح الروايتين المشترطتين للضميمة لتخصيص العمومات المتقدمة،لا سنداً،بل

ص:295


1- التهذيب 6:629/247،الوسائل 27:367 كتاب الشهادات ب 25 ح 3.
2- النهاية:330،المهذب 2:557،الوسيلة:231.
3- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:297،و الشهيد الثاني في المسالك 2:406،و السبزواري في الكفاية:282.
4- المقنعة:726،المبسوط 8:220،الخلاف 2:624،حكاه عن العماني في المختلف:720،الكافي في الفقه:436،السرائر 2:134.
5- غاية المرام 4:282.
6- التحرير 2:209.

و لا عدداً و لا دلالةً؛ من حيث قوّة احتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومه مطلقاً،كما صرّح به جماعة من أصحابنا،و منهم شيخنا الشهيد الثاني،فقال في الذبّ عنهما:و وجه التقييد في الرواية أنّ المرأة لا يثبت بها الحق منفردةً و لا منضمّةً إلى اليمين،بل يشترط أن يكون معها غيرها،إلّا ما استثني نادراً و هو الوصية،بخلاف الزوج؛ فإنّه يثبت بشهادته الحق مع اليمين،و الرواية باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق،و هي ما عدا الوصية (1).انتهى.

و هو أحسن مما أجاب به الفاضل عنهما في المختلف من أنّ المراد بذلك كمال البيّنة من غير يمين (2)؛ لأنّ ما ذكره لو كان المراد لما كان له بالزوجة اختصاص،بل ينبغي طرد الشرط فيهما،مع أنّ الروايتين خصّتاه بالزوجة،بل ظاهر الثانية كما عرفته تخصيصه بها دونه.

و اعلم أنّ هذين الجوابين ينسحبان أيضاً في كلام الشيخ في النهاية و من حذا حذوه (3)،و لأجله يرتفع الخلاف في المسألة،و لذا لم يقطع في التحرير (4)بمخالفة هؤلاء الجماعة.

و على تقديرها كما هو ظاهر الجماعة فمظهر الثمرة في الزوج ما لو شهد فيما تقبل شهادة الواحد مع اليمين،و في الزوجة ما لو شهدت له في الوصية،فتقبل الشهادة في المقامين على المختار،و لا على غيره.

قيل:و عليه يكفي انضمام امرأة أُخرى فيما يكتفى فيه بشهادة

ص:296


1- المسالك 2:406.
2- المختلف:720.
3- راجع ص 294.
4- التحرير 2:209.

المرأتين،كنصف الوصية،و المال الذي يكتفى فيه بهما مع اليمين (1).

و هو حسن؛ لإطلاق الغير المشترط انضمامه في الخبرين فيشمل الرجل و غيره.

و الصحبة و إن كانت مؤكّدة لا تمنع القبول للشهادة،فتقبل من أحد المتصاحبين و الصديقين كالضيف بالنسبة إلى مضيفه و الأجير بالنسبة إلى مستأجره،بلا خلاف في الأوّل،كما في المسالك و الكفاية (2)و غيرهما (3)؛ لما يأتي.

و كذا في الثاني على الأشبه الأشهر بين عامّة من تأخّر،وفاقاً منهم للحلّي (4).و في عبارة المسالك (5)و غيره (6)إشعار باتفاقهم عليه؛ لعموم الأدلّة المتناولة،و ارتفاع ريبة التهمة بواسطة التقوى و العدالة كما في المسائل السابقة.

مضافاً إلى ظاهر الموثقة:« لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً،و يكره شهادة الأجير لصاحبه،و لا بأس بشهادته لغيره،و لا بأس بها له بعد مفارقته» (7).

بناءً إمّا على ثبوت الحقيقة الاصطلاحية المتضمنة للإباحة للفظ

ص:297


1- قاله السبزواري في الكفاية:283.
2- المسالك 2:406،الكفاية:283.
3- انظر المفاتيح 3:280.
4- السرائر 2:123.
5- المسالك 2:406.
6- انظر الكفاية:283.
7- الفقيه 3:77/27،التهذيب 6:676/258،الإستبصار 3:64/21،الوسائل 27:372 كتاب الشهادات ب 29 ح 3.

الكراهة في تلك الأزمنة،أو عدم تأدية المنع بمثل تلك العبارة الغير الظاهرة فيه بلا شبهة.

خلافاً لأكثر المتقدمين كالشيخ في النهاية،و الصدوقين و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و زهرة (1)،فاختاروا المنع؛ للنصوص المستفيضة، و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأوّل الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب،و الخصم، و الشريك،و دافع مغرم،و الأجير،و العبد،و التابع،و المتهم،كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم» (2).

و نحوه المرسل في الفقيه،لكن من دون ذكر العبد و إبداله بشارب الخمر،و اللاعب بالشطرنج و النرد،و المقامر (3).

و الخبر:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يجيز شهادة الأجير» (4).

و النبوي المروي عن معاني الأخبار،قال:قال:« لا تجوز شهادة خائن» إلى أن قال:« و لا القانع مع أهل البيت» (5)و هو كما قال الصدوق الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم و التابع و الأجير.

و من الثاني الصحيح:عن رجلٍ أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه،

ص:298


1- النهاية:325،الصدوق في المقنع:133 و حكاه عن والده في المختلف:718،الحلبي في الكافي في الفقه:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:230،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.
3- الفقيه 3:67/25،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 7.
4- الكافي 7:4/394،التهذيب 6:624/246،الإستبصار 3:62/21،الوسائل 27:372 كتاب الشهادات ب 29 ح 2.
5- معاني الأخبار:208،الوسائل 27:379 كتاب الشهادات ب 32 ح 8.

أ تجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟قال:« نعم،و كذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته» (1).

و وجه الظهور من التقرير و التشبيه.

و هذا القول في غاية القوّة لولا إطباق المتأخرين على خلافه لاعتبار جملة من نصوصه بالصحة و الموثقية،و انجبار الباقي بالشهرة القديمة و الموافقة لفتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية و هو ابن زهرة (2)،و ربما أشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعاً عليه بين الطائفة.

و مع ذلك سليمة عما يصلح للمعارضة عدا العمومات،و هي بها مخصّصة؛ و الرواية المتقدمة،و دلالتها على الجواز غير صريحة،بل و لا ظاهرة،من حيث منع ثبوت الحقيقة العرفية للفظ الكراهة في تلك الأزمنة،و منع عدم تأدية المنع بمثلها بعد وقوع التأدية به عنه في النصوص كثيراً.

مع أنّ الظاهر أنّ المراد منها هنا الحرمة؛ إذ لو قبل الشهادة لزم أداؤها،فلا معنى للكراهة،و بهذا صرّح من متأخري المتأخرين جماعة (3)، حيث اعترضوا على من حمل الأخبار المانعة على الكراهة بأنّها بعيدة؛ إذ الشهادة لو كانت مقبولة ينبغي وجوبها عيناً مع عدم الغير،و إلّا كفايةً،فتأمّل جدّاً .

ص:299


1- التهذيب 6:674/257،الإستبصار 3:63/21،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 29 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625.
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:409،و السبزواري في الكفاية:283.

قال خالي العلّامة بعد أن ذكر أنّ المشهور بين المتأخرين القبول-:

فمنهم من قدح في طريق هذه الروايات،و منهم من حملها على الكراهة، لظاهر خبر أبي بصير (1)،و لعل مرادهم كراهة الإشهاد،و إلّا فلا معنى له، و منهم من حملها على ما إذا كان متّهماً بجلب نفع أو دفع ضرر،كما لو شهد لمن استأجره لقصارة الثوب أو خياطته (2).

أقول:و في جميع هذه الأجوبة نظر:أوّلاً بعدم باعث عليها كما مر، و ثانياً بعدم قدح في طريق جميع الروايات؛ لوجود الصحيح فيها و الموثق كما عرفت،و لو سلّم فبما مرّ منجبر،فلا وجه للجواب الأوّل،و كذا الثاني؛ لما مرّ.

مضافاً إلى منافاته سياق كثير من تلك النصوص المعدود فيها كثير ممن يمنع شهادته منع تحريم،فينبغي أن تكون في الأجير كذلك؛ لئلّا يختلّ نظام الكلام،و لا يلزم استعمال لفظ واحد في معنييه الحقيقي و المجازي،فتدبّر.

و جعل متعلق الكراهة الإشهاد كما ذكره الخال-(رحمه اللّه) لا يجامع الاستشهاد عليها برواية أبي بصير؛ لأنّ متعلقها فيها شهادة الأجير لا إشهاده، فتأمّل .

و أمّا الثالث:فبعد تسليمه لا يجري في أكثر المستفيضة؛ لتضمنه المنع عن قبول شهادة المتهم و المريب على حدة،فلا وجه لذكر منع شهادة الأجير قبله أو بعده.

ص:300


1- المتقدم في ص 296.
2- مرآة العقول 24:247.

و بالجملة:المسألة عند العبد محل توقف،كما هو ظاهر الدروس (1)حيث نقل فيه الخلاف في المسألة مقتصراً عليه من دون ترجيح،و هو حسن،إلّا أنّ مقتضى الأُصول حينئذ عدم القبول،كما مرّ نظيره.

و لا تقبل شهادة السائل بكفّه أي من يباشر السؤال و الأخذ بنفسه، عند الأكثر كما في الكفاية (2)،بل المشهور كما في المسالك و الدروس (3)و عن المحقق الثاني (4)،بل لا خلاف في المنع في الجملة و إن اختلفوا في إطلاقه،كما هو ظاهر المتن و عن الشيخ و القاضي (5)،و في المختلف (6)، أو تقييده بما إذا اتخذه صنعة و حرفة،دون ما إذا سأل نادراً للضرورة،كما عن الحلّي (7)،و في الشرائع و السرائر و الإرشاد و التنقيح و الدروس و المسالك (8)،و غير ذلك من كتب الأصحاب (9)،و لعلّه المشهور بين المتأخرين.

و الأصل في المنع في الجملة بعد عدم ظهور الخلاف فيه بين الطائفة المعتبران:

أحدهما الصحيح:عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟

ص:301


1- الدروس 2:131.
2- الكفاية:283.
3- المسالك 2:406،الدروس 2:131.
4- لم نعثر عليه،و لا على من نقله عنه.
5- النهاية:426،المهذب 2:558.
6- المختلف:718.
7- السرائر 2:122.
8- الشرائع 4:130،التحرير 2:210،الإرشاد 2:158،التنقيح 4:299،الدروس 2:132،المسالك 2:406.
9- انظر مجمع الفائدة و البرهان 12:403.

فقال:« كان أبي(عليه السّلام)لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه» (1).

و الثاني الموثق:« ردّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)شهادة السائل الذي يسأل في كفّه لأنّه لا يؤمن على الشهادة،و ذلك لأنّه إذا اعطي رضي و إن منع سخط» (2).

و في هذا التعليل و تعليل الماتن و غيره الحكم بقوله: لما يتصف به من مهانة النفس و دناءته فلا يؤمن من خدعه في شهادته إيماء إلى تهمته و عدم حرمة السؤال،و إلّا لعلّل بحرمته الموجبة لفسق فاعله بمجرده،أو بالإصرار عليه و استمراره.

و فيه نظر؛ فإنّ عدم التعليل بالحرمة لا يستلزم الإباحة،فقد يكون وجهه لزوم حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة،بناءً على عدم اتصاف كل سؤال بالحرمة،بل الذي لا تدعو إليه حاجة و لا ضرورة محرّم خاصّة،و حينئذ فكيف ينسب السائل إلى فعل محرم بمجرد سؤاله الذي هو من الحرام أعم.

و لنعد إلى حكم أصل المنع عن قبول الشهادة هل هو على إطلاقه، أو مشروط باتخاذه السؤال صنعةً و حرفة و الإصرار عليه و استمراره؟إطلاق الخبرين يقتضي الأوّل،و عدم انصرافهما بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى الثاني يقتضيه،و لعله أظهر،سيّما مع كونه بين المتأخرين أشهر.

و في قبول شهادة المملوك روايتان،أشهرهما كما حكاه

ص:302


1- الكافي 7:14/397،التهذيب 6:609/244،الوسائل 27:382 كتاب الشهادات ب 35 ح 1.
2- الكافي 7:13/396،التهذيب 6:608/243،الوسائل 27:382 كتاب الشهادات ب 35 ح 2.

جماعة (1)حدّ الاستفاضة جدّاً القبول في الجملة،و عليه متأخرو الأصحاب كافّةً،بل عليه الإجماع في الانتصار و السرائر و الغنية (2)،و هو الحجة المعاضدة لهذه الرواية المشهورة،و هي مع ذلك متعددة متضمنة للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

فمن الأوّلة:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً» (3).

و نحوه الصحيح الوارد في قضية درع طلحة المتضمن لقوله(عليه السّلام) لشريح بعد ردّه شهادة قنبر له(عليه السّلام):« و لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا» (4).

و هو صريح في ردّ من ردّ شهادته لمولاه كالصدوقين،و الشيخ في كتابي الحديث،و الحلبي (5).

و قريب منه في الردّ عليهم الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة.

و منها:عن المملوك تجوز شهادته؟قال:« نعم،و إنّ أوّل من ردّ

ص:303


1- منهم المحقق في الشرائع 4:131،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:53 و المجلسي في مرآة العقول 24:237.
2- الانتصار:246،السرائر 2:135،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
3- الكافي 7:1/389،التهذيب 6:634/248،الإستبصار 3:42/15،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 23 ح 1.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الإستبصار 3:117/34،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- المقنع:133،حكاه عن والده الصدوق في المختلف:720،التهذيب 6:249،الإستبصار 3:16،الكافي في الفقه:435.

شهادة المملوك لفلان» (1).

و في رواية معتبرة بل قيل:صحيحة (2)-:« إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب» الخبر (3).

و منها:« تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» (4).

و هو صريح في ردّ الإسكافي،حيث قبل شهادته على مثله و على الكافر،و ردّها على الحرّ المسلم (5).

و منها:« تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب» (6).

و ليس فيه دلالة على مذهب الإسكافي في الشق الثاني إلّا بمفهوم اللقب،و لا نقول بحجيته.

و منها:عن المكاتب تجوز شهادته؟فقال:« في القتل وحده» (7).

و بفحواه يستدل على قبول شهادته كلّيةً،إلّا أنّ ذكر خصوص القتل

ص:304


1- الكافي 7:3/390،التهذيب 6:635/248،الإستبصار 3:43/16،الوسائل 27:345 كتاب الشهادات ب 23 ح 2.
2- قال في مجمع الفائدة و البرهان 12:410 و حسنة محمّد بن مسلم بالقاسم بن عروة،و إن ثبت توثيقه كما قيل كانت صحيحة.و قد صحّح العلّامة في المختلف:72 حديث بريد بن معاوية و هو(القاسم بن عروة)في الطريق.
3- الكافي 7:2/389،التهذيب 6:633/248،الإستبصار 3:41/15،الوسائل 27:345 أبواب الشهادات ب 23 ح 3.
4- الفقيه 3:69/26،التهذيب 6:636/249،الإستبصار 3:44/16،الوسائل 27:346 كتاب الشهادات ب 23 ح 5.
5- حكاه عنه في المختلف:720.
6- الفقيه 3:81/28،التهذيب 6:638/249،الإستبصار 3:46/16،الوسائل 27:346 كتاب الشهادات ب 23 ح 4.
7- التهذيب 6:641/250،الإستبصار 3:49/17،الوسائل 27:348 كتاب الشهادات ب 23 ح 9.

و تأكيده بوحدة ربما ينافي ذلك،بل أصل الحجية؛ لكونه شاذّاً لا قائل به من الطائفة،لكنه مع ذلك صالح لتأييد الأخبار السابقة.

و نحوه في شذوذ الظاهر و الصلوح للتأييد و التقوية الموثقة كالصحيحة بعثمان و فضالة اللذين أجمعت على تصحيح ما يصح عنهما العصابة (1):

عن الرجل المسلم تجوز شهادته لغير مواليه؟فقال:« تجوز في الدين و الشيخ اليسير» (2).

و هذه النصوص مع صحة أكثرها،و استفاضتها،و اشتهارها بين الأصحاب،و اعتضادها بالإجماعات المحكية موافقة لعمومات الكتاب، و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الدالّة على قبول شهادة من اجتمعت فيه شرائط قبول الشهادة،و مخالفة لما عليه أكثر العامّة بل عامّتهم،كما يستفاد من شيخ الطائفة (3)و غيره (4)،و نسبه في كنز العرفان (5)إلى فقهائهم الأربعة،و على هذا يجب أن يحمل على التقية الرواية الثانية المانعة عن قبول شهادته بالكلّية،كالصحيح:عن شهادة ولد الزنا،فقال:« لا، و لا عبد» (6).

و الموثق:عما يردّ من الشهود،فقال:« المريب» إلى أن قال:

« و العبد» (7).

ص:305


1- رجال الكشي 2:830.
2- التهذيب 6:640/250،الإستبصار 3:48/17،الوسائل 27:347 كتاب الشهادات ب 23 ح 8.
3- التهذيب 6:249،الاستبصار 3:16.
4- المفاتيح 3:282.
5- كنز العرفان 2:53.
6- التهذيب 6:612/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 6.
7- التهذيب 6:599/242،الإستبصار 3:38/14،الوسائل 27:378 كتاب الشهادات ب 32 ح 3.

إلى غير ذلك من النصوص القاصر كثير منها سنداً،و جميعها مكافئةً لما مضى قطعاً من وجوه شتى،مع ندرة القائل بها؛ إذ ليس إلّا العماني (1).

نعم ربما نسبه الفاضل في التحرير إلى الإسكافي (2)،لكنه في غيره و باقي الأصحاب نسبوه إلى ما قدّمنا عنه من التفصيل،و هو كسابقه أيضاً نادر،و مع ذلك مستنده غير واضح،عدا ما يتوهم له من الجمع بين الأخبار،و الصحيح:« لا تجوز شهادة العبد على الحرّ المسلم» (3).

و الأوّل مشروط بالتكافؤ،و ليس،و لو سلّم فلا شاهد عليه.و الثاني معارض بمثله و قد مرّ،مع أنّ نفي الجواز فيه لا يدلّ على الردّ؛ لاحتمال حمله على معناه بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه؛ لما في ذلك من تعطيل حق سيده و الانتفاع به بغير إذنه،و لو كان هذا خلاف الظاهر لكان المصير إليه أولى مراعاةً للجمع.كذا ذكره شيخنا في المسالك (4).

و ربما يعضده المروي في الوسائل عن مولانا الحسن العسكري في تفسيره عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام):« قال:كنّا عند رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و هو يذاكرنا بقوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [1] قال:أحراركم دون عبيدكم،فإنّ اللّه تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة و عن أدائها» (5)فتدبّر.

مع أنّ دلالته بمفهوم الوصف،و ليس بحجة على الأشهر الأظهر.

ص:306


1- المختلف:720.
2- التحرير 2:210.
3- التهذيب 6:637/249،الإستبصار 3:45/16،الوسائل 27:348 كتاب الشهادات ب 23 ح 12.
4- المسالك 2:407.
5- تفسير العسكري(عليه السّلام):374/656،الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 23 ح 15.

و ما يقال:من أنّه على تقدير عدم الحجية يستدل على قبول شهادته على الذميّ بما مرّ من الصحيح (1)،و على العبد بما روي في الخلاف عن علي(عليه السّلام)أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض،و لا يقبل شهادتهم على الأحرار (2).

فضعّف بما مرّ من معارضة الصحيح السابق بمثله،و عدم دلالة هذا الصحيح على نفي القبول على غير أهل الكتاب إلّا بالمفهوم الضعيف أيضاً.

و الرواية غير معلومة الصحة،فلا تصلح للحجية،سيّما مع قصورها كما سبقها على تقدير الدلالة عن مقاومة الأدلة المتقدمة،و بالجملة فهذا القول كسابقه ضعيف غايته.

و اعلم أنّ الصحاح المتقدمة (3)و إن اقتضت بإطلاقها قبول شهادته مطلقاً إلّا أنّ المشهور القائلين بها اختلفوا في إبقائها على إطلاقها أو تقييدها بغير الشهادة على المولى،و إلى هذا الخلاف أشار بقوله:

و في قبول شهادته على المولى قولان أظهرهما المنع، و هو أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كلام كل من ادعى الشهرة فيما مضى،و هو مختار الشيخين و السيدين و الديلمي و القاضي و ابن حمزة و الحلبي و الحلّي و الفاضلين و الصيمري (4)،و أكثر

ص:307


1- راجع ص 303.
2- الخلاف 6:269.
3- راجع ص 302.
4- المفيد في المقنعة:726،الطوسي في النهاية:331،المرتضى في الانتصار:246،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):624،الديلمي في المراسم:232،القاضي في المهذّب 2:557،ابن حمزة في الوسيلة:230،الحلبي في الكافي في الفقه:435،الحلّي في السرائر 2:135،المحقق في الشرائع 4:131،العلّامة في التحرير 2:210،الصيمري في غاية المرام 4:284.

المتأخرين (1)،بل عامّتهم.

عدا شيخنا الشهيد الثاني (2)و جملة ممّن تبعه من متأخري المتأخرين (3)،فاختاروا الجواز،وفاقاً منهم لابن عم الماتن نجيب الدين يحيى بن سعيد في الجامع (4)؛ أخذاً بإطلاق الصحاح المؤيّدة بالعمومات.

و هو قوي متين،إلّا أنّ في كلام السيدين و الحلّي (5)دعوى الإجماع على المنع،فيتعين بسببه المصير إليه،سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة القديمة و الحديثة.

مع ندرة القائل بالجواز على الإطلاق،كما هو مذهب شيخنا و تابعيه، بل يستفاد من كثير مجهوليته و عدم معروفيته،بل و لم يسمّه أحد عداه و من بعده،فما هذا شأنه يكاد أن يقطع بمخالفته الإجماع،فلا يجوز اختياره، سيّما بعد دعوى الإجماع على خلافه،و ظهور عبارة الفاضل المقداد في كنز العرفان بورود الرواية في ردّه،فإنّه قال:

و اختلف في شهادة العبد إلى أن قال: و عن أهل البيت(عليهم السّلام) روايات أشهرها و أقواها القبول إلّا على سيده خاصّة،فتقبل لسيده و لغيره و على غيره (6).

و هذه الرواية و إن لم نقف عليها إلّا أنّ غايتها الإرسال المنجبر بفتوى

ص:308


1- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:430،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:53 و التنقيح 4:301.
2- المسالك 2:407.
3- منهم السبزواري في الكفاية:283،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:281،و المجلسي في مرآة العقول 24:237.
4- الجامع للشرائع:540.
5- الانتصار:246،الغنية(الجوامع الفقهية):624،السرائر 2:135.
6- كنز العرفان 2:53.

الأصحاب،لكنهم لم يذكروها،حتى هو في شرح الكتاب،و إنّما استدل هو و غيره على المنع بأنّه تكذيب للسيد،و عقوق في حقه،فيكون كشهادة الولد على والده.

و كلّ هذا ظاهر في عدم رواية عليه بالخصوص،و أنّ ما ذكره في الكنز من الرواية لعله اشتباه،و يشبه أن يكون مراده بها إمّا الروايات المانعة مطلقاً بعد حملها على المنع هنا خاصّة جمعاً.و هو بعيد جدّاً.

أو خصوص الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة.و هو و إن قرب؛ لاستدلال الفاضل بها في المختلف على المنع هنا،حيث قال:و هي دالّة على قبول شهادته لسيده،و المنع من قبولها على سيده،و إلّا لم يكن للعتق فائدة (1).لكن الاستدلال بها ضعيف؛ لأنّ لفظ العتق لم يقيد به الإمام(عليه السّلام)ليكون دليلاً على اعتباره في القبول،بل هو لفظ الراوي بياناً للواقع.

سلّمنا لكن مفهوم الصفة ليس بحجة.

و نحوه في الضعف الدليلان السابقان،يظهر وجهه فيما ذكره شيخنا في المسالك بعد نقل الاستدلال بهما بنحو يقرب مما قدمنا ما لفظه:و فيه نظر؛ لأنّ حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين؛ لما ذكرناه سابقاً،و لما سيأتي من الأخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه،و تشبيهه بالولد ممنوع،و لو سلّم فالأصل ممنوع أيضاً (2).انتهى.

و يضعف الدليل الثاني و هو الجمع بين الروايات،زيادةً على

ص:309


1- المختلف:720.
2- المسالك 2:407.

ما ذكره بمخالفته وجه الجمع المستفاد من نفس الأخبار،و هو حمل أخبار المنع على الإطلاق على التقية،و به صرّح أيضاً جماعة (1)كما عرفته.

و بالجملة:لولا الإجماعات المتقدم إليها الإشارة المعتضدات بالشهرة العظيمة لكان المصير إلى مقتضى الإطلاقات و العمومات المتقدمة في غاية القوّة؛ لسلامتها لولاها عما يصلح لتقييدها بالكلية.

و من هنا يظهر ضعف القول بعدم قبول شهادته مطلقاً إلّا على المولى،مع عدم معروفية قائله أصلاً و إن ذكره الأصحاب قولاً،و منافاته لكل من النصوص المجوّزة و المانعة مطلقاً،و استلزامه طرحها طرّاً، و ارتكاب الجمع بينها بذلك فرع التكافؤ و الشاهد عليه،و ليسا،مع تصريح جملة من النصوص المجوّزة بقبول شهادته للمولى،و قد عرفتها مما مضى،فهذا القول أضعف الأقوال جدّاً.

و لو أُعتق العبد قبلت شهادته للمولى و عليه بلا خلاف في الثاني؛ لوجود المقتضي من الحرية و باقي الشرائط المعتبرة،و انتفاء المانع بالمرّة؛ إذ ليس إلّا الرقّية و قد زالت.

و للصحيح:عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه،أ تجوز شهادته له بعد أن فارقه؟قال:« نعم،و كذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته» (2).

و نحوه الصحيح الآخر:عن الذمّي و العبد يشهدان على شهادة،ثم يسلم الذمّي و يعتق العبد،أ تجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه؟قال

ص:310


1- راجع ص 304.
2- التهذيب 6:674/257،الإستبصار 3:63/21،الوسائل 27:371 كتاب الشهادات ب 29 ح 1.

« نعم،إذا علم منهما خير بعد ذلك جازت شهادتهما» (1).

و القوي:« أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها،و كذلك اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم،و العبد إذا اشهد على شهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق،و قال عليّ(عليه السّلام):إن أُعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته» (2).

قال الشيخان المحدثان في الفقيه و التهذيبين (3)في قوله:« إذا لم يردّها الحاكم» إلى آخره-:يعني بها أن يردّها بفسق ظاهر أو حال تخرجه عن العدالة،لا لأنّه عبد؛ لأنّ شهادة العبد جائزة،و أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر.

و ما ذكراه حسن لو قلنا بقبول شهادة العبد قبل العتق مطلقاً،أمّا لو منعنا عنه على المولى خاصّة كما هو المشهور،أوله كما هو مذهبهما، فلا وجه لحصر وجه ردّ الحاكم شهادته قبل العتق بما عدا العبودية،بل يمكن جعلها وجهاً له أيضاً و لو في الجملة.

و لذا إنّ شيخنا في المسالك لم يحصر وجه الردّ فيما ذكراه،بل أطلق بحيث يشمل مثل العبودية؛ فإنّه قال بعد الحكم بقبول شهادته مطلقاً في المسألة لما مرّ من الأدلة-:لكن لو كان قد أدّاها حال الرقّية فردّت افتقر إلى إعادتها بعده؛ لأنّ السابقة مردودة (4).انتهى.

و قالا في قوله(عليه السّلام):« إنّ أُعتق لموضع الشهادة» إلى آخره:كأنّه(عليه السّلام) يعني:إذا كان شاهداً لسيده،فأمّا إذا كان شاهداً لغير سيده جازت شهادته

ص:311


1- الفقيه 3:139/41،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 1.
2- الفقيه 3:80/28،التهذيب 6:643/250،الإستبصار 3:51/18،الوسائل 27:349 كتاب الشهادات ب 23 ح 13.
3- الفقيه 3:28،التهذيب 6:251،الإستبصار 3:18.
4- المسالك 2:408.

عبداً كان أو معتقاً إذا كان عدلاً.

و هو حسن،و يستفاد وجهه من اللام في:« لموضع الشهادة» الظاهرة في التهمة.

و لعلّهما لأجله حكما بعدم قبول شهادته للمولى.

و فيه ما مرّ من دلالة الصحيحين على خلافه،مضافاً إلى الأُصول و العمومات،و الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة،سيّما مع دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على قبول شهادته للمولى بعد عتقه مطلقاً (1)،فلا يعارضها مثل هذه القوية؛ لوحدتها،و قصور سندها، و موافقتها التقية كما عرفته،و يشير إليه كون الراوي السكوني،و هو من قضاة العامّة،فلا محمل لها غير ورودها مورد التقية.

و لو أشهد عبديه بحمل له من مملوكته أنّه ولده،فورثهما غير الحمل،و أعتقهما الوارث لهما في الظاهر فشهدا للحمل بذلك قبلت شهادتهما،و رجع الإرث إلى الولد فيرثهما،كما في الصحيح:في رجل مات و ترك جارية و مملوكين،فورثهما أخ له،فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاماً،فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية و أنّ الحمل منه،قال:« تجوز شهادتهما،و يردّان عبدين كما كانا» (2).

و نحوه الموثق،لكن فيه بدل:« و يردّان عبدين»:« و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له،لأنّهما أثبتا نسبه» (3).

ص:312


1- الخلاف 6:298.
2- التهذيب 6:642/250،الإستبصار 3:50/17،الوسائل 27:347 كتاب الشهادات ب 23 ح 7.
3- الكافي 7:16/20،الفقيه 4:544/157،التهذيب 9:870/222،الإستبصار 4:512/136،الوسائل 19:403 كتاب الوصايا ب 71 ح 1.

و هو بطرف الضد من بدله،إلّا أنّه صريح في الرقّية،و لا كذلك البدل؛ إذ ليس فيه غير النهي عن الاسترقاق المحتمل للحمل على الكراهة، فلتحمل عليها جمعاً،سيّما مع إشعار التعليل في الموثق بها،و لذا ذهب الأكثر (1) و منهم الماتن إلى أنّه يكره له استرقاقهما.

خلافاً لنادر (2)،فقال بالتحريم؛ أخذاً بظاهر النهي.و قد مرّ الكلام عليه مع ما يتعلق بالمسألة في أواخر كتاب الوصية،فمن أراد تمام التحقيق فيها فليراجعها ثمّة (3).

و لو تحمل الشهادة الصبي،أو الكافر،أو العبد،أو الخصم،أو الفاسق المعلن،أو نحوهم من مردودي الشهادة ثم زال المانع الموجب لردّها و شهدوا قبلت شهادتهم بعد استجماع الشرائط الأُخر؛ لوجود المقتضي و انتفاء الموانع؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها زيادةً على ما مرّ في المسألة السابقة من الصحيحين و القوية (4)،و ما مرّ في مسألة قبول شهادة القاذف بعد توبته من المعتبرة المستفيضة (5)الصحيح (6)و غيره (7):عن نصراني كما في الثاني و يهودي كما في الأوّل اشهد على شهادة ثم أسلم أ تجوز شهادته؟قال:

ص:313


1- منهم المحقق في الشرائع 2:251،و العلّامة في الإرشاد 2:159،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:302.
2- النهاية:331،612.
3- راجع ج 10 ص 378 380.
4- راجع ص 309،310.
5- راجع ص 272.
6- الفقيه 3:138/41،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 2.
7- الكافي 7:5/398،التهذيب 6:656/253،الإستبصار 3:52/18،الوسائل 27:387 كتاب الشهادات ب 39 ح 3.

« نعم».

و نحو الثاني صحيح آخر (1).

و الصحيح:عن الصبي و العبد و النصراني يشهدون شهادة،فيسلم النصراني،أ تجوز شهادته؟قال:« نعم» (2).

و القوي:« اليهودي و النصراني إذا اشهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم» (3).

و أمّا الصحيح:عن نصراني اشهد على شهادة ثم أسلم بعد،تجوز شهادته؟قال:« لا» (4)فقال الشيخ:إنّه شاذّ،و حمله على التقية،قال:لأنّه مذهب بعض العامّة.

و يحتمل الحمل على ما لو شهد بها في حال كفره،فلا تقبل و إن أسلم بعد.

أو على فسقه بعد الإسلام.

أو على التهمة في إسلامه،بأن كان مستتراً لكفره و شهد،فردّ لأجله، ثم أسلم و أعادها دفعاً لعار الكفر.

و لكنه خلاف المعروف من مذهب الأكثر كالفاضلين في الشرائع

ص:314


1- التهذيب 6:659/254،الإستبصار 3:54/18،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 6.
2- الكافي 7:4/398،التهذيب 6:657/253،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 4.
3- الكافي 7:3/398،التهذيب 6:658/253،الوسائل 27:388 كتاب الشهادات ب 39 ح 5.
4- التهذيب 6:661/254،الإستبصار 3:56/19،الوسائل 27:389 كتاب الشهادات ب 39 ح 7.

و التحرير،و فخر الدين (1)و غيرهم (2)في نظير المسألة،و هو مسألة الفاسق المستتر لفسقه إذا أقام الشهادة فردّت لأجله ثم تاب و أعادها؛ حيث اختاروا فيها القبول.

و لكن تردّد فيه الفاضل في القواعد (3)،و لعلّه ينشأ:من وجود المقتضي للقبول،و هو العدالة الثابتة بالتوبة،و انتفاء المانع؛ إذ ليس بحكم الفرض إلّا الفسق،و قد ارتفع بالتوبة.و من حصول التهمة بدفع عار الكذب،و هي مانعة عن قبول الشهادة كما عرفته.

و حكى هذا قولاً،و لم أقف على قائله،فكأنّه شاذّ،و مع ذلك ردّ بأنّ العدالة دافعة لمثل هذه التهمة.

و هو حسن مع ظهور صدق التوبة و الثقة بعدم استنادها إلى ما يوجب التهمة،و ربما أشعر به بعض المعتبرة،كالقوي:«أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام) شهد عنده رجل و قد قطعت رجله و يده،فأجاز شهادته،و قد كان تاب و عرفت توبته» (4)فتأمّل .

و لعلّ مراد الأصحاب ذلك أيضاً،و لكن إطلاق كثير من المعتبرة المتقدمة في قبول شهادة القاذف بعد توبته (5)كفاية إظهارها و لو لم يظهر صدقها،و لعلّه لذا قال الشيخ و الحلّي (6)بقبول شهادة المتجاهر بالفسق بعد

ص:315


1- الشرائع 4:131،التحرير 2:210،الإيضاح 4:429.
2- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:406 و السبزواري في الكفاية:283.
3- القواعد 2:238.
4- الكافي 7:3/397،الفقيه 3:93/31،التهذيب 6:618/245،الإستبصار 3:123/37،الوسائل 27:385 كتاب الشهادات ب 37 ح 2.
5- راجع ص 272.
6- النهاية:327،السرائر 2:123.

توبته بعد أن يقول له الحاكم:تب لأقبل شهادتك.

و لكن المشهور خلافه،فلم يقولوا به،بل اعتبروا اختباره مدّةً يغلب على الظن فيها أنّه قد أصلح عمله و سريرته،و أنّه صادق في توبته،و لعلّ هذا هو الأصح.

و كيف كان،فلا خلاف في شيء مما ذكر عدا ما مرّ فيه من الخلاف حتى في قبول شهادة الفاسق المعلن بعد توبته مطلقاً،سواء شهد بها قبل التوبة ثم أعادها بعدها،أو شهد بغيرها من دون إعادة،قالوا:و الفرق بينه و بين الفاسق المستتر حيث اتفق على قبول شهادة الأوّل بعد التوبة مطلقاً و اختلف فيه في الثاني،و إن كان المشهور مساواتهما حرص المستتر على إصلاح الظاهر و دخول الغضاضة عليه بظهور كذبه،بخلاف المعلن بالفسق؛ لأنّه لا يدخله غضاضة مع ظهوره،بل ربما يفتخر به،فيحصل التهمة في الأوّل دون الثاني.

السادسة طهارة المولد

السادسة: طهارة المولد عن الزنا فلا تقبل شهادة ولد الزنا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضاً، عدا نادر منهم يأتي ذكره،و هو شاذّ،و لذا ادّعى المرتضى و الشيخ و ابن زهرة (1)عليه إجماعنا؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« لا تجوز شهادة ولد الزنا» (2).

و في آخر:عن شهادته،فقال:« لا،و لا عبد» (3).

ص:316


1- الانتصار:247،الخلاف 2:627،الغنية(الجوامع الفقهية):625.
2- الكافي 7:6/395،التهذيب 6:613/244،الوسائل 27:375 كتاب الشهادات ب 31 ح 3.
3- التهذيب 6:612/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 6.

و نحوه الخبر (1)المنجبر ضعفه بسهل في الكافي،و بالاشتراك في التهذيب بالعمل،مع أنّ ضعفه سهل،بل قيل:ثقة (2)،و ليس فيه بعده عدا أبان الموثق و أبي بصير ليس فيهما اشتراك يضعّف كما ظنّ،بل أبان هنا هو ابن عثمان؛ لأنّه الغالب المنصرف إليه الإطلاق،مع التصريح به فيما يأتي من الطرق المنقولة عن رجال الكشي و بصائر الدرجات،و أبو بصير ثقة على الإطلاق،وفاقاً لجماعة من المحققين (3)،كما حقّق في محله،مع أنّ قبلهما في الكافي ابن أبي نصر المجمع على تصحيح ما يصح عنه و عن أبان الذي فيه،فلا ريب في اعتبار سند الخبر و قوّته،سيّما و أن روي في بصائر الدرجات و رجال الكشي إلى أبان بطرق أُخر (4).

و في الموثق:« لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل و فيهم ولد الزنا لجلدتهم جميعاً،لأنّه لا تجوز شهادته،و لا يؤمّ الناس» (5).

و في المروي في تفسير العياشي:« ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز شهادته و لا يؤمّ بالناس،لم يحمله نوح(عليه السّلام)في السفينة،و قد حمل فيها الكلب و الخنزير» (6).

و المراد ب« لا ينبغي» فيه التحريم بدلالة الأخبار السابقة،مع أنّ حمله

ص:317


1- الكافي 7:4/395،التهذيب 6:610/244،الوسائل 27:374 كتاب الشهادات ب 31 ح 1.
2- رجال الطوسي:416.
3- منهم القهبائي في مجمع الرجال 5:149،و الوحيد البهبهاني في تعليقاته على منهج المقال:384،و أبو علي الحائري في منتهى المقال 7:121.
4- بصائر الدرجات:3/9،رجال الكشي 2:370/469.
5- الكافي 7:8/396،التهذيب 6:614/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 4.
6- تفسير العياشي 2:28/148،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 31 ح 9.

على الكراهة يوجب شذوذ الرواية؛ إذ لا قائل بإطلاقها و إن قوّاه في المبسوط؛ لعدم معلومية كون التقوية مذهباً له،سيّما و أن قال بعدها:لكن أخبار أصحابنا يدلّ على أنّه لا تقبل شهادته (1).و فيه إشعار ما بكون الأخبار المزبورة مجمعاً عليها بيننا،فتأمّل جدّاً.

و أمّا المروي عن قرب الإسناد:عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال:« نعم،تجوز شهادته و لا يؤمّ» (2)فقد حمله لضعف سنده بعض الأصحاب على التقية (3).

و هو قريب؛ لأنّ الجواز مذهب أكثر العامّة كما في المسالك (4)و يستفاد من غيره.

مع أنّ هذا الخبر مرويّ عن كتاب علي بن جعفر صحيحاً بدل:

« نعم،تجوز شهادته»:« لا تجوز شهادته» (5).

و مع ذلك قاصر عن معارضة الأخبار السابقة من وجوه عديدة،و منها كونه على إطلاقه شاذّاً،كما عرفته في الرواية السابقة.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و ابن حمزة (6):إنّه تقبل شهادته في الشيء الدون اليسير و به وردت رواية عن شهادة

ص:318


1- المبسوط 8:288.
2- قرب الإسناد:1171/298 و فيه:لا تجوز..،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 7.
3- الوسائل 27:377.
4- المسالك 2:409.
5- مسائل علي بن جعفر:391/191،الوسائل 27:377 كتاب الشهادات ب 31 ح 8.
6- النهاية:326،الوسيلة:231.

ولد الزنا،فقال:« لا تجوز إلّا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً» (1).

و هي مع كونها نادرة على الظاهر،المصرّح به هنا و في الشرائع (2)؛ لرجوع الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها عنها في الخلاف (3)إلى القول بالمنع مطلقاً،كما عليه أصحابنا لا تعارض الأخبار السابقة،لما هي عليه من الكثرة و الاستفاضة،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة كما صرّح بها جماعة حدّ الاستفاضة،بل الإجماع كما عرفته من المرتضى، و به تشعر العبارة كعبارة المبسوط المتقدمة.

و مع ذلك معتضدة بأدلة أُخرى ذكرها جماعة كالمرتضى (4)،فقد استدل عليه زيادةً على الإجماع بالخبر الذي ورد أنّ ولد الزنا لا ينجب (5).

و أجاب عن ظواهر الآيات المقتضية لقبول شهادة ولد الزنا من جهة العموم إذا كان عدلاً،و أنّها لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ،فلا يتعدى إليه ذنب من خلق نطفته بأنّ اللّه سبحانه علم فيمن خلق من نطفة زنا ألّا يختار هو الخير و الصلاح،فإذا علمنا بدليل قاطع أنّه لا ينجب لم يلتفت إلى ما يظهره من الإيمان و العدالة؛ لأنّه يفيد ظنّ صدقه،و نحن قاطعون بخبث باطنه و قبح سريرته،فلا تقبل شهادته.

و أمّا ما في المسالك من أنّ استدلاله مبني على ثبوت الخبر بذلك، بل تواتره؛ لأنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده،و نحن و من قبلنا

ص:319


1- التهذيب 6:611/244،الوسائل 27:376 كتاب الشهادات ب 31 ح 5.
2- الشرائع 4:132.
3- الخلاف 6:309.
4- الانتصار:248.
5- انظر الفصول المهمّة 3:258 أبواب نوادر الكليات ب 1.

لا يمكننا إثباته بسند معتمد،فضلاً عن كونه متواتراً،و اعتذر عنه في المختلف بجواز كونه متواتراً في زمانه ثم انقطع،و لا يخفى ما فيه من التكلف و ظهور المنع (1).

ففيه نظر لا يخفى؛ لمنع أنّ غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده مطلقاً،بل الذي نفى حجيته إنّما هو الأخبار الآحاد التي لا توجب علماً، و لا ريب أنّها غير الأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية،فلعل الرواية كانت عنده من الآحاد المحفوفة بها،أو متواترة كما اعتذر له العلّامة.

و ليس فيه تكلّف كما ذكره؛ لتصريح السيد في قوله:فإذا علمنا بدليل قاطع،إلى آخره،بكون الرواية عنده قطعية،و إلّا فالآحاد على تقدير حجيتها عنده لا تفيد علماً بلا شبهة،فكيف يدّعيه؟فدعواه إيّاه يعرب عن قطعيتها عنده،و لا يحصل إلّا بالتواتر أو القرينة.

و معها لا يتوجه ردّه إلّا بعد علمنا بخطإ ما ذكره و ثبوت عدم التواتر، أو فساد القرينة،و هو غير حاصل لنا إلّا من حيث عدم تمكّننا من إثبات التواتر أو القرينة،و هو لا يوجب فساد ما ذكره جدّاً.

و كالإسكافي،فقد علّل المنع بورود الخبر أنّه شرّ الثلاثة،و عنى به إيّاه و الزانيين.قال:فإذا كنّا لا نقبل شهادتهما كان ردّ شهادة من هو شرّ منهما أولى (2).

و كالحلّي،فقد استدل عليه بالإجماع على كفره،فلا تقبل شهادته كغيره من الكفار (3).

ص:320


1- المسالك 2:409.
2- حكاه عنه في المختلف:718.
3- السرائر 2:122.

و هذان الدليلان و إن كانا لا يخلوان عن شيء،إلّا أنّهما للتأييد صالحان،هذا.

مع أنّ الرواية قاصرة السند عن الصحة و إن كانت حسنة كالصحيحة بأبان و فضالة اللذين أجمع على تصحيح ما يصح عنهما العصابة.

و مع ذلك الدلالة ضعيفة؛ لإجمال الدون فيها،لصدقه على كل شيء بالإضافة إلى ما فوقه؛ فإنّه من الأُمور المتضايفة.

و إلى ما ذكرنا يشير كلام الفاضل في المختلف حيث قال:فإنّ قبول شهادته في الشيء اليسير يعطي المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم، و لا يسير إلّا و هو كثير بالنسبة إلى ما دونه،فإذاً لا تقبل شهادته إلّا في أقل الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه؛ إذ لا دون له،و مثله لا يملك (1).انتهى.فتأمّل جدّاً.

ثم إنّ المنع يختص بمن علم كونه ولد الزنا،أمّا من جهل فتقبل شهادته بعد استجماعه الشرائط الأُخر من العدالة و غيرها و إن نسب إلى الزنا ما لم يكن العلم بصدق النسبة حاصلاً،و به صرّح جماعة (2)من غير خلاف بينهم أجده.

و لعله للعمومات،و اختصاص الأخبار المانعة بالصورة الأُولى دون الثانية؛ لكونها من الأفراد الغير المتبادرة،فلا ينصرف إليها الإطلاق كما مرّ غير مرّة.

و يحتمل العدم في صورة النسبة؛ عملاً بالإطلاق من باب المقدمة.

ص:321


1- المختلف:719.
2- منهم المحقق في الشرائع 4:132 و العلّامة في التحرير 2:210 و الشهيد في الدروس 2:127 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:380.

و يلحق بهذا الباب مسائل

الأولى التبرّع بالأداء

و يلحق بهذا الباب مسائل ثلاث:

الاُولى: التبرّع بالأداء أي أداء الشهادة قبل الاستنطاق و طلب الحاكم إيّاه من الشاهد يمنع القبول منه مطلقاً،سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الكفاية (1)،و يظهر من المسالك و غيره (2)،و احتمله إجماعاً بعض الأجلة (3)،قالوا: لتطرّق التهمة بذلك،فيدخل في عموم الأدلّة الدالة على كونها مانعة عن قبول الشهادة.

و للنبوي في معرض الذمّ:« ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» (4)و في لفظ آخر:« ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد» (5).

و فيهما لولا فتوى الأصحاب نظر،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره بعض من تأخر،حيث قال بعد نقلهما معترضاً:و أنت خبير أنّ التهمة غير ظاهرة،خصوصاً إذا كان جاهلاً،فإنّا نجد كثيراً من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات الشهود،بل قد يكون إلى عدمه أميل لغرضٍ،مثل فقر المشهود عليه،أو مصاحبته،أو عداوة المشهود له؛ اعتقاداً لوجوب الشهادة و تحريم كتمانها،كيف؟!و العدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه و الوعيد في الكتاب و السنّة و تحريمه بإجماع المسلمين.

و الرواية المذكورة ما نعرف سندها،فضلاً عن صحتها و معارضتها بمثلها،

ص:322


1- الكفاية:282.
2- المسالك 2:408؛ و انظر كشف اللثام 2:376.
3- مجمع الفائدة 12:400.
4- مسند أحمد 4:426.
5- عوالي اللئلئ 1:53/123،المستدرك 17:448 كتاب الشهادات ب 46 ح 8.

و الظاهر أنّها عامية.

و بالجملة:ردّ شهادة العدل بمجرد ذلك مع وجوب قبول العدل و عدم ردّه بالكتاب و السنّة و الإجماع مشكل،إلّا أن يكون إجماعياً (1).

انتهى.

و هو جيّد متين،إلّا أنّ دعواه أوّلاً عدم ظهور التهمة مطلقاً مشكل جدّاً؛ لوضوحها مع التبرّع غالباً،و إن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة الجهل و غيرها،و لذا أطبق الأصحاب على عدّه تهمة،و لعلّ مرادهم الغالب دون ما فرض من الصورة النادرة،كيف لا؟!و لو كان مرادهم عدّه تهمةً مطلقاً لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدّاً،فهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل المنع ما أوجب التبرّع فيه التهمة كما هو الغالب دون غيره،و إنّما أطلقوا من دون تقييد اتكالاً منهم إلى فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.

و على هذا فلعلّه لا بأس عندهم بقبول شهادة المتبرّع في الفرد النادر الذي لا يكون فيه تهمة،و لا ينافي ذلك استدلال بعضهم للمنع زيادةً على التعليل المتقدم بالنبوية،بعد قوّة احتمال ورودها مورد الغالب،و هو ما يحصل فيه التهمة كما عرفته،فهي و إن ضعف سندها إلّا أنّها بالموافقة للنصوص المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة منجبرة.

و كيف كان،فالمنع مقطوع به في كلامهم إذا كان المشهود به من حقوق الآدميين،كما في نكت الإرشاد و غيره (2).

و هل يمنع التبرّع عن القبول في حقوق اللّه تعالى أم لا؟

ص:323


1- مجمع الفائدة 12:399.
2- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:267،كشف اللثام 2:376.

فيه قولان:أوّلهما للشيخ في النهاية كما في التنقيح (1)،و ثانيهما له في المبسوط كما فيه (2)،و هو المشهور على الظاهر،المصرّح به في كلام الصيمري،بل لعلّه عليه عامة المتأخرين حتى الماتن هنا و في الشرائع، و الفاضل في الإرشاد (3)،لكن على تردّد منهما و إشكال.

قيل:ينشئان:من أنّ التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الموضعين فيمنع من القبول فيهما؛ لتساويهما في العلّة.و من أنّها في حقوق اللّه تعالى و المصالح العامّة لا مدّعي لها،فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع لأدّى ذلك إلى سقوطها (4).

و في هذا نظر؛ إذ ليس فيه ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة بعد حصولها كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصّة،و مجرّد عدم المدّعى لحقوق اللّه تعالى لا يرفع التهمة،و لا يفيد التقييد المزبور؛ إذ لا دليل على إفادته له من إجماع أو رواية،و أداء عدم القبول فيها إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلاً،و لا محذور في سقوطها مع عدم قبولها،بل هو مطلوب؛ لبناء حقوق اللّه تعالى على التخفيف اتفاقاً فتوًى و نصاً.

و لو سلّم فإنّما يؤدّي إلى السقوط لو ردّ مطلقاً،سواء كان في مجلس التبرّع أو غيره،أمّا لو خصّ الردّ بالأوّل كما هو رأي بعض في حقوق الآدميين (5)فلا يؤدّي إلى السقوط؛ لإمكان قبوله لو أُدّي في

ص:324


1- التنقيح الرائع 4:305.
2- التنقيح الرائع 4:305.
3- الشرائع 4:131،الإرشاد 2:158.
4- قاله في التنقيح الرائع 4:304.
5- المسالك 2:408.

مجلس آخر من غير تبرّع ثانياً،فهذا الدليل ضعيف جدّاً.

كالاستدلال على القبول هنا بالنبوية الأُخرى:« خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها» (1)إذ هي بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على القبول هنا خاصّة،بل هي عامّة لما سبق من حقوق الآدميين أيضاً، و لم يقل به أحد كما مضى،و تقييدها بالمقام فرع وجود دليل عليه أو قرينة،و ليسا،فتأمّل جدّاً .

