ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 10

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 10/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

ص:5

ص:6

كتاب الإجارة

اشارة

كتاب الإجارة

في حقيقة الإجارة

و هي لغة:الأُجرة،و هي:كرى الأجير،لا مصدر آجر يوجر، فإنّه الإيجار.

و شرعاً: تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم.

و قيل:عقدٌ،ثمرته ذلك (1).و منشأ الخلاف تقدّم في البيع.

و كيف كان،هو أو التمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود،و خرج بتعلّقه بالمنفعة البيع و الصلح المتعلّق بالأعيان،و بالعوض الوصيّة بالمنفعة، و بالمعلوم إصداقها،إذ ليس في مقابلها عوض معلوم سوى البضع،و ليس بمعلوم.

و ينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم؛ فإنّه ليس إجارة بناءً على جعله أصلاً مستقلا،كما هو الأشهر الأقوى.

و الأصل فيه بعد إجماع المسلمين،كما في المهذب و ظاهر الغنية و غيرهما من كتب الجماعة- (2)الكتاب و السنة المتواترة الخاصيّة و العاميّة،

ص:7


1- العلّامة في القواعد 1:224،السبزواري في الكفاية:124.
2- المهذب 1:470،الغنية(الجوامع الفقهيّة):600؛ و انظر التذكرة 2:290،و المهذب البارع 3:19،و الحدائق 21:530.

قال سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [1] (1)و قال: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [2] (2)و نحوهما آيات أُخر (3).

و أمّا السنّة فستتلى عليك جملة منها في تضاعيف المباحث الآتية.

و يشترط فيها بعد أهليّة المتعاقدين ما يدلّ على الإيجاب و القبول، كآجرتك،أو أكريتك،أو ملّكتك منفعتها سنة،فيقول:قبلت،أو استأجرت،أو نحوهما،بلا خلاف.

و أمّا اشتراط العربية و الماضوية و نحوهما من الأُمور المختلف في اعتبارها في العقود اللازمة يظهر الكلام فيه نفياً و إثباتاً من الرجوع إلى ما قدّمناه في البيع (4)،فإنّهما كسائر العقود اللازمة من باب واحد.

و حيث انعقدت بشرائطها المعتبرة تلزم من الطرفين الموجر و المستأجر،بلا خلاف،بل عليه الوفاق كما في المسالك و غيره (5)؛ لعموم الأمر بالوفاء،و صريح المستفيضة،منها الصحيحان و غيرهما:عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل،فقال:

« الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه،و الخيار في أخذ الكرى إلى ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك» (6).

و منها:رجل دفع ابنه إلى رجل و سلّمه منه سنة بأُجرة معلومة ليخيط

ص:8


1- الطلاق:6.
2- الكهف:77.
3- النساء:24،الممتحنة:10،القصص:26.
4- راجع ج 8:215.
5- المسالك 1:320؛ و انظر جامع المقاصد 7:83،و الكفاية:124.
6- الأوّل:الكافي 5:1/292،الفقيه 3:697/159،التهذيب 7:920/209،الوسائل 19:110 أبواب أحكام الإجارة ب 7 ح 1.الثاني:التهذيب 7:922/210،الوسائل 19:110 أبواب أحكام الإجارة ب 7 ح 1.

له،ثمّ جاء رجل فقال:سلّم ابنك منّي سنة بزيادة،هل له الخيار في ذلك؟و هل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا؟فكتب عليه السلام:

« يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف» (1).

و تنفسخ بالتقايل بلا خلاف؛ لعموم أدلّة استحبابه،كما مضى في البيع و غيره،و سيأتي بعض النصوص الدالّة عليه،و كذا بكل واحد من الأسباب المقتضية له ممّا يأتي.

و لا تبطل بالبيع بلا خلاف في الظاهر،و عليه الإجماع في الغنية (2)؛ للأصل،و عدم المنافاة،فإنّ الإجارة تتعلق بالمنافع و البيع بالعين و إن تبعتها المنافع حيث يمكن.

و للنصوص المستفيضة،ففي الصحيح:رجل استأجر ضيعة من رجل،فباع الموجر تلك الضيعة بحضرة المستأجر و لم ينكر المستأجر البيع،و كان حاضراً له شاهداً،فمات المشتري و له ورثة،هل يرجع ذلك الشيء في ميراث الميت،أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته؟ فكتب عليه السلام:« يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته» (3)و قريب منه غيره (4).

و في الصحيح:« لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى،و لكن يبيعه على أن الّذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى على ما شرط و الإجارة».قلت:فإن ردّ على المستأجر ماله و جميع ما لزمه من

ص:9


1- الفقيه 3:441/106،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 15 ح 1.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
3- الفقيه 3:701/160،الوسائل 19:134 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 1.
4- التهذيب 7:910/207،الوسائل 19:134 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 2.

النفقة و العمارة فيما استأجره؟قال:« إن كان على طيبة النفس و رضا المستأجر بذلك لا بأس» (1).

و في الخبر:« له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أن للمتقبّل من السنين ماله» (2).

و ظاهرهما توقف جواز البيع على الاشتراط المذكور فيهما،و به أفتى شيخ الصدوق،على ما حكاه عنه في الفقيه (3).

و لعلّ الوجه في النهي عن البيع بدونه وجوب الإخبار بعيب المبيع حيث كان وقت البيع،و قيل باستحبابه (4)،و عليه يصرف النهي إلى الإرشاد أو الكراهة.

و وجه العيب في المسألة واضح؛ للتعيب بنقص المنفعة المستوفاة بعقد الإجارة،فإن كان المشتري عالماً به صبر إلى انقضاء المدّة،و إلّا تخيّر بين فسخ العقد و إمضائه مجاناً.

و إطلاق العبارة كغيرها و صريح جماعة (5)عدم الفرق في الحكم بعدم البطلان به بين كونه من المستأجر و غيره،و لا خلاف و لا إشكال في الثاني، و كذلك الأوّل على قول قوي؛ لبعض ما مرّ،مع أنّه بين المتأخّرين أشهر.

ص:10


1- الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3.
2- الكافي 5:1/270،التهذيب 7:914/208،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 4.
3- الفقيه 3:160.
4- كما قال به صاحب الحدائق 21:538.
5- منهم:ابن سعيد في الجامع للشرائع:292،و الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:329.

خلافاً لمن ندر (1).

و تظهر ثمرة الخلاف في استحقاق الموجر الأُجرة لباقي المدة، فيتوجه على المختار،و لا على غيره.

و كما لا تبطل به كذا لا تبطل بالعتق لعين ما مرّ من الدليل سوى الأحاديث.

و هل تبطل بالموت؟قال الشيخان (2):نعم و تبعهما القاضي و الديلمي و ابن حمزة و ابن زهرة مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة (3)تبعاً لشيخ الطائفة في الخلاف و كذا في المبسوط (4)،حيث ادّعى فيه ذلك في الظاهر،لكن على التفصيل بين الموجر و المستأجر بالبطلان بموت الثاني دون الأوّل.و جعله الأصحاب قولاً ثالثاً في المسألة،و نسبه القاضي إلى أكثر الإماميّة (5).

و حجتهم عليه مطلقا أو في الجملة غير واضحة،عدا ما نسب إليهم و صرّح به في الغنية (6)من تعذّر استيفاء المنفعة في موت الأوّل و الأُجرة في موت الثاني،فالأوّل:لأن المستأجر استحقّ استيفاءها على ملك الموجر فبالموت ينتقل إلى الوارث و تحدث المنافع على ملكهم فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للموجر،و الثاني:لأنّه استحق من مال الموجر و بالموت

ص:11


1- انظر الإرشاد 1:425.
2- المفيد في المقنعة:640،الطوسي في الخلاف 3:491،و النهاية:444.
3- القاضي في المهذب 1:501،الديلمي في المراسم:196،ابن حمزة في الوسيلة:267،الغنية(الجوامع الفقهية):601.
4- الخلاف 3:491،المبسوط 3:224.
5- المهذب 1:501.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

تنتقل التركة إلى الورثة،و أنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين و قد تعذّر ذلك بالموت،فتبطل الإجارة.

و فيه بعد النقض بتزويج الأمة المنتقلة بموت مالكها إلى الورثة، و بنفس الإجارة،حيث لا تبطل بالبيع و العتق،كما مرّت إليه الإشارة (1)،مع اقتضاء هذه التعليلات بطلانها بهما أيضاً كما ادّعوه في المسألة أن دعوى انتقال كلّ من المنفعة و الأُجرة بالموت إلى الورثة فلا يستحقهما عليهم الطرف الآخر ممنوعة،كيف لا و هي مصادرة محضة،و شبهة جوابها واضح؛ فإنّ المنتقل إليهم في موت الموجر العين المسلوبة المنافع مدّة الإجارة،و في موت الآخر التركة مستثنى منها الأُجرة اللازمة بالإجارة السابقة،و إن هي حينئذٍ إلّا كالديون اللازمة في التركة بأحد موجباتها المتقدّمة على الموت.

فلم يبق ما يؤيّد به مذهب الجماعة إلّا حكاية الإجماعات المتقدّمة،و هي بعد معارضتها بأقوى منها كما سيأتي إليه الإشارة موهونة أوّلاً:بمصير عامة المتأخّرين و كثير من القدماء إلى الخلاف،و ثانياً:بتعارض أحدهما مع الآخر، فإنّ إجماع الخلاف و الغنية مدّعى على البطلان بالموت على الإطلاق، و إجماع المبسوط على عدمه كذلك و اختصاص البطلان بموت الثاني.

نعم،هما متّفقان على دعواه على البطلان بموته،لكن يقتصر في الجواب عنه حينئذٍ على الأوّلين،و إن اعتضد بدعوى الماتن في الشرائع عليه الشهرة (2)،كدعوى القاضي الأكثرية مع اختلافهما و تعارضهما في

ص:12


1- راجع ص:9.
2- الشرائع 2:179.

الإطلاق و عدمه،كحكاية الإجماعين المتقدّمين.

و قال المرتضى و الحلبي و الحلّي (1) لا تبطل مطلقا و هو أشبه و أشهر بين من تأخّر،بل عليه عامّتهم بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم،و به صرّح في المسالك (2)،و لعلّه كذلك،فيمكن أخذها حجة.

مضافاً إلى اعتضادها بالشهرة القديمة كما يظهر من السرائر في بحث المزارعة (3)،و إطلاق المستفيضة المتقدّمة بلزوم الإجارة إلى المدّة المضروبة و استصحاب الحالة السابقة السليمين عمّا يصلح للمعارضة،كما مرّ إليه الإشارة.

و في الخبر:عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الإجارة في كلّ سنة عند انقضائها،لا يقدّم لها شيء من الإجارة ما لم يمض الوقت،فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها،هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة؟فكتب عليه السلام:

« إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة،فإن لم تبلغ ذلك الوقت و بلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء اللّه تعالى» (4).

و في آخر:رجل استأجر ضيعة من رجل،فباع الموجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر و لم ينكر البيع و كان حاضراً شاهداً

ص:13


1- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):224،الحلبي في الكافي:348،الحلّي في السرائر 2:460.
2- المسالك 1:321.
3- السرائر 2:449.
4- الكافي 5:2/270،التهذيب 7:912/207،الوسائل 19:136 أبواب أحكام الإجارة ب 25 ح 1.

عليه..،و قد مرّ (1).

و في الاستدلال بهما على عدم البطلان مع قطع النظر عن قصور سند الأول نظر إن لم يكن الأوّل على الدلالة على خلافه أظهر،مع اختصاصهما بموت الموجر و من في حكمه،فليس فيهما حجّة على المفصّل بينه و بين غيره.

ثمّ كلّ ذا إذا لم يشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه،و إلّا بطلت بموته؛ عملاً بالشرط.كما تبطل عند جماعة (2)بموت الموجر حيث تكون العين المستأجرة موقوفة عليه و على من بعده من البطون فيؤجرها مدّة و يتّفق موته قبل انقضائها؛ لانتقال الحق إلى غيره،و ليس له التصرّف إلّا زمن استحقاقه،و لهذا لا يملك نقلها و لا إتلافها.

و الفرق بينه و بين غير الوقت تلقّى الطبقة الثانية العين الموقوفة عن الواقف دون الموجر،بخلاف الوارث فإنّه يتلقّى الملك فيه عن الميت،فتدبّر.

قالوا:نعم،لو كان ناظراً و آجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته.

لكن الصحّة حينئذٍ ليست من حيث إنّه موقوف عليه،بل من حيث إنّه ناظر.

و مثله الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك.

و كلّ ما تصحّ إعارته شرعاً من الأعيان المنتفع بها مع بقائها تصحّ إجارته بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في السرائر و الغنية (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة.

دون ما ليس كذلك مطلقا،و لو في نحو المنحة،إجماعاً هنا،كما

ص:14


1- في ص:9.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 3:552،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:85،و الشهيد الثاني في المسالك 1:321،و الروضة البهية 4:330.
3- السرائر 2:456،الغنية(الجوامع الفقهية):600.

عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مخالفته الأصل؛ إذ ليس الإجارة في العرف و اللغة عبارة إلّا عمّا كانت العارية فيه حقيقة لكن مع العوض،و يفترقان بلزومه خاصّة.

و ثبوت المخالفة له في العارية في نحو المنحة بعد قيام الدليل عليه من الإجماع و الرواية غير موجب لإلحاق الإجارة بها فيها؛ إذ ليس إلّا قياساً فاسداً في الشريعة،مع كونه مع الفارق،بناءً على لزوم الإجارة و جواز العارية،فيغتفر فيها ما لا يغتفر في العقود اللازمة و إجارة المشاع جائزة مطلقا،استأجره من شريكه أو غيره، عندنا،كما في المسالك و الروضة (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل، و العمومات كتاباً و سنّة.

و لا مانع منه باعتبار عدم القسمة؛ لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك،و لكن لا يسلم العين المشتركة إلّا بإذنه،و لو أبى رفع الأمر إلى الحاكم،كما إذا نازع الشريكان.

ثمّ إنّه إذا كان المستأجر عالماً بالحال،و إلّا فله الفسخ؛ دفعاً للضرر.

و العين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر،و لا ما ينقص منها،إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت،فما عليه؟قال:« إن كان اشترط أن لا يركبها

ص:15


1- التذكرة 2:295.
2- المسالك 1:321،الروضة 4:331.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

غيره فهو ضامن لها،و إن لم يسمّ فليس عليه شيء» (1).

و فيه في المتعدّي:أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال:« نعم» قلت:فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟فقال:« عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه» (2).

و في الخبر فيه أيضاً:« و إن عطب الحمار فهو ضامن» (3).

و في آخر:« إن كان جاز الشرط فهو ضامن،و إن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن،و إن سقطت في بئر فهو له ضامن لأنّه لم يستوثق منها» (4).

هذا مضافاً إلى بعض النصوص المتقدّمة (5)في العارية المعلِّل عدم ضمانها بالأمانة التي هي بعينها في المقام موجودة،و نحوه النصوص المستفيضة (6)الواردة في عدم ضمان الأجير لما يتلف في يده إذا كان أميناً.

و كذلك الأجير إذا هلك،صغيراً كان أو كبيراً،حرّا أو عبداً؛ لبعض ما مرّ من التعليل،و عليه إجماع المسلمين كما في المفاتيح و غيره (7).

ص:16


1- الكافي 5:7/291،التهذيب 7:942/215،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 16 ح 1.
2- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1 فيه و في الكافي بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:1/289،التهذيب 7:937/213،الوسائل 19:121 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 2.
4- الكافي 5:3/289،الفقيه 3:709/162،التهذيب 7:939/214،الوسائل 19:121 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 3.
5- راجع ج 9 ص 446.
6- انظر الوسائل 19:141 أبواب أحكام الإجارة ب 29،30،32.
7- المفاتيح 3:112؛ و انظر التذكرة 2:318.

ثمّ إن إطلاق العبارة و غيرها من عبائر جماعة و صريح آخرين (1)، و ربما نسب إلى الشهرة (2)عدم الفرق في الحكمين بين التلف في المدّة أو بعدها،و لا خلاف فيه في الحكم الثاني مطلقا،و كذا في الأوّل في الصورة الأُولى؛ و الوجه في الجميع واضح.

و أمّا ثبوته في الثانية فلأصالتي البراءة و استصحاب الحالة السابقة السليمتين عمّا يصلح للمعارضة،عدا توهّم استلزام انقضاء المدّة صيرورة العين أمانة شرعية تضمن لو أخلّ بردّها فوراً.

و يضعف بمنع وجوب الردّ،و إنّما يجب بعد المطالبة تمكينه منها و التخلية بينه و بينها كسائر الأمانات؛ للأصلين المتقدّمين.نعم،لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدّة ضمن.

فخلاف الإسكافي و الطوسي (3)حيث أطلقا الضمان بعد المدّة مع الإخلال بالفوريّة،نظراً إلى أنّه غير مأذون فيه فيضمنها مطلقا،و يجب عليه مئونة الردّ ضعيف غايته.

و في جواز اشتراط الضمان حيث لم يثبت بأصل العقد،لعموم الوفاء بالشروط،أم العدم،لمنافاته لمقتضاه فيفسد قولان.و الثاني أشهر،و الأوّل أظهر،لما مرّ،مع ضعف المعارض،لمنع المنافاة على إطلاقه،بل هو حيث لم يكن هناك شرط.

و في الخبر:عن رجل استأجر سفينة من ملاّح،فحملها طعاماً

ص:17


1- منهم:المحقّق في الشرائع 2:180،و العلّامة في القواعد 1:234،و الشهيد في المسالك 1:321،و الروضة 4:331،و السبزواري في الكفاية:124.
2- كما في الحدائق 21:543.
3- نقله عن الإسكافي في المسالك 1:321،الطوسي في المبسوط 3:241.

و اشترط عليه إن نقص الطعام فعليه،فقال:« جائز» قلت:إنّه ربما زاد الطعام،قال:فقال:« يدّعي الملّاح أنّه زاد فيه شيئاً؟» قلت:لا،قال:

« لصاحب الطعام الزيادة،و عليه النقصان إذا كان قد شرط عليه ذلك» (1).

و على الثاني ففي فساد العقد بفساد الشرط أم لا قولان،الأشهر الأوّل.

شروطها خمسة

اشارة

و شروطها أي الإجارة خمسة بل ستة.

