ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 13

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 13/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كتاب العتق

اشارة

كتاب العتق و هو لغة:الخلوص،و منه سمّي البيت عتيقاً لخلوصه من أيدي الجبابرة.

و شرعاً:خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرّق.و بالنسبة إلى عتق المباشرة المقصود بالذات من الكتاب:تخلّص المملوك الآدمي أو بعضه من الرّق منجّزاً بصيغة مخصوصة.

و فضله متّفق عليه بين المسلمين كافّة كما حكاه جماعة (1).و الأصل فيه بعده الكتاب،و السنّة المستفيضة بل المتواترة الخاصيّة و العاميّة.

قال سبحانه و تعالى وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [1] (2).

قيل:و قال المفسّرون:أنعم اللّه عليه بالإسلام و أنعمت عليه بالعتق (3).

ص:5


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:122،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:182.
2- الأحزاب:37.
3- قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:430.

و في النبويّ المستفيض من الطرفين،و لو بعبارات مختلفة:« من أعتق مسلماً أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضواً من النار» (1)و زيد في بعضها:

« فإن كان أُنثى أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضواً من النار» (2).

و النظر في هذا الكتاب في أمرين:

الأوّل: في بيان متعلق الرقّ و من يجوز استرقاقه.

و الثاني:في أسباب الإزالة إزالة الرقّ.

الرقّ

اشارة

أمّا الرقّ:فيختصّ بأهل الحرب من أصناف الكفّار دون أهل الذمّة الملتزمين بشرائطها و أما لو أخلّوا بشرائطها جاز تملّكهم بلا خلاف،بل قيل إجماعاً (3)،و لعلّه كذلك فتوًى و نصّاً مستفيضاً.

و المراد بأهل الحرب:من يجوز قتالهم إلى أن يسلموا.و بأهل الذمّة:

اليهود و النصارى العاملون بشرائطها المعهودة المذكورة في كتاب الجهاد، و لو أخلّوا بها صاروا أهل حرب و جاز تملّكهم اتفاقاً.

و لا فرق في جواز استرقاق الحربي بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين،أو يكونوا تحت حكم الإسلام و قهره،كالقاطنين تحت حكم المسلمين من عبدة الأوثان و النيران و الغلاة و غيرهم.

و يتحقق دخولهم في الرقّ بمجرد الاستيلاء عليهم،سواء وقع بالقِتال أو على وجه السرقة و الاختلاس،سواء كان المستولي مسلماً أو كافراً.

ص:6


1- الكافي 6:2/180،التهذيب 8:769/216،مسند أحمد 4:344 و 5:29،صحيح البخاري 8:2/216 بتفاوت يسير.
2- الكافي 6:3/180،الفقيه 3:219/66،التهذيب 8:770/216،ثواب الأعمال:138،الوسائل 23:13 أبواب العتق ب 3 ح 1.
3- قاله في مفاتيح الشرائع 3:37.

و يجوز شراؤهم من الغنيمة و إن كان للإمام عليه السلام فيها حق؛ لإذنهم لشيعتهم في ذلك،كما تضمّنته الأخبار المستفيضة (1).

و عن القواعد و التذكرة التصريح بأنّه لا يجب إخراج حصّة غير الإمام من الغنيمة (2)؛ و لعلّ وجهه ظاهر ترخيصهم لشيعتهم من غير اشتراط إخراج الحصة المزبورة،فتأمّل.

من أقرّ على نفسه بالرقّية مختاراً في صحّة من رأيه حكم برقّيته

و من أقرّ على نفسه بالرقّية حال كونه مختاراً و هو في صحّة من رأيه ببلوغه و عقله حكم برقّيته مع عدم العلم من الخارج بحريّته، بلا خلاف أجده؛ لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (3)؛ و خصوص الصحيح:« الناس كلّهم أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالعبودية و هو مُدرك من عبد أو أمة» الحديث (4).

و إذا بيع في الأسواق ثمّ ادّعى الحرّية لم تقبل منه دعواه إلّا ببيّنة بلا خلاف؛ لأنّ ظاهر اليد و التصرف يقتضي الرقيّة،حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة؛ و الصحيحين:

في أحدهما:عن شراء جارية من السوق تقول:إنّها حرة،فقال:

« اشترها إلّا أن يكون لها بيّنة» (5).

و في الثاني:عن مملوك ادّعى أنّه حرّ و لم يأت ببيّنة على ذلك،

ص:7


1- انظر الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.
2- القواعد 1:62،التذكرة 1:255.
3- الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
4- الكافي 6:5/195،الفقيه 3:302/84،التهذيب 8:845/235،الوسائل 23:54 أبواب العتق ب 29 ح 1.
5- الكافي 5:13/211،الفقيه 3:613/140،التهذيب 7:318/74،الوسائل 18:250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 2.

أشتريه؟قال:« نعم» (1).

لا يملك الرجل و لا المرأة أحد الأبوين و لا الأولاد

و لا يملك الرجل و لا المرأة أحد الأبوين و إن علوا،و لا الأولاد و إن سفلوا.و كذا لا يملك الرجل خاصة (2) دون المرأة ذوات الرحم من النساء (3)كالخالة و العمّة و الأُخت و بنتها و بنت الأخ،و ينعتق جميع هؤلاء بالملك بمجرّده،بلا خلاف بل عليه الإجماع في عبارة جماعة (4)؛ و هو الحجة مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحاح المستفيضة:

في أحدها:عمّا يملك الرجل من ذوي قرابته،فقال:« لا يملك والديه و لا أُخته و لا ابنه و ابنة أُخته و لا عمّته و لا خالته،و يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته،و لا يملك امّه من الرضاعة» (5).

و في الثاني:« إذا ملك الرجل والديه أو أُخته أو عمّته أو خالته عتقوا عليه.و يملك ابن أخيه و عمّه و خاله،و يملك أخاه و غيره من ذوي قرابته من الرجال» (6).و نحوه الصحيح الآتي و غيره (7).

ص:8


1- الفقيه 3:614/140،التهذيب 7:317/74،الوسائل 18:250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 1.
2- كلمة« خاصّة» ليست في المختصر المطبوع.
3- في« ر» و« ح» زيادة:المحرمات.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:192،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:40.
5- الكافي 6:7/178،التهذيب 8:867/240،الإستبصار 4:43/14،الوسائل 23:19 أبواب العتق ب 7 ح 4.
6- الكافي 6:1/177،2،التهذيب 8:868/240،869،الإستبصار 4:44/15،45،الوسائل 23:18،19 أبواب العتق ب 7 ح 1،2.
7- انظر الوسائل 23:18 أبواب العتق ب 7.

و منها:عن المرأة،ما تملك من قرابتها؟قال:« كلّ أحد إلّا خمسة:

أبوها،و أُمّها،و ابنها،و ابنتها،و زوجها» (1)يعني بالزوج ما دام كونه زوجاً، و إلّا فهي تملكه.كما أنّه يملكها إجماعاً فتوًى و رواية إلّا أنّ الزوجيّة تنفسخ بالملك لتنافيهما؛ لأنّ المالك إن كان هو الزوجة حرّم عليها وطء مملوكها، و إن كان الزوج استباحها بالملك.

و المراد بالملك المنفي في العبارة و بعض النصوص المتقدّمة، المستقر منه،و إلّا فأصل الملك يتحقّق في الجميع،و من ثمّ ترتّب عليه العتق المشروط بالملك فتوًى و رواية.

و يومئ إلى المراد ذيل العبارة،و باقي النصوص كالصحيحة الثانية، و الرابعة:« إذا ملك الرجل والديه أو أُخته أو عمّته أو خالته أو بنت أُخته، و ذكر أهل هذه الآية من النساء،عتقوا جميعاً.و يملك عمّه و ابن أخيه و ابن أُخته و الخال،و لا يملك امّه من الرضاعة،و لا أُخته و لا عمّته و لا خالته،إذا ما ملكهنّ عتقن» و قال:« ما يحرم من النساء ذات رحم قد يحرمن من الرضاع» و قال:« يملك الذكور ما عدا والديه أو ولده،و لا يملك من النساء ذات رحم محرم» قلت:يجري في الرضاع مثل ذلك؟قال:« نعم» (2).

و يستفاد منها كما تقدّمها أنّه يملك غيرهم أي المذكورين من الرجال و النساء مضافاً إلى عدم الخلاف فيه و في أنّه على كراهية و أنّه يتأكّد الكراهيّة فيمن يرثه للنصوص

ص:9


1- الكافي 6:3/177،التهذيب 8:873/242،الإستبصار 4:49/16،الوسائل 23:24 أبواب العتق ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:221/66،التهذيب 8:877/243،الإستبصار 4:53/17،الوسائل 18:247 أبواب بيع الحيوان ب 4 ح 1.

منها الموثّق:في رجل يملك ذا رحمه،هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟قال:« لا يصلح له بيعه،و لا يتّخذه عبداً و هو مولاه و أخوه في الدين،و أيّهما مات ورثه صاحبه إلّا أن يكون أقرب منه» (1).

و الخبر:« لا يملك الرجل أخاه من النسب،و يملك ابن أخيه» (2).

و إنّما حملت على الكراهة جمعاً مع قصورها سنداً،و إشعار الرواية الأُولى و ما ضاهاها بالكراهة جدّاً.

و هل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق عليه بالنسب فيه روايتان

و هل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق عليه بالنسب؟فيه روايتان:

أشهرهما أنّه ينعتق و هي الصحاح المتقدّمة،و نحوها غيرها.

كالصحيح:عن امرأة ترضع غلاماً لها من مملوكة حتّى تفطمه،هل لها أن تبيعه؟فقال:« لا،هو ابنها من الرضاعة،حرّم عليها بيعه و أكل ثمنه» ثمّ قال:« أ ليس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » (3).و الصحيح:عن المرأة ترضع عبدها،أ تتّخذه عبداً؟قال:« تعتقه و هي كارهة» (4).

و نحوهما غيرهما المروي عن المقنع و كتاب عليّ بن جعفر عليه السلام (5).

ص:10


1- الفقيه 3:287/80،الوسائل 23:29 أبواب العتق ب 13 ح 5.
2- التهذيب 8:871/241،الإستبصار 4:47/15،الوسائل 23:20 أبواب العتق ب 7 ح 6.
3- الكافي 5:16/446،التهذيب 7:1342/326،الوسائل 20:405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.
4- الكافي 6:6/178،التهذيب 8:866/240،الإستبصار 4:42/14،الوسائل 23:22 أبواب العتق ب 8 ح 2.
5- المقنع:160،مسائل علي بن جعفر:25/111،الوسائل 20:406 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 2،4.

و الرواية الثانية أخبار عديدة منها الصحيح:في بيع الاُمّ من الرضاعة، قال:« لا بأس بذلك إذا احتاج» (1).

و الخبران:في أحدهما:« إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حرّ إلّا ما كان من قبل الرضاع» (2)و قريب منه الثاني (3).

و هي مع قصور سند أكثرها غير مكافئة لما مضى من وجوه شتّى، فلتطرح أو تؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل بالحمل إمّا على ما ذكره جماعة كالشيخ في الكتابين و غيره (4)،أو على التقيّة كما يستفاد من عبارة الخلاف المحكيّة حيث نسب مضامينها إلى جميع فقهاء العامّة (5).

و اعلم أنّه ظهر من قوله:لا يملك الرجل خاصّة،ما أشار إليه بقوله:

و لا ينعتق على المرأة سوى العمودين يعني الآباء و الأُمّهات و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا.فلا وجه لإعادته.

إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما،و ثبت الملك

و إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بطل العقد بينهما،و ثبت الملك كما مضى هنا قريباً،و في كتاب النكاح مفصّلاً.

أمّا إزالة الرق فأسبابها أربعة

اشارة

و أمّا إزالة الرق فأسبابها الموجبة لها و لو في الجملة أربعة:

الملك،و المباشرة،و السراية،و العوارض و هذه الأسباب منها تامة في العتق،كالإعتاق بالصيغة،و شراء

ص:11


1- التهذيب 8:886/245،الاستبصار 4:62/19.
2- التهذيب 8:885/245،الاستبصار 4:61/19.
3- التهذيب 8:881/244،الإستبصار 4:57/18،الوسائل 18:244 أبواب بيع الحيوان ب 4 ح 4.
4- الاستبصار 4:19،التهذيب 8:245؛ و انظر كشف اللثام 2:192.
5- الخلاف 6:367.

القريب،و التنكيل،و الجذام و الإقعاء.و منها ما يتوقف على أمر آخر، كالاستيلاد لتوقّفه على موت المولى و أُمور أُخر،و الكتابة لتوقّفها على أداء المال،و التدبير لتوقفه على موت المولى و نفوذه من ثلث ماله،و موت المورّث لتوقّفه على دفع القيمة إلى مالكه،و غيره ممّا يفصّل إن شاء اللّه تعالى.

و اعلم أنّه قد سلف بيان الإزالة بالسبب الأوّل و هو الملك بقي الكلام في بيانها بالثلاثة الباقية،فنقول:

المباشرة

اشارة

أما الإزالة ب المباشرة فالعتق و الكتابة و التدبير و الاستيلاد و سيأتي بيان الثلاثة الأخيرة إن شاء اللّه [تعالى] في كتاب على حدة.

العتق
صيغة العتق

و أمّا العتق فعبارته الصريحة فيه المتحقّق بها التحرير كأنت أو هذا أو فلان حرّ،بلا خلاف بل عليه الإجماع في عبارة جماعة (1).

و صراحته فيه واضحة؛ قال سبحانه وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [1] (2). و في وقوعه ب لفظ العتق كأعتقتك مثلاً تردّد و اختلاف، منشؤه الشّك في كونه مرادفاً للتحرير فيدلّ عليه صريحاً،أو كنايةً عنه فلا يقع به.و الأصحّ القطع بوقوعه به؛ لدلاته عليه صريحاً لغةً و عرفاً و شرعاً،بل استعماله فيه أكثر من التحرير جدّاً،و قد اتّفق الأصحاب على صحّته في قول السيّد لأمته:أعتقتكِ و تزوّجتك.

ص:12


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:123،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:185.
2- النساء:92.

و لا اعتبار بغير ذلك من الكنايات كقوله فككت رقبتك،أو أنت سائبة و إن قصد بها العتق بلا خلافٍ يظهر بل عليه الإجماع في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجّة فيه،مضافاً إلى أصالة بقاء الرقّ إلى أن يثبت خلافه،و ليس بثابت،إذ لا عموم من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] و غيره.

و بعض الإطلاقات باللزوم على تقدير وجوده غير معلوم الشمول لمحل الفرض؛ لانصرافه إلى صُورة وقوع العتق بصريح لفظه،مع وروده لبيان حكم آخر.فتدبّر.

و من هنا يظهر بطريق أولى أنّه لا تكفي الإشارة و لا الكتابة مع القدرة على النطق بالصريح.و لا خلاف فيه أيضاً،و ادّعى الإجماع عليه بعض الأصحاب صريحاً (2).

و يستفاد من العبارة مفهوماً كفايتهما مع العجز.و لعلّه لا خلاف فيها أيضاً.

و يدلّ عليه مضافاً إلى فحوى ما دلّ عليها في سائر العقود و الإيقاعات كالطلاق و الوصيّة و نحوهما،خصوص بعض النصوص،كالصحيح المتقدّم في كتاب الوصيّة في نظير المسألة (3).

و في الصحيح:عن رجل قال لرجل يا فلان،اكتب إلى امرأتي بطلاقها و إلى عبدي بعتقه،يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟فقال:« لا يكون ذلك طلاقاً و لا عتقاً حتّى ينطق به لسانه أو يخطّ بيده،و هو يريد الطلاق أو

ص:13


1- المسالك 2:123؛ و انظر الكفاية:219،و كشف اللثام 2:185.
2- السبزواري في الكفاية:219.
3- الفقيه 4:506/146،التهذيب 9:935/241،الوسائل 19:373 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 1.

العتق و يكون ذلك منه بالأهلّة و الشهور و يكون غائباً من أهله» (1).

و فيه دلالة على الاكتفاء في العتق بالكتابة مع الغيبة و لم أرَ عاملاً به فلا تصلح لإثباته،مع معارضته بخصوص الصحيح الظاهر وروده في الغائب:رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه[ثم بَدا لَه (2)]فمحاه،قال:

« ليس ذلك بطلاق و لا عتاق حتى يتكلّم به» (3)فتأمل.

و لا يصح جعله يميناً على المشهور فيه و في أنه لا بدّ من تجريده عن شرط متوقع أو صفة مترقبة (4) بل في التنقيح و عن المختلف الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة بقاء الرق السليمة عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للمحكي عن ظاهر الإسكافي و القاضي (6)،فجوّزا التعليق عليهما و الرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير،تبعاً للعامة العمياء (7).

و لا مستند لهما ظاهراً عدا رواية إسحاق بن عمّار الآتية في المسألة السابعة من المسائل الملحقة بالنذر (8).

ص:14


1- الكافي 6:1/64،الفقيه 3:1572/325،التهذيب 8:114/38،الوسائل 22:37 أبواب مقدمات النكاح و شرائطه ب 14 ح 3،في الوسائل و الكافي و التهذيب:و الشهود،بدل:و الشهور.
2- أضفناه من المصدر.
3- الكافي 6:2/64،التهذيب 8:113/38،الوسائل 22:36 أبواب مقدمات النكاح و شرائطه ب 14 ح 2.
4- كلمة:مترقبة:ليست في متن المختصر المطبوع.
5- التنقيح 3:434،المختلف:637.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:637،القاضي في المهذب 2:365.
7- مغني المحتاج 4:509.
8- في ص 243.

و يحتمل حملها على التقية زيادةً على ما يرد عليها من المخالفة للقاعدة كما سيظهر ثمة.

و قد تقدّم بيان الفرق بين الشرط و الصفة،و أن المراد بالأول ما جاز وقوعه في الحال و عدمه كمجيء زيد،و بالثاني ما لا يحتمل وقوعه في الحال و تيقّن وقوعه عادةً كطلوع الشمس.

و الفرق بينهما و بين اليمين مع اشتراكهما في التعليق قصد الزجر به عن فعل أو البعث عليه في الأخير دونهما.

و يجوز أن يشترط مع العتق شيء سائغ مطلقاً مالاً كان أو خدمةً، بلا خلاف يظهر،بل عليه في شرح الكتاب للسيّد الإجماع عليه (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عمومات النصوص المعتبرة بلزوم الوفاء بالشروط السليمة عن المعارض بالكلية،لكونه عتقاً مع شرط لا عتقاً بشرط،كما هو مفروض العبارة،فتأمّل.

مضافاً إلى خصوص الصحاح في أحدها:الرجل يقول لعبده:أُعتقك على أن أُزوّجك ابنتي،فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فيتزوّج أو يتسرّى،قال:« عليه مائة دينار» (2).

و في الثاني:رجل أعتق جاريته و شرط عليها أن تخدمه عشر سنين، فأبَقَتْ،ثمّ مات الرجل فوجدها ورثته،أ لَهم أن يستخدموها؟قال:

« لا» (3).

ص:15


1- نهاية المرام 2:251.
2- الكافي 6:4/179،التهذيب 8:796/222،الوسائل 23:27 أبواب العتق ب 12 ح 4.
3- الكافي 6:2/179،الفقيه 3:235/69،التهذيب 8:797/222،الوسائل 23:26 أبواب العتق ب 11 ح 1،و في المصادر:خمس سنين،بدل عشر سنين.

و في الثالث:قال:غلامي حرّ و عليه عُمالة كذا و كذا،قال:« هو حرّ و عليه العُمالة» (1).

و ظاهرها عدا الثاني لزوم الوفاء بالشرط و عدم توقّفه على قبول المملوك.

خلافاً للمحكي في التنقيح (2)عن بعضهم في الأوّل،فحكم بالاستحباب،و هو ضعيف.

و للتحرير و القواعد في الثاني (3)،فاشترط فيهما القبول،إمّا مطلقاً كما في الأوّل،أو إذا كان المشروط مالاً لا خدمةً كما في الثاني،و اختاره فخر الإسلام (4)؛ استناداً في صورة عدم الاشتراط إلى الأصل،و زاد عليه في الكفاية (5)الاستناد إلى الصحيحة الثالثة،و في صورة الاشتراط إلى الصحيح بزعمه:عن رجل قال لمملوكه:أنت حرّ و لي مالك،قال:« لا يبتدئ بالحرّية قبل المال،فيقول له:لي مالك و أنت حرّ برضا المملوك،فالمال للسيّد» (6)و في الصحّة التي زعمها مناقشة.

قيل:و لا بأس بالمصير إلى هذا القول؛ اقتصاراً في الحكم بإلزام العبد شيئاً لسيّده بدون رضاه على موضع اليقين (7).

ص:16


1- التهذيب 8:857/237،الوسائل 23:25 أبواب العتق ب 10 ح 2.
2- التنقيح 3:434.
3- التحرير 2:79،القواعد 2:98.
4- إيضاح الفوائد 3:478.
5- الكفاية:220.
6- الكافي 6:5/191،الفقيه 3:344/92،التهذيب 8:806/224،الإستبصار 4:33/11،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 5؛ بتفاوت.
7- نهاية المرام 2:253.

و فيه نظر؛ فإنّه إن أُريد باليقين معناه الأخصّ كان حصوله في الشقّ الآخر و هو اشتراط الخدمة محلّ نظر،لمكان الخلاف و عدم استفادة شيء لعدم الاشتراط فيه من الصحيحة الأخيرة سوى المظنّة.و إن أُريد به معناه الأعمّ الشامل لها صحّ؛ نظراً إلى حصولها فيه من إطلاق هذه الصحيحة،إلّا أنّها حاصلة من إطلاق الصحيحة الاُولى في الشقّ المقابل المشروط فيه المال،كما هو محلّ البحث.

و بالجملة:فإن كان الظنّ الحاصل من الإطلاق كافياً في هذا الحكم المخالف للأصل في غير مورد البحث فليكن كافياً فيه،و إلّا فلا يكون كافياً مطلقاً،و الفرق تحكّم،و اليقين بمعناه الأخصّ لمكان الخلاف غير متحقق.

و لو شرط إعادته في الرقّ إن خالف الشرط ف في صحّة العتق و الشرط قولان اختار أولهما الطوسي و القاضي (1)؛ عملاً بالشرط، و خصوص الموثّق:عن الرجل يعتق مملوكه و يزوّجه ابنته،و يشترط عليه إن هو أغارها أن يردّه في الرقّ،قال:« له شرطه» (2).

و ردّ الأوّل:بأنّ مقتضاه عود من ثبت حريّته رقّاً،و هو غير جائز و لا معهود شرعاً.و لا يرد مثله في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن مطلق الرقيّة،فإنّ معنى قول السيّد:فإن عجزت فأنت ردّ في الرق،الرقّ المحض الذي ليس بكتابة،لا مطلق الرقّ،لأنه لم يثبت بالكتابة،و عدم الأخص أعمّ من عدم الأعمّ.

و الثاني:بشذوذه و قصور سنده،و منافاته لأُصول المذهب،فيجب

ص:17


1- الطوسي في النهاية:542،القاضي في المهذب 2:359.
2- الكافي 6:3/179،التهذيب 8:795/222،الوسائل 23:27 أبواب العتق ب 12 ح 3.

اطراحه.و بهذا أجاب عنه الماتن في النكت (1)،و اختار فيه القول بفساد الأمرين،كالفاضل في المختلف (2).

و عن الحلّي و فخر الدين (3)القول بصحّة العتق دون الشرط؛ استناداً في فساده إلى ما مرّ،و في صحّة العتق إلى بنائه على التغليب.و ردّ بأنّه لا يدلّ على صحته من دون القصد.

و ربما يستفاد من قوله:

و المروي اللزوم الميل إلى الأوّل،و يتوجّه عليه ما أجاب به عنه في النكت من الشذوذ و نحوه.

يشترط في المعتِق جواز التصرف و الاختيار،و القصد

و يشترط في المولى المعتِق جواز التصرف بالبلوغ و كمال العقل و الاختيار،و القصد إلى العتق فلا يقع من الصبي،و لا المجنون المطبق و لا غيره في غير وقت كماله،و لا السفيه،و لا المكره،و لا الناسي، و لا الغافل،و لا السكران،بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الصبي إذا لم يبلغ عشراً و لا شبهة؛ لعموم أدلّة الحجر في بعض،و المعتبرة المستفيضة فيه و في غيره.

منها الصحيحان،في أحدهما:عن عتق المكره فقال:« عتقه ليس بعتق» (4).

و في الثاني:« إن المُدلَّه ليس عتقه عتقاً» (5).

ص:18


1- نكت النهاية 3:10.
2- المختلف:625.
3- الحلّي في السرائر 3:11،فخر الدين في إيضاح الفوائد 3:479.
4- الكافي 6:1/191،التهذيب 8:775/217،الوسائل 23:41 أبواب العتق ب 19 ح 1.
5- الكافي 6:3/191،الوسائل 23:42 أبواب العتق ب 20 ح 1.التدلية:ذهاب العقل من الهوى.الصحاح 6:2231.

و منها الخبران أحدهما الموثّق:« لا يجوز عتق السكران» (1).

و القربة بأن يقصد بعتقه التقرب إلى جنابه سبحانه،أي الطاعة له أو طلب الثواب من عنده على حدّ ما يعتبر في سائر العبادات،بلا خلاف؛ للمعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2):« لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه تبارك و تعالى» . و في عتق الصبي إذا بلغ عشراً عاقلاً رواية بالجواز قال الماتن:إنّها حسنة و لا وجه له؛ فإنّ في سنده موسى بن بكر،و مع ذلك مرسلة في بعض طرقها،و مقطوعة إلى زرارة في آخر (3).

و يمكن أن يكون مراده بالحسن غير المعنى المعروف كما يستفاد منه مكرّراً.و لعلّ وجه الحسن بهذا المعنى تأيّدها بما ورد في أمثال المسألة من نحو الوصيّة و الصدقة و نحوهما،من النصوص المعتبرة و سيما الطلاق،فإنّ الدالّ منها على جوازه منه يدلّ على جواز العتق منه أيضاً بالأولوية.

و هو حسن إن صرنا إلى تلك النصوص،و إلّا كما قدمنا في تلك المباحث فلا تأييد و لا أولويّة.

فإذاً الأصحّ المنع،وفاقاً للأكثر (4).

ص:19


1- الكافي 6:4/191،التهذيب 8:777/217،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 21 ح 2.
2- انظر الوسائل 23:14 أبواب العتق ب 4.
3- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:502/145،التهذيب 8:898/248،و 9:729/181،الوسائل 23:91 أبواب العتق ب 56 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:125،و السبزواري في الكفاية:219،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:183.

خلافاً للشيخ و جماعة (1)؛ للرواية المزبورة،و قد عرفت ما فيها من المناقشة.

و لا يصحّ عتق السكران لما مرّ.و في اعتباره القصد سابقاً كان له غنى عن ذكره هذا ثانياً.

و في وقوعه و صحّته من الكافر تردّد و اختلاف ينشأ:من إطلاق الأدلّة أو عمومها،و أنّ العتق إزالة ملك،و ملك الكافر أضعف من ملك المسلم،فهو أولى بقبوله الزوال.و لا ينافيه اشتراطه بنيّة القربة؛ لأنّ ظاهر الأخبار المعتبرة له أنّ المراد منها إرادة وجه اللّه سبحانه سواء حصل الثواب له أم لا،و هذا القدر يمكن ممّن يقرّ باللّه.

و من أنّه عبادة تتوقّف على القربة،و أنّ المعتبر ترتّب أثرها من الثواب لا مطلق طلبها،كما ينبّه عليه حكمهم ببطلان صلاته و صومه،لتعذّر القربة منه،فإنّ القدر المتعذّر منه هو هذا المعنى لا ما ادّعوه أوّلاً.و أنّ العتق شرعاً ملزوم للولاء و لا يثبت ولاء الكافر على المسلم؛ لأنّه سبيل منفيّ عنه،و انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم.

و في الأدلة من الجانبين نظر.و المصير إلى التفصيل بين الكافر المقرّ باللّه تعالى و المعتقد حصول التقرب إليه بالعتق فالأوّل،و بين المنكر له أو الغير المعتقد حصول التقرّب به إليه فالثاني،كما وقع لجماعة من المتأخرين (2)أظهر،إن كان هناك عموم أو إطلاق ينفع.

ص:20


1- الشيخ في النهاية:546؛ و انظر المهذب 2:362،و كشف الرموز 2:287،و مفاتيح الشرائع 3:232.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:125،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:436،و السبزواري في الكفاية:219.

استناداً في الأوّل إلى وجود المقتضي و هو العتق الجامع للشرائط التي منها إرادة وجه اللّه تعالى؛ فإنّ الكافر إذا كان مقرّاً به عزّ و جلّ و اعتقد شرعيّة العتق عنده أمكن وقوع ذلك منه،و قد عرفت أنّه لا يلزم من اشتراطه بالإرادة المذكورة حصول المراد،فإنّه أمر خارج عن الشرط المعتبر.و كونه عبادة مطلقاً ممنوع،بل هو عبادة خاصّة يغلب فيها فكّ الملك،فلا يمنع من الكافر مطلقاً.

و في الثاني بقسميه إلى عدم تصور تحقق الشرط منه فيهما،فيفسد عتقه من هذا الوجه.

يشترط في المعتَق أن يكون مملوكاً حال العتق مسلما

و يشترط في العبد المعتَق أن يكون مملوكاً حال العتق (1) لمولاه المعتق له مسلماً،و لا يصحّ عتقه لو كان كافراً بلا خلاف في الأول؛ للمعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2)« لا عتق إلّا في ملك» .و على الأشهر الأظهر في الثاني،بل عليه الإجماع في الانتصار و نهج الحق (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و عدم ما يدلّ على لزوم عتق كلّ عبد.

و خصوص بعض النصوص:أ يجوز[للمسلم]أن يعتق مملوكاً مشركاً؟قال:

« لا» (4).و قصور سنده كاختصاصه بالمشرك مجبور بالشهرة و عدم القائل

ص:21


1- كلمة:حال العتق:ليست في نسخة الأصل و في«ح».و هي موجودة في المختصر المطبوع و في نسخة«ر».
2- الوسائل 23:15 أبواب العتق ب 5.
3- الانتصار:169،لم نعثر عليه في نهج الحق.
4- الفقيه 3:310/85،التهذيب 8:782/218،الإستبصار 4:1/2،الوسائل 23:35 أبواب العتق ب 17 ح 5.أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.

بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في عتق الكافر إعانة على الإثم محرّمة،كما صرّح به من القدماء جماعة (1)،فكيف يحصل معها قصد القربة المشترطة في الصحة لو لم نقل بعدم حصوله بالمرة و لو لم يكن فيه الإعانة المزبورة؟ و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يدّعيه من المتأخرين جماعة (2)من إمكان قصد القربة بأن رجا بعتقه إسلامه،فما اختاروه من الصحة في هذه الصورة تبعاً للمبسوط و الخلاف (3)ضعيف غايته.

و الرواية المصحّحة له (4)مع كونها ضعيفة غير مجبورة،قضيّة في واقعة فلم تكن عامّة،و مع ذلك أخصّ من المدّعى،و هو شيء قد ضعّفوا به دلالة الرواية السابقة،فكيف يمكنهم الاعتماد عليها و جعلها حجّة مع اشتمالها عليه و مخالفتها الأدلّة المتقدّمة التي هي أقوى منها في الحجيّة بمراتب عديدة؟ و يكره عتقه لو كان مخالفاً في المذهب؛ للخبر:« ما أغنى اللّه تعالى عن عتق أحدكم،تعتقون اليوم يكون عليكم غداً،لا يجوز لكم أن تعتقوا إلّا عارفاً» (5).

ص:22


1- منهم المرتضى في الانتصار:169،حكاه عن أبي علي في المختلف:621؛ و انظر الكافي في الفقه:318،و الوسيلة:341،و السرائر 3:4،و المراسم:191.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:126،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:258،و السبزواري في الكفاية:219.
3- المبسوط 6:70،الخلاف 6:370.
4- الكافي 6:1/182،التهذيب 8:783/219،الإستبصار 4:2/2،الوسائل 23:34 أبواب العتق ب 17 ح 2.
5- الكافي 6:9/196،الوسائل:34 أبواب العتق ب 17 ح 3؛ و فيهما:و يكون علينا بدل عليكم.

و لقصور سنده حمل على الكراهة،مع أنّها وجه الجمع بينه بين الرواية الآتية.

و لو نذر عتق أحدهما أي الكافر أو المخالف صحّ في الثاني؛ لصحيحة عليّ بن راشد قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّ امرأة من أهلنا اعتلّ لها صبيّ،فقالت:اللّهم إن كشفت عنه ففلانة حرّة،و الجارية ليست بعارفة،فأيّهما أفضل جعلت فداك-:تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البرّ؟فقال:« لا يجوز إلّا عتقها» (1).

و غير العارفة أعمّ من المستضعفة و المخالفة،بل ربما كانت ظاهرة في الأخيرة.

و كذا في الأوّل عند الشيخ في النهاية و تبعه الماتن هنا و الشهيد في اللمعة (2)؛ و لا وجه له سوى الجمع بين الروايتين المتعارضين في المسألة السابقة.و هو حسن إن وُجد له شاهد أو أمارة،و لا وجود لهما،كما صرّح به جماعة (3).

نعم،ربما يمكن الاستدلال عليه بالرواية السابقة المصححة لنذر عتق الجارية الغير العارفة،لكنّها كما عرفت غير ظاهرة الشمول للمستضعفة، فكيف تكون شاملة للكافرة؟مع أن عتق الكافر إذا كان حراماً كان نذره نذراً في معصية،و هو محرم إجماعاً فتوًى و روايةً.

و لو شرط المولى على المعتَق الخدمة زماناً معيناً صحّ إجماعاً؛

ص:23


1- التهذيب 8:823/228،الوسائل 23:99 أبواب العتق ب 63 ح 1.
2- النهاية:544،اللمعة(الروضة البهية 6):261.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:126،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:256،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:433.

للصحاح المتقدّمة (1)صريحاً في بعض،و فحوى في الباقي.

و في صحّته مع عدم تعيين المدة بل تعليق الخدمة على مدّة حياته قولان.

و لو أبق و مات المولى فوجد بعد المدة أو فيها فهل للورثة استخدامه في تلك المدة إن كانت بعينها باقية و مطالبة اجرة مثلها إن كانت منقضية؟ المروي في بعض الصحاح المتقدمة: لا (2) عمل به الإسكافي و النهاية و من تبعه (3).

و ليست الرواية في مطلوبهم صريحة؛ لاحتمالها الاختصاص بصورة انقضاء المدة،أو كون المشروط له الخدمة نفس المولى خاصة.و نفي استحقاق الخدمة لا يستلزم نفي استحقاق الأُجرة.

فمع ذلك لا يمكن تخصيص القاعدة المقتضية لجواز مطالبته بالخدمة مع بقاء المدة،و عدم اختصاص المشروط له بالميّت خاصة، و جواز مطالبة الأُجرة مع عدم الأمرين.و لذا اختار المتأخرون كافّة خلاف هؤلاء الجماعة و عيّنوا المصير إلى مقتضى القاعدة،و هو في غاية الجودة.

و إذا طلب المملوك من مولاه البيع أي بيعه لم يجب إجابته للأصل و فقد المعارض،نعم يمكن القول باستحبابها مع إيمانه و عدم ما يقتضي خلافه.

يكره التفريق بين الولد و أُمّه

و يكره التفريق بين الولد و أُمّه،و قيل:يحرم مرّ مستند القولين في

ص:24


1- في ص 15.
2- في« ط» و« ر» زيادة:يستخدم مطلقاً.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:625،النهاية:542،و تبعه القاضي في المهذّب 2:359.

كتاب البيع فلا نعيده (1).

و إذا أتى على المملوك المؤمن عند مولاه سبع سنين استحبّ عتقه للمرسل:« من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين،أعتقه صاحبه أم لم يعتقه،و لا تحلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين» (2).

و هو محمول على الاستحباب؛ للإجماع على أنه لا ينعتق بنفسه كما في المسالك (3).و التمسك به مع ذلك للاستحباب بناءً على المسامحة في أدلّته.

و كذا لو ضرب مملوكه ما هو حدّ استحب له أن يعتقه،كما ذكره الشيخ و جماعة (4).و لا بأس به و إن لم يوجد له دلالة بناءً على المسامحة المزبورة.

مسائل سبع

مسائل سبع

الاُولى لو نذر تحرير أوّل مملوك يملكه فملك جماعةً تخيّر في عتق أحدهم

الاُولى: لو نذر تحرير أوّل مملوك يملكه فملك جماعةً تخيّر في عتق أحدهم مع بقائه و قدرته و إلّا فالقرعة،على قول الماتن هنا و الشهيد في النكت تبعاً للإسكافي (5)،و ظاهر الطوسي في كتابي الحديث (6)؛ للخبر:

عن رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ،فأصاب ستّة،قال:« إنّما كانت

ص:25


1- راجع ج 9 ص 85.
2- الكافي 6:12/196،التهذيب 8:831/230،الوسائل 23:59 أبواب العتق ب 33 ح 1.
3- المسالك 2:127.
4- الشيخ في النهاية:573؛ و انظر اللمعة(الروضة البهية 3):20،و كشف اللثام 2:242.
5- حكاه عن النكت في كشف اللثام 2:186،و عن الإسكافي في المختلف:625.
6- الاستبصار 4:6،التهذيب 8:226.

نيّته على واحدة،فليتخيّر أيّهم شاء» (1).

و ضعف سنده يمنع من العمل به.

و قيل:يقرع بينهم مطلقاً،و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر و منهم:

الصدوق و الطوسي في النهاية و القاضي (2)؛ للمعتبرين:أحدهما:

الصحيح (3)،و الثاني القريب منه:في رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ،فورث سبعة جميعاً،قال:« يقرع بينهم،و يعتق الذي يخرج سهمه» (4).

و قال ثالث:لا يلزمه عتقه و هو الحلّي (5)؛ لأمر اعتباري مع ضعفه غير معارض لما مرّ من النصّ الجليّ.و نحوه القول بلزوم عتق الكل (6).

ثم كلّ ذا إذا ملك جماعة و لو ملك واحداً وجب عتقه،سواء ملك بعده آخر أم لا،على الأشهر الأقوى؛ إذ الأوّليّة عرفيّة تتحقق بعدم سبق الغير،و لا تتوقّف على تحقّق شيء بعده.

الثانية:

الثانية لو نذر عتق أوّل ما تلده الجارية فولدت توأمين عتقا

لو نذر عتق أوّل ما تلده الجارية فولدت توأمين أي ولدين في بطن،واحدهما:توأم على وزن فوعل عتقا معاً بلا خلاف فيه في الجملة؛ للمرفوع:قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل نكح وليدة

ص:26


1- الفقيه 3:345/92،التهذيب 8:812/226،الإستبصار 4:17/5،الوسائل 23:93 كتاب العتق ب 57 ح 3.
2- الصدوق في المقنع:157،النهاية:543،القاضي في المهذب 2:360.
3- التهذيب 8:810/225،الإستبصار 4:16/5،الوسائل 23:93 كتاب العتق ب 57 ح 2.
4- التهذيب 8:811/225،المقنع:157،الوسائل 23:92 كتاب العتق ب 57 ح 1.
5- السرائر 3:12.
6- احتمله العلّامة في القواعد 2:98،و حكاه الشهيد في الروضة 6:294.

رجل أعتق ربّها أوّل ولد تلده،فولدت توأماً،فقال:« أُعتق كلاهما» (1).

و إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معاً أو متعاقباً،بل لعلّه بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخيرة جدّاً، و لذا أطلق الحكم في العبارة تبعاً للنهاية و القاضي و جماعة (2).و خصّه الآخرون تبعاً للحلّي (3)بالأُولى خاصّة؛ تضعيفاً للرواية،أو حملاً لها عليها خاصّة،أو كون المنذور حملها دون أوّل ما تلده.

و ذكر جماعة (4):أنّ الأوّل أكثر،و به يمكن جبر الخبر.مضافاً إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة؛ إذ يصدق على مجموع التوأمين أنّهما أوّل ما ولدته و لو ولدتهما على التعاقب عرفاً، و إن لم يصدق ذلك لغةً.

قالوا:و الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة:أنّ ما موصولة فتعمّ،بخلاف لفظة مملوك في المسألة السابقة،فإنّه نكرة في سياق الإثبات.و لو كان المنذور في الأُولى أوّل ما يملكه و في الثانية أوّل مولد تلده انعكس الحكم.

و فيه نظر؛ للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه و هو نكرة على الإطلاق،مع أن النص في المسألة متضمن للسؤال عن عتق أول ولد تلده،

ص:27


1- الكافي 6:7/195،التهذيب 8:834/231،الوسائل 23:57 أبواب العتق ب 31 ح 1.
2- النهاية:544،القاضي في المهذب 2:360؛ و انظر المسالك 2:127،و الكفاية:220،و كشف اللثام 2:186.
3- السرائر 3:13؛ و انظر القواعد 2:98،و نهاية المرام 2:265،و كشف اللثام 2:186.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:127،و السبزواري في الكفاية:220.

و هو بعينه كالمسألة الأُولى.

الثالثة لو أعتق بعض مماليكه فقيل له:هل أعتقت مماليكك؟فقال:نعم،لم ينعتق

الثالثة: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له:هل أعتقت مماليكك؟ فقال:نعم،لم ينعتق عليه في نفس الأمر إلّا من سبق عتقه لأنّ قوله نعم في جواب السؤال لا يكفي في حصول العتق.

و للموثق:عن رجل قال لثلاثة مماليك له:أنتم أحرار،و كان له أربعة،فقال له رجل من الناس:أعتقت مماليكك؟قال:نعم،أ يجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتق؟فقال:« إنّما يجب العتق لمن أعتق» (1).

و إطلاقه كالعبارة و عبائر أكثر الجماعة (2)و إن دلّ على شمول الحكم للظاهر،إلّا أنّه ينبغي تقييده بما قدّمناه من الواقع و نفس الأمر،و إلّا ففي الظاهر يجب الحكم عليه بعتق الجميع،لأنّ قوله نعم عقيب الاستفهام عن عتق عبيدة الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم،فيفيد الإقرار بعتق جميع عبيده.

و اعتبر الفاضل في القواعد الكثرة في المعتق (3)؛ لتطابق لفظ الإقرار.

و يضعّف:بأن ذلك لا يجري على اعتبار نفس الأمر و لا الظاهر؛ لأنّا إن اعتبرنا الأوّل لم يحكم عليه إلّا بعتق من سبق عتقه خاصّة،واحداً كان أو متعدداً كما أطلقوه،و إن اعتبرنا الثاني حكمنا بعتق الجميع،كما يفيده العموم المستفاد من الجمع المضاف.

ص:28


1- الفقيه 3:230/68،التهذيب 8:813/226،الوسائل 23:94 أبواب العتق ب 58 ح 1.
2- كالتنقيح الرائع 3:443،و الروضة البهية 6:280،و نهاية المرام 2:266،و كشف اللثام 2:186.
3- القواعد 2:98.

الرابعة:

الرابعة لو نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت عن ملكه،انحلّت اليمين

لو نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت عن ملكه،انحلّت اليمين و إن عادت إليه بملك مستأنف وفاقاً للصدوق و الطوسي و القاضي (1)و كثير من المتأخرين،بل عامّتهم كما يظهر من المسالك (2).

للصحيح:عن رجل تكون له الأمة فيقول:يوم يأتيها فهي حرّة،ثم يبيعها من رجل ثمّ يشتريها بعد ذلك،قال:« لا بأس أن يأتيها،قد خرجت عن ملكه» (3).

و ليس فيه ذكر النذر بل مجرّد التعليق،لكن حمله الأصحاب عليه لإجماعهم على منع العتق المعلّق على شرط.و خلاف الحلّي في المقام شاذ (4)،و الصحيح حجّة عليه.

مضافاً إلى أنّ الوطء شرط النذر و هو يستتبع الملك،فإذا خرجت عن ملكه فقد انحلّ النذر؛ لزوال الشرط الذي باعتباره يتحقق النذر،فإذا عاد الملك لم يعد النذر بعد زواله.و في التعليل المذكور في الصحيح تنبيه عليه.

ثم إنّ ذا إذا أطلق الوطء،أمّا لو عمّمه و لو بالنيّة بحيث يشمل الوطء متى ملكها كقوله متى وطئت و شبهه،فلا كلام في عدم الحلّ كما في التنقيح و غيره (5).

ص:29


1- الصدوق في المقنع:157،الطوسي في النهاية:544،القاضي في المهذب 2:360.
2- المسالك 2:128.
3- الفقيه 3:229/68،التهذيب 8:814/226،الوسائل 23:94 أبواب العتق ب 59 ح 1.
4- السرائر 3:12.
5- التنقيح الرائع 3:444؛ و انظر المسالك 2:128،و كشف اللثام 2:187.

و في التعليل إيماء إلى تعدّى الحكم إلى غير الأمة،و إلى التعليق بغير الوطء.و تردّد فيه في المسالك (1)؛ لذلك،و لأنّ الخروج عن الملك لا مدخل له في انحلال النذر،لأنّ غايته أن تصير أجنبية منه،و النذر يصحّ تعلّقه بها كنذر عتقها إن ملكها و هي في ملك غيره ابتداءً.

و في هذا الوجه نظر؛ إذ مع مخالفته ظاهر النص الظاهر باعترافه في الشمول لمحل الفرض،يدفعه ما قدّمناه من التعليل في ردّ الحلّي.فتأمل.

الخامسة:

الخامسة لو نذر عتق كلّ عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعداً

لو نذر عتق كلّ عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعداً للمرسل (2)المنجبر بعمل الأكثر بل الإجماع،كما عن فخر الإسلام (3).و لا ينافيه عدم تعرّض جماعة من القدماء للعمل به كالإسكافي و الصدوق و الديلمي؛ لمعلومية نسبهم،مع أنّ عدم الفتوى لا يستلزم عدم الرضا،فالأقوى عدم خروج الإجماع المنقول عن الحجية بمثل ذلك،فهو أيضاً حجّة أُخرى معتضدة هي كالمرسلة بالشهرة المحقّقة،و المستفيضة الحكاية،و عمل من لا يرى العمل بالأخبار الغير المتواترة،و لا غير المحفوفة بالقرائن القطعية كالحلّي (4)و من ضاربه.

فإذاً:هذه الرواية في أعلى درجات الحجيّة،و فيها:رجل قال عند موته:كلّ مملوك قديم فهو حرّ لوجه اللّه تعالى،قال:« إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [1] (5)فما كان من مماليكه

ص:30


1- المسالك 2:128.
2- الكافي 6:6/195،الفقيه 3:351/93،التهذيب 8:835/231،الوسائل 23:56 أبواب العتق ب 30 ح 1.
3- إيضاح الفوائد 3:483.
4- السرائر 3:13.
5- يس:39.

أتى له ستة أشهر فهو قديم حرّ» .و هي كما ترى عامّة لكل مملوك ذكراً كان أو أُنثى،فاختصاص العبارة و غيرها من عبائر الجماعة بالأول إن كان للمَثَل،و إلّا فلا وجه له أصلاً مع عموم المستند لهما نصّاً و تعليلاً.

و منه يظهر انسحاب الحكم إلى ما شابه محل البحث،كنذر الصدقة بالمال القديم و الإقرار به،و إبراء كل غريم قديم.و تردّد فيه جماعة (1)لذلك،و لمخالفة هذا الحكم الأصل،مع ضعف المستند و قصر الإجماع على مورده.

ثم إنّ كلّ ذا إذا مضى على بعض مماليكه المدّة المزبورة.أمّا لو لم تمض بل قصر ملك جميعهم عنها،ففي عتق أوّلهم تملّكاً اتّحد أم تعدّد، أو بطلان النذر وجهان.و على الصحّة لو اتّفق ملك الجميع دفعةً ففي انعتاق الجميع،أو البطلان لفقد الوصف،الوجهان.و الأقوى الرجوع فيما لم يساعده الإجماع و النص إلى العرف إن حصل،و إلّا فيبطل النذر.

السادسة: مال العبد المعتق لمولاه مطلقاً و إن علم به و لم يشترطه وفاقاً للحلّي و غيره (2)،بناءً على أنّه لا يملك و ماله لمولاه، و أنّ لفظ العتق لا يتضمّن غير فكّ الرقّ دون إباحة المال.و هو حسن لولا ما سيأتي من الأخبار.

و قيل كما عن الصدوق و الشيخ و التقي و الإسكافي (3):إنّه إن لم

ص:31


1- منهم العلّامة في القواعد 2:98،الشهيد الأول في الدروس 2:205،الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:187.
2- الحلّي في السرائر 3:11؛ و انظر المسالك 2:129،و الكفاية:220،و كشف اللثام 2:187.
3- الصدوق في المقنع:157،الشيخ في النهاية:543،التقي في الكافي:318،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:624.

يعلم المولى به اي بالمال فهو له،و إن علم و لم يستثنه فهو للعبد و نسبه في الدروس إلى كافّة القدماء (1)،و في شرح الكتاب للسيّد إلى الأكثر (2)،و بنى الخلاف فيه على ما مرّ في البيع من الخلاف في مالكيته و عدمها،و بنى القول الثاني على الأوّل.

و فيه نظر:أوّلاً:بما عرفت ثمّة من الإجماعات المحكية على عدم المالكية الظاهرة في مصير هؤلاء الأجلّة القائلين بهذا القول إليه.

و ثانياً:بعدم انطباقه بهذا التفصيل على القول بالمالكية إن قالوا به؛ لأنّه على تقديره يكون المال للعبد مطلقاً،و لو كان السيّد لم يعلم به أو علم به و استثناه،فلا ريب في ضعف هذا البناء و فساده.

و الظاهر أنّ مستندهم على التفصيل إنّما هو المعتبرة،منها الصحيح:

عن رجل أعتق عبداً له و للعبد مال،لمن المال؟فقال:« إن كان يعلم أنّ له مالاً تبعه ماله،و إلّا فهو له» (3).

و نحوه الموثّقان (4)القريبان منه في الصحّة بابن بكير و أبان،اللذين أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة،و ربما قال بوثاقتهما جماعة (5)،فالمصير إليها لا يخلو عن قوّة سيما بعد اعتضادها بالشهرة

ص:32


1- الدروس 2:206.
2- نهاية المرام 2:269.
3- الكافي 6:4/190،التهذيب 8:803/223،الإستبصار 4:30/10،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 4.
4- الكافي 6:2/190،الفقيه 3:237/69،238/70،التهذيب 8:804/223،805،الإستبصار 4:31/10،32/11،الوسائل 23:47،49 أبواب العتق ب 24 ح 1،6.
5- انظر الفهرست:106،و كامل الزيارة:4،و رجال الكشي 2:705/673،و مرآة العقول 21:316.

المحقّقة و المحكيّة،فيخصّص بها كلّ من قاعدتي المالكية و عدمها.

و لكن مع ذلك،المسألة لا تخلو عن ريبة؛ لاحتمالها ككلام القائلين بها الحمل على صورة حصول عادة مقتضية لكون علم السيد أمارة على الإباحة،و به يندفع منافاتها للقول بعدم المالكية و ما دلّ عليه من الأدلّة،و يظهر أنّ دفعه إلى العبد مع العلم بطريق الإباحة،لا من حيث كونه مالكاً.

و يؤيّده ورود نحو هذا التفصيل في الصحيح (1)الوارد في بيعه و أنّ ماله للمشتري لا له لو علم به؛ إذ لو كان الوجه في الدفع هنا مع العلم الملكيّة لَما صحّ دفعه معه إلى المشتري في صورة البيع،بل كان الدفع إليه أولى البتة.

و ممّا يضعف التمسك بظواهر إطلاقات هذه الأخبار ورود النصوص من الصحيح و غيره (2)في البيع بردّ ما تضمّنته هذه من التفصيل،و إن كان من الصحيح،و إطلاق كون المال للمولى على أيّ تقدير.

و قد عرفت ثمة أنّ العلم بتلك النصوص دون الصحيح المقابل لها أظهر و أشهر بين الطائفة.فيحتمل كون نصوص المسألة مثله في المتروكية، و لو لا شهرة العمل بها في المسألة لكان طرحها أو تأويلها بما قدّمناه هنا و في البيع متعيّناً.

ثم إنّ إطلاق الماتن هنا بكون مال العبد لمولاه كحكمه به في البيع ممّا لا يلائم ما اختاره ثمّة من مالكيّته في الجملة،بل كان عليه في المقامين تخصيصه بما لا يملكه لا إطلاقه.

ص:33


1- الفقيه 3:236/69،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 3.
2- الوسائل 18:252 أبواب بيع الحيوان ب 7 الأحاديث 1،4،5.

السابعة:

السابعة إذا أعتق ثلث عبيده استخرج الثلث بالقرعة

إذا أعتق ثلث عبيده و لم يعيّن أو عيّن و جهل استخرج الثلث بالقرعة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح التنقيح و ظاهر الكفاية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم ما دلّ على اعتبار القرعة في كل أمر فيه جهالة (2)،و منه مفروض المسألة.

و يعضده ما مرّ في نظيرها في كتاب الوصيّة (3).و مرّ فيه وجه المنع عن عتق ثلث كلّ واحد منهم من ورود الرواية بالتجزية و استلزامه الإضرار بالورثة،و موردها مفروض العبارة و هو عتق الثلث فيجيزون ثلثة.

فحينئذ يقرع بكتابة أسماء العبيد،فإن أُخرج على الحريّة كفت الواحدة،و إلّا أُخرج رقعتان.و يجوز كتابة الحريّة في رقعة و الرقّية في رقعتين و يخرج على أسمائهم.

و في المسألة وجه ثالث استوجهه في المختلف (4)و عيّنه،و هو:أن يكتب ستة رقاع بأسماء الستة،و يخرج على أسمائهم واحدة واحدة على الحريّة و الرقّية إلى أن يستوفي المطلوب،أو يكتب في اثنتين حرية،و في أربع رقية،ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه.

و هذا الوجه أعدل؛ لأنّ جمع الاثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الحرية و الرقية و من الممكن خروج أحدهما دون الآخر بالضرورة.

ص:34


1- التنقيح الرائع 3:477،الكفاية:220.
2- الفقيه 3:174/52،التهذيب 6:593/240،الوسائل 27:259 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 11.
3- راجع ج 10:382.
4- المختلف:627.

لكنّ المشهور بين القدماء ما سبق كما في الكفاية (1)،لوروده في الرواية.و يمكن تنزيلها على هذا الوجه،و يجمع بينهما بأن يكون أقرع صلّى اللّه عليه و آله أوّلاً في استخراج صورة الجمع من الصور الممكنة،ثم أقرع على الوجه المذكور في الرواية.و هذا أحوط بلا شبهة.

ثمّ إن تساووا عدداً و قيمةً أو اختلفوا مع إمكان التعديل أثلاثاً فلا خفاء في المسألة.و إن اختلفت القيمة و لم يمكن التعديل عدداً أو قيمةً بل أحدهما خاصّة،كما إذا كانوا ستّة قيمة أحدهم ألف،و قيمة اثنين ألف، و قيمة ثلاث ألف.فإن اعتبرت القيمة كانت أثلاثاً و لكن اختلف العدد،و إن اعتبر العدد كان أثلاثاً لكن اختلفت القيمة،ففي ترجيح اعتبارها أو العدد وجهان.

و لعلّ أظهرهما الأوّل وفاقاً للأكثر على ما يظهر،و منهم الشيخ قائلاً إنّه أصح عندنا (2).و هو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى؛ و لعلّه الحجّة، دون ما يقال من أنّ المقصود الذاتي من العبد الماليّة،لعدم المعلومية في نحو المسألة و إن صلح للتقوية.

و احتمل في المختلف (3)الثاني موافقةً للرواية؛ بناءً على استبعاد استواء الستّة التي هي موردها قيمةً،و التفاتاً إلى إضافة الثلث إلى العبيد لا إلى القيمة،فتقديرها على خلاف القاعدة.

و يضعفّان:بعدم مسموعيتهما في مقابلة الإجماع المحكي على الظاهر المعتضد بما مرّ مع فتوى الأكثر،مع عدم معلوميّة ثبوت الحكم

ص:35


1- الكفاية:220.
2- المبسوط 6:67.
3- المختلف:627.

بمثل هذا الاستبعاد،و اندفاع الأخير بأنّا لا نقدّر القيمة،بل نقول:إنّ إضافة الثلث إلى العبيد باعتبار الماليّة،فيكون كالقرينة على ترجيح القيمة.لكن في ثبوت هذه الدعوى مناقشة يعسر معها جعلها حجّة و إن أمكن جعلها مؤيدة.

العتق بالسراية

و أمّا العتق ب السراية و هو انعتاق باقي المملوك إذا أُعتق بعضه بشرائط خاصّة.

فمن أعتق شقصاً بكسر الشين أي جزءاً من عبده أو أمته و إن قلّ الجزء منه عتق عليه كلّه أجمع و إن لم يملك سواه،على الأظهر الأشهر،بل ظاهر العبارة و كثير من الأصحاب (1)عدم الخلاف فيه،و في الروضة:ربما كان إجماعاً،لكن فيها و في المسالك نسب القول بعدم السراية إلى جمال الدين بن طاوس خاصّة (2).

و لا ريب أنّه الأوفق بالأصل،و ظاهر كثير من النصوص المتضمّنة للصحيح و غيره (3)،إلا أنّ ظاهر اتّفاق الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع بل و ربما يقطع بتحققه بعد معلوميّة نسب السيد و عدم حصول قدح فيه بخروجه،يخصّص الأصل و يوجب طرح ما بعده أو تأويله بما لا ينافي السراية،سيّما بعد اعتضاده بروايتين (4)هما حجّة أُخرى مستقلّة،

ص:36


1- منهم:الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:261،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:271،و السبزواري في الكفاية:221.
2- الروضة 6:262،المسالك 2:131.
3- الوسائل 23:100 أبواب العتق ب 64 ح 3،7،وص 156 أبواب المكاتبة ب 12 ح 1.
4- التهذيب 8:824/228،825،الإستبصار 4:18/6،19،الوسائل 23:99،100 أبواب العتق ب 64 ح 1،2.

بانجبارهما بالشهرة العظيمة و إن لم تبلغ درجة الإجماع،مع أنّ الفرض خلافه،مع أن إحداهما موثقة:إنّ رجلاً أعتق بعض غلامه،فقال عليّ عليه السلام:« هو حرّ،ليس للّه فيه شريك» .فميل صاحب الكفاية إلى موافقة السّيد ضعيف غايته (1).

و لو كان له أي للمعتق شريك في العبد الذي أعتق شقصه قوّم عليه نصيبه أي الشريك إن كان المولى المعتق موسراً و ذلك كما ذكر الشهيدان و غيرهما (2)بأن يملك زيادةً عما يستثني في الدين،من داره و خادمه و دابته و ثيابه اللائقة بحاله كميّةً و كيفيّةً،و قوت يوم له و لعياله،ما يسع قيمة نصيب الشريك،فيدفع إليه و يعتق،بلا خلاف فيه لو قصد بالعتق الإضرار على الشريك،إلّا من المحكي عن الحلبي،فأطلق وجوب السعي على العبد (3)كما يأتي.

و كذا لو لم يقصده عند الأكثر (4).خلافاً للشيخ،فأوجب السعي على العبد في الفكّ حينئذ (5)،كما سيذكره و للإسكافي (6)فخيّر الشريك بينه و بين إلزام المعتق قيمة نصيبه.و لا شاهد له.

و سعى العبد في فكّ باقيه إن كان المولى المعتق معسراً بلا خلاف إن لم يقصد الإضرار،بل قصد القربة خاصّة،و كذا إن قصده عند

ص:37


1- الكفاية:221.
2- الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:263؛ و انظر كشف اللثام 2:188.
3- الكافي في الفقه:317.
4- القواعد 2:99،المهذب البارع 4:60،اللمعة(الروضة البهية 6):263،نهاية المرام 2:272،كشف اللثام 2:188.
5- النهاية:542.
6- كما حكاه في المختلف:622.

الأكثر و منهم المفيد و الديلمي و الصدوق (1)،و المرتضى مدّعياً عليه و على ما مرّ إجماع الإمامية (2)؛ و هو الحجّة فيهما،مضافاً إلى الصحيحين.

في أحدهما:« من كان شريكاً في عبد أو أمة قليلاً كان أو كثيراً فأعتق حصّته و له سعة،فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه،و إن لم يكن له سعة من المال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق،و يسعى العبد في حساب ما بقي» (3).

و في الثاني:في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه قال:

« إن كان موسراً كُلّف أن يضمن،و إن كان معسراً اخدمت بالحصص» (4).

و يذبّ عما يرد على ذيله من المناقشة بحمل الإخدام على السعاية، أو تقييده بصورة عجز الجارية عنها لا مطلقاً.

و نحوه المرسل كالصحيح (5).

و بها مضافاً إلى الإجماع المتقدم يجمع بين الأخبار المطلقة الدالّة بعضها على السراية عليه مطلقاً كالصحيح:عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه،قال:« إنّ ذلك فساد على أصحابه،فلا يستطيعون بيعه و لا مؤاجرته» قال:« يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة،و إنّما

ص:38


1- المفيد في المقنعة:550،الديلمي في المراسم:191،الصدوق في المقنع:156.
2- الانتصار:169.
3- الكافي 6:3/183،التهذيب 8:791/221،الإستبصار 4:13/4،الوسائل 23:36 أبواب العتق ب 18 ح 3.
4- الفقيه 3:222/67،التهذيب 8:785/219،الإستبصار 4:7/3،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 7.
5- التهذيب 8:793/221،الإستبصار 4:9/3،الوسائل 23:40 أبواب العتق ب 18 ح 11.

جعل ذلك لما أفسده» (1).

و الموثّق بعثمان:عن مملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه،قال:

« يقوم قيمة و يضمن الذي أعتقه،لأنّه أفسده على صاحبه» (2).

و الخبر:عن قوم ورثوا عبداً جميعاً فأعتق بعضهم نصيبه منه،كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه،هل يؤخذ بما بقي؟قال:« يؤخذ بما بقي» (3).

و الدالّ بعضها على عدم السراية عليه كذلك،كالخبرين أحدهما الموثّق:رجل أعتق شركة له في غلام مملوك،عليه شيء؟قال:

« لا» (4).و في آخر:عن مملوك بين أُناس فأعتق بعضهم نصيبه،قال:« يقوم قيمة ثمّ يستسعى فيما بقي،ليس للباقي أن يستخدمه،و لا يأخذ منه الضريبة» (5).

بحمل الأوّلة على صورة اليسار و الثانية على صورة الإعسار،مع احتمال الأوّلين منها الحمل على نفي الإثم دون نفي السراية.

و الجمع بينهما بالحمل على القول الآتي و إن كان ممكناً إلا أنّ هذا

ص:39


1- التهذيب 8:790/220،الإستبصار 4:11/4،الوسائل 23:39 أبواب العتق ب 18 ح 9.
2- الكافي 6:5/183،التهذيب 8:789/220،الإستبصار 4:8/3،الوسائل 23:37 أبواب العتق ب 18 ح 5.
3- الكافي 6:6/183،التهذيب 8:784/219،الإستبصار 4:6/3،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 6.
4- التهذيب 8:786/219،الإستبصار 4:3/2،الوسائل 23:38 أبواب العتق ب 18 ح 8.
5- التهذيب 8:792/221،الإستبصار 4:5/2،الوسائل 23:39 أبواب العتق ب 18 ح 10.

أقرب و أرجح جدّاً؛ للشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة (1)،و تعدّد ما دلّ عليه من النصوص المعتبرة.

و كيف كان،لا محيص من الجمع بين هذه الأخبار المطلقة بأحد الأمرين؛ لعدم ظهور قائل بإطلاق شيء منها في البين،إلّا ما يحكى في الكفاية (2)عن الحلبي من الفتوى بمضمون الرواية الأخيرة،من إطلاق الحكم على العبد بالسعاية.و وجوه القدح فيها ظاهرة؛ و لعلّه لذا لم يحك عن أحد من الأصحاب المصير إليه بالكليّة.

و قيل كما عن الشيخ في صريح النهاية و القاضي (3):إنّه إن قصد بعتقه الإضرار على الشريك فكّه إن كان موسراً،و بطل العتق إن كان معسراً،و إن قصد القربة خاصّة لم يلزمه فكّه و إن استحب و سعى العبد في حصّة شريكه فإن امتنع العبد عن السعاية،أو لم يكن له عليها قدرة استقرّ ملك الشريك على حصته للصحيح:رجل ورث غلاماً و له فيه شركاء،فأعتق لوجه اللّه تعالى نصيبه،فقال:« إذا أعتق نصيبه مضارة و هو موسر ضمن للورثة،و إذا أعتق لوجه اللّه تعالى كان الغلام قد أُعتق من حصّة من أعتق،و يستعملونه على قدر ما أُعتق منه له و لهم،فإن كان نصفه عمل لهم يوماً و له يوم.و إن أعتق الشريك مضاراً و هو معسر فلا عتق له،لأنّه أراد أن يفسد على القوم، و يرجع القوم على حصّتهم» (4).

ص:40


1- في ص 37.
2- الكفاية:221.
3- النهاية:542،القاضي في المهذب 2:358.
4- الفقيه 3:227/68،التهذيب 8:794/221،الإستبصار 4:12/4،الوسائل 23:40 أبواب العتق ب 18 ح 12.

و به جمع بين الأخبار المطلقة المتقدمة:بحمل ما دلّ منها على السراية على ما إذا قصد الإضرار،و ما دلّ منها على عدمها على ما إذا قصد القربة خاصّة.

و هو و إن أمكن كما تقدّم إلّا أن الجمع بما مرّ أظهر؛ لقلّة التقييد فيما دلّ على الإطلاق على السراية على هذا،دون ما ذكره،لزيادة تقييد فيه بقصد الإضرار،و الأصل عدمه،مضافاً إلى ما مرّ من وجوه الترجيح الأُخر.

مضافاً إلى قصور الصحيح المفصّل بما ذكر عن إفادة جميع ما حرّره؛ لإشعار ذيله باختصاص بطلان العتق في صورته بحصص الشركاء خاصّة، لا بطلانه بالكليّة كما ذكره و دلّ عليه قوله عليه السلام« و لا عتق له» قبله،و عدم دلالته على وجوب السعي على العبد في صورته و انعتاقه بسعايته،لدلالته على بقاء رقّية نصيب الشريك و حصّته.

و تقييده بأحد ما مرّ في بعض الأخبار المفصّلة بغير ما اختاره، المتضمّنة لما يرد عليه نحو هذه المناقشة فرع وجود دلالة عليه،أو قرينة و ليست موجودة.و لا كذلك ثمّة؛ لوجودها عليه بلا شبهة،للإجماع على أنه حيث صحّ عتق المعتق في نصيبه،و لم يسر عليه في نصيب شريكه، يجب على العبد السعاية إن أمكنه،و إلّا فيستخدم بقدر الحصة.و لا إجماع في هذه الصحيحة لو حمل الحكم فيها في هذه الصورة على إطلاقه،بل يختصّ بما إذا قيّد بصورة إعسار المعتق خاصّة،مع أنّ سياقها و صريح القائل بها يدفع التقييد بها،و يثبتان الحكم مطلقاً.

اللهم إلّا أن يبدّل الإجماع بالصحيح:عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه،قال:« إن كان مضاراً كلّف أن يعتقه كلّه،و إلّا

ص:41

استسعى العبد في النصف» (1).

و يذبّ عن إطلاق صدره الشامل لما إذا كان معسراً بتقييده بما إذا كان موسراً؛ للصحيح الماضي.

و العجب من الشيخ (2)حيث حمل الأخبار المفصّلة على التفصيل الذي ذكره،بحمل صدرها الدالّ على السراية مع السعة بصورة قصد الإضرار،و تقييد ذيلها الدالّ على السعاية بصورة قصد القربة خاصّة،مع أنه كما ترى يوجب التفكيك:بين موردهما،و الحال حصول ما يقرب من القطع بوحدة الموردين بحكم السياق جدّاً.

و بالجملة ما ذكره الأكثر أظهر،و ضعف هذا القول أظهر من أن يذكر، سيّما مع ما يرد عليه في الحكم بصحة العتق مع نيّة الإضرار و اليسار من الإشكال،لمنافاته الإخلاص،و إن ذبّ عنه جماعة منهم الفاضل في المختلف (3)،بحمل نيّة الإضرار على ما لا ينافي القربة،و هو ما لو كانت تابعة للقربة،و كون القربة بالذات مقصودة،لا صورتي العكس و تجرّدها عن القربة،لفساد العتق فيهما بلا شبهة.

ثم إنه على المختار في وقت الانعتاق خلاف:فبين من جعله وقت العتق كالحلّي (4)،و من جعله وقت أداء القيمة كالأكثر،كما يستفاد من عباراتهم المحكية في المختلف (5)،و من جعله وقت العتق لكن مراعى

ص:42


1- الكافي 6:2/182،الفقيه 3:226/67،التهذيب 8:788/220،الإستبصار 4:10/4،الوسائل 23:36 أبواب العتق ب 18 ح 2.
2- التهذيب 8:220.
3- المختلف:623،و انظر و نهاية المرام 2:275.
4- السرائر 3:5.
5- المختلف:627.

بالأداء إن حصل تبيّن الانعتاق حينه،و إلّا فلا عتق في نصيب الشريك (1).

و خير هذه الأقوال أوسطها؛ استصحاباً لعدم العتق السابق إلى حين الأداء،و التفاتاً إلى الإجماع عليه المستفاد من ظاهر المرتضى (2)،و أوّل الصحيحين المتقدم سنداً للأكثر فيما سبق (3)المتضمّن لقوله عليه السلام:فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه،لعطف الإعتاق فيه على الشراء بالفاء المقتضي لتعقّبه عن الأداء،و هو ينافي العتق سابقاً،هذا.

مضافاً إلى التأيّد بما قيل:من أن للأداء مدخلاً في العليّة،و لهذا لا ينعتق مع الإعسار،و أنه لو انعتق بالإعتاق لزم الإضرار بالشريك بتقدير هرب المعتق و تلف ماله (4).

و يتفرّع على الخلاف فروع جليلة ذكرها الأصحاب في كتبهم المبسوطة.

و ظاهر الصحيحة كما ترى اعتبار الشراء حقيقة،إلّا أنّ في المسالك أنّ المراد به أداء القيمة لا حقيقتها إجماعاً (5).

و في دعواه الإجماع عليه مع تعبير كثير من الأصحاب (6)بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفة مناقشة،لكنّه أعرف بمراد الجماعة.

ثم ظاهرها أيضاً اعتبار الإعتاق ثانياً بعد الشراء،و نحوها في هذا عبائر كثير من القدماء،كالنهاية و القاضي و الصدوق (7).و لكن ظاهر

ص:43


1- كما في المبسوط 6:52.
2- الانتصار:169.
3- في ص 37.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 2:132.
5- المسالك 2:132.
6- منهم:السبزواري في الكفاية:221،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:188.
7- النهاية:542،القاضي في المهذب 2:358،الصدوق في المقنع:156.

متأخّري الأصحاب (1)عدم الخلاف في حصول الانعتاق قهراً بمجرد أداء القيمة،و هو الظاهر من عبائر كثير من القدماء كالمفيد و الحلّي و المرتضى (2)،بل ظاهره الإجماع عليه (3)،كما يستفاد من عبارته التي ادّعى فيها في أصل المسألة إجماعنا،فينبغي صرف الإعتاق في الرواية و كلام هؤلاء الجماعة إلى الانعتاق.و لو احتيط بالظاهر لكان أحوط.

و إذا أعتق المولى أمته الحامل برقّ تحرّر الحمل مطلقاً و لو استثنى رقّه،لرواية السكوني :في رجل أعتق أمته و هي حبلى، فاستثنى ما في بطنها،قال:« الأمة حرّة و ما في بطنها حرّ،لأنّ ما في بطنها منها» (4).

و أفتى بها في النهاية،و تبعه القاضي و ابن حمزة (5)،و حكى في المختلف و غيره عن ظاهر الإسكافي (6).

و فيه مع ضعف السند به و بالنوفلي،و الموافقة للعامّة كما في المسالك و المختلف و غيرهما من كتب الجماعة (7)،و ربما يؤيده مصير الإسكافي إليه و كون الراوي من قضاة العامة إشكال منشؤه عدم القصد إلى عتقه سيما مع استثنائه،مع عدم كونه جزءاً من أمته على الأشهر الأظهر،

ص:44


1- كالشهيد الثاني في المسالك 2:132،و السبزواري في الكفاية:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:188.
2- المفيد في المقنعة:550،الحلي في السرائر 3:6،المرتضى في الانتصار:169.
3- الفقيه 3:309/85،التهذيب 8:851/236،الوسائل 23:106 أبواب العتق ب 69 ح 1.
4- النهاية:545،القاضي في المهذب 2:361،ابن حمزة في الوسيلة:342.
5- المختلف:627؛ و انظر التنقيح الرائع 3:454.
6- المسالك 2:134،المختلف:628؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:500.
7- المختلف:627.

كما في كتاب البيع قد مرّ (1)،فكيف يسري عتقه إليه مع أنّ الأصل عدمها، و أدلّتها لا تشمل مفروض المسألة،لاختصاصها بسراية العتق في الأشقاص لا الأشخاص،و لذا اختار الحلّي (2)و عامة المتأخرين خلافه.

و هو في غاية القوّة،سيّما مع اعتضاده بما يأتي من المعتبرة الواردة في نظير المسألة من تدبير الأمة الحامل الدالّة على عدم السراية إلى ولدها:

إمّا مطلقاً كما في بعضها (3)،أو بشرط عدم علم المولى بما في بطنها كما في آخر منها (4)،فلا وجه لما يستفاد من العبارة هنا و في الشرائع من التردّد في المسألة (5)،سيّما مع الاعتراف بضعف السند و المخالفة للقاعدة.

العتق بالعوارض

و أما العتق ب العوارض التي تعرض المملوك ف يحصل بأُمور:منها العمى،و الجذام،و تنكيل المولى لعبده بقطعه أنفه أو لسانه أو اذنيه أو شفتيه أو نحو ذلك،بلا خلاف في الأوّلين،بل في ظاهر المسالك و الروضة و غيرهما الإجماع عليهما (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المستفيضة في الأوّل.منها الصحيح:« إذا عمي المملوك فقد عتق» (7).

ص:45


1- راجع ج 9 ص 50.
2- الحلّي في السرائر 3:17.
3- الكافي 6:5/184،التهذيب 8:947/260،الإستبصار 4:109/31،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
4- التهذيب 8:964/260،الإستبصار 4:108/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.
5- الشرائع 3:112.
6- المسالك 2:136،الروضة 6:277؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:41.
7- الكافي 6:4/189،الفقيه 3:305/84،التهذيب 8:799/222،الوسائل 23:44 أبواب العتق ب 23 ح 1.

و الخبر المنجبر ضعفه أو قصوره كما عدا الصحيحة من المستفيضة بالعمل،في الثاني.

و فيه:« إذا جذم المملوك فلا رقّ عليه» (1).

و ألحق به البرص ابن حمزة (2)،و الحجة عليه مع مخالفته الأصل غير واضحة.

و على الأظهر الأشهر في الثالث؛ للنصوص المستفيضة:

منها:الصحيح المروي في الفقيه،عن أبي بصير بطريق حسن و صحيح،و لا اشتراك فيه على الأشهر الصحيح:« قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه أنه حرّ لا سبيل له عليه،سائبة» الحديث (3).

و منها:المرسل فيه أيضاً:في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنّها حرة لا سبيل لمولاتها عليها» (4).

و نحوهما خبران آخران (5)منجبران كالثالث (6)بالشهرة العظيمة التي لا مخالف لها عدا الحلّي (7)،و تبعه الماتن في الشرائع (8)لكن على تردّد.

و لا وجه له عدا الأصل و ضعف المستند،و يندفعان بما مرّ على

ص:46


1- الكافي 6:2/189،الفقيه 3:304/84،الوسائل 23:45 أبواب العتق ب 23 ح 2.
2- الوسيلة:340.
3- الكافي 7:9/172،الفقيه 3:306/85،التهذيب 8:802/223،المقنع:160،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 22 ح 2.
4- الفقيه 3:307/85،الوسائل 23:44 أبواب العتق ب 22 ح 3.
5- و هما عامّيان.راجع سنن ابن ماجة 2:2679/894 و 2680.
6- الكافي 6:1/189،التهذيب 8:801/223،الوسائل 23:43 أبواب العتق ب 22 ح 1.
7- السرائر 3:8 9.
8- الشرائع 3:114.

طريقة الماتن و الأكثر.لكن يشكل دفعهما على طريقة الحلّي؛ لكونه من الآحاد الغير المعمول عليها عنده،و إن انجبر بعمل الأكثر.لكن ضعف هذه الطريقة أوضح من أن يذكر.

و ألحق الأصحاب بالعوارض الثلاثة،في حصول العتق بها قهراً الإقعاد و الزمانة.و في نسبة ذلك إلى الأصحاب إيذان بعدم وقوفه على دليله من نصّ أو غيره سوى الإجماع المستفاد عن صريح الخلاف (1)،و من ظاهر عبارته كغيره؛ و لعلّه كاف في الحجية،سيّما مع اعتضاده بدعوى ظاهر المسالك عدم الخلاف فيه،حيث قال بعد ذلك الحكم فيه:لكن لا يظهر فيه مخالف،حق ابن إدريس وافق عليه،لشبهة أنّه إجماع (2).

هذا مع ما في المختلف عن الإسكافي أنه قال:و في حديث أهل البيت:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:« إذا عمي المملوك أو جذم فلا رقّ عليه» .و عن أمير المؤمنين عليه السلام:« إذا أصابه زمانة في جوارحه و بدنه،و من نكل بمملوكه فهو حرّ لا سبيل عليه،سائبة» (3).

و هو كما ترى ظاهر الدلالة على وجود رواية فيه،لكنّها مرسلة إلّا أنها لا تقصر عن المراسيل السابقة،فتكون حجّة بعد الانجبار بالشهرة العظيمة.

و بالجملة فمتى حصل أحد هذه الأسباب فيه أي في المملوك انعتق قهراً على مولاه،كما مضى.

و كذا ينعتق عليه قهراً لو أسلم العبد في دار الحرب سابقاً على مولاه و خرج إلينا قبله،إجماعاً كما في صريح المختلف و ظاهر غيره (4)؛

ص:47


1- الخلاف 2:651.
2- المسالك 2:136.
3- المختلف:625.
4- المختلف:329 330؛ و انظر المبسوط 2:27،و المسالك 1:154.

و هو الحجة.

مضافاً إلى الخبر:« أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ،و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (1).

و كذا إذا لم يخرج،كما في المختلف عن ظاهر المبسوط (2)،و في المسالك و التنقيح عن صريح الحلّي (3).

و لكن في النسخة الموجودة عندي من المختلف نسب إليه خلافه، و هو البقاء على الرقّية كما هو المشهور بين الطائفة،و استند لهم ككثير من الأصحاب (4)بالاستصحاب و ظاهر الرواية السابقة،و للمبسوط بآية نفي السبيل (5)،و أجابوا عنها بما لا يخلو عن مناقشة كاستنادهم بالرواية.

و تحقيق الكلام في المسألة يطلب من كتاب الجهاد،فإنّه محلّه.

و كذا لو كان العبد وارثاً لقريبه و الحال أنّه لا وارث له غيره دفعت قيمته إلى مولاه و عتق قهراً بلا خلاف،بل عليه في ظاهر الكفاية و غيره الإجماع عليه (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (7)،يأتي إليها و إلى ما يتعلّق بالمسألة الإشارة في كتاب المواريث،فإنّه محله.

ص:48


1- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 44 ح 1.
2- المختلف:330.
3- المسالك 2:136،التنقيح الرائع 3:456.
4- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:589 590،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 7:468.
5- النساء:141.
6- الكفاية:222؛ و انظر المسالك 2:314،و مفاتيح الشرائع 3:313.
7- انظر الوسائل 26:49 أبواب موانع الإرث ب 20.

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

اشارة

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

التدبير

صيغة التدبير

أما التدبير و هو تعليق العتق على الوفاة،إمّا مطلقاً كما في مفاتيح الشرائع و غيره (1)،أو وفاة المولى خاصّة كما عليه الحلّي (2)،أو وفاة المخدوم و الزوج أيضاً كما عليه الأكثر (3)،و سيظهر في آخر هذا البحث أنّه أظهر.

و كيف كان فلفظة الصريح:أنت حرّ بعد وفاتي و إذا متّ فأنت حرّ أو عتيق أو معتق أو نحو ذلك.

و في المسالك و غيره (4):أنّ المعتبر في هذا الإيقاع التلفّظ به بلفظ صريح في معناه،فلا يقع بالكناية عندنا و إن قصد.

و فيه إشعار بل ظهور بالاتّفاق،مع أنّهما حكيا في وقوعه بأنت مدبّر

ص:49


1- مفاتيح الشرائع 3:237؛ و انظر الشرائع 3:117.
2- السرائر 3:30.
3- كالعلّامة في القواعد 2:109،و ولده في الإيضاح 3:542،و الشهيد الثاني في الروضة 6:311.
4- المسالك 2:137؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:237.

أو دبّرتك،مقتصراً عليه أقوالاً ثلاثة،ثالثها القول بكونهما كناية يقع بهما التدبير مع النية،و نسب إلى الإسكافي و القاضي (1).إلّا أن يقال بعدم القدح في الإجماع بخروج معلوم النسب عندنا،فتأمّل جدّاً.

و في مقابل هذا القول قولان آخران،أحدهما الحكم بتحقّق العتق بهما كما عن المبسوط و الفاضل (2)،و اختاره جمع كثير (3).قالوا:لأنّ التدبير ظاهر في معناه،مشهور عند كلّ أحد،كالبيع و أمثاله،حتى أنّ التدبير كان معروفاً في الجاهلية،و قرّره صاحب الشريعة.

و لا يخلو عن قوّة إن كانت دعوى الظهور لغةً أو عرفاً صحيحة،و إلّا فالقول الثاني و هو المنع عن الوقوع بهما مطلقاً أقوى؛ لاستصحاب بقاء الرقّ اللازم سابقاً،و نسب إلى الخلاف و الماتن (4).

ثم إنّه كما يقع مطلقاً كذا يجوز مقيّداً كقوله:إذا متّ في سفري هذا، أو مرضي هذا،أو سنتي هذه،أو قتلت أو نحو ذلك،على قول مشهور في الظاهر،مصرّح بشهرته في الكفاية (5).

قيل:خلافاً للمبسوط (6).

و في الخبر:رجل قال:إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حرّ قال:« يردّ من وصيّته ما يشاء،و يجيز ما يشاء» (7).

ص:50


1- نسبه الى الإسكافي في المختلف:634،القاضي في المهذب 2:366.
2- المبسوط 6:167،الفاضل في القواعد 2:109.
3- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:543،و الشهيد الثاني في المسالك 2:138،و السبزواري في الكفاية:223.
4- الخلاف 6:409،الماتن في الشرائع 3:117.
5- الكفاية:223.
6- المبسوط 6:167.
7- التهذيب 9:766/191،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 8.

أمّا تعليقه على شرط أو صفة فالمشهور عدم جوازه،خلافاً للإسكافي (1).

يعتبر فيه النية و البلوغ و العقل

و لا بدّ فيه من القصد و النية بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و ظاهر غيره (2)،فلا يقع من الساهي و لا الغافل و لا النائم.

و لا حكم لعبارة الصبي مطلقاً و لا المجنون كذلك و لا السكران و لا المحرج بالحاء المهملة،و هو الملجأ إلى التدبير الذي لا قصد له بلا خلاف إلّا في الصبي المميّز ذي الشعر فجوّز،و قد مرّ مع الجواب عنه (3).و الوجه الجميع واضح.

و في اشتراط القربة تردّد و اختلاف:فبين معتبر لها،كالمرتضى و الحلّي و الفاضل في ظاهر المختلف (4)،و ادّعى عليه الأوّل إجماع الإمامية.

و بين نافٍ لها،كالشيخ و الشهيدين،و تبعهم من متأخري المتأخرين جماعة (5)مستندين إلى الأصل.

و لا ندري ما يعنون به،فإن عنوا به أصالة الصحة مع قطع النظر عن إطلاق الأدلّة،فالمناقشة فيه واضحة؛ لعدم أصل لهذا الأصل،بل الأدلّة على خلافه و هو أصالة الفساد قائمة.و إن عنوا به الإطلاق فحسن إن وجد

ص:51


1- حكاه عنه في كشف اللثام 2:199.
2- الانتصار:171؛ و انظر المبسوط 6:167.
3- راجع ص 19.
4- المرتضى في الانتصار:171،الحلّي في السرائر 3:30،المختلف:639.
5- الشيخ في الخلاف 6:412،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:318،و تبعهم السبزواري في الكفاية:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:201،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:237.

منه ما يجدي فائدة،و ليس؛ إذ ليس هنا سوى إطلاقات الأخبار الواردة في بيان حكم غير محل المسألة،فتكون بالإضافة إليه مجملة،كما برهن في محلّه و مرّ غير مرّة.فلا جدوى لمثل هذا الإطلاق و لا فائدة.

فإذاً القول الأول لا يخلو عن قوّة،سيّما مع حكاية الإجماع المتقدمة التي هي بنفسها حجّة مستقلّة.مضافاً إلى ما يستفاد من تضاعيف الأخبار من كونه عتقاً حقيقياً،فيشمله عموم ما دلّ على أنّه لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه سبحانه.

و في الصحيح:« إن كان على مولى العبد دين،فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له.و إن كان في صحة و سلامة» أي من الدَّيْن كما فهمه جماعة (1)« فلا سبيل للديّان» أي الديّان الذي حصلوا بعد التدبير« عليه،و يمضي تدبيره» (2).

و بنى خالي العلّامة رحمه الله في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية فساد التدبير مع قصد الفرار على اشتراط القربة الغير الحاصلة معه.

فتكون الرواية شاهدة على اشتراطها،و إن لم تبلغ درجة الحجيّة بحسب الدلالة،لعدم خلوّ البناء عن مناقشة.

و يتفرّع عليهما تدبير الكافر لعبده مطلقاً،و تدبير العبد الكافر، فيصحّان على القول الثاني دون الأوّل.

و على الفساد في الفرع الأول ادّعى المرتضى الإجماع (3)،مضافاً إلى

ص:52


1- منهم:العلّامة في المختلف:636،و الشهيد الثاني في المسالك 2:141،و انظر نهاية المرام 2:292.
2- التهذيب 8:950/261،الإستبصار 4:91/28،الوسائل 23:127 أبواب التدبير ب 9 ح 1.
3- الانتصار:172.

الإجماع المتقدم.

و اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف،كما صرّح به في الكفاية (1):أن المدبّر باق على ملك المولى،فله التصرف فيه بالاستخدام و البيع و نحوهما.و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة معتضدة بالأصل،مع عدم تضمّن التدبير ما يدلّ على خروجه عن الرقّية،لأنّه عِدة بالحريّة بعد الوفاة،لا تنجيز لها حال الحياة.

منها الصحيح:« هو مملوكه،إن شاء باعه و إن شاء أعتقه و إن شاء أمسك حتى يموت،فإذا مات السيد فهو حرّ من ثلثه» (2).

و الخبر:في المدبّر و المدبّرة يباعان،يبيعهما صاحبهما في حياته فإذا مات فقد عتقا،لأنّ التدبير عدة و ليس بشيء واجب.فإذا مات كان المدبّر من ثلثه الذي يترك،و فرجها حلال لمولاها الذي دبّرها،و للمشتري الذي اشتراها حلال،لشرائه قبل موته (3).

و منها:المعتبرة في جواز بيعه إذا احتاج إلى ثمنه:أحدهما الصحيح:

عن رجل دبّر مملوكاً له ثم احتاج إلى ثمنه فقال:« هو مملوكه،إن شاء باعه و إن شاء أعتقه و إن شاء أمسكه حتى يموت،فإذا مات السيد فهو حرّ من ثلثه» (4).

ص:53


1- الكفاية:223.
2- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1 ح 1.
3- الكافي 6:10/185،التهذيب 8:944/260،الوسائل 23:116 أبواب التدبير ب 1 ح 2.
4- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:132 أبواب التدبير ب 13 ح 1.

و نحوه الموثق و غيره (1).

و المعارض الدالّ على المنع (2)محمول على الاستحباب.

و يستفاد من إطلاق الصحيح الأوّل،و صريح الخبر الذي بعده أنّه إن كانت أمة كان لمولاها وطؤها.

و يدلّ عليه أيضاً صريح الموثّق كالصحيح بفضالة و أبان،بل ربما عدّ من الصحيح:عن الرجل يعتق جاريته عن دبر،أ يطؤها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟فقال:« نعم أيّ ذلك شاء فعل» (3).

و لو حملت هذه المدبّرة من مولاها لم يبطل تدبيرها بل اجتمع لعتقها سببان:التدبير و الاستيلاد.

و تعتق بوفاته من الثلث بالأوّل،لسبقه،فإن لم يف الثلث ضمّ إليه الثاني.

و لو حملت من غيره بعد التدبير حملاً يدخل في ملك المولى فالولد مدبّر كهيئتها بلا خلاف أجده.و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها:الصحيح:« أولاده منها كهيئتها،فأمّا إذا مات الذي دبّر أُمّهم فهم أحرار» (4)الحديث.

ص:54


1- الموثق:التهذيب 8:958/262،الإستبصار 4:94/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 7.و انظر الكافي 6:1/183،الفقيه 3:247/71،التهذيب 8:938/258،الإستبصار 4:89/27،الوسائل 23:116 أبواب التدبير ب 1 ح 3.
2- الفقيه 3:245/71،التهذيب 8:959/263،الإستبصار 4:95/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 6.
3- التهذيب 8:961/263،الإستبصار 4:97/29،الوسائل 23:119 أبواب التدبير ب 3 ح 1.
4- التهذيب 8:941/259،الإستبصار 4:101/29،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 1.

و إطلاق بعضها كالعبارة هنا و في الشرائع و غيرهما من كتب الجماعة (1)يقتضي عدم الفرق في الأولاد بين الملحقين بها شرعاً كالمتولّدين منها بعقد أو شبهة،أو غيرهم كالمتولّدين منها من زنا.

و لا خلاف في الأوّل و لا إشكال.

و استشكل جماعة في الثاني (2).و لعلّه في محلّه؛ للأصل،و عدم المخرج عنه سوى الإطلاق المتقدم،و هو لا ينصرف بحكم الغالب و الأصل في أفعال المسلمين إلى محل الفرض.

فالأحوط عدم الاكتفاء في تدبيرهم بتدبير أُمّهم،بل يدبّرون تدبيراً آخر.و الأحوط التزامه أيضاً مهما أمكن.

و لو رجع المولى في تدبيرها جاز بلا خلاف؛ لما يأتي،مضافاً إلى خصوص الصحيح:قلت:أ يجوز للّذي دبّر أُمّهم أن يردّ في تدبيره إذا احتاج؟قال:« نعم» قلت:أ رأيت إن ماتت أُمّهم بعد ما مات الزوج و بقي أولادها من الزوج الحرّ،أ يجوز لسيّدها أن يبيع أولادها و يرجع عليهم في التدبير؟قال:« لا،إنّما كان له أن يرجع في تدبير أُمّهم إذا احتاج و رضيت هي بذلك» (3).

و هو كما ترى صريح في أنه لم يصحّ رجوعه في تدبير الأولاد الذين دبّروا بتدبيرهم أُمّهم،مطلقاً لا في تدبير أُمّهم و لا منفرداً.و عليه

ص:55


1- الشرائع 3:118؛ و انظر الروضة 6:322،و المفاتيح 3:238.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 6:323،و السبزواري في الكفاية:223،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:200.
3- الكافي 6:6/184،التهذيب 8:941/259،الإستبصار 4:101/29،الوسائل 23:125 أبواب التدبير ب 7 ح 1.

الشيخ و القاضي و ابن حمزة (1)،و نسبه إلى الأكثر على الإطلاق في الكفاية (2)،و عن الخلاف أنّ عليه إجماع الفرقة (3)؛ و هو حجّة أُخرى مستقلّة بعد الرواية.

و فيه قول آخر بالصحة للحلّي و جماعة (4)،و نسب إلى أكثر متأخّري الطائفة (5)؛ للعمومات الدالّة على أنّ التدبير وصيّة،و أنّها يجوز فيه الرجعة،و للأولويّة المستفادة من جواز الرجوع في تدبير الأُم،لأنّ تدبيرهم فرع تدبيرها،فلا يزيد على أصله.

و هو ضعيف للزوم العدول عن العموم بالتخصيص بالنصّ الصحيح الصريح المعتضد بالشهرة المطلقة المحكية،و حكاية الإجماع المتقدّمة،و ضعف الأولويّة،بوضوح الفرق بما ذكره جماعة منهم الفاضل المقداد في شرح الكتاب،و الشهيد الثاني (6):من أنّ تدبير الأصل إنّما هو بفعل المالك،فجاز له الرجوع،بخلاف تدبير الولد،فإنّه بالسراية فلا اختيار فيه له.

و المسألة لا تخلو عن شبهة؛ لإمكان الذبّ عن الجوابين:

فعن الأوّل بأنّ لزوم التخصيص إنّما هو بعد التكافؤ المفقود في الصحيح،لتضمّنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الزوج الحرّ،و توقّف

ص:56


1- الشيخ في النهاية:553،القاضي في المهذب 2:367،ابن حمزة في الوسيلة:346.
2- الكفاية:223.
3- الخلاف 2:670.
4- الحلّي في السرائر 3:33؛ و العلّامة في المختلف:636،و ولده في الإيضاح 3:548.
5- نسبه إليهم السبزواري في الكفاية:223.
6- التنقيح الرائع 3:459،الشهيد الثاني في المسالك 2:129.

الرجوع في تدبير الاُمّ على رضاها و الاحتياج.

و الذبّ عن الأوّل بتقييده بصورة اشتراط رقيّة الولد،و عن الثاني بالحمل على الاستحباب،و لا يدفع الوهن الموجب لعدم التكافؤ،مع عدم تمامية الذبّ عن الأولّ بما مرّ على الأصحّ من عدم إفادة الاشتراط الرقّية، كما مرّ في النكاح.

و لا يجبر هذا الوهن الشهرة المحكيّة؛ لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة.و لا حكاية الإجماع المتقدمة؛ لأنها بشهرة الخلاف بين متأخّري الطائفة،و عدم ظهور قائل بالمنع عن الرجوع سوى الناقل له،و بعض من تبعه ممن تقدّم إليه الإشارة موهونة،مضافاً إلى نسبة الحلّي جواز الرجوع إلى مقتضى مذهب الإماميّة.

و عن الثاني بأنّ غايته على تقدير تسليمه نفي الألويّة،و هو لا يستلزم انتفاء الحجّة على جواز الرجعة بالكليّة؛ فإنّ العمومات كما عرفت بعد بحالها باقية،فتأمّل.

و بالجملة فالاحتياط لازم في المسألة و إن كان القول الأوّل لا يخلو عن قوّة.

و لو أولد العبد المدبّر من مملوكه ولداً يملكهم مولاه كان أولاده مدبّرين كهيئته بلا خلاف ظاهر؛ للصحيح:في رجل دبّر مملوكاً له تاجراً موسراً،فاشترى المدبّر جارية فمات قبل سيّده،فقال:« أرى أنّ جميع ما ترك المدبّر من مال أو متاع فهو للّذي دبّره و أرى أنّ أُم ولده للذي دبّره،و أرى أنّ ولدها مدبّرون كهيئة أبيهم» (1).

ص:57


1- الكافي 6:8/185،الفقيه 3:254/73،التهذيب 8:948/260،الوسائل 23:124 أبواب التدبير ب 6 ح 1.

و يستفاد منه و من الصحيحة المتقدمة في عدم جواز الرجوع في تدبير أولاد الأمة المدبّرة أنه لو مات الأب أو الأُم قبل المولى لم يبطل تدبير الأولاد مضافاً إلى الأصل،و عدم ثبوت بطلان تدبيرهم بموتها.

و بطلان تدبيرهما بموتهما إنّما هو لفوات متعلّق التدبير بالنسبة إليهما،و هو غير حاصل في تدبيرهم.و لا ملازمة بين تدبيرهما و تدبيرهم أيضاً،سيّما على القول بجواز الرجوع في تدبيرهما دونهم.

و عتقوا بعد موت المولى من ثلثه.و لو قصر الثلث عن قيمتهم سعوا فيما بقي منهم لأنّه من لوازم التدبير،كما سيأتي.

و للحسن:عن جارية أعتقت عن دبرٍ من سيّدها،قال:« فما ولدت فهم بمنزلتها و هم من ثلثه،فإن كانوا أفضل من الثلث استسعوا في النقصان» الحديث (1).

و لو دبّر الأمة الحبلى بمملوك له لم يسر التدبير إلى ولدها مطلقاً علم حين تدبيرها بحبلها أم لا،على الأشهر الأقوى.و نسبه في موضع من المبسوط إلى روايات أصحابنا (2)،و في آخر منه إلينا (3)، مشعراً بأنّ عليه إجماعنا،و كذا الحلّي نسبه إلى مقتضى مذهبنا (4).

و يدلّ عليه بعد الإجماع الظاهر النقل من مجموع هذه النسب الموثّق بعثمان،المجمع على تصحيح رواياته،كما مرّ في غير مكان:عن

ص:58


1- التهذيب 8:951/261،الإستبصار 4:106/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 4.
2- المبسوط 6:176.
3- المبسوط 6:178.
4- السرائر 3:32.

امرأة دبّرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة،فلم تدر المرأة المولود مدبّر أو غير مدبّر؟فقال لي:« متى كان الحمل بالمدبّر،قبل أن دبّرت أو بعد ما دبّرت؟» فقلت:لست أدري،و لكن أجِبْني فيهما.فقال:« إن كانت المرأة دبّرت و بها حبل،و لم تذكر ما في بطنها،فالجارية مدبّرة،و الولد رقّ.و إن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير،فالولد مدبّر في تدبير أُمّه» (1).

مضافاً إلى الأصل،و عدم المخرج عنه سوى تدبير الاُمّ،و لا دلالة فيه على تدبير الولد بوجه من الدلالات الثلاث،لتغاير الأمة و حملها،و عدم كونه جزءاً منها لغة و عرفاً،و لذا لا يتبعها في البيع و نحوه على الأشهر الأقوى.

مضافاً إلى الاتّفاق هنا و لو في الجملة على عدم الجزئية قطعاً،كيف و رقيّته مع عدم العلم به حين التدبير مجمع عليها بيننا،و إن حكى في المبسوط (2)المخالفة لنا عن العامّة العمياء،حيث حكموا بالدخول مطلقاً.

و لكن في رواية حسنة عمل بها الإسكافي،و الشيخ في النهاية (3)و تبعه القاضي و ابن حمزة (4).و ربما نسبها في مفاتيح الشرائع إلى الأكثر (5)و هو خطاً بلا شبهة-:أنّه إن علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها و إن كان لا يعلم فما في بطنها رقّ (6).

ص:59


1- الكافي 6:5/184،الفقيه 3:246/71،التهذيب 8:947/260،الإستبصار 4:109/31،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
2- المبسوط 6:176.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:635،النهاية:552.
4- القاضي في المهذب 2:367،ابن حمزة في الوسيلة:364.
5- مفاتيح الشرائع 3:238.
6- الكافي 6:4/184،الفقيه 3:247/71،التهذيب 8:946/260،الإستبصار 4:108/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.

و هي مع قصورها عن المقاومة لما مضى من الموثق،من حيث السند على الأقوى،و اعتباره دون هذه بالشهرة المتحققة،و المحكية في كلام جماعة كالمسالك و الكفاية (1)،و الإجماع الظاهر من مجموع النسب المتقدمة،و الأصل القطعي المتقدم إليه الإشارة،مع زيادة بُعد فيه عن طريقة العامّة،دون هذه الحسنة،فتقييده مع ما هو عليه من القوّة و الاعتبار بما مضى بها مع ما هي عليه من عدم التكافؤ له جدّاً ضعيف قطعاً، سيما مع بعده عن سياقه،و إمكان الجمع بينهما بحمل هذه الحسنة فيما دلّت عليه من السراية في صورة العلم،على ما إذا كانت هناك قرينة على إرادة تدبير الحمل من عرف أو عادة.

و هو قريب لولاه لزم خلوّ الحكم بالسراية بمجرد العلم عن السبب و الحكمة،و كونه تعبداً محضاً،و لعلّه بعيد جدّاً.

فهذا القول ضعيف غايته.كالمحكي في المسالك و الكفاية،و غيرهما من كتب الجماعة (2)،من القول بإطلاق السراية،مع أنّهم لم يشيروا إلى قائله،و لعلّه العامّة كما صرّح به في المبسوط و الخلاف (3)و تقدّم إليه الإشارة.و القاضي،كما يستفاد من عبارته المحكيّة في المختلف (4)،لكن فيه قبل الحكاية نسبه إلى متابعة الشيخ في النهاية.و لعلّه قول آخر له،و إلّا لتنافت النسبة مع صريح عبارته المحكية.

يعتبر في المدبِّر جواز التصرّف و الاختيار و القصد

و يعتبر في المولى المدبِّر جواز التصرّف برفع الحجر عنه

ص:60


1- المسالك 2:139،الكفاية:223.
2- المسالك 2:139،الكفاية:223؛ و انظر المفاتيح 3:238.
3- المبسوط 6:176،الخلاف 6:416.
4- المختلف:635.

ببلوغه و عقله و رشده و مالكيّته و الاختيار و القصد إلى إيقاعه،بلا خلاف فتوًى و نصاً.و لقد كان فيما ذكره سابقاً من قوله:و لا بدّ فيه من النيّة،إلى قوله:و في اشتراط القربة (1)،غنى عن ذكر هذه الشروط جملة،فلا وجه للإعادة مرّة ثانية.

نعم،يمكن تخيّله لذكر الشرط الأوّل و هو إخراج العبد و السفيه؛ لعدم خروجهما بما ذكر سابقاً.و لكن يبقى ذكر الأخيرين خالياً عن الوجه أصلاً،بعد معلوميتهما ممّا ذكر سابقاً.فتأمّل جدّاً.

و في صحّته أي التدبير من الكافر تردّد و اختلاف،فبين مصحّح مطلقاً،كالشيخ و جماعة (2)،و مانع كذلك،كالحلّي و غيره (3)، و مفصّل بين الكافر المقرّ باللّه،المعتقد حصول التقرّب به فالأوّل،و غيره فالثاني،كالفاضل المقداد في التنقيح،و غيره (4).و لعلّه أقرب إن كان عموم أو إطلاق يتّبع،على صحّة التدبير بقول مطلق،كما مرّ في العتق (5).

و يظهر ممّا ذكر ثمّة وجه التردّد في المسألة،لكون التدبير ضرباً من العتق،يشترط فيه القربة على الأصح،كما مرّ إليه الإشارة،فلا فرق بينهما من هذه الجهة التي يبنى عليها التردّد هنا و ثمّة.

نعم،يتحقّق الفرق بينهما بزيادة وجه احتمال الصحّة هنا قوّةً، باحتمال كونه وصيّة لا عتقاً،فلا يشترط فيه القربة كما عليه جماعة،و يأتي

ص:61


1- راجع ص 51.
2- الشيخ في المبسوط 6:182،و المحقق في الشرائع 3:119،و العلّامة في المختلف:639،و الشهيد الثاني في المسالك 2:139.
3- الحلّي في السرائر 3:30؛ و انظر الانتصار:172.
4- التنقيح الرائع 3:460؛ و انظر الروضة 2:243.
5- راجع ص 20.

على مختارهم عدم التردّد هنا،و لزوم اختيارهم الصحّة مطلقاً.

التدبير وصيّة يرجع فيه المولى متى شاء

و التدبير المتبرّع به وصيّة يرجع فيه المولى متى شاء إجماعاً مستفيض النقل في كلام جماعة كالمرتضى،و الحلّي،و الفاضلين:المقداد و العلّامة (1)،و غيرهم من الجماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها» (3).

و في الموثّق:عن المدبّر،أ هو من الثلث؟قال:« نعم،و للموصي أن يرجع فيه وصيّته أوصى في صحّة أو مرض» (4).

و ظاهره كصريح العبارة أنّه وصيّة حقيقة.

و التحقيق:أنّه بمنزلتها لا عينها،كما في صريح الخبر الأوّل،و في الشرائع،و كلمة الأكثر (5)،لرجحان الصحيح على الموثّق.سيّما مع صراحة الدلالة و اعتضاده بغيره من النصوص،و فتوى الأكثر،و أنّه لو كان وصيّة محضة لافتقر في عتقه بعد الموت إلى صيغة،و الحال أنّه صرّح من الأصحاب جماعة من دون ذكر خلاف بعدم الافتقار إليها (6).و هو الظاهر

ص:62


1- المرتضى في الانتصار:172،الحلّي في السرائر 3:32،المقداد في التنقيح الرائع 3:460،العلّامة في المختلف:635.
2- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:237،و السبزواري في الكفاية:223.
3- الكافي 6:2/183،التهذيب 8:939/258،الإستبصار 4:103/30،الوسائل 23:118 أبواب التدبير ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:3/184،التهذيب 8:940/258،الإستبصار 4:104/30،الوسائل 23:118 أبواب التدبير ب 2 ح 2.
5- الشرائع 3:120؛ و انظر الخلاف 2:668،و القواعد 2:111،و المسالك 2:140.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 2:140،و انظر كشف اللثام 2:201.

من تتبّع الأخبار جملة.

و لكن أرى ثمرة الخلاف هينة؛ لعدم ظهورها إلّا في النذر و ما شاكله، فيتحقّق الامتثال بالتدبير لو التزم وصيّة على ما في العبارة و الموثّقة، و لا على المختار،بل لا بدّ من وصيّة أُخرى حقيقة.

و هنا قول آخر هو أنّه عتق معلّق كما عن الحلّي (1)؛ و تشهد له النصوص،و مرّ إلى تقويته الإشارة.و لا ينافيه كونه بمنزلة الوصيّة يجوز الرجوع فيه؛ لاحتمال أن يكون ذلك من خصائص العتق المعلّق.

و بالجملة:الأقوال في المسألة ثلاثة:أحدها:أنّه وصية كما في العبارة.و ثانيها:عتق معلّق.و ثالثها:إيقاع مستقلّ،لكنّه بمنزلة الوصيّة في الأحكام من نفوذه من الثلث،و جواز الرجوع فيه،و عليه كما عرفت أكثر الطائفة.

و كيف كان فلو رجع قولاً كأن قال:رجعت،أو أبطلت أو نقضت أو نحو ذلك صحّ قطعاً و كذا لو رجع بالفعل كالبيع و الهبة و الوقف و الوصيّة و إن لم يقبض و لم يقبل في الجميع صحّ أيضاً،إن صرّح بقصد الرجوع به،أو يكون متعلّقه الرقيّة.

و لا خلاف في شيء من ذلك،و في بقاء التدبير مع الفعل لو صرّح بكون متعلقه المنفعة،صرّح بذلك الفاضل المقداد في شرح الكتاب (2).

أما لو باعه أو وهبه من دون تصريح بأحد الأمرين ف في بطلان (3)التدبير بهما قولان أحدهما (4) أنّه يبطل به التدبير،و هو

ص:63


1- السرائر 3:30.
2- التنقيح الرائع 3:460.
3- في« ح» و« ر»:ففي صحّتهما و بطلان التدبير بهما.
4- في« ح» و« ر»:إنّه يصحّ و يبطل التدبير.

الأشبه وفاقاً للمرتضى في الناصريّة و الانتصار مدّعياً فيه إجماع الإماميّة (1).