و أضعف منهما ما ذكره الصيمري بعد مصيره إلى القبول من أنّ العدالة تدفع التهمة (2)و ذلك لمنع دفعها لها،كيف لا؟!و قد أطبق هو و سائر الأصحاب على اجتماعها معها،و لذا عدّوا التهمة من موانع قبول الشهادة زيادةً على الفسق المقابل للعدالة،فلو أوجبت التهمة فسقاً لما كان لعدّهم إيّاها من الموانع في مقابلة الفسق وجه أصلاً.

و لو سلّم الدفع فهو جار في حقوق الآدميين أيضاً،فلمَ أطبق هو و باقي الأصحاب على المنع فيها معلّلين بالتهمة؟!مع أنّها غير مجتمعة مع العدالة كما ذكره.

و بما ذكرنا يظهر قوّة القول الأوّل،إلّا أنّ ندرة القائل به،بل و عدمه، لرجوع الشيخ عنه في المبسوط إلى خلافه،و اشتهاره بين المتأخرين أوجب التردّد فيه،و يمكن أن يكون هذا وجهاً للتردّد من الفاضلين،لا ما مرّ،فتأمّل .

و اعلم أنّ التبرّع بالشهادة في محل المنع ليس جرحاً حتى لا تقبل شهادته في غير تلك الواقعة؛ لأنّه ليس معصية فتسمع شهادته في غيرها؛

ص:325


1- مسند أحمد 4:117.
2- غاية المرام 4:284.

للأصل و العمومات مع عدم ظهور خلاف فيه بين الأصحاب،بل ظاهر المسالك (1)إجماعهم عليه.

و لو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها ففي قبولها وجهان:من بقاء التهمة في الواقعة،و من اجتماع الشرائط في الشهادة الثانية،و الأول أجود،وفاقاً لجماعة (2)،خلافاً لشيخنا في المسالك (3)فاستجود الثاني.

الثانية الأصمّ تقبل شهادته فيما لا يفتقر إلى السماع

الثانية: الأصمّ المؤوف السمع تقبل شهادته فيما لا يفتقر العلم به إلى السماع و فيما يفتقر إليه أيضاً إذا سمع ثم اعتل و أُثبت، بلا خلاف فيه في الجملة؛ للأصل و العمومات،و خصوص ما سيأتي من بعض الروايات مع سلامتها عن المعارض.

و الصمم ليس له قابلية المانعية حيثما يأتي معه الشروط المعتبرة في سماع الشهادة التي منها العلم بالمشهود به،كما سيأتي إليه الإشارة.

و في رواية جميل الضعيفة بسهل و درست قال:سألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن شهادة الأصمّ في القتل،قال:« يؤخذ بأوّل قوله و لا يؤخذ بثانيه» (4).

و بها أفتى الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة (5)،و نسبها في

ص:326


1- المسالك 2:408.
2- منهم ابن فهد في المهذب البارع 4:534 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:376.
3- المسالك 2:408.
4- الكافي 7:3/400،التهذيب 6:664/255،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 3.
5- النهاية:327،المهذّب 2:556،الوسيلة:230.

الدروس إلى الشيخ و أتباعه كافّة،قال:و لم يقيّدوا بالقتل،و الأكثر على إطلاق قبول شهادته،و هو الأصح،و في طريق الرواية سهل بن زياد و هو مجروح (1).انتهى.

أقول:ما اختاره هو و الماتن هنا و في الشرائع مختار الأكثر (2)كما ذكره،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (3)،و عليه عامة المتأخرين،وفاقاً منهم للحلبي و الحلّي (4).

و وجه إعراضهم عنها مع دلالتها على قبول شهادته في الجملة يظهر مما ذكره الفاضل المقداد في شرح الكتاب،حيث قال بعد تضعيف سنده:

مع أنّ (5)العمل بها محل بحث،و هو أنّ القول الثاني إن كان منافياً للأوّل فهو رجوع فيردّ،و إن كان غير مناف فإمّا أن يكون مدلوله مدلول الأوّل فهو إذن تأكيد غير مردود،أو لا يكون فهو كلام مستقل لا تعلّق له بالأوّل (6).

و قريب منه كلام الفاضل في المختلف،إلّا أنّه قال بعد تضعيف السند:و أيضاً القول بالموجب،فإنّ الثاني إن كان منافياً (7)،إلى آخر ما مرّ.

و فيه نظر؛ فإنّ ردّ القول الثاني على تقدير استقلاله و عدم منافاته للأوّل و عدم ارتباطه به مناف لما اختاره من قبول شهادته على الإطلاق،

ص:327


1- الدروس 2:134.
2- الشرائع 4:132.
3- غاية المرام 4:287.
4- حكاه عن الحلبي في المختلف:719،و انظر الكافي في الفقه:436،السرائر 2:123.
5- في النسخ زيادة:في،حذفناها لاستقامة المعنى.
6- التنقيح الرائع 4:306.
7- المختلف:719.

فكيف يجتمع مختاره مع القول بموجب الرواية في هذه الصورة،و لعلّه لهذا تنظّر في كلامه فيها في المسالك،فقال بعد نقله:و في هذا القسم الأخير نظر (1).

أقول:بل و لعلّ في القسم الأوّل و هو صورة منافاة الثاني للأوّل أيضاً نظر؛ لأنّه إن كان المردود هو الشهادة الأُولى لم يكن قولاً بموجبها؛ لتصريحها بردّ الشهادة الثانية و قبول الأُولى خاصّة،عكس ما ذكره،و إن كان هو الشهادة الثانية فلا يتّجه ردّها على الإطلاق،بل يختص بما إذا كانت بعد حكم الحاكم بشهادة الأُولى،و إلّا فلو كانت قبله ردّت الاُولى، كما ذكروه في مسألة رجوع الشاهد عما شهد به و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و ممّا ذكر ظهر أنّ تعبير الفاضل المقداد و إسقاطه ما ذكره من القول بالموجب أجود.

و حيث قد عرفت ما في العمل بها من المخالفة للأُصول و الفرق بينهما و بين القول المشهور ظهر لك ما في كلام بعض الفحول حيث قال بعد تضعيفها:بل لا محصّل لها و للقول بها،فتأمّل (2)انتهى.

فكيف لا محصّل لها؟و قد عرفت ما فيها،و لعله لهذا أمر بالتأمّل أخيراً.

و كيف كان،فينبغي القطع بطرحها؛ لما هي عليه زيادةً على ما مضى من الندرة،كما صرّح به الماتن في الشرائع (3)،مشعراً بمخالفتها الإجماع،فتقبل شهادة الأصمّ فيما مرّ مطلقاً.

ص:328


1- المسالك 2:410.
2- مجمع الفائدة 12:452.
3- الشرائع 4:132.

و كذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر العلم به إلى الرؤية و تحصل بالسماع وحده،بلا خلاف بيننا أجده،بل عليه في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر الغنية (1)إجماع الإمامية،و هو الحجّة؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسألة السابقة،و خصوص الخبرين:عن الأعمى تجوز شهادته؟ قال:« نعم إذا أثبت» (2).

و في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن مولانا صاحب الزمان(عليه السّلام):إنّه كتب إليه يسأله عن الضرير إذا شهد في حال صحّته على شهادة،ثم كفّ بصره و لا يرى خطّه فيعرفه،هل تجوز شهادته أم لا؟و إن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟فأجاب(عليه السّلام):« إذا حفظ الشهادة و حفظ الوقت جازت شهادته» (3).

و هو صريح في قبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضاً إذا حصل له العلم بالمشهود به،و كان مثبتاً له إلى حين الأداء،و به صرّح جماعة (4)، و يعضده إطلاق الخبرين و عموم الأدلة.

و يمكن أن ينزل عليه العبارة و نحوها مما خصّ القبول فيه بما لا يفتقر إلى الرؤية،بحملها على الشهادة التي يتحملها حال العمى،و يقرّبه عموم أدلتهم فيما لا يفتقر إلى الرؤية لهذه الصورة.

ص:329


1- الانتصار:249،الخلاف 6:267،الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الكافي 7:1/400،2،التهذيب 6:662/254،663،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 1،2.
3- الاحتجاج:490،الوسائل 27:400 كتاب الشهادات ب 42 ح 4.
4- منهم المحقق في الشرائع 4:135،و الشهيد الثاني في المسالك 2:412،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:381.

و نحوه الكلام في قبول شهادة الأصمّ فيما يفتقر إلى السماع إذا سمعه ثم اعتل و أثبته،فتقبل حينئذ،كما تقدم إليه الإشارة.

الثالثة لا تقبل شهادة النساء في الهلال و الطلاق

الثالثة : اعلم أنّ الأصل في الشهادة رجلان بحكم الاستقراء و الأصل في الجملة،و ظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين و ذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم.

و حينئذ فلا تقبل الواحد مطلقاً،إلّا ما قيل في هلال رمضان (1)؛ للخبر،بل الصحيح (2).

و هو شاذّ ضعيف،و مستنده مع احتمال قصور سنده و اختلاف متنه غير دالّ،معارض بالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3)،و مع ذلك قد ادّعي في صريح الغنية و الإيضاح،و ظاهر شرح الشرائع للصيمري (4)على خلافه الإجماع.

و لا تقبل شهادة النساء في الهلال و الطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات،و كذا إذا انضمّوا إليهنّ على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تقدم و تأخّر.

عدا العماني،فقال:شهادة النساء مع الرجال جائزة في كل شيء إذا كنّ ثقات (5).

ص:330


1- المراسم:233،و انظر الإرشاد 2:160.
2- الفقيه 2:337/77،التهذيب 4:440/158،الإستبصار 2:207/64،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.
3- الوسائل 10:286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624،إيضاح الفوائد 4:431،غاية المرام 4:294.
5- حكاه عنه في المختلف:712.

و هو شاذّ،بل على خلافه في الغنية الإجماع (1).

و الشيخ في المبسوط و الإسكافي (2)،فقالا بالقبول في الطلاق، و يظهر من الثاني إجماعنا عليه،و حكاه عن عمر بن الخطاب.

و كفاه هذا ردّاً،مع دعوى الإجماع على خلافه في الغنية صريحاً و في الدروس (3)ظاهراً،و هو الحجة هنا و سابقاً،مضافاً إلى الأصل المتقدم، و النصوص المستفيضة جدّاً.

ففي الصحيح:« لا تجوز شهادة النساء في الهلال و الطلاق» (4).

و نحوه آخر بدون ذكر الطلاق (5).

و في آخرين:« لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال و لا تقبل في الهلال إلّا رجلان عدلان» (6).

و زيد في أحدهما:« و لا في الطلاق».

و في خامس:« شهادة النساء تجوز في النكاح و لا تجوز في الطلاق» (7).

ص:331


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- المبسوط 8:172،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:712.
3- الدروس 2:137.
4- الكافي 7:6/391،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 8.
5- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
6- الأول في:التهذيب 6:724/269،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 17. الثاني في:الاستبصار 3:96/30،الوسائل 27:356 كتاب الشهادات ب 24 ذيل الحديث 17.
7- التهذيب 6:713/267،الإستبصار 3:84/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 25.

و نحوه سادس:عن شهادة النساء في النكاح،فقال:« تجوز،و كان عليّ(عليه السّلام)يقول:لا أُجيزها في الطلاق» (1)الحديث.

و نحوهما سابع:« لا تجوز شهادتهن في الطلاق و لا في الدم،و تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل» (2).

و الموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار،و لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين» (3).

و القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه:« تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه،و تجوز شهادتهن في النكاح،و لا تجوز في الطلاق و لا في الدم» (4)الحديث.

و الخبران:في أحدهما:« تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه،و تجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل،و لا تجوز في الطلاق و لا في الدم» الحديث (5).

و في الثاني:عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟قال:« نعم،

ص:332


1- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.
2- الكافي 7:5/391،الفقيه 3:94/31،التهذيب 6:705/264،الإستبصار 3:73/23،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 7؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 6:774/281،الإستبصار 3:81/26،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 35.
4- الكافي 7:11/392،التهذيب 6:707/265،الإستبصار 3:75/24،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 5.
5- الكافي 7:4/391،التهذيب 6:704/264،الإستبصار 3:72/23،الوسائل 27:351 أبواب الشهادات ب 24 ح 4.

و لا تجوز في الطلاق» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا معارض لها في المقامين لا عموماً و لا خصوصاً،عدا ما عن المبسوط من أنّه روي قبول شهادتهن في الطلاق مع الرجال.

و هو مع إرساله،و عدم معارضته لما مرّ من الأدلة نادر،و لم يحكه عن المبسوط إلّا في الكفاية (2).

و بالجملة:فالخلاف فيهما ضعيف غايته،و المصير إلى مقتضاها متعين.

و ظاهر إطلاق العبارة و غيرها مما أُطلق فيه المنع عن القبول في الطلاق انسحاب المنع فيه في جميع أنواعه التي منها الخلع و المباراة و الطلاق بعوض،و هو المشهور كما في المسالك (3)،و شرح الشرائع للصيمري و غيرهما (4)؛ لإطلاق ما مرّ من النصوص،بناءً على كون الخلع و ما بعده من أفراد الطلاق و في معناه،كما صرّح به الفاضل في المختلف (5).

و ظاهره عدم القائل بالفرق بينه و بين غيره من أنواع الطلاق،فكلّ من قال فيه بالمنع كالمفيد،و الصدوقين،و الشيخ في النهاية و الخلاف،

ص:333


1- الكافي 7:9/391،التهذيب 6:706/265،الإستبصار 3:74/24،الوسائل 27:354 أبواب الشهادات ب 24 ح 11.
2- الكفاية:285،و هو في المبسوط 8:172.
3- المسالك 2:413.
4- غاية المرام 4:294،مجمع الفائدة 12:423،الكفاية:285.
5- المختلف:714.

و الديلمي،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الحلّي (1)،و غيرهم (2)قال به مطلقاً،و من قال بالقبول كالشيخ في المبسوط،و الإسكافي،و العماني قال به كذلك (3).

و اختار في المسالك (4)قولاً بالتفصيل بين ما لو كان مدّعيه المرأة فكالطلاق لا تقبل فيه،أو الرجل فتقبل؛ لتضمنه دعوى المال.

و حكى فيه و في غيره القبول فيه مطلقاً (5)من جهة تضمنه المال، و هو مستلزم للبينونة،فتثبت أيضاً لذلك.

و مبنى هذين القولين على ما تقرر عندهم و سيظهر من قبول شهادتهن فيما يتضمن مالاً أو يكون المقصود منه المال،و أنكره بعض الأصحاب (6)، و لعلّه لعدم الدليل على الكلية في النصوص؛ و لعدم تبادر نحو المقام من الدين المحكوم فيها بجواز شهادتهنّ مع الرجال فيه،و الإجماع مفقود في محل النزاع.

و في الأخير نظر يظهر وجهه مما قدمناه في بحث الشاهد و اليمين في كتاب القضاء،فالأولى في الجواب تخصيص الكلية على تقدير ثبوتها بما

ص:334


1- المفيد في المقنعة:727،الصدوق في المقنع:135،و حكاه عن والده في المختلف:714،النهاية:332،الخلاف 6:252،الديلمي في المراسم:233،الحلبي في الكافي:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:222،الحلّي في السرائر 2:115.
2- الكفاية:284.
3- المبسوط 8:172 و حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:714.
4- المسالك 2:413.
5- المفاتيح 3:291.
6- انظر كشف اللثام 2:378.

مرّ من إطلاق النصوص و الإجماع البسيط المنقول في الغنية (1)،و المركب الظاهر من المختلف (2)،كما عرفته.

مضافاً إلى الأصل،و الشهرة العظيمة الجابرة لضعف دلالة النصوص المزبورة،من حيث عدم تبادر نحو الخلع من الطلاق المطلق فيها أيضاً؛ لكونه من الأفراد النادرة له.

ثم إنّ مقتضى الصحيحة الخامسة و ما بعدها جملةً بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح،و هو خيرة العماني، و الإسكافي،و الصدوقين،و الحلبي،و الشيخ في المبسوط و التهذيبين، و ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و الفاضلين في الشرائع و الإرشاد و القواعد،و ولده في الشرح،و الشهيد في الدروس (3)،و غيرهم من المتأخرين (4)،و بالجملة:الأكثرون على الظاهر،المصرَّح به في المسالك (5)،و هو الأظهر.

خلافاً للخلاف،و المفيد،و الديلمي،و ابن حمزة،و الحلّي (6)،و هو

ص:335


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- المختلف:714.
3- حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:712،الصدوق في المقنع:135،و حكاه عن والده في المختلف:713،الحلبي في الكافي:436،المبسوط 8:172،التهذيب 6:280،الاستبصار 3:25،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):624،الشرائع 4:136،الإرشاد 2:159،القواعد 2:238،إيضاح الفوائد 4:432،الدروس 2:137.
4- انظر المسالك 2:413،و الكفاية:285.
5- المسالك 2:413.
6- الخلاف 6:252،المقنعة:727،المراسم:233،الوسيلة:222،السرائر 2:115.

ظاهر التحرير و لكن احتمل الأوّل ثانياً (1)،و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور (2).و فيه ما فيه.

و مستندهم الخبر:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق،و لا نكاح، و لا في حدود،إلّا في الديون،و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه (3).

و هو مع ضعف سنده بالسكوني و عدّة من الجهلاء غير مكافئ لما تقدم من الأدلة لوجوه شتى لا تخفى،و حمله الشيخ تارةً على الكراهة، و أُخرى على التقية،قال:لأنّ ذلك مذهب العامة (4).

أقول:و يعضده كون الراوي:السكوني،و هو من قضاتهم.

و مع جميع ذلك فهو مطلق يحتمل التقييد بصورة الانفراد عن الرجال،كما ذكره جماعة من الأصحاب (5).

و لا ينافيه الاستثناء للديون المثبت لقبول شهادتهنّ فيها مع أنّه لا يكون ذلك مع انفرادهن عن الرجال كما سيأتي؛ لمنع عدم قبول شهادتهنّ فيها على الانفراد عنهم مطلقاً؛ لما يأتي من قبولها مع اليمين، فلعله المراد من القبول في صورة الاستثناء.

و مع ذلك يحتمل حمله على ما حمل عليه بعض النصوص الدالّة على قبول شهادتهن مع الانفراد عن الرجال في الديون،كالصحيح:« إنّ

ص:336


1- التحرير 2:212.
2- غاية المرام 4:295.
3- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.
4- التهذيب 6:281.
5- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:413،و السبزواري في الكفاية:285،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:379.

رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء في الدين و ليس معهن رجل» (1)من دين من جهة الوصية،أو ميراث المستهل.

أو صورة ما إذا حصل العلم بقولهن،كما ذكره خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المحكية عنه على الصحيحة،قال:

و إلّا فالمعمول عليه أنّه لا تقبل شهادة النساء منفردات إلّا فيما يعسر اطلاع الرجال عليه،إلى آخر ما ذكره (2).

و أمّا الجمع بينهما بحمل رواية المنع على ما إذا كان المدّعى الزوج؛ لأنّه لا يدّعي مالاً،و أخبار القبول على ما إذا كان المدّعى المرأة؛ لأنّ دعواها تتضمن المال من المهر و النفقة،كما ذكره شيخنا في المسالك (3)و استوجهه.

فضعيف غايته؛ لعدم الشاهد عليه صريحاً،بل و لا ظاهراً كما في الكفاية (4)،و كونه فرع التكافؤ المفقود في الرواية المانعة لوجوه عديدة.

نعم لو صحّ البناء المتقدم للقول بالتفصيل في المسألة السابقة اتجه ما ذكره،و لكن فيه هنا نظير ما عرفته ثمّة،إلّا اعتضاد أخبار المشهور بالأصل؛ فإنّه على خلافها،بل معاضد للرواية المانعة،و لكنه غير نافع للقول بالتفصيل؛ إذ كما يعضده في شقّ ينافيه في آخر،فتدبّر.

و في قبولها أي شهادتهن في حصول الرضاع المحرّم تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

ص:337


1- الفقيه 3:100/32،التهذيب 6:734/271،الإستبصار 3:69/22،الوسائل 27:363 كتاب الشهادات ب 24 ح 43.
2- ملاذ الأخيار 10:134.
3- المسالك 2:413.
4- الكفاية:285.

فبين مانع عنه،كالشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط،و الحلّي، و نجيب الدين يحيى بن سعيد (1)،و في السرائر و التحرير و المسالك أنّه مذهب الأكثر (2)،و نسبه في موضع من المبسوط إلى روايات الأصحاب (3)، و في موضع آخر منه إليهم فقال:شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا (4).

مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في الخلاف (5)؛ لأصالة الإباحة مع عدم وضوح مخصّص لها من الأدلّة.

و بين من جعل أشبهه القبول كالمفيد،و العماني،و الإسكافي، و الديلمي،و ابن حمزة،و الشيخ في موضع آخر من المبسوط،و الفاضلين في كتبهما،و كذا الشهيدان،و فخر الإسلام،و الصيمري (6)،و غيرهم من سائر المتأخرين (7)،بل عليه عامّتهم؛ لأنّه أمر لا يطلع عليه الرجال غالباً، فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأُمور الخفية على الرجال من عيوب النساء و غيرها.

و للنصوص الكثيرة المتقدم جملة منها،و سيأتي الإشارة إلى باقيها-

ص:338


1- الخلاف 6:258،المبسوط 5:311،الجامع:543.
2- السرائر 2:115،التحرير 2:212،المسالك 2:414.
3- المبسوط 8:172.
4- المبسوط 5:311.
5- الخلاف 6:258.
6- المفيد في المقنعة:727،و حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:716،الديلمي في المراسم:233،ابن حمزة في الوسيلة:222،المبسوط 8:172،المحقق في الشرائع 4:137،العلّامة في التحرير 2:212،و القواعد 2:239،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 3:144،فخر الإسلام في الإيضاح 4:435،الصيمري في غاية المرام 4:296.
7- كشف الرموز 2:525،و المقتصر:391،و المفاتيح 3:291.

الدالة على قبول شهادتهن فيما لا يجوز للرجال النظر إليه.

و للمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه المروي في التهذيب في أواخر باب ما يحرم من النكاح من الرضاع:في امرأة أرضعت غلاماً و جارية،قال:« يعلم ذلك غيرها؟» قلت:لا،قال:

« لا تصدّق إن لم يكن غيرها» (1).

فإنّ مفهوم الشرط أنّها تصدّق حيث يعلم بذلك غيرها،و السند كما عرفت معتبر،و مع ذلك بالشهرة العظيمة المتأخرة (2)القطعية التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة منجبر،و المفهوم حجة،و هو عام شامل لما إذا كان الغير ذكراً أو أُنثى،و خروج بعض الأفراد منه بالإجماع و غيره غير قادح؛ لكون العام المخصّص في الباقي حجة.

هذا على تقدير عمومه لغةً،كما هو الأقوى،و حقق في محله مستقصى،و أمّا على تقدير إطلاقه المنصرف إليه بالدليل الذي به تصرف الإطلاقات إليه فلا قدح بذلك قطعاً و إن قلنا بأنّ العام المخصَّص ليس حجة؛ لوضوح اختلاف حال العموم و الإطلاق في ذلك جدّاً،فاندفع بما قررنا المناقشة الموردة على هذه المرسلة بحذافيرها.

و مع ذلك فالمسألة لا تخلو عن شوب الإشكال،لا لما مر من الأصل؛ لوجوب تخصيصه بما مرّ من الدليل،بل لما عرفت من الإجماع المحكي في صريح الخلاف و ظاهر المبسوط،و الرواية المحكية فيه المنجبر إرسالها بالإضافة إلينا بالشهرة المنقولة فيما مرّ من عبائر جملة من

ص:339


1- التهذيب 7:1330/323،الوسائل 20:401 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 12 ح 3.
2- في« س»:المعتبرة.

أصحابنا.

و إن أمكن المناقشة في جميع ذلك:فحكاية الإجماع بعدم صراحتها فيه في المبسوط،و معارضته بإجماع المرتضى الآتي،مع احتمال وهنه كالشهرة المنقولة بأكثريّة القائل بالقبول في قدماء الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم من القائل منهم بالمنع،سيّما و إذا ضممنا إليهم جملة منهم ممّن لم يتعرض لخصوص المسألة نفياً و لا إثباتاً،و لكن صرّح بقبول شهادتهن فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً و منه الرضاع قطعاً،و قد ادّعى بعضهم الإجماع عليه كابن زهرة،بل ادّعى الإجماع على قبول شهادتهن مع الرجال فيما عدا الطلاق و غيره مما عدّه قبل ذلك و لم يكن منه الرضاع،فقال:

و تقبل شهادتهن فيما عدا ما ذكرناه مع الرجال بدليل إجماع الطائفة (1).

فتأمّل .

مع أنّ المرتضى صرّح بالإجماع على القبول،فقال:الذي يقوله أصحابنا:إنّ شهادة النساء في الرضاع مقبولة على الانفراد،و في الولادة أيضاً إلى أن قال-:و الدليل على ذلك بعد الإجماع المتقدم ذكره ما روي (2).إلى آخر ما ذكره.

و الرواية المحكية في المبسوط لم نقف عليها،فهي كما عرفت مرسلة،و الشهرة المحكية على تقدير صحتها إنّما تجبر وهن السند بعد اتضاح الدلالة،و هي غير معلومة،فيحتمل الغفلة عنها للحاكي،أو بناؤه إيّاها على ما لم نرض به.

و لو سلّم جميع ذلك فهي معارضة بالروايات المتقدمة عموماً

ص:340


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):212.

و خصوصاً،يعني المرسلة الراجحة على هذه الرواية بالموافقة لتلك الأخبار العامة،و اعتبار سندها في نفسه،و اشتهارها بالشهرة العظيمة المتيقنة التي هي أقوى من الأكثرية المنقولة من وجوه عديدة،فإذاً القول بالقبول في غاية القوة.

و لا تقبل شهادتهن مطلقاً حتى مع الرجال في الحدود و حقوق اللّه سبحانه و لو كانت مالية كالخمس و الزكاة و النذر و الكفارة، بلا خلاف أجده إلّا في الزنا،فيثبت بشهادتهن في الجملة،كما سيأتي إليه الإشارة و بنفيه صرح في الغنية (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة:

ففي الصحيح:أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟فقال:« في القتل وحده،إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان يقول:لا يبطل دم امرئ مسلم» (2).

و في الخبرين:« لا تجوز شهادة النساء في الحدود،و لا في القود» (3).

و في ثالث:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق،و لا في نكاح،و لا في حدود،إلّا في الديون،و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه» (4).

و قصور سند الأكثر و التضمن لما لا يقول به أحد أو الأكثر مجبور

ص:341


1- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
2- الكافي 7:1/390،التهذيب 6:711/266،الإستبصار 3:82/26،الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 24 ح 1.
3- التهذيب 6:709/265،710،الإستبصار 3:77/24،78،الوسائل 27:358،359 كتاب الشهادات ب 24 ح 29،30.
4- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

بالعمل في محل البحث،لكنها مختصّة بالحدود،فلا تشمل باقي الحقوق، و لكن الأصل مع عدم الخلاف كافٍ في عدم القبول فيها،مع الاعتضاد بفحاوي النصوص الدالة على قبول شهادتهن فيما سيأتي من الأُمور الخاصّة؛ لظهورها في اختصاص القبول بها خاصّة.

نعم ربما دلّ استثناء الديون في الرواية الأخيرة و ما ضاهاها على القبول في حقوق اللّه سبحانه المالية؛ لصدق الديون عليها حقيقةً،إلّا أن يدّعى عدم تبادرها منها عند الإطلاق و التجرد عن القرينة،و لا يخلو عن مناقشة.

قال شيخنا في الروضة بعد ذكر الشهيد عدم القبول في الأمثلة الأربعة المتقدمة بياناً لحقوق اللّه تعالى المالية ما لفظه:و هذه الأربعة ألحقها المصنف بحقوق اللّه سبحانه و إن كان للآدمي فيها حظّ،بل هو المقصود منها؛ لعدم تعيين المستحق على الخصوص (1).انتهى.

و لعل ما ذكره من وجه الإلحاق راجع إلى ما قدمنا من عدم تبادر نحو هذه الديون التي لا مستحق لها على الخصوص من الديون المستثنى قبول شهادتهن فيها في تلك النصوص.

و تقبل شهادتهن مع الرجال في الرجم خاصّة،لكن على تفصيل يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى في الفصل الأوّل من كتاب الحدود، و عليه يحمل إطلاق بعض النصوص:« تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» (2)مع ما في سنده من الضعف و القصور.

ص:342


1- الروضة البهية 3:141.
2- التهذيب 6:727/270،الإستبصار 3:100/30،الوسائل 27:356 كتاب الشهادات ب 24 ح 21.

و تقبل شهادتهن في الجراح و القتل لكن لا منفردات،بل إذا كنّ مع الرجال منضمّات بأن يشهد رجل و امرأتان.

و لا خلاف في عدم القبول مع الانفراد إلّا من الحلبي؛ حيث قال بقبول شهادة امرأتين في نصف دية النفس و العضو و الجراح،و المرأة الواحدة في الربع (1).

و استغربه في المختلف (2)،و شذّذه في المسالك (3)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه،و لعلّه كذلك،فلا عبرة به و إن دلّ عليه الصحيح و غيره.

ففي الأوّل:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله،فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة» (4).

و في الثاني:عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبياً في بئر فمات،قال:« على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة» (5).

لمخالفتهما مع قصور سند الثاني الإجماع الظاهر و المحكي، و الأصل،و خصوص النصوص الآتية المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً، و المجوّزة له بشرط الانضمام إلى الرجل،و عموم النصوص المانعة عن قبول شهادتهن مطلقاً،إلّا في الديون مع الرجال،و المجوّزة له في خصوص ما لا يطّلع عليه الرجال خاصّة.

ص:343


1- الكافي في الفقه:439.
2- المختلف:714.
3- المسالك 2:414.
4- الفقيه 3:96/31،التهذيب 6:714/267،الإستبصار 3:85/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 26.
5- الفقيه 3:98/32،التهذيب 6:715/267،الإستبصار 3:86/27،الوسائل 27:359 كتاب الشهادات ب 24 ح 33.

و بالجملة:فهذا القول في غاية من الضعف.

و أمّا القبول مع انضمام الرجل الواحد إلى امرأتين فمتفق عليه في الظاهر فيما لو كان المشهود به لا توجب إلّا الدية كقتل الخطأ،و المأمومة، و الجائفة؛ عملاً بالأدلّة الآتية الدالّة على قبول شهادتهن مع الرجل فيما كان مالاً أو المقصود منه المال،مضافاً إلى إطلاق بعض النصوص الآتية الدالة على قبول شهادتهن في الدم بعد حمله على خصوص ما نحن فيه.

و أمّا فيما لا يوجب إلّا القصاص فمختلف فيه بين الأصحاب،فبين مانع عنه مطلقاً كالحلّي و الشيخ في الخلاف (1).و قائل به كالعماني،و الماتن في موضع من الشرائع،و الفاضل في موضع من الإرشاد و القواعد (2)، و احتمله في التحرير (3).

و نسب في المختلف و الإيضاح و النكت و المسالك إلى مقوّى المبسوط (4)،مع أنّ عبارته المحكية في المختلف صريحة في عدم القبول فإنّه قال بعد تعداد ما لا يثبت إلّا بشاهدين من نحو النكاح و الخلع و الطلاق و الجناية الموجبة للقود و غير ذلك ما لفظه:و قال بعضهم:تثبت جميع ذلك بشاهد و امرأتين.و هو الأقوى إلّا القصاص (5).انتهى.

و هو كما ترى صريح فيما ذكرنا ،فهو غريب.

ص:344


1- السرائر 2:138،الخلاف 6:252.
2- حكاه عن العماني في المختلف:714،الشرائع 4:136،الإرشاد 2:159،القواعد 2:238.
3- التحرير 2:212.
4- المختلف:714،الإيضاح 4:434،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:271،المسالك 2:413.
5- المختلف:712،و هو في المبسوط 8:172.

و أغرب منه نسبة المسالك هذا القول إلى كثير من الأصحاب (1)،مع أنّي لم أقف على قائل به عدا من ذكرته.

و مع ذلك الفاضلان و إن أطلقا القبول في القتل في كتبهم المذكورة في هذا الكتاب،إلّا أنّهما رجعا عنه فيها في كتاب القصاص (2)و باقي كتبهما، كهذا الكتاب،فإنّه و إن قال أوّلاً:تقبل شهادتهن مع الرجال في الجراح و القتل بقول مطلق و لكن قيّده و بيّنه بأنّه تجب بشهادتهن الدية لا القود.

و نحوه الفاضل في المختلف،فإنّه بعد ترجيحه لهذا القول،و ذكره أدلّة المانعين و بعض الأجوبة عنها قال مجيباً أيضاً:أو نقول بالموجب، فإنّا لا نثبت القود بشهادتهن،بل نوجب الدية (3).

و كذا في التحرير؛ حيث جعل الجناية الموجبة للقود من جملة ما لا يثبت إلّا بشاهدين،و جعل قتل الخطأ،و كل جرح لا يوجب إلّا المال كالمأمومة و الجائفة،و كل عمد لا يوجب القصاص،كقتل السيد العبد، و المسلم الكافر،و الأب ولده،من جملة ما يثبت بهما و بشاهد و امرأتين (4).

و نحوهما في تقييد المنع عن القبول بالقود دون الدية عبائر باقي الأصحاب الذين وقفت على كلامهم في المسألة كالإسكافي،و الشيخ في المبسوط و الخلاف و النهاية،و القاضي،و الحلبي،و ابن حمزة،

ص:345


1- المسالك 2:414.
2- المحقق في الشرائع 4:218،و العلّامة في الإرشاد 2:215،و القواعد 2:293،و التحرير 2:250،و التبصرة:206.
3- المختلف:714.
4- التحرير 2:212.

و فخر الدين،و الشهيد في الدروس و اللمعة (1)،و غيرهم من متأخري الأصحاب (2).

بل ظاهر الصيمري عدم الخلاف فيه إلّا من الفاضلين في كتبهما المتقدمة التي قالا فيها بالقبول على الإطلاق،فإنّه قال بعد نسبة ذلك إليهما فيها ما لفظه:و ظاهر التحرير عدم الثبوت بغير الشاهدين،و هو المشهور بين الأصحاب،فضبطوا ذلك بما كان من حقوق اللّه تعالى،أو حقوق الآدميين و ليس مالاً و لا المقصود منه المال،فإنّه لا يثبت إلّا بشهادة الرجال دون النساء (3).

و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه و أنّه لا مخالف فيه من القدماء، و نحوه عبارة المختلف المتقدمة،فأين الكثير الذين ذكر مصيرهم إلى القبول في القود؟!و لكن شيخنا أعرف بما ذكره.

و بالجملة:التحقيق أنّ في المقام دعويين:

إحداهما القبول في القود،و الأظهر الأشهر العدم،بل في ظاهر عبارة الإسكافي المحكية في المختلف (4)إجماعنا عليه،و نسب الماتن القبول فيه في كتاب القصاص إلى الشذوذ مشعراً كسابقه بدعوى الإجماع عليه؛ للأصل المتقدم،و النصوص المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة في

ص:346


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،المبسوط 8:172،الخلاف 6:252،النهاية:333،المهذّب 2:558،الكافي في الفقه:436،الوسيلة:222،إيضاح الفوائد 4:434،الدروس 2:137،اللمعة(الروضة البهية 3):142.
2- انظر الروضة 3:142،و الكفاية:285.
3- غاية المرام 4:295.
4- المختلف:712.

الأبحاث السابقة،و فيها الصحيح و غيره من المعتبرة،و في الصحيح (1):

« لا تجوز شهادة النساء في القتل» (2).

خلافاً لمن مرّ؛ لما مرّ من الصحيح المتضمن لعدم جواز شهادتهن في الحدود إلّا في القتل وحده (3).

و الصحيح:« تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال» (4).

و الخبر الضعيف بمفضل بن صالح:تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟قال:« نعم» (5).

و لا يخفى عليك عدم مقاومة هذه النصوص لمقابلتها؛ لوجوه شتى، مع ضعف بعضها،و ندرة القائل بالحصر المستفاد من الصحيحة الأُولى منها،بل و عدمه،مع متروكية ظاهر إطلاق القبول فيها لشهادة النساء الشامل لما إذا كنّ منفردات،مع ما عرفت من ندرة القائل بها جملة في المسألة، إذ ليس إلّا العماني؛ لرجوع الفاضلين عنها فيما عرفت من كتبهما،فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما تؤول به إلى الأخبار الأوّلة بحملها على القبول في الدية خاصّة دون القود،كما فعله الشيخ و جماعة.

و أمّا الجمع بينهما بحمل المانعة على صورة الانفراد و هذه على

ص:347


1- في« س»:الصحيح،و الصحيح الآخر المشار إليه في التهذيب 6:708/265،الإستبصار 3:76/24،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 28.
2- التهذيب 6:716/267،الإستبصار 3:87/27،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 27.
3- راجع ص 340.
4- التهذيب 6:713/267،الإستبصار 3:84/27،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 25.
5- التهذيب 6:712/266،الإستبصار 3:83/27،الوسائل 27:359 كتاب الشهادات ب 24 ح 32.

صورة الاجتماع مع الرجل ليصحّ القول بالقبول في القود فهو فرع التكافؤ المفقود في هذه؛ لرجحان المانعة عليها من وجوه شتى كما مضى،مضافاً إلى منافاته لظاهر سياق جملة منها بل صريحها؛ لتصريحها بقبول شهادتهن مع الرجل في النكاح و منعها بعد ذلك عنه في الطلاق و الدم مطلقاً،هذا.

و يختلج بالبال عدم معارضة هذه الأخبار لما قابلها بعد ضمّ مطلقها إلى مقيّدها أصلاً؛ إذ ليس في المقيد إلّا اعتبار شهادتهن مع الرجال بصيغة الجمع،و لا ريب فيه،و ليس فيها اعتبارها مع الرجل الواحد كما هو محل بحثنا،فتأمّل جدّاً .

و ثانيهما:القبول في الدية،و هو مذهب الماتن هنا،تبعاً للشيخ في النهاية (1)و جماعة كالإسكافي،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الفاضل في المختلف،و ولده في الإيضاح (2).

و حجتهم غير واضحة،عدا ما في المسالك (3)و غيره (4)من أنّها الجمع المتقدم إليه الإشارة،و لا شاهد عليه و لا أمارة،مع قصور الأخيرة عن المقاومة لما قابلها من الأخبار المانعة من وجوه عديدة،و الجمع فرع التكافؤ بلا شبهة،فالأصح عدم القبول أيضاً في الدية،وفاقاً لمن قدّمت ذكره،و هو ظاهر كل من جعل القود مما لا تقبل فيه شهادة النسوة بالمرّة مع عدم ذكره القبول فيه بالإضافة إلى الدية خاصّة،كالفاضلين في كتبهما

ص:348


1- النهاية:333.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،الحلبي في الكافي:436،القاضي في المهذب 2:558،ابن حمزة في الوسيلة:222،المختلف:714،إيضاح الفوائد 4:434.
3- المسالك 2:414.
4- انظر المختلف:714.

المتقدمة (1)و الشهيدين في الدروس و اللمعتين (2)،لكن عبارة الإسكافي ربما تشعر بإجماعنا على ما ذكره،فإنّه قال:و لا بأس عندنا بشهادتهن مع الرجال في الحدود و الأنساب و الطلاق،و لا توجب القود إلّا بشهادة الرجال حقناً للدماء،فإن لم تتم الشهادة على القتل بالرجال و شاركهم النساء أوجبنا بها الدية (3).

و تقبل شهادتهن في الديون إذا كنّ مع الرجال و لو واحد منهم،بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في الكفاية و السرائر (4)و غيرهما، بل عليه الإجماع في موضع آخر من السرائر و في الغنية و المختلف (5)و غيرهما (6)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الآية الكريمة فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [1] (7)و النصوص المستفيضة،المتقدم إلى بعضها الإشارة،و منها زيادة على ذلك الصحيح:قلت:تجوز شهادة النساء مع الرجال في الديون؟قال:

« نعم» (8).

و الموثق:قلت:فأنّى ذكر اللّه عزّ و جلّ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [2] فقال:

ص:349


1- راجع ص 344.
2- الدروس 2:137،اللمعة و الروضة 3:142.
3- حكاه عنه في المختلف:712.
4- الكفاية:285،السرائر 2:138.
5- السرائر 2:116،الغنية(الجوامع الفقهية):624،المختلف:716.
6- انظر المهذّب البارع 4:555،مجمع الفائدة 12:430.
7- البقرة:282.
8- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.

« ذلك في الدين» (1).

و هذه النصوص كالعبارة و نحوها مما وقع التعبير فيه بالديون خاصّة و إن اختصت بها،إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بها الدين بالمعنى العام،الشامل للدين بالمعنى الأخص كالقرض و النسيئة و السلف و غيره مما يكون مالاً، أو يقصد به المال،كما فهمه الأصحاب و ادّعي الإجماعات المزبورة عليه، فيدخل فيها البيع،و الرهن،و الإجارة،و الضمان،و القراض،و الشفعة، و المزارعة،و المساقاة،و الهبة،و الإبراء،و المسابقة،و الوصية بالمال، و الصداق في النكاح،و الإقالة،و الردّ بالعيب،و الوطء بالشبهة،و الغصب، و الإتلاف،و الجنايات التي لا توجب إلّا المال كقتل الخطأ،و قتل الصبي و المجنون،و قتل الحرّ العبد،و المسلم الذمّي،و الوالد الولد،و السرقة التي لا قطع فيها،و المال خاصّة فيما فيه القطع،و الأُمور المتعلقة بالعقود و الأموال كالخيار،و الأجل،و نجوم مال الكتابة حتى النجم الأخير في قول قوي،و نحو ذلك.

هذا إذا انضم إليهن الرجل.

و أمّا لو انفردن عنه كالمرأتين فصاعداً فلا تقبل شهادتهن في الديون قطعاً،إذا لم تصل إلى حدّ الشياع المفيد للقطع،أو الظن القوي المتاخم له على احتمال قوي،و لم يضم إليها اليمين أيضاً.

و أمّا مع اليمين فالأشبه عند الماتن هنا،و الفاضل في كتاب القضاء من التحرير،و الفاضل المقداد في التنقيح (2) عدم القبول أيضاً،

ص:350


1- التهذيب 6:774/281،الإستبصار 3:81/26،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 35.
2- التحرير 2:193،التنقيح الرائع 4:308.

وفاقاً للحلّي (1)،عملاً بالأصل المتقدم مع اختصاص المخرج عنه بقبول شهادتهن مع الرجال.

خلافاً للفاضلين في الشرائع و كتاب الشهادات من التحرير،و في الإرشاد و القواعد و المختلف (2)،فاختارا القبول،و حكاه في الأخير عن الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف مدّعياً فيه الإجماع،و الإسكافي، و القاضي،و ابن حمزة،و اختاره الشهيدان (3).

و هو الأصح؛ للصحيحين،في أحدهما:« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه تعالى أنّ حقه لحق» (4).

و في الثاني:« إذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز» (5).

و لا معارض لهما من النصوص أصلاً،و الأصل مخصَّص بهما، لصحة سندهما،و اعتضادهما بالشهرة جدّاً،بل في الدروس ذكر أنّ القول الأوّل متروك (6)،مشعراً بدعوى الإجماع على هذا،كما مر عن صريح الخلاف (7).

ص:351


1- السرائر 2:138.
2- الشرائع 4:137،التحرير 2:212،الإرشاد 2:160،القواعد 2:239،المختلف:716،و هو في النهاية:333،المبسوط 8:174،الخلاف 6:254،المهذب 2:559،الوسيلة:222.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:137،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:143.
4- الكافي 7:7/386،الفقيه 3:106/33،التهذيب 6:739/272،الإستبصار 3:107/32،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم ب 15 ح 3.
5- الكافي 7:6/386،الفقيه 3:105/33،التهذيب 6:738/272،الإستبصار 3:106/31،الوسائل 27:271 أبواب كيفية الحكم ب 15 ح 4.
6- الدروس 2:100.
7- الخلاف 6:254.

فما في التنقيح من أنّهما نادران لا يعارض بهما الأدلة المتكاثرة،مع أنّ الثاني مقطوع الوسط (1)ظاهر الفساد؛ إذ الندرة إن أُريد بها بحسب الفتوى فقد عرفت فتوى أكثر أصحابنا بهما،و به اعترف هو أيضاً سابقاً، و إن أُريد بها بحسب الرواية فأوضح حالاً في الفساد؛ لكونهما مرويين في الكتب الأربعة المشهورة و غيرها من الكتب الاستدلالية،و ظاهر الكليني و الصدوق-(رحمهما اللّه) الإذعان بهما،سيّما الثاني منهما.

و قطعُ وسط الثاني الذي ذكره ليس في محلّه؛ لأنّه مروي في الفقيه بدونه،و إنّما هو في سنده في التهذيبين،و مع ذلك فليس بقطع يقدح؛ إذ هو بهذا العنوان:حدّثني الثقة عن أبي الحسن(عليه السّلام).و مثله يعدّ من الصحيح و حجّةً على الصحيح،كما برهن في محله مستقصى،و على تقدير تسليم القدح به بتوهم الإرسال فهو مجبور بالموافقة للصحيح الآخر و عمل أكثر الأصحاب.

و ما ذكره من الأدلة المتكاثرة على خلافهما لم أقف عليها،و لا ذكر هو و لا غيره شيئاً منها عدا الأصل الذي قدّمناه،و قد عرفت وجوب تخصيصه بهما.

و يقبلن شهادةً منفردات عن كل من اليمين و الرجال في العُذرة و البكارة و عيوب النساء الباطنة كالرتق و القرن و غير ذلك من الأُمور الخفية التي لا يطلع عليها الرجال،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الغنية (2)،و هو الحجة،مضافاً إلى الضرورة،و الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة.

منها: زيادةً على ما تقدم إليه الإشارة الصحيح:« تجوز شهادة

ص:352


1- التنقيح 4:308.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):624.

النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال لينظروا إليه،و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس» (1).

و الصحيحان (2)و غيرهما (3):« تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة».

و الموثق كالصحيح:« تجوز شهادة النساء في العذرة و كل عيب لا يراه الرجل» (4).

و الخبر القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه:« تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه» (5).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة (6).

و يستفاد من فحواها كالعبارة و غيرها قبول شهادة الرجال مطلقاً في المقام بطريق أولى،و حكي عن الشيخ صريحاً (7)،و لم أجد فيه خلافاً

ص:353


1- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
2- الأول في:الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2. الثاني في:الفقيه 3:95/31،الوسائل 27:364 كتاب الشهادات ب 24 ح 46.
3- الكافي 7:10/392،التهذيب 6:722/269،الإستبصار 3:94/29،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 14.
4- الكافي 7:7/391،التهذيب 6:732/271،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 9.
5- الكافي 7:11/392،التهذيب 6:707/265،الإستبصار 3:75/24،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 5.
6- الوسائل 27:350 أبواب الشهادات ب 24.
7- حكاه عنه في المختلف:716،و هو في المبسوط 8:172.

إلّا من القاضي (1)،معلّلاً بأنّه لا يجوز للرجال النظر إلى ما ذكر (2).

و فيه نظر واضح؛ لجواز اطلاعهم عليه اتفاقاً،أو عمداً مع التوبة قبل الإقامة،أو مع الحلّية كما يتصور و لو في بعض الفروض النادرة،مع أنّ ذلك لو صحّ علّةً لردّ الشهادة لاستلزم عدم قبول شهادة النسوة أيضاً في نحو البكارة مما يستلزم الشهادة عليه النظر إلى العورة المحرَّم حتى للنسوة.

و حيث تقبل شهادتهن منفردات يعتبر كونهن أربعاً،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخر،لما عهد من عادة الشرع في باب الشهادات من اعتبار المرأتين برجل،و للأمر بإشهاد رجلين أو رجل و امرأتين،فتأمّل.

و للأصل المتقدم الدال على عدم جواز قبول شهادتهن مطلقاً،خرج الأربع في محل البحث اتفاقاً فتوًى و نصّاً؛ لأنّ موردهما النساء بصيغة الجمع الغير الصادق حقيقة إلّا على ما زاد على اثنين،و كلّ من قال بلزومه (3)عيّن الأربع.

و احتمال كون الإتيان بها في مقابلة القضايا فلا ينافي اعتبار الواحدة مثلاً في بعضها و إن أمكن،كما يقال مثله فيما مرّ في النصوص من قبول شهادتهن مع الرجال في الديون،إلّا أنّه هنا غير متيقن،بل و لا مظنون، فينبغي حينئذٍ الأخذ بالمتيقن،و ليس إلّا الأربع،و لا نصّ آخر يدل على الاكتفاء بالأقل إلّا ما سيذكر مع الجواب عنه،هذا.

مضافاً إلى خصوص المروي في الوسائل،عن مولانا العسكري(عليه السّلام)

ص:354


1- في« ب»:المرتضى.
2- المهذّب 2:559.
3- في« س»:به.

في تفسيره،عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)في قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [1] (1)قال:« إذا ضلّت إحداهما عن الشهادة فنسيتها ذكّرت إحداهما الأُخرى بها فاستقاما في أداء الشهادة،عند اللّه تعالى شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان عقولهن و دينهن» (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فقالا:تقبل في عيوب النساء و الاستهلال و النفاس و الحيض و الولادة و الرضاع شهادة امرأتين مسلمتين،و إذا لم يوجد إلّا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه؛ للصحيحين:

في أحدهما:عن شهادة القابلة في الولادة،قال:« تجوز شهادة الواحدة» (4).

و نحوه الثاني بزيادة قوله:« وحدها» (5).

و يضعّف أوّلاً:بعدم مقاومتهما لما مضى.

و ثانياً:بأنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما سيأتي من النصوص و غيرها الدالة على ثبوت الربع بشهادة الواحدة في موردهما الذي هو خصوص الولادة.

و ثالثاً:بأخصّية المورد،و تتميمها بعدم القائل بالفرق في المسألة غير ممكن بعد وجوده،و هو العماني كما حكي (6)،بل الكل كما يأتي،و المائز

ص:355


1- البقرة:282.
2- تفسير العسكري(عليه السّلام):377/675،الوسائل 27:335 كتاب الشهادات ب 16 ح 1.
3- المقنعة:727،المراسم:233.
4- الكافي 7:2/390،التهذيب 6:723/269،الإستبصار 3:95/29،الوسائل 27:351 كتاب الشهادات ب 24 ح 2.
5- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
6- حكاه عنه في المختلف:716.

بينهم و بين العماني على ما يستفاد من المسالك (1)و غيره (2)،مع اشتراكهم في العمل بمضمون الصحيحين تخصيصه القبول بالواحدة بموردهما،دونهم فعمّموه للشهادة في الوصية أيضاً.و فيه نظر.

و رابعاً:بعدم دلالتهما على اعتبار المرأتين أوّلاً ثم مع عدمهما المرأة الواحدة،بل و لا على قبول شهادتهما مطلقاً،اللّهم إلّا أن يكون المستند في التفصيل الجمع بينهما و بين الحسن:« تجوز شهادة امرأتين في الاستهلال» (3)و لكن لا شاهد عليه،و لا داعي له مع إمكان الجمع بالتقييد بما يأتي من قبول شهادتهما في النصف،بل هو المتعين،فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)يكشف بعضها عن بعض.