أحدها:

أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف

أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرّف بلا خلاف، بل في الغنية (2)عليه الإجماع؛ لعموم أدلّة الحجر على غيرهما،فلا تصحّ إجارة الصبي مطلقا،و إن كان مميّزاً و أذن له الولي،على الأقوى، و لا المجنون مطلقا،و لا المحجور عليه بدون إذن الولي أو مَن في حكمه، لا مطلقا.

أن تكون الأُجرة معلومة كيلاً أو وزناً

و ثانيها: أن تكون الأُجرة معلومة كيلاً أو وزناً أو عدّاً،إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع،أو مشاهدة إن لم تكن كذلك.

و قيل: كما عن المبسوط و المرتضى (3)إنّه تكفي المشاهدة فيها عن اعتبارها بأحد الأُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها؛ لأصالة الصحّة،و انتفاء الغرر بالمشاهدة.

و الأصحّ الأوّل،وفاقاً للنهاية و الحلّي (4)و كافة المتأخّرين؛ لأنّ

ص:18


1- الكافي 5:4/244،التهذيب 7:949/217،الوسائل 19:150 أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 5.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
3- المبسوط 3:223،حكاه عن المرتضى في المسالك 1:321.
4- النهاية:443،الحلّي في السرائر 2:459.

الإجارة كالمبايعة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة،فلا بدّ فيها من انتفاء الغرر و الجهالة عن العوضين المنفيين في الشريعة.

و ما ربما يقال من اختصاص المنع عنهما بالبيع و لا دليل على التعدّي عدا القياس المحرّم (1)،غريب؛ لتوجه النظر إليه أوّلاً:بعدم الخلاف في المنع عنهما مطلقاً،بل هو مجمع عليه بين كافّة العلماء،و الشاهد عليه سند المخالف،حيث جعله ارتفاع الغرر لا اختصاص المنع عنه بالبيع؛ مضافاً إلى استنادهم عليه في جميع موارد الفقه،حتى إن القائل هو بنفسه أيضاً كذلك.

و ثانياً:بدعوى الإجماع على المنع عنهما و إفسادهما الإجارة المختلف (2)و شرح الشرائع للمفلح الصيمري.

و ثالثاً:بدعوى الغنية الإجماع على اشتراط المعلوميّة (3)،و المتبادر منها ما لم يكن فيه غرر و لا جهالة بالكلية.

و بالجملة لا شبهة في اشتراط عدمهما،و لا نزاع فيه بالمرّة،و إنما هو في ارتفاعهما بالمشاهدة،و هو أمر آخر.و الحق فيه مع الجماعة؛ لأنّ دعوى الارتفاع بها فاسدة بلا شبهة،و مع التنزّل فصحّتها غير معلومة، و الجهالة ممكنة كعدمها،و بالتردّد بينهما يشكّ في تحقّق شرط الصحّة فيشكّ لأجله في صحّة الإجارة،و الأصل فسادها بالضرورة،و العمومات بما دلّ على اشتراط المعلومية من الإجماع مخصّصة،فلا معنى لأصالة الصحّة.

ص:19


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:26،الحدائق 21:548.
2- المختلف:460.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

و اعلم أن مورد الخلاف إنّما هو فيما لو كان الأُجرة ممّا يكال أو يوزن أو يعدّ،و أمّا لو كانت ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار و نحوها من الأمتعة كَفَتْ فيها قولاً واحداً.

و تملك الأُجرة بنفس العقد بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى اقتضاء صحة المعاوضة انتقال كلّ من العوضين إلى الآخر.

قالوا:لكن لا يجب تسليمها إلّا بتسليم العين المستأجرة،أو العمل إن وقعت عليه الإجارة،و في شرح الإرشاد الإجماع عليه (2)،و خصّه في الكفاية بما إذا كان ذلك مقتضى العادة (3).

و لعلّ الوجه في العموم بعد الإجماع المتقدّم الأصل،مع احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الدفع،لاحتمال عدم إمكان استيفاء المنفعة بالموت و شبهه،و هو منفي،فللمستأجر التأخير إلى التسليم،إلّا أن يكون هناك عادة تقضي بالتعجيل فيجب كاشتراطه،لإقدامه فيهما على الضرر.

و فائدة الملكية مع عدم وجوب التسليم تبعيّة النماء متصلاً أو منفصلاً لها إن وقع العقد عليها بعينها.

و أمّا مع تسليمهما فيجب تسليمها معجّلة بعده مع الإطلاق و عدم تقييد العقد بتأجيلها أو اشتراط التعجيل بلا خلاف؛ لأنّ تسليم أحد العوضين يسلِّط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك.

ص:20


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،التذكرة 2:291.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:16.
3- الكفاية:124.

مضافاً إلى استلزام عدمه الضرر على المالك،حيث يتساهل المستأجر بالتسليم و لم يمكن إلزامه عليه بمقتضى الفرض،و تعيين وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح.

و للنصوص،منها الصحيح:في الحمّال و الأجير،قال:« لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته» (1)و نحوه غيره (2).

و فيهما نوع إشعار بما مرّ من عدم وجوب تسليم الأُجرة قبل العمل.

ثمّ إنّه ليس في اشتراط التعجيل بعد استفادته من نفس العقد فائدة إلّا التأكيد،و تسلّط الموجر على الفسخ مع الإخلال به على قول،و في آخر اختصاص الفائدة بالأوّل،و الذبّ عن الثاني بمخالفته الأصل،و اندفاع الضرر المتوهّم منه السببية للتسلط برفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على القيام بالشرط.

و نحوه الكلام في اشتراطه قبل الوجوب في التسلط على الفسخ مع الإخلال،و كذا في لزوم الوفاء به كما مرّ؛ لعموم الخبر بلزوم الإيفاء بالشرط (3).

و منه يظهر الوجه في أنّه يصحّ تأجيلها بالشرط نجوماً و أشهراً معيّنة،بأن يُجعل لكلّ منها شيء من الأُجرة لا يستحقّ الموجر مطالبته قبل مجيئه،و كذا إلى أجل واحد.و لا فرق بين الإجارة الواردة على عين معيّنة و الواردة على ما في الذمة.

ص:21


1- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:929/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 1.
2- الكافي 5:3/289،التهذيب 7:930/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 2.
3- الفقيه 3:553/127،التهذيب 7:93/22،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 2.

بلا خلاف عندنا في شيء من ذلك،كما في المسالك و غيره (1)،و مرّ من الأخبار ما يتعلّق بالمقام في بحث عدم البطلان بالموت (2)،فتدبّر.

و في توقّف استحقاق المطالبة بالأُجرة بعد العمل على تسليم العين المعمول فيها مطلقا،كما عليه ثاني المحققين و ثاني الشهيدين (3)،أم العدم كذلك،كما عليه الفاضلان و غيرهما (4)،أم الفرق بين ما إذا كان العمل في ملك الأجير فالأوّل،أو ملك المستأجر فالثاني،كما حكى قولاً في الشرائع (5)،أقوال.خيرها أوسطها؛ لأدلّة وجوب التسليم المتقدّمة،سيّما إطلاق النصوص المصرّحة بالحكم في الأجير السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و لو أستأجر من يحمل له متاعاً مثلاً إلى موضع معين في وقت معين بأُجرة معينة فإن لم يفعل أي شرط عليه أنّه إن لم يفعل و لم يبلغه في ذلك الوقت نقص من أُجرته شيئاً معيّناً يتراضيان عليه صحّ كل من العقد و الشرط.

وفاقاً للإسكافي و النهاية و الخلاف و القاضي و الفاضلين و غيرهما (6)،

ص:22


1- المسالك 1:321؛ و انظر جامع المقاصد 7:110،و الحدائق 21:563.
2- راجع ص:13.
3- المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:111،الشهيد الثاني في الروضة 4:333،و المسالك 1:321.
4- المحقّق في الشرائع 2:181،العلّامة في القواعد 1:226،و التحرير 1:244؛ و انظر السرائر 2:456.
5- الشرائع 2:181.
6- نقله عن الإسكافي في المختلف:463،النهاية:448،الخلاف 3:509،القاضي في المهذّب 1:487،المحقّق في الشرائع 2:181،العلّامة في القواعد 1:225،و التحرير 1:245؛ و انظر التنقيح الرائع 2:263،و الكفاية:125.

و في المسالك و الروضة و شرح القواعد للمحقّق الثاني (1)أنّه مذهب الأكثر، و في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب؛ للأصل، و العمومات بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط.

و صريح الموثق:إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن،و اشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني،فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبست كذا و كذا،و أنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا و كذا يوماً، فقال عليه السلام:« هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه» (2).

خلافاً للحلّي (3)،فأبطل الشرط دون العقد؛ لعدم تعيين الأُجرة باختلافها على التقديرين،كما لو باعه بثمنين عليهما.

و هو حسن لولا النصّ المعتبر المنجبر قصور سنده أو ضعفه لو كان بالشهرة الظاهرة و المحكية،مع اعتضاده بظاهر الصحيح و إن لم يكن من مورد المسألة:عن الرجل يكتري الدابة فيقول:أكتريتها منك إلى مكان كذا و كذا فإن جاوزته فلك كذا و كذا زيادة،و سمّى ذلك؟قال:« لا بأس به كلّه» (4)فلا وجه لبطلان الشرط.

و قال جماعة ببطلانهما معاً هنا (5).و هو أضعف من سابقه جدّاً.

ص:23


1- المسالك 1:322،الروضة:334،جامع المقاصد 7:107.
2- الكافي 5:5/290،الفقيه 3:58/22،التهذيب 7:940/214،الوسائل 19:116 أبواب أحكام الإجارة ب 13 ح 2.
3- السرائر 2:469.
4- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:938/214،الوسائل 19:111 أبواب أحكام الإجارة ب 8 ح 1.
5- منهم:العلّامة في المختلف:463،و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 2:248،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 7:107،و الشهيد الثاني في المسالك 1:322.

فإذاً القول الأوّل أقوى ما لم يحط بالأُجرة و يفسد مع الإحاطة؛ لمنافاته لمقتضى العقد،و لمفهوم الموثقة المزبورة،و يتبعه فساد العقد، فيثبت حينئذٍ أُجرة المثل،بلا خلاف إلّا من الإسكافي (1)،فأوجب المصالحة.و هو شاذّ.

و من الشهيد في اللمعة (2)،فنفى الأُجرة بالكلّية؛ التفاتاً منه إلى منع منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة المنع عن نقيضها، فيكون قد شرط قضيّة العقد،فلم تبطل الإجارة،غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ بالمشروط و هو النقل في اليوم المعيّن يكون البطلان منسوباً إلى الأجير حيث فوّت الزمان المعين و لم يفعل فيه ما شرط عليه،فلا يستحق شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استوجر عليه،و لا يكون البطلان حاصلاً من جهة العقد،فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير و إثبات اجرة المثل،بل اللازم عدم ثبوت شيء و إن نقل المتاع إلى المكان المعيّن لكن في غير الزمان؛ لأنّه فعل ما لم يؤمر به و لا استوجر عليه.

و يضعّف:بأن هذا إنما يتمّ إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن الأوّل و ما خرج عنه خارجاً عن الإجارة،و أمّا إذا كان موردها كلا القسمين فلا،و ظاهر الرواية و كلام الأصحاب هو الثاني،و لذا حكموا حتى هو نفسه بصحة الإجارة مع إثبات الأُجرة على التقديرين؛ نظراً إلى حصول المقتضي و هو الإجارة المعيّنة المشتملة على الأُجرة المعيّنة و إن

ص:24


1- كما نقله عنه في المختلف:463.
2- اللمعة(الروضة البهية 4):335.

تعدّدت و اختلفت بالترديد؛ لانحصارها و تعيّنها،و بطلانها على التقدير الآخر.

و لو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصّة و هو النقل في الزمن المعيّن لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض اجرة مع نقله في غيره أولى؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة،كما ذكره،فإنّ مقتضاها أن لا يكون للموجر اجرة لو خالف ما استوجر عليه،كما في محل الفرض؛ لأنّه فيه ليس إلّا النقل في الزمن المعيّن،و قد خالفه بالنقل في غيره،فيكون اشتراط الأُجرة للمخالفة فاسداً؛ لمنافاته لمقتضى العقد،فيفسد بفساده،فكان أولى بثبوت اجرة المثل،و الحال أنّه و سائر الأصحاب حكموا بتلك الأُجرة الناقصة،و ليس ذلك إلّا من حيث فرض المسألة في كون مورد الإجارة كلا القسمين لا الأوّل خاصة.

و الذبّ عن هذا بجعل القسمين متعلّق الإجارة على تقدير ذكر الأُجرة و القسم الأوّل خاصّة على تقدير عدمه في القسم الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض.

و يمكن الفرق بين ذكر الأُجرة في القسمين و إسقاطها في القسم الثاني بكون تعيين الأُجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها و هو الأُجرة فيهما،و إسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم،و حينئذٍ فتنزيل شرط عدم الأُجرة على التقدير الآخر على شرط ما يقتضيه عقد الإجارة و الحكم بصحّتها كما حكم به أولى من جعله أجنبيّا مفسداً للعقد بتخلّله بين

ص:25

الإيجاب و القبول،كذا قيل (1).

و هو حسن لولا مخالفة إطلاق كلام الأصحاب و النص المتقدّم.

أن تكون المنفعة مملوكة للموجر أو لمن يوجر عنه

و ثالثها: أن تكون المنفعة مملوكة للموجر أو لمن يوجر عنه كالوكيل و الوصي و الولي و الحاكم،بلا خلاف،فلو آجر غير المالك وقفت على الإجازة،على الأشهر.و قيل:يبطل (2).و الأوّل أظهر؛ لعين ما قلناه في البيع،و عليه فيكون هذا الشرط معتبراً للّزوم دون الصحّة،بخلاف باقي الشرائط.

و لا فرق بين أن تكون مملوكة تبعاً للعين أو منفردة.

و لذا يجوز للمستأجر أن يوجر العين المستأجرة إجماعاً منّا، كما في ظاهر الغنية و عن صريح التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة المتقدّمة في بحث كراهة إجارة الأرض بأكثر ممّا استوجرت به في بحث المزارعة (4)،و يدلّ عليه صريح الصحيحة الآتية،فلا شبهة في المسألة.

إلّا أن يشترط الموجر عليه استيفاء المنفعة بنفسه فلا يصحّ له حينئذٍ أن يوجر،إجماعاً،كما في الغنية (5)؛ عملاً بمقتضى الشرط، و صريح الصحيحة المزبورة،إلّا أن يشترط المستأجر الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه،فيصح أن يوجر أيضاً؛ لعدم منافاتها لشرط

ص:26


1- الروضة 4:338.
2- كما قال به ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):600،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 7:123.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600،التذكرة 2:291.
4- راجع ج 9 ص 388.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):601.

الموجر الأوّل،فإنّ استيفاء المنفعة بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه،إلّا أن ينهاه عن نفس الإجارة من الغير بالشرط،فلا يصح كالأوّل و إن استوفى هو المنفعة.

و حيث جاز له الإجارة من غيره هل يتوقّف تسليم العين على إذن مالكها؟قيل (1)نعم؛ إذ لا يلزم من استحقاقه المنفعة و الإذن له في التسلّم جواز تسليمها للغير،فيضمن لو سلّمها بغير إذن.

و قيل:لا،بل يجوز تسليمها من غير ضمان؛ لأنّ القبض من ضرورات الإجارة للعين،و قد حكم الشارع بجوازها،و الإذن في الشيء إذن في لوازمه،و هو خيرة الشهيدين و غيرهما (2).

و هو الأصح؛ لصريح الصحيح:رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت،فقال:« إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن،و إن لم يسمّ فليس عليه شيء» (3).

و لا فرق في جواز إيجار المستأجر للعين بين أن تكون الإجارة الثانية أكثر من الأُولى أم لا،خلافاً للأكثر،فمنعوا من إجارة المسكن و الخان و الأجير بأكثر،إلّا أن يوجر بغير جنس الأُجرة،أو يحدث ما يقابل التفاوت.و قد مرّ تمام التحقيق في المزارعة في البحث المتقدّم إليه الإشارة بما لا مزيد عليه.

أن تكون المنفعة مقدّرة

و رابعها: أن تكون المنفعة مقدّرة إمّا في نفسها كخياطة

ص:27


1- حكاه الشهيد الثاني في الروضة 4:340.
2- اللمعة و الروضة 4:340،المسالك 1:323 و انظر التنقيح الرائع 2:266،و مفاتيح الشرائع 3:104.
3- الكافي 5:7/291،التهذيب 7:942/215،الوسائل 19:118 أبواب أحكام الإجارة ب 16 ح 1.

الثوب المعين و ركوب الدابة إلى موضع معيّن أو بالمدّة المعيّنة كسكنى الدار سنة،و خياطة الثوب شهراً مثلاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ لاستلزام عدم التقدير الغرر و الجهالة،و احتمال أن يؤول الأمر إلى المنازعة،و جميع ذلك ضرر منفي في الشريعة،فلا بد من حسم مادّته بتقدير المنفعة بما يتقدّر بها،فإن اتّحد كسكنى الدار و الإرضاع الغير المقدّرين إلّا بالزمان لزم التقدير به،و إن تعدّد تخيّر بين التقدير بأيّهما شاء،كالخياطة و ركوب الدابّة و نحوهما المقدّرين تارة بالزمان كفعلهما في شهر مثلاً،و أُخرى بإضافتهما إلى معيّن كما مرّ في العبارة،و الضابط هو العلم بالمنفعة على أحد الوجهين.

و لو قدّرت بالعمل و المدّة معاً كأن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم مثلاً فالأكثر على البطلان إن قصد التطبيق،وفاقاً للطوسي و الحلّي (2)؛ لأنّه ربّما فرغ قبل انتهاء المدّة فيبقى بعضها مستحقّة بلا عمل،و ربما لا يفرغ فيها فيحتاج إلى مدّة أُخرى فيحصل جهالة المدّة و العمل،و هو غير جائز.

و تردّد الماتن في الشرائع (3)؛ لذلك،و لأنّ العقد قد وقع على العمل و المدّة ذكرت للتعجيل.و وافقه على الاحتمال الثاني الفاضل في المختلف كما حكي (4).و استشكله آخرون كالشرائع.

و لعلّه ليس في محلّه،بل الأوّل أجود،و علّة الصحّة خارجة عن محل الفرض،لوقوعه في وقوع العقد على التطابق دون العمل فقط.

ص:28


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
2- الطوسي في المبسوط 3:221،الحلّي في السرائر 2:457.
3- الشرائع 2:182.
4- لم نعثر عليه في المختلف،و قد حكاه عنه في جامع المقاصد 7:62.نعم،احتمل الجواز في التحرير:165.