و هو الظاهر من عبارة الإسكافي المحكيّة في المختلف (2)،و تبعهما الحلّي و كثير من المتأخرين،بل أكثرهم كالفاضلين و الشهيدين و غيرهما (3)، و حكي عن المبسوط،و موضع من الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (4)؛ لأنّه وصيّة أو بمنزلتها يجوز الرجوع فيه كما مضى،و البيع و ما في معناه يتضمّن الرجوع جدّاً،و لذا أبطلوا بهما الوصيّة،هذا.

مضافاً إلى الإجماع المتقدّم،المعتضد بما في المختلف عن الحلّي من جعل ذلك من مقتضيات أُصول مذهبنا (5).

و مع ذلك المعتبرة مستفيضة بجواز بيعه:إمّا مطلقاً كما في بعضها (6)، أو بشرط الحاجة كما في كثير منها (7)،و فيها الصحيح و غيره.و قد مرّ ذكرها في بيان كون المدبّر رقّاً.و نحوها غيرها.

و مبنى الاستدلال بها على حمل البيع فيها على الصحيح المنصرف إلى الرقيّة،دون الخدمة،و كونه أعمّ من تقدّم الرجوع و عدمه.

ص:64


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):216،الانتصار:172.
2- المختلف:637.
3- الحلّي في السرائر 3:31،المحقق في الشرائع 3:120،العلّامة في المختلف:637،الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 6):337،الشهيد الثاني في المسالك 2:140؛ و انظر الكفاية:223،و المفاتيح 3:237.
4- المبسوط 6:171،الخلاف 2:668.
5- المختلف:635.
6- الكافي 6:9/185،التهذيب 8:943/259،الإستبصار 4:90/27،الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1 ح 1.
7- انظر الوسائل 23:115 أبواب التدبير ب 1.

و القول الآخر للمفيد و النهاية و القاضي و الحلبي (1)،و نسبه في التنقيح إلى الأكثر (2).و هو أنّه لا يبطل و يمضي البيع و يجوز في خدمته دون رقبته.و يتخيّر المشتري مع عدم المعرفة و كذا الهبة للخبرين.

في أحدهما:« إن أراد بيعها باع خدمتها حياته» (3).

و في الثاني:« باع رسول اللّه صلى الله عليه و آله خدمة المدبّر و لم يبع رقبته» (4).

و للجمع بن ما دلّ على جواز البيع كالأخبار المتقدمة،و ما دلّ على المنع عنه كالصحيح:« ليس له أن يبيعه إلّا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته» (5)الخبر.

بحمل الأوّل على الجواز بعد النقض،أو كون المراد به بيع الخدمة، لا الرقبة.و الثاني على المنع قبل النقض.

و في الجميع نظر؛ لقصور الخبرين سنداً بقاسم بن محمد و صاحبه في الأوّل،و السكوني و رفيقه في الثاني.و دلالةً:فالأوّل بعدم النهي عن بيع الرقبة و إنّما غايته تجويز بيع المنفعة.و كذلك الثاني؛ فإنّ بيعه الخدمة غايته الجواز،و عدم بيعه الرقبة أعمّ من المنع عنه و عدمه،فلا دلالة فيه على

ص:65


1- المفيد في المقنعة:551،النهاية:552،القاضي في المهذب 2:366،الحلبي في الكافي:319.
2- التنقيح الرائع 3:460.
3- التهذيب 8:963/264،الإستبصار 4:99/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 3.
4- التهذيب 8:945/260،الإستبصار 4:100/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 4.
5- الفقيه 3:250/72،التهذيب 8:962/263،الإستبصار 4:98/29،الوسائل 23:120 أبواب التدبير ب 3 ح 2.

ممنوعيّته.

و نحوهما في القصور سنداً و الضعف دلالة الموثّق:عن الرجل يعتق جاريته عن دبر،أ يطؤها إن شاء،أو ينكحها،أو يبيع خدمتها حياته؟ قال:« أيّ ذلك شاء فعل» (1).

هذا مضافاً إلى قصورهما مقاومة لما مرّ من وجوه شتّى؛ لاعتضاده بالكثرة و الصحة و الإجماعات المحكيّة.و بهذا يجاب عن الجميع.

مضافاً إلى شذوذ المعارض و إن صحّ بحسب السند؛ للدلالة على توقّف بيع الخدمة على مشيّة العبد،و لم يقل به أحد من الطائفة،فكيف يمكن أن يعترض به إطلاق الأخبار السابقة فتقيّد به،أو تصرف عن ظاهرها،و لا ريب في فساده و لا شبهة.

سيما مع احتمال وروده كالخبرين المتقدّمين على تقدير تسليم دلالتهما على المنع و التمامية على التقية عن جماعة من العامّة منهم أبو حنيفة و من تبعه،فإنّهم قالوا بالمنع عن بيع الرقبة كما في الانتصار (2).

و يشهد له كون راوي أحدهما السكوني الذي هو من قضاة العامّة.

هذا مع ما في بيع المنفعة من الإشكال؛ فإنّ متعلق البيع الأعيان لا المنافع،مع جهالتها فلا يمكن بيعها من هذه الجهة أيضاً.

فلا بدّ من طرح ما دلّ على جواز بيعها،أو حمله على الصلح كما عن الحلّي (3)،أو الإجارة مدّة معيّنة،فإذا انقضت آجره اخرى،و هكذا،كما

ص:66


1- التهذيب 8:961/263،الإستبصار 4:97/29،الوسائل 23:119 أبواب التدبير ب 3 ح 1.
2- الانتصار:172؛ و انظر بداية المجتهد 2:390.
3- السرائر 3:32.

ذكره الفاضل في المختلف،و جمع فيه بين الأخبار المجوّزة للبيع و المانعة عنه بحمل الأوّلة على التدبير المتطوّع به كما هو الفرض،و الثانية على الواجب (1).

و فيه بُعد عن سياق الأخبار،و إن كان حقاً محكياً عليه الإجماع في الانتصار (2).

و للصدوق و العماني قول آخر (3)في المسألة هو:جواز بيع خدمته دون رقبته،إلّا بشرط العتق على المشتري.و زاد الأوّل عند موته أي المدبّر.

و له الصحيح:في الرجل يعتق غلامه و جاريته عن دبر منه،ثم يحتاج إلى ثمنه قال:« لا،إلّا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته» (4).

و الجواب عنه كالجواب عما سبق،من القصور عن المقاومة لأدلّة المختار،فليطرح أو يحمل على الاستحباب.

و أمّا الخبر:« لا يباع المدبّر إلّا من نفسه» (5)فمع ضعفه بوهب شاذّ غير معلوم القائل لا منّا،و لا من المخالف،إلّا ما يحكى في الانتصار من نسبته إلى الأوزاعي (6)،إلّا أنه زاد بعد قوله:من نفسه:« أو من رجل يجعل

ص:67


1- المختلف:635.
2- الانتصار:172.
3- الصدوق في المقنع:157،حكاه عن العماني في المختلف:634.
4- الفقيه 3:245/71،التهذيب 8:959/263،الإستبصار 4:95/28،الوسائل 23:117 أبواب التدبير ب 1 ح 6.
5- التهذيب 8:955/262،الإستبصار 4:105/30،الوسائل 23:121 أبواب التدبير ب 4 ح 2.
6- الانتصار:172.

عتقه و ولاه لمن اشتراه ما دام الأوّل حيّاً،فإذا مات الأوّل» إلى آخر ما ذكر.

و المدبّر رقّ بلا خلاف فيه فتوًى و رواية تقدّم إلى ذكرهما الإشارة و يتحرّر بموت المولى من ثلثه لأنّه وصيّة متبرّع بها أو بمنزلتها كما مضى،فيكون بحكمها.مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في تضاعيف المباحث السالفة.و بها يصحّ الحكم على القول بكونه عتقاً معلّقاً لا وصيّة.

فإن لم يف بها الثلث عتق منه بقدره.فإن كانوا جماعة عتق منهم من يحتمله،و بدئ بالأوّل فالأوّل،و لو جهل الترتيب استخرج بالقرعة.

هذا إذا كان معلّقاً بموت المولى متبرعاً به.فلو علّقه بموت غيره و قلنا بصحته،و مات في حياة المولى و صحته،أو مطلقاً على القول بكون المنجّزات من الأصل مطلقاً،لم يعتبر من الثلث؛ إذ لا وجه له،فإنّه كتعجيل العتق في حال الحياة.

و الأخبار المطلقة كالعبارة و عبائر أكثر الجماعة (1)في كونه من الثلث محمولة على الغالب من كونه معلقاً بموت المولى.مع أنه قد وقع التصريح به في بعضها.

و لو مات المعلّق على وفاته بعد موت المولى خاصّة،أو في مرضه أيضاً إن قلنا بخروج منجّزات المريض من ثلثه،فهو من الثلث كالمعلّق على وفاة المولى.

و لو كان واجباً بنذر و شبهه حال الصحة أو مطلقاً فهو من الأصل مطلقاً،كان النذر بصيغة:للّه عليّ عتق عبدي بعد وفاتي،و نحوه،أو

ص:68


1- كابن حمزة في الوسيلة:345،و العلّامة في القواعد 2:111،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 6):326.

بصيغة:للّه عليّ أن أُدبّر عبدي.كما عن التحرير (1).و نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب (2)مشعراً بدعوى الإجماع عليه،و بانعقاده صرّح في الانتصار (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أن الغرض من مثل هذا النذر التزام الحرّية بعد الوفاة، لا مجرّد الصيغة كما ذكره شيخنا في المسالك و الروضة (4)تبعاً لبعض العامة (5).و على التقديرين لا يخرج بالنذر عن ملكه،فيجوز له استخدامه و وطؤه إن كان جارية.

نعم،لا يجوز نقله عن ملكه إجماعاً كما في الانتصار (6)و غيره؛ لاستلزامه الحنث في نذره.فلو فعل صحّ؛ للعموم مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات.نعم يأثم و تلزم الكفّارة مع العلم،لا مع النسيان على الظاهر،لعدم الحنث.و في الجاهل وجهان.

و الدين و ما في معناه من الوصايا الواجبة أو المتقدمة عليه لفظاً و العطايا المنجزة مطلقاً مقدّم على التدبير المتبرّع به،في الخروج من أصل التركة مطلقاً سواء كان سابقاً على التدبير أو متأخراً عنه فإن استوعب الدين التركة بطل التدبير على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر.و ربّما أشعر العبارة بالإجماع عليه؛ و لعلّه الحجة.

مضافاً إلى كونه وصيّة متبرعاً بها،و مقتضاها ذلك إجماعاً،و عموم

ص:69


1- التحرير 2:83.
2- الدروس 2:232.
3- الانتصار:173.
4- المسالك 2:141،الروضة 6:331.
5- انظر بداية المجتهد 2:390.
6- الانتصار:173.

خصوص الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر،و تضمّن سنده قبل الضعيف ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته،و فيه:إنّ أبي هلك و ترك جاريتين قد دبّرهما و أنا ممن أشهد لهما و عليه دين كثير،فما رأيك؟ فقال:« قضاء دينه خير له إن شاء اللّه» (1).

و لكن فيه رواية بل روايتان صحيحتان (2) بالتفصيل بين سبق الدين على التدبير فالأوّل،و تأخره عنه فلا سبيل للديّان عليه.و قد عمل بها الشيخ في النهاية،و تبعه القاضي (3).

و لكنها متروكة غير مكافئة لما قدّمناه من الأدلة من وجوه عديدة [مضافاً إلى ظهورهما في اشتراط قصد الفرار في الحكم في الشقّ الأوّل، و هو دالّ بمفهومه على صحّة التدبير مع عدم هذا القصد،و لم يقل به أحد.

فتأمّل (4)].مضافاً إلى ضعف الدلالة على أنّ منشأ الحكم بتقدم التدبير إنّما هو تقدّمه على الدين،بل هي مجملة محتملة له،و لكون السبب عدم قصد الفرار.بل لعلّ هذا أظهر منها؛ نظراً إلى سياقها،فإنّ متنها هكذا:« إن كان على مولى العبد دين فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له،و إن كان دبّره في

ص:70


1- التهذيب 8:953/262،الوسائل 23:128 أبواب التدبير ب 9 ح 3.
2- الأُولى في:التهذيب 8:950/261،الإستبصار 4:91/28،الوسائل 23:127 أبواب التدبير ب 9 ح 1.الثانية في:الفقيه 3:253/72،التهذيب 8:949/261،الوسائل 23:128 أبواب التدبير ب 9 ح 2.
3- النهاية:553،حكاه عن القاضي في المختلف:636،و لكن التفصيل المذكور لا يستفاد من المهذب 2:368.
4- ما بين المعقوفين ليس في نسخة الأصل.

صحة و سلامة فلا سبيل للديّان عليه،و يمضي تدبيره» .و هو كما ترى ظاهر في كون متعلّق الصحة و السلامة هو نيّة الفرار، لا الدين كما فهمه الجماعة.و على هذا فهي أعم من المدّعى؛ لشمول الحكم بنفي السبيل في صورته صورتي تقدّم الدين و تأخره.

فلا حجة على التفصيل المزبور في مثل هذه الرواية المجملة المحتملة لما ذكر و لوجه آخر،و هو كون متعلّق الصحّة و السلامة المرض، لما مرّ.

و بتعيّنه صرّح بعض الأصحاب (1)؛ و لعلّه لتبادره من اللفظين حيث يطلقان،و هو غير بعيد،لكنه مخالف السياق.و على ما ذكره لعلّ الوجه فيه أنّه في الصحة يأمل قضاء دينه بغيره مما يحصل بعد،بخلافه في المرض.

يبطل التدبير بإباق المدبّر

و يبطل التدبير بإباق المدبّر مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى من مولاه.

و لو ولد له في حال إباقه أولاد من أمة لسيّده أو غيره حيث يلحق به الولد،أو حرّة عالمة بتحريم نكاحه كان أولاده أرقّاء مثله بلا خلاف ظاهر،كما في التنقيح و المسالك،و غيرهما من كتب الأصحاب (2)،بل عن صريح الشيخ،و ظاهر الحلّي الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الخبرين المنجبر قصور سندهما بعمل الطائفة،في أحدهما:رجل دبّر غلاماً له،فأبق الغلام،فمضى إلى قوم فتزوّج منهم و لم يعلمهم أنّه عبد،فولد له و كسب مالاً و مات مولاه الذي دبّره،فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد،فطالبوا العبد،فما ترى؟فقال:« العبد رقّ،و ولده

ص:71


1- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:239.
2- التنقيح الرائع 3:463،المسالك 2:141؛ و انظر الكفاية:224.
3- الشيخ في الخلاف 6:413،الحلّي في السرائر 3:33.

رقّ لورثة الميت» قلت:أ ليس قد دبّر العبد؟فذكر:« أنّه لمّا أبق هدم تدبيره و رجع رقّاً» (1).

و نحوه الثاني لكن في الجارية (2).

و في قوله:حال إباقه احتراز عمّا ولدته قبله،فإنّه يحكم ببقاء تدبيرهم؛ للأصل و اختصاص الفتوى و النصّ بالأولاد حال الإباق،و به صرّح جماعة (3)من دون ذكر خلاف.

و هل يبطل تدبيرهم بإباقهم أنفسهم؟وجهان أجودهما العدم؛ تمسكاً بالأصل المعتضد بكون تدبيرهم بالسراية و حكم الشرع،و ليس حكمها حكم المباشرة.و لذا يجوز الرجوع في تدبير آبائهم دونهم،كما تقدّم إليه الإشارة.

و لا يلحق بالإباق الارتداد؛ للأصل،و عدم حجية القياس.نعم،إن التحق بدار الحرب بطل؛ لأنّه إباق.و إبطال الإسكافي إيّاه بأحد الأمرين (4)شاذّ.

و لو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال:هو حرّ بعد وفاة المخدوم، صحّ على الأصح الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر،وفاقاً للإسكافي و النهاية و القاضي و ابن حمزة (5).

ص:72


1- التهذيب 8:966/265،الإستبصار 4:112/33،الوسائل 23:130 أبواب التدبير ب 10 ح 2.
2- الكافي 6:4/200،الفقيه 3:324/87،التهذيب 8:964/264،الاستبصار 4:110/32،المقنع:162،الوسائل 23:129 أبواب التدبير ب 10 ح 1.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:463،و السبزواري في الكفاية:224،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:200.
4- كما حكاه عنه في المختلف:637.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:636،النهاية:553،القاضي في المهذب 2:373،ابن حمزة في الوسيلة:345.

و المستند الرواية الصحيحة:عن الرجل يكون له الخادم فيقول:

هو أو هي لفلان يخدمه ما عاش،فإذا مات فهي حرّة.فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين،ثم تجدها ورثته،أ لهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟فقال:« لا،إذا مات الرجل فقد عتقت» (1).

خلافاً للحلّي خاصّة (2)،فخصّه بوفاة المولى.قال:عملاً بالمتيقن، و ادّعى أنّه شرعاً كذلك،و لبطلانه بالإباق.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الاقتصار بالنصّ الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب.و الثاني مصادرة.و الملازمة بين إباقه من المالك و من المخدوم ممنوعة،مع إمكان الفرق،بمقابلته نعمة السيّد بالكفران فقوبل بنقيضه، كقاتل العمد في الإرث،بخلاف الأجنبي.

نعم،ربّما يمكن التأمّل في دلالة الرواية؛ لعدم صراحتها في تعليق التدبير على موت المخدوم إلّا على تقدير تعيّن رجوع الضمير في عاش، و العهد في الرجل،إلى المولى المخدوم،و ليس بمتعيّن،لاحتمال العكس.

و يمكن الذبّ عنه بمخالفته الظاهر؛ بناءً على أقربية المخدوم إلى الضمير و العهد بحسب الذكر.و لعلّه لذا فهم الأصحاب ذلك كافّة حتى الحلّي،حيث اعترف بالدلالة،و إنّما أجاب عن الرواية بأنّها من الآحاد.

مضافاً إلى صراحته في عدم بطلان التدبير بإباقه،و هو لا ينطبق إلّا على الاحتمال الأوّل،لمخالفته على الثاني الإجماع.

و احتمال الذبّ عن هذه المخالفة بتخصيص التدبير بما إذا أوجب

ص:73


1- التهذيب 8:965/264،الاستبصار 4:111/32،المقنع:158،الوسائل 23:130 أبواب التدبير ب 11 ح 1.
2- السرائر 3:33.

بنذر و شبهه،مخالف للظاهر بلا شبهة،مع استلزامه حمل الرواية على الفرد النادر بلا شبهة.

و بالجملة:الظاهر تماميّة الدلالة و إن كان يظهر من التنقيح فيها المناقشة بما مرّ إليه الإشارة (1).

و يظهر من الرواية أنّه لو أبق المدبّر في المسألة لم يبطل تدبيره و صار حرّا بالوفاة،و لا سبيل لأحد عليه،مع أنّه لا خلاف فيه أيضاً.

و المشهور كما في اللمعة (2)إلحاق الزوج بالمخدوم،فلو علّق التدبير بوفاته صحّ.و به صرّح الفاضلان (3).

و يظهر من الشهيدين و غيرهما (4)عدم وجود رواية به،و أنّه هو لأجل المناسبة للمخدوم الذي هو مورد الرواية.و يظهر من الماتن في الشرائع (5)وجود رواية به،و صرّح بها في الكفاية فقال:و يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم (6).

و نحوه في المفاتيح (7)،قال بعد الحكم باللحوق-:ففي الخبر:في رجل زوّج أمته من رجل حرّ،ثم قال:إذا مات زوجك فأنت حرّ،فمات الزوج فقال:« إذا مات فهي حرّة،تعتدّ منه عدّة الحرة» (8).

ص:74


1- التنقيح الرائع 3:465.
2- اللمعة(الروضة البهية 6):311.
3- المحقق في الشرائع 3:117،العلّامة في القواعد 2:109.
4- الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 6:314؛ و انظر التنقيح الرائع 3:466.
5- الشرائع 3:117.
6- الكفاية:222.
7- مفاتيح الشرائع 3:237.
8- التهذيب 7:1407/344،الوسائل 23:131 أبواب التدبير ب 11 ح 2.

أقول:و روى هذا الخبر في التهذيب في باب السراري و ملك الأيمان،في بحث أنه لا يجوز للمملوك أن يعقد على أكثر من حرّتين أو أربع إماء (1).و ليس في سنده سوى محمد بن حكيم المشترك بين الحسن و الضعيف،المجبور بالشهرة المحكية،و رواية الحسن بن محبوب عنه مع كونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و الصحيحة المحكية في الكفاية لو وجدناها لكانت حجة أُخرى مستقلة أقوى من هذه الرواية،و إن كانت لنا الآن كالرواية المرسلة التي هي حجّة أيضاً بعد الانجبار بالشهرة.فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

أما المكاتبة فهي تستدعي بيان أركانها و أحكامها

اشارة

و أما المكاتبة و اشتقاقها من الكتب و هو الجمع،لانضمام بعض النجوم إلى بعض،و منه:كتبت الحروف.و هو مبني على الغالب أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة،و إلّا فهو ليس بمعتبر عندنا و إن اشترطنا الأجل كما في الروضة (2).

فهي تستدعي بيان أركانها و أحكامها.

الأركان أربعة

اشارة

و الأركان أربعة:العقد،و المالك،و المكاتب،و العوض

الركن الأول صيغة المكاتبة

أمّا الأوّل فصيغته أن يقول السيد:كاتبتك على أن تؤدّي إليّ كذا في وقت كذا؛ فإذا أديت فأنت حرّ،فيقبل العبد.كما عن الخلاف و الحلّي (3).

و عن المبسوط (4)إنّه لا حاجة إلى قوله:فإذا أدّيت،لأنه غاية الكتابة

ص:75


1- التهذيب 8:760/213،الوسائل 21:183 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 65 ح 1.
2- الروضة 6:338.
3- الخلاف 6:391،الحلّي في السرائر 3:26.
4- المبسوط 6:74،حكاه عنه في التنقيح 3:467.

فهي دالّة عليه،كما لا يجب ذكر غاية البيع و الإجارة.نعم لا بدّ من قصد ذلك.

و يضعّف:بأنّ الكتابة لا يعرفها إلّا العلماء،فلا يحكم عليه بمجرد لفظها من دون العتق بالأداء.و لا شك أن الأوّل أحوط و أولى.

و هل هي عتق معلّق على مال،كما عن بعض الفقهاء (1)؟أو بيع العبد من نفسه،كما عن التقي و الحلّي (2)؟أو عقد مستقلّ،كما في المختلف و غيره (3)؟أقوال.

أجودها الأخير.و لعلّه الأشهر؛ لضعف الأوّل بمفارقتها العتق في التنجيز و القربة،لاعتبارهما فيه دونها.

و الثاني بمفارقتها البيع في أُمور:احتياجها إلى الأجل عند الأكثر (4)دونه.و امتداد خيار العقد بخلافه؛ لعدم امتداد خيار الشرط فيه.و جواز اشتراط البائع الخيار لنفسه في العقد دون المكاتب.و أنّ البيع انتقال عين مملوكة من مالك إلى آخر،فلا بدّ فيه من تحقق إضافة الملك بين المبيع و المشتري،و هي فرع التغاير المفقود في الكتابة.

ثمّ هل هو لازم من الطرفين مطلقاً،كما عليه الفاضلان و غيرهما (5)؟ أم في المطلق خاصّة،و جائز في المشروط من جهة العبد دون السيّد،كما

ص:76


1- انظر المغني لابن قدامة 12:338،و التنقيح الرائع 3:466.
2- التقي في الكافي:318،الحلّي في السرائر 3:26.
3- المختلف:641؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:574.
4- كالشيخ في المبسوط 6:73،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:467،و الشهيد الثاني في الروضة 6:343.
5- المحقق في الشرائع 3:125،العلّامة في القواعد 2:114؛ و انظر إيضاح الفوائد 3:575،و الروضة البهيّة 6:351.

عن الخلاف و المبسوط و الحلّي (1)؟أم جائز من الطرفين في المشروط، لازم من جهة السيّد جائز من جهة المكاتب في المطلق،كما عن ابن حمزة (2)؟أقوال.

أجودها الأوّل؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،بناءً على كون الكتابة عقداً إجماعاً.

و لا معارض له سوى ما يحكى عن الشيخ (3)من الدليل على الجواز من جهة العبد في المشروط،من الإجماع على أنّ المكاتب المشروط متى عجز كان لمولاه ردّه في الرق،و له تعجيز نفسه.و هو المراد من الجواز من جهته،لا أن [أنه] له الفسخ كالعامل في القراض.

و هو كما ترى؛ فإنّا نمنع أنّ له التعجيز،بل يجب عليه السعي و الأداء،و لو امتنع اجبر؛ لاقتضاء عقد الكتابة وجوب الأداء و الفرض إمكانه،فيجبر عليه كباقي الواجبات.

نعم،لو عصى و عجز نفسه بحيث لا يقدر على الأداء كان لمولاه ردّه في الرقّ.و لعلّه مراد الشيخ من الجواز؛ إذ هذا المعنى لا ريب فيه،إلّا أنّه لا يستلزم الجواز المطلق المستلزم لجواز تعجيز نفسه،كما هو المتنازع.

و اعلم أن الكتابة مستحبة مع الديانة و إمكان التكسب،و تتأكد بسؤال [العبد] المملوك بلا خلاف أعرفه؛ للأمر بها في الآية الكريمة و السنّة المطهّرة.

قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1]

ص:77


1- الخلاف 6:393،المبسوط 6:91،الحلّي في السرائر 3:29.
2- الوسيلة:345.
3- الخلاف 6:394.

فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [1] (1).و في الموثّق:عن العبد يكاتبه مولاه،و هو يعلم أنه لا يملك قليلاً و لا كثيراً،قال:« يكاتبه و لو كان يسأل الناس،و لا يمنعه المكاتبة من أجل أن ليس له مال،فإنّ اللّه تعالى يرزق العباد بعضهم من بعض،و المؤمن معان» (2).

و أقلّ مراتب الأمر الاستحباب حيث لا يمكن حمله على الوجوب، كما هنا،للإجماع منّا عليه و من أكثر العامة (3)،المحكيّ في كلام جماعة (4).

و تفسير الخير في الآية بالأمرين في العبارة مرويّ في الرواية الصحيحة،قال:« إن علمتم لهم ديناً و مالاً» (5).

و نحوها اخرى (6)إلّا أنه أُبدل الدين فيها بالشهادتين خاصّة،و لعلّه للتقية أو إحالة إلى الظهور،كما ورد نظيره في التشهد في الصلاة و غيره.

و لكن فسّر في أُخريين بالمال خاصّة (7).و مقتضاهما استحباب الكتابة معه مطلقاً و لو لم يكن مؤمناً أو مسلماً،و مرجعه إلى جواز مكاتبة العبد الكافر.

ص:78


1- النور:33.
2- الكافي 6:11/187،الفقيه 3:268/76،التهذيب 8:995/272،الوسائل 23:139 أبواب المكاتبة ب 2 ح 1.
3- انظر المغني لابن قدامة 12:339.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 6:379،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:205.
5- الكافي 6:10/187،التهذيب 8:984/270،الوسائل 23:137 أبواب المكاتبة ب 1 ح 1.
6- الفقيه 3:278/78،الوسائل 23:138 أبواب المكاتبة ب 1 ح 5.
7- الكافي 6:7/186،9/187،التهذيب 8:975/268،الوسائل 23:137،138 أبواب المكاتبة ب 1 ح 2،3.

و هو خلاف التحقيق كما سيظهر،بل استحبابه خلاف مذهب الأكثر كما في المسالك (1)،بل الأصحاب كافّة كما في الروضة حيث قال:أمّا مع عدمهما أي الديانة و إمكان التكسب أو أحدهما فلا يستحب في ظاهر الأصحاب (2).

هذا مضافاً إلى أن الصحيحين الأولين مثبتان للوصف الآخر،و المثبت مقدّم.على قوّة احتمال ورود الأخيرتين للتقية كما يظهر من الانتصار (3)؛ حيث جعل مضمونهما مذهب فقهاء العامّة،و يظهر منه أنّ الخير في الآية هو الدين خاصّة.

و مقتضاه أنّه يستحب الكتابة مع تديّنه و التماسه مطلقاً و لو كان عن المال و كسبه عاجزاً و يشهد له الموثّق المتقدم.

و لا يعارضه الصحيح السابق؛ إذ ليس فيه إلّا تفسير الخير في الآية بالأمرين،و غايته أنّ الأمر بالكتابة في الآية إنّما هو مع الأمرين خاصّة،و هو لا ينافي ثبوت الأمر بها مع الديانة خاصّة أيضاً في الموثّقة.

نعم،يمكن المناقشة في دلالة الأمر فيها على الاستحباب باحتمال وروده مورد توهّم الحظر،فلا تفيد سوى الإباحة على الأصح،كما قرّر في محلّه.مع أنّه ليس فيها قيد الالتماس كما في العبارة.

و كيف كان،فيستفاد منها الإباحة في هذه الصورة و عليها أكثر الطائفة (4).و عن المبسوط القول بالكراهة (5)،و لا وجه له.

ص:79


1- المسالك 2:144،148.
2- الروضة البهية 6:341.
3- الانتصار:174.
4- كالمحقق في الشرائع 3:124،و العلّامة في القواعد 2:115،و الشهيد الثاني في الروضة 6:342.
5- المبسوط 6:73.

ثمّ إنّه لا يتوهّم التنافي في العبارة،حيث جعل الأمرين شرطاً في استحباب الكتابة أوّلاً،و اكتفى فيه بالديانة أخيراً؛ لإمكان فرقه بينهما بجعله اشتراطهما مع عدم السؤال،و الاكتفاء بأحدهما معه.و لعلّ الفرق ظاهر من العبارة.

و هي قسمان ف إنه إن اقتصر على العقد من دون اشتراط العود في الرقّ مع العجز عن أداء تمام مال الكتابة فهي مطلقة،و إن اشترط عوده رقّاً مع العجز فهي مشروطة و لا خلاف فيهما بين الأصحاب كافّة،بل عليه الإجماع في ظاهر كلمة جملة منهم (1)و صريح الانتصار (2)،و النصوص به مع ذلك بالغة حدّ الاستفاضة،منها الصحاح:

في أحدهما:« إن المكاتب إذا أدّى شيئاً أُعتق بقدر ما أدّى،إلّا أن يشترط مواليه إن هو عجز فهو مردود في الرقّ» (3).

خلافاً للعامّة في الأوّل (4).

و يشتركان في أكثر الأحكام و يفترقان في أنّ المكاتب مع الإطلاق يتحرّر منه بقدر ما أدّى من مال الكتابة و في المشروطة لا ينعتق منه شيء حتّى يؤدّي جميع المال.

و للمولى الخيار في فسخ الكتابة فله أن يردّ ه رقّاً مع العجز

ص:80


1- كالشيخ في الخلاف 6:391،و السبزواري في الكفاية:224،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:241.
2- الانتصار:174.
3- الكافي 6:6/186،التهذيب 8:970/266،الوسائل 23:141 أبواب المكاتبة ب 4 ح 2.
4- انظر بداية المجتهد 2:379.

و لو عن بعض المال.

و لا فرق في الخيار مع العجز بين القسمين،لكنّ الأوّل ينعتق منه بقدر ما أدّى و يعود الباقي رقّاً بعد الفسخ،و الثاني يرجع جميعه في الرقّ و لو أدّى أكثر مال الكتابة.

و حدّه أي علامة العجز و سببه الدالّ عليه أن يؤخّر النجم أي المال عن محلّه و وقته على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخر،وفاقاً للمحكي عن المفيد و الإسكافي و الشيخ في أحد قوليه و الحلّي (1)؛ لأنّه إخلال بالشرط،و قضيّته قدرة المولى على الفسخ.

و للصحاح،في أحدها:ما حدّ العجز؟فقال:« إنّ قضاتنا يقولون:إنّ عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول» قلت:فما تقول أنت؟فقال:« لا و لا كرامة،ليس له أن يؤخر نجماً عن أجله إذا كان ذلك في شرطه» (2).

و مرجع الإشارة بحكم الوضع هو العجز،لا عدم تأخير النجم عن الأجل.فاندفع ما يرد عليه من قصور الدلالة،باحتمال الإشارة الرجوع إلى الأخير،فيخرج عمّا نحن فيه؛ إذ على هذا لا نزاع في فسخ كتابته.

و في ثانيهما:عن مكاتبة أدّت ثلثي مكاتبتها و قد شرط عليها إن عجزت فهي تردّ في رقّ،و نحن في حلّ مما أخذنا منها و قد اجتمع عليها نجمان.قال:« تردّ و تطيب لهم ما أخذوا» و قال:« ليس لها أن تؤخر النجم

ص:81


1- المفيد في المقنعة:551،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:639،الشيخ في الاستبصار 4:35،الحلّي في السرائر 3:27.
2- الكافي 6:1/185،التهذيب 8:968/265،الإستبصار 4:113/33،الوسائل 23:145 أبواب المكاتبة ب 5 ح 1.

بعد حدّه شهراً واحداً إلّا بإذنهم» (1).

و ما يقال من أنّ الروايتين ليستا نصّين في المطلوب؛ إذ عدم جواز التأخير غير دالّ على جواز الفسخ.

مدفوع بظهور الدلالة في الأوّل بقرينة السياق و الإنكار على من اعتبر أمراً زائداً عليه،فيصير قرينة للدلالة في الثاني،فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

و في رواية موثّقة عمل بها النهاية و بعض من تبعه (2)حدّه أن يؤخر نجماً إلى نجم فيجب على المولى الصبر إلى النجم الثاني (3).

و هي قاصرة عن المقاومة لما مرّ سنداً و دلالة من وجوه شتّى،بل ربما دلّ سياقها على الاستحباب جدّاً،مع أنّها محتملة للتقية كما صرّح به جماعة (4)و أفصحت عنه الصحيحة السابقة.

مضافاً إلى أنّها مطلقة في الحكم شاملة لصورتي العلم بعجزه عند حلول النجم الثاني و عدمه،و من قال بها لم يقل بهذا الإطلاق جدّاً بل قيّده بالصورة الثانية،معتذراً بعدم الفائدة في التأخير إلى النجم الثاني في الصورة الاُولى،فلا يجب على المولى.

و يضعّف الاعتذار بأنّ المعتبر في مثل هذا الظن الغالب،لتعذّر العلم الحقيقي،و يمكن وقوع خلاف الظن ببذل متبرّع أو مُزكٍّ أو غيرهما.

ص:82


1- الكافي 6:8/187،التهذيب 8:971/266،الإستبصار 4:114/34،الوسائل 23:146 أبواب المكاتبة ب 5 ح 2.
2- النهاية:549،و تبعه ابن البراج في المهذب 2:376.
3- التهذيب 8:972/266،الإستبصار 4:115/34،الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 15.
4- منهم:الشيخ في الاستبصار 4:35،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:300.

فهذا القول في غاية السقوط.كالقول بلزوم التأخير على المولى إلى ثلاثة أنجم،كما عن الصدوق (1)و إن دلّ عليه خبران (2)،لضعفهما سنداً و مقاومة لما مضى،فليحملا على الاستحباب كسابقهما.

و اعلم أنّ قول الماتن: و كذا لو علم منه العجز لا يستقيم جعله مقابلاً لما اختاره في حدّ العجز من أنه تأخير النجم عن محلّه؛ لأنّ العلم بالعجز إن كان قبل حلول النجم لم يتسلط السيد على الفسخ،كما صرّح به الشهيدان و غيرهما (3)من غير خلاف يعرف،بل صرّح ثانيهما بالإجماع عليه.و إن كان بعد الحلول فهو بعينه تأخير النجم إلى النجم،كما نقلناه عن العاملين بالموثّقة،فكيف يمكن للماتن أن يقول به و يختاره؟ و يستحب للمولى الصبر عليه إن عجز بلا خلاف؛ لما فيه من الإعانة على التخلّص من الرق و إنظار المعسر بالدين،لأنّه عليه بمنزلته؛ و للأمر بإنظاره سنة و سنتين و ثلاثاً (4)المحمول على الاستحباب كما عرفت جمعاً.

و كلّ ما يشترط المولى في العقد على المكاتب من نحو عدم تأخير النجم عن الوقت لازم عليه؛ لأنّه جزء من العقد فيشمله عموم

ص:83


1- المقنع:158.
2- الأوّل في:الفقيه 3:279/78،الوسائل 23:143 أبواب المكاتبة ب 4 ح 10.الثاني في:الفقيه 3:257/73،التهذيب 8:973/267،الاستبصار 4:116/34،المقنع:160،الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 16.
3- الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 6):351،و الدروس 2:245،الشهيد الثاني في المسالك 2:146؛ و انظر المهذب البارع 4:92،و نهاية المرام 2:300.
4- الوسائل 23:144 أبواب المكاتبة ب 4 ح 15،16.

ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود؛ مضافاً إلى لزوم الوفاء بالشروط،المستفاد من عموم كثير من النصوص،و خصوص الأخبار الواردة في المكاتب المشروط،فإنّها صريحة الدلالة على أنّ المؤمنين عند الشروط.

و للخبر:عن المكاتب قال:« يجوز عليه ما شرطت عليه» (1).

ما لم يخالف المشروع كأن يشترط عليه ترك التكسب فيبطل الشرط،و يتبعه بطلان العقد كما هو شأن العقود المشروطة بشيء فاسد من الشروط.

الركن الثاني المالك

و أمّا الثاني،فبيانه:أنه يعتبر في المالك جواز التصرف برفع الحجر عنه بالبلوغ و العقل و الاختيار كما مرّ في نظائر البحث.

و في اعتبار الإسلام فيه تردّد ينشأ من أنّ الكتابة هل هي عتق بعوض؟فيشترط فيه الإسلام،أو معاملة مستقلّة بين السيّد و العبد على عوض معلوم؟فلا يشترط كسائر المعاملات.

أشبهه عند الماتن و الأكثر (2)،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،بل صرّح بعض بجهالة القائل بالاعتبار (3) أنّه لا يعتبر لضعف القول بأنّه عتق.

مضافاً إلى وقوع العتق من الكافر مطلقاً،أو إذا كان مقرّاً باللّه تعالى، فلا يتمّ الدليل إلّا على القول بعدم صحّة العتق من الكافر مطلقاً،و لو كان باللّه تعالى مقرّاً.و هو ضعيف كما مضى.

ص:84


1- الكافي 6:5/186،الوسائل 23:142 أبواب المكاتبة ب 4 ح 4.
2- كالعلّامة في القواعد 2:118،و السبزواري في الكفاية:224،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:208.
3- نهاية المرام 2:302.

و ظاهر الجماعة الاتّفاق على عدم الاعتبار،مع ثبوت ضعف دليل هذا القول،لعموم ما دلّ على صحة هذه المعاملة.فإن صحّ إجماعاً،و إلّا ففي العموم مناقشة إن أُريد به عموم أدلّة مشروعية المكاتبة من الكتاب و السنة؛ لاختصاص الخطاب في الأوّل بالمسلمين الذين هم المخاطبون بالآية،بقرينة أنّ متعلّقه من يعلم الديانة خيراً لا مطلقاً،و الكافر لا يعلمها بالمعنى المراد في الآية أي الإيمان خيراً بل يزعمه شرّاً،فلا يمكن أن يتوجّه هذا الخطاب إليه جدّاً.

و التعدية إلى الكفار لا بدّ فيها من دلالة،و هي في المقام مفقودة؛ لعدم نصّ كما هو ظاهر و سيأتي إليه الإشارة،و لا إجماع في محل النزاع بلا شبهة.

و عدم عموم في الثاني،بل و لا إطلاق سوى الموثّقة المتقدمة (1)، و المتبادر منها كون المولى مؤمناً لا مطلقاً.مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام:

« و المؤمن معان» في كون العبد مؤمناً،و لا يكون عبداً للكافر غالباً، فلا تحمل الرواية على ما هو فرد نادر جدّاً.

مع أنّه لا تصحّ مكاتبة الكافر له عند جماعة؛ لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فوراً،و المكاتبة لا تقتضي الإخراج خروجاً تامّاً،و لا ترفع السلطنة خصوصاً في المشروطة،فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضاً.

و كذا إن أُريد به عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] ،أمّا على القول بكون الكتابة عقداً جائزاً مطلقاً أو في الجملة فظاهر؛ لعدم دخولها من أصلها

ص:85


1- في ص 78.

حينئذٍ فيه أصلاً.و كذا على المختار من كونه لازماً؛ لما مضى في عموم الآية السابقة من اختصاص الخطاب بالمسلم،و عدم موجب للتعدية لا من إجماع و لا سنّة.

و ثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة.و القياس حرام في الشريعة.

فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعلّه لا يخلو عن قوّة و لو قلنا بأنّ الكتابة معاملة مستقلّة؛ لعدم المقتضي لصحّتها كليّة حتّى في المسألة،لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة،و لم أقف من دونها على دلالة فتأمّل.

مع أنّ الأصل على الفساد أقوى حجّة،سيّما إذا كان العبد مسلماً؛ لما مضى.و كذا إذا كان كافراً على القول بعدم صحّة مكاتبة العبد الكافر كما هو الأقوى،و سيأتي أنّ المرتضى ادّعى عليه إجماعنا عليه مطلقاً من دون تقييد بكون المولى مسلماً (1).

و من هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العمومات و لو سلّمت؛ فإنّ الإجماع المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر لمثله،كما أنّ ما مرّ في كلام جماعة ينفي جواز مكاتبته لضدّه.فبهما تخصّص العمومات المزبورة، و لا فرد آخر للمسألة تشمله فيكون ثمرة النزاع و المشاجرة.

و أمّا الثالث،فبيانه:

الركن الثالث المكاتب

أنّه يعتبر في المملوك التكليف فلا يصّح مكاتبة الصبي و لا المجنون،بلا خلافٍ أجده حتّى من المسالك و الروضة (2)و إن ناقش في دليل الحكم المنقول عن جماعة بعض المناقشة،لكنّه نسبها

ص:86


1- الانتصار:75.
2- المسالك 2:148،الروضة 6:345.

في الثاني كالشهيد في الدروس (1)إلى الخيال المشعر بل الظاهر في تمريضه،و حكى في الأوّل بعدها الإجماع عن بعض،و جعله الحجّة من دون تزلزل و لا ريبة.

فلا مجال للمناقشة في الحكم في المسألة،سيّما مع حكاية الإجماع المزبور و إن لم نعرف ناقله الأصلي مع احتمال كونه الشهيد في شرح الإرشاد،كما حكاه عنه صريحاً السيّد في شرح الكتاب،و جعل هو أيضاً الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب (2).

و استدلّ عليه أيضاً بعد الإجماع بوجوب الاقتصار في هذه المعاملة المخالفة للأصل على مورد النص و الوفاق،و ليس إلّا كتابة المكلّف.و به استدلّ على ما سيأتي من اعتبار الإسلام في العبد.

و هو حسن لو انحصر المخرج عنه في عموم أدلّة مشروعيّة المكاتبة، و ليس بمنحصر،لوجود عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،الشامل لمحل الشبهة و المناقشة في المسألة،و هو ما إذا حصل القبول من المولى أو نحوه كالأب و الجد ممّن له الولاية عليهما،لصدق العقد على مثله جدّاً، هذا.

و العجب منه رحمه الله أنّه استدل لعدم اعتبار الإسلام في السيّد بالعموم،و ما احتمل الاعتبار لما ذكره هنا من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن من النص و الفتوى،مع أنّه لا يكاد يظهر فرق بين المقامين بوجه أصلاً،إذ كما أنّه ليس مكاتبة غير المكلّف متيقّناً من الأمرين و لا موردهما،كذا ليس مكاتبة المولى الكافر متيقّناً من أحدهما

ص:87


1- الدروس 2:242.
2- نهاية المرام 2:302.

و لا موردهما،كما مضى بيانه مشروحاً.

و كما أن عموم الوفاء بالعقود يشمل مكاتبة المولى الكافر على تقدير تسليمه،كذا يشمل على اليقين مكاتبة غير المكلف في الفرض المذكور سابقاً.

فهذا الاستدلال ضعيف،كالاستدلال بأنهما ليس لهما أهليّة القبول و الابتغاء؛ لما ذكره في المسالك و الروضة (1).

و في جواز كتابة العبد الكافر تردّد يظهر من جماعة (2)أنّ وجهه الاختلاف في تفسير الخير في الآية هل هو المال و الديانة؟أو الأوّل دون الثاني؟أو بالعكس؟فيصح على الثاني دون الباقي.

و هذا منهم ظاهر في فهمهم من مفهوم الآية المنع عن الكتابة مع عدم الخير،لا عدم الأمر بها مع عدمه،كما فهمه الشهيد الثاني،و اعترض لأجله توجيه المنع بتفسير الخير بالأوّل و الثالث،فقال:و لمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير؛ لأنّ الشرط المذكور إنّما وقع للأمر بها الدالّ على الوجوب أو الاستحباب،لا لمطلق الإذن فيها،و لا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقّف إباحتها عليه.و الدليل على تسويغ عقد المكاتبة غير منحصر في الآية.انتهى (3).

و لعلّ وجه فهم الجماعة لما ذكروه تبادره،لا ما ذكره.

و كيف كان الأظهر المنع وفاقاً للأكثر كالمبسوط و الانتصار (4)

ص:88


1- المسالك 2:148،الروضة 6:345.
2- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:593،و الشهيد الثاني في المسالك 2:148،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:473.
3- انظر المسالك 2:148.
4- المبسوط 6:130،الانتصار:174.

مدّعياً عليه الإجماع المعتضد بعدم نقل خلاف فيه عن أحد من القدماء، و إنّما المخالف الفاضل في المختلف،و الشهيدان في الروضتين (1)،مع أنّ الأول قال في أكثر كتبه كالقواعد و التحرير و الإرشاد (2)بالأوّل؛ و ناهيك هذه الحجة المعتضدة بعدم خلاف ظاهر بين قدماء الطائفة.

مضافاً إلى ما مرّ في العتق من وجوه أُخر غير اعتبار قصد القربة.

الركن الرابع العوض

و أمّا الرابع،فبيانه:أنه يعتبر في العوض أُمور:

منها كونه ديناً فلا يجوز أن يكون عيناً بلا خلاف أجده؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما في كلام جماعة (3)من أنها إن كانت ما بيد العبد فلا معاوضة،لأنّها للسيّد.و إن كانت لغيره فهي كجعل ثمن البيع من غير المشتري،و هو غير جائز،لأنّ المعاوضة إنّما تتحقق مع ملك باذل كلّ من العوضين ما وقع بذله.و هذا بخلاف الدين؛ فإنّ المكاتب يخرج عن محض الرقية و يصير قابلاً للملك بالكسب المتجدد،فيجوز جعله عوضاً.

و هذا التوجيه لا يتمشّى في الصورة الأُولى إلّا على المختار من عدم مالكية العبد؛ لصحة التعليل بأنّها للسيد على هذا التقدير.و أمّا على غيره من مالكية العبد مطلقاً أو على بعض الوجوه فغير صحيح؛ لأنّها للعبد، و غاية ما يكون ثبوت الحجر عليه في التصرف فيه،و هو بالإذن بالكتابة عليه مرفوع عنه.

ص:89


1- المختلف:639،اللمعة و الروضة البهية 6:352 353.
2- القواعد 2:119،التحرير 2:84،الإرشاد 2:76.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:470،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:205.

فلا وجه للمنع عن صحة الكتابة على العين في هذه الصورة،فعدمه فيها على هذا القول لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد على المنع إجماع الطائفة، و لكن لعلّه ظاهر الانعقاد،كما يستفاد من تتبّع كلماتهم في المسألة.

نعم،استوجه عدم المنع على هذا القول السيد في شرح الكتاب، و لكن الظاهر أنّه مسبوق بعدم الخلاف بل الإجماع،فلا يقدح خروجه، سيما مع كونه معلوم النسب،و هذا أيضاً من أعظم الشواهد على المختار من عدم مالكية العبد على الإطلاق.

و منها:كونه مؤجّلاً فلا يصح حالّا لفظاً أو حكماً عند الأكثر، وفاقاً للشيخ و ابن حمزة (1)؛ تبعاً للسلف،فإنّهم ما كانوا يكاتبون إلّا على العوض المؤجل،فيكون ذلك منهم إجماعاً أو كالإجماع.

و التفاتاً إلى عجزه عن الأداء في الحال؛ لأنّ ما في يده للسيّد، و ما ليس في يده متوقع الحصول،فلا بد من ضرب الأجل،لئلّا يتطرق الجهالة الموجبة للغرر المنهي عنه في الشريعة.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل على تقدير تسليمه بعدم ثبوت المنع به عما عدا المؤجّل،إذ غايته الاتّفاق على ثبوت المؤجل،و هو أعم من فساد الحال.

و بالجملة:الإجماع النافع في المقام ما وقع على فساد الحالّ،لا على صحّة المؤجل؛ مع إمكان ورود مكاتبتهم مورد الغالب من عجز المكاتب عن الأداء في الحال،و هو لا يستلزم اتفاقهم على فساد الفرد النادر مع التحقق.

ص:90


1- المبسوط 6:73،الوسيلة:344.

و الثاني بمنع الجهالة؛ لإمكان حصول المال في كلّ وقت يتعقّب العقد و لو بالاقتراض و نحوه.

فما عن الخلاف و الحلّي (1)من عدم اشتراط هذا الشرط لا يخلو عن قوّة،للأصل و العمومات،سيّما على القول بكونها بيعاً أو عتقاً بعوض.

و مال إليه الشهيدان في نكت الإرشاد و المسالك و الروضة (2).

و ينبغي القطع به فيما لو كان بعضه حرّا،فكاتبه على قدره فما دون حالّا.

و حيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه كأجل النسية بما لا يحتمل النقصان و الزيادة،و لا يشترط زيادته عن أجل عندنا،كما في الدروس و المسالك و الروضة (3)؛ لحصول الغرض.

و منها:كونه معلوم القدر و الصفة بلا خلاف أجده؛ لاستلزام عدم المعلومية الغرر المنهي عنه في الشريعة.و يعتبر ضبطه كالنسية،و إن كان عرضاً فكالسلف،و يمتنع فيما يمتنع فيه.

و منها:كونه مما يصحّ تملكه للمولى بلا خلاف فيه أيضاً،فلو كاتب المسلم عبده الذمي على ما لا يملكه كخمر و خنزير بطل؛ لعدم دخوله في ملكه.

و إنّما عدل إلى التعبير بالمولى عن التعبير بالمسلم،ليدلّ على صحّة مكاتبة الكافر على ما يملكه و إن كان لا يملكه المسلم كما هي مذهبه.

و عليه فلو كانا ذميّين و أوقعا المكاتبة على الخمر و الخنزير،فإن

ص:91


1- الخلاف 6:383،السرائر 3:30.
2- المسالك 2:145،الروضة 6:348.
3- الدروس 2:243،المسالك 2:145،الروضة 6:349.

أسلما بعد التقابض لم يكن عليه شيء للمولى أصلاً.

و إن كان قبله فهل له عليه قيمة العوض؟أم قيمة نفسه؟أم تبطل الكتابة من أصلها؟أقوال:أجودها الأوّل،كما عليه الشيخ (1)و الأكثر؛ استناداً في صحة المكاتبة إلى الأصل،و عدم ظهور المخرج عنه؛ و في لزوم قيمة العوض إلى أنّ الواجب بالعقد عينه،و مع تعذره شرعاً ينتقل إلى قيمته.

و يندرج في عموم ما يملكه المولى الأعيان و المنافع حتى منفعة المكاتب مدّة معيّنة،و به صرّح جماعة (2)،و لا خلاف فيه أجده.

و في الخبر المروي في الفقيه في هذا الكتاب:عن رجل قال:غلامي حرّ و عليه عمالة كذا و كذا سنة،فقال:« هو حرّ و عليه العمالة» (3)الحديث، فتأمّل.

و لا حدّ لأكثره بلا خلاف؛ للإطلاقات المؤيّدة بظاهر كثير من النصوص لكن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنه يكره أن يتجاوز قيمته وقت الكتابة.

و حجّتهم غير واضحة،مع أنّ في المرسل لأبان:رجل ملك مملوكاً فسأل صاحبه المكاتبة،إله أن لا يكاتبه إلّا على الغلاء؟قال:« نعم» (4).

ص:92


1- المبسوط 6:128.
2- منهم:صاحب المدارك في نهاية المرام 2:305،و السبزواري في الكفاية:224.
3- التهذيب 8:857/237،الوسائل 23:25 أبواب العتق ب 10 ح 2.
4- الفقيه 3:296/76،التهذيب 8:994/272،الوسائل 23:161 أبواب المكاتبة ب 18 ح 1.

لكن لا بأس بمتابعتهم،فإنّ المقام مقام الكراهة.

و لو دفع ما عليه قبل حلول الأجل فالمولى بالخيار بين قبوله و الامتناع منه بلا خلاف،بل عليه في التنقيح الإجماع (1)إلّا من الإسكافي (2)،فأوجب عليه القبول في بعض الصور.

و يدفعه بعد الأصل و منافاته لمقتضى العقد و الشرط صريح الخبر:

إنّ مكاتباً أتى علياً عليه السلام و قال:إنّ سيدي كاتبني و شرط عليّ نجوماً في كل سنة،فجئته بالمال كلّه ضربة،فسألته أن يأخذه كلّه ضربة فيجيز عتقي، فأبى عليّ،فدعاه علي عليه السلام فقال:صدق،فقال له:« ما لك لا تأخذ المال و تمضي عتقه؟» فقال:ما آخذ إلّا النجوم التي شرطت،و أتعرّض من ذلك إلى ميراثه،فقال علي عليه السلام:« أنت أحقّ بشرطك» (3).

و لم أقف للمخالف على دليل نعم،في الصحيح:في مكاتب ينقد نصف مكاتبة و يبقى عليه النصف،فيدعو مواليه،فيقول:خذوا ما بقي ضربة واحدة،فقال:« يأخذون ما بقي و يعتق» . (4).و لكن لم يقل بإطلاقه إلّا بعض العامة (5)،فيحتمل الحمل على التقية أو الاستحباب،أو مجرّد الرخصة كما يفصح عنه الرواية السابقة.

و اعلم أنه يجوز الدفع من سهم الرقاب إلى المكاتب مطلقاً

ص:93


1- التنقيح الرائع 3:475.
2- كما نقله عنه في المختلف:645.
3- التهذيب 8:998/273،الإستبصار 4:119/35،الوسائل 23:160 أبواب المكاتبة ب 17 ح 2.
4- الفقيه 3:272/76،التهذيب 8:989/271،الوسائل 23:160 أبواب المكاتبة ب 17 ح 1.
5- المغني لابن قدامة 12:359.

إجماعاً فتوًى و نصاً،كتاباً و سنّة،بل قالوا: لو عجز المطلق عن الأداء فكّه الإمام عليه السلام من سهم الرقاب وجوباً لكن لم أقف لهم على حجّة أصلاً.

نعم،في الخبر المرسل:عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها،قال:« يؤدّى عنه من مال الصدقة،فإنّ اللّه تعالى يقول في كتابه وَ فِي الرِّقابِ [1] » (1).و هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه من الوجوب من وجوه،و لذا يظهر من الكفاية التردّد فيه (2)،تبعاً للسيّد في شرح الكتاب (3)،و لعلّه في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

أما الأحكام فمسائل ثلاث

اشارة

و أمّا الأحكام المتعلّقة بالمقام فمسائل ثلاث

الأُولى إذا مات المشروط بطلت الكتابة

الأُولى: إذا مات المكاتب المشروط و لم يؤدّ المال جميعاً بطلت الكتابة و كان ماله و أولاده من أمته لمولاه مطلقاً خلّف ما فيه وفاء بمال الكتابة،أم لا،على الأشهر الأقوى؛ استصحاباً للعبودية،فإنّ المشروط لا ينعتق إلّا بأداء مجموع ما عليه،لا بأداء بعضه،و لا بالقدرة على الأداء،و المفروض أنّه لم يؤدّ ما شرط عليه،فيكون مات عبداً يرث أمواله و أولاده المولى؛ و مع ذلك الصحاح به مستفيضة جدّاً،سيأتي إلى جملة منها الإشارة إن شاء اللّه تعالى.

ص:94


1- الفقيه 3:258/74،التهذيب 8:1002/275،الوسائل 23:166 أبواب المكاتبة ب 21 ح 1.و الآية في التوبة:60.
2- الكفاية:225.
3- نهاية المرام 2:306.

خلافاً للخلاف (1)،ففصّل بين صورتي الإطلاق،و وافق القوم في الثانية،و حكم في الأُولى بوجوب وفاء ما عليه من وجه الكتابة،و كون الباقي إن كان للورثة.

و هو مع مخالفته الأدلّة المتقدمة شاذّ،غير واضح الحجة،لم أر من يوافقه من الطائفة سوى الصدوق،حيث أطلق الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من كتابته من تركته على ابنه من جاريته،و أنّه يرث ما بقي،و لم يفصّل بين المشروط و المطلق (2).لكن ربما يشعر سياق عبارته بإرادته الثاني،فيوافق الإسكافي في قوله الآتي (3).

و إن مات المطلق و لم يؤدّ شيئاً فكذلك كان ماله و أولاده التابعون له في الكتابة للمولى،بلا خلاف أجده،بل نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب كافّة (4).لكن احتمل فيه بعد النسبة أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة،لأنّه كالدين،و استوجهه السيد في شرح الكتاب (5).و هو ضعيف و إن كان يناسب الرواية الآتية سنداً للإسكافي.

و إن كان قد أدّى شيئاً تحرّر منه بقدره،و كان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقيّته،و لورثته بنسبة الحرّية و لم يكن عليهم شيء من مال الكتابة إن كانوا أحراراً في الأصل للأصل.

و إلّا يكونوا أحراراً في الأصل بأن كانوا أولاداً له من أمته بعد الكتابة تحرّر منهم بقدر ما تحرّر منه و أُلزموا في نصيبهم بما بقي من

ص:95


1- الخلاف 6:394.
2- المقنع:159.
3- في ص 97.
4- الدروس 2:246.
5- نهاية المرام 2:307.

مال الكتابة فإذا أدوه تحرّروا،و لو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم للنصوص،منها الصحيحان:

في أحدهما:عن رجل كاتب عبداً له عليّ ألف درهم،و لم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرق.و إنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم،ثم مات المكاتب،و ترك مالاً و ترك ابناً له مدركاً.قال:« نصف ما تركه المكاتب من شيء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب؛ لأنّ المكاتب مات و نصفه حرّ،و نصفه عبد للذي كاتبه،فابن المكاتب كهيئة أبيه:نصفه حرّ،و نصفه عبد للذي كاتب أباه،فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ،لا سبيل لأحد من الناس عليه» (1).

و في الثاني:« قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب توفّي و له مال، قال:يقسّم ماله على قدر ما أُعتق منه لورثته،و ما لا يعتق منه يحتسب لأربابه الذين كاتبوه،هو مالهم» (2).

و منها الخبر القريب من الصحيح،بتضمّن سنده ابن ابي عمير و جميل:عن المكاتب يموت و له ولد،فقال:« إن كان قد اشترط عليه فولده مماليك،و إن لم يكن يشترط عليه شيء يسعى ولده في مكاتبة أبيهم، و عتقوا إذا أدّوا» (3).

ص:96


1- الكافي 6:3/186،التهذيب 8:969/266،الإستبصار 4:123/37،الوسائل 23:149 أبواب المكاتبة ب 7 ح 1.
2- التهذيب 8:999/274،الإستبصار 4:124/37،الوسائل 23:162 أبواب المكاتبة ب 19 ح 1.
3- الفقيه 3:274/77،التهذيب 8:993/272،الإستبصار 4:127/38،الوسائل 23:151 أبواب المكاتبة ب 7 ح 4.

و هذا مضافاً إلى صحيحين آخرين آمرين على الابن بالأداء (1)، لكنّهما دالّان على مذهب الإسكافي هو الحجة في إلزامهم بأداء ما بقي من مال الكتابة،دون الأولين،إذ ليس فيهما الإشارة إلى ذلك.

نعم،في الأوّل:إنّ الوارث إذا أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه صار حرّا.و هو غير إلزامهم بذلك.

و ما تضمّنته العبارة كالصحيحين من قسمة المال بين المولى و الأولاد بقدر نسبة الحرّية و الرقّية،و خروج مال الكتابة من نصيب الورثة، دون أصل التركة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

و لكن في رواية بل روايات صحيحة مستفيضة عمل بها الإسكافي (2):إنّ الورثة يؤدّون ما بقي من مال الكتابة من أصل التركة و ما فضل منها بعد الأداء لهم من دون أن تقسم التركة بينهم و بين المولى.

ففي الصحيح:مكاتب يموت و قد أدّى من بعض كتابته،و له ابن من جاريته،قال:« إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك،رجع ابنه مملوكاً و الجارية،و إن لم يكن اشترط عليه أدّى ابنه ما بقي من الكتابة و ورث ما بقي» (3).

ص:97


1- الأول في:الفقيه 3:267/76،التهذيب 8:988/271،الوسائل 23:150 أبواب المكاتبة ب 7 ح 3.الثاني في:التهذيب 8:990/271،الإستبصار 4:130/39،الوسائل 23:162 أبواب المكاتبة ب 19 ح 2.
2- نقله عنه في المختلف:640.
3- الفقيه 3:273/77،التهذيب 8:991/227،الإستبصار 4:125/37،الوسائل 23:163 أبواب المكاتبة ب 19 ح 3.

و هذه الروايات و إن كانت مع صحّتها مستفيضة إلّا أن ذينك الصحيحين أقرب إلى الترجيح؛ لاعتضادهما بالشهرة العظيمة،و الأُصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلّي بما عليه الأكثر،فقال:و الذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول:يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية،و ابنه أو وارثه بقدر ما تحرّر منه،و يؤخذ بقيّة مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه،لأنّ الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرّة،دون جميع ما خلّفه و تركه الميت،لأنّ الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئاً،لأنه مال سيّده دونه،و إنّما الدين يتعلق بما فيه الحرية و نصيبها دون جميع التركة (1).انتهى.

و لا ريب أن مجرد الاستفاضة لا يكافئ شيئاً من المرجّحات المزبورة سيّما الشهرة،فلتطرح المستفيضة،أو يجمع بينهما و بين الأوّلين بما ذكره الشيخ في الكتابين (2).

و المكاتب المطلق إذا أوصى أو أُوصي له صحّ الوصيّة منه و له في نصيب الحرّية و بطل في الزائد إجماعاً؛ للصحيحين (3).

و لو لم يتحرر منه شيء أو كان مشروطاً لم تصحّ الوصية منه إجماعاً؛ للصحيح و غيره،و لا له مطلقاً على الأشهر الأقوى؛ للصحيح.

هذا إذا كان الموصى غير المولى،أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً،و يعتق

ص:98


1- السرائر 3:27.
2- الاستبصار 4:38،التهذيب 8:274.
3- الأول في:الفقيه 3:251/72،المقنع:158،الوسائل 23:165 أبواب المكاتبة ب 20 ح 1.الثاني في:التهذيب 8:1000/275،الوسائل 23:165 أبواب المكاتبة ب 20 ح 2.

منه بقدر الوصية.و قد مضى في كتابها تمام التحقيق في المسألة و شقوقها.

و كذا لو وجب عليه حدّ أُقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرّية،و من حدّ العبد بنسبة ما فيه من الرقّية ثم إن قسّمت الأسواط على صحّة،و إلّا قبض بنسبة الجزء.

و إن لم يتحرّر منه شيء أو كان مشروطاً،حدّ حدّ العبد،و إن كان قد خرج منهم من وجه،لأنّه لم يصرّحواً محضاً،و الحدّ مبني على التخفيف، فرجّح فيه جانب الأقل.

و في الصحيح:« المكاتب يجلد الحدّ بقدر ما أُعتق منه» (1).

و تمام الكلام في المقام موكول إلى كتاب الحدود.

و لو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه منها و حدّ بما تحرّر لأنّه وطء محرّم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد.

و لا يجب كماله؛ لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحدّ و إن كان متزلزلاً،فيجب بالنسبة.

و لصريح بعض المعتبرة:عن رجل كانت أمة له،فقالت الأمة:

ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرّة على حساب ذلك؟فقال لها:نعم.فأدّت بعض مكاتبتها،و جامعها مولاها هنا بعد ذلك.فقال:« إن استكرهها بعد ذلك ضرب من الحدّ بقدر ما أدّت من مكاتبتها،و درئ عنه من الحدّ بقدر ما بقي لها من مكاتبتها.و إن كانت تابعته كانت شريكة له في الحد،ضربت مثل ما يضرب» (2).

ص:99


1- التهذيب 8:1005/276،الوسائل 23:167 أبواب المكاتبة ب 22 ح 1.
2- الكافي 6:4/186،التهذيب 8:977/268،الإستبصار 4:121/36،الوسائل 23:151 أبواب المكاتبة ب 8 ح 1.

و لو كانت مشروطة أو لم يؤدّ شيئاً فلا حدّ.لكن يعزّر،لتحريم وطئه لها مطلقاً،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثانية:

الثانية ليس للمكاتب التصرف في ماله بهبة،و لا عتق،و لا إقراض

ليس للمكاتب التصرف في ماله:بهبة،و لا عتق، و لا إقراض و لا بيع،بلا خلاف فيه في الجملة؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة:

منها الصحيح:في رجل كاتب على نفسه و ماله،و له أمة،و قد شرط عليه ألّا يتزوّج،فأعتق الأمة و تزوّجها،قال:« لا يصلح له أن يحدث في ماله إلّا الأكلة من الطعام،و نكاحه فاسد مردود» قيل:فإنّ سيده علم بنكاحه و لم يقل شيئاً،قال:« إذا صمت حين يعلم فقد أقرّ» قيل:فإنّ المكاتب عتق،أ فترى أن يجدّد النكاح أو يمضي على النكاح الأول؟قال:

« يمضي على نكاحه» (1).

و نحوه في الجملة المعتبران الآتيان.

و إطلاقه كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في المكاتب بين نوعيه،و به صرّح في الروضة (2).و لا في التصرفات بين كونها منافية للاكتساب أم غير منافية.

خلافاً للمعتبرين في الأوّل،فقيّداه بالمشروط:

أحدهما الصحيح:« المكاتب لا يجوز له عتق و لا هبة و لا تزويج حتى يؤدّي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو ردّ في الرق، و لكن يبيع و يشتري،فإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن

ص:100


1- الكافي 6:12/188،الفقيه 3:271/76،التهذيب 8:978/269،الوسائل 23:147 أبواب المكاتبة ب 6 ح 1.
2- الروضة 6:363.

يقضي دينه،لأنّه عبده» (1).

و نحوه الثاني القريب من الصحيح (2)؛ لانجبار ضعف بعض رواته برواية ابن محبوب عنه،و هو كالضعيف ممّن حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة.و زيد فيه بعد الثلاثة:و لا حج و لا شهادة.

و هما شاذّان،كالصحيح:في المكاتب يشترط عليه مولاه ألّا يتزوج إلّا بإذن منه حتى يؤدّي مكاتبته،قال:« ينبغي له ألّا يتزوج إلّا بإذن منه فإنّ له شرطه» (3)من حيث دلالته بمفهوم التعليل على أنّه لولا الشرط لجاز نكاحه.

و يمكن الذبّ عن شذوذ المعتبرين بصرف الشرط فيهما إلى عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين أداء جميع وجه الكتابة،لا إلى أصل المنع عنها الشامل له و لو في الجملة.

و لا ريب فيهما حينئذ؛ فإنّ الذي يمنع من التصرّفات بالكلية إلى أداء جميع مال الكتابة إنما هو المشروط خاصّة.و أمّا المطلق فلا يمنع عن التصرفات كذلك؛ لجوازها في حقّه و لو على بعض الوجوه،كما إذا أدّى بعض المكاتبة،فإنّه تصح تصرفاته بنسبة الحرّية كما مضى إليه الإشارة.

و بالجملة:الشرط ليس شرطاً لأصل المنع فيرد الشذوذ،بل شرط لكليّته إلى الأداء.

و لجماعة في الثاني،فقيّدوا التصرفات الممنوعة بما ينافي الاكتساب

ص:101


1- التهذيب 8:1001/275،الوسائل 23:148 أبواب المكاتبة ب 6 ح 3.
2- الكافي 6:2/186،التهذيب 8:976/268،الوسائل 23:147 أبواب المكاتبة ب 6 ح 2.
3- الكافي 6:9/187،الوسائل 23:148 أبواب المكاتبة ب 6 ح 5.

خاصّة،و منهم الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (1)،حيث قيّد الهبة بما لا يستلزم عوضاً زائداً عن الموهوب،قال:و إلّا فلا منع،للغبطة،و في صحّة العوض المساوي وجه،إذ لا ضرر حينئذٍ،كالبيع بثمن المثل و الشراء به،و العتق بما فيه ضرر،قال:و له قبول هبة من ينعتق عليه مع عدم الضرر،بأن يكون مكتسباً قدر مؤنته فصاعداً،و الإقراض بعدم الغبطة، قال:فلو كانت في طريق خطر يكون الإقراض أغبط من بقاء المال،أو خاف تلفه قبل دفعه إلى المولى،أو بيعه أو نحو ذلك،فالمتجه الصحّة.

و البيع،بنحو البيع نسية بغير رهن و لا ضمين موسراً و محاباة أو بغبن،قال:

لا مطلق البيع،فإنّ له التصرف بالبيع و الشراء و غيرهما من أنواع التكسب التي لا خطر فيها و لا تبرّع.

ثم إنّه رحمه الله بعد التقييدات قال مشيراً إلى الأصحاب:و لكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر (2).

و هو كما ترى مشعر بالوفاق على الإطلاق.فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،و إلّا لما خالفهم هو و لا غيره ممن تقدّم عليه و تأخّر عنه فالأجود التقييد بما ذكره،لأنّ المكاتب و إن كان عبداً لا يجوز له التصرف بحال اتّفاقاً فتوًى و نصّاً،و منه الصحيح المتقدم المعلِّل للزوم أداء دينه على سيّده بأنّه عبدة (3).إلّا أن جوازه له حيث لم يوجد فيه قيود المنع،و يجمعه ما لم يناف الاكتساب مستند إلى إذن المولى الناشئ من كتابته له،بناءً على أن مقتضاها حصول العتق بالأداء،و لا يمكن في الأغلب سيّما على المختار

ص:102


1- المسالك 2:151،الروضة 6:363.
2- الروضة 6:364.
3- راجع ص 100.

من عدم مالكيته إلّا بالتكسب،فقد أذن له فيه بالالتزام،و هو عامّ يشمل التصرفات المذكورة إذا لم تناف الاكتساب،فتأمل.

مع أنّ فيه جمعاً بين عموم الصحيح الأوّل،المانع له عن التصرفات غير المستثنى منه الشاملة للبيع و الشراء،و إطلاق الصحيح الثاني بجواز إهماله.بحمل الأول على محل القيد و الثاني على غير محلّه.

و يمكن تنزيل إطلاق العبائر على هذا التفصيل بأن يقال:قولهم بعد المنع: إلّا بإذن المولى يدلّ على اختصاص المنع بصورة عدم الإذن و ارتفاعه في محله،و هو يعمّ الصريح و الضمني الشامل لما لا يتحقّق فيه قيد المنع،فلا خلاف.

و اعلم أن السند في الجواز مع الإذن بعد الأصل و الإجماع على الظاهر أولويّة ثبوته للقنّ معه.

و حيث يعتق بإذنه فالولاء له إن عتق،و إلّا فللمولى.

و لو اشترى من ينعتق عليه لم يعتق عليه في الحال،فإن عتق تبعه، و إلّا استرقّهما المولى.

و لو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتب.

و حيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه،و لم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ؛ لزوال المانع كالفضولي،بل هو بالنفوذ أولى،و ربما دلّ عليه الصحيح الأوّل،و لا قائل بالفصل.

و قيل (1):يبطل من أصله؛ لوقوعه على خير الوجه المشروع.و هو كما ترى؛ فإنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد على الأشهر الأقوى.

ص:103


1- قاله في إيضاح الفوائد 3:611.

و كما أنّه ليس للمكاتب التصرف في ماله بنحو ما مرّ،كذا ليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء مطلقاً،مشروطاً كان أو مطلقاً،بلا خلاف ظاهراً.

قيل:لخروجه بالكتابة عن محض الرقّية (1)،و انقطاع سلطنة المولى عنه،و لذا امتنع من المولى بيعه و عتقه قبل فسخ الكتابة،و جاز له معاملة المولى بالبيع و الشراء إجماعاً.

و ليس المراد بجواز التصرف بالاستيفاء جواز أخذه من المكاتب قهراً لأجل الاستيفاء مطلقاً؛ لأنّ المكاتب كالمديون في تخيّره في جهة الوفاء، و تعيين الدين في أعيان ما بيده موكول إليه.بل المراد جواز ذلك في الجملة،و هو ما إذا كان مشروطاً و حلّ النجم فلم يؤدّه،و كان بيده مال بقدره.و أما لو زاد فالتعيين موكول إليه أو إلى الحاكم حيث يمتنع عنه،كما في كلّ ممتنع.

و لا يحلّ له أي للمولى وطء أمته المكاتبة و لو برضاها مطلقاً لا بالملك و لا بالعقد إجماعاً؛ لخروجها بالمكاتبة عن محض الرقّية المسوّغ لوطئها بملك اليمين،و عدم صيرورتها حرّة يستباح بضعها بالعقد،لأنّ المكاتب على مرتبة بين الرقّ و العتق.

هذا مضافاً إلى[أنّ]بعض المعتبرة المتقدم في زنا المولى بمكاتبته المطلقة،الصريح في حرمة الوطء بالأول،و إطلاق المعتبرين المتقدّمين (2)،الدالّين على أنّه لا يجوز للمكاتب عتق و لا هبة و لا نكاح، ربما دلّ على المنع عن نكاحه و لو من المولى.

ص:104


1- قاله السبزواري في الكفاية:225.
2- في ص 100.

و المكاتب فيهما و إن كان بلفظ التذكير إلّا أن الظاهر منه إرادة الجنس الشامل للمؤنث،بناءً على اشتراكها مع المذكر في المنع عن الأُمور المزبورة في الخبرين عند الأصحاب،فتأمل.

و لو وطئها مكرها لها لزمه مهرها بلا خلاف ظاهر؛ للقوي:

في مكاتبة يطؤها مولاها فتحمل،قال:« يردّ عليها مهر مثلها،و تسعى في قيمتها،فإن عجزت فهي من أمّهات الأولاد» (1).

و إطلاقه بل عمومه يشمل صورتي الإكراه و عدمه،و به صرّح الشهيدان (2)،قال ثانيهما:لأنها لم تستقلّ بملكه ليسقط ببغيها.

و منه يظهر الوجه في تقييد العبارة لزوم المهر بالإكراه،و جوابه، مضافاً إلى عموم الخبر المخصّص لحديث:« لا مهر لبغيّ» (3)على تقدير شموله لمحلّ الفرض.

و في تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه:ثالثها ذلك،مع تخلّل الأداء بين الوطأين.و رابعها ذلك مع العلم بتعدّد الوطء،و عدمه مع الشبهة المستمرّة.

و يضعّفهما و القول بالتكرّر على الإطلاق عموم القويّ السابق،بل ظاهره الناشئ من ظهور السؤال في تكرّر الوطء،حيث عبّر في الأخبار عنه ب:« يطأ» المفيد للتجدّد و الاستمرار،و ظاهر الجواب ليس إلّا ثبوت المهر الواحد.

ص:105


1- الكافي 6:16/188،الفقيه 3:350/93،التهذيب 8:981/269،الإستبصار 4:122/36،الوسائل 23:158 أبواب المكاتبة ب 14 ح 2.
2- الأول في الدروس 2:250،و الثاني في الروضة 6:366.
3- صحيح البخاري 7:79،سنن الترمذي 3:/575 1276،السنن الكبرى للبيهقي 6:6،و فيها(نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم عن ثمن الكلب و مهر البغي..).

و لا يجوز لها أن تتزوّج إلّا بإذنه بلا خلاف؛ لإطلاق المعتبرين المتقدمين بناءً على التوجيه المتقدم.

مضافاً إلى استصحاب عدم الجواز قبل الكتابة،و عدم المخرج عنه سوى عقدها،و لا يتضمّن سوى الإذن في الاكتساب و ليس منه التزويج.

و على تقديره فيمنع عنه من وجه آخر و هو تعقّبه الضرر بالحمل،المستلزم لاحتمال الفوت بالطلق.و الكسب المرخّص فيه ليس سوى الذي لم يتعقّبه الضرر غالباً بالإجماع،و لذا يمنع عن نحو البيع نسيئة و القراض.

و لو أذن لها في التزويج صحّ و ملكت المهر.

و الفرق بين تزويجها من غير المولى و تزويجها منه حيث اتّفقوا على الصحّة في الأول،و عدمها في الثاني أنّ الملك له غير تام،لتشبثّها بالحرّية،و العقد كذلك غير تامّ،لعدم استقلالها،و البضع لا يتبعّض.أمّا الغير فلمّا كان الحق منحصراً فيهما،و زوّجته نفسها بإذن المولى فقد أباحت نفسها بوجه واحد.

و لو حملت بعد الكتابة كان حكم ولدها حكمها في رقّه برقّها و انعتاقه بعتقها؛ لأنه كسبها فيتبع حرّيتها و رقيّتها كسائر اكتسابها.

و ليس المراد سراية الكتابة إلى أولادها كالتدبير،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (1)،و دلّ عليه ما مضى من الأخبار المستفيضة في ميراث المكاتب،الصريحة في تبعيّة الأولاد له في الانعتاق و الرقّية؛ و هي الحجّة في المسألة.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر،و الحسن:« المكاتبة ما ولدت في

ص:106


1- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:627،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:314،و السبزواري في الكفاية:225.

مكاتبتها فهم بمنزلتها،إن ماتت فعليهم ما بقي عليها إن شاؤوا،فإذا أدوا عتقوا» (1).

و الحكم فيه و في العبارة و إن اختص بولد الأمة انّ ولد العبد كذلك؛ لباقي الأدلّة.

ثم إنّ هذا إذا لم يكونوا أي الأولاد أحراراً و إلّا لم يتبعوا أبويها في الرقّ حيث يعودان فيه قطعاً.

الثالثة:

الثالثة يجب على المولى إعانته من الزكاة

يجب على المولى إعانته مشروطاً كان أو مطلقاً من الزكاة إن وجبت عليه. و لو لم تكن واجبة عليه استحبّ له إعانته تبرّعاً وفاقاً للخلاف و كثير من المتأخرين (2)،و ادّعى فيه على ذلك إجماع الفرقة و أخبارهم؛ و هو الحجة في الوجوب،و التخصيص بالمولى، مضافاً إلى ظاهر الآية فيهما (3)،الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب و لا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب و ظهور السياق في اختصاص الضمير المتعلّق به الأمر بالمولى،فلا يعمّ من عداه.

و في تخصيص المال بالزكاة و إن كانت الآية فيه مطلقة،و تخصيص الآية بصورة وجوبها و الاستحباب في غيرها تبرّعاً.

لكن في الخبر:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ [1] (4)قال:« تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه و لا تزيد فوق ما في نفسك» فقلت:كم؟فقال

ص:107


1- التهذيب 8:951/261،الإستبصار 4:106/31،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 4.
2- الخلاف 6:397؛ و انظر الدروس 2:247،و الروضة 6:357.
3- النور:33.
4- النور:33.

« وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك ألفاً من ستّة آلاف» (1).

و هو كما ترى مناف لما مرّ من حيث تفسيره المؤتى بوضع بعض النجوم.لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور،و مع ذلك كاد أن يلحق بالشواذّ،لعدم مفتٍ بمضمونه بالخصوص،فإنّ الأصحاب ما بين مفتٍ بما مرّ،و حاكمٍ بالوجوب على المولى،جاعلاً متعلّق الوجوب هو الحطّ عن مال الكتابة مع إتيانه شيئاً يستعين به على الأداء،وجبت على المولى الزكاة أم لا،كما عن المبسوط و جماعة (2).و مخصّصٍ للحكم بغير المشروط العاجز عن توفية ثمنه،مفصّلاً بين وجوب الزكاة على المولى،فتجب عليه الإعانة منها و عدمه،فعلى الأمام أن يفكّه من سهم الرقاب كما عليه الحلّي (3).و نافٍ للوجوب من أصله،حاكمٍ باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبته شيئاً من ماله من سهم الرقاب،كما عن ابن حمزة و القاضي (4).

و هذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط؛ لتفسيره الإيتاء بالحطّ عن بعض النجوم كما فيها،لكن زاد:

و يؤتيه شيئاً يستعين به على الأداء.فتخالفا من هذه الجهة،فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة لم يعلم قائل بمضمونها أصلاً.

نعم،عن الإسكافي إنّه قال بعد ذكر الآية:و يحتمل أن يكون ذلك أمراً بأن يدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا،

ص:108


1- الكافي 6:17/189،الفقيه 3:256/73،التهذيب 8:982/270،الوسائل 23:153 أبواب المكاتبة ب 9 ح 2.
2- المبسوط 6:93؛ و انظر الكفاية:225.
3- السرائر 3:29.
4- الوسيلة:345،المهذّب 2:377.

و يحتمل أن يكون ندباً للسيد أن يضع عنه جزءاً من مكاتبته (1).و احتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب.

الاستيلاد

و أما الاستيلاد للإماء بملك اليمين،المترتب عليه أحكام خاصة،منها:بطلان كلّ تصرّف فيها ناقل للملك عنه إلى غيره،غير مستلزم للعتق،أو مستلزم للنقل كالرهن.و منها:عتقها بموت المولى قبلها مع خلوّ ذمته عن ثمن رقبتها،أو وفاء التركة و حياة الولد،و غير ذلك.

فهو يتحقق بعلوق أمته منه أي حملها منه في ملكه بما يكون مبدأ نشوء آدمي و لو مضغة،لا بعلوق الزوجة الأمة،و لا الموطوءة لشبهة و إن ولدته حرّا أو ملكهما بعد،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل عن ظاهر المبسوط (2)الإجماع عليه في بعض الصور مع أحد الأمرين؛ و هو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى الأصل مطلقاً،المعتضد بالخبر المنجبر قصوره بعمل الأكثر:في رجل يتزوّج الأمة و يولدها ثم يملكها و لم تلد عنده بعد،قال:

« هي أمته،إن شاء باعها،ما لم يحدث بعد ذلك حمل،و إن شاء أعتق» (3).

خلافاً للشيخ و ابن حمزة (4)،فأثبتا بذلك الاستيلاد؛ نظراً إلى إطلاق النصوص الدالّة على حكمه بناءً على الوضع اللغوي.

و يضعّف أولاً:بعدم عموم في الإطلاق،لانصرافه بحكم التبادر إلى

ص:109


1- نقله عنه في المختلف:641.
2- المبسوط 6:185.
3- التهذيب 7:1940/482،الوسائل 23:172 أبواب الاستيلاد ب 4 ح 1؛ بتفاوت يسير.
4- الخلاف 6:426،المبسوط 6:186،الوسيلة:308.

التي علقت به في الملك لا في الأمرين.

و ثانياً،بعد تسليمه:بلزوم تقييده بما مرّ من الخبر المعتبر و لو بالعرض.

و لا بالنطفة،وفاقاً للأكثر (1)؛ للأصل،و عدم تسميتها ولداً في العرف.و هو و إن جرى في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكنه ملحق بالولد بالإجماع.

خلافاً للنهاية (2)،فألحقها به أيضاً؛ نظراً منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب،و لذا يقيّد بالعلقة و المضغة.و النطفة بعد استقرارها و استعدادها للصورة الإنسانية يشبه العلقة في الجملة.و هو كما ترى.

ثم إنّ إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة كالنصوص،و به صرّح من الأصحاب جملة (3):أنه لا يشترط الوطء بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء.

و لا ريب فيه مع عروض التحريم كالصوم و الحيض.و أمّا مع أصليّته بتزويجه الأمة من الغير مع العلم بالتحريم،أو بالرضاع،إذا قلنا بعدم العتق عند ملكها،فقد قطع الشهيد الثاني بالعدم (4)؛ لتوجه الحدّ إليه،فلا يلحق به النسب الذي هو مناط الاستيلاد.و مال إليه في الدروس (5)،خلافاً

ص:110


1- كالعلّامة في القواعد 2:128،و الشهيد الثاني في المسالك 2:161،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:218.
2- النهاية:546.
3- منهم الشهيد الثاني في الروضة 6:370.
4- الروضة 6:370.
5- الدروس 2:221.

للمحكي فيه عن المبسوط (1)،فجعله كالأوّل.

و يشترط مع ذلك الحكم بحريّة الولد،فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه،فلو عجز استرقّ المولى الجميع.

نعم،لو عتق صارت أُمّ ولد،و ليس له بيعها قبل عجزه و عتقه؛ لتشبثها بالحرّية.

و لا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه،لو قلنا بملكه و هي مملوكة للأصل السالم عن المعارض،فيجوز استخدامها،و وطؤها بالملك،و تزويجها و لو بغير رضاها،و إجارتها،و عتقها،بلا خلاف، و يستفاد من النصوص.

لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً إلّا في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى،و لا جهة له لقضائه غيرها ميتاً كان مولاها أم حيّاً، بلا خلاف في كلّ من المنع و الجواز إلّا من المرتضى (2)في الأخير،فمنعه على الإطلاق.و يدفعه بعد الإجماع في الظاهر الخبران:

أحدهما الصحيح:« أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه،أُخذ ولدها منها و بيعت فأدّي عنها» قلت:

فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟قال:

« لا» (3).و ثانيهما:الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:عن أُم الولد تباع في الدين؟قال:« نعم في ثمن رقبتها» (4).

ص:111


1- المبسوط 6:190.
2- الانتصار:175.
3- الكافي 6:5/193،الفقيه 3:6/83،الوسائل 23:170 أبواب الاستيلاد ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:2/192،الوسائل 18:278 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 2.

و من ابن حمزة فيه أيضاً (1)،فخصّه بصورة موت المولى خاصّة؛ أخذاً بالأصل،و اختصاص ظاهر الصحيح لهذه الصورة،فلا يشمل صورة الحياة؛ و ضعف الخبر.

و يدفعه انجبار الخبر بالعمل،فيخصّص الأصل.و لا محذور حينئذ في اختصاص الصحيح بصورة الوفاة،مع احتماله عدم الاختصاص و شموله لصورة الحياة،كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني (2)و أكثر الأصحاب (3)،و بيّنا الوجه فيه في كتاب النكاح في تزويج الإماء.

و مقتضى الأصل و كلام الأصحاب،كصريح الصحيح و ظاهر الخبر:

اختصاص الجواز بصورة كون الدين ثمن رقبتها.

و ألحق بعضهم (4)مواضع أُخر:كبيعها إذا مات قريبها،لتعتق و ترث.

و على من تنعتق عليه.و إذا جنت على غير مولاها ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية.و إذا كان علوقها بعد الارتهان أو بعد الإفلاس.و إذا عجز عن نفقتها.و إذا مات و لم يخلف سواها و عليه دين مستغرق.و في كفنه إذا لم يخلف سواها.و إذا أسلمت قبل مولاها الكافر.و إذا كان ولدها غير وارث.

و منهم (5)من زاد:ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطأً.و منهم من زاد غير ذلك.

و في كثير من هذه الصور نظر.

ص:112


1- الوسيلة:343.
2- الروضة 3:257.
3- منهم:العلّامة في القواعد 2:128،و الشهيد الأوّل في الدروس 2:222،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:219.
4- انظر الروضة 3:258،و الكفاية:226.
5- انظر الروضة 3:260.

و من الصحيح في الأول:عن أُم الولد فقال:« أمة تباع و تورث» (1).

و حمل على موت الولد؛ لعدم معارضته للإجماع الظاهر و للمحكي في الانتصار (2)،و خصوص النصوص المتقدمة.و عليه فيكون المراد منه الردّ على العامة (3)المانعين عن بيعها على الإطلاق.

و يظهر منه بناءً على هذا الحمل أنه لو مات الولد جاز بيعها مضافاً إلى الاتفاق،و النصوص المستفيضة:

منها الصحيح:« و إن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاؤوا أعتقوا،و إن شاؤوا استرقّوا» (4).

و الموثّق:عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولداً فمات،قال:« إن شاء أن تبيعها باعها» (5).

ثمّ إنّ ذا إذا لم يخلف ولدها ولداً.و لو خلّفه ففي كون حكمه حكمه فلا يجوز بيعها أم لا وجهان،بل قيل:قولان (6).أظهرهما الثاني؛ لعموم المستفيضة برجوعها إلى محض الرقيّة بموت الولد،بناءً على أنّ المتبادر منه عند الإطلاق إنّما هو الولد للصلب.و به يجاب عن دليل الأوّل،من عموم ما دلّ على المنع عن بيع أُمّ الولد،بناءً على كونه ولداً حقيقة.

ص:113


1- الكافي 6:1/191،الفقيه 3:294/82،التهذيب 8:858/237،الإستبصار 4:34/11،الوسائل 18:279 أبواب بيع الحيوان ب 24 ح 3.
2- الانتصار:175.
3- انظر بداية المجتهد 2:393.
4- الفقيه 3:300/83،التهذيب 8:864/239،الوسائل 23:175 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 2؛ بتفاوت.
5- الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ذيل حديث 4.
6- انظر الكفاية:226.

قيل:و هو متّجه لو كان وارثاً لجدّه؛ لانعتاقها عليه،دون ما إذا لم يكن وارثاً،لانتفاء الملك المقتضي للعتق.

و ربّما جعل هذا التفصيل قولاً في محل النزاع.و هو حسن إن أُريد انعتاقها عليه من قدر نصيبه منها،لكنّه غير محل النزاع.و محلّ نظر إن أُريد إلحاقه بالولد مطلقاً حتى في عدم جواز البيع و أنّه لو كان له نصيب من التركة غيرها انعتق عليه منه أيضاً كالولد؛ فإنّه مخالف للأصل و لو في الولد،إلّا أنّ الحكم فيه خرج عنه بالإجماع و إطلاق ما سيأتي من النص، فيبقى غيره مندرجاً تحت الأصل.

و تتحرّر بموت المولى من نصيب ولدها من التركة لا منها خاصّة،إجماعاً فيه و في عدم انعتاقها من أصل التركة؛ للمعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح:« إن كان لها ولد و ترك مالاً جعلت في نصيب ولدها» (1).

و المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح:« إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» (2)و نحوهما الصحيح و غيره (3)مما يأتي.

و لو لم يخلف المولى الميت تركة سواها و كان له وارث سواه عتقت من نصيب ولدها و سعت فيما بقي من قيمتها.و لا اعتبار بملك ولدها من غير الإرث؛ لأنّ عتقها عليه قهري فلا يسري عليه على

ص:114


1- الكافي 6:3/192،الفقيه 3:300/83،التهذيب 8:860/238،الإستبصار 4:37/12،الوسائل 23:175 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 1.
2- الكافي 6:4/192،التهذيب 8:861/238،الإستبصار 4:38/12،الوسائل 23:173 أبواب الاستيلاد ب 5 ج 2.
3- التهذيب 8:764/214،الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ح 4.

الأشهر الأقوى،للأصل المعتضد بظاهر ما مرّ من النصوص من حيث الحكم فيها بالعتق من النصيب على الإطلاق،المشعر بل الظاهر في عدم انعتاقها عليه من ماله على الإطلاق،بل هو من[خصوص (1)]ما وصل إليه من النصيب،و إلّا لعبّر بماله دون نصيبه.

مضافاً إلى صريح المقطوع:« و إذا كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها،و تستسعى في بقية ثمنها» (2).

خلافاً للمبسوط و الإسكافي (3)،فحكما بالسراية عليه؛ للنبوي« من ملك ذا رحم فهو حرّ» (4).

و قصوره سنداً،و مكافاةً لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع حقيقة يمنع من العمل به جدّاً.

و إن أيّده ما في رواية موثّقة عمل بها في النهاية (5)من أنها تقوّم على ولدها إن مات المولى و عليه دين و كان الولد موسراً و أنه ان كان صغيراً انتظر بلوغه (6).

لقصورها كالرواية السابقة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة،و هي مع ذلك مهجورة العمل عند غير النهاية،بل و عنده أيضاً،حيث رجع عنه في

ص:115


1- في الأصل:حصول.
2- الكافي 6:6/193،التهذيب 8:863/239،الإستبصار 4:39/13،الوسائل 23:173 أبواب الاستيلاد ب 5 ح 3.
3- المبسوط 6:185،و نقله عن الإسكافي في المختلف:647.
4- عوالي اللئلئ 3:23/439،المستدرك 15:456 كتاب العتق ب 12 ح 1.
5- النهاية:547.
6- التهذيب 8:865/239،الإستبصار 4:41/14،الوسائل 23:176 أبواب الاستيلاد ب 6 ذيل حديث 4.

باقي كتبه،مع أنّه لم يعمل بإطلاقها في النهاية،لعموم الدين فيها لثمن الرقبة و غيرها،و في النهاية قيّده بالأوّل خاصّة.

و العجب من السيد في شرح الكتاب و صاحب الكفاية (1)؛ حيث جعلا هذه الرواية حجّة للشيخ في قوله السابق،و لم يذكرا قوله في النهاية.

و كأنّهما زعما أنّ مورد القولين مسألة واحدة.و ليسا كما زعما؛ لوضوح الفرق بين مورديهما كما ترى،و إن تشابها.

و لذا إنّ شيخنا في الدروس كالمختلف (2)ذكرا لهما عنوانين،و بحثا عن كلّ منهما على حدة،مستدلَّين لكل منهما بحجة مستقلة،و جعلا هذه الرواية حجّة لما في النهاية،و استندا لما في المبسوط إلى الرواية السابقة.

ثم ظاهر هذه الأقوال الإطباق على عدم السراية على الولد مع إعساره.خلافاً للمحكي عن ابن حمزة،فقال بوجوب الاستسعاء عليه حينئذٍ (3)؛ و حجّته مع منافاته الأصل غير واضحة،عدا المقطوعة السابقة إن قرئت فيستسعى بالياء،و لكنها بالتاء في النسخة المصححة مضبوطة.

نعم،ذكر الصيمري أن به رواية يونس بن يعقوب.و لم أقف عليها عدا المقطوعة،و هي و إن كانت له إلّا أنها واضحة الدلالة على المختار،بناءً على النسخة المصحّحة.

و في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام،في وليدة نصرانيّة أسلمت و ولدت من مولاها غلاماً و مات فأُعتقت و تزوّجت نصرانياً و تنصرت فولدت،فقال عليه السلام:« ولدها لابنها من سيّدها،و تحبس حتى

ص:116


1- نهاية المرام 2:320،الكفاية:226.
2- الدروس 2:222،223،المختلف:647.
3- الوسيلة:343.

تضع و تقتل» (1) و هي و إن رويت في التهذيب في آخر باب السراري و ملك الأيمان موثقاً بابن فضال،بل ذكر السيّد في شرح الكتاب كونها فيه مرويّة صحيحاً و لم أقف عليها كذلك،إلّا أنّها مخالفة للأُصول القطعية من حيث تضمّنها استرقاق ولدها الحر المتولد من نصراني محرم،و قتل المرأة المرتدّة خصوصاً عن ملّة.

و لذا إنّ الشيخ في النهاية (2) أعرض عن العمل بها و قال:إنّه يفعل بها أي بالمرأة التي تضمنتها الرواية ما يفعل ب المرأة المرتدة من استتابتها،و حبسها دائماً مع إبائها عن التوبة،و ضربها أوقات الصلاة.

و بالجملة الرواية شاذّة لم يعمل بها أحد من الطائفة،مخالفة للأُصول القطعية،مع أنّها قضيّة في واقعة،محتملة إناطتها بمصلحة لم تكن لنا ظاهرة.

و الحمد للّه سبحانه.

ص:117


1- التهذيب 8:761/213،الإستبصار 4:968/255،الوسائل 23:179 أبواب الاستيلاد ب 8 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- النهاية:500.

ص:118

كتاب الإقرار

اشارة

كتاب الإقرار و النظر فيه في أمرين الأركان و اللواحق.

الأركان أربعة

اشارة

و الأركان أربعة

الأول صيغة الإقرار

الأول: اللفظ الصريح في الإقرار.

و هو ما يتضمّن إخبار الإنسان بحق لازم له و لو كان مثل نعم، في جواب:لي عليك كذا،كما يأتي.

و الحقّ يعمّ نحو العين و المنفعة،و استحقاق الخيار و الشفعة.و خرج باللازم للمخبر الإخبار عمّا ليس له بلازم،فإنّه شهادة الإقرار.

و الأصل في شرعيّته،و لزوم ما يترتب عليه من حكمه بعد الإجماع المحقق على الظاهر،المستفيض النقل في كلام جماعة (1)النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،كما صرّح به جماعة (2).

منها:النبوي العام:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3).

و«قولوا الحق و لو على أنفسكم» (4).

ص:119


1- منهم:الشيخ في المبسوط 3:3،و ابن إدريس في السرائر 2:498،و العلّامة في التذكرة 2:144،و الفاضل المقداد في التنقيح 3:485.
2- منهم السبزواري في الكفاية:230.
3- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2.
4- كنز الفوائد 2:31.مع اختلاف في اللفظ.

و بمعناه قوله سبحانه كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [1] (1)و قريب منها آيات أُخر (2).

و لا يختص لفظاً بل يكفي فيه كلّ لفظ يفيد الإخبار بأيّ لغة كان، بلا خلاف،بل عن التذكرة عليه الإجماع (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى اشتراك الجميع في التعبير عما في الضمير المعبّر عنه بالإقرار عرفاً.

و المعتبر فيه الدلالة العرفية دون اللغوية،فتقدّم عليها حيث حصل بينهما معارضة؛ لأنّ الظاهر من حال المقرّ تكلّمه بحسب عرفه إلّا أن يكون عارفاً باللغة،و وجدت قرينة على إرادته معناها دون عرفه،فتكون حينئذ عليه مقدمة،و لكنه غير مفروض المسألة.

و يتفرّع على هذا الأصل أحكام كثيرة منها:ما إذا قال:إن شهد لك عليّ فلان فهو صادق،فالأقرب وفاقاً لأكثر المتأخرين كما في المسالك و الكفاية (4)أنه ليس إقراراً،بناءً على أنّ المفهوم منه عرفاً أنّ هذه الشهادة ممتنعة الوقوع من الشخص المذكور،لامتناع الكذب عليه بحسب اعتقاد المتكلم،فالغرض أن ذلك لا يصدر عنه.

و نحو هذا كثير في المحاورات العرفية،سيّما العوام و من لا معرفة له بمعاني الألفاظ اللغوية،فيقال:إن شهد فلان أني لست من أبي،أو واجب القتل فهو صادق.

خلافاً للمبسوط و جماعة (5)،فجعلوه إقراراً؛ لحجّة معلومة الجواب

ص:120


1- النساء:135.
2- آل عمران:81،الأعراف:172،التوبة:102.
3- التذكرة 2:144.
4- المسالك 2:162،الكفاية:230.
5- المبسوط 3:22؛ و انظر الجامع للشرائع:360،و الشرائع 3:110،و القواعد 1:276.

مما تقدّم إليه الإشارة،فلا تخصِّص الأصل المقطوع به الدالّ على براءة الذمة.

و حيث إنّ العرف المرجوع إليه خاصّة على المختار ليس بمنضبط،بل يختلف باختلاف المواضع و الأحوال،وجب أن يجعل النظر إلى القرائن و الخصوصيّات الواقعة في كلّ مقام هو الضابط و المعيار.

فلو كان اللفظ صريحاً في التصديق،لكن انضمّ إليه قرائن تصرفه إلى الاستهزاء بالتكذيب،كطريقة أداء اللفظ،و تحريك الرأس الدالّ على الإنكار،كما إذا ادّعى عليه أحد أنّه أقرضه مالاً،فقال:صدقت،على سبيل الاستهزاء،أو قال:لي عليك ألف،فقال:بل أُلوف،لم يكن إقراراً.

و حكي التصريح بذلك عن التذكرة (1)،و تبعه جماعة (2).

و لو قال:لك عليّ كذا إن شهد به فلان،أو إن شئتُ،أو إن شئتَ، أو إن قدم زيد،أو إن رضي فلان،أو نحو ذلك مما يدلّ على التعليق و عدم التنجيز لا يكون إقراراً،بلا خلاف بل عليه في الأول الاتّفاق في المسالك (3)؛ و هو الحجة فيه.

مضافاً إلى الأصل،و أنّ وقوع المعلّق مشروط بوجود المعلّق عليه، و هو مناف لمقتضى الخبر اللازم في الإقرار في الجميع.

ثم الألفاظ التي يقع بها الإقرار صريحاً على أنواع:

منها:ما يفيد الإقرار بالدين كذلك،ك« في ذمّتي» .و منها:ما يفيده ظاهراً،ك« عليّ» .

ص:121


1- التذكرة 2:144.
2- انظر جامع المقاصد 9:196،197،و الكفاية:230.
3- المسالك 2:162،163.

و منها:ما يفيد الإقرار بالعين صريحاً،ك« في يدي كذا».و منها:

ما يفيده ظاهراً،ك« عندي» .و منها:ما هو صالح لهما.

و تظهر الفائدة فيما لو ادّعى خلاف مدلول اللفظ،فإنّه لا يقبل، صريحاً كان أو ظاهراً،و يقبل في الإقرار المجمل ما يحتمله حقيقة.

و تقوم الإشارة المفهمة مقامه فيكتفي بها عنه مطلقاً.قيل:

لأنّ المقصود التعبير عمّا في الضمير و يحصل بها (1).

و عن بعض المتأخرين اشتراط التعذر في الاكتفاء (2)؛ و لعلّه للشك في تسمية مثلها إقراراً و إن عبّرت عما في الضمير،و مناط الحكم في الأدلة هو دون التعبير،و لا تلازم بينهما،فلا يخصّص بها الأصل.

و هذا التوجيه إن أفاد المنع عنها مطلقاً،إلّا أنّ الاكتفاء بها حالة الضرورة،مستنداً إلى الإجماع،و الأولوية الناشئة من ثبوت الاكتفاء بها حالتها في العقود سيّما التزويج القابلة للتوكيل،فلو لم يوجب التوكيل فيها مع الضرورة و اكتفى فيها بالإشارة معها،لزم الاكتفاء بها في المقام الغير القابل للتوكيل على المختار بطريق أولى،لاندفاع الحاجة بالتوكيل و إن لم يجب ثمة،دون الإقرار،لانحصار وجه اندفاعها فيه في الإشارة.

و لو قال:لي عليك كذا،فقال:نعم أو أجل،فهو إقرار بلا خلاف فيهما و لا إشكال إذا كان المقرّ عارفاً بترادف اللفظين؛ لكونهما كلمة تصديق إذا كان قول عليك خبراً،أو إثبات إذا كان استفهاماً.

و يشكل في الأخير على المختار من تقديم العرف على اللغة،إذا

ص:122


1- راجع مفتاح الكرامة 9:213.
2- راجع مفتاح الكرامة 9:213.

لم يكن عارفاً بالترادف و كون أجل بمعنى نعم،كما يتفق لكثير من أهل هذه الأزمنة.

و نحو اللفظتين:صدقت،أو بررت،أو قلت حقاً أو صدقاً،أو بلى في جواب من قال:لي عليك كذا،مخبراً،بلا إشكال حتى في الأخير، بناءً فيه على المختار من جعل العرف هو المعيار؛ لفهمه منه التصديق،و إن وضع في اللغة لإبطال النفي فلا يجب بها الإثبات.

و كذا لو قال:أ ليس لي عليك كذا؟فقال:بلى كان إقراراً؛ لأنها بمقتضى الوضع المتقدم يتضمن نفي النفي الذي هو إقرار،و هو و إن اختصّ باللغة كما مرّ إليه الإشارة،إلّا أنّ العرف وافقها في هذه الصورة.

و على التنزّل فمخالفته لها فيها غير معلومة،فيؤخذ بها عملاً بالاستصحاب السالم فيها عن المعارض بالكلية.

و لو قال بعد القول المذكور: نعم،قال الشيخ (1)رحمه الله -:لا يكون إقراراً لوضعها في اللغة لتقرير ما سبق من السؤال،فإذا كان نفياً اقتضت تقرير النفي،فيكون في المثال إنكاراً.

و فيه عند الماتن تردّد ينشأ من ذلك،و من استعمالها بعد النفي بمعنى بلى عرفاً استعمالاً شائعاً،فليتقدّم على مفادها لغة كما مضى، مضافاً إلى ما حكي عن جماعة (2)من التصريح بورودها لغةً كذلك.

و اختار هذا الشهيد في الدروس (3)،و السيد في شرح الكتاب.

ص:123


1- المبسوط 3:2.
2- مغني اللبيب 1:453 و انظر الدروس 3:122،و جامع المقاصد 9:194،195.
3- الدروس 3:122.

و لا ريب فيه إن ثبت كون استعمال العرف بعنوان الحقيقة.و لكنه محل مناقشة؛ إذ مجرد الاستعمال و لو كان شائعاً لا يقتضيها بلا شبهة،فإنّه أعم من الحقيقة،سيّما إذا وجد للفظه معنى حقيقي آخر لغة.

و منه يظهر الجواب عما ذكره الجماعة من ورودها بنهج الاستعمال الشائع العرفي في اللغة.

ثم على تقدير تسليم ثبوت الحقيقة بذلك لم يثبت الإقرار بها أيضاً؛ لاحتمال الاشتراك.و دفعه غير ممكن إلّا على تقدير ثبوت كون هذه الحقيقة غالبة على الحقيقة الأُخرى اللغوية تكون في جنبها مهجورة.و هو محلّ مناقشة،كيف لا؟و نحن في عويل في ثبوت أصل الحقيقة،فكيف يتأتّى لنا دعوى ثبوت الغلبة التي هي المناط في ثبوت الإقرار بها؛ إذ لولاها لكان اللفظة من قبيل الألفاظ المشتركة التي لا تحمل على أحد معانيها إلّا بقرينة صارفة.

و بالجملة،فهذا القول ضعيف غايته،كما في التنقيح (1)من التفصيل بين كون المقرّ عارفاً باللغة فالأوّل،و إلّا فالثاني،لعدم وضوح وجه له و لا حجّة.فإذاً المصير إلى قول الشيخ لا يخلو عن قوّة؛ عملاً بأصالتي براءة الذمة،و بقاء الحقيقة اللغوية.

و لو قال بعد قول لي عليك كذا: أنا مقِرّ،لم يلزمه الإقرار به؛ لعدم مذكورية المقرّ به،فيجوز تقديره بما يطابق الدعوى و غيره،و لا دلالة للعام على الخاص،فيرجع حينئذ إلى الأصل إلّا أن يقول به [أي (2)]بدعواك فيلزمه،لأصالة عود الضمير إلى الكلام.

ص:124


1- التنقيح الرائع 3:487.
2- في« الأصل» و« ر»:أو.

خلافاً للدروس (1)،فلم يجعله إقراراً أيضاً؛ إذ غايته الإقرار بالدعوى،و هو أعمّ من الإقرار بها للمدّعي و لغيره.

و يضعف بتبادر الأوّل فيؤخذ به.بل لا يبعد حصول الإقرار بالأول أيضاً،وفاقاً لمحتمل الفاضل المقداد (2)و السيّد في شرحهما على الكتاب؛ لأنّ وقوعه عقيب الدعوى يقتضي صرفه إليها،عملاً بالقرينة،و التفاتاً إلى قوله سبحانه أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا [1] (3).و أنّه لو جاز تعلّقه بغير الدعوى لزم حمله على الهذر،فإنّ من ادّعي عليه بدين،فقال:أنا مقرّ بكون السماء فوقنا و الأرض تحتنا،عدّ هذراً،و دفعه عن كلام العاقل مقصود شرعاً.