و للإسكافي،فقبل شهادة الواحدة أيضاً في الأُمور المزبورة لكن بحسابها (4).

و مستنده غير واضح عدا القياس بالمسألتين المستثناتين مما ذكرناه بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في الغنية (5)في إحداهما،و عليه الإجماع في الخلاف و السرائر (6)فيهما.

و قد أشار الماتن إليهما بقوله: و تقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل من الاستهلال،و هو ولادة الولد حياً،سُمّي ذلك استهلالاً إمّا لتصويته عند ولادته،أو للصوت الحاصل عندها ممن حضر عادة كتصويت

ص:356


1- المسالك 2:414.
2- المهذب البارع 4:557.
3- التهذيب 6:782/284،الإستبصار 3:101/30،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 41.
4- حكاه عنه في المختلف:716.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
6- الخلاف 6:258،السرائر 2:138.

من رأى الهلال،و هذا أقرب بفتوى الأصحاب و الأخبار المعمول عليها المتقدمة في ميراثه و هنا،كالخبر:عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« أُجيز شهادة النساء في الصبي صاح أو لم يصح» (1).

و أمّا الأخبار المعتبرة لصياحه فقد عرفت ثمة ورودها للتقية.

و الحجة في أصل المسألة بعد ما مرّ من الإجماع الصحيح:عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل،فوضعت بعد موته غلاماً،ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض،فشهدت المرأة التي هي قبلتها أنّه استهل و صاح حين وقع إلى الأرض ثم مات،قال:« على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» (2).

و الموثق:« القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة المرأة الواحدة» (3).

و المرسل:« تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهل و صاح في الميراث،و يورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة» قلت:فإن كانتا امرأتين؟قال:« تجوز شهادتهما في النصف من الميراث» (4).

و هذه هي المسألة الاُولى.

و الثانية: أنّها تقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية،و كذا

ص:357


1- الكافي 7:13/392،التهذيب 6:721/268،الإستبصار 3:93/29،الوسائل 27:354 كتاب الشهادات ب 24 ح 12.
2- الكافي 7:12/392،الفقيه 3:101/32،التهذيب 6:720/268،الإستبصار 3:92/29،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 6.
3- التهذيب 6:730/270،الإستبصار 3:103/31،الوسائل 27:357 كتاب الشهادات ب 24 ح 23.
4- الكافي 7:4/156،التهذيب 6:736/271،الإستبصار 3:104/31،الوسائل 27:364 كتاب الشهادات ب 24 ح 45.

كل امرأة زادت في المسألتين تثبت شهادتها في الربع حتى يكملن أربعاً فتقبل شهادتهن في كل من الميراث و الوصية أجمع.

و الأصل هنا بعد الإجماع الذي مضى الصحيحان،في أحدهما:

« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في وصية لم تشهدها إلّا امرأة،فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية» (1).

و في الثاني:في شهادة امرأة حضرت رجلاً يوصي،فقال:« يجوز في ربع ما أوصى بحساب شهادتها» (2).

و هما كسابقيهما (3)و إن قصرا عن إفادة تمام المدّعى من ثبوت الزائد على الربع و الربعين بشهادة الثلاث نسوة فصاعداً إلى أن يكملن أربعاً فيثبت الميراث و الوصية تماماً،إلّا أنّه لا قائل بالفرق جدّاً.

مع أنّه يمكن أن يقال:إنّ رواية الواحدة تكفي الأربع،فإنّه يصدق على كل واحدة أنّها شهدت للربع،لا سيّما إذا وردت في الاثنتين.

مع أنّ الصدوق في الفقيه روى رواية وافية بتمام المدّعى في المسألة الأُولى،حيث قال بعد نقل الصحيحة الاُولى من أخبارها:و في رواية اخرى:« إنّ كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث،و إن كنّ ثلاث نسوة جازت شهادتهن في ثلاث أرباع الميراث،و إن كنّ أربعاً جازت شهادتهن في الميراث كلّه» (4).

ص:358


1- التهذيب 6:717/267،الإستبصار 3:88/28،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 15.
2- التهذيب 6:718/268،الإستبصار 3:89/28،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 16.
3- في« س»:كسابقتهما،و في« ق»:كسابقهما.
4- الفقيه 3:102/32،الوسائل 27:365 كتاب الشهادات ب 24 ح 48.

و اعلم أنّ الصحيحين في هذه المسألة بإزائها نصوص كثيرة دالة على عدم قبول شهادتهن منفردات فيها بالكلية.

فمنها الصحيح:عن امرأة ادّعى بعض أهلها أنّها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقبة لها،أ يعتق ذلك و ليس على ذلك شاهد إلّا النساء؟قال:

« لا تجوز شهادتهن في هذا» (1).

و الصحيح:كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن(عليه السّلام):امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها و في الورثة من يصدّقها و فيهم من يتّهمها،فكتب(عليه السّلام):« لا،إلّا أن يكون رجل و امرأتان،و ليس بواجب أن تنفذ شهادتها» (2).

و نحوهما غيرهما (3).

و هي شاذّة لا عمل عليها،فلتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الصحيحين المفتي بهما،بحمل هذه على ما حملها الشيخ من أنّ المراد بها أنّه لا تجوز شهادتها في جميع الوصية،أو التقية،قال:لأنّهما موافقان لمذاهب العامة (4).

أقول:و يعضده المكاتبة من حيث الكتابة،كما قرّر في محلّه.

و قريب منها في الاعتضاد بعض الأخبار:عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة،تجوز شهادتها؟قال:« تجوز شهادتها في العذرة

ص:359


1- التهذيب 6:771/280،الإستبصار 3:91/28،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 40.
2- التهذيب 6:719/268،الإستبصار 3:90/28،الوسائل 27:360 كتاب الشهادات ب 24 ح 34.
3- الوسائل 27:350 كتاب الشهادات ب 24.
4- التهذيب 6:268،الإستبصار 3:29.

و المنفوس» (1)فإن عدوله(عليه السّلام)عن الجواب بلا تجوز،أو تجوز،إلى قوله « تجوز شهادتها» إلى آخره لا يكون إلّا لمصلحة،و هي غالباً التقية.

و بالجملة:فلا ريب في المسألة.

بقي هنا شيء،و هو أنّ إطلاق النصوص و الفتاوى في المسألتين يقتضي جواز (2)قبول شهادتهن فيهما مطلقاً و لو لم يتعذّر الرجال.

و قد خالف فيه الشيخ في النهاية،و القاضي،و الحلّي،و ابن حمزة (3)،فاشترطوا تعذّرهم.

و لعلّه للأصل المتقدم،مع اختصاص النصوص المخرجة عنه في المسألتين بحكم الغلبة و التبادر و غيرهما بصورة تعذّر الرجال خاصّة.

مضافاً إلى المروي في الوسائل عن الصدوق في كتابي العلل و العيون أنّه روى فيهما بأسانيده إلى محمد بن سنان،عن مولانا الرضا(عليه السّلام)فيما كتب إليه من العلل:« و علّة ترك شهادة النساء في الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤية،و محاباتهن النساء في الطلاق،فلذلك لا تجوز شهادتهن إلّا في موضع ضرورة،مثل شهادة القابلة،و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا، كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم،و في كتاب اللّه عزّ و جلّ اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ [1] مسلمين أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ [2] (4)

ص:360


1- الكافي 7:10/392،التهذيب 6:722/269،الإستبصار 3:94/29،الوسائل 27:355 كتاب الشهادات ب 24 ح 14.
2- ليس في« ح».
3- النهاية:333،القاضي في المهذّب 2:559،الحلّي في السرائر 2:138،ابن حمزة في الوسيلة:222.
4- المائدة:106.

كافرين،و مثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم» (1)فتدبّر.

و في ثبوت النصف بالرجل لمساواته الاثنتين في المعنى،أو الربع للفحوى،أو سقوط شهادته أصلاً لفقد النص صريحاً،أوجه،خيرها أوسطها وفاقاً لجماعة كالفاضل في القواعد و شيخنا في الروضة و المسالك (2)لضعف الأوّل بأنّه قياس،و الأخير بعدم اشتراط النص الصريح.

و لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة و بيع الرقيق و لا شهادة ذوي الصنائع الدنيئة بحسب العادة كالحياكة و الحجامة و لو بلغت الدناءة الغاية كالزبّال و الوقّاد.

و لا شهادة ذوي العاهات و الأمراض الخبيثة كالأجذم و الأبرص بعد استجماع جميع شرائط قبول الشهادة التي منها العدالة، و عدم ارتكاب ما ينافي المروءة،بلا خلاف بيننا أجده،و به صرّح في الكفاية (3)،بل في ظاهر السرائر و المسالك (4)إجماعنا عليه،و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومات أدلة قبول الشهادة من الكتاب و السنّة،مع سلامتها عن المعارض بالكلية،عدا ما توهّمه بعض العامة من أنّ اشتغالهم بهذه الحِرَف و رضاهم بها يشعر بالخسّة و قلّة المروءة (5).

و هو ضعيف غايته،سيّما على القول بعدم اعتبار المروءة في قبول الشهادة،و أمّا على اعتبارها فكذلك أيضاً إذا لم تكن في ارتكاب هذه

ص:361


1- علل الشرائع:1/508،عيون الأخبار 2:94،الوسائل 27:365 كتاب الشهادات ب 24 ح 50.
2- القواعد 2:239،الروضة 3:146،المسالك 2:414.
3- الكفاية:281.
4- السرائر 2:118،المسالك 2:404.
5- المغني لابن قدامة 12:35،و الشرح الكبير 12:48.

الصنائع منافاة للمروءة من غير جهة نفس الصنعة من حيث هي،كأن يكون من أهل تلك الصنعة،أو لم يُلَم مثله و أمثاله بارتكابها في العادة،و أمّا مع الملامة له فيها،بأن كان من أهل بيت الشرف الذي لا يناسب حاله تلك الصنعة،فارتكبها بحيث يلام،فيأتي عدم قبول شهادته حينئذ على القول باعتبار المروءة،و عدم القبول من هذه الجهة غير عدم القبول من حيث ارتكاب الصنعة من حيث إنّها صنعة،كما قاله بعض العامّة،من حيث توهّمه تضمّنها من حيث هي هي خلاف المروءة.

و بالجملة:الحيثيات في جميع الأُمور معتبرة،و على ما ذكرنا ينزّل إطلاق نحو العبارة ممن اعتبر المروءة في قبول الشهادة.

النظر الثاني في ما به يصير شاهداً

اشارة

الثاني:في بيان ما به يصير شاهداً.

و ضابطه العلم و اليقين العادي،بلا خلاف إلّا فيما استثني؛ لقوله سبحانه وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [1] (1)و قال عزّ من قائل إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [2] (2).

و في النبوي و قد سئل عن الشهادة-:« هل ترى الشمس؟» فقال:

نعم،فقال:« على مثلها فاشهد أو دع» (3).

و في الخبر:« لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك» (4).

و في آخر:« لا تشهد بشهادة لا تذكرها،فإنّه من شاء كتب كتاباً

ص:362


1- الإسراء:36.
2- الزخرف:86.
3- الشرائع 4:132،الوسائل 27:342 كتاب الشهادات ب 20 ح 3.
4- الكافي 7:3/383،الفقيه 3:143/42،التهذيب 6:682/259،الوسائل 27:341 كتاب الشهادات ب 20 ح 1.

و نقش خاتما» (1).

و مستنده المشاهدة أو السماع أو هما معاً؛ لأنّ الحواس مبادئ اقتناص العلوم،فمن فقد حسّا فقد فقد علماً،و يراد بالمشاهدة هنا ما يشمل الإبصار و اللمس و الذوق و الشمّ،فإنّه قد يقع الشهادة و يحتاج إليها فيما يفتقر فيه إلى شمّه أو ذوقه أو لمسه،فيشترط وجود الحاسّة المدركة لذلك الشاهد،و إلّا لم تصح شهادته،فلو شهد الأخشم أنّه غصبه ماء ورد مثلاً لم يصح.

فالمشاهدة يفتقر إليها للأفعال و نحوها مما لا يدركه آلة السمع كالغصب و القتل و الإتلاف و السرقة و الرضاع و الولادة و الزنا و اللواط و نحو ذلك،فلا يكفي فيها البناء على السماع،بلا خلاف ظاهر و لا إشكال إذا لم يفد العلم و اليقين الذي هو الأصل و البناء في الشهادة، و يشكل فيما لو أفاده؛ لعدم دليل على المنع حينئذ مع عموم أدلة قبول شهادة العالم.

و إلى هذا الإشكال أشار المولى الأردبيلي-(رحمه اللّه) فقال بعد أن نقل عنهم الحكم بعدم كفاية السماع فيما مرّ من الأمثلة-:و فيه تأمّل؛ إذ يجوز أن يعلم هذه الأُمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها بحيث يتيقن و لم يبق عنده شبهة أصلاً،كسائر المتواترات و المحفوفات بالقرائن، فلا مانع من الشهادة حينئذ؛ لحصول العلم (2).

و نحوه صاحب الكفاية (3).

ص:363


1- الكافي 7:4/383،التهذيب 6:683/259،الإستبصار 3:66/22،الوسائل 27:323 كتاب الشهادات ب 8 ح 4.
2- مجمع الفائدة 12:444.
3- الكفاية:283.

و هو في محلّه،إلّا أنّ ظاهر كلمة الأصحاب الإطباق على الحكم المزبور،فإن تمّ حجة،و إلّا فالرجوع إلى العموم أولى.

إلّا أن يمنع بتخيل أنّ ما دلّ عليه متضمن للفظ الشهادة،و هي لغةً:

الحضور،و هو بالنسبة إلى العالم الغير المستند علمه إلى الحسّ من نحو البصر و غيره مفقود؛ إذا يقال له عرفاً و لغةً:إنّه غير حاضر للمشهود.

و اشتراط العلم المطلق فيما مرّ من الفتوى و النص غير مستلزم لكفاية مطلقه بعد احتمال أن يكون المقصود من اشتراطه التنبيه على عدم كفاية الحضور الذي لم يفد غير الظن،و أنّه لا بُدّ من إفادته العلم القطعي، و محصّله أنّه لا بُدّ مع الحضور من العلم،لا أنّ مطلقه يكفي،هذا.

و ربما كان في النبوي و نحوه (1)إشعار باعتبار الرؤية و نحوها مما يستند إلى الحسّ الظاهري،مع أنّ القطع المستند إلى الحسّ الباطني ربما يختلف شدّةً و ضعفاً،و لذا يتخلف كثيراً؛ فلعلّ الشاهد المستند علمه إليه يظهر عليه خلاف ما شهد به،فكيف يطمئن بشهادته؟! و هذا الخيال و إن اقتضى عدم الاكتفاء بالعلم المستند إلى التسامع و الاستفاضة فيما سيأتي،إلّا أنّ الإجماع كافٍ في الاكتفاء به فيه،مضافاً إلى قضاء الضرورة و مسيس الحاجة إليه اللذين استدلوا بهما للاكتفاء به فيه، و هذا أوضح شاهد على أنّ الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند إلى الحسّ الظاهري اعتباراً منهم فيها للمعنى اللغوي مهما أمكنهم.

و هذا الوجه من الخيال و إن كان ربما لا يخلو عن نظر،إلّا أنّ غاية الإشكال الناشئ من الفتاوى و العمومات الرجوع إلى حكم الأصل

ص:364


1- المتقدمين في ص 361.

و مقتضاه،و لا ريب أنّه عدم القبول،فإذاً الأجود ما قالوه لكن مع تأمّل.

أمّا السماع و المراد به هنا التسامع و الاستفاضة،لا استماع المشهود به من المشهود عليه مثلاً،فإنّه من قسم المشاهدة و بعض أفرادها فيثبت به النسب مثل أنّ فلاناً أو فلانة إذا عرفها بعينها ولد فلان أو فلانة،أو أنّهما من قبيلة كذا؛ لأنّه أمر لا مدخل فيه للرؤية،و غاية الممكن رؤية الولادة على فراش الإنسان،لكن النسب إلى الأجداد المتوفين و القبائل القديمة لا يتحقق في [فيه] الرؤية و معرفة الفراش،فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع و الاستفاضة.

و لا خلاف فيه بين الطائفة إلّا من شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (1)في نسب الأُمّ خاصّة،فقالا فيه وجه أنّه لا تجوز الشهادة عليه بالسماع،لإمكان رؤية الولادة،ثم قالا:و لكن الأشهر الجواز كالرجل.

و هو كما ترى ظاهر في تردّدهما،مع ميلٍ ما إلى ما نسبوه إلى المشهور أخيراً،و لعلّ مرادهما الشهرة بالمعنى الأعم الشامل لما لا يوجد فيه خلاف،و إلّا فهي بالمعنى الأخص غير ممكن الإرادة؛ لعدم الوقوف على مخالف في المسألة و لا نقله أحد حتى هما حيث جعلا عدم القبول وجهاً،لا قولاً.

و بالجملة:الظاهر عدم الخلاف هنا قبلهما،و هو كافٍ في الحكم بما ذكره الأصحاب،سيّما مع ما عرفت من ميلهما إليه و لو إشعاراً.

و كذا يثبت به الموت و الملك المطلق و الوقف، و الزوجية و الولاء،و العتق،و الرقّ،و العدالة،بلا خلاف أجده،إلّا من

ص:365


1- المسالك 2:410،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:287.

الإسكافي،فخصّ الثبوت به بالنسب،و أوجب فيما عداه الشهادة على الشهادة،إلّا أن يتصل بإقرار أو رؤية أو غيرهما من الطرق (1).

و من شيخنا في المسالك و بعض من تبعه (2)في الموت،فقالا فيه وجه بالمنع؛ لأنّه يمكن فيه المعاينة،بخلاف النسب.

و هما شاذّان،بل على خلافهما الإجماع في ظاهر شرح الشرائع للصيمري،حيث قال بعد الحكم بثبوت ما مرّ و نحوه بالاستفاضة-:هذا هو المحقّق من فتاوي الأصحاب،و اقتصر ابن الجنيد على النسب فقط، و لم يذكر المصنف غير النسب و الموت و الملك المطلق و الوقف،و المعتمد ما قلناه (3).انتهى.

و شيخنا و من تبعه لم ينقلا فيما خالفا فيه و لا غيره خلافاً،نعم نسبا الحكم بالقبول فيما خالفا فيه إلى المشهور،مشعرين بوجود الخلاف فيه، و لكنه غير معلوم،و يحتمل إرادتهما المشهور بالمعنى الأعم المجامع لعدم الخلاف كما سبق،أو الأخص لكن بالإضافة إلى الإسكافي خاصّة و لكن لم يذكراه.

و الفاضل المقداد في التنقيح نسب الثبوت في الموت و الملك المطلق إلى الأكثر،قال:و اتفقوا عليه،و في الوقف و الولاء و العتق و النكاح إلى الخلاف و الفاضلين (4).

و عباراته و إن أوهمت الخلاف،إلّا أنّ الظاهر كون المخالف هو

ص:366


1- حكاه عنه في المختلف:729.
2- المسالك 2:410،المفاتيح 3:287.
3- غاية المرام 4:289.
4- التنقيح الرائع 4:310.

الإسكافي حيث لم ينقله عن غيره.

و بمجموع ما ذكرناه ظهر أنّه لا مخالف هنا صريحاً(بل و لا ظاهراً) (1)عداه،و هو بالإضافة إلى باقي الأصحاب شاذّ،فلا عبرة بمخالفته،سيّما مع عدم معلوميتها منه أيضاً،كما يستفاد من عبارة الصيمري التي قدّمناها،و مع ذلك قد استدلوا على خلافه بأدلّة لا تخلو جملة منها عن قوّة،و منهم الفاضل في التحرير،فقال بعد الحكم بثبوت النسب بالاستفاضة-:

و كذلك الموت؛ لتعذّر مشاهدة الميت في أكثر الأوقات للشهود، و كذلك الملك المطلق إذا سمع من الناس أنّ هذه الدار لفلان شهد بذلك؛ فإنّ الملك المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع،و الوقف لو لم تسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة؛ لتعذّر بقاء الشهود، و الشهادة الثالثة عندنا لا تسمع،و هي تراد للتأبيد،و النكاح يثبت بالاستفاضة؛ فإنّا نعلم أنّ خديجة زوجة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،كما نقضي بأنّها أُمّ فاطمة(سلام اللّه عليها)،و التواتر هنا بعيد؛ لأنّ شرط التواتر استواء الطرفين و الواسطة و الطبقات الوسطى،و المتصلة بنا و إن بلغت التواتر لكن الاُولى غير متواترة؛ لأنّ شرط التواتر الاستناد إلى الحسّ،و الظاهر أنّ المخبرين أوّلاً لم يخبروا عن المشاهدة،بل عن السماع (2).انتهى.

و احترز بالملك المطلق عن المستند إلى السبب كالبيع،فلا يثبت السبب به،بل الملك الموجود في ضمنه،فلو شهد و أسنده إلى سبب يثبت بالاستفاضة كالإرث قُبل،و لو لم يثبت بها كالبيع قُبل في أصل الملك لا في

ص:367


1- ما بين القوسين ليس في«ب».
2- التحرير 2:211.

السبب،و تظهر الفائدة في ترجيحه على مدّعٍ آخر.

و اعلم أنّه قد اختلف الأصحاب في الاستفاضة التي هي مستند الشهادة هل يشترط إيراثها العلم القطعي،أو يكفي الظن مطلقاً،أو القوي منه المتاخم للعلم خاصّة،على أقوال ثلاثة.

أقواها عند جماعة:الأوّل،كالماتن في ظاهر الكتاب و الشرائع (1)، و نحوه من الأصحاب ممن جعل ضابط الشهادة العلم من دون استثناء للاستفاضة المفيدة للمظنة،و هو صريح الفاضل في جملة من كتبه،و ولده في الإيضاح،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2)،و غيرهم (3).

و هو الأحوط،كما في شرح الشرائع للصيمري (4)،بل لعلّه الأظهر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن،مضافاً إلى ما مرّ في النبوي و غيره (5)من اعتبار العلم في الشهادة.

و الثاني خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (6)،محتجاً عليه بما مرّ في كلام الفاضل في التحرير من إثبات زوجية مولاتنا خديجة بالاستفاضة.

و فيه أوّلاً:أنّه فرع إفادة تلك الاستفاضة المظنة،بل الظاهر إفادتها القطع و اليقين بلا شبهة؛ و لذا استدل بها كل من اعتبر العلم دون المظنة.

و ثانياً:يتوقف ذلك على تسليم ثبوت القضية المزبورة بالاستفاضة،

ص:368


1- الشرائع 4:133.
2- القواعد 2:239،و التبصرة:190،و التحرير 2:211،إيضاح الفوائد 4:439،التنقيح الرائع 4:311.
3- انظر الكفاية:284.
4- غاية المرام 4:289.
5- راجع ص:6937.
6- الخلاف 6:266،المبسوط 8:182،183.

مع أنّه محل كلام عند جماعة،بل قالوا بثبوتها بالتواتر (1)،و منعه بما مرّ في كلام التحرير محل نظر يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في المسالك، حيث تنظّر فيه و قال:

لأنّ الطبقة الأُولى السامعين للعقد،الشاهدين للمتعاقدين،بالغون حدّ التواتر و زيادة؛ لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان ذلك الوقت من أعلى قريش،و عمّه أبو طالب المتولّي لتزويجه كان يومئذ رئيس بني هاشم و شيخهم و من إليه مرجع قريش،و خديجة(سلام اللّه عليها)كانت أيضاً من أجلّاء بيوتات قريش، و القصة في تزويجها مشهورة،و خطبة أبي طالب-(رحمه اللّه) في مسجد الحرام بمجمع من قريش ممن يزيد عن العدد المعتبر في التواتر،فدعوى معلومية عدم استناد الطبقة الاُولى إلى مشاهدة العقد و سماعة ظاهرة المنع،و إنّما الظاهر كون ذلك معلوماً بالتواتر؛ لاجتماع شرائطه،فلا يتم الاستدلال به على هذا المطلوب (2).انتهى.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول.

و أضعف منه ما بالغ به في المبسوط،فقال:يكفي أن يسمع من عدلين فصاعداً فيصير بسماعه منهما شاهد أصل و متحمّلاً للشهادة؛ لأنّ ثمرة الاستفاضة هو الظن،و هو حاصل بهما (3).

و يضعّف أوّلاً:بمنع اعتبار الاستفاضة المثمرة للمظنة،بل المعتبر منها ما أفاد العلم خاصّة،كما عرفته.

و ثانياً:بعد تسليمه ينبغي الاقتصار عليه؛ لعدم دليل على العموم،مع

ص:369


1- منهم العلّامة في المختلف:729،و ولده في الإيضاح 4:438.
2- المسالك 2:412.
3- المبسوط 8:181.

أنّ اعتبار الظن مطلقاً يقتضي الاكتفاء به و لو حصل من واحد و لو كان أُنثى، و لا يقول الشيخ به قطعاً.

و ما يجاب به من أنّه لم يعتبره مطلقاً،بل يعتبر منه ما ثبت اعتباره شرعاً،و هو شهادة العدلين،و الظن يقبل الشدّة و الضعف،فلا يلزم من الاكتفاء بفرد قوي منه الاكتفاء بالضعيف.

مدفوع بأنّ الظن المستند إلى جماعة غير عدول ممّا لم يثبت اعتباره شرعاً،فإنّه عين المتنازع،فاكتفاؤه به و تعديته الحكم إلى العدلين يدلّ على عدم تقييده بالظن المعتبر شرعاً.

و الثالث مختار الفاضل في الإرشاد و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (1).

و حجتهم عليه غير واضحة،عدا ما يستفاد من المسالك من أنّها الأولوية المستفادة من حجية الظن المستفاد من اعتبار شهادة العدلين، حيث قال بعد التوقف في الاكتفاء بالظن الغالب-:إلّا أن يفرض زيادة الظن على ما يحصل منه بقول الشاهدين،بحيث يمكن استفادته من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الشاهدين الذي هو حجة منصوصة،فيمكن إلحاقه به حينئذ (2).انتهى.

و فيه نظر لا يخفى؛ فإنّ الأولوية إنّما تنهض حجة لو كان المناط و العلّة في حجية شهادة العدلين إنّما هو إفادتها المظنة،و ليس كذلك،بل هي من جملة الأسباب الشرعية،كاليد و الأنساب و نحو ذلك،حتى أنّها لو

ص:370


1- الإرشاد 2:160،الدروس 2:134،المسالك 2:410،اللمعة و الروضة البهية 3:135.
2- المسالك 2:410.

لم تفد مظنة بالكلية لكانت حجة أيضاً بلا شبهة.

مع أنّه لو كان ذلك المناط في حجيتها وجب أن يدار مدار الظن الأقوى حيث حصل كان متّبعاً،حتى لو فرض حصوله من شهادة الفاسقين أو الفاسق الواحد أو نحوهما كشهادة الصبي أو القرائن دون شهادة العدلين كان حجة،دون شهادتهما،و هو باطل اتفاقاً فتوًى و نصّاً.

فظهر أنّ العلّة في حجية شهادتهما إنّما هو من حيث نص الشارع على اعتبارهما بالخصوص و جعلهما سبباً،و هذه العلّة مفقودة في المقيس الذي هو محل البحث؛ لعدم نص من الشارع فيه بالخصوص كما هو المفروض،و إلّا لما وقع النزاع فيه،و حينئذ فلا أولوية؛ إذ يشترط في ثبوتها وجود العلّة الجامعة بلا شبهة،و هي كما عرفت مفقودة.

هذا،مع أنّ الظن الأقوى على تقدير ثبوت اعتباره بالأولوية شرعاً أعم من أن يكون للعلم متاخماً أم لا،فقد يكون بعيداً منه و إن كان من ظن شهادة العدلين أقوى،و هو لم يعتبر إلّا الأوّل منه خاصّة،و دليله هذا لا يساعده؛ لكونه أعم منه كما ترى.

و لو سلّم جميع ذلك ففيه اطراح لما دلّ على اعتبار العلم الضروري من النص و الفتوى صريحاً بحيث لا يكاد يقبل التخصيص بما ذكره من الأولوية،فتأمّل جدّاً .

و بالجملة:فهذا القول ضعيف في الغاية كسابقه،مع ندرة القائل بهما.و منه يظهر ما في المسالك من نسبة تجويز الشهادة بمجرد الظن إلى الأكثر (1)في شرح قول المصنف:و الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة.

ص:371


1- المسالك 2:411.

فتأمّل.

و أمّا ما يفتقر إلى السماع و المشاهدة معاً فهو الأقوال من النكاح و الطلاق و البيع و سائر العقود و الفسوخ و الإقرار بها،فإنّه لا بُدّ من سماعها و من مشاهدة قائلها،فلا تقبل فيها شهادة الأصمّ الذي لا يسمع شيئاً إذا لم يكن سمعها قبل الصمم،أو لم يثبتها حين الأداء،و كذا الأعمى،و قد مضى الكلام فيهما.

و في جواز شهادة الأخير،اعتماداً على ما يعرفه من الصوت وجهان، من أنّ الأصوات متشابهة و يتطرّق إليها التخيل (1)و التلبيس،و من أنّ الغرض علمه القطعي بالقائل و معرفته إيّاه،و وقوع ذلك أكثري،و قد وقع الإجماع على أنّ له وطء حليلته اعتماداً على ما يعرفه من صوتها،و هذا هو المشهور بين أصحابنا،بل عليه في ظاهر الغنية و الانتصار (2)إجماعنا،فهو الأقوى،و ربما أشعر به النصوص التي مضت في بحث قبول شهادتهما فيما لا يفتقر إلى الرؤية و السماع.

و يصير الشاهد متحمّلاً للشهادة بالمشاهدة لما تكفي هي فيه،و ب السماع لما تكفل به السماع (3) مطلقاً و إن لم يستدعه المشهود عليه أي على تحمّل الشهادة.

و كذا لو قيل له:لا تشهد و لا تتحمّل الشهادة فسمع من القائل ما يوجب حكماً عليه،أو له،صار متحمّلاً للشهادة،بلا خلاف أجده إلّا من الإسكافي (4)في الثاني و ما يأتي.

ص:372


1- في« ح»:التخييل.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):625،الانتصار:249.
3- في المطبوع من المختصر(289):لما يكفي فيه السماع.
4- حكاه عنه في المختلف:725.

و هو شاذّ لا يعبأ به؛ لأنّ المعتبر في قبول شهادة الشاهد مع استجماعه للصفات المعتبرة فيه علمه بما يشهد به،سواء كان سبب العلم استدعاء المشهود له و عليه،أم اتفاق علمه بالواقعة؛ لاشتراك الجميع في المقتضي،و هو العلم،فعليه أوله أن يشهد بما علم؛ لعموم الأدلة فتوًى و نصّاً كتاباً و سنّةً.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة الآتية سنداً للشيخ و جماعة في حكمهم بعدم وجوب أداء الشهادة مع عدم استدعاء المشهود له للتحمّل و تخيّره في أدائها،منها الصحيح:« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت» (1).

و سأله أيضاً عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما،قال:« ذاك إليه إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد،و إن شهد شهد بحق قد سمعه،و إن لم يشهد فلا شيء عليه؛ لأنّهما لم يُشهداه» (2).

و لو لا تحقق التحمّل بمجرد السماع مع عدم الاستدعاء لم يجز له الشهادة مع أنّه قد صرّح به بالجواز في هذه المعتبرة،فلا ريب فيه و لا شبهة.

و كذا لو خبئ الشاهد بالخاء المعجمة،ثم الباء المنقطة من تحت نقطة واحدة بمعنى:حبس في زاوية مستخفياً لتحمّل الشهادة

ص:373


1- الكافي 7:5/382،التهذيب 6:678/258،الوسائل 27:317 كتاب الشهادات ب 5 ح 1.
2- الكافي 7:6/382،التهذيب 6:677/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 5.

فنطق المشهود عليه صار متحمّلاً و قبل شهادته،بلا خلاف ظاهر،إلّا ممن مرّ،مصرّح به في كلام الشهيد بقول مطلق كما حكي (1)،بل عليه الإجماع في ظاهر السرائر (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى جميع ما مرّ من الأدلة السليمة عما يصلح للمعارضة حتى من جهة الأخبار المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة،بناءً على عدم انحصار وجه الاختفاء للتحمّل فيها،بل يحتمل وجوهاً أُخر صحيحة عنها خالية؛ إذ الحاجة قد تدعو إليه،بأن يقرّ من عليه الحق إذا خلا به المستحق،و يجحد إذا حضر غيره.

قيل:و لأنّ الحرص على التحمّل،لا على الأداء (3).و فيه نظر؛ لأنّه يدل على الحرص في الأداء و يؤول إليه،بل قد يدّعى أنّه عين الحرص على ذلك على الوجه البليغ،كذا قيل (4).و فيه نظر.

و إذا دعي الشاهد للإقامة إقامة الشهادة بعد تحمّلها وجب إقامتها بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر كالقواعد و التحرير و الدروس و الروضة و المسالك (5)،و غيرها من كتب الجماعة (6)،و هو الحجة.

ص:374


1- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية الورقة:268،و حكاه عنه في مجمع الفائدة 12:402.
2- السرائر 2:120.
3- قاله الشهيد الثاني في المسالك 2:408.
4- مجمع الفائدة 12:402.
5- القواعد 2:240،التحرير 2:213،الدروس 2:123،الروضة البهية 3:138،المسالك 2:415.
6- انظر كشف اللثام 2:383.

مضافاً إلى الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة.

قال تعالى كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (1)و في غير واحد من النصوص:« أقم الشهادة و لو على نفسك أو الوالدين و الأقربين» (2).

و قال عزّ شأنه وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [2] (3).

و في المروي بعدّة طرق في الكافي و الفقيه و عقاب الأعمال و الأمالي، عن جابر،عن أبي جعفر(عليه السّلام)قال:« قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم،أو ليزوي» و في الفقيه:« ليتوي» « بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مدّ البصر،و في وجهه كُدوح يعرفه الخلائق باسمه و نسبه،و من شهد بشهادة حق ليحيي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه و نسبه» ثم قال أبو جعفر(عليه السّلام):« أ لا ترى أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ [3] » (4).

و في حديث المناهي المروي في الفقيه:« أنّه صلّى عليه و آله نهى عن كتمان الشهادة،و قال:من كتمها أطعمه اللّه تعالى لحمه على رؤوس

ص:375


1- النساء:135.
2- الكافي 7:3/381،التهذيب 6:757/276،الوسائل 27:315 كتاب الشهادات ب 3 ح 1.
3- البقرة:283.
4- الكافي 7:1/380،الفقيه 3:114/35،التهذيب 6:756/276،عقاب الأعمال:225،أمالي الصدوق:4/390،الوسائل 27:312 كتاب الشهادات ب 2 ح 2.

الخلائق،و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [1] » (1)الآية.

و نحوه مروي عن عقاب الأعمال (2).

و عن العيون في حديث النص على مولانا الرضا(عليه السّلام)أنّه قال:« و إن سئلت عن الشهادة فأدّها،فإنّ اللّه تعالى يقول إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [2] (3)و قال وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً [3] (4)» (5).

إلى غير ذلك من النصوص.

و إطلاقها كالآيات المشار إليها و إن اقتضى وجوب الإقامة عيناً،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على وجوبها كفايةً إن زاد الشهود على العدد المعتبر شرعاً،و إلّا فمقتضاها،و ادّعوا عليه الإجماعات التي نقلناها،و هي كافية في تقييد الإطلاقات.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء لتحمّل الشهادة إلّا مع خوف فوت الحق بعدم شهادة غيره، منها: زيادةً على ما مرّ الصحيحان:« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت» (6)و قال في ثانيهما:« إذا أُشهد لم يكن له إلّا أن يشهد» (7).

ص:376


1- الفقيه 4:1/7،الوسائل 27:313 كتاب الشهادات ب 2 ح 4.
2- عقاب الأعمال:283،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 6.
3- النساء:58.
4- البقرة:140.
5- عيون الأخبار 1:9/21،الوسائل 27:313 كتاب الشهادات ب 2 ح 5.
6- الكافي 7:5/382،التهذيب 6:78/258،الوسائل 27:317 كتاب الشهادات ب 5 ح 1.
7- الكافي 7:1/381،التهذيب 6:679/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 2.

و الخبر:عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما،قال:« ذاك إليه إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد،و إن شهد شهد بحق،و إن لم يشهد فلا شيء عليه لأنّهما لم يُشهداه» (1).

و هذه النصوص و إن دلت بإطلاقها على عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء للتحمل مطلقاً و لو انحصر ثبوت الحق بشهادتهما،و لم يقل به أحد و إن توهم من جمع،و لكن التحقيق خلافه كما يظهر من بعضهم (2)و من الفاضل في المختلف (3)إلّا أنّها محمولة على صورة عدم الانحصار؛ للموثق (4)و غيره (5):« إذا سمع الرجل الشهادة و لم يُشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت،إلّا إذا علم من الظالم فيشهد،و لا يحلّ له إلّا أن يشهد».

و بذلك صرّح الصدوق في الفقيه،فقال بعد نقل الخبر الذي جعل الخيار فيه إلى الشاهد بحساب الرجلين-:هو إذا كان على الحق غيره من الشهود،فمتى علم أنّ صاحب الحق مظلوم و لا يحيى حقّه إلّا بشهادته وجب عليه إقامتها،و لم يحلّ له كتمانها،فقد قال الصادق(عليه السّلام):« العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوماً» (6).انتهى.

و بالجملة:دلالة هذه النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض على عدم

ص:377


1- الكافي 7:6/382،التهذيب 6:677/258،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 5.
2- كالشيخ في النهاية:330.
3- المختلف:725.
4- الكافي 7:3/381،الوسائل 27:318 كتاب الشهادات ب 5 ح 4.
5- التهذيب 6:680/258،الوسائل 27:320 كتاب الشهادات ب 5 ح 10.
6- الفقيه 3:34.

الوجوب عيناً،و كونه كفايةً فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعاً واضحة،و لا إشكال فيها من هذه الجهة،بل الإشكال فيها إنّما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء لتحمّل الشهادة فتجب الإقامة(عيناً مطلقاً) (1)و لو زاد عددهم عن المعتبر شرعاً،و عدمه فتجب كفايةً مع الزيادة،و عيناً مع عدمها.

و هو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين،حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقاً و لو في الصورة الاُولى مع الزيادة،و ادّعوا إجماعاتهم المتقدّمة (2)على ذلك كذلك.

إلّا أنّ جمهور قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية و الإسكافي و القاضي و الحلبي و ابني زهرة و حمزة (3)على التفصيل المتقدّم إليه الإشارة.

و استدل لهم زيادةً على ذلك بأنّه مع عدم الاستدعاء لم يؤخذ منه التزام،بخلاف ما إذا تحمّل قصداً،فإنّه يكون ملتزماً،كضمان الأموال.

و المسألة عند العبد محل تردّد،من استفاضة المعتبرة الصريحة المعتضدة بالشهرة القديمة و تعليلهم المتقدّم إليه الإشارة.

و من إطلاقات الكتاب و السنّة بوجوب الإقامة،المعتضدة بالأصل، و الشهرة العظيمة المتأخرة،و إطلاقات الإجماعات المحكية على الوجوب كفايةً،و بعض الأُمور الاعتبارية التي استدل بها جماعة (4)،من أنّها أمانة

ص:378


1- ما بين القوسين ليس في« س».
2- في ص 373.
3- النهاية:330،حكاه عن الإسكافي في المختلف:725،القاضي في المهذّب 2:561،الحلبي في الكافي في الفقه:436،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،ابن حمزة في الوسيلة:232.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:415،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:285.

جعلت عنده فوجب عليه الخروج منها،كما أنّ الأمانات المالية تارةً يحصل عنده بقبولها كالوديعة،و تارةً بغيره كإطارة الريح و نحوها.

إلّا أنّ الأقرب:الأوّل؛ لرجحان مستنده على مستند الثاني،لكونه مطلقات،دون مستند الأوّل،لكونه أخباراً خاصّة واضحة الدلالة،فلتكن عليها مقدمة،و الشهرة متعارضة،كالتعليلات الاعتبارية،و إلى المختار يميل في الكفاية (1).

و محصّله أنّ الوجوب كفائي إلّا مع الاستدعاء للتحمّل فعيني،و هو كباقي الأُمور الموجبة لرجوع الواجب الكفائي إلى العيني لا ينافي كفائية الواجب من أصله.

و من هنا يظهر جواب آخر عن الإجماعات المحكية على وجوب الإقامة كفايةً على الإطلاق؛ لوضوح كون المدّعى فيها كفائيته في نفسه المجامعة للعينية بالعرض،و لا مانع في كون الاستدعاء من العوارض.

و كيف كان،فلا ريب في وجوب الإقامة و لا خلاف فيه و لو في الجملة إلّا مع خوف ترتّب ضرر بسبب الشهادة غير مستحق على الشاهد،أو المشهود عليه،أو بعض المؤمنين،فلا تجب حينئذ،بل تحرم بلا خلاف؛ للاعتبار،مع أنّه لا حرج و لا ضرر و لا ضرار،كما في الآيات و الأخبار.

و في الخبر:« أقم الشهادة» إلى أن قال:«فإن خفت على أخيك ضيماً فلا» (2).

ص:379


1- الكفاية:286.
2- الكافي 7:3/381،التهذيب 6:757/276،الوسائل 27:315 كتاب الشهادات ب 3 ح 1.

و قريب منه آخر في نسخة (1)،و لكن في أُخرى من دون ذكر« فلا» مبدلاً فيها الفاء الاُولى بالواو (2).

و في ثالث:قلت له رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره و يحبسه و قد علم اللّه تعالى أنّه ليس عنده و لا يقدر عليه،و ليس لغريمه بيّنة،هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسّر اللّه تعالى له؟و إن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدر،هل يجوز أن يشهدوا عليه؟قال:« لا يجوز أن يشهدوا عليه،و لا ينوي ظلمه» (3).

و نحوه آخر:« لا يحلّ لك أن تقيم الشهادة في حال العسر» (4).

و قصور الأسانيد مجبور بالعمل،و موافقة الكتاب و السنّة،و الاعتبار بنفي الحرج و الضرر في الشريعة.

و احترز بغير المستحق عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه و توجب شهادته لا المطالبة،فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب؛ لأنّه ضرر مستحق.

و اعلم أنّه إنّما يجب على الشاهد الإقامة و لا يحل له الامتناع منها مع التمكن إن ثبت الحق بشهادته؛ لانضمام ما يتم به العدد،أو حلف المدّعى إن كان مما يثبت بشاهد و يمين.

ص:380


1- الفقيه 3:/42ذيل الحديث 144.
2- الفقيه 3:144/42.
3- الكافي 7:2/388،التهذيب 6:693/261،الوسائل 27:339 كتاب الشهادات 19 ح 1.
4- الفقيه 3:89/30،التهذيب 6:675/257،الوسائل 27:340 كتاب الشهادات ب 19 ح 3.

فلو طلب من اثنين يثبت بهما لزمهما الأداء،و ليس لأحدهما الامتناع،بناءً على تخيّلهما الاكتفاء بحلف المدّعى مع الآخر فيأبيان عن الأداء؛ للعموم،و أنّ من مقاصد الإشهاد التورّع عن اليمين.

و لو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب عليهما كفايةً كما مضى.

و لو كان واحداً لزمه الأداء إن كان ممّا يثبت بشاهد و يمين،و إلّا فلا إن لم يحتمل معه وجود من يتم به العدد،و إلّا فيجب أيضاً.

قالوا:و لو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته.و لا بأس به.

و لو لم يكن الشهود عدولاً،فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم و لو عند حاكم الجور وجب الإعلام أيضاً؛ للعموم،و إلّا فوجهان،أجودهما الوجوب؛ لذلك،مع إمكان حصول العدالة بالتوبة.

و لو دُعي من له أهلية الشهادة للتحمّل لها ف في وجوبه عليه مع عدم خوف ترتب ضرر غير مستحق به عليه أو على غيره من إخوانه قولان و المروي في المعتبرة المستفيضة الوجوب..

ففي الصحيح:في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ [1] قال:

« قبل الشهادة» و قوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [2] قال:« بعد الشهادة» (1).

و نحوه آخر،لكن إلى قوله:« قبل الشهادة» (2).

ص:381


1- الكافي 7:2/381،الفقيه 3:112/34،التهذيب 6:750/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 1.
2- الكافي 7:4/380،الوسائل 27:311 كتاب الشهادات ب 1 ح 8.

و في ثالث:في الآية المزبورة،فقال:« لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول:لا أشهد لكم» و قال:« فذلك قبل الكتاب» (1).

و نحوه الموثق (2)،و ما يقرب من الصحيح مثله متناً و سنداً بل ربما يعدّ صحيحا (3).

و في مثله سنداً في الآية المزبورة أيضاً،فقال:« إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه» (4).

و في الخبر:قال:« لا يأب الشهداء أن تجيب حين تدعى قبل الكتاب» (5).

و في آخر:« إذا دعيت إلى الشهاد فأجب» (6).

و قصور سندهما أو ضعفهما كبعض ما تقدّم إن كان مجبور،مع قصور دلالة« لا ينبغي» في بعضها على التحريم بعمل الأصحاب و فهمهم كافّة،عدا الحلّي خاصّة (7)،و هو شاذّ نادر كما في الدروس (8)،مشعراً

ص:382


1- الكافي 7:2/379،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 4.
2- الكافي 7:1/379،التهذيب 6:753/275،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 5.
3- الكافي 7:2/379،التهذيب 6:751/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 2.
4- الكافي 7:3/380،التهذيب 6:754/276،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 7.
5- الكافي 7:6/380،التهذيب 6:755/276،الوسائل 27:310 كتاب الشهادات ب 1 ح 6.
6- الكافي 7:5/380،التهذيب 6:752/275،الوسائل 27:309 كتاب الشهادات ب 1 ح 3.
7- السرائر 2:126.
8- الدروس 2:123.

بدعوى الإجماع على خلافه،و هو الحجة.

مضافاً إلى تلك المعتبرة،و ما استدل به جماعة (1)من أنّه من الضروريات التي لا ينفكّ الإنسان عنها؛ لوقوع الحاجة إلى المعاملات و المناكحات،فوجب في الحكمة إيجابه ليحسم مادّة النزاع المترتب على تركه غالباً.

هذا مضافاً إلى نفس الآية المسئول عن تفسيرها في المعتبرة المزبورة،بناءً على وضوح دلالتها على وجوب التحمّل و لو لم تكن فيها واردة؛ لأنّها منساقة في معرض الإرشاد بالإشهاد،للأمر بالكتابة و نهي الكاتب عن الإباء،ثم الأمر بالإشهاد و نهي الشاهد من الإباء،فالسياق يعيّن إرادة التحمل دون الأداء.

و مستند الحلّي غير واضح،عدا الأصل،و الطعن في الأخبار بأنّها من الآحاد،و منع الدلالة في الآية؛ لظهورها في الأداء،فإنّ إطلاق الشهيد حقيقةً إنّما هو بعد التحمّل.

و يضعّف الأصل بلزوم الخروج عنه بما مرّ من النص،و الطعن فيه بكونه من الآحاد غير جيّد حتى على أصله،لشهادة فتاوي العلماء و منهم كافّة القدماء كما هو الظاهر،المصرّح به في المختلف (2)على صحته.

و منه يظهر فساد منع دلالة الآية؛ لوروده في تفسيرها،مضافاً إلى ما عرفت من شهادة السياق بصحته.

نعم في الوسائل عن مولانا العسكري(عليه السّلام)في تفسيره عن مولانا

ص:383


1- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:443،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:313،و الشهيد الثاني في المسالك 2:415.
2- المختلف:723.

أمير المؤمنين(عليه السّلام)في الآية المزبورة قال:« من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها،و ليقمها،و لينصح فيها،و لا تأخذه فيها لومة لائم،و ليأمر بالمعروف،و لينه عن المنكر» (1).

و هو ظاهر في ورودها في الأداء،لكن قال(عليه السّلام)بعد ذلك:« و في خبر آخر قال:نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى،و نزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [1] يعني كافر قلبه» (2)و هو نص فيما ذكره الأصحاب و يرجع بفتواهم.

و على المختار فهل وجوبه على الكفاية كما عليه الشيخ في المبسوط و النهاية،و الإسكافي،و الفاضلان في كتبهما،و فخر الدين (3)، و المفلح الصيمري،و الشهيدان في كتبهما (4)،و غيرهم من متأخري الأصحاب و متأخريهم (5)،أم على الأعيان كما يحكى في الإيضاح و شرح الشرائع للصيمري عن ظاهر المفيد و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن زهرة (6)؟

ص:384


1- تفسير العسكري(عليه السّلام):378/676،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 7.
2- تفسير العسكري(عليه السّلام):379/676،الوسائل 27:314 كتاب الشهادات ب 2 ح 8.
3- المبسوط 8:186،النهاية:330،حكاه عن الإسكافي في المختلف:725،المحقق في الشرائع 4:138،العلّامة في التحرير 2:213،فخر الدين في الإيضاح 4:443.
4- غاية المرام 4:297،الشهيد الأوّل في الدروس 2:123،الشهيد الثاني في الروضة 3:137.
5- منهم السبزواري في الكفاية:286،و الفيض في المفاتيح 3:285.
6- الإيضاح 4:442،غاية المرام 4:296،المفيد في المقنعة:728،الحلبي في الكافي في الفقه:436،القاضي في المهذّب 2:560،الديلمي في المراسم:234،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625.

ظاهر الآية و الأخبار:الثاني،إلّا أنّ إطباق المتأخرين على الأوّل يرجّحه،سيّما مع ما يظهر منهم من عدم الخلاف فيه،و أنّ محله إنّما هو أصل الوجوب،لا كونه عينياً أو كفائياً؛ و لذا لم ينقلوا في كفائيته خلافاً عدا من مرّ.

نعم ربما يتوهم من عبارة الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و القواعد (1)وقوع الخلاف في الكفائية أيضاً؛ حيث إنّهما حكما بها هنا من غير دعوى إجماع،و ادعوه عليها في الأداء.

و هو ضعيف جدّاً؛ لظهور عبارتهما في رجوع دعواهما الإجماع في الأداء إلى مطلق الوجوب،دون خصوصية كفائيته،و مقتضاها حينئذ عدم الإجماع على الوجوب هنا،لا على عدم كفائيته،هذا.

و ربما يرشد إلى الكفاية هنا سياق الأخبار،حيث جعلوا الوجوب فيه مقابلاً للوجوب في الأداء،و هو فيه على الكفاية في الجملة أو مطلقاً، فليكن هنا كذلك أيضاً.

مضافاً إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائية وجوب الأداء؛ فإنّ كفائيته مع الاتفاق على وجوبه يستلزم كفائية الوجوب هنا، لأضعفيته منه،نظراً إلى وقوع الخلاف في أصله،دونه،فتأمّل جدّاً .

و على القولين يتعين التحمّل على من دعي إليه مع عدم من يقوم بالتحمّل بلا إشكال و لا خلاف إلّا من الحلّي،و قد مرّ ضعفه.

و اعلم أنّه ظهر مما مرّ من اشتراط العلم في الشهادة أنّه لا يجوز أن يشهد الشاهد على أحد و لا له إلّا مع المعرفة بما يشهد عليه من شخصه أو نسبه.

و إنّما أعاده هنا مع معلوميته سابقاً تنبيهاً على عدم انحصار مستندها

ص:385


1- الشرائع 4:138،التحرير 2:213،القواعد 2:240.