نعم،لو أرادا الظرفيّة المطلقة و أمكن وقوع الفعل فيها جاز بلا شبهة.

و يملك المستأجر المنفعة المعقود عليها بالعقد بلا خلاف؛ لما مرّ في تملّك الموجر الأُجرة (1).و لا فرق بينهما إلّا من حيث إنّ تسليم الأُجرة يتوقّف على تمام العمل أو دفع العين المستأجرة، و لا كذلك المنفعة؛ فإنّه يجب تسليمها مع المطالبة بتسليم العمل أو العين التي وقع عليها الإجارة.

و وقت تسليمها في المقدّر بالمدّة عند الفراغ من العقد مع إطلاقه، و ابتداء الزمان المشترط مع تقييده به،متصلاً كان أم منفصلاً،و تصحّ الإجارة فيه بقسميه،و كذا في الأوّل على الأشهر الأظهر.

خلافاً للطوسي في المبسوط و الخلاف في الأوّل (2)،فأبطلها به، و اشترط في صحتها فيه تعيين المدّة.

و له فيهما في القسم الثاني من الثاني،و تبعه فيه الحلبي (3)،فأبطلاها أيضاً.

و عمومات الأدلّة من الكتاب و السنّة،و فحوى النصوص الواردة في المتعة الدالّة جملة منها على الصحّة مع الإطلاق (4)،و أُخر منها عليها مع اشتراط الانفصال (5)و هي مع كثرتها منجبرة أو معتضدة بالشهرة ثمّة،كما سيأتي إليه الإشارة حجة عليهما.

نعم،ينبغي تقييد الصحّة في صورة الإطلاق بصورة دلالة العرف على

ص:29


1- راجع ص:20.
2- المبسوط 3:230،الخلاف 3:496.
3- الكافي في الفقه:349.
4- الوسائل 21:43 أبواب المتعة ب 18.
5- الوسائل 21:72 أبواب المتعة ب 35.

الاتّصال،و إلّا كانت باطلة؛ للجهالة.

و لا ينافيه إطلاق تلك النصوص و عبائر كثير من الجماعة الحاكمين بالصحّة في هذه الصورة،كالقاضي و الحلّي (1)؛ لوروده مورد الغالب،فإنّ عدم انصراف الإطلاق إلى الاتّصال كاد أن يلحق بالنادر و أيّ نادر،و لعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد و الماتن في الشرائع (2)ادّعيا انصراف الإطلاق مطلقا إلى ذلك.و لعلّه كذلك.

و في المقدّر بغير المدّة عند المطالبة.و قيل:عند الفراغ من العقد مطلقا كالسابق؛ لانصراف الإطلاق إلى التعجيل،و لم يثبت في مثله إلّا إذا كان ثمّة قرينة من عرف أو عادة،و لا كلام معها.

و لو مضت مدّة يمكن استيفاء المنفعة المعقود عليها بنفسه و كانت العين في يد المستأجر و المدة ما تعيّنت شرعاً للاستيفاء،إمّا بالتعيين أو ما في حكمه،كما إذا عيّنت المنفعة بالعمل فإنّ مدّتها هي الزمان الذي يسعها عادة استقرّت الأُجرة على المستأجر مطلقا و لو لم ينتفع بها،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات الحاكمة بلزومها بمجرّد العقد،و إنّما لم يجب تسليمها به بل بعد تسليم العين أو العمل لمصلحة المستأجر و ترتب الضرر عليه بتكليفه عليه قبله،و هو هنا قد أقدم على الضرر بتركه الانتفاع، و لا تقصير من جهة المؤجر.

و في الخبر القريب من الموثق:رجل استأجر من رجل أرضاً فقال:

ص:30


1- القاضي في المهذب 1:476،الحلّي في السرائر 2:461.
2- الإرشاد 1:422،الشرائع 2:183.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

آجرنيها بكذا و كذا إن زرعتها،فإن لم أزرعها فأعطيتك،فلم يزرعها،قال:

« له أن يأخذ إن شاء تركه و إن شاء لم يتركه» (1).

و لا فرق في ثبوت الأُجرة عليه بالتسليم بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة،فإنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده بمقتضى القاعدة الكلّيّة المتّفق عليها،لكن مع الفساد يلزم اجرة المثل عمّا فات من المنافع في يده.

و في حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدّة،أو مضت مدّة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأُجرة هنا أيضاً، لكن قيل:لا بد فيه من تقييده بالصحيحة (2).

و إذا عيّن الموجر حين العقد جهة الانتفاع فيما يتعدّد فيه لم يتعدّها المستأجر بلا إشكال؛ عملاً بمقتضى العقد و الشرط اللازم الوفاء بهما.

و يضمن مع التعدّي لعموم:على اليد (3)،و خصوص ما مرّ من النصوص (4).

و لو تلفت العين المعيّن في العقد استيفاء المنفعة منها قبل القبض أو بعده بلا فصل أو امتنع الموجر من التسليم مدّة الإجارة بطلت الإجارة بلا خلاف في الأوّلين في الظاهر،و به صرّح في التنقيح (5)،

ص:31


1- الكافي 5:7/265،الفقيه 3:682/155،التهذيب 7:867/196،الوسائل 19:123 أبواب أحكام الإجارة ب 18 ح 1.
2- الحدائق 21:584.
3- عوالي اللآلي 1:106/224،سنن البيهقي 6:95،مسند أحمد 5:8،المستدرك 14:7 أبواب الوديعة ب 1 ح 12.
4- راجع ص:16.
5- التنقيح الرائع 2:271.

قيل (1):لفوات المتعلّق فيكون كتلف المبيع قبل قبضه،و استيفاء المنفعة هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع،كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه.

و لو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه،بل مطلقا؛ لمخالفته الأصل الدالّ على لزوم الأُجرة،و انتقال المنفعة إلى ملك المستأجر بمجرّد العقد،فرجوع كلّ منهما إلى مالكهما الأوّل مخالف للأصل،و لا دليل عليه سوى القياس على البيع،و هو فاسد بعد اختصاص الدليل به.

نعم،لو كان التلف من قبل المؤجر أمكن ثبوت الحكم هنا؛ لتفويته المنفعة على مالكها،فيضمن.

لكن البطلان فيه أيضاً محل إشكال،و غاية الإتلاف الرجوع إلى تضمين المتلف اجرة المثل،لا المسمّى.

و في حكم تلف الجميع تلف البعض،إلّا أنّ البطلان هنا يختص بالتالف،و يتخيّر في الباقي بين الفسخ لتبعّض الصفقة،و إمساك الحصّة بقسطها من الأُجرة.

و طريق التقسيط في العين المتساوية الأجزاء ظاهر،و في غيرها:بأن تقوّم اجرة مثل جميع المدّة ثمّ تقوّم الأجزاء السابقة على التلف و ينسب إلى المجموع،فيؤخذ من المسمّى بتلك النسبة.

و على إشكال في الأخير:من أن التسليم شرط للاستحقاق بالاتفاق، فليس لأحد على الآخر شيء،و ينفسخ العقد بنفسه؛ لأنّه بمنزلة تلف

ص:32


1- التذكرة 2:319.

المبيع و العين قبل التسليم.

و من أنّ المنفعة مملوكة له و قد منعه عنها،و هي مضمونة كالأعيان، كما إذا غصب العين غاصب،فللمستأجر الخيار في الفسخ و الإلزام بالتسليم،و له اجرة المثل مع عدم الفسخ،و المسمّى معه،و به أفتى الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و الشهيدان في اللمعتين و المقداد في التنقيح (1)،و هو الوجه.

و اشتراط التسليم للاستحقاق مطلقا ممنوع،بل هو مختصّ بالمؤجر.

و عدم استحقاقه الأُجرة مع الامتناع عنه مسلّم،إلّا أنّه لا ينفي استحقاق المستأجر للمنفعة،بل له المطالبة بها أو ببدلها.و لا فرق فيه كالسابق بين الامتناع من تسليم الجميع أو البعض،فله الفسخ لتبعّض الصفقة.خلافاً للقاضي فحكم باللزوم (2).و هو ضعيف.

و ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف أجده أن المستأجر لو منعه الظالم عن الانتفاع بالعين المستأجرة بعد القبض لها لم تبطل الإجارة؛ لاستقرار العقد بالقبض،و براءة الموجر و الحال أن العين موجودة،فيمكن تحصيل المنفعة منها و إنّما المانع عارض.

و كان الدَّرَك أي درك المنفعة على الظالم فيرجع المستأجر عليه بأُجرة مثل المنفعة الفائتة في يده.و لا فرق بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة و خلالها.

و لو كان المنع قبل القبض لم تبطل أيضاً،إلّا أن للمستأجر الخيار بين

ص:33


1- الشرائع 2:186،الإرشاد 1:424،اللمعة(الروضة البهية 4):352،التنقيح الرائع 2:271.
2- المهذب 1:475.

الفسخ؛ لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر،فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها،و مطالبة الموجر بالمسمّى،لفوات المنفعة،و الرضا بالإجارة و انتظار زوال المانع،أو مطالبة المانع بأُجرة المثل.

قيل:بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً؛ لكون العين مضمونة عليه حتى تقبض (1).و لا يسقط التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة لأصالة البقاء.

و كثير من هذه الأحكام منظور فيه إن لم ينعقد الإجماع عليه،و لكن عدم ظهور الخلاف لعلّه كافٍ في إثباته،إلّا أن ظاهر العبارة مفهوماً البطلان مع المنع قبل القبض،إلّا أن وجهه لمخالفته الأصل غير واضح،مع أن الأكثر على خلافه.

و لو انهدم المسكن المستأجَر تخيّر المستأجِر في الفسخ و إن كان بعد استيفاء شيء من المنفعة،و لا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة،و هو هنا المنفعة،و هي تتجدّد شيئاً فشيئاً،و ما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه التصرّف المسقط.

و إطلاق العبارة يقتضي ثبوت الخيار مطلقاً و لو خرج المسكن بالانهدام عن إمكان الانتفاع به أصلاً،أو أمكن إعادته بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به.

و الأوّل لا ينطبق على ما ذكروه من أن تلف العين يبطل الإجارة.

و للثاني وجه من حيث ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب،و به أفتى

ص:34


1- الروضة 4:352.

الشهيد الثاني (1)و المفلح الصيمري.

خلافاً لبعض المتأخّرين،فلم يثبت له الخيار،و حكم بلزوم العقد (2).و لعلّه للأصل،و انتفاء الضرر الموجب للفسخ مع التزام المالك بالإعادة بالنهج المتقدّم.

و هو أوجه،إلّا أن يثبت أنّ ثبوت الخيار بنفس الانهدام من حيث هو هو،فيتّجه حينئذٍ العمل بالاستصحاب.و لكنّه غير معلوم؛ لعدم وضوح دليله،إذ ليس إلّا نفي الضرر،و جوابه قد مرّ،أو الإجماع،و ضعفه أظهر، لمكان الخلاف،و عدم العلم به من وجه آخر.

و حيث لم يفسخ كان له إلزام المالك بإصلاحه توصّلاً إلى حقّه اللازم على المالك أداؤه بدفع ما يحصل به.

و يحتمل قويّاً العدم،وفاقاً للفاضل في الإرشاد (3)؛ للأصل،و عدم دليل صالح على الوجوب،إذ اللازم عليه إنّما هو تسليم العين المستأجرة و ما يتوقّف عليه الانتفاع من الأبواب و المفاتيح،و أمّا التعمير بعد الخراب فلا،إذ ليس متعلّق العقد بالكليّة.

و لا يسقط من مال الإجارة شيء لو كان الهدم بفعل المستأجر مطلقا،كان على جهة الانتفاع أو غيرها،ما لم يكن فيه من طرف الموجر تعدٍّ أو تفريط،و مع أحدهما يتقاصّان إذا كان ثمّة شرائط التقاصّ،و إلّا فعلى المالك الأُجرة للمستأجر،و عليه بدل التالف للمالك.

أن تكون المنفعة مباحة

و خامسها: أن تكون المنفعة مباحة في الشريعة فلو

ص:35


1- الروضة 4:353،المسالك 1:329.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:61.
3- الإرشاد 1:424.

آجره دابّةً أو مسكناً مثلاً ليحمل أو يحرز فيه الخمر المتّخذة للشرب،أو دكّاناً ليبيع فيه آلات محرّمة،أو أجيراً ليحمل مسكراً أو ليعلّمه الغناء و نحوه من الأُمور المحرّمة لم تنعقد الإجارة على الأظهر الأشهر،بل لا يكاد يوجد فيه من الأصحاب مخالف،و إن حكى الصحّة لكن بشرط أن يعمل غير ذلك قولاً في الشرائع (1)،و لم أظفر على قائله منّا.

نعم،حكاه في نهج الحقّ (2)عن أبي حنيفة مدّعياً على خلافه و عدم الجواز إجماع الإماميّة،و دعواه الإجماع على البطلان ظاهرة بقرينة المقابلة، و به صرّح في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة إمّا جواز استيفاء تلك المنفعة المحرّمة، و هو مع عدم وجود قائل به فاسد بالبديهة،أو تبديل تلك المنفعة بالمنفعة المحلّلة كما قاله أبو حنيفة،و هو أظهر فساداً من الأوّل،فإنّها غير ما وقع عليه العقد بلا شبهة،هذا.

مع ما في بعض المعتبرة المنجبرة بل المعتضدة بالشهرة،بل عدّت صحيحة (4):الرجل يؤاجر البيت فيباع فيه الخمر،قال:« حرام أُجرته» (5).

و حرمة الأُجرة لعلّها ظاهرة في بطلان الإجارة أوّلاً لفهم الطائفة، و ثانياً للاستقراء الموجب لذلك و لو على سبيل المظنّة؛ لغلبة ذكر حرمة

ص:36


1- الشرائع 2:186.
2- نهج الحق:508.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
4- مجمع الفائدة و البرهان 10:55.
5- الكافي 5:8/227،التهذيب 6:1077/371،الإستبصار 3:179/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1.

الأُجرة في بيان بطلان المعاملة في مواضع كثيرة يحصل بملاحظتها ظنّ بانسحاب ذلك في نحو المسألة.

و أمّا الصحيح:رجل يؤاجر سفينته أو دابته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير،قال:« لا بأس» (1)فمع كونه مكاتبة محتملة للتقيّة عن رأي أبي حنيفة محمول على الجاهل بأنّ المستأجر يفعل فيها ذلك،أو على أنّ الحمل يجوز أن يكون للتخليل و نحوه.

ثمّ إنّ الخلاف لو كان فإنّما هو في البطلان،و أمّا التحريم فثابت قولاً واحداً فيما إذا اوجر ليعمل الحرام،و أمّا لو اوجر ممّن يعمل ذلك فجائز كذلك مع عدم العلم بالحال،و أمّا معه فإشكال،مضى وجهه في البيع (2).

و لكن الوجه هنا القطع بالمنع؛ لاستلزام الجواز الإعانة على الإثم المحرّمة كتاباً و سنّة،و اختصاص النصوص المجوّزة على تقدير سلامتها من الطعن بالبيع خاصّة،و لا وجه للتعدية غير القياس المحرّم في الشريعة.

و هنا شرط سادس لم يذكره الماتن صريحاً،لكنه أشار إليه بقوله:

و لا تصحّ إجارة العبد الآبق أو الجمل الشارد الذي لا يتمكن من تسليمه و تسلّمه،أو المغصوب الذي لا يملك الموجر التصرّف فيه، بلا خلاف؛ لعدم القدرة على التسليم في شيء من ذلك،مع كونها شرطاً بالإجماع،كما في الغنية و شرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة مع عدمها الغرر و السفاهة المانعين عن

ص:37


1- الكافي 5:6/226،التهذيب 6:1078/372،الإستبصار 3:180/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.
2- راجع ج 8 ص 144.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600،مجمع الفائدة و البرهان 10:58.

صحّة المعاملة.

اللّهمّ إلّا أن تكون هناك ضميمة هي بالذات من الإجارة مقصودة، فتصحّ حينئذٍ كالبيع،و قد مضى التحقيق في وجهها ثمّة (1).

بل قيل بالصحّة معها في العبد مطلقا،و لو لم تكن بالذات مقصودة؛ إلحاقاً لها بالبيع،لا بالقياس،بل لدخولها في الحكم بالأولويّة،لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله (2).

و الوجه المنع؛ لقوّة دليله،و فقد النصّ المجوّز هنا،فيقتصر فيه على مورده و هو البيع خاصّة،و الأولويّة ممنوعة؛ لقيام الفارق،و هو احتمال استناد الصحة في البيع إلى إمكان الانتفاع بالآبق بالعتق و نحوه.و لا كذلك المسألة؛ لعدم إمكان الانتفاع بمثل ذلك و غيره بالكليّة،و به أفتى الفاضل في الإرشاد و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،و إن تردّد فيه الماتن في الشرائع و الفاضل في التحرير و التذكرة (4).

و على الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع، أم يكفي كل واحد منهما في كل واحد منهما؟أوجه:من حصول المعنى و هو إفراد الضميمة بالمعاوضة في كلّ منهما،و من أنّ الظاهر ضميمة كل شيء إلى جنسه،و قوّى الشهيد كما حكي (5)الثاني.

ثمّ كلّ ذا إذا لم يقدر كلّ منهما على تسليم العين و تسلّمها.و لو آجره ممّن يقدر على تحصيله صحّ من غير ضميمة؛ للأصل،و العمومات،و فقد

ص:38


1- راجع ج 8 ص 261.
2- قال به الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 4):350.
3- الإرشاد 1:424،المسالك 1:329،الروضة 4:351.
4- الشرائع 2:186،التحرير 1:248،التذكرة 2:296.
5- حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1:329،و الروضة 4:351.

الدليل المانع هنا.

و لا يضمن صاحب الحمّام الثياب و إن شاهدها عند النزع و قيل له:احفظها،و سكت إلّا أن يودع و يقبل فيفرّط في الحفظ، فيضمن حينئذٍ،بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا،و عليه ادّعى في السرائر إجماعنا (1)؛ لأنّه مع الإيداع منه أمين فلا يضمن إلّا مع التفريط،و مع عدمه فالأصل براءة ذمّته من وجوب حفظ مال الغير مع عدم التزامه به.

مضافاً إلى النصوص،منها:« لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب،لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام،و لم يأخذ على الثياب» (2)و نحوه بدون التعليل مروي عن قرب الإسناد (3).

و منها المرتضوي:« اتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه،و قال:إنّما هو أمين» (4).