و بالجملة،فالمرجع في حصول الإقرار إلى فهم المعنى من اللفظ عرفاً،و ربما اختلف باختلاف حال المتكلم و كونه من أهل التورية و عدمه.

و لو قال بعد القول المتقدم: بعنيه أو هبنيه فهو إقرار بعدم ملك المقرّ،لأنه طلب شراءه أو اتّهابه.

و هل يكون إقراراً للمخاطب بالملكية؟فيه وجهان:أجودهما نعم؛ عملاً بالظاهر المتبادر الناشئ من أنّ الأغلب في البائع و الواهب كونه هو المالك دون الوكيل،فإنّه نادر.و به يظهر ضعف وجه احتمال العدم.

و كيف كان،فهو إقرار له باليد قولاً واحداً.فإن ادّعاه و لم يوجد له منازع حكم له به.

و لو قال:اشترِ مني أو اتّهب،فقال:نعم،كان إقراراً،و يجري فيه

ص:125


1- الدروس 3:122.
2- التنقيح الرائع 3:488.
3- آل عمران:81.

الوجهان في كونه إقراراً بالملك أم مطلق اليد.

و لو قال:لي عليك كذا،فقال:اتّزن أو انتقد أو شدّ هميانك، لم يكن شيئاً و لا يعدّ إقراراً.

و كذا لو قال:اتّزنها أو انتقدها و نحوهما من الألفاظ المستعملة في التهكم و الاستهزاء.و الوجه فيه واضح،كما مضى.

أمّا لو قال:أجّلتني بها أو قضيتكها،فقد أقرّ و انقلب مدّعياً على ما قطع به الأصحاب كما في شرح السيد و الكفاية (1)،بل فيهما عن ظاهر التذكرة (2)أنّ عليه إجماع العلماء كافّة؛ لدلالته التزاماً على ثبوتها في ذمّته، و ادّعاء التأجيل أو القبض يحتاج إلى بيّنة.

الثاني المقر

الثاني:المقر و لا بدّ من كونه حرّا مختاراً جائز التصرف بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (3)؛ و هو الحجّة في الجميع مضافاً إلى الأصل، و حديث رفع القلم في الأوّل،و ما دلّ على عدم مالكية العبد و محجوريته في الثاني في الجملة،و الاعتبار و الاستقراء في الباقي،بل في الجميع.

فلا يقبل إقرار الصبي بمال و لا عقوبة و إن بلغ عشراً إن لم نجز وصيته و وقفه و صدقته،و إلّا قبل إقراره بها،لأنّ من ملك تصرّفاً في شيء ملكه ملك الإقرار به أيضاً،بلا خلاف فيه ظاهراً.

و لا إقرار المجنون إلّا من ذوي الدور وقت الوثوق بعقله.

و لا إقرار العبد بمال و لا حدّ و لا جناية و لو أوجبت قصاصاً

ص:126


1- الكفاية:230.
2- انظر التذكرة 2:144.
3- التذكرة 2:145،146.

إلّا مع تصديق المولى له في المال،فيقبل و تدفع العين المقرّ بها إلى المقرّ له إذا كانت موجودة.

و إذا كانت تالفة،أو لم يصدّقه المولى،أو كانت مستندة إلى جناية أو إتلاف مال فالظاهر تعلّقها بذمته يتبع به بعد عتقه؛ لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم،خرج منه نفوذه حال عبوديّته،لأنّ إقراره فيها إقرار في حق غيره،و بقي مندرجاً فيه نفوذه حال حرّيته،لخلوّه عن المانع المذكور في حال عبوديّته.

و الفرق بينه و بين المحجور عليه لسفه،حيث نفذ إقراره بعد العتق و لم يقع لاغياً بخلاف السفيه:أنّ المملوك كامل في نفسه معتبر القول؛ لبلوغه و رشده،فيدخل تحت العموم،و إنّما منع من نفوذ إقراره حق السيد،فإذا زال المانع عمل السبب عمله،بخلاف السفيه فإنّ عبارته في المال مسلوبة في الشرع بالأصل،لقصوره كالصبي و المجنون،فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال.

و لو كان مأذوناً في التجارة،فأقرّ بما يتعلّق بها،فالمشهور نفوذه مطلقاً مما في يده،و الزائد يتبع به بعد عتقه.

خلافاً للتذكرة و المسالك (1)،فاستشكلا النفوذ بما يرجع حاصله إلى منع استلزام الإذن في التجارة الإذن فيما يتعلق بها من نحو الاستدانة.

و فصّل في الكفاية (2)بين ما كان من لوازمها عرفاً فالأول،لثبوت التلازم بينهما فيه،و ما ليس من لوازمها و إن تعلّق بها فلا يقبل،لفقد التلازم هنا.

ص:127


1- التذكرة 2:147،المسالك 2:174.
2- الكفاية:231.

و لا إقرار السكران مطلقاً و لو اختار السبب المحرم على الأشهر.

خلافاً للإسكافي (1)،حيث ألزمه بإقراره إن شرب المسكر باختياره.

و لا المكره فيما اكره على الإقرار به إلّا مع ظهور أمارات اختياره،كأن يكره على أمر فيقرّ بأزيد منه.

و لا السفيه إلّا إذا أقرّ بغير المال،كجناية توجب القصاص،و نكاح و طلاق،فيقبل؛ للعموم.

و لو اجتمعا قُبِل في غير المال،كالسرقة بالنسبة إلى القطع،و لا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبله كما مرّ.

و كذا يقبل إقرار المفلس في غير المال مطلقاً،بل فيه أيضاً إذا كان ديناً على قول،فيؤخذ من ماله إذا فضل عن حقّ غرمائه،و إلّا انتظر يساره.

و في اقتصار الماتن على الشرائط المزبورة دلالة على عدم اشتراط العدالة،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.خلافاً للمحكي عن الشيخ رحمه الله، فاعتبرها (2).و لا وجه له.

الثالث في المقرّ له

الثالث:في المقرّ له و يشترط فيه أهلية التملك بلا خلاف؛ إذ مع عدمه يلغو الإقرار فلا عبرة به،فلو أقرّ لدار أو جدار و نحوهما بطل.

و يقبل إقراره لو أقرّ لحمل بلا خلاف و لا إشكال إذا بيّن سبباً يفيد الحمل الملك،كوصيّة أو إرث يمكن في حقه؛ لجواز الوصية له و إرثه،و إن كان استقرار ملكه [له] مشروطاً بسقوطه حال حياته؛ لأنّ ذلك لا يمنع من صحّته في الحال في الجملة.

ص:128


1- حكاه عنه في المختلف:441.
2- المبسوط 3:3.

و كذا إذا بيّن سبباً لا يفيده الملك،كالجناية عليه و المعاملة معه،على الأظهر الأشهر كما في المسالك (1)،وفاقاً للمبسوط (2)؛ للعموم،مع ضعف ما سيذكر من المخصّص.

خلافاً للإسكافي و القاضي (3)،فلا يقبل؛ لأن الكلام كالجملة الواحدة و لا يتم إلّا بآخره و قد نافى أوّله،فلا عبرة به،كالإقرار المعلّق على الشرط.

و فيه نظر؛ لمنع كون الكلام هنا كالجملة الواحدة لا يتمّ إلّا بآخره،إذ هو حيث يكون الآخر من متمماته كالشرط و الصفة،لا مما لا يتعلّق به بل ينافيه،كما نحن فيه.

و من ثمّ أجمعوا على بطلان المعلّق على الشرط دون المعقب بالمنافي.و الفرق بينهما أنّ الشرط المعلق عليه مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي،فلم يتحقق ماهية الإقرار،بخلافه مع المنافي المتعقب؛ فإنّه إخبار تامّ و إنما تعقّبه ما يبطله فلا يسمع،فتأمل.

و كذا لو لم يبيّن سبباً،بل بطريق أولى على المختار.و أما على غيره فكذلك؛ أخذاً بالعموم و تنزيلاً للإقرار على الاحتمال المصحّح له و إن بعد و لا خلاف فيه هنا،بل في ظاهر التنقيح الإجماع عليه (4).

نعم،فيه عن المبسوط (5)أنّه نقل عن بعض الحكم بالبطلان.و هو مع جهالة قائله ضعيف.

و اعلم أن ملك الحمل المقرّ به مشروط بسقوطه حياً و لو مات بعده؛

ص:129


1- المسالك 2:176.
2- المبسوط 3:14.
3- نقله عن الإسكافي في التنقيح 3:489،القاضي في المهذّب 1:409.
4- التنقيح 3:489.
5- المبسوط 3:14.

إذ ينتقل حينئذٍ إلى وارثه.فلو سقط ميتاً لم يملكه و رجع إلى بقية ورثة مورث الحمل إن كان السبب المبين هو الإرث،و إلى ورثة الموصي إن كان الوصية.

و يبطل الإقرار مع عدم إمكان البيان بموت المقرّ على قول،و يصح على آخر أظهر و أشهر (1).و عليه فيكون المقرّ به مالاً مجهول المالك.

و كذا يقبل لو أقرّ لعبد بلا خلاف كما في شرح الكتاب للسيد؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم نفوذ إقرار العقلاء السليم هنا عن المخصّص.أمّا على مالكيته فظاهر،و أمّا على غيره المختار فكذلك، لجواز نسبة المال إليه مجازاً،فإنه شائع. و يكون المقرّ للمولى كسائر ما في يده.

و هنا شرط آخر و هو:أن لا يكذب المقرّ له المقرّ،فلو كذّبه لم يسلم إليه،بل يحفظه الحاكم أو يبقيه في يد المقرّ أمانة بشرط عدالته أو مطلقاً.

و إنّما لم يذكره الماتن نظراً منه إلى أنّه ليس شرطاً في نفوذ أصل الإقرار، بل شرط لتملّك المقرّ له المقرّ به.

الرابع في المُقَرّ به

الرابع:في المُقَرّ به و هو إمّا مال،أو نسب،أو حق كالقصاص و خيار الشفعة.و ينعقد الإقرار بكل واحد بلا خلاف؛ للعموم و عدم مانع.

و لا يعتبر في المال أن يكون معلوماً؛ إذ ربما كان على ذمّة المقرّ ما لم يعلم قدره،فدعت الحاجة إلى إقراره ليتوصّل إلى براءة ذمته بالصلح أو الإبراء.

ص:130


1- في« ح»:أظهر بل و أشهر.

فلو قال:له عليّ مال،قبل و إن امتنع عن البيان حبس و ضيق عليه حتى يبيّن إلّا أن يدّعي النسيان.

و يقبل تفسيره المال بما يملك و يتموّل و إن قلّ بلا خلاف،بل عليه و على أصل قبول الإقرار الإجماع في التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة براءة الذمة عن الزائد السليمة عن المعارض، لصدق المال على القليل كصدقه على الكثير.

و هل يندرج فيه غير المتموّل،كحبّة من حنطة فيقبل تفسيره به أم لا؟قولان:

من أنّه مملوك شرعاً،و إن لم يكن له قيمة عادة،و الحقيقة الشرعية مقدّمة على العرفية،و أنه يحرم أخذه بغير إذن مالكه و يجب ردّه.

و من أنّ الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً،و على تقدير الاستلزام فالعرف يأباه،و هو مقدّم كما تقدّم،مع أن طريقة الإقرار تقتضي ثبوته في الذّمة،و لا يثبت فيها ما لا يتموّل و لا قيمة له،بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة (2).

و هذا أجود و عليه الأكثر.و حكي في الدروس (3)الأوّل عن الفاضل، و لعلّه قال به في التذكرة،كما يظهر من المسالك و الكفاية (4).

و لو قال:له عليّ شيء،وجب تفسيره بما يثبت في الذّمة دون ما لا يتموّل كحبّ من حنطة،على الأشهر هنا أيضاً.

ص:131


1- التذكرة 2:144.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:165،و الروضة 6:388،و السبزواري في الكفاية:231.
3- الدروس 3:137.
4- المسالك 2:165،الكفاية:231.

خلافاً للتذكرة و الروضة (1)،فجوّزا له التفسير به،لكن الثاني خصّه بالشيء دون المال،و لم يفرّق الأول بينهما في هذا،و إن افترقا في غيره، و هو أعميّة الشيء من المال،لاختصاصه بما يعدّ مالاً دون غيره كحق الشفعة و نحوه،و شمول الشيء لهما،و مقتضاه جواز تفسيره بردّ السلام و العيادة و تسمية العاطس،لتسميتها شيئاً.

و لكن الأشهر كما في الروضة (2)خلافه.و هو الأصح؛ لأنّه خلاف المتعارف،و بُعدها عن الفهم في معرض الإقرار،و مرجعه إلى أنّه خلاف المتفاهم عرفاً،فلا يشملها الشيء و إن عمّ لغة،لوجوب تقديمه عليها كما تقدّم،مع أنّها تسقط بالفوات فلا تثبت في الذمة،و طريقة الإقرار بعليّ تقتضي الثبوت فيها،هذا.و لم أر قائلاً بالأوّل صريحاً بل و لا ظاهراً و إن احتمل في الكتابين المتقدمين (3).

و لو قال: عليّ ألفٌ و درهم اُلزم بالدرهم و رجع في تفسير الألف لإجماله إليه و لا خلاف فيه و في قبول تفسيره بما شاء،حتى لَو فسّرها بحبّات من حنطة قبل،و صرّح به جماعة أوّلهم الفاضل في التذكرة (4).

و لو قال:مائة و عشرون درهما أو ألف و ثلاثة دراهم،أو ما شاكلها من الأعداد المتعاطفة،المتخالفة في التميز المتعقّب لها بحسب الإفراد و الجمع و الجر و النصب فالكل دراهم في المشهور بين

ص:132


1- التذكرة 2:151،الروضة 6:389.
2- الروضة البهية 6:389.
3- التذكرة 2:152،الروضة 6:389.
4- التذكرة 2:154؛ و انظر الدروس 3:137،و الكفاية:231.

الأصحاب سيّما المتأخرين (1)،وفاقاً للشيخ و الحلّي (2)؛ لتطابق اللغة و العرف على أن المفسّر إذا وقع بين المبهمين أو المبهمات عاد إلى الجميع،حتى لو قال المتكلم:له مائة درهم و عشرون درهماً عدّ مستهجناً.

قال اللّه تعالى إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [1] (3)و في الخبر:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم توفّي و هو ابن ثلاث و ستين سنة» (4).و نحوهما ورد في الشعر.

خلافاً للفاضل في المختلف (5)،فجعل المائة و الألف في المثالين مبهمين،يرجع في تفسيرهما إليه.قال:لأنّ المميّزين ليسا مميّزين لعددين،و كما يحتمل أن يكون مميّزاً للجميع يحتمل أن يكون مميّزاً للأخير،فلا يثبت في الذمّة بمجرد الاحتمال.

و يظهر من التعليل عدم اختصاص ما ذكره بالمثالين،بل جارٍ فيما يجري فيه التعليل.و قد حكى التصريح بهذا التعميم في المسالك عن بعض الأصحاب (6)،و يظهر من المقدس الأردبيلي الميل إليه في شرح الإرشاد (7)؛ لما مرّ من التعليل.

و هو عليل بعد ما مرّ من تطابق العرف و اللغة على فهم رجوع التميز

ص:133


1- منهم العلّامة في التذكرة 2:154،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:490،و الشهيد الثاني في المسالك 2:168.
2- المبسوط 3:7،السرائر 2:501.
3- سورة ص:23.
4- كشف الغمة 1:16،البحار 22:1/503.
5- المختلف:440.
6- المسالك 2:167.
7- مجمع الفائدة و البرهان 9:444.

إلى الجميع،بحيث لو عقّب كلّ عدد بمميّز لحكما فيه بالاستهجان.

و اعلم أنّ لفظة كذا كناية عن الشيء على الأشهر الأقوى بناءً على استعماله مكانه عرفاً،فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشيء.و عليه الحلي (1).

خلافاً للخلاف،فجعله كناية عن العدد (2)،و حكى في التنقيح على إجماع الأدباء (3).

و يتفرّع على الخلاف في الجملة ما أشار إليه بقوله:

فلو قال:عليّ كذا درهم بالحركات الثلاث أو الوقف فالإقرار بواحد مطلقاً على المختار؛ لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعاً فتحمل على الأقلّ،لأنّه المتقين إذا لم يفسّره بأزيد.

فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً،و التقدير:شيء درهم.و مع النصب يكون مميّزاً له.

و مع الجر تقدّر الإضافة بيانية كحبّ الحصيد،و التقدير:شيء هو درهم.

قيل:و يشكل بأنّ ذلك و إن صحّ إلّا أنّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل الشيء جزءاً من الدرهم أُضيف إليه،فيلزم جزء يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّه المتيقن،و لأصالة البراءة من الزائد،و من ثمّ حُمل الرفع و النصب على الدراهم مع احتمالهما أزيد منه (4).و استوجهه السيد في الشرح.و هو

ص:134


1- السرائر 2:503.
2- الخلاف 3:365.
3- التنقيح الرائع 3:490.
4- قاله الشهيد الثاني في الروضة 6:393.

كذلك،اختاره الفاضل في التذكرة (1).

و أمّا مع التوقيف فيحتمل الرفع و الجر لو أُعرب لا النصب؛ لوجوب إثبات الألف فيه وقفاً،فيُحمل على مدلول ما احتمله من الرفع و الجر.

فعلى ما اختاره الماتن و الأكثر من لزوم الدرهم مطلقاً و لو حالة الجر، يشترك الإعرابان في احتمال الدرهم فيحمل عليه.

و على قول التذكرة يلزمه جزء درهم خاصّة؛ لأنّه باحتماله حصل الشك فيما زاد على الجزء،فيحمل على المتيقّن،و هو ما دلّت عليه الإضافة.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف (2):إنّه يلزمه عشرون درهماً، لأنه أقلّ عدد مفرد ينصب مميّزه،و مع الجرّ مائة درهم،لأنّه أقل عدد يكون مميّزه مجروراً.و وافقه هنا و فيما يأتي الفاضل في المختلف و الإرشاد (3)في الجملة،و حكاه في التذكرة (4)عن أبي حنيفة،و هو بناءً على الأصل المتقدم.

و قال أيضاً: لو قال:كذا كذا درهماً بالنصب لم يقبل تفسيره بأقلّ من أحد عشر لأنه أقل عدد مركّب مع غيره ينتصب بعده مميزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر،فيحمل على المتيقن.

و لو قال كذا و كذا درهماً لم يقبل في تفسيره ب أقلّ من أحد و عشرين درهماً؛ لأنه أقلّ عددين عطف أحدهما على الآخر

ص:135


1- التذكرة 2:153.
2- المبسوط 3:13،الخلاف 3:365.
3- المختلف:440،الإرشاد 1:410.
4- التذكرة 2:153.

و انتصب المميز بعدهما،إذ فوقه اثنان و عشرون إلى تسعة و تسعين، فيحمل على الأقل.

و يستفاد من تخصيص الماتن في الذكر خلاف الشيخ بالمثالين اختصاص خلافه بهما.و ليس كذلك؛ لما عرفت من خلافه السابق،مضافاً إلى تعليله المثبت لما ذكره من الحكم فيما عداهما مما يشابههما.

و كيف كان ف الأقرب الرجوع في تفسيره أي كذا مطلقاً إلى المقرّ لأنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً و لا اصطلاحاً، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (1).

و مناسباتها على الوجه المذكور لا توجب اشتغال الذمة بمقتضاها،مع أصالة البراءة و احتمالها لغيرها على الوجه الذي بيّن.

و لا فرق في ذلك بين كون المقرّ من أهل العربية و غيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية في غير ما ادّعوه استعمالاً شهيراً.

خلافاً للفاضل في المختلف و الإرشاد و التذكرة و المقداد (2)في شرح الكتاب،ففرّقا بين كون المقرّ من أهل اللسان فما اختاره الشيخ،و غيره فمذهب الأكثر.و هو ضعيف.

[ و لا يقبل تفسيره مطلقاً في غير حالة الجر بأقلّ من درهم بناءً على أنّه المتيقن (3)]. و لو أقرّ بشيء مؤجلاً كأن قال:له عليّ ألف مؤجلةً إلى سنة

ص:136


1- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:503،و العلّامة في التذكرة 2:153،و الشهيد الثاني في المسالك 2:167.
2- المختلف:440،الإرشاد 1:410،التذكرة 2:153،التنقيح الرائع 3:492.
3- ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل و« ر».

فأنكر الغريم الأجل لزمه الشيء قطعاً و كان حالّا إجماعاً إن فصل وصف التأجيل عن الكلام المتقدم و لو بسكوت طويل.و كذا لو وصله به على إطلاق العبارة و صريح المحكي عن الشيخ و[الإسكافي و الحلّي (1)]؛ لزيادة دعوى الأجل على أصل الإقرار فلا تسمع،كما لو أقرّ بالمال ثم ادّعى قضاءه.

خلافاً للأول في قوله الآخر المحكي في كلام جمع من الأصحاب (2)،و[للقاضي (3)]،و تبعه كثير من المتأخرين (4)؛ لأنّ الكلام الصادر منه جملة واحدة لا يتم إلّا بآخره،و إنّما يحكم عليه بعد كماله،كما لو عقّبه باستثناء أو وصف أو شرط،و أنّه لولا قبول ذلك منه لأدّى إلى انسداد باب الإقرار بالحق المؤجل،و إذا كان على الإنسان دين مؤجل و أراد التخلص فإن لم يسمع منه لزم الإضرار به،و ربما كان الأجل طويلاً بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقرّ بأصل الحق خوفاً من إلزامه حالّا و الإضرار، فيؤدّي تركه إلى الإضرار بصاحب الحق،و هذا غير موافق للحكمة الإلهية.

و للصحيح:« كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره» (5).

ص:137


1- قد نسب هذا القول في جميع النسخ إلى القاضي،و القول الآخر إلى الإسكافي و الحلبي،و الظاهر هو سهو كما يظهر من مراجعة الكتب الفقهية.راجع الخلاف 3:377 و المختلف:441 و السرائر 2:513 و المهذب 1:414.
2- منهم:العلّامة في المختلف:441،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:492،و السبزواري في الكفاية:231؛ و انظر المبسوط 3:35.
3- راجع الهامش(1).
4- منهم:العلّامة في التذكرة 2:167،و الشهيد الثاني في المسالك 2:179،و السبزواري في الكفاية:231.
5- التهذيب 6:853/310،الوسائل 18:158 أبواب آداب القاضي ب 4 ح 3.

هذا مضافاً إلى التأيّد بأصالة عدم إلزام المقرّ بالمال حالّا.

و على الأول يلزم الغريم اليمين لكونه منكراً،فيتوجه عليه كما يتوجه البينة على المقرّ عليه أيضاً،لكونه مدعياً و إنّما يلزمه حالّا بعد عجزه عن إقامتها جدّاً.

اللواحق ثلاثة

اشارة

و اللواحق ثلاثة

الأوّل في الاستثناء

الأوّل:في بيان أحكام الاستثناء المقبول المتعقّب للإقرار.

و من شرطه مطلقاً عدم استيعابه المستثنى منه و الاتصال العادي بينهما.و المراد به ما جرت به العادة،فيغتفر التنفس بينهما و السعال و نحوهما مما لا يعدّ معه الاستثناء منفصلاً عرفاً.

و لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إلّا من الحلّي في الأخير، حيث يحكى عنه تجويزه الاستثناء إلى شهر (1).

قيل:و لم يثبت ذلك عنه.و ربّما حمل كلامه على أنّ المراد أنّه لو أخير به في تلك المدة قبل منه.و هو بعيد و لكنّه أقرب من حمل كلامه على ظاهره.

و لا يشترط فيهما الاتّحاد في الجنس بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه،بل يصحّ أن يكون من غير جنسه،و يعبّر عنه بالمنقطع.

و الحكم ثابت بإجماع النحاة و أهل اللغة كما في التنقيح (2)،و هو

ص:138


1- لم نعثر عليه عن الحلّي،نعم حكاه القاضي عضد في شرح المختصر:258 عن ابن عباس.
2- التنقيح الرائع 3:494.

الأشهر بين الأُصوليين و الفقهاء،و اختاره الماتن هنا و تردّد فيه في الشرائع (1)؛ و وجهه غير واضح مع ندرة القائل بالاشتراط حتّى إنّ بعض الأصحاب (2)أنكره و قال:إنّه غير موجود في كتب الأُصول،بل صرّح القاضي (3)في شرح المختصر بأنّه لا يعرف خلافاً في صحّته لغةً و وروده في كلام العرب و القرآن.

أقول:و منه قوله سبحانه لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً. [1]

إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً [2] (4)و لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [3] (5)و فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [4] (6).و اختلفوا في كونه حقيقةً أو مجازاً.و المحققون على الثاني؛ لعدم التبادر.و هو الأصحّ.فلو قال:له ألف إلّا درهماً فالجميع دراهم على المختار،و مبهم على غيره يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّ الاستثناء المتّصل حقيقة أيضاً،فيكون الاستثناء مشتركاً بينه و بين المنقطع اشتراكاً لفظياً كما عن بعض،أو معنوياً كما عن آخر.نقلهما في المسالك (7).

قال:و في المسألة قول ثالث نادر:إنّه غير جائز لا حقيقةً و لا مجازاً.

و هو الذي تردّد فيه المصنف.و هو كما ترى ظاهر في وجود القول

ص:139


1- الشرائع 3:149.
2- الظاهر هو صاحب المدارك في نهاية المرام على ما نقله في مفتاح الكرامة 9:300،و كتاب الإقرار من نهاية المرام غير موجود.
3- القاضي عضد في شرحه على مختصر ابن الحاجب 1:251.
4- الواقعة:25 26.
5- النساء:29.
6- الكهف:50.
7- المسالك 2:171.

بالاشتراط،و أنه ليس الأمر كما ذكره البعض المتقدم من عدم وجوده.

و أظهر من ذلك كلام الفاضل المقداد في شرح الكتاب حيث قال بعد دعواه الإجماع المتقدم-:و اختلف فيه الأُصوليون و الفقهاء فشرطه أي الاتحاد في الجنس بعض،و منع اشتراطه آخرون،و اختاره المصنف (1).

انتهى.

مع أنّه حكاه في التذكرة (2)عن جماعة من العامة،كزفر و أحمد بن حنبل و أبي حنيفة،لكنه خصّ المنع بما عدا المكيل و الموزون.و نقل التفتازاني في شرح الشرح المصير إليه في الجملة عن الآمدي.و بالجملة لا ريب في وجود هذا القول و إن شذّ و ضعف.

و لا يشترط أيضاً نقصان المستثنى [عن الباقي (3)] من المستثنى منه بل يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعده بقية قلّت أو كثرت،وفاقاً للمحققين من الأُصوليين و الأكثر،كما في المسالك (4)و شرح الكتاب للسيد،قال فيه:و ذهب شاذّ منهم إلى أنه يجب أن يكون الباقي من المستثنى منه أكثر من النصف.

و يدفعه قوله تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [1] (5)و من هنا بيانية،لأن الغاوين كلهم متبعون،فاستثنى الغاوين و هم أكثر من غيرهم،بدليل قوله عزّ و جلّ وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ [2]

ص:140


1- التنقيح الرائع 3:494.
2- التذكرة 2:164.
3- ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل.
4- المسالك 2:171.
5- الحجر:42.

حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [1] (1)فإنّه يدلّ على أن الأكثر ليس بمؤمن،و كلّ من ليس بمؤمن غاوٍ،فينتج أن الأكثر غاوٍ.

و في كلّ من دعوى شذوذ هذا القول،و الاستدلال على ردّه نظر:

فالأوّل بأنّه مذهب جماعة من المحققين من النحاة و الأُصوليين،بل في التنقيح (2):إنّه مذهب أكثر النحاة و جماعة من الأُصوليين.

و الثاني بتوقفه على أنّ المراد من العباد هو الناس فقط،و هو في حيّز المنع سيما مع إفادة اللفظ العموم اللغوي،فيشمل الملائكة و غيرهم من عباد اللّه تعالى.

و المستثنى منه (3)على هذا التقدير أكثر من المستثنى قطعاً.و لا ينافيه نفي الإيمان عن أكثر الناس في الآية الأخيرة؛ إذ نفيه عن أكثرهم لا يستلزم النفي عن أكثر العباد.

هذا مع أن سند هذا القول قوي متين،و تمام التحقيق في الأُصول.

و المستفاد من التنقيح (4)أنّ القول الأوّل هو الحق عند الفقهاء،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه.و لعلّه كذلك؛ إذ لم أقف في هذا الكتاب على مخالف منهم،بل ظاهرهم الإطباق على ما في المتن.

و عليه فلو قال:له عليّ عشرة إلّا ستة لزمه أربعة و يلزم المستثنى منه كملاً على القول الأخر؛ لبطلان الاستثناء على تقديره،و إن هو إلّا نحو قول القائل:له عليّ عشرة إلّا عشرة،و قد اتّفقوا فيه على لزوم العشرة

ص:141


1- يوسف:103.
2- التنقيح الرائع 3:494.
3- في المطبوع و« ر»:و ما بقي من المستثنى منه..
4- التنقيح 3:494.

كاملة،لبطلان الاستثناء بالاستيعاب.

و لو قال بدل إلّا في المثال: ينقصه ستة لم يقبل بل يلزم بالعشرة؛ لأنّه رجوع عن الإقرار بها فلا يكون مسموعاً.

و الفرق بينه و بين الاستثناء وقوع الاتّفاق كما في شرح الكتاب للسيد، بل الإجماع كما في التنقيح (1)على قبوله؛ لوقوعه في فصيح الكلام، بخلاف غيره من الألفاظ المتضمنة للرجوع عن الإقرار.كذا قيل (2).

و الأظهر في بيان وجه الفرق أنّ الاستثناء مع المستثنى منه يعدّ جملة واحدة،يكون الاستثناء كجزء منها،لا يمكن فصله عنها،و لا كذلك ينقص في المثال،لكونه جملة أُخرى منفصلة عما سبقها،فيكون كالمنافي لها فلا يسمع.

نعم،لو أبدلها بالوصف فقال:عشرة ناقصة،ثم فسّر الناقص بالستة قبل؛ لكونه كالاستثناء مما لا يتمّ إلّا بسابقه جدّاً،بخلاف بدله لإمكان فصله عنه و تماميّته بدونه،بخلافهما.

و لذا لا خلاف في ناقصة،بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي رحمه الله (3).دون ينقص فلم يقبلوه،من غير خلاف أجده إلّا من السيد في شرح الكتاب حيث قال:و يحتمل قويّاً القبول مع الاتصال؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره،و لأنّه لو قال:ناقصة،لم يلزمه غيرها،و هذه في معناها.و هو كما ترى؛ لظهور ضعفه مما قدّمناه.

و لو قال:له عليّ عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة لزمه ثمانية بناءً على

ص:142


1- التنقيح الرائع 3:493.
2- انظر التنقيح الرائع 3:493.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:462.

مقدّمات:

إحداها ما مرّ من عدم اشتراط نقصان المستثنى عن المستثنى منه.

و الثانية:كون الاستثناء من الإثبات نفياً،كما هو إجماع محقق ظاهراً،و محكيّ في كلام جمع صريحاً (1).و منه إثباتاً،كما هو أصحّ القولين للأُصوليين؛ لكلمة التوحيد.خلافاً لبعضهم (2)؛ لوجه غير واضح مطّرد في الأوّل أيضاً،مع كونه مسلّماً.

و الثالثة:لزوم رجوع كلّ استثناء إلى متلوّه.و لا خلاف فيه؛ و ذلك لقربه،و استلزام عوده إلى البعيد ترجيحه على الأقرب من غير سبب، و عوده إليهما يوجب التناقض،إذ المستثنى و المستثنى منه متخالفان نفياً و إثباتاً،كما مضى.

و حيث ثبت هذه المقدمات ثبت لك صحة الحكم بلزوم الثمانية في المثال؛ لأنّ الاستثناء الأوّل ينفي من العشرة المثبتة خمسة،و الثاني يثبت من الخمسة المنقية ثلاثة،فتضم إلى الخمسة الباقية من العشرة،فيلزمه ثمانية.

و لو زاد في المثال:إلّا واحداً لزمه سبعة؛ لاستلزام الاستثناء نفيه عن الثلاثة المثبتة،فيبقى اثنان،و ينضّمان إلى الخمسة الباقية فيلزمه سبعة.

و قس على هذا ما يرد عليك من سائر الأمثلة.

و مثله ما لو قال:له عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة إلّا ستة إلّا خمسة إلّا أربعة إلّا ثلاثة إلّا اثنين إلّا واحداً،فيلزمه خمسة.

ص:143


1- منهم:الفاصل المقداد في التنقيح الرائع 3:494 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:295،و الشهيد الثاني في المسالك 2:171،و الروضة 6:410.
2- نُسب إلى أبي حنيفة في التذكرة 2:163.

و الضابط:أن تسقط المستثنى الأوّل من المستثنى منه،و تجبر الباقي منه بما ثبت بالاستثناء الثاني،و تسقط ما نفاه الاستثناء الثالث من مجموع ما ثبت،و تجبر الباقي منه بالرابع و هكذا.أو تجمع[الأعداد] (1)المثبتة على حدة و المنفية كذلك،و تسقط جملة المنفي من جملة المثبت.فهو في المثال الأوّل ثلاثة عشر،و المنفي فيه ستة إذا أسقطته من الأوّل بقي سبعة.

و من المثال الثاني ثلاثون،و المنفي منه خمسة و عشرون،و الباقي بعد الإسقاط خمسة.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يتعدّد الاستثناء بعاطف،و لم يكن مساوياً للأوّل، و لا أزيد منه،و إلّا رجع الجميع إلى المستثنى منه الأوّل.

أمّا مع العطف فللزوم اشتراك المتعاطفين في الحكم فيهما كالجملة الواحدة.و لا فرق فيه بين تكرّر حرف العطف و عدمه،و لا بين زيادة الثاني عن الأوّل،و مساواته له،و نقصانه عنه.

و أمّا مع زيادة الثاني عن الأول أو مساواته فلاستلزام عوده إلى الأقرب الاستغراق،و هو باطل.فيصان كلامه عن الهذر مهما أمكن بعودهما جميعاً إلى المستثنى منه.

و حينئذ ف لو قال:له عليّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة كان إقراراً بأربعة.

و اعلم أنّه لا يلزم من عود الجميع إليه صحّته كلّاً،بل يراعى بعدم استلزام العود الاستغراق:فإن لم يستغرق المستثنى منه كما في المثال صحّ، و إلّا لغا ما يلزم منه الاستغراق خاصّة،لأنّه هو الذي أوجب الفساد.

ص:144


1- في نسخة الأصل:الأفراد.

فلو قال:له عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة،لغا الثانية خاصّة،و كان إقراراً بخمسة.و كذا مع العطف،سواء كان الثاني مساوياً للأوّل كما ذكر، أم أزيد،كَلَه عشرة،إلّا ثلاثة و إلّا سبعة،أو أنقص،كما لو قدّم السبعة على الثلاثة.

و لو قال:له عليّ درهم و درهم إلّا درهماً لزمه درهمان وفاقاً للخلاف (1)،و المختلف و القواعد و التذكرة و جماعة (2)؛ بناءً على اختصاص الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة بالرجوع إلى الأخيرة،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،إذ يلزم حينئذ بطلان الاستثناء،للاستغراق.

خلافاً للشيخ في قوله الآخر،و تبعه الحلّي (3)؛ بناءً منهما على رجوع الاستثناء إلى الجمل جميعاً.و هو ضعيف جدّاً كما بيّن في الأُصول مستقصى.

ثم إنّ بناء الخلاف في المسألة على تلك المسألة الأُصولية مشهور بين الطائفة،و منهم الشيخ و الحلّي،و الماتن في الشرائع (4).

خلافاً للفاضل في كتبه المذكورة،و السيد في شرح الكتاب و غيرهما (5)،فلم يصحّحوا البناء و قالوا بلزوم الدرهمين مطلقاً و لو قلنا برجوع الاستثناء إلى الجميع؛ إذ هو حيث يصحّ و يمكن،و ليس منه الفرض،لاستلزام الرجوع فيه إلى الجميع التناقض،لورود الإقرار على

ص:145


1- الموجود في الخلاف 3:364 خلاف ما نسب إليه و أنه يلزم درهم واحد.
2- المختلف:440،القواعد 1:284،التذكرة 2:165؛ و انظر كشف الرموز 2:318،و التنقيح الرائع 3:496.
3- المبسوط 3:10،السرائر 2:502.
4- الشرائع 3:151.
5- إيضاح الفوائد 2:454.

الدرهم بلفظ يفيد الخصوصيّة،فلم يصح إخراج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته،كما لو قال:جاء زيد و عمرو إلّا زيداً.و لا كذلك درهمان إلّا درهماً؛ لجواز التجوّز في المستثنى منه،فلا يكون تناقضاً.

و يضعّف بصحة التجوّز في كلّ من الدرهمين عن نصفه أيضاً،كما في:له درهم إلّا نصفه،فيمكن أن يكون استثنى من كلّ درهم نصفه.

و نصفا درهمٍ تمامه،فارتفع النصوصية الموجبة للتناقض.

و قياس المفروض على المثال المذكور قياس مع الفارق؛ لعدم احتمال التجوز فيه عن الشخصين ببعضهما بالاستثناء.

و ما أبعد ما بين هذا و بين القول بصحة الاستثناء،و لزوم درهم مطلقاً و لو قلنا باختصاصه بالعود إلى الأخيرة؛ نظراً إلى أنّ الاختصاص إنّما هو حيث يمكن.و أمّا مع عدم الإمكان كما في الفرض للاستغراق فيجب عوده إلى الجميع،كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقاً للاستثناء؛ لأنّ إلغاء الاستثناء و مخالفة قوله أشدّ مخالفة للأصل من عوده إلى الجميع،فيجب صونه عن الهذرية (1).

و لعلّه لا يخلو عن وجه،سيما مع أنّ الأصل براءة الذمة.

و لو قال:له عليّ عشرة إلّا ثوباً قبل و سقط من العشرة قيمة الثوب بناءً على ما مرّ من قبول الاستثناء المنقطع و لو كان مجازاً، فإنّه يجب قبوله بعد قيام القرينة عليه،و هي هنا عدم إمكان إرادة المتصل الذي هو الحقيقة (2).

و إذا قبل رجع إليه في تفسير القيمة و قبل منه كلّ ما فسّره

ص:146


1- جامع المقاصد 9:306.
2- في المطبوع و« ر» و« ت» زيادة:مع أنه ربما قيل بكون هذا الاستثناء متّصلاً.

ما لم تستغرق العشرة و أمّا مع استغراقها ففي بطلان الاستثناء فيؤخذ بتمام العشرة،لأصالة الحقيقة السليمة عن معارضة الاستثناء،لاستغراقه لها بتفسيره،فيكون كما لو ذكر ابتداءً استثناءً مستغرقاً،أو بطلان التفسير خاصّة،لأنّ الاستغراق إنّما نشأ منه فيطالب بتفسير آخر ليصحّ (1)،قولان، احتملهما في القواعد (2).و اختار أوّلهما في الروضة (3)،و ثانيهما الفاضل في الإرشاد (4)،و السيد في شرح الكتاب.و في تعليله السابق نظر،إلّا أنّه أوفق بأصالتي براءة الذمة و بقاء صحة الاستثناء السابقة.

و اعلم أنّه يتصور وقوع الإقرار على الوجه المذكور في المثال بأن يكون للمقرّ له على المقرّ عشرة،فيدفع إليه الثوب قضاءً و لا يحاسبه عليه، فيسقط قيمته من العشرة التي في ذمته.

الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه

الثاني:في تعقيب الإقرار بما ينافيه اعلم أنه لو قال:هذا مشيراً إلى شيء معيّن مملوك له بظاهر اليد لفلان ثم أضرب عنه فقال: بل لفلان،فهو أي المقرّ به للأوّل التفاتا إلى مقتضى إقراره للأوّل و يغرم قيمته للثاني لأنّه حال بينه و بين الشيء المقرّ به بإقراره الأوّل فيغرم؛ للحيلولة الموجبة للغرم،فكان كما لو أتلف عليه مالاً.إلّا أن يصدّقه المقرّ له الأوّل في أنّها للمقرّ له الثاني، فيدفع إليه من غير غرم للأوّل؛ لتصديقه الموجب لإقراره بانتفائه عن نفسه.

و لو قال:له عليّ مال من ثمن خمر أو خنزير أو ما شاكلهما مما

ص:147


1- في المطبوع:ليصحّ الأصل.
2- القواعد 1:284.
3- الروضة 6:417.
4- الإرشاد 1:415.

لا يصحّ تملّكه شرعاً لزمه للمال إذا فصل بين الإقرار و رافعه بسكوت أو كلام أجنبيّ،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التذكرة (1).

و كذا إذا لم يفصل مطلقاً في ظاهر إطلاق العبارة،و غيرها من عبائر الجماعة،بل ادّعى عليه الإجماع منّا و من أكثر العامة بعض الأجلّة،و لكنه قوّى ما سيأتي من التفصيل بعد أن حكاه عن بعض العامّة.و هو ينافي دعواه المزبورة،مع أنّ في الروضة أفتى بما قوّاه،فقال بعد تعليل الحكم بنحو ما في العبارة بقوله:لتعقيبه الإقرار بما يقتضي سقوطه؛ لعدم صلاحية الخمر و ما بعدها مبيعاً يستحقّ به الثمن في شرع الإسلام -: نعم،لو قال المقرّ:كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازماً لي،و أمكن الجهل بذلك في حقه،توجّهت دعواه،و كان له تحليف المقرّ له على نفيه إن ادّعى العلم بالاستحقاق.و لو قال:لا أعلم الحال حلف على عدم العلم بالفساد.و لو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقرّ لم يلتفت إلى دعواه (2).

و يظهر من المقدس الأردبيلي رحمه الله الميل إليه،قال:لأنّ الإقرار مبني على اليقين،فكلّما لم يتيقّن لم يلزم بشيء،و لا يخرج عنه بالظن و غيره،و يسمع فيه الاحتمال،و إن كان نادراً.و لا شك أنّه محتمل اعتقاده بلزوم الثمن بمتابعة هذه الأشياء؛ لاعتقاده صحة ذلك مطلقاً أو إذا كان الشراء من الكافر،أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر و نحو ذلك.

و بالجملة مع إمكان الاحتمال لا يلزم معه شيء،و لا يصير الكلام لغواً محضاً و متناقضاً بحسب اعتقاده.و يشكل الحكم باللزوم بمجرّد ما تقدّم؛ للأصل

ص:148


1- التذكرة 2:166.
2- الروضة 6:419.

و القاعدة (1).

و هو كما ترى في غاية القوّة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر.

و لو قال ابتعت بخيار و أنكر البائع الخيار قبل الإقرار في البيع دون الخيار و كذا لو قال:له عليّ عشرة من ثمن مبيع لم أقبضه،الزم بالعشرة،و لم يلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و اللمعة (2).و نسب الأخير في المسالك و الكفاية إلى الشهرة (3).

قيل (4):للتنافي بين قوله عليّ و ما في معناه،و كونه مع الخيار و عدم قبض المبيع؛ لأنّ مقتضى الأوّل ثبوت الثمن في الذمّة و وجوب أدائه إليه في جميع الأحوال،و مقتضى الثاني عدم استقراره فيها،لجواز الفسخ، و تلف المبيع قبل القبض،و عدم وجوب أدائه إليه مطلقاً،بل مع تسليم المبيع.

خلافاً للمسالك و الروضة و سبطه في شرح الكتاب،و تبعهما الفاضل الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد،و صاحب الكفاية (5)،و حكاه في الأوّلين و التذكرة عن الشيخ (6)،و في المختلف عنه في المبسوط و الخلاف و عن القاضي (7)و اختاره فيه.

ص:149


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:459.
2- الشرائع 3:155،الإرشاد 1:413،اللمعة(الروضة البهية 6):418.
3- المسالك 2:179،الكفاية:231.
4- كما في الروضة 6:418.
5- المسالك 2:179،الروضة 6:418،مجمع الفائدة و البرهان 9:461،الكفاية:231.
6- المسالك 2:179،الروضة 6:418،التذكرة 2:166.
7- المختلف:440،و انظر المبسوط 3:34،و الخلاف 3:375،المهذّب 1:414.

و لعلّه لا يخلو عن قوّة؛ للأصل و كون الكلام جملة واحدة لا يتمّ إلّا بآخره.و إنما يحكم بإلغاء الضميمة إذا كانت رافعة لأوّل الكلام و مناقضة له،كما في المسألة السابقة مطلقاً أو في بعض صورها.و ليس المقام من هذا القبيل؛ لأنّ ثبوت الخيار و عدم القبض لا ينافي الابتياع و إن كانا قد يؤولان إلى رفع الإقرار به على بعض الوجوه،كما إذا فسخ البيع أو تلف المبيع قبل القبض،فإنّ ذلك بمجرّده لا يوجب إلغاء دعوى الأمرين.إنّما المقتضي لإلغاء الضميمة مناقضتها لصريح أوّل الكلام،و هي كما عرفت مفقودة في المقام.

هذا مضافاً إلى التأيّد بأنّ للإنسان أن يخبر بما في ذمّته،و قد يبتاع شيئاً بخيار أو لم يقبضه،فيخبر بالواقع،فلو الزم بغير ما أقرّ به كان ذريعةً إلى سدّ باب الإقرار،و هو منافٍ للحكمة الإلهيّة.

الثالث في الإقرار بالنسب

الثالث:في الإقرار بالنسب و هو مقبول كالإقرار بالمال، بلا خلاف بين العلماء،و ادّعى عليه إجماعهم كافّةً السيّد في شرح الكتاب و صاحب الكفاية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» في الجملة،و المعتبرة المستفيضة في الولد خاصّة،و فيها الصحاح و غيرها،مضى إلى بعضها الإشارة في كتاب النكاح في بحث حكم الأولاد،و منها زيادةً عليه الخبران:

أحدهما القوي المرتضوي:« إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه أبداً» (2).

و ثانيهما المرسل:عن رجل ادّعى ولد امرأة لا يعرف له أب،ثم

ص:150


1- الكفاية:232.
2- التهذيب 8:639/183،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 4.

انتفى من ذلك،قال:« ليس له ذلك» (1).

و يعضدها فحوى النصوص الواردة في اللعان الدالّة على لحوق الولد بالملاعن بدعواه إيّاه بعد انتفائه عنه باللعان.

و اعلم أنّه يشترط في المقرّ هنا ما اشترط فيه سابقاً من البلوغ و العقل و رفع الحجر و في الإقرار بالولد الصغير أو الكبير مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى إمكان البنوّة للمقر،فلو أقرّ ببنوّة من هو أسنّ منه أو مساويه أو أصغر بحيث لا يمكن تولّده منه عادةً لم ينفذ.و كذا لو كان بين المقرّ و بين أُمّ الولد مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمر الولد،أو علم عدم وصول المقرّ إليها.

و جهالة نسب -ه مطلقاً صغيراً كان أو كبيراً.و لا وجه لتخصيص الصغير بهذا الشرط و غيره المتقدّم و الآتي.

فلو أقرّ ببنوّة من انتسب إلى غيره شرعاً لم يعتدّ بإقراره؛ لأنّ النسب المحكوم به شرعاً لا ينتقل.و إن صدّقه الولد و من انتسب إليه شرعاً لم يلتفت إليه.

و لو أقرّ ببنوّة المنفي نسبه عن أبيه باللعان ففي قبوله وجهان:من أنه أقرّ بنسب لا منازع له فيه،و من بقاء شبهة النسب.و لذا لو استلحقه الملاعن بعد ذلك ورثه الولد.

و عدم المنازع له في نسب المقرّ به.فلو أقرّ ببنوّة من استلحقه غيره ممن يمكن اللحاق به لم ينفذ؛ فإنّ الولد حينئذٍ لا يلحق بأحد المتنازعين إلّا ببينّة أو قرعة.

ص:151


1- التهذيب 8:582/167،الوسائل 26:271 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 6 ح 3.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل لعلّه مجمع عليه،و يساعده الاعتبار.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة المتقدمة في البحث المتقدم من النكاح في مسألة وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم جميعاً ولدها في الأخير،ففيها:إنّهم يقرع بينهم،فمن خرج كان الولد ولده (1).

و الخبر في الأوّل:في المرأة يغيب عنها زوجها فتجيء بولد:« إنّه لا يلحق الولد بالرجل إذا كانت غيبته معروفة،و لا تصدّق أنّه قدم فأحبلها» (2).

و بهذه الأدلّة تقيّد الأخبار المتقدّمة و غيرها بلحوق الولد بالمقرّ به مطلقاً،مع بُعد شمول إطلاقها للإقرار بالولد مع عدم هذه الشرائط جدّاً، كبعد شموله لغير الولد للصلب،لانصرافه بحكم التبادر إلى الولد للصلب، فينبغي الرجوع في غيره إلى الأصل الدالّ على عدم ثبوت النسب بالإقرار.

فلو أقرّ ببنوّة ولد ولده فنازلاً اعتبر التصديق كغيره من الأقارب.نصّ عليه الشهيدان و غيرهما (3).لكن يثبت بالإقرار ما يتعلّق بالمال و النسب من جهة المقرّ،كوجوب الإنفاق و حرمة التزويج؛ لعموم إقرار العقلاء.

ثم إنّ إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (4)يقتضي عدم الفرق

ص:152


1- انظر الوسائل 27:257 أبواب كيفية الحكم ب 13.
2- الكافي 5:1/490،التهذيب 8:579/167،الوسائل 21:497 أبواب أحكام الأولاد ب 100 ح 1.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:150،الشهيد الثاني في الروضة 6:424؛ و انظر جامع المقاصد 9:354.
4- انظر النهاية:684،و المبسوط 3:38،و الوسيلة:225،و الجامع للشرائع:343،و الإرشاد 1:411،و التذكرة 2:173.

في المقرّ بالولد بين كونه أباً أو امّاً.و هو أحد القولين في المسألة.و لكن أصحّهما عند الشهيدين (1)و غيرهما (2)الفرق،و اختصاص ذلك بإقرار الأب،أمّا الأُمّ فيعتبر التصديق لها؛ لاختصاص النصوص المتقدمة بالرجل فلا يتناول المرأة.

و اتّحاد طريقهما ممنوع؛ لإمكان إقامتها البينة على الولادة دونه،و لأنّ ثبوت نسب غير معلوم على خلاف الأصل،فيقتصر فيه على القدر المتيقن من النص و الفتوى.

لكن في الصحيحين:عن المرأة تسبى من أرضها و معها الولد الصغير فتقول:هو ابني،و الرجل يسبى،فيلقى أخاه فيقول:أخي،و يتعارفان و ليس لهما على ذلك بينة إلّا قولهما،فقال:«ما يقول مَن قبلكم؟» قلت:

لا يورثونهم؛ لأنّهم لم يكن لهم على ذلك بيّنة،إنّما كانت ولادة في الشرك،فقال:«سبحان اللّه،إذا جاءت بابنها أو بنتها معها و لم تزل مقرّة، و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحّة من عقلهما و لم يزالا مقرَّين،ورث بعضهم من بعض» (3).

و لا يبعد المصير إليهما في موردهما،و هو كون الاُم و الأخ مسبيّين بل مطلقاً،كما يستفاد من قوله:«سبحان اللّه» الذي هو في حكم التعليل جدّاً.

هذا بالإضافة إلى النسب المطلق،و أمّا بالإضافة إلى ما يتعلّق بالمال و النسب من جهتها فيثبته الإقرار قولاً واحداً؛ للعموم الذي مضى.

ص:153


1- الأوّل في الدروس 3:150،و الثاني في الروضة 6:424.
2- انظر الكفاية:232.
3- الكافي 7:1/165،الفقيه 4:733/230،التهذيب 9:1247/347،الإستبصار 4:698/186،الوسائل 26:278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 1.

و لا يشترط في الصغير المقرّ به التصديق منه للمقرّ بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى إطلاق الأخبار المتقدمة و لعدم الأهلية منه لذلك،لسلب العبرة عن أقواله في الشرع.

و لا يتوقف نفوذ الإقرار به على بلوغه إجماعاً،كما حكاه بعض أصحابنا (2).

و لو بلغ فأنكر لم يقبل إنكاره،بلا خلاف بين علمائنا فيه أيضاً؛ للحكم بثبوته حال صغره،فلا يرتفع إلّا بما عدّه الشارع رافعاً،و لم يثبت كون الإنكار كذلك جدّاً.

و اعلم أنّه ألحق الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم بالصغير المجنون مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى،و الميت كذلك و إن كان بالغاً عاقلاً و لم يكن ولداً فقالوا:لا يعتبر تصديقهما،بل يثبت نسبهما بالنسبة إلى المقرّ بمجرد إقراره؛ لأنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه و هو ممتنع منهما.

و الظاهر أنّه مجمع عليه بينهم،و قد صرّح به في المجنون بعض الأصحاب (3).و يظهر من الروضة دعواه في الميت حيث قال بعد أن استشكل حكمه كبيراً مما تقدّم،و من إطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه،و أنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره إلّا أنّ فتوى الأصحاب على القبول،قال:و لا يقدح فيه التهمة باستيثاق مال الناقص و إرث الميت (4).

ص:154


1- انظر جامع المقاصد 9:349،و المسالك 2:180،و مفاتيح الشرائع 2:377.
2- كالسبزواري في الكفاية:232.
3- جامع المقاصد 9:349.
4- الروضة 6:423.

و هو كذلك؛ للإطلاق،مع عدم ظهور مخالف فيه من الأصحاب، و إنما ردّ بذلك بعض العامة (1).

و لا بدّ في الولد الكبير إذا لم يكن ميتاً و لا مجنوناً من التصديق للمقرّ في دعواه،فلو لم يصدّقه لم ينسب إليه،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و الحلّي (2)،و أكثر الأصحاب (3)،بل في المختلف (4)عن الأوّل:

أنه لا يعلم فيه خلافاً؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة عدم الانتساب،و أنّه إقرار في حق الغير فلا ينفذ.

خلافاً لظاهر إطلاق النهاية (5)،فلم يعتبر فيه التصديق كالصغير.

و حجته غير معلومة،و إن احتجّ له في المختلف بأمر موهوم (6).

نعم،ربما دلّت عليه إطلاقات الأخبار المتقدمة،إلّا أن عدم تبادر الكبير من إطلاق الولد فيها يقتضي تخصيصها بالصغير.

ثم إنّ مقتضى كلامهم أنّه إذا ثبت النسب بين المقرّ و الصغير ثبت نسبه مثل الفراش،فيكون أب المقرّ جدّاً،و أُمّه جدّةً،و إخوته و أخواته أعماماً و عمّات،و ولده إخوةً و أخوات.

نبّه على ذلك المقدس الأردبيلي رحمه الله،و حكى عن التذكرة ماله على ذلك دلالة،فقال:قال فيها:إذا أقرّ بالولد و حصلت الشرائط ثبت النسب

ص:155


1- و هو أبو حنيفة،حكاه عنه ابن قدامة في المغني 5:334.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:441،المبسوط 3:38،السرائر 3:308.
3- منهم:فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:464،و الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهية 6):423،و الشهيد الثاني في المسالك 2:180.
4- المختلف:441.
5- النهاية:684.
6- المختلف:441.

بينه و بين الولد،و كذا بين الولد و كلّ من ثبت بينه و بين الولد المشهور (1).

و بذلك صرّح جماعة (2).

و كذا يعتبر التصديق في غيره من الأنساب بلا خلاف ظاهر، و صرّح به في الكفاية (3)و السيّد في شرح الكتاب؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ من الأدلة،و أنّه في الحقيقة إلحاق بغير المقرّ؛ فإنّه إذا قال:هذا أخي،كان معناه أنّه ابن أبي و أُمّي،و كذا باقي الأنساب.

و ظاهر العبارة كغيرها عدم اعتبار ما عدا التصديق.خلافاً للتذكرة و المسالك (4)و السيّد في الشرح،فاشترطوا موت الملحق به حتى إنّه ما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به و إن كان مجنوناً.

و زاد الثاني اشتراط أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به،قال:إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففي لحوقه وجهان:من سبق الحكم ببطلان هذا النسب.و في إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه،و شرط الوارث أن يفعل ما فيه خطّ المورث لا ما يتضرّر به.و من أنّ المورث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان و غيره لحق به و إن لم يرثه عندنا.و هذا أقوى.

و للقاصر في فهم المراد بالمشروط بهذين الشرطين عجز؛ فإنّه إن كان ثبوت النسب بين المتصادقين بحيث يتوارثان،و يتعدّى توارثهما إلى غيره فللاشتراط وجه،إلّا انهم كما يأتي لا يقولون به،بل صرّحوا بأنّ غاية هذا الإقرار بعد التصادق ثبوت التوارث بين المتصادقين خاصّة،و أنّه

ص:156


1- مجمع الفائدة 9:448،و هو في التذكرة 2:170.
2- منهم السبزواري في الكفاية:232.
3- الكفاية:232.
4- التذكرة 2:172،المسالك 2:180.

لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما إلّا أن يقرن الدعوى بالبيّنة.

و إن كان ثبوت النسب بينهما خاصّة،بحيث يتوارثان من دون تعدية كما هو الظاهر من حكمهم المذكور بعدم تعدّي التوارث عنهما إلى غيرهما من الأقارب فلا وجه للاشتراط،و لا لما مرّ في توجيه اشتراط الشرط الثاني من أنّ شرط الوارث أن لا يفعل ما يضرّ بالمورث؛ و ذلك فإنّ المشروط بهذا المعنى يحصل بمجرد الإقرار و التصديق الذي هو بمنزلته، و ليس فيهما ما يوجب الضرر على المورّث،لعدم استيراث المقرّ به من إرثه و لا من إرث أقاربه،و إنّما يرث المقرّ بعد وفاته إذا لم يكن له وارث غيره.

و كيف كان إذا تصادقا أي المقرّ و المقرّ به توارثا بينهما حيث لا وارث لهما،بلا خلاف كما في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة، مضافاً إلى النصوص الكثيرة:

منها زيادةً على الصحيحين للمتقدمين في ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ من دون تصديق (2)-:الصحيح المروي عن الكافي و التهذيب:

عن رجلين جيء بهما من أرض الشرك،فقال أحدهما لصاحبه:أنت أخي،فعرفا بذلك،ثم أُعتقا و مكثا يعرفان بالإخاء،ثم إنّ أحدهما مات، قال:«الميراث للأخ يصدقان» (3).

مع أنّ الحق لهما فلا يعدوهما.

ص:157


1- انظر جامع المقاصد 9:355،و اللمعة(الروضة البهية 6):426،و الكفاية:232.
2- راجع ص 152.
3- الكافي 7:2/166،التهذيب 9:1248/347،الإستبصار 4:699/186،الوسائل 26:279 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 9 ح 2.

و لا يتعدّى التوارث إلى غير المتصادقين بلا خلاف أيضاً؛ لأنّ النسب هنا لم يثبت بالبيّنة و إنّما ثبت بالإقرار،و حكمه لا يتعدّى إلى غير المقرّ بلا خلاف،للأصل.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الإقرار بالولد الكبير الذي يعتبر تصديقه و غيره من الأنساب.و عليه يتفاوت الإقرار بالولد بالنسبة إلى الصغير و الكبير؛ لثبوت النسب الموجب للتوارث على الإطلاق بالإقرار في الأوّل و عدم ثبوته كذلك و لو مع التصادق في الثاني.

خلافاً لظاهر عبارة الماتن في الشرائع،فدلت على أنّ قصر الحكم على المتصادقين إنّما هو في غير الولد للصلب (1).

و صرّح بذلك في المسالك من دون إشكال و لا حكاية خلاف،فقال بعد نقل العبارة الدالّة على الحكم-:هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد من غيره؛ فإنّ الإقرار بالولد مع التصديق بدونه يثبت به النسب و يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه.و أمّا الإقرار بغير الولد للصلب و إن كان ولد ولد،فيختصّ حكمه مع التصديق بالمتصادقين؛ لما تقرّر أنّ ذلك إقرار بنسب الغير،فلا يتعدّى المقرّ.و لو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة (2).

و يظهر من سبطه في شرح الكتاب التردّد في ذلك،و احتماله ما يستفاد من إطلاق العبارة من عدم تعدّي التوارث إلى غير المتصادقين، من دون فرق بين الولد الكبير و غيره من الأنساب؛ لأصالة عدم التعدّي إلى غيرهما.قال:و ليس في المسألة نصّ يرجع إليه في هذا الحكم.لكن الذي

ص:158


1- الشرائع 3:157.
2- المسالك 2:180.

يقتضيه الأصل عدم التعدي إلى غير المتصادقين،فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

و هو كما ترى في غاية الجودة.اللّهم إلّا أن يقال:قد انعقد على ما ذكر جدّه الإجماع.و هو غير واضح.

و ربما يظهر منه أيضاً التردّد في الفرق في الروضة حيث قال:

و مقتضى قولهم غير التولد أنّ التصادق في التولد يتعدّى.مضافاً إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقاً،و الكبير مع التصادق.

و الفرق بينه و بين غيره من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار التصادق غير بيّن (1).

و لو كان للمقرّ ورثة مشهورون في نسبه لم يقبل إقراره حينئذ مطلقاً. و لو تصادقا قالوا:لأنّ ذلك إقرار في حق الغير،بناءً على أنّ الإرث ثابت شرعاً للورثة المعروفين بنسبهما،فإقراره بوارث آخر و تصديقه له يقتضي منعهم عن جميع المال أو بعضه،فلا يسمع.

و مقتضى هذا التعليل كإطلاق العبارة،و غيرها من عبائر أكثر الطائفة كما حكاه جماعة (2)عدم الفرق في الحكم بين الإقرار بالولد مطلقاً، و غيره.

خلافاً لظاهر المحكي عن النهاية (3)؛ حيث خصّ الحكم بغير الإقرار

ص:159


1- الروضة 6:426.
2- منهم:العلّامة في القواعد 1:288،و الشهيد الثاني في المسالك 2:180،و السبزواري في الكفاية:232.
3- النهاية:685.

بالولد.

و الأجود الأوّل؛ اقتصاراً في الحكم بالتوارث المخالف للأصل على مورد القطع،و هو ما إذا لم يكن للمتصادقين ورثه؛ فإنّه الذي يثبت فيه الحكم بالتوارث بالإجماع.و لولاه لكان الأوفق بالأصل الحكم بعدم التوارث فيه أيضاً.

لكن يشكل ذلك في الإقرار بالولد الصغير؛ لظهور إطلاق النصوص الواردة في الإقرار به في ثبوت نسبه بذلك،و هو مستلزم للحكم بالتوارث بينه و بين من أقرّ به مطلقاً كان لهما ورثة أم لا،بل و ربّما استلزم تعدّي التوارث إلى غيرهما.

و لعلّه غير محل النزاع،و إنّما هو الولد الكبير الذي يتوقف ثبوت نسبه بالإقرار على التصادق.بل لا يبعد أن يقال بخروجه أيضاً عن محل النزاع،و أنّ المراد من إطلاقات العبائر الإقرار بغير الولد من الأنساب؛ و ذلك لتصريحهم بثبوت نسبه بالتصادق،و هو مستلزم لثبوت التوارث على الإطلاق،فلا خلاف بينها و بين ما عن النهاية.

نعم،يبقى التأمّل حينئذٍ في وجه إلحاقه بالولد الصغير في الحكم المذكور؛ لاختصاص النصوص الدالّة عليه به،فلا يتعدّى الحكم إلى غيره، لمخالفته الأصل كما مرّ،فإن كان إجماع و إلّا ففي التعدية نظر.

و إذا أقرّ الوارث المحكوم بكونه وارثاً ظاهراً بآخر و كان أولى منه في الميراث،كما إذا أقرّ الأخ بولد للميّت دفع إليه ما في يده من المال وجوباً؛ لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث.

و إن كان المقرّ به غير أولى،بل مشاركاً له في الميراث،كما

ص:160

إذا أقرّ الابن بابن آخر للميت دفع إليه نصيبه (1)من الأصل أي من أصل التركة،و هو في المثال النصف.و لا خلاف في عدم ثبوت نسبه بذلك؛ لما مرّ و يأتي.

و إن أقرّا بثالث شاركهما في التركة،و يثبت نسبه إن كان المقرّان عدلين،كما يأتي.

و لو أقرّ بالثالث أحدهما و أنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة، و المقرّ ثلثها،و الآخر السدس على المشهور؛ لأنه الفاضل من نصيب المقرّ باعترافه.

و قيل:إنّ النصف يقسم بين المقرّ و الثالث بالسوية،لاعتراف المقرّ بأنّه كلّما حصل له شيء كان للثالث مثله؛ لمساواته له باعترافه،و أنّ المنكر غصبهما بعض حقهما،فيكون الموجود لهما و الذاهب عليهما.اختاره في الكفاية،و السيّد في الشرح تبعاً لجدّه في المسالك (2).و لا يخلو عن قوة.

و لو أقرّ باثنين دفعةً فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما لأنّ استحقاقهما الإرث ثبت في حالة واحدة بسبب واحد،فلم يكن أحدهما أولى من الآخر.و لا كذلك ما إذا أقرّ بأحدهما ثمّ أقرّ بآخر؛ فإنّ الثاني ثبت له النصف أوّلاً باعتراف الأوّل،فلا يستحق الثالث فيه شيئاً ما لم يقرّ به الثاني،أو تقوم له بدعواه بيّنة.

و من التفصيل الذي ذكرناه يظهر ما في العبارة من المسامحة،إلّا أن ينزل إطلاقها بحكم التبادر إلى الصورة الأُولى خاصّة.

و لو أقر الوارث ظاهراً كالعم مثلاً بأولى منه في الإرث الذي

ص:161


1- في«ر» و في المختصر المطبوع:بنسبة نصيبه.
2- الكفاية:232،المسالك 2:180.

بيده كالأخ،نفذ إقراره بالإضافة إلى المال؛ لأنّه أقرّ في حق نفسه.

ثم لو أقرّ بعد ذلك بمن هو أولى منه و من المقرّ له كالولد فإن صدّقه المقرّ له الأوّل دفع جميع التركة إلى المقرّ له الثاني و هو الولد؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما. و إن أكذبه أي أكذب الأخ العم في كون المقرّ به ثانياً ولد الميت لم يدفع إليه؛ لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد له و هو العم،و لم تعلم أولوية الثاني إلّا بإقراره، و هو حينئذٍ خارج،فلا يقبل إقراره في حق الأخ،لأنّه إقرار في حق الغير.

نعم ضمن العم المقرّ للولد ما كان نصيبه من المال إن دفعه إلى الأخ؛ لإتلافه له بإقراره،مع مباشرته لدفع المال.و كذا يضمن لو لم يباشر الدفع إذا أقرّ بانحصار الإرث فيه؛ لأنّه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره الأوّل،فلا يسمع،و يغرم للولد،للحيلولة بينه و بين التركة بإقراره الأوّل،كما لو أقرّ بمال لواحد ثم أقرّ به لآخر.

و لا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ و عدمه؛ لأنّه مع اعترافه بإرثه مفوّت بدون الحكم.

نعم،يتّجه الفرق بينهما في صورة الدفع بالحكم:بالضمان مع الدفع بدون إذن الحاكم،و الحكم بعدمه مع إذنه،لعدم اختياره في الدفع.

و أمّا مع عدم الأمرين من الدفع و الإقرار بانحصار الإرث فيه فيشكل الحكم بالضمان؛ لأنّ إقراره بكون المقرّ له الأوّل أخاً لا يستلزم كونه وارثاً، بل هو أعمّ منه جدّاً،فليس فيه تفويت للمال عليه أصلاً.

و لو أقرّ الوارث المتقدم بمساوٍ له في الإرث كعمّ آخر للميت في المثال فشاركه بعد تصديقه،ثم أقرّ بمن هو أولى منه في ذلك كالولد و الأخ و نحوهما، فإن صدّقه أي الأوّل المساوي و هو العم

ص:162

دفعا ما معهما إلى الأوّل؛ لما مضى.

و إن أنكر المساوي للأولى استحق ما أخذه من نصيبه من التركة و غرم المقرّ للمقرّ له الثاني الذي أولى منهما بزعمه و إقراره ما كان في يده اي المنكر مع أحد الأمرين المتقدمين من الدفع أو الإقرار بانحصار الإرث في المنكر.و يشكل الحكم بدونهما،كما مضى.

و لو أقر ل لمرأة الميّتة التي يرثها المقرّ ظاهراً بزوج دفع المقرّ إليه مما في يده بنسبة نصيبه أي الزوج،و هي النصف إن كان المقرّ به غير الولد،و الربع إن كان هو الولد.

و قد أطلق الحكم كذلك الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد،و الشهيد في اللمعة (1).و هو إنما يستقيم إن قلنا أنّ الموجود في يد المقرّ من التركة بينه و بين المقرّ له بمقتضى الشركة كما هو الظاهر،و قد تقدّم إليه الإشارة.

أمّا على القول المشهور من أنّ الواجب على المقرّ أن يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه خاصة،فيجب على المقرّ له هنا دفع الفاضل خاصّة إن تحقق،مطلقاً،بلغ أحد المقدارين،كما إذا كان المقرَّ به الأخ أو الولد، أولا،كما لو كان المقرّ به الأبوين أو أحدهما،و كان معهما بنت،فإن نصيبهما على تقدير فقد الزوج الخمسان،و على تقدير وجوده السدسان.

و التفاوت بينهما الذي يجب عليهما دفعه إليه لا يبلغ ربع ما في يديهما.

و إن لم يتحقق فاضل كما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما،و كان للزوجة ولد ذكر فإنّه لا يجب عليه دفع شيء أصلاً و الحال هذه؛ إذ ليس

ص:163


1- الشرائع 3:159،الإرشاد 1:412،اللمعة(الروضة البهية 6):429.

حينئذٍ في يد المقرّ شيء يلزمه دفعه بإقراره،فإنّ الأبوين لم يتغيّر نصيبهما في الصورة المذكورة بوجود الزوج و عدمه.

و نبّه على هذا الإشكال جماعة،كالشهيد في المسالك و الروضة، و سبطه في شرح الكتاب،و تبعهما في الكفاية (1)،قالوا:و لو نزلنا حصّة المقرّ به على الإشاعة صحّت المسألة على إطلاقها من دون تقييد.

و لو أقرّ لها ب زوج آخر لم يقبل إلّا أن يكذّب نفسه في إقراره الأوّل،بلا خلاف في القبول مع التكذيب،بمعنى غرمه للثاني معه ما أقرّ به للأوّل،لا قبوله في حق الزوج الأوّل؛ لما يأتي.و لذا فرّع على الاستثناء المثبت للقبول خصوص ما ذكرناه بقوله.

فيغرم له إن أنكر الأوّل لاعترافه بالتكذيب بتفويته حق الثاني من التركة بإقراره فيغرم له.

و لا في عدمه في حق الزوج الأوّل مطلقاً:مع التكذيب و عدمه، فلا يزيل الإرث الذي ثبت له شرعاً؛ لكونه حينئذٍ خارجاً،فلا يكون إقراره في حقه مسموعاً.

و في قبوله في حق الثاني،مع عدم التكذيب بمعنى غرمه له مع عدمه،أم العدم،قولان:أشهرهما الثاني،كما في المسالك و الروضة (2) و شرح الكتاب للسيّد؛ لأنّ الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعاً، فلا يترتب عليه أثر.

خلافاً للمحكي في الشرح عن المحقق الثاني،و تبعه فيه كجدّه

ص:164


1- المسالك 2:182،الروضة 6:430،الكفاية:232.
2- المسالك 2:182،الروضة 6:432.

الشهيد الثاني (1)؛ لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم،مع إمكان كونه هو الزوج و أنّه ظنّه الأوّل فأقرّ به،ثم تبيّن خلافه.و إلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته مناف للقواعد الشرعية.

نعم،لو أظهر لكلامه تأويلاً ممكناً في حقه كتزويجه إيّاها في عدّة الأوّل،فظنّ أنّه يرثها زوجان فالوجه القبول.

و فيه مناقشة سيّما مع مخالفته لأصالة البراءة عن الغرامة المعتضدة بالشهرة؛ و لعلّه لذا تردّد فيه شيخنا في الدروس (2).و لعلّه في محله.

و كذا الحكم في الإقرار ب الزوجات للميّت،فإذا أقرّ بواحدة فالربع إن كان المقر غير الولد،و الثمن إن كان هو.

هذا على المختار أو التنزيل المتقدم في الإقرار بالزوج،و أمّا على غيرهما فيتمّ الحكم في إقرار الولد خاصة،و أمّا غيره فيدفع إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها.و لو كان بيده أكثر من نصيبها اقتصر على دفع نصيبها.

فالحاصل أنّ غير الولد يدفع أقلّ الأمرين من نصيب الزوجة و ما زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة.

فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع شيئاً،و مع الأُنثى يدفع الأقل.و الأخ يدفع الربع،و الولد الثمن.فإن أقر بأُخرى،و صدّقته الزوجة المقرّ لها أوّلاً اقتسما الربع أو الثمن أو ما حصل،و إن أكذبتها غرم المقرّ لها نصيبها،و هو نصف ما غرم للأُولى إن كان باشر تسليمها كما مضى،و إلّا فلا.و هكذا لو أقرّ بثالثة و رابعة،فيغرم للثالثة مع تكذيب الأُوليين ثلث ما لزمه دفعه،

ص:165


1- جامع المقاصد 9:366،الروضة 6:432.
2- الدروس 3:153.

و للرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.

و إذا أقرّ بخامسة كان كالإقرار بزوج ثانٍ يغرم لها مع تكذيب نفسه أو مطلقاً على ما مضى.بل هنا أولى؛ لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق و انقضاء العدة،و دخل و مات في سنته،كما مرّ في كتاب الطلاق.و يمكن فيه استرسال الإقرار،فلا يقف عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.

و لو أقرّ اثنان من الورثة بوارث مساوٍ لهما في الإرث،فإن كانا ممن يقبل شهادتهما صحّ النسب الموجب للإرث و قاسم الورثة و لو كانوا غير المقرّين.

و لو كان المقرّ له أولى بالإرث منهما كما لو أقرّ الأخوان العدلان بولد اختصّ بالميراث دونهما.

و لو لم يكونا ممن يقبل شهادتهما،بأن كانا غير مرضيّين لم يثبت النسب و دفعا إليه أي إلى المقرّ له مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة إن كان،و إلّا فلا؛ إلزاماً لهما بمقتضى إقرارهما.

و لا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و نصّاً،ففي الخبر:«إن أقرّ بعض الورثة بأخ إنّما يلزمه في حصّته.و من أقر لأخيه فهو شريك في المال، و لا يثبت نسبه،فإن أقرّ اثنان فكذلك إلّا أن يكونا عدلين،فيلحق نسبه، و يضرب في الميراث معهم» (1).

ص:166


1- الفقيه 3:500/117،التهذيب 6:442/198،قرب الإسناد:171/52،الوسائل 19:325،326 أبواب أحكام الوصايا ب 26 ح 5،6.

كتاب الأيمان

اشارة

كتاب الأيمان الأيمان جمع يمين،و هو لغةً تطلق تارةً على الجارحة المخصوصة، و أُخرى على القدرة و القوّة،و شرعاً:الحلف باللّه تعالى،أو أسمائه الخاصّة لتحقيق ما يُمكن فيه المخالفة إمكاناً عقلياً،فلا ينعقد على الواجب،أو الممتنع بالذات.

و هي على أقسام:يمين انعقاد،و هي الحلف على المستقبل فعلاً أو تركاً مع القصد إليه.و هو المقصود من هذا الكتاب.

و يمين لغوٍ،و لها تفسيران:أحدهما:الحلف لا مع القصد على ماضٍ،أو آتٍ.و ثانيهما:أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنّه يمين.

و في الموثق في تفسيره:«هو قول الرجل:لا و اللّه،و بلى و اللّه، و لا يعقد على شيء» (1).

و يمين غَموس و هي على ما ذكره الأكثر (2)الحلف على أحد

ص:167


1- الكافي 7:1/443،الوسائل 23:238 أبواب الأيمان ب 17 ح 1.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:502،و الشهيد الثاني في المسالك 2:202،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:44.

الأمرين مع تعمّد الكذب.و سمّي به لأنّها تغمس الحالف في الإثم أو النار.

و لا خلاف في حرمتها،و النصوص بها مستفيضة،في بعضها أنّها من الكبائر (1).

و في المستفيض منها و فيه الصحيح و غيره-:«أنّها تذر الديار بلاقع» (2).

و في بعضها:«اليمين الغموس ينتظر بها أربعين ليلةً» (3).

و في آخر:«أنها تنغل الرحم،يعني انقطاع النسل» (4).

و لا كفارة فيها سوى الاستغفار كما يأتي.

و يمين حلف على الحال،أو الماضي مع الصدق.و لا خلاف في جوازها،و جواز الأولين،و عدم المؤاخذة في الثانية؛ لقوله سبحانه:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [1] (5)و كراهة هذه و تأكّدها مع إكثارها؛ للكتاب و السنة،قال سبحانه:

وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ [2] (6)

ص:168


1- الوسائل 23:215 أبواب الأيمان ب 9.
2- الوسائل 23:202 أبواب الأيمان ب 4.البلاقع جمع بَلْقَع و بَلْقَعَة،و هي الأرض القفر التي لا شيء بها،يريد أن الحالف بها يفتقر و يذهب ما في بيته من الرزق.النهاية 1:153.
3- الكافي 7:7/436،المحاسن:130/119،الوسائل 23:205 أبواب الأيمان ب 4 ح 9.
4- الكافي 7:9/436،عقاب الأعمال:226،الوسائل 23:202 أبواب الأيمان ب 4 ح 1.النَّغَل بالتحريك-:الفساد.النهاية 5:88.
5- المائدة:89.
6- القلم:10.

و في الصحيح:«اجتمع الحواريون إلى عيسى على نبينا و آله و عليه السلام،فقالوا:يا معلّم الخير،أرشدنا،فقال لهم:إنّ موسى نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين،و أنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين» (1).

و نحوه الموثق (2)،بترك الحكاية،و زيادة التعليل بقوله:«فإنّه عز و جل يقول: لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [1] (3)و في القوي:«من أجلّ اللّه تعالى أن يحلف به أعطاه اللّه تعالى خيراً مما ذهب منه» (4).

و يستفاد منه استحباب ترك الحلف على إثبات المال مطلقاً و إن ذهب منه به،و كان ما كان.

و يعضده غيره مما دلّ على ترك عليّ بن الحسين عليه السلام الحلف على نفي أربعمائة دينار عن نفسه،و غرامته لذلك إيّاها لزوجته المدّعية لها عليه،معللاً بالإجلال (5).

لكن في المرسل:«إذا ادّعي عليك مال،و لم يكن له عليك،فأراد أن يحلفك،فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطه و لا تحلف،و إن كان أكثر من

ص:169


1- الكافي 7:3/434،الوسائل 23:197 أبواب الأيمان ب 1 ح 2.
2- الكافي 7:1/434،التهذيب 8:1033/282،الوسائل 23:198 أبواب الأيمان ب 1 ح 5.
3- البقرة:224.
4- الكافي 7:2/434،الفقيه 3:1096/233،التهذيب 8:1034/282،الوسائل 23:198 أبواب الأيمان ب 1 ح 3.
5- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 أبواب الأيمان ب 2 ح 1.

ذلك فاحلف و لا تعطه» (1).

و الجمع بين الأخبار يقتضي الكراهة مطلقاً مع تأكّدها في ثلاثين درهماً فما دون.

و يستثنى من الكراهة ما وقع لحاجة كتأكيد كلام،أو تعظيم أمر؛ لورودهما في النصوص.و كلّ ما ورد يرجع إلى هذين.لكن عن الأكثر عدم الاستثناء (2).

و الأصل في شرعيّتها بالمعنى المقصود هنا بعد ما مرّ من قوله سبحانه: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ [1] الآية (3):الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة (4)،و النصوص المستفيضة التي يأتي إليها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور ثلاثة

الأوّل في بيان ما به تنعقد

الأوّل: في بيان ما به تنعقد اليمين بحيث يحنث بالمخالفة، و يجب بها عليه الكفارة.

و اعلم أنه لا تنعقد إلّا باللّه تعالى،أي بذاته المقدسة من غير اعتبار اسم من أسمائه سبحانه،كقوله:و الّذي خلق الحبة و برأ النسمة، و الذي نفسي بيده،و نحو ذلك.

أو ب اسم من أسمائه الخاصة كقوله:و اللّه،و الرحمن،

ص:170


1- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 أبواب الأيمان ب 3 ح 1.
2- حكاه عن الأكثر في المفاتيح 2:45.
3- المائدة:89.
4- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):617،و الشهيد الثاني في المسالك 2:187،و سبطه في نهاية المرام 2:324،و الكاشاني في المفاتيح 2:5.

و نحوهما.

أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق،و البارئ و الربّ دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود و الحي و السميع و البصير،فلا ينعقد به و إن نوى به الحلف؛ لأنّه بسبب اشتراكه بين الخالق و المخلوق إطلاقاً واحداً ليس له حرمة.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الإسكافي (1)،و هو شاذّ كما يأتي.

بل على عدم الانعقاد بغيره تعالى الإجماع في صريح كلام الغنية، و السيّد و الفاضل المقداد في شرحي الكتاب (2).و نسبه في الكفاية إلى مذهب الأصحاب (3)،و هو ظاهر فيه،ككلامي الشيخين في المقنعة و النهاية (4).و فيهما الدلالة أيضاً على تحقّقه على انعقادها بكلّ ما يدلّ على الذات المقدسة.

و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و النصوص المستفيضة،منها الصحيحان.

في أحدهما:«إنّ للّه أن يقسم من خلقه بما شاء،و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» (5).

ص:171


1- نقله عنه في المختلف:649.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):617،نهاية المرام 2:326،التنقيح الرائع 3:503.
3- الكفاية:226.
4- المقنعة:554،النهاية:555.
5- الكافي 7:1/449،التهذيب 8:1009/277،الوسائل 23:259 أبواب الأيمان ب 30 ح 3.

و في الثاني (1)،و في بعض الأخبار:«لا أرى أن يحلف الرجل إلّا باللّه تعالى» (2).

و ربّما علّل المنع أيضاً زيادةً على ذلك بأنّ القسم بشيء يستلزم تعظيماً له،و لمّا لم يكن مستحقاً للتعظيم المطلق و بالذات سوى اللّه تعالى لم يجز القسم إلّا به.

و خلاف الإسكافي في المضمار بتجويزه الانعقاد بحق النبي صلى الله عليه و آله شاذّ؛ و لذا مع معلوميّة نسبه استفيض حكاية الإجماع على خلافه،فلا عبرة به.

كما لا عبرة بما احتمله السيّد في الشرح من اختصاص الحلف بلفظ الجلالة؛ للأخبار المتقدمة و نحوها المعلّقة للحكم بالجواز و الانعقاد به،بناءً على أنّ المتبادر من ذلك وقوع اليمين بهذه اللفظة المخصوصة (3).

لمخالفتها الإجماع في الظاهر و المحكي في كلام الشيخين،و منع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الشاهد بأنّ المراد بهذه اللفظة ذاته المقدسة لا خصوصيتها.مع أنّ في الصحيحة الأُولى وقع التعبير إلّا به، لا إلّا باللّه،و عليه ينتفى خصوصيّة اللفظ جدّاً.

و يشهد له أيضاً ما سيأتي في الصحيح الدالّ على انعقاد اليمين بعمر اللّه،و بيا هناه يا هناه،من التعليل في الأوّل بقوله:فإنّما ذلك باللّه عزّ و جلّ،و في الثاني بقوله:فإنّما ذلك طلب الاسم.و ليس المراد باللّه فيه

ص:172


1- الكافي 7:2/449،الفقيه 3:1085/230،التهذيب 8:1010/278،الوسائل 23:260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4.
2- الكافي 7:3/450،التهذيب 8:1011/278،الوسائل 23:261 أبواب الأيمان ب 30 ح 5.
3- نهاية المرام 2:328.

ما ذكره من الخصوصية قطعاً،بل ما ذكرناه من مطلق الذات المقدسة.

و حينئذٍ فيدلّ التعليل على انعقاد اليمين بكل ما دلّ عليها و لو كان غير لفظ جلالة.فلا وجه لما احتمله،و لذا لم يحتمله أحد من أصحابنا،بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة و غيرها من أسمائه المقدسة.

و اعلم أنّ الحروف التي يقسم بها عند أهل اللسان الباء،و الواو، و التاء.قيل (1):و يجوز حذفها على الأصحّ،كأن يقول:اللّهِ بالجر لأفعلنّ كذا،مع قصد اليمين،لوروده في اللغة و الحديث،و منه قول النبي صلى الله عليه و آله لِرُكَانَة:«اللّهِ تعالى ما أردتَ إلّا واحدة» (2).

و كذا يجوز الإتيان بهاء التنبيه بعد الواو كوها اللّه تعالى،و عند حذفها مع قطع الهمزة الجلالة و وصلها،و مع إثبات الألف و حذفها.

و في الجميع تردّد؛ لذلك،و لعدم استمرار العادة بالحلف كذلك، و عدم المعرفة به إلّا من خواصّ الناس،مضافاً إلى الأصل السليم عما يصلح للمعارضة سوى ما مرّ من الورود في الحديث و اللغة و في الاستناد إليهما مناقشة،سيما مع عدم معلومية سند الرواية.

و أولى منه بالتردد ما لو لحن بآخر الاسم،أو نصبه،أو حذف ألف الجلالة مع نيته الحلف.

و لا تنعقد لو قال:أُقسم أو أحلف حتى يقول باللّه فتنعقد، بلا خلاف في كلا الحكمين،بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف (3)،و على الثاني الإجماع في شرح الكتاب (4)؛ و هو الحجة فيه،مضافاً إلى أنّه إنشاء

ص:173


1- مفاتيح الشرائع 2:39.
2- سنن البيهقي 7:342،سنن ابن ماجة 1:2051/661.
3- الخلاف 6:124.
4- نهاية المرام 2:328.

يمين شرعاً و لغةً و عرفاً.مع أنّ الفعلين مقدّران حيث يحذفان،فذكرهما أولى.

و أمّا عدم الانعقاد مع الاقتصار عليهما عن لفظ الجلالة،فلعدم معلومية المقسم به هل هو اللّه سبحانه أم من لا ينعقد به.

مضافاً إلى الأصل،و عدم صدق القسم المعتبر بهما،[و القوي:«إذا قال الرجل:أقسمت و حلفت فليس بشيء حتى يقول:أقسمت باللّه أو حلفت باللّه» (1)(2)]. و لو قال:لعمر اللّه،كان يميناً بغير خلاف ظاهر مصرّح به في التنقيح و الكفاية و الشرح للسيّد (3)،بل عن الخلاف الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه:«و أمّا قول الرجل:يا هناه يا هناه،فإنّما ذلك طلب الاسم و لا أرى به بأساً،و أما لعمر اللّه و أيم اللّه، فإنما هو باللّه» (5).

و هو بفتح العين مرفوع على الابتداء و الخبر محذوف،و المعنى لعمر اللّه قسمي.و هو بمعنى الحياة و البقاء،و هو قريب من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلّا مفتوحاً.

ص:174


1- الفقيه 3:1102/234،التهذيب 8:1119/301،الوسائل 23:234 أبواب الأيمان ب 15 ح 3.
2- الاستدلال بهذه الرواية غير موجود في نسخة الأصل.
3- التنقيح الرائع 3:505،الكفاية:226،نهاية المرام 2:328.
4- الخلاف 6:125.
5- الكافي 7:2/449،الفقيه 3:1085/230،التهذيب 8:1010/278،الوسائل 23:260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4.

و هو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين،كالقدرة و العلم و غيرهما من الصفات المشتركة،لكنه لما استعمل في اليمين عرفاً و شرعاً حكموا بانعقاده به.

و يستفاد من الصحيح انعقادها بايم اللّه،كما هو المشهور إلّا أنّه بدّل ب«لاهاه» في نسخة الكافي،و ب«لاها اللّه» في نسخة التهذيب.

و لا كذا لو قال:و حقّ اللّه تعالى فإنّه لا ينعقد مطلقاً،وفاقاً للخلاف،و الحلّي،و الفاضلين (1)؛ للأصل،و اشتراك الحق بين أُمور كثيرة لا ينعقد بها اليمين،كالعبادات التي أُمر بها،لإطلاقه عليها في الخبر:ما حقّ اللّه على عباده؟قال:«أن لا يشركوا به شيئاً و يعبدوه و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة» (2).

و كالقرآن؛ لإطلاقه عليه فيه،قال تعالى: وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [1] (3)خلافاً للمبسوط فقال (4):ينعقد مطلقاً؛ لأنّ الحقّ إذا أُضيف إلى اللّه تعالى كان وصفاً كسائر صفات ذاته من العظمة و العزّة و نحوهما.و قوّاه في الدروس (5)إذا قصد به اللّه الحق،و المستحق للآلهية،دون ما إذا قصد به المعاني الأولة.

و يضعّف الأوّل بأنّها المفهوم من حقه عند الإطلاق و التجرد عن القرينة،و هي عن الوصف بعيدة غايته.

ص:175


1- الخلاف 2:555،الحلّي في السرائر 3:37،المحقق في الشرائع 3:170،العلّامة في التحرير 2:97.
2- مجمع الزوائد 1:50.
3- الحاقة:51.
4- المبسوط 6:197.
5- الدروس 2:162.

و الثاني في محل الانعقاد بأنّ الحق بالمعنى الذي ذكر فيه غير مفهوم من اللفظ،و مجرد القصد إليه غير كاف في الانعقاد إذا لم ينضمّ إليه ما ينعقد به.

و للمختلف و التنقيح (1)تفصيل آخر،و هو الرجوع إلى عرف الحالف، فإن قصد به الحلف باللّه تعالى انعقد يميناً،و إلّا فلا.

و يمكن إرجاعه إلى سابقه،فيرد عليه ما ورد فيه.

و لا ينعقد الحلف بالطلاق،و العتاق،و الظهار،و لا بالحرم و الكعبة، و لا بالمصحف و نحو ذلك من الأُمور المعظمة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الانتصار في الثلاثة الأُول (2)،و دلّ عليه الإجماعات المستفيضة المتقدمة فيها،و في الثلاثة الأخيرة.

خلافاً للإسكافي،فجوّز اليمين بها (3).و هو محجوج بما قدمناه من الأدلة سيما الأصل،و النصوص المستفيضة.

مضافاً إلى الصحيح،و غيره في الأوّلين:إنّي حلفت بالطلاق و العتاق و النذور،فقال:«إنّ هذا من خطوات الشيطان» (4).

هذا مع أنّ مخالفته للقوم غير معلومة كما يستفاد من التنقيح؛ حيث قال بعد نقل مذهبه-:فإن أراد بذلك ما يوجب الكفارة بمخالفته فهو باطل؛ لما تقدم.و إن أراد غير ذلك فالظاهر جوازه على كراهية شديدة (5).

و تنعقد لو قال:حلفت بربّ المصحف قطعاً لأنّه حلف به تعالى.

ص:176


1- المختلف:655،التنقيح 3:506.
2- الانتصار:157.
3- نقله عنه في المختلف:649.
4- التهذيب 8:1058/287،الوسائل 23:231 أبواب الأيمان ب 14 ح 4.
5- التنقيح 3:506.

و لو قال:هو يهودي أو نصراني أو حربي أو نحو ذلك إنْ فعل كذا مثلاً أو حلف بالبراءة من اللّه تعالى أو رسوله صلى الله عليه و آله أو الأئمة عليهم السلام لم يكن يميناً لما مضى من عدم انعقاد الحلف بغير اللّه تعالى.و لا خلاف في تحريمه،و مضى الكلام فيه و في سائر ما يتعلق به من أحكام الكفارة في بحثها.

و الاستثناء بالمشيئة للّه تعالى في اليمين بأن يتبعها بقوله:

إن شاء اللّه تعالى،جائز إجماعاً فتوًى و نصّاً مستفيضاً.

و يمنعها الانعقاد إذا اتصلت بها بما جرت العادة و لو انفصلت بتنفس أو سعال أو نحوهما إجماعاً،لو لم يكن متعلقها فعل الواجب أو المندوب،أو ترك الحرام و المكروه،و به صرّح في التنقيح (1)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الخبرين:

أحدهما النبوي:«من حلف على يمين فقال:إن شاء اللّه، لم يحنث» (2).

و ثانيهما القوي بالسكوني:«من استثنى في يمين فلا حنث عليه و لا كفارة» (3).

و مطلقاً على الأقوى،وفاقاً لأكثر أصحابنا (4)؛ لإطلاق الخبرين المعتبر أحدهما في نفسه،المنجبرين بفتوى الأكثر بل الكل،سوى النادر،و هو

ص:177


1- التنقيح 3:507.
2- سنن الترمذي 3:1570/43،1571.
3- الكافي 8:5/448،التهذيب 8:1031/282،الوسائل 23:256 أبواب الأيمان ب 28 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:188،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:221،و السبزواري في الكفاية:227.

الفاضل في القواعد (1)،حيث قصر الحكم بعدم الانعقاد على المجمع عليه، دون غيره،و هو ما إذا كان المتعلق أحد الأُمور المذكورة،لأنّ غيرها لا يعلم فيه حصول الشرط و هو تعلّق المشيئة به بخلافها،للعلم بحصول الشرط فيها،نظراً إلى الأمر بها وجوباً أو ندباً.

و هو مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص غير مسموع محل نظر و تأمّل،وفاقاً للكفاية (2)؛ لمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف،لعارض لا يعلم به.هذا.

و ربما يظهر من شيخنا في الدروس مخالفة هذا القول للإجماع، حيث نسبه إلى الندور (3).

ثم إنّ إطلاق الخبرين و العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة أو التبرك،و به صرّح شيخنا في الروضة (4).خلافاً لسبطه في الشرح (5)،فقال بالفرق،و اختصاص الحكم بعدم الانعقاد بالأوّل،و أوجب في الثاني الرجوع إلى قواعد اللغة؛ نظراً إلى ضعف سند المستند في هذا الحكم.

و يرد عليه ما مرّ من الانجبار بالعمل.

و لو تراخي الاستثناء عن ذلك الحلف من غير عذر من نحو سعال لزمت اليمين و سقط الاستثناء و لغا،بلا خلاف بيننا فتوًى.

و الرواية الآتية المخالفة لذلك شاذّة مؤوّلة أو متروكة جدّاً.

ص:178


1- القواعد 2:130.
2- الكفاية:227.
3- الدروس 2:165.
4- الروضة 3:53.
5- نهاية المرام 2:331.

و هل يعتبر في الاستثناء حيث يعتبر التلفظ به،أم يكفي فيه النية؟ قولان.المشهور كما في التنقيح و غيره،و منهم المبسوط و الحلّي (1)الأوّل؛ أخذاً بالعمومات الدالّة على انعقاد اليمين و ترتّب أحكامها من الحنث و الكفارة عليها،و اقتصاراً فيما خالفها مما دلّ على عدم انعقادها بتعليقها على المشيئة على المتيقن منه بحكم التبادر و غيره،و هو التعليق باللفظ دون النية.

خلافاً للفاضل في المختلف،فاكتفى بالنية (2)؛ لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية و الضمير،فإذا استثناه كذلك لم ينو شمول اليمين لما استثناه، فلا يندرج في الحلف،و نزّل عليه الرواية المشار إليها في المتن بقوله:

و فيه رواية صحيحة ب جواز الاستثناء إلى أربعين يوماً (3) بحملها على ما إذا استثنى بالنية،و أظهره قبل تلك المدة.و هو لا يخلو عن وجه.

لكن يضعف التنزيل بأنّ مثل هذا الاستثناء عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة.و كون التقدير بها وارداً للمبالغة محلّ مناقشة؛ لأنّ الاستثناء بها إذا وقفت اليمين دائماً يكون التقييد بالدوام أو بما زاد على الأربعين أبلغ و أولى؛ و لعلّه لهذا لم يجب الماتن عن الرواية هنا و في الشرائع (4)إلّا بقوله: و هي متروكة مخالفة للإجماع،إذ لم نر عاملاً بها.

ص:179


1- التنقيح 3:506،المبسوط 6:200،السرائر 3:41.
2- المختلف:655.
3- الفقيه 3:1081/229،التهذيب 8:1029/281،الوسائل 23:258 أبواب الأيمان ب 29 ح 6.
4- الشرائع 3:170.

الثاني في الحالف

الثاني:في بيان الحالف و اعلم أنّه يعتبر فيه التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و القصد إلى مدلول اليمين،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل على الأخير الإجماع في ظاهر الغنية و الدروس و غيرهما (1)؛ و هو الحجة فيه بعد الآية الكريمة: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [1] (2)فإن مقتضى المقابلة أن اللغو من الأيمان ما وقع بغير قصد و نية، مضافاً إلى وقوع التصريح به في بعض المعتبرة الواردة في تفسيرها،و قد مرّ في صدر الكتاب إليه الإشارة (3).

و السند في اعتبار ما عداه بعد عدم الخلاف فيه الظاهر،بل الإجماع المقطوع به حديثا رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و المجنون حتى يفيق (4)،و رفع عن أُمتي تسعة،و عدّ منها ما استكرهوا عليه (5)،مضافاً إلى الخبرين الآتيين.

وي تفرع على ذلك أنه لو حلف صبي أو مجنون أو بالغ عاقل من غير نيّة كانت يمينهم لغواً و لو كان اللفظ صريحاً نبّه بهذا على خلاف بعض العامة،حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح،و إن لم يقصد،و أنّه إنّما يتوقف على القصد ما ليس بصريح

ص:180


1- الغنية(الجوامع الفقهية):617،الدروس 2:163؛ و انظر القواعد 2:222.
2- المائدة:89.
3- راجع ص 166،الرقم(1).
4- الخصال:233/175،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
5- الفقيه 1:132/36،الخصال:9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

كالكناية (1).

ذكر الماتن في الشرائع قبول قوله في دعوى عدم القصد إلى اليمين و لو من اللفظ الصريح (2).و ارتضاه غيره؛ معلّلاً بأن القصد من الأُمور الباطنة التي لا يطلّع عليها غيره،فوجب الرجوع إليه.و بجريان العادة كثيراً بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد.بخلاف الطلاق و نحوه فإنّه لا يصدّق؛ لتعلق حقّ الآدمي به،و عدم اعتياد عدم القصد فيه،فدعواه عدمه خلاف الظاهر (3).و هو حسن.

و لو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده ففي قبول دعواه و عدمه وجهان:من مخالفته الظاهر،و من عموم العلّة الأُولى.و لعلّ هذا أوجه، إلّا أن يكون المقارن ما يدل على قصده قطعاً.

و لا يمين منعقدة توجب الحنث و الكفارة للسكران و لا المكره و لا الغضبان،إلّا أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين الصادرة عنه فتنعقد معه بلا اشكال فيه،و في العدم مع العدم؛ لما تقدّم،مضافاً إلى صريح الخبرين:«لا يمين في غضب،و لا في قطيعة رحم،و لا في جبر،و لا في إكراه» (4).

و فسر فيهما الجبر بما كان من جهة السلطان،و الإكراه بما كان من الزوجة و الأُمّ و الأب.

و تصحّ اليمين من الكافر مطلقاً،وفاقاً للأكثر و منهم الشيخ في

ص:181


1- بداية المجتهد 1:416.
2- الشرائع 3:170.
3- المسالك 2:190.
4- الكافي 7:16/442 و 17،الوسائل 23:235 أبواب الأيمان ب 16 ح 1،و ذيله.

المبسوط (1)،بل الخلاف أيضاً كما يأتي.قيل:لإطلاق الكتاب و السنة و الصحيحين.

في أحدهما:عن أهل الملل يستحلفون،قال:«لا تحلفوهم إلّا باللّه عزّ و جلّ» (2).

و في الثاني:«لا تحلفوا اليهودي،و لا النصراني،و لا المجوسي إلّا باللّه تعالى» (3).

و في الجميع نظر؛ لعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة،لاختصاصه في الكتاب و بعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه،و المتيقن منهم المسلمون خاصة،و التعدية إلى غيرهم و منهم الكفار مطلقاً تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،إذ ليست إلّا الإجماع، و هو مفقود في محل النزاع.

و أما إطلاقات باقي السنة فغير نافعة أيضاً؛ لورودها لبيان حكم آخر غير حكم المسألة،و لا اعتداد بمثلها فيها كما مرّ غير مرّة.

و أما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة،لكونه اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث و الكفارة،و لا كذلك موردهما،لتعلّقه باستحلافهم في مقام الدعوى،و هو غير الحلف الذي قدّمنا.

نعم،يمكن الاستدلال بهما بالفحوى؛ فإنّ انعقاد حلفهم في الدعاوي المتضمّنة للفروج و الأموال يستلزم انعقاده هنا بطريق أولى،هذا.

ص:182


1- المبسوط 6:194.
2- الكافي 7:1/450،التهذيب 8:1016/279،الإستبصار 4:134/40،الوسائل 23:266 أبواب الأيمان ب 32 ح 3.
3- الكافي 7:5/451،التهذيب 8:1014/278،الإستبصار 4:132/39،الوسائل 23:266 أبواب الأيمان ب 32 ح 2.

مع إمكان أن يكون الاستناد إليهما دفعاً لما سيذكر لعدم الانعقاد:من عدم معرفته باللّه تعالى،بناءً على أن صحّة التعليل تقتضي عدم الانعقاد مطلقاً و لو في الدعاوي،و الحال أن الصحيحين قد دلّا على الانعقاد فيها، فدلّا على فساد التعليل جدّاً.

و ذكر الشيخ في الخلاف أنه لا تصحّ (1) لما مضى؛ و للأصل السليم عن المعارض،بناءً على ما قدّمناه من عدم إطلاق أو عموم يدل على الانعقاد هنا؛ و لحديث:«الإسلام يجبّ ما قبله» (2).

و يضعّف الأولان بما مضى.و الثالث بأنّ الجبّ هو قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة عليهم و نحوها،و هو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر،فلعلّ اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم،بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث و الكفارة،و إسلامهم بعدُ يجبّ ما وَجَب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة،هذا.

و يضعف الأوّل زائداً على ما مرّ بأنه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بمن لا معرفة له باللّه تعالى دون من يعرفه،فلا بُدّ من التفصيل بينهما بالانعقاد في الثاني دون الأوّل،كما في المختلف و التنقيح و المسالك و شرح الكتاب للسيّد،و عليه كثير ممن تبعهما (3).

و هو قوي جدّاً؛ للأصل،و اختصاص الصحيحين المجوزين اللذين هما الأصل في الجواز بالثاني،و ضعف الإطلاقات بما مضى،مع ضعفها

ص:183


1- الخلاف 6:116.
2- عوالي اللئلئ 2:145/54.
3- المختلف:651،التنقيح 3:509،المسالك 2:190،نهاية المرام 2:334،و انظر كشف اللثام 2:222،و الكفاية:227،و مفاتيح الشرائع 2:42.

في الشمول لغير المقرّ بأن مواردها الحلف باللّه،و حلف المنكر له به لا يعدّ حلفاً جدّاً،بل يكون في حلفه به على معتقده لاغياً،هذا.

و يظهر من الخلاف التردد فيما ذكره أولاً،و الرجوع إلى ما عليه الأكثر؛ للعمومات.و فيها ما مرّ من المناقشات.

و كيف كان،يحصل من رجوعه الاتفاق على الجواز في الجملة، و هو حجة أُخرى له مستقلة،إلّا أن المحكي عن الحلّي المخالفة،و المصير إلى القول الثاني (1).و لعلّه لا عبرة به؛ لمعلومية نسبه مع حصول ما يقرب من القطع بالإجماع من اتفاق غيره.

و فائدة الصحة بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة،و في العقاب على متعلّقها لو مات على كفره و لمّا يفعله.

لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام؛ لأنّها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر إلّا من السيّد في الشرح (2)،فتأمل فيه.و لا وجه له بعد دلالة الخبر المتقدم المعتضد بالعمل.

مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في المهذب (3)،و فحوى ما دلّ عليه الإجماع من سقوط قضاء نحو الصلاة،فسقوط الكفارة التي هي أدنى منها أولى.

و لا تنعقد انعقاداً تاماً يمين الولد مع الوالد إلّا بإذنه.و لو بادر إليها قبله كان للوالد حلّها إن لم يكن يمينه في فعل واجب أو ترك محرم.و كذا الزوجة مع زوجها و المملوك مع مولاه بلا خلاف في

ص:184


1- السرائر 3:48.
2- نهاية المرام 2:334.
3- المهذّب البارع 4:129.

شيء من ذلك في الجملة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للمعتبرين:

أحدهما الصحيح:«لا يمين لولد مع والده،و لا للمرأة مع زوجها، و لا المملوك مع سيّده» (2).

و مقتضاها كصدر العبارة هنا و في الشرائع (3)عدم الصحة بدون الإذن؛ لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية حيث يكون إرادته على الحقيقة ممتنعة.

مضافاً إلى شهادة السياق في الصحيح بذلك،حيث زيد فيه:«و لا نذر في معصية،و لا يمين في قطيعة رحم» فإنّ النفي فيهما راجع إلى الصحة إجماعاً،فليكن النفي المتقدم عليهما كذلك أيضاً.

و به أفتى الفاضل في الإرشاد،و شيخنا في المسالك،و جملة من تبعه (4).لذلك،و لأن اليمين إيقاع فلا يقع موقوفاً.

خلافاً لذيل العبارة هنا و في الشرائع و الدروس (5)،فجعلوا اليمين بدونه صحيحة و النهي عنها مانعاً،و نسبه في المسالك و المفاتيح (6)إلى

ص:185


1- الغنية(الجوامع الفقهية):617.
2- الكافي 7:6/440،الفقيه 3:1070/227،التهذيب 8:1050/285،الوسائل 23:217 أبواب الأيمان ب 10 ح 2. و الخبر الآخر:الكافي 7:1/439،التهذيب 8:1049/285،الوسائل 23:216 أبواب الأيمان ب 10 ح 1.
3- الشرائع 3:172.
4- الإرشاد 2:84،المسالك 2:190؛ و انظر كشف اللثام 2:222،و الكفاية:225،و المفاتيح 2:41.
5- الشرائع 3:172،الدروس 2:166،قال فيه:لا إشكال في التوقف على إذن الأب و إن علا.
6- المسالك 2:190،المفاتيح 2:41.

المشهور،و احتجّ له كالتنقيح (1)بالعمومات الدالّة على وجوب الوفاء باليمين.

و يضعف:باختصاصها إجماعاً بالأيمان الصحيحة،و كون اليمين في المسألة منها أوّل الكلام،و دعواه مصادرة.و على تقدير تسليمها نخصّصها بالمعتبرين الظاهرين في نفي الصحة مفهوماً و سياقاً.

و طرحهما و الاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع،و هو صورة المنع لا عدم الإذن،لا وجه له أصلاً إلّا على تقدير عدم العمل بالأخبار الآحاد،أو عدم تخصيص العمومات القطعية بها،أو قصور الخبرين بضعف ثانيهما،و وجود إبراهيم بن هاشم في سند أوّلهما، و لم يصرّح بتوثيقه بل حسن،و ليس بحجة.

و يضعف الجميع:بحجية الآحاد المعتبرة الإسناد،و جواز تخصيص القطعيات بها،كما برهن في محلّهما،و وثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح، مع أنّ الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه في الصحيح.

و بالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول،و إن كان للأكثر.

و نحوه في الضعف استثناء اليمين على فعل الواجب و ترك المحرم كما هنا،و في الشرائع و الإرشاد (2)؛ لإطلاق النص و عدم دليل على إخراج هذا الفرد.و تعيّن الفعل عليه وجوداً و عدماً لا يقتضي ترتّب آثار انعقاد الحلف عليه حتى ترتب الكفارة على الحنث.