في العلم الحقيقي،بل يجوز استنادها إليه أو إلى شهادة عدلين بالمعرفة فيعرّفانه ما يريد الشهادة عليه من شخص المشهود عليه أو نسبه و يكون شاهد أصل لا فرعاً،و محصّله كفاية العلم الشرعي في الشهادة.

و هي و إن خالفت الأصل؛ لوجوب حمل العلم الوارد في النص و الفتوى اعتباره في صحة الشهادة على معناه الحقيقي عرفاً و لغةً،و هو ما لا يحتمل النقيض أصلاً،و لعلّه لهذا يظهر من الكفاية في بحث شهادة الأعمى التأمّل فيه،حيث قال:قالوا و الأعمى إذا انضمّ إلى سماعة معرّفان يشهدان على العاقد جاز له الشهادة عليه (1).انتهى.

إلّا أنّه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم في اعتبارهم العلم الشرعي المستند إلى شهادة العدلين أيضاً،بل ظاهر السرائر الإجماع عليه،فإنّه قال:فإذا حضر الشاهد فلا يجوز له أن يشهد إلّا على من يعرفه،فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته من رجلين عدلين عند أصحابنا،فأمّا الواحد و النساء فلا يشهد بتعريفه و لا تعريفهن؛ لأنّه لا دليل على ذلك (2).

و ظاهره كما ترى أنّ المستند في الجواز هنا إنّما هو فتوى الأصحاب؛ إذ لم يذكر دليلاً آخر،و فتواهم عنده لا يكون حجّة إلّا مع بلوغها درجة الإجماع كما يستفاد من الجمع المضاف في كلامه المفيد للعموم لغة،كما تشعر به أيضاً عبارة الكفاية المتقدّمة،بل لعلّها فيه ظاهرة.

و قد ذكر جماعة من الأصحاب منهم الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير و غيره (3)أنّه حيثما استند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرهم مطلقة،

ص:386


1- الكفاية:284.
2- السرائر 2:126.
3- السرائر 2:126،التحرير 2:211؛ و انظر القواعد 2:239.

بل يقول:أشهد على فلان بتعريف فلان و فلان.

و يجوز أن تسفر المرأة و تكشف عن وجهها ليعرفها الشاهدان لها أو عليها إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصاً أو نسباً،كما ذكره جماعة (1)،بلا خلاف بينهم أجده؛ للضرورة، و الصحيح:كتبت إلى الفقيه(عليه السّلام)في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها،أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز و بيّنها (2)بعينها.فوقّع(عليه السّلام):« تتنقب و تظهر للشهود إن شاء اللّه تعالى» (3)فتأمّل .

و الخبر:«لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عُرفت بعينها أو حضر من يعرفها،فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها و لا يحضر من لا يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها أو على إقرارها دون أن تسفر و ينظروا إليها» (4).

و يستفاد منه جواز الشهادة بتعريف العدلين كما مضى،و هو و إن لم يصرّح بعددهما إلّا أنّه المعهود شرعاً،مضافاً إلى عدم قائل بكفاية الأقل هنا،مع تصريح الحلّي بالعدم كما مضى.

و ربما يستفاد من الخبر الأوّل عدم جواز الشهادة بتعريفهما و أنّه لا بدّ

ص:387


1- منهم القاضي في المهذّب 2:560،و الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 3:135.
2- في المصادر:و يثبتها.
3- الفقيه 3:132/40،التهذيب 6:666/255،الإستبصار 3:58/19،الوسائل 27:401 كتاب الشهادات ب 43 ح 2.
4- الكافي 7:1/400،التهذيب 6:665/255،الإستبصار 3:57/19،الوسائل 27:402 كتاب الشهادات ب 43 ح 3.

من إسفارها،لكنه لا يعارض الثاني و إن قصر أو ضعف سنده؛ لانجباره بفتوى الأصحاب و رجحانه على الأوّل بها.مع احتماله الحمل على التقية، كما يشعر به الصحيح الآخر:« لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها،و لا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها» (1)فإنّ الظاهر أنّ مرجع ضمير الجمع هو العامّة العمياء.

مضافاً إلى كونه مكاتبة و الغالب فيها التقية،فتأمّل جدّاً.

و لو أراد أن يشهد الإنسان على الأخرس بإقراره فليشهد بالإشارة التي رآها منه دالّة عليه و لا يقيمها بالإقرار الذي فهمه فيها؛ لاحتمال خطائه في الفهم فيتحقق الكذب،و لعلّه مراد من علّل المنع عن الإقامة بنفس الإقرار بالكذب المطلق،لا باحتماله،كالحلي (2)،و غيره (3)، و إلّا فيشكل الحكم بإطلاق الكذب،فقد يعلم الشاهد بإقراره و يحصل له القطع به من إشارته فلا يكون كذباً،فكيف يعلّل به؟! اللّهم إلّا أن يكون المراد أنّ الإقرار حقيقة في الإخبار عن الحق باللفظ الدال عليه بحكم التبادر و غيره،فيكون الإشارة مجازاً،و إرادته من الإقرار المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز،فإطلاقه من دونها يصيّره كذباً.

و فيه نظر؛ فإنّ خرسه قرينة حال واضحة على إرادته الإخبار بالإشارة من الإقرار المطلق،دون الحقيقة،فلا كذب.

ص:388


1- الفقيه 3:131/40،الوسائل 27:401 كتاب الشهادات ب 43 ح 1.
2- السرائر 2:127.
3- انظر المهذّب 2:560.

و هنا

مسائل

الأولى قيل يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته

مسائل أربع:

الأُولى: قد مرّ جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة،و هل يفتقر إلى مشاهدة اليد و التصرف معها إن لم تفد العلم بالملكية؟قولان،يبتنيان على الخلاف المتقدم في اشتراط إفادتها العلم في الشهادة على الملك بها، أم لا،فيفتقر إلى الضميمة على الأوّل،و لا على الثاني.

و لا إشكال في الاكتفاء بها من دون الضميمة إذا أفادت العلم،كما لا إشكال في جواز الشهادة بها مع ضميمة الأمرين مطلقاً،بل و لا خلاف فيه أيضاً على الظاهر،المصرَّح به في الكفاية (1)،بل في التنقيح و المسالك (2)دعوى الوفاق عليه،و هو الحجة،المعتضدة بما سيأتي من الأدلة على كفاية الضميمة وحدها في الشهادة على الملكية،فمع الاستفاضة أولى.

و بالجملة:فلا إشكال و لا خلاف يعتدّ به في شيء من ذلك،و إنّما هو في الاكتفاء بالضميمة إذا لم تكن للعلم بالملكية مفيدة.

ف قيل: إنّه يكفي في جواز الشهادة بالملك مشاهدته أي مشاهدة الشاهد لذي اليد يتصرف فيه مكرّراً بنحو من البناء و الهدم و الإجارة و غيرها بلا منازع.

و القائل هو شيخ في الخلاف و الحلبي و القاضي و الحلّي (3)،و هو

ص:389


1- الكفاية:284.
2- التنقيح 4:314،المسالك 2:411.
3- الخلاف 6:264،الحلبي في الكافي:437،القاضي في المهذب 2:561،الحلّي في السرائر 2:130.

ظاهر الكليني(رحمه اللّه)و الصدوق حيث رويا في الكافي و الفقيه (1)ما يدل عليه من غير معارض،مع أنّ الثاني قال في صدر كتابه:إنّه لا يروي فيه إلّا ما يفتي به و يحكم بصحته (2).و عليه عامّة المتأخرين،مدّعياً جملة منهم الشهرة المطلقة عليه (3).

و يظهر من الماتن في الشرائع عدم الخلاف فيه؛ فإنّه قال:لا ريب أنّ المتصرف بالبناء و الهدم و الإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق،أمّا من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد،و هل يشهد له بالملك؟ قيل:نعم،و هو المروي،و فيه إشكال (4).إلى آخر ما ذكره.و ذلك لتخصيصه نقل الخلاف باليد الغير المتصرفة،معرباً عن عدمه فيها.

و نحوه غيره (5)،و نسبه في المبسوط إلى روايات الأصحاب (6)، مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و به صرّح في الخلاف (7)،و هو الحجة.

و مع ذلك وردت به رواية قصور سندها أو ضعفها منجبر برواية المشايخ الثلاثة لها معتمدين عليها،و بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته.

و فيها:عن رجل رأى في يد رجل شيئاً أ يجوز له أن يشهد أنّه له؟ قال:« نعم» قلت:فلعلّه لغيره،قال:« و من أين جاز لك أن تشتريه و يصير

ص:390


1- الكافي 7:387،الفقيه 3:31.
2- الفقيه 1:3.
3- منهم السبزواري في الكفاية:284،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:288.
4- الشرائع 4:134.
5- انظر المفاتيح 3:288.
6- المبسوط 8:182.
7- الخلاف 6:264.

ملكاً لك ثم تقول بعد الملك:هو لي،و تحلف عليه،و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك[من]قِبَلِه،و لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق» (1).

و قريب منها الصحيح المروي في الوسائل عن علي بن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قال لأبي بكر:أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟!قال:لا،قال:فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه،ادّعيت أنا فيه،من تسأل البينة؟قال:إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين،قال:فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و بعده،و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟!» الخبر (2).و لو لا أنّ لليد أثراً في إفادة الملك لما كان لذكره وجه،فتدبّر.

و قريب منها النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البيّنات الدالة على ترجيح بيّنة ذي اليد أو الخارج (3).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في دلالة اليد على الملكية،و هي على تقدير تسليم عدم وضوح دلالتها على ذلك فلا ريب في كونها مؤيّدات قويّة للرواية.

مضافاً إلى قوتها بما مضى من حكاية الإجماع المتقدمة و الشهرة

ص:391


1- الكافي 7:1/387،الفقيه 3:92/31،التهذيب 6:695/261،الوسائل 27:292 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 2.
2- تفسير القمي 2:8/155،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 3.
3- الوسائل 27:249 أبواب كيفية الحكم ب 12.

العظيمة،بل لم أقف على مخالف لها،عدا ما يستفاد من الأصحاب من كونه قولاً،و لكن لم يسمّوا له قائلاً،و لعلّهم أخذوه من المبسوط حيث نقله من دون تصريح بكونه منّا (1)،و ربما نسب إليه جماعة (2)التردّد في المسألة،حيث حكى القولين فيه من غير ترجيح،لكن سياق عبارته و منه نسبته القول الأوّل إلى روايات الأصحاب ربما يشعر بتقويته الأوّل، و بذلك صرّح الفاضل في المختلف (3).

و بالجملة:المخالف منّا غير معلوم عدا الماتن هنا حيث قال:

و الأولى الشهادة بالتصرف دون الملكية لأنّه أي التصرف دلالة على الملك،و ليس بملك.

و في التعليل ما لا يخفى؛ إذ بعد تسليم الدلالة على الملكية لا وجه للمنع من الشهادة به عليها،و إن هو حينئذ إلّا كالاستفاضة،فكما تجوز الشهادة على الملكية بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة دونها، فكذا هنا،و لعلّه لذا قطع بجواز الشهادة على الملكية بالتصرف في الشرائع، و إنّما استشكل في جوازها بمجرد اليد الخالية عنه،قائلاً:إنّه من حيث إنّ اليد لو أوجب الملك لم تسمع دعوى من يقول:الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال:ملك هذا لي (4).

و هذا كسابقه في الضعف جدّاً؛ لورود النقض عليه أوّلاً بالتصرف مع عدم خلاف المعارض فيه.

ص:392


1- المبسوط 8:182.
2- منهم فخر المحققين في الإيضاح 4:440،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:315،و الشهيد الثاني في المسالك 2:411.
3- المختلف:729.
4- الشرائع 4:134.

و ثانياً بالحل،بأنّ دلالة اليد ظاهرة،و الإقرار بالملك قاطع،و الصرف عن الظاهر بقرينة جائز بخلاف القاطع و القرينة هنا موجودة،و هي ادّعاؤه بها،و المفروض أنّ الظن كاف في الشهادة،كما يشير إليه جواز الشهادة بالتصرف الذي غايته إفادة المظنة،و يكفي في الظن دلالة اليد الظاهرة بلا شبهة.

و علّل المنع في كل من اليد و التصرف أيضاً زيادةً على ما مرّ في كلامه بحصول كل منهما من غير المالك كالوكيل و المستأجر و الغاصب و الموصى له بالمنفعة و غيرهم.

و نصر هذا التعليل المولى الأردبيلي (1)-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية، فقال بعد ذكر استدلال الشيخ و الجماعة على جواز الشهادة على الملكية باليد المتصرفة من قضاء العادة بأنّ ذلك لا يكون إلّا بالملك،و جواز شرائه منه،و أنّه متى حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكية،و لو ادّعي عليه فأنكر جاز له الحلف ما صورته:

و فيه إشكال؛ لأنّ العادة لا تقضي على وجه يوجب العلم،و جواز الشراء لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعاً؛ لجواز الشراء من الوكيل و العاقد فضولاً و الغاصب مع عدم العلم،و دعوى الملكية بعد الشراء لا تقتضي جواز الشهادة على ملكية البائع أوّلاً،و جواز الحلف على بعض الوجوه لا ينفع مطلقاً في محل المنع،و لو سلّم فغير دال على المطلوب (2).

و فيه نظر:فإنّه إن أُريد بذكر الاحتمالات المزبورة في اليد و التصرف من كون كل منهما من الوكيل و المستأجر إنكار حصول المظنة بالملكية

ص:393


1- مجمع الفائدة و البرهان 12:458.
2- الكفاية:284.

بهما،فهو مكابرة صرفة،بل إنكار للبديهة،و لذا نفى في الكفاية بها العلم خاصّة.

و إن أُريد به ما ذكره فيها دون نفي المظنة فحسن لو لم يقم على اعتبارها دليل في المسألة،و الحال أنّه قد قام؛ لما عرفت من الرواية المنجبرة بما مرّ إليه الإشارة و حكاية الإجماع المتقدمة،و هي و إن اختصت باليد المتصرّفة،إلّا أنّ الرواية كافية في الحجية في اليد الخالية عنه؛ لعمومها لها،أو ظهورها فيها،و يكون شمول حكمها حينئذ لليد المتصرفة بطريق أولى،هذا.

مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة و ما بعدها من الأخبار (1)المعاضدة و لو لم تكن بنفسها حجة مستقلة.

و الشهرة الجابرة للرواية كما تحققت في اليد المتصرفة محققة و محكية في كلام جماعة كما عرفته،فكذلك هي هنا متحققه؛ لإطباق جمهور المتأخرين على الحكم هنا أيضاً عدا الماتن هنا و في الشرائع، و حكى الأكثرية على ذلك بينهم في المسالك و الكفاية (2).هذا.

مضافاً إلى مناقشات أُخر ترد على صاحب الكفاية ليس في ذكرها هنا فائدة مهمة بعد وضوح المأخذ في المسألة بحذافيرها،و الحجةِ من الفتوى و الرواية،بل ربما يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرفة بل مطلقاً الملكية،و عليه بناء الفقهاء بل و المسلمين كافّة،كما يقف عليه المتتبع لأكثر الأحكام الشرعية بل كلّها غير هذه المسألة من المسائل المتعلقة بأحكام اليد.

ص:394


1- راجع ص 390.
2- المسالك 2:411،الكفاية:284.

و لو تعارضت الاستفاضة المجردة عن الضميمة من التصرف أو اليد معهما فالترجيح لهما على الأقوى؛ لعموم الرواية،فتأمّل .و به صرّح جماعة كالفاضلين في الشرائع و التحرير و القواعد و الشهيد في الدروس (1).

الثانية تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد

الثانية: تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرّفه له المتبايعان يعني البائع و المشتري بصفات يتوافقان عليها و يكون شاهداً على إقرارهما بتلك الصفات كما هنا و في السرائر و التحرير و الدروس (2)، و لا خلاف فيه على الظاهر،و مستنده مع ذلك واضح.

و في المكاتبة الصحيحة:في رجل باع ضيعة من رجل آخر،و هي قطاع أرضين،و لم يعرف الحدود في وقت ما أشهده،و قال:إذا أتوك بالحدود فاشهد بها،هل يجوز له ذلك،أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقّع(عليه السّلام):« نعم يجوز،و الحمد للّه تعالى».

و كتب:هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل القرية إذا كانوا عدولاً؟فوقّع(عليه السّلام):« نعم يشهدون على شيء مفهوم معروف».

و كتب:رجل قال لرجلين:اشهدا أنّ جميع الدار التي له في موضع كذا و كذا بحدودها كلّها لفلان بن فلان،و جميع ماله في الدار من المتاع، هل يصلح للمشتري ما في الدار و البيّنة لا تعرف المتاع أي شيء هو؟ فوقّع(عليه السّلام):« يصلح له ما أحاط به الشراء بجميع ذلك إن شاء اللّه تعالى».

و كتب إليه:هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من

ص:395


1- الشرائع 4:134،التحرير 2:211،القواعد 2:240،الدروس 2:134.
2- السرائر 2:130،التحرير 2:215،الدروس 2:135.

أهل تلك القرية فشهدوا أنّ حدود هذه القرية التي باعها الرجل هذه،و هل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة و لم يسمّ الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة و شهدوا له،أم لا يجوز له أن يشهد و قد قال لهم البائع:اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟فوقّع(عليه السّلام):« لا يشهد إلّا على صاحب الشيء و بقوله إن شاء اللّه تعالى» (1).

قيل:و المنع عن الشهادة في هذا الجواب الأخير إلّا على صاحب الشيء محمول على أنّه لا يشهد إلّا بقول المالك مجملاً،و لا ينسب التفصيل الذي عرفه من غيره إليه،بل يخبر بالصورة،أو يشهد إجمالاً،أو محمول على عدم تعيين المالك للذي يأتي بالحدود فيبقى على جهالته و يكون الإقرار مبهماً؛ أو على عدم عدالتهم (2).

الثالثة لا يجوز إقامة الشهادة إلّا مع الذكر

الثالثة: لا يجوز للشاهد إقامة الشهادة إلّا مع الذكر لمتعلّقها و التفطن له بالقطع،فلو لم يتذكّره كذلك لم يجز له الإقامة مطلقاً و لو رأى خطّه و خاتمه فظن به،بلا خلاف إذا لم يكن معه آخر ثقة،و لا كان المدّعى ثقة،و على الأشهر بين المتأخرين بل عامتهم إلّا النادر (3)مطلقاً، وفاقاً منهم لجماعة من القدماء كالحلّي و ابن زهرة و الحلبي (4).

للأصل،و عموم ما مرّ من الأدلة على اعتبار العلم في مستند الشهادة، و خصوص إطلاق بعضها،كالقوي بالسكوني و صاحبه:« لا تشهد بشهادة

ص:396


1- الكافي 7:4/402،الفقيه 3:673/153 676،الوسائل 27:407 كتاب الشهادات ب 48 ح 1.
2- قال به صاحب الوسائل 27:408.
3- انظر المفاتيح 3:287 288.
4- الحلّي في السرائر 2:131،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،الحلبي في الكافي:437.

لا تذكرها،فإنّه من شاء كتب كتاباً و نقش خاتماً» (1).

و الحسن:جاءني جيران بكتاب فزعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه، و في الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته،و لست أذكر الشهادة،و قد دعوني إليها،فأشهد لهم بمعرفتي أنّ اسمي في الكتاب و لست أذكر الشهادة؟أو لا تجب لهم الشهادة حتى أذكرها،كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن؟فكتب:« لا تشهد» (2).

و قصور الأسانيد أو ضعفها إن كان منجبر بما مرّ من الشهرة و الأصل و عموم الأدلة،مع دعوى الحلّي في السرائر كثرتها بحيث لا تحصى،بل و تواترها و الإجماع على مضامينها خصوصاً أو عموماً (3).

و لكن في رواية صحيحة مروية في الكتب الأربعة (4)أنّه إن شهد معه أي مع الذي عرف خطّه و خاتمه و لم يذكر من الباقي قليلاً و لا كثيراً،رجل آخر ثقة و كان صاحبه المدّعى أيضاً ثقة جاز له حينئذ إقامتها و قد عمل بها الشيخ في النهاية و المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و والد الصدوق (5)،بل هو و الكليني أيضاً؛ لروايتهما لها

ص:397


1- الكافي 7:4/383،الفقيه 3:146/43،التهذيب 6:683/259،الإستبصار 3:66/22،الوسائل 27:323 كتاب الشهادات ب 8 ح 4.
2- الكافي 7:2/382،التهذيب 6:684/259،الإستبصار 3:67/22،الوسائل 27:322 أبواب الشهادات ب 8 ح 2.
3- السرائر 2:131.
4- الكافي 7:1/382،الفقيه 3:145/43،التهذيب 6:681/258،الإستبصار 3:68/22،الوسائل 27:321 أبواب الشهادات ب 8 ح 1.
5- النهاية:330،المفيد في المقنعة:728،حكاه عن الإسكافي في المختلف:724،القاضي في المهذب 2:561،الديلمي في المراسم:234،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:724.

في كتابيهما،و لا ينافي ذلك روايتهما بعد ذلك مضمون رواية السكوني؛ لإطلاقه،و صراحة هذه،بحيث يحتمل التقييد بها عندهما.

و بالجملة:لا شبهة في شهرة العمل بها بين القدماء،و به صرّح الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس (1)،لكنه ادّعى الأكثرية بينهم دون الشهرة،فشهرتها بينهم مع صحتها ترجّحها على ما قابلها من العمومات و الإطلاقات،سيّما مع كونها خاصّة صريحة بالإضافة إليها تصلح لتخصيصها و تقييدها.

لكن يمكن أن يقال:إنّها و إن كانت خاصّة صريحة من جهة،لكنها عامّة لصورتي حصول العلم بالمشهود به بشهادة الثقة معه و عدمه،و الأدلة المتقدمة و إن كانت عامّة لصورتي وجود الثقة مع الخط و الكتابة إلّا أنّها خاصّة بالإضافة إلى اشتراط العلم و المعرفة،فكما يمكن تخصيص هذه الصحيحة لها،كذا يمكن العكس جدّاً،فتخصّصها تلك الأدلة بصورة حصول العلم من شهادة الثقة مع الخطّ و الكتابة.

و بالجملة:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر و لهذا يحصل في العمل بهذه الرواية و ترجيحها على تلك الأدلة بتخصيصها بها دون العكس تردّد كما هو صريح الماتن هنا و ظاهر الشهيد في الدروس،حيث نقل القولين مقتصراً عليهما،و ذلك لفقد المرجح لها،و تعارض الشهرة من الطرفين كسائر وجوه التراجيح من الجانبين.

مع أنّ الأصل و الكثرة مع دعوى التواتر و الإجماع في الأدلة الأوّلة

ص:398


1- المختلف:725،الدروس 2:134.

أقوى مرجح لها على هذه الصحيحة؛ لأنّها بطرف الضدّ لتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه المرجحات المزبورة،مع أنّ الشهرة المتأخرة المرجحة لها أعظم من الشهرة القديمة المرجحة لهذه الصحيحة،مع إمكان التأمّل في شهرتها بين القدماء كما هي؛ لدلالتها على اعتبار كون المدّعى أيضاً ثقة و لم يعتبره من الجماعة غير والد الصدوق خاصّة،فالعامل بها على هذا نادر،فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم كما فعله في المختلف فيها و في أقوال العاملين بها أيضاً (1)متعين،فالمصير إلى ما عليه المتأخرون متّجه،سيّما مع كونه أحوط،كما صرّح به الشيخ في الاستبصار و القاضي (2).

الرابعة من حضر حسابا أو سمع شهادة

الرابعة: من حضر حساباً بين رجلين أو سمع شهادة في قضيتهما فإن استشهد وجب عليه الإقامة،بلا خلاف،و إن اختلفوا في عينيّته مطلقاً كما عليه الشيخ و جماعة (3)،أو كفائيته إلّا إذا انحصر ثبوت الحق في شهادته فكما قالوه.

و إن كان لم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان الحق إن امتنع و قد مضى البحث في جميع ذلك في بحث وجوب إقامة الشهادة و أنّ هذا الحكم الأخير ليس فيه (4)تردّد لأنّ مقتضاه وجوب الإقامة حينئذ كفاية،و هو ليس محل خلاف يعرف،بل مرّ عن جمع دعوى الإجماع عليه.

و حينئذ فإن أُريد بمحل التردد في العبارة هذا فهو كما ترى،و إن كان

ص:399


1- المختلف:725.
2- الاستبصار 3:22،القاضي في المهذب 2:561.
3- لم نعثر على قول الشيخ و انظر السرائر 2:132،و كشف الرموز 2:531،و التنقيح 4:314.
4- في المطبوع من المختصر(290):في الرواية.

ما يفهم من سياقها من عينية الوجوب مطلقاً إن استشهد كما عليه الشيخ و جماعة فحسن،و قد مرّ وجه التردّد حينئذ،و أنّ ما اختاره لا يخلو عن قوّة،إلّا أنّ احتمال إرادة هذا من العبارة بعيد عن سياقها،بل ظاهرها إرادة الاحتمال الأوّل،و عليه فيتوجه النظر إليه بما عرفته.

نعم لو كان رأي الشيخ و من وافقه عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء مطلقاً حتى لو خاف بطلان الحق لو امتنع،و محصّله عدم الوجوب حينئذ لا عيناً و لا كفايةً،كما فهمه منهم جماعة (1)توجّه التردّد حينئذ،بل تعيّن بطلانه و إن شهد له إطلاق ما مرّ من كثير من المعتبرة،إلّا أنّ المستفاد من جملة أُخرى منها كما مضى عدم عينيته حينئذ خاصّة، لا عدم كفائيته أيضاً،بل تجب لو خشي بطلان الحق لو امتنع،كما ذكره الماتن هنا،و صرّح به الشيخ (2)أيضاً و جملة من موافقيه (3)و إن أطلقوا عدم الوجوب مع عدم الاستشهاد بحيث يتوهم منهم عدم الوجوب و لو كفايةً، إلّا أنّ الظاهر إرادتهم صورة عدم الخوف من بطلان الحق مع عدم الإقامة، و لذا نسب في الدروس (4)إليهم عين ما في العبارة من عدم الوجوب إلّا مع خشيته بطلانه مع عدمها،و جعل الفاضل في المختلف النزاع بينهم و بين الحلّي الحاكم بوجوب الإقامة و نفي الخيار فيها لفظياً،فقال بعد نقل عبائرهم جملة-:

و التحقيق أنّه لا نزاع في المعنى هنا؛ لأنّ الشيخ قصد بالجواز و الخيار

ص:400


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:317،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 12:520 و السبزواري في الكفاية:286.
2- النهاية:330.
3- منهم القاضي في المهذب 2:561،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:139.
4- الدروس 2:134.

من حيث إنّه فرض كفاية يجوز له تركه إذا قام غيره مقامه،و لهذا إذا لم يقم غيره مقامه و خاف لحوق ضرر بإبطال الحق وجب عليه إقامة الشهادة،فإن قصد ابن إدريس الوجوب هنا عيناً فهو ممنوع،نعم في الحقيقة لا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء و بين أن يشهد معه (1).انتهى.

و من قوله:نعم،إلى آخره،يظهر تفطنه لكون النزاع معنوياً، و لا وجه له بعد اعترافه بكون مذهب الشيخ الوجوب كفايةً مع عدم الاستدعاء إلّا ما قدّمنا من الوجوب عيناً مطلقاً مع الاستدعاء،كما هو ظاهر مفهوم كلام الشيخ و الأخبار التي قدّمناها بعد ضمّ بعضها إلى بعض كما مضى.

و حيث ظهر لك اعترافه أخيراً بكون النزاع بينهم معنوياً اتضح لك ما في كلام شيخنا في المسالك و صاحب الكفاية (2)عليه حيث قالا بعد أن نقلا عنه جعله النزاع لفظياً؛ لما ذكره-:و فيه نظر؛ لأنّ الأخبار المذكورة مفصّلة مصرّحة بالفرق بين من يستدعي و بين من لا يستدعي،و أنّه يتعين على المستدعي الشهادة مع أنّ الوجوب حينئذ كفائي اتفاقاً و إن عرض له التعيين،و على ما ذكره في المختلف من المعنى لا فرق بين الحالتين، و لا يبقى للتفصيل في الأخبار فائدة أصلاً،و لا وجه لهذا التكلّف الذي لا يساعد عليه الكلام،و الحق أنّ النزاع معنوي صرف.انتهى.

و كأنّهما لم يلاحظا قوله الأخير المعترف فيه بمعنوية النزاع كما ذكراه،و يتوجه عليهما زيادةً على ذلك أنّ الفاضل جعل النزاع بين الشيخ و الحلّي لفظياً،لا بين الأخبار،بل ما ذكر منها شيئاً،فتأمّل جدّاً .

ص:401


1- المختلف:725.
2- المسالك 2:415،الكفاية:286.

و أيضاً فدعواهما الوفاق على كفائية الوجوب بعد اعترافهما بمعنوية النزاع،و ظهور العينية مطلقاً مع الاستدعاء من الشيخ و موافقيه ليس في محله،بل الظاهر كون العينية مطلقاً حيث قالوا به ليس محل وفاق،بل محل نزاع كما اعترفا به،و حينئذ يتقوى مختارهم كما تقدم.

و أيضاً ظاهر عبارتهما التي حكيناها أنّ أثر معنوية النزاع إنّما يظهر في عينية الوجوب مطلقاً مع الاستدعاء و كفائيته مع عدمه،مع أنّهما ذكرا في تحرير محل النزاع ما ظاهره كون أثره إنّما هو أصل الوجوب مع عدم الاستدعاء،حيث قالا بعد الحكم بكفائية الوجوب مطلقاً-:و المشهور عدم الفرق في الوجوب بين من استدعي و غيره؛ لعموم الأدلة إلى أن قالا-:و ذهب جماعة منهم الشيخ و ابن الجنيد و أبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلّا مع الاستدعاء؛ لصحيحة محمّد بن مسلم.ثم ساقا جملة من الأخبار المطلقة.

و عبارتهما هذه كالنص بل نص في أنّ الشيخ و من بعده لم يقولوا بالوجوب في صورة عدم الاستدعاء بالكلية و لو كفايةً،و هذا مع منافاته لعبارتهما المتقدمة منافٍ لما نسبه إليهم الفاضل و الشهيد كما عرفته، و عرفت أنّ الحقّ معهما.

و يكره أن يشهد المؤمن لمخالف له في المذهب إذا خشي أنّه لو استدعاه إلى الحاكم ليشهد له يردّ شهادته فيكون قد أذلّ نفسه، كما في المرسل:قلت له:إن شريكاً يردّ شهادتنا،قال:فقال:« لا تذلّوا أنفسكم» (1).

ص:402


1- التهذيب 6:779/283،الوسائل 27:412 كتاب الشهادات ب 53 ح 1.

و قصور سنده بل ضعفه يمنع عن العمل به،سيّما و أن يخصَّص به عموم أدلة وجوب إقامة الشهادة من الكتاب و السنّة،و لذا أنّ في التحرير نسب الحكم إلى الرواية (1)،مشعراً بتردّده فيه.

و حمله الصدوق في الفقيه على كراهية التحمّل دون الأداء (2).

و نحوه الحلّي،فقال:و فقه هذه الرواية أنّه إنّما يكره أن يتحمّل له شهادةً ابتداءً،فأمّا إن تحمّلها فالواجب عليه أداؤها و إقامتها إذا دعي[إلى] ذلك عند من دعي إلى إقامتها عنده،سواء ردّها أو لم يردّها،قبلها أو لم يقبلها،بغير خلاف؛ لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [1] (3)(4)انتهى.

و ظاهرهما عدم الاستشكال في جواز ترك التحمّل،و هو مشكل جدّاً؛ لتساوي الأداء معه في الأدلة الدالة على وجوبهما من الكتاب و السنّة، و عدم قابلية الرواية لتخصيصها،اللّهم إلّا أن يكون إجماعاً،أو يريدا بترك التحمّل إخفاء نفسه عن المخالف لئلّا يشهده،لا تركه عند إشهاده.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في عمل الماتن بالرواية و حكمه بكراهة الشهادة مطلقاً و لو خيف من فوت الحقّ بتركها،إلّا أن يوجّه بأنّ إقامة الشهادة حينئذ يتضمن إذلال المؤمن نفسه بلا شبهة،و صرّحت به الرواية،و هو لا يقصر عن الضرر الذي أُبيح لأجله ترك الشهادة مطلقاً اتفاقاً فتوًى و روايةً،و لا بأس به،و إن كان الأحوط الشهادة،سيّما في صورة اليقين

ص:403


1- التحرير 2:213.
2- الفقيه 3:44.
3- البقرة:283.
4- السرائر 2:130،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة العبارة.

بخوف فوت الحق بتركها،و إن كان لا فائدة فيها بعد فرض تيقن ردّها كما هو مورد الرواية.

و منه يظهر وجه قوّة أُخرى لها،و لما عليه الماتن من الكراهة،لكن في الجملة لا مطلقا،فتأمّل جدّاً .

النظر الثالث في الشهادة على الشهادة

الثالث:في بيان أحكام الشهادة على الشهادة:

و هي مقبولة في الديون و الأموال كالقرض و القراض و عقود المعاوضات و الحقوق المتعلّقة بالآدميين،سواء كانت عقوبة كالقصاص،أو غيرها كالطلاق و النسب و العتق و عيوب النساء و الولادة و الاستهلال و الوكالة و الوصية بفرديه،بلا خلاف أجده،و به صرّح في الكفاية (1)،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى ما استدلوا به من عمومات الكتاب و السنّة بقبول الشهادة.

و خصوص الخبر المروي في التهذيب بسند فيه جهالة،و في الفقيه بسند يحتمل الصحة،بل صرّح بصحته جماعة (3)،مع أنّ القصور إن كان مجبور بعمل الطائفة،و فيه:عن الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد،قال:« نعم و لو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه من أن يحضر و يقيمها» (4).

ص:404


1- الكفاية:286.
2- منهم الشهيدان في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:277،المسالك 2:415،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:292،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:384.
3- انظر روضة المتقين 6:187،و الكفاية:286.
4- الفقيه 3:141/42،التهذيب 6:672/256،الإستبصار 3:59/20،الوسائل 27:402 كتاب الشهادات ب 44 ح 1.

و علّلوه أيضاً بدعاء الحاجة إليها؛ فإنّ شهود الواقعة قد يتفق لهم الموت أو الغيبة،و أنّ الشهادة حق لازم الأداء فتجوز الشهادة عليها كسائر الحقوق المقبولة فيها.

و لا تقبل في الحدود و ما كان عقوبة للّه تعالى،إجماعاً في المختصة به سبحانه كحدّ الزنا و اللواط و نحوهما،على الظاهر المصرَّح به في الإرشاد و الإيضاح و التنقيح و المسالك و الروضة (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين (3)القريب أحدهما من الصحة عن علي(عليه السّلام):

« أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ».

و كذا في المشتركة بينه تعالى و بين الآدميين كحدّ القذف و السرقة عند الأكثر،كما في التنقيح و الروضة (4)،بل المشهور،كما في الإيضاح و المسالك و الكفاية (5)،و لعلّه الأظهر،لإطلاق ما مرّ من المعتبرين،بل عمومهما الناشئ من النكرة المنساقة في سياق النفي،و قصور سندهما منجبر بالاتفاق في الجملة،و بالشهرة في خصوص المسألة،و بأنّ الحدود تدرأ بالشبهة،و قيام البدل مقام المبدل لا تخلو من شبهة.

خلافاً للمبسوط و ابن حمزة و فخر الإسلام في الإيضاح و الشهيدين

ص:405


1- الإرشاد 2:164،الإيضاح 4:444،التنقيح 4:317،المسالك 2:415،الروضة 3:149.
2- كمجمع الفائدة 12:476،و كشف اللثام 2:384.
3- التهذيب 6:667/255،و 671/256،الوسائل 27:404 كتاب الشهادات ب 45 ح 1،2.
4- التنقيح 4:317،الروضة 3:149.
5- الإيضاح 4:444،المسالك 2:416،الكفاية:286.

في النكت و المسالك (1)،فقالوا بالقبول،و حجتهم غير واضحة،عدا ما في المسالك من العموم،و عدم دليل صالح للتخصيص،مع ما فيه من ترجيح حق الآدمي.

و هو حسن إن لم نقل بحجية المعتبرين المنجبرين بما مرّ،و إلّا فما عليه المشهور متعين،و بهما يذبّ عن العموم،و الدليل الصالح للتخصيص يقوم،و الأمر الثالث الاعتباري بعد تسليمه في مقابلة النص المعتبر غير مسموع.

و لو اشتمل سبب الحدّ على أحكام أُخر كاللواط المترتب عليه نشر الحرمة بأُمّ المفعول و أُخته و بنته،و كالزنا بالعمّة و الخالة المترتب عليه تحريم بنتهما،و كالزنا مكرِهاً للمرأة بالنسبة إلى ثبوت المهر،و نحو ذلك، فهل تقبل في غير الحدّ من الأحكام؟وجهان:

من تلازم الأمرين،و كونهما معلولي علّة واحدة.

و من وجود المانع في بعضها،و هو الحدّ بالنص و الإجماع،فيبقى الباقي؛ لأنّه حق آدمي لا مانع من إثباته بشهادة الفرع،و علل الشرع معرّفات فجاز انفكاك معلولاتها،و لذا يثبت بها في السرقة[المال (2)]دون الحدّ عند المانعين لها في الحدّ مطلقاً،و كذا مع الشاهد و المرأتين، و بالعكس لو كان المقرّ سفيهاً،إلى غير ذلك.

و اختار هذا الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد،

ص:406


1- المبسوط 8:231،الوسيلة:233،الإيضاح 4:444،و فيه:أنّ الأصح عدم القبول،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،المسالك 2:416.
2- أضفناه لاستقامة المعنى.

و الشهيدان في الدروس و المسالك و اللمعتين (1)،من دون إشارة منهم إلى خلاف و لا تردّد،عدا شيخنا في المسالك فأشار إلى الوجهين،مشعراً بتردّده بينهما،لكن جعل ثانيهما أقوى.

و لا يجزئ في الشهادة على الشهادة إلّا اثنان عدلان على شاهد الأصل إجماعاً،و للنصوص.

ففي الخبرين:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلّا شهادة رجلين على رجل» (2).

و لأنّ المقصود إثبات شهادة الأصل؛ لأنّه الأمر المشهود به في الشهادة الثانية،دون ما شهد به الأصل،و ذلك لا يتم بشهادة الواحد كما هو الأصل.

نعم لا يشترط المغايرة،فتجوز شهادة اثنين على كل واحد من شاهدي الأصل،و كذا شهادة أحد الأصلين مع الآخر على شهادة الأصل الآخر،و نحو ذلك،بلا خلاف فيه عندنا و عند أكثر من خالفنا كما في الغنية و المسالك (3)،بل ظاهرهما كغيرهما- (4)دعوى إجماعنا عليه،و لعلّه للإطلاق كما صرّح به جمع (5)،و في التمسك به لو لا الإجماع نظر.

ص:407


1- الشرائع 4:140،التحرير 2:216،القواعد 2:242،الإرشاد 2:165،الدروس 2:141،المسالك 2:418،اللمعة و الروضة البهيّة 3:150.
2- الأول في:الفقيه 3:136/41،الوسائل 27:403 كتاب الشهادات ب 44 ح 4.الثاني في:التهذيب 6:668/255،الإستبصار 3:61/21،الوسائل 27:403 كتاب الشهادات ب 44 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):625،المسالك 2:416.
4- انظر المفاتيح 3:293،و كشف اللثام 2:384.
5- منهم الشهيد في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278 و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:479.

و تقبل على الشهادة شهادة النساء في الموضع الذي تقبل فيه شهادتهن منفردات أو منضمّات على قول الإسكافي و الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط (1)،مدّعياً في الأوّل إجماع الفرقة و أخبارهم،و اختاره في المختلف (2)؛ للأصل،و عموم قوله فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ [1] (3).

و الخبر:« شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا حدود إلّا في الديون و ما لا يستطيع النظر إليه للرجال» (4)فإنّه شامل للشهادة الأصلية و الفرعية.

و هذه الأدلة كما ترى؛ لوهن الإجماع بندرة القائل بمضمونه عدا الناقل و نادر.

و الأخبار لم نقف لها على أثر إن أُريد منها ما يدل على الخصوص، و إن أُريد بها نحو الخبر الأخير مما يدل على الحكم بالإطلاق أو العموم فبعد تسليم سنده هنا لا عموم فيه،بل غايته الإطلاق،بل الإجمال الغير المعلوم شموله لمثل ما نحن فيه،سيّما مع عدم تبادره منه،بل تبادر غيره، و هو شهادتهن على نفس الديون و نحوها،دون شهادتهن على الشهادة عليها.

و تقريب الاستدلال بنحو الخبر بالأولوية لا العموم أو الإطلاق كما

ص:408


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:724،الخلاف 6:316،المبسوط 8:233.
2- المختلف:724.
3- البقرة:282.
4- التهذيب 6:773/281،الإستبصار 3:80/25،الوسائل 27:362 كتاب الشهادات ب 24 ح 42.

يفهم من جماعة (1)،المناقشة فيه واضحة بعد إمكان دعوى الفرق بأنّ المستفاد من الفتوى و الرواية أنّ العلّة في قبول شهادتهن في الديون و نحوها أصالةً إنّما هي الضرورة و مسيس الحاجة،إمّا لضرورة الانفراد كالعيوب الباطنة،أو لفقد الرجال كما في الوصية،و هي في نحو المسألة منتفية بلا شبهة،كما ذكره جماعة (2).

و الأصل لا وقع له هنا،بل مقتضاه العكس كما قدّمناه سابقاً.

و الآية موردها الأموال،و الشهادة ليست مالاً.

و من هنا يظهر جواب آخر عن نحو الخبر الذي مرّ،و هو أنّه جعل مورد شهادتهن الديون و نحوها،و شهادتهن فرعاً إنّما هي على الشهادة، و نفس الشهادة ليست من الديون و الأموال و ما لا يطلع عليه الرجال، فلا يدخل في الخبر،و لا في قاعدة ما تقبل فيه شهادة النساء.

و على هذا فالمنع أقوى،وفاقاً للحلّي و الفاضلين في الشرائع و القواعد و التحرير و فخر الدين و الشهيدين في النكت و المسالك و الفاضل المقداد في الشرح (3)،و غيرهم من متأخري الأصحاب (4)،بل لم أقف فيهم على مخالف،و إن تردّد الفاضلان هنا و في الإرشاد و الشهيدان في

ص:409


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:417،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:480،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:385.
2- منهم العلّامة في القواعد 2:242،و ولده في الإيضاح 4:447،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:319،و المفاتيح 3:293.
3- السرائر 2:128،الشرائع 4:140،القواعد 2:242،التحرير 2:216،الإيضاح 4:448،غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،المسالك 2:418،التنقيح 4:319.
4- الكفاية:287،المفاتيح 3:293.

الدروس و الروضة (1)،و لكن لا وجه له كما عرفته.

و لو لا الإجماع المنقول لأمكن القطع بفساد القول الأوّل،و معه و إن كان لا يمكن إلّا أنّ الظن بأظهرية القول المقابل بما قدّمناه حاصل،سيّما مع تأيّده بل و اعتضاده بمفهوم الحصر في الخبرين المتقدمين (2)المتضمّنين لأنّ عليّاً(عليه السّلام)كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلّا شهادة رجلين على رجل،فتأمّل.

هذا مضافاً إلى تأيّده بموافقة الشافعي (3)له،و مخالفة أبي حنيفة إيّاه (4)؛ لأغلبية موافقة الأوّل للشيعة،بخلاف الثاني،فتدبّر.

و اعلم أنّه لا يجوز للفرع التحمّل إلّا إذا عرف أنّ عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت،بلا خلاف؛ لانّه المتبادر،و المعنى الحقيقي للشهادة على الشهادة.

و أجلى الألفاظ التي تتحمّل بها هو أن يقول له شاهد الأصل:

اشهد على شهادتي أنني أشهد كذا أو أُشهدك،أو إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد،و نحو ذلك.

و سمّوه بالاسترعاء،لالتماس شاهد الأصل رعاية شهادته و الشهادة بها،و لا خلاف في جواز التحمّل به على الظاهر،المصرَّح به في الكفاية (5)و غيره (6)،بل عليه الإجماع في الإيضاح و التنقيح و المسالك (7).

ص:410


1- الإرشاد 2:165،الدروس 2:141،الروضة 3:152.
2- في ص 406.
3- الأُم 7:49.
4- بدائع الصنائع 6:282،حكاه عنه في الخلاف 2:630.
5- الكفاية:287.
6- مجمع الفائدة و البرهان 12:477.
7- الإيضاح 4:445،التنقيح 4:319،المسالك 2:416.

و ألحَقَ به جماعة أن يسمعه يسترعي آخر (1).

قالوا:و دونه أن يسمعه يشهد عند الحاكم و إن لم يسترعه؛ لأنّه لا يتصدّى للإقامة عند الحاكم إلّا بعد تحقق الوجوب.

و دونه أن يسمعه يبيّن سبب وجود الحق من ثمن مبيع أو قرض أو غير ذلك؛ لأنّه بعيد عن التساهل و الوعد.

أمّا لو قال:أشهد أنّ عليه كذا،من دون استرعاء و لا ذكر سبب و لا في مجلس الحكم فلا تجوز شهادة الفرع،لاعتياد التسامح بذلك من غير تحقق لغرض صحيح أو فاسد،بخلاف ما لو سمعه يقرّ لآخر،فإنّه تجوز الشهادة عليه،لأنّه مخبر عن نفسه،و لأنّه يعتبر في الشهادة ما لا يعتبر في الإقرار.

و الأصل في ترتيب هذه المراتب هو الشيخ في المبسوط (2)،و وافقه الإسكافي على القبول في صورة الاسترعاء خاصّة (3)،و ظاهره المنع فيما عداها.

و المتأخرون تبعوا الشيخ إلّا في الجزم بالقبول في المرتبة الثالثة،فقد تردّد فيه الفاضلان (4)و غيرهما (5)،و جزموا بالفرق بينها و بين الرابعة عدا الماتن في الشرائع (6)فقد استشكله،قيل:لاشتمالهما على الجزم الذي لا يناسب العدل أن يتسامح به،فالواجب إمّا القبول فيهما أو الردّ كذلك،

ص:411


1- منهم المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:294،و الشهيد الثاني في المسالك 2:416،و السبزواري في الكفاية:287.
2- المبسوط 8:231.
3- نقله عنه في المختلف:729.
4- المحقق في الشرائع 4:139،العلّامة في القواعد 2:241.
5- انظر الإيضاح 4:446.
6- الشرائع 4:139.

لكن الأوّل بعيد،بل لم يقل به أحد،فيتعين الثاني (1).

و التحقيق أن يقال:إنّ هذه المراتب خالية عن النص كما ذكره الحلّي (2)متردّداً فيها بعد أن نقلها عن المبسوط،فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأُصول،و هو ما قدّمناه من اعتبار على الفرع بشهادة الأصل من دون فرق بين الصور المتقدمة،حتى لو فرض عدمه في صورة الاسترعاء و إن بعد باحتمال إرادة الأصل منه المزاح و نحوه لم يجز أداء الشهادة على شهادته،و لو فرض حصوله في الصورة الرابعة التي هي عندهم أدونها جاز،بل وجب.

و بالجملة:لا بدّ من العلم بشهادة الأصل،فحيثما حصل تبع،و حيث لا فلا.

و إلى هذا يشير كلام الفاضل المقداد في الشرح،حيث قال بعد أن نقل من الماتن التردّد في المرتبة الثالثة-:و الأجود أنّه إن حَصَلت قرينة دالة على الجزم و عدم التسامح قبلت،و إن حصلت قرينة على خلافه كمزاح أو خصومة لم تقبل (3).

و أظهر منه كلام المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه)-،فإنّه قال بعد ذكر التردّد و وجهه-:و الأقوى أنّه إن تيقن عدم التسامح صار متحمّلاً،و إلّا فلا (4).

و بالجملة:ينبغي العمل بعموم الأدلة،ففي كل موضع يحصل اليقين بشهادة الأصل مجزوماً يقيناً بأنّ الأصل شهد بكذا و ليس فيما قاله مسامحة

ص:412


1- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:294.
2- السرائر 2:130.
3- التنقيح الرائع 4:320.
4- مجمع الفائدة و البرهان 12:478.

و مماشاة للفرع أن يشهد بشهادته و تقبل،و إلّا فلا خصوصية بعبارة دون أُخرى،إلّا أنّ بعض العبارات أولى و أصرح من البعض.

ثم إنّه ينبغي أن يأتي الفرع وقت الشهادة بمثل ما أُشهد،فإن كان في المرتبة الأُولى يقول:أشهدني على شهادته فلان بن فلان،إلى آخره.و في الثانية يقول:أشهد أنّ فلاناً شهد عند الحاكم بكذا.و في الثالثة يقول:أشهد أنّ فلاناً شهد على فلان بكذا بسبب كذا.

و لا تقبل شهادة الفرع إلّا مع تعذّر حضور شاهد الأصل مجلس الحكم لمرض أو غيبة أو موت أو نحو ذلك مما يمنعه من حضور المجلس و إن كان حاضراً،أو يوجب مشقّةً لا تتحمّل غالباً،على المشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (1)حدّ الاستفاضة، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف حتى من الخلاف (2)و إن حكي فيه عن بعض الأصحاب،و قيل:مال إليه (3)لدعواه الإجماع على الاشتراط،و عدم وضوح ميله إلى ما نقله عن البعض،إلّا من حيث ذكره دليله ساكتاً عليه، و لعلّ وجهه اكتفاؤه في ردّه بما قدّمه من الإجماع.

و لعلّ البعض الذي نقل الخلاف عنه هو والد الصدوق،فإنّه المخالف في المسألة،كما يستفاد من جماعة و منهم الشهيد في النكت و المقدّس الأردبيلي-(رحمه اللّه) و صاحب الكفاية (4)،و لكن أنكره الفاضل في المختلف (5)

ص:413


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:417،و السبزواري في الكفاية:287،و المحقق الكاشاني في المفاتيح 3:293.
2- الخلاف 6:314.
3- قاله الشهيد في الدروس 2:141.
4- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:278،مجمع الفائدة و البرهان 12:481،الكفاية:287.
5- المختلف:724.

بعد أن حكى النسبة المزبورة إليه عن الحلّي،و يحتمل أن يكون هو الإسكافي كما يظهر من مذهبه الآتي،و به صرّح في الدروس (1).

و كيف كان،لا ريب في ندرته و مخالفته الإجماع الظاهر و المحكي، المعتضد زيادةً على الأصل بمفهوم خصوص ما مرّ من بعض النصوص:

عن شهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد،قال:« نعم،و لو كان خلف سارية إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه أن يحضر و يقيمها» (2).

و لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ما شهد به فالمروي:العمل بأعدلهما،فإن تساويا اطرح الفرع.

ففي الصحيح المروي في الفقيه:في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال:لم أشهده،فقال:« تجوز شهادة أعدلهما،و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز الشهادة» (3).

و نحوه غيره في الكافي و التهذيب (4).

و به أفتى الشيخ في النهاية و القاضي و الصدوقان و ابن حمزة (5)لكن فيما إذا أنكر بعد الحكم،و أمّا قبله فيطرح الفرع،و قريب منه الفاضل في المختلف (6).