و يستفاد منه من حيث الحكم بأمانته على الإطلاق ضمانه مع التفريط و إن لم يودع.و فيه إشكال،و في السند قصور،فالرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل لازم.

ص:39


1- في كتاب القضاء في باب النوادر منه(2:200)قال بعد نقل بعض ما سيأتي من الأخبار:هذا خبر صحيح؛ لأنّ الإجماع منعقد من أصحابنا على هذا إذا لم يستحفظه الثياب.فأمّا إذا أستحفظه و فرَّط في الحفاظ فعليه الضمان؛ لأنّه صار مودعاً،و كذلك إذا استأجره على حفظ الثياب و دخول الحمّام،فإنّه يجب عليه حفاظها،فإذا فرَّط في ذلك فإنّه يجب عليه الضمان،فأمّا إذا لم يستحفظه و لا استأجره على حفظها فلا ضمان عليه،كما ورد في الحديث.(منه رحمه اللّه).
2- التهذيب 6:869/314،الوسائل 19:140 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 3.
3- قرب الإسناد:553/152،الوسائل 19:140 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 2.
4- الكافي 5:8/242،الفقيه 3:716/163،التهذيب 7:954/218،الوسائل 19:139 أبواب أحكام الإجارة ب 28 ح 1.

و لو تنازعا في أصل الاستيجار فادّعاه أحدهما و أنكره الآخر و لا بيّنة فالقول قول المنكر مع يمينه بلا خلاف؛ لأصالة عدمها، و لا فرق بين كون المنكر المالك أم الآخر.

ثمّ إن كان النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رجع كلّ مال إلى صاحبه.و إن كان بعد استيفاء شيء منها أو الجميع الذي يزعم من يدّعي وقوع الإجارة أنّه متعلّق العقد و كان المنكر المالك،فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف و حلف استحقّ اجرة المثل،و إن زادت عن المسمّى بزعم الآخر.

و لو كان المتصرّف يزعم تعيينها في مال مخصوص و كان من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن اجرة المثل،و لا تسلّط له على إلزامه بأخذ النادر؛ للأصل،مع عدم الضرر،فإن ساواها أخذه،و إن نقص وجب على المتصرّف الإكمال،و إن زاد صار الباقي مجهول المالك؛ لزعم المتصرّف استحقاق المالك له و هو ينكر.

و إن كان مغايراً له و لم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب، و لا يجوز له إلزام المالك بأخذ النادر؛ لما يترتّب عليه من الضرر،و يبقى ذلك بأجمعه مجهولاً،و يضمن العين بإنكار الإذن،و لو اعترف به فلا ضمان.

و إن كان المنكر المتصرف و حلف وجب عليه اجرة المثل،فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دَفَعَه؛ لاعترافه باستحقاق المالك له،و وجب عليه دفعه إن لم يكن دَفَعَه،و ليس للمالك قبضه؛ لاعترافه بأنّه لا يستحق أزيد من المسمّى.

و إن زاد المسمّى عن اجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان

ص:40

دَفَعَه،و سقط إن لم يكن،و العين ليست بمضمونه عليه هنا؛ لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

و لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة فادّعاه المستأجر و لا بيّنة فالقول قول المالك مع يمينه بلا خلاف في الظاهر و لا إشكال؛ لأصالة العدم السليمة عن المعارض من نحو ما قيل في الوديعة من الإحسان المحض النافي للسبيل عليه بمطالبة البيّنة؛ لقبضه هنا لمصلحة نفسه، فلا إحسان منه يوجب قبول قوله فيه بلا بيّنة،مع مخالفته للأصل.

و كذا القول قول المالك مع يمينه لو كان الاختلاف في قدر الشيء المستأجَر بفتح الجيم،و هو العين المستأجَرة،بأن قال:آجرتك البيت بمائة،فقال:بل الدار أجمع بها،و لا بيّنة،على المشهور بين المتأخّرين،وفاقاً للحلّي (1)؛ لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتّفقا عليه.

و قيل:يتحالفان و تبطل الإجارة؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ و منكر (2).

و يضعف:بأنّ ضابطة التحالف عندهم أن لا يتّفقا على شيء،كما لو قال:آجرتك البيت الفلاني،فقال:بل الفلاني،و ليس المقام كذلك؛ لاتّفاقهما على وقوع الإجارة على البيت و على استحقاق الأُجرة المعيّنة، و إنّما الاختلاف في الزائد،فيقدّم قول منكره.

و كذا لو اختلفا في قدر الأُجرة بعد اتفاقهما على العين و المدّة،فادّعى المالك الزيادة و الآخر النقصان فالقول قول المستأجر مع يمينه وفاقاً لمن تقدّم؛ لما مرّ.

ص:41


1- السرائر 2:464.
2- جامع المقاصد 7:297.

خلافاً للخلاف و الغنية (1)،فالرجوع إلى القرعة،فمن خرج اسمه حلف و حكم له؛ للإجماع على أنّها لكلّ أمر مشكل.

و فيه نظر؛ إذ لا إشكال؛ لاتفاقهما على مطلق الإجارة،و إنّما اختلفا في قدر الأُجرة،و الموجر يدّعي الزيادة و ينكرها المستأجر،فيكون على المدّعى البيّنة،فإن عجز حلف المستأجر و برئ من تلك الزيادة.

و للإسكافي و المبسوط (2)،فالتحالف إن كان الاختلاف قبل مضيّ المدّة،و إلّا فالقول قول المستأجر،قال:و هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا.

و للقاضي (3)،فالتحالف إن حلفا،و إلّا فقول أحدهما مع يمينه إن نكل صاحبه،و إن نكلا أو حلفا جميعاً انفسخ العقد في المستقبل و كان القول قول المالك مع يمينه في الماضي،فإن لم يحلف كان له اجرة المثل.

و مرجعهما إلى التحالف فيضعّف بما مرّ في المسألة السابقة،و مع ذلك هما كسابقهما شاذّان لم أرَ من المتأخّرين مفتياً بهما،و إن استوجه الفاضل في المختلف (4)القول بالتحالف بعد ردّه.

ثمّ ذا كلّه إذا لم يكن بيّنة،فلو كانت لأحدهما قيل (5):حكم له بها مطلقا.

و لو أقامها كلّ منهما ففي تقديم قول المدّعى؛ لأنّ القول قول المنكر فلا حكم لبيّنته،أو التحالف؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ باعتبار و منكر بآخر،أو

ص:42


1- الخلاف 3:521،الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:462،المبسوط 3:266.
3- المهذب 1:474.
4- المختلف:462.
5- التنقيح الرائع 2:274.

القرعة؛ لحصول الإشكال مع البينة احتمالات،أوجهها الأوّل.

و كذا يقدّم قول المستأجر مع يمينه و عدم البينة لو ادّعى الموجر عليه التفريط فأنكره؛ للأصل،مضافاً إلى أمانته الموجبة لذلك بمقتضى النصوص المستفيضة.

و تثبت اجرة المثل في كلّ موضع تبطل فيه الإجارة مع استيفاء المنفعة أو بعضها مطلقا،زادت عن المسمّى أم نقصت عنه؛ لاقتضاء البطلان رجوع كلّ عوض إلى مالكه،و مع استيفاء المنفعة يمتنع ردّها فيرجع إلى بدلها،و هو اجرة المثل.

قيل (1):إلّا أن يكون البطلان باشتراط عدم الأُجرة،أو عدم ذكرها في العقد بالمرّة؛ لدخول الموجر على ذلك،و استحسنه في المسالك (2).

و هو كذلك في القسم الأوّل؛ للأصل،و رجوعه إلى العارية و إن عبّر عنها بلفظ الإجارة الظاهرة في عدم التبرّع و لزوم الأُجرة،فإنّ التصريح بعدمها بعده أقوى من الظهور المستفاد منها قبله،فالظاهر يدفع بالنص، سيّما مع اعتضاده بالأصل،فيرجع إلى العارية بناءً على عدم اشتراط لفظٍ فيها،و أنّه يكتفى فيها بما دلّ على التبرّع بالمنفعة،و قد تحقّق في فرض المسألة و يشكل في الثاني؛ لاندفاع الأصل بظهور لفظ الإجارة في لزوم الأُجرة و عدم التبرّع،و لا معارض له يصرفه عن ذلك الظهور من نصّ أو غيره،فإنّ عدم ذكر الأُجرة لا يدل على التبرّع بالمنفعة بإحدى الدلالات الثلاث؛ لاحتمال استناده إلى نحو النسيان و الغفلة،فالأخذ بالظاهر متعيّن إلى تحقّق الصارف عنه إلى العارية،كما تحقّق في الشق الأوّل.

ص:43


1- كما قال به الشهيد الأوّل على ما حكي عنه في المسالك 1:322.
2- المسالك 1:322.

و أصالة البراءة عن الأُجرة بعد ظهور لفظ الإجارة في لزومها و عدم التبرّع غير كافية،و اشتراط الصراحة بلزوم الأُجرة لا يلائم ما ذكروه من لزومها بمجرّد انتصاب الأجير للعمل بالأجر،كالسمسار و الدلّال،بل الحكم بلزومها ثمّة يوجب الحكم به هنا بطريق أولى،كما لا يخفى،فإذاً الحكم بلزوم اجرة المثل هنا أولى.

ثمّ إنّ كلّ ذا مع جهلهما بالفساد،و أمّا مع علمهما به فلا يستحق المؤجر شيئاً؛ لأن علمه به يصيّر دفعه المنفعة في حكم التبرّع و البذل من دون عوض و أُجرة،فيصير كالعاريّة.

و لا يجب على المستأجر دفع الأُجرة،فلو دفعها مع العلم بالفساد كان بمنزلة الهبة،له الرجوع فيها ما دامت العين باقية و المدفوع إليه غير رحم.

و لو اختصّ بالجهل كان له الرجوع مطلقا و لو كانت تالفة أو كان المدفوع إليه رحماً،فإنّ الدفع هنا ليس بمنزلة الهبة،بل في مقابلة العمل المتوهّم للجهل بالفساد لزوم المدفوع بسببه،و حيث ظهر الفساد و عدم السببية كان له الرجوع بما دفعه،و العمل لا يوجب شيئاً؛ لعلم صاحبه بالفساد و كونه به متبرّعاً.

و لو انعكس فاختصّ الموجر بالجهل استحقّ اجرة المثل،كما إذا شاركه الآخر في الجهل،و العين مضمونة في يد المستأجر مطلقا،كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (1)؛ و لعلّه لعموم الخبر بضمان ما

ص:44


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:50.

أخذته اليد (1).

و ربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد؛ لإناطة التكليف بالعلم و ارتفاعه مع الجهل.

و هو كما ترى،فإنّ التلف في اليد من جملة الأسباب لا يختلف فيه صورتا العلم و الجهل حين السبب،و التكليف بردّ البدل ليس حين الجهل، بل بعد العلم بالسبب.

نعم،ربّما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان الموجر عالماً بالفساد؛ لكون ترتّب اليد على العين حينئذٍ بإذن المالك،فلا ينصرف إلى هذه الصورة إطلاق الخبر المتقدّم.

مضافاً إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في هذه الصورة إلى العارية، و الحكم فيها عدم ضمان المستعير،كما تقدّم.

و لا كذلك لو كان جاهلاً به؛ لضمان المستأجر فيه و لو حصل الدفع فيه بالإذن أيضاً،فإنّه كعدمه؛ لابتنائه على توهم الصحّة فيكون كالإذن المشروط بها،فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمّة إذن بالمرّة،و لعلّ مراد الأصحاب غير هذه الصورة.

و لو تعدّى بالدابّة بل مطلق العين المستأجرة فسار بها زيادة عن المسافة المشترطة في إجارتها ضمن قيمتها مع التلف،و الأرش مع النقص و لزمه في الزائد أُجرة المثل له،مضافاً إلى المسمّى مطلقا،و لو مع الأمرين،وفاقاً للمبسوط و المختلف و التنقيح (2)؛ للصحيح:«..عليك

ص:45


1- عوالي اللئلئ 2:10/345،المستدرك 14:7 أبواب الوديعة ب 1 ح 12،سنن البيهقي 6:95،مسند أحمد 5:8.
2- المبسوط 3:225،المختلف:468،التنقيح الرائع 2:274.

مثل كراء البغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل،و مثل كراء البغل راكباً من النيل إلى بغداد،و مثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه»..فقلت:

أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ و ليس كان يلزمني؟قال:« نعم،قيمة البغل يوم خالفته» قلت:فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر،فقال:« عليك قيمة ما بين الصحيح و المعيب يوم تردّه» (1)الخبر،و هو طويل مشهور.

خلافاً للقاضي،فقال:يلزم مع التلف القيمة لا غير،و مع النقص أمّا الأُجرة أو قيمة الناقص (2).

و هو شاذّ محجوج بالصحيح المزبور،و أصالة عدم التداخل بناءً على أن كلّاً منهما يثبت بسبب،فالنقص بالجناية و الأُجرة باستيفاء المنفعة المملوكة،و ما ذكره هو فتوى أبي حنيفة،و قد خطّأه عليه السلام في صدر الصحيحة،فقال:« في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها» .ثمّ إنّ ظاهرها كما ترى أنّ المعتبر في القيمة قيمة يوم التفريط و عليه الأكثر هنا؛ لها،و لأنّه يوم تعلّقه بذمّته،كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب،إلّا أنّ الظاهر من قوله:« يوم تردّه» خلافه؛ مضافاً إلى عدم صراحة سابقه فيه.

و قد قدّمنا التحقيق في ضعف دلالتها عليه في كتاب البيع (3)،و لعلّه لذا قيل (4):إنّ الأقرب ضمان قيمتها يوم التلف؛ لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة

ص:46


1- الكافي 5:6/290،التهذيب 7:943/215،الإستبصار 3:483/134،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.
2- المهذب 1:485.
3- راجع ج 8 ص 253.
4- قالا به الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:356.

لا قبله و إن حكم بالضمان قبل التلف بسبب التفريط السابق عليه؛ لأنّ المفروض بقاء العين فلا تنتقل إلى القيمة.

و فيه مناقشةٌ ما ذكرت في بعض المباحث المذكورة ثمة.

و قيل (1):يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف.

و هو أوفق بالأصل الدالّ على لزوم تحصيل البراءة اليقينية،مع كونه أحوط في الجملة.

و كيف كان،موضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة،أمّا لو كان بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمان الناقص.

فإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول الغارم (2) وفاقاً للحلّي و أكثر المتأخّرين،كالفاضلين و الشهيدين و التنقيح و المفلح الصيمري و غيرهم (3)،بل لعلّه عليه عامّتهم؛ لأصالة عدم الزيادة؛ و لأنّه منكر فيكون القول قوله.

و في رواية عمل بها النهاية (4)أن القول قول المالك و هي الصحيحة المتقدّمة،فإنّ في آخرها:قلت:فمن يعرف ذلك؟قال:« أنت و هو،إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك،و إن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك،أو يأتي صاحب البغل بشهود أن قيمة البغل حين أكرى كذا و كذا فيلزمك» الحديث.

ص:47


1- كما قال به الشيخ في الخلاف 3:493،و المبسوط 3:225،و العلّامة في القواعد 1:234.
2- في« ح» و« ر» زيادة:مع يمينه.
3- الحلّي في السرائر 2:465،المحقّق في الشرائع 2:187،العلّامة في التحرير 1:255،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 4:356،التنقيح 2:275 و انظر الكفاية:127.
4- النهاية:446.

و لو لا إطباق متأخّري الأصحاب على العمل بالأصل العام و إطراح الرواية لكان المصير إليها لصحتها في غاية القوة.لكن لا مندوحة عمّا ذكروه؛ لقوة الأصل بعملهم فيرجّح عليها و إن كانت خاصّة،لفقد التكافؤ.

و لمخالفتها الأصل اقتصر في النهاية على موردها و هي الدابة،و وافق الأصحاب فيما عداه من الأعيان المستأجرة.

و يستحب أن يقاطع من يستعمله على الأُجرة قبل العمل؛ للأمر به في المعتبرة المنزّل عليه بلا خلاف،فعن الصادق عليه السلام:« من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتى يُعلمه ما أجره» (1).

و عن الرضا عليه السلام أنّه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة،و قال:« إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعافه على أُجرته إلّا ظنّ أنك قد نقصته أُجرته،و إذا قاطعته ثمّ أعطيته أُجرته حمدك على الوفاء،فإن زدته حبّة عرف ذلك لك و رأى أنّك قد زدته» (2).

و يجب على المستأجر إيفاؤه أُجرته عند فراغه من العمل اللازم عليه؛ للنصوص المتقدّمة المتضمّن بعضها:« لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته» (3)و غيره:« أعطهم أُجورهم قبل أن يجفّ عرقهم» (4).

ص:48


1- الكافي 5:4/289،التهذيب 7:931/211،الوسائل 19:105 أبواب أحكام الإجارة ب 3 ح 2.
2- الكافي 5:1/288،التهذيب 7:932/212،الوسائل 19:104 أبواب أحكام الإجارة ب 3 ح 1.
3- الكافي 5:2/289،التهذيب 7:929/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 1.
4- الكافي 5:3/289،التهذيب 7:930/211،الوسائل 19:106 أبواب أحكام الإجارة ب 4 ح 2.

و ظاهرها الوجوب كما في العبارة.

خلافاً للّمعة و الروضة (1):فالاستحباب.و لا وجه له مع اعتبار النصوص،و اعتضادها بالقاعدة المتقدّم بيانها في تحقيق الأمانة الشرعية.

و لا يعمل الأجير الخاص و هو الذي يستأجر للعمل بنفسه مدّة معيّنة حقيقة أو حكماً،كما إذا استوجر لعمل معيّن أول زمانه اليوم المعيّن بحيث لا يتوانى فيه بعده لغير المستأجر إلّا بإذنه،بلا خلاف.

قيل (2):للموثق:عن الرجل يستأجر الرجل بأجرٍ معلوم فيجعله في ضيعته،فيعطيه رجل آخر دراهم و يقول:اشتر بها كذا و كذا،و ما ربحت بيني و بينك،فقال:« إذا أذن الذي استأجره فليس به بأس» (3).

و فيه نظر؛ لأعمّيّة الأجير فيه من الخاص،كالبأس المفهوم منه من التحريم،إلّا أن يخصّا بهما بمعونة الإجماع،لكن الحجة حينئذٍ هو دون نفس الرواية،فتأمّل.