و بما ذكرنا صرّح السيّد في شرحه،و صاحب الكفاية (3).و يمكن أن

ص:186


1- التنقيح الرائع 3:510.
2- الشرائع 3:172،الإرشاد 2:85.
3- نهاية المرام 2:335،الكفاية:227.

يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه بأن يراد من الإحلال جواز الأمر بترك ما حلف على فعله،أو فعل ما حلف على تركه.و نفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً.

و ربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء،حيث قال في كتاب النذر و العهد:و للزوج حلّ نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب و ترك المحرم حتى في الجزاء عليهما،و كذا السيد لعبده، و الوالد لولده على الظاهر.فتدبر (1).

ثمّ إنّ مقتضى الأصل الدالّ على لزوم الوفاء باليمين،و اختصاص النص و الفتاوى بعدم الصحة و التوقف على الإذن،بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة.

و في شمول الحكم للجدّ إشكال:من عدم تبادره من إطلاق الوالد، و من إطلاقه عليه كثيراً،و اشتراكهما في الأحكام غالباً.و الأحوط الأوّل،و إن كان الثاني لعلّه لا يخلو عن قرب.و جزم به شيخنا في الدروس (2).

و أما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم،دون المتعة؛ لعدم تبادرها منها عند الإطلاق،مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة.

الثالث في متعلق اليمين

الثالث:في بيان متعلق اليمين و اعلم أنّه لا يمين إلّا مع العلم بما يحلف عليه من صوم أو صلاة أو صدقة أو نحو ذلك.و تقييد المعلوم بذلك قد صرّح به الفاضل

ص:187


1- الدروس 2:149.
2- الدروس 2:166.

المقداد و السيّد في شرحي الكتاب (1).قال الثاني بعده:و لا يمكن أن يكون المراد به العلم بوقوع ما يحلف عليه؛ لأنّ المستقبل لا يعلم وقوعه.

و لم يذكر الماتن في الشرائع و لا غيره هذا الشرط في هذا الباب، و إنّما يعتبرونه في اليمين المتوجهة إلى المنكر أو المدّعى مع الشاهد، و لا ريب في اعتباره هناك،كما يأتي إن شاء اللّه سبحانه.

و لا يجب ب اليمين الغَموس المتقدم تعريفه كفارة سوى الاستغفار و إن كانت محرمة،بلا خلاف أجده،بل عليه في صريح الخلاف،و ظاهر المسالك إجماع الإمامية (2)؛ للأصل.

و المرسل:«الأيمان ثلاث:يمين ليس فيها كفارة،و يمين فيها كفارة، و يمين غموس توجب النار.فاليمين التي ليست فيها كفارة:الرجل يحلف على باب برّ أن لا يفعله،فكفارته أن يفعله.و اليمين التي تجب فيها الكفارة:الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله،فيفعله،فيجب عليه الكفارة.و اليمين الغَموس التي توجب النار:الرجل يحلف على حقّ امرئ مسلم على حبس ماله» (3).

و يستفاد منه و من مرسل آخر (4)،و المحكي عن أهل اللغة (5)تعريف الغموس بالأخص مما مرّ عن الأكثر (6).

و تنعقد اليمين لو حلف على فعل واجب أو مندوب أو على

ص:188


1- التنقيح الرائع 3:511،نهاية المرام 2:336.
2- الخلاف 6:115،المسالك 2:191.
3- الكافي 7:1/438،الوسائل 23:214 أبواب الأيمان ب 9 ح 1.
4- عقاب الأعمال:9/271،الوسائل 23:215 أبواب الأيمان ب 9 ح 4.
5- حكاه عنهم في نهاية المرام 2:336.
6- راجع ص 166.

ترك محرم أو مكروه.و لا تنعقد لو حلف على ترك واجب أو مندوب أو فعل محرم أو مكروه بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحاح المستفيضة.

في أحدها:«كلّ يمين حلف عليها ألّا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا و الآخرة فلا كفارة عليه،و إنّما الكفارة في أن يحلف الرجل:و اللّه لا أزني،و اللّه لا أشرب الخمر و لا أسرق،و اللّه لا أخون،و أشباه هذه،أو لا أعصي،ثم فعل فعليه الكفارة» (1).

و في الثاني:«ليس كل يمين فيها الكفارة،أمّا ما كان منها مما أوجب اللّه تعالى عليك أن تفعله،فحلفت أن لا تفعله،فليس عليك فيه الكفارة، و أمّا ما لم يكن مما أوجب اللّه تعالى عليك أن لا تفعله،فحلفت أن لا تفعله،فإنّ عليك فيه الكفارة» (2).

و في الثالث و الرابع:عن الرجل يحلف على اليمين،فيرى أنّ تركها أفضل،و إن لم يتركها خشي أن يأثم،أ يتركها؟قال:«أما سمعت قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله:إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها» (3).

و في الخبرين:«لا يجوز يمين في تحليل حرام،و لا تحريم حلال، و لا قطيعة رحم» (4).

ص:189


1- الكافي 7:8/447،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 3.
2- الكافي 7:2/445،التهذيب 8:1076/291،الإستبصار 4:146/42،الوسائل 23:249 أبواب الأيمان ب 24 ح 1.
3- الكافي 7:3/444،5،التهذيب 8:1045/284،الوسائل 23:240،241 أبواب الأيمان ب 18 ح 1،و ذيل حديث 3.
4- الكافي 7:2/439،3،التهذيب 8:1046/285،1047،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 6،7.

و في الموثق:«لا يمين في معصية» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يبقى معها و مع فتوى الأصحاب بها شبهة و لا ريبة.

إلّا أنّه استشكل في الكفاية فيما لو كان متعلقها راجحاً ديناً و مرجوحاً دنيا أو بالعكس (2)،قال:لتعارض عموم الأخبار.و ظاهر الأصحاب الانعقاد هيهنا.و يشكل،نظراً إلى قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيحة زرارة:«كلّ ما كان لك فيه منفعة في أمر دين أو دنيا فلا حنث عليك» (3).

و موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:«كلّ يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا،فلا شيء عليك فيهما،و إنّما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما للّه معصية أن لا تفعله ثم تفعله» (4).

و فيما ذكره نظر،بل المصير إلى ما نقله عن الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أظهر؛ لرجحان العموم الدالّ عليه بعملهم،مع اعتضاده بعمومات الكتاب و السنة بلزوم كل يمين.

و الخبران المستشكل بهما في الحكم غير ظاهري الشمول لمحل الفرض من تعارض الرجحان من جهة و المرجوحية من اخرى،بل ظاهرهما المتبادر منهما عند الإطلاق هو المرجوحية من جهة لا يعارضها رجحان من اخرى،كما لا يخفى،مع أنّ نحو هذا المتعلق يكون كالمباح المتساوي الطرفين،و الحكم فيه الانعقاد عند الأصحاب كما يأتي،و إن

ص:190


1- الكافي 7:7/440،الوسائل 23:220 أبواب الأيمان ب 11 ح 9.
2- الكفاية:227.
3- الكافي 7:8/447،التهذيب 8:1075/291،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 3؛ بتفاوت.
4- الكافي 7:1/445،الوسائل 23:248 أبواب الأيمان ب 23 ح 2.

تأمل فيه أيضاً،و لكنّه ضعيف جدّاً.

و لو حلف على فعل مباح أو تركه و كان الأولى له مخالفته في دينه أو دنياه،فليأت ما هو خير له،و لا إثم عليه و لا كفارة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيحان الأخيران من الصحاح المستفيضة،المتقدمة في المسألة السابقة.

و نحوهما أخبار أُخر،و فيها المرسل كالموثق:«من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها،فليأت الذي هو خير،و له حسنة» (2).

و في بعضها:«إنما ذلك من خطوات الشيطان» (3).

و يستفاد منها مضافاً إلى الاتفاق في الظاهر المحكي في بعض العبارات أنّ الأولوية متبوعة و لو طرأت بعد اليمين،فلو كان البرّ أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتّبع و لا كفارة.

و في عود اليمين بعود الأولوية بعد انحلالها وجهان،أجودهما العدم،للأصل.و كذا لو لم تنعقد ابتداءً للمرجوحية،بل عدم العود هنا أولى،و لذا قطع في الروضة به،و تردّد فيه في السابق (4).

و إذا تساوى فعل تعلّقت به اليمين و تركه ديناً و دنيا بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر أصلاً وجب العمل بمقتضى اليمين بغير

ص:191


1- انظر الدروس 2:167،و المسالك 2:191،و الروضة 3:54 55.
2- الكافي 7:4/444،الوسائل 23:241 أبواب الأيمان ب 18 ح 4.
3- الكافي 7:1/443،التهذيب 8:1043/284،الوسائل 23:240 أبواب الأيمان ب 18 ح 2.
4- الروضة 3:55 56.

خلاف ظاهر مصرّح به في الدروس و الروضة (1)،بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك و صريح الغنية (2).

و به اعترف في الكفاية و خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه،لكنهما استشكلا فيه كالمفاتيح (3)،فقال الأوّل:نظراً إلى رواية زرارة (4)،و رواية حمران (5)،و رواية عبد اللّه بن سنان (6)،و رواية أبي الربيع الشامي (7)، و ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال:«كلّ يمين لا يراد بها وجه اللّه تعالى فليس بشيء،في طلاق و غيره» (8).

و ليس في محلّه؛ للإجماعات المنقولة المعتضدة بإطلاقات الكتاب و السنة بلزوم كلّ يمين،و عدم ظهور الخلاف فيه من معتبري الطائفة عدا الشهيد في اللمعة (9)،لكنه شاذّ.

و لضعف الروايات ما عدا الصحيحة،و معارضتها بمفاهيم الأخبار السابقة الدالة على عدم انعقاد الحلف على المباح إذا كان في المخالفة

ص:192


1- الدروس 2:166،الروضة 3:55.
2- المسالك 2:191،الغنية(الجوامع الفقهية):617.
3- الكفاية:228،ملاذ الأخيار 14:39،المفاتيح 2:38.
4- الكافي 7:5/446،التهذيب 8:1078/291،الإستبصار 4:144/42،الوسائل 23:250 أبواب الأيمان ب 24 ح 3.
5- الكافي 7:3/446،التهذيب 8:1077/291،الإستبصار 4:143/42،الوسائل 23:250 أبواب الأيمان ب 24 ح 2.
6- الكافي 7:2/439،التهذيب 8:1046/285،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 7.
7- الكافي 7:3/439،التهذيب 8:1047/285،الوسائل 23:219 أبواب الأيمان ب 11 ح 6.
8- التهذيب 8:1062/288،الوسائل 23:231 أبواب الأيمان ب 14 ح 5.
9- اللمعة(الروضة 3):54.

أولوية،و مفهومها الانعقاد مع عدم أولوية المخالفة مطلقاً.

و نحوها عموم الصحاح و غيرها من المعتبرة:«و ما لم يكن عليك واجباً أن تفعله،فحلفت أن لا تفعله،ثم فعلته،فعليك الكفارة» (1).

و هذه الأخبار بالترجيح أولى؛ لوجوه شتّى مضى ذكرها،فليطرح المخالفة لها،أو تؤوّل بتخصيص موردها بما مخالفته أولى و إن كان بعيداً، أو تحمل على النذر،لإطلاق اليمين عليه في كثير من النصوص،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى (2).و بعض من تلك الروايات و إن لم يقبل هذا الحمل إلّا أن الأمر فيه سهل،لضعفه،فلا عبرة به و لا عناية لنا في تصحيحه.

و تلخَّص مما ذكرنا انعقاد اليمين في كل متعلق إلّا ما يكون مرجوحاً ديناً و دنيا،أو في أحدهما خاصّة من دون رجحان في المقابل له.

و لو حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها أو بعدها،دائماً أو منقطعاً أو لا يتسرّى لم تنعقد يمينه للصحيح في الحالف لها بمثل ذلك،قال:

«ليس عليك فيما حلفت عليه شيء» (3) و كذا لو حلفت هي أن لا تتزوّج بعده للصحيح الآخر:عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق و الهدي إن هو مات أن لا تتزوج بعده أبداً،ثم بدا لها أن تتزوج،قال:«تبيع مملوكها،إنّي أخاف عليها الشيطان،و ليس عليها في الحق شيء،فإن شاءت أن تهدي هدياً فعلت» 1فتأمّل.

ص:193


1- الوسائل 23:249 كتاب الأيمان ب 24.
2- في ص 203.
3- الكافي 7:18/442،التهذيب 8:1054/286،الوسائل 23:236 كتاب الأيمان ب 16 ح 2،بتفاوت يسير.

و كذا لو حلفت أن لا تخرج معه للصحيح أيضاً:عن امرأة حلفت بعتق رقبتها أو بالمشي إلى بيت اللّه تعالى أن لا تخرج إلى زوجها أبداً،و هو ببلد غير الأرض التي هي بها،فلم يرسل إليها نفقة،و احتاجت حاجة شديدة و لم تقدر على نفقة،فقال:«فإنّها و إن كانت غَضْبى فإنّها حلفت حيث حلفت و هي تنوي أن لا تخرج إليه طائعةً و هي تستطيع ذلك،و لو علمت أنّ ذلك لا ينبغي لها لم تحلف،فلتخرج من المدينة إلى زوجها، و ليس عليها شيء في يمينها،فإنّ هذا أبرّ» (1).

و لا خلاف في شيء من هذه الثلاثة،و به في الأوّل صرّح في الكفاية (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحاح المتقدمة،و أن اليمين على كلّ منها يمين على مرجوح أو معصية.

نعم،لو عرض رجحان للمحلوف عليه ديناً أو دنيا بالأُمور الخارجة كانت اليمين منعقدة.و به صرّح في الخلاف في التسرّي،كما حكاه عنه جماعة و ارتضوه و منهم صاحب الكفاية،إلّا أنّه خصّه بما إذا لم تعارض الرجحان و المرجوحية،و استشكل فيه بناءً على قاعدته السابقة (3)،و قد ظهر لك ما فيها من المناقشة.

و اعلم أنه لا تنعقد اليمين لو قال لغيره:و اللّه أو:أسألك باللّه،أو:أُقسم عليك،أو نحو ذلك لتفعلنّ كذا و تسمّى بيمين المناشدة و لا تلزم أحدهما بلا خلاف ظاهر،بل عليه إجماعنا كما في الشرح للسيد (4)؛ و هو الحجة.

ص:194


1- التهذيب 8:1070/290،الوسائل 23:283 أبواب الأيمان ب 45،ح 2.
2- الكفاية:228.
3- الخلاف 6:187،الكفاية:228.
4- نهاية المرام 2:338.

مضافاً إلى الأصل و عدم ثبوت موجب اللزوم في حقهما:أما المقسم عليه فلأنّه لم يوجد منه لفظ و لا قصد.و أمّا القائل فلأنّ اللفظ ليس صريحاً في القسم؛ لأنّه عقد اليمين لغيره لا لنفسه،و للنصوص.

ففي الصحيح:عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه، فلم يأكل،هل عليه في ذلك كفارة؟قال:

«لا» (1).و في الموثق:عن الرجل يقسم على أخيه،قال:«ليس عليه شيء، إنما أراد الكرامة» (2).

و قريب منهما خبر آخر (3).

و أمّا الحسن:«إذا أقسم الرجل على أخيه[فلم (4)]يبرّ قسمه فعلى المقسم كفارة يمين» (5)فشاذّ غير مكافئ لما مرّ،محمول على التقية أو الاستحباب.

و يستحب للمقسم عليه إبرار المقسم؛ للنبوي الآمر بسبع عدّ منها (6).

و الأمر فيه للاستحباب قطعاً؛ للسياق مع قصور السند،و اتفاق الأصحاب.

و كذا لا تنعقد لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد و خشي مع

ص:195


1- التهذيب 8:1057/287،الإستبصار 4:138/40،الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 3.
2- الكافي 7:12/462،التهذيب 8:1089/294،الإستبصار 4:139/41 الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 1.
3- الكافي 7:6/446،التهذيب 8:1079/292،الوسائل 23:279 أبواب الأيمان ب 42 ح 2.
4- في النسخ:فيما،و ما أثبتناه من المصادر.
5- التهذيب 8:1080/292،الإستبصار 4:141/41،الوسائل 23:280 أبواب الأيمان ب 42 ح 4.
6- الخصال:2/340،الوسائل 4:415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 8.

الإقامة الضرر لفحوى النصوص المتقدمة الدالة على جواز المخالفة لو كان فيها أولوية،فجوازها مع خوف الضرر أولى.

و للخبر:في الرجل عليه دين،فيحلفه غريمه بالأيمان المغلظة أن لا يخرج عن البلد،قال:«لا يخرج حتى يعلمه» قلت:إن أعلمه لم يدعه، قال:«إن كان عليه ضرر أو على عياله فليخرج و لا شيء عليه» (1).

و كذا لا تنعقد لو حلف ليضربنّ عبده ف إنّ العفو أفضل و لا إثم عليه و لا كفارة لذلك.

و للخبر:سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة،فأمر غلامه بشيء فخالفه إلى غيره،فقال عليه السلام:«و اللّه لأضربنك يا غلام» فلم أره ضربه، فقلت:جعلت فداك إنّك حلفت لتضربن غلامك فلم أرَك ضربته،فقال:

«أ ليس اللّه تعالى يقول: وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [1] » (2). و لو حلف على ممكن في وقت معين فتجدّد العجز فيه انحلّت اليمين و لو حلف عليه مطلقاً أو مقيداً فتجدّد العجز ثم القدرة قبل خروجه، وجب في الوقت الممكن،و لو لم يتجدّد قدرة فكالأوّل.و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال.

و لو حلف على تخليص المؤمن أو ماله أو دفع أذيّة عنه أو عن نفسه جاز و لم يأثم و لو كان كاذباً بلا خلاف؛ لحسن الكذب

ص:196


1- الكافي 7:10/462،التهذيب 8:1071/290،الوسائل 23:277 أبواب الأيمان ب 40 ح 1.
2- الكافي 7:4/460،التهذيب 8:1073/290،الوسائل 23:275 أبواب الأيمان ب 38 ح 1،و الآية في سورة البقرة:237.

النافع.و قد يجب إذا انحصر طريق التخلّص فيه،و كذلك الحلف عليه؛ للنصوص المستفيضة.

ففي الصحيح:«ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة» (1).

و في آخر:عن رجل يخاف على ماله من السلطان،فيحلف لينجو به منه،قال:«لا جناح عليه» و عن رجل يحلف على مال أخيه كما يحلف على ماله؟قال:«نعم» (2).

و في القوي:«احلف كاذباً و نجّ أخاك من القتل» (3).

و إطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الجواز مع خوف الضرر على النفس أو المال بين الكثير منه و القليل.و هو كذلك إلّا أنه يأتي كراهة الحلف على المال القليل.

و قد ذكر الأصحاب أنه إن أحسن التورية و هي إرادة شيء و إظهار غيره ورّى و النصوص المتقدمة خالية عن ذلك كما ترى،و لذا تنظّر في وجوبه جماعة من أصحابنا (4).و هو في محلّه،و إن كان الأحوط ارتكابها مهما أمكن،فراراً من العمومات الناهية عن اليمين الكاذبة، و التورية و إن لم تخرجها عن الكذب إلّا أنّها قريبة من الصدق،و لذا تنفع

ص:197


1- الكافي 7:15/442،التهذيب 8:1052/286،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 2.
2- الكافي 7:4/440،التهذيب 8:1048/285،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 1.
3- التهذيب 8:1111/300،الوسائل 23:225 أبواب الأيمان ب 12 ح 4.
4- منهم:صاحب المدارك في نهاية المرام 2:341،و السبزواري في الكفاية:228.

في المحق دون المبطل.

و من هذا أي جواز الحلف للضرورة لو وُهب له مال و كُتب له ابتياع و قبض ثمن،فنازعه الوارث على تسليم الثمن،فحلف لو طلبه منه و لا إثم عليه و يورّي بما يخرجه عن الكذب لما مرّ.

و لخصوص الصحيح:إنّ أُمي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دار، فقلت لها:إن القضاة لا يجيزون هذا،و لكن اكتبيه شراء،فقال:أصنع في ذلك ما بدا لك و كلّ ما ترى أنه يسوغ لك،فوثقت،فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن و لم أنقدها شيئاً،فما ترى؟قال:«احلف له» (1).

و كذا لو حلف أنّ مماليكه أحرار،و قصد التخلّص من ظالم لم يأثم و لم يتحرروا؛ لما مرّ.

و الخبر المعتبر بصفوان:مررت بالعاشر،فسألني فقلت:هم أحرار كلّهم،فدخلت المدينة فقدمت على أبي الحسن عليه السلام،فأخبرته بقولي للعاشر،فقال:«ليس عليك شيء» (2).

و في الصحيح:عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق و غير ذلك، فحلف،قال:«لا جناح عليه» (3).

و يكره الحلف على المال القليل و إن كان صادقاً بل يكره

ص:198


1- الفقيه 3:1073/228،التهذيب 8:1056/287،الوسائل 23:281 أبواب الأيمان ب 43 ح 1.
2- الفقيه 3:301/84،التهذيب 8:815/227،الوسائل 23:95 كتاب العتق ب 60 ح 1.
3- الكافي 7:4/440،التهذيب 8:1048/285،الوسائل 23:224 أبواب الأيمان ب 12 ح 1.

الحلف عليه و على سائر الأُمور الدنيوية مطلقاً و إن كان في القليل أشد كراهة.و قد مضى الكلام فيه و تفسير القليل بثلاثين درهماً في صدر الكتاب (1).

مسألتان

اشارة

مسألتان:

الاُولى لو حلف على ترك شرب لبن العنز و أكل لحمها

الاُولى: لو حلف على ترك شرب لبن العنز و أكل لحمها اعتبر في انعقاده رجحان جانب اليمين أو تساوي طرفيها ديناً أو دنيا،و لو كان محتاجاً إلى الأكل لم ينعقد،و لو تجدّدت الحاجة انحلّت.و مثله لو كان الأكل راجحاً كالهدي و الأُضحية.

و حيث انعقدت لا يتعدّى التحريم إلى الأولاد لحماً و لا لبناً،على الأقوى،وفاقاً للحلّي (2)و عامة المتأخرين؛ لعدم تناول اللفظ لها مطلقاً.

لكن روى في التهذيب عن عيسى بن عطية فيمن حلف لا يشرب من لبن عنز له و لا يأكل من لحمها:أنه يحرم عليه لبن أولادها و لحومهم،لأنهم منها (3)و في سند هذه الرواية ضعف من وجوه شتّى،و في متنها مخالفة للقاعدة جدّاً،فلا عمل عليها و إن قال بها الإسكافي و الشيخ في النهاية و بعض من تبعه (4)و قيّدها بعدم الحاجة إلى ترك ما حلف

ص:199


1- راجع ص 168.
2- السرائر 3:46.
3- التهذيب 8:1082/292.و رواه أيضاً في الكافي 7:2/460،الوسائل 23:274 أبواب الأيمان ب 37 ح 1.و عبارة الجميع:«لا تشرب من لبنها،و لا تأكل من لحمها،فإنّها منها».
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:650،النهاية:561،و انظر المهذّب 2:403.

عليه،فقال: إن شرب من لبنها أو لبن ولدها لحاجة لم يكن عليه شيء من حنث أو كفارة.

و هذا التقييد حسن لما مرّ من أن من حلف على شيء فرأى غيره خيراً فليأت به.إلّا أنّ العمل بالرواية ضعيف غايته.

الثانية في رجل أعجبته جارية عمته،فخاف الإثم،فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبداً،فورث الجارية

الثانية:روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أعجبته جارية عمته،فخاف الإثم،فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبداً،فورث الجارية،أ عليه جناح أن يطأها؟فقال:«إنّما حلف على الحرام،و لعلّ اللّه رحمه،فورثه إيّاها لما علم من عفّته (1) و في سندها ضعف،إلّا أنه ذكر جماعة من الأصحاب (2)أنه يستقيم المصير إليها؛ إذ الظاهر أن الحلف إنّما وقع على الوطء المحرم لا مطلقاً.

و لو قصد التعميم روعي حال الرجحان و عدمه،و بني على ما مرّ من الأُصول.و الحمد للّه.

ص:200


1- التهذيب 8:1118/301،الوسائل 23:287 أبواب الأيمان ب 49 ح 1.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 3:516،و ابن فهد في المهذّب البارع 4:130،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:344.

كتاب النذر و العهود

اشارة

كتاب النذر و العهود هو في اللغة:الوعد بخير أو شرّ.و شرعاً على ما في المهذب و الدروس (1)و غيرهما:التزام الكامل المسلم المختار القاصد غير المحجور عليه،بفعل أو ترك،بقول اللّه عزّ و جلّ،ناوياً القربة.

و الأصل في مشروعيّته و لزوم الوفاء بعد إجماع الأُمة المتحقق المستفيض النقل في كلام جماعة (2)الآيات الكريمة.

قال سبحانه وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [1] (3)وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ [2] (4).و السنّة المطهّرة به مع ذلك مستفيضة.

منها: زيادة على ما يأتي إليه الإشارة النبويّ صلى الله عليه و آله:«من نذر أن يطيع اللّه تعالى فليطعه،و من نذر أن يعصي اللّه تعالى فلا يعصه» (5).

ص:201


1- المهذب البارع 4:133،الدروس 2:149.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 6:192،و ابن فهد في المهذب البارع 4:133،و الشهيد الثاني في المسالك 2:204،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:5.
3- الحج:29.
4- النحل:91.
5- عوالي اللئلئ 3:1/448،المستدرك 16:92 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 2.

و النظر في هذا الكتاب يقع في أُمور أربعة

الأوّل في الناذر

الأوّل:في الناذر و اعلم أنّه يعتبر فيه التكليف بالبلوغ و العقل و الاختيار و الإسلام،و القصد إلى مدلول الصيغة.

فلا ينعقد نذر الصبيّ و المجنون مطلقاً إلّا في ذوي الأدوار حال إفاقته مع الوثوق بعقله،و لا المكره،و لا غير القاصد كالعابث أو اللاعب بصيغته، و لا الكافر مطلقاً،لتعذّر القربة منه على وجهها و إن استحبّ له الوفاء به لو أسلم،للنبوي المتضمن لقوله صلى الله عليه و آله:«أوف بنذرك» بعد أن سأله عمر:كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية (1).و لضعفه حمل على الاستحباب.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا في اعتبار الإسلام،فقد تأمّل فيه السيّد في الشرح،و تبعه في الكفاية (2)،قال بعد نسبة الاعتبار إلى الشهرة و ذكر تعليلهم المتقدم إليه الإشارة-:و فيه منع واضح،فإنّ إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقرّ باللّه تعالى.

و لا يخلو عن قوة إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر،إذ لم أر مخالفاً سواهما.و الاحتياط لا يخفى.

و يشترط في صحة نذر المرأة إذن الزوج.و كذا في نذر المملوك إذن المالك،بلا خلاف في الأخير (3)؛ لعموم أدلة الحجر عليه

ص:202


1- سنن أبي داود 3:3325/242.
2- نهاية المرام 2:347،الكفاية:228.
3- في«ح» و«ر» زيادة:بل عليه الإجماع في صريح المدارك مضافاً إلى عموم..انظر المدارك 7:94.

من الكتاب و السنة،مضافاً إلى ما يأتي.

و المرويّ في الوسائل عن قرب الإسناد:«إنّ علياً عليه السلام كان يقول:

ليس على المملوك نذر إلّا أن يأذن له سيّده» (1).

و تردّد فيه في الكفاية (2).و لا وجه له.

و على المشهور بين الأصحاب سيّما المتأخرين كما قيل (3)في الأوّل؛ استناداً إلى خصوص الصحيح:«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق،و لا صدقة،و لا تدبير،و لا هبة،و لا نذر في مالها،إلّا أن يأذن زوجها،إلّا في حجّ،أو زكاة،أو برّ والديها،أو صلة رحمها» (4).فتأمل.

مضافاً إلى المعتبرين المتقدّمين في اليمين (5)،بناءً على شيوع إطلاقها على النذر في النصوص المستفيضة:

منها:ما وقع الإطلاق فيه في كلام الأئمّة عليهم السلام كالمعتبرين، أحدهما:الموثق بعثمان عن سماعة:«لا يمين في معصية،إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه في الشكر،إن هو عافاه من مرضه،أو عافاه من أمر يخافه،أو ردّ عليه ماله،أو ردّه من سفره أو رزقه رزقاً،قال:للّه عليَّ كذا و كذا شكراً،فهذا الواجب على صاحبه أن يفي به» (6).

ص:203


1- قرب الإسناد:376/109،الوسائل 23:316 أبواب النذر و العهد ب 15 ح 2.
2- الكفاية:228.
3- المسالك 2:204.
4- الفقيه 3:1315/277،التهذيب 7:1851/462،الوسائل 23:315 أبواب النذر و العهد ب 15 ح 1.
5- راجع ص 184.
6- التهذيب 8:1154/311،الإستبصار 4:158/46،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 4.

و الثاني:الخبر و ليس في سنده سوى السندي بن محمد و فيه:

جعلت على نفسي مشياً إلى بيت اللّه تعالى،فقال:«كفِّر عن يمينك،فإنّما جعلت على نفسك يميناً،فما جعلته للّه تعالى ففِ به» (1).

و منها:ما وقع الإطلاق فيه في كلام الرواة مع تقرير الأئمّة عليهم السلام لهم عليه،و هو مستفيض.

منها:الخبر:إنّ لي جارية ليس لها منّي مكان و هي تحتمل الثمن، إلّا أنّي كنت حلفت فيها بيمين،فقلت:للّه عليّ أن لا أبيعها أبداً،و لي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة،فقال:« فِ للّه تعالى بقولك» (2).

و نحوه آخر (3).

و في الثالث:عن الرجل يحلف بالنذر،و نيّته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقلّ،قال:«إذا لم يجعله للّه فليس بشيء» (4).

و في الرابع:إنّي كنت أتزوّج المتعة،فكرهتها و تشأمت بها،فأعطيت اللّه تعالى عهداً بين الركن و المقام و جعلت عليّ في ذلك نذراً أو صياماً أن لا أتزوّجها،ثمّ إن ذلك شقّ عليّ و ندمت على يميني و لم يكن بيدي من القوّة ما أتزوّج به في العلانية،فقال:«عاهدت اللّه أن لا تطيعه؟!و اللّه لئن

ص:204


1- الكافي 7:18/458،التهذيب 8:1140/307،الإستبصار 4:191/55،الوسائل 23:308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 4.
2- التهذيب 8:1149/310،الإستبصار 4:157/46،الوسائل 23:320 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 11.
3- التهذيب 8:1116/301،الإستبصار 4:148/43،الوسائل 23:241 أبواب الأيمان ب 18 ح 5.
4- الكافي 7:22/458،التهذيب 8:1142/307،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 4.

لم تطعه لتعصينّه» (1).

هذا،مضافاً إلى النصوص المتقدمة في اليمين الدالّة على اشتراطها بالقربة (2)،و منها الصحيحان (3).

و لا يمكن حمل اليمين فيها على ما قابل النذر؛ للإجماع ظاهراً و محكياً كما مضى على عدم اشتراطه بالقربة،فتكون محمولاً على النذر المشروط بها اتّفاقاً فتوًى و روايةً،كما سيأتي إليه الإشارة،جمعاً بين الأدلّة.

و حيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فإمّا أن يكون على سبيل الحقيقة،أو المجاز و الاستعارة.و على التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة؛ لكون النذر على الأوّل من جملة أفراد الحقيقة المنفية، و على الثاني مشاركاً لها في أحكامها الشرعية،و منها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة.

هذا،مضافاً إلى التأيّد بالاستقراء و التتّبع التامّ الكاشف عن اشتراك النذر و اليمين في كثير من الأحكام،و لذا يقال:إنّه نفسها في المعنى.

و بالجملة:بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظنّ المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر.

و يستفاد منه مشاركة الولد للزوجة و المملوك في توقف نذره على

ص:205


1- الكافي 5:7/450،التهذيب 7:1083/251،الإستبصار 3:510/142،الوسائل 21:16 أبواب المتعة ب 3 ح 1.
2- راجع ص 191.
3- الكافي 7:12/441،13،التهذيب 8:1160/312،الإستبصار 4:160/47،الوسائل 23:230 أبواب الأيمان ب 14 ح 1،2.

إذن والده،كما صرّح به العلامة في جملة من كتبه (1)،و الشهيد في الدروس (2).فلا وجه لاقتصار العبارة و نحوها من عبائر الجماعة على ذكر الأوّلين خاصة.

كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك (3)؛ لتطرّق القدح إلى ما زعمه من انحصار ما دلّ على إطلاق النذر على اليمين في بعض ما مرّ من الأخبار،و ضعفه،و قصور دلالته بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة بعدم الحصر،لاستفاضة النصّ كما مرّ،و فيه ما هو معتبر السند بالصحّة و الموثّقية،مع احتمال الضعيف منها الانجبار بالشهرة التي اعترف بها،و أنّ مبنى الاستدلال ليس دعوى ثبوت كون الإطلاق بعنوان الحقيقة خاصّةً ليرد ما ذكره،بل إمّا هي على القول بها،أو ما قدّمنا إليه الإشارة من كونه مجازاً أو استعارةً يقتضي الشركة مع الحقيقة فيما ثبت لها من الأحكام الشرعية،و منها عدم الصحة عند عدم إذن أحد من الثلاثة.

فلو بادر أحدهما و كذا الولد بإيقاع النذر من دون إذن كان للزوج و المالك و الوالد فسخه و إبطاله ما لم يكن على فعل واجب أو ترك محرّم و الكلام على ما يستفاد من هذه العبارة من بطلان النذر لا مانعية النهي عنه مطلقاً حتى في فعل الواجب و ترك المحرّم و فروعات المسألة كما مرّ في اليمين،لاتّحاد المأخذ (4).

ص:206


1- كالإرشاد 2:90 و حكاه عن التلخيص للعلّامة في كشف اللثام 2:232.
2- الدروس 2:149.
3- نهاية المرام 2:348.
4- راجع ص 183.

و لا ينعقد النذر في سكر يرفع القصد إلى المدلول و لا في غضب كذلك أي رافع للقصد؛ لما مرّ من اعتباره،و للخبر المعتبر المنجبر قصور سنده باشتراك راويه برواية صفوان بن يحيى عنه.

و فيه:جعلت فداك،إنّي جعلت للّه عليّ أن لا أقبل من بني عمي إلى أن قال: فقال:«إن كنت جعلت ذلك شكراً فَفِ به،و إن كنت إنّما قلت ذلك من غضب فلا شيء عليك» (1).

الثاني في الصيغة

الثاني:في الصيغة و هي قد تكون برّاً،و هو إمّا أن يكون شكراً على حدوث النعمة كقوله:إن رزقت ولداً فلله عليّ كذا،أو استدفاعاً للبلية كقوله:

إن أبرأ اللّه تعالى المريض فللّه تعالى عليّ كذا و يسمّى هذا [هذان] نذر [نذرا] مجازاة.

و قد تكون [يكون] زجراً،كقوله:إن فعلت كذا من المحرّمات،أو إن لم أفعل كذا من الطاعات،فلله عليّ كذا.أو تبرّعاً كقوله:للّه عليّ كذا من دون تعليق على شرط،و هذا من أقسام نذر البرّ أيضاً.

و لا ريب و لا خلاف بين العلماء كافةً بل ادّعى إجماعهم جماعة (2) في انعقاده و لزوم الوفاء به مع التعليق على الشرط و استجماعه الشرائط المعتبرة،و عمومات الكتاب و السنّة و خصوصاتها على ذلك متفقة.

و إنّما الريبة في انعقاد التبرّع ففيه قولان بين الطائفة

ص:207


1- التهذيب 8:1178/316،الإستبصار 4:162/47،الوسائل 23:324 أبواب النذر و العهد ب 23 ح 1.
2- منهم:السيد المرتضى في الانتصار:163،و قال المجلسي في ملاذ الأخيار 14:83،و السبزواري في الكفاية:228:لا أعرف خلافاً.

كالعامّة أشبههما و أشهرهما بيننا سيّما المتأخرين،بل عن الخلاف الإجماع عليه (1): الانعقاد عكس هؤلاء المردة؛ للإجماع المزبور، المعتضد بالشهرة العظيمة و إطلاقات الكتاب و السنة،بناءً على أنّ النذر المذكور فيهما حقيقة في الأعمّ من المتبرّع و غيره إمّا مطلقاً أو في العرف خاصةً،لوجود خواصّها فيه أيضاً بلا شبهة،فيرجع إليه مطلقاً و لو خالفته اللغة،لرحجانه عليها حيث حصل بينهما معارضة،كما حقّق في محله،مع أنّ مخالفتها له في المسألة محلّ مناقشة،كما سيأتي إليه الإشارة.

هذا،مع أنّ النصوص الدالّة على أحكام النذر غير مرتّبة كلّها لها على لفظه،بل جملة منها رتّبها على صيغة«للّه عليّ» و نحوها من دون ذكر للفظ النذر بالمرّة.

ففي الصحيح:«من جعل للّه عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركب، فليعتق رقبةً،أو ليصم شهرين،أو ليطعم ستّين مسكيناً» (2).

و نحوه الخبر في العهد:«من جعل عليه عهداً للّه تعالى و ميثاقه في أمر للّه[فيه]طاعة فحنث،فعليه عتق أو صيام» (3)الحديث.

و في الصحيح:«إن قلت:للّه عليّ،فكفارة يمين» (4).

ص:208


1- الخلاف 6:192.
2- التهذيب 8:1165/314،الإستبصار 4:188/54،الوسائل 23:322 أبواب النذر و العهد ب 19 ح 1؛ بتفاوت يسير.
3- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 23:326 أبواب النذر و العهد ب 25 ح 2.
4- الكافي 7:9/456،الفقيه 3:1087/230،التهذيب 8:1136/306،الإستبصار 4:193/55،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ح 1 و ج 23:297 أبواب النذر و العهد ب 2 ح 5.

و فيه:«فما جعلته للّه تعالى فَفِ به» (1).

و فيه:«ليس من شيء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه،إلّا ينبغي له أن يفي» (2)الحديث.

و في الموثق:رجل جعل على نفسه للّه عتق رقبة،فأعتق أشلّ إلى أن قال: قال:«فعليه ما اشترط و سمّى» (3).

و نحوها الخبران المتقدّمان في نذر عدم بيع الجارية (4).

و هذه النصوص و إن احتملت التقييد بصورة التعليق إلّا أنّه فرع وجود الدليل و ليس،كما يأتي.

و دعوى ورودها مورد الغالب و هو المعلّق دون المطلق مردودة، كدعوى ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة؛ فإنّ الدعويان لا تجريان إلّا في نحو المطلقات،و ليس منها الأخبار المزبورة،فإنّها ما بين عامّة لغةً و عامة بترك الاستفصال،لإفادته إيّاه على الأشهر الأقوى،هذا.

و يعضده ما مرّ من النصوص المطلقة لليمين على النذر،المقتضية لذلك اشتراكه معها في الأحكام،و منها لزومها مطلقاً،فليكن النذر كذلك أيضاً.و لو لا تخيّل كون هذا الحكم من الأفراد النادرة غير المنساقة إلى الذهن عند إطلاق أحكام اليمين،لكانت هذه النصوص حجة أُخرى مستقلّة في المسألة،كما كانت كذلك في المسألة السابقة،مع أنّ الظاهر فساد

ص:209


1- الكافي 7:18/458،التهذيب 8:1140/307،الإستبصار 4:191/55،الوسائل 22:392 أبواب الكفارات ب 23 ح 3.
2- التهذيب 8:1159/312،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 6.
3- الكافي 7:16/463،التهذيب 8:1145/308،الوسائل 23:45 كتاب العتق ب 23 ح 3.
4- في ص 203.

التخيّل،فأخذها حجةً أولى من جعلها معاضدة.

فإذاً هذا القول في غاية القوة.

خلافاً للمرتضى و ابن زهرة (1)،فأبطلاه؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و الإجماع.و يعارض بالمثل الذي هو أرجح بالشهرة،مع ظهور وهنه بعدم وجود مفتٍ بما ذكره سوى ابن زهرة،فكيف يكون دعوى مثل هذا الإجماع مسموعة؟! و ما نقل عن ثعلب من أنّ النذر عند العرب وعد بشرط (2)،و الشرع نزل بلسانهم و الأول عدم النقل.و يعارض بما نقل عنهم من أنّه وعد بغير شرط أيضاً.و لو سلّم فقد المعارض من اللغة و اتّفاق أهلها على ما ذكره، يعارض بالعرف المتقدّم عليها،كما مرّ إليه الإشارة.

نعم،ربّما يستأنس له ببعض المعتبرة كالصحيح:«إذا قال الرجل:

عليّ المشي إلى بيت اللّه تعالى و هو محرم بحجّة،أو عليّ هدي كذا و كذا، فليس بشيء حتى يقول:للّه عليّ المشي إلى بيته،أو يقول:للّه عليّ هدي كذا و كذا إن لم أفعله كذا و كذا» (3).

و الموثق:عن رجل جعل عليه أيماناً أن يمشي إلى الكعبة،أو صدقة،أو نذراً،أو هدياً إن كلّم هو أباه،أو أخاه،أو ذا رحم،أو قطع قرابة،أو مأثماً يقيم عليه،أو أمرا لا يصلح له فعله،فقال:«لا يمين في معصية،إنّما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه

ص:210


1- المرتضى في الانتصار:163،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):617.
2- نقله عنه في الخلاف 6:191.
3- الكافي 7:1/454،التهذيب 8:1124/303،الوسائل 23:293.أبواب النذر و العهد ب 1 ح 1.

في الشكر،إن هو عافاه اللّه تعالى في مرضه،أو عافاه من أمر يخافه،أو ردّ عليه ماله،أو ردّه من سفره،أو رزقه رزقاً قال:للّه عليّ كذا و كذا شكراً،فهذا الواجب على صاحبه ينبغي له أن يفي به» (1).

و يمكن الذبّ عنهما بأنّ المقصود منهما بيان لزوم ذكر اللّه تعالى في النذر و عدم تعلّقه بالمحرّم،لا لزوم التعليق كما يتوهم،فلا عبرة بمفهومهما،و إن هما حينئذ إلّا كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محلّ الفرض.

هذا مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب،فإنّ الغالب في النذر ذلك لا المطلق.مضافاً إلى ما يقال في الصحيح من أنّ الظاهر أنّ الشرط فيه متعلّق بالجملة الثانية خاصة (2)،و عليه فليس أيضاً له على ما ذكر دلالة،بل فيه على القول المختار شهادة و أي شهادة.

و بالجملة:فهذا القول ضعيف غايته،كالتوقف الظاهر من الفاضل في الإرشاد،و الشهيد في الدروس،و السيد في الشرح،و صاحب الكفاية (3)، لكنّهما قرّبا الأوّل.

و يشترط في صحّته النطق بلفظ الجلالة و القصد إلى معناه المعبّر عنه عندهم بالقربة فلو قال:عليّ كذا من غير أن يقصد القربة لم يلزم بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (4)؛ و هو

ص:211


1- التهذيب 8:1154/311،الإستبصار 4:158/46،الوسائل 23:318 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 4.
2- نهاية المرام 2:349.
3- الإرشاد 2:96،الدروس 2:149،نهاية المرام 2:49،الكفاية:229.
4- منهم الشهيد في الروضة 3:39 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:232 و قال الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:30 و السبزواري في الكفاية 229:بلا خلاف.

الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة.

منها زيادة على المعتبرين المتقدّمين حجّةً للسيّد في المسألة السابقة القريب من الصحيح:«ليس النذر بشيء حتى يسمّى شيئاً للّه» (1).

و نحوهما الخبر المنجبر ضعف راويه بدعوى الشيخ الإجماع على العمل بروايته (2)،و فيه:«ليس بشيء حتى يسمّي النذر،فيقول:عليّ صوم للّه» الخبر (3).

و مقتضى العبارة كالمحكي عن الأكثر في الشرح للسيد و الكفاية (4)اعتبار خصوص لفظ الجلالة،و نسباه إلى مقتضى النصوص المزبورة.

و فيه مناقشة:فإنّ المراد من اللّه فيها بحكم سياقها و التأمّل الصادق فيها،إنّما هو ذاته المقدسة لا خصوص هذه اللفظة،و لعلّه لذا إنّ شيخنا في الدروس اكتفى بأحد أسمائه الخاصة (5).و هو في غاية القوة،كاحتمال انعقاد النذر بإبدال لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ الغير العربية،و إن استشكلاه في الكتابين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،إلّا أنّ ظاهر الانتصار اعتبار خصوص اللفظة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (6).

ثم إنّ المستفاد من النصوص أنّه يكفي في القربة ذكر لفظ الجلالة مع

ص:212


1- الكافي 7:2/455،التهذيب 8:1125/303،الوسائل 23:293.أبواب النذر و العهد ب 1 ح 2.
2- عدّة الأُصول 1:381.
3- الكافي 7:3/455،التهذيب 8:1126/303،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 3.
4- نهاية المرام 2:350،الكفاية:229.
5- الدروس 2:149.
6- الانتصار:161.

النيّة من غير اشتراط جعل القربة غايةً بعد الصيغة،فلا يحتاج بعدها إلى قوله:قربة إلى اللّه،و نحوه.و به صرّح الشهيدان و غيرهما (1).خلافاً لنادر (2)،فاشترطه.و وجهه مع ندرته غير واضح.

و لو اعتقد أنّه إن كان كذا فللّه تعالى عليّ كذا،و لم يتلفّظ بالجلالة بل نواه في ضميره خاصة ف في انعقاده قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخرين وفاقاً للإسكافي و الحلّي (3) أنّه لا ينعقد للأصل،و أنّه في الأصل وعد بشرط أو بدونه،و الوعد لفظيّ و الأصل عدم النقل،مضافاً إلى أنّه المتبادر من النذر في العرف.

و على تقدير التنزّل و تسليم عدم ثبوت اعتبار اللفظ فيه نقول:لا أقلّ من الشك في كونه بمجرد النية نذراً حقيقياً أُمرنا بالوفاء به شرعاً،و معه لا يمكن الخروج من الأصل القطعي السليم بحسب الظاهر عمّا يصلح للمعارضة،كما سيأتي إليه الإشارة،سيّما مع اعتضاده بظواهر النصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار التلفظ بالجلالة.و إنّما لم نتخذها حجّةً لاحتمال كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصةً لا اشتراط الصيغة،و يظهر ذلك من سياقها بلا شبهة.و إنّما ذكر التلفّظ و التسميّة تبعاً للنذور الغالبة حيث إنّها ملفوظة لا منويّة.

و لعلّه لهذا لم يستدلّ بها شيخنا في الروضة مع أنّه استدلّ بها في المسالك (4)،و تبعه عليه من بعده جماعة،منهم سبطه في الشرح و صاحب

ص:213


1- الشهيد الأوّل في الدروس 2:150،الشهيد الثاني في المسالك 2:205؛ و الروضة 3:40 و انظر الكفاية:229.
2- حكاه في المسالك 2:205 عن بعض.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:660،الحلي في السرائر 3:58.
4- الروضة 3:44،المسالك 2:205.

الكفاية (1).

و القول الآخر للشيخين و القاضي و ابن حمزة (2).

و استدلّ لهم في الروضة بالأصل (3)،و لا أصل له.و بعموم الأدلّة، و هو فرع صدق النذر على المتنازع بعنوان الحقيقة،و قد ظهر لك ما فيه من المناقشة.

و بقوله صلى الله عليه و آله:«إنّما الأعمال بالنيّات،و إنّما لكل امرئ ما نوى» (4)و إنّما للحصر،و الباء للسببيّة،فدلّ على حصر السبيبة فيها.

و هو فرع كون المسبّب هو وجوب الأعمال بها لا صحّتها أو كمالها، و لم يثبت،بل الظاهر العكس،كما يستفاد من استدلال العلماء على احتياج الأعمال صحّةً أو كمالاً إلى النيّة بالقول المزبور،و لم يستدلّ أحد به لوجوبها بها.

و لذا إنّ بعض من وافق على هذا القول ردّ هذا الدليل فقال بعد التنظر فيه-:إذ لا كلام في اعتبار النيّة،و إنّما الكلام في الاكتفاء بها (5).

و بأنّ اللفظ في العقود إنّما اعتبر ليكون دالّا على الإعلام بما في الضمير،و العقد هنا مع اللّه تعالى العالم بالسرائر (6).

ص:214


1- نهاية المرام 2:350،الكفاية:229.
2- المفيد في المقنعة:563،الطوسي في النهاية:562،القاضي في المهذّب 2:409،ابن حمزة في الوسيلة:350.
3- الروضة 3:44.
4- عوالي اللئالئ 1:2/380،و وردت في الوسائل 1:48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7،10 بتفاوت يسير.
5- المفاتيح 2:30.
6- انظر الروضة 3:45.

و هو حسن إن وجد ما يدلّ على لزوم الوفاء بمطلق العقد بحيث يشمل مثل هذا و ليس،إذ ليس هنا سوى ما يدلّ على لزوم الوفاء بالنذر، و المتيقّن منه كما عرفت ليس إلّا النذر الملفوظ لا المنويّ،فاعتبار اللفظ ليس للإعلام بما في الضمير،بل لقصر الحكم المخالف للأصل على المتيقّن عن الدليل.

و بالجملة،فهذا القول ضعيف،كالتوقّف الظاهر من المختلف و المهذّب و الدروس و الروضة (1) و إن كان الإتيان به أفضل حذراً عن شبهة الخلاف،و التفاتاً إلى أنّ المنذور لا بدّ أن يكون طاعةً كما سيجيء بيانه قريباً،و فعلها حسن مطلقاً.

و صيغة العهد ان يقول:عاهدت اللّه تعالى أنّه متى كان كذا فعليّ كذا و مقتضى هذه العبارة كعبارته في الشرائع- (2)عدم وقوعه إلّا مشروطاً.

و الأقوى وقوعه مطلقاً أيضاً،وفاقاً للمحكيّ عن الفاضل في جملة من كتبه (3)(4)؛ لإطلاق الكتاب و السنّة بلزوم الوفاء به،بناءً على صدقه على المتبرّع به حقيقةً عرفاً و لغةً.

قال سبحانه أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [1] (5)و قال تعالى وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [2] الآية (6).

ص:215


1- المختلف:660،المهذّب البارع 4:136،الدروس 2:150،الروضة 3:45.
2- الشرائع 3:193.
3- كالقواعد 2:144.
4- في«ح» و«ر» زيادة:و الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع(الخلاف 6:192).
5- البقرة:40.
6- الرعد:25.

و في الخبر:عن رجل عاهد اللّه تعالى في غير معصية،[ما عليه]إن لم يف بعهده؟قال:«يعتق رقبة،أو يتصدّق بصدقة،أو يصوم شهرين متتابعين» (1).

و في آخر:«من جعل عليه عهداً للّه تعالى و ميثاقه في أمر للّه طاعة فحنث،فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (2).

و ينعقد نطقاً إجماعاً و في انعقاده اعتقاداً قولان:أشبههما و أشهرهما أنه لا ينعقد كالنذر.و الخلاف هنا كالخلاف فيه،و المختار المختار،و الدليل الدليل.

و يشترط فيه القصد إلى المدلول كالنذر لاتحاد الدليل.

الثالث في متعلق النذر

الثالث:في متعلق النذر أي الملتزم بصيغته.

و ضابطه مطلقاً،مشروطاً كان أم تبرعاً ما كان طاعة للّه تعالى مأموراً بها وجوباً أو استحباباً.فلا ينعقد نذر المحرّم و المكروه مطلقاً إجماعاً،كما في الروضة (3)؛ لقولهم عليهم السلام:«لا نذر في معصية» (4).

و كذا المباح مطلقاً تساوى طرفاه أم ترجّح ديناً أو دنياً،في ظاهر إطلاق العبارة هنا،و في الشرائع و الإرشاد و غيرهما من كتب الأصحاب (5).

ص:216


1- التهذيب 8:1148/309،الإستبصار 4:189/55،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 1.
2- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 2.
3- في«ح» و«ر» زيادة:الانتصار.انظر الروضة 3:42،و الانتصار:162.
4- الوسائل 23:317 أبواب النذر و العهد ب 17.
5- الشرائع 3:186،الإرشاد 2:91؛ و انظر المفاتيح 2:6.

و في المسالك عزاه إلى المشهور (1).بل في ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أوّل يوم من رمضان الإجماع عليه،حيث قال بعد اختيار جوازه ردّاً على المبسوط و الحلّي-:للإجماع منّا على أنّ النذر إنّما ينعقد إذا كان طاعةً بأن يكون واجباً أو مندوباً،إلى آخر ما ذكره (2).

و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المتقدّمة الدالة على اشتراط القربة، و لا تحصل إلّا فيما إذا كان متعلّق النذر طاعة.

خلافاً للدروس،فحكم بانعقاده مطلقاً إذا لم يكن مرجوحاً (3)؛ للخبرين المتقدّمين (4):في الجارية حلف فيها بيمين فقال:للّه عليّ أن لا أبيعها،فقال:«فِ للّه بقولك» .و فيهما قصور من حيث السند،فلا عمل عليهما سيّما في مقابلة تلك النصوص المعتبرة المعتضدة بالشهرة.

مع احتمالهما الضعف في الدلالة؛ لعدم الصراحة باحتمال اختصاصهما بصورة رجحان ترك بيع الجارية بحيث يحصل معه نية القربة.

و ترك الاستفصال في الجواب و إن كان يأباه إلّا أنّه لا يوجب الصراحة،بل غايته الظهور في العموم،و هو يقبل التخصيص بتلك الصورة،جمعاً بينهما و بين ما مرّ من المستفيضة.

و لا مسرح عن هذا الجمع و لا مندوحة؛ لاستلزام تركه و العمل بهما طرح تلك المستفيضة مع ما هي عليه من الاعتبار سنداً،و عملاً،

ص:217


1- المسالك 2:205.
2- المختلف:663.
3- الدروس 2:150.
4- في ص 203.

و الاستفاضة،و الاعتضاد بالشهرة جدّاً،و الصراحة التي معها لا يمكن حملها على ما يجتمع معهما.

هذا،مع أنّهما تضمّنا لزوم الوفاء بالنذر مع رجحان تركه للحاجة.

و هو مناف لما ذكره جماعة (1)من جواز المخالفة في هذه الصورة،بل في المختلف في مسألة موردهما عن الحلّي:أنّه نفى الخلاف فيه بين أصحابنا،و به ردّ على القاضي و النهاية في عملهما بمضمون الروايتين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة (2).

و لا ريب فيما ذكره؛ للإجماع المحكي في كلامه،مضافاً إلى بعض المعتبرة الواردة في النذر:«كلّ ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا، فلا حنث عليك فيه» (3).

و يعضده ما ورد بنحوه في اليمين،بناءً على اشتراك النذر معها غالباً، و اقتضاء إطلاقها عليه اشتراكهما في الأحكام كما مضى.

و للّمعة،ففصّل بين المشروط فالأوّل،و التبرّع فالثاني مع تخصيص المباح بالراجح ديناً أو دنيا (4).

و لا وجه له و إن نسبه في شرحها إلى المشهور.

و لا يذهب عليك ما بين نسبة هذا إليهم في هذا الكتاب،و نسبة

ص:218


1- منهم:الحلّي في السرائر 3:63،و المحقق في الشرائع 3:190،و الشهيد الثاني في المسالك 2:212،و السبزواري في الكفاية:230.
2- المختلف:660.
3- الكافي 7:14/462،التهذيب 8:1157/312،الإستبصار 4:154/45،الوسائل 23:317 أبواب النذر و العهد ب 17 ح 1.
4- اللمعة(الروضة البهية 3):42.

القول الأوّل إليهم في الكتاب الأوّل من التنافي (1).و وافقه في النسبة الثانية خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه (2).و لم يظهر للعبد وجه صحّةٍ لها،بل الذي يظهر من تتبّع كلمات القوم هو صحّة النسبة الاُولى.

و هنا قول رابع حكاه جماعة (3)،و هو كالثالث إلّا أنّه أطلق فيه جواز نذر المباح في الشقّ الثاني و قال بصحّته مطلقاً و لو كان متساوي الطرفين.

و لم أقف على قائله،مع أنّه ضعيف كسابقه.

نعم،يمكن اختيار الصحّة في المباح الراجح ديناً إذا كان راجعاً إلى الطاعة،كما إذا قصد به التقوّي على العبادة،و منع النفس عن الشهوات المهلكة؛ لرجوعه إلى قصد القربة.

و يشترط فيه أيضاً كونه مقدوراً للناذر بلا خلاف؛ لاستحالة التكليف بالممتنع مطلقاً.و المراد بمقدوريّته صلاحيّة تعلّق القدرة منه به عادةً في الوقت المضروب له فعلاً كان أو قوّةً.فإن كان وقته معيّناً اعتبرت فيه،و إن كان مطلقاً فالعمر.

و اعتبرنا ذلك مع كون المتبادر من كلامهم القدرة الفعلية،لأنّها غير مرادة لهم كما صرّحوا به كثيراً (4)،لحكمهم بأنّ الناذر للحجّ العاجز عنه بالفعل الراجي للقدرة ينعقد نذره و يتوقّعها في الوقت،فإن خرج و هو عاجز بطل.

و كذا الناذر للصدقة بمال و هو فقير،و نحو ذلك.

ص:219


1- أي:المسالك.
2- ملاذ الأخيار 14:83.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:205،و السبزواري في الكفاية:229.
4- كالمسالك 2:205،و الكفاية:229.

و إنّما أخرجوا بالقيد الممتنعَ عادةً،كنذر الصعود إلى السماء،أو عقلاً كالكون في غير الحيّز و الجمع بين الضدّين،أو شرعاً كالاعتكاف جنباً مع القدرة على الغسل.و هذا القسم يمكن دخوله في كونه طاعةً أو مباحاً، فيخرج بهذا القيد أو به و بالأوّل أيضاً.

و يتفرّع على القيد أنّه لا ينعقد النذر مع العجز من الناذر عن المنذور مطلقاً و يسقط التكليف به عنه لو تجدّد له العجز عنه بعد قدرته عليه ابتداءً.

و في الخبر المنجبر ضعفه بصفوان و عمل الأعيان:«من جعل للّه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء» (1).

و ظاهره كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة عدم لزوم شيء عليه من حنث أو كفّارة.

لكن في الصحيح:«كلّ من عجز عن نذرٍ نذره فكفّارته كفّارة يمين» (2).

و في الخبر:رجل يجعل عليه صياماً في نذر و لا يقوى،قال:«يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين» (3).

و ظاهرهما لزوم كفّارة.و قد قدّمنا الكلام عليهما في بحث الكفّارات فليطلب ثمة (4)[و يأتي الكلام على نحوهما أيضاً إن شاء اللّه تعالى] .

ص:220


1- التهذيب 8:1163/313،الإستبصار 4:170/49،الوسائل 23:308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 5.
2- الكافي 7:17/457،التهذيب 8:1137/306،الإستبصار 4:192/55،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 5.
3- الكافي 7:15/457،الفقيه 3:1111/235،التهذيب 8:1138/306،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 1.
4- في«ح» و«ر» زيادة:و يأتي الكلام على نحوهما أيضاً إن شاء اللّه تعالى.

و السبب أي الشرط المعلّق عليه النذر المشروط إذا كان طاعةً للّه و كان النذر المعلّق عليها شكراً على فعلها لزم النذر.

و لو كان النذر زجراً عنها لم يلزم و الأمر بالعكس لو كان السبب معصيةً فيلزم لو كان النذر زجراً عنها،و يبطل لو كان شكراً على فعلها.

و لا خلاف في شيء من ذلك.و الوجه فيه أنّ الشكر على الطاعة طاعة و الزجر عنها معصية،كما أنّ الزجر عن المعصية طاعة و الشكر عليها معصية.

فلو قال:إن حججت فلله تعالى عليّ كذا،و قصد الشكر لزم، و لو قصد الزجر بطل.و بالعكس لو قال:إن زنيت فلله تعالى عليّ كذا، فيلزم لو قصد به الزجر،و يبطل لو قصد به الشكر.

و يعلم من ذلك أنّ صيغتي الشكر و الزجر واحدة،و إنّما يتميّزان بالقصد و النية.

و لا يخفى أنّ سبب النذر قد لا يكون طاعة و لا معصية،كالشفاء من المرض و حصول الولد مثلاً،اتّفاقاً فتوًى و روايةً.و المعتبر فيه صلاحيّته لتعلّق الشكر به.

و لا ينعقد النذر لو قال:للّه عليّ نذر،و اقتصر عليه بلا خلاف ظاهر؛ لعدم ذكر متعلّقه،و للمعتبرين المتقدّمين (1)،في أحدهما القريب من الصحيح:عن رجل قال:عليّ نذر،قال:«ليس النذر بشيء حتّى يسمّي شيئاً للّه صياماً،أو صدقة،أو هدياً،أو حجّا» .

ص:221


1- في ص 210.

و نحوه الثاني:عن الرجل يقول عليّ نذر،قال:«ليس بشيء حتّى يسمّى النذر،فيقول:عليّ صوم للّه،أو صدقة،أو يعتق،أو يهدي هدياً» . و ينعقد لو قال: للّه تعالى عليّ قربة بلا خلافٍ؛ لاجتماع شرائطه الّتي من جملتها ذكر المتعلّق و هو فعل القربة.

و يبرّ أي يمتثل بفعل كلّ قربة مطلقاً و لو كان صوم يوم،أو صلاة ركعتين و نحوهما من وجوه القُرَب،كعيادة المريض، و إفشاء السلام،و التسميت،و نحو ذلك.

و في الاجتزاء بمفردة الوتر قولان،أجودهما ذلك،وفاقاً للحلّي (1)، و جماعة (2)؛ لأنها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة و تسليمة عندنا صلاة مستقلّة،فيشملها عموم قوله عليه السلام:«الصلاة خير موضوع» (3).

خلافاً للشيخين و ابني بابويه و القاضي و الشهيد في الدروس (4)؛ للنهي في النبوي عن البُتيْراء (5)،المفسّر في النهاية الأثيرية بأن يوتر بركعة واحدة (6).

و للخبر:عن رجل نذر و لم يسمّ شيئاً،قال:«إن شاء صلّى ركعتين،

ص:222


1- السرائر 3:69.
2- منهم:المحقق في الشرائع 3:189،و العلّامة في المختلف:661.
3- معاني الأخبار:1/332،الخصال:13/523،أمالي الطوسي:551(ضمن حديث طويل)،الوسائل 5:247 أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1.
4- المفيد في المقنعة:564،الطوسي في الخلاف 6:202،و حكاه عن والد الصدوق في المختلف:661،الصدوق في الهداية:74،القاضي في المهذّب 2:412،الدروس 2:151.
5- نيل الأوطار 3:39.
6- النهاية 1:93.

و إن شاء صام يوماً،و إن شاء تصدّق برغيف» (1).

و فيهما قصور من حيث السند بالضعف،و الدلالة بعدم الصراحة؛ لإجمال البُتَيْراء في الرواية الأُولى غير ما بنى عليه الاستدلال ممّا في النهاية، و هو المحكي فيها عن بعض في تفسيره،و من أنّه هو الذي شرع في ركعتين فأتمّ الاُولى و قطع الثانية.

و عدم إفادة اقتصاره عليه السلام في الرواية الثانية على الركعتين،المنع عن الركعة الواحدة.أ لا ترى إلى اقتصاره عليه السلام في الصدقة على الرغيف و الحال أنّه لا يجب فيها بل يجوز أقلّ منه قطعاً.فالمراد منها بيان نوع ما يتحقّق به امتثال النذر المطلق لا مقداره،فتدبّر.

هذا مع شذوذهما في الظاهر،فالأُولى:بأنّ النهي فيها عن البُتَيْراء على تفسير النهاية المبني عليه الحجة على إطلاقه غير مستقيم إلّا على مذهب العامّة الناهين عنها مطلقاً.و لو كان ركعة الوتر،بناءً على إيجابهم وصلها بركعتي الشفع و جعلهما كصلاة المغرب.

أمّا على مذهبنا من تعيّن انفصالها عنهما بتسليمة فلا بدّ من تقييد الرواية بما عداها أو التقيّة،و يشهد له كون الرواية من العامة.و على التقديرين لم يثبت النهي فيها عن ركعة الوتر في الشريعة.و تقييدها بصورة النذر خاصةً مجازفة محضة لا يرتكبها ذو مسكة.

و الثانية:بأنّ المذكور فيها أنّه نذر و لم يسمّ شيئاً حتى القربة،فتخرج عن موضوع المسألة و تدخل في المسألة الأُولى،و قد حكموا فيها ببطلان النذر من أصله.و تقدير القربة و نحوها فيها خلاف الأصل لا داعي على

ص:223


1- الكافي 7:18/463،التهذيب 8:1146/308،الوسائل 23:296 أبواب النذر و العهد ب 2 ح 3.

ارتكابه.

و بالجملة:فالاستناد إلى الروايتين لا وجه له من وجوه متعدّدة،و لعلّه لهذا لم يستند إليهما السيد في الشرح و صاحب الكفاية على هذا القول مع ميلهما إليه،و إنّما استندا فيه إلى النصوص الدالّة على أنّ الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة،و مشروعيّة فعلها على الانفراد غير ثابتة (1).

و في هذا الاستناد أيضاً مناقشة،فإنّ مبناه على عدم ثبوت شرعيّتها مفردة.و هو ممنوع؛ لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلةً فيشملها عموم الرواية السابقة،و لذا إنّ الشهيد في الدروس خصّ ما ذكره من عدم الاجتزاء بصورة ما إذا نذر صلاة و أطلق،أمّا لو قيّدها بركعة واحدة قال:

الأقرب الانعقاد (2).

و نحوه الشهيد الثاني في المسالك،حيث خصّ محلّ النزاع بتلك الصورة،قال:و لو صرّح في نذره أو نوى أحد هذه الأُمور المشروعة فلا إشكال في الانعقاد.و صرّح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر،فقال في تعليل المنع عن الاجتزاء بها-:و الركعة نادرة،إذا لم تشرع إلّا في الوتر (3).فتأمّل.

هذا،و لا ريب أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر الصلاة مطلقةً لا مقيدةً بركعة الوتر.أمّا مع التقييد بها بل مطلق الركعة الواحدة فينعقد، و يلزم الإتيان بها بلا شبهة.

و لو نذر صوم حين كان اللازم عليه صوم ستة أشهر.

ص:224


1- نهاية المرام 2:353،الكفاية:229.
2- الدروس 2:151.
3- المسالك 2:210.

و لو قال: للّه عليّ أن أصوم زماناً كان اللازم عليه صيام خمسة أشهر لرواية السكوني فيهما:في رجل نذر أن يصوم زماناً،قال:«الزمان خمسة أشهر،و الحين ستّة أشهر؛ لأنّ اللّه تعالى يقول تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [1] » (1).و رواية أبي الربيع في الأوّل:عن رجل قال:للّه عليّ أن أصوم حيناً، و ذلك في شكر،فقال عليه السلام:«قد اتي عليٌّ في مثل هذا،فقال:صم ستّة أشهر،فإنّ اللّه يقول» و ذكر الآية معقّباً لها بقوله:«يعني ستة أشهر» (2).

و لا خلاف في الحكمين أجده إلّا من المسالك و سبطه،فيظهر منهما نوع مناقشة فيهما؛ لقصور سند الروايتين،مع صدق اللفظين كالوقت في العرف و اللغة على القليل و الكثير،فيحصل الامتثال بصوم يوم (3).

و هو حسن لولا عدم الخلاف بين الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع،كما يظهر منهما و من غيرهما (4).

مع أنّ السكوني و إن ضعف في المشهور،إلّا أنّه ادّعى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايته (5).و كذلك أبو الربيع و إن جهل حاله كخالد بن حريز الراوي عنه،إلّا أنّ رواية الحسن بن محبوب عنهما هنا جبرت

ص:225


1- الكافي 4:5/142،التهذيب 4:933/309،علل الشرائع:1/387،الوسائل 10:388 أبواب بقية الصوم الواجب ب 14 ح 2.و الآية في سورة إبراهيم:25.
2- الكافي 4:6/142،التهذيب 4:934/309،الوسائل 10:387 أبواب بقية الصوم الواجب ب 14 ح 1.
3- المسالك 2:210،نهاية المرام 2:354.
4- في«ح» و«ر» زيادة:بل في الانتصار الإجماع عليه.الانتصار:160.
5- عدّة الأُصول 1:380.

قصورهما،لدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1).

و لو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهماً بلا خلاف ظاهر (2)حتى من الحلّي (3)،بل عليه في ظاهر المسالك و صريح التنقيح إجماعنا (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين:

أحدهما الحسن:عن رجل مرض فنذر للّه شكراً إن عافاه اللّه تعالى أن يتصدق من ماله بشيء كثير،و لم يسمّ شيئاً فما تقول؟قال:«يتصدّق بثمانين درهماً،فإنّه يجزيه،و ذلك بيّن في كتاب اللّه تعالى إذ يقول لنبيّه صلى الله عليه و آله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ [1] الكثير في كتاب اللّه تعالى ثمانون» (5).

و نحوه الثاني المرسل المتضمّن لفتوى مولانا الهادي عليه السلام في قصّة المتوكل،لمّا نذر الصدقة بمال كثير إن عوفي من مرضه،فقال له الفقهاء أقوالاً مختلفة،فأفتاه عليه السلام بالثمانين معلّلاً بالآية،و لكن لم يقيّدها بالدراهم (6).

و لذا اختلفوا في التقييد بها أو غيرها على أقوال:فبين من قيّد بها كالماتن هنا و في الشرائع،وفاقاً للشيخين و الديلمي و القاضي (7).و بين من

ص:226


1- رجال الكشي 2:830.
2- في«ح» و«ر» و«ت» زيادة:في أصل العدد.
3- السرائر 3:61.
4- المسالك 2:212،التنقيح الرائع 3:521.
5- التهذيب 8:1180/317،الوسائل 23:299 أبواب النذر و العهد ب 3 ح 2،و الآية في سورة التوبة:25.
6- الكافي 7:21/463،تفسير القمّي 1:284،الوسائل 23:298 أبواب النذر و العهد ب 3 ح 1.
7- الشرائع 3:190،المفيد في المقنعة:565،الطوسي في النهاية:565،الديلمي في المراسم:186،القاضي في المهذّب 2:411.

أطلقه كالصدوقين (1).و من ردّها إلى المتعامل به درهماً أو ديناراً كالحلّي (2).و من فصّل بين نذر المال المطلق فالأوّل،و المقيّد بنوع فالثمانون منه كالفاضل في المختلف (3).و للدروس تفصيل آخر بين النذر به من ماله فالأوّل،و النذر بمال كثير بقول مطلق فالتوقف،و نزّل الأقوال المتقدّمة على هذه الصورة (4).

و لعلّ ما عدا القولين الأوّلين شاذّ،و بشذوذ ما عليه الحلّي صرّح في المسالك (5).و القاعدة تقتضي رجحان القول الأوّل؛ لاعتبار سند مستنده، مع صراحة دلالته بالتقييد الموجب لحمل إطلاق المرسل مع ضعف سنده عليه.

و لو نذر عتق كلّ عبد له قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستّة أشهر فصاعداً و قد مضى الكلام في المسألة في كتاب العتق مستوفى فلا نعيده ثانياً (6).

ثم إنّ هذا الحكم المذكور في هذه المسائل الأربع إنّما هو فيما إذا لم ينو شيئاً آخر غيره أي غير ما ورد الشرع به.و لو نوى تبع ما نواه قطعاً و لو كان لما ورد به الشرع مخالفاً.و لعلّه لا خلاف فيه أيضاً، و إطلاق النصوص منزّل على غير هذه الصورة جدّاً.

و من نذر شيئاً في سبيل اللّه تعالى صرفه في وجوه البرّ

ص:227


1- الصدوق في المقنع:137،و حكاه عن والده في المختلف:658.
2- السرائر 3:61.
3- المختلف:659.
4- الدروس 2:155.
5- المسالك 2:212.
6- راجع ص 30.

الصدقة،و معونة الحاجّين و الزائرين و طلبة العلم،و عمارة المساجد،و نحو ذلك؛ لأنّ السبيل لغةً الطريق،فسبيل اللّه طريق ثوابه الموصل إليه،فيتناول كلا من الأُمور المذكورة و نحوها من وجوه القربة.و للشيخ رحمه الله قول في المسألة مضى الإشارة إليه و إلى تمام الكلام فيها في كتاب الوقف،فليطلبها ثمة (1).

و لو نذر الصدقة ب جميع ما يملكه في الحال لزم الوفاء به ما لم يضرّ بحاله في الدين أو الدنيا؛ لرجحان الصدقة في حدّ ذاتها مع عدم ما يوجب مرجوحيتها في فرضنا، فإن فرض وجوده بأن تضرّر به ديناً أو دنيا و شقّ عليه الوفاء به قوّمه على نفسه و أخرج منه في مصرف الصدقات شيئاً فشيئاً حتى يوفي كما قطع به الأصحاب، و اعترف به جماعة منهم (2)مؤذّنين بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجة، مضافاً إلى الرواية الصحيحة الصريحة في ذلك،و هي طويلة (3).

و لولاهما لأشكل الحكم بانعقاد هذا النذر؛ لمرجوحيّته الموجبة لعدم انعقاده بمقتضى القواعد المتقدّمة الدالّة على أنّ متعلّقه لا بدّ أن يكون طاعةً،و مثل هذا النذر المستعقب للضرر ليس منها بلا شبهة،إلّا أنّه بعد وجود الرواية الصحيحة المعتضدة بفتوى الأصحاب كافةً كما اعترف به الجماعة لا مسرح عنه و لا مندوحة.فاستشكال السيّد في الشرح لا وجه

ص:228


1- راجع ج 10 ص 164.
2- منهم:الشهيد في المسالك 2:213،و السبزواري في الكفاية:229،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:37.
3- الكافي 7:23/458،التهذيب 8:1144/307،الوسائل 23:314 أبواب النذر و العهد ب 14 ح 1.

له،كفتوى المفاتيح بالاستحباب (1)،مع أنّه شاذّ.

و هل يلحق بمورد النصّ ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع خوف الضرر فاندفاعه بالتقويم؛ للمشاركة في المقتضي و كون كلّ فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة؟ أم لا؛ لخروجه عن الأُصول و القواعد المتقدّمة،فيقتصر على مورد الرواية؟وجهان،أجودهما الثاني عند الشهيد الثاني (2).و لعلّ الأوّل أظهر؛ للفحوى بناءً على أنّ النذر بجميع المال أضرّ من النذر ببعضه،فلزوم الوفاء به يستلزم لزومه فيه بطريق أولى،إلاّ أنّ اللازم من هذا إنّما هو ثبوت الانعقاد لا جواز التقديم و الإخراج شيئاً فشيئاً.

و اعلم أنّ مورد الإشكال هو نذر التصدّق بعين المال.أمّا لو كان المقصود به نذر التصدّق به عيناً أو قيمةً و قلنا إنّ النذر المطلق لا يقتضي التعجيل كما هو الأقوى فلا إشكال في انعقاده مطلقاً؛ إذ لا مخالفة فيه للقواعد أصلاً.

الرابع اللواحق و هي مسائل

اشارة

الرابع: في اللواحق و هي مسائل:

الاُولى لو نذر أن يصوم يوماً معيّناً فاتّفق له أفطر

الاُولى:لو نذر أن يصوم يوماً معيّناً فاتّفق له فيه السفر الشرعي الذي يجب فيه القصر أفطر ذلك اليوم و قضاه،و كذا لو مرض،أو حاضت المرأة أو نفست بلا خلاف في وجوب الإفطار في الجميع،إلّا من المفيد في أحد

ص:229


1- نهاية المرام 2:356،المفاتيح 2:37.
2- انظر المسالك 2:213.

قوليه (1)و المرتضى في الأوّل (2)،فلم يجوّزاه،إمّا لاختصاص الصوم الممنوع منه في السفر برمضان كما عليه الأوّل،أو استثناء المقام منه.

و هما شاذّان،و بالمعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً المعتضدة بفتوى الأصحاب كافّةً عداهما محجوجان.

منها:الصحيح:«ليس من البرّ الصيام في السفر» (3).

و الموثق:عن امرأة جعلت عليها نذراً إن ردّ اللّه عليها بعض ولدها من شيء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر،أ تصوم أم تفطر؟ قال:«لا تصوم،وضع اللّه عزّ و جلّ عنها حقّه و تصوم هي ما جعلت على نفسها» قلت:فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أ تقضيه؟قال:«لا» قلت:

أ فتترك ذلك؟قال:«لا،إنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره» (4).

و تمام التحقيق في المقام و بيان ما دلّ على الحكم في الثلاثة الأخيرة يطلب من كتاب الصوم.

و كذا في وجوب القضاء في ظاهر العبارة و المختلف و المسالك (5)، حيث لم يجعلوه محل الخلاف و قطعوا به من غير إشكال،و جعله السيّد في

ص:230


1- المقنعة:362.
2- قال في جمل العلم و العمل:92:و الصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة،و صوم النذر إذا علّق بسفر و حضر.
3- المقنع:62،الوسائل 10:204 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 8.
4- الكافي 4:10/143،التهذيب 4:687/234،الإستبصار 2:329/101،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3.
5- المختلف:233،المسالك 2:209.

الشرح مقطوعاً به بين الأصحاب (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في الخلاف في المرض (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص.

منها الصحيح:رجل نذر أن يصوم يوماً معيناً من الجمعة دائماً ما بقي،فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر،أو أضحى،أو يوم جمعة،أو أيّام التشريق،أو سفر،أو مرض،هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه،أو كيف يصنع يا سيّدي؟فكتب عليه السلام:«قد وضع اللّه تعالى الصيام في هذه الأيّام كلّها،و يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّه» (3).

و نحوه رواية أُخرى في سندها جهالة (4).

و نحوها ثالثة في قصور السند بالجهالة:عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً،فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«يخرج و لا يصوم في الطريق،فإذا رجع قضى ذلك» (5).

و قصورهما بالجهالة كالأوّلين بالإضمار و المكاتبة مجبور بعمل الطائفة،مع أنّه لا قدح بالأخيرين في مثل الخبرين في الحجية،كما برهن في محلّه.

و كذا تضمّن الرواية الأُولى سقوط الصوم يوم الجمعة،المخالف لما

ص:231


1- نهاية المرام 2:358.
2- الخلاف 6:198.
3- الكافي 7:12/456،التهذيب 8:1135/305،الوسائل 23:310 أبواب النذر و العهد ب 10 ح 1.
4- التهذيب 4:686/234،الإستبصار 2:328/101،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
5- الكافي 7:16/457،التهذيب 4:1048/333،الوسائل 10:197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

عليه الأصحاب كافّةً غير قادح؛ إذ ليست إلّا كالعامّ المخصّص،و هو في الباقي حجة،مع أنّ نسخة الكافي المرويّة هذه الرواية عنها كذلك في التهذيب عن هذه الزيادة خالية.

فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه و إن اختصّت الروايات الثلاث بمن عدا الحائض و النفساء،و عارضتها في النذر الموثقة المتقدمة المصرّحة بعدم لزوم القضاء بعد أن سئل عنه؛ لسهولة الذبّ عن الأوّل بعدم القائل بالفصل،و عن الثاني بعدم التكافؤ في الموثّق من حيث السند و العمل و العدد،مع خلوّ نسخة الكافي المروية فيه في هذا الكتاب عن ذلك سؤالاً و جواباً.

و أمّا التردّد في الروايات بحسب الدلالة كما في الكفاية- (1)فوجهه غير واضح،إلّا على تقدير عدم رجوع الجمل الخبرية إلى الإنشائية،أو عدم إفادة الأمر الوجوب في عرف الأئمّة عليهم السلام.و هما بمحلّ من الضعف و الشذوذ،كما برهن عليهما مستقصًى في الأُصول.

و لو شرط صومه أي اليوم المنذور سفراً أو سفراً و حضراً صام وجوباً مطلقاً و إن اتّفق في السفر بلا خلافٍ (2)يظهر إلّا من الماتن في كتاب الصوم من هذا الكتاب و المعتبر،حيث نسبه إلى الأشهر (3)،و استضعف ما دلّ عليه من الخبر:نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت،فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب عليه السلام و قرأته

ص:232


1- الكفاية:229.
2- في نسخة«ر» و«ح» زيادة:كما في السرائر،و لعلّه كذلك،إذ لا يظهر إلّا..السرائر 3:60.
3- المختصر النافع:68،المعتبر 2:684؛ نسبه فيهما إلى الشهرة.

«لا تتركه إلّا من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك» (1)الحديث.

و فيه نظر؛ لصحّة السند،و عدم ضعف بالكتابة و الإضمار كما مرّ،مع أنّه على تقديره فهو بالعمل قد انجبر،فلا بأس بالعمل به و إن اشتمل على ما لم يقل به أحد من مساواة المرض للسفر في وجوب الصوم و لو معهما إذا كان كذلك قد قصد.و إن هو حينئذٍ إلّا كالعامّ المخصّص الذي هو حجّة في الباقي.

نعم،ربما يشكل فيه باستفاضة النصوص بالنهي عن الصوم في السفر بقول مطلق،فيكون نذره كذلك نذراً في معصية فلا ينعقد؛ لاستفاضة النص و اتّفاق الفتاوى بذلك جدّاً.

اللّهم إلّا أن يذبّ عن ذلك بتخصيص النهي بغير النذر المعيّن بالنص،فليس نذره نذراً في معصية،فتدبّر.

و لا ريب أنّ الأحوط عدم إيقاع النذر على هذا الوجه.

و لو اتّفق اليوم الذي نذر صومه يوم عيد،أفطر إجماعاً،كما في ظاهر العبارة و صريح الشرائع (2)و جماعة (3).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح و نحوه المتقدّمان قبيل المسألة.

و في وجوب القضاء تردّد و اختلاف،فبين من قال به،

ص:233


1- التهذيب 4:689/235،الإستبصار 2:331/102،الوسائل 10:195 أبواب من يصح من الصوم ب 10 ح 1.
2- الشرائع 3:188.
3- منهم:العلّامة في المختلف:658،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:64،و السبزواري في الكفاية:229.

كالصدوق و الشيخ في النهاية و موضع من المبسوط و ابن حمزة (1)؛ لورود الأمر في تلك الروايتين المتقدّمتين.و من قال بالعدم،كالشيخ في موضع آخر من المبسوط و القاضي و الحلبي و الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)،و نسبه في الكفاية إلى الشهرة (3)؛ لقصور الروايتين سنداً بالضعف و المكاتبة،و دلالةً بمنافاة وجوب القضاء لتعليقه بالمشيّة ب«إن» المختصّة بالمحتمل لا المتحقّق،فلتُحملا على الاستحباب.

و فيه نظر؛ لانجبار قصور الأوّل بما مرّ،و الثاني بأنّ الظاهر كون هذا التعليق للتبّرك لا للشك،مع أنّ المندوب مساوٍ للواجب في المشيّة،و لذا استدلّوا بهما على ما اتّفقوا عليه ممّا مرّ،مع وحدة الجواب المتضمّن للمحذور عنه و عن محل الفرض.فإذاً القول الأوّل أظهر مع أنّه أحوط.

و لو عجز عن صومه أصلا بعذر لا يكاد يرجى زواله مطلقاً قيل كما عن الأكثر (4):أنّه سقط عنه صومه و لا كفّارة عليه؛ للأصل، و ما مرّ في مسألة تجدّد العجز من الرواية المعتبرة الدالّة على أنّ«من جعل للّه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شيء» (5).

و لكن في رواية بل روايات عديدة أنّه يتصدّق عنه أي عن اليوم المنذور بمدّ من حنطة أو تمر،ما في الصحيح (6)،أو شعير

ص:234


1- الصدوق في المقنع:137،النهاية:565،المبسوط 1:281،ابن حمزة في الوسيلة:350.
2- المبسوط 1:282،القاضي في المهذب 2:411،الحلبي في الكافي:185،الحلّي في السرائر 3:60،الشرائع 3:188،المختلف:658.
3- الكفاية:229.
4- قال به السبزواري في الكفاية:229.
5- راجع ص 219.
6- الفقيه 2:442/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ذيل حديث 3.

بدل تمر كما في الخبر (1).و نحوهما خبر آخر لكن اقتصر فيه على الحنطة خاصّة (2).

و قصور سند أكثرها،و عدم مقاومتها أجمع لما مرّ من الأصل و الخبر المنجبر به و بمن في سنده و عمل الأكثر،مع صراحته في نفي الوجوب دونها لظهورها فيه،أوجب حملها على الاستحباب،سيّما مع شذوذها و عدم قائل بها و لا مائل إليها عدا الشهيد (3)كما حكي عنه و السيّد في الشرح،حيث إنّ ظاهره ذلك (4)،لصحّة سند بعضها و خلوّها بزعمه عن المعارض أصلاً،و كأنّه غفل عن الخبر الذي قدّمناه.و ظاهر العبارة ما ذكرنا من عدم وجود قائل بها.

نعم،مرّ في بحث الكفّارة فتوى الماتن و الشيخ في النهاية بوجوب هذه الصدقة لكن بمدّين (5).و الروايات كما ترى خالية عن ذكرهما؛ لاقتصارها على المدّ الواحد،فتكون شاذّة،كالصحيح الدالّ على أنّ كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفارة يمين (6)،و الخبر الدالّ على التصدّق بالمدّين على من يصوم عنه (7)؛ لخلوّ فتواهما عن القيد الأخير فيه، فلا يمكن أن يجعل مستنداً لهما.

ص:235


1- الكافي 4:1/143،الوسائل 10:389 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 1.
2- الكافي 4:3/144،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 3.
3- الدروس 1:294.
4- نهاية المرام 2:361.
5- راجع ج 12 ص 441.
6- الكافي 7:17/457،التهذيب 8:1137/306،الإستبصار 4:192/55،الوسائل 22:393 أبواب الكفارات ب 23 ح 5.
7- الكافي 7:15/457،الفقيه 3:1111/235،التهذيب 8:1138/306،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 1.

فإذاً القول بالاستحباب أقوى.

و يعضده اعتضاداً تامّاً زيادةً على ما مضى اختلاف هذه النصوص المتضمّنة للكفاّرة جدّاً،فبين ما جعلت فيه كفارة يمين،و ما جعلت فيه صدقة بمدّ من طعام (1)،و ما جعلت فيه صدقة بمدّ من حنطة خاصّةً (2)كما في بعضها،أو و شعير أيضاً كما في بعضها (3)،أو و تمر كما في غيرهما (4).

هذا مع عدم استقامة معنى للكفّارة الحقيقية هنا؛ لأنّها لتكفير الذنب و ستره،و لا ذنب هنا أصلاً،إذ لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها [1] ،هذا.

و لا ريب أنّ التصدّق بالمدّ بل المدّين أحوط و أولى.

الثانية ما لم يعيّن بوقت يلزم الذمة مطلقاً

الثانية: ما أي النذر الذي لم يعيّن بوقت يلزم الذمة مطلقاً و وقته تمام العمر لا يتضيّق إلّا بظنّ الوفاة كسائر الواجبات الموسّعة؛ لإطلاق الأمر.

و ما قيّد بوقت يمكن أداؤه فيه يلزم الإتيان به فيه عملاً بمقتضى النذر.

و لو أخلّ بما لزمه في المسألتين لزمته الكفّارة المتقدّم بيانها في بحثها.و لا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و حجةً.

و أمّا ما علّقه بشرط و لم يقرنه بزمان ف -فيه قولان، أحدهما:أنّه يتضيّق فعله عند حصول الشرط و نسبه جماعة (5)إلى

ص:236


1- التهذيب 4:1026/329،الوسائل 10:391 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 6.
2- الفقيه 3:1105/234،الوسائل 23:312 أبواب النذر و العهد ب 12 ح 2.
3- الفقيه 2:443/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 5.
4- الفقيه 2:442/99،الوسائل 10:390 أبواب بقية الصوم الواجب ب 15 ح 3.
5- منهم:العلّامة في المختلف:663،و ابن فهد في المهذب البارع 4:143،و السبزواري في الكفاية:230،و هو في الوسيلة:350.

ابن حمزة خاصّة،و الفاضل المقداد (1)إلى الشيخ و أتباعه.و لم أقف على من وافقه على هذه النسبة،بل ظاهر الجماعة خلافها.

و كيف كان،حجة هذا القول غير واضحة،إلّا على القول بإفادة الأمر الفوريّة أو لزومها بآيتي الاستباق [الأمر بالاستباق] و المسارعة.و هما ضعيفان غايته،كما برهن عليه في محلّه.

و القول الآخر: أنّه لا يتضيّق بل هو كالنذر المطلق موسّع؛ لما مرّ من إطلاق الأمر. و لذا كان هو أشبه و أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل يستفاد من المختلف التردّد من مخالفة ابن حمزة، حيث احتمل إرادته من الفوريّة التي حكم بها فوريّة تعلّق الوجوب لا الأداء الراجعة إلى القول الأوّل (2).

و هو غير بعيد عن عبارته المحكية فيه،حيث نفى فيها وجوب الكفّارة بالإخلال بالفورية،فقال بعد الحكم بالفورية-:فإن لم يفعل لم يلزمه الكفّارة إلّا بموته.فتأمّل.

الثالثة من نذر الصدقة في مكان معيّن،أو الصوم،أو الصلاة أو في وقت معيّن لزم

الثالثة: من نذر الصدقة في مكان معيّن،أو الصوم،أو الصلاة فيه أو في وقت معيّن لزم المنذور بشخصه.

و لو فعل ذلك في غيره أعاد مطلقاً أيّاً ما كان من هذه الثلاثة، بلا خلاف أجده إلّا من الشيخ (3)و جماعة (4)في الصوم في مكان معيّن، فأوجبوا الصوم و أسقطوا القيد و خيّروه بينه و بين غيره،نظراً منهم إلى أنّ

ص:237


1- التنقيح الرائع 3:525.
2- المختلف:663.
3- حكاه عنه في الشرائع 3:189.
4- منهم العلّامة في التحرير 2:106،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:59،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:526.

الصوم لا يحصل له بإيقاعه في مكان دون آخر صفة زائدة على كماله في نفسه،فإذا نذر الصوم في مكان معيّن انعقد الصوم خاصّة لرجحانه،دون الوصف،لخلوّه عن المزيّة.

و يضعّف بعد تسليم خلوّ المكان عن المزيّة أنّ النذر لم يتعلّق بمطلق الصوم نطقاً و لا قصداً،و إنّما تعلّق بالصوم المخصوص الواقع في المكان المعيّن،فمتى قلنا بانعقاد نذره لم يحصل الامتثال بدون الإتيان به على ذلك الوجه،و إلّا لم يجب الوفاء به مطلقاً.أمّا صحّة النذر و جواز الإتيان بالمنذور في غير ذلك المكان فلا وجه له أصلاً.

هذا مع أنّه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بالمكان الذي ليس له مزيّة أصلاً.و أمّا ذو المزيّة فلم يجر فيه هذا الدليل قطعاً،و لذا إنّ جملة ممّن تبعه على التخيير قيّدوه بغير ذي المزيّة و حكموا فيه بلزومه،مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (1).لكن ظاهره تنزيل الخلاف حتى من الشيخ على غيره.

و كيف كان،لا ريب في ضعفه مطلقاً؛ لما مضى.

و حاصله:أنّ المنذور و إن كان مباحاً أو مرجوحاً بالخصوصية،إلّا أنّه من حيث كونه فرداً من المطلق الراجح عبادة بل المطلق لا وجود له إلّا في ضمن فرد خاصّ فإذا تعلّق النذر به انحصرت الطاعة فيه،كما تنحصر عند الإتيان بها في متعلّقاتها،فلا يجزي غيرها.

مع أنّ فتح باب المنع في مثله يؤدّي إلى عدم تعيين شيء بالنذر أصلاً،و هو باطل اتّفاقاً و يوجب فساد ما حكموا به من غير خلاف يظهر.

بل ادّعى بعضهم الوفاق عليه من تعيّن الوقت للصلاة إذا عيّنه،و كذا المكان

ص:238


1- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:59.

في الصدقة،و أنّه لو تعلّق بعبادة مخصوصة لا يجزي غيرها و إن كان أفضل منها،و نحو ذلك.و ليس ذلك إلّا لبطلان العذر المتقدّم لعدم لزوم المكان المعيّن و إن زيد في تعيّن المكان في التصدّق بأنّه يرجع إلى تعيين أهله، فهو في قوّة تعيين المتصدّق عليه.

و لكن فيه نظر؛ لمنع التلازم،لصدق الامتثال بالتصدّق به في المكان المعيّن على غير أهله،فأين التلازم؟إلّا أن يدّعى دلالة عرف الناذر عليه.

الرابعة لو نذر إن برئ مريضة،أو قدم مسافرة،فبان البرء و القدوم قبل النذر لم يلزم

الرابعة: لو نذر إن برئ مريضة،أو قدم مسافرة،فبان البرء و القدوم قبل النذر لم يلزم (1) لأنّ الظاهر الإلزام بالمنذور إن حصل هذا الشرط بعد النذر،فلا يجب بدونه.

و يشهد له الصحيح:عن رجل وقع على جارية له،فارتفع حيضها و خاف أن تكون قد حملت،فجعل للّه تعالى عتق رقبة أو صوم أو صدقة إن هي حاضت،و قد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين و هو لا يعلم،قال:«ليس عليه شيء» (2).

و نحوه غيره (3).

الخامسة من نذر إن رزق ولداً حجّ به أو حجّ عنه ثمّ مات حجّ الوصي أو من في حكمه عنه من أصل التركة

الخامسة: من نذر إن رزق ولداً حجّ به أو حجّ عنه انعقد نذره إجماعاً؛ لأنّه طاعة مقدورة للناذر فينعقد،و للحسنة الآتية.

و مقتضى هذه الصيغة على ما صرّح به جماعة (4)تخيّر الناذر بين أن يحجّ بالولد،و بين أن يستنيب من يحجّ عنه.فإن اختار الثاني نوى

ص:239


1- في المعتبر المطبوع زيادة:و لو كان بعده لزم.
2- التهذيب 8:1164/313،الوسائل 23:302 أبواب النذر و العهد ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:4/455،التهذيب 8:1127/303،الوسائل 23:301 أبواب النذر و العهد ب 5 ح 1.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:207،و صاحب المدارك في نهاية المرام 2:362.

النائب الحجّ عن الولد،عملاً بمقتضى النذر.و إن أحجّ الولد نوى عن نفسه إن كان مميّزاً،و إلّا أجزأ الوالد إيقاع صورة الحج به،كما لو صحبه في الحجّ تبرّعاً.

و لو أخّر الوالد الفعل إلى أن بلغ الولد فإن اختار الحجّ عنه لم يجزه عن حجّة الإسلام،و إن أحجّه أجزأه عنها،لأنّ ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل المنذور.

ثمّ لو مات الوالد قبل أن يفعل أحد الأمرين حجّ الوصي أو من في حكمه به أو استناب من يحجّ عنه من أصل التركة بغير خلاف يظهر،و به صرّح بعض (1)؛ لأنّه حق ماليّ تعلّق بتركته،فيجب قضاؤه منها.

قيل (2):و للحسن القريب من الصحيح،سيّما مع اشتمال سنده على الحسن بن محبوب،المجمع على تصحيح رواياته.و فيه بعد السؤال عن مورد المسألة-:قال عليه السلام:«إنّ رجلاً نذر للّه عزّ و جلّ في ابن له،إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه،فمات الأب،و أدرك الغلام بعد،فأتى رسول اللّه عليه و آله ذلك الغلام فسأله عن ذلك،فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه» (3).

و في الاستناد إليه لإثبات الحكم في محل الفرض إشكال لم أر من تنبه له،و هو:أنّ المفروض حصول الشرط المعلّق عليه النذر حال حياته

ص:240


1- انظر نهاية المرام 2:362،و كشف اللثام 2:237.
2- نهاية المرام 2:362.
3- الكافي 7:25/459،التهذيب 8:1143/307،الوسائل 23:316 أبواب النذر و العهد ب 16 ح 1.

الموجب لإخراجه من أصل التركة،إمّا مطلقاً كما في ظاهر إطلاق العبارة، و المحكيّ في شرح الكتاب للسيد عن أكثر الجماعة،أو بشرط تمكّن الناذر من فعل المنذور في حياته كما صرّح به جدّه في المسالك (1)،و الحال أنّ ما في الرواية عدم حصول الشرط الذي هو الإدراك إلّا بعد الوفاة،و معه لم يشتغل ذمّة الناذر بالمنذور جدّاً،فلا وجه لإخراجه من تركته أصلاً،لأنّه فرع تعلّقه بذمّته حال حياته ليصير ديناً عليه يجب إخراجه منها أوّلاً.

اللّهم إلّا أن يكون تعبّداً محضاً،لكنّه فرع وجود القائل به،و ليس، لاتّفاق الفتاوي بتصوير المسألة بنحو ما قدّمناه،و لذا استدلّ عليها بما أسلفناه أوّلاً.و مع ذلك فيه إشكالات أُخر،و لكن يسهل الذبّ عنها بنوع من التوجيهات.

فإذاً الدليل على الحكم إنّما هو ما قدّمناه،مضافاً إلى عدم الخلاف فيه الظاهر و المصرّح به،لكن مقتضاه بمعونة القاعدة الأُصوليّة اختصاص الحكم بصورة تمكّن الناذر من المنذور في حال الحياة كما في المسالك، لا مطلقاً كما عن أكثر الأصحاب (2).

و لو مات الولد قبل أن يفعل الوالد أحد الأمرين بقي الحجّ عنه،سواء كان قبل تمكّنه من الحج بنفسه أم لا؛ لأنّ النذر لم ينحصر في حجّه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه.

نعم،لو كان موته قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، كما عن الدروس (3)؛ لفوات متعلّق النذر قبل التمكّن منه،لأنّه أحد الأمرين

ص:241


1- المسالك 2:208.
2- نهاية المرام 2:363.
3- الدروس 1:318.

و الباقي منهما غير أحدهما الكلّي.

و العدم؛ لأنّ الحجّ عنه متعلّق النذر أيضاً،و هو ممكن.و اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخيّر بينها في وجوب أحدها ممنوع،و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو نذر الصدقة بدرهم من دراهمه،فإنّ متعلّقه أمر كلّي،و هو مخيّر في الصدقة بأيّها شاء،و لو فرض ذهابها إلّا درهماً واحداً وجب الصدقة به.و لعلّه أحوط بل و أجود وفاقاً للمسالك (1).

السادسة من جعل دابّته أو جاريته هدياً لبيت اللّه بيع ذلك و صرف ثمنه في معونة الحاجّ و الزائرين

السادسة: من جعل دابّته أو عبده أو جاريته هدياً لبيت اللّه تعالى فإن قصد مصرفاً معيّناً تعيّن،و إن أطلق بيع ذلك و صرف ثمنه في معونة الحاجّ و الزائرين للمعتبرة.

منها:الصحيح المرويّ كذلك في التهذيب في باب الزيادات من كتاب الحج:عن رجل جعل ثمن جاريته هدياً للكعبة،كيف يصنع؟قال:

«إنّ أبى أتاه رجل قد جعل جاريته هدياً للكعبة،فقال له:مر منادياً يقوم على الحجر فينادي:ألا من قصرت به نفقته،أو قطع به،أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان.فأمره أن يعطي أوّلاً فأوّلاً حتى يتصدّق بثمن الجارية» (2).

و الخبران في أحدهما:جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال:إنّي أهديت جارية[إلى الكعبة]فأعطيت بها خمسمائة دينار،فما ترى؟قال:

«بعها ثمّ خذ ثمنها،ثمّ قم على حائط الحجر ثمّ ناد و أعط كلّ منقطع به، و كلّ محتاج من الحاجّ» (3).

ص:242


1- المسالك 2:208.
2- الكافي 4:2/242،التهذيب 5:1719/483،الوسائل 13:250 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 7 باختلاف يسير.
3- الكافي 4:3/242،الوسائل 13:250 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 8.

و في الثاني:إنّ قوماً قد أقبلوا من مصر،فمات رجل منهم،فأوصى بألف درهم للكعبة،فسأل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن ذلك،فقال له:«إنّ الكعبة غنيّة عن هذا،انظر إلى من أمّ هذا البيت فقطع به،أو ذهبت نفقته،أو ضلّت راحلته،أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سمّيت لك» (1).

و قصورهما بالجهالة مجبور بأنّ في سنديهما من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و هو أبان في الأوّل،و حمّاد بن عيسى في الثاني.

مع أنّهما معتضدان كالصحيحة بالشهرة العظيمة التي لا يوجد لها مخالف،بل الظاهر من الماتن في الشرائع و غيره الإجماع عليه (2)لكن في الثلاثة المذكورة دون غيرها من نحو الأمتعة و الأقمشة،حيث جعله خاصّة مورداً للخلاف في صحّة نذر إهداء غير النعم و فساده.

إلّا أنّ الظاهر من بعض المتأخّرين عدم الفرق بينه و بين الثلاثة في تحقّق الخلاف المزبور فيهما حيث قال:و لو نذر إهداء غير النعم قيل:

صرف ثمنه في معونة الحاجّ أو الزائرين كما في الصحيح الوارد في إهداء الجارية.و فيه قول بالبطلان؛ لما ورد فيمن قال أنا اهدي هذا الطعام:«أنّه ليس بشيء إنّما تُهدى البدن» (3)و في الصحيح:«ليس بشيء إنّ الطعام

ص:243


1- الكافي 4:1/241،التهذيب 9:841/212،الوسائل 13:249 أبواب مقدمات الطواف ب 22 ح 6.
2- الشرائع 3:191؛ و انظر القواعد 2:143.
3- الكافي 7:3/455،التهذيب 8:1126/303،الوسائل 23:294 أبواب النذر و العهد ب 1 ح 3.

لا يُهدى» (1)انتهى (2).

و هو كما ترى ظاهر في عدم الفرق الذي ذكرنا.

فكيف كان،فالقول بالبطلان في الثلاثة على تقدير وجوده فيها ضعيف غايته؛ لصراحة النصوص المتقدّمة في صحّتها مع سلامتها عن المعارض،عدا مفهوم الحصر في اولى الروايتين الأخيرتين.و هو مع مخالفته الإجماع كما صرّح به في المسالك (3)مردود بضعف الرواية الدالّة عليه سنداً و مكافاةً لما مضى من النصوص من وجوه شتّى.

و اختصاص الخبرين الأوّلين منها بالجارية غير ضائر بعد ثبوت التعدّي إلى أخويها من الإجماع في المسالك،و الرواية الثالثة المتضمّنة للعلّة العامّة،الموجبة لتلك التعدية و تعدية أُخرى هي:إلحاق المشاهد المشرّفة و الضرائح المقدّسة ببيت اللّه سبحانه في حكم المسألة.

و نسب التعديتين في التنقيح إلى الأصحاب (4)،مشعراً بدعوى الإجماع عليهما،و مع ذلك لم يخصّ التعدية الاُولى بإلحاق الجارية خاصّة بها،بل عمّم التعدية إلى غيرها بحيث يشمل ما عداهما ممّا جعله الماتن في الشرائع محلّ الخلاف (5).و تعميمها كذلك غير بعيد لولا الصحيحة الأخيرة؛ لما مرّ من الرواية المعتبرة المعلّلة،مع تصريحها بصحّة النذر بإهداء الدراهم التي ليست من الثلاثة.مع أنّه أحوط في الجملة.

ص:244


1- الكافي 7:12/441،الفقيه 3:1092/231،الوسائل 23:301 أبواب النذر و العهد ب 4 ح 1.
2- انظر إيضاح الفوائد 4:73،و كشف اللثام 2:238.
3- المسالك 2:213.
4- التنقيح الرائع 3:527.
5- الشرائع 3:191.

السابعة في رجل كانت عليه حجّة الإسلام،فأراد أن يحجّ فقال إن تزوّجت قبل أن أحجّ فغلامي حرّ،فبدأ بالنكاح تحرّر الغلام

السابعة: روى إسحاق بن عمّار في الموثّق به عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل كانت عليه حجّة الإسلام،فأراد أن يحجّ،فقيل له:

تزوّج ثم حجّ،فقال:إن تزوّجت قبل أن أحجّ فغلامي حرّ،فبدأ بالنكاح قبل أن يحجّ، فقال عليه السلام:«تحرّر الغلام» فقلت له:لم يرد بعتقه وجه اللّه تعالى،فقال:«إنّه نذر في طاعة اللّه تعالى،و الحجّ أحقّ من التزويج و أوجب عليه منه» قلت:إنّ الحجّ تطوّع،قال:«إن كان تطوّعاً فهو طاعة للّه عز و جل،قد أعتق غلامه» (1).

و أفتى بمضمونها في النهاية كما في التنقيح (2).

و فيه إشكال لا من حيث السند كما قيل (3)؛ لكونه من الموثّق، مع تضمّنه صفوان المجمع على تصحيح رواياته.بل من حيث المتن؛ لتضمّنه أوّلاً:الحكم بلزوم العتق،مع أنّ اللفظ لا يقتضي الالتزام به،لخلوّه عن صيغة النذر و العهد و اليمين.

و ثانياً:أنّ المملوك إنّما يتحرّر بصيغة العتق،فإذا نذر صيرورته حرّا فقد نذر أمراً ممتنعاً،فحقّه أن يقع باطلاً.

اللّهم إلّا أن يذبّ عن الأوّل بأنّ المراد بذلك اللفظ الإخبار عن الصيغة المقتضية للالتزام،يشهد له قوله عليه السلام:إنّه نذر في طاعة اللّه تعالى، لا أنّ هذا اللفظ هو الملزم.

و عن الثاني ب أن يكون المراد أنّه جعل العتق فيما بعد نذراً

ص:245


1- الكافي 7:7/455،التهذيب 8:1132/304،الإستبصار 4:165/48،الوسائل 23:305 أبواب النذر و العهد ب 7 ح 1.
2- النهاية:564،التنقيح الرائع 3:528.
3- نهاية المرام 2:366.

يعني نذر أنه يعتقه إن تزوّج.فإنّه حينئذٍ يصحّ النذر و يجب العتق و حصل التحرير به.و لعلّ المراد بقوله:فغلامي حرّ،أنّه حيث صار منذور العتق فكأنه قد صار حرّا؛ لأنّ مآله الحريّة.كذا بيّن وجه الإشكال مع الجواب.

و ظنّي دلالة الرواية على لزوم العتق المعلّق على الشرط،و قد مرّ في بحثه أنّه مذهب العامّة (1)،فيمكن حملها على التقيّة،سيّما مع كون الرواية عن مولانا الكاظم عليه السلام،و قد كانت التقيّة في زمانه في غاية الشدّة،و ربما يعضده سياق الرواية،فتدبّره تجده.

الثامنة في رجل نذر الحجّ و لم يكن له مال،فحجّ عن غيره،أ يجزي عن نذره

الثامنة: روى رفاعة في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل نذر الحجّ و لم يكن له مال،فحجّ عن غيره،أ يجزي عن نذره؟فقال:

«نعم» (2) و قد أفتى بها أيضاً في النهاية (3).

و فيه أيضاً إشكال من حيث إنّ نذر الحجّ مطلقاً يوجب استقراره في ذمّة الناذر،فيفتقر إيقاعه إلى نيّة و قصد،لما تقرّر في افتقار كلّ عبادة إلى ذلك،و حجّه عن غيره ليس فيه قصد الحجّ عن نفسه بذلك الوجه الذي في ذمّته،فلا يقع مجزياً،كما ذهب إليه القاضي (4)و الأكثر.