ص:414


1- الدروس 2:141.
2- في ص 402.
3- الفقيه 3:137/41،الوسائل 27:405 كتاب الشهادات ب 46 ح 1.
4- الكافي 7:2/399،التهذيب 6:669/256،الوسائل 27:405 كتاب الشهادات ب 46 ح 2.
5- النهاية:329،القاضي في المهذب 2:561،الصدوق في المقنع:133،و حكاه عن والده في المختلف:723،الوسيلة:234.
6- المختلف:723.

و حجتهما على هذا التفصيل غير واضحة،عدا الجمع بين ما مرّ من الأدلة على اشتراط تعذر حضور الأصل في سماع شهادة الفرع،و هذه الرواية بحملها على بعد الحكم،و السابقة على العكس.

و لا شاهد عليه مع إطلاق أدلة الطرفين،مع أنّ ظاهر جماعة من الأصحاب و منهم الفاضل أيضاً في جملة من كتبه (1)تقييد الرواية و كلام القائلين بها بعكس ما ذكراه،معربين عن عدم الخلاف في عدم الالتفات إلى الإنكار بعد الحكم،معلّلين بنفوذه فيستصحب.

و نسبه المقدّس الأردبيلي(رحمه اللّه)إلى أصحاب (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

فلا إشكال فيه،و لا في فساد ما عليه الإسكافي (3)من عدم الالتفات إليه مطلقاً و لو قبل الحكم مع أعدلية أحدهما أو تساويهما فيها؛ لاتفاق الرواية و ما مرّ من الأدلة على ردّه،لمنافاة ما ذكره لمضمون كل منهما.

و إنّما الإشكال في العمل بهذه الرواية و ترجيحها على تلك الأدلة في المسألة،إمّا بتقييدها بهذه الرواية،أو حملها ككلام الأصحاب العاملين بها من دون إشكال و لا خلاف معتدّ به كما عرفت على ما ذكره الشهيد في النكت (4)من أنّ المراد اشتراط تعذّر الأصل في صحة أداء شهادة الفرع، لا في سماعها منه،فإذا أدّاها و الأصل غائب حصل الشرط،و لا ينافي سماعها منه بعد حضوره مع أعدليته كما عليه الجماعة و دلّت عليه الرواية.

ص:415


1- انظر المختلف:723،و القواعد 2:242،و التحرير 2:216.
2- مجمع الفائدة و البرهان 12:486.
3- حكاه عنه في المختلف:723.
4- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:279.

أو أنّه إذا كان الأصل و الفرع متفقين،فإنّه حينئذ لا يحتاج إلى شهادة الفرع،للاستغناء بالأصل و زيادة الكلفة بالبحث عن الجرح و التعديل،أمّا مع التناكر فيمتنع تناول العبارة.

قال:و بالجملة:فهم لم يصرِّحوا بأنّ ذلك مناف لشهادة الفرع،بل ظاهر كلامهم أنّ سماع شهادة الفرع مشروط بتعذّر شاهد الأصل إذا كان يشهد و المنكر لا يشهد.

أو ترجيح تلك الأدلة على هذه الرواية و إن كانت صحيحة؛ لأنّ ظاهرها متروك من حيث اشتمالها على شهادة الرجل الواحد(على الواحد) (1)و هو مخالف للإجماع فتوًى و نصّاً كما مضى.

و هذا مذهب الشيخ في المبسوط و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلين (2)، و غيرهم (3).

و بالجملة:أكثر المتأخرين،بل المشهور مطلقاً كما في المسالك و غيره (4)،و زاد الأوّل فنسبه كالشهيد في النكت إلى عامّة المتأخرين، معربين عن دعوى إجماعهم عليه.

و لعلّه أقرب؛ للشهرة المرجّحة للأدلة المتقدمة على هذه الرواية، سيّما مع ما هي عليه من الكثرة و الاعتضاد من أصلها بالشهرة بل الإجماع كما عرفته،و حيث تعيّن ترجيحها على الرواية ظهر صحة ما أورده الماتن

ص:416


1- ما بين القوسين ليس في« س».
2- المبسوط 8:233،الحلّي في السرائر 2:127،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):625،المحقق في الشرائع 4:139،العلّامة في القواعد 2:242.
3- منهم الشهيد في الدروس 2:141،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 12:486.
4- المسالك 2:417؛ و انظر مجمع الفائدة 12:483.

على العمل بها بقوله:

و فيه إشكال؛ لأنّ قبول الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل كما عرفته من الأدلة الراجحة،فينبغي طرح هذه الرواية،أو تخصيصها بما إذا قال الأصل:لا أعلم،دون أن يردّه بصريح الإنكار،كما ذكره الفاضلان في الشرائع و التحرير و القواعد و فخر الإسلام في الشرح (1)،و لكن لا شاهد لهم على هذا التخصيص،عدا وجه جمع خال عن الدليل،مع إمكانه بغيره.

و مع ذلك فاعترضه عميد الرؤساء بأنّه لا يمكن حينئذ العمل بقول الأعدل إذا كان هو الأصل؛ لأنّه غير شاهد (2).و زاد الشهيد(رحمه اللّه)بأنّه غير منطوق الرواية (3)؛ لتضمّنها قوله:« لم أشهده» و فيه نظر.

و الصيمري في شرح الشرائع،حيث قال بعد نقل ما مرّ من التخصيص عن الفخر-:و فيه نظر؛ لأنّ المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل و هو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة، أو يترك الإقامة؛ لعدم علمه بها،أو لغير ذلك (4).

و اعلم أنّه لا تقبل شهادة على شهادة على شهادة و محصّله أنّ الشهادة الثالثة فصاعداً غير مسموعة في شيء حتى في حقوق الناس و أموالهم،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر التحرير و المسالك (5)،و صريح الغنية،و المحكي عن الماتن و المقدس الأردبيلي

ص:417


1- الشرائع 4:139،التحرير 2:216،القواعد 2:242،الإيضاح 4:450.
2- كنز الفوائد 3:563.
3- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضويّة،الورقة:279.
4- غاية المرام 4:301.
5- التحرير 2:211،المسالك 2:415.

و غيرهم (1)،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص ما دلّ على قبول الشهادة على الشهادة بالثانية دون ما زاد،و خصوص الخبر المنجبر بالعمل:« و لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة» (2).

النظر الرابع في اللواحق

مسائل

الأولى إذا رجع الشاهدان قبل القضاء

الرابع:في اللواحق، و فيه مسائل ست:

الأُولى: إذا رجع الشاهدان أو أحدهما قبل القضاء بشهادتهما لم يحكم بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في المبسوط (3)و كثير من العبائر (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسل الآتي،و الأصل،مع اختصاص ما دلّ على وجوب الحكم بالبينة من الفتوى و الرواية بحكم التبادر بصورة عدم الرجوع بلا شبهة،مع أنه لا يدرى أنهم صدقوا أوّلاً أو آخراً،فلا يبقى ظن الصدق بهما،و لم يحصل حكم يكون نقضه ممتنعاً.

و لو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم و ضمن الشهود ما غرمه المشهود عليه،بلا خلاف مع استيفائه و تلفه على الظاهر،المصرَّح به في كثير من العبائر (5)،بل عليه الإجماع في السرائر و القواعد (6)،و هو الحجة.

ص:418


1- الغنية(الجوامع الفقهية):625،مجمع الفائدة 12:475،و انظر غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:277،و المفاتيح 3:292.
2- الفقيه 3:142/42،الوسائل 27:404 كتاب الشهادات ب 44 ح 6.
3- المبسوط 8:246.
4- الكفاية:288،و المفاتيح 3:296.
5- كما في مجمع الفائدة 12:503،و الكفاية:288.
6- السرائر 2:148،القواعد 2:245.

مضافاً إلى مرسلة جميل كالصحيحة به و بابن أبي عمير الراوي عنه، فإنّهما ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة:في الشهود إذا شهدوا على رجل،ثم رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل:«ضمنوا ما شهدوا به و غرموه،و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم و لم[يغرم] الشهود شيئاً» (1).

و في النبوي الخاصي:« من شهد عندنا بشهادة ثم غيّرها أخذنا بالأُولى و طرحنا الأُخرى» (2).

و كذا مع بقائه مطلقاً،استوفي أم لا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضا كما يفهم من المبسوط،لكن في صورة الاستيفاء خاصّة فإنّه قال:و إن رجعوا بعد الحكم و بعد الاستيفاء لم ينقض حكمه،بلا خلاف إلّا من سعيد بن المسيب و الأوزاعي،فإنّهما قالا ينقض (3).

و عبارته كما ترى عامّة لصورتي بقاء العين و تلفها،و في السرائر الإجماع عليه أيضاً (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق المرسل و ما بعده المؤيد بعد الشهرة و حكاية الإجماع و نفي الخلاف المتقدمة بما ذكره الجماعة من الأدلة:من نفوذ

ص:419


1- الكافي 7:1/383،الفقيه 3:124/37،التهذيب 6:685/259،الوسائل 27:326 كتاب الشهادات ب 10 ح 1،و بدل ما بين المعقوفين في النسخ:يغرموا،و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- الفقيه 3:74/27،التهذيب 6:775/282،الوسائل 27:328 كتاب الشهادات ب 11 ح 4.
3- المبسوط 8:246.
4- السرائر 2:146 148.

الحكم بالاجتهاد فلا ينقض بالاحتمال؛ و أنّ الشهادة إقرار و الرجوع إنكار، و الإنكار بعد الإقرار غير مسموع،و أنّ الشهادة أثبت الحق فلا يزول بالطارئ كالفسق و الموت.

و منه يظهر ضعف ما اختاره الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة (1)من أنّه إن كانت العين المحكوم بها للمشهود له قائمة عنده ارتجعت منه و لم يغرما شيئاً و إن كانت تالفة ضمن الشهود مثلها أو قيمتها للمشهود عليه.

و مع ذلك حجتهم عليه غير واضحة،عدا ما استدل لهم جماعة من أنّ الحقّ ثبت بشهادتهما،فإذا رجعا سقط كما لو كان قصاصاً (2).

و هو كما ترى،لما فيه من إعادة المدّعى،و القياس المتضمن فارقاً؛ فإنّ القصاص يسقط بالشبهة،بخلاف الحق المالي،مع أنّه جارٍ فيما إذا استوفي العين و تلفت،و لم يقولوا فيه بما هنا،بل التزموا بالحكم ثمّة، فتأمّل جدّاً .

و أمّا ما في الكفاية (3)من الاستدلال لهم بالصحيح:في شاهد الزور، قال:« إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ إلى صاحبه،و إن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما تلف من مال الرجل» (4)فضعيف في الغاية،بل هو غفلة واضحة؛ لوضوح الفرق بين شهادة الزور و الرجوع عن الشهادة؛ لأعميته عن الأوّل

ص:420


1- النهاية:336،القاضي في المهذب 2:564،ابن حمزة في الوسيلة:234.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:322،و السبزواري في الكفاية:288،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:297.
3- الكفاية:288.
4- الكافي 7:3/384،الفقيه 3:116/35،التهذيب 6:686/259،الوسائل 27:327 كتاب الشهادات ب 11 ح 2.

بلا شبهة،فيحتمل اختصاصه بما في الصحيحة،دون الرجوع عن الشهادة، و يكون الحكم فيه ما ذكره الجماعة.

و لا بُعد في الاختصاص بعد ورود النص الصحيح به،و إطباق الفتاوي عليه كما يأتي،و وضوح ما ذكرناه من الفرق،فإنّ الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الأُولى على الزور ليترتب عليه ما في الصحيح المزبور،لما مرّ من التردّد بين صدق الاُولى و الثانية،و معه لا يقطع بكون الاُولى على الزور.

و بالجملة:ما في الصحيح من الحكم برّد العين مع بقائها و ضمان الشهود لها مع تلفها معلّق على شاهد الزور،و هو فرع العلم به للحاكم بنحو من الشياع و غيره،و لا يحصل بالرجوع و نحوه.

و بذلك صرّح الأصحاب،و منهم الشهيدان و غيرهما (1)،حيث قالوا بعد الحكم بما في الصحيح الوارد في شاهد الزور-:و إنّما يثبت التزوير بقاطع،كعلم الحاكم لا بشهادة غيرهما،و لا بإقرارهما؛ لأنّه رجوع.

و هذا القول صريح في الفرق الذي ذكرناه.

و أصرح منه ما ذكره الفاضل في المختلف،حيث قال بعد أن نقل عن الإسكافي قوله بأنّه إذا علم الحاكم ببطلان الشهادة فإن كان الشيء الذي حكم به قائماً ردّ على صاحبه،إلى آخر ما في الصحيح ما لفظه:و هذا الكلام حق؛ لأنّ العلم ببطلان الشهادة غير الرجوع،لجواز أن يكون الرجوع باطلاً (2).انتهى.

و بالجملة:لا ريب في كون ما ذكره غفلةً و ضعيفاً في الغاية.

ص:421


1- الدروس 2:145،المسالك 2:420،المفاتيح 3:299.
2- المختلف:727.

و أضعف منه ترجيحه لهذا القول بعد استدلاله المتقدم إليه الإشارة، و ذلك فإنّه بعد تسليم ارتباط الصحيحة بمورد المسألة لا يمكن المصير إليها بمجرد الصحة؛ لرجحان ما قدّمناه من المرسلة و غيرها عليها من وجوه عديدة،و منها اعتضادها دون الصحيحة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته في كلام جماعة، مضافاً إلى الأدلة الأُخر المتقدمة.

مع رجوع الشيخ عما في النهاية في المبسوط و الخلاف (1)إلى ما عليه الجماع،فلم يبق إلّا القاضي و ابن حمزة،و هما نادران بالإضافة إلى باقي الأصحاب بلا شبهة،فلا ريب فيما ذكره الأصحاب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة وقوع الخلاف في الحكم إذا كان الرجوع قبل الاستيفاء،و هو لازم للنهاية و من تبعه،و صرّح به ابن حمزة في الوسيلة،و به أفتى بعض متأخري متأخري الطائفة (2)مع ميله إلى ما ذكره الأصحاب أو تردّده فيه من عدم نقض الحكم بالرجوع بعد الاستيفاء و محصّله الفرق بين الرجوع قبل الاستيفاء فينقض الحكم جزماً، و عدمه فلا ينقض كذلك أو احتمالاً.

و هو ضعيف جدّاً؛ و لذا لم يحكم به أحد من الأصحاب القائلين بعدم النقض مع الرجوع بعد الحكم،بل صرّحوا بالعدم؛ لإطلاق الأدلة،بل عمومها،و مع ذلك مستند البعض غير واضح،و حجة النهاية على تقدير تسليمها لا تدل على التفصيل الذي ذكره جدّاً،و هو لا يقول بإطلاقها.

ص:422


1- المبسوط 8:246 248،الخلاف 6:324.
2- الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:297.
الثانية إذا ثبت أنّهما شاهدا زور نقض الحكم

الثانية: إذا ثبت أنّهما شاهدا زور و كذب نقض الحكم و استعيدت العين مع بقائها،و مع تلفها أو تعذّر ارتجاع ها يضمن الشهود بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في السرائر (1)،و هو الحجة،مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة،و نحوها صحيحة أُخرى (2).

و علّلوه أيضاً بتبيّن اختلال شرط الشهادة،كما لو تبيّن فسقهما قبل الحكم،و أولى بالبطلان هنا،و قد مرّ بعض ما يتعلق بالمقام سابقاً.

الثالثة لو كان المشهود به قتلا أو رجما أو قطعا

الثالثة: ما ذكر في المسألة الاُولى من عدم الحكم مع الرجوع قبله لا يختص بالمال و إن كان مورودها،بل جارٍ في جميع الحقوق،فإن كان نحو الزنى جرى على الراجع حكم القذف،فيجب الحدّ إن كان موجباً له،أو التعزير إن أوجبه،هذا إن اعترف بالافتراء و التعمد.

و إن قال:توهمت،أو:اشتبه عليّ الأمر،ففي وجوب الحدّ عليه وجهان.

و إن رجع الشاهد بعد القضاء و قبل الاستيفاء و العمل بمقتضى الشهادة في مثل القتل أو الحدّ أو التعزير نقض الحكم مطلقاً،سواء كان المشهود به حقاً للّه تعالى مثل الزنا،أو لآدمي مثل القطع في السرقة و الحدّ في القذف بالزنا.

و لو كان المشهود به قتلاً أو رجماً أو قطعاً فاستوفي بمقتضى الشهادة ثم رجع الشهود،فإن قالوا جميعاً: تعمّدنا اقتصّ الولي منهم جميعاً أو من بعضهم أو أخذ الدية في موضع لا يقتصّ فيه

ص:423


1- السرائر 2:149.
2- الكافي 7:6/384،التهذيب 6:688/260،الوسائل 27:328 كتاب الشهادات ب 11 ح 3.

من المتعمّد إن شاء و يردّ هو تمام ما فضل عن جناية صاحبه على ورثة المقتصّ منهم إن كانوا جميع الشهود،و إلّا فعلى البعض الباقين أن يردّوا على ورثة المقتصّ منه بقدر ما وجب عليهم من الجناية و يتمم الولي إن بقي عليه شيء كما إذا اقتصّ من أكثر من واحد،و إن قتل واحداً لا يجب عليه الإتمام،لحصوله بردّ الباقين.

و لو قالوا جميعاً: أخطأنا،لزمهم الدية،و لو اختلفوا في الوصف ف قال بعضهم:أخطأنا،لزمه نصيبه من الدية و لم يمض إقراره على غيره مطلقاً،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل الجميع مقطوع به في كلامهم كما في الكفاية (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع.

و الأصل فيه بعده حديث:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)و ما سيأتي من الأدلة إن شاء اللّه تعالى فيما بعد على باقي التفاصيل المزبورة.

و في رواية:أربعة شهدوا على رجل بالزنا،فرجم،ثم رجع أحدهم و قال:شككت،قال:« عليه الدية،فإن قال:شهدت متعمّداً يقتل» (3).

و ظاهرها و إن أوهم وجوب تمام الدية على المعترف بالخطإ،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب وجوب نصيبه منها خاصّة دون تمامها،و وجهه واضح؛ لعدم كونه تمام السبب في الرجم،بل جزءه،فنصيبه من الدية بحسابه.

و يشهد له أيضاً تتبع كثير من النصوص الآتي جملة منها،مضافاً إلى رواية أُخرى،و فيها:ثم رجع أحدهم،قال:« يغرم ربع الدية» (4).

ص:424


1- الكفاية:288.
2- الوسائل 23:184 كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
3- الفقيه 3:90/30،الوسائل 27:329 كتاب الشهادات ب 12 ح 3.
4- التهذيب 6:788/285،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 2.

و بالجملة:لا إشكال و لا خلاف في شيء من ذلك.

و لا في أنّه لو قال بعضهم: تعمّدت ردّ عليه الولي ما يفضل عن دية صاحبه و يقتصّ منه إن شاء و ليس على باقي الشهود شيء إذا لم يرجعوا و كان شهادتهم في غير الرجم،عملاً منهم بالأصل الآتي،مع سلامته هنا عن المعارض من النص و الفتوى؛ لاختصاصهما بشهود الرجم خاصّة،و لذا فرض الأصحاب الخلاف فيه خاصّة،فقالوا بعد أن ذكروا الحكم الموافق للأصل في غير شهود الرجم و في شهوده أيضاً إذا صدّق المتعمّدَ الباقون من غير نقل خلاف-:أمّا لو لم يصدّقوه لم يمض إقراره إلّا على نفسه حسب (1).

و قال الشيخ في النهاية:يقتل و يردّ الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية إلى المقتصّ منه (2).

أقول:و في قول الماتن:من شهود الزنا،تلويح إلى اختصاص خلاف النهاية به كما قدّمنا،و يشير إليه أيضاً ما عرفت من اختصاص مستنده به،و هو الصحيح:عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا،فلمّا قتل رجع أحدهم،قال:فقال:« يقتل الراجع،و يؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية» (3).

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ إعادة الأصحاب ذكر الحكم في خصوص شهود الرجم بعد استفادته من عموم حكمهم السابق إنّما هو للتنبيه على ما مرّ من

ص:425


1- منهم الحلّي في السرائر 2:144،و فخر المحققين في الإيضاح 4:353،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:324،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:397.
2- النهاية:335.
3- الكافي 7:5/384،التهذيب 6:690/260،الوسائل 27:329 كتاب الشهادات ب 12 ح 2.

اختصاص الخلاف به،فليس تكرارها خالياً عن الفائدة،كما ربما يفهم من بعض الأجلّة (1).

و كيف كان،ينبغي تحقيق القول في العمل بهذه الرواية فنقول:إنّها و إن كانت صحيحة السند و حكي العمل بها أيضاً عن الإسكافي و القاضي (2) غير أنّ فيها ما يخالف الأُصول ؛ لتضمّنها تسلّطاً على الأموال المعصومة بقول واحد و إقراره.

و تخصيصها بها و إن كان ممكناً،إلّا أنّه فرع التكافؤ بينهما،و هو مفقود جدّاً؛ لندرة العامل بالرواية،و إطباق باقي الأصحاب و لا سيّما المتأخرين منهم على اطراحها و العمل بالأُصول،فلتكن مطرحة،أو محمولة هي ككلام العاملين بها على ما ذكره الفاضل في المختلف و غيره (3)على ما إذا رجعوا جميعاً و قال أحدهم:تعمّدت،و قال الباقون:

أخطأنا.

الرابعة لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا

الرابعة: لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا أو أحدهما، قال الشيخ في النهاية: ضمنا أو أحدهما المهر كلّاً أو بعضاً للثاني و ردّت إلى الأوّل بعد الاعتداد من الثاني (4) و تبعه القاضي (5).

استناداً إلى الصحيح:في رجلين شهدا على رجل غائب عنه امرأته أنّه طلّقها،فاعتدّت المرأة و تزوجت،ثم إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها،و أكذب نفسه أحد الشاهدين،قال:« لا سبيل للأخير عليها،

ص:426


1- انظر المسالك 2:420.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:726،القاضي في المهذب 2:563.
3- المختلف:726،و انظر المسالك 2:420.
4- النهاية:336.
5- المهذّب 2:563.

و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع،و يردّ على الأخير،و يفرّق بينهما، و تعتدّ من الأخير،و لا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» (1).

و ينبغي أن يحمل إطلاق هذه الرواية على أنّها نكحت بسماع الشهادة،لا مع حكم الحاكم،و ذلك لما مرّ من الأدلة الظاهرة على أنّه لو حكم بشهادة الشاهدين المقبولين لم يقبل الرجوع عنها.

و يستفاد من جماعة (2)أنّ المراد بالرواية المشار إليها في العبارة هو الموثقة:في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها،فتزوجت،ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق،قال:« يضربان الحدّ،و يضمنان الصداق للزوج، ثم تعتدّ،ثم ترجع إلى زوجها الأوّل» (3).

و فيه نظر؛ إذ ليس فيها رجوع الشاهدين أو أحدهما كما هو مورد العبارة و فتوى النهاية،بل فيها مجرد إنكار الزوج خاصة،و ليس سبباً للحكم الذي في الرواية اتفاقاً،فهي شاذّة لا عامل بها،فكيف تكون هي المراد من الرواية في العبارة؟! اللّهم إلّا أن تحمل على ما حملها عليه الشيخ في الاستبصار من أنّه لمّا أنكر الزوج الطلاق رجع أحد الشاهدين عن الشهادة،فحينئذ وجب عليهما ما تضمنه الخبر،قال:فلو لم يرجع واحد منهما لم يلتفت إلى إنكار

ص:427


1- الفقيه 3:120/36،التهذيب 6:789/285،الاستبصار 3:129/38،مستطرفات السرائر:18/82،الوسائل 27:331 كتاب الشهادات ب 13 ح 3.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:324،و الشهيد الثاني في المسالك 2:421،و السبزواري في الكفاية:288.
3- الكافي 7:7/384،التهذيب 6:689/260،الوسائل 27:330 كتاب الشهادات ب 13 ح 1.

الزوج،إلّا أن تكون المرأة بعدُ في العدّة،فإنّه يكون إنكاره الطلاق مراجعة (1).و استشهد عليه بالصحيحة المتقدمة.

و ظاهره هنا الموافقة لما ذكره في النهاية،حيث لم يحمل الروايتين على التزويج قبل الحكم،و هو مشكل؛ لما عرفت من مخالفتهما الأُصول المتقدمة،مضافاً إلى قصور سند الثانية،و تضمنها كالأُولى حدّ الشاهدين مع أنّه لا حدّ هنا،بل و لا تعزير إن أبديا عذراً يكون مسموعاً.

و مع أنّه(رحمه اللّه)رجع عما اختاره في النهاية إلى مقتضى الأُصول في الخلاف و المبسوط (2)،و وافقه الحلّي (3)و عامّة المتأخرين،عدا الشهيد في اللمعة (4)،حيث اقتصر على نقل القولين من دون ترجيح،معرباً عن التردّد بينهما،و لعلّه كما في شرحها لمعارضة الرواية المعتبرة.

و المناقشة فيه واضحة؛ إذ المعارضة بمجردها غير كافية في التردّد إلّا بعد حصول التكافؤ المفقود في هذه الرواية،لما عرفت من شذوذها برجوع الشيخ عنها،فلم يبق إلّا القاضي،و لا يقدح خروجه في الإجماع على خلافها،مع مخالفتها الأُصول من وجوه أُخر عرفتها،و إن أمكن الذبّ عنها بما مضى،مع عدم صراحتها و احتمالها التخصيص الذي قدّمناه.

ثم على المختار هل يغرمان الصداق برجوعهما؟ينظر،فإن كان قبل الدخول غرما نصف المهر المسمّى،و إن كان بعده لم يغرما شيئاً،كما قاله الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي و عامة متأخري الأصحاب.

ص:428


1- الاستبصار 3:38.
2- الخلاف 6:322،المبسوط 8:247.
3- السرائر 2:146.
4- اللمعة(الروضة البهية 3):155.

و ظاهر الأوّل في المبسوط دعوى إجماعنا على الحكم في الشقّ الأوّل،و هو الحجة فيه،مضافاً إلى ما ذكروه فيه من إتلافهما عليه نصف المهر اللازم بالطلاق فيضمنانه.

و في الثاني من أصالة البراءة،و عدم تحقق إتلاف؛ لاستقرار تمام المهر بالدخول،و البضع لا يضمن بالتفويت على المشهور،بل الكل كما يظهر بالتتبع،قالوا:و من ثَمّ لو قتلها قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل، و لو غصب أمةً و ماتت في يده فإنّه يضمن بذلك قيمتها و قيمة منافعها و إن لم يستوفها،دون بضعها مع عدم استيفائه (1).

و أمّا ما يتخيل وروده على تعليلهم في الشقّ الأوّل من لزوم النصف بمجرد العقد،فليس يتضمن الشهادة إتلافه؛ للزومه على أيّ تقدير، فلا وجه لغرمهما له فضعيف في الغاية،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الأصحاب في سياق التعليل ليكون كالجواب له،و هو أنّهما ألزماه للزوج بشهادتهما و قرّراه عليه،و كان بمعرض السقوط بالردّة و الفسخ من قبلها، فكأنّه لم يكن لازماً و لزم بإقرارهما.و أجاب بهذا صريحاً الفاضل في التحرير (2)بعد أن استشكل بالخيال المتقدم فيما مرّ من التعليل.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،مع ابتناء بعضها على ضمان البضع بالتفويت،و قد عرفت ما فيه.

و اعلم أنّهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن و الرجعي،و وجهه حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة،خصوصاً بعد انقضاء عدّة الرجعي،فالتفويت حاصل على التقديرين.

ص:429


1- انظر المسالك 2:420،و الكفاية:288.
2- التحرير 2:217.

و لو قيل بالفرق و اختصاص الحكم بالبائن كان حَسَناً،وفاقاً لشيخنا في الروضة،قال:فلو شهدا بالرجعي لم يضمنا إذا لم يفوّتا شيئاً؛ لقدرته على إزالة السبب بالرجعة،و لو لم يراجع حتى انقضت المدّة احتمل إلحاقه بالبائن و الغرم،و عدمه لتقصيره بترك الرجعة (1)،انتهى.

و يظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتماله بصورة تقصيره، فلو فرض عدمه بجهله بالحال أو عذر لا يصدق معه تقصيره تعيّن الاحتمال الأوّل،و هو الإلحاق بالبائن؛ لصدق التفويت حينئذ.

و حينئذ فلو زاد بعد قوله:فلو شهدا بالرجعي،قوله:مع علم الزوج بالحال و تمكنه من الرجوع،كان أجود و إن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.

و يجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقاً بعدم عروض وجه مزيل للنكاح،فلو شهدا به ففرّق،فرجعا فقامت بيّنة أنّه كان بينهما رضاع محرّم مثلاً فلا غرم؛ إذ لا تفويت أصلاً.

الخامسة لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع

الخامسة: لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع يده ثم رجعا،فإن قالا:أوهمنا،غرما دية اليد،و إن قالا:تعمّدنا،فللولي قطعهما و ردّ دية عليهما،أو قطع يد واحدة و يردّ الآخر نصف دية اليد على المقطوع منه،بلا خلاف،و يعلم وجهه مما سبق.

و إنّما خصّ هذا بالذكر لبيان مسألة أُخرى،و هي أنّهما لو قالا:

أوهمنا و أتيا بآخر قائلين إنّ السارق غيره مشيرين إليه اُغرما دية يد الأوّل،و لم يقبلا على الأخير كما هنا و في السرائر و القواعد و التحرير (2)،

ص:430


1- الروضة 3:158.
2- السرائر 2:150،القواعد 2:244،التحرير 2:218.

قالوا: لما يتضمن وهمهما ذلك من عدم الضبط المشترط في قبول شهادة العدل.

أقول:و الأجود الاستدلال عليه بالنصوص،منها الصحيح:« في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق،فقطع يده،حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا:هذا السارق،و ليس الذي قطعت يده،إنّما شبّهنا ذلك بهذا،فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية و لم يجز شهادتهما على الآخر» (1)و نحوه القوي بالسكوني و صاحبه (2).

و مرّ في المرسل:« من شهد عندنا بشهادة ثم غيّرها أخذنا بالأُولى و طرحنا الثانية» (3)فتدبّر .

السادسة يجب أن يشهر شاهد الزور

السادسة: يجب أن يشهر شاهد الزور في بلدهم و ما حولها، لتجتنب شهادتهم و يرتدع غيرهم.

و تعزيره بما يراه الإمام و الحاكم حسماً للجرأة لرواية سماعة المروية في الفقيه و التهذيب و غيرهما بعدّة طرق معتبرة،و فيها الموثق و القوي و غيرهما:« إنّ شهود الزور يجلدون حدّا و ليس له وقت،ذلك إلى الإمام،و يطاف بهم حتى يعرفوا» و زيد في بعضها:« و لا يعودوا» قال:

قلت:فإن تابوا و أصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟قال:« إذا تابوا تاب اللّه عليهم و قبلت شهادتهم بعد» (4).

ص:431


1- الكافي 7:8/384،التهذيب 6:692/261،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 1.
2- التهذيب 6:788/285،الوسائل 27:332 كتاب الشهادات ب 14 ح 2.
3- الفقيه 3:74/27،الوسائل 27:333 كتاب الشهادات ب 14 ح 4.
4- الفقيه 3:117/35،عقاب الأعمال:225،الوسائل 27:333 كتاب الشهادات ب 15 ح 1.

و في بعضها قوله:و تلا قوله تعالى وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا [1] (1)قلت:بم تعرف توبته؟قال:

« يكذّب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب،و يستغفر ربّه عزّ و جلّ، فإذا هو فعل ذلك فَثمَّ ظهر توبته» (2)و نحوها غيرها.

و في الموثق و غيره:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه،و إن كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطيف به،ثم يحبسه أيّاماً،ثم يخلّي سبيله» (3).

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر (4)،حتى من الحلّي الغير العامل بأخبار الآحاد،و ذكر أنّ الإشهار هو أن ينادى في محلّتهم و مجتمعهم و سوقهم:فلان و فلان شهدا زوراً،و لا يجوز أن يشهرا بأن يركبا حماراً و يحلق رؤوسهما،و لا أن ينادياهما على نفسهما،و لا يمثل بهما (5).

و اعلم أنّه ليس كذلك الحكم فيمن تبيّن غلطه،أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة أُخرى،أو ظهور فسق بغير الزور،أو تهمة؛ لعدم صدق الزور المترتب عليه الحكم في شيء من ذلك،مع إمكان كونه صادقاً في نفس الأمر،فلم يحصل منه أمر زائد.

ص:432


1- النور:5 و 6.
2- الفقيه 3:121/36،التهذيب 6:699/263،الوسائل 27:334 كتاب الشهادات ب 15 ح 2.
3- الفقيه 3:118/35،التهذيب 6:770/280،الوسائل 27:334 كتاب الشهادات ب 15 ح 3.
4- في« ح» زيادة:المصرّح به.
5- السرائر 2:150.

كتاب الحدود و التعزيرات

الفصل الأول في حد الزنا

النظر الأول في الموجب

كتاب الحدود و التعزيرات جمع حدّ،و هو لغةً:المنع.و شرعاً:عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام بدن المكلّف بواسطة تلبّسه بمعصية خاصّة،عيّن الشارع كمّيتها في جميع أفراده.و وجه مناسبة التسمية:أنّ العقوبة مانعة من المعاودة.

و إذا لم تقدَّر العقوبة يسمّى تعزيراً،و هو لغةً:التأديب.

و الأصل فيهما الكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة.

و تفاصيله في الآيات و الأخبار لكثرة أفراده كثيرة.

و فيه أي في الكتاب فصول سبعة:

ص:433

الأوّل:

في حدّ الزنا و هو ممّا أجمع على تحريمه أهل الملل؛ حفظاً للنسب،و هو من الأُصول الخمسة التي يجب تقريرها في كلّ شريعة (1)،و هو من الكبائر، كما مرّ في كتاب الشهادة (2).

و النظر في هذا الفصل يقع في موارد ثلاثة: الموجب،و الحدّ، و اللواحق.

أمّا الزنا الموجب للحدّ فهو:إيلاج الإنسان و إدخاله فرجه و ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالةً من غير عقد نكاح و لو متعةً بينهما و لا ملك من الفاعل للقابل (3)، و لا شبهة دارئة،و ضابطها:ما أوجب ظنّ الإباحة،بلا خلاف أجده، و به صرّح في الغنية (4)،و لعلّه المفهوم منه عرفاً و لغةً.

و إطلاق العبارة و إن شمل غير المكلّف،إلّا أنّه خارج بما زدناه من قيد التحريم؛ مع احتمال أن يقال:إنّ التكليف من شرائط ثبوت الحدّ بالزنا لا أنّه جزء من مفهومه،فلا يحتاج إلى ازدياد قيد التحريم من هذا الوجه، و إن احتيج إليه لتحقيق معنى الزنا؛ لعدم تحقّقه عرفاً و لغةً إلّا به،و إلّا

ص:434


1- و هي:الدين،النفس،المال،النسب و العقل.و يقال لها:المقاصد الخمسة.انظر التنقيح الرائع 1:15.
2- راجع ص 248.
3- في« ن» زيادة:و لو منفعة.
4- الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

فدخول المجنون بامرأة مثلاً لا يعدّ فيهما زناءً ما لم تكن المدخول بها محرّمة عليه أصالةً.

و قولنا في التعريف:أصالة،يخرج(المحرّمة) (1)عليه بالعرض بنحوٍ من الحيض و شبهه بعد حلّيتها عليه بأحد الأُمور الثلاثة،فإنّه لا يعدّ زناءً لغةً و لا عرفاً و لا شرعاً،و لذا لا يجب عليه حدّه إجماعاً.

و يتحقّق الدخول الموجب بغيبوبة الحشفة أو قدرها من الذكر قُبُلاً أو دُبُراً بلا خلاف أجده،و به صرّح الحلّي في شمول الفرج للقبل و الدبر (2)؛ لإطلاق الأدلّة فتوًى و روايةً،ففي الصحيح (3)و غيره (4):« إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» فتأمّل .

و الأصل في تحريم الزنا و ثبوت الحدّ به بعد إجماع الأُمّة الكتاب و السنّة المستفيضة،بل المتواترة الآتي إليها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و يشترط في ثبوت الحدّ به على كلّ من الزانية و الزاني:

البلوغ و كمال العقل و العلم بالتحريم،و الاختيار بلا خلاف أجده، إلّا في الثاني،فقد وقع الخلاف فيه كما سيأتي (5)؛ و لعلّه لهذا لم يذكره الماتن (6)(اقتصاراً منه) (7)على المتفق عليه.

ص:435


1- بدل ما بين القوسين في« ن»:ما لو دخل بمن تحرم.
2- السرائر 3:428.
3- الكافي 3:1/46،التهذيب 1:310/118،الإستبصار 1:358/108،الوسائل 2:182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.
4- التهذيب 7:1862/464،الوسائل 21:320 أبواب المهور ب 54 ح 9.
5- في ص 438.
6- لم يذكره في الشرائع 4:150،و لكنه مذكور في المطبوع من المختصر:213.
7- في« ح» و« ب» و« س»:و أكثر الأصحاب اقتصاراً منهم.

فلا حدّ على الصغير و المكرَهة إجماعاً؛ لحديث رفع القلم (1)، و ما يأتي من النصّ في المجنون (2)،و للنصوص المستفيضة،منها الخبر:

« ليس على المستكرَهة شيء إذا قالت:استُكرِهت» (3).

و لا على المكرَه على الأشهر الأظهر؛ بناءً على تحقّق الإكراه فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الغنية (4)،و احتمله في القواعد (5)و غيره (6)؛ لعدم تحقّقه فيه؛ لعدم انتشار الآلة إلّا عن الشهوة المنافية للخوف.

و فيه:أنّ التخويف بترك الفعل،و الفعل لا يخاف منه،فلا يمنع الانتشار.

و لا على الجاهل بتحريم الوطء حينه و لو كان مكلّفاً، فلو تزوّج محرَّمة عليه كالأُمّ أو المرضعة أو المحصنة ذات البعل سقط الحدّ مع الجهالة بالتحريم للمعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:« لو وجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير،زنى،أو سرق،أو شرب خمراً،لم أُقم عليه الحدّ إذا جهله،إلّا أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد أقرّ بذلك و عرفه» (7)و نحوه

ص:436


1- دعائم الإسلام 2:1607/456،مستدرك الوسائل 18:13 أبواب مقدّمات الحدود ب 6 ح 1.
2- يأتي في ص 438.
3- التهذيب 10:53/18،الوسائل 28:111 أبواب حدّ الزنا ب 18 ح 6؛ بتفاوت يسير.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- قواعد الأحكام 2:249.
6- انظر التحرير 2:220،و الإيضاح 4:469.
7- الكافي 7:2/249،التهذيب 10:486/121،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 3.

الصحيحان (1)،و المرسل (2)القريب منهما سنداً بجميل و ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما،و غيرها (3).

و يثبت مع العلم به،إلّا مع الشبهة الدارئة و لا يكون العقد بمجرّده من غير توهّم صحّته شبهةً تنفع في السقوط بلا خلاف عندنا،بل في ظاهر التنقيح (4)و غيره (5):أنّ عليه إجماعنا؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى عدم صدق الشبهة بذلك بلا شبهة،خلافاً لأبي حنيفة (6).

نعم لو حصلت معه شبهة أسقطته هي دونه،كما لو انفردت عنه.

و لو اختصّت بأحدهما اختصّ بالسقوط كما يأتي، فلو تشبّهت الأجنبيّة على الرجل بالزوجة و نحوها ممّن تحل له فعليها الحدّ إجماعاً دون واطئها على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و التحرير (7)و غيرها (8)الإجماع عليه؛ لأصالة البراءة،و الشبهة الدارئة.

و في رواية ضعيفة بالإرسال و عدّة من الجهلة أنّه يقام عليها

ص:437


1- أحدهما في:الفقيه 4:129/39،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 1. و الآخر في:الكافي 7:1/248،التهذيب 10:375/97،الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 2.
2- الكافي 7:3/249،الوسائل 28:33 أبواب مقدّمات الحدود ب 14 ح 4.
3- انظر الوسائل 28:32 أبواب مقدّمات الحدود ب 14.
4- التنقيح الرائع 4:329.
5- الروضة البهية 9:30.
6- انظر بدائع الصنائع 7:35،و المغني لابن قدامة 10:148.
7- شرائع الإسلام 4:150،تحرير الأحكام 2:219.
8- انظر كشف الرموز 2:539،و التنقيح 4:329،و كشف اللثام 2:393.

الحدّ جهراً و عليه سرّاً (1)،و هي مع ضعفها متروكة لا عامل بها،عدا القاضي (2).

و هو شاذّ،فلتُطرَح،أو تُحمَل على ما حكي في الوسائل عن أكثر الأصحاب من شكّ الرجل أو ظنّه و تفريطه في التأمّل،و أنّه حينئذٍ يعزّر؛ لما ورد في تزويج امرأة لها زوج،و غير ذلك (3)؛ و يعضده رواية المفيد لها في المقنعة بزيادة:فوطئها من غير تحرّز (4).

أو على أنّه(عليه السّلام)أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً،و لم يقم عليه الحدّ؛ استصلاحاً و حسماً للمادّة،لئلّا يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً،كما حكي عن بعض فقهائنا في نكت النهاية (5).

و لو وطئ المجنون امرأة عاقلة،ففي وجوب الحدّ عليه تردّد :

من ورود النصّ به،ففي الخبر:« إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ،و إن كان محصناً رجم» قلت:و ما الفرق بين المجنون و المجنونة، و المعتوه و المعتوهة؟فقال:« المرأة إنّما تؤتى،و الرجل يأتي،و إنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذّة،و أنّ المرأة إنّما تُستَكرَه و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها» (6)و قصور السند مجبور بنسبة الشيخ في المبسوط روايته إلى

ص:438


1- الكافي 7:13/262،التهذيب 10:169/47،الوسائل 28:143 أبواب حدّ الزنا ب 38 ح 1.
2- المهذّب 2:524.
3- الوسائل 28:143.
4- المقنعة:784.
5- نكت النهاية 3:295.
6- الكافي 7:3/192،التهذيب 10:56/19،الوسائل 28:118 أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 2.

الأصحاب كافّة (1)،مشعراً بدعوى إجماعهم عليه،و لذا أوجبه الشيخان و الصدوق و القاضي (2).

و من تأمّل في الجابر لضعف الخبر؛ لوهنه بندرة العامل به،مع أنّ الناقل له ذكر قبل النسبة ما يشعر بالإجماع على العدم،كما هو ظاهر السرائر و صريح الغنية (3)،و بالعدم صرّح في الخلاف مفتياً به (4)،و حكي عن المفيد في العويص (5)،فيتقوّى الندرة الموهنة،فينبغي الرجوع إلى الأُصول العامّة،مثل حديث:« رفع القلم عن المجنون حتى يفيق» (6).

و به استدلّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام)على عمر حين أمر بحدّ المجنونة،فيما رواه المفيد في إرشاده،فقال(عليه السّلام):« أما علمت أنّ هذه مجنونة،و أنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)قال:رفع القلم عن المجنون حتى يفيق،و أنّها مغلوبة على عقلها و نفسها،فردّوها،فدرأ عنها الحدّ» (7)و خصوصيّة المورد مدفوعة بعموم التعليل.

و نحوه فيه الصحيح:في امرأة[مجنونة]زنت،قال:« إنّها لا تملك أمرها،ليس عليها شيء» (8)هذا.

ص:439


1- المبسوط 8:3.
2- المفيد في المقنعة:779،الطوسي في النهاية:696،الصدوق في المقنع:146،القاضي في المهذّب 2:521.
3- السرائر 3:444،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- الخلاف 5:372.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:394،و هو في العويص(مصنّفات الشيخ المفيد 6):45.
6- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
7- إرشاد المفيد 1:203،الوسائل 28:23 أبواب مقدمات الحدود ب 8 ح 2؛ بتفاوت يسير.
8- الكافي 7:2/191،الوسائل 28:117 أبواب حدّ الزنا ب 21 ح 1؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مضافاً إلى عموم خصوص بعض النصوص:« لا حدّ على مجنون حتى يفيق،و لا على صبيّ حتى يدرك،و لا على النائم حتى يستيقظ» (1).

و في الصحيح:« لا حدّ لمن لا حدّ عليه» يعني:لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً،و لو قذفه رجل فقال:يا زان،لم يكن عليه حدّ (2).

و نحوه الموثّق (3)،و غيره (4).

و هي ظاهرة أيضاً في رفع الحدّ عنه على العموم.و هذا القول أظهر، وفاقاً لمن مرّ،و الديلمي و الحلّي (5)،و عامّة المتأخرين،حتى الماتن؛ لمصيره إليه في النكت على ما حكي (6)،فينبغي طرح الرواية،أو تأويلها بما يرجع إلى الأدلّة المانعة من حملها على بقاء تمييز و شعور له بقدر مناط التكليف،كما ربما يشير إليه ما فيها من التعليل.

و لا حدّ على المجنونة مطلقاً اتّفاقاً فتوًى و روايةً،و به صرّح في التنقيح (7)،و الماتن فيما يأتي (8).

و يسقط الحدّ بادّعاء الزوجيّة و نحوها،ما لم يعلم كذبه.

ص:440


1- الفقيه 4:115/36،التهذيب 10:609/152،الوسائل 28:22 أبواب مقدّمات الحدود ب 8 ح 1.
2- الكافي 7:2/253،الفقيه 4:125/38،التهذيب 10:59/19،الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ح 1.
3- الكافي 7:1/253،التهذيب 10:324/82،الوسائل 28:42 أبواب مقدّمات الحدود ب 19 ذيل ح 1.
4- دعائم الإسلام 2:1634/462،مستدرك الوسائل 18:23 أبواب مقدمات الحدود ب 17 ح 1.
5- الديلمي في المراسم:252،الحلّي في السرائر 3:444.
6- حكاه عنه في كشف اللثام 2:394،و هو في النكت 3:291.
7- التنقيح الرائع 4:330.
8- يأتي في ص 445.

و لا يكلّف اليمين و لا البيّنة؛ للشبهة الدارئة بذلك.

و بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة لكن بالنظر إلى المدّعى لها خاصّة؛ فلو ادّعاها أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلّا بالنسبة إلى أحدهما،سقط عنه دون صاحبه؛ و وجهه واضح ممّا سلف،مع دعوى الإجماع عليه حتى على عدم التكليف باليمين و البيّنة في كلام بعض الأجلّة (1).

و لا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم كما يأتي حتى يكون الزاني بالغاً عاقلاً حرّا،له فرجٌ مملوك له بالعقد الدائم الصحيح أو الملك خاصّة،بحيث يغدو عليه و يروح أي يكون متمكّناً من وطئه متى أراد،بلا خلاف إلّا في اعتبار العقل كما مرّ (2)،و في حصول الإحصان بملك اليمين،كما هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة عليه عموماً و خصوصاً.

ففي الصحيح:« من كان له فرجٌ يغدو عليه و يروح فهو محصن» (4).

و في آخر عن المحصن،فقال:« الذي يزني و عنده ما يغنيه» (5).

و في الموثّق:عن الرجل إذا هو زنى و عنده السرية و الأمة يطؤها،

ص:441


1- كما في مجمع الفائدة 13:10.
2- في ص 438.
3- الانتصار:258،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- الكافي 7:10/179،الفقيه 4:57/25،التهذيب 10:28/12،الوسائل 28:68 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 1.
5- الكافي 7:4/178،التهذيب 10:27/12،الإستبصار 4:764/204،الوسائل 28:69 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 4.

تحصنه الأمة تكون عنده؟فقال:« نعم،إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» قلت:فإن كان عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها؟فقال:« لا يُصدَّق» قلت:

فإن كان عنده امرأة متعة،تحصنه؟قال:« لا،إنّما هو على الشيء الدائم عنده» (1).

و في آخر:الرجل تكون له الجارية،أ تحصنه؟قال:فقال:« نعم، إنّما هو على وجه الاستغناء» قلت:و المرأة المتعة؟قال:فقال:« لا،إنّما ذلك على الشيء الدائم» (2).

و قصور السند منجبر بالعمل؛ مع أنّه مرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر في الصحيح:عن الحرّ تحته المملوكة،هل عليه الرجم إذا زنى؟قال:

« نعم» (3).

خلافاً للصدوق و القديمَين و الديلمي (4)،فلم يروا الإحصان بالأمة؛ للأصل،و الاحتياط.

و يندفعان بما مرّ.

و للصحيح:« كما لا تحصن الأمة و النصرانيّة و اليهوديّة إذا زنى بحرّة، فكذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة و تحته حرّة» (5).

ص:442


1- الكافي 7:1/178،التهذيب 10:26/11،الإستبصار 4:763/204،الوسائل 28:68 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 2.
2- الكافي 7:6/178،الوسائل 28:69 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 5.
3- مسائل عليّ بن جعفر:71/121،الوسائل 28:72 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 11.
4- الصدوق في المقنع:148،حكاه عن القديمَين العماني و الإسكافي في المختلف:757،و انظر المراسم:252.
5- الفقيه 4:59/25،التهذيب 10:31/13،الإستبصار 4:768/205،الوسائل 28:71 أبواب حدّ الزنا ب 2 ح 9؛ بتفاوت يسير.

و حمله الشيخ على المتعة.و لا بأس به و إن بَعُد؛ جمعاً بينه و بين الأدلّة المتقدّمة،بإرجاعه إليها؛ لكونها أقوى منه بالكثرة و الشهرة العظيمة، بحيث نقل عليه إجماع الطائفة.

و نحوه الجواب عن الصحيح الآخر:عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله،أ يحصن؟قال:« لا،و لا الأمة» (1).

و يحتملان الحمل على التقيّة،كما يستفاد من الانتصار،حيث نسب مضمونهما إلى أبي حنيفة و أصحابه (2).

و صريح الصحيح الأخير كغيره ممّا يأتي اعتبار الدخول في الفرج المملوك له قبل الزنا لتحقّق الإحصان،كما عن المبسوط و النهاية و السرائر (3)و الجامع و الإصباح و الغنية مدّعياً إجماع الإماميّة (4)،و به صرّح أيضاً من المتأخّرين جماعة (5)من غير نقل خلاف.

و لكن العبارة مطلقة لا ذكر له فيها و لا في كتب كثير من القدماء، كالمقنعة و الانتصار و الخلاف و التبيان و مجمع البيان،و لكن يمكن الذبّ عن الإطلاق بحمله على الغالب؛ مع وقوع التصريح باعتباره فيما سيأتي من النصّ و عبارة المتن (6).

ص:443


1- الفقيه 4:76/29،التهذيب 10:42/16،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 9.
2- الانتصار:258.
3- في«ح»:و التحرير.
4- المبسوط 8:3،النهاية:693،694،السرائر 3:437،الجامع للشرائع:550،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2:400،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
5- انظر الشرائع 4:150،و القواعد 2:253،و المفاتيح 2:73،و كشف اللثام 2:400.
6- انظر ص 448،485.

و منه يظهر اعتبار كون الفرج هو القبل دون الدبر،كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،إلّا من إطلاق نحو العبارة،و فيه ما عرفته.