و الأصل بعده انحصار المنفعة المستحقة للمستأجر فيه بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنهار،فلا يجوز التصرّف فيها بغير إذنه،أمّا غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤدِّ إلى ضعف في العمل المستأجر عليه،بلا خلاف و لا إشكال؛ لعدم المنافاة.

و منه يظهر الوجه في جواز عمله لغيره في المعيّن عملاً لا ينافي حقّه،كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقّه،في أصحّ الوجهين.

ص:49


1- اللمعة(الروضة البهية 4):354.
2- قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:108،و صاحب الحدائق 21:560.
3- الكافي 5:1/287،التهذيب 7:935/213،الوسائل 19:112 أبواب أحكام الإجارة ب 9 ح 1.

و الآخر العدم؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير.

و فيه نظر و إن جعله في المسالك و الروضة (1)وجهاً مقاوماً للأوّل، فإن ملك الغير ليس إلّا خصوص العمل المختص بالزمن المعيّن،و قد حصل من دون أن يدخل فيه التصرّف الآخر و يتخلل.

و احترز بالخاص عن المطلق،و هو الذي يستأجر لعمل مجرّد عن المباشرة مع تعيين المدّة،كتحصيل الخياطة يوماً،أو عن المدّة مع تعيين المباشرة،كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّضٍ إلى وقت،أو مجرّداً عنهما،كخياطة ثوب مجرّداً عن تعيين الزمان،فإنّه بأقسامه يجوز أن يعمل لغير المستأجر و يوجر نفسه من غيره استئجاراً لا ينافي الاستيجار الأوّل، بلا خلاف.

أمّا الاستيجار المنافي كأن يوجر نفسه مدّة حياته مع تعيين المباشرة فلا يجوز؛ للمنافاة بينه و بين عمل ما استوجر عليه للأوّل،و هو حينئذٍ في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدّة للعمل الأوّل.

ثمّ الخاص مطلقا إن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إمّا أن يكون بعقد إجارة،أو جعالة،أو تبرّعاً:

ففي الأوّل:قيل (2):يتخيّر المستأجر الأوّل بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها،و بين إبقائه،فإن اختار الفسخ و كان ذلك قبل أن يعمل له الأجير شيئاً فلا شيء عليه للأجير،و إن كان بعده تبعّضت الإجارة و لزمه للأجير من المسمّى بالنسبة.

و إن بقي على الإجارة تخيّر في فسخ العقد الطارئ و إجازته؛ إذ

ص:50


1- المسالك 1:323،الروضة 4:344.
2- كما قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:323،و الروضة 4:345.

المنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضولي.

فإن فسخه رجع إلى أُجرة المثل عن المدّة الفائتة؛ لأنّها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة و قد أتلف عليه،و يتخيّر في الرجوع على الأجير؛ لمباشرته الإتلاف،أو المستأجر،لأنّه المستوفي.

و إن أجازه ثبت له المسمّى في الاستيجار الثاني،فإن كان قبل تسلّم الأجير للمسمّى فالمطالب به المستأجر؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضولي باع ملك غيره فأجاز المالك،فإنّ الفضولي لا يطالب بالثمن بل المشتري.

و إن كان بعد تسلّمه و كانت الأُجرة معيّنة في العقد فالمطالب بها مَن هي في يده.

و إن كانت مطلقة فإن أجاز القبض و التسلّم أيضاً فالمطالب الأجير، و إلّا المستأجر،ثم هو يرجع على الأجير بما تسلّم مع جهله،أو علمه و بقاء العين،بل مطلقا في وجهٍ قوي.

و إن كان عمله بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى منه أو من الجاعل بالتقريب المتقدّم،و عدمها فيرجع بأُجرة المثل.

و إن عمل تبرّعاً و كان العمل ممّا له اجرة في العادة تخيّر بين مطالبة من شاء منهما بأُجرة المثل إن لم يفسخ عقد نفسه،و إلّا فلا شيء إذا كان قبل أن يعمل الأجير له شيئاً،و لو عمل عملاً فحكمه ما سبق في إجارته.

و في معناه عمله لنفسه.

و لو حاز شيئاً من المباحات بنيّة التملك ملكه،و كان حكم الزمان المصروف في ذلك ما مرّ.

ص:51

ص:52

كتاب الوكالة

اشارة

كتاب الوكالة و هي ثابتة بالكتاب و السنّة و إجماع المسلمين كافّة،كما في المهذّب و عن السرائر و التذكرة (1)،قال سبحانه فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ [1] (2).و قال:أيضاً اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي [2] (3).و الآيات آت بمعناهما متظافرة،كما أنّ السنّة الخاصيّة و العاميّة به مستفيضة،بل متواترة سيأتي إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و الكلام فيه يستدعي فصولاً:

.

الأوّل في حقيقة الوكالة

الأوّل:الوكالة بفتح الواو و كسرها عبارة عن الإيجاب و القبول الدالّين على الاستنابة في التصرّف و عرّفها بعضهم بأنّها عقد يفيد نيابة الغير في شيء،للموجب أن يتولّاه بنفسه و بغيره؛ ليدخل في متعلّقه الأفعال و الأقوال.بخلاف الأوّل؛ لاختصاصه بالأفعال،لأنّها المتبادر من متعلّق التصرّف فيه.

و بتقييد الشيء العام للأمرين بما له أن يتولّاه يخرج الفاسد منهما، و بتقييده بغيره ما لا يجوز أن يتولّاه به،كالواجبات العينية و النذور و الايمان و نحوهما.

ص:53


1- المهذب البارع 3:29،السرائر 2:81،التذكرة 2:113.
2- الكهف:19.
3- يوسف:93.

و لكن ينتقض طرداً بالقراض و المزارعة و المساقاة،و لذا قيّده بعضهم بقوله:بالذات (1).

و كيف كان،يكفي في كل من الإيجاب و القبول هنا ما يدل عليهما و لو بالإشارة المفهمة في الأوّل،و الفعل الدالّ على الرضا في الثاني، بلا خلاف أجده،و به صرّح في المفاتيح و حكي عن التذكرة (2).

و لا يشترط في القبول الفورية،بل يجوز تراخيه عن الإيجاب و لو طالت المدّة،إجماعاً منا،كما عن التذكرة (3)،و حكاه في المسالك و الروضة (4)على جواز توكيل الغائب و القبول فيه متأخّر،و نحوه السرائر (5)،بل جعله إجماع المسلمين.

و يدلّ عليه بالخصوص أخبار معتبرة،كالصحيح:عن رجل أمر رجلاً أن يزوّجه امرأة بالمدينة و سمّاها له،و الذي أمره بالعراق،فخرج المأمور فزوّجها إيّاه (6)،الحديث،فتأمّل.

و الموثق:عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول:ابتع لي ثوباً،فيطلب له في السوق (7)،الخبر.

و الخبر:في رجل بعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رحيم امرأة كانت له و أمَره أن يطلّقها عنه و يمتّعها بهذا المال (8).

ص:54


1- كالشهيد الثاني في الروضة 4:367.
2- المفاتيح 3:189،و حكاه عن التذكرة في الحدائق 22:4.
3- التذكرة 2:114.
4- المسالك 1:332،الروضة 4:368.
5- السرائر 2:95.
6- الفقيه 3:1290/271،الوسائل 20:305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 1.
7- التهذيب 6:999/352،الوسائل 17:389 أبواب آداب التجارة ب 5 ح 2.
8- التهذيب 8:121/40،الإستبصار 3:992/279،الوسائل 14:523 أبواب المزار ب 70 ح 6.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و منهما يظهر عدم اشتراط عدم الردّ، وفاقاً لجماعة (1).

خلافاً للقواعد و التذكرة (2)،فاشترطه.و لا وجه له،إلّا أن يقال:بأن المقصود من الوكالة هو إباحة التصرّف بإذن المالك،و هو مشكوك فيه بعد الردّ،فلعلّ المالك لم يرض بتصرّفه بعده،و أصالة بقاء الإذن معارض بأصالة بقاء حرمة التصرّف.

و هو لا يتم إلّا مع علم الآذن بالردّ و حصول الشك في بقاء الإذن بعده،و الوجه فيه ما ذكره،دون ما إذا لم يعلم به،أو قطع ببقاء إذنه.

و لا حكم لوكالة المتبرّع بقبولها بعدم اشتراطه جعلاً أو اجرة على عمله الذي ليس له اجرة في العرف و العادة،كبرئه القلم،فلا يستحق اجرة مطلقا و لو نواها،لتبرّعه بالعمل لفظاً،مع أن الأصل عدمها.

و يحتمل العبارة معنى آخر،مبني على إرادة التوكيل من الوكالة،أي:

لا حكم لتوكيل المتبرّع بتوكيله بأن وكّل أحداً في التصرّف في مال غيره فضولياً.

و هو مع توقّفه على البناء المتقدّم المخالف للظاهر،لكون الوكالة وصفاً قائماً بالوكيل دون الموكّل لا ينطبق على القول بصحة الفضولي في الوكالة كما قال بها الماتن إلّا بتأويل الحكم في العبارة باللزوم دون الصحّة،و هو أيضاً خلاف الظاهر،لكن هذا المعنى أنسب بالمقام ممّا قلناه.

و من شرطها أن تقع منجّزة فلا تصحّ معلّقة على شرط متوقّع،

ص:55


1- الكفاية:128،الحدائق 22:32،مجمع الفائدة و البرهان 9:530.
2- القواعد 1:252،التذكرة 2:114.

كقدوم الحاج و لا صفة مترقّبة،كطلوع الشمس.

و يجوز تنجيزها و تأخير التصرّف إلى أمد بأن يقول:وكّلتك الآن في كذا و لكن لا تتصرّف إلّا بعد شهر مثلاً.

بلا خلاف في المقامين على الظاهر،و صرّح به المفلح الصيمري في شرح الشرائع،بل في المسالك و عن التذكرة الإجماع عليهما (1)؛ و هو الحجة فيهما.

مضافاً إلى الأصل و إطلاقات الأدلّة من الكتاب و السنّة في الثاني.مع اعتضاد الحكم فيه بأنّه بمعنى اشتراط أمرٍ سائغٍ زائدٍ على أصلها الجامع لشرائطها التي من جملتها التنجيز.و هو و إن كان في معنى التعليق،إلّا أنّه لا دليل على المنع عنه على الإطلاق؛ لاختصاص الإجماع المانع عنه بالنوع الأوّل،فلا يتعدّى إلى غيره؛ مضافاً إلى الإجماع على الصحّة فيه.

و في صحّة التصرّف حيث فسدت بالتعليق بعد حصول المعلّق عليه من أحد الأمرين بالإذن الضمني قولان:

من أنّ الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد،أمّا الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا،كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً فقال:بع كذا على أن لك العشر من ثمنه،فتفسد الوكالة دون الإذن،و أن الوكالة أخصّ من مطلق الإذن،و عدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعم.

و من أنّ الوكالة ليست أمراً زائداً على الإذن.و ما يزيد عنه من مثل الجعل أمر زائد عليهما؛ لصحتها بدونه.فلا يعقل فسادها المدّعى عليه الإجماع مع صحّته.و هو أوجه.

ص:56


1- المسالك 1:233،التذكرة 2:114.

إلّا أن يدّعى اختصاص الإجماع على الفساد بصورة تضمّنها الجعل، و يشهد له مصير ناقله الذي هو الفاضل في التذكرة فيها و في المختلف إلى القول بصحّة التصرّف بالإذن الضمني (1)،كما هو فرض المسألة،و احتمله في القواعد أيضاً (2)،كناقله الآخر في الروضة (3).

فإذا تحقّق عدم الإجماع على الفساد في المسألة تعيّن المصير فيها إلى الصحّة؛ أخذاً بأدلّتها من إطلاقات الكتاب و السنّة،لكنّها بعدُ لا يخلو عن شوب المناقشة،فالاحتياط فيها لازم البتّة.

سيّما إذا كانت التصرّفات تصرّفات ناقلة بنحو من العقود اللازمة؛ لمخالفتها الأصل،و اختصاص المخالف له الدالّ على اللزوم من نحو:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (4)بمالك التصرّفات بالأصالة دون مالكها بالنيابة،و كفاية مثل هذا الإذن المشكوك في تأثيره في صرف أوامر الوفاء إلى مالكها بالأصالة غير معلوم في الحكم بالصحة و صرفها إليه البتة،فتأمّل.

و ليست الوكالة لازمة لأحدهما بلا خلاف،كما عن التذكرة (5)،و عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6).فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر و غيبته،لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا.

و يأتي في صحة التصرّف بالإذن الضمني ما مضى من احتمالها مطلقا،و عدمها كذلك.

ص:57


1- التذكرة 2:114،المختلف:438.
2- القواعد 1:252.
3- الروضة 4:369.
4- المائدة:1.
5- التذكرة 2:132.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):597.

و ربّما فرّق هنا بين إعلام الموكّل بالعزل فالثاني،و إلّا فالأوّل.

و الثاني أشهر،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (1)،و الأوّل أوجه لولاه، و مال إليه في المسالك مع تردّده فيه ثمة،قال:لأنّ الإذن صحيح جامع للشرائط،بخلاف السابق،فإنّه معلّق.و في صحته ما قد عرفت،و من ثمّ جزم في القواعد (2)ببقاء صحته هنا،و جعل الصحة هناك احتمالاً (3).

و لا ينعزل الوكيل بعزل الموكّل ما لم يعلم العزل و إن أشهد بالعزل على الأصح الأشهر بين عامة من تأخّر،وفاقاً للخلاف و الإسكافي (4)؛ للمعتبرة الواردة عن أهل العصمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،منها الصحيح في الفقيه:رجل وكّل آخر على وكالة في إمضاء أمر من الأُمور و أشهد له بذلك،فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر،فقال:اشهدوا أني قد عزلت فلاناً عن الوكالة،فقال:« إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على إمضاء الوكيل،كره الموكّل أم رضي» قلت:فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنّه قد عزله عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟قال:« نعم» قلت:فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر،ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال:« نعم،إن الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافه العزل عن الوكالة» (5).

ص:58


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- القواعد 1:258.
3- المسالك 1:233.
4- الخلاف 3:642،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:436.
5- الفقيه 3:170/49،التهذيب 6:503/213،الوسائل 19:162 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و الصحيح فيه:« من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها» (1).

و الخبر القريب من الصحّة بتضمّن سنده جملة ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة:رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت و طهرت،و خرج الرجل فبدا له،فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به و أنّه قد بدا له في ذلك،قال:« فليُعلِم أهله و ليُعلِم الوكيل» (2).

و نحوه آخر (3)،و هو طويل تضمّن حكم الأمير عليه السلام بذلك مع الإشهاد و عدم الإعلام.

و قصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالأخبار الأوّلة الصحيحة،فلا شبهة في المسألة.

خلافاً للفاضل في القواعد خاصة،فحكم بالعزل مطلقا (4).

و للنهاية و الحلّي و القاضي و الحلبي و ابني زهرة و حمزة (5)،فالتفصيل بين الإشهاد فالثاني،و إلّا فالأوّل،و عليه ادّعى في الغنية إجماع الإماميّة.

و غايته أنّه رواية صحيحة واحدة لا تقابل ما قدّمناه من النصوص

ص:59


1- الفقيه 3:166/47،التهذيب 6:502/213،الوسائل 19:161 أبواب أحكام الوكالة ب 1 ح 1.
2- الكافي 6:4/129،الفقيه 3:167/48،التهذيب 6:505/214،الإستبصار 3:988/278،الوسائل 19:164 أبواب أحكام الوكالة ب 3 ح 1.
3- الفقيه 3:168/48،التهذيب 6:506/214،الوسائل 19:163 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 2.
4- القواعد 1:258.
5- النهاية:318،الحلّي في السرائر 2:93،القاضي حكاه عنه في المختلف:437،الحلبي في الكافي في الفقه:338،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597،ابن حمزة في الوسيلة:283.

المستفيضة المعتضدة بالشهرة،فليس فيها حجّة،كسائر ما علّل به الأوّل من أنّ العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضاء صاحبه فلا يفتقر إلى علمه، كالطلاق و العتق.

و أن الوكالة من العقود الجائزة فللموكّل الفسخ و إن لم يعلم الوكيل، و إلّا كانت حينئذٍ لازمة.

فقد يضعّف الأوّل:بمنع المساواة بين العتق و المقام،فإنّ العتق فكّ ملك و ليس متعلّقاً بغير العاقد،و ليس كذلك العزل في الوكالة؛ لتعلّقه بثالثٍ.

و الثاني:بتسليم جواز الفسخ،لكن يحتمل أن يكون ترتّب أثره عليه مشروطاً بالإعلام المفقود في المقام.

قوله:و إلّا كانت لازمة.

قلنا:نعم في هذه الصورة،و هو لا ينافي جوازها من أصلها،فكم من عقود جائزة تصير لازمة بالعوارض الخارجية،كشروع العامل في العمل في الجعالة،فإنّها تكون لازمة للجاعل إلّا مع بذل مقابل ما عمل مع إعلامه،و نظائره في الشرع كثيرة،كحضور المسافر مسجد الجمعة، و شروع الإنسان في الحج المندوب.هذا.

مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص الصحيح،فلا يعتبر.

و أمّا ما ربما يستدل بعده للمختار:من استلزام الانعزال بالعزل قبل الإعلام الضرر على الوكيل،فقد يتصرّف تصرّفات يتطرّق الضرر إليه ببطلانها،كما لو باع الجارية فيطؤها المشتري،و الطعام فيأكله،و أن النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد علمه كنواهي الشرع.

فضعيف غايته،فالأوّل:بانتقاضه بتصرّفاته بعد موت الموكّل مثلاً

ص:60

و لم يعلم،و لا خلاف في بطلانها،كما في شرح الإرشاد و غيره (1)،مع اندفاع الضرر بالرجوع إلى العوض.

و الثاني:بذلك،و بأنّ غاية الجهل إنّما هو رفع حكم النهي الذي هو الإثم و المؤاخذة،لا إثبات الصحّة في معاملة لم تصادف إذن المالك بالكليّة،و إن هي حينئذٍ إلّا كصلاة واقعة في حالة النسيان من غير طهارة، و معاملة على مال الغير بمظنّة أنّه ماله.

و يتفرّع على المختار أنّ تصرّفه قبل العلم بالعزل ماضٍ على الموكّل ليس له ردّه و لو أشهد عليه،فالأنسب تفريعه عليه بالفاء.

ثم المستفاد من هذه العبارة كسابقتها و غيرها ممّا اعتبر فيه العلم بالعزل عدم اعتبار الظن به،و هو كذلك إلّا في الظن المستفاد من إخبار الثقة؛ للصحيحة الاُولى من الأخبار المتقدّمة،و به صرّح جماعة (2)، و يمكن أن ينزّل عليه العبارة بحمل العلم فيها على ما يعمّ الظن القائم مقامه شرعاً.