و هو الأظهر؛ عملاً بالقاعدة المعتمد عليها المعتضدة بعملهم، فلا تعارضها الرواية و إن كانت صحيحةً،فلتطرح أو تؤوّل بما يؤول إليها، بأن تحمل إمّا على صورة العجز عن المنذور و استمراره كما في

ص:246


1- راجع ص 14.
2- التهذيب 8:1173/315،الوسائل 23:323 أبواب النذر و العهد ب 21 ح 1.
3- النهاية:567.
4- المهذب 2:412.

المختلف (1)،أو على ما أشار إليه الماتن بقوله: إلّا أن يقصد ذلك بالنذر أي يقصد في نذره الحجّ المطلق الشامل لحجّه عن نفسه و غيره، فإنّ ذلك لا يوجب تعيّن الحجّ في ذمّته عن نفسه بل أعمّ من الأمرين.

و حينئذٍ فلو حجّ عن غيره فقد أتى بالمنذور على وجهه؛ لأنّه أحد الأمرين الواجبين على التخيير بمقتضى نذره.

التاسعة من نذر ألّا يبيع خادماً أبداً لزمه الوفاء به

التاسعة: قيل و القائل الشيخ في النهاية (2)و تبعه القاضي (3):إنّه من نذر ألّا يبيع خادماً له أبداً لزمه الوفاء به و إن احتاج إلى ثمنه حاجةً ضروريةً و هو استناد إلى رواية بل روايتين،مضى الكلام عليهما في بحث اشتراط كون المنذور طاعةً مستقصًى (4).

و وصف الماتن لها بكونها مرسلةً غير واضح كما صرّح به جماعة (5)؛ لأنّها مسندة ضعيفة لا مرسلة.اللَّهم إلّا أن يريد بالإرسال الإضمار فيصحّ ما قاله؛ لأنّ إحداهما و إن كانت عن أبي الحسن عليه السلام مرويّة،إلّا أنّ الأُخرى في باب أقسام الأيام من الإستبصار مضمرة مروية، و إطلاق الإرسال على الإضمار شائع،فلا اعتراض على الماتن.

العاشرة العهد كاليمين يلزم حيث تلزم

العاشرة: اختلف الأصحاب في أنّ العهد هل هو كاليمين يلزم حيث تلزم فينعقد على المباح المتساوي الطرفين و ما لم يعلّق على شرط،أم كالنذر فلا يلزم إلّا على الطاعة و المعلّق على شرط؟الأصحّ

ص:247


1- المختلف:663.
2- النهاية:567.
3- انظر المهذب 2:412.
4- راجع ص 203.
5- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 3:530،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 2:338،و ابن فهد في المهذب البارع 4:146.

الأوّل،وفاقاً للماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد،و شيخنا في المسالك (1)؛ عملاً بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء به من الآيات.

و تقييدها بما إذا كان متعلّقه طاعةً و مشروطاً يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كما سيأتي إليه الإشارة.

خلافاً للشيخ في النهاية،و الشهيد في الدروس و اللمعة و تبعه في الروضة (2)،فالثاني.

و حجّتهم عليه غير واضحة،عدا أصالة براءة الذمّة فيما عدا المتّفق عليه،و مفهوم الرواية:«من جعل عليه عهد اللّه سبحانه و ميثاقه في أمر [للّه]طاعة،فحنث،فعليه عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3).

و الأولى مخصّصة بما مرّ من عموم الأدلّة.و الرواية ضعيفة لتخصيصها غير صالحة،و مع ذلك بمثلها معارضة و فيه:عن رجل عاهد اللّه تعالى في غير معصية،ما عليه إن لم يف بعهده؟قال:«يعتق رقبة،أو يتصدّق بصدقة،أو يصوم شهرين متتابعين» (4).

فعلّق الكفارة على العهد في غير معصية الشامل للمباح و المكروه و ما هو خلاف الأولى من المباح،إلّا أنّ الأخيرين خارجان بالإجماع كما في المسالك (5)،فيبقى الأوّل.

ص:248


1- الشرائع 3:193،الإرشاد 2:96،المسالك 2:216.
2- النهاية:563،الدروس 2:157،اللمعة(الروضة البهية 3):48.
3- التهذيب 8:1170/315،الإستبصار 4:187/54،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 2.
4- التهذيب 8:1148/309،الإستبصار 4:189/55،الوسائل 22:395 أبواب الكفارات ب 24 ح 1.
5- المسالك 2:216.

نعم،ربما أيّد ما ذكروه بعض النصوص الواردة في العهد على ترك المتعة (1)،الظاهرة في ترادفه مع النذر،و كون كفّارته كفّارة النذر على الأشهر الأظهر.لكنّهما غير صالحين لتخصيص العموم،سيّما مع قصور سند الأوّل.

و تظهر ثمرة الخلاف فيما مرّ،و في توقّفه على إذن من يعتبر إذنه على القول الأوّل دون الثاني إن قلنا بعدم توقّف النذر على إذنهم،و إلّا فلا ثمرة هنا،كما لا ثمرة فيما مرّ من المقامين أيضاً إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين،و المتبرّع به الغير المعلّق على شرط كما هو الأظهر.و لكن الأوّلان خلافه،فيتحقّق فيهما الثمرة.

و لو تعلّق العهد بما الأعود الأنفع له مخالفته ديناً أو دنيا خالف ذلك إن شاء و لا كفّارة عليه،بلا خلاف ظاهر؛ و وجهه واضح، لثبوت الحكم في اليمين و النذر إجماعاً فتوًى و نصّاً،و هو لا يخلو عن أحدهما إجماعاً،فليكن الحكم فيه أيضاً ثابتاً.و الحمد للّه تعالى.

ص:249


1- الكافي 5:7/450،التهذيب 7:1083/251،الإستبصار 3:510/142،الوسائل 21:16 أبواب المتعة ب 3 ح 1.

ص:250

كتاب الصيد و الذبائح

اشارة

كتاب الصيد و الذبائح و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأول:في الصيد.

اعلم أنّ له في الشرع معنيين:أحدهما:إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة.و الثاني:إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير تذكية، و كلاهما مباح بالكتاب و السنّة و إجماع الأُمّة،كما حكاه جماعة (1).

قال اللّه سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (2)و قال اللّه تعالى وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [2] (3)و قال عزّ من قائل وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ [3] (4).

ص:251


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:217،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
2- المائدة:96.
3- المائدة:2
4- المائدة:4.

و أمّا السنّة فمتواترة يأتي إليه الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و آلة الإزهاق إمّا جماد أو حيوان.

أمّا الأوّل:فلا

الصيد

يؤكل من الصيد ما قتله السيف و الرمح و السهم و الكلب المعلم

يؤكل من الصيد المقتول به إلّا ما قتله السيف و الرمح و السهم و نحوهما مما اشتمل على نصل،بلا خلاف في المستثنى منه؛ هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالّة عليها في الصيد الذي لا يعلم زهاق روحه بالآلة المعتبرة و إن كانت له جارحة.

منها:الصحيحان:عن الرميّة يجدها صاحبها،أ يأكلها؟قال:«إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» (1).

و نحوهما الموثّق بزيادة:«و إلّا فلا يأكل منه» (2).

و في الصحيح:صيد وجد فيه سهم،و هو ميّت لا يدري من قتله، قال:«لا تطعمه» (3).

و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الناهية عن أكل ما قتله الحجر و البندق (4).

و على الأظهر الأشهر في المستثنى،بل عليه عامّة أصحابنا إلّا ما

ص:252


1- الأوّل في:الكافي 6:7/210،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.الثاني في:الكافي 6:3/210،الفقيه 3:917/202،التهذيب 9:135/34،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.
2- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
3- الكافي 6:8/211،الفقيه 3:929/20،التهذيب 9:141/35،الوسائل 23:368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.
4- انظر الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 23.

يحكى في المختلف و التنقيح و الدروس عن الديلمي (1)من جعله في حكم ما قتلته الثلاثة و ما في حكمها،حكم ما قتله الفهد و الصقر في الاحتياج إلى التذكية،و نسبه المشهور إلى الرواية.

و في صحّة الحكاية مناقشة:فإنّ عبارته المحكية في المختلف (2)و إن أوهمتها إلّا أنّها كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة،و لذا إنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة (3)، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة المخصّصة لأصالة الحرمة، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحاح،في أحدها:«كُلْ من الصيد ما قتله السيف و السهم و الرمح» (5).

و في الثاني:عن الصيد يرميه الرجل بسهم،فيصيبه معترضاً،فيقتله و قد كان سمّى حين رمى و لم تصبه الحديدة؟فقال:«إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله،فإن أراد فليأكله» (6).

و في الثالث:عن الصيد يصيبه السهم معترضاً،و لم يصبه بحديدة، و قد سمّى حين رمى،قال:«يأكله إذا أصابه و هو يراه» (7).

ص:253


1- المختلف:675،التنقيح الرائع 4:4،الدروس 2:397.
2- المختلف:676.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:4،و السبزواري في الكفاية:245.
4- كالشهيد الثاني في المسالك 2:218 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
5- الكافي 6:1/209،التهذيب 9:137/34،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.
6- الكافي 6:4/212،الفقيه 3:921/203،التهذيب 9:132/33،الوسائل 23:371 أبواب الصيد ب 22 ح 2.
7- الكافي 6:5/213،التهذيب 9:146/36،الوسائل 23:371 أبواب الصيد ب 22 ح 3.

و يستفاد منهما حلّ المقتول بالآلة مطلقاً سواء جرحته أم لا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (1)،بل عليه في ظاهر المسالك إجماعنا (2)؛ و هو حجّة أُخرى مؤيّدة كالسابقة بإطلاقات الفتاوى و كثير من النصوص المتقدّمة.و إنّما لم تكن حجّة ثالثةً مع كون الإطلاق حجّة لعدم انصرافه إلى مفروض المسألة.

و يحلّ عند الأصحاب ما قتله المعراض إذا خرق و لو يسيراً فمات به،دون ما إذا لم يخرق؛ للنصوص.

منها الصحيح:«إذا رميت بالمعراض فخرق فكل،و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل» (3).

و في النبوي في المعراض:«إن قتل بحدّه فكل،و إن قتل بثقله فلا تأكل» (4).

و في عدّة من المعتبرة و فيها الصحيح و غيره:«إنّ المعراض إذا كان مرماة،أو لم يكن له نبل غيره فلا بأس بأكل ما صيد به» (5).

لكنها شاذّة،كالمرسل المرويّ في الفقيه:في رجل كان له نبال ليس فيها حديد،و هي عيدان كلّها،فيرمي بالعود،فيصيب وسط الطير معترضاً، فيقتله و يذكر اسم اللّه تعالى،و إن لم يخرج دم،و هي نبالة معلومة،فيأكل

ص:254


1- كالعلّامة في القواعد 2:150،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
2- المسالك 2:218.
3- الكافي 6:3/212،التهذيب 9:143/35،الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 22 ح 1.
4- سنن أبي داود 3:2854/110،سنن ابن ماجة 2:3214/1072؛ بتفاوت يسير.
5- انظر الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 22.

منه إذا ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ (1).

مضافاً إلى إرساله و قصور متنه.

و المعراض كمحراب:سهم بلا ريش،دقيق الطرفين،غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حدّه.

و لو أصاب السهم معترضاً و قتل الصيد حلّ إن كان فيه حديدة و إن لم يكن القتل بها؛ لما مضى.

و لو خلا منها لم يؤكل إلّا أن يكون حادّاً فخرق و قتل،فيؤكل حينئذٍ كالمقتول بالمعراض،بلا خلاف.

و أمّا الثاني:فلا يحلّ بكلّ ما صيد به،بل على التفصيل المشار إليه بقوله:

و كذا يؤكل من الصيد ما يقتله الكلب المعلّم خاصّة دون غيره من الكلاب الجوارح الغير المعلّمة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و بالإجماع عليه صرّح جماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الكتاب و السنّة المستفيضة بل المتواترة.

ففي الصحيح«ما قتلت من الجوارح مكلّبين،و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ،و ما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه» (3).

و سيأتي إلى جملة منها زيادة على ذلك الإشارة.

ص:255


1- الفقيه 3:927/204،الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 22 ح 10.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:217،و السبزواري في الكفاية:244،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
3- الكافي 6:5/203،التهذيب 9:90/23،الوسائل 23:346 أبواب الصيد ب 7 ح 1.

و إطلاقهما بل عمومهما كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)، يقتضي عدم الفرق في الكلب بين السلوقي منه و غيره حتّى الأسود،و به صرّح جماعة (2).خلافاً للإسكافي فخصّه بما عدا الأسود (3)تبعاً لبعض الشافعية و أحمد (4)؛ للخبر:«الكلب الأسود البهيم لا يؤكل صيده؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتله» (5).

و هو شاذّ،و مستنده ضعيف سنداً و مقاومةً لما مضى من وجوه شتّى، مع احتماله التقية،سيّما مع كون الراوي السكوني الذي هو من قضاة العامّة.و العجب عن المختلف في جوابه عن الخبر بأنّه لم يثبت عندنا (6)، مع أنّه مروي عن طرقنا أيضاً.

و لا يؤكل ما قتله الفهد و غيره من جوارح البهائم،و لا ما قتله العقاب و غيره من جوارح الطير على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه من الإمامية (7)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى أصالة الحرمة المؤسّسة بما قدّمناه من الأدلّة مع اختصاص أدلّة الإباحة من الكتاب و السنّة بالكلاب خاصّة،مع دلالة الأوّل بمفهوم القيد المعتبر على نفيها عمّا عدا محلّ القيد،فيكون من أدلّة الحرمة كالأصل.

ص:256


1- انظر الجامع للشرائع:381،و الدروس 2:393،و المفاتيح 2:206.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:218،و السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:208،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:252.
3- حكاه عنه في المختلف:675.
4- كما في شرح النووي(هامش إرشاد الساري 8):134.
5- الكافي 6:20/206،التهذيب 9:340/80،الوسائل 23:356 أبواب الصيد ب 10 ح 2.
6- المختلف:675.
7- الانتصار:182،الغنية(الجوامع الفقهية):617،السرائر 3:82.

و نحوهما الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:قلت:فالفهد؟قال:«إن أدركت ذكاته فكل» قلت:

أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟فقال:«ليس شيء مكلّب إلّا الكلب» (1).

و فيه:ما تقول في البازي و الصقر و العقاب؟فقال:«إن أدركت ذكاته فكل منه،و إن لم تدرك ذكاته فلا تأكل» (2).

و فيه:«أمّا ما قتله الطير فلا تأكله إلّا أن تذكّيه،و أمّا ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه تعالى عليه فكل و إن أكل منه» (3).

و في الحسن:عن صيد البزاة و الصقور و الكلب و الفهد،فقال:

«لا تأكل صيد شيء من هذه إلّا ما ذكيتموه،إلّا الكلب المكلّب» الخبر (4).

خلافاً للعماني (5)،حيث أحلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد و النمر و غيرهما؛ لعموم الآية،و للصحاح:«الكلب و الفهد سواء» (6).

و خصّها الشيخ بموردها تارةً أعني الفهد محتجّاً بأنّه يسمّى كلباً لغةً،و حملها على التقيّة أُخرى،و على الضرورة ثالثة (7).

ص:257


1- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 6 ح 1.
2- الكافي 6:7/208،التهذيب 9:128/32،الإستبصار 4:264/72،الوسائل 23:352 أبواب الصيد ب 9 ح 11.
3- الكافي 6:15/205،التهذيب 9:99/25،الإستبصار 4:247/68،الوسائل 23:349 أبواب الصيد ب 9 ح 2.
4- الكافي 6:9/204،التهذيب 9:94/24،الوسائل 23:348 أبواب الصيد ب 9 ح 1.
5- حكاه عنه في التنقيح الرائع 4:5.
6- انظر الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 6.
7- التهذيب 9:28،29.

و خيرها أوسطها؛ لما مضى من الصحيح المتضمّن بعد السؤال عن الفهد:أ ليس بمنزلة الكلب لقوله عليه السلام:«ليس شيء مكلّب الّا الكلب» .و به يظهر الجواب عن عموم الآية،مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة، و خصوص الصحيح في تفسيرها:هي الكلاب خاصّة (1).و عن حجّة الشيخ المتقدّمة بكون الفهد داخلاً في الآية،لكونه كلباً لغةً.

هذا مع أنّ كونه كلباً لغةً محل مناقشة،فقد ذكر في صحاح اللغة:أنّ الكلب معروف،و هو النابح (2).و لا يعارضه ما في القاموس:أنّه كل سبع عقور (3)؛ لمرجوحية كلامه عند التعارض مع الجوهري،مع أنّه قال بعد ذلك:و غلب على هذا النابح.و لعلّه يدل على كونه منقولاً لغوياً،فتأمّل.

هذا،و لو سلّم كونه حقيقةً فيه لغةً نقول:إنّها معارض بالعرف جدّاً؛ لكون الكلب فيه حقيقةً في النابح خاصةً،لوجود أماراتها فيه،و أمارة المجاز في غيره جدّاً،و هو مقدّم عليها كما مضى مراراً.

و أمّا ما دلّ على حلّ البزاة و الصقور من الصحاح و غيرها (4)،فحمله على التقية متعيّن،لمنافاته الصحاح السابقة،و للصحيح:«كان أبي يفتي، و كان يتّقي،و كنّا نحن نفتي و نخاف في صيد البزاة و الصقور،فأمّا الآن فإنّا لا نخاف،و لا يحلّ صيدها إلّا أن يدرك ذكاته،فإنّه لفي كتاب علي عليه السلام إنّ اللّه تعالى قال ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ [1] فسمّى الكلاب» (5).

ص:258


1- الكافي 6:1/202،التهذيب 9:8/22،الوسائل 23:331 أبواب الصيد ب 1 ح 1.
2- الصحاح 1:213.
3- القاموس 1:130.
4- انظر الوسائل 23:353 أبواب الصيد ب 9 الأحاديث 16،17،18.
5- الكافي 6:1/207،التهذيب 9:130/32،الإستبصار 4:266/72،الوسائل 23:349 أبواب الصيد ب 9 ح 3.

و في خبر آخر:«كان أبي يفتي في زمن بني أُميّة:أنّ ما قتل الباز و الصقر فهو حلال و كان يتّقيهم،و أنا لا أتّقيهم،فهو حرام ما قتل» (1).

هذا،و بالجملة لا ريب في حرمة صيد ما عدا الكلب المعلّم مطلقاً إلّا أن يدرك حيّاً و يذكّى و غاية ما يحصل به إدراك ذكاته بأن يجده و رجله تركض أو عينه تطرف.و ضابطه حركة الحياة و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تمام الكلام في المقام في المسألة الرابعة من مسائل الأحكام (2).

و ما ذكره الماتن هنا مناف لما اختاره ثمة من اعتبار استقرار الحياة، إلّا أن يفسّر بما هنا كما عن ابن حمزة (3)،لكنّه خلاف ظاهر الأكثر كما سيظهر.بل في المختلف و التنقيح عن المبسوط (4)تفسيره ببقاء الحياة يوماً أو بعض يوم.

و يشترط في الكلب أن يكون معلّماً بحيث يسترسل و ينطلق إذا أُغري و أُرسل و ينزجر و يقف عن الاسترسال إذا زجر عنه، و ألّا يعتاد أكل صيده بلا خلاف في الشرطين الأوّلين و إن اختلفوا في إطلاق الثاني،كما في ظاهر العبارة و عن الأكثر (5)،أو اختصاصه بما إذا لم يكن بعد إرساله

ص:259


1- الكافي 6:8/208،التهذيب 9:129/32،الإستبصار 4:265/72،الوسائل 23:352 أبواب الصيد ب 9 ح 12.
2- في ص 288.
3- الوسيلة:356.
4- المختلف:676،التنقيح 4:7.
5- المسالك 2:218،و كشف اللثام 2:252.

على الصيد،كما اختاره الشهيدان و غيرهما (1)تبعاً للفاضل في التحرير (2).

و ليس ببعيد؛ لدلالة العرف عليه و هو الأصل في إثبات هذه الشروط،لعدم دليل عليه سواه بعد الإجماع.

و على الأظهر في الثالث،و هو الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر، و في الانتصار و الخلاف و ظاهر المختلف و كنز العرفان الإجماع عليه (3)، و على أنّه لا عبرة ب الأكل على سبيل الندرة كما صرّح به أرباب هذا القول كافّة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما استدل به ناقله الأوّل حيث قال بعده:لأنّ أكل الكلب من الصيد إذا تردّد و تكّرر دلّ على أنّه غير معلّم،و التعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف،و بدلالة قوله تعالى وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ [1] (4)و إذا تتابع أكل الكلب من الصيد دلّ على أنّه غير معلّم، فلا يحلّ أكل صيده،و لأنّه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكاً على صاحبه بل يكون ممسكاً على نفسه.

و قول المخالف لنا إنّ الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلّماً، ليس بشيء؛ لأنّ الأكل إذا شذّ به و ندر لم يخرج به عن أن يكون معلّماً، أ لا ترى أنّ العاقل منّا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به و محسن له على سبيل الندرة من صياغة و كتابة و غيرهما،و لا يخرج عن كونه عالماً؟!فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحقّ.انتهى (5).

ص:260


1- الشهيدان في الدروس 2:393،و المسالك 2:218؛ و انظر المفاتيح 2:210.
2- التحرير 2:154.
3- الانتصار:182،الخلاف 2:515،المختلف:675،كنز العرفان 2:309.
4- المائدة:4.
5- الانتصار:185.

هذا،مع أنّ فيه جمعاً بين الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الدالّة على عدم البأس بأكل ما أكله الكلب على الإطلاق (1)،و المعتبرة المستفيضة الدالة على النهي عنه كذلك (2)،بحمل الأوّلة على صورة الندرة، و الثانية على صورة التساوي أو الغلبة.و ربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة؛ لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المرسل بل على نفسه.

ففي صحاحها:«إذا أكل فلم يمسك عليك،إنّما أمسك على نفسه» (3).

و في بعضها:«إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل،فإنّه أمسكه على نفسه» (4)فتدبر و تأمّل.

خلافاً للصدوقين (5)و جماعة (6)،فقالوا:إنّ عدم الأكل ليس بشرط؛ للصحاح الأوّلة.و في قولهم اطراح للنصوص الأخيرة.

و الذبّ عنه بحملها على التقيّة،كما يظهر من الصحيح:قلت:إنّهم يقولون:إذا أكل منه فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكل،قال:«كل،أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟» قال:قلت:بلى،قال:«فما يقولون في شاة ذبحها رجل،أذكاها؟» قال:قلت:نعم،قال:«فإنّ السبع جاء بعد ما

ص:261


1- الوسائل 23:333 أبواب الصيد ب 2.
2- الوسائل 23:337 338 أبواب الصيد ب 2 الأحاديث 16،17،18.
3- التهذيب 9:111/27،الإستبصار 4:252/69،الوسائل 23:338 أبواب الصيد ب 2 ح 17.
4- التهذيب 9:113/28،الوسائل 23:338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.
5- الصدوق في المقنع:138،و حكاه عن والده في المختلف:689.
6- منهم:ابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف:689،و السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:211.

ذكّي فأكل بعضها،أ يؤكل البقية؟»[قلت:نعم،قال:]«فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم:كيف تقولون:إذا ذكّى هذا و أكل منها لم تأكلوا منها،و إذا ذكّى هذا و أكل أكلتم» (1).

مدفوع بأنّ في بعضها ما ينافي حمله و هو حصر المنع عن أكل ما قتله الفهد.

ففي الموثق كالصحيح بل ربّما عدّ من الصحيح:«لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب[منه]فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه» قال:و سألته عن صيد الفهد و هو معلّم للصيد،فقال:

«إن أدركته حيّاً فذكّه و كُلْه،و إن قتله فلا تأكل منه» (2).

و هو مناف للحمل المزبور؛ لتحليلهم ما فيه منع عنه.

و للإسكافي،ففرّق بين أكله منه قبل موت الصيد و بعده (3)،و جعل الأوّل قادحاً في التعليم دون الثاني.و هذا أضعف من سابقه؛ لأنّ فيه إمّا اطراحاً لجميع النصوص حيث لم يقل بإطلاق شيء من قسميها،أو جمعاً بينهما بما لا وجه له و لا شاهد عليه أصلاً،فلا يمكن أن يكون به مفتياً.

و ليس كذلك الجمع الذي اخترناه؛ لوضوح الشاهد عليه من الإجماع المنقول (4)المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.و بها يمكن ترجيح هذا الجمع و لو فرض فقد

ص:262


1- الكافي 6:6/203،التهذيب 9:91/23،الإستبصار 4:253/69،الوسائل 23:333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.
2- التهذيب 9:110/27،الإستبصار 4:251/69،الوسائل 23:337 أبواب الصيد ب 2 ح 16.
3- كما حكاه عنه في المختلف:675.
4- المتقدّم في ص 258.

الإجماع المنقول،لأنّها من أعظم المرجّحات الاجتهادية.هذا مضافاً إلى حجّة المرتضى بعده المتقدّمة (1).و بالجملة:لا ريب عند الأحقر فيما ذهب إليه الأكثر.

و اعلم أنّ هذه الأُمور لا بُدّ من تكرّرها مرّةً بعد مرة أُخرى،ليغلب على الظنّ تأدّب الكلب بها،فيصدق عليه في العرف كونه مكلّباً.و الأولى أن لا يقدّر المرّات بعدد كما فعله جماعة (2)،بل يرجع إلى العرف و أهل الخبرة.

و اعلم أنَّ استعمال آلة الصيد حيواناً كانت أو جماداً نوع من التذكية،فيشترط فيه ما يشترط فيها،بلا خلاف أجده؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة المتقدّمة،مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً و سنةً بحلّ ما اجتمعت فيه شروط التذكية.

و إطلاق بعضها غير شامل لما عداه؛ لوروده لبيان حكم آخر غيرها، فلا يكون حجّة.هذا،مع أنّ الحجّة على اعتبار كلّ من الشرائط الآتية بالخصوص قائمة.

ف

يعتبر في المرسل أن يكون مسلماً،أو بحكمه قاصدا مسميا

يعتبر في المرسل للكلب و ما في حكمه أن يكون مسلماً،أو بحكمه كولده المميّز الغير البالغ ذكراً كان أو أُنثى.فلو أرسل الكافر لم يحلّ و إن سمّى أو كان ذميّاً،على الأقوى،بل عليه في الانتصار إجماعنا (3)؛ لما مضى،مضافاً إلى ما سيأتي في الذبيحة.و كذا الناصب من

ص:263


1- في ص 258.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:218،و السبزواري في الكفاية:245،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:211.
3- الانتصار:189.

المسلمين و المجسّمة،أمّا غيرهما من المخالفين ففي حلّ صيده الخلاف الآتي ثمّة.

و لا يحلّ صيد الصبي غير المميّز و لا المجنون؛ لاشتراط القصد الممتنع عنهما كما يأتي،مضافاً إلى الأصل الماضي.و مقتضاه و إن كان حرمة صيد المميّز أيضاً،إلّا أنّه خارج بالإجماع ظاهراً،و بما سيأتي في الذبيحة من النصّ و الفتوى المبيحين لذبيحته،فيدلان على إباحة صيده بطريق أولى،لأنّه يغتفر في الصيد ما لا يغتفر فيها.مع أنّه في حكمها كما مضى.

و أمّا الأعمى فإن تصوّر فيه قصد الصيد المشترط في إباحته حلّ صيده،و إلّا فلا.

و أن يكون مرسلاً و قاصداً بإرساله الصيد فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يرسله،أو أرسله لكن لا بقصد الصيد،كما إذا رمى سهماً إلى هدف فصادف صيداً فقتله،أو أرسله لكن مقصوده ليس محلّلاً كما لو ظنّه خنزيراً فأصاب محلّلاً لم يحلّ،بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع في الأوّل في الخلاف (1).

للخبر:«إذا أرسلت كلبك فكل» (2)حيث قيّد تجويز الأكل بالإرسال، فلا يجزي الاسترسال،و لا مع عدم القصد،لأنّه في قوّته.

قيل:و فيه نظر (3).و لعلّ وجهه إمّا قصور السند.و ليس بوجه؛ لانجباره بالعمل.أو ضعف الدلالة بقوّة احتمال ورود الشرط مورد الغالب،

ص:264


1- الخلاف 6:16.
2- الخلاف 6:17،المستدرك 16:112 أبواب الصيد ب 11 ح 3.
3- المفاتيح 2:212.

فلا عبرة بمفهومه.و هو وجيه،إلّا أنّ الأصل المتقدّم المعتضد بعدم الخلاف دليل في المقامين قويّ.

و ربّما اعتضد بظاهر الخبر:عن كلب أفلت،و لم يرسله صاحبه، فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله،أ يأكل منه؟قال:

«لا» (1).و فيه نظر؛ لاحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية، لا إلى الاسترسال،فلا دلالة فيه على اعتبار الإرسال.بل ربما كان في ذيله ما يشعر بعدم اعتباره و أنّ الوجه في المنع عن الأكل المتقدّم هو ما ذكرناه من الاحتمال،و هو قوله بعد ما مرّ:و قال عليه السلام:«إذا صاد و قد سمّى فليأكل، و إن صاد و لم يسمّ فلا» الخبر.

و لعلّه لذا إنّ في الكفاية بعد مناقشته في الحكم المستند في كلام بعض الأصحاب إلى الرواية التي مرّ إلى النظر فيها الإشارة و تضعيفها، عارضها بهذه الرواية (2).

و فيه مناقشة؛ لابتناء المعارضة على وضوح دلالة هذه الرواية على عدم اعتبار الإرسال.و ليس بواضح؛ لاحتمال أن يكون المراد بالذيل و التتمة الدالّة على جعل المعيار في الإباحة هو التسمية،الكناية عن اعتبارها مع الإرسال المصاحب لها غالباً،سيّما على القول بكون وقتها عنده لا مطلقاً.فتأمّل جدّاً.

و المعتبر قصد الجنس المحلّل لا عينه.فلو أرسل كلبه أو سهمه على

ص:265


1- الكافي 6:16/205،الفقيه 3:914/202،التهذيب 9:100/25،الوسائل 23:356 أبواب الصيد ب 11 ح 1،و للخبر ذيلٌ سيشير إليه المصنف،و أورده في الوسائل 23:356 أبواب الصيد 12 ح 1.
2- الكفاية:245.

صيد معيّن فقتل غيره حلّ؛ لتحقّق القصد،و لصريح الخبر المنجبر قصور سنده بابن محبوب الراوي عن موجبه:عن رجل سمّى و رمى صيداً، فأخطأه و أصاب آخر،فقال:«يأكل منه» (1).

إلّا أنّه يوجد في نسخة مروية في التهذيب:«لا يأكل» لكن النسخة الأُولى مرويّة في الكافي و التهذيب في نسختها الأُخرى،فهي أقوى.

و أنّ يكون مسمّياً عند الإرسال لما مرّ،مضافاً إلى عموم وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ [1] (2)و نحوه من النصوص (3)،و خصوص بعضها.

و في الكلب خاصّة قوله سبحانه فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ [2] (4).و في الصحيح:«من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» (5).

و لا خلاف فتوًى و نصاً في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال.أمّا بينه و بين عضّ الكلب ففيه خلاف.و الأصحّ الإجزاء،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (6)؛ للعمومات سيّما الآية الأخيرة.بل هو أولى بالإجزاء؛ لقربه من وقت التذكية.

ص:266


1- الكافي 6:1/215،التهذيب 9:160/38،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.
2- الأنعام:121.
3- انظر الوسائل 24:أبواب الذبائح ب 27 الأحاديث 18،31،37.
4- المائدة:4.
5- التهذيب 9:109/27،الوسائل 23:358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.
6- الشهيدان في الدروس 2:395،و الروضة 7:99،و المسالك 2:219؛ و انظر الكفاية:245،و المفاتيح 2:209.

و أمّا الصحيح:في الرجل يسرح كلبه المعلّم،و يسمّي إذا سرحه، فقال:«يأكل ممّا أمسك عليه» (1).

فلا دلالة فيه على تعيين وقت الإرسال لذلك؛ لوقوع التخصيص في كلام السائل،و هو لا يخصّص.

خلافاً لظاهر العبارة هنا و في الشرائع و كثير،حيث قيّدوه بعند الإرسال (2).

و وجهه غير واضح سوى الأخذ بالمتيقّن المجمع عليه و الرجوع في غيره إلى الأصل المبرهن عليه فيما سلف.و هو حسن لولا قيام المخصّص له المتقدّم،و به يلحق مورد الشك بالمتيقّن.

و كيف كان فلو كان تركها عمداً لم يؤكل صيده إجماعاً؛ للنهي عنه حينئذٍ المقتضي للتحريم.

و يؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب و لم يذكر قبل الإصابة بلا خلاف؛ للخبرين،في أحدهما:«إذا أرسل كلبه و نسي أن يسمّي،فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي.و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمّي» (3).

و في الثاني:«كل ما أكل الكلب إذا سمّيت عليه،فإن كنت ناسياً فكل

ص:267


1- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.
2- الشرائع 3:200؛ و انظر التحرير 2:154،و التبصرة:163،و الجامع للشرائع:381.
3- الكافي 6:18/206،الفقيه 3:915/202،التهذيب 9:102/25،الوسائل 23:357 أبواب الصيد ب 12 ح 2.

منه أيضاً» (1).

هذا مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الذبيحة بالصحيح و غيره (2)، و هو يستلزم ثبوته هنا بالأولويّة المتقدّم إلى وجهها الإشارة.

و على العمد ينزّل إطلاق النهي عمّا لم يسمّ عليه في الآية و الصحيح:

«من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» (3).

أمّا إذا لم يعتقد الوجوب أو تذكر قبل الإصابة فتركها لم يؤكل؛ لبقاء محل الوجوب بعد في الثاني على المختار،فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال.و كذا على غيره،كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني،حيث حصر محل الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال،و أمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محل الخلاف،بل قطع به في المسالك و الروضة مشعراً بدعوى الإجماع عليه (4)،و هو الحجّة فيه مطلقاً كأصالة الحرمة.

و اختصاص أدلّة الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها لا غيره،في الأوّل.

و هذا القيد و إن لم يذكره الماتن في الشرائع و لا غيره (5)عدا الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و القاضي (6)إلّا أنّ الظاهر بحكم ما مرّ من

ص:268


1- الكافي 6:13/205،التهذيب 9:97/24،الإستبصار 4:245/68،الوسائل 23:358 أبواب الصيد ب 12 ح 4.
2- انظر الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15.
3- تقدّم مصدره في ص 264 الرقم(5).
4- المسالك 2:219،الروضة 7:200.
5- الشرائع 3:200،و الجامع للشرائع:383.
6- النهاية:581،السرائر 3:83،القاضي في المهذّب 2:438.

التبادر إرادته،و أنّ تركه حوالة إلى الظهور من الخارج.فما يظهر من التنقيح من التردّد في اعتباره حيث حكم بأنّه أحوط (1)غير ظاهر الوجه.

و لو تركها جهلاً بوجوبها ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان:من أنّه عامد،و من أنّ الناس في سعة ممّا لم يعلموا.و هو كما ترى.بل الأوّل أقوى؛ لقوّة دليله مع اعتضاده بأصالة الحرمة مع عدم التسمية،خرج منها صورة النسيان بما مرّ من الأدلة،و يكون ما عداها تحتها مندرجاً.و إلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة،سيّما مع وجود الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعدّدة.

و ذكر جماعة من الأصحاب (2)من غير خلاف يعرف:أنّ من الشرائط أن يحصل موته بالسبب الجامع للشرائط التي من جملتها الإرسال و التسمية و قصد الصيد وحده،ف لو أرسل واحد كلبه و لم يسمّ و سمّى غيره لم يؤكل صيده إلّا أن يذكّيه و أولى منه إذا أرسل واحد و قصد آخر و سمّى ثالث.

و الأصل فيه بعد الأصل المتقدّم مع اختصاص أدلّة الإباحة بحكم التبادر بذلك الخبران،و في أحدهما:عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد،فيكون الكلب لرجل منهم،و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمّي غيره،أ يجزي ذلك؟قال:«لا يسمّي إلّا صاحبه الذي أرسل الكلب» (3).

و في الثاني:«لا يجزي أن يسميّ إلّا الذي أرسل الكلب» (4).

ص:269


1- التنقيح الرائع 4:9.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:219،و السبزواري في الكفاية:245،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:253.
3- التهذيب 9:103/26،الوسائل 23:359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.
4- التهذيب 9:104/26،الوسائل 23:359 أبواب الصيد ب 13 ح 2.

و قصورهما بحسب السند منجبر بالعمل و الأصل.مع أنّ أولهما قد وصف بالصحة في المسالك و غيره (1).و لكن وجهه غير واضح،فإنّي لم أقف عليه بعد التتبّع إلّا في التهذيب،و في سنده محمّد بن موسى المشترك أو الضعيف،و أحمد بن حمزة و محمّد بن خالد المشتركان،و لذا لم يصفه المقدس الأردبيلي بالصّحة بل أشار إليه بلفظ الرواية (2).

و يشترط أيضاً العلم،قيل:أو الظنّ الغالب (3)باستناد موته إلى السبب المحلّل،فلو سمّى و أرسل كلبه،فأرسل آخر كلبه و لم يسمّ،أو لم يكن كلبه معلّماً،و اشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحلّ؛ لأصالة الحرمة، و المعتبرة:

ففي الصحيح:«و إن وجد معه كلباً غير معلَّم فلا يأكل منه» الخبر (4).

و في الخبر:عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة كلّها،و قد سمّوا عليها كلّها،فلمّا مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً،فاشتركن جميعاً،فقال:«لا تأكل منه،لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» (5).

و يستفاد من مفهوم التعليل حلّ الصيد بتعدّد الآلة،فلو اشترك في قتله كلبان معلّمان سُمي عند إرسالهما حلّ.و يعضده الإطلاقات.فتأمّل.

ص:270


1- المسالك 2:219؛ و انظر الكفاية:245.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:20.
3- قال به السبزواري في الكفاية:245،و الكاشاني في المفاتيح 2:213.
4- الكافي 6:4/203،التهذيب 9:106/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.
5- الكافي 6:19/206،التهذيب 9:105/26،الوسائل 23:343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.

يعتبر أن لا يغيب عنه

و يعتبر أن لا يغيب ما صاده الكلب عنه أي عن المرسل فلو غاب و حياته مستقرّة بأن يمكن أن يعيش و لو نصف يوم ثم وجد مقتولاً أو ميّتاً لم يؤكل،و كذا ما صاده السهم و نحوه،بلا خلاف؛ للصحاح المستفيضة و غيرها.

في اثنين منها:عن الرميَّة يجدها صاحبها،أ يأكلها؟قال:«إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» (1).

و نحوهما الموثق بزيادة«و إلّا فلا يأكل منه» (2).

و منها:صيد وجد فيه سهم،و هو ميّت لا يدري من قتله،قال:

«لا تطعمه» (3).

و منها:«من جرح صيداً بسلاح،و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه،ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع،و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» (4).

و نحوها غيرها من المعتبرة،كالخبر المنجبر قصور سنده بصفوان المجمع على تصحيح رواياته:«إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم

ص:271


1- ورد أحدهما في:الكافي 6:7/210،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 1. و الآخر في:الكافي 6:3/210،الفقيه 3:917/202،التهذيب 9:135/34،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.
2- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
3- الكافي 6:8/211،الفقيه 3:929/204،التهذيب 9:141/35،الوسائل 23:368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.
4- الكافي 6:2/210،الفقيه 3:930/204،التهذيب 9:138/34،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل،غاب عنك أو لم يغب عنك» (1).

و قريب منه النبوي (2).

و في النبوي الآخر:«كل ما أصميت» أي قتلته بين يديك و أنت تراه «و دَعْ ما أنميت» (3)أي غاب عنك فلا تدري مات بسهمك أو كلبك أم بشيء عرض له.

و يستفاد منها منطوقاً في بعض و مفهوماً في آخر اختصاص الحرمة مع الغيبة ب ما إذا لم يعلم أنّه أي ما أرسل من الآلة القاتل له أم غيره،و أنّه لو علم حصول القتل به حلّ،كما يحلّ لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرّة بجرحه،بأن أخرج حشوه أو فتق قلبه أو قطع حلقومه، بلا خلاف إلّا من الشيخ في النهاية حيث أطلق الحرمة مع الغيبة (4).

و ناقشه الحلّي بأنّه خلاف مقتضى الأدلّة (5)،و ردّه في المختلف فقال:و هذه المؤاخذة ليست بجيّدة؛ لأنّ قصد الشيخ رحمه الله ما ذكره في الخلاف،لظهوره (6).

و على هذه الصورة يحمل إطلاق بعض النصوص الدالّة على الحلّية مع الغيبة.

و فيه:أرمي بسهمي،و لا أدري أ سمّيت أم لم اسمّ،فقال:«كُلْ

ص:272


1- الكافي 6:10/211،التهذيب 9:139/34،الوسائل 23:367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.
2- سنن البيهقي 9:242 بتفاوت يسير.
3- سنن البيهقي 9:241 بتفاوت يسير.
4- النهاية:581.
5- السرائر 3:93.
6- المختلف:674.

لا بأس» قال:قلت:أرمي و يغيب عنّي و أجد سهمي فيه،فقال:«كل ما لم يؤكل منه،و إن كان قد أُكل منه فلا تأكل منه» (1).

و في الذيل إشعار،ما بالحمل،فتأمّل.

يجوز الاصطياد بالشركة و الحبالة و غيرهما من الآلة

و يجوز الاصطياد بالمعنى الأوّل و هو مجرّد إثبات اليد،كما يستفاد من ذيل العبارة و ما مرّ إليه الإشارة، ب كلّ ما يتوسّل إليه ك الشركة و الحبالة و غيرهما من الآلة الجمادية و بالجوارح غير الكلاب المعلّمة.

لكن لا يحلّ منه أي من الصيد المدلول عليه بالعبارة إلّا ما ذكّي بالشرائط المعتبرة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و النصوص به مع ذلك في الحبالة مستفيضة.

في جملة منها،و فيها الصحيح و غيره:«ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميّت،و ما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه ثمّ كل منه» (2).

و في بعضها:«ما أخذت الحبائل فانقطع منه شيء أو مات فهو ميت» (3).

هذا مضافاً إلى أصالة الحرمة،مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً و سنة بحلّ ما صيد بغير الآلات المزبورة.و منها يظهر حرمة مقتول الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأزمنة.

خلافاً للكفاية،فأحلّه بعد التردّد،قال:لعموم أدلّة الحلّ،و دخوله

ص:273


1- الكافي 6:5/210،الفقيه 3:919/203،التهذيب 9:134/33،الوسائل 23:377 أبواب الصيد ب 25 ح 1.
2- الكافي 6:2/214،الفقيه 3:918/202،التهذيب 9:155/37،الوسائل 23:376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.
3- الكافي 6:4/214،الوسائل 23:377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

تحت عموم قول أبي جعفر عليه السلام:«من قتل صيداً بسلاح» (1)الحديث.

و أخبار البندقة (2)مصروفة إلى المعروف في تلك الأزمنة (3).

و المناقشة فيهما واضحة؛ لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قُبيل المسألة،بل بأكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية.و هي من قبيل الأحكام الشرعية تتوقف على الثبوت آلةً و كيفيةً.

مع معارضته بعمومات تحريم الميتة الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه و المذبوح بكلّ آلة،خرج منها الآلة المعتبرة،و بقي ما عداها و منه مفروض المسألة تحتها مندرجة.

و دعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكى بكلّ آلة،مردودة بأنّ التذكية حكم من الأحكام الشرعية المستحدثة،فلا يتصور توقف صدق اللفظ على معنى فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة.

و منع عموم (4)السلاح،فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغةً،و إنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد متبادرة،و لا ريب أن المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنكة من نحو السيف و الرمح و السهم،سيّما مع كونها من الآلات المستحدثة في قريب هذه الأزمنة،كما اعترف به في سابق ما نقلناه عنه من العبارة،فكيف ينصرف إليها الإطلاق مع كونها بهذه المثابة؟!

ص:274


1- تقدّم في 269،و لفظه:«مَنْ جرح صيداً بسلاح..»
2- الوسائل 23:373 أبواب الصيد ب 23.
3- الكفاية:245.
4- هذه الكلمة معطوفة على كلمة«ضعف العموم» المتقدمة آنفاً.

يعتبر في الصيد أن يكون ممتنعاً

و الصيد الذي يحلّ بقتل الكلب له،أو الآلة المعتبرة في غير موضع الذكاة هو كلّ ما كان ممتنعاً وحشياً كان أو إنسياً توحّش،و كذا ما يصول من البهائم،أو يتردّى في بئر و شبهها و يتعذّر ذبحه أو نحره،فإنه يكفي العقر في استباحتها،و لا يختصّ حينئذٍ بموضع من جسدها كما يأتي.و لا خلاف في شيء من ذلك بيننا كما حكاه جماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص الآتية في الأخير.لكن ليس فيها التعميم في الحيوان و الآلة،و العرف و اللغة في الوحشي الممتنع،إذ لا فرد للصيد أظهر منه،فيدخل تحت عموم ما دلّ على حلّه بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية.

و أمّا الإنسيّ المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقةً مناقشة، و الأصل يقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية.لكنّ الإجماع و النصوص المزبورة في المتردّي ألحقاه بالصيد و إن اختلفا في الإلحاق كلّاً حتى في حلّ مقتوله بالكلب و نحوه كما يظهر من الأوّل،أو في الجملة كما يظهر من الثاني.

و أمّا أنّ غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف و اللغة،فيندرج تحت عموم ما دلّ على توقّف حلّ الحيوان على التذكية.مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية في لزوم التذكية لحلّ الصيد بعد أن أدرك و فيه حياة مستقرة،و ليس ذلك إلّا لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه.

فإذا ثبت انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة و صدق الصيد عليه حقيقةً عرفاً و لغةً،فثبوته عمّا ليس بممتنع بالأصل أولى.مع أنّ كون مثله

ص:275


1- منهم السبزواري في الكفاية:245،246.

صيداً يستلزم عدم وجود ما يحكم في حلّه بالتذكية بالذبح و النحر أصلاً و هو فاسد قطعاً،و النصوص بخلافه متواترة جدّاً.

فلو قتل بالسهم فرخاً،أو قتل الكلب طفلاً غير ممتنع لم يحلّ.

و لو رمى طائراً فقتله و فرخاً لم يطر بعدُ حلّ الطائر لامتناعه دون فرخه لعدمه.

و يلحق بالمقام

مسائل من أحكام الصيد

اشارة

مسائل من أحكام الصيد

الاُولى لو تقاطعته الكلاب قبل إدراكه،حلّ

الاُولى: لو تقاطعته الكلاب أو السيوف مع اجتماع الشرائط التي منها التسمية على كل منها قبل إدراكه،حلّ بلا خلاف ظاهر؛ لوجود شرط الحلّ و انتفاء المانع،إذ ليس إلّا تعدّد الآلة،و هو لا يصلح للمانعيّة، لما مرّ إليه الإشارة في شرح قول الماتن:لو أرسل كلبه و سمّى غيره،من مفهوم التعليل المؤيّد بإطلاقات أدلّة الإباحة (1).

و في المسالك:لا فرق بين تقاطعهم إيّاه و حياته مستقرة و عدمه، بخلاف ما لو تقاطعه الصائدون،فإنّ حلّه مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم المذبوح.و الفرق:أنّ ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا بدونها،فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقرّ الحياة صار حلّه متوقفاً على الذبح فلا يحلّ بدونه،بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه،فإنّ اعتبار ذبحه ساقط (2).

أقول:ما ذكره من الفرق بين تقاطع الكلاب و الصائدين هو المشهور

ص:276


1- راجع ص:269.
2- المسالك 2:221.

بين الأصحاب وفاقاً للحلّي (1)،أخذاً بالقاعدة.

خلافاً للنهاية،فسوّى بينهما و جعل الثاني كالأوّل (2)؛ للمعتبرين.

أحدهما الصحيح في الكافي،و المرسل في الفقيه:في إيّل (3)اصطاده رجل،فقطّعه الناس و الرجل يتبعه،أ فتراه نهبة؟فقال عليه السلام:«ليس بنهبة، و ليس به بأس» (4).

كذا في الكافي و التهذيب لكن بدل يتبعه:يمنعه.و في الفقيه بعد الناس:و الذي اصطاده يمنعه،ففيه نهي؟فقال:«ليس فيه نهي،و ليس به بأس» (5).

و ثانيهما:الموثق كالصحيح بأبان:عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه، فيبتدره القوم فيقطّعونه؟فقال:«كله» (6).

و هما مع اعتبار السند قاصران عن المكافأة؛ لأصالة الحرمة،و الأدلّة الدالّة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة،و هي كثيرة معتضدة مع ذلك بالشهرة.

مع قصورهما عن صراحة الدلالة؛ لاحتمال حمل الأوّل على أنّه

ص:277


1- السرائر 3:96.
2- النهاية:581.
3- الأيِّل:بفتح الهمزة و كسرها و الياء مشدّدة مكسورة،و الجمع إيَّل و أُئَّل و أيايل:الذَّكَر من الأوْعال؛ و إنّما سُمِّي بهذا الاسم لأنّه يؤول إلى الجبال فيتحصّن فيها.العين 8:358،تهذيب اللغة 15:441،لسان العرب 11:35 36.
4- الكافي 6:2/210،التهذيب 9:138/34،الوسائل 23:364 أبواب الصيد ب 17 ح 2.
5- الفقيه 3:930/204،الوسائل 23:365 أبواب الصيد ب 17 ح 4.
6- الكافي 6:9/211،الفقيه 3:931/204،الوسائل 23:364 أبواب الصيد ب 17 ح 3.

لو لم يصر بالأوّل مثبتاً غير ممتنع فلا يكون نهبة و لا فيه نهي،بل يكونون فيه شركاء و لا يضرّ منع الأوّل.و الثاني عليه أيضاً و لو على بُعد،أو على أنّ التقطيع بعد الموت أو قبله بعد عدم استقرار الحياة على القول بأنّه بعد ذلك لا يضرّ تقطيعه.أو حمل التقطيع فيه على الذبح و إن بَعُد.و على التقادير يكون غرض السائل مجرّد الحلّ إمّا على الأوّل أو الجميع مع إذن الأوّل.

و يمكن حمل الخبر الأوّل على الاحتمالات أيضاً.

الثانية لو رماه بسهم فتردّى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحلّ

الثانية: لو رماه بسهم و نحوه فتردّى من جبل،أو وقع في ماء فمات موتاً يحتمل استناده إلى كلّ منهما لم يحلّ إجماعاً في الجملة؛ لما مرّ إليه الإشارة من اشتراط تيقّن استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة،و حرمة ما استند موته إلى غيره أو إليهما معاً.و ليس من الصورة الأُولى مفروض المسألة.و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح:عن رجل رمى صيداً،و هو على جبل أو حائط، فخرق فيه السهم فيموت،فقال:«كُلْ منه،فإن وقع في الماء من رميتك فمات،فلا تأكل» (1).

و نحوه الموثقان (2)و غيرهما (3).

و الخبر:«لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات» (4).

ص:278


1- التهذيب 9:159/38،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ح 1.
2- الأوّل في:الكافي 6:2/215،التهذيب 9:158/38،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ذيل ح 2.الثاني في:الكافي 6:/215 ذيل.ح 2،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ذيل الحديث 2.
3- الفقيه 3:934/205،الوسائل 23:379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.
4- الكافي 6:1/215،التهذيب 9:157/37،الوسائل 23:378 أبواب الصيد ب 26 ح 2.

و إطلاقها سيّما الأخيرة يشمل صورة القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة و عدمه مطلقاً قطع باستناده إلى غيرها أم لا،و بمضمونها عبّر في النهاية (1).

و لذا جُعلت المسألة خلافية و نسب التقييد بما في العبارة من أنّه ينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة قبل التردّي و الوقوع في عدم الحلّ بحيث لولاه قبلهما بأن قطع مريئه أو حلقومه أو شقّ بطنه أو فتق قلبه حلّ، إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة،وفاقاً للإسكافي و المبسوط و الحلّي (2).

لكن يظهر من المختلف (3)عدم الخلاف من النهاية،و أنّ مراده من إطلاق عبارتها ما فصّله في كتابه الآخر.و هو غير بعيد؛ لوروده كإطلاق النصوص مورد الغالب،و هو ما عدا الصورة الأُولى بالضرورة،فإنّها من الأفراد النادرة.هذا مع تعليله الحرمة بأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء،أو من وقوعه من الجبل.و هو كما ترى ظاهر في الحلّ مع الأمن من استناد الموت إلى السبب المحرّم.

هذا مع أنّ قوله في المبسوط يدلّ على رجوعه عمّا اختاره في النهاية على تقديره،فلا يقدح في تحقّق الإجماع و انعقاده.

كما لا يقدح فيه مخالفة الصدوقين (4)بتفصيلهما في المتردّي في الماء بين خروج رأسه عنه فيحلّ،و دخوله فيه فيحرم،التفاتاً منهما إلى المرسل في الفقيه:«فإن رميته و أصابه سهمك،و وقع في الماء[فمات ]

ص:279


1- النهاية:581.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:674،المبسوط 6:272،الحلّي في السرائر 3:94.
3- المختلف:674.
4- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن والده في المختلف:690.

فكله إذا كان رأسه خارجاً من الماء،و إن كان رأسه في الماء فلا تأكله» (1)إمّا لمعلوميّة نسبهما المانعة عن تحقّق القدح في انعقاد الإجماع،سيّما مع ضعف مستندهما بالإرسال،مع احتمال كونه من كلام ثانيهما لا خبراً.

أو لإرجاع تفصيلهما إلى ما فصّله باقي أصحابنا (2)من حصول القطع باستناد الموت إلى السبب المحلّل و غيره،بحمل الأوّل من شقّي تفصيلهما على الأوّل بجعله أمارة عليه،و الثاني على الثاني لفقد تلك الأمارة.و لذا صوّبهما الفاضل و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (3)،لكنّه لا يخلو عن مناقشة ما.و اعلم:أنّ قول الماتن هنا مشعر بل ظاهر في اختصاص الاشتراط بالمقام،و عدمه في غيره.و ليس بواضح؛ لاعتباره استقرار الحياة في الحرمة في كلّ موضع يشابه مفروض المسألة من عدم القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة،و منه ما مرّ في اشتراط عدم الغيبة في الحلّية (4).و جعل فائدة هذا القيد في التنقيح التنبيه على أنّه من خصائصه،و لذا اعترضه بظهور القيد من غيره (5).و فيه نظر؟ .

الثالثة لو قطعه السيف اثنين فلم يتحرّكا حلّا

الثالثة: لو قطعه السيف اثنين فلم يتحرّكا أو تحرّكا حركة المذبوح حلّا بلا خلاف،كما عن السرائر و المبسوط و الخلاف (6)، لكنّهم لم يقيّدوه بأحد القيدين،إلّا أنّ الظاهر إرادتهم إيّاه بناءً على الغالب

ص:280


1- الفقيه 3:934/205،الوسائل 23:379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.
2- كما في المختلف:690.
3- الفاضل في المختلف:674،الشهيد الثاني في المسالك 2:221،و انظر الدروس 2:398،و التنقيح 4:11.
4- راجع ص 269.
5- التنقيح 4:11.
6- السرائر 3:95،المبسوط 6:261،الخلاف 6:18.

في القدّ نصفين من عدم بقاء استقرار الحياة،مع أنّهم صرّحوا بكون مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة،حيث فسّروا عدمه بأن يقطع مريئه أو حلقومه أو يفتق قلبه أو يشقّ بطنه.

فلا خلاف في الحقيقة،و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم أدلّة إباحة ما قتلته الآلة،و خصوص الخبرين.

في أحدهما:الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين،قال:«يأكلهما جميعاً،فإن ضربه و بان منه عضو،لم يأكل منه ما أبانه و أكل سائره» (1).

و في الثاني:عن الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف،فيقدّان، قال:«لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين،فإن تحرّك أحدهما فلا تأكل الآخر،لأنّه ميّت» (2).

و يظهر من التعليل كون المراد من الحياة المنفيّة و المثبتة،الحياة المستقرّة لا مطلقاً.و به يقيّد الخبر الأوّل حيث أطلق فيه الحلّ مع القدّ نصفين من دون اشتراط عدم استقرار الحياة،مضافاً إلى وروده مورد الغالب المتحقّق فيه الشرط كما مرّ.

و ليس في إطلاقهما كباقي الأدلّة اعتبار خروج الدم بالكلّية.خلافا للنهاية و القاضي و ابن حمزة (3)،فاعتبروه في الحلّية،بل صرّح الأخيران مع عدمه بالحرمة.و حجّتهم عليه غير واضحة و إن نفى عنه البأس في التنقيح (4).لكن ثمرة النزاع سهلة؛ لندرة عدم خروج الدم مع القدّ نصفين بالضرورة،بل لعلّه من المحالات العادية.

ص:281


1- الكافي 6:7/255،الوسائل 23:386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.
2- الكافي 6:6/255،التهذيب 9:326/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.
3- النهاية:581،القاضي في المهذّب 2:436،ابن حمزة في الوسيلة:357.
4- التنقيح الرائع 4:12.

و لو تحرّك أحدهما فهو الحلال إن كانت حياته مستقرّة لكن بعد التذكية و حرّم الآخر؛ لأنّه قطعة من الحيّ مبانة،شهد بتحريمه الأُصول و الرواية الثانية المتقدمة،و الرواية النبوية:«ما أُبين من حيّ فهو ميّت» (1).

و يعضده ما ورد في الصيد بالحبالة من المعتبرة (2).

و اعتبار التذكية هو المشهور،بل عليه المتأخرون كافّة.خلافاً للكتب الثلاثة المتقدّمة،حيث أطلقوا فيها حلّ المتحرّك من دون اعتبارها،بل إنّما اعتبر في الأخيرين خروج الدم خاصّة،بل و صرّح ثانيهما بالتحريم من دونه،و يأتي عليهما ما مرّ من عدم موافقة الإطلاق للقواعد إلّا أن يحمل عليها بإرادتهم القيد و إحالتهم اعتباره إلى الظهور من الخارج،أو إرادتهم من الحركة حركة المذبوح خاصّةً،و لذا أُطلق الحركة فيها و لم يقيّد باستقرار الحياة كما في العبارة.و يعضده الورود مورد الغلبة و تفسيرهم المتقدّم إليهما الإشارة (3).فلا خلاف أيضاً في المسألة و لو لم يكن حياة المتحرّك مسستقرّةً حلّا أي النصفان معاً مطلقاً،كان ما فيه الرأس أكبر أم لا،وفاقاً للحلّي (4)و المتأخّرين كافّة؛ أخذاً بالأدلّة المتقدّمة التي منها إطلاق الصحيحة،بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما برهن في محلّه-:عن الصيد يضربه الرجل بالسيف،أو يطعنه برمح،أو يرميه بسهم فيقتله،و قد سمّى حين فعل ذلك،قال:«كُلْ، لا بأس» (5).

ص:282


1- المغني لابن قدامة 11:24،25.
2- الوسائل 23:376 أبواب الصيد ب 24.
3- في«ح» و«ر» زيادة:مع تفسيرهم عدمه بمثله.
4- السرائر 3:95.
5- الكافي 6:6/210،الفقيه 3:920/203،التهذيب 9:133/33،الوسائل 23:362 أبواب الصيد ب 16 ح 3.

خلافاً للكتب الثلاثة حيث حكموا في غير المتحرّك بالحرمة مطلقاً و لو لم يكن حياة المتحرّك مستقرّة،بل كلماتهم في هذه الصورة دون غيرها ظاهرة بمعونة ما قدّمناه من التفسير و الورود مورد الغلبة.

و لعلّ حجّتهم الرواية الثانية من الروايتين المتقّدم إلى ذكرهما الإشارة.و هي بحسب السند قاصرة من وجوه عديدة،غير مكافئة لما مرّ من الأدلة،سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون الآن إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،فلتكن مطرحة أو محمولة على ما إذا كانت حياة المتحرّك مستقرةً و إن كان بعيداً بمقتضى ما مرّ من التغير و الغلبة.

نعم،لما ذكروه وجه إن لم نعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد مطلقاً،بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما،كطرف العين و ركض الرجل و نحوهما.أو اعتبرناه و لكن فسّرناه بأحد الأُمور المذكورة،كما قدّمناه عن ابن حمزة (1)؛ و سيأتي إليه و إلى تمام التحقيق الإشارة.و ذلك أنّ المتحرّك على هذا في حكم الحي الواجب تذكيته المحكوم بكون المُبان منه ميتة.

لكن اعتبار استقرار الحياة و تفسيره بغير تلك الأُمور مشهور،و منهم الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول،مع أنّ القدّ نصفين من جملة ما فسّروا به عدم استقرار الحياة،فلا وجه لقولهم حينئذٍ إلّا دعوى كون القطعة المُبانة من مثل هذه المتحرّك قطعة مبانة من حيّ أيضاً فتكون ميتة، لدخولها في إطلاق الرواية المتقدّمة.

و المناقشة فيه واضحة،فإنّ المتبادر من إطلاق الحي في الرواية ما يحتاج إلى التذكية،و ليس إلّا ما حياته مستقرّة،لا ما حركته حركة

ص:283


1- راجع ص 257.

المذبوح الذي لا يحتاج إلى تذكية،و ليس منه مفروض المسألة.

و للخلاف و المبسوط و ابن حمزة،فحكما بحلّ ما فيه الرأس خاصّة إذا كان أكبر،و صرّحا في غيره بالحرمة (1).

و حجّتهما عليه غير واضحة عدا ما ذكره في الأوّل من أنّ أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته،و ما قالوه ليس عليه دليل.و هو كما ترى،لقيام الدليل عليه كما مضى.

و في الثاني من أنّه مذهبنا.و هو إن كان ظاهراً في أنّ عليه إجماعنا إلّا أنّه غير صريح،و مع ذلك موهون بعدم ظهور مفتٍ به سواه و ابن حمزة، فكيف يمكن قبول الإجماع بدعواه.و مع التنزّل فغايته أنّه خبر صحيح صريح لكنّه ليس لما قدّمناه من الدليل عديل.فهو ضعيف و أيّ ضعيف.

و بالأخير يجاب عمّا في الموثق:«يأكل ممّا يلي الرأس ثم يدع الذنب» (2)مضافاً إلى إطلاق ما يلي الرأس فيها الشامل للأكبر و الدون و المساوي.و لم يقل به،لاشتراطه الأوّل.و تنزيله عليه فرع الشاهد،و ليس إلّا الجمع بينها و بين رواية أُخرى أشار الماتن إليها بقوله: و في رواية ضعيفة مرسلة يؤكل الأكبر دون الأصغر (3) بحمل الاُولى على ما إذا كان ما يلي الرأس أكبر كما في هذه،و حمل هذه على ما إذا كان الأكبر ممّا يلي الرأس كما في الأُولى.فهو فرع التكافؤ المفقود هنا؛ لضعف الأخيرة عن المقاومة للموثّقة.مع أنّ الجمع بينهما بذلك فرع قيام دلالة هي في المقام

ص:284


1- الخلاف 6:18،المبسوط 6:261،ابن حمزة في الوسيلة:357.
2- الكافي 6:4/255،التهذيب 9:328/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 2.
3- الكافي 6:5/255،التهذيب 9:327/77،الوسائل 23:387 أبواب الصيد ب 35 ح 4.

مفقودة.

و كيف كان هي بإطلاقها شاذّة كإطلاق الموثّقة مع احتمالهما الحمل على التقية،فقد حكي القول بمضمونهما لكن بعد الجمع بما عرفته في الخلاف عن أبي حنيفة (1).

و لو أخذت الحبالة منه أي ممّا صيد بها قطعة فهي ميتة مطلقاً،كان في إحدى القطعتين حياة مستقرّة أم لا،إجماعاً،و المعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً مضت في بحث الصيد بها (2).و لا اختصاص للحكم بالحبالة،بل يشملها و غيرها من نحو الشبكة و غيرها من الآلات الغير المعتبرة و إن كانت المعتبرة بها مختصّة،التفاتاً إلى القاعدة المتقدّمة ثمّة العامّة لها و لغيرها.

الرابعة لو أدرك الصيد و فيه حياة مستقرة لم يحلّ حتى يذكّى

الرابعة: لو أدرك ذو السهم أو الكلب الصيد مع إسراعه إليه حالة الإصابة و فيه حياة مستقرة توقّف حلّه على التذكية إن اتّسع الزمان لها،بلا خلاف فيه في الجملة؛ للنصوص المستفيضة:

منها الصحيحان،في أحدهما:«إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه،و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكُل ما بقي» (3).

و في الثاني:«فإذا أدركه قبل أن يقتله ذكّاه» (4).

و بها يخصّ عموم الكتاب و السنّة،مع أنّ أكثرها معلّقة للحلّ على القتل،و المتبادر منه إمّا خروج روحه،أو كان حياته غير مستقرّة لا يقبل

ص:285


1- الخلاف 6:18.
2- راجع ص 271.
3- الكافي 6:2/202،التهذيب 9:89/22،الإستبصار 4:241/67،الوسائل 23:334 أبواب الصيد ب 2 ح 2.
4- الكافي 6:4/203،الوسائل 23:340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

التذكية.

و إن لم يتّسع الزمان لها حلّ بدونها على الأقوى،وفاقاً للمبسوط و كثير (1)،بل الأكثر كما في المسالك (2)،بل المشهور كما في الروضة (3)؛ لدلالة النصوص المزبورة من حيث تضمّنها الأمر المشترط بالقدرة على أنّ التذكية إنّما تعتبر إذا كانت مقدورةً لا كليّةً،و هي هنا مفقودة.

خلافاً للخلاف و الحلّي و المختلف (4)،فحرّموه،التفاتاً إلى استقرار حياته،فنيط إباحته بتذكيته.

و يظهر مما مرّ:الوجه في ضعف هذا القول و مستنده،و في صحّة ما ذكره جماعة من الحلّ مع ترك التذكية و اتّساع الزمان لها إن لم يكن بتقصير الصائد،كاشتغاله بأخذ الآلة و سلّ السكين،أو امتناع الصيد بما فيه من بقيّة قوّة،أو نحو ذلك،فمات قبل أن يمكنه الذبح.

و أمّا إذا كان بتقصيره حرّم بلا خلاف؛ للأصل،و فقد ما يدلّ على الحلّ عدا إطلاق الكتاب و السنّة المتقدّم،و هو مخصّص بما مرّ من النصوص الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه،و هو في المقام متحقّق،فترك الذبح فيه موجب لتحريمه كغير الصيد.

و حيث اتّسع الزمان لتذكيته و لا آلة فيذكّيه لم يحلّ حتى يذكّى مطلقاً على المشهور و لما مرّ،وفاقاً للحلّي و ابن حمزة (5).

و في رواية جميل الصحيحة: يدع الكلب حتى يقتله فإنّ

ص:286


1- المبسوط 6:260؛ و انظر الكفاية:246،و كشف اللثام 2:255.
2- المسالك 2:223.
3- الروضة 7:207.
4- الخلاف 6:14،الحلّي في السرائر 3:85،المختلف:676.
5- الحلّي في السرائر 3:85،ابن حمزة في الوسيلة:356.

فيها:عن الرجل يرسل الكلب على الصيد،فيأخذه،و لا يكون معه سكّين فيذكّيه بها،أ فيدعه حتّى يقتله و يأكل منه؟قال:«لا بأس» (1).

و نحوها رواية أُخرى له (2)،إلّا أنّها بحسب السند قاصرة،و عمل بها العلّامة في المختلف (3)،تبعاً لجماعة من القدماء كالصدوق و الإسكافي و الشيخ في النهاية (4).و استوجهه من متأخّري المتأخّرين جماعة كصاحبي المفاتيح و الكفاية (5).

و استدل عليه زيادة على الصحيحة بما مرّ من إطلاق الكتاب و السنّة.

و أُجيب عنها:بعدم الدلالة على العموم،و إلّا لجاز مع وجود آلة الذبح.و عن الرواية:بأنّ ليس فيها على المطلوب دلالة؛ لأنّ الضمير المستكن في قوله فيأخذه راجع إلى الكلب لا إلى الصائد،و البارز راجع إلى الصيد.و التقدير:فيأخذ الكلب الصيد،و هو لا يدلّ على إبطال امتناعه، بل جاز بقاؤه ممتنعاً و الكلب ممسك له،فاذا قتله حينئذٍ فقد قتل ما هو ممتنع،فيحلّ بالقتل (6).

و ضعّفهما في المسالك (7)

ص:287


1- الكافي 6:8/204،التهذيب 9:93/23،الوسائل 23:347 أبواب الصيد ب 8 ح 1.
2- الكافي 6:17/206،التهذيب 9:101/25،الوسائل 23:348 أبواب الصيد ب 8 ح 2.
3- المختلف:674.
4- الصدوق في المقنع:138،حكاه عن الإسكافي في المختلف:674،النهاية:581.
5- مفاتيح الشرائع 2:215،الكفاية:246.
6- إيضاح الفوائد 4:122.
7- المسالك 2:222.

فالأوّل:بأنّ تخصيصه بعدم الجواز مع وجود الآلة إنّما هو بالإجماع و الأدلّة،و هما لا تدلّان على التخصيص في محلّ المشاجرة،و العام المخصّص في الباقي حجّة.

و فيه مناقشة؛ لمنع عدم دلالة الأدلّة على التخصيص في المسألة،لأنّ من جملتها النصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار التذكية بعد إدراكه و فيه حياة مستقرة،و منه مفروض المسألة،و فقد الآلة ليس بعذر يوجب الحلّية، و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو فقدها في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية.

و لا يرد مثله فيما لو أدرك الصيد مستقرّ الحياة و لم يتّسع الزمان لتذكيته؛ لاقتضائه الحرمة فيه ايضاً،مع أنّ الأشهر الأقوى فيه الحلّ كما مضى.

لضعفه و إن احتجّ به في المختلف لمختاره ثمة (1)،و ذلك لوضوح الفرق بينهما بصدق إدراك الذكاة الوارد في النصوص الموجب للحرمة بدونها فيما نحن فيه عرفاً،بخلاف ما مضى،لعدم صدقه فيه جدّاً.

و الثاني:بظهوره في صيرورة الصيد غير ممتنع لجهات:

إحداها:قوله:و لا يكون معه سكّين،فإنّ مقتضاه أنّ المانع من تذكيته عدم السكين،لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعاً.و لو كان حينئذٍ ممتنعاً لما كان لقوله:و لا يكون معه سكين،فائدة أصلاً.

و الثانية:قوله:فيذكّيه بها،ظاهر أيضاً في أنّه لو كان معه سكين لذكّاه بها،فدلّ على بطلان امتناعه.

و الثالثة:قوله:أ فيدعه حتى يقتله،ظاهر أيضاً في قدرته على أن

ص:288


1- المختلف:676.

لا يدعه حتى يقتله،و إنّه إنّما يترك تذكيته و يدع الكلب يقتله لعدم وجود السكين.

و هو حسن إلّا أنّ ما ذكره من القرائن لا توجب الصراحة،بل غايتها إفادة الظهور،و هو لا ينافي الحمل على ما ذكره المجيب جمعاً بين الأدلّة.

ثم على تقدير الصراحة المصير إلى القول بالحرمة لا يخلو عن قوّة؛ لاعتضاد ما قدّمناه من أدلّتها بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعية،و لأجلها لم تكن الرواية لها بمكافئة و إن كانت صحيحةً و عمل بها جماعة.

ثمّ إنّ المستفاد من ظاهر إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة و النصوص المتقدّمة:اعتبار التذكية خاصّة بعد إدراكه و فيه حياة مستقرّة، من دون إيجاب المسارعة إليه بعد إرساله الإله و الإصابة.و هو الأوفق في الظاهر بإطلاق الكتاب و السنّة،إلّا أنّ المشهور إيجابها شرطاً على الظاهر أو شرعاً كما قيل (1).

و لم أجد لهم عليه دليلاً صريحاً،و إن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة و عدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقّق إليه مسارعة معتادة،لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه،و إلّا لحلّ الصيد مع عدمها و لو بقي غير ممتنع سنةً ثم مات بجرح الآلة،و لعلّه مخالف للإجماع بل الضرورة.

هذا مع إمكان دعوى الاستقراء و التتبّع للنصوص و الفتاوى على دوران الحلّ بالاصطياد و حرمته مدار حصول موته حال الامتناع به و عدمه مع القدرة عليه،فيحلّ في الأوّل دون الثاني إلّا بعد تذكيته.و في التنقيح

ص:289


1- انظر مفاتيح الشرائع 2:214.

الإجماع عليه حيث قال:و لا يحلّ مقتول الكلب إلّا مع الامتناع إجماعاً (1).

و على هذا فلو أخذته الآلة و صيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية،فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة.

و هذه الحجّة و إن اقتضت الحرمة بعد المسارعة أيضاً مع إدراك التذكية و تركها بقصور الزمان و نحوه ممّا مرّ إليه الإشارة،إلّا أنّ هذه الصور خرجت بالإجماع و نحوه من الأدلّة.

فما ذكروه لا يخلو عن قوّة سيّما مع اعتضاده بأنّ المستفاد من النصوص و الفتاوى عدم حلّ الحيوان مطلقاً إلّا بالذبح و نحوه،و أنّ الاكتفاء بغيرهما في الحلّية إنّما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء و نحوه.

و يمكن أن ينزّل عليه إطلاق العبارة و نحوها من العبائر و النصوص بحملها على صورة تحقّق المسارعة،لوروده لبيان حكم آخر غير المسارعة.بل لعلّ التنزيل متعيّن،نظراً إلى ما مرّ إليه الإشارة من تلك القواعد المستفادة من تتبّع النصوص و كلماتهم و كلمات غيرهم من الجماعة.

و أعلم:أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة إنّما هو اعتبار إدراك الذكاة خاصّة،و هو يحصل بإدراكه و تطرف عينه أو تركض رجله كما في النصوص،بل قيل:الصحاح (2).

منها:ما ورد في الصيد:«آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف،و الرجل تركض،و الذنب يتحرّك» (3).

ص:290


1- التنقيح الرائع 4:14.
2- مفاتيح الشرائع 2:214.
3- الكافي 6:10/208،التهذيب 9:131/33،الإستبصار 4:267/73،الوسائل 23:350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

و منها:ما ورد في الذبيحة،و هو كثير فيها الصحيح و غيره (1).

و مال إلى العمل بها الشهيدان،و تبعهما من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)،وفاقاً للمحكي في المختلف و التنقيح (3)عن ابن حمزة.

خلافاً للمشهور بين المتأخّرين كما صرّح به جماعة (4)،وفاقاً منهم للمحكي في الكتابين عن المبسوط (5)،فاعتبروا في إدراك ذكاته استقرار حياته بمعنى إمكان بقائه يوماً أو بعض يوم.و مقتضاه أنّ غير مستقرّ الحياة هنا بمنزلة المذبوح،فلو ترك عمداً حتى مات حلّ،مع أنّهم فسّروا استقرار الحياة كما عرفت بما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم و اليومين.

و هو بعيد،لعدم الدليل المعتمد عليه.و غاية توجيهه ما قد يقال من قِبلَهم:

إنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول.و هو اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع.

هذا،مع أنّ المحكي عن نجيب الدين يحيى بن سعيد (6):أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.و هو الظاهر من عمدة القائلين باعتباره كالشيخ في الخلاف و المبسوط (7)،فإنّه قد نسب في الأوّل مفاد النصوص

ص:291


1- انظر الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11.
2- الشهيد الأوّل في الدروس 2:414،الشهيد الثاني في المسالك 2:222 و الروضة 7:227،و تبعهما العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار 14:183،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:255،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:214.
3- المختلف:676،التنقيح الرائع 4:7.
4- قال في المسالك 2:222:هو المشهور بين الأصحاب،و قال في المفاتيح 2:214:هو المشهور.
5- المبسوط 6:260.
6- حكاه عنه في الدروس 2:415.
7- الخلاف 6:14،المبسوط 6:260.

المزبورة إلى روايات الأصحاب،كالحلّي (1)،و في الثاني إليهم أنفسهم.

و هو ظاهر في دعواه الإجماع.و ليت شعري ما الداعي له مع ذلك إلى اختياره خلافه.

و عليك بإمعان النظر في هذا المبحث فإنّه فيه إشكالاً،و هو أنّ جماعة ممّن اختاروا القول الأوّل و منهم ابن حمزة (2)فصّلوا أيضاً بين مستقرّ الحياة و غيره في مواضع كثيرة تقدّمت إلى جملة منها الإشارة، فحكموا في الأوّل بلزوم التذكية في الحلّية و في الثاني بعدمه.

و هذا التفصيل لا يتصوّر إلّا على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره في المبسوط و تبعه الجماعة (3):من إمكان بقاء الحياة المدّة المتقدّمة،فإنّه هو الذي يتصوّر فيه التفصيل بين مستقرّ الحياة و هو ما أمكن أن يعيش المدّة،و غيره و هو ما قابلة.و أمّا تفسيره بإدراكه و تطرف عينه،أو تركض رجله فغير متصوّر فيه التفصيل الذي مرّ،إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعدّ قسماً آخر مقابل مستقرّ الحياة أيضاً.

و يمكن الذبّ عن الإشكال بما هو حقيق أن يسطر و يرجع إليه في هذا المجال،و هو:أنّ المستفاد من تتبّع جملة من العبارات في تفسير غير مستقرّ الحياة بأنّه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه،أنّ مستقرّ الحياة ما قابلة،و هو الذي لم يحصل فيه واحد من الأُمور المزبورة، سواء كان ممّا يعيش تلك المدّة المتقدّمة أم لا.و استقرار الحياة بهذا المعنى يجامع ما ذكره ابن حمزة و من تبعه في أدناه من طرفة العين و ركض الرجل.

ص:292


1- السرائر 3:92.
2- الوسيلة:356.
3- المبسوط 6:260،و تبعه العلّامة في المختلف:676،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:7.

و يمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان البقاء تلك المدّة عليه،بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شقّ البطن و نحوه.

و يعضده ما نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين،مع موافقته لابن حمزة في تفسير غير مستقرّ الحياة بما ذكره.لكن في الخلاف ما يأبى عن هذا التنزيل.

و بما ذكرناه ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة كما يستفاد من التنقيح (1)،و أنّه على تقديره إنّما هو في تفسيره.و لا ينافيه ما مرّ عن يحيى بن سعيد من أنَّ اعتباره ليس من المذهب؛ لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه،الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدّة المذكورة لا مطلقة.

و بهذا التحقيق يظهر الجواب عمّا يرد من الإشكال المشهور على فرض استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة.و لعلّ هذا الفرض أيضاً من شواهد هذا التحقيق كما قد نبّه عليه المقدّس الأردبيلي (2)،فإنّ ما أُجيب عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو عن تعسّف.

الخامسة لو أرسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيداً أو مسلم لم يسمّ أو لم يقصد الصيد لم يحلّ

الخامسة: لو أرسل المسلم كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيداً، أو أرسل بدل الكافر مسلم لم يسمّ أو من لم يقصد جنس الصيد فقتلاه لم يحلّ بلا خلاف فيه،و في انسحاب الحكم في مطلق الآلة؛ لما مرّ إليه الإشارة (3)في بحث من أرسل كلبه و سمّى غيره من اشتراط العلم أو الظنّ باستناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة،لا السبب

ص:293


1- التنقيح الرائع 4:7.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:50.
3- في ص 268.

المحرّم،و لا المشترك بينهما كما هو الفرض.

و لا فرق فيه بين تجانس الآلتين ككلبين أو سهمين،أو تخالفهما كسهم و كلب،و لا بين اتّفاقهما في وقت الإصابة أو تخالفهما إذا كان كل منهما قاتلاً.و لو أثخنه السبب المحلّل ثم ذفّف و أسرع عليه السبب المحرّم حلّ؛ لأنّ القاتل هو الأوّل.و لو انعكس الأمر لم يحلّ،و كذا لو اشتبه الحالان؛ لأصالة عدم التذكية المشترطة في الحلّ،و الجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط.

السادسة لو رمى صيداً فأصاب غيره حلّ

السادسة: لو رمى بالآلة المعتبرة مطلقاً قاصداً صيداً فأصاب غيره حلّ.و لو رمى لا للصيد بل للهو أو غيره فقتل صيداً لم يحلّ بلا خلاف فيهما أيضاً؛ لما مضى من اعتبار قصد المرسل الصيد في الحلّ، و المعتبر منه القصد إلى الجنس المحلّل لا الشخص.و لقد كان في اعتبار القصد فيما مضى غنى عن ذكر هذا الحكم جدّاً (1).

السابعة إذا كان الطير مالكاً جناحه فهو لصائده

السابعة: إذا كان الطير مالكاً جناحه و لا يكون فيه أثر اليد فهو لصائده إلّا أن يعرف مالكه فيردّه إليه بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

منها الصحيح:عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة،و هو مستوي الجناحين،و يعرف صاحبه،أو يجيئه،فيطلبه من لا يتّهمه،قال:

«لا يحلّ له إمساكه،يردّه عليه» فقلت له:فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه،لا يعرف له طالباً،قال:«هو له» (2).

ص:294


1- راجع ص 262.
2- الكافي 6:1/222،التهذيب 9:258/61،الوسائل 23:388 أبواب الصيد ب 36 ح 1.

و نحوه الخبر:عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهماً، فقال:«إذا عرفت صاحبه فردّه عليه،و إن لم تعرف صاحبه و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك» (1).

و قريب منهما آخر:الطير يقع على الدار فيؤخذ،إحلال هو أم حرام لمن أخذه؟فقال:«هو عافٍ أم غير عافٍ؟» قلت:و ما العافي؟قال:

«المستوي جناحاه،المالك جناحيه يذهب حيث شاء» قال:«هو لمن أخذه» (2).

و منها الخبران،أحدهما المرسل كالموثق بابن بكير:«إذا ملك الطائر جناحيه،فهو لمن أخذه» (3).

و في الثاني القوي بالسكوني و صاحبه:«الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد،و هو حلال لمن أخذه» (4).

و لو كان الطير مقصوصاً أو موجوداً فيه أثر يدل على الملك لم يحلّ أنّ يؤخذ و لا يجوز أن يملك لأنّ له بمقتضى الأثر الدال على ترتّب اليد مالكاً محكوماً بملك الطير له بترتّب يده عليه، الموجب للملكيّة له بمجرّده،كما عليه جماعة (5).و دلّ عليه بعض

ص:295


1- الكافي 6:3/222،التهذيب 9:260/61،الوسائل 23:388 أبواب الصيد ب 36 ح 2.
2- الكافي 6:4/223،التهذيب 9:261/61،الوسائل 23:389 أبواب الصيد ب 37 ح 2.
3- الكافي 6:2/222،التهذيب 9:259/61،الوسائل 23:389 أبواب الصيد ب 37 ح 1.
4- الكافي 6:5/223،التهذيب 9:256/61،الوسائل 23:390 أبواب الصيد ب 37 ح 3.
5- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:105،و الشهيد الثاني في المسالك 2:235.

النصوص المتقدّمة،و نحوه مضاهية في السند:«للعين ما رأت و لليد ما أخذت» (1).

و أمّا على القول بعدم إفادته ذلك بمجرّده،بل لا بُدّ معه من النّية كما عليه آخرون؛ لاستصحاب بقاء عدم الملكية و اختصاص ما مرّ من النصوص بحكم التبادر بصورة مقارنة النيّة لترتّب اليد فكذلك؛ لما عرفت من الظهور المستفاد من وجه اختصاص النصوص بتلك الصورة، فلا يلتفت إلى احتمالات منافية للملكيّة،كأن فعل ذلك به عبثاً من غير قصد التملّك.و حاصله يرجع إلى ترجيح الظاهر في هذه المسألة على أصالة الإباحة،و عدم الحكم بمالك له بالكليّة.

و هو و إن كان خلاف التحقيق إلّا في موارد مخصوصة،إلّا أنّه يمكن استفادته من الصحيح السابق،حيث اكتفى فيه بالملك لمن يدّعيه بمجرّد دعواه الغير المعلوم أنّها صادقة أم كاذبة،بعد أن ذكر أنه ليس المدّعى محلّ التهمة.و لا ريب أنّ تلك الدعوى بمجردها و لو قرنت بعدم اتّهام مدّعيها لا تفيد سوى الظهور و المظنّة،و لعلّ المظنّة الحاصلة من ترتّب اليد بكونه مع النيّة أقوى من المظنّة الحاصلة بالملكيّة بمجرّد الدعوى المقرونة بعدم تهمة.

هذا مع أنّ أصالة الإباحة على تقدير تسليم جواز الاستناد إليها هنا مطلقاً معارضة بأصالة بقاء عدم ملكيّة الصائد لما صاده،و بعد التعارض و التساقط يبقى إثبات ملكيّته محتاجاً إلى حجّة أُخرى عن المعارض سليمة، و لا وجود لها هنا بالكليّة سوى إطلاق النصوص بأنّه لمن أخذه،و قد مرّ

ص:296


1- الكافي 6:6/223،التهذيب 9:257/61،الوسائل 23:391 أبواب الصيد ب 38 ح 1.

إلى جوابه الإشارة.

و يكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر منه.و لو اتّفق الرمي به قيل كما عن النهاية و ابن حمزة (1)-: حرم الفعل مع الصيد؛ للمرفوع:«لا يرمى الصيد بشيء أكبر منه» (2).

و الأشبه الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر الكراهية فيهما؛ للأصل و الإطلاقات،مع ضعف الخبر بالإرسال و الرفع،مع اختصاصه بالنهي عن الفعل دون الصيد،فلا وجه لتحريمه و إن قلنا بتحريم سابقه.

و كذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها وفاقاً للأكثر (3)؛ للأصل.

خلافاً للصدوقين فيحرم (4)؛ للخبر:«لا تأتوا الفراخ في أعشاشها حتى تريش و تطير،فإذا طار فأوتر له قوسك،و انصب له فخّك» (5).

و لقصور سنده مع عدم مكافأته لأدلّة الإباحة من الأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة حمل على الكراهة.

و كذا يكره الصيد بكلب علّمه مجوسي للنهي عنه في الخبر:

عن كلب المجوسيّ أستعيره فأصيد به،قال:«لا تأكل من صيده» (6).

ص:297


1- النهاية:580،ابن حمزة في الوسيلة:357.
2- الكافي 6:12/211،التهذيب 9:142/35،الوسائل 23:370 أبواب الصيد ب 21 ح 1.
3- كالشيخ في النهاية:579،و العلّامة في التحرير 2:158،و الشهيد في الدروس 2:399.
4- الصدوق في المقنع:142،و نقله عن والده في المختلف:689.
5- الكافي 6:2/216،التهذيب 9:52/14،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 28 ح 1.
6- الكافي 6:2/209،التهذيب 9:119/30،الإستبصار 4:255/70،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 2.

و الوجه في حمله عليها ما مرّ في الخبر السابق مع زيادة عليه هي:

معارضته بخصوص الصحيح الصريح:عن كلب المجوسيّ يأخذه الرجل المسلم،فيسمّي حين يرسله،أ يأكل ممّا أمسك عليه؟فقال:«نعم،لأنّه مكلّب ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه» (1).

مضافاً إلى إجماعنا المحكيّ عليها في الخلاف (2)،المعتضد بعدم الخلاف فيه بيننا إلّا من الإسكافي و المبسوط (3).

و استدلّ لهما بقوله تعالى تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ [1] (4)فإنّ الخطاب للمسلمين،و بالخبر الذي مضى (5).

و هما كما ترى؛ لضعف الأوّل بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلِّم،و إنّما غايته الاختصاص بالمسلم،و هو لا ينافي الثبوت في غيره بما مرّ،سيّما مع وروده مورد الغالب.

هذا مع أنّ دلالته على الاشتراط لو سلّمت تقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقاً.و هو خلاف الإجماع حتى منهما قطعاً؛ لتخصيصهما المنع بكلب المجوسيّ،كما حكاه عنهما جماعة من أصحابنا،و إن كان يظهر من المقدس الأردبيلي رحمه الله حكاية الإطلاق عنهما (6)،و لكنّها كما ترى.

ص:298


1- الكافي 6:1/208،الفقيه 3:913/202،التهذيب 9:118/30،الإستبصار 4:254/70،الوسائل 23:360 أبواب الصيد ب 15 ح 1.
2- الخلاف 6:19.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:676،المبسوط 6:262.
4- المائدة:4.
5- حكاه في المختلف:676.
6- مجمع الفائدة و البرهان 11:39.

هذا مع ورود التصريح بحلّ مقتول ما علّمه أهل الذمّة في الخبر:

«و كلاب أهل الذمة و بزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها» (1)و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه من عدم دلالة الآية على الاشتراط بالكلية.

و الثاني بما مرّ من ضعف السند،و المعارضة بالصحيح،و الإجماع المحكيّ بل المحقّق المعتضد بالإطلاقات،فليكن مطرحاً،أو على الكراهة محمولاً.

قيل (2):و يمكن حمله على تعليمه في ساعته،كما في الخبر:

«لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم،فيعلّمه و يرسله» (3).

و في آخر:«و إن كان غير معلّم فعلّمه في ساعته حين يرسله و ليأكل منه،فإنّه معلّم» (4).

و هو محلّ نظر إن أُريد به ثبوت الحرمة إلّا مع تعليم المسلم له و لو من ساعته؛ لقصور الخبرين عن إثباتها،لما مضى في الرواية الأُولى،هذا مع قصور الاُولى منهما عن الدلالة على الحلّية في صورة الاستثناء؛ لاحتمال أن يكون المراد بالتعليم التعليم الحقيقي،و يكون مرجع الضمير في«يأخذه» مطلق كلب المجوسيّ لا معلَّمه،و مرجعه حينئذٍ إلى الخبر الأوّل الناهي عن صيد كلبه المعلّم مطلقاً.و يعضد هذا الاحتمال أنّه لا معنى

ص:299


1- الكافي 6:3/209،التهذيب 9:120/30،الإستبصار 4:256/71،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
2- كما قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:211.
3- الكافي 6:3/209،التهذيب 9:120/30،الإستبصار 4:256/71،الوسائل 23:361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
4- الكافي 6:14/205،الفقيه 3:911/201،التهذيب 9:98/24،الوسائل 23:346 أبواب الصيد ب 7 ح 2.

للتعليم على غيره؛ لحصوله قبل تعليمه.و هو حسن إن أُريد انتفاء الكراهة بالتعليم في الساعة.فتأمّل جدّاً.

و كذا يكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة للخبر:

« نهى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتصيّد الرجل يوم الجمعة قبل الصلاة، و كان عليه السلام يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة،فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة» (1).

و صيد الوحش و الطير بالليل للخبرين:

في أحدهما:«نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن إتيان الطير بالليل، و قال عليه السلام.إنّ الليل أمان لها» (2)و نحوه الثاني (3).

و الوجه في حملهما و حمل ما تقدّمهما على الكراهة مع تضمّنها النهي المفيد للحرمة هو ما تقدّم إليه الإشارة من ضعف السند و عدم المكافأة لأدلّة الإباحة من الأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة،و المعارضة بالصحيحين المجوزين (4)و غيرهما (5).

ص:300


1- الكافي 6:17/219،التهذيب 9:49/13،الوسائل 23:383 أبواب الصيد ب 30 ح 1.
2- الكافي 6:3/216،التهذيب 9:51/14،الوسائل 23:381 أبواب الصيد ب 28 ح 1.
3- الكافي 6:2/216،التهذيب 9:52/14،الوسائل 23:380 أبواب الصيد ب 28 ح 2.
4- الأوّل في:الكافي 6:1/215،التهذيب 9:53/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ح 1.الثاني في:الكافي 6:/216ذيل الحديث 1،التهذيب 9:54/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ذيل حديث 1.
5- التهذيب 9:55/14،الوسائل 23:382 أبواب الصيد ب 29 ح 2.

المقام الثاني في

الذبائح و فيه فصول

اشارة

الذبائح و الكلام فيه يستدعي بيان فصول ثلاثة.

الأوّل في الذابح

الأوّل في بيان الذابح و يشترط فيه الإسلام أو حكمه كالمتولّد منه بشرط التمييز و لو كان أُنثى لعدم الخلاف في عدم اشتراط البلوغ و الذكورة في المذكّي،كما لا خلاف في عدم اشتراط الفحولة و لا الطهارة و لا البصر و لا كمال العقل فيه،بل التمييز خاصّة بعد الشرائط الأُخر المعتبرة؛ للأصل و الصحاح و غيرها.

و في الصحيح:«إذا كانت المرأة مسلمة،و ذكرت اسم اللّه عزّ و جلّ على ذبيحتها حلّت ذبيحتها،و كذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة،و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليها،و ذلك إذا خيف على الذبيحة و لم يوجد من يذبح غيرهما» (1).

و نحوه في اشتراط الاضطرار،المرسل:«لا بأس بذبيحة الخصيّ و الصبيّ و المرأة إذا اضطرّوا إليه» (2).

و هما بظاهرهما غير معمول عليهما،مع أنّ البأس المفهوم من الأخير مع عدم الشرط أعمّ من الحرمة،فليحمل على الكراهة،جمعاً بينهما و بين باقي الصحاح المطلقة الوارد أكثرها في مقام الحاجة.

ص:301


1- الكافي 6:3/237،الفقيه 3:983/212،التهذيب 9:308/73،الوسائل 24:45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.
2- الكافي 6:4/238،الوسائل 24:46 أبواب الذبائح ب 23 ح 10.

منها:عن ذبيحة الخصيّ،فقال:«لا بأس» (1).

و منها:عن ذبيحة الصبيّ،فقال:«إذا تحرّك،و كان له خمسة أشبار و أطاق الشفرة» و عن ذبيحة المرأة،فقال:«إذا كنّ نساء ليس معهنّ رجل فلتذبح أعقلهنّ،و لتذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليها» (2).

و ليس في اشتراط البلوغ خمسة أشبار فيه و في رواية أُخرى (3)، كاشتراط فقد الرجل،مخالفةٌ للمجمع عليه؛ إذ الظاهر من الشرط الأوّل و هو البلوغ خمسة أشبار الإشارة إلى اشتراط التمييز المتحقّق بذلك غالباً لا أنّه يكون شرطاً زائداً عليه،و ورود الشرط الأخير مورد الغالب،لأنّ الغالب عدم ذبح المرأة مع وجود الرجل:مع أنّ اشتراط عدمه أعمّ من الاضطرار المشترط في الروايات السابقة.

و يتفرّع على اشتراط الإسلام أو حكمه حرمة ذبائح أصناف الكفّار، سواء في ذلك الوثني،و عابد النار،و المرتدّ،و كافر المسلمين كالغلاة و غيرهم،و الكتابي.

و لا خلاف فيمن عدا الكتابي،بل في المسالك و غيره (4):أنّ عليه إجماع المسلمين؛ و هو الحجّة بعد أصالة الحرمة المتقدّم في بحث الصيد إليها الإشارة؛ مضافاً إلى فحاوي النصوص الآتية،و خصوص الصحيحين (5)

ص:302


1- الكافي 6:6/238،الوسائل 24:47 أبواب الذبائح ب 24 ح 1.
2- الكافي 6:1/237،الفقيه 3:981/212،التهذيب 9:310/73،الوسائل 24:42 أبواب الذبائح ب 22 ح 1.
3- الكافي 6:8/238،الوسائل 24:42 أبواب الذبائح ب 22 ح 3.
4- المسالك 2:223،الكفاية:246.
5- أحدهما في:التهذيب 9:271/64،الإستبصار 4:304/81،الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19. و الآخر في:التهذيب 9:279/66،الإستبصار 4:312/83،الوسائل 24:59 أبواب الذبائح ب 27 ح 23.

و غيرهما (1)الناهية عن ذبائح نصارى العرب معلّلاً في الأخير بأنّهم مشركو العرب،و في أحد الأوّلين بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب.

و هذه الأدلّة مع اعتضاد بعضها ببعض سليمة عمّا يصلح للمعارضة بالكلية حتّى إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ أكل ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه، بناءً على أنّ المتبادر من الذكر عند الإطلاق:الذكر الصادر عن المسلم المعترف بحقيقته و الراجي للمثوبة به عنده لا ذكر العابث به أو المستهزئ و نحوه أو القاصد به غيره فليحمل عليه،لكونه نكرةً في سياق الإثبات لا تفيد العموم لغةً.

و أمّا في الكتابي فقد اختلف الأصحاب على ثلاثة أقوال؛ لاختلاف الروايات الواردة فيه عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم.و لكن روايتان منها مشهورتان،بمعنى عدم ندرة القائل بهما كندرته في الثالثة،و إلّا ف أشهرهما روايةً و فتوى ما دلّ على المنع مطلقاً.

و نسبه في المسالك إلى جملة المتأخّرين،بل قال:كاد أن يعدّ من المذهب (2).و في الخلاف و الانتصار جعلاه من متفرّدات الإماميّة مدّعيين الإجماع عليه (3)،و هي مع ذلك مستفيضة بل كادت تكون متواترةً.

و هي ما بين مصرّحة بالمنع و لو مع سماع التسمية،كالخبر المنجبر ضعفه و ضعف ما يأتي بما مرّ من الأصل و عمل الأكثر:عن ذبيحة الذميّ، قال:«لا تأكله إن سمّى و إن لم يسمّ» (4).

ص:303


1- التهذيب 9:275/65،الإستبصار 4:308/82،الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 22.
2- المسالك 2:223،225.
3- الخلاف 6:24،الانتصار:188.
4- الكافي 6:1/238،التهذيب 9:276/65،الإستبصار 4:309/82،الوسائل 24:54 أبواب الذبائح ب 27 ح 5.

و مطلقة و هي ما عداه:

منها الصحيح:عن ذبائح أهل الكتاب،فقال عليه السلام:«قد سمعتم ما قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه» فقالوا له:نحبّ أن تخبرنا،فقال:

«لا تأكلوها» (1).

و منها الصحيح:«لا تدخل ثمنها مالك،و لا تأكلها،و إنّما هو الاسم، و لا يؤمن عليه إلّا مسلم،فقال له الرجل:[قال اللّه تعالى اَلْيَوْمَ]أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [1] فقال:كان أبي يقول:إنّما هي الحبوب و أشباهها» (2).

و هو ظاهر في التحريم؛ لكون النهي حقيقة فيه،مضافاً إلى شهادة السياق به من حيث فهم الراوي إيّاه،و لذا عارضه بالآية المتضمنة للحلّية الغير المنافية للكراهة،مع تقرير المعصوم له على فهمه و جوابه له بما أجابه.

و لا ينافي ما ذكرناه إضافة الثمن إليها بناءً على أنّه لا يعوّض به الميتة في الشريعة؛ لصدق الإضافة بأدنى ملابسة،و هو هنا مجرّد المعاوضة و إن كانت فاسدة،و ورودها كذلك في الفتاوي و المعتبرة غير عزيز.

فجعل المسالك (3)الرواية دالة على الإباحة بذلك غريب و أيّ غريب؟.فإنّ ما ذكرناه من القرينة صريحة في الحرمة،فيترجّح على الإضافة التي هي حقيقة فيما ذكرناه؛ لأنّ غايتها على تقدير التسليم -

ص:304


1- التهذيب 9:282/66،الإستبصار 4:314/83،الوسائل 24:59 أبواب الذبائح ب 27 ح 25.
2- الكافي 6:10/240،التهذيب 9:270/64،الوسائل 24:48 أبواب الذبائح ب 26 ح 1 و ما بين المعقوفين من المصادر.و الآية في سورة المائدة:5.
3- المسالك 2:225.

الظهور المرجوع إلى الصريح،و على تقدير التنزّل عن الصراحة فالظهور لا أقلّ منه،و غايته تعارض الظاهرين،فترجيح الظاهر الذي ذكره على ما قابلة غير واضح.

و كذا جعله الصحيح الدالّ على النهي عن أكل ذبائح نصارى العرب دليلاً على الحلّ فيمن عداهم نظراً منه إلى أنّ عموم التحريم ينفي فائدة التخصيص بهم غريب؛ لابتنائه على حجيّة مفهوم اللقب و لا يقول به.

و به يظهر الجواب عن جعله الصحيح الآخر الدالّ على النهي عن ذبح اليهودي و النصراني الأُضحية دليلاً على الحلّية أيضاً،بناءً منه على أنّ مفهومه أنّ غيرها ليس كذلك،قال:و المفهوم و إن لم يكن حجةً إلّا أنّ التخصيص بالأُضحية لا نكتة فيه لو كانت ذبائحهم محرّمة مطلقاً.

و هو كما ترى؛ فإنّ عدم درك النكتة لا يدلّ على عدمها،أو كونها اختصاص الحرمة بالأُضحية،مع أنّ الأخير لو تمّ لكان المفهوم حجّة مع أنّه أنكره،و معارضاً بمفهوم التخصيص باليهودي و النصراني،مع أنّ النهي غير مختصّ بهما كما في الصحيح:«إنّ الأُضحيّة لا يتولّى ذبحها إلّا مالكها» (1)و هو مقرّر في بابها،و اعترف هو به هنا،فما وجه تخصيص النهي عن الذبح بهما؟فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عمّا مضى.

و منها الموثّقان:عن ذبيحة اليهودي و النصراني،فقال:

«لا تقربوها» (2).

ص:305


1- لم نعثر على النصّ المذكور،و قد ورد مؤدّاه في الوسائل 24:58 أبواب الذبائح ب 27 ح 20.
2- الأوّل في:الكافي 6:5/239،التهذيب 9:266/63،الإستبصار 4:299/81،الوسائل 24:55 أبواب الذبائح ب 27 ح 9.الثاني في:التهذيب 9:285/67،الإستبصار 4:317/84،الوسائل 24:61 أبواب الذبائح ب 27 ح 30.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المتضمّن جملة منها كالصحيحة الثانية تعليل الحرمة بأنّه الاسم و لا يؤمن عليه إلّا المسلم،و هو و إن أوهم في بادئ النظر اختصاص الحكم بالحرمة بصورة عدم سماع التسمية،بناءً على أنّ عدم الأمن من التسمية إنّما هو من حيث خوف تركها لا عدم القصد إلى مدلولها،لكن التعليل به على الإطلاق،بل العموم في جملة منها المستفاد من ترك الاستفصال،ظاهر في عدم الاختصاص،و أنّ المراد من عدم الأمن إنّما هو من حيث عدم القصد إلى المدلول.

و يعضده الخبر الأوّل الصريح في المنع مع التسمية أيضاً؛ إذ لو أُريد به عدمه من الحيثيّة التي ذكرت أوّلاً لكان الحكم بالتحريم فيه في هذه الصورة لا وجه له أصلاً مع إشعار التعليل بمقتضى ذلك بعدمه،فتأمّل جدّاً.

و أمّا قصور الأسانيد أو ضعفها فقد مرّ الجواب عنهما.

و أمّا الرواية الثانية الدالّة على الحلّ مطلقاً فنصوص مستفيضة،و هي كالاوّلة ما بين مطلقة للحلّ،كالصحيح:عن ذبيحة أهل الكتاب و نسائهم، فقال:«لا بأس به» (1)و نحوه الخبر (2).

و مصرّحة به مع العلم بعدم التسمية كالخبرين:عن ذبيحة اليهودي، فقال:«حلال» قلت:فإن سمّى المسيح؟قال:«و إن سمّى المسيح فإنّه إنّما أراد به اللّه تعالى» (3).

ص:306


1- التهذيب 9:290/68،الإستبصار 4:322/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 34.
2- التهذيب 9:297/70،الإستبصار 4:329/86،الوسائل 24:64 أبواب الذبائح ب 27 ح 41.
3- الأول في:الفقيه 3:972/210،التهذيب 9:291/68،الإستبصار 4:323/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 35.الثاني في:التهذيب 9:292/69،الإستبصار 4:324/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 36.

و هي مع قصور أسانيد أكثرها،و عدم جابر لها من شهرة أو غيرها إذ لم يحك القول بها إلّا عن شذوذ منّا كالإسكافي و العماني (1)ضعيفة التكافؤ لما قدّمنا من وجوه شتّى،معارضة بالكتاب و السنّة المشترطين في الحلّ مطلقاً ذكر اسم اللّه تعالى،و بما سيأتي من المعتبرة المستفيضة الصريحة في النهي عن ذبيحتهم مع عدم سماع التسمية.

و مع ذلك موافقة للعامّة،كما صرح به الشيخ في كتابي الأخبار و الخلاف و جماعة (2)،و ربّما يجعل مصير الإسكافي إليها على ذلك قرينة.

فلا ريب في ضعف هذا القول و إن أُيّد (3)بآية وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [1] (4)بناءً على أنّ الطعام إمّا ما يطعم مطلقاً فيشمل ما نحن فيه،أو الذبائح خاصّة كما فسّره بعضهم (5)فهو نصّ فيه؛ لما ظهر لك من الجواب عنه في الصحيح الثاني (6)،و نحوه غيره (7)،و حاصله:حمل الطعام فيها على الحبوب.

و أمّا قول بعض الأصحاب (8)في الجواب عنه بأنّ حمله على الحبوب كما ورد في الأخبار بعيد مع أنّ حلّها غير مختصّ بهم،بل شامل لجميع

ص:307


1- حكاه عنهما في المختلف:679.
2- الاستبصار 4:87،التهذيب 9:70،الخلاف 6:24،و انظر المختلف:680،و الكفاية:246،و مفاتيح الشرائع 2:196.
3- كما في المسالك 2:224،و مفاتيح الشرائع 2:196.
4- المائدة:5.
5- انظر مجمع البيان 2:162.
6- المتقدم في ص 302.
7- الكافي 6:17/241،الوسائل 24:50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6.
8- المسالك 2:224.

أصناف الكفّار،فغريب و أيّ غريب بعد الاعتراف بالورود في الأخبار التي منها الصحيح الصريح،و إن هو إلّا اجتهاد صرف في مقابلته غير مسموع لا يمكن المصير إليه،بل و لا الإصغاء إليه.

مع أنّه على تقدير سلامتها عن الجواب المزبور معارضةٌ بعمومات ما دلّ على حرمة ما لم يذكر عليه اسم اللّه سبحانه من الكتاب و السنّة.

و الرجحان لهذه؛ لوجوه كثيرة منها:أصالة الحرمة و عدم معلومية التذكية الشرعية.

و في رواية ثالثة حكي القول بها عن الصدوق (1)أنّه إذا سمعت تسميته فكل و هي أيضاً مستفيضة.

منها الصحيح:في ذبائح أهل الكتاب:«فاذا شهدتموهم و قد سمّوا اسم اللّه تعالى فكلوا ذبائحهم،و إن لم تشهدهم فلا تأكله،و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل» (2).

و الحسن:في ذبيحة الناصب و اليهودي و النصراني:«لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه تعالى» قلت:المجوسي؟فقال:«نعم إذا سمعته يذكر اسم اللّه تعالى» (3).

و الخبر:«إذا سمعتم يسمّون أو يشهدك من رآهم يسمّون فكل،فإن لم تسمعهم و لم يشهد عندك من رآهم فلا تأكل ذبيحتهم» (4).

ص:308


1- حكاه عنه في المختلف:679،و التنقيح 4:17،و هو في المقنع:140.
2- التهذيب 9:294/69،الإستبصار 4:326/86،الوسائل 24:63 أبواب الذبائح ب 27 ح 38.
3- التهذيب 9:287/68،الإستبصار 4:319/84،الوسائل 24:61 أبواب الذبائح ب 27 ح 31.
4- التهذيب 9:295/69،الإستبصار 4:327/86،الوسائل 24:63 أبواب الذبائح ب 27 ح 39.