و هل يشمل ملك اليمين ملك الوطء بالتحليل؟الظاهر:العدم، (لعدم) (2)انصراف الإطلاق إليه،مع أنّه كالمتعة لا يحصل بهما الغنية على الاستدامة،و قد اعتبرها جملة من المعتبرة المتقدّمة (3)،معلّلة به (4)عدم الإحصان بالمتعة،كما هو المشهور،بل لا خلاف فيه أجده،و إن حكي عن الانتصار ما يشعر بوجوده (5).

خلافاً للروضة،فاستوجه إلحاق التحليل بملك اليمين،قال:لدخوله فيه من حيث الحلّ،و إلّا لبطل الحصر المستفاد من الآية (6)،و لم أقف فيه هنا على شيء (7).

و يستوي المسلمة و الذمّية حيث صحّ زوجيّتها دائمة في حصول الإحصان بهما،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الانتصار و الغنية (8)و ظاهر غيرهما (9)دعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،

ص:444


1- منهم العلّامة في القواعد 2:253،و الشهيد الثاني في الروضة 9:72،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:400.
2- في« ن»:للأصل و الاحتياط مع عدم.
3- في ص 441.
4- في حاشية« ن»:أي بعدم حصول الغنية.
5- حكاه عنه في كشف اللثام 2:400،و هو في الانتصار:258.
6- و هي قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ المؤمنون:4 5.
7- الروضة البهيّة 9:76 77.
8- الانتصار:258،259،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
9- انظر كشف اللثام 2:401،و في النسخ:غيره،و الأنسب ما أثبتناه.

مضافاً إلى عموم جملة من المستفيضة المتقدّمة (1).

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي و العماني و الصدوق (2)،فاعتبروا إسلامها؛ للصحيح لاعتبار الحرّية في الزوجيّة (3)،و جوابه قد عرفته.

و إحصان المرأة كإحصان الرجل في اشتراط أن تكون بالغة، عاقلة،حرّة،لها زوج(دائم أو مولى،و) (4)قد وطئها و هي حرّة بالغة عاقلة،و هو عندها يتمكن من وطئها غدوّاً و رواحاً،بلا خلاف أجده حتى في اعتبار كمال العقل فيها،بل عليه الإجماع ظاهراً،كما صرّح به الفاضلان هنا و في الشرائع و التحرير (5)و غيرهما (6)،بقولهم:

لكن يراعى فيها العقل إجماعاً فلا رجم و لا حدّ على مجنونة زنى بها عاقل حال جنونها و إن كانت محصنة،و عليه بل على أصل الحكم بأنّ إحصانها كإحصانه ادّعى الإجماع في الغنية (7)،فلا إشكال في المسألة، سيّما بعد عدم ظهور الخلاف الذي عرفته،و استفادته و لو في الجملة من بعض النصوص الآتية.

و لا تخرج المطلّقة رجعيّةً بالطلاق عن الإحصان،و تخرج البائن مطلقاً،بطلاق كانت البينونة أو غيره،بلا خلاف ظاهر؛ لبقاء الزوجيّة المغنية عن الزنا في الأوّل،و عدمه في الثاني.فلو زنت،أو

ص:445


1- في ص 441.
2- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:757،الصدوق في المقنع:148.
3- راجع ص 442.
4- ما بين القوسين ليس في« ن».
5- الشرائع 4:151،التحرير 2:220.
6- انظر التنقيح الرائع 4:330.و المهذّب البارع 5:16.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):622.

تزوّجت فوُطِئت عالمةً بالتحريم،رُجِمت؛ كما في الحسن:عن امرأة تزوّجت في عدّتها،فقال:« إن كانت تزوّجت في عدّة طلاقٍ لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم،و إن كانت تزوّجت في عدّةٍ ليس لزوجها عليه الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن» (1).

و كذا (2)المطلِّق إن طلّق امرأته رجعيّاً لم يخرج عن الإحصان، و إن طلّق بائناً خرج؛ لتمكنّه من الرجعة متى شاء في الأوّل،و عدمه في الثاني.

و عليه يحمل إطلاق الموثّق:عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى،فقال:« عليه الرجم» و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثم زنت،عليها الرجم؟قال:« نعم» (3).

و المرويّ في قرب الإسناد،عن رجل طلّق امرأته أو بانت منه ثم زنى،ما عليه؟قال:« الرجم» و عن امرأة طُلِّقت فزنت بعد ما طُلِّقت بسنة، هل عليها الرجم؟قال:« نعم» (4).

و لكن ظاهرهما ثبوت الرجم مع البينونة،و هو خلاف ما عرفته من القاعدة،و لذا حمل الشيخ ذكر الموت في الأوّل على و هم الراوي،و نحوه جارٍ في الثاني،لكن ينافيه قوله:بسنة،إلّا أن يُقرَأ:بسنّة،بتشديد النون،

ص:446


1- الكافي 7:2/192،الفقيه 4:63/26،التهذيب 10:61/20،الوسائل 28:126 أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 3.
2- في« ن» زيادة:حكم.
3- التهذيب 10:65/22،الإستبصار 4:774/207،الوسائل 28:129 أبواب حدّ الزنا ب 27 ح 8.
4- قرب الإسناد:1004/254،1005،الوسائل 28:75 و 76 أبواب حد الزنا ب 6 ح 1 و 2؛ بتفاوت يسير.

مراداً بها ما يقابل البدعة.

و لو تزوّج الرجل معتدّةً عالماً بالعدّة و الحرمة حُدَّ مع الدخول بها جلداً،أو رجماً إن كان محصناً،و لا مع العدم.

و كذا المرأة تُحَدّ لو تزوّجت في عدّتها مطلقاً،إلّا أنّها لا ترجم في البائن منها،بل تُجلَد خاصّة مع علمها بما مرّ من الأمرين،و لا مع العدم.

و لو ادّعيا الجهالة بهما أو بأحدهما أو ادّعاها أحدهما، قُبِل من المدّعى على الأصحّ إذا كان ممكناً في حقّه بأن كان مقيماً في بادية بعيدة عن معالم الدين،أو قريب العهد بالإسلام،و نحو ذلك،وفاقاً للحلّي (1)و عامّة المتأخّرين.

خلافاً للمحكيّ في المختلف عن المقنعة و النهاية (2)،فأطلقا عدم القبول من دون تقييد بعدم الإمكان،و لكن حمل كلامهما عليه،قال:

فلا منازعة هنا في الحقيقة؟ أقول:و وجهه واضح بعد شهرة الحديث النبويّ بدرء الحدود بالشبهات (3)،مع عدم المعارض،فيجلّ عن مخالفته نحو كلام الشيخين.

و لقد أغرب في التنقيح،فنسب الخلاف إلى الحلّي،و الوفاق إليهما (4).و عبارتهم المحكيّة في المختلف تفيد العكس كما ذكرنا.

و لو راجع المخالع إمّا لرجوعها في البذل،أو بعقد مستأنف

ص:447


1- السرائر 3:445.
2- المختلف:759،و هو في المقنعة:780،و في النهاية:696.
3- الفقيه 4:90/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدّمات الحدود ب 24 ح 4.
4- التنقيح الرائع 4:332.

لم يتوجّه عليه الرجم حتى يطأ زوجته؛ لزوال الإحصان بالبينونة، و خروج الاختيار عن يده،و الرجوع غايته أنّه كعقد جديد أو نفسه،و هو بمجرّده لا يوجب الإحصان ما لم يدخل،كما مرّ (1)؛ و النصوص به زيادة على الصحيح المتقدّم (2)مستفيضة:

منها الصحيح:عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله،أ يرجم؟قال:

« لا» (3).

و الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَإِذا أُحْصِنَّ [1] (4)،قال:

« إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» قلت:إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟قال:

« بلى» (5).

و الموثّق:عن البكر يفجر و قد تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال:« يضرب مائة،و يجزّ شعره،و ينفى من المصر حولاً،و يفرّق بينه و بين أهله» (6)و نحوه الخبر (7).

و كذا العبد لو أُعتق،و المكاتب إذا تحرّر لا يتوجّه عليهما الرجم حتى يطئا زوجتهما أو مملوكتهما في حال الحرّية؛ لعدم الوطء حالتها المشترط في ثبوت الرجم كما مضى،و لخصوص الصحيح:في العبد

ص:448


1- في ص 443.
2- في ص 443.
3- الكافي 7:8/179،التهذيب 10:41/16،الوسائل 28:76 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 1.
4- النساء:25.
5- الكافي 7:6/235،التهذيب 10:43/16،الوسائل 28:76 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 4.
6- التهذيب 10:124/36،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 7.
7- التهذيب 10:125/36،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 8.

يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة،قال:فقال:« لا رجم عليه حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق» (1).

و يجب الحدّ على الأعمى مطلقاً،جلداً كان أو رجماً، و لا يدفعه (2)عماه إجماعاً؛ لعموم الأدلّة.

فإن ادّعى الشبهة،ف في قبول دعواه و در الحدّ (3)بها قولان، أشبههما:القبول مع الاحتمال و الإمكان في حقّ مثله،و عليه الأكثر كما في المسالك (4)،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (5)،بل عليه عامّة المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي،لكنّه قيّده بما إذا شهد الحال بما ادّعاه، بأن يكون قد وجدها على فراشه فظنّها زوجته أو أمته،قال:و لو شهدت الحال بخلاف ذلك لم يصدَّق (6).

و هو موافق للقوم إن أراد بشهادة الحال بخلافه:الشهادة بالقطع؛ و ضعيفٌ إن أراد بها الشهادة بنحوٍ من المظنّة؛ لعدم ارتفاع الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرّده و إن ضعفت معه،فقوله على هذا التقدير ضعيف.

و نحوه في الضعف تقييد التنقيح قبول قوله بكونه عدلاً (7)؛ إذ لا وجه له أصلاً بعد حصول الشبهة الدارئة للحدّ بدعواه جدّاً.

و القول الثاني للشيخين و القاضي و الديلمي،فلم يصدّقوه في

ص:449


1- الكافي 7:9/179،الفقيه 4:65/27،التهذيب 10:40/16،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 5.
2- في«ن» زيادة:عنه.
3- في«ن» زيادة:عنه.
4- المسالك 2:425.
5- غاية المرام 4:313.
6- السرائر 3:447.
7- التنقيح الرائع 4:332.

الدعوى،قالوا:لأنّه قد كان ينبغي له أن يتحرّز و يتحفّظ من الفجور (1).

و هو كما ترى،فإنّ وجوب التحرّز المزبور على تقدير تسليمه لا يدفع الشبهة المحتملة الدارئة،و مخالفته ليس زنا،و لا يوجب القطع بقصده إيّاه و علمه به كما لا يخفى.

و حيث قد عرفت اعتبار إيلاج الفرج في الفرج في تعريف الزنا لغةً و عرفاً و شرعاً،ظهر لك أنّه ليس في التقبيل و المضاجعة و المعانقة و غير ذلك من الأُمور المحرّمة حدّ،بل التعزير خاصّة،فيناط بما يراه الحاكم،وفاقاً للنهاية (2)،و عليه المتأخّرون كافّة كما في المسالك (3)، و ادّعى عليه الشهرة المطلقة الماتن في الشرائع (4)و جماعة (5)،بل عليه الإجماع في الغنية (6).

للمعتبرة المستفيضة (7)،و فيها الصحاح و الموثّق و غيرها،الواردة في الرجلين أو الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد أنّها يضربان دون الحدّ،كما في الصحيح منها (8)،أو مائة سوط غير سوط،كما في باقيها.

و ظاهرها و إن أفاد تعيّن المائة إلّا واحداً و هو ينافي كونه تعزيراً

ص:450


1- المفيد في المقنعة:783،الطوسي في النهاية:699،القاضي في المهذّب 2:524،الديلمي في المراسم:254.
2- النهاية:689.
3- المسالك 2:426.
4- الشرائع 4:152.
5- انظر التنقيح الرائع 4:332،و المفاتيح 2:77،و مرآة العقول 23:276.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
7- انظر الوسائل 28:84 أبواب حدّ الزنا ب 10.
8- التهذيب 10:142/40،الإستبصار 4:793/213،الوسائل 28:89 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 16.

منوطاً برأي الحاكم إلّا أنّ إطلاق الصحيح و الإجماع الظاهر و المحكيّ و عدم قائل بتعيّن مضمونها أوجب حملها على ما إذا رأى الحاكم تعيّنه؛ مع أنّه ورد:الضرب ثلاثين ثلاثين،في الرجلين المجتمعين تحت إزار واحد (1).

و قال في الخلاف:روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبيّة يقبّلها و يعانقها في فراش واحد:أنّ عليهما مائة جلدة،و روى ذلك عن عليّ(عليه السّلام)؛ و قد روي:أنّ عليهما أقلّ من الحدّ (2).

و ظاهره التردّد،أو ترجيح الأوّل،و لا وجه له؛ لرجحان الرواية بدون الحدّ بالكثرة،و الشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدّمة،و بها يجاب عن الإجماع المستشعر من عبارته على ترجيح الرواية بتمام الحدّ،و هي الصحيح:« إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جُلِدا مائة» (3)و نحوه آخر (4)و غيره (5).

و حملها الشيخ على وقوع الزنا أيضاً و علم به الإمام جمعاً.و لا بأس به،بل متعيّن؛ لندرة القائل بها كما مضى،و ربما يحكى عن المقنع

ص:451


1- الفقيه 4:21/14،التهذيب 10:146/41،الإستبصار 4:797/213،الوسائل 28:90 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 21.
2- الخلاف 5:373.
3- الكافي 7:5/181،التهذيب 10:153/43،الإستبصار 4:804/215،الوسائل 28:85 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 5.
4- الكافي 7:6/181،الفقيه 4:23/15،التهذيب 10:156/43،الإستبصار 4:807/216،الوسائل 28:88 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 12.
5- التهذيب 10:155/43،الإستبصار 4:806/215،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 24.

و الإسكافي (1).

و عن المفيد:تعيّن التعزير من عشرة إلى تسعة و تسعين (2).و نحوه عن غيره،مبدلاً العشرة بالثلاثين (3).

و مستندهما غير واضح،عدا الإجماع في الغنية على الأوّل،حيث ادّعاه عليه في كلّ تعزير (4)،و لكن ادّعى الشهرة المتأخّرة على الثاني بعض الأجلّة (5).

و يثبت الزنا على كلّ من الرجل و المرأة بالإقرار منهما به صريحاً،بحيث لا يحتمل الخلاف،كما في قضية ماعز بن مالك و غيرها، فإنّه لم يقبل من الإقرار حتى صرّح بكونه قد أدخل كالميل في المكحلة و الرشاء في البئر (6).

و بالبيّنة بلا خلاف؛ لعموم الأدلّة،و خصوص ما يأتي من المستفيضة.

و لا بدّ من بلوغ المقر،و كماله بكمال عقله و قصده و اختياره، و حرّيته بلا خلاف كما في سائر الأقارير،بل اعتبارها هنا أولى.

و تكرار الإقرار أربعاً للمعتبرة المستفيضة،منها:« و لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرّات» (7)و لا خلاف فيه،بل في المسالك (8)

ص:452


1- حكاه عنهما في المفاتيح 2:77،و انظر المقنع:145.
2- حكاه عن في كشف اللثام 2:396،و هو في المقنعة:774.
3- حكاه في مفاتيح الشرائع 2:77.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):624.
5- انظر المسالك 2:433.
6- سنن البيهقي 8:225 228.و الرشاء:الحبل الصحاح 6:2357.
7- التهذيب 10:21/8،الإستبصار 4:762/204،الوسائل 28:106 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 3.
8- المسالك 2:425.

و غيره (1):أنّ عليه الاتّفاق إلّا من ظاهر العماني فاكتفى بالواحد؛ للصحيح:

« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود اللّه تعالى مرّة واحدة، حرّا كان أو عبداً،حرّة كانت أو أمة،فعلى الإمام أن يقيم الحدّ على الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان،إلّا الزاني المحصن،فإنّه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود» (2).

و حُمِل تارةً على غير حدّ الزاني جمعاً،و أُخرى على التقيّة،و أُخرى على غير ذلك (3).

و كيف كان،فطرحه متعيّن جدّاً؛ لعدم مكافأته لما مضى،مع شذوذه قطعاً بتضمّنه عدم اعتبار الحرّية في المقرّ،و فرقه بين الزاني المحصن و غيره بعدم قبول الإقرار في الأوّل و اختصاصه بالثاني،و هما خلاف الإجماع قطعاً،حتى من العماني،إذ لم ينقل الخلاف منه إلّا في (4)اعتبار تكرار الإقرار لا في غيره.

و هل يشترط اختلاف مجالس الإقرار أربعاً بعدده؟ أشبهه:أنّه لا يشترط وفاقاً لإطلاق الأكثر،و به صرّح عامّة من تأخّر؛ لإطلاق الخبر الذي مرّ.

خلافاً للخلاف و المبسوط و ابن حمزة (5)،فيشترط؛ و حجّتهما عليه غير واضحة،عدا الإجماع المستظهر من الأوّل كما قيل (6)،و ما دلّ من

ص:453


1- انظر الروضة 9:46،و المفاتيح 2:65،و كشف اللثام 2:394.
2- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 10:8،و انظر المختلف:763،و المفاتيح 2:65.
4- في« س» زيادة:أُصول.
5- الخلاف 5:377،المبسوط 8:4،ابن حمزة في الوسيلة:410.
6- كشف اللثام 2:394.

النصوص على تعدّد مجالس الأقارير عند النبيّ و الأمير صلوات اللّه و سلامه عليهما (1).

و الأوّل على تقدير صحّة الظهور موهون بندرة القائل به؛ إذ ليس إلّا الناقل و نادر.و الثاني لا يفيد الحصر؛ لأنّه قضية اتّفاقيّة،مع أنّها ليست في اختلاف المجالس الأربعة صريحة،و لا يحصل بمثلهما شبهة تكون للحدّ دارئة،سيّما مع كون عدم الاشتراط مذهب المتأخّرين كافّة كما عرفته.

و لو أقرّ أحدٌ بحدّ و لم يبيّنه ما هو؟زنا أو غيره؟لم يكلَّف البيان بلا خلاف،و ضُرِبَ حتى ينهى و يمنع الضرب عن نفسه بأن يقول:يكفي،كما في الصحيح (2)على الصحيح،و به أفتى القاضي (3)، و رواه في النهاية (4)مشعراً برضاه به،و وافقهما الحلّي و الفاضلان في الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد (5)و غيرهما (6)،و لكنّهم قيّدوه بما إذا لم يزد على المائة،و مع الزيادة لا يُضرَب و إن لم ينه عن نفسه؛ إذ لا حدّ فوقها. (7)و ما يزاد عليها لشرف المكان أو الزمان تعزيرٌ زائد على أصل

ص:454


1- انظر الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 16،مستدرك الوسائل 18:53 أبواب حدّ الزنا ب 13.
2- الكافي 7:1/219،التهذيب 10:160/45،الوسائل 28:25 أبواب مقدّمات الحدود ب 11 ح 1.
3- المهذب 2:529.
4- النهاية:702.
5- الحلّي في السرائر 3:455،الشرائع 4:152،الإرشاد 2:171،التحرير 2:222،القواعد 2:250.
6- كالشهيد الثاني في الروضة 9:126،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:394.
7- في« ب»:إذ.

الحدّ،و الأصل عدمه.

قيل:نعم،إن علم بالعدد و المسألة و طلب الزيادة توجّه الضرب إلى أن ينهى عن نفسه (1).

و زاد الحلّي،فقيّد في طرف النقيصة،فقال:لا يضرب أقلّ من ثمانين؛ إذ لا حدّ دونه (2).

و فيه منع واضح،فإنّ حدّ القوّاد خمسة و سبعون.

و زاد الفاضلان في وجه المنع احتمال إرادته من الحدّ التعزير (3).

و رُدّ بأنّه مجاز لا قرينة عليه في إقراره (4).

و فيه نظر،إذ المجازيّة إنّما هي في الشرع لا في كلام المقرّ،و هو يحتمل كون الحدّ فيه حقيقة في الأعمّ من الحدّ الشرعي و التعزير،و القرينة المعيّنة هي نهيه عن الضرب فيما بعد،و تصلح قرينة صارفة أيضاً على التقدير الأوّل،كما يفهم من ظاهر الفاضلين و صريح غيرهما (5)،و فيه تأمّل.

و مع ذلك جارٍ مثله في طرف الزيادة على المائة،فيقال:عدم الإنهاء عن نفسه إلى أن يزاد عليها قرينة إرادته من الحدّ المقرّ به التعزير،فتأمّل (6).

و بالجملة:الأجود أمّا العمل بإطلاق الرواية،أو اطراحها بالمرّة كما عليه في المسالك (7)لضعف السند بالاشتراك،و مخالفتها الأُصول،فإنّ الحدّ كما قد عُلم يطلق على الرجم،و على القتل بالسيف،و الإحراق بالنار،

ص:455


1- انظر كشف اللثام 2:394.
2- السرائر 3:455.
3- المحقّق في الشرائع 4:152،العلّامة في المختلف:761.
4- انظر التنقيح الرائع 4:335،و المسالك 2:425.
5- كشف اللثام 2:394.
6- ليست في« ب»،و في« ح» زيادة:جدّاً.
7- المسالك 2:426.

و رمي الجدار عليه،و غير ذلك ممّا ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى،و على الجلد، و الجلد يختلف كمّيةً و كيفيةً،فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع.

و هو حسن،غير أنّ ما ذكر من تضعيف السند محلّ نظر؛ لما مرّ، و مع ذلك فبالشهرة الظاهرة و لو في الجملة و المحكيّة مطلقاً عن الماتن في النكت (1)منجبر.

و على هذا،فالخروج عن الأُصول بمثله محتمل،سيّما مع التأيّد بما عن المقنع،من أنّه قال:و قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يبيّن أيّ حدٍّ هو؟أن يجلد حتى يبلغ ثمانين،فجلد،ثم قال:« لو أكملت جلدك مائة،ما ابتغيت عليه بيّنة غير نفسك» (2).و هو قد يؤيّد ما عليه الحلّي.

و أمّا ما يخالف ذلك من (3)النصوص (4)،فمع عدم وضوح سنده بل ضعفه غير واضح الدلالة على المخالفة.

قيل:و إطلاق الخبرين الأوّلين و كلمة الأصحاب منزّل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع منه من الإقرار،فلا يحدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً،و لا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين،و لا يتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً،و لا الثمانون إذا أقرّ مرّتين على قول غير الحلّي (5).

و لعلّ التنزيل للجمع بين الأدلّة،و لا بأس به.

و لو أقرّ بما يوجب الرجم ثم أنكره،سقط عنه بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (6)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ص:456


1- حكاه في كشف اللثام 2:394،و هو في النكت 3:304.
2- المقنع:147،مستدرك الوسائل 18:15 أبواب مقدّمات الحدود ب 9 ح 2.
3- في« ن» زيادة:بعض.
4- انظر صحيح البخاري 8:207.
5- انظر كشف اللثام 2:395.
6- الخلاف 5:378.

ففي الصحيح:« من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه،إلّا الرجم،فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم» (1).

و ليس فيها و لا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار الحلف،و عن جامع البزنطي:أنّه يحلف و يسقط عنه الرجم،و أنّه رواه عن الصادقين(عليهما السّلام)بعدّة أسانيد (2).و لم أقف على شيء منها.

و يستفاد منها:أنّه لا يسقط غيره من سائر الحدود بالإنكار، و لا خلاف فيه أيضاً إلّا من الخلاف و الغنية،حيث أطلقا سقوط الحدّ بالرجوع من دون فرق بين كونه رجماً أو غيره (3)؛ و مستندهما غير واضح، عدا الإجماع الذي استدلّ به في الخلاف،و وهنه ظاهر،و مع ذلك عن معارضة ما مرّ من النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة قاصر؛ مع أنّه قيل:يمكن حمل كلام الأوّل على الرجوع قبل كمال ما يعتبر من المرّات في الإقرار (4).

و أمّا الخبر:« لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين،فإن رجع ضمن السرقة،و لم يقطع إذا لم يكن شهود» (5)فمع ضعفه بالإرسال و غيره،شاذّ لا عامل به،محمول على الرجوع بعد الإقرار مرّة.

و يدخل في إطلاق غير الرجم في النصّ و العبارة و نحوها:القتل بغيره،فلا يسقط بالرجوع عن الإقرار.

ص:457


1- الكافي 7:5/220،الوسائل 28:27 أبواب مقدمات الحدود ب 12 ح 3.
2- لم نعثر عليه في مصادر الحديث المتوفرة لدينا.
3- الخلاف 5:378،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- كشف اللثام 2:395.
5- الكافي 7:2/219،الفقيه 4:145/43،التهذيب 10:515/129،الوسائل 28:249 أبواب حدّ السرقة ب 3 ح 1.

و استشكله في القواعد (1)؛ من خروجه عن المنصوص،و من الاحتياط في الدماء،و بناء الحدّ على التخفيف.و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً للمحكيّ عن الوسيلة (2)؛ لذلك،و لمنع اختصاص النصّ بالرجم.

ففي المرسل كالصحيح بابن أبي عمير و جميل،قال:« إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قُتِل إذا لم يكن عليه شهود،فإن رجع و قال:لم أفعل، تُرِك و لم يُقتَل» (3)و القتل يشمل موجبه بغير الرجم إن لم نقل بظهوره فيه.

و لو أقرّ بحدّ ثم تاب عن موجبه كان الإمام مخيّراً في الإقامة عليه أو (4)العفو عنه مطلقاً (5) رجماً كان أو غيره بلا خلاف إلّا من الحلّي،فخصّه بالرجم،قال:لأنّا أجمعنا أنّه بالخيار في الموضع الذي ذكرنا،و لا إجماع على غيره،فمن ادّعاه و جعله بالخيار و عطّل حدّا من حدود اللّه تعالى فعليه الدليل (6).

و رُدّ بأنّ المقتضي لإسقاط الرجم عنه:اعترافه بالذنب،و هو موجود في الحدّ؛ لأنّه إحدى العقوبتين،و لأنّ التوبة تسقط تحتم أشدّ العقوبيتن، فإسقاطها لتحتّم الأُخرى الأضعف أولى (7).

و الأولى الجواب عنه بقيام الدليل في غير الرجم أيضاً (8)،و هو النصوص.

ص:458


1- قواعد الأحكام 2:250.
2- الوسيلة:410.
3- الكافي 7:6/220،الوسائل 28:27 أبواب مقدّمات الحدود ب 12 ح 4.
4- في« ب» « ح» « س»:و.
5- أثبتناه من« ن».
6- السرائر 3:444.
7- المختلف:759.
8- أثبتناه من« ن».

ففي الخبرين بل الأخبار-:« جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)فأقرّ بالسرقة،فقال:أ تقرأ شيئاً من القرآن؟قال:نعم،سورة البقرة،قال:قد وهبت يدك لسورة البقرة،قال:فقال الأشعث:أ تعطّل حدّا من حدود اللّه تعالى؟فقال:و ما يدريك ما هذا؟إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا،و إن شاء قطع» (1).

و قصور الأسانيد مجبور بالتعدّد،مع عمل الأكثر،بل الكلّ عداه، و هو شاذٌّ كما صرّح به بعض الأصحاب (2).

و أخصّية المورد مدفوع بعموم الجواب،مع عدم قائل بالفرق بين الأصحاب.

مع ورود نصّ آخر باللواط متضمّناً للحكم أيضاً على العموم من حيث التعليل،و هو المرويّ عن تحف العقول،عن أبي الحسن الثالث(عليه السّلام)،في حديث،قال:« و أمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه البيّنة،و إنّما تطوّع بالإقرار عن نفسه،و إذا كان للإمام الذي من اللّه تعالى أن يعاقب عن اللّه سبحانه كان له أن يمنّ عن اللّه تعالى؛ أ ما سمعت قول اللّه تعالى هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [1] (3)؟!» (4).

نعم،ليس في شيء منها اعتبار التوبة،كما هو ظاهر الجماعة و لعلّ اتّفاقهم عليه كافٍ في تقييدها بها.

ص:459


1- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:506/127،و 516/129،الاستبصار 4:955/252،عوالي اللئلئ 2:158،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 3،مستدرك الوسائل 18:34 أبواب مقدّمات الحدود ب 29 ح 1.
2- انظر المفاتيح 2:88.
3- سورة ص:39.
4- تحف العقول:360،الوسائل 28:41 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 4.

و ظاهره كباقي النصوص و الفتاوى قصر التخيير على الإمام،فليس لغيره من الحكّام،و عليه نبّه (1)بعض الأصحاب (2)،و احتمل بعضٌ ثبوته لهم أيضاً (3)،و فيه إشكال،و الأحوط إجراء الحدّ أخذاً بالمتيقن؛ لعدم لزوم العفو.

ثم إنّ هذا في حدود اللّه سبحانه.

و أمّا حقوق الناس،فلا يسقط الحدّ إلّا بإسقاط صاحبه،كما صرّح به بعض الأصحاب (4)؛ و وجهه واضح.و في بعض المعتبرة:« لا يعفى عن الحدود التي للّه تعالى دون الإمام،فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام» (5).

و لا يكفي في البيّنة أقلّ من أربعة رجال،أو ثلاثة و امرأتين و يثبت الزنا بالأوّل؛ بالكتاب (6)،و السنّة المستفيضة (7)،و الإجماع.

و كذا بالثاني على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،عدا من سيذكر،و ربما نفي الخلاف عنه (8)،و في الغنية:الإجماع عليه (9)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ص:460


1- في« ب»:بناء.
2- كشف اللثام 2:395.
3- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 13:35.
4- كشف اللثام 2:395.
5- الكافي 7:4/252،الفقيه 4:185/52،التهذيب 10:496/124،الوسائل 28:40 أبواب مقدّمات الحدود ب 18 ح 1.
6- النساء:15،النور:4،13.
7- انظر الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12.
8- انظر الكفاية:284.
9- الغنية(الجوامع الفقهية):624.

ففي الصحيح:« لا تجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان» (1).

خلافاً للعماني و المفيد و الديلمي (2)،فلم يثبتوه به،بل خصّوه بالأوّل؛ لكونه المنصوص في الكتاب الكريم،فيرجع في غيره إلى الأصل، و للصحيح:« إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم» (3)مضافاً إلى النصوص المانعة عن قبول شهادتهنّ في الحدّ (4)،و لذا توقّف في المختلف (5).

و هو في غاية الضعف؛ إذ ليس في الكتاب ما يدلّ على الحصر.

و الأصل مخصّص بما مرّ.

و الصحيح:مع قصوره عن معارضته من وجوه موافق لما عليه أكثر العامّة،كما ذكره الشيخ،حاملاً له لذلك على التقيّة (6).

و النصوص الأخيرة مخصّصة بما ذكرناه من الأدلّة المعتضدة مع كثرتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة، و لذا لم ينقل الأكثر فيه خلافاً،و حسبه جملة إجماعاً أو ما يقرب منه،أو

ص:461


1- الكافي 7:8/391،التهذيب 6:702/264،الإستبصار 3:70/23،الوسائل 27:353 كتاب الشهادات ب 24 ح 10.
2- حكاه عن العماني في المختلف:714،المفيد في المقنعة:775،الديلمي في المراسم:252.
3- التهذيب 6:708/265،الإستبصار 3:76/24،الوسائل 27:358 كتاب الشهادات ب 24 ح 28.
4- انظر الوسائل 27:كتاب الشهادات ب 24 ح 29،30،42.
5- المختلف:715.
6- الاستبصار 3:24.

محمولة على شهادتهنّ منفردات،أو غير ذلك.

و لو شهد رجلان و أربع نساء،يثبت بهم الجلد لا الرجم وفاقاً للنهاية و الإسكافي و الحلّي و ابن حمزة و الفاضل في التحرير و الإرشاد و القواعد و الشهيدين في اللمعتين (1)،و بالجملة:المشهور،على الظاهر المصرّح به في كلام الخال العلّامة المجلسي(رحمه اللّه) (2).

و مستندهم غير واضح،عدا ما قيل (3)من الخبر:« تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» (4)و حيث انتفى الرجم ثبت الجلد.

و فيه بعد الإغماض عن السند-:عدم قولهم بعمومه،مع معارضته بعموم ما مرّ من النصوص بعدم قبول شهادتهنّ في الحدود.

و خصوص الصحيح:« و تجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان،و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم» (5).

و ليس في ذكر الزنا مع الرجم فائدة إلّا بيان عدم ثبوت الجلد أيضاً بشهادتهن،و تخصيص الزنا بالرجم يوجب التكرار،فمع ذلك كيف يمكن

ص:462


1- النهاية:690،حكاه عن الإسكافي في المختلف.715،الحلّي في السرائر 3:431،ابن حمزة في الوسيلة:409،التحرير 2:220،الإرشاد 2:172،القواعد 2:251،الروضة البهية 3:140.
2- مرآة العقول 24:239،ملاذ الأخيار 10:134،136.
3- انظر المسالك 2:413.
4- التهذيب 6:728/270،الإستبصار 3:100/30،الوسائل 27:356،كتاب الشهادات ب 24 ح 21.
5- الكافي 7:5/391،الفقيه 3:94/31،التهذيب 6:705/264،الإستبصار 3:73/23،الوسائل 27:352 كتاب الشهادات ب 24 ح 7.

الخروج عن الأصل؟! و لعلّه لذا ذهب جماعة منهم:الصدوقان و القاضي و الحلبي و الفاضل في المختلف (1)و غيره من المتأخّرين (2)إلى عدم ثبوت الجلد بذلك أيضاً؛ عملاً بالأصل.

لكن في الموثّق كالصحيح:عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان« وجب عليه الرجم،و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم،و لكن يضرب حدّ الزاني» (3).

و هو مع اعتبار سنده و حجّيته،سيّما بعد اعتضاده بالشهرة الظاهرة و المحكيّة صريح فيما ذكروه،فقولهم في غاية القوّة.

و أمّا قول الشيخ في الخلاف بثبوت الرجم هنا أيضاً (4)،فضعيف جدّاً؛ لتصريح جملة من النصوص المتقدّمة و منها الصحيح المتقدّم (5)بعدم ثبوت الرجم به؛ و لعلّه لذا لم يوافقه أحد،و لم ينقل موافق له.

و بفحوى أدلّة المنع هنا يستدلّ على أنّه: لا تقبل شهادة ستّ نساء و رجل،و لا شهادة النساء منفردات عن الرجال مطلقاً؛ مع أنّه

ص:463


1- حكاه عن الصدوقين في المختلف:715،و انظر المقنع:135،القاضي في المهذّب 2:558،و لكنّه صرّح في كتاب الحدود(2:526)بثبوت الجلد بها،الحلبي في الكافي في الفقه:436،المختلف:715.
2- انظر المسالك 2:413،و المفاتيح 2:65،و الكفاية:284.
3- الفقيه 4:26/16،التهذيب 10:80/26،الوسائل 28:132 أبواب حدّ الزنا ب 30 ح 1.
4- الخلاف 6:251.
5- في ص 461.

لا خلاف فيه إلّا من الخلاف،فقال:يثبت بشهادتهم الحدّ دون الرجم (1).

و لا ريب في شذوذه،كما صرّح به بعض الأصحاب (2)،مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه،فلا يُعبأ به،سيّما بعد قيام الأدلّة المتقدّمة على ردّه.

و لو شهد ما دون الأربعة أو ما في معناها لم يثبت الحدّ مطلقاً و حُدّوا للفِرية بالإجماع،و نصّ الكتاب،و السنّة (3)،فقال سبحانه لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [1] (4)و سيأتي أنّه إذا لم يحضر الرابع،و شهد ثلاثة،حُدّوا للفِرية و لم يرتقب حضوره (5).

و لا بدّ في الشهادة من ذكر الشهود المشاهدة للإيلاج في الفرج كالميل في المكحلة للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« لا يرجم رجل و لا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج» (6)و بمعناه آخر (7)،و الخبران (8).

ص:464


1- الخلاف 6:251.
2- المفاتيح 2:65.
3- انظر الوسائل 28:96،97 أبواب حد الزنا ب 12 ح 8،9.
4- النور:13.
5- في ص 467.
6- الكافي 7:2/183،التهذيب 10:3/2،الإستبصار 4:814/217،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 2.
7- الكافي 7:1/183،التهذيب 10:4/2،الإستبصار 4:815/217،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 1.
8- أحدهما في:الفقيه:4:24/15،الوسائل 28:97 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 11. و الآخر في:الكافي 7:5/184،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 5.

و في الموثّق:« لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة» (1).

و لأنّ الشهادة إنّما تُسمَع بما عُوينَ أو سُمِع،و لا معنى للزنا حقيقةً إلّا ذلك،فلا تسمع الشهادة به إلّا إذا عُوينَ كذلك،و ربما أُطلق على غيره من التفخيذ و نحوه،فلو لم يصرّح الشهود به لم تكن الشهادة نصّاً في الموجب للحدّ.

و أمّا الموثّق:« إذا شهد الشهود على الزاني أنّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته،أُقيم عليه الحدّ» الخبر (2).

فقاصرٌ عن مقاومة ما مرّ سنداً و عدداً و عملاً؛ إذ لا قائل به عدا الشيخ،حيث احتمل العمل به بعد تخصيصه الحدّ بالجلد دون الرجم (3)، و محصّله:عدم اعتباره المعاينة في الجلد خاصّة.

و احتمله أيضاً خالي العلّامة المجلسي-(رحمه اللّه) فقال بعد ذكر نحو هذه الرواية ممّا ورد بتمام الحدّ في الرجلين أو الرجل و المرأة يوجدان تحت لحاف واحد،و الأخبار المعارضة لها،المتقدّم إلى جميعها الإشارة (4)-:و الأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدّالة على تمام الحدّ،بأن يقال:لا يشترط في ثبوت الجلد

ص:465


1- الكافي 7:4/184،التهذيب 10:1/2،الإستبصار 4:812/217،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 4.
2- الكافي 7:8/182،التهذيب 10:152/42،الإستبصار 4:803/215،الوسائل 28:88 أبواب حدّ الزنا ب 10 ح 13.
3- الاستبصار 4:218.
4- في ص 450.

المعاينة كالميل في المكحلة،و يحمل الأخبار الدّالة على اشتراط ذلك على الرجم كما هو الظاهر من أكثرها،و يحمل الأخبار الدالّة على ما نقص على التقيّة لموافقتها لمذهبهم.إلى آخر ما ذكره (1).

و هو حسن،إلّا أنّه لمخالفته الأصحاب كافّة هنا حيث اعتبروا المعاينة مطلقاً من غير خلاف بينهم أجده،و الأمر الاعتباري الذي تقدّم إليه أخيراً الإشارة مشكلٌ غايته،سيّما مع عدم ظهور فتوى الشيخ بذلك،حيث ذكره على وجه الاحتمال،و مع ذلك احتمل فيه أيضاً ما يوافق الأصحاب من إرادة التعزير من الحدّ،فليس الاحتمال فيه إلّا للجمع.

و الخال-(رحمه اللّه) أيضاً احتمل محامل أُخر،بحيث يظهر منه عدم تعيّن الأوّل عنده؛ مع إشعار قوله:مع قطع النظر عن الشهرة،به.هذا.

مع أنّ النصوص التي احتمل بها عدم اعتبار المعاينة في الجلد خاصّة لا تدلّ عليه كلّيةً،بل غايتها الدلالة عليه في موردها خاصّة،و هو صورة اجتماع الرجلين مثلاً تحت لحاف واحد،فلا دلالة فيها على المدّعى كلّيةً، و لا إجماع مركب يوجبها؛ لما عرفت من وجود قائل بها و إن ندر،كالمقنع و الإسكافي (2).

و قوّاها أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3)،لا من حيث الاحتمال الذي ذكره و لذا لم يحتمله هو و لا غيره في محلّ البحث بل من حيث كونها

ص:466


1- مرآة العقول 23:276 277.
2- راجع ص 451.
3- انظر المسالك 2:433.

أكثر عدداً و أصحّ سنداً من نصوص التعزير عنده،فكأنّه خرج عن الأصل بها في موردها خاصّة.

و بالجملة:الأظهر عدم إمكان المصير إلى ذلك الاحتمال،فينبغي طرح الموثّق،أو حمله على الاحتمال الثاني للشيخ،أو على ما ذكره بعض الأصحاب من كون التعبير بهذه العبارة في كلامه(عليه السّلام)كناية عن قول الشاهد:إنّه وطئها (1).

و لا بدّ مع ذلك من تواردهم و اتّفاقهم على الفعل الواحد في الزمان الواحد و المكان الواحد فلو اختلفوا في أحدها بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص و الباقون على غيره،أو شهد بعضهم بالزنا غدوة و الآخرون عشية،أو شهد بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت و الآخرون في غيره لم يُحَدّ المشهود عليه،و حُدّوا للفِرية،بلا خلاف؛ لأنّ كلّ واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر،فلم يقم على الفعل الواحد أربعة شهود.

و للموثّق:ثلاثة شهدوا أنّه زنى بفلانة،و شهد رابع أنّه لا يدري بمن زنى،قال:« لا يحدّ و لا يرجم» (2)و ظاهره كالعبارة و نحوها أنّه لا بدّ إذا تعرّض بعضهم لخصوصيّة أحد القيود الثلاثة من تعرّض الباقي لها و اتّفاقهم عليها.

ص:467


1- كشف اللثام 2:396.
2- الكافي 7:3/210،الفقيه 4:71/28،التهذيب 10:75/25،الإستبصار 4:817/218،الوسائل 28:95 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 6؛ بتفاوت يسير.

خلافاً لشيخنا في المسالك و الروضة (1)و بعض من تبعه (2)،فقالا بعدم اشتراط التعرّض لها مطلقاً و لو تعرّض بعضهم لها؛ لخلوّ النصوص و كلام المتقدّمين عنه،و عدم دليل عليه،قالا:و يمكن تنزيل العبارة و نحوها على ذلك،بحمل عدم القبول على تقدير التعرّض لذلك و الاختلاف فيه.

و هو حسن لولا الموثّق المتقدّم الظاهر في الاشتراط في بعض الأفراد،و يتمّ في غيره بعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

و لا بدّ أيضاً من اجتماعهم حال إقامة الشهادة دفعةً،بمعنى:أن لا يحصل بين الشهادات تراخٍ عرفاً،لا بمعنى:تلفّظهم بها دفعةً،و إن كان جائزاً،ف لو أقام الشهادة بعض الشهود في غيبة الباقي حُدّوا للفرية (3) و لم يُرتَقَب (4) أي لا ينتظر إتمام البيّنة لأنّه لا تأخير في حدّ،كما في الخبر:« في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا،فقال أمير المؤمنين(عليه السّلام):أين الرابع؟فقالوا:الآن يجيء،فقال أمير المؤمنين(عليه السّلام):

حدّوهم،فليس في الحدود نظرة ساعة» (5).

و في آخر:عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا:الآن يأتي الرابع، قال:« يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجل منهم» (6).

ص:468


1- المسالك 2:427،الروضة 9:51 53.
2- مفاتيح الشرائع 2:66.
3- ليست في«س» و«ب».
4- في المختصر المطبوع(215):لو لم يُرتَقَب.
5- الكافي 7:4/210،الفقيه 4:56/24،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:96 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 8.
6- التهذيب 10:189/51،الوسائل 28:97 أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 9.

و قصور السند مجبور بعدم الخلاف في الحكم،إلّا من محتمل الخلاف،حيث قال:إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس واحد أو مجالس و شهادتهم متفرّقين أحوط (1).

و في المختلف حمل كلامه على تفرّقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعةً؛ نظراً إلى أنّ ذلك هو المذهب عندنا (2)،مشعراً بدعوى الإجماع على الحكم.

و أظهر منه عبارة المسالك،حيث نسبه إلى مذهب الأصحاب (3).

و يقرّب حمل كلام الخلاف على ما ذكر تصريحُ الحلّي بنحو عبارته، و مع ذلك قال قبلها:و لا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلّا إذا حضروا في وقت واحد،فإن شهد بعضهم و قال:الآن يجيء الباقون،جُلِد حدّ المفتري؛ لأنّه ليس في ذلك تأخير (4).

فلا إشكال في الحكم و إن حكي المخالفة فيه صريحاً عن ابن عمّ الماتن يحيى بن سعيد في الجامع (5)؛ إذ لا ريب في شذوذه.

و هل يشترط حضورهم في مجلس الحكم دفعةً قبل اجتماعهم على الإقامة؟قولان.

اختار أوّلهما الفاضل في القواعد و ولده في شرحه (6).

ص:469


1- الخلاف 5:388.
2- المختلف:764.
3- المسالك 2:427.
4- السرائر 3:431.
5- الجامع للشرائع:548.
6- القواعد 2:251،إيضاح الفوائد 4:475.

و ثانيهما في التحرير (1).و هو الأجود وفاقاً لجمع (2)؛ لتحقّق الشهادة المتّفقة،و عدم ظهور المنافي،مع الشّك في اشتراط الحضور دفعةً، و الخبران لا يدلاّن على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.

و يتفرّع عليهما ما لو تلاحقوا فاتّصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير،فيحدّون على الأوّل قطعاً،و على الثاني احتمالاً،مع احتمال العدم؛ نظراً إلى فقد شرط الاجتماع حال الإقامة دفعةً،و انتفاء العلّة الموجبة للاجتماع،و هي:تأخير حدّ القاذف،فإنّه لم يتحقق هنا.

و اعلم:أنّ الحكم هنا بحدّ الشهود قبل الاجتماع للإقامة يدلّ بفحواه على الحكم بحدّهم إذا أبى بعضهم عن الشهادة،و به صرّح الشيخ في الخلاف و المبسوط و الحلّي نافيين للخلاف فيه (3)،بل صرّح بالإجماع في الخلاف،و جعله مقتضى المذهب في تاليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأولوية المتقدّمة،و قصّة المغيرة المشهورة الصريحة في ذلك (4)،كالصحيح،قال:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):لا أكون أوّل الشهود الأربعة على الزنا،أخشى أن ينكل بعضهم فأُجلَد» (5).

خلافاً للفاضل في المختلف،فلم يوجب هنا حدّ القذف (6).

ص:470


1- التحرير 2:221.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 9:53 54،و المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:397.
3- الخلاف 5:389،المبسوط 8:9،الحلّي في السرائر 3:434.
4- الخلاف 5:389،دُرر اللئالئ 2:129،مستدرك الوسائل 18:77،كتاب الحدود و التعزيرات ب 42 ح 11،سنن البيهقي 8:235.
5- الكافي 7:2/210،الوسائل 28:194 أبواب حدّ القذف ب 12 ح 2.
6- المختلف:755.

و هو غريب،و دليله مع كونه اجتهاداً في مقابلة النصّ الصحيح و غيره غير مسموع،لا يسمن و لا يغني من جوع.

و تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد كما هنا و في السرائر و التحرير و الإرشاد (1)،و غيرها من كتب الأصحاب (2)،و لعلّه لا خلاف فيه؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة السليمة عن المعارض.

و لا يسقط الحدّ مطلقاً بالتوبة بعد قيام البيّنة فليس للإمام العفو عنه على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لثبوت الحدّ فيستصحب،و للنصوص المستفيضة:

منها زيادةً على ما تقدّم في بحث جواز العفو بالتوبة عن الحدّ إذا ثبت بالإقرار (3)المرسل كالصحيح بصفوان بن يحيى:في رجل أُقيمت عليه البيّنة بأنّه زنى،ثم هرب قبل أن يضرب،قال:« إن تاب فما عليه شيء،و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ،و إن علم مكانه بعث إليه» (4).

بناءً على أنّ المراد بقوله:« إن تاب فما عليه شيء» أي فيما بينه و بين اللّه سبحانه،و لكن إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ،كالمرتدّ فطريّاً إذا تاب على الأصح،هذا.

مضافاً إلى فحوى النصوص الدّالة على ردّه في الحفيرة مع هربه عنها

ص:471


1- السرائر 3:431،التحرير 2:222،الإرشاد 2:172.
2- كالشرائع 4:153،و الإرشاد 2:172،و مجمع الفائدة و البرهان 13:45.
3- راجع ص 459.
4- الكافي 7:2/251،الفقيه 4:61/26،التهذيب 10:167/46،الوسائل 28:37 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 4.

إذا ثبت عليه الحدّ بالبيّنة،و عدمه إذا ثبت بالإقرار (1).

خلافاً للمفيد و الحلبي،فخيّرا الإمام بين الإقامة عليه و العفو عنه (2).

للأصل.

و فيه:أنّه بالعكس بعد ثبوت الحدّ في الذمّة،و منعه لا وجه له.

و لسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة،فالدنيا أولى.

و فيه:أنّه يسقط الأُخرويّة حتماً،و الأولويّة تقتضي حتميّة سقوط الدنيويّة أيضاً لا جوازه،و لا يقولان بها.

و يسقط الحدّ لو كانت التوبة قبلها أي قبل قيام البيّنة مطلقاً رجماً كان أو غيره بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الطائفة (3)، و بالوفاق بعض الأجلّة (4)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى صريح المرسلة كالصحيحة،المؤيّدة بعد الوفاق بالأولويّة المتقدّمة سنداً للمفيد و من تبعه،و فيها:رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى،فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح،فقال:« إذا صلح و عرف منه أمرٌ جميل لم يقم عليه الحدّ» (5).

ص:472


1- انظر الوسائل 28:101،140 أبواب حد الزنا ب 15،35.
2- المفيد في المقنعة:777،الحلبي في الكافي في الفقه:407.
3- مفاتيح الشرائع 2:68.
4- كشف اللثام 2:398،مرآة العقول 23:389.
5- الكافي 7:1/250،التهذيب 10:46،166/122،490،الوسائل 28:36،أبواب مقدمات الحدود ب 16 ح 3.

النظر الثاني في الحدّ

النظر الثاني في بيان الحدّ و أقسامه اعلم أنّه يجب القتل على الزاني بالمحرّمة عليه نسباً كالأُمّ، و البنت و الأُخت،و بناتها،و بنات الأخ،و العمّة،و الخالة،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة حدّ الاستفاضة (1)،بل عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامّية و الخاصّية،و منها الحسن« من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضُرِب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت طاوعته ضُربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت» (3).

و أمّا غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة و أُمّها فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى،و النصوص خالية من تخصيص النسبي،بل الحكم فيها معلّق على ذات محرم مطلقاً.لكن سند أكثرها ضعيف،و الحسن منها قاصر عن الصحّة،و الصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها التهجّم على النفوس المحترمة،سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة؛ بناءً على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى السببيّات،بل المتبادر منها النسبيّات خاصّة.

و من هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم للرضاع بالنسب،مع عدم ظهور

ص:473


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:335،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الكاشاني في المفاتيح 2:70.
2- الانتصار:259،الخلاف 5:386،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- الكافي 7:1/190،الفقيه 4:81/30،التهذيب 10:68/23،الإستبصار 4:777/208،الوسائل 28:113 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.

قائل به،عدا الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن عمّ الماتن (1).

و هما شاذّان،و لذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخّرين،عدا شيخنا في الروضة (2)،مع ظنّه عدم القائل به،فقد جعله وجهاً،قال:

مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام؛ للخبر (3).

و ذلك لأنّ غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنّة ما ضعيفة لا يجسر بها التهجّم على ما عرفته.