و تبطل الوكالة حيث إنّها من العقود الجائزة بالموت و الجنون مطبقاً كان أو أدواراً و الإغماء قليلاً كان أو كثيراً،من كل منهما كان هذه الثلاثة،بلا خلاف في الظاهر،و به في الأوّل صرّح في الغنية (3)،و في الأخيرين بإطلاقهما في المسالك (4)،و في الثلاثة في الجملة محكي عن

ص:61


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:540؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 4:370،و المحقّق الكركي في جامع المقاصد 8:279،و السبزواري في الكفاية:128.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
4- المسالك 1:334.

التذكرة (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الاعتبار في الأوّل:من اختصاص الإذن بالوكيل،فلا يعمّ وارثه لو مات هو،و لو مات الموكّل انتقل ما وكّل فيه إن كان ماله إلى الورثة،فالمعتبر حينئذٍ إذنهم لا إذنه.و لو كان غير مال كعقد نكاح أو غيره لم يكن بعد الموت قابلاً له.

و في الأخيرين أيضاً:من إيجابهما فساد تصرّفات كلٍّ من الوكيل و الموكّل إذا حصلا فيهما فلأن يوجبا فساد تصرّف الوكيل أولى؛ إذ لو حصلا فيه منعاه من التصرّف لنفسه،فما ظنّك بتصرّفه لغيره،و لو حصلا في الموكّل منعاه عن استبداده بالتصرّف بنفسه،فكيف لا يمنعان تصرّف من هو في حكمه؟! و لو تصرّف و الحال هذه لم يصحّ؛ للأصل،و عدم مصادفته للإذن المصحّح له؛ لانقطاعه بأحد الثلاثة.هذا.

مضافاً إلى وقوع التصريح به في المرسل كالموثق:في رجل أرسل يخطب عليه امرأة و هو غائب،فأنكحوا الغائب و فرضوا الصداق،ثم جاء خبره بعدُ أنّه توفّي بعد ما سيق الصداق،فقال:« إن كان أملك بعد ما توفّي فليس لها صداق و لا ميراث،و إن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق و هي وارثة و عليها العدّة» (2).

قيل:و يجيء على جواز تصرّفه مع ردّه و مع بطلان الوكالة بتعليقها على شرطٍ جواز تصرّفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العام (3).

ص:62


1- التذكرة 2:133.
2- الكافي 5:1/415،التهذيب 7:1489/367،الوسائل 20:305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 2.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:555.

و فيه نظر؛ لقوّة احتمال عدم الجواز هنا استصحاباً له إلى بعد زوال المانع،و لا كذلك ثمّة؛ لعدم وجود مثله هناك.

فالقول بالمنع هنا لا يخلو عن قوّة،و إن أُيّد الجواز مضافاً إلى ما مرّ في ذينك الموضعين بمؤيّدات قياسيّة،كدخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال الإحرام،و أن من وكّل محِلّاً فصار محرِماً لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد تحلّله من الإحرام،و نحو ذلك.

و كذا تبطل ب تلف ما يتعلّق به يعني ما دلّ عليه لفظها مطابقة،كموت العبد الموكّل في بيعه،و المرأة الموكَّل بطلاقها،أو تضمناً، كتلف الدينار الموكَّل في الشراء به.و لا فرق بين أن ينصّ على الشراء بعينه،أو يطلق،بأن يقول:اشتر به؛ لاقتضائه دفعه ثمناً فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجباً لضمانه.

و في حكم التلف انتقاله عن ملكه،كما لو أعتق العبد الموكَّل في بيعه،أو باع العبد الموكَّل في عتقه.

و الوجه في الجميع ظاهر،مع عدم الخلاف فيه،و به صرّح في الغنية في الملحق بالتلف (1)،و هو جارٍ فيه أيضاً بالأولويّة.

و كذا تبطل بالحجر على الموكّل فيما وكّل فيه بالسفه و الفلس؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

و في حكم الحجر طروّ الرقّ على الموكّل،بأن كان حربياً فاسترق، و لو كان وكيلاً صار بمنزلة توكيل عبد الغير.

و لا تبطل بالنوم و إن تطاول؛ للأصل،و بقاء أهليّة التصرّف ما لم يؤدَّ

ص:63


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.

إلى الإغماء،فتبطل من جهته لا من جهة النوم.

و حيث فسدت الوكالة لم تبطل الأمانة،فلو تلفت العين الموكَّل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن،و كذا لو كان وكيلاً في قبض حق فقبضه بعد الموت قبل العلم به و تلف في يده بغير تفريط،لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث،فإن أخّر ضمن،كمطلق الأمانة الشرعيّة.

و لو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل الإذن بذلك القدر،فالقول قول الموكّل مع يمينه بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و رجوع الدعوى حينئذٍ إلى أصل الوكالة بذلك المقدار الذي ينكره المالك.

فلا يرد أن دعوى الموكّل حينئذٍ تستلزم جعل الوكيل خائناً؛ لتصرّفه على غير الوجه المأمور به،فيكون القول قوله،لأمانته،و الأصل عدم خيانته كما سيأتي (1).

فإنّه إنّما يتمّ لو كان تصرّفه بالوكالة و الخيانة المدّعاة في بعض متعلقاتها،كما لو ادّعى الموكّل عليه بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة تأخّر قبضه عن تقبيض المبيع،أو التعدّي فيه بوجه.و هنا ليس كذلك؛ لما عرفت من رجوع الدعوى إلى أصل الوكالة على الوجه الذي يدّعيه الوكيل،فيكون القول فيها قول المالك.

ثم لو حلف المالك بطل البيع؛ لبطلان التصرّف و تستعاد العين المبيعة ممّن هي في يده إن كانت موجودة،و مثلها إن كانت مفقودة،أو قيمتها إن لم يكن لها مثل بأن كانت قيميّة.

و كذا يستعاد مثلها أو قيمتها لو تعذّر استعادتها بغير تلف،

ص:64


1- في ص:80.

كتغلّب أو غيبة.

كلّ ذا على المشهور،بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين،وفاقاً للمبسوط (1).

خلافاً للنهاية،فقال:إنّ على الوكيل إتمام ما حلف عليه المالك (2).

و وجهه غير واضح.

و حمله في المختلف على صورة تعذّر استعادة العين من المشتري و مساواة القيمة لما يدّعيه المالك (3).و لا بأس به و إن بَعُد؛ صوناً لقوله عمّا يرد عليه من الفساد و عدم وضوح وجهه.

الثاني في ما تصحّ فيه الوكالة

الثاني: في بيان ما تصحّ فيه الوكالة،و هو كلّ فعل يتكامل فيه شروط ثلاثة:

أحدها:أن يكون مملوكاً للموكّل،بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب العقل و الشرع،فلا يجوز الوكالة في الأُمور المستحيلة عقلاً و الممنوعة شرعاً،فلا تجوز في المعاصي،كالغصب و السرقة و القتل، و أحكامها تلزم المباشر.

و هل يعتبر الإمكان المزبور من حين الوكالة إلى وقت التصرّف؟ ظاهر المشهور ذلك،بل ظاهر المحكي عن التذكرة (4)إجماعنا عليه،و به صرّح المحقّق الثاني (5)فقال:الظاهر أن ذلك متّفق عليه عندنا.فلا يجوز طلاق زوجة سينكحها،و لا عتق عبد سيشتريه.

ص:65


1- المبسوط 2:389.
2- النهاية:407.
3- المختلف:439.
4- التذكرة 2:117.
5- جامع المقاصد 8:207.

قيل:لكن يشكل إطلاق القول بذلك؛ لتجويزهم في الظاهر الوكالة في الطلاق في طهر المواقعة و الحيض،و في تزويج امرأة و طلاقها و شراء عبد و عتقه (1).

قال في التذكرة:لو وكّله في شراء عبد و عتقه و في تزويج امرأة و طلاقها و استدانة دين و قضائه صحّ ذلك كلّه (2).انتهى.

و فيه نظر؛ لاحتمال الفرق بين ما وقع التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي منعوا عن الصحّة فيها،و ما وقع التوكيل فيه تبعاً لما يجوز التوكيل فيه اتفاقاً كالأمثلة التي أوردها،فيبطل في الأوّل و يصحّ في الثاني،و يشير إليه جمعه في التذكرة بين الأمرين مردفاً كلّاً منهما بحكمه،و لو لا ما ذكرناه لكان متناقضاً.هذا.

و نظيره في الشرع كثير كالوقف،فإنّه لا يجوز على من سيوجد أصالة و يجوز عليه تبعاً اتفاقاً،فتأمّل.

و ثانيها:أن لا يتعلّق غرض الشارع فيه ب وقوعه من مباشر معيّن ك العتق،فإنّ غرضه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره، و الطلاق،فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك،و مثله البيع و النكاح و غيرهما من العقود و الإيقاعات.

و لا يجوز فيما يتعلّق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه،و لا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر.

و الوجه فيه أيضاً بقسميه واضح،و إنّما الخفاء في مرجع معرفة غرضه في ذلك و عدمه،فقيل:هو النقل (3).و هو كذلك؛ إذ لا قاعدة له

ص:66


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:509.
2- التذكرة 2:117.
3- الروضة 4:372.

لا تنخرم،و قد علم تعلّق غرضه بجملة من العبادات؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلّف ما أُمر به و انقياده و تذلّله بفعل المأمور به،و لا يحصل ذلك بدون المباشرة،كالطهارة و الصلاة الواجبة في حال الحياة،فلا يستناب فيهما مطلقاً إلّا ما استثني منها من نحو الطواف الواجب بشرط ذكر في محله،و ركعتي الطواف،حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب و المندوب،و أداء الزكاة.

و كالأيمان،و العهود،و القسمة بين الأزواج،و الشهادات إلّا على سبيل قيام الشهادة على الشهادة،و الظهار،و اللعان،و الجناية.

و في صحّة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش قولان.

و في التوكيل في الإقرار إشكال،و الظاهر أنّ ذلك ليس بإقرار.

و ثالثها:أن يكون معلوماً،فلا تصحّ على المبهم و المجهول، بلا خلاف فيما أعلم،قيل:لئلّا يعظم الغرر (1).

و تصحّ الوكالة في الطلاق للغائب إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،منهم الماتن في الشرائع (2)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى النصوص الآتية.

و الحاضر على الأصحّ الأشهر بين عامّة من تأخّر،وفاقاً للمبسوط و الحلّي (3)،نافياً الخلاف فيه بين المسلمين،سواء وكّل أمره إلى الوكيل من غير عزم منه عليه،أو كان عازماً عليه و وكّله في الإتيان بالصيغة؛

ص:67


1- المفاتيح 2:284.
2- الشرائع 2:197.
3- المبسوط 2:362،الحلّي في السرائر 2:83.

للعمومات،و خصوص الصحيح الصريح في الأوّل:رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل،فقال:اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان،فيطلّقها، أ يجوز ذلك؟قال:« نعم» (1).و نحوه الموثق (2).

و الخبر القريب منه الصريح في الثاني:رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت و طهرت و خرج الرجل،فبدا له و أشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به و أنّه قد بدا له في ذلك،قال:« فليُعلِم أهله و ليعلم الوكيل» (3).

(و أظهر منه الخبر المتقدّم في أوّل الكتاب (4)المتضمّن لبعث أبي الحسن عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رجل أن يطلّق امرأته) (5).

و إطلاق الأوّلين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الحضور و الغيبة.

خلافاً للطوسي و القاضي و التقي (6)،فمنعوا عنه في الحاضر؛ للخبر:

« لا تجوز الوكالة في الطلاق» (7)بحمله عليه؛ جمعاً بينه و بين ما مرّ و غيره، بحمله على الجواز في الغائب.

ص:68


1- الكافي 6:2/129،التهذيب 8:116/39،الإستبصار 3:987/278،الوسائل 22:88 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 1.
2- الكافي 6:1/129،التهذيب 8:115/38،الإستبصار 3:986/278،الوسائل 22:88 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 1.
3- الكافي 6:4/129،التهذيب 8:117/39،الإستبصار 3:988/278،الوسائل 22:89 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 3.
4- في ص:55.
5- ما بين القوسين ليست في النسخ الثلاثة المخطوطة.
6- الطوسي في النهاية:319،القاضي في المهذب 2:277،التقي في الكافي في الفقه:337.
7- الكافي 6:6/130،التهذيب 8:120/39،الإستبصار 3:991/279،الوسائل 22:90 أبواب مقدمات الطلاق ب 39 ح 5.

و هو بعيد؛ لعدم التعرّض في شيء من الأخبار لغيبة و لا حضور،و إن صرّح بعضها بالجواز في الغائب،فإنّ إثباته فيه لا ينفيه عمّا عداه.

مضافاً إلى قصور السند فيه و في سابقه من وجوه،فلا يقاومان شيئاً ممّا مرّ،مع مخالفة إطلاق الأوّل الإجماع،و إن حكي عن ابن سماعة القول به (1)،و ليس منّا.

و نحوه في الضعف بل و أمرّ الاستدلال له بعموم:« الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2)فإنّ المراد به أن له التصرّف فيه،و هو أعمّ من أن يكون بالمباشرة أو النيابة،و الإجماع على جوازها مع الغيبة أوضح شاهد على عدم إرادة تعيّن المباشرة من الرواية.

قيل:و على قول الشيخ يتحقّق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق و إن كان في بلد التوكيل،كما ذكره الشهيد الثاني (3).

و فيه نظر،فإن كلامه و مستنده صريحان في اشتراط عدم الحضور في البلد،و عدم كفاية عدم حضور المجلس.

و يجب أن يقتصر الوكيل في تصرّفاته على ما عيّنه الموكّل أو ما يشهد العادة بالإذن مع اطّرادها،أو دلالة القرائن،كما لو أذن بالبيع بقدرٍ نسيئة فباع نقداً به أو بأزيد،إلّا أن يكون له غرض في التعيين و لو على الاحتمال،و لا يجوز التعدّي حينئذٍ إلّا أن يكون احتمالاً نادراً.

بلا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال،إلّا فيما حكموا به من صحّة المعاملة مع المخالفة حيث جازت له بدلالة القرائن أو اطّراد العادة مع

ص:69


1- حكاه عنه في الكافي 6:130 ذيل الحديث 6.
2- عوالي اللئلئ 1:137/234،سنن ابن ماجة 1:2081/672.
3- الروضة البهية 4:374.

ضمان العين لو عيّن لها محلّاً تباع فيه فعدل إلى آخر فباعها فيه؛ فإنّ صحّة المعاملة حينئذٍ مع الضمان ممّا لا يجتمعان؛ فإنّ المخالفة لو أثّرت في الضمان من حيث عدم الإذن لأثّرت في فساد المعاملة أيضاً،لاتحاد الحيثيّة،و الإذن المفهوم من العادة لو صحّحت المعاملة من حيث الإذن لأثّرت في نفي الضمان البتة،لاتّحاد الحيثيّة،كذا قيل.

و يمكن الذبّ عنه بأنّ الإذن المفهوم غايته الدلالة على صحّة المعاملة خاصّة دون نقل العين عن مواردها المعيّنة،و لا تلازم بينهما بالبديهة؛ فإنّ الإذن المفهوم ليس إلّا من حيث الأولويّة،و لا تحصل إلّا حين جريان المعاملة لا قبله؛ إذ منشأ الأولويّة ليس إلّا زيادة الثمن عمّا عيّنه،و هي قبل المعاملة غير حاصلة و حينئذٍ فتكون اليد عادية،عليها ضمان ما أخذته بمقتضى الرواية.

و بما ذكرنا يظهر عدم الفرق في الحكمين بين كون محل المعين سوقاً فعدل إلى سوق آخر،أو بلدة معيّنة عدل عنها إلى أُخرى،فالحكم بالضمان في الثاني دون الأوّل كما عن التذكرة (1)حجّته غير واضحة؛ لاشتراكهما في مقتضي الضمان و إن زاد سببه في الثاني دون الأوّل؛ لما فيه من تعريض المال للتلف بالسفر الذي هو مظنة الآفة غالباً و هذا الفرق لا يؤثّر في نفي الضمان عن الأوّل،بل فائدته تأكيد وجه الضمان في الثاني.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه الدفع عمّا أُورد على التذكرة:من عدم الفرق بين المقامين اللذين فرّق بينهما بالكليّة (2)،فإنّ طريق الفرق كما عرفت واضحة،فلا وجه للإيراد بما ذكره،بل الذي ينبغي إيراده عليه هو ما قدّمنا

ص:70


1- التذكرة 2:125.
2- الحدائق 22:65.

إليه الإشارة.

و لو عمّم الوكالة صحّ إذا خصّها من وجهٍ،مالٍ أو غيره، بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في التنقيح (1).و كذا إذا لم يخصّه بوجهٍ، كما إذا وكّله في كلّ قليل و كثير ممّا له فعله على الأقوى،وفاقاً للنهاية و المفيد و الحلّي و القاضي و الديلمي (2)و عامّة المتأخّرين،عدا قليل منهم يأتي ذكره؛ لأنّ كلّ فعل من الأفعال التي تدخله النيابة يصحّ التوكيل فيه بالنصوصيّة و الاندراج تحت أشخاص معينة،فجاز أن يندرج تحت العموم؛ لتناوله الجزئيّات على السويّة.

خلافاً للخلاف و المبسوط (3)،و تبعه الماتن في الشرائع و فخر المحقّقين (4)كما حكي؛ لأنّ فيه غرراً عظيماً،لأنّه ربّما ألزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء و ما يؤدّى إلى ذهاب ماله،كأن يزوّجه بأربع حرائر ثمّ يطلّقهن قبل الدخول،فيلزمه نصف مهورهن،ثمّ يزوّجه بأربع حرائر أُخر، و هكذا،أو يشتري له من الأرضين و العقارات و غيرها ما لا يحتاج إليه، و هو غرر عظيم فما يؤدّي إليه باطل.

و يندفع ذلك بالاتّفاق على إناطة تصرّفات الوكيل بالمصلحة،كان الموكّل فيه خاصّاً أم عامّاً من وجه أم مطلقاً،فيمضي تصرّفاته معها.