و يرد عليها أكثر ما ورد على سابقها من قصور سند أكثرها،و ضعف جميعها عن المقاومة لما قدّمناه من وجوه شتّى،أعظمها اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالإجماع ملحقة،دون هذه الرواية؛ لندرة القائل بها،إذ لم يحك القول بها إلّا عمّن ذكرناه خاصّة.و مخالفته العامة، دونها،لموافقتها لهم كما ادّعاه شيخ الطائفة و جماعة،و لكن أنكرها في المسالك قال:لأنّ أحداً منهم لا يشترط في حلّ ذبائحهم أن يسمعهم يذكرون اسم اللّه تعالى عليها (1).

و لو صحّ ما ذكره و لم تكن أدلّة الحرمة بالشهرة المزبورة معتضدة لكان المصير إلى هذه الرواية في غاية القوة؛ لوضوح الجمع بها بين الروايتين الأوليين الدالّتين على التحريم و الحلّية،بحمل الاُولى على عدم سماع التسمية،و الثانية على السماع.و تجعل هذه قرينة على أنّ المراد بالتعليل المتقدّم إليه الإشارة في أخبار الحرمة بأنّها اسم و لا يؤمن عليه إلّا مسلم:المعنى المستفاد منه في بادئ النظر،و هو كون عدم الأمن من حيث خوف الترك لا خوف عدم القصد إلى ما دلّ.

نعم،لا يمكن الجمع بها بين صريحهما،لكنّه غير محتاج إليه أصلاً، لضعف سندهما طرّاً،و موافقة الثانية منهما للتقيّة جدّاً.فالتعارض الموجب للتردّد حقيقةً إنّما هو ما وقع بين المعتبرة من أخباريهما،و هو يرتفع بهذه الرواية المفصلّة جدّاً،فلا إشكال في المصير إليها لولا رجحان رواية الحرمة مطلقها و صريحها بالشهرة،لكن بعده سيّما مع ندرة القائل بهذه الرواية لا مسرح عن العمل بتلك الرواية و لا مندوحة،مع أنّ من روايات الحلّية ما لا يقبل الحمل على هذه المفصّلة مع أنّها صحيحة:عن ذبائح اليهود

ص:309


1- المسالك 2:225.

و النصارى و المجوس،فقال:«كل» فقال بعضهم:إنّهم لا يسمّون،فقال:

«فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا» و قال:«إذا غاب فكل» (1).

لكن يمكن الذبّ عنها بالحمل على التقيّة،مع ندرة القائل بها منّا من حيث التسوية فيها بين الفرق الثلاث،مع أنّ العماني الذي هو أحد القائلين بالحلّية يفرق بينها فيحكم في ذبيحة المجوسي بالحرمة مطلقاً (2)،فانحصر القائل بها في الإسكافي خاصّة (3).

و الأفضل أن يليه أي الذبح المؤمن للصحيح:«إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه و أصحابك إلّا عند الضرورة» (4).

و ظاهر النهي و إن أفاد الحرمة إلّا أنّه محمول عند الأكثر،بل عامّة من تأخّر على الكراهة؛ التفاتاً إلى إشعار السياق بها،من حيث تخصيص الراوي بالخطاب بالنهي،جمعاً بينه و بين الصحيح الآخر:«ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلّى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالى» (5).

و الجمع بينهما بتخصيص هذا بالمؤمن غير ممكن؛ لخروج الأكثر، مع اعتضاد الجمع الأوّل بعمل الأكثر،و عموم وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ [1] (6).

ص:310


1- التهذيب 9:289/68،الإستبصار 4:321/85،الوسائل 24:62 أبواب الذبائح ب 27 ح 33.
2- كما نقله عنه في المختلف:679.
3- على ما حكاه عنه في المختلف:679.
4- التهذيب 9:298/70،الإستبصار 4:330/86،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 5.
5- التهذيب 9:300/71،الإستبصار 4:336/88،الوسائل 24:66 أبواب الذبائح ب 28 ح 1.
6- الأنعام:119.

مضافاً إلى ما مرّ من المعتبرة المعلّلة للنهي عن أكل ذبائح أهل الذمة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا المسلم؛ لظهورها في حصول الأمانة في التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم،و هو مطلقاً أو فيها بقرينة المقابلة لأهل الذمة أعمّ من المؤمن بلا شبهة،و مع ذلك دالّة بمفهوم الحصر على عدم اعتبار شيء آخر في التذكية غير التسمية،و هي في المفروض حاصلة.

و ما دلّ على حلّ ما يشتري من اللحوم و الجلود من أسواق المسلمين،و هو عامّ أيضاً لغير المؤمن،بل ظاهر فيه؛ لأنّه الأغلب في زمان صدور هذه النصوص،بل مطلقاً.

فقول القاضي و الحلبي (1)بالمنع عن ذبيحة غير المؤمن مطلقاً كما عن الأوّل،أو إذا كان جاحداً للنص كما عن الثاني،ضعيف جدّاً،إلّا أن يقولا بكفر من منعا عن ذبيحته و عدم كونه مسلماً حقيقةً،و هو أضعف من منعهما عنها على التقدير الأوّل جدّاً.و يشير إليه المعاضد الأخير بمعونة ما بعده من التعليل؛ لظهوره في غير المؤمن.

و منه يظهر ضعف قول الفاضل أيضاً بالمنع عن ذبيحة من لا يعتقد وجوب التسمية (2)كما سيظهر،مع أنه لا وجه لاشتراط اعتقاد الوجوب بعد إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه،لكنّه مع ذلك له وجه إن خصّص المنع بما إذا لم يعلم منه التسمية،و هو أنّ يقال:إنّ مقتضى النصوص المتقدّمة المعلِّلة للنهي عن ذبائح أهل الذمّة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا مسلم،اعتبار حصول الأمّ بتحقّق التسمية في حلّ الذبيحة،و هو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها حيث لا يحصل العلم بتسميته عليه؛ لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه.و هذا لا ينافي

ص:311


1- القاضي في المهذّب 2:439،الحلبي في الكافي:277.
2- انظر المختلف:679.

مقتضاها بحصول الأمن بتحققها في المسلم؛ لأنّ المراد من المسلم فيها من يعتقد الوجوب لا مطلقاً للتبادر و الغلبة جدّاً،فإنّ أكثر أهل الإسلام يعتقدونه قطعاً.

و بهذا يجاب عن التمسك لضعف هذا القول بالمعاضد المزبور الدالّ على أصالة الحلّ في اللحوم المشتراة من أسواق المسلمين،بناءً على استلزام صحّته لزوم الاجتناب عنها من باب المقدّمة؛ لاحتمال كونها ذبائح من لا يعتقد الوجوب فتركها،و هو مناف للمعاضد المزبور جدّاً.و ذلك لاحتمال كون أكثرية معتقدي الوجوب منهم موجبة للأصالة المزبورة، و نحن نقول بموجبها حيث لا تؤخذ الذبيحة من يد من يعلم أنّه لا يعتقد وجوب التسمية،و أمّا إذا أُخذت من يده فلا نقول به،و إطلاق الحكم بحلّ ما يؤخذ من السوق منصرف بحكم التبادر و الغلبة إلى غير هذه الصورة، و هو ما إذا أُخذ من يد من لا يعلم حاله في اعتقاد وجوب التسمية و عدمه.

و هذا الوجه في غاية من المتانة و القوّة،و لم أقف على من تفطّن له و ذكره،فالاحتياط عنه لازم البتّة.

و اعلم:أنّ سياق العبارة لمّا دلّ على إباحة ذبيحة مطلق المسلم و لا يقول به الماتن و غيره؛ لتحريمهم ذبيحة الناصب استدرك ذلك بقوله:

نعم لا تحلّ ذبيحة المعادي لأهل البيت عليهم السلام المعبّر عنه بالناصب بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المهذّب (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة،منها:الموثّقان القريبان من الصحيح بحمّاد بن عيسى و نضر بن سويد،في أحدهما:«لم تحلّ ذبائح الحروريّة» (2)و هم من

ص:312


1- المهذّب 4:163.
2- التهذيب 9:302/71،الإستبصار 4:333/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 3.

جملة النصّاب؛ لنصبهم العداوة لعلي عليه السلام كغيرهم من فرق الخوارج.

و في الثاني:«ذبيحة الناصب لا تحلّ» (1).

و نحوهما خبر آخر في مشتري اللحم من النصّاب:«ما يأكل إلّا[مثل ]الميتة و الدم و لحم الخنزير» الحديث (2).

و أمّا الحسن:«لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي» (3)فلعلّه محمول على التقيّة كما يشعر به الصحيح:عن ذبيحة المرجئ و الحروريّ؟ فقال:«كل و قرّ و استقرّ حتى يكون ما يكون» (4).

الثاني في الآلة

الثاني: في بيان الآلة التي بها يذكّي الذبيحة.

و اعلم أنه لا تصحّ التذكية إلّا بالحديد مع القدرة عليه، فلا يجزئ غيره و إن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس و الرصاص و الذهب و الفضة و غيرها بلا خلاف بيننا،بل في ظاهر المسالك و غيره (5)أنّ عليه إجماعنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة الحرمة،مع اختصاص الإطلاقات كتاباً و سنّةً بحكم التبادر و الغلبة بالحديدة،مع أنها واردة لبيان أحكام أُخر غير حكم الآلة،هذا.

ص:313


1- التهذيب 9:301/71،الإستبصار 4:332/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 2.
2- التهذيب 9:303/71،الإستبصار 4:334/87،الوسائل 24:67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4 و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- التهذيب 9:304/72،الإستبصار 4:335/87،الوسائل 24:68 أبواب الذبائح ب 28 ح 7.
4- الكافي 6:1/236،الفقيه 3:970/210،التهذيب 9:305/72،الإستبصار 4:337/88،الوسائل 24:68 أبواب الذبائح ب 28 ح 8.
5- المسالك 2:226؛ و انظر الكفاية:246،و كشف اللثام 2:258،و مفاتيح الشرائع 2:200.

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيحان:«لا ذكاة إلّا بحديد» (1)و في معناهما الموثّقة و الحسنة (2).

و يجوز التذكية بغيره ممّا يفري الأوداج و يقطعها بحدّة إذا كان ذلك عند الضرورة بالاضطرار إلى الأكل،أو الخوف من فوت الذبيحة و لو كانت الآلة مروة و هي حجر يقدح بها النار أو ليطة بفتح اللام و هي القشر الأعلى للقصب المتصل به أو زجاجة مخيّر في ذلك من غير ترجيح بلا خلاف،بل في صريح المسالك و ظاهر غيره الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أنّ الضرورات تبيح المحظورات كما دلّ عليه الإجماع و الأدلّة الأُخر العقلية و النقلية،و خصوصِ النصوص المعتبرة.

ففي الصحيح:عن رجل لم يكن بحضرته سكّين،أ يذبح بقصبة؟ فقال:«اذبح بالحجر و العظم و القصبة و العود إذا لم تصب الحديدة،إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» (4).

ص:314


1- الأوّل في:الكافي 6:1/227،التهذيب 9:211/51،الإستبصار 4:294/79،الوسائل 24:7 أبواب الذبائح ب 1 ح 1؛ في الجميع:بحديدة.الثاني في الكافي 6:2/227،التهذيب 9:212/51،الإستبصار 4:295/80،الوسائل 24:7 أبواب الذبائح ب 1 ح 2؛ في الجميع:بحديدة.
2- الموثقة في:الكافي 6:4/227،التهذيب 9:210/51،الإستبصار 4:293/79،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 1 ح 4.الحسنة في:الكافي 6:3/227،التهذيب 9:209/51،الإستبصار 4:292/79،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 1 ح 3.
3- المسالك 2:226؛ و انظر كشف اللثام 2:258.
4- الكافي 6:3/228،التهذيب 9:213/51،الإستبصار 4:296/80،الوسائل 24:9 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

و فيه:عن المروة و القصبة و العود،يذبح بهنّ إذا لم يجد سكّيناً؟ قال:«إذا فرى الأوداج فلا بأس» (1).

و نحوهما غيرهما (2).

و في الظفر و السنّ مع الضرورة تردّد ينشأ من عموم أدلّة إباحة الضرورات للمحظورات،و ظواهر النصوص المتقدّمة حيث اعتبرت قطع الحلقوم و فري الأوداج و لم تعتبر خصوصية القاطع و هو موجود فيهما، مضافاً إلى إطلاق العظم في بعضها الشامل لهما.

و من أصالة الحرمة و دعوى الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية (3)على المنع عنهما إجماع الإمامية،و لذا قالا به مستدلّين بالاحتياط،و الروايةِ العامية:«ما أنهر الدم و ذكر اسم اللّه تعالى عليه فكلوا ما لم يكن سنّاً أو ظفراً و ساُحدّثكم عن ذلك،أمّا السنّ فعظم،و أمّا الظفر فمدى الحبشة» (4).

و الأوّل أقوى كما عليه كافّة متأخّري أصحابنا،وفاقاً للحلّي نافياً الخلاف فيه بيننا (5).و هو عليه حجّة أُخرى يعارض به الإجماع الذي مضى،مع كونه موهوناً بندرة القائل بالمنع جدّاً؛ إذ ليس إلّا الناقل له و الإسكافي (6)من القدماء،و تبعه الشهيد في بعض كتبه من متأخّري

ص:315


1- الكافي 6:2/228،التهذيب 9:214/52،الإستبصار 4:297/80،الوسائل 24:8 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.
2- الفقيه 3:955/208،الوسائل 24:9 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.
3- الخلاف 6:22،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- سنن البيهقي 9:246،مستند أحمد 3:463،سنن ابن ماجة 2:3178/1061،صحيح البخاري 7:118،صحيح مسلم 3:20/1558،سنن أبي داود 3:2821/102.
5- السرائر 3:86.
6- كما نقله عنه في المختلف:673.

أصحابنا (1).

هذا مع أنّه غير معلوم كون مورد الإجماع في كلامه المنع عنهما حال الاضطرار؛ لاحتمال كون المنع حال الاختيار و قد نزّله عليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس (2)،مدّعيين ظهور التنزيل بأنّ الناقل جوّز مثل ذلك في التهذيب عند الضرورة.و في دعوى الظهور بذلك نوع مناقشة.

و كيف كان،فقبول مثل هذا الإجماع الذي بهذه المثابة لا يخلو عن مناقشة.

و أمّا الرواية العامية فضعيفة سنداً و مكافأة لما مرّ من الأدلّة،مع غرابة تعليل المنع فيها عن الظفر بأنّه مدى الحبشة،و ربما يستفاد منه كون النهي للكراهة.

و ظاهر القولين عدم الفرق في الجواز و المنع بين كونهما متّصلين أو منفصلين.و نسبه في المهذّب و شرح الشرائع للصيمري إلى الأصحاب (3)، ناقلين الفرق بينهما بذلك عن أبي حنيفة حيث قال بالجواز في الثاني، و المنع في الأوّل،معلّلاً بأنّ ذلك أشبه بالأكل و التقطيع،و المقتضي للتذكية هو الذبح.

و ربما احتمله الشهيد الثاني (4)،و هو أحوط،و أحوط منه القول بالمنع المطلق.

ص:316


1- غاية المراد 3:513.
2- المختلف:673،الدروس 2:412.
3- المهذّب 4:166،غاية المرام 4:20.
4- الروضة البهية 7:214.

و على تقدير الجواز هل يساويان غيرهما ممّا يفري غير الحديد،أو يترتّبان على غيرهما مطلقاً متّصلين كانا أم لا؟مقتضى الاستدلال بالنصوص:الأوّل.و في الدروس (1)استقرب الجواز بهما مطلقاً مع عدم غيرهما،و هي ظاهرة في اللمعة أيضاً (2)،و لا ريب أنّه أحوط و أولى.

الثالث في الكيفيّة

اشارة

الثالث: في بيان الكيفيّة كيفية الذبح.

و هي قطع الأعضاء الأربعة في المذبوح المريء بفتح الميم و كسر الراء و الهمزة مع الياء من غير مدّ،و هو مجرى الطعام المتّصل بالحلقوم من تحته، و الودجان بفتح الواو و الدال المهملة،و هما عرقان محيطان بالحلقوم على ما ذكره جماعة (3)أو المريء على ما ذكره بعضهم (4) و الحلقوم بضمّ الحاء المهملة،و هو مجرى النفس.

و اشتراط قطعها هو المشهور بين الطائفة كما ادّعاه الماتن في الشرائع و جماعة (5)،بل في ظاهر الغنية فيما عدا المريء (6)و صريح المهذّب و المفلح الصيمري (7)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أصالة الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا إطلاق

ص:317


1- الدروس 2:411.
2- اللمعة(الروضة البهية 7):213.
3- القواعد 2:154،الدروس 2:412،المهذّب البارع 4:167،الروضة البهية 7:221.
4- المفاتيح 2:201،كشف اللثام 2:259.
5- الشرائع 3:205،المسالك 2:226،الكفاية:246،كشف اللثام 2:258.
6- كذا في النسخ،و لكن اشتراط قطع المريء موجود في الغنية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية(ص 618).نعم،لا يوجد في الغنية المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية 21:145.
7- المهذّب البارع 4:168،غاية المرام 4:21.

الكتاب و السنّة بحلّ ما تحقّق فيه التذكية، و ما في الرواية الصحيحة المتقدّمة (1)في جواز التذكية بغير الحديد مع الضرورة من أنّه إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس و المناقشة فيهما واضحة؛ لعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى ما قطع أوداجه الأربعة مع أنّها واردة لبيان حكم آخر غير الكيفية؛ و معارضة الصحيح بمثلها المذكور تلوها ثمّة لصراحتها في اشتراط فري الأوداج.و البأس المفهوم منه على تقدير عدم فريها و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّها مرادة بقرينة السؤال الواقع في الظاهر عن الجواز و الرخصة كالصحيحة الاُولى.

و المناقشة (2)بأنّ دلالة هذه بالمفهوم و تلك بالمنطوق،و هو أرجح من المفهوم.

مخدوشةٌ أوّلاً:بمنع الرجحان.

و ثانياً:على تقدير تسليمه معارض برجحان إرادة الأوداج من الحلقوم في تلك الصحيحة،من حيث غلبة استعماله فيها،و شيوع التذكية بفريها دون الحلقوم الحقيقي خاصّة،مع أنّ قطعه يستلزم قطعها غالباً؛ لغاية اتّصالها بعضاً ببعض،و عليه نبّه الفاضل المقداد في شرح الكتاب فقال:إنّ الأوداج الأربعة متّصلة بعضها مع بعض،فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بُدّ أن ينقطع الباقي معه،و لذلك ليس في الروايتين ذكر المريء (3).

ص:318


1- في ص 313.
2- الكفاية:246.
3- التنقيح الرائع 4:20.

و حيث تعارض الرجحان و المرجوحية فيهما فلا بدّ من الترجيح، و هو في جانب الرواية الثانية؛ للأصل و الاعتضاد بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة،مع ندرة القائل بالرواية المعارضة؛ إذ ليس إلّا الإسكافي كما حكاه جماعة (1).

و ما يقال:من أنّ هذه الرواية المعارضة أصحّ سنداً من رواية الأوداج،فضعيف جدّاً؛ إذ ليس في سندها سوى إبراهيم بن هاشم الثقة على الصحيح و لذا عدّ رواياته في جملة الأبواب من الصحيح،وفاقاً لجماعة من المحقّقين (2).و على تقدير حسنه كما هو المشهور و عليه بناء القول فهي بسند آخر في الكافي صحيحة عند الكلّ مرويّة.

و أمّا ما ربما يناقش في دلالتها بعدم ظهورها في اعتبار قطع الأوداج المعتبر عند القائلين بها،و إنّما غايتها الدلالة على اشتراط فريها،و هو أعمّ من القطع جدّاً الصادق على مجرّد الشقّ المجامع لعدم القطع أيضاً كما عن الهروي (3).

فيمكن الذبّ عنه أوّلاً:بأنّ الموجود في بعض ما عندي من كتب اللّغة تفسيره بما هو ظاهر في القطع،بل ما هو صريح فيه،و حكي أيضاً عن القاموس و الصحاح (4).

و ثانياً:بأنّ المتبادر من الفري حيث يطلق في التذكية هو:ما يحصل

ص:319


1- منهم:العلّامة في المختلف:690،و الشهيد الثاني في المسالك 2:226،و السبزواري في الكفاية:246.
2- منهم:الشهيد في المسالك 1:52،و صاحبا المدارك 6:181،و الحدائق 12:73،77،81.
3- غريب الحديث 2:292،و قد حكاه عنه في المسالك 2:226.
4- القاموس 4:376،الصحاح 6:2453.

به القطع بحكم التبادر و الغلبة.

و ثالثاً:بأنّ حمله على الأعمّ على تقدير تسليمه مخالف للإجماع،إذ القول بعدم الاكتفاء بقطع الحلقوم و لزوم فريها بمعنى الشقّ لم يذهب إليه أحد من أصحابنا حتّى العماني؛ لأنّه و إن اكتفى بالشقّ إلّا أنّه اكتفى بقطع الحلقوم أيضاً مخيّراً بينهما،و هو غير ما دلّت عليه الرواية من لزوم فري الأوداج خاصّة،فهذا الإجماع أقوى قرينة على إرادة القطع من الفري فيها،مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة.

(و أربعاً:بأنّ الفري فيه بالنظر إلى الحلقوم بمعنى القطع إجماعاً، فينبغي أن يكون بالنظر إلى الباقي كذلك،و إلّا لزم استعمال اللفظ الواحد في استعمال واحد في معنيين حقيقيين،أو مجازيين،و هو غير مرضيّ عند المحقّقين.فتأمّل.

و خامساً:بأنّ الأوداج تشمل المريء المفسّر في كلامه و كلام غيره (1)بما تحت الحلقوم،و شقّه غير ممكن إلّا بقطع ما فوقه من الأوداج،فإذا ثبت وجوب قطعها من هذه الرواية و لو من باب المقدّمة ثبت وجوب قطع الجميع؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة حتّى من لم يعتبر المريء،فإنّه لم يعتبره مطلقاً لا قطعاً و لا شقّاً،و أمّا اعتباره شقّاً خاصّةً لا قطعاً فلم يقل به بالضرورة) (2).

و اعلم أنّ ظاهر الفاضل في المختلف التردّد في لزوم قطع المريء (3).

ص:320


1- انظر المسالك 2:226،و الكفاية:246.
2- ما بين القوسين أضفناه من«ر» و«ح».
3- المختلف:690.

و يردّه صريحاً الإجماعات المزبورة،إلّا أنّ ظاهر الغنية (1)الموافقة له حيث لم يذكر المريء و اكتفى بذكر الحلقوم و الودجين خاصّة.

و لعلّه لولا الإجماع المحكيّ لا يخلو عن قوّة؛ لعدم ذكر المريء في الروايتين،و الأوداج في الثانية غير ظاهرة الشمول له؛ إذ المراد بها إمّا المعنى الحقيقي،و الجمع جمع مجازي منطقي،فهي لا تشمل الحلقوم فضلاً عن المريء،أو المعنى المجازي مراعاةً لحقيقة الجمع،و هي تحصل بضمّ الحلقوم إلى الودجين و لا يحتاج في صدقها إلى ضمّ المريء.

و اعلم:أنّ محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر؛ لأصالة التحريم في غيره،مع عدم انصراف الإطلاقات إلّا إلى تحت اللحيين،لأنّه المعروف المتعارف فيجب حملها عليه.

و في الصحيح:«لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» (2).

و النحر محلّه وهدة اللَّبّة. و لا يعتبر فيه قطع الأعضاء الأربعة،بل يكفي في النحر الطعن في الثغرة التي هي وهدة اللَّبّة بفتح اللام و تشديد الموحّدة،بمعنى إدخال السكّين و نحوها فيها من غير قطع الحلقوم و غيره أصلاً.

و لا خلاف فيه بيننا،بل في ظاهر المسالك و صريح الكفاية (3)أنّ عليه إجماعنا،و في الصحيح:«النحر في اللبّة،و الذبح في الحلقوم» (4).

و يشترط في التذكية استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان، و

ص:321


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618،راجع الهامش(4)من ص 16.
2- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.
3- المسالك 2:226،الكفاية:246.
4- الكافي 6:1/228،التهذيب 9:217/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 2.

كذا التسمية بأنّ يذكر اللّه تعالى عند الذبح أو النحر كما تقتضيه الآيات القرآنية.

فلو أخلّ بهما (1)[أو بأحدهما] عمداً لم يحلّ بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة (2)؛ و هو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة(في الأوّل) (3)في اثنين منها:عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟فقال:«لا بأس إذا لم يتعمّد» (4).

و في الثالث:عن رجل ذبح ذبيحة،فجهل أن يوجّهها إلى القبلة؟ قال:«كل منها» قلت:فإنّه لم يوجّهها،قال:«فلا تأكل منها» إلى أن قال:

«إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» (5)و نحو ذيله:الرابع (6).

و المتبادر منها و من العبارة و غيرها اعتبار الاستقبال بجميع مقاديم بدن الذبيحة،لا مذبحها أو منحرها خاصّة،كما استقربه جماعة (7).هذا مضافاً إلى الأصل،و عدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى الذبيحة المستقبل بجميع مقاديمها القبلة.

و منه يظهر قوّة احتمال اعتبار استقبال الذابح أيضاً،مضافاً إلى أنّه

ص:322


1- في المختصر المطبوع و نسخة«ر»:بأحدهما.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:226،و السبزواري في الكفاية:246،247،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:198،199.
3- أثبتناه من«ر» و«ح».
4- الكافي 6:3/233،4،التهذيب 9:250/59،251،الوسائل 24:28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3،4.
5- الكافي 6:1/233،التهذيب 9:253/60،الوسائل 24:27 أبواب الذبائح ب 14 ح 2.
6- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:27 أبواب الذبائح ب 14 ح 1.
7- المسالك 2:226،الكفاية:246.

المتبادر من العبارة و الرواية الأخيرة،حيث وقع فيهما التعدية بالباء.

إلّا أنّ عدم الاعتبار هنا محتمل؛ للتردّد في التبادر باحتمال إفادة التعدية بالباء هنا المعنى المستفاد من التعدية بالهمزة كما في قوله سبحانه ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ [1] (1) أي أذهبه،مع أنّ إطلاق الخبرين الأوّلين ربّما دلّ على كفاية كون الذبيحة للقبلة مستقبلة.

لكن الدلالة بعد لعلّها لا تخلو عن شوب مناقشة سيّما بعد ورود الإطلاق مورد الغلبة،و هي استقبال الذابح لها بلا شبهة.و كيف كان، فالاحتياط باستقباله لعلّه لازم البتّة.

و صريح الكتاب (2)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في الثاني (3).

و في الصحيح:عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه؟ قال:«هذا كلّه من أسماء اللّه تعالى،و لا بأس به» (4).

و يستفاد منه:كفاية مطلق الاسم،و به صرّح جماعة (5)من غير خلاف بينهم أجده.

و في اعتبار العربية وجهان:أجودهما ذلك.

و لو كان أخلّ بهما نسياناً حلّ إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة، منها:الصحيحان المتقدّمان في الأوّل.و الصحيح:عن الرجل

ص:323


1- البقرة:17.
2- الأنعام:118.
3- الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15.
4- الكافي 6:5/234،الفقيه 3:978/211،التهذيب 9:249/59،الوسائل 24:31 أبواب الذبائح ب 16 ح 1.
5- منهم:المحقق في الشرائع 3:205،و العلّامة في التحرير 2:159،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:198.

يذبح و لا يسمّي،قال:«إن كان ناسياً فلا بأس عليه» (1)في الثاني.

و في الصحيح:عن رجل ذبح و لم يسمّ؟فقال:«إن كان ناسياً فليسمّ حين يذكر،و يقول:بسم اللّه على أوّله و آخره» (2)و ظاهره الوجوب عند الذكر،و لا قائل به،فليحمل على الاستحباب،و هو نظير ما ورد في نسيانها على الأكل.

و الأقوى الاكتفاء بها و إن لم يعتقد وجوبها؛ لعموم النصوص و الحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها،بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحوم من غير سؤال كما يأتي.

و اعتبر الفاضل (3)كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب.

و هو ضعيف؛ لمخالفته هذه النصوص،فإنّ أكثر المخالفين يستحلّون ذبائحهم.

ثمّ إنّ ظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (4)اختصاص الحلّ مع الترك بالنسيان،فلو أخلّ بهما جهلاً لم يحلّ.لكن مقتضى الصحيح الثالث المتقدّم في المقام الأوّل ثبوت الحلّ معه أيضاً،و به صرّح الفاضل في الإرشاد (5)و جماعة (6).

ص:324


1- الكافي 6:2/233،التهذيب 9:252/60،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.
2- الكافي 6:4/233،الفقيه 3:977/211،التهذيب 9:250/59،الوسائل 24:30 أبواب الذبائح ب 15 ح 4.
3- انظر التحرير 2:159.
4- كالشيخ في النهاية:583،و الشهيد الأوّل في الدروس 2:413،و العلّامة في التبصرة:165،و السبزواري في الكفاية:247.
5- الإرشاد 2:108.
6- كالشهيد الثاني في الروضة البهية 7:216،و انظر ملاذ الأخيار 14:223،مفاتيح الشرائع 2:200.

و أمّا إلحاق المقام الثاني به في ذلك كما يظهر من المقدّس الأردبيلي (1)رحمه الله فلم أر من صرّح به،بل ظاهر شيخنا الشهيد الثاني (2)التردّد فيه.و لعلّه في محلّه،من اختصاص النصّ بالحلّ مع الترك جهلاً بالمقام الأوّل،و إلحاقه به قياس؛ و من كون الجهل كالنسيان في المعنى المسوِّغ للأكل،و لذا تساويا حكماً في ترك الاستقبال.و هو كما ترى، فالأوّل أقوى.

و يشترط فيها أيضاً نحر الإبل و ذبح ما عداها،فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحلّ بلا خلاف فيه بيننا،بل عليه في الخلاف و الغنية و السرائر و كلام شيخنا الشهيد الثاني و تابعيه (3)إجماعنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة.

منها الصحيح:عن ذبح البقر في المنحر؟فقال:«للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي» (4).

و نحوه:الموثق:إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر،و إنّما ينحرون في اللبّة فما ترى في أكل لحمها؟قال:فقال عليه السلام:« فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ [1] (5)لا تأكل إلّا ما ذبح» (6).

ص:325


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:115.
2- الروضة البهية 7:219.
3- الخلاف 6:25،الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:107،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:219،و تبعه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:259،مفاتيح الشرائع 2:201.
4- الكافي 6:2/228،التهذيب 9:218/53،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 1.
5- البقرة:71.
6- الكافي 6:3/229،التهذيب 9:219/53،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.و الآية في البقرة:71.

و في الصحيح:«لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» (1).

و في المرسل:«كلّ منحور مذبوح حرام،و كلّ مذبوح منحور حرام» (2).

و وجه دلالتهما على المطلوب واضح و إن لم يظهر منهما كون النحر في الإبل و الذبح في غيره،لكنّه ظاهر من الخارج؛ لاستقرار التعارف بين المسلمين على ذلك،مع أنّه لا خلاف بينهم في شرعيّته،و به صرّح في الخلاف و الغنية فقالا:و النحر في الإبل و الذبح فيما عداها هو السنّة الشرعية بلا خلاف.

ثم قالا:و لا يجوز في الإبل الذبح و فيما عداها النحر،فإن فعل ذلك لم يحلّ الأكل بدليل إجماع الطائفة (3).

هذا مضافاً إلى ما سيأتي فيما يتعذّر ذبحه أو نحره من الخبرين الدالّين على أنّ النحر في الإبل،و نحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة؛ و يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الذبح في غيرها،و حيث ثبت ذلك ظهر وجه دلالة الروايتين على عدم حلّ الإبل بذبحها و غيرها بنحره،مع أنّ الخبرين الأوّلين دالّان عليه أيضاً بمعونة الإجماع المركّب،فتدبّر.

فما يستفاد من المقدّس الأردبيلي رحمه الله و الكفاية (4)،تبعاً لبعض حواشي شيخنا الشهيد الثاني،من عدم قيام دليل صالح على التفصيل بين الإبل فنحرها،و غيره فذبحه؛ منظور فيه.

ص:326


1- الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.
2- الفقيه 3:968/210،الوسائل 24:14 أبواب الذبائح ب 5 ح 3.
3- الخلاف 6:48،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:119،الكفاية:247.

و أمّا الخبر الدالّ على أمر النبي صلى الله عليه و آله بنحر الفرس (1)،فمع ضعف سنده و عدم مقاومته لما مرّ،محمول على التقية بلا شبهة،و يشهد له كون بعض رواته من العامّة،فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يسقط اعتبارهما مع التعذّر كاستعصائه أو حصوله في موضع لا يتمكّن المذكّي من الوصول إلى موضع ذكاته،فيعقر بالسيف و نحوه، و يحلّ و إن لم يصادف العقر موضع الذكاة كما يأتي.

ثم لو أدرك ما يعتبر من الذبح أو النحر بعد فعل الآخر به حلّ عند الشيخ (2)و جماعة (3)،و تردّد فيه الماتن في الشرائع (4).

قيل:نظراً إلى أنّ شرط الحلّ وقوع التذكية في حال استقرار الحياة، و هو مفقود هنا؛ لأنّ الفعل السابق يرفع استقرار الحياة،فلا يؤثّر في الحلّ وقوع النحر أو الذبح لاحقاً.و التحقيق أنّ الأمر مبنيّ على تحقيق ما يعتبر في الحلّ هل هو استقرار الحياة،أو الحركة بعد الذبح و خروج الدم،أو أحد الأمرين؟فيبني الحلّ أو الحرمة عليه (5).

و محلّ هذا التحقيق قول الماتن:

و لا يحلّ الذبيحة و لو مع الشرائط المتقدمة حتى يتحرّك بعد التذكية حركة الحيّ،و أدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين أو تركض الرجل كما في النصوص الآتية.

ص:327


1- التهذيب 9:201/48،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 4.
2- النهاية:583.
3- منهم العلّامة في القواعد 2:154،و الشهيد في المسالك 2:227،228،و السبزواري في كفاية الأحكام:248.
4- الشرائع 3:205.
5- كفاية الأحكام:247.

و يعتبر مع ذلك أن يخرج الدم المعتدل لا المتثاقل،فلو حصل أحدهما خاصّة لم يكن فيه كفاية،وفاقاً للمفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (1)،مدّعياً الإجماع عليه.

و هو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة الدالّة جملة منها مستفيضة على اعتبار الحركة خاصة،كالصحيح:عن الذبيحة،فقال:«إذا تحرّك الذنب،أو الطرف،أو الاُذن فهي ذكية» (2)و نحوه الصحيح الآخر (3).

و الخبر:«إذا طرفت عينها،أو حركت ذنبها فهي ذكيّة» (4)و نحوه غيره (5).

و جملة منها على اعتبار خروج الدم المعتدل كالصحيحين:عن مسلم ذبح فسمّى فسبقت مدْيته فأبان الرأس،فقال:«إذا خرج الدم فكل» (6).

و الخبر في رجل ضرب بقرة بفأس فسقطت،قال:«إن كان حين ذبح

ص:328


1- المفيد في المقنعة:580،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:681،القاضي في المهذّب 2:428،الديلمي في المراسم:209،الحلبي في الكافي في الفقه:320،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:5/233،التهذيب 9:235/56،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 3.
3- التهذيب 9:241/58،الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.
4- الكافي 6:6/233،التهذيب 9:234/56،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 4.
5- الكافي 6:3/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.
6- الأوّل في:الكافي 6:2/230،الفقيه 3:960/208،التهذيب 9:230/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.الثاني في:التهذيب 9:239/57،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ذيل الحديث 2.و فيهما:فسبقته حديدته.

خرج الدم معتدلاً فكلوا و أطعموا،و إن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه» (1)هذا.

مضافاً إلى أصالة الحرمة و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه بين الطائفة،و ليس إلّا ما اجتمع فيه الأمران بعد التذكية.

و قيل:يكفي الحركة دون خروج الدم،كما عن الصدوق و اختاره في المختلف (2)،و هو في غاية القوة لولا الإجماع المتقدّم إليه الإشارة الجامع بين الأدلّة فأوّلاً:باستفاضة نصوصه و صراحتها،بخلاف النصوص الأخيرة؛ لورود الصحيحين منها في غير المشتبه حياته و موته،بل المستقرّ حياته استقراراً يظنّ ببقائه زماناً يحتمله،و إنّما إشكال السائل فيهما من حيث قطع الرأس بسبق المدية،و لا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها بعد التذكية.

و أمّا الرواية الأخيرة فهي و إن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة كما صرّح به جماعة (3)واردة،إلّا أنّها مع قصور سندهما غير صريحة،بل ظاهرة؛ لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية،سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلاً بعد التذكية،و لا كذلك الذبيحة المشتبهة المتحرّكة بعدها حركة ما جزئيّة،فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلةً،هذا.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة في عدم كفاية خروج الدم و أنّه لا بُدَّ من الحركة:عن الشاة تذبح فلا تتحرّك،و يهراق منها دم كثير عبيط،فقال

ص:329


1- الكافي 6:2/232،التهذيب 9:236/56،الوسائل 24:25 أبواب الذبائح ب 12 ح 2.
2- الصدوق في المقنع:139،المختلف:681.
3- منهم:العلّامة في المختلف:681،و الشهيد الأول في الدروس 2:414؛ و انظر المسالك 2:227،و كفاية الأحكام:248.

«لا تأكل،إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» (1).

و منها يظهر ضعف ما قيل بأنّه يكفي أحدهما كما عن النهاية و الحلّي (2) و هو أشبه و أشهر بين المتأخرين،مضافاً إلى ضعف مستنده؛ إذ ليس إلّا الجمع بين النصوص المختلفة المتقدّمة بالتخيير، و الحجّة عليه غير واضحة عدا الشهرة المتأخّرة،و هي مع أنّها ليست بحجّة معارضة بالشهرة المتقدّمة و إجماع الغنية (3)،و هما أوضح شاهد على ما قدّمنا إليه الإشارة من الجمع المعتضد زيادةً على ذلك بأصالة الحرمة و صريح الصحيحة الأخيرة على عدم كفاية خروج الدم.

و فيها بيان لما أجمله كثير من الروايات السابقة من محلّ الحركة هل هو قبل الذبح أو بعده؟و ظاهرة في كونه الثاني،كما عليه الأصحاب كافّة و ادّعى عليه في الغنية إجماع الإمامية،بل في ذلك صريحة؛ لوقوع السؤال فيها عن الحلّ مع عدم الحركة بعد التذكية لا قبله بمقتضى الفاء المفيدة للترتيب بلا شبهة،مع وقوع الجواب عنه بالنهي عن الأكل مطلقاً و لو حصلت له حركة سابقة على التذكية من حيث فقد تلك الحركة المتأخّرة، لظاهر استشهاده عليه السلام للنهي بقول علي عليه السلام:«إذا ركضت الرجل» إلى آخره.

نعم،في بعض الأخبار المتقدّمة ما ظاهره اعتبار الحركة قبل التذكية، كالخبرين في كتاب عليّ عليه السلام:«إذا طرفت العين،أو ركضت الرجل،أو

ص:330


1- الفقيه 3:962/209،التهذيب 9:240/57،الوسائل 24:24 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.
2- النهاية:584،الحلّي في السرائر 3:110.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

تحرّك الذنب فأدركته فذكّه» كما في أحدهما (1).

و في الثاني:«فكل منه فقد أدركت ذكاته» (2).

و في الثالث:«إذا شككت في حياة الشاة،فرأيت تطرف عينها،أو تحرّك أو تمصع (3)بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال» (4).

لكنّها مشتركة في قصور السند،محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأوّل بنوع من التوجيه و إن بعد في الثالث دون الأوّلين،لتضمّنهما نقل الحكم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام،و هو مختصّ بالحركة بعد الذبح كما نصّت عليه الصحيحة السابقة مع تضمّنها النقل المزبور عنه عليه السلام الكاشف عن كونه المراد منه حيث يذكر،فتدبّر.

و أعلم:أنّ ظاهر العبارة و نحوها من عبائر قدماء الطائفة عدم اعتبار شيء آخر بعد خروج الدم و الحركة،من استقرار الحياة المشتهر اعتباره بنين المتأخّرين.

و حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره الشهيد الثاني و المفلح الصيمري من قِبَلهم من أنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة الميتة،و أنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها،بل السابق أولى و صار كأنّ هلاكه بذلك السبب،فيكون ميتة (5).

ص:331


1- الكافي 6:1/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.
2- الكافي 6:3/232،التهذيب 9:237/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.
3- المَصع:الحركة و الضرب.النهاية لابن الأثير 4:337.
4- الكافي 6:4/232،التهذيب 9:238/57،الوسائل 24:23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5.
5- الشهيد الثاني في المسالك 2:229،الصيمري في غاية المرام 4:21،24.

و هو حسن معتضد بالأصل،مع اختصاص الإطلاقات كتاباً و سنّةً بحلّ المذكّى بحكم التبادر و الغلبة بغير مفروض المسألة،و هو ما ذكّي و حياته مستقرّة،إلّا أنّه مخالف لظواهر الكتاب و السنّة النافية لاعتبار استقرار الحياة،كاستثناء إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ [1] (1)من النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع.

و في الصحيح في تفسيرها:«إن أدركت شيئاً منها و عين تطرف،أو قائمة تركض،أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكل» (2).

و قد عرفت أنّ الأخبار بمعناه مستفيضة،و المتبادر من الذبيحة فيها ما كانت حياته غير مستقرّة.

مع أنّه قال نجيب الدين يحيى بن سعيد:إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب (3).و إليه ميل الشهيدين و المفلح الصيمري (4)،و كثير ممن تأخّر عنهم (5)،بل قال ثانيهما:ينبغي أن يكون عليه العمل.و قال أوّلهما:

يرجع على القول باعتباره إلى القرائن المفيدة للظنّ،و مع الاشتباه إلى الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل.

و في حرمة إبانة الرأس بالذبح كما عليه الإسكافي و المفيد و ابن حمزة و القاضي و عن النهاية (6)،و اختاره الفاضل في المختلف

ص:332


1- المائدة:3.
2- التهذيب 9:241/58،الوسائل 24:22 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.
3- لم نعثر عليه في الجامع للشرائع،حكاه عنه الشهيد في الدروس 2:415.
4- الشهيد الأول في الدروس 2:415،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:227،غاية المرام 4:24.
5- الكفاية:248،كشف اللثام 2:259،مفاتيح الشرائع 2:202.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:680،المفيد في المقنعة:580،ابن حمزة في الوسيلة:360،القاضي في المهذب 2:440،النهاية:584.

و الشهيدان (1)و غيرهما (2).

أم كراهته كما عليه الخلاف و الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير (3)و كثير (4)،و نفى الثاني عنه الخلاف بين المحصلين.

قولان.و المرويّ في الصحاح أنّها تحرم لتضمّنها النهي عنها.

فمنها:عن رجل ذبح طيراً فقطع رأسه،أ يؤكل منه؟قال:«نعم، و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» (5).

و منها:الصحيحان الآتيان الناهيان عن نخع الذبيحة،و الإبانة تستلزمه بلا شبهة.

قيل (6):و منها الصحيح:عن الرجل يذبح و لا يسمّي،قال:«إذا كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً،و كان يحسن أن يذبح،و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» (7).

و فيه نظر:فأولاً:بعدم معلومية كون«لا» نهياً،بل يحتمل كونها نفياً و كون مدخولها معها معطوفاً على«يحسن».و تقدير الكلام حينئذ:لا بأس إذا كان لا يقطع الرقبة.و غايته حينئذ ثبوت البأس مع القطع،و هو أعمّ من

ص:333


1- المختلف:680،الشهيد الأول في الدروس 2:415،الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:233.
2- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:53،الحلّي في السرائر 3:107،الشرائع 3:205،الإرشاد 2:109،القواعد 2:155،التحرير 2:159.
4- انظر مفاتيح الشرائع 2:203،و الكفاية:247،و كشف اللثام 2:259.
5- الفقيه 3:963/209،الوسائل 24:18 أبواب الذبائح ب 9 ح 5.
6- الروضة البهية 7:233.
7- الكافي 6:2/233،التهذيب 9:252/60،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.

التحريم.

و ثانياً:بأنّ النهي فيه على تقدير تسليمه مخصوص بصورة ترك التسمية و لم يكن مطلقاً،فهو أخصّ من المدّعى.

و يمكن الذبّ عنهما:

فالثاني:بعدم القائل بالفرق بين تلك الصورة و غيرها.

و الأوّل:بكون البأس فيه للتحريم بشهادة السياق؛ لتضمّنه أولاً:

السؤال الواقع في الظاهر عن الإباحة و عدم الحرمة.و ثانياً:مقارنة لا يقطع بلا ينخع،و هو للتحريم كما يأتي إليه الإشارة.لكن هذه الشهادة تدلّ على حرمة الذبيحة على تقدير الإبانة لا حرمتها،فإنّ مناط الشهادة وقوع السؤال عن الإباحة،و لا ريب أنّ متعلّقها فيه هو الذبيحة لا الإبانة،و لا ملازمة بين حرمة الذبيحة و حرمة الإبانة،فقد تكون مكروهة و الذبيحة محرّمة كما عليه بعض الطائفة (1).

و كيف كان،القول الثاني ضعيف غايته،مع أنّه لا مستند له عدا أصالة الإباحة،و هي بتلك الصحاح مخصّصة،و حمل النهي فيها على الكراهة لا وجه له.

و يستفاد من الصحيحة الأُولى منها إباحة الذبيحة على تقدير المخالفة،و يعضده عمومات الأدلّة أو إطلاقاتها كتاباً و سنّةً على إباحة ما ذكر عليه اسم اللّه سبحانه.و عليه الشيخ في الخلاف و الفاضل في المختلف و ولده فخر المحققين و الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (2)،

ص:334


1- حكاه عن الخلاف في المختلف:680،و المهذب البارع 4:171.و الموجود في الخلاف 6:53 كراهة الإبانة و إباحة الأكل.
2- الخلاف 6:53،المختلف:685،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4:127،الدروس 2:415،المسالك 2:227،الروضة 7:232.

و ادّعى الأوّل عليه إجماع الصحابة،قال بعدها:و روى عن علي عليه السلام أنّه سئل عن بعير ضرب عنقه بالسيف فقال:«يؤكل» و عمران بن حصين قيل له:رجل ذبح بطّة فأبان رأسها فقال:تؤكل.و عن ابن عمر نحوه، و لا مخالف لهم.

خلافاً لصريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة بل و الإسكافي و القاضي (1)أيضاً كما يظهر من عبارتهما المحكية،فاختاروا الحرمة.

و ليس بذلك البعيد لولا ما مرّ من الصحيحة المعتضدة بالشهرة و إطلاقات الكتاب و السنة،و ما تقدّم من حكاية عدم الخلاف بين الصحابة الذين منهم أمير المؤمنين عليه السلام و هو سيّدهم،و قوله حجّة.

و ذلك للإجماع المنقول في الغنية،و دلالة كثير من النصوص على الحرمة.

منها:الصحيحة الأخيرة؛ لظهورها في ثبوت البأس في الذبيحة مع الإبانة،و هو فيها للتحريم كما مرّ إليه الإشارة.

و نحوها:صحيحة أُخرى:عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي،أتوكل ذبيحته؟فقال:«نعم إذا كان لا يتّهم،و كان يحسن الذبح قبل ذلك، و لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتّى تبرد الذبيحة» (2).

و الموثقة:عن الرجل يذبح،فتسرع السكّين،فتبين الرأس؟فقال:

«الذكاة الوحيّة (3)لا بأس بأكلها إذا لم يتعمّد ذلك» (4).

ص:335


1- النهاية:584،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،ابن حمزة في الوسيلة:660،و نقله عن الإسكافي في المختلف:680،القاضي في المهذب 2:440.
2- الكافي 6:3/233،الفقيه 3:979/211،التهذيب 9:251/59،الوسائل 24:29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.
3- الوَحِيّ:السريع.يقال:موت وَحِيٌّ.الصحاح 6:2520.
4- الكافي 6:3/230،التهذيب 9:231/56،الوسائل 24:18 أبواب الذبائح ب 9 ح 3.

إلّا أنّه يمكن الذبّ عن جميعها،فالإجماع:بعدم صراحة حكايته على المقام و احتمال رجوعه إلى شيء آخر غيره.و الصحيحتان:بأنّ بناء الدلالة فيهما على كون«لا» نفياً معطوفاً على ما سبقها،لا نهياً أو نفياً مستأنفاً.و في تعيّن المبنى عليه نظر جدّاً؛ لاحتمال الأخيرين فيهما أيضاً احتمالاً متساوياً لسابقهما.

و الثالثة:بأنّ غايتها الدلالة على ثبوت البأس مع تعمّد الإبانة و هو أعمّ من التحريم.و لو سلّمت الدلالة بنحو من التوجيه المتقدّم إليه الإشارة فهي بحسب السند قاصرة و عن المكافأة لما مرّ من أدلّة الإباحة ضعيفة.

ثم إنّ القول بتحريمها على تقديره أو الكراهة إنّما هو مع تعمّد الإبانة.

و أمّا مع عدمه كما لو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة و لا يكره قولاً واحداً؛ للصحيحة الاُولى و الموثّقة المذكورة أخيراً،و نحوهما صحيحتان أُخريان.

في إحداهما:عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه،فقال:«هو ذكاة وَحِيّة لا بأس به و بأكله» (1)و نحوها الثانية (2).

يستحبّ في الغنم ربط يدي المذبوح و إحدى رجليه و إمساك صوفه أو شعره حتى يبرد و في البقر عقل يديه و رجليه و إطلاق ذنبه.و في الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه.و في الطير إرساله

و يستحبّ في ذبح الغنم ربط يدي المذبوح منه و إحدى رجليه و إطلاق الأُخرى و إمساك صوفه أو شعره حتى يبرد دون اليد

ص:336


1- الكافي 6:1/230،الفقيه 3:959/208،التهذيب 9:229/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 1.
2- الكافي 6:2/230،الفقيه 3:960/208،التهذيب 9:230/55،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

و الرجل.

و في البقر عقل يديه و رجليه جميعاً و إطلاق ذنبه.و في الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه.و في الطير إرساله بعد الذبح.

قيل:و في الكلّ تحديد الشفْرة و عدم إراءتها للحيوان،و سرعة القطع،و استقبال الذابح القبلة،و عدم تحريكه إيّاه،و لا جرّه من مكان إلى آخر،بل تركه إلى مفارقة الروح،و أن يساق إلى المذبح برفق.و يعرض عليه الماء قبل الذبح،و يمرّ السكّين بقوة،و يجدّ في الإسراع ليكون أوحى و أسهل:أكثر ذلك للنصّ (1).

و في الخبر:عن الذبح،فقال:«إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف، و لا تقلب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم،و تقطعه إلى فوق،و الإرسال للطير خاصّة،فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله،و لا تطعم فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح،و إن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره،و لا تمسكنّ يداً و لا رجلاً،و أمّا البقرة فاعقلها،و أطلق الذنب،و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه،و أطلق رجليه،و إن أفلتك شيء من الطير و أنت تريد ذبحه،أو ندّ عليك (2)فارمه بسهمك،فإذا سقط فذكّه بمنزلة الصيد» (3).

و في المسالك:إنّ المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه أن تجمع يديه و تربطها فيما بين الخفّ و الركبة،و بهذا صرّح في رواية أبي الصباح (4).

ص:337


1- قال به الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:203.
2- نَدَّ البعير:نفر و ذهب على وجهه شارداً.الصحاح 2:543.
3- الكافي 6:4/229،التهذيب 9:227/55،الوسائل 24:10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.
4- الكافي 4:2/497،الفقيه 2:1488/299،التهذيب 5:744/221،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

و في رواية أبي خديجة:أنّه يعقل يدها اليسرى خاصّة (1).و ليس المراد في الأوّل أنّه يعقل خُفّا يديه معاً إلى آباطه،لأنّه لا يستطيع القيام،و المستحب في الإبل أن تكون قائمة.

قال:و المراد في الغنم بقوله:«فلا يمسك يداً و لا رجلاً» أنّه يربط يديه و إحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده (2).

و في استفادة هذه الإرادة من الرواية مناقشة،و بها صرّح المقدس الأردبيلي (3)رحمه الله و صاحب الكفاية (4).اللّهم إلّا أن يجعل وجه الإرادة فتوى الجماعة،و هي و إن لم تبلغ درجة الحجيّة بعد أن تكون عن درجة الإجماع قاصرة،إلّا أنّ التمسّك بها في نحو المسألة ممّا هو من الآداب و السنن المستحبّة لا بأس به،بناءً على جواز المسامحة في أدلّتها،كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،و مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

و يكره الذباحة ليلاً و في نهار يوم الجمعة إلى الزوال بلا خلاف؛ للنصوص.

منها:النبوي:«نهى عن الذبح ليلاً» (5).

و منها:«كان علي بن الحسين عليهما السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتّى يطلع الفجر» (6).

ص:338


1- الكافي 4:8/498،التهذيب 5:745/221،الوسائل 14:149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
2- المسالك 2:228.
3- مجمع الفائدة و البرهان 11:132.
4- الكفاية:247.
5- سنن البيهقي 9:290 بتفاوت.
6- الكافي 6:2/236،التهذيب 9:254/60،الوسائل 24:40 أبواب الذبائح ب 21 ح 1.

و منها:«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكره الذبح و إراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا لضرورة» (1).

و يكره نخع الذبيحة قبل الموت أي إبلاغ السكين النخاع مثلث النون و هو:الخيط الأبيض وسط الفقار بالفتح ممتدّاً من الرقبة إلى عجب الذنب بفتح العين و سكون الجيم و هو أصله؛ للنهي عنه في الصحيحين:«لا تنخعها حتّى تموت،فإذا ماتت فانخعها» (2).

هذا مضافاً إلى النهي المتقدّم في الصحيح عن الإبانة (3)،و هو يستلزم النخع،فتأمّل جدّاً.

و كيف كان،فحكمه حكمها،و هو تحريم الفعل دون الذبيحة على الأقوى؛ لما مضى.و فتوى الماتن هنا بالكراهة مع ميله إلى حرمة الإبانة سابقاً غير واضح وجهها،مع أنّ المسألتين كما عرفت من باب واحد من حيث النهي فيهما المفيد للتحريم السالم عن المعارض أصلاً.

و قلب السكّين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم و يقطعه إلى خارج؛ للنهي عنه في الخبر السابق.و بظاهره أخذ النهاية و القاضي (4)، و ردّه الحلّي (5)و عامّة المتأخرين فحملوه على الكراهة؛ لقصور السند.و هو أجود.

ص:339


1- الكافي 6:1/236،التهذيب 9:255/60،الوسائل 24:40 أبواب الذبائح ب 20 ح 1.
2- الأول في:الكافي 6:5/229،التهذيب 9:220/53،الوسائل 24:15 أبواب الذبائح ب 6 ح 1.الثاني في:الكافي 6:6/229،التهذيب 9:228/55،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 6 ح 2.
3- راجع ص:332.
4- النهاية:584،القاضي في المهذب 2:440.
5- السرائر 3:109.

و لم يذكر عن القائلين بالتحريم حرمة الذبيحة،و قال بها في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (1).و هو أحوط و إن كان في تعيّن المصير إليه نظر؛ لوهن الدعوى بعدم العثور على موافق له في أصل الفتوى،مع احتمال رجوعها في عبارته إلى شيء آخر غير ما نحن فيه.

و أن يذبح حيوان و حيوان آخر ينظر إليه ؛ للخبر:«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يذبح الشاة عند الشاة،و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه» (2).

و هو مع قصور السند غير ظاهر في التحريم،فلا وجه للقول به كما عن النهاية (3)،بل الأقرب الكراهة كما عن الحلّي (4)و عليه المتأخرون كافّة.

نعم،ورد النهي عنه في الخبر المشارك لما سبقه في قصور السند:

«لا تذبح الشاة عند الشاة،و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه» (5).

و أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم للنهي عنه في الخبر المحمول على الكراهة؛ لقصور السند.و لعلّه لإيراثه قساوة القلب،و اللّه أعلم.

و يحرم سلخ الذبيحة أو قطع شيء منها قبل بردها وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (6)؛ للمرفوعة:«الشاة إذا ذبحت و سلخت،أو سلخ شيء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها» (7).

ص:340


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:7/229،التهذيب 9:232/56،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 7 ح 1.
3- النهاية:584.
4- السرائر 3:109.
5- التهذيب 9:341/80،الوسائل 24:16 أبواب الذبائح ب 7 ذيل حديث 1.
6- النهاية:584،القاضي في المهذب 2:440،ابن حمزة في الوسيلة:360.
7- الكافي 6:8/230،التهذيب 9:233/56،الوسائل 24:17 أبواب الذبائح ب 8 ح 1.

و قيل كما عن الحلّي (1): يكره.و هو أشبه و عليه عامّة من تأخر؛ للأصل و ضعف الخبر.مع عدم دلالته على تحريم الفعل بل غايته حرمة الذبيحة،و لا تلازم بين الأمرين كما مرّ إليه الإشارة.و ذهب في الغنية إلى حرمة الذبيحة مدّعياً عليها إجماع الإمامية (2)،و قد مرّ إلى جوابه الإشارة.

يلحق به أحكام أربعة

اشارة

و يلحق به أحكام أربعة.

الأوّل ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير فحص

الأوّل: ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح و اللحوم و الجلود حلال طاهر يجوز ابتياعه من غير فحص عن حاله،بلا خلاف أجده.و به صرّح في الكفاية (3)،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح (4)و غيره (5):عن شراء اللحم من الأسواق،و لا يدري ما صنع القصّابون،قال:«كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» .و في الصحيح:عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ،لا يدري أذكي هو أم لا،ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري،أ يصلّي فيه؟قال:

«نعم،أنا أشتري الخفّ من السوق و يصنع لي و أُصلّي فيه،و ليس عليكم المسألة» (6).

ص:341


1- السرائر 3:110.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الكفاية:248.
4- الكافي 6:2/237،الفقيه 3:976/211،التهذيب 9:307/72،الوسائل 24:70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.
5- التهذيب 9:306/72،الوسائل 24:70 أبواب الذبائح ب 29 ذيل حديث 1.
6- التهذيب 2:1545/371،الوسائل 3:492 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.

و فيه:عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فرو لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكيّة،أ يصلّي فيها؟قال:«نعم،ليس عليكم المسألة،إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول:إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم،إنّ الدين أوسع من ذلك» (1).

و السوق فيهما و إن كان مطلقاً إلّا أنّ المتبادر منه الغالب في زمان صدورهما هو سوق المسلمين خاصّةً،مضافاً إلى لزوم تقييدهما بالأخبار الأوّلة.

و إطلاقها كالعبارة و ما ضاهاها من العبائر و صريح جماعة (2)عدم الفرق في ذلك بين ما يوجد في يد معلوم الإسلام أو مجهوله،و لا في المسلم بين ما يستحلّ ذبيحة أهل الكتاب أم لا.و اعتبر العلّامة في التحرير (3)كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائحهم.و قد مرّ ضعفه،مع أنّه لم يحكم به أوّلاً،صريحاً بل أفتى بما عليه القوم مستشكلاً أوّلاً ثم استقرب المنع ثانياً،و هو ظاهر في كونه في الجملة متردّداً.

و ألحق جماعة (4)بسوق المسلمين يدهم و بلادهم.و هو حسن؛ للأولويّة في الأوّل،و القطع بعدم مدخليّة السوق من حيث هو سوق في الحكم،بل المناط فيه إنّما هو الإسلام من حيث هو هو،و يشعر به التعليق على الوصف في قوله:«إذا كان في سوق المسلمين» فيهما،مضافاً إلى

ص:342


1- التهذيب 2:1529/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:228،و السبزواري في الكفاية:248،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:260.
3- التحرير 2:159.
4- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:109،و الشهيد في المسالك 2:228،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:127.

الموثّق الآتي،و طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار،حيث أطبقوا على عدم التحرّز عن اللحوم و الجلود و نحوهما الموجودة في أيادي المسلمين و بلادهم مطلقاً.

و المرجع في معرفة سوق المسلمين العرف.

و في الموثق:«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني،و فيما صنع في أرض الإسلام» قلت له:و إن كان فيها غير أهل الإسلام؟قال:«إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (1).

و ليس فيه منافاة للعرف بل لعلّه مساعد له.و عليه فيتميّز سوق المسلمين بأغلبيّتهم على غيرهم،كان حاكمهم مسلماً و حكمهم نافذاً أم لا؛ عملاً بالعموم.و ربما قيل:باعتبار نفاذ الحكم.و هو ضعيف جدّاً.

ثمّ إنّ ظاهر النهي عن السؤال في الخبرين الأوّلين المرجوحية، و أقلّها الكراهة،و استوجهها في المسالك (2).خلافاً للدروس و غيره (3)، فنفوا وجوب السؤال و استحبابه خاصّة.و هو أوجه؛ لاحتمال ورود النهي مورد توهّم الوجوب أو الاستحباب،فلا يفيد سوى نفيهما المجامع للإباحة المطلقة،و يشهد له نفي الوجوب خاصّة في الصحيحين الأخيرين المتضمّنين لقوله عليه السلام:«ليس عليكم المسألة» .

الثاني ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان يجوز عقره بالسيف

الثاني: ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي و المتردّي في بئر و نحوه يجوز عقره بالسيف و غيره ممّا يجرح إذا خشي تلفه و لم يدرك بعد الجرح ذكاته،فيحلّ أكله حينئذٍ بشرط التسمية و غيرها من

ص:343


1- التهذيب 2:1532/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 5.
2- المسالك 2:228،229.
3- الدروس 2:416؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:127.

الشرائط الغير المتعذّرة،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيلي (1)؛ و هو الحجة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيحين:«ثور تعاصى،فابتدره قوم بأسيافهم،و سمّوا،فأتوا عليّاً عليه السلام،فقال:هذه ذكاة وحيّة،و لحمه حلال» (2).

و في ثالث:رجل ضرب بسيفه جزوراً،أو شاة في غير مذبحها،و قد سمّى حين ضرب،فقال:«لا يصلح أكل ذبيحة لم تذبح في مذبحها» يعني:إذا تعمّد لذلك،و لم يكن حاله حال اضطرار،فأمّا إذا اضطرّ إليها و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (3).

و في الخبر:«إذا امتنع عليك بعير،و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك،فإن خشيت أن يسبقك،فضربته بسيف،أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل،إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» (4).

و في آخر:بعير تردّى في بئر،كيف ينحر؟فقال:«تدخل الحربة فتطعنه بها و تسمّي و تأكل» (5).

ص:344


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:42.
2- الأول في:الكافي 6:3/231،التهذيب 9:225/54،الوسائل 24:19 أبواب الذبائح ب 10 ح 1.الثاني في:الكافي 6:2/231،الفقيه 3:957/208،التهذيب 9:224/54،الوسائل 24:19 أبواب الذبائح ب 10 ح 2.
3- الكافي 6:1/231،التهذيب 9:221/53،الوسائل 24:12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.
4- الكافي 6:1/231،التهذيب 9:223/54،الوسائل 24:21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.
5- الكافي 6:5/231،التهذيب 9:222/54،الوسائل 24:20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

و فيهما دلالة على أنّ ذكاة البعير بالنحر كما مرّ.و في أوّلهما دلالة على ما ذكرناه من اعتبار عدم درك الذكاة بعد الجرح.

و اعلم:أنّ إطلاق ما يجرح في العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي الاكتفاء في الحلّ بكل آلة جارحة حتى الكلب و غيره،و به صرّح جماعة (1)و جعلوا المقام كالصيد.فإنّ كان إجماع كما هو الظاهر،و إلّا فاستفادته من النصوص المزبورة مشكلة؛ لاختصاصها بالآلة الجمادية من السيف و ما شاكله.

الثالث ذكاة السمك إخراجه من الماء

الثالث: ذكاة السمك المأكول إخراجه من الماء بل إثبات اليد عليه خارج الماء حيّاً و إن لم يخرجه منه،كما ينبّه عليه قوله فيما يأتي:

«و لو وثب..» إلى آخره.

و اعتبار الأخذ و عدم الاكتفاء بالخروج هو المشهور بين الأصحاب؛ لأصالة الحرمة،و اختصاص الكتاب و السنة الدالّين على صيد البحر بما الصيد حقيقة فيه أو متبادر منه و هو أخذه حيّاً؛ و للنصوص.

منها:الصحيح و الموثق:«إنّما صيد الحيتان أخذها» (2)و إنّما للحصر، فالمعتبر إصابتها باليد أو الآلة،و إخراجها بأخذها من الماء حيّة و موتها خارجة.

و منها:الصحيح الآتي في الوثوب.

ص:345


1- المحقق في الشرائع 3:207،الشهيد الثاني في الروضة 7:220،كشف اللثام 2:260.
2- الصحيح في:الكافي 6:9/217،التهذيب 9:34/10،الإستبصار 4:223/63،الوسائل 24:78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.الموثق في:الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.

خلافاً لمن يأتي بيانه و ذكر ضعف ما اختاره.

و لا يعتبر في المُخرج الإسلام و لا التسمية بلا خلاف أجده في الأخير،و في عدم اعتبار استقباله [القبلة] أيضاً؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح و غيره:عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ،قال:

«لا بأس» (1).

و زيد في الثاني:«إن كان حيّاً أن يأخذه» (2)و فيه دلالة على اعتبار ما مرّ من الأخذ،و فيه:عن صيد السمك و لا يسمّي،قال:«لا بأس» .و في الموثق:عن صيد المجوس للسمك حين يضربون بالشبك و لا يسمّون،أو يهودي و لا يسمّي،قال:«لا بأس،إنّما صيد الحيتان أخذها» (3).

و على الأظهر في الأوّل،و هو الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر.و عن الحلّي (4)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [1] (5)و خصوص الصحاح المستفيضة و غيرهما من المعتبرة.

في الصحيح و الموثق:عن الحيتان تصيدها المجوس،فقال:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:الحيتان و الجراد ذكيّ» (6).

ص:346


1- الفقيه 3:951/207،التهذيب 9:31/9،الإستبصار 4:219/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.
2- التهذيب 9:30/9،الوسائل 24:73 أبواب الذبائح ب 31 ح 2.
3- الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.
4- السرائر 3:87.
5- المائدة:96.
6- الصحيح في:الكافي 6:6/217،التهذيب 9:37/10،الإستبصار 4:226/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 4.الموثق في:التهذيب 9:38/11،الإستبصار 4:227/64،الوسائل 24:77 أبواب الذبائح ب 32 ح 6.

و فيهما:عن صيد المجوس حين يضربون بالشباك و يسمّون بالشرك، فقال:«لا بأس بصيدهم،إنّما صيد الحيتان أخذها» (1).

خلافاً للمفيد،فاعتبره (2)،و احتاط به ابن زهرة (3).

و حجّتهما عليه غير واضحة عدا الأصل المخصَّص بما مرّ من الأدلّة.

و دعوى أنّ صيدها من التذكية المشترط فيها الإسلام.و هي ممنوعة أوّلاً:

بما مرّ من الأدلّة،و ثانياً:بدلالة الخبرين الأوّلين من المستفيضة على كون الحيتان و الجراد ذكيّة،و مقتضاهما عدم احتياجهما إلى التذكية.

و الخبر:عن صيد المجوس،فقال:«لا بأس إذا أعطوكه أحياءً، و السمك أيضاً،و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» (4).

و في سنده قصور بالجهالة و إن روى عن موجبها فضالة الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و في متنه ضعف بحسب الدلالة؛ لابتنائها على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيّاً كما هو ظاهر الإستبصار (5)،فيكون إخراجهم له

ص:347


1- الصحيح في:الكافي 6:9/217،التهذيب 9:34/10،الإستبصار 4:223/63،الوسائل 24:78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.الموثّق في:الكافي 6:5/217،التهذيب 9:36/10،الإستبصار 4:225/63،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.
2- المقنعة:577.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الكافي 6:8/217،التهذيب 9:33/10،الإستبصار 4:229/64،الوسائل 24:76 أبواب الذبائح ب 32 ح 3.
5- الاستبصار 4:64.

بمنزلة و ثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

و هو ضعيف جدّاً؛ لظهور سياقه في أنّ المراد ب«إذا أعطوكه» إذا شاهدته بقرينة قوله:«إلّا أن تشهده» مع أنّه ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم و أخذ المسلم له صريحاً بل و لا ظاهراً.

هذا مع أنّه ضعيف عن المقاومة للنصوص المتقدّمة من وجوه شتّى، و إن قيّدت هي و العبارة به و بالإجماع و الصحيحين:عن صيد المجوس السمك،آكله؟قال:«ما كنت آكله حتّى أنظر إليه» (1).

و وجه اعتبار المشاهدة فيها و في كلام جماعة (2)عدم الأمن من أخذهم السموك ميتة.و إخبارهم بإخراجها من الماء حيّة و هو و إن جرى في المسلم أيضاً إلّا أنّ أفعاله و أقواله محمولة على الصحة في الجملة إجماعاً فتوًى و روايةً.

و لو وثب السمك من الماء على الجدّ أو السفينة و نحوهما أو نضب و انحسر عنه الماء فأُخذ حيّاً حلّ مع الأخذ لا مطلقاً؛ لما مضى من الأدلّة على اعتباره،مضافاً إلى الإجماع في الخلاف في الثاني (3)، و خصوص الصحيح في الأوّل:عن سمكة و ثبت من نهر،فوقعت على الجدّ فماتت،أ يصلح أكلها؟فقال:«إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت

ص:348


1- الأول في:التهذيب 9:31/9،الإستبصار 4:219/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.الثاني في:التهذيب 9:32/9،الإستبصار 4:220/62،الوسائل 24:75 أبواب الذبائح ب 32 ح 2.
2- منهم:العلّامة في الإرشاد 2:109،و الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 7):244،247.
3- الخلاف 6:32.

فكلها،و إن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها» (1).

و يعضده إطلاق الصحيح الآخر:«لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب عنه الماء» (2).

و قيل كما عن النهاية و الماتن في بعض كتبه (3):إنّه يكفي إدراكه يضطرب فيحلّ و إن لم يؤخذ؛ لأنّ صيد المجوس مع مشاهدة المسلم له قد أخرج حيّاً و مات خارج الماء موجب لحلّه كما مرّ في الصحيحين الأخيرين و سابقهما و صيد المجوس لا عبرة به،فيكون العبرة بنظر المسلم له كذلك؛ و للنصوص المستفيضة.

منها:الموثق كالصحيح المرويّ في الفقيه:سمكة ارتفعت فوقعت على الجدّ،فاضطربت حتّى ماتت،آكلها؟قال:«نعم» (4).

و منها:«إنّ السمك و الجراد إذا خرج من الماء فهو ذكيّ» (5).

و منها:السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ،فتضطرب حتى تموت،فقال:«كلها» (6).

و منها:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:إذا أدركتها و هي تضطرب و تضرب

ص:349


1- الكافي 6:11/218،التهذيب 9:23/7،الاستبصار 4:113/61،قرب الإسناد:1102/277،الوسائل 24:81 أبواب الذبائح ب 34 ح 1.
2- التهذيب 9:21/7،الإستبصار 4:211/60،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 3.
3- النهاية:576،الماتن في نكت النهاية 3:80.
4- الفقيه 3:946/206،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 5.
5- الكافي 6:1/221،التهذيب 9:262/62،قرب الإسناد:162/50،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 3.
6- التهذيب 9:22/7،الإستبصار 4:212/61،الوسائل 24:82 أبواب الذبائح ب 34 ح 4.

بذنبها و تطرف بعينها فهي ذكيّة» (1).

و في الجميع نظر،فالأوّل:بأنّه لا يلزم من حلّ صيد الكافر له مع مشاهدة المسلم له حلّ ما لا يدخل تحت اليد مطلقاً.و إنّما يقتضي ذلك اشتراط دخوله تحت يد الآدمي مسلماً كان أو كافراً.

و الثاني:بضعف سند أكثره،مضافاً إلى إرسال اثنين منها و منهما الموثق،و قصورها جُمَع عن المكافأة لما مضى،مع احتمالها التقييد بصورة الأخذ سيّما و أنّ الغالب في الخروج المذكور في الخبر الثاني تحقّقه بالآلة أو اليد.

@(نعم (2)،يعضد هذا القول ما مرّ في الصحيح و الموثّق من أنّ السمك و الجراد ذكيّ،و هو دالّ على ذكاتهما في نفسهما و عدم احتياجهما في الحلّ إلى شيء أصلاً،خرج منه اعتبار خروجهما حيّاً بالإجماع و بقي الباقي تحته مندرجاً.

و هذان الخبران يعارض بهما الخبران المضاهيان لهما سنداً الدالّان على أنّ صيد السمك أخذها،مع أنّ الحصر فيهما وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومهما.فانحصر دليل الأكثر في الصحيح الوارد في الوثوب المعتضد بالأصل.

و يمكن الخروج عنه بالنصوص المستفيضة بكفاية الخروج،و بها يحمل الصحيح على الكراهة.لكنّه فرع المكافأة التي هي مفقودة؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعيّة دون

ص:350


1- الكافي 6:7/217،التهذيب 9:24/7،الإستبصار 4:214/61،الوسائل 24:81 أبواب الذبائح ب 34 ح 2.بتفاوت في الجميع.
2- من هنا إلى قوله:فتأمّل،موجود في نسخة الأصل فقط.

المستفيضة،مع أنّ التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيّد الموجب لحمل الثاني على الأوّل.و هو راجح على تقدير التكافؤ على الجمع بينهما بالحمل على الكراهة أو الاستحباب.فاذاً المختار هو الأوّل،فتأمّل) @ . و لو صيد فأُعيد في الماء فمات فيه لم يحلّ بلا خلاف أجده إذا لم يكن موته في الآلة،و به صرّح في الكفاية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالة الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا إطلاق ما مرّ من النصوص الدالة على أنّ ذكاته أخذه من دون تقييد له بعدم موته في الماء، و لذا ذهب الأكثر بجواز أكله حيّاً.

و يضعّف بعدم عموم فيه يشمل ما نحن فيه،و رجوعه إلى العموم فرع تواطي الأفراد و تساويها و هو ممنوع؛ لأظهريّته بحكم التبادر في غير المفروض.

هذا مضافاً إلى الصحيح و غيره:عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط،و أرسلها[في الماء]فماتت،أتوكل؟فقال:

«لا» (2).و قريب منهما:الخبر الملحق بالصحيح،بل ربما يعدّ من الصحيح:

عن رجل صاد سمكاً و هي أحياء،ثم أخرجهنّ و هي أحياء (3)بعد ما مات بعضهنّ،فقال:«ما مات فلا تأكله،فإنّه مات فيما فيه حياته» (4).

ص:351


1- الكفاية:248.
2- الكافي 6:4/217،الفقيه 3:944/206،التهذيب 9:41/11،الوسائل 24:79 أبواب الذبائح ب 33 ح 1. و انظر الكافي 6:3/216،التهذيب 9:40/11،الوسائل 24:79 أبواب الذبائح ب 33 ح 2.
3- جملة:و هي أحياء،لا توجد في المصادر.
4- التهذيب 9:44/12،الإستبصار 4:217/62،الوسائل 24:83 أبواب الذبائح ب 35 ح 1.

و مورده و إن اختص بغير ما نحن فيه و هو موته في الماء قبل إخراجه،و يعبّر عنه بالطافي المحرّم بإجماعنا،المستفيض على تحريمه الصحاح و غيرها من أخبارنا (1)،إلّا أنّ الجواب عامّ،و العبرة بعمومه دون خصوص مورده،كما حقّق في محله.

مضافاً إلى أنّ تعليل النهي فيه بالموت فيما فيه حياته يعمّ المورد و غيره،فيتعدّى به إليه على الأشهر الأقوى،سيّما مع التأيّد بإطلاقات النصوص المستفيضة بحرمة ما مات من السمك في الماء من دون تقييد فيها بصورة عدم الأخذ و الإخراج من الماء،و إن كانت بحكم التبادر مختصّة بها و لذا لم نجعلها حجّة مستقلّة،لكنّها للتأييد صالحة،سيّما بعد ملاحظة التعليل المتقدّم إليه الإشارة.

و يستفاد من جميع ما ذكر سيّما النصوص نصّاً في الأخير،و فحوى في الأوّلين ثبوت الحرمة مطلقاً و إن كان موته في الماء في الآلة المعمولة لصيده كالحظيرة و غيرها.و عليه أكثر متأخّري أصحابنا كما في المسالك و الكفاية (2)و غيرهما (3)،وفاقاً للشيخ و ابن حمزة و الحلّي من القدماء (4).خلافاً للعماني فقال:يحلّ ما مات في الآلة المعمولة (5)، للصحيحين.

في أحدهما:رجل نصب شبكة في الماء،ثم رجع إلى بيته و تركها

ص:352


1- الوسائل 24:142 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 13.
2- المسالك 2:230،الكفاية:248.
3- انظر الروضة البهية 7:246،و التنقيح الرائع 4:26.
4- الشيخ في المبسوط 6:277،ابن حمزة في الوسيلة:355،الحلّي في السرائر 3:90.
5- كما نقله عنه في المختلف:674.

منصوبة،فأتاها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فيمتن،فقال:«ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها» (1).

و في الثاني:عن الحظيرة من القصب يجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان،فيموت فيها بعضها،فقال:«لا بأس،إنّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصطاد فيها» (2).

و هما و إن صحّ سندهما و اعتضدا برواية أُخرى:«إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة،فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال خلا ما ليس له فلس،و لا يؤكل الطافي من السمك» (3).

إلّا أنّهما قاصران عن المقاومة لما مضى من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.مضافاً إلى عدم صراحتهما في موتها في الماء؛ لاحتمالهما كالرواية الحمل على صورة الموت خارجه قطعاً،أو احتمالاً بناءً على أصالة بقاء الحياة.و هذا الحمل و إن بعد غايته إلّا أنّه لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

نعم،لولا الشهرة لكان المصير إلى النصوص المزبورة في غاية القوّة.

و على المختار لو تميّز الميّت عن الحيّ اختصّ كلّ بحكمه،و أمّا مع الاشتباه فالأظهر الأشهر حرمة الجميع،و بها قال كلّ من قال بالمنع من الميتة منه مع التميز عدا الشيخ في النهاية،فقال بالحلّ في هذه الصورة (4)،

ص:353


1- الكافي 6:10/217،الفقيه 3:947/206،التهذيب 9:42/11،الإستبصار 4:215/61،الوسائل 24:83 أبواب الذبائح ب 35 ح 2.
2- الكافي 6:9/217،التهذيب 9:43/12،الإستبصار 4:116/61،الوسائل 24:84 أبواب الذبائح ب 35 ح 3.
3- الكافي 6:15/218،التهذيب 9:45/12،الإستبصار 4:218/62،الوسائل 24:85 أبواب الذبائح ب 35 ح 4.
4- النهاية:578.

و تبعه القاضي (1)،و الماتن أيضاً استحسنه (2)؛ لظواهر النصوص المتقدّمة.

و المناقشة فيها واضحة؛ لظهورها في الحلّ مع التميز أيضاً و لم يقولوا به جدّاً.مضافاً إلى ما عرفت في ردّها من الأجوبة التي توجب ردّها أو تأويلها بما يؤول إلى أدلّة الحرمة،و أكثرها بل جميعها و إن اختصّ بحرمة الميتة المتميّزة دون المشتبهة إلّا أنّ حرمتها ثابتة في نحو مفروض المسألة ممّا هو محصور من باب المقدمة.

نعم،ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمّنة للصحيح و غيره الدالّة على أنّه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال أبداً حتى يُعرف الحرام بعينه (3).لكنّها معارضة بمثلها الدالّ على أنّه ما اجتمع الحلال و الحرام إلّا و قد غلب الحرام الحلال (4).و هذا أرجح للاعتضاد بالشهرة،و على تقدير التساوي و التساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة و هو الحرمة من باب المقدّمة.

و كذا الجراد ذكاته أخذه حيّاً و الكلام فيه كالكلام في السمك في جميع الأحكام حتّى في الحكم بأنّه لا يشترط إسلام الآخذ و لا التسمية و لا استقبال القبلة.

و الخلاف في الإسلام هنا كالخلاف فيه ثمّة،لكن احتاط به ابن

ص:354


1- المهذب 2:438.
2- الشرائع 3:208.
3- الوسائل 17:87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.و 25:117 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 1.
4- عوالي اللآلي 2:358/132،مستدرك الوسائل 13:68 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 5،سنن البيهقي 7:169.

زهرة (1)خاصّة،و لم يذكره المفيد هنا بالمرّة (2).

و لا خلاف أجده في اتحاد حكمهما عند الجماعة.و استفادته من النصوص مشكلة؛ لأنّها غير صريحة في ذلك بل و لا ظاهرة.

نعم،ربما يستأنس له بالنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ السمك و الجراد ذكيّ كما في الصحيح و الموثق (3)،و أنّهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيّان،كما في الخبر (4)من حيث ذكره مع السمك،و تعليق الحكم بالذكاة عليهما معاً المشعر باتحادهما حكماً.

مضافاً إلى دلالة الأوّلين منهما على حلّهما بالذكاة النفسيّة لهما،خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما و النصوص المتقدّمة في السمك،و الرواية الأخيرة فيهما حيث اعتبرت في حلّهما خروجهما، و المراد به بحكم التبادر و الغلبة كما مضى الخروج باليد و غيرها،فيدلّ على اعتبار الأخذ هنا أيضاً.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة:في الجراد نُصيبه ميّتاً في الماء،أو في الصحراء،أ يؤكل؟قال:

«لا» (5). و هي الحجّة فيما أجمع عليه الأصحاب من أنّه لا يحلّ منه ما يموت قبل أخذه حيّاً.

و قريب منها الخبر:«الجراد ذكيّ فكله،و أمّا ما مات في البحر

ص:355


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- المقنعة:579.
3- راجع ص 346.
4- راجع ص 348.
5- الكافي 6:3/222،قرب الاسناد:117،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

فلا تأكله» (1).

و كذا الموثق الدالّ على أنّه لو أحرقه قبل أخذه لم يحلّ، و فيه:عن الجراد إذا كان في قراح،فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار،هل يؤكل؟قال:

«لا» (2).فلا تأمّل أصلاً فيما ذكروه من اتّحاد حكمهما.

و لا يحلّ منه ما لم يستقلّ بالطيران و يسمّى بالدبا بفتح الدال المهملة إجماعاً؛ للصحيح:عن الدبا من الجراد أ يؤكل؟قال:«لا حتّى يستقلّ بالطيران» (3)و نحوه غيره (4).

الرابع ذكاة الجنين ذكاة أُمّه

الرابع: ذكاة الجنين أي السبب المحلّل له ذكاة امّه كما في النبويّ المشهور (5)،و عن أهل البيت عليهم السلام مثله (6).

ففي الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [1] فقال:«الجنين في بطن امّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أُمّه» (7).

ص:356


1- الكافي 6:2/222،التهذيب 9:263/62،الوسائل 24:88 أبواب الذبائح ب 37 ح 4.
2- التهذيب 9:265/62،الوسائل 24:88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5.
3- الكافي 6:3/222،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.
4- مسائل علي بن جعفر:18/109،الوسائل 24:87 أبواب الذبائح ب 37 ذيل حديث 1.
5- عوالي اللئلئ 2:17/322،مستدرك الوسائل 16:140 أبواب الذبائح ب 16 ح 2.مسند أحمد 3:39،سنن ابن ماجة 2:1067 ح 3199،سنن الترمذي 4:72 ح 1476،مستدرك الحاكم 4:114.
6- الكافي 6:3/234،التهذيب 9:246/59،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 1.
7- الكافي 6:1/234،الفقيه 3:966/209،التهذيب 9:244/58،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 3.و الآية في سورة المائدة:1.

و في الموثّق:عن الشاة يذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر، فقال عليه السلام:«ذكاته ذكاة أُمّه» (1).

و يستفاد منهما كباقي الأخبار الآتية رفع الذكاة الثانية خبراً عن الاُولى، و هو الأصحّ في النبوي رواية كما في التنقيح و الروضة (2).و ربما أعربها بعضهم بالنصب على المصدر،أي ذكاته كذكاة امّه،فحذف الجار و نصب مفعولاً،فأوجب تذكيته كتذكية امّه.

و فيه من التعسّف ما لا يخفى،مع مخالفته رواية الرفع دون العكس؛ لإمكان كون الجارّ المحذوف لفظة في،أي ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أُمّه جمعاً بين الروايتين،مع أنّه الموافق لرواية أهل البيت و هم أدرى بما في البيت،و قد أجمع شيعتهم عليه.

و إنّما يجوز أكله بذكاتها إذا تمّت خلقته وحده،كما في صريح الانتصار و الخلاف و الإسكافي (3)،و جماعة من المتأخّرين (4).و ظاهر النهاية و ابن حمزة (5)أن يشعر أو يؤبر،و لعلّهم رأوا التلازم بين الأمرين.

و به يجمع بين الأخبار المختلفة المشترط بعضها كالمفيد و الديلمي (6)الإشعار و ما بعده خاصّة،كالخبرين المتقدّمين،و الموثق (7)

ص:357


1- الكافي 6:4/235،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 2.
2- التنقيح الرائع 4:27،الروضة البهية 7:248.
3- الانتصار:195،الخلاف 6:88،و نقله عن الإسكافي في المختلف:681.
4- كالمحقق في الشرائع 3:208،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:27،و المهذب البارع 4:178.
5- النهاية:584،ابن حمزة في الوسيلة:361.
6- المفيد في المقنعة:583،الديلمي في المراسم:210.
7- الكافي 6:5/235،قرب الإسناد:247/76،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 5.

في الجنين:«إذا أشعر فكل،و إلّا فلا تأكل» .و آخر منها كالصدوق و العماني (1)تمام الخلقة خاصّة، كالصحيحين (2)و غيرهما (3):«إن كان تامّاً فكله،و إن لم يكن تامّاً فلا تأكله» .و ثالث منها:إيّاهما معاً،كالصحيح:عن الحوار تذكّى أُمّه،أ يؤكل بذكاتها؟فقال:«إذا كان تامّاً و نبت عليه الشعر فكل» (4).

لكن ظاهره عدم التلازم؛ للعطف المقتضي للتغاير.و هو أيضاً ظاهر الصدوق في المقنع حيث قال:إذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد،فإن كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاة امّه،فإن لم يكن تامّاً فلا تأكله.

و روي:«إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أُمّه» (5).

و كيف كان،فإن ثبت التلازم و إلّا فاعتبارهما متعيّن؛ عملاً بالأصل، و جمعاً بين النصوص بذلك بتقييد بعضها ببعض،و الشاهد الخبر الجامع أي الصحيح الثالث.

و عدم الحلّ مع عدم الشرط مجمع عليه بين الأصحاب،كما في الانتصار (6)و غيره (7).و عليه دلّت جميع ما مرّ من الروايات.

ص:358


1- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن العماني في المختلف:681.
2- الأول في:الكافي 6:2/234،التهذيب 9:242/58،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 4.الثاني في:الفقيه 3:965/209،التهذيب 9:243/58،الوسائل 24:34 أبواب الذبائح ب 18 ح 6.
3- التهذيب 9:245/59،الوسائل 24:35 أبواب الذبائح ب 18 ح 7.
4- الكافي 6:3/234،التهذيب 9:246/59،الوسائل 24:33 أبواب الذبائح ب 18 ح 1.
5- تفسير العياشي 1:11/29،الوسائل 24:36 أبواب الذبائح ب 18 ح 11.
6- الانتصار:195.
7- انظر الخلاف 6:88،و إيضاح الفوائد 4:134.

و ظاهر إطلاقها في صورة الحلّ عدم الفرق بين ولوج الروح فيه و عدمه،و هو ظاهر الصدوق و العماني و المرتضى (1)،و عليه كافّة متأخّري أصحابنا كما في الكفاية و غيرها (2).و هو الأقوى؛ لما مضى،و لصريح الموثّق الآتي.

و قيل كما عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي (3):

إنّه يشترط مع إشعاره و تمام خلقته أن لا تلج الروح فيه.و فيه بُعد لمخالفته إطلاق النصوص الشاملة لصورة الولوج بل الظاهرة فيها خاصّة؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام الخلقة عادة،كما صرّح به جماعة كالفاضل في المختلف و شيخنا في الروضة (4).

هذا مع أنّ حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره من قِبَلهم جماعة:

من اشتراط تذكية الحيّ مطلقاً.و هو ضعيف،و الكلّية ممنوعة.

و من أنّه قبل ولوج الروح في تربية روح امّه،فيكون إزهاق روحها بالتذكية تذكيته،و أمّا بعده فإنّه في تربية روحه فيحتاج إلى التذكية.

و ردّ بالمنع عن كون العلّة ما ذكر،و إلّا لزم أن يكون قبل أن يشعر أو يؤبر مباحاً؛ لأنّه في تربية روح امّه و ليس كذلك إجماعاً،و عن أنّه بعد الولوج مستغنٍ عن تربية روح الاُمّ،فإثباته يحتاج إلى دليل.

و بالجملة لا ريب في ضعف هذا القول.

ص:359


1- الصدوق في المقنع:139،و حكاه عن العماني في المختلف:681،المرتضى في الانتصار:195.
2- الكفاية:248،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:151.
3- الشيخ في النهاية:584،القاضي في المهذب 2:441،ابن حمزة في الوسيلة:361،الديلمي في المراسم:210،الحلّي في السرائر 3:110.
4- المختلف:682،الروضة 7:254.

نعم لو خرج حيّاً مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته لم يحلّ إلّا بالتذكية إجماعاً؛ لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة جدّاً،فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة إلّا مع التذكية.

مضافاً إلى صريح الموثّق:عن الشاة تذبح،فيموت ولدها في بطنها، قال:«كله،فإنّه حلال،لأنّ ذكاته ذكاة امّه،فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كل،فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله،و كذلك البقر و الإبل» (1).

و لو خرج و حياته غير مستقرّة فالأقرب الحلّ؛ لإطلاق النصوص المزبورة.و به صرّح الشهيد و غيره (2)،إلّا أنّ الأحوط حرمته؛ لإطلاق الموثّقة المتقدّمة.و لو لا انصرافه إلى مستقرّ الحياة بمقتضى السياق المتضمّن للأمر بالذبح الذي هو فرع إمكانه باستقرار حياته،لكان القول بالحرمة متعيّناً بلا شبهة.

و الأقرب عدم وجوب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج الجنين زائداً على المعتاد،و إن كانت أحوط في الجملة [و الحمد لله] .

ص:360


1- التهذيب 9:345/80،الوسائل 24:35 أبواب الذبائح ب 18 ح 8.
2- الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 7):252؛ و انظر الكفاية:248،و مفاتيح الشرائع 2:206.

كتاب الأطعمة و الأشربة و فيه أقسام

اشارة

كتاب الأطعمة و الأشربة و النظر فيه يستدعي أن نبيّن فيه أقساماً

الأوّل في حيوان البحر

اشارة

الأوّل:في حيوان البحر.

و أعلم:أنّه

لا يؤكل منه إلّا سمك له فلس

لا يجوز أن يؤكل منه إلّا ال سمك و الطير بغير خلاف بيننا،و به صرّح في المسالك (1).بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و السرائر (2)(3)[و به صرح الماتن في المعتبر و الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني و غيره في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة في الخز الخالص.] و هو الحجّة المؤيّدة بعمومات ما دلّ على حرمة الميتة،السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا عمومات ما دلّ على حلّ صيد البحر الشامل لما عدا السمك،و ما دلّ على حلّ الأزواج الثمانية،و غيرها من الكتاب و السنة.

و يضعّف الأوّل بتبادر السمك منه خاصّة،مع استلزام العموم حلّ كثير من حيواناته المحرّمة بالإجماع و الكتاب و السنة،لاشتمالها إمّا على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة،فلا يمكن أن يبقى على

ص:361


1- المسالك 2:237.
2- الخلاف 6:29،الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:99.
3- في الحجري زيادة:و به صرح الماتن في المعتبر(2:84) و الشهيد في الذكرى(144) و المحقق الثاني(جامع المقاصد 2:78) و غيره(كفاية الأحكام:248) في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة في الخز الخالص.

عمومه الظاهر من اللفظة على تقدير تسليمه،لخروج أكثر أفراده الموجب على الأصحّ لخروجه عن حجيّته،فليحمل على المعهود المتعارف من صيده،و ليس إلّا السمك بخصوصه.

و الثاني بانصرافه بحكم التبادر و غيره إلى حيوان البرّ دون غيره.

و أمّا أصالة البراءة و الإباحة فيكفي في تخصيصهما ما قدّمناه من الإجماعات المنقولة،المعتضدة بفتاوى الأصحاب كافّةً التي كادت أن تكون بالإجماع ملحقة،بل لعلّها إجماع في الحقيقة المخالِفة لطريقة العامة كما ذكره جماعة (1).و عليها حملوا ما روي في الفقيه من المرسلة:

«كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله،و كلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله» (2).

فتأمّل بعض متأخّري متأخّري الطائفة (3)في المسألة غير جيّد.

و يحلّ ما له فلس من السمك،بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (4).و النصوص به بعد الكتاب مستفيضة بل متواترة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و لا فرق فيه بين ما لو زال عنه فلسه كالكنعت و يقال له:

الكنعد بالدال المهملة،أو لم يزل كالشبوط.و بالأوّل ورد النص الصحيح

ص:362


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:190،ملاذ الأخيار 14:123،كشف اللثام 2:361،مفاتيح الشرائع 2:184.
2- الفقيه 3:994/214،الوسائل 24:159 أبواب الأطعمة المحرمة ب 22 ح 2.
3- السبزواري في كفاية الأحكام:248.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:247،و السبزواري في الكفاية:248،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:184.

و غيره:ما تقول في الكنعت؟قال:«لا بأس بأكله» قلت:فإنّه ليس له قشر، قال:«بلى و لكنّها حوت سيّئة الخُلق تحتكّ بكلّ شيء،فإن نظرت في أصل[أُذنها (1)]وجدت لها قشراً» (2).

و يؤكل الربيثا بكسر الراء و الباء و الإربيان بكسر الهمزة و الباء و الطمر بكسر الطاء المهملة ثم الميم و الطبراني بفتح الطاء المهملة و الباء المفردة و الإبلامي بكسر الهمزة و سكون الباء المنقّطة من تحت نقطة واحدة.

بلا خلاف في شيء منها أجده؛ لكون كلّ من هذه الخمسة ذات أفلس.و إنّما ذكرها مع معلوميّة حكمها ممّا مضى من الحكم بحلّ ما له فلس مطلقا؛ لورود النصّ في كلّ منها بالخصوص.

كالصحيحين (3)و غيرهما (4)الملحق بهما بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه أصحابنا في الأوّل معلّلاً في الأخير بأنّ له فلساً.

و الصحيح في الثاني.

و الخبر في الباقي،و فيه بعد سؤال الراوي عن حلّها قال

ص:363


1- في النسخ:«ذنبها» و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 6:2/219،الفقيه 3:1001/215،التهذيب 9:4/3،الوسائل 24:137 أبواب الأطعمة المحرمة ب 10 ح 1.
3- الأول في:الكافي 6:5/220،التهذيب 9:17/6،الاستبصار 4:345/91،المحاسن:478،الوسائل 24:139 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 1.الثاني في:الكافي 6:8/220،الفقيه 3:999/215،الوسائل 24:139 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 2.
4- التهذيب 9:83/82،الإستبصار 4:347/91،الوسائل 24:141 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 6.

و أصحابي ينهوني عن أكله،فكتب:«كله،لا بأس به» (1).

و يستفاد منه وجود القائل بالمنع منّا قديماً،بل و كونه مشهوراً.

و يمكن أن يكون التنبيه على ردّه منشأً لتخصيصها في المتن بالذكر أيضاً.

و لا يؤكل السلحفاة بضمّ السين المهملة و فتح اللام،فالحاء المهملة الساكنة،فالفاء المفتوحة و الهاء بعد الألف.

و لا الضفادع جمع ضفدع بكسر الضاد و الدال،مثال خنصر.

و لا السرطان بفتح أوّله و ثانيه و يسمّى عقرب الماء،و غيرها من حيوان البحر.

لما مرّ حرمته على الإطلاق و إن كان جنسه حلالاً في البر سوى السمك المخصوص ذي الفلس.و إنّما خصّ الثلاثة بالذكر لورود النهي عنها بالخصوص في الصحيح (2).

و في حرمة الجرّيّ بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة،و يقال:الجرّيث بالضبط الأوّل مختوماً بالثاء المثلثة نوع من السمك طويل أملس ليس له فلوس روايتان،أشهرهما بين المتقدّمين و المتأخّرين التحريم بل عليه في ظاهر التنقيح (3)،و صريح الانتصار و الخلاف و السرائر (4)إجماع الإمامية.و جعلوا متعلّقه في الكتب الأخيرة مطلق السمك الذي لا فلس له،و هي مع ذلك صحاح مستفيضة.

منها:أقرأني أبو جعفر عليه السلام شيئاً في كتاب عليّ عليه السلام،فإذا فيه:

ص:364


1- التهذيب 9:47/13،الوسائل 24:129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 9.
2- الكافي 6:11/221،التهذيب 9:46/12،قرب الإسناد:1108/279،الوسائل 24:146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1.
3- التنقيح الرائع 4:31.
4- الانتصار:186،الخلاف 6:29،السرائر 3:98.

«أنهاكم عن الجريث (1)و المارماهي و الطافي و الطحال» قال:قلت:يرحمك اللّه تعالى إنّا نؤتى بالسمك ليس له قشر،فقال:«كُلّ ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله» (2).

و منها:«في كتاب عليّ عليه السلام إنّه نهى عن الجرّيث» (3).

و منها:«لا تأكلوا الجرّيّ و لا الطحال،فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرهه» و قال:«إنّ في كتاب عليّ عليه السلام ينهى عن الجرّيّ و عن جمّاع (4)من السمك» (5)الخبر.

و يستفاد منه إطلاق الكراهة على التحريم،فلا يبعد حملها عليه في المعتبرين.

أحدهما الصحيح:«لا يكره شيء من الحيتان إلّا الجرّيّ» (6).

و نحو هذه الصحاح معتبرة أُخر مستفيضة.

منها:«لا تأكلوا الجرّيث،و لا المارماهي،و لا طافياً،و لا طحالاً،إنّه بيت الدم و مضغة الشيطان» (7).

ص:365


1- في المصادر زيادة:الزمير.
2- الكافي 6:1/219،التهذيب 9:1/2،الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 1.
3- التهذيب 9:10/4،الإستبصار 4:202/59،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 13.
4- جمّاع الناس:الأخلاط من قبائل شتّى الصحاح 3:1198.
5- التهذيب 9:18/6،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 16.
6- الصحيح في:التهذيب 9:13/5،الإستبصار 4:205/59،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 17.المعتبر الآخر في:التهذيب 9:14/5،الإستبصار 4:206/59،الوسائل 24:135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 18.
7- الكافي 6:4/220،التهذيب 9:8/4،الإستبصار 4:200/58،الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 2.

و منها:«لا تشتروا الجرّيث،و لا المارماهي،و لا الطافي على الماء و لا تبيعوه» (1).

و منها:«الجرّيّ و المارماهي و الطافي حرام في كتاب عليّ عليه السلام» (2).

و منها:عن الجرّيث،فقال:«و اللّه ما رأيته قطّ،و لكن وجدته في كتاب عليّ عليه السلام حراماً» (3).

و الرواية الثانية:الصحيحان.

في أحدهما:عن الجرّيث،فقال:«و ما الجرّيث؟» فنعتّه له؛ فقال:

« قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ [1] »إلى آخر الآية،ثمّ قال:«لم يحرّم اللّه تعالى شيئاً من الحيوان في القرآن إلّا الخنزير بعينه» (4).

و في الثاني:عن الجرّي و المارماهي و الزمير،و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟فقال:«اقرأ هذه الآية التي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ [2] » الآية،قال:فقرأتها حتّى فرغت منها،فقال:«إنّما الحرام ما حرّم اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله،و لكنّهم قد كانوا يَعافون أشياء فنحن نَعافها» (5).

ص:366


1- التهذيب 9:11/5،الاستبصار 4:203/59،المحاسن:491/477،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 14.
2- التهذيب 9:12/5،الإستبصار 4:204/59،الوسائل 24:134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 15.
3- التهذيب 9:9/4،الوسائل 24:133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 12.
4- التهذيب 9:15/5،الإستبصار 4:207/59،الوسائل 24:135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 19.و الآية في سورة الانعام:145.
5- التهذيب 9:16/6،الإستبصار 4:208/60،الوسائل 24:136 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 20.عافَ الرجل الطعامَ أو الشراب يَعافُه عِيافاً،أي:كرهه فلم يشربه،فهو عائف.الصحاح 4:1408.

و هذان الخبران و إن صحّ سندهما إلّا أنّهما مع مخالفتها لما عليه أصحابنا من تحريم أشياء ليست في القرآن أصلاً موافقان لمذهب العامّة العمياء (1).

و مع ذلك قاصران عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة ملحق بالضرورة من مذهب الإمامية،و بالإجماعات المحكيّة المستفيضة و الاستفاضة القريبة من البلوغ حدّ التواتر و بعمومات المعتبرة المستفيضة الناهية عن كلّ سمك لا فلس له،بناءً على أنّ الجرّي منه،كما مرّ إليه الإشارة و اعترف به الجماعة.

ففي الصحيح و غيره:«كان عليّ عليه السلام بالكوفة يركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله،ثمّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول:لا تأكلوا،و لا تبيعوا ما لم يكن له من السمك قشر» (2).

و فيه:الحيتان ما يؤكل منها:فقال:«ما كان له قشر» (3).

و في المرسل كالصحيح:«إنّ عليّاً عليه السلام كان يكره الجرّيث،و يقول:

لا تأكل من السمك إلّا شيئاً عليه فلوس،و كره المارماهي» (4).

و الكراهة فيه للتحريم؛ لدلالة النهي الظاهر فيه في الذيل عليه،بناءً

ص:367


1- انظر المغني لابن قدامة 11:86.
2- الكافي 6:6/220،التهذيب 9:3/3،الوسائل 24:128 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 4.
3- الكافي 6:2/219،التهذيب 9:4/3،الوسائل 24:127 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 2.
4- الكافي 6:3/219،التهذيب 9:2/2،الوسائل 24:128 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 3.

على دخول الجرّي في متعلّقه.

مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنّه عليه السلام ما كان يكره إلّا الحرام (1).

و منها:الخبر الوارد في الزهو المتضمّن بعد إعراضه عليه السلام عن أكله بقوله:«اركبوا،لا حاجة لنا فيه» ما هو كالتعليل له،و هو قوله:«و الزهر سمك ليس له قشر» (2).

هذا مع أنّ القائل بهما شاذّ نادر؛ إذا ليس إلّا القاضي (3).و أمّا الشيخ فإنّه و إن حكي عنه المصير إليهما في موضع من النهاية (4)،إلّا أنّه رجع في موضعين منها (5)و باقي كتبه (6)،حتّى إنّه حكم بكفر مستحلّه (7).فما هذا شأنه كيف يمكن المصير إليه.

أمّا حمل الأخبار المانعة على الكراهة كما احتمله من متأخّري المتأخّرين جماعة (8)فالمناقشة فيه واضحة من وجوه عديدة،سيّما مع إمكان الجمع بينها و بين الأخبار المبيحة بحملها على التقية؛ لوضوح المأخذ في هذا الحمل من الاعتبار و السنة المستفيضة بخلاف الحمل على

ص:368


1- انظر الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.و لفظه:«لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال».
2- الكافي 6:10/221،التهذيب 9:6/3،الوسائل 24:138 أبواب الأطعمة المحرمة ب 11 ح 1.
3- المهذب 2:536.
4- النهاية:364.
5- النهاية:576،713.
6- انظر المبسوط 6:276،التهذيب 9:4،الاستبصار 4:59.
7- انظر النهاية:713.
8- منهم:المحقق السبزواري في الكفاية:248،و انظر مفاتيح الشرائع 2:185.

الكراهة؛ إذ لا شاهد عليه من كتاب و لا سنّة،و لا يرتكب إلّا حيثما يكون المتضمّن للنهي المحمول عليها مرجوحاً بالإضافة إلى ما قابلة و عارضه بحيث يتعيّن طرحه،و لا بأس بارتكاب ذلك في هذه الصورة من دون شاهد و لا قرينة؛ لكون العمل فيها بالراجح حقيقةً،و ارتكاب الحمل في مقابله طرحاً له جدّاً.

و أمّا ارتكابه في صورتي تكافؤ المتعارضين أو رجحان ما تضمّن النهي من دون شاهد أو قرينة كما في مفروض المسألة فهو ممّا لا وجه له.

و وجود لفظ الكراهة في بعض الأخبار المتقدّمة لم يمكن جعله على الحمل المزبور قرينةً بعد وضوح عدم ثبوت المعنى المصطلح عليه له الآن في الأزمنة القديمة،مع كونه أعمّ منه و من الحرمة لغةً،فإرادة الأوّل منه دون هذه من دون قرينة فاسدة.

مع أنّ القرينة على إرادة الحرمة قائمة،منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة-:ورود النهي و التصريح بالحرمة في بعض الأخبار المتقدّمة، فإنّهما ظاهران في التحريم غايته،سيّما مع كون متعلّق النهي في أكثرها الطافي و نحوه أيضاً،و قد أجمع على كونه بالإضافة إليهما للحرمة،فليكن بالإضافة إليه لها أيضاً و إلّا يلزم استعماله في معنييه الحقيقي و المجازي الغير الجائز قطعاً،فتأمّل جدّاً.

و مقتضى القاعدة إرجاع المشكوك و هو هنا لفظ الكراهة إلى النهي الظاهر في الحرمة،كما أنّ مقتضاها إرجاع الظاهر إلى النصّ.هذا مع أنّ ركوب علي عليه السلام و سيره في الأسواق للنهي عن الجرّي و نحوه يناسب الحرمة لا الكراهة،كما لا يخفى على من له أدنى فطنة.

ص:369

و بالجملة لا شبهة في المسألة،و لو قلت:إنّه من بديهيّات مذهب الإمامية،لما كذبت.

و نحو الكلام في الجرّي منعاً و جوازاً الكلام في الزمار بكسر الزاء المعجمة و الميم المشددة و الراء المهملة أخيراً،و يقال له:الزمير كما وقع في الرواية (1)، المارماهي بفتح الراء فارسيّ معرّب و أصلها حيّة السمك، و الزهو بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة.

و ال روايتان المتقدّمتان ثمة جاريتان في المسألة،و لم يفصّل فيهما و لا في كلام الجماعة بين المسألتين.

و ظاهر الماتن التفصيل بينهما،حيث نسب الحرمة في الأُولى إلى الشهرة من دون فتوًى فيها بالكراهة متردّداً في التحريم أو مختاره،و اختار عدمه في المسألة فقال: و الوجه الكراهة و لا وجه له بالمرّة؛ لاتّحاد الأدلّة فتوًى و روايةً على المنع أو الكراهة.

و يمكن إرجاع هذه العبارة إلى المسألتين و إن بعد غايته؛ دفعاً لمحذور التفصيل من عدم وضوح دليل عليه و لا حجّة.

و قصارى ما يتخيّل في توجيهه استفاضة الصحاح كغيرها في الجرّي و غيره دون الزمار و نحوه،فإنّه لم يستفض فيها الصحاح و إنّما الموجود منها فيها بعضها.

و هو غير صالح للتوجيه سيّما مع استفاضة غير الصحاح فيها خصوصاً و عموماً،و عدم قائل بالتفصيل أصلاً كما مضى.