و كذا إلحاق زوجة الأب و الابن و موطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي، و إن كان ألحق الشيخ به و الحلبي و القاضي و الحلّي و بنو زهرة و حمزة و سعيد (4)و جامعة من المتأخّرين (5) امرأة الأب للخبر:

« رفع إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن» (6)لضعفه،إلّا أن يجبر بكثرة القائل بمضمونه،على الظاهر المصرّح به

ص:474


1- الخلاف 5:386،المبسوط 8:8،ابن سعيد في الجامع للشرائع:549.
2- الروضة البهية 9:63.
3- الوسائل 20:371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
4- الشيخ في النهاية:693،و الخلاف 5:386،حكاه عن الحلبي في الإيضاح 4:477،القاضي في المهذّب 2:519،الحلّي في السرائر 3:438،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622،ابن حمزة في الوسيلة:410،ابن سعيد في الجامع للشرائع:550.
5- منهم العلّامة في الإرشاد 2:172،و فخر المحققين في الإيضاح 4:477،و ابن فهد في المقتصر:399،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:398،و الكاشاني في المفاتيح 2:70.
6- الفقيه 4:83/30،التهذيب 10:180/48،الوسائل 28:115 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 9؛ بتفاوت يسير.

في المسالك (1)،بل الشهرة،كما ربما يفهم من كلام بعض الأجلّة (2)،مع دعوى الإجماع عليه في الغنية.

و أمّا إلحاق الحلّي الثانية (3)،و ابن حمزة الثالثة (4)،فشاذّ،و مستندهما غير واضح،عدا إطلاق النصوص المتقدّمة،و فيه ما عرفته،مضافاً إلى أنّها تعمّ الملحقة و غيرها،و لم يذكراه؛ مع عدم ظهورها في اعتبار القتل،بل ظاهر أكثرها الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً أو في الرقبة،و هي لا تستلزم القتل،كما في صريح بعضها:عن رجل وقع على أُخته،قال:« يُضرَب ضربة بالسيف» قلت:فإنّه يخلص؟قال:« يحبس أبداً حتى يموت» (5)و بمعناه آخر. (6)و هو شيء لم يذكره أحد ممّن تقدّم أو تأخّر،بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف و غيره.

نعم،في الموثّق:« إذا زنى الرجل بذات محرم حُدَّ حَدَّ الزاني،إلّا أنّه أعظم ذنباً» (7)و جمع الشيخ بينه و بين ما مرّ بأنّ الإمام مخيّر بين قتله بالسيف و بين رجمه،فتدبّر.

و كذا يقتل الذمّي بل مطلق الكافر إذا زنى بمسلمة كارهة أو مطاوعة و كذا الزاني بالمرأة قهراً إجماعاً في المقامين على

ص:475


1- المسالك 2:427.
2- مجمع الفائدة 13:52.
3- السرائر 3:438.
4- الوسيلة:410.
5- الكافي 7:3/190،التهذيب 10:70/23،الإستبصار 4:779/208،الوسائل 28:114 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 4.
6- الفقيه 3:46/19،الوسائل 28:116 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 10.
7- التهذيب 10:71/23،الإستبصار 4:780/208،الوسائل 28:115 أبواب حدّ الزنا ب 19 ح 8.

الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر،كالإنتصار و الغنية (1)و غيرهما من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل،أحدهما الموثّق:عن يهودي فجر بمسلمة،فقال:« يقتل» (3).

و نحوه الثاني،و هو طويل،في نصراني فجر بمسلمة،ثم أسلم بعد أن أُريد إقامة الحدّ عليه،فكتب(عليه السّلام):« يضرب حتى يموت» و لمّا سئل(عليه السّلام)عن وجه حدّه بعد إسلامه،كتب(عليه السّلام):« بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ. [1]

فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [2] (4)» (5).

و بمضمونه أفتى الشيخان في المقنعة و النهاية،و الحلّي في السرائر، و الفاضل في التحرير،و شيخنا في الروضة (6).

و لا خلاف فيه أجده،إلّا من بعض متأخّري متأخّري الطائفة، فأحتمل سقوط القتل عنه بإسلامه،قال:لجبّ الإسلام ما قبله،و الاحتياط في الدماء (7).

ص:476


1- الانتصار:261،الفنية(الجوامع الفقهية):622.
2- انظر المفاتيح 2:70،و كشف اللثام 2:398.
3- الكافي 7:3/239،التهذيب 10:134/38،الوسائل 28:141 أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 1.
4- غافر:84،85.
5- الفقيه 4:64/27،التهذيب 10:135/38،الوسائل 28:141 أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 2.
6- المقنعة:778،النهاية:692،السرائر 3:437،التحرير 2:222،الروضة 9:65.
7- كشف اللثام 2:398.

و هو ضعيف في الغاية؛ لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة،المؤيّدة باستصحاب الحالة السابقة.

و أضعف منه قوله فيما بعد:و حينئذٍ يسقط عند الحدّ رأساً (1)و لا ينتقل إلى الجلد؛ للأصل.

لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة (2)،و غاية الإسلام أن تكون توبة،فتأمّل .

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في الثاني.

ففي الصحيح:الرجل يغصب المرأة نفسها،قال:« يُقتَل» (3).

و في آخرين:« يُقتَل،محصناً كان أو غير محصن» (4).

و في رابع« إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضُرِب ضربةً بالسيف مات منها أو عاش» (5).

و لا يعتبر الإحصان في شيء من الثلاثة و لا الحرّية، و لا الإسلام،و لا الشيخوخة،بل يتساوى فيه المحصن و غيره،و الحرّ و العبد،و المسلم و الكافر بأنواعه،و الشيخ و الشاب،بلا خلاف (6)؛

ص:477


1- هذه الكلمة أُثبتت في النسخ بعد كلمة:الجلد،و الأنسب ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 4:148/44،التهذيب 10:516/129،الإستبصار 4:955/252،الوسائل 28:41 أبواب مقدمات الحدود ب 18 ح 3.
3- الكافي 7:5/189،الفقيه 4:79/29،التهذيب 10:48/17،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 2.
4- أحدهما في:الكافي 7:1/189،الفقيه 4:80/30،التهذيب 10:47/17،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 1. و الآخر في:الوسائل 28:109 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 5.
5- الكافي 7:4/189،التهذيب 10:49/17،الوسائل 28:109 أبواب حدّ الزنا ب 17 ح 6.
6- في« ن» زيادة:بل عليه الإجماع في الغنية،و هو في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

للعموم أو الإطلاق،مع التصريح بعدم الفرق بين المحصن و غيره في الصحيحين في الزنا قهراً.

و في جلده أي الزاني المحكوم بقتله في كلّ من الصور الثلاث قبل القتل تردّد :من إطلاق الأدلّة المتقدّمة فتوًى و نصّاً و إجماعاً منقولاً بالقتل من دون ذكر جلد قبله في شيء منها،مع ورودها في مقام الحاجة و بيان حكم المسألة.

و من الجمع بينها و بين الأدلّة الدالّة بعمومها أو إطلاقها بجلد مطلق الزاني،مع عدم منافاة بينهما،فإنّ إثبات حدّ في كلّ منهما لا ينافي ثبوت الحدّ الآخر بالآخر.

و إلى هذا ذهب الشهيدان في اللمعتين وفاقاً منهما للحلّي،لكنّهما حكما بالجلد ثم القتل مطلقاً (1)،و هو فصّل بين موجب الجلد فكما قالا، و موجب الرجم فالجلد قبله،قال:لأنّ الرجم يأتي على القتل و يحصل الأمر بالرجم،و إن كان غير محصن فيجب عليه الحدّ لأنّه زانٍ ثم القتل بغير الرجم.و ليس في إطلاق قول أصحابنا-:يجب عليه القتل على كلّ حال دليل على رفع حدّ الزنا عنه (2).

و أيّده جماعة (3)بما مرّ من الخبر في الزاني بذات محرم،المتضمّن لقوله(عليه السّلام):« حُدَّ حَدَّ الزاني،إلّا أنّه أعظم ذنباً» (4)بناءً على أنّه(عليه السّلام)قد

ص:478


1- الروضة البهيّة 9:68 69.
2- السرائر 3:437 438.
3- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 5:25،و الشهيد الثاني في المسالك 2:427،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:398.
4- راجع ص 475.

ساواه مع الزاني أوّلاً،ثم زاده عظماً،و معلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زان،فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ (1)لم يكن قد سوّيناه ببعض الزناة،بخلاف ما إذا جلدناه أوّلاً إذا لم يكن محصناً ثم قتلناه بالسيف، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله:« حُدَّ حَدَّ الزاني» و القتل بقوله:« أعظم ذنباً».

و أيضاً،فإنّه قد يكون محصناً و هو شيخ،و أعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم،فيكون أحسن حالاً منه إذا زنى بالأجنبيّة المطاوعة؛ لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً،فلا يتحقّق الأعظميّة.

و في التأييد مناقشة،و كذا في دعوى عدم المنافاة بين الأدلّة،بعد ما عرفت من ورود أدلّة القتل في مقام الحاجة،الموجب للدلالة على عدم حدّ آخر،و إلّا للزم تأخير البيان عنها،و هو غير جائز بلا شبهة؛ و لعلّه لذا اختار المشهور القتل خاصّة،كما صرّح به بعض الأجلّة (2)،و بشذوذ قول الحلّي صرّح آخر (3)،مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه.

فإذاً المشهور لا يخلو عن قوّة،سيّما و أنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة.

و يجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة بالنصّ (4)و الإجماع كما في كلام جماعة (5).

و يجمع للشيخ و الشيخة مع الإحصان بين الحدّ أي الجلد

ص:479


1- راجع ص 475.
2- كشف اللثام 2:398.
3- مفاتيح الشرائع 2:71.
4- الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1.
5- الخلاف 5:365،و التهذيب 10:6،و كشف الرموز 2:546،و الإيضاح 4:478،و المسالك 2:428.

و الرجم إجماعاً كما هنا و في كلام جماعة (1)،هو كذلك.إلّا أنّ العماني أطلق الرجم على المحصن و لم يذكر الجلد (2)؛ لإطلاق جملة من النصوص (3)،و فيها الصحيح و غيره،و حملها الشيخ على التقيّة،قال:لأنّه مذهب جميع العامّة (4).

فقوله ضعيف،و النصّ بخلافه كما ستقف عليه (5)مستفيض.

و في الجمع بينهما على الشابّ و الشابّة روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب:

فبين من جمع بينهما عليهما،كالشيخين و المرتضى و الحلّي (6)و عامّة المتأخّرين،و ادّعى الشهرة المطلقة عليه جماعة (7)،و جعله في الانتصار من متفرّدات الإماميّة،و يقرب منه عبارة الخلاف المحكيّة (8)،و الرواية الدّالة، عليه مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيحين:« في المحصن و المحصنة جلد مائة جلدة،ثم الرجم» (9).

ص:480


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622:و العلّامة في التحرير 2:222.
2- حكاه عنه في المختلف:756.
3- انظر الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1.
4- التهذيب 10:5 6.
5- في مسألة الجمع بينهما على الشابّ و الشابّة.
6- المفيد في المقنعة:775،الطوسي في التبيان 7:405،المرتضى في الانتصار:254،الحلّي في السرائر 3:441.
7- منهم العلّامة في التحرير 2:222،غاية المرام 4:316.
8- انظر الخلاف 5:367.
9- أحدهما في:التهذيب 10:13/4،الإستبصار 4:753/201،الوسائل 28:63 أبواب حدّ الزنا،ب 1 ح 8. و الآخر في:التهذيب 10:16/5،الوسائل 28:65 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 14.

و في الخبر:« المحصن يجلد مائة و يرجم» (1).

و في آخر:« امرأة زنت فحملت،فقتلت ولدها سرّاً،فأمر بها فجلدها مائة جلدة،ثم رجمت» (2).

و مرّ في الصحيح:« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدٍّ من حدود اللّه» إلى أن قال:« إلّا الزاني المحصن،فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهود،فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة،ثم يرجمه» (3).

و روى:أنّ عليّاً(عليه السّلام)جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة،و قال:« حددتها بكتاب اللّه سبحانه،و رجمتها بسنّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» (4).

و تعليله(عليه السّلام)عامٌّ إن لم تكن شراحة شابّة،و إلّا فالرواية ناصّة،و فيها إشارة إلى صحّة ما استدلّ به الجماعة على الجمع،زيادة على النصوص المتقدّمة من الجمع بين الكتاب و السنّة،نظير ما مرّ للحلّي من الجمع بينهما في المسألة السابقة.

و بين من اقتصر فيهما على الرجم،و خصّ الجمع بينه و بين الجلد بالشيخ و الشيخة خاصّة،كالشيخ في النهاية و كتابي الحديث و بني زهرة و سعيد و حمزة (5).

ص:481


1- المقنع:146،مستدرك الوسائل 18:42 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
2- التهذيب 10:15/5،الإستبصار 4:755/201،الوسائل 28:65 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 13.
3- راجع ص 453.و هو في التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 1.
4- عوالي اللئالئ 3:28/552،مستدرك الوسائل 18:42 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 12،و فيهما:« سراجة» بدل:« شراحة»،سنن البيهقي 8:220،مستدرك الحاكم 4:364 365.
5- النهاية:693،التهذيب 10:9،الاستبصار 4:202،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن سعيد في الجامع للشرائع:550،ابن حمزة في الوسيلة:411.

لأصالة البراءة.و تدفع بالأدلّة المتقدّمة.

و للرواية الثانية:« إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا،ثم رجما عقوبةً لهما،و إذا زنى النَّصَف (1)من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أُحصن» (2)و نحوها اخرى (3).

و قصورهما سنداً و مكافأةً لما مضى من وجوه شتّى يمنع من العمل بهما،سيّما مع رجوع الشيخ عنهما في التبيان (4)(5).

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ أشبههما أي الروايتين الجمع بين الحدّين فيهما أيضاً.

و لا يجب الرجم على المحصن بالزنا بالصغيرة الغير البالغة تسع سنين و المجنونة مطلقاً و لكن يجب عليه الجلد خاصّة.

و كذا لو زنى بالمحصّنة صغير فلا يجب عليها الرجم،بل الجلد خاصّة.

و لكن لو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم وفاقاً للنهاية (6)و جماعة (7)،بل على عدم إيجاب زنا العاقل بالمجنونة الرجم

ص:482


1- النَّصَف:الكهل كأنّه بلغ نصف عمره لسان العرب 9:331.
2- التهذيب 10:10/4،الإستبصار 4:750/200،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
3- الفقيه 4:68/27،التهذيب 10:17/5،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.
4- التبيان 7:405.
5- في« ن» زيادة:إلى الجمع بينهما.
6- النهاية:695،696.
7- منهم العلّامة في القواعد 2:252،و التحرير 2:222،و انظر كشف الرموز 2:546،و مفاتيح الشرائع 2:71.

عليه ادّعى في الروضة الشهرة (1).

و حجّتهم غير واضحة،عدا الصحيح في زنا الصغير بالمحصنة،قال:

« لا ترجم؛ لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك،فلو كان مدركاً رجمت» (2).

و قريب منه عموم صحيح آخر مرويّ عن قرب الإسناد:عن صبيّ وقع على امرأة،قال:« تجلد المرأة،و ليس على الصبيّ شيء» (3)و هما أخصّ من المدّعى،معارضان بما ورد في الروايات من إطلاق حدّ البالغ منهما،و هو محمول على الحدّ المعهود عليه بحسب حاله من الإحصان و غيره.

ففي الموثّق:في غلام لم يبلغ الحلم فجر بامرأة،أيّ شيء يصنع بهما؟قال:« يضرب الغلام دون الحدّ،و يقام على المرأة الحدّ» قلت:

جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟قال:« تضرب الجارية دون الحدّ،و يقام على الرجل الحدّ» (4)و نحوه غيره (5).

و لعلّه لذا ذهب الحلّي (6)و جماعة (7)في ظاهر إطلاق عبائرهم إلى وجوب الحدّ على الكامل منهما كملاً؛ لتحقّق الإحصان و الزنا المقتضي

ص:483


1- الروضة البهيّة 9:103.
2- الكافي 7:1/180،الفقيه 4:39/18،التهذيب 10:44/16،علل الشرائع:1/534،الوسائل 28:81 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 1.
3- قرب الإسناد:1015/257،الوسائل 28:83 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 5.
4- الكافي 7:2/180،الفقيه 4:40/18،التهذيب 10:45/17،الوسائل 28:82 أبواب حدّ الزنا ب 9 ح 2.
5- انظر الوسائل 28:81 أبواب حدّ الزنا ب 9.
6- السرائر 3:443،444.
7- منهم المفيد في المقنعة:779،و الحلبي في الكافي في الفقه:405،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):622.

لكمال الحدّ بالرجم.

و يمكن الذبّ عن الأخصّية بعدم القائل بالفرق بين المورد و غيره،فكلّ من قال بعدم الرجم فيه قال بعدمه بزنا المحصن بالصغيرة و المجنونة،و كلّ من قال بثبوته عليها في المورد قال بثبوته عليه في زناه بهما.هذا.

مع أنّ الحلّي في السرائر جعل تمام المدّعى مما في العبارة رواية، و إرسالها مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة (1)،و لو لا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجّة مستقلّة،فالمشهور لعلّه لا يخلو عن قوّة؛ لقوّة ما مرّ من الحجّة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه من علل اعتباريّة،و لو تنزّلنا عن قوّتها فلا ريب في إيراثها الشبهة الدارئة للحدود اتّفاقاً فتوًى و رواية.

و أمّا زنا المجنون بالكاملة،فلا إشكال في إيجابه الحدّ عليها كملاً، و لا خلاف فيه ظاهراً؛ إلّا ما يحكى عن ابن عمّ الماتن،حيث سوّى بين الصبيّ و المجنون في أنّها إن زنت بأحدهما لم ترجم (2)؛ و مستنده مع شذوذه غير واضح،بل قيام الأدلّة على خلافه لائح.

و يُجَزّ أي يحلق رأس البكر مع الحدّ و جلد مائة و يُغَرَّب و ينفى عن بلده التي جلد فيها كما يستفاد من النصوص سنة بلا خلاف أجده في الجملة،بل عليه الإجماع في المسالك و الغنية (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه

ص:484


1- في« ن» زيادة:في الجملة.
2- الجامع للشرائع:552.
3- المسالك 2:428،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

الإشارة النبويّ:« البكر بالبكر:جلد مائة و تغريب عام،و الثيّب بالثيّب:

جلد مائة ثم الرجم» (1).

و الصحيح:« في الشيخ و الشيخة:جلد مائة و الرجم؛ و البكر و البكرة:

جلد مائة و نفي سنة» (2).

و ليس فيهما ككثير من النصوص ذكر الجزّ،كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و التحرير و عن النهاية و المراسم و الوسيلة و الجامع و المقنعة (3)،بل فيها ذكر الجلد و التغريب خاصّة.

و لعلّه لذا لم يذكره من القدماء جماعة،كالصدوق و العماني و الإسكافي و الشيخ في المبسوط و الخلاف و ابن زهرة.

و لكن الأوّل أشهر،بل لم ينقل الخلاف فيه كثير؛ للخبرين:

في أحدهما:عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها،فزنى،ما عليه؟ قال:« يجلد الحدّ،و يحلق رأسه،و يفرّق بينه و بين أهله،و ينفى سنة» (4).

و في الثاني:فيمن تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله،فقال:« يضرب مائة،و يجزّ شعره،و ينفى من المصر حولاً،و يفرّق بينه و بين أهله» (5).

و ظاهر إطلاق الجزّ فيه و إن شمل جزّ شعر اللحية و نحوها،إلّا أنّ

ص:485


1- عوالي اللئالئ 1:149/237،مستدرك الوسائل 18:62 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 8.
2- الفقيه 4:30/17،التهذيب 10:14/4،الإستبصار 4:754/201،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 9.
3- الشرائع 4:155،القواعد 2:252،الإرشاد 2:173،التحرير 2:222،النهاية:694،المراسم:253،الوسيلة:411،الجامع للشرائع:550،المقنعة:780.
4- التهذيب 10:125/36،الوسائل 28:78 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 8.
5- التهذيب 10:124/36،الوسائل 28:77 أبواب حدّ الزنا ب 7 ح 7.

المتبادر منه جزّ شعر الرأس،فينبغي تقييده به،سيّما مع التصريح به في الخبر الأوّل،و لذا منع الأصحاب عن غيره،بل ظاهر المحكيّ عن المقنعة و المراسم و الوسيلة:تخصيصه بشعر الناصية.

قيل:لأصل البراءة من الزيادة عليها،و زيادة مدخليّة جزّ شعرها خاصّة في الشناعة (1).

و هو حسن،لولا ظهور الخبرين في جزّ شعر الرأس بتمامه،مع كونهما المستند في أصل جوازه و اختلف الأصحاب في تعريف البكر من هو؟فقيل:الذي ليس بمحصن مطلقاً،كما في صريح المبسوط و الخلاف و السرائر، و ظاهر العماني و الإسكافي و الحلبي (2)،و اختاره أكثر المتأخّرين كما في المسالك (3)،بل المشهور كما في غيره،و ظاهر السرائر و صريح الخلاف كونه مجمعاً عليه بين الطائفة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النبويّة المتقدّمة (4)،حيث قسّم الزاني فيها قسمين لا ثالث لهما.

و إطلاق الخبر:« إذا زنى الشاب الحدث السن جلد،و نفي سنة من مصره» (5)فإنّه عامّ،خرج المحصن بالنصّ و الإجماع،فيبقى غيره.

ص:486


1- انظر كشف اللثام 2:399.
2- المبسوط 8:2،الخلاف 5:368،السرائر 3:439،حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف:757،الحلبي في الكافي في الفقه:405.
3- المسالك 2:428.
4- في ص 485.
5- التهذيب 10:10/4،الوسائل 28:64 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 11.

و قيل كما عن صريح النهاية و الجامع و الغنية و الإصباح،و ظاهر المقنع و المقنعة و المراسم و الوسيلة (1)-:إنّه الذي أُملك و عقد له أو عليها دواماً و لم يدخل و ادّعى في التحرير عليه الشهرة،و اختاره فيه و في المختلف،و ولده في الإيضاح،و أبو العبّاس في المقتصر (2)؛ للنصوص:

منها الصحيح:« في البكر و البكرة إذا زنيا:جلد مائة،و نفي سنة في غير مصرهما،و هما اللذان قد أُملكا و لم يدخل بها» (3).

و منها:« الذي لم يحصن يجلد مائة و لا ينفى،و الذي قد أُملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفى سنة» (4).

و قصور سند الثاني،و تضمّن الأوّل نفي البكرة مع أنّهم لا يقولون به،بل ادّعى في الخلاف الإجماع على خلافه كما يأتي يمنع عن العمل بهما؛ مع ضعف دلالة الأوّل باحتمال كون التعريف (5)من غير الإمام(عليه السّلام).

و لا جابر لهذه القوادح،عدا الشهرة المحكيّة في التحرير،و هي موهونة بعدم المعلوميّة،مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها،و منهم:

شيخنا في المسالك كما عرفته.

ص:487


1- النهاية:694،الجامع للشرائع:550،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المقنع:146،المقنعة:780،المراسم:253،الوسيلة:411،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2:399.
2- التحرير 2:222،المختلف:757،الإيضاح 4:479،المقتصر:400.
3- الكافي 7:7/177،التهذيب 10:9/3،الإستبصار 4:759/202،الوسائل 28:61 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 2.
4- الكافي 7:6/177،التهذيب 10:12/4،الإستبصار 4:752/200،الوسائل 28:63 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 7.
5- في« ن» التفسير.

و يزيد وهنها رجوع الشيخ عمّا يوافقها إلى القول الأوّل في كتابيه المبسوط و الخلاف،سيّما و أنّ في الثاني ادّعى الإجماع.

فالقول الأوّل لا يخلو عن قوّة،و إن كانت المسألة لا تخلو بَعْدُ عن شبهة؛ و لعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد و القواعد و الفاضل المقداد في التنقيح و الصيمري في شرح الشرائع (1)ظاهرهم التردّد،حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين،و به تحصل الشبهة الدارئة،و بموجبه يتقوّى القول الثاني في المسألة،سيّما و ظاهر الغنية أنّ عليه إجماع الإماميّة.

و لا تغريب على المرأة مطلقا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،على الظاهر المصرّح به في المختلف (2)،بل عليه في صريح الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع (3)؛ و هو الحجّة المترجّحة على نحو الصحيحة المتقدّمة بالأصل،و الشهرة العظيمة الظاهرة و المحكيّة في كلام جماعة (4)،و تعدّد النقلة له،و العلل المذكورة في كلام الجماعة من أنّ المرأة عورة يقصد بها الصيانة و منعها عن الإتيان بمثل ما فعلت، و لا يؤمن عليها ذلك في الغربة،و غير ذلك.

خلافاً للعماني،فقال:تغرّب أيضاً (5)،و ربما يحكى عن

ص:488


1- الإرشاد 2:173،القواعد 2:252،التنقيح 4:337،غاية المرام 4:317.
2- المختلف:757.
3- الخلاف 5:368،الغنية(الجوامع الفقهية):622،المبسوط 8:2.
4- منهم العلّامة في المختلف:757،الفاضل المقداد في التنقيح 4:338،ابن فهد في المهذّب البارع 5:31،الشهيد الثاني في المسالك 2:428،و الروضة 9:111،و الكاشاني في المفاتيح 2:72.
5- حكاه عنه في المختلف:757.

الإسكافي (1).

و هو شاذٌّ و إن دلّ عليه نحو الصحيح المتقدّم؛ لما تقدّم.مضافاً إلى ما قيل عليه من أنّه ليس نصّاً في تغريبها؛ لجواز أن يراد:أنّه عليه السلام قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة بجلد مائة و نفي سنة إلى غير مصرهما،أي المصر الذي زنيا فيه،و هو ليس صريحاً في تغريبها،فيجوز اختصاصه به (2) و كذا لا جزّ عليها اتّفاقاً في الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة البراءة هنا،السليمة عن المعارض بالكلّية من الفتوى و الرواية؛ لاختصاص ما دلّ منهما على الجزّ بالرجل دون المرأة.

و اعلم أنّ ما مرّ من اختلاف الحدود و ثبوتها على الزاني باختلاف أنواعه غير القتل يختصّ بما إذا كان حرّا.

و أمّا المملوك فالحكم فيه أن يجلد خمسين جلدة مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،محصناً أو غير محصن شيخاً أو شابّاً،بلا خلاف؛ لقوله سبحانه فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [1] (4).

و للنصوص المستفيضة.

منها الصحيح:« قضى أمير المؤمنين(عليه السّلام)في العبيد و الإماء إذا زنى أحدهم:أن يجلد خمسين جلدة و إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً، و لا يرجم و لا ينفى» (5).

ص:489


1- حكاه عنه في المسالك 2:428.
2- كشف اللثام 2:399.
3- كشف اللثام 2:399.
4- النساء:25.
5- الكافي 7:23/238،التهذيب 10:89/28،الوسائل 28:134 أبواب حدّ الزنا ب 1 ح 5؛ بتفاوت يسير.

و منها:في الأمة تزني،قال:« تجلد نصف الحدّ،كان لها زوج أو لم يكن لها زوج» (1).

و منها:« إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم، إنّما عليهما الضرب» (2).

و لا جزّ على أحدهما أي المملوك و المملوكة و لا تغريب مطلقاً،بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة (3)و صريح الغنية و الروضة (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحيحة المتقدّمة في نفي النفي و لا قائل بالفرق،و أصالة البراءة؛ مع اختصاص المثبت لهما على البكر من الفتوى و الرواية بحكم التبادر و الغلبة بالحرّ دون الرّق؛ مع أنّ في التغريب إضراراً بالسيّد،و أنّه للتشديد و المملوك اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر؛ لأنّه جليب.

و لو تكرّر الزنا من الحرّ أو المملوك و لم يحدّ فيما بينها كفى أن يقام عليه حَدٌّ واحد مطلقاً،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و ادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة،و منهم:الفاضل في المختلف (5)،بل ظاهره بلوغها الإجماع حيث استند إليها،مع أنّ الشهرة الغير البالغة حدّه ليست حجّة عنده.

ص:490


1- الكافي 7:4/234،الفقيه 4:91/32،التهذيب 10:82/27،الوسائل 28:133 أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 2.
2- التهذيب 10:83/27،الوسائل 28:134 أبواب حدّ الزنا ب 31 ح 3.
3- منهم الشيخ في المبسوط 8:11،و الخلاف 5:369،370،الكاشاني في المفاتيح 2:72،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:400.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):622،الروضة 9:111.
5- المختلف:762.

قيل:لأصالة البراءة،و صدق الامتثال،و ابتناء الحدود على التخفيف، و للشكّ في وجوب الزائد فيدرأ بالشبهة (1).

و في الأولين مناقشة؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبَّبات، و التداخل خلاف الأصل.

لكن مقتضى هذا:لزوم التعدّد مطلقاً،و لو كان المزنيّ بها مكرّراً واحدة،و لم يقل به أحد من الطائفة،حتى الإسكافي و الصدوق،اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة،فإنّهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة،و أوجبا التعدّد إن وقع بالمتعدّدة (2).

و حينئذ،فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدّد المسبّبات عند تعدّد أسبابها؛ لمخالفة عمومها الإجماع هنا،فلا بُدّ من المصير إلى أحد القولين:إمّا التفصيل المتقدّم،أو المنع عن التعدّد مطلقاً.

و الأوّل غير ممكن؛ لعدم الدليل عليه،عدا خبر واحد (3)قاصر السند،بل ضعيف شاذّ مطروح،كما صرّح به الماتن في الشرائع (4).

فتعيّن الثاني.

و ينبغي تقييده بما إذا اقتصى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ جلداً،أو رجماً،أو نحوهما أمّا لو اقتضى حدوداً مختلفة كأن زنى بكراً،ثم زنى محصناً توجّه عليه الحدّان معاً.

و لا ينافيه إطلاق العبارة و نحوها؛ لعدم انصرافها بحكم التبادر إلى

ص:491


1- المسالك 2:429.
2- حكاه عنهما في المختلف:762،و هو في المقنع:147.
3- الكافي 7:1/196،الفقيه 4:49/20،التهذيب 10:131/37،الوسائل 28:122 أبواب حد الزنا ب 23 ح 1.
4- الشرائع 4:155.

الصورة الأخيرة جدّاً؛ مع تصريحهم كما سيأتي (1)إن شاء اللّه تعالى بأنّه إذا اجتمع عليه الحدّ و الرجم جُلِدَ أوّلاً،و هو كالصريح (2)فيما ذكرنا.

و لو حُدَّ مع كلّ مرّة قُتِلَ في الثالثة وفاقاً للصدوقين و الحلّي (3)؛ للصحيح:« إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» (4)و ادّعى الإجماع عليه في السرائر.

و قيل كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الكافي و الجامع و الوسيلة و الانتصار و الغنية (5)-:بل يقتل في الرابعة،و هو أشهر،كما ادّعاه جمعٌ ممن تأخّر (6)،معترضين به إجماع الحلّي.

أقول:مع أنّه معارض بالإجماع المحكيّ في الانتصار و الغنية على الحكم في خصوص المسألة،و لا كذلك إجماعه؛ لكونه مدّعى على الحكم كلّية في كلّ كبيرة،فيترجّح إجماعهما على إجماعه،سيّما مع تعدّده، فيخصَّص به إجماعه و الصحيح المتقدّم؛ لعمومه،مع معارضته أيضاً بكثير من النصوص.

كالموثّق:« الزاني إذا جُلِدَ ثلاثاً يُقَتل في الرابعة» (7).

ص:492


1- في ص 501.
2- في« ب» و« س»:صريح.
3- حكاه عن الصدوقين في المختلف:758،و هو في المقنع:148،الحلّي في السرائر 3:442.
4- الكافي 7:2/191،الفقيه 4:182/51،التهذيب 10:369/95،الإستبصار 4:791/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- المقنعة:799،النهاية:694،المبسوط 8:11،الكافي في الفقه:407،الجامع:551،الوسيلة:411،الانتصار:256،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
6- المسالك 2:429،مجمع الفائدة 13:87،مفاتيح الشرائع 2:70.
7- الكافي 7:1/191،التهذيب 10:129/37،الإستبصار 4:790/212،الوسائل 28:19 أبواب مقدمات الحدود ب 5 ح 2؛ بتفاوت يسير.

و الخبر المرويّ عن العيون و العلل،عن محمّد بن سنان،عن مولانا الرضا(عليه السّلام)فيما كتب إليه:« و علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني و الزانية لاستخفافهما» إلى آخر الرواية (1).

و قريب منهما اخرى آتية؛ و قصور السند مجبور بالشهرة الظاهرة (2)و المحكيّة في كلام جماعة،و الإجماعات المنقولة،كما عرفته.

و هذه النصوص مخصِّص آخر أيضاً للصحيحة المتقدّمة.

فإذاً هذا القول في غاية القوّة،مع كونه أحوط بلا خلاف و لا شبهة؛ لما فيه من عدم التهجّم على إراقة الدماء،و حفظ النفس المحترمة.

و أمّا القول بقتله في الخامسة كما يحكى عن الخلاف (3)فشاذٌّ غير واضح المستند،مخالف للإجماع.

و المملوك و كذا المملوكة إذا أُقيم عليه حدّ الزنى سبعاً قُتِل في الثامنة وفاقاً للشيخين و الصدوقين و الديلمي و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة و السيّدين في الانتصار و الغنية مدّعيَين عليه إجماع الإماميّة (4)،و نسبه في السرائر إلى أصحابنا ما عدا الشيخ في النهاية،مشعراً بدعوى الإجماع عليه

ص:493


1- علل الشرائع:1/546،عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:95،الوسائل 28:19 أبواب مقدّمات الحدود ب 5 ح 3.
2- في«ب»:العظيمة.
3- الخلاف 5:408.
4- المفيد في المقنعة:779،الشيخ في المبسوط 8:11،و الخلاف 5:408،حكاه عن الصدوقين في المختلف:758،و هو في المقنع:148،الديلمي في المراسم:253،الحلبي في الكافي في الفقه:407،الحلّي في السرائر 3:462،ابن حمزة في الوسيلة:411،الانتصار:256،الغنية(الجوامع الفقهية):622.

أيضاً؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيحة:« إذا زنى العبد ضرب خمسين،فإن عاد ضرب خمسين،فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرّات،فإن زنى ثماني مرّات قتل» (1).

و يناسبه ما مرّ من الأدلّة على قتل الحرّ في الرابعة؛ بناءً على تنصيف حكم المملوك.

و قيل كما عن النهاية و القاضي (2)-:بل يقتل في التاسعة و اختاره الفاضل في المختلف و ولده في الإيضاح (3).

للخبر:في أمة زنت،قال:« تجلد خمسين جلدة» قلت:فإنّها عادت،قال:« تجلد خمسين» قلت:فيجب عليها الرجم في شيء من الحالات؟قال:« إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم» قلت:كيف صار في ثماني مرّات؟فقال:« لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات و أُقيم عليه الحدّ قتل،فإذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة» (4).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به،سيّما مع اختلال متنه بتضمنه تعليل القتل في التسع بمناسبته لتنصيف حدّ المملوك عن حدّ الحرّ، و لا ريب أنّها تقتضي القتل في الثامنة كما عرفته و صرّح به جماعة، فلا يمكن الجمع بينهما،و لا الحكم بخلل (5)التعليل؛ لموافقته الأدلّة

ص:494


1- الكافي 7:10/235،التهذيب 10:87/28،الوسائل 28:136 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 2.
2- النهاية:695،القاضي في المهذّب 2:520.
3- المختلف:758،إيضاح الفوائد 4:488.
4- الكافي 7:7/235،الفقيه 4:90/31،التهذيب 10:86/27،الوسائل 28:135 أبواب حدّ الزنا ب 32 ح 1.
5- في« ن» زيادة:بحال.

المتكاثرة من الفتوى و الرواية،فتعيّن توجّه الخلل إلى الحكم بالقتل في التاسعة،سيّما مع منافاته لصدر الرواية،فإنّ ظاهره كالصحيحة السابقة هو القتل في الثامنة.

مع أنّه أيضاً تضمّن الأمر بالرجم،و هو ينافي جواز مطلق القتل و لو بغيره،المتّفق عليه حتى من أرباب هذا القول.

و لا جابر لهذه القوادح و غيرها من نحو القصور عن المقاومة للأدلّة المتقدّمة؛ لاشتهارها شهرة عظيمة،دون هذه الرواية،سيّما مع رجوع الشيخ في المبسوط و الخلاف عنها إلى ما عليه الجماعة،فلم يبق من القدماء قائل بهذا القول عدا القاضي،و هو بالنسبة إلى باقيهم نادرٌ جدّاً، كندرة الفاضل و ولده بالنسبة إلى باقي المتأخّرين؛ إذا لم يصر أحد منهم إلى ترجيح هذا القول صريحاً،و إن احتاطوا به فقالوا:

و هو أولى لعين ما في المسألة السابقة قد مضى.

و فيه نظر جدّاً؛ إذ الأولويّة حسنة حيث يحصل شبهة للحدّ دارئة، و هي في المسألة بعد ما عرفت من قيام الأدلّة القويّة من الصحيحة، و الإجماعات المحكيّة،و الشهرة العظيمة المتحقّقة (1)مفقودة،و إن لم يحصل منها سوى المظنّة؛ لكونها من المجتهد بمنزلة العلم و المعرفة كما برهن في محلّه،و لذا يكتفى بها في سائر المواضع المأمور فيها بتحصيل العلم اتّفاقاً،فينبغي الاكتفاء بها هنا أيضاً؛ و الاحتياط في العمل بالأخذ بالمتيقّن حسن حيث لم يكن فيه مخالفة الاحتياط من وجه آخر،كما في محلّ البحث،فإنّ ترك قتله في الثامنة بعد(ثبوت الأمر به) (2)بالظنّ

ص:495


1- في« ن»:المحقّقة.
2- في« ن»:ثبوته.

الاجتهادي يوجب تعطيل حدود اللّه تعالى.

اللّهمّ إلّا أن يقال:إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط في اجتناب أكثرهما ضرراً،و لا ريب أنّ ضرر قتل النفس المحترمة أشدّ ثم أشدّ من ضرر تعطيل حدود اللّه سبحانه،فتأمّل .

و هنا قول آخر بالتفصيل محكيّ عن الراوندي،مأخذه الجمع بين الخبرين،بحمل الأوّل على ما إذا أُقيمت البيّنة،و الثاني على حالة الإقرار (1).

و هو(مع شذوذه) (2)تحكّم،كما صرّح به جمع (3)؛ لفقد التكافؤ،ثم الشاهد.

و في الروايتين (4):أنّ الإمام يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من بيت المال،و اختاره بعضهم (5)،و نفى عنه الشهيد البعد (6).

و الحاكم في الذمّي إذا زنى بذمّية بالخيار:في إقامة الحدّ عليه، و تسليمه إلى أهل نِحلَته و ملّته ليقيموا الحدّ عليه على معتقدهم الذي يزعمونه حقّا و إن حرّفوه،بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (7)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى قوله سبحانه فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ [1]

ص:496


1- حكاه عنه في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286.
2- ما بين القوسين ليس في« ن».
3- منهم الشهيد في غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286،و الشهيد الثاني في المسالك 2:429،و الكاشاني في المفاتيح 2:70،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:406.
4- المتقدّمتين في ص 492.
5- الظاهر من الصدوق اختياره،الفقيه 4:32 و انظر المفاتيح 2:70.
6- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:286.
7- مجمع الفائدة 13:94.

بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [1] (1)و للعامّة قول بنسخة و وجوب الحكم بقوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ [2] (2).

و لم يثبت،و الأصل عدمه؛ مع أنّ في بعض الأخبار المعتبرة:عن الرجل يزني بيهوديّة أو نصرانيّة،فكتب(عليه السّلام):« إن كان محصناً فارجمه، و إن كان بكراً فاجلده مائة جلدة،ثم انفه،و أمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فيقضوا ما أحبّوا» (3).

و ظاهره كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة حجّة على من فسّر الدفع بمعنى الإعراض،قائلاً:إنّ الدفع ليقيم حاكمهم عليه الحدّ بما يراه أمرٌ بالمنكر إن خالف شرعنا،نعم يجوز إذا وافقه (4).

لكن ما ذكره يوافق ظاهر الآية،و الاعتبار الذي ذكره،و الرواية المرويّة عن قرب الإسناد:عن يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أُخذ زانياً،أو شارب خمر،ما عليه؟قال:« يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين،أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين» (5)فالأحوط ما ذكره ،سيّما مع احتمال نسخ الآية،و إن كان دعواه غير ثابتة.

ص:497


1- المائدة:42.
2- المائدة:49.
3- التهذيب 10:36/15،الإستبصار 4:773/207،الوسائل 28:80 أبواب حدّ الزنا ب 8 ح 5؛ بتفاوت يسير.
4- انظر كشف اللثام 2:404.
5- قرب الاسناد:1030/260،الوسائل 28:50 أبواب مقدّمات الحدود ب 29 ح 1.

و إنّما قيّدنا الحكم بما إذا زنى بذمّية تبعاً لجماعة (1)لأنّه إذا زنى بمسلمة فعلى الإمام قتله،و لا يجوز له الإعراض عنه؛ لهتكه حرمة الإسلام،و خروجه عن الذمّة.

و لا يقام على الحامل و لو من زنا حدٌّ رجماً كان أو جلداً و لا قصاص بطريق أولى حتى تضع ولدها و تخرج من نفاسها إذا كان المقصود جلدها،و إلّا فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها و إلّا فيتربّص بها حتى ترضع الولد و تحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن؛ إذ لا سبيل على حملها،و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ،كما في النصّ المرويّ عن إرشاد المفيد رحمه اللّه (2)،و النصوص به زيادة على ذلك مستفيضة.

ففي النبوي:« إذن لا نرجمها و ندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال:إليّ رضاعه يا نبيّ اللّه،فرجمها (3).

و في المرتضوي:« انطلقي فضعي ما في بطنك،ثم ائتني أُطهّرك» ثم لمّا وضعت قال لها:« انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّه تعالى» ثم لمّا أرضعته قال لها:« انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل و يشرب، و لا يتردّى من سطح،و لا يتهوّر في بئر» (4).

و في الموثّق:عن محصنة زنت و هي حبلى،فقال:« تقر حتى تضع

ص:498


1- منهم المحقق في الشرائع 4:156،و العلّامة في القواعد 2:255،و التحرير 2:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:404.
2- الإرشاد 1:204،الوسائل 28:108 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 7.
3- سنن البيهقي 8:214.
4- الكافي 7:1/185،الفقيه 4:52/22،التهذيب 10:23/9،المحاسن:23/309،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 1؛ بتفاوت يسير.

ما في بطنها،و ترضع ولدها،ثم ترجم» (1).

و لا خلاف في ذلك أيضاً، و لا في أنّه لو وجد له أي للولد كافل يرضعه و يحضنه جاز بل وجب إقامة الحدّ عليها،كما في النبويّ المتقدّم،و المرتضويّ بعده،المتضمّن لقوله(عليه السّلام)لعمرو بن حريث لمّا كفل لتلك المرأة ولدها ثم أبى:« لتكفلنّه و أنت صاغر» ثم رجمها.

و يرُجَم المريض و المستحاضة و لا يتربّص بهما إلى زوال مرضهما،بل يرجمان عاجلاً؛ لأنّ نفسهما مستوفاة،و لا تأخير في حدّ.

و ربما احتُمِل جواز التأخير إن ثبت الزنا بالإقرار؛ رجاءً للعود (2).

و لا يُحَدّ و لا يجلد أحدهما و لا النفساء حتى يبرأ كلّ منهم؛ صوناً من التلف (3)أو استمرار المرض،و للنصوص:

منها:« اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة،فقال(عليه السّلام):أقروه حتى يبرأ،لا تنكؤوها (4)عليه فتقتلوه» (5)و نحوه آخر (6).

و منها:« لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها» (7).

ص:499


1- التهذيب 10:182/49،الوسائل 28:106 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 4.
2- المسالك 2:429.
3- في« ن» زيادة:و السراية في النفس.
4- نَكَأ القَرحَة كمَنَع-:قَشَرَها قبل أن تبرأ فنَدِيَت القاموس المحيط 1:32.
5- الكافي 7:3/244،الفقيه 4:66/27،التهذيب 10:110/33،الإستبصار 4:788/211،الوسائل 28:29 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 4.
6- الكافي 7:5/244،التهذيب 10:111/33،الإستبصار 4:789/212،الوسائل 28:30 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 6.
7- الكافي 7:14/262،التهذيب 10:170/47،الوسائل 28:29 أبواب مقدمات الحدود ب 13 ح 3.

و لا خلاف فيه أجده،إلّا ما يحكى عن المبسوط و الوسيلة في النفساء إن كان بها ضعف أُخّر حدّها،و إن كانت قويّة جلدت في نفاسها (1).

و لعلّهما حملا إطلاق النصّ و الفتوى على صورة تضرّرها بالحدّ.

و لو رأى الحاكم في التعجيل مصلحة و منها:أن لا يرجى برؤه،كالسلّ و الزمانة و ضعف الخلقة- ضربه بالضِّغْث المشتمل على العدد من سياط أو أعواد أو شماريخ (2)أو نحوها؛ للنصوص المستفيضة:

منها:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)اتي برجل كبير قد استسقى بطنه (3)و بدت عروق فخذيه،و قد زنى بامرأة مريضة،فأمر(صلّى اللّه عليه و آله)فاُتي بعرجون (4)فيه مائة شمراخ،فضربه ضربة واحدة و خلّى سبيلهما» (5)و بمعناه أخبار كثيرة (6).

و في الخبر:« لو أن رجلاً أخذ حزمة من قضبان أو أصلاً فيه قضبان، فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدَّة ما يريد أن يجلده من عدَّة القضبان» (7).

و ليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة في التعجيل،لكن حملها

ص:500


1- المبسوط 8:5،الوسيلة:412.
2- الشِّمْرَاخ و الشُّمْرُوخ:العِثْكَال،و هو ما يكون فيه الرطب مجمع البحرين 2:436.
3- استسقى بطنه:حصل فيه الماء الأصفر و لا يكاد يبرأ مجمع البحرين 1:222.
4- العرجون:عود أصفر فيه شماريخ العذق،فإذا قدم و استقوس شبّه به الهلال مجمع البحرين 2:316.
5- الكافي 7:1/243،الفقيه 4:41/19،التهذيب 10:108/32،الوسائل 28:28 أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 1؛ بتفاوت.
6- انظر الوسائل 28:28 أبواب مقدّمات الحدود ب 13.
7- الفقيه 4:42/19،الوسائل 28:31 أبواب مقدّمات الحدود ب 13 ح 8.

عليه الأصحاب من غير خلاف بينهم أجده؛ جمعاً بينها و بين الروايات المتقدّمة الآمرة بالتأخير،بحملها على عدم(خوف تعطيل الحدّ) (1)بالتأخير،و هذه على خوف تعطيله بموت و شبهه،كما هو ظاهرها.

و لا يسقط الحدّ مطلقاً،جلداً كان أو رجماً باعتراض الجنون أي عروضه بعد أن زنى في حال عقله و بلوغه؛ للأصل،و العموم،مع اختصاص ما دلّ على عدم حدّ المجنون (2)بحكم التبادر بما إذا زنى حال الجنون.

و للصحيح:في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال:« إن كان أوجب على نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقله،أُقيم عليه الحدّ كائناً من كان» (3).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المجنون بين المطبق و الذي يعتوره أدواراً،تألّم بالضرب و انزجر به أم لا.

و احتمل بعضٌ في المعتور:انتظار إفاقته إن كان الحدّ جلداً (4).

و آخر:السقوط في المطبق مطلقاً (5).

و ثالث:السقوط مطلقاً إن يحسّ بالألم و كان بحيث لا ينزجر به (6).

و الأظهر ما ذكرناه.

و لا يقام الحدّ يعني:الجلد،و يحتمل الرجم أيضاً إن احتمل

ص:501


1- في« ح»:تعطيل الحدّ،و في« ن»:فوت الحقّ.
2- الوسائل 28:117 أبواب حدّ الزنا ب 21.
3- الفقيه 4:84/30،التهذيب 10:58/19،الوسائل 28:125 أبواب حدّ الزنا ب 26 ح 1.
4- المسالك 2:430.
5- انظر كشف اللثام 2:405.
6- انظر كشف اللثام 2:405.

سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره على قول- في الحرّ الشديد و لا في البرد الشديد خشية الهلاك،و للنصوص:

منها:« إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار،و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار» (1).

و كذا لا يقام عليه الحدّ (2) في أرض العدو لئلّا يلحقه غَيْرَة فليحق بهم،كما في النصّ:« لا أُقيم على أحد حدّا بأرض العدو حتى يخرج منها؛ لئلّا يلحقه الحميّة فيلحق بالعدو» (3).

و ظاهر العبارة و نحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة، و صريح المسالك كونه للكراهة (4)،كما يحكى عن ظاهر المنتهي و التذكرة (5)؛ و لعلّه لعدم صحّة الرواية،و إشعار التعليل فيها بالكراهة (6).

و كذا لا يقام الحدّ مطلقاً على من التجأ إلى الحرم لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] (7)و المراد به:حرم اللّه سبحانه.و ألحق به جماعة و منهم:الحلّي (8)حرم الرسول(صلّى اللّه عليه و آله)و الأئمّة(عليهم السّلام).

و لا يسقط عنه الحدّ بذلك إجماعاً؛ لاستلزامه المفاسد،بل

ص:502


1- الكافي 7:1/217،التهذيب 10:137/39،الوسائل 28:21 أبواب مقدّمات الحدود ب 7 ح 2.
2- في« س» و« ن»:الجلد.
3- التهذيب 10:139/40،علل الشرائع:1/544،الوسائل 28:24 أبواب مقدمات الحدود ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- المسالك 2:430.
5- حكاه عنهما في كشف اللثام 2:403،و هو في المنتهي 2:954،و التذكرة 1:436.
6- في« ن» زيادة:فتأمل.
7- آل عمران:97.
8- السرائر 3:447.

يضيّق عليه في المطعم و المشرب حتى يخرج لل استيفاء منه و إقامة الحدّ عليه.

و للصحيح:في الرجل يجني في غير الحرم،ثم يلجأ إلى الحرم، قال:« لا يقام عليه الحدّ،و لا يطعم،و لا يسقى،و لا يكلّم،و لا يبايع،فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ» (1) و لو أحدث في الحرم موجب الحدّ،حُدَّ فيه لهتكه الحرمة، و للصحيحة السابقة،المتضمّنة لقوله(عليه السّلام) بعد ما مرّ منها-:« و إن جنى في الحرم جناية،أُقيم عليه الحدّ في الحرم،فإنّه لم يرَ للحرم حرمة».

و إذا اجتمع الحدّ و الرجم على أحد جُلِد أوّلاً ثم رجم.

و كذا إذا اجتمعت حدود،أو حقوق قصاص،أو حدّ و قصاص،بدئ بما لا يفوت معه الآخر؛ جمعاً بين الحقوق،و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:في رجل اجتمع عليه حدود فيها القتل،قال:« يبدأ بالحدود التي هي دون القتل،و يقتل بعد» كما في الصحيح (2)،و نحوه كثير (3)باختلاف في الألفاظ يسير.

و لا خلاف في شيء من ذلك أيضاً،و إن اختلفوا في وجوب تأخير الرجم عن الجلد إلى أن يبرأ منه،كما عن الشيخين و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد (4)؛ تأكيداً للزجر.