إلّا ما يقتضيه الإقرار بمالٍ أو ما يوجب حدّا أو تعزيزاً،فلا وكالة فيه،وفاقاً للأكثر،كالشيخين و التقي و ابني حمزة و زهرة و الفاضل المقداد

ص:71


1- التنقيح الرائع 2:289.
2- النهاية:317،المفيد في المقنعة:816،الحلّي في السرائر 2:89،القاضي حكاه عنه في المختلف:436،الديلمي في المراسم:201.
3- الخلاف 3:350،المبسوط 2:391.
4- الشرائع 2:196،فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 2:341.

في التنقيح (1)،قال:إمّا لأنّه لا تدخله النيابة؛ لاختصاص حكمه بالمتكلم إذا أنبأ عن نفسه كما قال صلى الله عليه و آله:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)و على غيرهم لا،أو لأنّه خلاف المصلحة المشترطة في تعميم الوكالة.

هذا كلّه إذا لم يصرّح له بالإقرار عنه،أمّا مع التصريح به فقال في الخلاف (3):يصحّ إقراره و يلزم الموكّل بالمقرّ به إذا كان معلوماً،و بتفسيره إذا كان مجهولاً؛ محتجّاً بعدم المانع منه،و الأصل جوازه،مضافاً إلى عموم:« المؤمنون عند شروطهم» (4)و هذا شرط أنّه يلتزم ما يقرّ به الوكيل.

و في الجميع نظر،سيّما الأصل؛ لعدم الدليل عليه،مع معارضته بأصالة البراءة.و كذا عموم لزوم الوفاء بالشرط؛ لاختصاصه على تقدير كون المقام منه بالشرط المذكور ضمن العقد اللازم بالإجماع،كما حكاه بعض الأصحاب.

مضافاً إلى استلزام عدم تخصيصه به إمّا حمله على الاستحباب أو طرحه،من حيث الإجماع على عدم بقائه على عمومه،و خروج أكثر أفراده الموهن للتمسك به،كما حقّق في محله.

و استشكله الفاضل في القواعد (5):من أنّه إخبار عن حقّ على الموكّل

ص:72


1- المفيد في المقنعة:816،الطوسي في النهاية:317،التقي في الكافي في الفقه:337،ابن حمزة في الوسيلة:282،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597،التنقيح الرائع 2:290.
2- عوالي اللآلي 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب كتاب الإقرار ب 3 ح 2.
3- الخلاف 3:344.
4- عوالي اللآلي 1:84/218،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 1،2،صحيح البخاري 3:120 و في الجميع:المسلمون..
5- القواعد 1:254.

و لا يلزم الغير خبر الغير إلّا على وجه الشهادة،فهذا كما لو قال:رضيت بما يشهد به عليّ فلان،فإنّه لا يلزمه،و أنّ الوكالة في الإنشاء لا في الإخبار.

و من أنّه قول يلزم به الحق صدر بإذنه فأشبه الشراء و سائر الأقوال.

و هو في محلّه،فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل،و هو براءة ذمّة الموكّل،مع اعتضاده بقوّة دليل منعه.

و منه يظهر الوجه في عدم إلزام الموكّل بما وكّل في الإقرار به بمجرّد التوكيل؛ للأصل،و عدم كونه إقراراً عرفاً.و قيل:نعم،و لعلّه ضعيف، فتأمّل جدّاً.

الثالث في الموكّل

الثالث: في الموكّل،و يشترط كونه مكلّفاً كاملاً بالبلوغ و العقل،فلا تصحّ وكالة الصبي و المجنون مطلقاً،بإذن الولي كان أم لا،بلا خلاف إلّا في المميّز البالغ عشراً،فيجوّز جماعة (1)توكّله و توكيله في نحو الصدقة و الوصيّة و الطلاق ممّا دلّت الروايات بجواز مثلها منه.و هو حسن إن صحّ الاعتماد عليها،و إلّا فلا.

جائز التصرّف فيما يوكّل فيه برفع الحجر عنه فيه،فلا تصحّ وكالة السفيه و المفلّس فيما حجر عليهما فيه،و تصحّ في غيره،بلا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك.

و لقد كان في ذكر هذا الشرط غنى عن الأوّل.

و كذا لا يؤكّل العبد القنّ أحداً فيما ليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه بلا خلاف؛ للحجر عليه في تصرّفاته إن قلنا بمالكيّته،و إلّا كما هو الأقوى فلا إشكال في الحكم من أصله؛ لظهور فساد توكيل الأجنبي

ص:73


1- منهم:المحقّق في الشرائع 2:197،و العلّامة في التحرير:233،و المحقّق الثاني في جامع المقاصد 8:195.

في مال غيره بغير إذنه.

و يصحّ له التوكيل في طلاق زوجته إن لم تكن أمة مولاه،على الأشهر الأقوى،بناءً على أنّ له المباشرة فيه.

خلافاً لجماعة،فمنعوا عنه أيضاً لزعمهم كون الطلاق بيد المولى مطلقاً.و هو ضعيف،كما يأتي في بحث الطلاق إن شاء اللّه.

ثم المراد بالإذن ما يعمّ الصريح و ما في حكمه،فلو كان مأذوناً في التجارة جاز أن يوكّل فيما جرت العادة فيه بالوكالة.

و كذا لا يجوز أن يوكّل الوكيل فيما وكّل فيه إلّا أن يؤذن له بالتوكيل صريحاً و لو بالتعميم ك« اصنع ما شئت» أو فحوًى كاتّساع متعلّقها بحيث تدل القرائن على الإذن له فيه،كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم إلّا بمساعد،و مثله عجزه عن مباشرته و إن لم يكن متّسعاً مع علم الموكّل به،و كترفّع الوكيل عمّا وكّل فيه عادة،فإنّ توكّله حينئذٍ دالّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم الموكّل بترفّعه عن مثله،و إلّا لم يجز؛ لأنّه مستفاد من القرائن و تنتفي مع جهل الموكّل بحاله.

و حيث أذن له في التوكيل فإن صرّح بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكّل لزمه حكم من وكّله،فينعزل في الأوّل بانعزاله؛ لأنّه فرعه و بعزل كلّ منهما له.و في الثاني لا ينعزل إلّا بعزل الموكّل،أو بما أبطل توكيله من جنون أو إغماء و نحوهما.

و إن أطلق ففي كونه وكيلاً عنه أو عن الموكّل أو تخيّر الوكيل في توكيله عن أيّهما شاء أوجه.

و كذا مع استفادته من الفحوى،إلّا أنّ كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أقوى،فتأمّل جدّاً.

ص:74

و اعلم أن لفظة« يوكّل» في العبارة في المقامين ربّما قُرِئت بفتح الكاف،فمعناها حينئذٍ لا يجوز للإنسان أن يوكّل عبد غيره و لا وكيل غيره إلّا بإذنه،و هذا مع عدم مناسبته لسياق الكلام بناءً على وروده لبيان شرط الموكِّل لا الموكَّل غير تامّ الحكم فيه في المقام الثاني على إطلاقه؛ إذ لا مانع من توكيل وكيل الغير بدون إذنه إلّا أن يكون وكيلاً خاصّاً له بجُعل و نحوه.

و يجوز للأب و الجدّ له و وصيّهما أن يوكّلوا عمّن لهم الولاية عليهم، بلا خلاف فيه، و في أن للحاكم الشرعي أيضاً أن يوكِّل عن السفهاء و البُله و المجانين و الصبيان الذين لا وليّ لهم غيره،من يتولّى الحكومة عنهم،و يستوفي حقوقهم،و يبيع عنهم،و يشتري لهم،و عن التذكرة (1)بعد الحكم بذلك:لا نعلم فيه خلافاً،و ظاهره الإجماع عليه، كالمحقّق الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و إطلاقات الأدلّة السليمة عن المعارض بالكليّة، فإنّ لكلّ منهم المباشرة بأنفسهم،فكذلك بغيرهم.

نعم،يشترط في الوصي أن لا يمنعه الموصي من التوكيل،و معه لا يجوز له التوكيل؛ لقوله سبحانه: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (3)الآية، و به صرّح في التذكرة (4).

و يكره لذوي المروّات و هم أهل الشرف و الرفعة و المروّة أن

ص:75


1- التذكرة 2:116.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:495.
3- البقرة:181.
4- التذكرة 2:116.

يتولّوا المنازعة بنفوسهم بل يستحب لهم التوكيل فيها،بلا خلاف في ظاهر الأصحاب،قالوا:لما يتضمّن من الامتهان و الوقوع فيما يكره،و رووا في كتبهم الاستدلالية أن علياً عليه السلام وكّل عقيلاً في خصومة و قال:« إنّ للخصومة قُحماً و إن الشيطان ليحضرها،و إنّي لأكره أن أحضرها» (1)و القُحم بالضم:المهلكة،و المراد أنّها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.

و ظاهر التعليل يقتضي عموم الحكم لغير ذوي المروّات أيضاً،لكن قصور السند،و اختصاص المورد بسيد الأشراف،و مخالفة الكراهة للأصل، يقتضي الاختصاص بذوي المروّات.هذا.

و قد تأمّل بعض في الحكم فيهم أيضاً (2)؛ لتحاكم النبي صلى الله عليه و آله مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش ثمّ إلى علي عليه السلام (3)،و تحاكم علي عليه السلام مع من رأى درع طلحة عنده فقال:إنّها درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة،فأنكره،فدعاه المنكر إلى شريح القاضي فحاكمه إليه (4)،و القضيّة مشهورة،و تحاكم علي بن الحسين عليهما السلام مع زوجته الشيبانية لمّا طلّقها و ادّعت عليه المهر (5)،و هم سلام اللّه عليهم سادات الأشراف فكيف تولّوا المنازعة مع كراهتها؟

ص:76


1- جامع المقاصد 8:191،المغني لابن قدامة 5:205.
2- الحدائق 22:57.
3- الفقيه 3:210/60،أمالي الصدوق:2/90»،الوسائل 27:274 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 18 ح 1.
4- الكافي 7:5/385،الفقيه 3:213/63،التهذيب 6:747/273،الوسائل 27:265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.
5- الكافي 7:5/435،التهذيب 8:1036/283،الوسائل 23:200 أبواب الأيمان ب 2 ح 1.

و هو حسن،إلّا أن احتمال الدواعي و الضرورات في مباشرتهم قائم.

و مع ذلك المقام مقام كراهة يتسامح في أدلّتها بما لا يتسامح في غيرها،فيكتفي فيها بمثل تلك الرواية،سيّما مع اعتضادها بالمقبولية عند الأصحاب كافّة،و لا يبعد لهذا انسحاب الكراهة في غير ذي المروّة؛ لمكان التعليل المذكورة في الرواية.

الرابع

الرابع: في الوكيل،و يشترط فيه كمال العقل بالبلوغ و رفع الحجر عنه بالجنون،فلا تصحّ وكالة الصبي و لا المجنون.

و في اقتصاره على هذا الشرط دون الآخر الذي في الموكِّل قد مرّ دلالة على جواز كون المحجور لغير نقص العقل في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرّف،كالمفلّس و السفيه مطلقا،و لو لم يأذن لهما الولي،و العبد لكن بإذن سيّده.

و يجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها و لغيرها و كذا طلاق غيرها،بلا خلاف بيننا،بل عن ظاهر التذكرة (1)عليه إجماعنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات كتاباً و سنّة.

أمّا طلاق نفسها فعن الطوسي و الحلّي (2):لا،و اختار الفاضل و غيره الجواز (3)؛ لأنّه فعل يدخله النيابة فتصحّ فيه الوكالة مطلقا؛ لإطلاق ما مرّ من الأدلّة،و لكن الأوّل أحوط في الجملة.

و المسلم يجوز أن يتوكّل للمسلم على المسلم و على الذمّي،و للذمّي على الذمّي بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التنقيح

ص:77


1- التذكرة 2:116.
2- الطوسي في المبسوط 2:365،الحلّي في السرائر 2:87.
3- التحرير 1:234؛ و انظر المسالك 1:337.

و المهذّب البارع و شرح الشرائع للصيمري (1)،من دون كراهة كما يفهم من المحكي عن التذكرة (2)؛ للأصل،و العمومات كتاباً و سنّة.

و في جواز وكالته له أي المسلم للذمّي على المسلم تردّد ينشأ من أصالة الجواز،و أن له مطالبة المسلم بالحقوق لنفسه فللمسلم أولى،و من أنّ في ذلك سلطنة و سبيلاً على المسلم منفيّاً بالآية (3).

و إليه مصير أكثر القدماء،كالمفيد و النهاية و الخلاف و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة (4)مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة.

و إلى الأوّل مصير عامّة المتأخّرين،وفاقاً للحلّي و الطوسي في قوله الآخر (5)،بل عن التذكرة الإجماع عليه،لكن مع الكراهة (6).

و لعلّه أقرب؛ لاعتضاد إجماعه بالأصل،و العمومات،و الشهرة العظيمة المتأخّرة،فيترجح على إجماع الغنية.

و الذمّي يتوكّل على الذمّي للمسلم و الذمّي بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة،صريحاً في بعض و ظاهراً في آخر؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى أدلّة الجواز المتقدّمة.

و لا يجوز أن يتوكّل الذمّي على مسلم مطلقا،لمسلمٍ أو

ص:78


1- التنقيح 2:195،المهذب البارع 3:37.
2- التذكرة 2:117.
3- النساء:141.
4- المفيد في المقنعة:817،النهاية:317،الخلاف 3:350،الحلبي في الكافي في الفقه:338،الديلمي في المراسم:201،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):597.
5- الحلّي في السرائر 2:90،الطوسي في المبسوط 2:392.
6- التذكرة 2:117.

ذمّي،إجماعاً،كما في التذكرة و التنقيح و ظاهر المهذّب البارع و غيره (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم الآية بنفي السبيل للكافر على المسلم.

و منه يظهر الوجه في التعدية إلى كلّ كافر،مضافاً إلى الأولويّة.و لعلّ اقتصار الأصحاب على الذمّي أمّا للتنبيه بالأدنى على الأعلى،أو لكون الوكالة بين المسلم و الذمّي هو الغالب في بلاد الإسلام،لندرة غيره فيها من أصناف الكفار.

ثم إن المستفاد من الماتن في الشرائع (2)و الصيمري في شرحه عليه، حيث نسبا المنع في الشقّ الأوّل إلى المشهور،نوع تردّد لهما فيه.

و لا وجه له،مع احتمال إرادتهما من الشهرة المعنى الأعمّ المرادف للإجماع،و يشهد له تردّد الأوّل بعد ذلك فيما تردّد فيه هنا،و هو ظاهر، بل لعلّه صريح في عدم التردّد في الأوّل.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب اختصاص المنع بما إذا تضمّن الوكالة نوع قهر و سلطنة،من حيث تعبيرهم عن محل المنع ب« على» المتضمّنة لمعنى الضرر،و استدلالهم بآية نفي السلطنة،و مقتضى ذلك الجواز فيما لم يتضمّن ذلك،فلو وكّل لأن يوقع عقد المسلم أو يعطيه ديناً أو نحو ذلك جاز،و به صرّح من متأخّري المتأخّرين جماعة،كالمقدس الأردبيلي و صاحب الكفاية (3).و هو كذلك؛ لعموم أدلّة الجواز المتقدّمة.

إلّا أن ابن زهرة صار إلى المنع عن توكيله على تزويج المسلمة من

ص:79


1- التذكرة 2:117،التنقيح 2:294،المهذب البارع 3:38؛ و انظر جامع المقاصد 8:200.
2- الشرائع 2:199.
3- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:506،الكفاية:130.

المسلم،و عن توكيل المسلم على تزويج المشركة من الكافر،مدّعياً عليه إجماع الإماميّة،قال:لأنّهما لا يملكان لأنفسهما ذلك (1).

و الوكيل أمين لا يضمن إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية و صريح الروضة و المسالك و المحكي عن التذكرة (2)،و عن شرح القواعد أنّه يلوح من عباراتهم كونه ممّا عليه علماء الإسلام كافّة (3)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عمومات النصوص المتقدّمة في الوديعة (4).

مع أنّه لو كلّف الضمان مطلقا لامتنع الناس من الدخول في الوكالة مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر بذلك،فناسب زوال الضمان عنهم بمقتضى الحكمة.

و إطلاق الأدلّة يقتضي عدم الفرق في الوكيل بين كونه بجُعل أو غيره،و به صرّح في التذكرة (5).

الخامس في الأحكام و هي مسائل

اشارة

الخامس:في الأحكام،و هي مسائل:

.

الاُولى لو أمره بالبيع حالّا فباع مؤجّلاً و لو بزيادة لم يصحّ

الاُولى:لو أمره الموكّل بالبيع حالّا فباع مؤجّلاً و لو بزيادة الثمن عن المثل أو ما عيّنه لم يصحّ أي لم يلزم و وقف على الإجازة لصيرورته بمخالفته الإذن فضوليّاً،و يأتي على القول ببطلانه عدم الصحّة من أصلها.

ص:80


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):597،الروضة 4:383،المسالك 2:341،التذكرة 2:130.
3- جامع المقاصد 8:261.
4- راجع ج 9 ص 423.
5- التذكرة 2:130.

و كذا لم يصحّ و وقف على الإجازة لو أمره ببيعه مؤجّلاً بثمن فباع بأقلّ منه عاجلاً و ينبغي تقييد الحكم فيهما بعدم اطّراد العادة أو دلالة القرائن بالإذن فيما خالف إليه،كما هو الغالب في المثالين،و أمّا معهما أو أحدهما فالوجه صحّة البيع،فإنّ المعتبر الإذن و هو في الفرض حاصل،و التلفّظ به غير مشترط بلا خلاف،و قد مرّ الاكتفاء بمثله.

و لذا قالوا: لو باع في الصورة الثانية بمثله أي بمثل الثمن الذي عيّن له أو أكثر منه صحّ و لزم؛ لأنّه قد زاده خيراً و به يحصل إذن الفحوى قطعاً.

إلّا أن يتعلّق بالأجل غرض و لو احتمالاً غير نادر،كأن يخاف على الثمن ذهابه في النفقة مع احتياجه إليه بعده.

و إنّما فرّق بين المقامين فحكم بعدم الصحّة في الأوّل بكلا قسميه، و بها في الأخير إلّا في صورة الاستثناء؛ لافتراقهما بمقتضى العادة،لعدم حكمها بالإذن في الأوّل و حكمها به في الثاني،فلذا اختلف الحكم فيهما.

و الضابط هو ما قدّمناه من وجوب اقتصار الوكيل على ما يأذن له الموكّل لفظاً،أو فحوًى مستفاداً من العادة المطّردة أو القرائن الدالّة.