ص:370


1- الوسائل 24:130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9.

لو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى،حلّت

و لو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى،حلّت إن كانت ممّا يؤكل مطلقاً،وفاقاً لوالد الصدوق،و المفيد و النهاية،و الفاضل في القواعد (1)،و مال إليه الماتن في الشرائع (2)،و استحسنه في المسالك (3)؛ للمعتبرين.

أحدهما المرسل كالقويّ أو الموثّق أو الصحيح على الاختلاف في أبان المرسِل المجمع على تصحيح رواياته-:رجل اصطاد سمكة، فوجد في جوفها سمكة،فقال:«يؤكلان جميعاً» (4).

و ثانيهما القويّ بالسكوني و النوفلي:عن سمكة شقّ بطنها،فوجد فيها سمكة فقال:«كلهما جميعاً» (5).

خلافاً للحلّي و الفاضل في التحرير،و ولده فخر الدين،و المقداد في التنقيح (6)،فاشترطوا في حلّه أخذه حيّاً؛ عملاً بما مرّ من الأدلّة على أنّ صيد السمك أخذه،و تضعيفاً للخبرين،مع احتمالهما التقييد بذلك.

و المسألة محلّ تردّد و إن كان القول الأوّل لا يخلو عن قرب؛ لاعتبار سند الخبرين،مع عمل جماعة بهما،و احتمال تطبيقهما مع القاعدة بما

ص:371


1- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:678،المفيد في المقنعة:576،النهاية:576،القواعد 2:156.
2- الشرائع 3:217.
3- المسالك 2:238.
4- الكافي 6:14/218،التهذيب 9:26/8،الوسائل 24:86 أبواب الذبائح ب 36 ح 1.
5- الكافي 6:12/218،التهذيب 9:25/8،الوسائل 24:86 أبواب الذبائح ب 36 ح 2.
6- الحلّي في السرائر 3:100،التحرير 2:160،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:144،التنقيح الرائع 4:33.

ذكره جماعة من تحقّق الأخذ في الجملة.و حصوله في حال الحياة و إن كان مشكوكاً فيه إلّا أنّ أصالة بقائها إلى حين إخراجها بناءً على عدم الشك في حلولها في السمكة وقتاً ما كافية في الحكم بحصوله حال حياتها،كذا ذكره جماعة (1).و لا يخلو عن مناقشةٍ؛ لأنّ مرجع وجه التطبيق إلى استصحاب حال الحياة،و هو معارض باستصحاب الحرمة،فتأمّل.

و لو قذفت الحية سمكةً تضطرب فهي حلال إن لم تنسلخ و كان لها فلس مطلقاً أُخذت أم لا،وفاقاً للنهاية (2)؛ لرواية (3)قاصرة السند بالجهالة من وجوه عديدة،مخالفة لقاعدة صيد السمك المتقدّم إليه الإشارة،فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما يؤول إليها بحملها على صورة أخذها حيّة.

و العجب من الفاضل في المختلف حيث اعتبر في صيد السمك أخذها و مع ذلك قال بعد نقل الرواية-:نحن نقول بموجبها (4).

لا يؤكل الطافي و هو الذي يموت في الماء

و لا يؤكل الطافي و هو السمك الذي يموت في الماء بإجماعنا المحكيّ في كلام جماعة (5)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة،مضافاً إلى المعتبرة الأُخر،و عمومات الكتاب و السنة

ص:372


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:237،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:262.
2- النهاية:576.
3- الكافي 6:16/218،الفقيه 3:953/207،التهذيب 9:27/8،الوسائل 24:145 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 15 ح 1.
4- المختلف:678.
5- منهم:الشيخ في الخلاف 6:31،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:263.

بتحريم الميتة،و قد مرّ عموم الحكم بالتحريم لما مات في الشبكة و الحظيرة و نحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة.و اختاره الماتن ثمّة (1)و أشار إليه هنا أيضاً فقال: و إن كان في شبكة أو حظيرة و قد مرّ ثمة أنّه لو اختلط الحيّ فيهما بالميّت حلّ مع الاشتباه خاصّةً عند الشيخ في النهاية و القاضي (2)،و مع التميز أيضاً عند العماني (3).و قد ظهر ضعفهما و أنّ الاجتناب مطلقاً أولى و مع ذلك أحوط جدّاً.

و لا يؤكل جلّال السمك و هو المغتذي بالعذرة محضاً حتى نما بها كغيره حتى يُستبرأ بأن يُطْعَم علفاً طاهراً بالفعل أو بالأصالة في الماء الطاهر يوماً و ليلةً على الأظهر الأشهر في كلّ من الحكم بالحرمة، و تقدير المدّة.

خلافاً لمن يأتي ذكره في الأوّل (4)،و للمقنع في الثاني (5)،فجعله يوماً إلى الليل؛ لرواية ضعيفة السند (6)،معارضة بمثلها المقدّر لها بالأوّل:

عن السمك الجلال،فقال:«ينتظر به يوماً و ليلةً» (7).

و الترجيح في جانبه؛ للشهرة،و استصحاب الحرمة السابقة الذي

ص:373


1- راجع ص 351.
2- النهاية:578،القاضي في المهذب 2:438.
3- كما حكاه عنه في المختلف:674.
4- انظر ص 379.
5- المقنع:141.
6- الفقيه 3:993/214،الوسائل 24:168 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ذيل الحديث(6).
7- الكافي 6:9/252،التهذيب 9:48/13،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 5.

لا مخرج عنه إلّا بالاستبراء في المدّة المتيقّنة،و ليس إلّا ما في العبارة.

و منه يظهر الوجه في اعتبار طهارة العلف بالفعل،كما في ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (1)،و صريح الآخرين (2).و استشكله في القواعد (3)؛ و لعله لذلك،و لأنّ النص خالٍ عن اعتبارها.بل عن اعتبار مطلق العلف حيث عبّر فيه الاستبراء ب«يربط» و«ينتظر» الأعمّ منه و من عدمه،و لهذا احتمل المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد الاكتفاء في الاستبراء بإمساكه عن الجلل و غيره (4).

و فيه نظر؛ لورود الأمر بالربط و الانتظار مورد الأغلب،و هو العلف بشيء غير ما حصل به الجلل،فكان الأمر بهما توجّه إليه.

و كيف كان،فالاستشكال في محلّه و إن كان عدم اعتبار طهارة العلف بالفعل أوْجَه؛ لإطلاق الأمر به في النصّ و إن ضعّفه في المسالك قائلاً:إنّ إطلاق الطاهر يقتضي الطهارة بالفعل (5).

و هو حسن لو وجد لفظة الطاهر في الرواية،و ليست فيها بموجودة.

و لزوم تقدير العلف بالغلبة كما تقدم إليه الإشارة لا يقتضي تقديره طاهراً؛ لكونه أعمّ منه و من النجس حتى الذي كان به جلّالاً،و إنّما خرج هذا عن عمومه للإجماع على خروجه،مع عدم فائدةٍ للأمر بالاستبراء من

ص:374


1- كالشيخ في النهاية:576،و القاضي المهذب 2:438،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 7):265.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:36،و الشهيد الثاني في المسالك 2:238.
3- القواعد 2:156.
4- مجمع الفائدة و البرهان 11:255.
5- المسالك 2:238.

دونه،بل يتزايد و يتأكّد به حكم جلله.

نعم يمكن أن يقال:المتبادر منه الطاهر بالفعل،بل لعلّه الأغلب، فهو أولى و أحوط.

بيض السمك المحرّم مثله

و بيض السمك المحرّم حرام مثله كما أنّ بيض المحلّل منه حلال،بلا خلاف فيه في الجملة إلّا من الحلّي،فحكم بالحلّ مطلقاً، قائلاً:إنّه لا دليل على المنع عنه بعد الإجماع على كون كلّ ما يؤخذ من جوف السمكة طاهراً لا من كتاب و لا سنّة و لا إجماع (1).و وافقه في المختلف (2)مستدلّاً بعموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ [1] (3)و عدم ما ينافيه في الأحاديث المعمول عليها.

و في الأمرين نظر:

فالأوّل:بعدم عموم فيه ينفع محل البحث؛ لانصراف الصيد و الطعام فيه إلى نفس السمك لا ما في جوفه،مع عدم معلوميّة إطلاق الصيد عليه بخصوصه حقيقةً بل و لا مجازاً.فتأمّل جدّاً.

و الثاني:بوجود المنافي من الأحاديث المعمول عليها بين الطائفة و إن كانت بحسب السند قاصرةً،و هو خبران مرويّان في الكافي في كتاب الأطعمة في باب بيض الدجاج.

في أحدهما:«البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس به و بأكله، و هو حلال» (4).

ص:375


1- السرائر 3:113.
2- المختلف:684.
3- المائدة:96.
4- الكافي 6:6/325،التهذيب 9:87/22،الوسائل 24:165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 7.

و في الثاني:«كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن،أو بيض،أو إنفحة،فكلّ ذلك حلال طيّب» (1)الخبر.

و مفهومهما عدم حلّ بيض ما لا يؤكل لحمه.

و المناقشة فيهما بقصور سندهما و ضعف دلالتهما،فالأوّل:بأعميّة البأس المفهوم فيه من الحرمة.و الثاني:بكون المفهوم فيه مفهوم صفة، فلا يكونان بذلك حجّة.

مدفوعة مجملاً بانجبارها بحذافيرها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة سيّما بين متأخّرين الطائفة.

مع أنّ البأس في الأوّل و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّها مرادة بقرينة ظاهر سياق السؤال و الجواب في الرواية،سيّما بعد ضمّ قوله:«و هو حلال» فإنّه جزاء أيضاً،فيكون المفهوم مع عدم الشرط:فيه بأس و ليس بحلال، فهو نصّ في المطلوب جدّاً.

و كون المفهوم في الثاني مفهوم صفة،لعلّه محلّ مناقشة،بل الظاهر كونه مفهوم قيد،و هو عند الكلّ حجّة.

و يعضد ما ذكره الأصحاب من تبعيّة البيض و اللبن للحيوان في الحلّ و الحرمة أنّهما كالجزء منه،و تتبّع النصوص في الموارد الجزئيّة الحاكمة بالتبعيّة،مثل ما ورد في تحريم بيض الغراب و الطاوس،و حلّ بيض الدجاجة،و حرمة لبن الحيوانات الجلّالة،و حلّ لبن الأُتُن،و نحوه ممّا لم يكن بهذه الصفة،إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

مضافاً إلى بعض المؤيّدات الأُخر الآتي في بحث حرمة أكل بيض ما لا يؤكل لحمه.فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

ص:376


1- الكافي 6:7/325،الوسائل 25:81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.

و لو اشتبه المحلّل منه بالمحرّم أكل منه الخشن لا الأملس بلا خلاف يظهر إلّا في تخصيص التفصيل بالاشتباه،فقد أطلق كثير (1)حلّ الأوّل و حرمة الثاني من دون تخصيص.و غير بعيد تنزيله عليه،و إلّا فيرد عليهم إطلاق ما دلّ على تبعيّته للحيوان مطلقاً نصّاً و فتوى حتّى منهم جدّاً، مع عدم وضوح مأخذهم في تقييده بما ذكروه هنا أصلاً.

هذا و مستند أصل التفصيل غير واضح عدا الاتّفاق بحسب الظاهر.

قيل:و لعلّه تدلّ عليه التجربة و الرواية (2).و لم أقف عليها،و التجربة للقاصر غير حاصلة.

فإذاً العمدة هو الاتّفاق الظاهر،و لولاه لكان الاحتياط عنه لازماً و لو من باب المقدّمة و إن كان الحلّ محتملاً.

القسم الثاني في البهائم

اشارة

القسم الثاني:في البهائم و اعلم أنّه يجوز أن

يؤكل من الأُنسية النعم و يكره الخيل و الحمير و البغل

يؤكل من الأُنسية الحضرية،منها:

النعم من الإبل و البقر و الغنم،بلا خلاف فيه بين المسلمين كافّةً كما في المسالك و غيره (3).بل لعلّه من ضروريّات الدين كما صرّح به جماعة (4)، و قد نطق به الكتاب و السنة المتواترة.

و يكره الخيل و الحمير و البغل و لا يحرم بلا خلاف يظهر في

ص:377


1- كالمفيد في المقنعة:576،و الديلمي في المراسم:207،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:191.
2- كشف اللثام 2:262.
3- المسالك 2:238؛ و انظر كشف اللثام 2:262.
4- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:158،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:182.

الأوّلين،بل جعل الحكم في الأخيرين في الانتصار و الغنية من متفرّدات الإمامية (1).

و على الأظهر في الثالث،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه و على الأوّلين أيضاً (2)،مضافاً إلى الإجماعين المتقدّمين؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالتي البراءة و الإباحة المستفادتين من الأدلّة القطعيّة العقليّة و النقليّة كتاباً و إجماعاً،و سنّةً مستفيضةً بل متواترةً، و ظواهر المستفيضة و منها الصحاح و غيرها،بل صريح بعضها.

كالصحيح:عن سباع الطير و الوحش،و القنافذ و الوطواط و الحمير و البغال و الخيل،فقال:« ليس الحرام إلّا ما حرّم اللّه تعالى في كتابه،و قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أكل لحوم الحمير،و إنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها،و ليست الحمر بحرام» ثم قال:« اقرأ هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ» [1] (3)فتأمّل.

و الخبر:عن لحوم الخيل و البغال،فقال:« حلال،و لكن الناس يَعافونها» (4).

و قريب منهما آخر:« إنّ المسلمين كانوا أجهدوا في خيبر،و أسرع

ص:378


1- الانتصار:193،195،الغنية(الجوامع الفقهية):619.
2- الخلاف 6:80.
3- التهذيب 9:176/42،الإستبصار 4:275/74،الوسائل 24:123 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 6.و الآية في سورة الأنعام:145.
4- الفقيه 3:988/213،التهذيب 9:174/41،الاستبصار 4:271/74،المحاسن:471/473،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 3.

المسلمون في دوابّهم،فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإكفاء القدور،و لم يقل:إنّها حرام،و كان ذلك إبقاءً على الدوابّ» (1).

خلافاً للحلبي فحرّمه (2)؛ للصحيحين في أحدهما:عن أكل الخيل و البغال،فقال:نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنها،فلا تأكلها إلّا أن تضطرّ إليها» (3).

و في الثاني:عن لحوم البراذين و الخيل و البغال،قال:

« لا تأكلها» (4).

و هما مع تضمّنهما النهي عمّا عدا البغل أيضاً و لا يقول به هو، و لا أحد منّا قاصران عن المكافأة لما مضى من وجوه شتّى، فليطرحا أو يؤوّلا بالحمل على الكراهة أو التقيّة؛ لكون التحريم مذهب فقهاء العامّة كافّةً (5)،كما صرّح به جماعة (6).و ربما أشعر به بعض الروايات السابقة.

و اعلم أنّ في صريح المسالك و ظاهر غيره (7)الاتّفاق على تفاوت

ص:379


1- الكافي 6:11/246،التهذيب 9:172/41،الإستبصار 4:269/73،الوسائل 24:118 أبواب الأطعمة المحرمة ب 4 ح 2.
2- الكافي في الفقه:277.
3- التهذيب 9:168/40،الإستبصار 4:272/74،الوسائل 24:121 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 1.
4- التهذيب 9:175/42،الإستبصار 4:274/74،الوسائل 24:122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 5.
5- انظر المغني و الشرح الكبير 11:67.
6- منهم:السيد المرتضى في الانتصار:195،و الشيخ في الخلاف 6:81،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:162.
7- المسالك 2:238؛ و انظر الكفاية:248.

الثلاثة في مراتب الكراهة و أنّ المشهور أنّ كراهية البغل أشدّ لتركّبه من الفرس و الحمار و هما مكروهان.و عن القاضي و ظاهر الحلّي أنّ كراهية الحمار أشدّ (1)؛ لأنّ المتولد من قويّ الكراهة و ضعيفها أخفّ كراهةً من المتولّد من قويّها خاصّةً.و في التعليلين ما ترى.

و الأوّل أقوى؛ للشهرة المرجّحة،مع وجود القول في البغل بالحرمة الموجب لتأكّد الاحتياط فيه للشبهة،فناسبه تأكّد الكراهة.

يحرم الجلّال من البهائم

و يحرم الجلّال منها على الأصحّ الأشهر بين الطائفة؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة العاميّة و الخاصيّة.

ففي الصحيح:« لا تأكلوا لحوم الجلّالة،و إن أصابك شيء من عرقها فاغسله» (2).

و فيه:« لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة،و إن أصابك شيء من عرقها فاغسله» (3).

و في القريب من الموثق:في الإبل الجلّالة،قال:« لا يؤكل لحمها، و لا تركب أربعين يوماً» (4).

خلافاً للإسكافي،فقال بالكراهة (5).و ربما نسب إلى المبسوط (6).

ص:380


1- حكاه عن القاضي في الروضة 7:269،الحلّي في السرائر 3:98.
2- الكافي 6:1/25،التهذيب 9:188/45،الإستبصار 4:281/76،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 1.
3- الكافي 6:2/251،التهذيب 9:191/46،الإستبصار 4:284/77،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 2.
4- الكافي 6:11/253،التهذيب 9:190/46،الإستبصار 4:283/77،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 3.
5- كما نقله عنه في المختلف:676.
6- المبسوط 6:282.

بل قيل (1):إنّ ظاهره الإجماع عليه،حيث قال:إنّه مذهبنا.

أقول:و نحوه الخلاف (2).

لكن في هذه النسبة مناقشة؛ فإنّ قوله بالكراهة في الكتابين و دعواه الإجماع فيهما عليها،إنّما هو بناءً منه على أنّ الجلّالة عنده ما يكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضاً،كما سيأتي عنه حكايته قريباً.و به صرّح في الخلاف فقال:الجلّال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة إلى أن قال-:فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها عندنا،ثم قال:و روى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كلّه من ذلك.

و الكراهة على هذا لا يختصّ به،بل هو مذهب أكثر علمائنا كما صرّح به في المختلف و المسالك و غيرهما (3).و محلّ النزاع الذي نسب إليه القول بالكراهة فيه إنّما هو الجلّالة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة لا مطلق الجلّالة،و هو لم يظهر منه القول فيها بالكراهة،بل ظاهره في الخلاف كما عرفت القول فيها بالحرمة مدّعياً عليها في الظاهر إجماع الفرقة بعد أن نسبها إلى رواية الأصحاب كافّةً.

فانحصر القائل بالكراهة في محلّ المشاجرة في الإسكافي خاصّةً.

و هو شاذّ،و حجّته غير واضحة عدا الأصل المخصّص بما مرّ من الأدلّة.

هذا،و ربما حمل كلامه بعض الأجلّة (4)على ما يرجع إلى ما ذكره الجماعة،و عليه فلا خلاف في المسألة و لا إشكال بحمد اللّه سبحانه.

ص:381


1- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:190.
2- الخلاف 6:85.
3- المختلف:679،المسالك 2:238؛ و انظر الكفاية:249.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:250.

و اختيار صاحب الكفاية (1)الكراهة ضعيف غايته،كمستنده الذي ذكره من أنّه لا يستفاد من الأخبار أكثر من الرجحان مع ما علم من العمومات الدالّة على الإباحة؛ لابتناء ما ذكره من عدم استفادة الحرمة من النواهي المتقدّمة على ما اختاره من عدم إفادة نواهي الأئمّة عليهم السلام إيّاها إلّا بالقرينة،و هي في المقام مفقودة.و هو فاسد بالضرورة كما برهن في محلّه.

هذا مع أنّ الشهرة على إرادة الحرمة متحقّقة،و هو يجعلها فيها و في أوامرهم عليهم السلام للحرمة أو الوجوب قرينةً.و به صرّح في مواضع عديدة.

و حيث ظهر دلالة النواهي المزبورة على الحرمة إمّا حقيقةً كما نختاره أو مع القرينة كما لزمه،ظهر الجواب عن العمومات الدالّة على الإباحة، لأنّها بتلك النواهي مخصّصة.

و هو أي الجلّال في المشهور بين الأصحاب ما يأكل عذرة الإنسان محضاً للمرسل المنجبر بالعمل:في الشاة:« لا بأس بها إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة،و الجلّالة التي يكون ذلك غذاءها» (2).

و في آخر:في الجلّالات:« لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن» (3).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط (4)،فلم يعتبر التمحض كما مرّ.و هو شاذّ و إن كان لا بأس به بناءً على ما ذكره من الكراهة.

ص:382


1- الكفاية:249.
2- الكافي 6:5/251،التهذيب 9:194/47،الإستبصار 4:287/78،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:7/252،التهذيب 9:195/47،الإستبصار 4:288/78،الوسائل 24:164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 3.
4- المبسوط 6:282.

و للحلبي،فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (1).و هو كالأوّل شاذّ مندفع بما مرّ من الخبر،و وجوب الاقتصار في الحكم بالتحريم على المجمع عليه،و هو ما تمحّض عذرة الإنسان.

ثم إنّ النصوص و الفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدّة التي يحصل فيها الجلل.و غاية ما يستفاد من المرسلة الأُولى اعتبار كون العذرة غذاءها، و من الثانية أنّ الخلط لا يوجب الجلل.و كلّ منهما بالإضافة إليها مجملة.

و قدّرها بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءاً (2).و بعضهم بيوم و ليلة (3).و آخرون بأن يظهر النتن في لحمه و جلده،يعني رائحة النجاسة التي اغتذت بها (4).و رابع بأن يسمّى في العرف جلّالاً (5).و هذا أقوى؛ لأنّه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلاً.

و يحلّ الجلّال مع الاستبراء بأن يربط و يطعم العلف الطاهر كما مرّ،إجماعاً فتوًى و نصّاً مستفيضاً. و اتّفقا في أنّ كمّيته و مقداره في الإبل أربعون يوماً،و أمّا فيما عداه ففي كلّ منهما في بيان كمّيته اختلاف،و محصّله المعتمد عليه المشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ استبراء الناقة بأربعين يوماً،و البقرة بعشرين،و الشاة بعشرة و البطّة بخمسة أيّام،و الدجاجة بثلاثة أيّام.

بل في ظاهر الخلاف الإجماع عليه،إلّا أنّه ذكر بدل الخمسة في

ص:383


1- الكافي في الفقه:278.
2- التنقيح الرائع 4:36،الشهيد في الروضة 7:290.
3- نقله في التنقيح الرائع 4:36 عن بعض المحقّقين.
4- المسالك 2:238.
5- مجمع الفائدة و البرهان 11:250،كفاية الأحكام:249.

البطة سبعة (1)؛ و هو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى رواية السكوني القويّة في نفسها المنجبرة بعمل الأكثر هنا:

«الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيّام،و البطة الجلّالة خمسة أيّام،و الشاة الجلّالة عشرة أيّام،و البقرة الجلّالة عشرين يوماً، و الناقة أربعين يوماً» (2).

و نحوها بعينها رواية مسمع (3)إلّا أنّه بدّل العشرين في البقرة بالأربعين في نسختي التهذيب و الاستبصار،و بالثلاثين في نسخة الكافي المرويّ عنه الرواية في الكتابين.و الظاهر سهو نسختهما سيّما مع تأيّد نسخة الكافي بروايتين أُخريين ضعيفتين.

في إحداهما:« الإبل الجلّالة إذا أردت نحرها،تحبس البعير أربعين يوماً،و البقرة ثلاثين يوماً،و الشاة عشرة أيّام» (4).

و في الثانية:« الدجاج تحبس ثلاثة أيّام،و البطّة سبعة أيّام،و الشاة أربعة عشر يوماً،و البقرة ثلاثين يوماً،و الإبل أربعين يوماً،ثم تذبح» (5).

و هذه الروايات و إن تعدّدت بالثلاثين في البقرة،إلّا أنّها لا تقاوم الرواية المشهورة المنجبر ضعفها على تقديره بالشهرة و حكاية الإجماع

ص:384


1- لم يرد فيه البطّة،بل ذكر في الشاة عشرة أيام أو سبعة أيام.الخلاف 6:86.
2- الكافي 6:3/251،التهذيب 9:192/46،الإستبصار 4:285/77،الوسائل 24:166 أبواب الأطعمة الحرمة ب 28 ح 1.
3- الكافي 6:12/253،التهذيب 9:189/45،الإستبصار 4:282/77،الوسائل 24:166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 2.
4- الكافي 6:6/252،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 4.
5- الكافي 6:9/252،الوسائل 24:167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 5.

المتقدّمة،و إن تأيّدت هذه الروايات بأصالة بقاء الحرمة إلّا أنّها مخصّصة بتلك الروايات.

هذا مع أنّ أكثر هذه الروايات شاذّة بمعنى أنّها لا يمكن أن تكون مستندةً للقائل بالثلاثين في البقرة،كالصدوق و الإسكافي (1)؛ لمصير الأوّل في الشاة إلى عشرين،و الثاني فيها إلى أربعة عشر،و هي متّفقة على ردّ الأوّل،لاتّفاقها عدا الأخيرة في كمّية الاستبراء فيها على أنّها عشرة،و دلالة الأخيرة على أربعة عشر.و ما عداها متّفقة على ردّ الثاني،معاضدة للرواية المشهورة.

هذا مع أنّ رواية مسمع مرويّة في التهذيب في البقرة عشرين كالرواية المشهورة (2)،كما حكاه خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في بعض حواشيه المنسوبة إليه على الرواية (3).

و ممّا ذكرنا ظهر أكثر الأقوال المختلفة في البقرة.و فيها قول بأربعين عن المبسوط و القاضي (4)؛ و حجّتهما عليه غير واضحة عدا نسختي الكتابين في رواية مسمع المتقدّمة.و هي مع ما هي عليه من وجوه الضعف المتقدّم لا يمكن أن تكون لهما حجّة؛ لمصيرهما في الشاة إلى أنّ مدّة استبرائها سبعة،و الحال أنّ الرواية دلّت على أنّها عشرة كما في نسخة الكافي المعتبرة،أو خمسة كما في نسختي الكتابين.

و بنحو هذا يجاب عن الرواية الأخيرة لو جعلت حجّة لما اختاره

ص:385


1- الصدوق في الفقيه 3:214،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:676.
2- التهذيب 9:189/45.
3- انظر ملاذ الأخيار 14:209.
4- المبسوط 6:282،الموجود في المهذب 2:427 عشرون.

الأوّل في الخلاف في البطة من أنّ مدة استبرائها سبعة؛ لتضمّنها الأربعة عشر في الشاة و الثلاثين في البقرة،و لا يقول بشيء منهما في شيء من كتبه.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ ما عدا الرواية الأُولى شاذّة و لو في الجملة ضعيفة الأسانيد لا جابر لها بالكلّية.بخلاف الرواية الأُولى؛ لاعتبارها في نفسها و وجود القول بجميع ما فيها،و كونه مشهوراً بين أصحابنا شهرةً متحقّقةً و محكيّةً في كلام جماعة (1).مع اعتضاد الحكم في الجميع ما عدا البطة بإجماع الخلاف،و فيما عدا الدجاجة بالإجماع في الغنية (2).فلا مسرح عن العمل بها و لا مندوحة.

فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني و جملة ممّن تبعه (3)من الإضراب عنها و عن كلّ من الأقوال المتقدّمة،و المصير إلى القاعدة و هي اعتبار أكثر الأمرين من هذه المقدّرات و ما به يزول الجلل ليخرج عن حقّ الأدلّة، لا وجه له و إن كان أحوط بلا شبهة،مع أنّه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة.

و ممّا ذكروه من القاعدة يظهر وجه صحّة ما ذكره هو و جماعة،من اعتبار ما يزول به الجلل عرفاً و عادةً في استبراء الجلّالة التي لم يرد بتقدير مدّة استبرائها نصّ و لا رواية،إلّا أنّه ينبغي تقييده بعدم إمكان استنباط مدّته من مدة الجلّالات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب و الأولويّة.

ص:386


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:38،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:291،و السبزواري في الكفاية:250.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الشهيد الثاني في الروضة 7:292،و تبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:190،و السبزواري في الكفاية:250.

و يحلّ من الوحشيّة البقر و الكباش الجبليّة،و الحمر و الغزلان و اليحامير

و يحلّ من البهيمة الوحشيّة:البقر و الكباش الجبليّة،و الحمر و الغزلان و اليحامير بلا خلاف بين المسلمين،كما في صريح المسالك (1)،و ظاهر غيره من الجماعة (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أصالتي البراءة و الإباحة،و عمومات الكتاب و السنّة،و خصوص ما وقفت عليه في الثالث و الرابع من بعض المعتبرة.

كالموثق عن رجل رمى حمار وحش أو ظبياً فأصابه،ثمّ كان في طلبه إلى أن قال فقال عليه السلام:« إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل،و إلّا فلا يأكل» (3).

و في الخبر:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن لحم الحمر الأهليّة،و ليس بالوحشيّة بأس» (4).

و يستفاد منه عدم الكراهة في الحمر.و لا يبعد؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على النهي عنها بحكم التبادر و تقييدها في كثير ممّا تضمّنه بالأهليّة بها،دون الوحشيّة.لكن في التحرير (5)،و المحكيّ في الدروس عن الحلّي (6)كراهتها،و لم أقف على مستندهما.

نعم،في الدروس (7):في مكاتبة أبي الحسن عليه السلام في لحم حمر

ص:387


1- المسالك 2:239.
2- مجمع الفائدة و البرهان 11:165،مفاتيح الشرائع 2:183،كشف اللثام 2:263.
3- الكافي 6:4/210،التهذيب 9:136/34،الوسائل 23:366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.
4- التهذيب 9:177/42،الوسائل 24:124 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 7.
5- التحرير 2:159.
6- السرائر 3:101.
7- الدروس 3:6.

الوحش:« إنّ تركه أفضل» (1).

و لعلّها مراد صاحب الكفاية بقوله:و في بعض الروايات في لحم حمير الوحش تركه أفضل (2).و دلالتها على الكراهة غير واضحة.

يحرم كلّ ما له ناب

و يحرم من البهائم كلّ ما له ناب أي ضرس و ضابطه ما يفترس و يعدو به على الحيوان،قويّاً كان كالأسد و النمر،أو ضعيفاً ك الثعلب و ابن آوى،بلا خلاف،بل عليه إجماع الإمامية في الخلاف و الغنية و غيرهما من كتب الجماعة (3)؛ و هو الحجّة المخصّصة لأصالتي البراءة و الإباحة،و إطلاقات الكتاب و السنّة.

مضافاً إلى النهي النبويّ المشهور عن كلّ ذي ناب من السباع، و مخلب من الطير،المرويّ في المعتبرة.

ففي الصحيح:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:كلّ ذي ناب من السباع، و مخلب من الطير حرام،و قال:لا تأكل من السباع شيئاً» (4).

و فيه:« كلّ ذي ناب من السباع،و مخلب من الطير حرام» (5).

و في الموثّق:« إنّه صلى الله عليه و آله حرّم كلّ ذي مخلب من الطير،و كلّ ذي ناب من الوحش،و السبع كلّه حرام و إن كان سبع لا ناب له» (6).

ص:388


1- الكافي 6:1/313،الوسائل 25:50 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 1.
2- الكفاية:248.
3- الخلاف 6:74،الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر الكفاية:248،و المفاتيح 2:182.
4- الكافي 6:3/245،التهذيب 9:162/38،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 2.
5- الكافي 6:2/244،الفقيه 3:938/205،التهذيب 9:161/38،الوسائل 24:113 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 1.
6- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 3.

و كذا يحرم الأرنب و الضبّ و اليربوع و الوبر و الخز،و الفنك و السمور،و السنجاب و العظاة و اللحكَة و الحشار كلّها كالفأرة و القنفذ و العقرب و الحيّة و الجرذان و الخنافس و الصراصر،و بنات وردان و البراغيث و القمّل بلا خلاف في شيء من ذلك.بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى أنّ بعضاً منها ما هو منصوص على تحريمه.

و منها:ما يحرم لخبثه كالحشار؛ لآية يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ [1] (1).و منها:ما هو ذو سمّ فيحرم؛ لما فيه من الضرر،و في الموثّق:أنّه كره أكل[كلّ]ذي حُمَة (2).

و منها:ما هو من المسوخات المحرّمة؛ لكثير من المعتبرة،منها الصحيح:عن أكل الضبّ،فقال:« إنّ الضبّ و الفأرة و القردة و الخنازير مسوخ» (3)فتأمّل.

و الموثق:« حرّم اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله المسوخ جميعاً» (4).

و الخبران:في أحدهما:أ يحلّ أكل[لحم]الفيل؟فقال:« لا» فقلت:

لم؟قال:« لأنّه مثلة،و قد حرّم اللّه عزّ و جلّ الأمساخ،و لحم ما مثّل به في

ص:389


1- الأعراف:157.
2- الكافي 6:7/245،التهذيب 9:167/40،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 6 ح 1.
3- الكافي 6:5/245،التهذيب 9:163/39،الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 1.
4- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:105 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 3.

صورها» (1).

و في الثاني:عن لحم الكلب،فقال:« هو مسخ» قلت:هو حرام؟ قال:« هو نجس» (2)الخبر.

هذا،و أمّا الصحاح الدالّة على حلّ ما لم يحرّمه القرآن على كراهة في بعضها (3)،فهي شاذّة لا عمل عليها مطرحة،أو محمولة على التقيّة فتأمّل أو ما ذكره شيخ الطائفة من حمل التحريم المنفيّ فيها على التحريم المخصوص المغلّظ الشديد الحظر (4)،و هو ما اقتضاه ظاهر القرآن.

القسم الثالث في الطير

اشارة

القسم الثالث:في الطير

الحرام منه ما كان سبعاً

و الحرام منه ما كان سبعاً ذا مخلب أي ظفر يفترس و يعدو به على الطير،قويّاً كان كالبازي و الصقر،و العقاب و الشاهين و الباشق،أو ضعيفاً كالنسر و الرخمة و البغاث،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة و المبسوط (5)؛ للنهي المتقدّم في تلك المعتبرة.

و في الغراب روايتان أصحّهما الصحيح:عن غراب الأبقع

ص:390


1- الكافي 6:4/245،التهذيب 9:165/39،علل الشرائع:5/485،المحاسن:106/335،الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 2،و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 6:6/245،التهذيب 9:164/39،الوسائل 24:105 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 4.
3- كصحيحة محمد بن مسلم.انظر الوسائل 24:123 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 6.
4- التهذيب 9:42.
5- الخلاف 6:84،الغنية(الجوامع الفقهية):618،المبسوط 6:281.

و الأسود،أ يحلّ أكله؟فقال:« لا يحلّ أكل شيء من الغربان،زاغ و لا غيره» (1).

و الوجه عند الماتن هنا الكراهية مطلقاً،تبعاً للقاضي و النهاية (2)؛ عملاً بأصالتي البراءة و الإباحة،و جمعاً بين الصحيحة المزبورة و الرواية الثانية،المعتبرة بأبان المشترك،الظاهر كونه الناووسي،الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و فضالة:« أكل الغراب ليس بحرام،إنّما الحرام ما حرّمه اللّه في كتابه» (3)بحمل الاُولى على نفي الحلّية المطلقة من دون كراهة.

و اعتمد في هذا الجمع على الموثّقة:« أنّه كره أكل الغراب،لأنّه فاسق» (4)حيث أُطلق عليه لفظ الكراهة.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ للزوم الخروج عن الأصلين بالصحيحة المعتضدة بالمعاضدات القويّة التي يأتي إلى ذكرها الإشارة.

و فسادِ الجمع من وجوه عديدة؛ لقصور الرواية عن المقاومة للصحيحة سنداً و متناً،لتضمّنه الحكم بحلّ كلّ ما لم يحرّمه القرآن،الفاسد إجماعاً،فهي شاذّة جدّاً لا معوّل عليها أصلاً،سيّما مع احتمالها الحمل على التقيّة،كما ذكره بعض أصحابنا (5).

ص:391


1- الكافي 6:8/245،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 3.
2- القاضي في المهذب 2:429،النهاية:577.
3- التهذيب 9:72/18،الإستبصار 4:237/66،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 1.
4- التهذيب 9:74/19،الإستبصار 4:238/66،الوسائل 24:125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 2.
5- كالحرّ العاملي في الوسائل 24:125.

و الموثّقة و إن تضمّنت لفظ الكراهة إلّا أنّه أعمّ من المعنى المصطلح عليه الآن و من الحرمة،فهو من الألفاظ المجملة التي يرجع في معرفة معانيها إلى القرينة،و الصحيحة المصرّحة بالحرمة أقوى قرينة،سيّما مع اعتضادها بروايات أُخر هي ما بين صريحة فيها و ظاهرة.

فالأوّل:ما تضمّن السؤال عن الغراب الأبقع،قال:فقال:« إنّه لا يؤكل،و مَن أحلّ لك الأسود؟! » (1).و الثاني:ما تضمّن أنّ النبي صلى الله عليه و آله اتي بغراب فسمّاه فاسقاً،و قال:

« و اللّه ما هو من الطيبات» (2).

و منه ما دلّ على النهي عن أكل بيضه (3)،لما مرّ (4)و ما سيأتي من تبعيّة بيض الحيوان و لبنه للحمه في حرمته أو كراهته.

فإذاً الأقوى القول بالتحريم مطلقاً،كما في المختلف و الإيضاح و الروضة (5)،وفاقاً للمبسوط و الخلاف (6)،مدّعياً عليه في ظاهر الأوّل و صريح الثاني إجماع الإماميّة؛ و هو حجّة أُخرى مستقلّة معتضدة في الجملة بما يظهر من ظاهر التحرير و قريب منه الإرشاد و اللمعة (7)من عدم

ص:392


1- الكافي 6:15/246،التهذيب 9:71/18،الإستبصار 4:235/65،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 4.
2- عوالي اللئلئ 3:27/468،مستدرك الوسائل 16:176 أبواب الأطعمة المحرمة ب 6 ح 1.
3- الكافي 6:10/252،التهذيب 9:62/16،الوسائل 24:126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 5.
4- في ص 374.
5- المختلف:678،الإيضاح 4:147،الروضة 7:277.
6- المبسوط 6:218،الخلاف 6:85.
7- التحرير 2:160،الإرشاد 2:110،اللمعة(الروضة البهية 7):275.قد استثنى في اللمعة الغُداف أيضاً.

الخلاف في تحريم ما عدا الزاغ.بل يظهر من الأوّلين كون ما عداه بأقسامه من السباع.

و نحوهما الحلّي حيث قال:الغربان على أربعة أضرب،ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها،و هي الغداف الذي يأكل الجيف،و يفرس و يسكن الخرابات،و هو الكبير من الغربان[السود].و كذلك الأغبر الكبير؛ لأنّه يفرس و يصيد الدرّاج،فهو من جملة سباع الطير.و كذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي يسمى العقعق طويل الذنب.و أمّا الرابع و هو غراب الزرع،الصغير من الغربان السود الذي يسمّى الزاغ.فإنّ الأظهر من المذهب أنّه يؤكل لحمه على كراهية دون أن يكون لحمه محظوراً.و إلى هذا يذهب شيخنا في نهايته،و إن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطه، و مسائل خلافه،فإنّه قال بتحريم الجميع.و ذهب في استبصاره إلى تحليل الجميع.و الصحيح ما اخترناه؛ لأنّ التحريم يحتاج إلى دلالة شرعية،لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة،و لا إجماع على حظره،و لا أخبار متواترة، و لا كتاب اللّه تعالى (1).

و قريب منه عبارة الفاضل في الكتابين مختاراً في الزاغ ما اختاره من الكراهة.و بها في الغداف خاصّةً أفتى في اللمعة،و نسبها في الزاغ إلى المشهور مشعراً بالتردّد فيه.

و هذا التفصيل بكلا قسميه لا يستقيم له حجّة بعد إطلاق ما مرّ من الروايتين بالحلّ و الحرمة،إلّا على أصل الحلّي الذي لا أصل له من طرحهما جملةً بناءً على أنّهما من الأخبار الآحاد التي ليست عنده بحجّة،

ص:393


1- السرائر 3:103،و ما بين المعقوفين من المصدر.

فتبقى الأُصول الدالّة على الإباحة بحالها باقية،لكن في الزاغ خاصّةً دون غيره،لما مرّ من أنّه بأقسامه الثلاثة من سباع الطير المحرّمة المستثناة منها بالإجماع،و المعتبرة المتقدّمة.

و منه يظهر مزيد الحجّة على مختار الماتن في الجميع،و اللمعة في الغداف (1)من الكراهة؛ لأنّه من السباع المزبورة.

و إنّما حكم الماتن بأنه يتأكّد الكراهة في الأبقع لورود النهي عنه بالخصوص في بعض الروايات المتقدّمة.

و يحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه

و يحرم من الطير مطلقاً بريّاً كان أو بحريّاً ما كان صفيفه حال طيرانه و هو أن يطير مبسوطة الجناحين من غير أن يحرّكهما- أكثر من دفيفه بأن يحرّكهما حالته.دون ما انعكس.

و كذا يحرم ما ليس له قانصة و هي للطير بمنزلة المَصارين (2)لغيرها،و يقال لها بالفارسية:سنگدان.

و لا حوصلة بالتشديد و التخفيف،و هي مجمع الحبّ و غيره من المأكول عند الحلق،و يقال لها بها:چينه دان.

و لا صيصية بكسر أوّله و ثالثه مخفّفاً،و هي الشوكة التي في رجله موضع العقب،و أصلها شوكة الحائك التي يسوّى بها السدى و اللحمة، و يقال لها بها:مِهْمِيز.

و يحلّ منه ما يوجد فيه الدفيف أكثر،أو أحد العلامات الثلاثة الأخيرة.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في صريح

ص:394


1- الروضة البهية 7):275،قال فيها بحلّية الغُداف.
2- المصير كَرَغيف:المعاء،و الجمع مُصران كرُغفان.مجمع البحرين 3:482.

كلام المقدس الأردبيلي (1)،و ظاهر صاحب الكفاية (2)،و ادّعاه أيضاً في الغنية لكن في القانصة و الحوصلة (3)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:« كُلْ ما دفّ،و لا تأكل ما صفّ» قلت:فطير الماء؟ قال:« ما كانت له قانصة فكل،و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل» (4).

و فيه:عن الحُبارى،قال:« إن كانت له قانصة فكل».و عن طير الماء،فقال مثل ذلك (5).

و فيه:الطير ما يؤكل منه؟فقال:« لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة» (6).

و في الموثق:« كُلْ من طير البرّ ما كانت له حوصلة،و من طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام،لا معدة كمعدة الإنسان.و كلّ ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام.و الصفيف كما يطير البازي و الصقْر و الحِدَأة، و ما أشبه ذلك.و كلّ ما دفّ حلال.و الحوصلة و القانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول» (7).

و في الخبر القاصر بسهل الذي ضعفه سهل أو ثقة،و عليه فهو موثق كالصحيح بابن بكير،بل عند بعض صحيح:« كُلْ من الطير ما كانت له

ص:395


1- مجمع الفائدة و البرهان 11:177.
2- الكفاية:249.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
4- الكافي 6:3/247،الفقيه 3:936/205،التهذيب 9:63/16،الوسائل 24:152 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 1.
5- التهذيب 9:59/15،الوسائل 24:158 أبواب الأطعمة المحرمة ب 21 ح 3.
6- الكافي 6:2/247،الوسائل 24:149 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 1.
7- الكافي 6:1/247،التهذيب 9:65/16،الوسائل 24:150 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 3.

قانصة،أو صيصية،أو حوصلة» (1).

و في آخر:« كُلْ ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» فقلت:إنّي اوتي به مذبوحاً،فقال:« كُلْ ما كانت قانصة» (2).

و ظاهره كغيره اعتبار استدامة الصفيف و الدفيف دون اكثريّتهما كما في صريح الفتاوي.و لعلّ الوجه في تقييدهما بها غلبتها دون الاستدامة جدّاً.

مضافاً إلى المرسل المرويّ في الفقيه المصرّح بها،ففيه:« إن كان الطير يصفّ و يدفّ و كان دفيفه أكثر من صفيفه أُكل،و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل.و يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية، و لا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية» (3).

و يستفاد منه كغيره المردّد بين العلامات عدم وجوب اجتماعها في الإباحة،و أنّ في بعضها كفاية.و هو ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة (4)،و صرّح به آخرون (5).و يعضده باقي النصوص المتقدّمة من حيث اكتفاء كلّ منها ببعض العلامات في الإباحة.

ثمّ إنّ ظاهر الموثّق و ما بعد خبر ابن بكير و إن اختلفا في الظهور قوّة

ص:396


1- الكافي 6:5/248،التهذيب 9:67/17،الوسائل 24:151 أبواب الأطعمة الحرمة ب 18 ح 5.
2- الكافي 6:6/248،التهذيب 9:64/16،الوسائل 24:151 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 6.
3- الفقيه 3:937/205،الوسائل 24:153 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 4.
4- كالشهيدين في الدروس 3:9،و الروضة 7:279،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:177.
5- كالعلّامة في القواعد 2:156،و السبزواري في الكفاية:249،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:185.

و ضعفاً أنّ العلامات الثلاثة الأخيرة إنّما تعتبر في المجهول طيرانه،و حكاه بعض الأصحاب (1)قولاً،و لم أقف على قائله صريحاً.

نعم،ربما يوهمه كلام شيخنا في المسالك (2)،لكنّه صرّح فيه و في الروضة (3)بأنّ الظاهر تلازم العلامات المزبورة،و أنّه لا محرّم له إحداها و لا محلّل خالٍ عنها.و تبعه في التصريح جملة ممّن تبعه مدّعياً بعضهم (4)إمكان استفادة التلازم بينها من النصوص المزبورة بعد ضمّ بعضها إلى بعض.و لا بدّ من التأمّل.

و اعلم أنّ [المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في الكفاية حلّ متساوي الصفيف و الدفيف.و لعلّه لعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و يحتمل ضعيفاً المنع؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية] @(في حلّ متساوي الدفيف و الصفيف أم حرمته خلافاً.فبين من قال بالأوّل،كالتحرير و الدروس و الكفاية و غيرهم (5)؛ عملاً بعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنّة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و بين من قال بالثاني كالشهيد في اللمعة (6)؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية المخصص لأدلّة الإباحة،و خصوص ما دلّ على غلبة الحرام على الحلال إذا اجتمعا (7)) (8).@

ص:397


1- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2:186.
2- المسالك 2:240.
3- الروضة 7:279.
4- انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:178،و كشف اللثام 2:263.
5- التحرير 2:160،الدروس 3:11،الكفاية:249؛ و انظر كشف اللثام 2:263،القواعد 2:156.
6- اللمعة(الروضة البهية 7):278.
7- راجع ص 353.
8- بدل ما بين القوسين في« ر» و« ح»:المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في الكفاية(249)حلّ متساوي الصفيف و الدفيف.و لعلّه لعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب و السنة،و خصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ و الحرمة.و يحتمل ضعيفاً المنع؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية.

و فيه نظر،و لعلّ الأوّل أظهر.

هذا إذا لم يوجد فيه شيء من العلامات الأُخر للحلّ أو الحرمة.و مع وجوده يتبع حلّاً و حرمةً إذا كان عن معارضة علامة الضدّ سليمة،و إلّا فيجري فيه الوجهان.و لكنّ الظاهر هنا تغليب جانب الحرمة كما يستفاد من بعض المعتبرة المتقدّمة التي لم نذكر منها ما هو موضع الدلالة في المسألة (1)،لكن لا ثمرة فيها بعد ما عرفت من عدم اجتماع علامتي الحلّ و الحرمة.

و يحرم الخفّاش و يقال له الخشاف و الوطواط أيضاً و الطاوس بلا خلاف؛ لكونهما من المسوخ كما يستفاد من النصوص (2).

مضافاً إلى الخبر في الثاني:« الطاوس لا يحلّ أكله،و لا بيضه» (3).

و في حرمة الخُطّاف تردّد و اختلاف،فبين قائلٍ بها،كالنهاية و القاضي و الحلّي (4)مدّعياً الإجماع عليه؛ له،و للخبر:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتل الستّة:النحلة،و النملة،و الضفدع،و الصرد،و الهدهد، و الخطّاف» (5).

ص:398


1- و هي الموثقة المتقدّمة في ص 394.
2- انظر الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
3- الكافي 6:9/245،الوسائل 4:106 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 5.
4- النهاية:577،القاضي في المهذب 2:429،الحلّي في السرائر 3:104.
5- التهذيب 9:78/20،الإستبصار 4:239/66،الوسائل 23:392 أبواب الصيد ب 39 ح 3.

و قائلٍ بعدمها،كالمفيد (1)في ظاهره،و تبعه عامّة متأخّري أصحابنا.

و هو الأقوى؛ لأصالتي الإباحة و البراءة،و عموم ما مرّ من المعتبرة الدالّة على حلّ كل ما دفّ،و الخطاف منه على الظاهر المصرّح به في كلام جمع (2).

و خصوصِ الموثّق:« هو ممّا يؤكل لحمه» (3)و حمله على التعجب كما فعله الشيخ (4)بعيد،سيّما مع تضمّنه بعد أن سئل بعد ذلك عن الوَبْر يؤكل؟:أنّه حرام.

و الخبر المرويّ في المختلف:« خُرء الخُطّاف لا بأس به،و هو ممّا يحلّ أكله،و لكن كره أكله،لأنّه استجار بك» (5).

هذا،و في الصحيح:عن قتل الخُطّاف و إيذائهنّ في الحرم،فقال:

« لا يقتلن،فإنّي كنت مع عليّ بن الحسين عليه السلام فرآني[و أنا]أُوذيهنّ، فقال:يا بنيّ،لا تقتلهنّ و لا تؤذهنّ،فإنّهنّ لا يؤذين شيئاً» (6).

و هو ظاهر في الحلّ؛ للحكم بأنّهنّ لا يؤذين شيئاً،و هو دالّ على طهارة ذرقهنّ،و إلّا لحصل الإيذاء،لعموم البلوى بهنّ،و عدم الانفكاك غالباً عن ذرقهنّ.و هي تدلّ على حلّ أكلهن بناءً على التلازم بينهما على

ص:399


1- المقنعة:577.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:41،و الشهيد الثاني في المسالك 2:241،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:187.
3- التهذيب 9:84/21،الإستبصار 4:240/66،الوسائل 23:394 أبواب الصيد ب 39 ح 6.
4- التهذيب 9:21.
5- المختلف:679،الوسائل 23:393 أبواب الصيد ب 39 ح 5.
6- الكافي 6:3/224،الوسائل 23:391 أبواب الصيد ب 39 ح 1،و ما بين المعقوفين منه الكافي.

الأشهر الأقوى.

و الإجماع لو سلّم هنا فغايته أنّه خبر صحيح،و هو لا يعارض الموثّق و غيره الصريحين المعتضدين بالأُصول،و العمومات،و الشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً،مضافاً إلى المعاضدات الأُخر.

و الخبر مع ضعف سنده من وجوه غير دالّ؛ إذ غايته النهي عن القتل،و هو غير ملازم لتحريم الأكل بوجه،و إن وجد في صدره ما ربما يتوهّم منه مناسبة له،لكنّه غير واضح.

هذا مضافاً إلى(عدم) (1)إفادة النهي فيه عن القتل حرمته بعد تعلّقه بما لا يحرم قتله إجماعاً،كالهدهد و نحوه،فغايته إفادة المرجوحيّة الشاملة للكراهة.و جعله بالإضافة إلى الخطّاف للتحريم و إلى الهدهد للكراهة غير جائز؛ للزوم استعمال اللفظة الواحدة في استعمال واحد في المجاز و الحقيقة.

و بالجملة:فالقول بالحرمة ضعيف غايته،كالتردّد فيها المستفاد من صريح التحرير،و الماتن هنا و في الشرائع (2) و لكن جعل الكراهة أشبه و وجهها مع ثبوت الإباحة الشبهة الناشئة عن أدلّة الحرمة،سيّما مع حكاية الإجماع فإنّها توجب تأكّدها،كما صرّح به بعض الأجلّة.

تكره الفاختة و القُنبرةَ

و تكره الفاختة و القُنبرةَ بلا خلاف فيهما و في الطيور الآتية؛ للنصوص.

ص:400


1- بدل ما بين القوسين في« ر» و« ح»:التأمّل في.
2- التحرير 2:160،الشرائع 3:221.

منها في الفاختة:« أنّها مشؤومة و إنّما تدعو على أربابها،فتقول:

فقدتكم فقدتكم» (1)و دلالتها على كراهة الأكل،بل القتل غير واضحة.

و منها:« لا تأكلوا القُنْبَرةَ،و لا تسبّوها،و لا تعطوها الصبيان يلعبون بها،فإنّها كثيرة التسبيح،و تسبيحها:لعن اللّه مبغضي آل محمد صلى الله عليه و آله» (2)و نحوه آخر (3).

و حمل النهي فيها على الكراهة للاتفاق عليها،مضافاً إلى قصور سندهما.

و في خبر طويل:« أنّ القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود» (4).

و أغلظ منهما كراهية الهدهد،و الصرد،و الصوام،و الشقِرّاق قيل (5):للنهي عنها في النصوص،منها زيادة على الخبر المتقدّم (6)الناهي عن قتل الأوّلين-:الصحيح الناهي عن قتل الأوّل و إيذائه (7)،و الخبر الناهي عن قتل ما عدا الأخير (8)،و الموثّق المكره قتله.

ص:401


1- الكافي 6:3/551،الوسائل 11:528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 2.
2- الكافي 6:1/225،التهذيب 9:77/19،الوسائل 23:395 أبواب الصيد ب 41 ح 1.
3- الكافي 6:3/225،الوسائل 23:396 أبواب الصيد ب 41 ح 3.
4- الكافي 6:4/225،الوسائل 23:396 أبواب الصيد ب 41 ح 4.
5- المفاتيح 2:187.
6- في ص 397.
7- الكافي 6:2/224،التهذيب 9:75/19،الوسائل 23:394 أبواب الصيد ب 40 ح 1.
8- الكافي 6:3/224،التهذيب 9:76/19،الوسائل 23:395 أبواب الصيد ب 40 ح 3.

و فيه:« و كان النبيّ صلى الله عليه و آله يوماً يمشي،فإذا شَقِرّاق قد انقضّ، و استخرج من خُفّه حيّة» (1).

و في دلالتها على الكراهة مناقشة مضى إلى وجهها قريباً الإشارة.

و على تقدير تسليم الدلالة فغايتها الدلالة على النهي عن أكلها،و قد مرّ مثله في القنبرة صريحاً.فكيف يمكن أن تكون كراهة هذه أغلظ من كراهتها، مع اشتراكهما في موجبها.

و بالجملة:فلم يتّضح للعبد وجه الأغلظيّة أصلاً.اللّهمّ إلّا أن يكون المفضّل عليه كراهة الفاختة خاصّةً لا القُنبرة أيضاً.و وجه التفضيل حينئذ واضح،إلّا أنّ تنزيل العبارة على هذا مشكل.

لو كان أحد المحلّلة جلّالاً حرم

و لو كان أحد الطيور المحلّلة جلّالاً باغتذائها عذرة الإنسان محضاً كما مضى (2) حرم على الأشهر الأقوى.

و قد مرّ الكلام فيه،و في أنّه لا يحلّ حتّى يستبرأ.فالبطّة و ما أشبهها بخمسة أيّام،و الدجاجة بثلاثة أيّام و ليس في المستند للحكم و المقدار فيهما و كثير من الفتاوى إلحاقُ ما أشبههما بهما في مقدار الاستبراء.و هو من دون دليل قياس محرّم عندنا،فينبغي الرجوع في تقديره إلى زوال اسم الجلل عنه عرفاً،فإنّه المحكّم فيما لم يرد لبيانه دليل أصلاً.

و يحرم الزنابير لكونها مسخاً كما في نصّ:« كان لحّاماً يسرق في الميزان» (3).

ص:402


1- التهذيب 9:85/21،الوسائل 23:397 أبواب الصيد ب 43 ح 1.
2- راجع ص 381.
3- الكافي 6:14/246،التهذيب 9:166/39،الوسائل 24:106 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 7.

و الذباب و البقّ و البرغوث لكونها من الخبائث،مع أنّه لا خلاف فيها كما لا خلاف في سابقها.

و يحرم بيض ما لا يؤكل لحمة كما أنّه يحلّ بيض ما يؤكل لحمه بلا خلاف.بل عليه الإجماع ظاهراً و في الغنية صريحاً (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في بيض السمك الدالّين على الكلّية نفياً و إثباتاً (2).

و يعضدهما مضافاً إلى ما مضى ثمّة بعض المعتبرة المنجبر ضعفه برواية ابن أبي عمير عن موجبه و لو بواسطة،فإنّه قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:عن الرجل يدخل الأجمة،فيجد فيها بيضاً مختلفاً لا يدري بيض ما هو،أبيض ما يكره من الطير أو يستحبّ،فقال:« إنّ فيه علماً لا يخفى،انظر كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكلها،و ما سوى ذلك فدعه» (3).

و هو ظاهر كما ترى في اعتقاد السائل الكلّية نفياً و إثباتاً،و أنّه اشتبه له حكم بيض المشتبه حاله أمن حلال أو حرام،و قد أقرّه عليه السلام على معتقده و أجابه عمّا اشتبه له.و التقرير حجّة كما قرّر في محلّه.

و يستفاد منه أنّه لو اشتبه حال البيض أمن حلال أو حرام أُكل منه ما اختلف طرفاه،و ترك ما اتّفق و لا خلاف فيه أيضاً.بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الرواية،و المعتبرة الأُخر

ص:403


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- في ص 374.
3- الكافي 6:3/249،التهذيب 9:58/15،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 3.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

المستفيضة.

منها الصحيح:البيض في الآجام،فقال:« ما استوى طرفاه فلا تأكل، و ما اختلف طرفاه فكل» (1).

و الخبر:« إذا دخلت أجمة فوجدت بيضاً فلا تأكل منه إلّا ما اختلف طرفاه» (2).

و في آخر:« كل من البيض ما لم يستو رأساه» الحديث (3).

و إطلاقها أو عمومها سيّما الأخير و إن شمل البيض الغير المشتبه أيضاً،إلّا أنّ ورود أكثرها فيه،مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به، اقتضى حلّ بيض ما يؤكل لحمه مطلقاً و لو استوى طرفاه،و حرمة بيض ما لا يؤكل لحمه كذلك و إن اختلف طرفاه؛ عملاً بعموم ما دلّ على التبعيّة.

هذا مع اعتضاد الحكم بالحلّ في الأوّل مطلقاً بعموم ما دلّ على الإباحة من الكتاب و السنة،و في الحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين و الحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما باتّفاق نصوص الضابطَين على الحلّ في الأوّل و على الحرمة في الثاني كما لا يخفى.

هذا على تقدير انفكاك الضابطين و إمكان تعارضهما.و أمّا على تقدير التلازم بينهما كما ربما يستفاد من الرواية الأُولى فالإشكال مرتفع أصلا.

ص:404


1- الكافي 6:2/249،الفقيه 3:936/205،التهذيب 9:60/16،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 4.
2- الكافي 6:1/248،التهذيب 9:57/15،الوسائل 24:154 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 1.
3- الكافي 6:4/249،التهذيب 9:61/16،قرب الإسناد:160/49،الوسائل 24:155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 5.

مسألتان

اشارة

مسألتان

الأُولى إذا شرب المحلّل لبن الخنزيرة كره

الأُولى:إذا شرب الحيوان المحلّل لحمه لبن الخنزيرة و لم يشتدّ كره لحمه خاصّة كما في ظاهر العبارة و غيرها (1)و لحم نسله أيضاً كما في صريح اللمعة و غيرها (2).

و استحبّ استبراؤه سبعة أيّام بالعلف بنحو من الكسب (3)و النوى إن كان فطيماً،و إلّا فبالرضاع من حيوان محلّل.

و إن اشتدّ بأن زادت قوّته و قوي عظمه و نبت لحمه به حرم لحمه،و لحم نسله و لبنهما،بغير خلاف ظاهر مصرّح به في كتب جمع (4)بحدّ الاستفاضة.بل على التحريم في صورته الإجماع في الغنية (5)؛ و هو الحجة المخصّصة للأُصول المحلّلة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة.

ففي الموثق:عن جدي يرضع من لبن خنزيرة حتّى كبر و شبّ، و اشتدّ عظمه،ثمّ إنّ رجلاً استفحله في غنمه،فخرج له نسل،فقال:« أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنّه،و أمّا ما لم تعرفه فكله،فهو بمنزلة الجبن و لا تسأل عنه» (6).

ص:405


1- انظر القواعد 2:157.
2- اللمعة(الروضة البهية 7):293؛ و انظر المفاتيح 2:189.
3- الكُسْب بالضم فالسكون:فضلة دهن السمسم.مجمع البحرين 2:160.
4- انظر الروضة البهية 7:293،و مجمع الفائدة و البرهان 11:259.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
6- الكافي 6:1/249،الفقيه 3:987/212،التهذيب 9:183/44،الاستبصار 4:277/75،قرب الإسناد:330/97،الوسائل 24:161 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 1.

و فيه:في جدي يرضع من خنزيرة،ثمّ ضرب في الغنم،قال:« هو بمنزلة الجبن،فما عرفت أنّه ضربه فلا تأكله،و ما لم تعرفه فكل» (1).

و في المرفوع المقطوع:« لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة» (2).

و إطلاقهما و إن شمل صورتي الاشتداد و عدمه،كإطلاق القويّ المعارض لهما،الآمر بالاستبراء الظاهر في تحقّق الحلّ بعده:عن حمل غذي بلبن خنزيرة،فقال:« قيّدوه،و اعلفوه الكسب و النوى و الشعير و الخبز إن كان قد استغنى عن اللبن،و إن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيّام،ثمّ يؤكل لحمه» (3).

إلّا أنّهما حملا على الصورة الأُولى،و القويّة على الثانية،جمعاً بين الأدلّة.

و مستند الجمع غير واضح عدا الإجماع الظاهر،و هو كافٍ،مع احتمال تطبيقه مع الأُصول بأن يقال:الأصل عدم الحرمة مطلقاً إلّا ما دلّ عليه النصّ المعتبر،و ليس هنا إلّا الموثّقان.و موردهما صريحاً في الأوّل و ظاهراً في الثاني للتعبير فيه ب« يرضع» بصيغة المضارع المفيد للتجدّد

ص:406


1- الكافي 6:2/250،التهذيب 9:184/44،الإستبصار 4:278/75،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 2.
2- الكافي 6:3/250،الفقيه 3:985/212،التهذيب 9:185/44،الإستبصار 4:279/76،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 3.
3- الكافي 6:5/250،التهذيب 9:186/44،الإستبصار 4:280/76،الوسائل 24:162 أبواب الأطعمة المحرمة ب 25 ح 4.

و الاستمرار المستلزم للاشتداد غالباً الصورة الأُولى خاصّة،و يرجع في غيرها إلى أصالة الإباحة.

و لا يعارضها إطلاق المرفوعة،كما لا يعارض الموثّقين إطلاق القويّة،لقصور سندهما،فلتطرحا،أو تُحمل الاُولى على الصورة الأُولى خاصّةً،أو تبقى على الإطلاق و تحمل على مجرّد المرجوحية،و الثانية على الصورة الثانية من باب المسامحة في أدلّة الاستحباب و الكراهة،سيّما مع الاعتضاد باتّفاق الطائفة.

الثانية لو شرب خمراً لم يحرم بل يغسل و لا يؤكل ما في جوفه

الثانية: لو شرب الحيوان المزبور خمراً لم يحرم لحمه إجماعاً بل يغسل وجوباً و لا يؤكل ما في جوفه مطلقاً و لو غسل، بلا خلاف إلّا من الحلّي،فجوّز أكله مع الكراهة (1)،و مال إليه في المسالك (2)،و صرّح به في الكفاية (3)؛ عملاً بأصالة الإباحة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا الرواية القاصرة السند الضعيفة الدلالة:عن شاة شربت خمراً حتى سكرت،ثمّ ذبحت على تلك الحال،قال:« لا يؤكل ما في بطنها» (4).

فإنّ في سندها أبا جميلة الضعيف بالاتّفاق،و لم تدلّ إلّا على حرمة أكل ما في الجوف دون وجوب غسل اللحم.مع أنّها واردة في خصوص الشاة،و مع ذلك فلم تدلّ على حرمة ما في جوفها مطلقاً،بل إذا شربت حتى سكرت و ذبحت حالة السكر،فهي أخصّ من المدّعى من وجوه.

ص:407


1- السرائر 3:97.
2- المسالك 2:239.
3- الكفاية:250.
4- الكافي 6:4/251،التهذيب 9:181/43،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 1.

و في الجميع نظر؛ لانجبار ضعف السند بالعمل،و برواية ابن فضال عن موجبه،و قد حكى الكشّي عن بعض دعوى إجماع العصابة على تصحيح أحاديثه (1).و لعلّه لذا عدّ الرواية من الموثّق في الدروس و المختلف (2).

و أمّا أخصّية الدلالة بالنظر إلى اختصاصها بالشاة و حرمة أكل ما في جوفها خاصّةً فمندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة،مع أنّ الحلّي صرّح بوجود رواية دالّة على المطلوب بتمامه،قال:و قد روي أنّه إذا شرب شيء من هذه الأجناس خمراً،ثمّ ذبح،جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء، و لا يجوز أكل شيء ممّا في بطنه و لا استعماله.و الأولى حمل الرواية على الكراهة،إلى آخر ما ذكره (3).

و هذه الرواية لو لم نقل بكونها حجّة أُخرى مستقلّة فلا أقلّ من كونها معاضدة للرواية السابقة.

و أمّا دعوى أخصّيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في الجوف مع الذبح حين السكر خاصّةً،فممنوعة إلّا إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم للمذبوح حينه و غيره،و هو غير واضح بعد استناد أكثرها إلى الرواية، و تعليل الحكم في جملة منها بما يختصّ بموردها.مع وقوع التصريح في بعضها باختصاص الحكم به.و لعلّه المراد من إطلاق بعضها كالعبارة و نحوها ممّا لم يوجد فيها شيء من ذلك.

و على تقدير عدم اتّفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير

ص:408


1- رجال الكشي 2:831.
2- الدروس 3:7،المختلف:677.
3- السرائر 3:97.

معلوم،بل العدم معلوم،و لا إجماع يوجب العموم.فالقول بالتخصيص متعيّن،و عليه فيكون الرواية وافية بتمام المدّعى.

نعم إنّما تكون أخصّ منه على القول بعمومه،و ليس فيه حجّة على من يخصّصها.فلا شبهة في المسألة أصلاً سيّما مع دعوى ابن زهرة على تحريم ما في الجوف مطلقاً،إجماع الإماميّة (1).

و لو شرب بولاً نجساً لم يحرم شيء منه إجماعاً و لكن وجب غسل ما في جوفه بلا خلاف حتى من الحلّي حيث نسب الحكم إلى الرواية ساكتاً عليها (2).و لذا ذكر جماعة (3)أنّه لا رادّ لها؛ فهي حجّة و إن كانت مرسلةً:في شاة شربت بولاً ثمّ ذبحت،قال:فقال:« يغسل ما في جوفها،ثمّ لا بأس به،و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة» الخبر (4).

و اعلم أنّ الفارق بين البول و الخمر هو النصّ،لا ما يقال من أنّ الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا تطهر بالغسل و تحرم،بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء و لا يقبله الطبيعة.

فإنّه يضعّف بأنّ غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه كما هو الظاهر لم يتمّ الفرق بينه و بين ما في الجوف،و إن لم يصل إليه لم يجب تطهيره.

مع أنّ ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد و باطنه المجاور

ص:409


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- السرائر 3:97.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 7:299،و السبزواري في الكفاية:250.
4- الكافي 6:5/251،التهذيب 9:194/47،الإستبصار 4:287/78،الوسائل 24:160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2.

للأمعاء،و الرواية خالية عن غسل اللحم،فتأمّل.

القسم الرابع في الجامد و هو خمسة

اشارة

القسم الرابع:في الجامد و هو خمسة

الأوّل الميتات

الأوّل: الميتات من الحيوان،أي الخارج روحها بغير التذكية الشرعية،سواء ما لا تقع عليه الذكاة في الشرع،أو ما تقع و لم تقع.

و الكتاب و السنة المتواترة ناطقان بحرمتها،مضافاً إلى الإجماع عليها، و قد صدر الآية الكريمة بتحريمها.

و في حكمها أجزاؤها التي تحلّها الحياة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى النصوص المستفيضة:

منها:« إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ ما قطع منها ميّت،لا ينتفع به» (2).

و منها:« في أليات الضأن تقطع و هي أحياء أنّها ميتة» (3).

و منها:إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها،فقال:

« حرام هي» فقلت:جعلت فداك،فنصطبح بها؟فقال:« أما علمت أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟! » (4).

ص:410


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:1/254،الفقيه 3:967/209،التهذيب 9:330/78،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
3- الكافي 6:2/255،الوسائل 24:72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
4- الكافي 6:3/255،التهذيب 9:329/77،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 2.

و ربما يستشعر منه أنّ مطلق الانتفاع بها محرّم كما هو المشهور بين الأصحاب،بغير خلاف يعرف بينهم إلّا من الشيخ في النهاية (1)،و تبعه جماعة (2)،فجوّزوا الاستقاء بجلود الميتة لغير الوضوء و الصلاة و الشرب و إن كانت نجسة.و نحوهم الصدوق في المقنع حيث جوّز الاستقاء بجلد الخنزير (3).

و لعلّهما شاذّان كما يستفاد من الروضة (4)،حيث صرف الإجماع المحكيّ في متنها على حرمة الميتة،إلى كلّ من أكلها و استعمالها مطلقاً.

و مع هذا محجوجان بما مرّ،مضافاً إلى عموم الرواية الأُولى و غيرها، كالصحيح:الميتة ينتفع منها بشيء؟قال:« لا» (5)الخبر.

و الخبرين:في أحدهما:عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً، فكتب:« لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» (6)الخبر.

و في الثاني المرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر:عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها،أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟قال:

«لا» (7)الخبر.

ص:411


1- النهاية:587.
2- منهم:الحلّي في السرائر 3:115،و المحقق في الشرائع 3:227،و العلّامة في القواعد 2:159.
3- المقنع:141.
4- الروضة 7:301.
5- الكافي 6:7/259،الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.
6- الكافي 6:6/258،التهذيب 9:323/76،الإستبصار 4:341/89،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.
7- مسائل علي بن جعفر:151/139،الوسائل 24:186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 6.

و قريب منهما:الموثقان،في أحدهما:عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغرا،فقال:«لا بأس ما لم يعلم أنّه ميتة» (1)فتدبر.

و في الثاني:عن جلود السباع،أ ينتفع بها؟قال:« إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده،و أمّا الميتة فلا» (2).

و ما ورد (3)بخلافها بعد تسليم سنده شاذّ أو محمول على التقيّة.

و أمّا الاستدلال للمختار من حرمة مطلق الانتفاع به بالآية الكريمة الدالّة على حرمة الميتة،بناءً على أنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذّرة إرادتها من إضافة التحريم إلى العين،فمحلّ مناقشة بناءً على أنّ المتبادر من مثله الأكل،كما أنّ المتبادر من تحريم الأُمّهات النكاح.نعم،هي صالحة للتأييد،فيترجّح المتأيّد بها على ما قابلة.

و يحلّ منها ما لا تحلّه الحياة إذا كان (4)طاهراً في حال الحياة دون ما كان نجساً،كالمنفصل من الكلب و نحوه.

و هو عشرة أشياء متّفق عليها بيننا في الظاهر المصرّح به في الروضة و غيرها (5).

و هي: الصوف،و الشعر،و الوبر،و الريش بشرط الجزّ،أو غسل موضع الاتّصال و القرن،و العظم،و السنّ،و الظلف و هذه مستثناة من جهة الاستعمال،أمّا الأكل فالظاهر جواز ما لا يضرّ منها بالبدن؛ للأصل

ص:412


1- التهذيب 9:331/78،الإستبصار 4:342/90،الوسائل 24:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 5.
2- التهذيب 9:339/79،الوسائل 34:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
3- الفقيه 1:15/9،الوسائل 3:463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.
4- في المختصر المطبوع:إذا كان الحيوان طاهراً..
5- الروضة 7:301؛ و انظر المسالك 2:242.

و العمومات السليمة عن المعارض.

و يمكن دلالة إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)، و النصوص الآتية عليه سيّما مع قولهم: و البيض إذا اكتسى القشر الأعلى الصلب،و إلّا كان بحكمها.

و الإنفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء و الحاء المهملة،و قد تكسر الفاء.قال في الصحاح:هي كَرِش الحمل أو الجدي ما لم يأكل،فإذا أكل فهي كَرِش (2).و قريب منه في الصراح و الجمهرة (3).

و في القاموس:هي شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن،فإذا أكل الجدي فهو كرش (4).

و في الخبر:عن الجبن،فقال عليه السلام:« لا بأس به» فقال:إنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة،قال عليه السلام:« ليس بها بأس،إنّ الإنفحة ليست لها عروق،و لا فيها دم،و لا لها عظم،إنما تخرج من بين فرث و دم» إلى أن قال:« و الإنفحة مثل البيضة» (5).

و فيه موافقة لما في القاموس.

و كيف كان فالشكّ حاصل في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيل أم الكرش بسبب الاختلاف المتقدّم.و المتيقن منه ما في داخله؛

ص:413


1- انظر التبصرة:167،و النهاية:585،و اللمعة(الروضة البهية 7):302.
2- الصحاح 1:413.
3- صراح اللغة لأبي الفضل محمد بن عمر بن الخالد القرشي المشتهر بجمالي،و هو ترجمة الصحاح بالفارسية،فرغ منها سنة 681.اُنظر كشف الظنون 2:1077،و جمهرة اللغة 1:556.
4- القاموس 1:262.
5- الكافي 6:1/256،الوسائل 24:179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.

لأنّه متفق عليه.و به صرح في الروضة (1).

و الأصل في استثناء هذه العشرة بعد الإجماع المتقدّم إليه الإشارة، و الرواية السابقة المنجبر قصور سندها كبعض الروايات الآتية بعمل الطائفة المعتبرة المستفيضة:

ففي الصحيح:« اللبن و اللِّباء،و البيضة،و الشعر،و الصوف،و القرن، و الناب،و الحافر،و كلّ شيء ينفصل من الشاة[و الدابة]فهو ذكيّ،و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله،و صلّ فيه» (2).

و فيه:عن الإنفحة تخرج من الجدي الميّت،قال:« لا بأس به» قلت:اللبن يكون في ضرع الشاة فقد ماتت؟قال:« كلّ هذا لا بأس به» (3).

و فيه:« لا بأس [ به قلت اللبن يكون في ضرع الشاة فقد ماتت قال لا بأس به قلت فالصوف و الشعر و عظام الفيل و البيضة تخرج من الدجاجة فقال كل هذا لا بأس به و فيه لا بأس] بالصلاة فيما كان من صوف الميتة،إنّ الصوف ليس فيه روح» (4).

و يستفاد من التعليل فيه،و في الرواية السابقة عموم الحكم بنفي البأس لجميع العشرة و إن اختصّا ببعضها.فإنّ العبرة بعموم اللفظة دون خصوص المورد كما برهن في محله.

و في الخبر:عن اللبن من الميتة،و البيض من الميتة،و إنفحة الميتة، فقال:« كلّ هذا ذكيّ» (5).

ص:414


1- الروضة 7:305.
2- الكافي 6:4/258،التهذيب 9:321/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3،و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الفقيه 3:1006/216،التهذيب 9:324/76،الإستبصار 4:339/89،الوسائل 24:182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.
4- التهذيب 2:1530/368،الوسائل 4:457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.
5- الكافي 6:3/258،التهذيب 9:320/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 4.

و في آخر:« الشعر،و الصوف،و الوبر،و الريش،و كلّ نابت لا يكون ميّتاً» قال:و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة،قال:

« تأكلها» (1).

و إطلاقها في البيضة و إن شمل صورتي اكتسائها بالقشر الأعلى و عدمه إلّا أنّه مقيّد بالصورة الأُولى خاصّةً بغير خلاف أجده؛ للاعتبار،و بعض النصوص المنجبر قصوره أو ضعفه سنداً و مكافأة له بالشهرة:في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة،فقال:« إن كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها» (2).

و في إلحاق اللبن بهذه العشرة روايتان أصحّهما ذلك، و قد مرّ إليه الإشارة،فهي مع ذلك متعدّدة مستفيضة،أكثرها صحيح، و باقيها و إن قصر سنده بالجهالة إلّا أنّه مجبور برواية ابن فضال عن ابن بكير عن موجبها (3)،و قد اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما، و بالشهرة العظيمة بين قدماء أصحابنا،بل مطلقاً كما يظهر من صريح اللمعة (4)،و ظاهر الدروس حيث نسب الرواية الثانية إلى الندرة (5)،و هو ظاهر في الشهرة المطلقة،بل لعلّه ظاهر في دعوى الإجماع عليه،و به

ص:415


1- الكافي 6:/258ذيل الحديث 3،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 8.
2- الكافي 6:5/258،التهذيب 9:322/76،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.
3- تقدّم مصدرها في الهامش(4)من الصفحة السابقة.
4- اللمعة(الروضة البهية 7):306.
5- الدروس 3:15.

صرّح في الخلاف (1)،و ربما يظهر من الغنية (2)،بل حكى عنه صريحاً (3)؛ و هو حجّة أُخرى في المسألة.

و الأشبه عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه،و الفاضل المقداد في التنقيح،و الصيمري في شرح الشرائع (4) التحريم وفاقاً للديلمي و الحلّي (5)نافياً للخلاف فيه بين المحصّلين؛ لملاقاته الميتة بالرطوبة،و للخبر:« ذلك الحرام محضاً» (6).

و الأول مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص كلّية كبراه في حيّز المنع؛ إذ لا دليل عليها لا من الكتاب و لا من السنة و لا الإجماع،لمصير الأكثر إلى الخلاف،بل لا يكاد يوجد مخالف فيه من القدماء قبل الحلّي (7)،كما يظهر من تتبّع الأقوال في كتب الاستدلال.

و منه يظهر وجه القدح في نفيه الخلاف عمّا ذهب إليه بعض المحصّلين،كيف لا؟!و لم نر من معظمهم و أساطينهم كالشيخين، و الكليني،و الصدوق،و بني حمزة و زهرة و البرّاج (8)الفتوى إلّا على

ص:416


1- الخلاف 1:519.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
3- حكاه عنه في الذخيرة:148.
4- الشرائع 3:223،الفاضل في القواعد 3:157،و المختلف:683،التنقيح 4:45،غاية المرام 4:62.
5- الديلمي في المراسم:211،الحلّي في السرائر 3:112.
6- التهذيب 9:325/76،الاستبصار 4:340/89،قرب الإسناد:474/135،الوسائل 24:183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11.
7- في« ر» و« ح» زيادة:عدا نادر(و هو سلّار في المراسم:211).
8- المفيد في المقنعة:583،الطوسي في النهاية:585،الكليني في الكافي 6:258،الصدوق في الفقيه 3:216،ابن حمزة في الوسيلة:362،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):619،ابن البراج في المهذِّب 2:441.

التحليل.فأين المحصّلون الذين نفى الخلاف بينهم؟و على تقدير وجود غير هؤلاء منهم فليسوا أعلى درجة منهم،فكيف ينفيه بين جمعيهم مع أنّهم من جملتهم لو لم نقل بكونهم أعظمهم و أساطينهم الذين تأسّس بهم أساس الدين،و لولاهم لاندرس آثار دين خير المرسلين.

و بالجملة:لا ريب في فساد دعواه كمختاره؛ لعدم ثبوته إلّا بثبوت ما مرّ من كلّية الكبرى،و قد عرفت أنّه لا دليل عليها.و قصارى ما يتخيّل في تصحيحها دعوى التتبّع و الاستقراء للموارد الجزئيّة المحكوم فيها بنجاستها بملاقاتها للنجاسة،فإنّ بها يحصل الظنّ القويّ بانسحاب حكمها في المسألة.

و المناقشة في هذا الخيال واضحة؛ إذ بعد تسليم حصول الظنّ المعتمد عليه فيها لا بدّ من تخصيصه بما قدّمناه من النصوص المعتبرة في نفسها،المعتضدة بالشهرة العظيمة المحقّقة بين القدماء،و المحكيّة مطلقاً، و حكاية الإجماع المتقدّمة،لحصول الظنّ القويّ منها أقوى من تلك المظنّة الحاصلة من دعوى الاستقراء المزبورة،سيّما مع تأيّده و ارتفاع الاستبعاد الذي هو الأصل في القول بالحرمة في الحقيقة و إن تشبّث قائلوها في الظاهر بما مرّ من الأدلّة الضعيفة غايته بملاحظة تخصيص تلك الكلّية في موارد كثيرة،كالإنفحة المعدودة من تلك العشرة،بناءً على كون الكرش ممّا تحلّه الحياة،كما صرّح به في الروضة (1).فإنّها إمّا هو أو ما كان داخله،على اختلاف التفسيرين المتقدّم إليهما الإشارة.فهي إمّا ميتة مستثناة أو مائع جاورها،كماء الاستنجاء و الغسالة مطلقاً أو في الجملة على بعض

ص:417


1- الروضة 7:304.

الأقوال،و نحو ذلك من الموارد.

و الثاني ضعيف سنداً،بل قيل:و دلالة (1).و راويه و هو وهب بن وهب من أكذب البريّة،كما صرّح به جملة من الأجلّة (2).و مع ذلك محتمل للتقيّة،بل حمله عليها جماعة،و منهم شيخ الطائفة (3)الذي هو أعرف بمذاهب جميع العامّة.فلا مسرح عن القول المشهور و لا مندوحة.

و أمّا ما ربما يناقش به بعض متأخّري متأخّري الطائفة (4)في الروايات السابقة الدالّة عليه سنداً في بعض و دلالةً في آخر بل في الجميع،فهو ممّا لا ينبغي العروج عليه؛ لانجبار الأوّل على تقديره مع أنّه فاسد بالبديهة بل و اعترف هو به في الجملة بالشهرة العظيمة المتحقّقة و المحكيّة في كلام جماعة،و منهم شيخنا في المسالك،حيث نسب القول بالحلّ إلى أكثر المتقدّمين و جماعة من المتأخّرين (5).بل منجبر باتّفاق الكلّ،لتضمّنها ما أجمعوا عليه من الحكم بالحلّ في تلك العشرة المتقدّمة.

و الثاني بها أيضاً،مضافاً إلى أنّ اللفظ الدالّ فيها على الحكم في المتّفق عليه و هو العشرة هو بعينه الدالّ على الحكم في المسألة.

فعدم المناقشة في الدلالة بالإضافة إلى تلك العشرة دون المسألة لعلّه غفلة واضحة،و لذا إنّ القائلين بالتحريم من المتأخّرين لم يشيروا إلى ما ذكره من الأجوبة،و إنّما أجابوا عنها بغير ما ذكره.

و من جملته ما ذكره في المختلف من حمل الميتة في الروايات على

ص:418


1- كما في المفاتيح 1:68.
2- انظر رجال الكشي 2:597،و رجال النجاشي:430.
3- التهذيب 9:77،و انظر الدورس 3:15،و الذخيرة:148.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:224 226.
5- المسالك 2:242.

ما قارب الموت مجازاً مشارفة (1).

و هو أيضاً في غاية من الغرابة؛ لعين ما مرّ من الأجوبة عمّا ذكره الفاضل المتقدّم،مضافاً إلى أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة.

و ما ذكره للحرمة من الدليلين المتقدّم إليهما الإشارة قد عرفت أنّه لا يصلح للحجّية،فكيف يصلح قرينة لصرف تلك الأدلّة القويّة إلى خلاف الحقيقة؟!

الثاني ما يحرم من الذبيحة

الثاني: ما يحرم من الذبيحة.و هو قسمان:مجمع عليه، و مختلف فيه.

فالأوّل: خمسة:القضيب و هو الذكر و الأُنثيان و هما البيضتان و الطحال و هو مجمع الدم الفاسد و الفرث و هو الروث في جوفها و الدم و بالإجماع عليه صرّح جمع،و منهم:الفاضل المقداد في التنقيح، و السيدان في الانتصار و الغنية (2)،لكنّهما حكياه فيما عدا الفرث،و هو ظاهر المحكي عن الخلاف في الجميع (3)،و نفى عنه الخلاف كثير من متأخّري الأصحاب (4)؛ و هو الحجّة المعتضدة بالنصوص الآتية.

و لم يقدح فيها عدم تعرّض المفيد و الديلمي لذكر الأخيرين (5)؛ لمعلومية نسبهما،مع احتمال كون الوجه في عدم تعرّضهما لهما إمّا بعد احتمال أكلهما بخلاف الثلاثة الباقية،أو كون حرمتهما من الضروريات،

ص:419


1- المختلف:683.
2- التنقيح 4:46،الانتصار:197،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:29.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:251،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:193،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:266.
5- المفيد في المقنعة:582،الديلمي في المراسم:210.

لاستخباثهما و تعاضد الكتاب و السنة بحرمة الثاني منهما،مضافاً إلى استلزام حرمة الطحال المذكورة في كلامهما المستفادة من الصحاح و غيرها من المعتبرة حرمته بالأولويّة،لتعليل حرمته في بعض تلك النصوص بكونه دماً في الحقيقة.

و بالجملة لا شبهة في حرمة هذه الخمسة.

و في حرمة المثانة بفتح الميم مجمع البول و المرارة بفتح الميم التي تجمع المرة الصفراء بكسرها،معلّقة مع الكبد،و المشيمة بفتح الميم بيت الولد،و تسمّى الغرس بكسر الغين المعجمة تردّد ينشأ من أصالتي البراءة و الإباحة،و عمومات الكتاب و السنة بحلّ ما ذكر اسم اللّه عليه سبحانه،مع ضعف النصوص الدالة عليها.

منها:« لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء:الفرث،و الدم،و الطحال، و النخاع،و العلباء،و الغدد،و القضيب،و الأُنثيان،و الحياء،و المرارة» (1).

و منها:« حرم من الشاة سبعة أشياء:الدم،و الخصيتان،و القضيب، و المثانة،و الغدد،و الطحال،و المرارة» (2).

و منها:« لا يؤكل ممّا يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك ممّا لحمه حلال:الفرج بما فيه ظاهره و باطنه،و القضيب،و البيضتان، و المشيمة و هي موضع الولد،و الطحال لأنّه دم،و الغدد مع العروق،و المخّ الذي يكون في الصلب،و المرارة،و الحدق،و الخرزة التي تكون في

ص:420


1- الكافي 6:3/254،التهذيب 9:316/74،الخصال:18/433،الوسائل 24:172 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.
2- الكافي 6:1/253،التهذيب 9:314/74،المحاسن:463/471،الوسائل 24:171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 1.

الدماغ،و الدم» (1).

هذا مع عدم ذكر جميع هذه الثلاثة في كلّ من هذه النصوص و الاكتفاء في كلّ منها بذكر بعضها.مع تعارض الأوّلين في المثانة؛ لدلالة الأوّل على الحلّ بالمفهوم،و الثاني على حرمته بالمنطوق.و تعارضهما مع الثالث في المشيمة؛ لتصريحه بحرمتها مع دلالتهما على حلّها بالمفهوم.

و من دعوى السيدين في الكتابين إجماع الإماميّة على حرمة ما عدا المرارة من الثلاثة (2)،و هو ظاهر الخلاف في المثانة (3).فإذا ثبت بإجماعهم الحكم بالحرمة فيما عدا المرارة ثبت الحكم بها فيها بالقطع باستخباثها.مع احتمال الإجماع المركّب؛ لاتّفاق كلّ من حرم ما عداها في الظاهر على حرمتها.و عدم ذكر نَقَلة الإجماع إيّاها لا ينافيه؛ لكثير ممّا مرّ في دعوى الإجماعات المتقدّمة في حرمة الخمسة.

و من هنا يمكن دعوى عدم الخلاف في حرمتها و حرمة المشيمة؛ لأنّ الأصحاب ما بين مصرّح بحرمة الأربعة عشرة أشياء المذكورة في العبارة مع المشيمة،كما عليه الحلّي،و القواعد،و الدروس،و اللمعة، و المهذب (4)،و نسبه في الروضة إلى جماعة ممّن تأخر عن الحلّي (5).

ص:421


1- الكافي 6:4/254،التهذيب 9:317/74،الوسائل 24:172 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 3.
2- الانتصار:197،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
3- الخلاف 6:29.
4- الحلّي في السرائر 3:111،القواعد 2:157،الدروس 3:14،اللمعة(الروضة البهية 7):309،المهذب البارع 4:218.
5- الروضة 7:310.

و مُفتٍ بحرمتها خاصّة من دون ذكر المثانة،كالشيخ في النهاية (1)،و جملة ممن تبعه كالقاضي و ابن حمزة (2)،بل نسبه في المختلف و التحرير إلى المشهور (3).و مُفتٍ بحرمة هذه الثلاثة مع الخمسة السابقة،كالماتن هنا فيما عدا المشيمة،و في الشرائع فيها (4)أيضاً كالمسالك و غيره (5).و مفتٍ بحرمة هذه الثمانية مع الفرج،كالفاضل في الإرشاد و المختلف و التحرير (6).

نعم،في المختلف عن الحلبي أنّه كره المرارة،و لكنّه شاذّ كقول الإسكافي بكراهتها و كراهة الطحال و المثانة و الرحم و القضيب و الأُنثيين (7).

مع احتمال الكراهة في كلامهما المعنى المرادف للحرمة أو الأعمّ منها و من الكراهة بالمعنى المصطلح،فلا يثبت المخالفة.

هذا مع إشعار العبارة بعدم الخلاف في هذه الثلاثة،كما لا خلاف في الخمسة السابقة؛ لعدم ذكر الخلاف فيها إلّا فيما عدا الثلاثة ممّا سيأتي إليه الإشارة.

و كيف كان أشبهه التحريم وفاقاً للأكثر كما مرّ،لا للاستخباث لعدم القطع به في الجميع.بل لما عرفت من الإجماعات المحكيّة المخصّصة لما مرّ من الأُصول و العمومات،و الجابرة مضافاً إلى الشهرة

ص:422


1- النهاية:585.
2- القاضي في المهذب 2:441،ابن حمزة في الوسيلة:361.
3- المختلف:682،التحرير 2:161.
4- الشرائع 3:223.
5- المسالك 2:243؛ و انظر مفاتيح الشرائع 2:194.
6- الإرشاد 2:112،المختلف:682،التحرير 2:161.
7- المختلف:682،نقله فيه عن الحلبي و الإسكافي.

العظيمة،و غيرها ممّا يأتي إليه الإشارة لضعف أسانيد الأخبار السابقة و الوهن الحاصل فيها باعتبار التعارضات المتقدّم إليها الإشارة.

مع إمكان الذبّ عن هذا الوهن بعد تسليم معارضة مثل هذا المفهوم للمنطوق بأنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص المطلق؛ لدلالة المفهوم في الخبر الأوّل مثلاً على حلّ كلّ ما هو عدا العشرة و هو بمنزلة العامّ،و دلالة منطوق الخبر الثاني على حرمة المثانة،و هو بالنسبة إلى ذلك كالخاص فليكن مقدّماً.

و هكذا الحال في تعارض مفهومهما لمنطوق الأخير في المشيمة؛ لدلالة الأوّل على حلّها في ضمن العموم،و دلالة المنطوق بحرمتها على الخصوص.

و الثاني (1):سبعة أشار إليها الماتن بقوله:

و في حرمة الفرج الحياء ظاهره و باطنه و العِلباء بالمهملة المكسورة،فاللام الساكنة،فالباء الموحّدة،فالألف الممدودة:عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب.

و النخاع مثلّث النون:الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظم خرز سلسلة الظهر في وسطها،و هو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.

و ذات الأشاجع و هي أُصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكفّ،و في الصحاح جعلها الأشاجع بغير مضاف (2).و الواحد أشجع.

و المراد منها في الحيوان ما جاور الظلف من الأعصاب.

و الغدد بضم الغين المعجمة التي تكون في اللحم،و تكثر في

ص:423


1- أي:ما اختلف في ما يحرم من الذبيحة.
2- الصحاح 3:1236.

الشحم،مدوّرة في الأغلب تشبه البندق.

و خرزة الدماغ بكسر الدال،و هي في المشهور المخّ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحمّصة تقريباً،يخالف لونها لونه و هي تميل إلى الغبرة.

و الحدق يعني حبّة الحدقة،و هو الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

خلاف بين الأصحاب المتقدّم ذكرهم،و أنّ التحريم هو الأشهر بينهم،كما صرّح به في المختلف و التحرير (1).

أشبهه عند الماتن و غيره كالفاضل في كتبه المتقدّمة لكن فيما عدا الفرج الكراهة لأدلّة الإباحة المتقدّمة في أحد شقّي الترديد في الثلاثة المتقدّمة،مع سلامتها عن معارضة تلك الإجماعات المحكيّة،و ضعف النصوص السابقة،كالدالّ على حرمة ذات الأشاجع و غيرها أيضاً من تلك المعدودات،و عدم جابر لها في المسألة،و عدم ظهور الاستخباث المدّعى في الجميع أو ما عدا الفرج.

و هو حسن لولا الشهرة المحكيّة في الكتابين،بل الظاهرة الجابرة للنصوص في البين،مضافاً إلى دعوى الإجماع في ظاهر الخلاف و صريح الغنية في الغدد و العلباء و خرزة الدماغ كما في الأوّل (2)،و في الأوّلين خاصّة كما في الثاني (3)؛ و هما حجّة أُخرى مستقلّة على تحريم هذه الثلاثة موجبة لتحريم ما عداها بمعونة عدم القائل بالفرق بين الطائفة.

ص:424


1- المختلف:682،التحرير 2:161.
2- الخلاف 6:29.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618،لم يذكر فيها العلباء.

هذا مع انجبار تلك النصوص بالاتّفاق في الجملة؛ لتضمّنها تحريم الأُمور المجمع عليها،فتأمّل.

مع أنّ أوّلها مرويّ في الخصال بسند صحيح على الظاهر.و الثاني مرويّ في المحاسن بسند موثّق بإبراهيم بن عبد الحميد،و مع ذلك روى ابن أبي عمير عنه.و الثالث ليس في سنده سوى إسماعيل بن مرار،و قد ذكر له في الرجال ما ربما يستأنس به للاعتماد عليه (1).

هذا مع اعتضادها بنصوص أُخر في الكتب الأربعة و غيرها مروية قريباً من حدّ الاستفاضة،يظهر من مجموعها الحكم بالحرمة في جميع هذه الخمسة عشر.فإذاً المختار حرمتها أجمع،مع أنّها أحوط.

و أعلم:أنّه احترز بقوله:من الذبيحة،عن نحو السمك و الجراد، فلا يحرم منه شيء من المذكورات؛ للأصل،و اختصاص النصّ و الفتوى بحكم التبادر بل التصريح في جملة منهما بغيرهما.

و إطلاقه كغيره من عبائر أكثر الأصحاب يشمل كبير الحيوان المذبوح كالجزور،و صغيره كالعصفور.و بالتعميم صرّح جماعة،و منهم شيخنا في الروضة إلّا أنّه قال بعده:و يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه؛ لاستلزام تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه.و الأجود اختصاص الحكم بالنعم و نحوها من الحيوان الوحشيّ دون العصفور و ما أشبهه (2).

و هو جيّد فيما كان المستند في تحريمه الإجماع؛ لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور و شبهه،مع اختصاص عبائر جماعة من الأصحاب

ص:425


1- انظر منتهى المقال 2:92.
2- الروضة 7:311،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 11:243.

كالصدوق و غيره (1)،و جملة من النصوص (2)بالشاة و النعم،و عدم انصراف إطلاقات باقي الفتاوى و الروايات إليهما.و أمّا ما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كلّ ما تحقّقت فيه أجود.و مع ذلك الترك مطلقاً أحوط.

و يكره أكل الكلى بضمّ الكاف و قصر الألف:جمع كلية و كلوة بالضم فيهما،و الكسر لحن كما عن ابن السكيت (3) و أُذنا القلب، و العروق و لا يحرم شيء منها،بلا خلاف ظاهر مصرّح به في كلام جمع.و به يصرف ظاهر النهي عنها في النصوص،مع أنّ الوارد منها في الكلي في الكتب المشهورة مقطوع غير متضمّن للنهي،بل تضمّن لفظ الكراهة الذي هو أعمّ من الحرمة قابل للحمل على الكراهة (4)،سيّما بملاحظة الخبرين المرويّين في العيون و غيره:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما؛ لقربهما من البول» (5).

و إذا شوى الطحال مثقوباً فما تحته من لحم كان أو غيره حرام، و إلّا يكن مثقوباً فهو أي المشويّ معه حلال على الأظهر الأشهر؛

ص:426


1- الصدوق في المقنع:143؛ و انظر المقنعة:582.
2- انظر الوسائل 24:أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 الأحاديث 1،2،3،4،8،9.
3- نقله عنه الجوهري في الصحاح 6:2475.
4- الكافي 6:6/254،التهذيب 9:318/75،الوسائل 24:173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 5.
5- العيون 2:131/41،علل الشرائع 1/562،الوسائل 24:176 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 13،18.

للموّثق:عن الجرّي يكون في السَّفود (1)مع السمك،فقال:« يؤكل ما كان فوق الجرّي،و يُرمى ما سال عليه الجري» و عن الطحال في سَفود مع اللحم و تحته الخبز،و هو الجُوذاب (2)،أ يؤكل ما تحته؟قال:« نعم يؤكل اللحم و الجُوذاب،و يُرمى بالطحال؛ لأنّ الطحال في حجاب لا يسيل منه، فإن كان الطحال مثقوباً أو مشقوقاً فلا تأكل مما يسيل عليه الطحال» (3).

خلافاً للصدوقين،فحكما بأنّ اللحم إذا كان أسفل لم يؤكل مطلقاً، و أمّا الجوذاب فيؤكل مع عدم الثقب،و لا يؤكل مع الثقب (4).

و هو شاذّ و مستنده غير واضح.

و هل حكم الجرّي أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه حكم الطحال مع اللحم في ذلك من اعتبار الأعلى و الأسفل؟ظاهر المحكي عن الصدوقين و ابن حمزة الأوّل (5).و اختاره في التنقيح؛ لصدر الموثق المتقدّم (6).و هو حسن.

خلافاً للمختلف،فخصّ الحكم بالطحال؛ عملاً بأصالة الإباحة و استضعافاً للرواية (7).

و لا وجه له بعد القول بحجّية الموثّق كما هو الأصحّ الأشهر،سيّما

ص:427


1- السَّفود بالفتح كتنور:الحديدة التي يُشوى بها اللحم.مجمع البحرين 3:70.
2- الجُوذاب بالضم:طعام من سكر و أرز و لحم.مجمع البحرين 2:22.
3- الكافي 6:1/262،الوسائل 24:202 أبواب الأطعمة المحرمة ب 49 ح 1.
4- الصدوق في المقنع:143،و حكاه عن والده في المختلف:683.
5- الصدوق في المقنع:143،و نقله عن والده في المختلف:683،ابن حمزة في الوسيلة:362.
6- التنقيح الرائع 4:48.
7- المختلف:683.

بعد انجباره و اعتضاده في الجملة بالشهرة،مع أنّ الحكمة في الحرمة في الطحال و غيره واحدة،و هي سيلان الرطوبة المحرّمة من حيث الجزئيّة لا من حيث النجاسة إلى ما تحته و تشرّب الأسفل بها فيحرم.

و من هنا يظهر أنّه ينبغي تقييد الحكم بالتحريم في المسألتين بصورة إمكان سيلان الرطوبة من الأعلى المحرّم إلى الأسفل المحلّل.فلو قطع بعدم السيلان لم يحرم الأسفل؛ للأصل،و اختصاص إطلاق الفتاوى و النص بحكم التبادر و الغلبة في موردهما بصورة إمكان السيلان أو مقطوعيّته أو ظهوره،سيّما مع التصريح بالحكمة في كثير من النصوص و الفتاوى.

و إطلاقهما يقتضي الحرمة مع الشك في السيلان،مع احتمالهما التقييد بصورة القطع به أو ظهوره،فيحلّ في غيرها،عملاً بالأصل.و لا ريب أنّ التجنّب أحوط.

الثالث الأعيان النجسة

الثالث: الأعيان النجسة بالأصالة كالعذرات و نحوها.

و الأصل في تحريمها بعد الإجماع المقطوع به المحكيّ في الغنية و غيرها (1).بل يمكن عدّه من الضروريّات جدّاً الأخبار المتواترة معنى قطعاً،الظاهرة على المتتبّع لها في مباحث عديدة لا تكاد تحصى.

و منها ما دلّ على حرمة المتنجّسات بالخمر و الميتة و الدم و غيرها، فإنّ النصوص الدالّة على حرمتها دالّة على حرمة ما هنا بطريق أولى.

هذا مع أنّ جملة منها،بل لعلّها كلّها منصوص على تحريمها بخصوصها،مضافاً إلى كونها كلّاً أو جلّاً من الخبائث المحرّمة بالإجماع و الكتاب و السنة كالاُمور الثلاثة.

ص:428


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر المسالك 2:243.

و نحوها ما أُبين من الحيّ إذا كان ممّا تحلّه الحياة؛ لأنّه ميتة أو بحكمها نصّاً و فتوى،كما مضى في بحثها (1).

و العجين إذا عجن بالماء النجس حرام مطلقاً و لو خبز و أكلت النار ما فيه من الرطوبات و لو كلّها،على الأشهر الأقوى،بل عليه كافّة متأخري أصحابنا و منهم الشيخ في التهذيب و كتاب الأطعمة من النهاية (2)؛ لأصالة بقاء الحرمة،و المرسلين كالصحيحين بابن أبي عمير،المجمع على تصحيح رواياته،و مراسيله كمسانيده.

في أحدهما:العجين يعجن من الماء النجس،كيف يصنع به؟قال:

« يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» (3).

و في الثاني:« يدفن و لا يباع» (4).

و إطلاقهما،بل عمومها أو أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورة إمكان الخبز و عدمها.بل لعلّهما ظاهران في الصورة الأُولى؛ لأغلبيّتها.

فالعدول فيهما عن الأمر بالخبز الذي هو أسهل إلى الأمر بالبيع أو الدفن اللذين لا يخلوان عن وجه منع،سيّما الثاني،لاستلزامه إضاعة المال المحترم بمقتضى الفرض،و إمكان الانتفاع به على الوجه المحلّل.ظاهر في تعيّنهما و عدم الحلّ بالخبز أصلاً.

ص:429


1- راجع ص 408.
2- التهذيب 1:414،النهاية:590.
3- التهذيب 1:1305/414،الإستبصار 1:76/29،الوسائل 1:242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.
4- التهذيب 1:1306/414،الإستبصار 1:77/29،الوسائل 1:242 أبواب الأسآر ب 11 ح 2.

فما يقال في القدح عليهما في الدلالة على المدعى:من أنّه ما لم يخبز بالنار نجس،فحكمه في البيع ما تضمنّاه،و هذا لا ينافي الرواية الآتية بتقدير الدلالة على الطهارة إذا خبز.كما ترى.و لذا إنّ الشيخ في الكتابين فهم كغيره التعارض بين الروايتين اللتين مضى ذكر أولاهما، و أشار إلى الثانية منهما بقوله:

و فيه رواية بالجواز أي جواز أكله بعد خبزه؛ لأنّ النار قد طهّرته و المراد بالرواية الجنس،لتعدّدها،منها:المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المتقدم:في عجين عجن و خبز،ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال:« لا بأس،أكلت النار ما فيه» (1).

و منها:عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت، فيعجن من مائها،أ يؤكل ذلك الخبز؟قال:« إذا أصابته النار فلا بأس بأكله» (2).

و في سنده جهالة،مع عدم مقاومتهما للروايتين المتقدّمتين؛ لاعتبار سنديهما معاً،و اعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.

بخلاف هاتين؛ لقصور سند إحداهما،و شذوذ القائل بهما،إذ لم أقف إلّا على الشيخ في كتاب الاستبصار و بحث المياه من النهاية (3).ورائه في الأوّل غير معلوم؛ لاحتمال قصده بذلك مجرّد الجمع بين الأخبار

ص:430


1- التهذيب 1:1304/414،الإستبصار 1:75/29،الوسائل 1:175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 18.
2- التهذيب 1:1303/413،الإستبصار 1:74/29،الوسائل 1:175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17.
3- الإستبصار 1:29،النهاية:8.

المختلفة،و لذا ذكر جملة من الأجلّة أنّ فتاويه في الكتابين في الجمع بين النصوص المختلفة غير معلومة.و أمّا فتواه بذلك في النهاية و إن كانت صريحة إلّا أنّه قد رجع عنها فيها في كتاب الأطعمة.

فما هذا شأنه كيف يعرض به الأخبار السابقة،سيّما مع ما هما عليه من عدم الصراحة،لاحتمالهما التقييد بصورة طهارة الماء،إذ ليس فيهما ما يدلّ صريحاً على كونه نجساً،فإنّ الميتة في الأُولى أعمّ من ذي النفس و غيره ممّا يكون طاهراً،مع أنّ العلم بوقوعها فيه أعمّ من العلم بكون الوقوع قبل الاستعمال،و الشك فيه.و عليه يكون الماء طاهراً استصحاباً.

و الفأرة في الثانية و إن كانت ذات نفس سائلة ميتتها نجسة،إلّا أنّ نجاسة البئر بمجرّد ملاقاتها محلّ مناقشة،بل الأقوى الطهارة كما مرّ في كتابها إليه الإشارة.

و احتمال السؤال التغيّر بها فيعمّ الجواب بترك الاستفصال له،حَسَن و جارٍ مثله فيما تقدّمه،إلّا أنّه لا يوجب الصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة،بل غايته الظهور،فلا يمكن الخروج بهما عن الاستصحاب و الخبرين اللذين تقدّما،و إن اعتضد ظهورهما بما فيهما من العلّة و ما في حكمها،إذ لا يوجبان الصراحة جدّاً بعد احتمال كون المراد ممّا تأكله النار النفرة الحاصلة للنفس،أو الموجبة للكراهة لا النجاسة، سيّما مع الاتّفاق على أنّ النار إنّما تطهر بالإحالة لا بالتجفيف و نحوه.

ثمّ لو سلّم الصراحة فهما كما عرفت قاصرتان عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة،و منها الشذوذ و الندرة فيهما دون السابقة.

فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

الرابع الطين

الرابع: الطين.و هو بجميع أصنافه حرام إجماعاً فتوًى و نصّاً

ص:431

مستفيضاً،بل متواتراً.

منها:« أكل الطين حرام كلحم الخنزير،و من أكله ثمّ مات فيه لم أُصلّ عليه،إلّا طين القبر،فإنّ فيه شفاء من كلّ داء،و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» (1).

و في رواية:« و أماناً من كل خوف» (2).

و يستفاد منه و من غيره ممّا تضمّن الاستثناء المذكور فيه المشار إليه في كلام الأصحاب بقولهم: إلّا طين قبر الحسين عليه السلام للاستشفاء أنّ المراد بالطين هنا ما يعمّ التراب الخالص،و الممزوج بالماء الذي هو معناه الحقيقي لغةً و عرفاً،مضافاً إلى تعليل التحريم بالإضرار للبدن الوارد في بعض النصوص (3)و الفتاوي بناءً على حصول الضرر في الخالص أيضاً.