ص:503


1- الكافي 4:4/227،الفقيه 2:561/133،التهذيب 5:1456/419،الوسائل 13:225 أبواب مقدّمات الطواف ب 34 ح 1.
2- الكافي 7:4/250،التهذيب 10:45،164/122،488،الوسائل 28:35 أبواب مقدّمات الحدود ب 15 ح 6.
3- انظر الوسائل 28:34 أبواب مقدّمات الحدود ب 15.
4- المفيد في المقنعة:775،الشيخ في النهاية:699،الحلبي في الكافي:405،القاضي في المهذّب 2:527،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،ابن حمزة في الوسيلة:413،ابن سعيد في الجامع:550.

أو العدم و إن استحبّ،كما عن الحلّي (1)،و مال إليه جماعة من المتأخّرين و متأخّريهم (2).

بل زاد بعضهم المنع عن التأخير (3)؛ لظهور أنّ المقصود إنّما هو الإتلاف،مع ما ورد من أنّه لا نظرة في الحدود (4).

و يحكى عن الإسكافي قول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم (5)؛ لما مرّ في الخبر من أنّ الأمير(عليه السّلام)جلد شراحة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة (6).

و هو شاذٌّ كالمنع عن التأخير،بل لعلّه إحداث قول؛ لاتّفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه،و إن اختلفوا في وجوبه و عدمه.

و على هذا،فالتأخير لعلّه أحوط،و إن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد.نعم،نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب (7) و لا يدفن المرجوم إلّا إلى حقويه على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر،كما في صريح الموثّق:« و لا يدفن الرجل إذا رجم

ص:504


1- السرائر 3:438.
2- منهم العلّامة في المختلف:760،و الإرشاد 2:173،و الشهيد الثاني في الروضة 9:87،و المسالك 2:430.
3- مفاتيح الشرائع 2:80.
4- الفقيه 4:56/24،التهذيب 10:49،185/51،190،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 25 ح 1.
5- حكاه عنه في المختلف:760.
6- راجع ص 479.
7- السرائر:439.

إلّا إلى حقويه» (1)و عليه يحمل ما أُطلق فيه الحفر (2)حَمْلَ المطلق على المقيّد.

و تدفن المرأة المرجومة إلى صدرها على الأظهر الأشهر أيضاً كما مرّ؛ للخبر:« أتت امرأة أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقالت:إنّي فجرت، فأعرض عنها،ثم استقبلته» إلى أن قال:« فحفر لها حفيرة في الرحبة، و خاط عليها ثوباً جديداً،و أدخلها الحفرة إلى الحقو و موضع الثديين» الخبر (3).

و ضعفه بالشهرة منجبر،مع اعتضاده بما يروى من أخبار أُخر:

كالمرويّ في قضية الغامديّة،حيث حفر لها النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)إلى الصدر (4).

و قريب منه ما روي من دفن شراحة إلى منكبيها أو ثدييها (5).

و ما روي من أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)رجم امرأة فحفر لها إلى الثُّنْدُوَة (6)(7).

و عليها يحمل ما أُطلق فيه الحفر لها إلى الوسط،كالموثّقين:« تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها» (8).

ص:505


1- الكافي 7:4/184،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 3.
2- انظر الوسائل 28:102 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 2.
3- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
4- مسند أحمد بن حنبل 5:348،سنن البيهقي 8:221،229.
5- شرح معاني الآثار 3:140،و انظر كشف اللثام 2:403.
6- الثُّنْدُوَة:لحم الثدي،و قيل:أصله لسان العرب 3:106.
7- مسند أحمد بن حنبل 5:43،سنن البيهقي 8:221.
8- أحدهما في:الكافي 7:1/184،التهذيب 10:116/34،الوسائل 28:98 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 1 و الآخر في:الكافي 7:2/184،التهذيب 10:115/34،الوسائل 28:98 أبواب حدّ الزنا ب 14 ذيل ح 1.

و يمكن استفادته من الموثّق الذي مرّ،فإنّ في صدره كما فيهما.

و لو لا أنّ المراد بالوسط فيه إلى الصدر لما كان فرق بينها و بين الرجل؛ مع حكمه بالفرق بينهما بحفر الرجل إلى الحقو و المرأة إلى الوسط.و لو كان المراد بالوسط إلى السرّة مثلاً كانت مع الحقو قريب المحلّ؛ لقلّة الزيادة بينهما،بحيث لا تظهر في الدفن،فتدبّر؛ مع أنّ الحفر لها إليها لا قائل به، فليحمل الوسط على ابتداء الصدر.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،كالمحكيّ عن المقنع من أنّ الحفر للرجل بمقدار ما يقوم فيه،فيكون بطوله إلى عنقه (1).

و عن المقنعة و الغنية:التسوية بين الرجل و المرأة في الحفر لهما إلى الصدر (2).

و عن المراسم:الحفر له إلى الصدر،و لها إلى الوسط (3).

و ظاهر النصوص و أكثر الأصحاب لزوم الحفر و الدفن.

خلافاً للمحكيّ عن ابن حمزة،فنفى الأوّل إن ثبت الزنا بالإقرار (4).

و يردّه صريح الرواية السابقة في دفن الأمير(عليه السّلام)المرأة إلى موضع الثديين،مع ثبوت زناها بإقرارها دون البينة.

و للصدوقين و الديلمي و ابن سعيد في الثاني،فلم يذكروه كما

ص:506


1- المقنع:144.
2- المقنعة:780،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- المراسم:252.
4- الوسيلة:411.

حكي (1)مطلقاً.

و عن الحلبي و الغنية:أنّهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبيّنة أو بعلم الإمام،[لا إن ثبت بالإقرار] (2)ليمكنه الفرار إذا أراد (3).

و عن المفيد:أنّه لم يعتبر دفنه مطلقاً،و قصر دفنها على ما إذا ثبت زناها بالبيّنة لا بالإقرار (4).

و حجّة هذه الأقوال (5)غير واضحة،زيادة على منافاتها لظاهر النصّ كما عرفته،مع استلزام عدم وجوب الدفن بعد الحفر خلوّه عن الفائدة،بل وجوده حينئذٍ كعدمه،فلا يناسب الحكمة.

و احتمل شيخنا في المسالك (6)و بعض من تبعه (7)إيكال الأمر في الحفر إلى الإمام؛ لما روي من تركه في بعض القضايا (8).

و فيه:أنّ الظاهر أنّ الرواية عامية،فلا تصلح للحجّية،سيّما في مقابلة نصوصنا المعتبرة المستفيضة.

فإن فرّ أحدهما من الحفرة أُعيد إليها،إن ثبت الموجب لرجمها بالبيّنة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (9)؛

ص:507


1- حكاه عنهم في كشف اللثام 2:403.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى،مع استفادته من عبارة المصدرين.
3- الحلبي في الكافي:407،الغنية(الجوامع الفقهية):622.
4- المقنعة:780.
5- في« ن» زيادة:مع ندرتها.
6- المسالك 2:430.
7- مفاتيح الشرائع 2:81.
8- سنن الدارمي 2:81،مسند أحمد 4:437،صحيح مسلم 3:1696/1324،سنن البيهقي 8:217 218 و 221.
9- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:341،و ابن فهد في المهذّب البارع 5:38،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:403.

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و صريح النصوص الآتية.

و لو ثبت الموجب بالإقرار لم يُعد إلى الحفيرة،بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة،و كذلك إذا كان قبلها،وفاقاً للمفيد (1)و جماعة (2)،و ادّعى عليه الشهرة في الروضة (3)؛ لأنّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار،و هو أعلم بنفسه.

و لإطلاق المرسل بل عمومه-:عن المرجوم يفرّ،قال:« إن كان أقرّ على نفسه فلا يردّ،و إن كان شهد عليه الشهود يردّ» (4).

و عموم مفهوم التعليل في قصة ماعز بن مالك،فإنّه لمّا فرّ و لحقه الزبير و ضربه بساق بعير فوقع فلحقوه فقتلوه،أنكر(صلّى اللّه عليه و آله)و قال:« هلّا تركتموه إذا هرب يذهب،فإنّه هو المقرّ على نفسه،أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم»،قال:« و وداه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)من بيت المال» (5).

و في هذه الوجوه نظر؛ لاختصاص الحكم بالسقوط بالرجوع به بنفسه لا بما هو بمنزلته،على تقدير تسليم المنزلة،و إلّا فهي محلّ المنع، فإن الفرار أعمّ من الرجوع،و المنزلة تحتاج إلى دليل.

ص:508


1- المقنعة:775.
2- منهم الديلمي في المراسم:252،الحلبي في الكافي في الفقه:407،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):622،الآبي في كشف الرموز 2:552،العلّامة في المختلف:761،فخر المحققين في الإيضاح 4:484،الفاضل المقداد في التنقيح 4:342،الشهيد الثاني في المسالك 2:430.
3- الروضة البهيّة 9:91.
4- الفقيه 4:54/24،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 4.
5- الكافي 7:5/185،المحاسن:19/306،الوسائل 28:101 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 1.

و المرسل بعد الإغماض عن سنده إطلاقه غير نافع،بعد قوّة احتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة،كما هو الظاهر في فرار من أقرّ بالزنا على نفسه.

و التعليل في قصّة ماعز وارد في صورة الإصابة،فلم يشمل غيرها و إن كان العبرة بالعموم دون المورد؛ بناءً على أنّ صدر الرواية المعلّلة ظاهرٌ في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة،فإنّ فيه:عن المحصن إذا هرب من الحفيرة،هل يردّ حتى يقام عليه الحدّ؟فقال:« يُردُّ،و لا يُردُّ» فقلت:و كيف ذاك؟فقال:« إن كان هو المقرّ على نفسه،ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من ألم الحجارة لم يُردُّ،و إن كان إنّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب رُدّ و هو صاغر حتى يقام عليه الحدّ،و ذلك أنّ ماعز بن مالك» ثم ساق التعليل كما تقدّم،فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط و القيد في صدره،فيتساقطان لو لم يكن الأوّل صارفاً للثاني عن ظاهره و مخصّصاً له بمورده فلا حجّة فيهما.

و الذبّ عن مفهوم الشرط (1)و إن كان ممكناً بدعوى ورود القيد مورد الغالب كما عرفته،إلّا أنّ في بعض النصوص ما يدلّ على اعتبار مفهومه هنا،كالمرسل في الفقيه بغير واحد المحتمل للصحّة عند بعض (2)-:« إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ،و إن لم يكن أصابه ألم الحجارة يردّ» (3).

و لعلّه لذا قيل:إن لم تصبه الحجارة يُردّ كما عن الشيخ في

ص:509


1- في« ن» زيادة:أو القيد.
2- مجمع الفائدة 13:66،و روضة المتقين 10:41 و ملاذ الأخيار 16:98.
3- الفقيه 4:55/24،الوسائل 28:103 أبواب حدّ الزنا ب 15 ح 5.

النهاية و القاضي و الإسكافي (1).

لكن قصور سند الروايتين بل ضعفهما يمنع عن العمل بهما،إلّا أنّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ،و ينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه منه بالنصّ و الإجماع،و هو الزائد عن ألم الحجارة، و يمكن أن يجبر به قصور السند.لكن الشهرة الظاهرة و المحكية ربما توجب التردّد،كما هو ظاهر السرائر و التحرير و الصيمري (2)،و مقتضاه عدم الإعادة درءاً للحدّ بالشبهة.

كلّ ذا في الرجم.

و أمّا الجلد،فالفرار منه غير نافع،بل يعاد إليه مطلقاً و لو ثبت زناه بالإقرار و فرّ بعد إصابة الألم،بلا خلاف؛ للعمومات،مضافاً إلى الأصل، و اختصاص المخرج عنه بالرجم.

و لصريح الخبر:الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أ يجب عليه أن يخلّى عنه و لا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟قال:« لا، و لكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملاً» قلت:فما فرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّه تعالى؟قال:« المحصن هرب من القتل، و لم يهرب إلّا إلى التوبة،لأنّه عاين الموت بعينه،و هذا إنّما يجلد فلا بدّ أن يوفى الحدّ؛ لأنّه لا يقتل» (3).

و يبدأ الشهود بالرجم ثم الإمام،ثم الناس،إن ثبت الموجب

ص:510


1- النهاية:700،القاضي في المهذّب 2:527،حكاه عن الإسكافي في المختلف:760.
2- السرائر 3:452،التحرير 2:222،غاية المرام 4:318.
3- التهذيب 10:118/35،الوسائل 28:140 أبواب حدّ الزنا ب 35 ح 1.

بالبيّنة. و لو كان مقرّاً أي ثبت زناه بإقراره بدأ الإمام ثم الناس،كما في المرسلة (1)كالصحيحة بعبد اللّه بن المغيرة المرويّة في الفقيه و غيره لكن من دون عبد اللّه.

و ظاهرها كالأكثر و صريح جمع (2)الوجوب في المقامين،و عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه فيهما (3)؛ و هو الحجّة المقيّدة مضافاً إلى المرسلة لإطلاق ما دلّ على بدأة الإمام،بحمله على الصورة الثانية.

و يؤيّد الحكم فيها بدأة الأمير(عليه السّلام)بالرجم في قصّة شراحة الهمدانيّة (4)و غيرها (5)،الثابت زناهما بإقرارهما دون البيّنة.

قيل:و يحتمل الاستحباب؛ لضعف المستند عن إثبات الوجوب، و للأخبار المستفيضة بقصّة ماعز (6)،و أنّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)لم يحضر فضلاً عن بدأته به (7).

و فيه نظر؛ لانجبار الضعف بالعمل زيادةً على ما مرّ إن أُريد به الضعف من حيث السند؛ و إن أُريد به من حيث الدلالة فمسلّم إن أُريد به الضعف عن الصراحة،لكنّه غير قادح في الحجّية؛ و إن أُريد به الضعف

ص:511


1- الكافي 7:3/184،الفقيه 4:43/19،التهذيب 10:114/34،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 2.
2- منهم المحقّق في الشرائع 4:157،العلّامة في القواعد 2:256،و الإرشاد 2:173،الشهيد الثاني في الروضة 9:95،و انظر الوسيلة:412.
3- الخلاف 5:377،المبسوط 8:4.
4- المتقدّمة في ص 479.
5- انظر الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
6- المتقدّمة في ص 507.
7- انظر المسالك 2:430.

عن الظهور ففيه منع.

و المستفيضة،قيل:ما تضمّنت أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يحضر،بل غايتها عدم تضمّنها أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)حضر،و أحدهما غير الآخر،فيحتمل الحضور و لم ينقل.و لو سلّم الدلالة على عدم حضوره(صلّى اللّه عليه و آله)فيحتمل كونه لمانع.

و يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً كما في المعتبرة المستفيضة،منها الموثّق كالصحيح:« يضرب الرجل قائماً،و المرأة قاعدة، و يضرب كلّ عضو،و يترك الرأس و المذاكير» (1).

و في مثله:عن الزاني كيف يجلد؟قال:« أشدّ الجلد» فقلت:من فوق الثياب؟فقال:« بل يجرّد» (2).

و نحوهما موثّقان آخران (3).

و بمضمونها أفتى الفاضلان هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد، و شيخنا في الروضة (4)،و الصيمري في شرح الشرائع مدّعياً أنّه المشهور (5).

و فيه نظر.

و قيل كما عن الشيخ (6)و جماعة (7)،بل ادّعى عليه الشهرة

ص:512


1- الكافي 7:1/183،الفقيه 4:45/20،التهذيب 10:104/31،الوسائل 28:91 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 1؛ بتفاوت.
2- الكافي 7:3/183،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 3.
3- أحدهما في:الكافي 7:2/183،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 2. و الآخر في التهذيب 10:102/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ذيل ح 3.
4- الشرائع 4:157،الإرشاد 2:173،القواعد 2:254،الروضة 9:107.
5- غاية المرام 4:320.
6- النهاية:700.
7- منهم الصدوق في المقنع:144،الحلبي في الكافي في الفقه:407،الديلمي في المراسم:253،القاضي في المهذّب 2:527.

جماعة (1)،و عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2)-:أنّه يضرب على الحالة التي وجد عليها،فإن وجد عارياً جلد كذلك،و إن وجد بثيابه جلد بها.

للخبر:« لا يجرّد في حدّ و لا يشبح يعني:يمدّ و يضرب الزاني على الحالة التي وجد عليها،إن وجد عرياناً ضرب عريانا،و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه» (3).

و ضعف سنده مع قصوره عن مقاومة ما قابلة يمنع عن العمل به، إلّا أن يجبر جميع ذلك بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدّمة،مع بناء الحدود على التخفيف،فتدرأ بالشبهة.و لا بأس به،لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من إيصال شيءٍ من ألم الضرب كما عن ظاهر المبسوط و صريح الحلّي (4)تحصيلاً لفائدة الجلد،و عملاً بما دلّ على ضربه أشدّ الضرب كما هو الأظهر الأشهر.

ففي الموثّق زيادةً على ما مرّ-:« حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود» (5)و نحوه غيره (6).

ص:513


1- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 4:342،الشهيد الثاني في المسالك 2:431،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:402.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):622.
3- الفقيه 4:47/20،التهذيب 10:106/32،قرب الإسناد:514/143،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 7.
4- المبسوط 8:69،الحلّي في السرائر 3:452.
5- الفقيه 4:46،التهذيب 10:103/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 4.
6- الكافي 7:3/183،التهذيب 10:102/31،الوسائل 28:92 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 3.

و فيما كتب مولانا الرضا(عليه السّلام)لمحمّد بن سنان:« و علّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به،فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره،و هو أعظم الجنايات» (1).

و فيه تأييد لاعتبار التجريد،مضافاً إلى ما قيل من أنّ حقيقة الجَلد ضرب الجلد،كقولهم:جلد ظهره و بطنه و رأسه،أي ضرب ظهره و بطنه و رأسه (2).

و قيل :يضرب متوسّطاً (3) أي ضرباً بين الضربين،كما في المرسل (4).و هو شاذّ.

و يفرّق الضرب على جميع جسده من أعالي بدنه إلى قدمه؛ لمّا مرّ من التعليل بأنّه استلذّ بجميع أعضائه.

و لكن يتّقي رأسه و وجهه و فرجه على المشهور،كما في النصوص:

منها زيادةً على ما مرّ المرسل:« يفرّق الحدّ على الجسد كلّه، و يتّقى الفرج و الوجه» (5).

و الخبر:« الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه» (6).

و اقتصر جماعة على استثناء الوجه و الفرج،كما عن الشيخ في

ص:514


1- عيون أخبار الرضا(عليه السّلام)2:1/95،علل الشرائع:2/544،الوسائل 28:94 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 8.
2- انظر كشف اللثام 2:402.
3- المبسوط:8:68.
4- التهذيب 10:105/31،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 6.
5- التهذيب 10:105/31،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 6.
6- التهذيب 10:191/51،الوسائل 28:101 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 6.

المبسوط و الخلاف (1)،و حكى في الأوّل استثناء الرأس قولاً،و في الخلاف عن أبي حنيفة،و ادّعى الإجماع على خلافه.

و اقتصر الحلبي على الرأس و الفرج (2)،و لعلّه أدخل الوجه في الرأس.

و يؤيّد استثناءه زيادةً على النصّ أنّ ضربه ربما أوجب العمى، و اختلال العقل،و نحو ذلك ممّا ليس بمقصود من الجلد.

و تضرب المرأة جالسة كما في الموثّق السابق (3) و تربط عليها ثيابها على الأشهر الأقوى؛ لما ذكره الشيخان (4)و غيرهما (5)من أن لا تهتك فتبدو عورتها،و للأمر به لمّا أُريد رجمها في بعض النصوص،في امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين(عليه السّلام)بالفجور،قال:« فحفر لها حفيرة في الرحبة،و خاط عليها ثوباً جديداً،و أدخلها الحفيرة» (6).

و فيما روي أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر فشدّت على الجهنيّة ثيابها ثم رجمت (7).

خلافاً للمقنع،فجعلها كالرجل في جلدها عريانةً إن وجدت كذلك (8).

ص:515


1- المبسوط 8:8،69،الخلاف 5:375.
2- الكافي في الفقه:407.
3- راجع ص 510.
4- المفيد في المقنعة:780،الشيخ في النهاية:701.
5- كالحلبي في الكافي في الفقه:407،الديلمي في المراسم:253،الشهيد الثاني في الروضة 9:107.
6- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
7- مسند أحمد بن حنبل 4:429،سنن البيهقي 8:217.
8- المقنع:144.

و مستنده مع مخالفته لما مرّ غير واضح؛ مع شذوذه،و إن نسبه في الروضة إلى الشيخ و جماعة (1).و الخبر المتقدّم (2)بضرب الزاني عرياناً إن وجد عرياناً مختصّ بالرجل؛ لظاهر الصيغة،و إرادة الجنس منه بحيث يشمل الزانية تغليباً مجازٌ يحتاج إلى قرينة،و هي مفقودة،بل القرينة على خلافه بعد التبادر موجودة،كما عرفته.

و لا يضمن ديته لو قتله الحدّ كما هنا و في السرائر (3)؛ للأصل، مع عدم المخرج عنه بعد وقوع الفعل بأمر الشارع،و لصريح المرسل:« من ضربناه حدّا من حدود اللّه تعالى فمات فلا دية له علينا،و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإن ديته علينا» (4).

و يدفن المرجوم و المرجومة عاجلاً في مقابر المسلمين،بعد تغسيله إن لم يكن قد اغتسل،و الصلاة عليه،بلا خلاف في الظاهر محكيّ عن المبسوط (5)؛ لإسلامه،و عدم مانعيّة ذنبه السابق.

و في النبويّ في المرجومة:« لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم،و هل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للّه تعالى؟!» (6).

و نحوه آخر:« لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس (7)لغفر له،ثم

ص:516


1- الروضة 9:107.
2- في ص 511.
3- السرائر 3:452.
4- الفقيه 4:183/51،الوسائل 28:17 أبواب مقدّمات الحدود ب 3 ح 4.
5- المبسوط 8:4.
6- مسند أحمد بن حنبل 4:429،سنن البيهقي 8:217.
7- المَكْس:ما يأخذه العشّار.أو:الضريبة التي يأخذها الماكس واصلة الجنابة لسان العرب 6:220.

أمر بها فصلّى عليها و دفنت» (1).

و في المرتضوي:« فأمر فحفر له و صلّى عليه و دفنه،فقيل:

يا أمير المؤمنين،أ لا تغسّله؟فقال:قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة،لقد صبر على أمر عظيم» (2).

و في آخر في المرجومة:« ادفعوها إلى أوليائها،و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» (3).

و يستحبّ للإمام أو الحاكم إعلام الناس بحدّه؛ للتأسّي، و ليتوفّروا على حضوره؛ تحصيلاً للاعتبار و الانزجار،كما يقتضيه حكمة الحدود.

و يجب أن يحضره طائفة كما في ظاهر الآية وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [1] (4)و به صرّح الحلّي (5)و جماعة (6).

و قيل :إنّه يستحب للأصل،و به صرّح آخرون،و منهم:

الماتن في الشرائع،تبعاً للشيخ في المبسوط و الخلاف (7)نافياً عنه الخلاف،فإن تمّ صرف به ظاهر الأمر،و إلّا فالأصل مخصّص به لا صارف له.

ص:517


1- مسند أحمد بن حنبل 5:348.
2- الكافي 7:3/188،تفسير القمّي 2:97،الوسائل 28:99 أبواب حدّ الزنا ب 14 ح 4.
3- الفقيه 4:50/20،الوسائل 28:107 أبواب حدّ الزنا ب 16 ح 5.
4- النور:2.
5- السرائر 3:453.
6- منهم العلّامة في القواعد 2:254،الفاضل المقداد في التنقيح 4:344،الشهيد الثاني في المسالك 2:430.
7- الشرائع 4:157،المبسوط 8:8،الخلاف 5:374.

و أقلّها أي الطائفة واحد كما هنا و في الشرائع و شرحه للصيمري و الإرشاد و عن الجامع و فخر الدين و مجمع البيان و ظاهر التبيان و أبي العبّاس و ابن عبّاس (1)؛ للأصل،مع شمول لفظها للواحد في اللغة كما عن الفرّاء (2)بناءً على كونها بمعنى:القطعة؛ و لقوله تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [1] (3)بدليل قوله سبحانه فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [2] (4)و لقول الأمير(عليه السّلام)في الآية:« الطائفة:واحد» (5)و قد روي ذلك في التبيان و المجمع عن الباقر(عليه السّلام) (6).

خلافاً للخلاف،فأقلّها عشرة؛ للاحتياط،لاشتمالها على جميع ما قيل هنا (7).و هو كما ترى.

و للحلّي،فثلاثة؛ للعرف،قال:و شاهد الحال يقتضي ذلك أيضاً و ألفاظ الأخبار؛ لأنّ الحدّ إذا كان قد وجب بالبيّنة فالبيّنة ترجمه و تحضره، و هم أكثر من ثلاثة،و إن كان الحدّ باعترافه فأوّل من يرجمه الإمام،ثم الناس مع الإمام (8).

ص:518


1- الشرائع 4:157،غاية المرام 4:320،إرشاد الأذهان 2:173،الجامع للشرائع:549،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:482،مجمع البيان 4:124،التبيان 7:406،أبو العبّاس في المقتصر:402،حكاه عن ابن عبّاس في المبسوط 8:8.
2- معاني القرآن 2:245.
3- الحجرات:9.
4- الحجرات:10.
5- التهذيب 10:602/150،الوسائل 28:93 أبواب حدّ الزنا ب 11 ح 5.
6- التبيان 7:406،مجمع البيان 4:124.
7- الخلاف 5:374.
8- السرائر 3:454.

أقول:و له شواهد من كلام أهل اللغة أيضاً (1)،فقوله لا يخلو عن قوّة،لو لا الرواية المتقدّمة المعتضدة بفتوى هؤلاء الجماعة،و إلى هذا القول يميل الفاضل في المختلف و المقداد في التنقيح و شيخنا في الروضة (2)، حيث رجّحوا العرف،و دلالته على الثلاثة فصاعداً واضحة،كما صرّح به في الروضة.

و لا يجوز أن يرجمه من للّه تعالى قبله حدّ لظاهر النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح و ما يقرب منه و غيرهما:« لا يقيم الحدّ من للّه تعالى عليه حدّ،فمن كان للّه تعالى عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ» (3).

و في الصحيح المرويّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم و المرفوع:« لا يقيم حدود اللّه تعالى من في عنقه حدّ» (4).

و في مرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة:« من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف» (5)و نحوها خبران آخران (6).

ص:519


1- انظر معجم مقاييس اللغة 3:432،و قال الجبائي:من زعم أنّ الطائفة أقلّ من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة.حكاه عنه في التبيان 7:406.
2- المختلف:761،التنقيح 4:344،الروضة 9:96.
3- الكافي 7:1/188،الفقيه 4:52/22،التهذيب 10:23/9،و 24/11،الوسائل 28:53 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 1.
4- تفسير القمي 2:96،الكافي 7:3/188،الوسائل 28:55 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 3.
5- الكافي 7:2/188،التهذيب 10:25/11،الوسائل 28:54 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 2.
6- أحدهما في:الفقيه 4:51/21،الوسائل 28:55 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 4. و الآخر في:الفقيه 4:53/24،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 31 ح 5.

و قيل:يكره ذلك و لا يحرم،كما هو ظاهر الأكثر،بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (1).

قيل:للأصل،مع قصور سند النهي عن إفادة التحريم،فليحمل على الكراهة (2).

و هو حسن إن سلّم قصور السند،و هو ممنوع؛ لما عرفت من وجود الصحيحة،و كالصحيحة متعدّدة،معتضدة بغيرها من أخبار كثيرة، فيخصّص بها الأصل.

و أضعف منه ما استدلّ به بعض الأصحاب (3)من وجوب القيام بأمر اللّه تعالى،و عموم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و الرجم من هذا القبيل،و ذلك فإنّ مقتضاه الوجوب،و هو ينافي الكراهة المتّفق عليها ظاهراً.

و هل يختصّ الحكم بالحدّ الذي أُقيم على المحدود،أو مطلق الحدّ؟ إطلاق العبارة و نحوها يدلّ على الثاني،و المرسلة على الأوّل،و صدر الصحيحة الأُولى يدلّ بإطلاقه على الثاني،و ذيلها يحتملهما.و لكنّه على الأوّل أدلّ؛ لأنّ ظاهر المماثلة اتّحادهما صنفاً.و وجه احتمال إرادة ما هو أعمّ:أنّ مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.

ص:520


1- غاية المرام 4:320.
2- انظر المسالك 2:431،و المفاتيح 2:81.
3- التنقيح الرائع 4:345.

و هل يفرّق بين ما حصلت التوبة منها و غيره؟ ظاهر الأخبار و الفتاوى ذلك؛ لأنّ ما تاب عنه فاعله سقط حقّ اللّه تعالى منه؛ بناءً على وجوب قبول التوبة،فلم يبق عليه حدٌّ للّه سبحانه.

و ربما يظهر من الصحيحة الأُولى و نحوها ممّا تضمّن انصراف الناس بأجمعهم بعد ما قيل لهم ذلك،ما خلا أمير المؤمنين و الحسنين(عليهم السّلام) عدم الفرق؛ فإنّ من البعيد جدّاً أنّ جميعهم لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت.

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في النهي كراهةً أو تحريماً بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة.و لكن ذكر الصيمري اختصاصه بالأوّل،قائلاً:إنّه محلّ الخلاف،و أنّه إذا قامت البيّنة فالواجب بدأة الشهود،و لأنّ النهي إنّما ورد في صورة الإقرار (1).

و في التعليل الأخير نظر؛ فإنّ موارد نصوص النهي و إن اختصّت بالإقرار،إلّا أنّ النهي فيها وقع على سبيل العموم،من دون أن يظهر منها ما يوجب التخصيص.

و أمّا أدلّة وجوب بدأة الشهود بالرجم فيما إذا قامت البيّنة عليه، فليس لها قابليّة التخصيص؛ مع احتمال العكس ،فتخصّ أدلّة وجوب البدأة بما إذا لم يكن على الشهود حدّ للّه سبحانه.

و حينئذ،فلا وجه لتخصيص النصّ و الفتوى بما ذكره،إلّا أن يكون وقف على ما أوجبه.

ص:521


1- غاية المرام 4:320.

النظر الثالث في اللواحق و فيه مسائل

الأولى إذا شهد أربعة

النظر الثالث في اللواحق و فيه مسائل ثمان:

الأُولى: إذا شهد أربعة رجال مثلاً على امرأة بالزنا قُبُلاً فادّعت أنّها بكر، فشهد لها أربع نساء عدول بالبكارة،فلا حدّ عليها إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في التنقيح (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى حصول الشبهة الدارئة،و الخبرين:

أحدهما القويّ بالسكوني:« أنّه اتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بامرأة بكر زعموا أنّها زنت،فأمر النساء فنظرن إليها،فقلن:هي عذراء،فقال(عليه السّلام):

ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّه تعالى» (2)(3).

و في الثاني:في:أربعة شهدوا على امرأة بالزنا،فادّعت البكارة، فنظر إليها النساء،فشهدن بوجودها بكراً،فقال:« تقبل شهادة النساء» (4).

و في حدّ الشهود على زناها قولان أجودهما:السقوط،وفاقاً للمبسوط (5)و عامّة المتأخّرين؛ لتعارض الشهادات ظاهراً،فإنّه كما يمكن صدق النساء في البكارة كذا يمكن صدق الرجال في الزنا،و ليس أحدهم

ص:522


1- التنقيح 4:346.
2- خاتم من اللّه:كناية عن العذرة ثمار القلوب:31.
3- الكافي 7:10/404،التهذيب 6:761/278،الوسائل 27:354 كتاب الشهادات ب 24 ح 13.
4- الفقيه 3:97/32،التهذيب 6:735/271،الوسائل 27:363 كتاب الشهادات ب 24 ح 44؛ بتفاوت يسير.
5- المبسوط 8:10.

أولى من الآخر،فيحصل الشبهة الدارئة للحدّ.

و القول الثاني للنهاية و الحلّي في الشهادات من السرائر و الإسكافي و الماتن في الشرائع (1)؛ لأنّ تقديم شهادة النساء يستلزم ردّ شهادتهم، المستلزم لكذبهم.

و فيه منع ظاهر؛ لجواز قبول الجانبين و الحكم بالتعارض،و لا دليل لهم عدا ما ذكر،و لعلّه لذا رجع عنه الأوّلان في المبسوط و الحدود من السرائر (2)،و تردّد هنا الماتن.و يحصل بذلك وهنٌ آخر في هذا القول؛ لأنّ القائل به على ذلك نادر.

و بالجملة:فالمصير إلى القول الأوّل متعيّن.

الثانية إذا كان الزوج أحد الأربعة

الثانية: إذا كان الزوج أحد الأربعة الشهود بزنا الزوجة،فهل تُحَدّ بشهادتهم،أو يسقط عنها و يحدّونهم حتى الزوج إلّا أن يلاعن؟ فيه روايتان (3) باختلافهما اختلف الأصحاب على قولين،بل أقوال،لكنّهما ضعيفتا السند،لا تصلحان بأنفسهما سنداً لشيءٍ منها إلّا أنّ الدالّ منهما على القول الأوّل تصلح لإثباته؛ لانجبار ضعف سنده بعمل الأكثر على الظاهر،المصرّح به في المسالك (4)و غيره (5)،و منهم:الشيخ في النهاية و الحلّي و ابن حمزة (6)،و المتأخّرون كافّة.

ص:523


1- النهاية:333،السرائر 2:137،حكاه عن الإسكافي في المختلف:754،الشرائع 4:257.
2- المبسوط 8:10،السرائر 3:430.
3- إحداهما في:التهذيب 6:776/282،الإستبصار 3:118/35،الوسائل 22:431 كتاب اللعان ب 12 ح 1. و الأُخرى في:التهذيب 6:777/782،الوسائل 22:432 كتاب اللعان ب 12 ح 2.
4- المسالك 2:121.
5- انظر المفاتيح 2:68.
6- النهاية:690،الحلّي في السرائر 3:430،ابن حمزة في الوسيلة:410.

مع تأيّده بقوله سبحانه وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ [1] (1)فإنّ ظاهره أنّه إذا كان غيره فلا لعان،فتأمّل .

و قوله تعالى وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [2] (2)فإنّ الظاهر كون الخطاب للحاكم؛ لأنّه المرجع في الشهادة،فيشمل الزوج و غيره،هذا.

مضافاً إلى عموم أدلّة قبول الشهادة،و خصوص ما دلّ منها على قبول شهادة الزوج على الزوجة (3).

و عمل بالثانية الصدوق (4)و جماعة (5)،مؤيّدين لها بقوله تعالى لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [3] (6).

و هو ضعيف جدّاً؛ لما ذكرنا،و المؤيّد المزبور معارَض بأمثاله كما عرفتها.

و أضعف منه القول بالتفصيل:بين ما لو كانت الزوجة غير مدخول بها فالأوّل،و مدخولاً بها فالثاني (7).

لمخالفته إطلاق الروايتين،و الجمع بينهما بذلك فرع وجود شاهد عليه،و هو مفقود في البين.

و بالجملة:فالأصحّ القبول على الإطلاق،بشرط أن لم يسبق الزوج

ص:524


1- النور:6.
2- النساء:15.
3- انظر الوسائل 27:366 كتاب الشهادات ب 25.
4- المقنع:148.
5- منهم القاضي في المهذّب 2:525،و الحلبي في الكافي في الفقه:415.
6- النور:13.
7- قال به الإسكافي،حكاه عنه في المختلف:754.

بالقذف،و لم يختلّ الشرائط المعتبرة في الشهادة.

و وجّه الأصحاب القائلين بالرواية الأُولى السقوط أي سقوط الحدّ عن المرأة،الموجب لتوجّه حدّ القذف إلى الشهود الأربعة،كما هو مقتضي الرواية الثانية،و حملوه على اختلال أحد الشرطين إمّا ب أن يسبق منه القذف أو يختلف كلامهم في الشهادة،أو أدائهم الشهادة مختلفي المجلس،أو عداوة أحدهم معها،أو فسقه،أو غير ذلك ممّا يخلّ بالشهادة.

و وجه السقوط في الاختلال واضح،و كذا في السبق بالقذف؛ لأنّه من أفراده،مع كون الزوج حينئذٍ مدّعياً،فلا تقبل شهادته.

و مرجع هذا الجمع إلى عموم ما دلّ على قبول الشهادة بشرط كون المقيم لها متّصفاً بشرائطها و عدم كونه مدّعياً (1)،و هو كافٍ في الحكم بما ذكره الجماعة و إن لم توجد لهم رواية مخصوصة؛ و لذا حكم به من لا يرى الحجّة في أخبار الآحاد مطلقاً كالحلّي أو إذا كانت ضعيفة و إن كانت بالشهرة منجبرة،كشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (2).

الثالثة يقيم الحاكم حدود اللّه تعالى

الثالثة: يقيم الحاكم حدود اللّه تعالى كالزنا،بعد أن ثبت عنده و لو بعلمه،على الأشهر الأقوى،كما مضى في كتاب القضاء (3).

أمّا حقوق الناس كالقذف ف لا يقيمها من قبله و إن ثبت عنده مطلقاً،بل تقف إقامته إيّاها على المطالبة من المستحقّ لها.

و محصّل ما في المسألة:وجوب إقامة الحاكم حدود اللّه سبحانه بعد

ص:525


1- انظر الوسائل 27:391 أبواب الشهادات ب 41.
2- راجع ص 523.
3- راجع ص 31.

ثبوتها عنده بمجرّده،دون حدود الناس؛ لتوقّف إقامته لها بعده على مطالبتهم إيّاها،و لا خلاف فيهما ظاهراً،و لا إشكال أيضاً،سيّما مع التصريح بهما في المعتبرين:

أحدهما الصحيح:« إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقةٍ قَطَعَه،فهذا من حقوق اللّه تعالى،و إذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدَّه،فهذا من حقوق اللّه تعالى،و إذا أقرّ على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه تعالى؛ و أمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتى يحضر صاحب الفرية أو وليّه،و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم» (1).

و بمعناه في حقوق الناس الصحيح الآخر:« من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ أحد من المسلمين،فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب الحدّ أو وليّه و يطلب بحقّه» (2).

و في الثاني:« الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ،و لا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّه تعالى في خلقه،و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره (3)و ينهاه و يمضي و يدعه» قلت:و كيف ذاك؟قال:« لأنّ الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته،و إذا كان للناس فهو للناس» (4).

ص:526


1- التهذيب 10:20/7،الإستبصار 4:761/203،الوسائل 28:56 أبواب مقدّمات الحدود ب 32 ح 1.
2- الكافي 7:9/220،الوسائل 28:57 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الزبر:الزجر و المنع الصحاح 2:667.
4- الكافي 7:15/262،التهذيب 10:157/44،الإستبصار 4:809/216،الوسائل 28:57 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 3.
الرابعة من اقتضّ بكراً

الرابعة: من اقتضّ بكراً حرّة و أزال بكارتها و لو بأصابعه، فعليه مهر مثل ها رجلاً كان المقتضّ أو امرأة،بلا خلاف أجده؛ للصحيح المرويّ بعدّة طرق:

منها:في امرأة اقتضّت جارية بيدها،قال:« عليها المهر،و تضرب الحدّ» (1)و نحوه في طريق آخر،لكن بدّل فيه:« تضرب الحدّ» ب:« تجلد ثمانين» (2)كما في ثالث:« إنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)قضى بذلك،و قال:تجلد ثمانين» (3).

و إطلاق الجارية فيه يشمل الحرّة و الأمة،و لعلّه لذا أطلق الصدوق و المفيد (4)المهر،و لم يفصّلا بينهما،إلّا أنّ الظاهر كما في المختلف (5)اختصاص الإطلاق بحكم التبادر و الغلبة و غيرهما بالحرّة دون الأمة، و لذا فصّل من عداهما بينهما،و خصّوا ما مرّ بالحرّة و اختلفوا في غيرها:

فالأكثر على الظاهر المصرّح به في المسالك (6)،بل الأشهر كما في الروضة (7)على أنّه لو كانت المقتضة أمة،فعليه أي على المقتضّ و لو كانت امرأة عشر قيمتها.

ص:527


1- الفقيه 4:35/18،التهذيب 10:172/47،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 1.
2- التهذيب 10:215/59،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 4.
3- التهذيب 10:137/47،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 3.
4- الصدوق في المقنع:145،المفيد في المقنعة:785.
5- المختلف:760.
6- المسالك 2:432.
7- الروضة 9:124.

للخبر:« إذا اغتصب أمة فاقتضّت فعليه عشر قيمتها،و إن كانت حرّة فعليه الصداق» (1).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة،بل عمل المتأخّرين كافّة.

عدا الفاضل في المختلف،فاختار فيه الأرش تبعاً للحلّي (2)؛ عملاً بقاعدة الجناية.

و شيخنا [لشيخنا] في المسالك،فاحتمل وجوب أكثر الأمرين من الأرش و العشر،قال:لأنّ الأرش على تقدير زيادته بسبب [زيادة] نقص حدث في المال بجناية فيكون مضموناً (3).

و مبنى هذين القولين على تضعيف الرواية،و الرجوع إلى القاعدة.

و هو حسن لو لا الشهرة الجابرة،مضافاً إلى الانجبار بما مرّ في النكاح من الروايات الصحيحة على أنّ من وطئ أمة غيره و كانت بكراً فعليه العشر (4)،فتخصّص بها القاعدة.

ثم إنّ ظاهر الحدّ في الصحيحة بالطريق الأوّل منافٍ لما عليه الأكثر بل الكلّ من عدم الحدّ فيه،بل التعزير،بل لم يحك القول به هنا إلّا عن المقنع (5)،و يحتمل الحدّ فيها بل و في كلامه أيضاً التعزير؛ لوقوع التعبير به عنه كثيراً،مع وقوع التصريح بثمانين جلده في الطرق الباقية، فالتعزير متعيّن.

ص:528


1- التهذيب 10:183/49،الوسائل 28:144 أبواب حدّ الزنا ب 39 ح 5.
2- المختلف:760،الحلّي في السرائر 3:449.
3- المسالك 2:432.
4- انظر الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35.
5- المقنع:145.

و عليه،فهل يجلد من ثلاثين إلى ثمانين؟كما عن المفيد و الديلمي (1)؛ تنزيلاً لما تضمّن الثمانين على الأكثر.

أو من ثلاثين إلى سبعة و تسعين؟كما عن الشيخ (2).

أو إلى تسعة و تسعين؟كما عن الحلّي (3)؛ تنزيلاً له على قضية المصلحة.أو لا تقدير فيه قلّةً و لا كثرة،بل يفوّض إلى رأي الحاكم،كما عليه الأكثر.

أقوال،و الأخير أنسب بقاعدتهم في التعزير،مع عدم معارض لها سوى رواية الثمانين الظاهرة في تعيّنها،و لا قائل به أصلاً،فلتكن مطرحة، أو مؤوّلة إلى ما يرجع به إلى أحد الأقوال الثلاثة.

الخامسة من زوّج أمته

الخامسة: من زوّج أمته من غيره و لو كان عبده ثم وطئها عالماً بالتحريم فعليه الحدّ حدّ الزنا كملاً،جلداً كان أو رجماً، بلا خلاف يظهر حتى من الحلّي الذي لم يعمل بالآحاد؛ للعموم أو الإطلاق،و للصحيح:في رجل زوّج أمته رجلاً،ثم وقع عليها،قال:

« يضرب الحدّ» (4).

السادسة من أقرّ أنّه زنى بفلانة

السادسة: من أقرّ أنّه زنى بفلانة امرأة معيّنة من دون تصريح بزناها، فعليه مع تكرار الإقرار أربعاً حدّان :للزنا و الفرية و لو

ص:529


1- المفيد في المقنعة:785،الديلمي في المراسم:255.
2- كذا في النسخ و الشرح الصغير(3:352)و لم نعثر عليه في كتب الشيخ و لا على الحاكي عنه،و في المطبوع من النهاية(699):تسعة و تسعين،و في نسخة منها:تسعة و سبعين.انظر النهاية و نكتها 3:297؛ و كشف الرموز 2:557.
3- السرائر 3:449.
4- الكافي 7:1/196،الفقيه 4:34/17،التهذيب 10:79/26،الوسائل 28:121 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 9.

أقرّ دونها و لو مرّة فعليه حدّ القذف خاصّة و كذا المرأة لو أقرّت بأنّها زنت بشخص معيّن أربعاً حدّت للأمرين،و لو أقرّت به دونها حدّت للفرية خاصّة،وفاقاً للشيخين و الحلّي (1)،و ربما نسب إلى الأصحاب كافّة (2)، و اختاره فخر الإسلام و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،قالا:لظهور الإقرار في القذف،و اندفاع احتمال الإكراه و الشبهة بالأصل،و لكن لو فسّر بأحدهما قُبِلَ و اندفع عنه الحدّ و وجب عليه التعزير.

قيل:و يؤيّده القويّان:

في أحدهما:« لا تسألوا الفاجرة من فجر بك،فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البريء المسلم» (4).

و في الثاني:« إذا سألت الفاجرة:من فجر بك؟فقالت:فلان، جلدتها حدّين:حدّا لفجورها،و حدّاً لفريتها على الرجل المسلم» (5).

و في كلّ من دعوى الظهور على الإطلاق و التأييد نظر ،مع معارضتهما بظاهر الصحيح:في رجل قال لامرأته:يا زانية أنا زنيت بك، قال:« عليه حدّ واحد؛ لقذفه إيّاها،و أمّا قوله:أنا زنيت بك،فلا حدّ عليه فيه إلّا أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزنا عند الإمام» (6)فإنّه يعطي

ص:530


1- المفيد في المقنعة:792،الشيخ في النهاية:722،الحلّي في السرائر 3:447،457.
2- انظر المهذّب البارع 5:51،و التنقيح 4:350.
3- فخر الإسلام في الإيضاح 4:504،المسالك 2:425،الروضة 9:45 48.
4- التهذيب 10:177/48،الوسائل 28:146 أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 1.
5- التهذيب 10:178/48،الوسائل 28:146 أبواب حدّ الزنا ب 41 ح 2.
6- الكافي 7:1/211،الفقيه 4:116/37،التهذيب 10:291/76،الوسائل 28:195 أبواب حدّ القذف ب 13 ح 1.

بظاهره أنّ قوله:زنيت بك،ليس قذفاً،فتأمّل (1).

فالقول بالعدم هو الوجه،وفاقاً للمحكيّ عن الشهيد في النكت (2)، لكن ندرة القائل به بل عدمه قبله كما يظهر من تتبّع الفتاوى ربما أوجب التردّد،كما أشار إليه بقوله: و فيهما أي في حدّ الرجل و المرأة للقذف في المسألتين تردّد و إشكال،و به صرّح الماتن في الشرائع أيضاً و الفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (3).

السابعة من تزوّج أمة على حرّة مسلمة

السابعة: من تزوّج أمة على حرّة مسلمة عالماً بالتحريم فوطئها قبل الإذن من الحرّة و إجازتها عقد الأمة فعليه ثُمن حدّ الزاني :اثنا عشر سوطاً و نصف،كما في الخبرين:عن رجل تزوّج أمة على مسلمة و لم يستأمرها،قال:« يفرّق بينهما» قال:قلت:فعليه أدب؟ قال:« نعم،اثنا عشر سوطاً و نصف،ثُمن حدّ الزاني،و هو صاغر» قلت:

فإن رضيت الحرّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟قال:« لا يضرب و لا يفرّق بينهما،يبقيان على النكاح الأوّل» (4).

و كذا في الصحيح فيمن تزوّج ذميّة على مسلمة (5)،و فيه و في غيره

ص:531


1- ليست في« ن».
2- غاية المراد(مخطوط)النسخة الرضوية،الورقة:288.
3- الشرائع 4:163،الفاضل في التحرير 2:237،و القواعد 2:260،و الإرشاد 2:177.
4- أحدهما في:الكافي 7:8/241،التهذيب 10:572/144،الوسائل 28:151 أبواب حدّ الزنا ب 49 ج 1. و الآخر في:التهذيب 7:1411/344،الإستبصار 3:755/209،الوسائل 20:511 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 47 ح 2.
5- الفقيه 3:1279/269،الوسائل 20:544 أبواب ما يحرم بالكفر ب 7 ح 4.

أنّ طريق التنصيف أن يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به (1).و هو المتبادر المصرّح به في كلام جمع (2).

و قيل:أن يضرب بين الضربين (3).و لا شاهد عليه.

و ليس في هذه النصوص اعتبار الدخول و الوطء،بل ظاهرها ترتّب الحدّ بمجرّد التزويج،و لكن ذكره الأصحاب بغير خلاف يعرف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (4)؛ و لعلّه كما قيل (5)بناءً على صحّة التزويج و إباحته،و التوقّف على الإذن ابتداءً أو استدامةً.

و فيه نظر؛ لمصير جملة منهم إلى فساد العقد من أصله،كما مرّ في النكاح (6).و إن كان الأصحّ خلافه؛ لما مرّ ثمّة (7)،مع تأيّده بما حكموا به هنا؛ إذ لولا الصحّة لزم بالوطء الحدّ كملاً لا ثُمناً.هذا.

مع أنّ الحكم بالصحّة لا يستلزم نفي العقوبة إلّا باستلزامها الإباحة، و الملازمة في أمثال المقام ممنوعة،سيّما بعد الاتّفاق على الحرمة فتوًى و رواية،و حينئذ فيحتمل لزوم ثُمن الحدّ؛ لارتكابها،لا لفساد المناكحة؛ مع أنّ فسادها ينبغي إيجابه تمام العقوبة لا بعضها،كما عرفته.

و بالجملة:الوجه في اعتبارهم الوطء غير واضح،إلّا أن يدّعى تبادر

ص:532


1- الكافي 7:13/176،الفقيه 4:192/53،المحاسن:377/273،الوسائل 28:11 أبواب مقدّمات الحدود ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 9:124،و المسالك 2:432،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:407،و الكاشاني في المفاتيح 2:78.
3- انظر مجمع الفائدة 13:98.
4- انظر مجمع الفائدة 13:99.
5- كشف اللثام 2:407.
6- ج 11:221.
7- ج 11:185 و 221.

التزويج المتضمّن له من التزويج المطلق في النصوص،و يحتاج إلى تأمّل.

الثامنة من زنى في زمان شريف

الثامنة: من زنى في زمان شريف كرمضان،و الجُمَع،و الأعياد، و نحو ذلك أو مكان شريف كالمسجد،و الحرم،و المشاهد المشرّفة عوقب زيادةً على الحدّ المقرّر للزنا بأقسامه حتى القتل،و لكن فيه يعاقب قبله بما يراه الحاكم،بلا خلاف يظهر.

و في الخبر:اُتي أمير المؤمنين(عليه السّلام)بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان،فضربه ثمانين جلدة،ثم حبسه ليلة،ثم دعاه من الغد فضربه عشرين سوطاً،فقال:يا أمير المؤمنين،ضربتني ثمانين في شرب الخمر،فهذه العشرون ما هي؟فقال:و هذا لجرأتك على شرب الخمر في شهر رمضان (1).

و ربما يستفاد من التعليل عموم الحكم لغير مورده،كما فهمه الأصحاب،و أيّده الاعتبار.

ص:533


1- الكافي 7:15/216،الفقيه 4:130/40،التهذيب 10:362/94،الوسائل 28:231 أبواب حدّ المسكر ب 9 ح 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.