و منه يظهر وجه ما اشتهر بين المتفقّهة من حرمة التراب و الأرض كلّها حتّى الرمل و الأحجار،و ضعف ما أُورد عليهم من أنّ المذكور في النصوص الطين الذي هو حقيقة في التراب الممزوج بالماء،إلّا أن يخصّ الإيراد بصورة القطع بعدم ضرر هذه الأشياء.فهو حسن إن صحّ ثبوتها،مع أنّ الظاهر عدمها،بل الظنّ حاصل بضررها مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

فكيف كان لا خلاف في صحّة الاستثناء.بل عليه و على حرمة الطين مطلقاً الإجماع في الغنية و غيرها (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص

ص:432


1- الكافي 6:1/265،علل الشرائع:2/532،كامل الزيارات:258،الوسائل 24:226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 1.
2- الكافي 6:9/266،التهذيب 9:377/89،الوسائل 24:226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 2.
3- الوسائل 24:220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618؛ و انظر التنقيح 4:50.

المستفيضة،بل المتواترة جدّاً.

منها: زيادة على ما مضى المرويّ في المصباح:أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام،فقال:إنّي سمعتك تقول:« إنّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة،و أنّها لا تمرّ بداء إلّا هضمته» فقال:« قد قلت ذلك،فما بالك؟ » فقلت:إنّي تناولتها فما انتفعت بها،قال:« أما إنّ لها دعاء،فمن تناولها و لم يدع به و استعملها لم يكن ينتفع بها» فقال له:ما يقول إذا تناولها؟ قال:« تُقبّلها قبل كلّ شيء و تضعها على عينيك،و لا تناول منها أكثر من حمّصة،فإنّ[من]تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل لحومنا و دماءنا،فإذا تناولت فقل:اللّهم..» الدعاء (1).

و يستفاد منه أنّه يشترط في الاستشفاء بها أخذها بالدعاء المأثور فيه مع قراءة إنا أنزلناه و ختمها بها.

و لكن إطلاقات باقي النصوص و الفتاوي تقتضي الجواز مطلقاً، و لم أقف على مشترط لذلك أصلاً.بل صرّح جماعة (2)بأنّ ذلك لزيادة الفضل كالشرائط الأُخر المذكورة في محلّه.

و هو الأقوى؛ لضعف الخبر،و عدم قابليته لتقييد ما مرّ و إن كان مراعاتها أحوط،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حرمة الطين مطلقاً على القدر المتيقّن من الإطلاقات.

و من هنا يظهر عدم جواز أكلها لغير الاستشفاء،مضافاً إلى التقييد به

ص:433


1- مصباح المتهجد:677،الوسائل 24:229 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 7،و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 7:326،و السبزواري في الكفاية:251،و الفيض في مفاتيح الشرائع 2:221.

فيما دلّ على جواز أكله من النص و الفتوى.

و يستفاد من الرواية اشتراط أن لا يتجاوز قدر الحمّصة المعهودة المتوسطة،و به صرّح الماتن و جماعة (1).و عليه ينزّل إطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،مع ظهورهما في أن استثناءها للضرورة،فليقتصر فيها على قدر ما تندفع به،و هو القدر المزبور فما دونه.

ثم إنّ مقتضى الأصل لزوم الاقتصار في الاستثناء المخالف له على المتيقن من ماهية التربة المقدّسة،و هو ما أُخذ من قبره عليه السلام أو ما جاوره عرفاً،و يحتمل إلى سبعين ذراعاً كما في الرواية (2)[ لا لها بل لعسر الاقتصار على ما دونه مع القطع بعدمه في الأزمنة السابقة و الحديثة و أما ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها مما وردت به الرواية] فمشكل،إلّا أنّ يأخذ منه و يوضع على القبر أو الضريح فيقوى احتمال جوازه حينئذٍ،نظراً إلى أنّ الاقتصار على المتيقّن أو ما قاربه يوجب عدم بقاء شيء من أرض تلك البقعة المباركة،لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة،و ستؤخذ إن شاء اللّه تعالى إلى يوم القيامة،و ظواهر النصوص بقاء تربته الشريفة بلا شبهة.

و بما ذكرنا صرّح جماعة،كالفاضل المقداد في التنقيح (3)،و شيخنا في الروضة فقال:و المراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفاً،و روى إلى أربعة فراسخ،و روى ثمانية.و كلّما قرب منه كان أفضل، و ليس كذلك التربة المحترمة منها،فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح المقدّس أو خارجه كما مرّ مع وضعها عليه و أخذها بالدعاء.و لو وجد

ص:434


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 2:244،و السبزواري في الكفاية:251،و الفيض في مفاتيح الشرائع 2:221.
2- الكافي 4:5/588،التهذيب 6:144/74،كامل الزيارات:279،الوسائل 14:511 أبواب المزار ب 67 ح 3.
3- التنقيح 4:51.

تربة منسوبة إليه عليه السلام حكم باحترامها حملاً على المعهود (1).

و هل يجوز أكله لمجرّد التبرّك بها في عصر يوم عاشوراء و يومي عيد الفطر و الأضحى؟ظاهر الأكثر و صريح الحلّي في السرائر و غيره (2):

لا.خلافاً للشيخ في المصباح (3)،و حجّته غير واضحة سيّما في مقابلة إطلاقات الأدلّة المانعة.و لعلّه لذا رجع عنه في النهاية (4)،كما في السرائر و غيره.

و اعلم أنّ ظاهر العبارة ككثير (5)من حيث الاقتصار في الاستثناء على التربة الحسينية خاصّة:عدم استثناء غيرها مطلقاً.

خلافاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين (6)،فاستثنيا الطين الأرمنيّ أيضاً للمنفعة.

فإن أرادا بها المنفعة المسوِّغة لإباحة المحرّم عند الضرورة كما هو ظاهر الروضة فله وجه صحّة على القول بجواز مثله،إلّا أنّه لا وجه لتخصيصه بالاستثناء و الذكر،فإنّ كلّ محرّم كذلك على ذلك القول،طيناً كان أو غيره.

و إن أرادا بها مطلق المنفعة و إن لم تكن في حال ضرورة فحجّتهما عليه غير واضحة،عدا روايات وردت بذلك،و هي بحسب السند قاصرة.

كالمرسل المرويّ في المصباح و مكارم الأخلاق:قال:سئل

ص:435


1- الروضة 7:327.
2- السرائر 3:124؛ و انظر المسالك 2:244.
3- مصباح المتهجد:713.
4- النهاية:590.
5- انظر النهاية:590،و التبصرة:168،و المهذَّب 2:429.
6- الدروس 3:14،اللمعة(الروضة البهية 7):327.

أبو عبد اللّه عليه السلام عن طين الأرمني يؤخذ للكسير و المبطون،قال:« لا بأس به،أما إنّه من طين قبر ذي القرنين.و طين قبر الحسين عليه السلام خير منه» (1).

و المرويّ مسنداً عن طبّ الأئمّة عليهم السلام عن أبي جعفر عليه السلام:أنّ رجلاً شكا إليه الزحير (2)،فقال له:« خذ من الطين الأرمني وَ اقْلِهِ بنارٍ ليّنة، و استفّ (3)منه،فإنّه يسكن عنك» (4).

و عنه عليه السلام أنّه قال في الزحير:« تأخذ جزءاً من خَربَق (5)أبيض، و جزءاً من بزر القطونا،و جزءاً من صَمغ عربيّ،و جزءاً من الطين الأرمني يُقلى بنارٍ ليّنة،و يستفّ منه» (6).

هذا مع ضعف دلالتها،فالأوّل بعدم التصريح فيه بجواز الأخذ للأكل،بل غايته الدلالة على جواز الأخذ الذي هو أعمّ من الأخذ للأكل، المحتمل للأخذ للطلاء أو الضماد.و الثاني باحتمال اختصاصه بحال الضرورة.و هذا جارٍ في الرواية السابقة أيضاً على تقدير تسليم الدلالة.

و بالجملة:فالخروج عن مقتضى إطلاقات الأدلّة المانعة فتوًى و روايةً بهذه الروايات سيّما مع ما هي عليه من وجوه الضعف مشكل غايته، و إن احتمل دعوى عدم انصراف الإطلاق إلى مثل هذا الطين و ما شاكله ممّا

ص:436


1- مكارم الأخلاق:167،مصباح المتهجد:676،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرمة ب 60 ح 3.
2- الزحير:تقطيع في البطن يُمشّي دَماً.لسان العرب 4:320.
3- استففت الدواء:إذا أخذته غير ملتوت.و كلّ دواء يؤخذ غير معجون فهو السَّفوف كرسول.مجمع البحرين 5:71.
4- طب الأئمة:65،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 1.
5- الخَرْبقَ:نبات يَجلو و يسخن و ينفع الصرع و الجنون..و يسهل الفضول اللزجة.القاموس المحيط 3:225.
6- طب الأئمة:65،الوسائل 24:230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 2.

هو من الأفراد النادرة الغير المنساق إليها الذهن عند إطلاق اللفظ مجرّداً عن القرينة،سيّما مع ما في بعض النصوص و الفتاوي المتضمّنة لتلك الإطلاقات من التعليل بالضرر،المفقود في هذا الطين في صورة الفرض.

الخامس السموم القاتلة

الخامس: السموم القاتلة و الأشياء الضارّة حرام كلّها بجميع أصنافها جامدة كانت أو مائعة قليلها و كثيرها.و ما يقتل أو يضرّ كثيره من دون قليله كالأفيون و السقمونيا،و شحم الحنظل و غيرها فالمحرّم منه ما بلغ ذلك الحدّ هذا إذا أُخذ منفرداً،أمّا لو أُضيف إلى غيره فقد لا يضرّ منه الكثير كما هو معروف عند الأطباء.و ضابط المحرّم ما يحصل به الضرر على البدن و إفساد المزاج.

و الأصل فيه بعد الإجماع حديث نفي الضرر و الإضرار،و ما ورد في المنع عن الطين من التعليل بأنّ فيه إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها (1)،و هو جارٍ هنا أيضاً.

القسم الخامس في المائعات و المحرّم منها خمسة

اشارة

القسم الخامس:في المائعات و المحرّم منها خمسة

الأوّل الخمر

الأوّل: الخمر بالضرورة من الدين،و الكتاب و السنّة المتواترة ناطقان به.

و يلحق به كلّ مسكر إجماعاً؛ للنص النبوي:« كلّ مسكر خمر،و كلّ خمر حرام» (2)و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،كغيرها من

ص:437


1- الوسائل 24:220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.
2- عوالي اللئلئ 1:228/178،مستدرك الوسائل 17:61 أبواب الأشربة المحرمة ب 11 ح 15.

المعتبرة.

ففي الصحيح و غيره:« إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يحرّم الخمر لاسمها، و لكن حرّمها لعاقبتها،فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (1)و بمعناهما غيرهما (2).

و في الصحيح [و ما يقرب منه بصفوان بن يحيى] (3):« قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:الخمر من خمسة:العصير من الكَرْم،و النقيع من الزبيب،و البِتْع من العسل،و المِزْر من الشعير، و النبيذ من التمر» (4).

و في المرسل كالصحيح:« الخمر من خمسة أشياء:من التمر، و الزبيب،و الحنطة،و الشعير،و العسل» (5).

و لا خلاف في أنّ المعتبر في التحريم إسكار كثيره،فيحرم قليله و لو كان مستهلكاً كما في الأخبار؛ حسماً لمادّة الفساد،و للنصوص المستفيضة بل المتواترة.

و فيها الصحيح و غيره:« ما أسكر كثيره فقليله حرام» (6).

و زيد في بعض الصحاح منها قلت:فقليل الحرام يحلّه كثير الماء

ص:438


1- الصحيح في:الكافي 6:2/412،التهذيب 9:486/112،الوسائل 25:342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 1. و غيره في:الكافي 6:1/412،الوسائل 25:343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 2.
2- الكافي 6:3/412،الوسائل 25:343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 3.
3- في« ر» زيادة:و ما يقرب منه بصفوان بن يحيى:الكافي 6:3/392،الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 3.
4- الكافي 6:1/392،الوسائل 25:279 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.
5- الكافي 6:2/392،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 2.
6- انظر الوسائل 25:336 أبواب الأشربة المحرمة ب 17.

فردّ عليه بكفّه مرّتين لا،لا (1).

و في الخبر:ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟فقال:« لا و اللّه،و لا قطرة تقطر منه في حُبّ إلّا أُهريق ذلك الحُبّ» (2).

و يلحق بالمسكر الفقّاع قليله و كثيره مطلقاً و إن لم يكن مسكراً، بلا خلاف بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات كالغنية و السرائر و التحرير،و الدروس و المسالك و غيرها (3)من كتب الجماعة؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة من غير تقييد بالاسكار.

و فيها:« إنّه خمر مجهول» (4)و« إنّه الخمر بعينها» (5)و« إنّ حدّه حدّ شارب الخمر» (6).

و في بعض:« كلّ مسكر حرام و كلّ مخمّر[حرام (7)]و الفقّاع حرام» (8).

و ربّما يظهر منه عموم التحريم لصورة عدم الإسكار كما ذكروه،

ص:439


1- الكافي 6:4/408،التهذيب 9:481/111،الوسائل 25:336 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 1.
2- الكافي 6:15/41،الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرّمة ب 26 ح 2.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):618،السرائر 3:128،التحرير 2:161،الدروس 3:16،المسالك 2:244؛ و انظر المفاتيح 2:219.
4- الكافي 6:7/423،الوسائل 25:361 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 8.
5- الكافي 6:4/423،التهذيب 9:542/125،الوسائل 25:361 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 7.
6- الكافي 6:15/424،التهذيب 9:534/124،الإستبصار 4:370/95،الوسائل 25:360 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 2.
7- أثبتناه من المصادر.
8- الكافي 6:14/424،التهذيب 9:536/124،الإستبصار 4:365/95،الوسائل 25:360 أبواب الأشربة ب 27 ح 3.

فتدبّر.

و مقتضى الأُصول دوران الحكم بالتحريم مدار تسميته في العرف فقاعاً فيحرم معها مطلقاً،إلّا أنّه ذكر جماعة و منهم الشهيدان (1)أنّه إنّما يحرم مع الغليان.

و لعلّه لظاهر الصحيح:كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقّاع في منزله.

قال محمّد بن يحيى:قال أبو أحمد يعني ابن أبي عمير-:و لا يُعمل فقاع يَغلي (2).

و فسّر الغليان بالنشيش الموجب للانقلاب.

و في الصحيح:عن شراب الفقّاع الذي يعمل في السوق و يباع، و لا أدري كيف عمل و لا متى عمل،أ يحلّ شربه؟قال« لا أُحبّه» (3)و فيه إشعار بكراهة المجهول الحال.

قيل:و نزّلها الأصحاب على التحريم (4).و لا ريب فيه مع إطلاق الاسم عليه حقيقةً عرفاً،و أمّا مع عدمه ففيه إشكال و إن كان الترك أحوط.

و يحرم العصير و هو المعتصر من ماء العنب خاصّة في ظاهر الأصحاب إذا غَلى بأنّ صار أسفله أعلى قبل أن يذهب ثلثاه، بلا خلاف (5).بل عليه الإجماع ظاهراً،و حكي في التنقيح و غيره

ص:440


1- الشهيد الأوّل في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:244،الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:219.
2- التهذيب 9:545/126،الوسائل 25:381 أبواب الأشربة المحرّمة ب 39 ح 1.
3- التهذيب 9:547/126،الإستبصار 4:376/97،الوسائل 25:382 أبواب الأشربة المحرّمة ب 39 ح 3.
4- قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:219.
5- في« ر» زيادة:كما في المسالك 2:244.

صريحاً (1)،و مع ذلك المعتبرة المستفيضة ناطقة به جدّاً.

ففي الصحيح:« كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» (2).

و فيه:« لا يحرم العصير حتّى يغلي» (3).

و في الموثق:« إذا نشّ العصير أو غلى حرم» (4).

و يستفاد من صريحه و إطلاق أكثر البواقي و الفتاوي عدم الفرق في الحكم بتحريمه بالغليان بين وقوعه بالنار أو غيرها،و به صرّح جماعة كالماتن في الشرائع،و الفاضل في التحرير،و شيخنا في المسالك و الروضة (5)،و كثير ممّن تبعه (6).

و كذا لا فرق في ذهاب ثلثيه بين الأمرين؛ لإطلاقات النصوص و الفتاوي،و به صرّح جماعة (7)أيضاً،إلّا أنّ ظاهر التحرير هنا القول بالفرق بينهما حيث قال بعد التصريح بعدم الفرق في الأوّل-:فإن غلى بالنار و ذهب ثلثاه حلّ (8)؛ و لعلّه لمنع ما يدلّ على العموم،لإمكان دعوى

ص:441


1- التنقيح الرائع 4:368؛ و انظر كشف اللثام 2:269.
2- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:516/120،الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 1.
3- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:513/119،الوسائل 25:287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 1.
4- الكافي 6:4/419،الوسائل 25:287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 4.
5- الشرائع 3:225،التحرير 2:161،المسالك 2:244،الروضة 7:320.
6- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:200،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2:220،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:269.
7- منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:220،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:269،و المختلف:58.
8- التحرير 2:161.

اختصاص الإطلاقات بحكم التبادر بذهاب الثلثين بالنار،فيرجع في غيره إلى أصالة بقاء التحريم.

و هذه الدعوى و إن أمكن انسحابها في الأوّل أيضاً،نظراً إلى تبادر الغليان الناري من مطلق الغليان،إلّا أنّ وجود الموثّق الناصّ على عدم الفرق فيه المعتضد بعدم الخلاف فيه،اقتضى اختصاص عدم الفرق بين الأمرين به دون الثاني،فما ذكره لعلّه لا يخلو عن وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،مع أنّه في الجملة أحوط.

ثم إنّ ظاهر النصوص و أكثر الفتاوى المقتصرة في سبب التحريم على الغليان خاصّة عدم اعتبار شيء آخر غيره.خلافاً للفاضل في الإرشاد (1)، فاعتبر الاشتداد أيضاً.

و وجهه غير واضح عدا ما يدّعى من التلازم بين الأمرين،و ليس بثابت.بل الظاهر العدم كما صرّح به جمع (2)،و على تقديره فذكره مستدرك.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل و العمومات الدالّة على الإباحة من الكتاب و السنّة،مع اختصاص ما دلّ على حرمة العصير فتوًى و رواية بعصير العنب كما مرّ و سيأتي إليه الإشارة حلّ عصيري التمر و الزبيب و إن غليا،ما لم يبلغا الشدّة المسكرة،و اختاره الفاضلان و الشهيدان و فخر الإسلام و الفاضل المقداد و المفلح الصيمري و المقدّس الأردبيلي و صاحب الكفاية (3)،

ص:442


1- الإرشاد 2:111.
2- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:198؛ و انظر الذخيرة:154،و الحدائق 5:122.
3- المحقق في الشرائع 4:169،العلّامة في القواعد 2:263،الشهيد الأوّل في الدروس 3:16 17،الشهيد الثاني في المسالك 2:244،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 4:512،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:368،المفلح الصيمري في غاية المرام 4:73،337،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:312،الكفاية:251.

مدّعيين عليه كالمفلح الصيمري- (1)الشهرة،و لا ريب فيها.بل ظاهر الدروس في التمري عدم وجود القول فيه بالحرمة (2)،حيث إنّه بعد نسبة الحلّ إلى بعض الأصحاب لم ينقل المخالف له،و إنّما ظاهره نسبة المخالفة إلى رواية عمّار الآتية.

و أظهر منه كلام شيخنا في المسالك في هذا الكتاب و كتاب الحدود (3)،حيث إنّه حكى الخلاف عن بعض الأصحاب في الزبيبي خاصّةً و لم يشر إليه في التمريّ بالكلّية،و إنّما ذكر في الكتاب الأخير وجه تردّد الماتن فيهما (4).

و ربما كان ذلك ظاهراً من اللمعتين أيضاً (5)،حيث لم يشيرا إلى الحكم فيه مطلقاً مع تصريحهما بأنّه لا يحرم العصير من الزبيب و إن غلى على الأقوى،فلو وجد القول بالتحريم فيه أيضاً لألحقاه بالزبيبي جدّاً.

هذا مع أنّه حكي عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه أصلاً (6)،و هو حجّة أُخرى.و لا ينافيها تردّد الماتن في حكمهما؛ لفتواه بالحلّ بعده صريحاً.و ما ربما يقال من إشعار التردّد بوجود الخلاف فواضح

ص:443


1- غاية المرام 4:337.
2- الدروس 3:17.
3- المسالك 2:245،439.
4- الشرائع 4:169.
5- اللمعة(الروضة البهية 7):322.
6- الحدائق 5:125.

الفساد؛ لاحتمال حصوله بتعارض الاحتمالات دون الأقوال.

نعم ظاهر سياق كلام الدروس المتقدّم التردّد؛ لموثّقة عمار:عن النضوح،قال:« يطبخ[التمر (1)]حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يتمشّطن» (2).

و نحوها موثّقته الأُخرى:عن النضوح المعتق،كيف يصنع حتّى يحلّ؟قال:« خذ[ماء (3)]التمر فَاغْلِهِ حتى يذهب ثلثا ماء التمر» (4).

و هو كما ترى؛ لقصورهما عن المقاومة لما مضى من الأدلّة القطعية المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،المؤيّدة بعدم الخلاف المستفاد من الكتب المتقدّمة المصرّح به في كلام بعض الأجلّة (5).

مضافاً إلى قصورهما دلالةً؛ إذ لا تصريح فيهما بحرمة الشرب،و إنّما غايتهما الأمر بغليه حتى يذهب ثلثاه،و هو أعمّ من تحريمه بالغلي قبله.

و لعلّ الوجه فيه ما ذكره بعض الأصحاب (6)من أنّ النَّضوح لغةً على ما في النهاية الأثيريّة (7)ضرب من الطيب تفوح رائحته.و في مجمع البحرين:إنّ في كلام بعض الأفاضل:أنّه طيب مائع،ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء و يشدّ رأسها،و يصبرون أيّاماً حتى ينشّ و يتخمّر.

ص:444


1- أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب 9:531/123،الوسائل 25:379 أبواب الأشربة المحرمة ب 37 ح 1.و فيهما:يمتشطن.
3- أثبتناه من المصادر.
4- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:373 أبواب الأشربة المحرمة ب 32 ح 2.
5- الذخيرة:155،الحدائق 5:125.
6- الحدائق 5:149.
7- النهاية 5:70.

و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين (1).

و على هذا فتحمل الروايتان على أنّ الغرض من طبخه حتّى يذهب ثلثاه إنّما هو لئلّا يصير خمراً ببقائه مدّةً،لأنّ غليه على هذا الحدّ الذي يصير به دبساً يُذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمراً لو مكث مدّة كذلك،لأنّه إنّما يصير خمراً بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية،فإذا ذهبت أمن من صيرورته خمراً.

و يؤيّد هذا قوله« النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول،أي الذي يراد جعله عتيقاً بأن يحفظ زماناً حتى يصير عتيقاً.

و يؤيّده أيضاً قوله:« يتمشّطن» الظاهر في أنّ الغرض منه التمشط و الوضع في الرأس و المراد من السؤال في الروايتين عن كيفيّة عمله،هو التحرّز عن صيرورته بزيادة المكث خمراً نجساً يمتنع الصلاة فيه،و لا يحلّ إذا تمشّطن،و إلّا فهو ليس بمأكول،و لا الغرض من السؤال عن كيفيّة عمله حِلّ أكله حتى يكون الأمر بغليه على ذلك الوجه لأجله،بل حِلّ استعماله.

و مع هذا الاحتمال لا يمكن أن يستند إلى الروايتين سيّما في تخصيص ما مرّ من الأدلّة القطعية،فإنّ بناءه على قطعيّة الدلالة أو قوّتها، و شيء منهما لا يتحقّق مع هذا الاحتمال بلا شبهة و إن قلنا بمرجوحيّته بالإضافة إلى الظاهر،لعدم بلوغ هذه المرجوحيّة درجةً يحصل فيها قوّة الدلالة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة القاطعة.

و بهذا يجاب عن موثّقتيه الأُخريين الواردتين في الزبيب.

في إحداهما:وصف لي الصادق عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً،فقال:« تأخذ ربعاً من زبيب و تنقيه،و تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء،ثمّ تنقعه ليلة،فإن كان أيّام الصيف و خشيت أنّ ينشّ جعلته

ص:445


1- مجمع البحرين 2:419.

في تنّور مسجور قليلاً حتّى لا ينشّ،ثمّ تنزع الماء منه كلّه حتّى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره» إلى أن قال:« ثمّ تغليه بالنار،و لا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث» (1)الحديث.

و قريب منها:الثانية (2).

و الخبر:شكوت إلى الصادق عليه السلام قراقر تصيبني في معدتي و قلّة استمرائي الطعام،فقال لي:« لم لا تتّخذ شيئاً نشربه نحن» إلى أن قال:

« تأخذ صاعاً من زبيب» إلى أن قال:« ثمّ تطبخه رقيقاً حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» إلى أن قال في آخر الخبر:« و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي» (3).

و ذلك فإنّه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون لأجل حلّيته بعد حرمته بالغليان،بل يجوز أن يكون لئلّا يصير مسكراً كما يدل عليه قوله عليه السلام في آخر الرواية الأخيرة:« و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي» .و يجوز أن يكون لأجل أنّ الخاصيّة و النفع المترتّب عليه لا يحصل إلّا بطبخه على الوجه المذكور،كما ورد مثله في بعض النصوص:كتبت إليه عليه السلام:عندنا شراب يسمّى المَيْبة،نعمد إلى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء،ثم نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث،ثم ندقّ ذلك السفرجل و نأخذ ماءه،ثم نعمد إلى ماء هذا الثلث و هذا السفرجل إلى أن قال -:فنطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه،أ يحلّ شربه؟فكتب:« لا بأس به ما لم يتغيّر» (4)فتدبّر.

نعم ربما يلوح التحريم من بعض ألفاظ الموثّقين،كقول الراوي

ص:446


1- الكافي 6:1/424،الوسائل 25:289 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 2.
2- الكافي 6:2/425،الوسائل 25:290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 3.
3- الكافي 6:3/426،الوسائل 25:290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 4.
4- الكافي 6:3/427،الوسائل 25:367 أبواب الأشربة المحرمة ب 29 ح 3.

يطبخ حتّى يصير حلالاً،و قوله عليه السلام:« و إذا كان في أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنور..» فإنّ النشيش هو صوت الغليان.و الظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينشّ ليس إلّا لخوف تحريمه بالغليان.

إلّا أنّه يمكن أن يقال:إنّ قوله:كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً،إنّما هو من الراوي في سؤاله،و لا حجّة فيه إلّا من حيث تقرير المعصوم عليه السلام له على فهمه،و هو و إن كان حجّة إلّا أنّ في بلوغه درجة تخصيص الأدلّة نوع مناقشة،سيّما مع أنّ أكثر ما ذكر في الكيفيّة بل كلّه عدا الغلي حتى يذهب الثلثان لا دخل له في الحلّية إجماعاً.

و أمّا قوله:« حتى لا ينشّ» فإنّ فيه:أنّه بعد ذلك أمر بغليانه حتّى يذهب ثلثاه،فهو و إن حرم بالنشيش فلا مانع منه،لتعقّبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك.و حينئذٍ فلعلّ المحافظة عليه من النشيش إنّما هو لغرض آخر لا لأنّه يحرم بعد ذلك،فإنّه و إن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غليه إلى ذهاب الثلثين المأمور به ثانياً.و حينئذٍ لا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا وقت الغليان أخيراً.

و لعلّه لهذا أعرض عن هذه الأخبار متأخّروا الأصحاب،و لم يذكروها دليلاً على التحريم في شيء من المقامين.بل إنّما اقتصروا في إثباته في بيان وجه الترديد في التمرّي على دعوى إطلاق اسم النبيذ عليه،أو مشابهته لعصير العنب،و في الزبيبي على دعوى الشركة مع العنبي في أصل الحقيقة،و فحوى بعض النصوص كالخبر:عن الزبيب،هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه ثمَّ يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثم يوضع فيشرب منه السنة؟قال:« لا بأس به» (1).

ص:447


1- الكافي 6:10/421،التهذيب 9:522/121،قرب الإسناد:1077/271،الوسائل 25:295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 2.

و هذه الأدلّة أيضاً في غاية من الضعف؛ لمنع صدق اسم النبيذ على مطلق عصير التمر حقيقةً،و منع القياس.و المشابهة و الشركة في أصل الحقيقة لا تقتضي الشركة في الحرمة بعد اختصاص ما دلّ عليها من الفتوى و الرواية بالعصير العنبي خاصّة.و الرواية ضعيفة سنداً و دلالةً بنحو ما مرّ إليه الإشارة في الموثّقتين الأخيرتين.

هذا مضافاً إلى إشعار النصوص الواردة في علّة تحريم العصير باختصاص الحرمة بالعنبي دون الزبيبي؛ لظهورها في أنّ العلّة إنّما هي شركة إبليس في شجرة الكرم و ثمرته بالثلثين،و أنّه إذا ذهب نصيبه منها حلّ الباقي (1).و لا ريب أنّ الزبيب قد ذهب ثلثاه و زيادة بالشمس.

و بهذا مضافاً إلى ما مضى من أصالة الإباحة و غيرها استدلّ الشهيدان و غيرهما (2)على إباحته.و هو قويّ جدّاً.

و أمّا ما يورد عليه:بأنّ ذهاب الثلثين بالشمس إنّما يتمّ إذا كان قد نشّ بالشمس أو غلى حتّى يحرم ثم يحلّ بعد ذلك بذهاب الثلثين، و الغليان بالشمس غير معلوم فضلاً عن النشيش و هو صوت الغليان،و أمّا ما جفّ بغير الشمس فلا غليان فيه،فلا وجه لتحريمه حتّى يحتاج إلى التحليل بذهاب الثلثين،على أنّ إطلاق العصير على ما في حبّات العنب كما ترى.

فضعيف بابتنائه على دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب الثلثين بعد الغليان و حصول التحريم،و أنّه لو ذهبا قبله لا يُعبأ به.

و هو كما ترى؛ إذ لا أثر له فيها،بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلثين مطلقاً بعد

ص:448


1- الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2.
2- الشهيد الأول في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:439؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:312،و الكفاية:251.

الغلي كان أم لا.هذا.

و أمّا ما ربما يستدلّ به للحرمة في التمري و الزبيبي من عموم قوله:

« كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» (1).

فلا ينبغي الإصغاء إليه و لا العروج في مقام التحقيق عليه؛ لأنّ حمله على العموم مخالف للإجماع قطعاً.و البناء على التخصيص و كون العام فيما عداه حجّةً حسنٌ إن كان الباقي أكثر،و الحال أنّ الأمر بالعكس،و مثله ليس بحجّة على الأصح.فينبغي صرفه إلى معهود،و هو إمّا عصير العنب خاصّة كما هو ظاهر الأصحاب كافّةً و اعترف به جماعة (2)،أو هو في الجملة من غير أن يعلم دخول عصير غيره فيه و عدمه.و مقتضى هذا القطع بإرادة عصير العنبي و التردّد في غيره،و معه لا يمكن صرف العموم إليه فضلاً أن يدّعى كونه التمري و الزبيبي.

هذا مع أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة (3)الدالّة على أنّ الخمر من خمسة:العصير من الكرم،إلى آخره.كون العصير في عرفهم عليهم السلام اسماً لما يؤخذ من العنب خاصّة،و أنّ ما يؤخذ من التمر إنّما يسمّى بالنبيذ،و ما يؤخذ من الزبيب يسمّى بالنقيع.

قيل:و هذا هو الذي يساعده العرف أيضاً،فإنّه لا يخفى أنّ العصير فيه إنّما يطلق على المأخوذ من الأجسام التي فيها مائيّة لاستخراج الماء منها،كالعنب و الرمان مثلاً،و أمّا الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها مثل التمر و الزبيب و السماق

ص:449


1- الكافي 6:1/419،التهذيب 9:516/120،الوسائل 25:282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 1.
2- منهم:البحراني في الحدائق 5:127،128،130،146.
3- في ص 436.

و نحوها،فإنّه إنّما يستخرج ما فيها من الحلاوة و الحموضة إمّا بنبذها في الماء و نقعها فيه زماناً يخرج حلاوتها أو حموضتها إلى الماء،أو أنّها تمرس في الماء من أوّل الأمر من غير نقع،أو أنّها تغلي بالنار لأجل ذلك (1).و فيه نوع نظر.

نعم،يستفاد ذلك من جمع من أهل اللغة،كالفيومي في المصباح المنير،و ابن الأثير في النهاية،و القاموس،و مجمع البحرين (2).قال هو كالأوّل في مادة عصر:و العصير من العنب يقال:عصرت العنب عصراً من باب ضرب:استخرجت ماءه،و اسم الماء العصير.و قالا في مادة نقع:

و النقيع شراب يتّخذ من زبيب ينتقع في الماء من غير طبخ.و قال الأخير في مادة نبذ:و النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و نحو ذلك.

و على هذا فليس المراد من العصير في الخبر ما يعمّ عصير الزبيب و التمر؛ لعدم إطلاق العصير عليهما حقيقةً،و إنّما يطلق عليهما كذلك النبيذ و النقيع خاصّة.و لعلّه لهذا لم يستدلّ به على تحريمهما أحد من الأصحاب.هذا.

و على تقدير تسليم عمومه نقول:إنّه معارض بكثير من النصوص الدالّة على دوران الحكم في النبيذ حرمةً و حلّاً مدار السكر و عدمه،و هي مستفيضة جدّاً و سيأتي بعضها.و لو كان مجرّد الغليان يوجب التحريم و إن لم يبلغ حدّ الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة و لو في بعضها،سيّما مع ورودها جلّاً بل كلّاً في مقام الحاجة جدّاً.

ص:450


1- الحدائق 5:125.
2- المصباح المنير:413،622،النهاية 5:7،القاموس المحيط 2:93،مجمع البحرين 3:407،189،و ج 4:398.

و أمّا ما يدّعى من أنّه بمجرّد الغليان يحصل منه السكر أو مباديه باعتبار بعض الأمزجة أو بعض الأمكنة،فغير مفهوم للعبد بعد اتّفاق جملة من عبائر الأصحاب التي وقفت عليها في تردّد الماتن و بيان وجهه على عدم حصول السكر بمجرّد الغليان ما لم يبلغ الشدّة المسكرة.

و ربما يومئ إليه و إلى ما مرّ من دوران الحكم فيهما حلّاً و حرمةً على تحقّق السكر و عدمه بعض النصوص أيضاً،كالخبر:عن النبيذ، فقال صلى الله عليه و آله:« و ما النبيذ؟فصفوه لي» فقالوا:

يؤخذ من التمر،فينبذ في إناء،ثمّ يصبّ عليه الماء حتّى يمتلئ، و يوقد تحته حتّى يطبخ،فإذا انطبخ أخذوه فألقَوه في إناء آخر،ثمّ صَبّوا عليه ماء ثمّ يمرس،ثمّ صَفَوه بثوب،ثمّ يلقى في إناء،ثمّ يصبّ عليه من عَكَر ما كان قبله،ثمّ يهدر و يغلي،ثمّ يسكن على عَكَره،فقال صلى الله عليه و آله:

« أ فيسكر؟» قال:نعم،قال:« فكلّ مسكر حرام» (1).الخبر.هذا.

و الإنصاف أنّ الحكم الباتّ بالحلّ في الزبيبي لا يخلو عن نوع أشكال؛ لقوّة دلالة الموثّقين على خلافه (2)،مع وجود قائل به من الأصحاب كما يظهر من الشهيدين و غيرهما (3)و إن لم يصرّحوا به،لكنّه ظاهر الكليني حيث إنّه عنون الباب الذي ذكر فيه الموثقين و غيرهما بباب صفة الشراب الحلال (4).

مضافاً إلى وقوع التصريح بحرمته في بعض الأخبار:في الزبيب يدقّ و يلقى في القدر و يصبّ عليه الماء،قال:« حرام حتّى يذهب ثلثاه» قلت

ص:451


1- الكافي 6:7/417،الوسائل 25:355 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 6.
2- راجع ص 6097.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:16،الشهيد الثاني في المسالك 2:245؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:313.
4- الكافي 6:424.

الزبيب كما هو يلقى في القدر،قال:« هو كذلك سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فسد،كلّما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلّا أن يذهب ثلثاه» (1).

و الخروج بهذه النصوص عن الأُصول القطعيّة المعتضدة بالشهرة، و مجهوليّة القائل بها صريحاً أو ندرته و إن كان لا يخلو أيضاً عن إشكال، إلّا أنّ الاحتياط فيه لازم على كلّ حال.

و لا كذلك التمري؛ لوضوح مأخذ الحلّ فيه من الأُصول و النصوص الدالّة على دوران الحكم فيه حلّاً و حرمةً مدار السكر و عدمه،و خصوص الرواية مع قصور ما يعارضها سنداً و دلالةً،و عدم ما يدلّ على حرمته صريحاً مطلقاً مع عدم ظهور قائل بها فيه أصلاً.و مع ذلك الاجتناب عنه أحوط و أولى؛ للشبهة الناشئة من الموثّقين المتقدّم إليهما الإشارة (2)، و بعض النصوص المشعرة بل الظاهر في اتحاد عصيري العنب و التمر في العلّة المحرمة.

و فيه بعد كلام طويل يتضمّن تعليل الحكم بحرمة العصير العنبي بمسّ إبليس منه-:« فأوحى اللّه إلى آدم عليه السلام أنّ العنب قد مصّه عدوّي و عدوّك إبليس لعنه اللّه تعالى،و قد حرّمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس،فحرّمت الخمر» إلى أن قال:

« ثمّ إنّه» أي إبليس« قال لحوّاء:لو أمصصتِني شيئاً من هذا التمر كما أمصصتني من العنب،فأعطته تمرة فمصّها،و كان العنب و التمر أشدّ رائحة و أزكى من المسك الأذفر و أحلى من العسل،فلمّا مصّهما عدوّ اللّه ذهبت رائحتهما» إلى أن قال

ص:452


1- الأُصول الستة عشر:58،مستدرك الوسائل 17:38 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- في ص 442.

« ثمّ إنّ إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة و النخلة،فجرى الماء في عروقهما من بول عدوّ اللّه تعالى،فمن ثمّ يختمر العنب و التمر،فحرّم اللّه تعالى على ذرّية آدم كل مسكر،لأنّ الماء جرى ببول عدوّ اللّه تعالى في النخل و العنب فصار كلّ مختمر خمراً لأنّ الماء اختمر في النخلة و الكرمة من بول عدو اللّه تعالى إبليس لعنه اللّه تعالى» (1)فتأمّل.

و يقوّي الاحتياط فيه احتمال وجود قول بتحريمه من الحلّي في سرائره حيث قال بعد الحكم بحرمة عصير العنب بالنشيش-:و كذلك القول فيما ينبذ من الثمار في الماء،أو اعتصر من الأجسام من الأعصار، في جواز شربه ما لم يتغير،فإن تغير بالنشيش لم يشرب (2).

لكنّه ليس بصريح في التحريم بمجرّد الغليان بالنار،بل غايته التحريم بالنشيش و هو صوت الغليان الحادث من طول المكث.و لا ريب في تحريمه حينئذٍ؛ لاستلزامه السكر كما يستفاد من الأخبار.و لا كذلك الغليان بالنار؛ لعدم معلومية استلزامه إيّاه،بل معلوميّة عدمه كما مرّ.

و ربما يشير إلى ما ذكرناه كلام شيخنا في الدروس حيث قال:

و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش،فيحلّ طبخ الزبيب على الأصح؛ لذهاب ثلثيه بالشمس غالباً (3).

فلو لا الفرق بما ذكرناه بين النشيش و الغليان بالنار لتناقض الحكم بالتحريم مع حصول النشيش المستفاد من مفهوم صدر عبارته،و الحكم بتحليل الطبيخ المعلّل بذهاب ثلثيه،مع وجود هذا التعليل فيه في الأوّل

ص:453


1- الكافي 6:2/393،الوسائل 25:283 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 3.
2- السرائر 3:129.
3- الدروس 3:16.

أيضاً.

فظهر أنّ الحكم بالتحريم فيه ليس من حيث العصيريّة،بل من حيثية اخرى،إمّا السكر،أو صيرورته بالنشيش فقّاعاً كما ذكره بعض أصحابنا.

و لعلّ حكم الحلّي بالتحريم مع النشيش لأحد هذين من كونه مسكراً أو مسمّى النبيذ،فتأمّل جدّاً.و لعلّه لهذا لم ينسب القول بالتحريم فيهما إليه أحد من أصحابنا.

الثاني الدم

الثاني: الدم المسفوح،أي المنصبّ من عرق بكثرة،من سفحت الماء إذا أهرقته.

و الأصل في حرمته بعد الإجماع المحكيّ في كلام جمع (1)المقطوع به الآيات الكثيرة عموماً و خصوصاً (2)،و النصوص المستفيضة جدّاً.

و منها:الأخبار المستثنية من الذبيحة أُموراً عشرة المصرّحة بأن منها ما كان دماً (3).

و خصوص المرسلة المعلّلة لتحريمه بإيراثه الكَلَب،و القسوة في القلب،و قلّة الرأفة و الرحمة،و الماء الأصفر،و البخر،و غير ذلك من الأُمور المعدودة فيها (4).

و إطلاق العبارة ككثير من الآيات و الروايات و إن شمل ما يتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح،إلّا أنّه حلال بالإجماع الظاهر

ص:454


1- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،و العلّامة في المنتهي 1:163،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:266.
2- المائدة:3،الأنعام:145،الأعراف:157.
3- انظر الوسائل 24:171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31.
4- الكافي 6:1/242،الفقيه 3:1009/218،التهذيب 9:553/128،علل الشرائع:1/483،المحاسن:104/334،تفسير العياشي 1:15/291،الوسائل 24:99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1 ح 1.

المصرّح به في كلام جمع كالمسالك و غيره (1).و يعضده الاعتبار؛ لاستلزام تحريمه العسر و الحرج المنفيّين شرعاً،لعدم خلوّ اللحم عنه و إن غسل مرّات.مضافاً إلى تقييد المحرّم عنه في بعض الآيات بالمسفوح،فتدبّر.

و مقتضاه مضافاً إلى الأصل و العمومات حلّ ما عدا المسفوح من الدماء،كدم الضفادع و القُراد و السمك.و هو ظاهر جملة من الأصحاب المستدلّين به على طهارته كابني زهرة و إدريس و المختلف (2)،و لعلّه صريح الماتن في المعتبر في دم السمك حيث استدلّ فيه على طهارة دمه بأنّه لو كان نجساً لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البرّ، لكنّ الإجماع على خلاف ذلك،و أنّه يجوز أكله بدمه (3).

و هو ظاهر في دعوى الإجماع عليه.و لا بأس به في مورد عبارته؛ لما ذكره،مضافاً إلى ما مرّ من التأمل في خباثته.و يشكل في غيره ممّا مر، و من القطع بخباثته،فيشمله عموم ما دلّ على تحريم كلّ خبيث.و لعلّ هذا أظهر،وفاقاً للأكثر،بل لم أقف فيه على مخالف صريح عدا مَن مرّ و مَن قيّد المحرّم من الدم بالمسفوح و لم يذكر تحريم غيره،كالغنية (4).

و التعارض بين عموم ما دلّ على تحريم كلّ خبيث،و عموم المفهوم فيما قيّد فيه المحرّم من الدم بالمسفوح و حَصَر فيه،و إن كان تعارض العموم و الخصوص من وجه،و الأصل و العمومات يرجّح المحلّل منهما، إلّا أنّ اعتضاد المحرّم بعمل الأكثر يرجّحه.

ص:455


1- المسالك 2:245؛ و انظر الكفاية:252.
2- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):618،ابن إدريس في السرائر 3:121،المختلف:59.
3- المعتبر 2:421.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):618.

هذا مع ضعف المحلّل بمخالفة مفهوم الحصر فيه الإجماع من الكلّ؛ لدلالته على حلّ ما عدا الميتة و الدم و لحم الخنزير،و البناء فيه على التخصيص و حجّية الباقي حسن إن بقي من الكثرة ما يقرب من مدلول العام،و ليس بباق بلا كلام.و لا مفرّ عن هذا المحظور إلّا بجعل الحصر إضافيّاً أو منسوخاً،و أيّا ما كان يضعّف الاستناد إليه في المقام،كما لا يخفى على ذوي الأحلام.

و من هنا يتّجه ما ذكره شيخنا في المسالك من أنّ الأصل في الدم التحريم إلّا ما خرج بالنصّ و الوفاق (1).

و كذا العلقة محرّمة مطلقاً و لو كانت الموجودة في البيضة المحلّلة؛ للخباثة بلا شبهة،سيّما ما كان من نحو المرأة.

و في نجاستها تردّد و اختلاف:

فبين قائلٍ بها،كالماتن في المعتبر،و الشهيد في الدروس،و الفاضل المقداد في التنقيح (2)،وفاقاً للخلاف مدّعياً عليه الوفاق (3)،محتجّاً به و بإطلاق ما دلّ على نجاسة الدم.

و بين مائلٍ إلى الطهارة،كالشهيد في الذكرى،و صاحب المعالم، و غيرهما (4)؛ لعدم انصراف الإطلاق إليها،سيّما إلى التي في البيضة،مع عدم معلوميّة[تسمية (5)]ما فيها علقةً،فلا تشمله حكاية إجماع الخلاف

ص:456


1- المسالك 2:245.
2- المعتبر 2:422،الدروس 1:123،التنقيح الرائع 4:51.
3- الخلاف 1:490.
4- الذكرى:13،معالم الفقه:222؛ و انظر روض الجنان:163.
5- أثبتناه من نسخة« ر» و« ح».

المتقدّمة.و هو حسن،إلّا أنّ نجاسة العلقة من الإنسان و نحوه بالإجماع المزبور ثابتة،و هو يستعقب الثبوت فيما في البيضة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

فإذاً أشبهه النجاسة مطلقاً،لكن مع تأمّلٍ ما في ثبوتها لما في البيضة،بناءً على التأمّل في بلوغ عدم القول بالفرق المزبور حدّ الإجماع المركّب الذي هو الحجّة.و الاحتياط واضح سبيله.

و لو وقع قليل دم نجس في قدر و هي تغلي لم يحرم المرق و لا ما فيها من اللحم و التوابل إذا ذهب الدم بالغليان وفاقاً للشيخين و الديلمي (1)،لكنّه كالمفيد لم يقيّد الدم بالقليل.

للخبرين:أحدهما الصحيح:قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم،أ يؤكل؟قال:« نعم،النار تأكل الدم» (2).

و في الثاني:عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم و مرق كثير قال:« يُهراق المرق،أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب،و اللحم اغسله و كله» قلت:فإن قطر فيها الدم؟قال:« الدم تأكله النار» (3).

و من الأصحاب من منع من المائع و أوجب غسل اللحم و التوابل و هو الحلّي (4).

ص:457


1- المفيد في المقنعة:582،الطوسي في النهاية:588،الديلمي في المراسم:210.
2- الكافي 6:1/235،الفقيه 3:1005/216،الوسائل 24:196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 2.
3- الكافي 6:1/422،التهذيب 9:512/119،الوسائل 25:358 أبواب الأشربة المحرمة ب 26 ح 1.
4- السرائر 3:121.

و هو حسن و عليه عامّة المتأخّرين؛ أخذاً بالأصل المعتضد بعملهم،و التفاتاً إلى ضعف الخبرين عن المقاومة له،لذلك،سيّما مع ضعف سند الثاني،و مخالفة ما فيهما من التعليل للإجماع المنعقد على الظاهر على عدم حصول التطهير بالنار إلّا بالاستحالة المفقودة في مفروض المسألة.

و بالجملة الحال فيه كما لو وقع غيره من النجاسة كالخمر و النبيذ المسكر و الفأرة.

و الأصل فيه بعد الأصل المتقدّم السليم عن المعارض بالكليّة الإجماع الظاهر من العبارة و المحكيّ في التحرير و الدروس (1).

و الرواية الثانية الصريحة في المطلوب كالقوية:عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة،قال:« يُهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل» (2).

و صريحها كالرواية الأُولى حجّة على المحكي عن القاضي من أنّه مع كثرة النجاسة لا يؤكل شيء ممّا في القدر،سواء كان مائعا أو غيره (3).

و يضعّفه أيضاً الإجماع المحكيّ المتقدّم،و أنّ ما ليس بمائع يطهر بالغَسل،فلا وجه لتعطيله مع إمكان الانتفاع به.

قيل:و اعلم أنّ التقي وافق الشيخين فيما قالا،إلّا أنّه اطّرد الحكم في النجاسات كلها (4).

ص:458


1- التحرير 2:161،الدروس 3:20.
2- الكافي 6:3/261،التهذيب 9:365/86،الوسائل 24:196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1.
3- المهذب 2:431.
4- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4:53.

و لعلّ وجهه فحوى التعليل المتقدّم في الصحيح.و فيه:أنّ متعلّقه الدم خاصّة،فلا يتعدى به إلى غيره،و لذا إنّ الخبر الثاني الذي بعده مع تضمّنه للتعليل المزبور بعينه قد فرق فيه بين الدم و غيره،فتأمّل.

الثالث كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس

الثالث: كل مائع لاقته نجاسة عينيّة أو عرضيّة فقد نجس إجماعاً فتوًى و دليلاً.و يحرم أكله؛ لما مضى من حرمة الأعيان النجسة مطلقاً الشاملة للمتنجّسات أيضاً،و لذا لم يذكر التحريم هنا اتّكالاً على ما مضى.

و النجاسة العينيّة كثيرة تقدّم ذكرها في كتاب الطهارة،و قد أشار الماتن إلى جملة منها هنا،فقال: كالخمر و في معناه الفقّاع و كلّ مسكر، و العصير العنبي خاصّة،أو مطلقاً على قول فيهما.

و الميتة و الدم من ذي النفس السائلة لا غيره.

و الكافر الحربي و في حكمه المرتدّ و إن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضروريّاته.

و في نجاسة الذمّي روايتان أظهرهما و أشهرهما النجاسة بل عليه إجماع الإمامية،كما في كلام جماعة (1)بحدّ الاستفاضة فصاعداً، تقدّم ذكرها في كتاب الطهارة مفصّلاً.

و قد علم ثمّة أنّ الرواية الثانية الدالّة على الطهارة مع شذوذها، و ندرة القائل بها جدّاً محمولةٌ على التقيّة من العامّة العمياء.

و في رواية ثالثة أنّه إذا اضطرّ إلى مؤاكلته أمره بغسل يده (2).

ص:459


1- منهم:العلّامة في المنتهي 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:163،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:70.
2- الفقيه 3:1016/219،التهذيب 9:373/88،الوسائل 24:209 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 1 و 4.

و هي و إن كانت صحيحة إلّا أنّها متروكة لا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (1)،مع أنّه صرّح قبل ذلك بأسطر قليلة بأنّه لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم،و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء.و أنّ كلّ طعام تولّاه بعض الكفار و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله؛ لأنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه.

و هذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم،فلا بدّ من حمل كلامه الآخر المطابق لمضمون الخبر على خلاف ظاهره؛ إذ من المستبعد جدّاً الرجوع عن الحكم في هذه المسافة القصيرة و إبقاؤه مثبتاً في الكتاب.و لعلّ مراده المؤاكلة التي لا تتعدّى معها النجاسة،كأن يكون الطعام جامداً،أو في أوان متعدّدة،و يكون وجه الأمر بغسل يديه إرادة تنظيفهما من آثار القاذورات التي لا ينفكّ الكافر عنها غالباً،فمؤاكلته على هذه الحالة بدون غسل اليد مظنّة حصول النفرة.

و قد تعرّض الماتن في نكت النهاية للكلام على عبارة النهاية الموافقة لمضمون الرواية،فذكر على جهة السؤال أنّه ما الفائدة في الغسل و اليد لا تطهّر به؟و أجاب بأنّ الكفّار لا يتورّعون عن كثير من النجاسات،فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة،ثم قال:و هذا يحمل على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس،و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينية و إن لم يفد اليد طهارة (2).

و بما ذكرنا ظهر وجه محمل للرواية على وجه يوافق القول بالنجاسة، و فساد ما نسب إلى النهاية من القول بالطهارة.

ص:460


1- النهاية:589.
2- النهاية و نكتها 3:107.

و لو كان ما وقعت فيه النجاسة جامداً يصدق الجمود عليه عرفاً، و ضابطه أن لا ينصبّ من الإناء إذا صبّ اُلقي ما يكتنف النجاسة من أطرافها و حلّ ما عداه إجماعاً في الظاهر؛ للصحاح المستفيضة.

منها:« إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت،فإن كان جامداً فألقها و ما يليها،و كُلْ ما بقي،و إن كان ذائباً فلا تأكله و استصبح به،و الزيت مثل ذلك» (1).

و منها:عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه،فقال:

« إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنّه ربما يكون بعض هذا،فإن كان الشتاء فانزع ما حوله[و كله (2)]،و إن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به،و إن كان [ثَرداً (3)]،فاطرح الذي كان عليه،و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» (4).

و منها:جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل،فقال:« أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله،و أمّا الزيت فيستصبح به»،و قال في بيع ذلك الزيت:« تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به» (5).

و يستفاد منه أنّه لو كان المائع المتنجس دهناً جاز بيعه للاستصباح به مع البيان للحال لمن يشتريه.

ص:461


1- الكافي 6:1/261،التهذيب 9:360/85،الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2.
2- أثبتناه من المصدر.
3- في النسخ:برداً،و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 9:361/86،الوسائل 24:195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.
5- الكافي 6:2/261،التهذيب 9:359/85،الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1؛ بتفاوت.

و في وجوب كونه تحت السماء لا تحت الأظلّة أو جوازه مطلقاً قولان،تقدّم ذكرهما في البيع مع تمام التحقيق في المقام (1)،و أكثر ما يتعلّق به من الأحكام و منه أنّه لا يحلّ ما يقطع من أليات الغنم، و لا يستصبح بما يذاب منها و اعلم:أنّ ما يموت فيه ممّا له نفس سائلة من المائع ينجس و يحرم دون ما لا نفس له كالذباب و نحوه،إجماعاً،فتوًى و روايةً،كما تقدّم في كتاب الطهارة (2).

و اعلم أنّ في العبارة نوع تكرار في الجملة،و حقّها أن يقال:المائع إنّما ينجس بالميتة إذا كانت له نفس سائلة دون ما لا نفس له.و مع هذا كان عليه أن ينبّه على هذا في الدم أيضاً؛ لأنّه كالميتة جدّاً لا ينجس منه المائع إلّا ما كانت له نفس سائلة.

الرابع أبوال ما لا يؤكل لحمه

الرابع: أبوال ما لا يؤكل لحمه شرعاً حرام إجماعاً؛ لنجاستها و استخباثها قطعاً.

و هل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟قيل:نعم إلّا بول الإبل للاستشفاء،كما عن ظاهر الشيخ في النهاية،و صريح ابن حمزة،و اختاره الماتن في الشرائع،و الفاضل فيما حضرني من كتبه كالإرشاد و التحرير و القواعد و المختلف،و الشهيدان في صريح الدروس و ظاهر الروضة (3).

و هو في غاية القوّة إمّا للقطع بالاستخباث كما هو الظاهر،أو احتماله

ص:462


1- راجع ج 8 ص 137.
2- راجع ج 2 ص 70.
3- النهاية:590،ابن حمزة في الوسيلة:364،الشرائع 3:227،الإرشاد 2:111،التحرير 2:161،القواعد 2:158،المختلف:686،الدروس 3:17،الروضة 7:324.

الموجب للتنزّه عنه و لو من باب المقدّمة.

هذا،مضافاً إلى الأولويّة المستفادة ممّا قدّمناه من الأدلّة الدالة على حرمة الفرث و المثانة التي هي مجمع البول بناءً على بُعدهما بالإضافة إلى البول عن القطع بالخباثة،فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث بالإضافة إليهما بطريق أولى.

و يزيد وجه الأولوية فيه من جهة الفرث بظهور النصوص المعتبرة في سهولة الروث من الخيل و البغال و الحمير بالإضافة إلى أبوالها في وجوب التنزّه عنهما،أو استحبابه،حتّى ظنّ جماعة لذلك الفرق بينهما بالطهارة في الروث و النجاسة في البول.و الفرث في معنى الروث قطعاً،و حينئذٍ فتحريم الأضعف يستلزم تحريم الأشدّ بالأولويّة المتقدّمة.

و حيث ثبت الحرمة في أبوال هذه الحمول الثلاثة المأكول لحمها على الأظهر الأشهر بين الطائفة،ثبت الحرمة في أبوال غيرها من كلّ مأكول للحم؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

و التحليل عند الماتن هنا و في كتاب البيع من الشرائع (1) أشبه وفاقاً لجماعة من القدماء،كالإسكافي و المرتضى و الحلّي (2)،مدّعياً الثاني عليه إجماعنا،بل نفى الخلاف عنه بين كلّ من قال بطهارة الأبوال ممّا يؤكل لحمه؛ و هو الحجة للمدّعى،مضافاً إلى أصالة الإباحة المستفادة من عمومات الكتاب و السنة.

و يضعّف الأوّل بمعارضته بما قدّمناه من الأدلّة التي منها الإجماع

ص:463


1- الشرائع 2:9.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:686،المرتضى في الانتصار:201،الحلّي في السرائر 3:125.

المحقّق و المحكيّ على حرمة الروث و المثانة الدالّة على حرمة البول،بما مرّ من الأولويّة التي هي من الدلالة الالتزامية التي لا فرق بينها و بين الدلالة المطابقية الموجودة في إجماع السيّد في الحجّية.و الثاني بلزوم تخصيصه بتلك الأدلّة.

و بالجملة:لا ريب عند الأحقر في الحرمة و لا شبهة،مع أوفقيّتها للاحتياط المطلوب في الشريعة.

و ممّا ذكرناه من الدليل الأوّل للمختار يظهر وجه صحّة القول بتحريم بصاق الإنسان و نخامته و عرقه و بعض فضلات باقي الحيوانات كما هو المشهور.

و ضعفِ احتمال الحلّ فيها و في مفروض مسألتنا من المقدّس الأردبيلي و صاحب الكفاية (1)،حيث قالا به لمنع صدق الخبيث عليها،إذ لم يثبت له حقيقة شرعيّة،و صدق العرفي و اللغوي غير ظاهر،و تنفّر بعض الطباع غير كافٍ،فتبقى أدلّة الحلّ سالمة.

و هو كما ترى؛ لظهور الصدق العرفي بل اللغوي قطعاً،و تنفّر جميع الطباع عنها جدّاً،و هو كافٍ في الحكم بالخباثة في ظاهر كلامهما.

هذا مضافاً إلى ما عرفت من عدم الاحتياج إلى القطع بالخباثة و أنّه يكفي احتمالها؛ لإيجابه لزوم التنزّه عن محتملها من باب المقدّمة.و ليس التكليف باجتنابه تكليفاً مشروطاً بالعلم بخباثته بل هو مطلق،و من شأنه توقّف الامتثال فيه بالتنزّه عن محتملاته.و إن هو حينئذ إلّا كالتكليف باجتناب السمومات و المضرّات،فكلّ ما احتمل السمّ أو الضرر يجب التنزّه عنه قطعاً عقلاً بل و نقلاً،و ما نحن فيه كذلك جدّاً.

ص:464


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:214،الكفاية:252.

الخامس ألبان الحيوان المحرم

الخامس: ألبان الحيوان المحرم كاللبْوَة بكسر اللام و فتحها:

الأُنثى من الأسد و الذئبة و الهرة محرّمة كلحمها.

و يكره لبن ما كان لحمه مكروهاً كالأُتن بضمّ الهمزة و التاء و بسكونها:جمع أتان بالفتح الحمارة.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه في صورة التحريم الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المرسلة المنجبرة بعمل الطائفة:« كلّ شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن،أو بيض،أو إنفحة فكلّ ذلك حلال طيّب» (2).و قد مرّ وجه دلالتها (3).

فلا إشكال في التبعيّة في هذه الصورة،و إن تأمّل فيه المقدّس الأردبيلي رحمه الله و صاحب الكفاية قائلين أنّ الحجّة عليها غير واضحة (4).

و المناقشة فيه بعد ما عرفت ظاهرة؛ لحجّية الإجماع المنقول، و الرواية المنجبرة باتّفاق الطائفة،مع وضوح دلالتها كما مرّ إليه الإشارة.

مع اعتضادهما بأنّ اللبن قبل استحالته إلى صورته كان محرّماً قطعاً، لكونه جزءاً يقيناً،فبحرمة الكلّ يحرم هو أيضاً،إذ لا وجود للكل إلّا بوجود أجزائه،فتحريمه في الحقيقة تحريم لها.

مع أنّه قبل الاستحالة دم،و هو بنفسه حرام إجماعاً.فتأمّل جدّاً.و إذا ثبت التحريم قبل الاستحالة ثبت بعدها،استصحاباً للحرمة السابقة.

هذا مع أنّ اللبن بنفسه جزء أيضاً حقيقةً،فلا يحتاج في إثبات تحريمه إلى الاستصحاب بالمرّة.

ص:465


1- الغنية(الجوامع الفقهية):618.
2- الكافي 6:7/325،الوسائل 25:81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.
3- راجع ص 374.
4- مجمع الفائدة و البرهان 11:215،الكفاية:252.

و من هذا يظهر وجه حكمهم بكراهته ممّا يكره لحمه.

و لا ينافيها النصوص الواردة في شيراز (1)الأُتن،كالصحيح:« هذا شيراز الأُتن اتّخذناه لمريض لنا،فإن أحببت أن تأكل منه فكل» (2).

و الصحيح:عن شرب ألبان الأُتن،فقال:« اشربها» (3)و الخبر:

« لا بأس بها» (4).

فإنّ غايتها الرخصة في الشرب و نفي البأس عنه الواردان في مقام توهّم الحظر،و لا يفيدان سوى الإباحة بالمعنى الأعمّ الشامل للكراهة.

فتأمّل الفاضلين المتقدّم إليهما الإشارة في التبعية في هذه الصورة أيضاً لا وجه له،سيّما و أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليلها بما لا يتسامح به في غيرها،فيكتفى فيها بفتوى فقيه واحد،فما ظنّك باتّفاق فتاوي الفقهاء الذي كاد أن يكون إجماعاً.

و بالجملة:لا إشكال في المسألة بشقّيها أصلاً.و الحمد للّه تعالى.

القسم السادس في اللواحق

اشارة

القسم السادس:في اللواحق و هي سبع مسائل.

الأُولى شعر الخنزير نجس

الاُولى: شعر الخنزير نجس مطلقاً سواء أُخذ من حيّ أو ميّت

ص:466


1- الشيراز:اللبن الرائب المستخرج ماؤه.القاموس 2:185.
2- الكافي 6:1/338،التهذيب 9:438/101،المحاسن:594/494،الوسائل 25:115 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 1.
3- الكافي 6:3/339،التهذيب 9:439/101،المحاسن:591/494،الوسائل 25:116 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 3.
4- الكافي 6:4/339،التهذيب 9:440/101،المحاسن:592/494،الوسائل 25:116 أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 4.

على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من المرتضى،فقال بطهارة كلّ ما لا تحلّه الحياة من الحيوان مطلقاً (1).و هو ضعيف جدّاً كما في كتاب الطهارة قد مضى.

و على قوله يجوز استعماله مطلقاً و لو من دون ضرورة،و في جوازه كذلك على المختار خلاف،و المشهور عدم جواز استعماله من غير ضرورة.

فإن اضطرّ استعمل ما لا دسم فيه و غسل يده و ذهب إليه الشيخ في النهاية،و القاضي و الحلّي و الفاضلان و الشهيدان و غيرهما من المتأخّرين (2).و ادّعى الثالث تواتر الأخبار بتحريم استعماله؛ و هي الحجّة المنجبرة بالشهرة العظيمة.

مضافاً إلى الخبرين المانعين عن استعماله في الجملة،و في أحدهما:

إنّا نعمل شعر الخنزير،فربما نسي الرجل فصلّى و في يده شيء منه،فقال:

« لا ينبغي له أن يصلّي و في يده شيء منه» و قال:« خذوه فاغسلوه،فما له دسم فلا تعملوا به،و ما لم يكن له دسم فاعملوا به،و اغسلوا أيديكم منه» (3).

و في الثاني:عن شعر الخنزير يعمل به،قال:« خذ منه فاغسله بالماء

ص:467


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):182.
2- النهاية:587،القاضي في المهذب 2:443،الحلّي في السرائر 3:114،المحقق في الشرائع 3:227،العلّامة في القواعد 2:159،الشهيد الأول في الدروس 3:15،الشهيد الثاني في الروضة 7:340؛ و انظر كشف اللثام 2:271.
3- الفقيه 3:1019/220،التهذيب 9:356/85،الوسائل 24:237 أبواب الأطعمة المحرمة ب 65 ح 2.

حتى يذهب ثلث الماء و يبقى ثلثاه،ثم اجعله في فخارة ليلة باردة،فإن جمد فلا تعمل به،و إن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به و اغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» (1).

و حيث ثبت منهما المنع في الجملة ثبت المنع مطلقاً إلّا عند الضرورة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة،إذ كلّ من قال بالمنع عن استعماله قال به كذلك إلّا في الضرورة،و كلّ من قال بجوازه قال به مطلقاً من دون استثناء صورة أصلاً،إمّا بناءً على عدم نجاسته كما عليه المرتضى، أو بناءً على عدم دليل على المنع عن الاستعمال أصلاً كما عليه الفاضل في المختلف (2).

و القول بالمنع في صورة الدسم خاصّةً كما هي مورد الخبرين، و الجواز في غيرها مطلقاً و لو اختياراً لم يوجد به قائل أصلاً.

و صورة الجواز في الخبرين و إن كانت مطلقةً تعمّ حالتي الاختيار و الاضطرار،إلّا أنّها مقيّدة بالحالة الثانية،للإجماع المزبور جدّاً.

و قصورهما بالجهالة مجبور بالشهرة،مع زيادة الانجبار في الأوّل بكون الراوي فيه عن موجبها عبد اللّه بن المغيرة الذي قد حكي على تصحيح ما يصحّ عنه إجماع العصابة (3).

و يعضد الحكم في المسألة ما استدلّ به له جماعة (4)من إطلاق تحريم الخنزير الشامل لموضع النزاع.و الشمول و إن كان محلّ مناقشة بناء

ص:468


1- التهذيب 6:1130/382،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.
2- المختلف:684.
3- رجال الكشي 2:830.
4- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 4:55،و الشهيد الثاني في المسالك 2:247،و الروضة البهية 7:340.

على تبادر الأكل منه خاصّةً،و لذا لم نجعله حجّة،سيّما مع تقييد المحرّم منه في الآية باللحم خاصّةً،إلّا أنّه صالح للتأييد و التقوية.مع احتمال أخذه حجّةً بجعل الشهرة مع الأقربيّة إلى الحقيقة في الحقيقة قرينةً على إرادة مطلق الانتفاعات و لو لم يكن متبادراً في العرف و العادة ينصرف إليه اللفظ عند التجرّد عن القرينة.هذا.

و لو لم يصلح كلّ واحد ممّا ذكرنا حجّة فلا ريب في حصول الحجّة من مجموعها،فلا شبهة في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يجوز الاستقاء بجلود الميتة مطلقاً لما لا يشترط فيه الطهارة عند الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد تبعاً للنهاية (1).و الأظهر خلافه كما في بحث حرمة الميتة قد مرّ إليه الإشارة،مع بيان ضعف دليل المخالف (2).

و ظاهر الدروس التوقّف في ذلك (3).و وجهه غير واضح.

و أمّا أنّه لا يصلّى بمائها إن كان قليلاً فإجماع و وجهه واضح.

الثانية إذا وجد لحم فاشتبه القي في النار فإن انقبض فهو ذكيّ و إن انبسط فهو ميتة

الثانية: إذا وجد لحم فاشتبه أنّه مذكّى أم ميتة فمقتضى الأُصول الحرمة إلّا أن يعلم المذكّى بعينه.

إلّا أنّ المشهور أنّه اُلقي في النار فإن انقبض و تقلّص فهو ذكيّ، و إن انبسط فهو ميتة بل عن الشهيد في النكت أنّه قال:لا أعلم أحداً خالف فيه،إلّا أنّ المحقّق في الشرائع و الإمام المصنف أورداها بلفظ قيل

ص:469


1- الشرائع 3:227،الإرشاد 2:113،النهاية:587.
2- راجع ص 409.
3- الدروس 3:13.

مشعراً بالضعف (1).و في الدروس يكاد أن يكون إجماعاً (2).و نفى عنه البعد في المسالك،قال:و يؤيّده موافقة ابن إدريس عليه،فإنّه لا يعتمد على أخبار الآحاد،فلولا فهمه الإجماع لما ذهب إليه (3)،مع أنّه حكي عن بعض الأصحاب صريحاً (4)،و ادّعاه في الغنية (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالجهالة بالشهرة، و رواية ابن أبي نصر عن موجبها،و هو ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحماً لم يدر أذكي هو أم ميّت،قال:« فاطرحه على النار،فكلّ ما انقبض فهو ذكيّ،و كلّ ما انبسط فهو ميّت» (6).

خلافاً للفاضل في الإرشاد و القواعد،و ولده في شرحه و المقداد في التنقيح،و الصيمري في شرح الشرائع (7)حاكياً له أيضاً عمن مرّ و أبي العباس،فاختاروا الحرمة،و صرّح بها أيضاً في الروضة (8)؛ عملاً بالقاعدة من أصالة الحرمة،و عدم الحكم بالتذكية إلّا مع معلوميّتها،كما مرّ في كتاب الصيد إليه الإشارة.

ص:470


1- غاية المراد 3:544،و انظر الشرائع 3:227،و الإرشاد 2:113.
2- الدروس 3:14.
3- المسالك 2:247،و انظر السرائر 3:96.
4- حكاه عنه السبزواري في الكفاية:252.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):619.
6- الكافي 6:1/261،التهذيب 9:200/48،الوسائل 24:188 أبواب الأطعمة المحرمة ب 37 ح 1.
7- الإرشاد 2:113،القواعد 2:159،إيضاح الفوائد 4:161،التنقيح 4:57،غاية المرام 4:69.
8- الروضة 7:337.

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الأدلّة.

و العجب من الشهيد عليه الرحمة في دعواه عدم معرفته الخلاف مع صدوره صريحاً عن العلّامة و ولده في كتبهما المعروفة المشهورة المتداولة:

قال في الدروس تفريعاً على الرواية-:و يمكن اعتبار المختلط بذلك،إلّا أنّ الأصحاب و الأخبار أهملت ذلك (1).

و استضعف هذا الاحتمال في المسالك و الروضة بأنّ المختلط يعلم أنّ فيه ميتاً يقيناً مع كونه محصوراً،فاجتناب الجميع متعيّن،بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكّى،فلا يصحّ حمله عليه مع وجود الفارق (2).

و فيه نظر؛ لظهور الخبر في تلازم علامتي الحلّ و الحرمة للمذكّى و الميتة من دون أن يكون لخصوص مورد السؤال فيه في ذلك مدخليّة، فلا شبهة فيما ذكره،لكن يأتي عليه ما قرّره.

ثمّ على المختار لو كان اللحم قطعاً متعدّدة فلا بدّ من اعتبار كلّ قطعة على حدة؛ لإمكان كونه من حيوانات متعدّدة.

و لو فرض العلم بكونه متّحداً جاز اختلاف حكمه بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية.

و لا فرق على القولين بين وجود محلّ التذكية و رؤيته مذبوحاً أو منحوراً و عدمه؛ لأنّ النحر و الذبح بمجردهما لا يستلزمان الحلّ،لجواز تخلّف بعض الشروط.

و كذا لو وجد الحيوان غير مذبوح و لا منحور لكنّه مضروب بالحديد

ص:471


1- الدروس 3:14.
2- المسالك 2:242،الروضة 7:337.

في بعض جسده؛ لجواز كونه استعصى فذكّي كيف اتّفق حيث يجوز في حقّه ذلك.و بالجملة فالشرط إمكان كونه مذكّى على وجه يبيح لحمه.

و اعلم أنّ مفروض المسألة و موردها إنّما هو وجدان اللحم المشتبه ذكاته في موضع لم يحكم بها شرعاً.و لو وجد في موضع يحكم بها فيه كسوق الإسلام و نحوه فلا أثر للاشتباه فيه جدّاً،بل يحكم بكونه مذكّى إجماعاً،فلا يحتاج إلى استعمال الأمارة أصلاً،بل لو استعملت و ظهرت أمارة الحرمة أمكن القول بالإباحة،لكن على إشكال فيه يظهر من ملاحظة الرواية بالتقريب المتقدّم إليه الإشارة.

و على هذه الصورة يحمل المعتبرة من الصحيح و الموثّق و غيرهما (1)، الدالّة على أنّ كلّ شيء يكون فيه حلال و حرام،فهو حلال أبداً حتّى يعرف الحرام بعينه.

و القويّ:« إنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة،كثير لحمها،و خبزها،و جبنها،و بيضها،و فيها سكّين، فقال عليه السلام:يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل،لأنّه يفسد و ليس له بقاء،فإنّ جاء لها طالب غرموا له الثمن،قيل:يا أمير المؤمنين،لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي،قال:هم في سعة حتّى يعلموا» (2).

و إنّما خصّت هذه النصوص بها مع أنّها عامّة لها و لغيرها؛ توفيقاً بينها و بين القواعد المتقدّمة المعتضدة بفتاوي الأصحاب كافّةً،و الرواية المتقدّمة الصريحة في عدم الحلّ بمجرد الاشتباه،و احتياجه إلى معرفة المذكّى من الميتة،و نحوها النصوص الآتية الصريحة في حرمة المذكّى المشتبه بالميتة،

ص:472


1- انظر الوسائل 17:87 أبواب ما يكتسب به ب 4.
2- الكافي 6:2/297،الوسائل 25:468 أبواب اللقطة ب 23 ح 1.

و إلّا لما أُمر ببيع اللحم المختلط بها ممن يستحلّها.

هذا مع أنّ الرواية الأخيرة ظاهرة الاختصاص فيما حملت عليه من الصورة،بناءً على وقوع السؤال و الجواب فيها في بلاد الإسلام،و هي كما عرفت ممّا لا يتعلّق بما يوجد فيه من اللحم و نحوه اشتباه بلا كلام.

و لو اختلط الذكيّ من اللحم و شبهه بالميتة و لا سبيل إلى تمييزه و كانا محصورين يمكن التنزّه عنهما من دون حرج اجتنبا معاً وجوباً؛ لوجوب اجتناب الميتة،و لم يتمّ إلّا به،فيجب و لو من باب المقدمة.مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلّا من المقدس الأردبيلي و صاحب الكفاية (1)،فمالا إلى الإباحة استناداً إلى الأُصول،و ما مرّ إليه الإشارة من النصوص الظاهرة فيها.

و قد عرفت الجواب عنها،مع احتمالها الحمل على الشبهة الغير المحصورة التي لا خلاف في أنّ الحكم فيها الإباحة،لاستلزام الحرمة فيها العسر و الحرج المنفيّين في الشريعة.

و ربما يعضده الصحيح:عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم،أ نأكله؟فقال:« أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله،و أمّا ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنّه حرام» (2)فتدبّر.

و بالجملة:لا ريب في ضعف ما ذكراه و لا شبهة،سيّما فيما إذا كان الاختلاط بعنوان المزج لا اشتباه الأفراد،فإنّ الحكم بالإباحة في مثله يستلزم الحكم بإباحة المحرّم القطعي و تناوله أوّل مرّة،و هو ممّا يقطع

ص:473


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:271،272،الكفاية:253.
2- التهذيب 9:336/79،مستطرفات السرائر:4/78،الوسائل 24:235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 1.

بفساده من دون ريبة.

و اعلم أنّ ما في رواية الحلبي بل روايتيه (1)الصحيحتين من أنّه يباع المشتبه المذكور ممّن يستحلّ الميتة على ردّهما ظاهر الدلالة كما مرّ إليه الإشارة؛ إذ لو حلّ لما كان لإيجاب البيع فائدة.

و بمضمونهما من جواز البيع على مستحلّيها أفتى الشيخ في النهاية و ابن حمزة (2).و منعه الحلّي و القاضي (3)؛ نظراً إلى إطلاق النصوص بتحريم الميتة و تحريم ثمنها.

و اعتذر الفاضل (4)عن الجواز تارة بأنّه ليس ببيع حقيقة و إنّما استنقاذ مال الكافر برضاه،و أُخرى بصرف البيع إلى المذكّى خاصّة،فينبغي أن يقصده ببيعه.و استحسن الأخير في الشرائع مفتياً به (5).

و ضعّفهما الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (6)،فالأوّل بأنّ من مستحلّه من الكفّار من لا يحلّ ماله كالذمّي.و الثاني بجهالة المبيع على تقديره،مع عدم إمكان تسليمه متميّزاً.

و يضعّف هذا زيادةً على ما ذكراه بأنّ البائع قد يأخذ أكثر من ثمن المذكّى،فإنّه يبيع الاثنين ظاهراً و يبذل المشتري الثمن بإزائهما معاً،و أنّه

ص:474


1- الاُولى في:الكافي 6:2/260،التهذيب 9:199/48،الوسائل 24:187 أبواب الأطعمة المحرمة ب 36 ح 1.الثانية في:الكافي 6:1/260،التهذيب 9:198/47،الوسائل 24:187 أبواب الأطعمة المحرمة ب 36 ح 2.
2- النهاية:586،ابن حمزة في الوسيلة:362.
3- الحلّي في السرائر 3:113،القاضي في المهذب 2:442.
4- المختلف:683.
5- الشرائع 3:223.
6- الدورس 3:13،المسالك 2:242،الروضة 7:308.

يقصد بيع الواحد و المشتري أكثر فيختلف المبيع زيادةً و نقصاناً،و أنّه لو كان مع ذلك القصد يصحّ البيع من المستحلّ لصحّ من غيره أيضاً.فتأمّل جدّاً.

هذا و ربما يتوهّم فيما ذكراه من الوجه في تضعيف الاعتذار الأوّل بأنّ احترام ماله لا يمنع من استنقاذ ماله برضاه،و يدفع بأنّ رضاه إنّما يحصل بوجه خاصّ في ضمن البيع الفاسد،فلا يؤثّر في إباحة ماله المحرّم على غيره،فتأمّل.

و بالجملة:لا ريب في ضعفه كالاعتذار الثاني.

و حينئذٍ فإمّا أن يعمل بالرواية؛ لصحّتها من غير تعليل،أو يحكم بالبطلان مطلقاً.و لعلّه الأقوى؛ لمخالفة الرواية و إنّ صحّ سندها للقاعدة المتقدّمة المجمع عليها من أصلها،المعتضدة بالشهرة هنا حتى من الفاضلين المتقدّم ذكرهما و نحوهما،لاعتذارهما عن الرواية بما يعرب عن عدم إعراضهما عن تلك القاعدة،و صرفهما الحمل في الاعتذار الثاني بالتقييد إلى الرواية دون القاعدة.

و لما دلّ على أنّ الإعانة على الإثم محرّمة من الكتاب و السنة،بناءً على مذهبنا من أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع،و قد أثبتنا ذلك في رسالة مفردة.

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة التوقّف في المسألة.و لا يخلو عن وجه،مع أنّه أحوط في الفتوى بلا شبهة.

الثالثة لا يأكل الإنسان من مال غيره إلّا بإذنه

الثالثة: لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره ممّن يحترم ماله و إن كان كافراً إلّا بإذنه إجماعاً بالكتاب و السنة المستفيضة،بل المتواترة.

ص:475

قال سبحانه لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [1] (1).و في الحديث:« المسلم على المسلم حرام ماله و دمه و عرضه» (2).

و في آخر:« لا يحلّ ماله إلّا عن طيب نفس منه» (3).

و قد رخّص مع عدم العلم ب الإذن في الأكل من بيوت مَن تضمّنته الآية في سورة النور،و هي قوله سبحانه وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ [2] (4).فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم و غيبتهم إذا لم يحمل و لم يفسد و لم يعلم الكراهة منهم بل قيل:و لو بالقرائن الحالية بحيث تثمر الظن الغالب بالكراهة،فإنّ ذلك كافٍ في هذا و نظائره،و يطلق عليه العلم كثيراً (5).

و لا ريب أنّ ما ذكره من كفاية المظنّة بالكراهة أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر بعد إطلاق الكتاب و السنة المستفيضة بجواز الأكل من غير إذن، الشامل لصورة الظنّ بعدمه،بل لصورة العلم بعدمه أيضاً،إلّا أنّها خارجة بالإجماع ظاهراً،و ليس على إخراج الصورة الأُولى منعقداً،لتعبير كثير

ص:476


1- النساء:29.
2- مسند أحمد 3:491.
3- عوالي اللئلئ 3:16/424.
4- النور:61.
5- قال به الشهيد الثاني في الروضة 7:341.

كالحلّي و غيره (1)عن الشرط،بشرط أن لا ينهاه المالك.

و كيف كان،لا فرق في ظاهر إطلاق العبارة و نحوها من عبائر جماعة (2)و صريح آخرين (3)و ربما نسب إلى الشهرة (4):بين ما يخشى فساده في هذه البيوت و غيره،و لا بين دخوله بإذنه و عدمه؛ عملاً بإطلاق الآية و الأخبار.

خلافاً لشاذٍّ غير معروف في الأوّل،فقيّد الجواز بما يخشى فساده (5).و مستنده غير واضح،مع أنّ النصوص صريحة في ردّه، كالصحيح المرويّ عن المحاسن و فيه:عمّا يحلّ للرجل من بيت أخيه من الطعام؟قال:« المأدوم و التمر» (6)الخبر.

و الخبر:« هؤلاء الذين سمّى اللّه تعالى في هذه الآية،تأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم» إلى أن قال:« و أمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» (7)و لا ريب أنّ التمر ممّا لا يخشى فساده.

ص:477


1- الحلّي في السرائر 3:124،الجامع للشرائع:392،و انظر التنقيح الرائع 4:60.
2- منهم:يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:392،و العلّامة في القواعد 2:159،و الإرشاد 2:13،و الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 7):341.
3- كالشهيد الأول في الدروس 3:20،و الشهيد الثاني في الروضة 7:342،و المسالك 2:248 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:272،و السبزواري في كفاية الأحكام:253.
4- غاية المرام 4:71.
5- انظر المقنع:125.
6- المحاسن:173/416،الوسائل 24:282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 6.
7- الكافي 6:2/277،التهذيب 9:413/95،الوسائل 24:281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 2.

و قريب منهما الرضوي:« و لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه و أخيه و أُمّه و أُخته و صديقه،ما لا يخشى (1)عليه الفساد من يومه بغير إذنه، مثل البقول و الفاكهة و أشباه ذلك» (2)فتأمّل.

و للحلّي (3)في الثاني،فقيّد الدخول بالإذن و حرّم الأكل مع الدخول بدونه.

و مال إليه الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد حكاية طعن العلّامة عليه بمخالفة ما ذكره الإطلاق-:و فيه نظر؛ لأنّ لابن إدريس أن يقول:

الأكل في البيت يستلزم الدخول فيه،و اللازم منهيّ عنه إجماعاً إلّا بالإذن، فكذا الملزوم و هو الأكل.و أمّا مع إذن الدخول فلا ينهض الدليل؛ لأنّ اللازم و هو الدخول ليس بمنهيّ عنه فلا يكون الأكل منهيّاً عنه.و أيضاً:

الأصل تحريم أكل مال الغير بغير إذنه،خرج ما خرج و بقي الباقي على أصله و هو التحريم و أيضاً:إذن الدخول قرينة دالّة على إذن الأكل،و حيث لا إذن فلا قرينة لإذن الأكل فيحرم بالأصل (4).انتهى.

و فيه نظر،فإنّ النهي عن الدخول بغير إذن على تقدير تسليمه هنا لا يستلزم النهي عن الأكل بعد حصوله،و التلازم بين النهيين غير ثابت.

و ما ذكره من أنّ الأصل تحريم مال الغير..مسلّم إلّا أنّ المخصّص له في المسألة من إطلاقات الكتاب و السنة موجود،و التمسّك بالأصل معها

ص:478


1- كذا في النسخ،و في فقه الرضا عليه السلام الطبع القديم:34،و لكن في فقه الرضا عليه السلام الطبع الجديد:ما يخشى.
2- فقه الرضا عليه السلام:255،مستدرك الوسائل 16:242 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1.
3- السرائر 3:124.
4- التنقيح الرائع 4:60.

غير معقول.

و ما ذكره من أنّ إذن الدخول قرينةٌ..،فيه أوّلاً:عدم وضوح كونه قرينة،بل لا تلازم بين الإذنين قطعاً.

و ثانياً:على تقدير تسليمه نقول:إنّ عدم الإذن الأوّل لا يستلزم عدم [إذن] الثاني،و لو استلزم فلا ضير أيضاً بعد الاتّفاق حتّى منه على أنّ مبنى المسألة جواز الأكل من بيوت هؤلاء من دون إذن و لا رخصة،فأيّ ضرر في عدمه.و إن هذا منه إلّا إرجاع المسألة المستثناة من مسألة النهي عن أكل مال الغير إلّا بإذنه إليها،و حينئذٍ لا يترتّب على استثنائها منها فائدة أصلاً، و هو مخالف للاتّفاق دليلاً و فتوى جدّاً.

و اعلم أنّه لا يتعدّى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده.و لا إلى تناول غير المأكول؛ لذلك،مضافاً إلى الخبر المتقدّم المتضمّن لقوله عليه السلام:« و أمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» فتدبّر.

نعم،لو دلّ عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه و الوضوء به،أو دلّ عليه بالالتزام كالكون بها حالته أمكن التعدية،كما صرّح به في الروضة و الكفاية (1).

و هو يجوز دخول البيوت لغير الأكل أو الكون بها بعده و قبله؟نظر من تحريم التصرّف في مال الغير إلّا ما استثني،و ليس منه هذا،و من دلالة القرائن على تجويز ذلك من المنافع التي لا يذهب بها من المال شيء حيث جاز إتلافه بما ذكر.و لعلّ هذا أظهر.

ص:479


1- الروضة 7:342،الكفاية:253.

و المراد ب بُيُوتِكُمْ [1] ما يملكه الآكل؛ لأنّه حقيقة فيه.قيل (1):

و يمكن أن يكون النكتة فيه مع ظهور إباحته الإشارة إلى مساواة ما ذكر له في الإباحة،و التنبيه على أنّ الأقارب المذكورين و الصديق ينبغي جعلهم كالنفس في أن يحبّ لهم ما يحبّ لها،و يكره لهم ما يكره لها كما جعل بيوتهم كبيته.

قيل:و هو بيت الأزواج و العيال (2).و قيل:بيت الأولاد (3)؛ لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى منهم بالمودّة و الموافقة،و لأنّ ولد الرجل بعضه،و حكمه حكم نفسه و هو و ماله لأبيه،فجاز نسبة بيته إليه،و في الحديث:« إنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه،و أنّ ولده من كسبه» (4).

و هذا القول حسن بالإضافة إلى إلحاق الأولاد بالأقارب في الحكم، لا بالإضافة إلى دعوى دخولهم في بيوتكم.

و يظهر من وجه إلحاقهم بهم من الأولويّة وجه صحّة إلحاق الأجداد و الجدّات بهم؛ لأنّهم أدخل في القرب من الأعمام و الأخوال.

و ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ [2] قيل:هو العبد (5)و قيل:من له عليه ولاية (6).

و قيل:ما يجده الإنسان في داره و لا يعلم به.

و في المرسل كالصحيح:« إنّه الرجل له وكيل يقوم في ماله،و يأكل

ص:480


1- الروضة البهية 7:343.
2- مجمع البيان 4:156.
3- تفسير الصافي 3:448.
4- مستدرك الوسائل 13:9 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 12.
5- التبيان 7:463،مجمع البيان 4:156.
6- مسالك الأفهام 2:247.

بغير إذنه» (1).

و قريب منه المرفوع المرويّ عن تفسير علي بن إبراهيم:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخى بين أصحابه،فكان بعد ذلك إذا بعث أحداً من أصحابه في غزاة أو سريّة يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، و يقول:خذ ما شئت،و كل ما شئت،و كانوا يمتنعون عن ذلك حتّى ربما فسد الطعام في البيت،فأنزل اللّه تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً [1] يعني:حضر أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه (2).

و العمل بهما حسن،إلّا أنّ حصر هذا الفرد فيما تضمّناه مشكل،بل ينبغي الرجوع فيه إلى العرف،كما أنّه ينبغي الرجوع في صديقكم إليه، لعدم تحديده شرعاً.

و في الصحيح:ما يعني بقوله أَوْ صَدِيقِكُمْ [2] ؟قال:« هو و اللّه الرجل يدخل بيت صديقه،فيأكل بغير إذنه» (3).

و اعلم أنّ المتبادر من الأقارب المذكورين كونهم كذلك بالنسب، و في إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع إشكال:من أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب و مساواته له في كثير من الأحكام،و من كون المتبادر النسبيّ منهم.و الاحتياط التمسّك بأصالة الحرمة في موضع الشك،بل لعلّه لازم.

و كذا رخّص مع عدم الإذن في أكل ما يمرّ به الإنسان اتّفاقاً من ثمرة النخل.و في ثمرة الزرع و الشجر تردّد ينشأ ممّا مرّ في كتاب

ص:481


1- الكافي 6:5/277،التهذيب 9:416/96،المحاسن:177/416،الوسائل 24:282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 5.
2- تفسير القمي 2:109،الوسائل 24:283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 8.
3- الكافي 6:1/277،التهذيب 9:414/95،المحاسن:172/416،الوسائل 24:280 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 1.

التجارة في فصل بيع الثمار،و قد استوفينا ثمّة الكلام في المقام (1)، و في أنّه يشترط في الإباحة إن قلنا بها شرائط منها:أن لا يقصد المرور إلى الثمرة،و لا يتعمّده و أن لا يحمل و غير ذلك.

الرابعة من شرب خمراً أو شيئاً نجساً فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيّراً بالنجاسة

الرابعة: من شرب خمراً أو شيئاً نجساً فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيّراً بالنجاسة بلا خلاف أجده،و لم يحكه أحد من الجماعة؛ لأصالة الطهارة،خرج منها صورة التغيّر بالإجماع و إطلاقات الأدلّة بلزوم الاجتناب عن تلك العين النجسة.

و إنّما لم ينجس البصاق بالملاقاة مع كونه مائعاً؛ لعدم الدليل على التنجس بها مطلقاً،بل لا دليل على نجاسة كلّ مائع بها كلّياً إلّا الإجماع، و هو مختصّ بالمائعات الظاهرة لا الباطنة.بل صرّحوا بعدم نجاستها مطلقاً.

هذا مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصوره بالجهالة بعمل الطائفة، و رواية صفوان بن يحيى عن موجبها،و هو ممّن اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و فيه:رجل يشرب الخمر فبزق،فأصاب ثوبي من بزاقه،قال:« ليس بشيء» (2).

و الدلالة على الحكم في المسألة مبنيّة على ما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة كما تقدّم تحقيقه في كتاب الطهارة من نجاسة الخمر،و وجه التعدية إلى ما عداها في المسألة عدم القول بالفرق بين الطائفة.

الخامسة إذا باع ذمّي خمراً ثم أسلم فله قبض ثمنه

الخامسة: إذا باع ذمّي خمراً من غير مسلم بالعقد دون المعاطاة إلّا مع إتلاف المشتري عينها ثم أسلم البائع فله قبض ثمنه من المشتري؛ لثبوته في ذمّته قبل إسلامه فيستصحب.و لا يقدح كون أصله

ص:482


1- راجع ج 9 ص 46.
2- التهذيب 9:498/115،الوسائل 25:377 أبواب الأشربة المحرمة ب 35 ح 1.

محرّماً على المسلم مطلقاً؛ لأنّه قد استقرّ على وجه محلّل في وقت يقرّ عليه،كما لو كان قد قبضه ثم أسلم.

و ربما يستأنس للحكم هنا بما ورد في كتاب المهور من الخبر:

النصرانيّ يتزوّج النصرانية على ثلاثين دنّاً من خمر و ثلاثين خنزيراً،ثمّ أسلما بعد ذلك،و لم يكن دخل بها،قال:« ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنزير،فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها» (1)فتدبّر.

السادسة الخمر تحلّ إذا انقلبت خلّاً

السادسة: الخمر تحلّ إذا انقلبت خلّاً بلا خلاف بين الفقهاء،إذا كان الانقلاب نفسيّاً كما في التنقيح (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فحاوي النصوص الآتية،و أنّ الأحكام للأسماء تابعة حلّاً و حرمةً و طهارةً و نجاسةً، بلا خلاف بين الأصحاب كافّةً،للأُصول الممهّدة المعتضدة بظاهر بعض المعتبرة.

كالموثق كالصحيح بل يقال صحيح-:في الرجل باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً فجعله صاحبه خلّاً،فقال:« إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» (3).

و صريحة كالقاعدة حلّها بالانقلاب مطلقاً و لو كان بعلاج كان المعالج به عيناً باقيةً أم غيرها،و هو المشهور بين أصحابنا،و المعتبرة بذلك زيادة على ما مرّ مستفيضة جدّاً عموماً و خصوصاً.

فمن الأوّل:الصحيح:يكون لي على الرجل الدراهم،فيعطيني بها

ص:483


1- الكافي 5:9/437،الفقيه 3:1383/291،التهذيب 7:1448/356،الوسائل 21:243 أبواب المهور ب 3 ح 2.
2- التنقيح الرائع 4:61.
3- التهذيب 9:507/117،الإستبصار 4:357/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 5.

خمراً،فقال:« خذها ثمّ أفسدها» قال عليّ:و اجعلها خلّاً (1).

و الموثقان لابن بكير،المجمع على تصحيح رواياته و رواية الراوي عنه فيهما،و هو ابن أبي عمير عن جميل في أحدهما:عن الخمر[العتيقة ]تجعل خلّاً،قال:« لا بأس» (2).

و فضالة بن أيوب في الثاني:عن الرجل يأخذ الخمر و يجعلها خلّاً، قال:« لا بأس» (3).

و هما قريبان من الصحيح من وجهين بل وجوه،بل عُدّ ابن بكير ثقة،فيكونان من الصحيح.

و من الثاني:الصحيح على الصحيح:في العصير يصير خمراً،فيصبّ عليه الخلّ و شيء يغيّره حتّى يصير خلّاً،قال:« لا بأس به» (4).

و الموثق كالصحيح بفضالة عن ابن بكير،و فيه:عن الخمر يجعل خلّاً،قال:« لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» (5)بالغين المعجمة كما في الكافي،و في التهذيبين بالقاف،و هو مرجوح بالنسبة إلى الأوّل،لأضبطيّته.

و قريب منه الخبر:عن الخمر يصنع فيها الشيء حتّى تحمض،

ص:484


1- التهذيب 9:508/118،الإستبصار 4:358/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 6.
2- الكافي 6:2/428،التهذيب 9:504/117،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 1،و ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الكافي 6:3/428،التهذيب 9:505/117،الإستبصار 4:356/93،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3.
4- التهذيب 9:509/118،الإستبصار 4:359/93،الوسائل 25:372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.
5- الكافي 6:4/428،التهذيب 9:506/117،الإستبصار 4:361/94،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 4.

فقال:« إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس» (1).

بناءً على قوّة احتمال كون المراد أنّه إذا كان الخمر غالباً على ما جعل فيها و لم يصر مستهلكاً لا يعلم انقلابه فلا بأس،لا ما عقله منه الشيخ رحمه الله من أغلبية الموضوع فيها عليها فنسبها إلى الشذوذ (2).

و بظهور ما ذكرناه من الخبر صرّح الخال العلّامة المجلسي طاب ثراه في حاشيته المنسوبة إليه على الرواية (3).

و أصرح من الجميع ما رواه الحلّي في آخر السرائر نقلاً عن جامع البزنطي،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحوّل خلّاً،قال:« لا بأس بمعالجتها» (4)الخبر.

فلا وجه لتوقّف شيخنا الشهيد الثاني (5)في العلاج بالأجسام، و تعليله بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بها و الطهر بها كذلك،و إنّما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإسناد.

و ذلك لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح و الموثّق القريب منه،مع أنّ العموم و المفهوم حجّة،و الأسانيد بنفسها معتبرة،مع أنّ فيها الصحيح بلا خلاف كما عرفت،و مع ذلك الجميع بالشهرة المحقّقة و المحكيّة في كلامه و غيره منجبرة و معتضدة.

ص:485


1- الكافي 6:1/428،التهذيب 9:511/119،الوسائل 25:370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 2.
2- التهذيب 9:119.
3- انظر ملاذ الأخيار 14:369.
4- مستطرفات السرائر:31/60،الوسائل 25:372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 11.
5- المسالك 2:248.

و لا لاشتراط ذهاب العين المعالج به قبل أن يصير خلّاً؛ لأنّه ينجس و لا مطهّر له،كما قيل.

لأنّ هذا الكلام لا يجري على القول بطهارة الخمر.و على القول بالنجاسة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة يمكن اغتفار ذلك كالآتية، نظراً إلى عموم الأدلّة المتقدّمة المعتضدة مع حجّيتها في نفسها جملةً بالشهرة العظيمة.

نعم،يكره العلاج مطلقاً،لا للخبر و إن استدلّ به لها جماعة (1)-:عن الخمر يجعل فيها الخلّ،قال:« لا،إلّا ما جاء من قبل نفسه» (2).

لعدم وضوح ما فهموه منه،و احتمال كون المراد به أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة،بل لا بدّ أن يترك حتّى ينقلب ذلك الخمر خلّاً بنفسه،ردّاً على أبي حنيفة القائل بذلك (3).

و المشهور بين المتأخّرين كما في الكفاية (4)وفاقاً للحلّي (5)أنّه لا تحلّ الخمر لو القي فيها خلّ كثير حتّى استهلكها و لو مضى مدّة ينقلب الخمر فيها خلّاً؛ نظراً إلى أنّ الخمر تحلّ بالانقلاب لا ما ينجس بها.

و هو قويّ جدّاً،لا للتعليل المتقدّم،لانتقاضه بصورة عدم الاستهلاك

ص:486


1- منهم:الحلّي في السرائر 3:133،و الشهيد الثاني في الروضة 7:347،و المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:291.
2- التهذيب 9:510/118،الإستبصار 4:360/93،الوسائل 25:371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.
3- انظر المغني لابن قدامة 10:338.
4- الكفاية:253.
5- السرائر 3:133.

و قلّة المعالج به،و هم يقولون بإفادة الانقلاب فيها الإباحة،فكذا في صورة الاستهلاك و كثرة المعالج به.

بل لإطلاق الخبرين الأخيرين في اشتراطهما عدم غلبة المعالج به في نفي البأس عن العلاج،و مفهومه ثبوت البأس مع عدم الشرط،و هو و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّه محمول عليها بقرينة السؤال الظاهر وقوعه عن التحريم و عدمه لا الكراهة و عدمها،مع أنّ إثبات المرجوحية و لو في الجملة لعلّه كافٍ في إثبات الحرمة بعد عدم ظهور قائل بالكراهة.

و قيل كما عن الشيخ في النهاية (1):إنّه لو القي في الخلّ خمر من إناء فيه خمر لم يحلّ حتّى يصير ذلك الخمر المصبوب منها في الخل خلّاً و يحلّ بعد الانقلاب.

و نفى عنه البعد في المختلف معلّلاً بأنّ انقلاب الخمر إلى الخلّ يدلّ على تماميّة استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل و المزاج واحد.بل استعداد الملقى في الخلّ بصيرورته خلّاً أتمّ و لكن لا يعلم،لامتزاجه بغيره،فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضاً،و نجاسة الخلّ تابعة للخمرية و قد زالت،فتزول النجاسة عنه كما مرّ في الخمر إذا انقلبت.

ثمّ نقل عن الإسكافي ما يوافق النهاية و ما ذكره في الجملة (2).

و فيه نظر؛ فإنّ دعوى زوال نجاسة الخلّ بزوال نجاسة الخمر مصادرة،سيّما مع كون الخمر و نجاستها مقدّرة غير محقّقة.و التبعية في ثبوت النجاسة لا تستلزم التبعية في زوالها،مع أنّه على تقدير التمامية مدفوع بما قدّمناه من الحجّة على ما اختاره الجماعة،سيّما مع اعتضادها

ص:487


1- النهاية:593.
2- المختلف:689.

ببقاء الحرمة و النجاسة.

فاستدلاله ضعيف غايته،كاستدلال شيخنا في المسالك للنهاية (1)برواية عبد العزيز بن المهتدي (2)التي هي الصحيحة من الأخبار الخاصة المتقدّمة،المتضمّنة لنفي البأس عن علاج الخمر بصبّ الخلّ فيها،نظراً إلى إطلاقها الشامل لمفروض المسألة.

و ذلك فإنّ المناقشة فيه واضحة؛ لعدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر و الغلبة إلّا إلى صورة كون الخلّ المعالج به الخمر قليلاً في جنبها، فلا ينهض حجّة لما نحن فيه من صورة العكس.

و إلى هذا يشير كلام صاحب الكفاية حيث قال-:بعد نقل استدلال المختلف-:و فيه تأمّل،و الوجه أنّه لا إشكال في طهارة الخلّ في المسألتين على القول بطهارة الخمر،و أمّا على القول بالنجاسة فالحكم كذلك فيما صدق أنّه على سبيل العلاج كما هو المتبادر من الأخبار، لا مطلقاً (3).انتهى.

هذا مع أنّ ظاهر الرواية اعتبار انقلاب الخمر الملقى فيه الخلّ خلّاً، لا انقلاب الخمر الملقى منه في الخلّ كما هو صريح النهاية،و لا تلازم بين الانقلابين كما يظهر من عبارة المختلف المتقدّمة،فتأمّل.

و ربما يظهر من الدروس و التنقيح استناد النهاية فيما ذكره إلى غير ما ذكره الشهيد الثاني و العلّامة.قالا بعد نقله تأويلاً لرواية أبي بصير (4)-:لا بأس بجعل الخمر خلّاً إذا لم يجعل فيها ما يقلبها.ثمّ قال

ص:488


1- المسالك 2:248.
2- المتقدمة في ص 482.
3- الكفاية:253.
4- المتقدّمة في ص 483.

الأوّل مجيباً عنها-:و لو حمل ذلك على النهي عن العلاج كما رواه أيضاً استغنى عن التأويل (1).

و في كلّ من الاستدلال و الجواب نظر،أمّا الأوّل:فلوضوح أنّ التأويل بنفسه ليس بدليل.و أمّا الثاني:فلتوقّفه على كون« يقبلها» بالقاف لا بالغين المعجمة،و الحال أنّ النسخة الراجحة بالعكس كما مرّ إليه الإشارة.

و كيف كان،فالمختار ما هو المشهور بين الطائفة شهرة محقّقةً و محكيّةً كما مرّ إليه الإشارة،بل ربما أشعر قول الماتن هنا و هو مشيراً إلى ما في النهاية متروك بكونها إجماعاً.

السابعة لا يحرم الربوبات و الأشربة

السابعة: لا يحرم شرب الربوبات و الأشربة الغير المسكرة و العصيريّة مطلقاً و إن شمّ منها رائحة المسكر إجماعاً؛ للأصل و العمومات السليمة عن المعارض المعتضدة بالنصوص.

منها:عن السكنجبين و الجلاب و ربّ التوت و ربّ التفاح و ربّ الرمان،فكتب:« حلال» (2).

و يكره الإسلاف في العصير وفاقاً للنهاية (3)،و بها صرّح الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (4).و الحجّة عليها غير واضحة عدا ما يحكى عن النهاية،و هو ضعيف غايته كما نبّه عليه الحلّي و جماعة (5).

ص:489


1- الدروس 3:19،التنقيح الرائع 4:61.
2- الكافي 6:1/426،التهذيب 9:551/127،الوسائل 25:366 أبواب الأشربة المحرمة ب 29 ح 1.
3- النهاية:591.
4- الشرائع 3:228،الإرشاد 2:113.
5- الحلّي في السرائر 3:131،و انظر إيضاح الفوائد 4:158.

و نحوه في الضعف الاعتذار الذي اعتذر به عنه العلّامة (1)،كما نبّه عليه شيخنا في المسالك (2).

و مع ذلك لا بأس بالكراهة؛ لفتوى الجماعة بها،بناءً على المسامحة في أدلّتها.

و أن يستأمن على طبخه من يستحلّه قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلماً،و بها صرّح في الإرشاد (3)أيضاً.و نسبها في الكفاية (4)إلى جماعة و اختارها،استناداً في الجواز إلى أنّ قول ذي اليد مقبول في طهارة ما في يده و نجاسته،فليكن هنا كذلك.و إطلاق الصحيح:عن البختج،فقال:

« إذا كان حلواً يخضب الإناء،و قال صاحبه:قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث، فاشربه» (5).

و في الكراهة إلى الشبهة الناشئة من الخلاف و النهي في الأخبار الآتية.

خلافاً للنهاية و الحلّي،و فخر الدين و الشهيد في الدروس،و التنقيح و حكاه في المسالك عن العلّامة (6)،فاختاروا الحرمة؛ للمعتبرة.

منها الصحيح:الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا،فقال:إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه،و إن كان ممن لا يستحل فاشربه» (7).

ص:490


1- المختلف:688.
2- المسالك 2:249.
3- الإرشاد 2:113.
4- الكفاية:253.
5- الكافي 6:6/420،التهذيب 9:523/121،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 3.
6- النهاية:591،الحلّي في السرائر 3:129،فخر الدين في إيضاح الفوائد 4:159،الدروس 3:17،التنقيح 4:63،المسالك 2:249.
7- الكافي 6:4/420،التهذيب 9:524/122،الوسائل 25:292 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 1.

و الموثقان في أحدهما:عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج فيقول:قد طبخ على الثلث و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، فقال:« لا تشربه» قلت:فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه،يشرب منه؟قال:« نعم» (1).

و في الثاني:عن الرجل يأتي بالشراب،فيقول:هذا مطبوخ على الثلث،قال:« إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب» (2)فتأمّل.

و هذا القول أقوى؛ لاعتبار أسانيد الروايات كما ترى،و شهرتها بين أصحابنا.مع وضوح دلالة أكثرها بناءً على أنّ النهي حقيقة في التحريم جدّاً،و لا وجه لحملة على الكراهة أصلاً،إلّا الجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلّة،و هو ممكن بحمله على الحرمة و تقييد إطلاق تلك الأدلّة بغير مفروض المسألة.مع أنّه متعيّن كما قرّر في محله.

مع أنّ إطلاق الصحيح من تلك الأدلّة معارض بإطلاق الصحيح الآخر:عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به،أتى بشراب يزعم أنّه على الثلث،فيحلّ شربه؟قال:« لا يصدّق إلّا أن يكون مسلماً عارفاً» (3)فتأمّل.

و الاستشفاء بمياه الجبال الحارّة التي يشمّ منها رائحة الكبريت بلا خلاف أجده؛ للرواية القاصرة سنداً المحمولة لذلك و للأصل

ص:491


1- الكافي 6:7/421،التهذيب 9:526/122،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.
2- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 6.
3- التهذيب 9:528/122،قرب الإسناد:1078/271،الوسائل 25:294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 7.

و العمومات على الكراهة،و فيها:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الاستشفاء بالحميّات،و هي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي يوجد فيها رائحة الكبريت،فإنّها تخرج من فوح جهنم» (1).

و يستفاد من التعليل كراهة مطلق الاستعمال،كما صرّح بها المقدس الأردبيلي رحمه الله و صاحب الكفاية (2).و لا بأس بها و إن لم يذكرها الجماعة.

و الحمد للّه سبحانه.

ص:492


1- الكافي 6:1/389،التهذيب 9:441/101،المحاسن:47/579،الوسائل 1:221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3.
2- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:289،الكفاية:253.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.