و لو أمره بالبيع في موضع معيّن،كالسوق الفلاني أو البلدة الفلانية فباع في غيره بذلك الثمن المعيّن له،أو بالمثل مع الإطلاق،أو زائداً عليهما صحّ إذ الغرض من تعيين المحل في الغالب ليس إلّا تحصيل الثمن و قد حصل،و المحل ليس شيء يتعلّق به غرض في التعيين في الأغلب،و النادر كالعدم.

نعم،لو علم أو ظنّ غرض في تعيينه من جودة النقد أو كثرته أو

ص:81

حلّه أو صلاح أهله أو مودّة بين الموكّل و بينه فكما لا إذن؛ لعدم اطّراد العادة به في مثله.

و لا كذا لو أمره ببيعه من إنسان معيّن فباع من غيره فإنّه لم يلزم،بل يقف على الإجازة و لو باع بأزيد من المثل مع الإطلاق،أو المعيّن مع التعيين.

و الفرق بينه و بين سابقه عدم تعلّق غرض بالمحل لذاته في الأغلب كما مرّ،فإذا حصل المقصود منه في غيره جاز،بخلاف الأشخاص،فإنّه كثيراً ما يتعلّق غرض صحيح بمعاملة شخص إمّا لسهولته في المعاملة أو لتوقّيه الشبهة،أو نحو ذلك،فيطلب لذلك معاملته.

نعم،لو علم عدم تعلّق غرض له بتعيينه و أن المقصود منه حصول الثمن كيف ما اتّفق أمكن الصحّة هنا كسابقه،إلّا أن إطلاق العبارة و غيرها يقتضي انسحاب الفساد في هذه الصورة أيضاً.و باستفادة التعميم من العبائر صرّح في المسالك (1)،فإن كان إجماع،و إلّا فسؤال الفرق بينه و بين ما سبق متوجّه.

الثانية إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر مع يمينه

الثانية: في مسائل النزاع.

إذا اختلفا في الوكالة و لا بيّنة فالقول قول المنكر مع يمينه بلا خلاف؛ للأصل،و عموم الخبر:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (2).

و لا فرق في المنكر بين كونه الوكيل أو الموكّل.

ص:82


1- المسالك 1:338.
2- الفقيه 3:52/20،الوسائل 27:234 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 5 و فيهما:..و اليمين على المدعى عليه؛ و انظر عوالي اللآلي 1:172/244.

و تظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقدٍ لازمٍ لأمرٍ لا يتلافى حين النزاع،كما إذا اشترى داراً بشرط أن يوكّله البائع في بيع عبده،فيدّعي البائع حصول التوكيل المشروط بعد وفاة العبد ليستقرّ بيع الدار بحصول الشرط،و ينكره المشتري ليتزلزل له البيع و يتسلّط على فسخه،بناءً على أن الشروط الجائزة في العقد اللازم تجعله جائزاً،بمعنى أنّه لو لم يف الشارط بالشرط يتسلّط المشروط له على الفسخ،فالتسلّط على الفسخ فائدة إنكار الوكيل.

و لو اتّفقا عليها و لكن اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في التفريط أو قيمة التالف بعد الاتّفاق عليه و لا بيّنة فالقول في جميع ذلك قول الوكيل بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الأولين في الغنية (1)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم الرواية المتقدّمة،و خصوص بعض المعتبرة في الثاني:في امرأة وكّلت أخاها ليزوّجها،ثم عزلته بمحضر الشهود و ادّعت إعلامه بالعزل و أنكره الأخ،فأتيا الأمير عليه السلام،فطلب منها الشهود فأتت بالشهود الذين عزلته بمحضرهم،فشهدوا على العزل دون الإعلام،فلم يقبله عليه السلام و أمضى تزويج الأخ و أحلفه.و الرواية طويلة مرويّة في التهذيب في كتاب الوكالة (2).

و كذا لو اختلفا في التلف يقدّم فيه قول الوكيل،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و شرح القواعد (3)؛ و هو الحجّة المخصّصة

ص:83


1- الغنية(الجوامع الفقهية):597.
2- التهذيب 6:506/214،الوسائل 19:163 أبواب أحكام الوكالة ب 2 ح 2.
3- المسالك 1:342،جامع المقاصد 8:318.

للأصل و عموم الرواية،مع أنّه أمين و قد يتعذّر عليه إقامة البينة فاقتنع بقوله.

و لا فرق في ذلك بين دعواه التلف بأمر ظاهر أو خفي،بلا خلاف في الظاهر،بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك (1).

و لو اختلفا في الردّ فقولان،أحدهما:أن القول قول الموكّل مع يمينه للأصل،و عموم الرواية،ذهب إليه الحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل و ولده و الشهيدان في اللمعتين (2).

و الثاني: أن القول قول الوكيل ما لم يكن وكالته بجُعل و هو أشبه وفاقاً للمبسوط و القاضي و التنقيح (3)،بل في الشرائع و شرحه للصيمري نُسب إلى المشهور (4).

أمّا الأوّل:فلأنّه أمين و قد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالودعي.

و أمّا الثاني:فلما مرّ من الأصل و عموم الخبر.

و أمّا ما ذكره في الروضة:من أنّه يضعّف الأوّل بأن الأمانة لا تستلزم القبول كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة،و كذلك الإحسان،و السبيل المنفي مخصوص؛ فإن اليمين سبيل (5).

ص:84


1- المسالك 1:342.
2- الحلّي في السرائر 2:86،الشرائع 2:205،العلّامة في القواعد 1:261،و المختلف:438،و ولده في إيضاح الفوائد 2:361،اللمعة(الروضة البهية 4):386.
3- المبسوط 2:372،القاضي حكاه عنه في المختلف:438،التنقيح 2:296.
4- الشرائع 2:205.
5- الروضة 4:387.

فغير مفهوم؛ لاستفاضة النصوص باستلزام الأمانة القبول،و لذا تمسّك الأصحاب بها له في مواضع،حتى هو بنفسه في الكتاب المذكور في تقديم قوله في التلف هنا،فقال:لأنّه أمين و قد يتعذّر (1)،إلى آخر ما ذكرناه،و لم يأت بحجّة أُخرى غيره،و هو بعينه جارٍ هنا.

و لا ينافيه عدم استلزامها إيّاه في الثاني بالإجماع؛ فإنّ العام المخصّص حجّة في الباقي.

و به يظهر الجواب عمّا ضعّف به نفي السبيل عليه مع إحسانه:من توجّه اليمين عليه بلا خلاف،بل إجماعاً،كما ادّعاه في المسالك (2)؛ فإنّ ثبوت مثل هذا السبيل عليه بالإجماع لا ينافي عدم ثبوت غيره عليه للعموم إلّا على القول بكونه بعد التخصيص غير حجّة في الباقي،و هو مع أنّه خلاف التحقيق خلاف ما عليه كافّة المحقّقين،كما صرّح هو به في حاشية الكتاب المزبور في هذا المقام،هذا.

و قد ادّعى في المهذّب الإجماع على القبول،فقال:الاُمناء على ثلاثة أقسام:الأوّل:من يقبل قوله في الردّ إجماعاً،و ضابطه من قبض العين لنفع المالك،فهو محسن محض،فيقبل قوله في ردّها حذراً من مقابلة الإحسان بالإساءة،و استشكله العلّامة من حيث إنّ الأصل عدم الردّ،و هو نادر، و جزم في كتاب فتواه بموافقة الأصحاب (3).

و هو كما ترى شامل للمقام و إن نقل الخلاف فيه قبل هذه الدعوى، فإنّ خروج معلومي النسب و لو كانوا مائة غير قادح في انعقاد الإجماع عنده

ص:85


1- الروضة 4:388.
2- المسالك 1:342.
3- المهذب البارع 3:39.

و عند الأصحاب كافّة.

الثالثة إذا زوّجه مدّعياً وكالته فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه

الثالثة:إذا زوّجه امرأة مدّعياً وكالته على تزويجها،أو مطلقاً فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه و عدم بيّنة للمدّعي، بلا خلاف؛ للأصل،و عموم الخبر المتقدّم.

و على الوكيل مهرها كملاً،وفاقاً للنهاية و القاضي و قوّاه الحلّي (1)؛ لأنّ المهر يجب بالعقد كملاً و لا ينتصف إلّا بالطلاق المفقود في المقام،و قد فوّته الوكيل عليها بتقصيره في الإشهاد فيضمنه.

و روى في التهذيب في باب زيادات النكاح في الصحيح،عن أبي عبيدة:في رجل أمرَ رجلاً أن يزوّجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم،فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم،قال:« خالف أمره،على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة و لا عدّة عليها و لا ميراث بينهما» فقال له بعض من حضر:فإن أمر أن يزوّجه امرأة و لم يسمّ أرضاً و لا قبيلة ثمّ جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه،فقال:« إن كان للمأمور بيّنة أنّه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر لأهل المرأة،و إن لم تكن بيّنة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة و لا ميراث بينهما و لا عدّة،و لها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقاً،و إن لم يكن سمّى لها صداقاً فلا شيء» (2).

و هو صريح في أن عليه لها نصف مهرها و نحوه رواية أُخرى مرويّة في التهذيب أيضاً في كتاب الوكالة (3)،

ص:86


1- النهاية:319،القاضي نقله عنه في المختلف:437،الحلّي في السرائر 2:95.
2- التهذيب 7:1944/483،الوسائل 20:302 أبواب عقد النكاح ب 26 ح 1.
3- التهذيب 6:504/213،الوسائل 19:165 أبواب أحكام الوكالة ب 4 ح 1.

و زاد فيها التعليل بما ذكره بقوله: لأنّه ضيّع حقّها بترك الإشهاد.

و بهما أفتى الطوسي في المبسوط (1)و اختاره الحلّي (2)،و نسبه في المسالك وفاقاً للمحقّق الثاني إلى المشهور (3)،و في الروضة إلى الأكثر (4).

و هو أقوى؛ لانجبار مخالفتهما الأُصول و ضعف الثانية بالشهرة المحكيّة،بل المحقّقة في الجملة؛ لاتّفاق المشهور على ثبوت المهر في الجملة و إن اختلفوا في الكمال و النقيصة،فيحصل لهما الانجبار بالإضافة إلى مخالفة الأُصول البتّة.

و يكفي لانجبار الثانية بما فيها من الضعف و الجهالة موافقتها الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة الوكيل عن الزيادة؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالصحيحة، و الشهرة المحكية،و سلامتها كالصحيحة عمّا تصلح للمعارضة في إثبات الزيادة.

و العلل المتقدّمة مع أنّها اجتهادات في مقابلة النصوص المعتبرة مخدوشة بابتنائها أوّلاً:على صحّة العقد،و الموافق للأُصول فساده بالضرورة.

و ثانياً:على تقديرها مقتضاها لزوم المهر على من عقد له دون الوكيل،و سببيّة تقصيره للزومه عليه بمجرّده غير معلومة،مع عدم وجوب الإشهاد عليه أوّلاً في الشريعة،مع أنّه على تقدير تماميّته مقصور بصورة تقصيره و قد لا يحصل منه بأن أشهد ثم توفّي الشهود،و الحكم بالتمام جارٍ عندهم في هذه الصورة،فالدليل مقدوح بالأخصّية.

ص:87


1- المبسوط 2:386.
2- السرائر 2:95.
3- المسالك 1:343،المحقّق الثاني في جامع المقاصد 8:294.
4- الروضة 4:388.

و ما ذكرناه و إن كان جارياً في لزوم النصف أيضاً،بناءً على أن مقتضاه بطلان العقد في الظاهر فكما لا عقد فكذا لا مهر بالكليّة،إلّا أنّه خرجت بالنصوص المعتبرة المعتضدة بما قدّمناه من الشهرة العظيمة، و لولاها لكان المصير إلى ذلك متعيّناً،كما حكاه الفاضلان في الشرائع و المختلف (1)قولاً لكن لم يسمّيا له قائلاً معروفاً،و مالا إليه أيضاً كالمسالك و الروضة (2)و الصيمري في شرح الأوّل.و هو حسن لولا ما تقدّم.

ثم ما تضمّنه صدر الصحيحة قد حكي الفتوى به عن النهاية (3)إلّا أنّه أفتى بتمام المهر دون نصفه،و هو محجوج بها،فإنّها مع صحّتها في ردّها صريحة.

و كيف كان،يجب على الزوج المنكر للوكالة أن يطلّقها سرّاً إن أبى عن الجهار إن كان وكّل حقيقة،بلا خلاف،و به صرّحت الرواية الثانية،قال بعد التعليل المتقدّم:« حلّ لها أن تتزوّج و لا يحلّ للأوّل فيما بينه و بين اللّه تعالى إلّا أن يطلّقها،لأنّ اللّه تعالى يقول: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [1] (4)فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه و بين اللّه تعالى،و كان الحكم الظاهر حكم الإسلام،و قد أباح لها أن تتزوّج» .و ما تضمّنته من اختيارها في التزويج من الغير عليه كافّة الأصحاب؛ لما تقدّم من فساد العقد.

و إن النكتة في وجوب المهر نصفاً إنما هو تقصير الوكيل في حقّها.

ص:88


1- الشرائع 2:206،المختلف:437.
2- المسالك 1:343،الروضة 4:388.
3- النهاية:319.
4- البقرة:229.

لكن صرّح جماعة (1)باشتراطه بعدم تصديقها الوكيل على الوكالة،و إلّا فليس لها الخيار؛ لكونها باعترافها زوجة،و الحجّة فيه واضحة،و ليس في إطلاق الرواية بإثباتها الخيار لها منافاة لذلك،بناءً على ورودها مورد الغالب و هو عدم تصديقها للوكيل على الوكالة.

و لو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يجبر عليه؛ لانتفاء النكاح ظاهراً.

و حينئذٍ ففي تسلّطها على الفسخ،دفعاً للضرر،أو تسلّط الحاكم عليه،أو على الطلاق،أو بقائها كذلك حتى تطلق أو يموت،أوجه.

و لو أوقع الطلاق معلّقاً على شرطٍ،ك« إن كانت هذه زوجتي فهي طالق» صحّ و لم يكن إقراراً و لا تعليقاً مانعاً عن صحّته؛ لأنّه أمر يعلم حاله، لكن هذا إذا لم يكن الإنكار مستنداً إلى نسيان التوكيل،و إلّا فلا يصحّ، فتأمّل.

و كذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة:إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا،أو غيره من العقود.

ص:89


1- منهم:العلّامة في التحرير:235،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:295،و ابن فهد في المهذّب البارع 3:41.

ص:90

كتاب الوقوف و الصدقات و الهبات

اشارة

كتاب الوقوف و الصدقات و الهبات

الوقف

اشارة

أمّا الوقف فهو تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة كما في الحديث النبوي:« حَبِّس الأصل و سَبِّل الثمرة» (1).

و إنّما عدل عن التسبيل إلى الإطلاق لأظهريّته في المراد من التسبيل، و هو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرّف فيها كيف شاء،كغيرها من الأملاك.

و المراد بتحبيس الأصل المنع من التصرّف فيه تصرّفاً ناقلاً لملكه، و هذا ليس تعريفاً بل ذكر شيء من خصائصه أو تعريف لفظي،و إلّا لانتقض بالسكنى و أُختيها و الحبس.

و في الدروس عرّفه بأنّه الصدقة الجارية (2)،تبعاً لما ورد في المعتبرة المستفيضة:« إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث» (3)و عدّها منها.

و في المهذّب و التنقيح و المسالك و غيرها من كتب الجماعة (4)أنّه قال العلماء:المراد بالصدقة الجارية الوقف.

و الأصل في مشروعيّته بعدها كغيرها من السنة الآتية الكتاب و إجماع

ص:91


1- عوالي اللئلئ 2:14/26،المستدرك 14:47 أبواب الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1.
2- الدروس 2:263.
3- عوالي اللئلئ 1:10/97،ج 3:17/283،مسند أحمد 2:372.
4- المهذب البارع 3:48،التنقيح 2:299،المسالك 1:344؛ و انظر التذكرة 2:426،و عوالي اللئلئ 3:260.

الأُمّة كما في المهذّب (1)،قال سبحانه وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ [1] (2)وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ [2] (3)و قال جابر:لم يكن أحد من الصحابة ذو مقدرة إلّا وقف (4).

و لفظه الصريح الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى ضمّ قرينة وقفت بلا خلاف،كما في المسالك (5)،بل عليه الإجماع ظاهراً،و عن الحلّي و التحرير صريحاً (6).

و أما ما عداه يفتقر إلى القرينة الدالّة على التأبيد كاللفظ الدال عليه،أو على نفي البيع و الهبة و الإرث،فيصير بذلك صريحاً،بلا خلاف، سواء كان تصدّقت،أو حرّمت،أو أبّدت،أو حبست،أو سبّلت.

و لا يحكم بالوقف بشيء منها مجرّداً عن القرينة،وفاقاً للمبسوط و الحلّي و أكثر المتأخّرين (7)؛ لأصالة بقاء الملك على صاحبه،و عدم خروجه إلّا بوجه شرعي.و لا عرف شرعي هنا سوى صريح الوقف؛ لاشتراك البواقي بينه و بين غيره،و الموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على شيء من الخصوصيات بشيء من الدلالات.

نعم،إذا انضمّت القرائن صار كالصريح في صحّة الوقف إذا قصد

ص:92


1- المهذب البارع 3:48،49.
2- الحج:77.
3- البقرة:272.
4- عوالي اللئلئ 3:5/261.
5- المسالك 1:344.
6- الحلّي في السرائر 3:155،التحرير 1:284.
7- المبسوط 3:291،الحلّي في السرائر 8:155؛ و انظر الإرشاد 1:451،و المهذَّب البارع 3:50،و الروضة 3:164.

المعاني دون الألفاظ الدالّة عليها خاصّة،و قد وقع كذلك أكثر وقوف أهل البيت عليهم السلام كما دلّت عليه المعتبرة،منها:« تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له بالمدينة في بني زريق،فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ،هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب و هو حيّ سليم،تصدّق بداره التي في بني زريق لا تباع و لا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات و الأرض.

(1).خلافاً للخلاف و الغنية و الكيدري و القواعد (2)في الأخيرين، فجعلوهما صريحاً كالأوّل؛ للنبوي المتقدّم المتضمّن لهما.و فيه نظر.

و للتذكرة،ففرّق في لفظة الصدقة بين إضافتها إلى جهة عامّة فصريحة،و إلى خاصة فتحتاج إلى قرينة (3).و وجهه غير واضح.

أمّا الثلاثة الأول فلا خلاف في عدم صراحتها،بل عليه الإجماع في المسالك (4).

هذا كلّه في الحكم عليه بالظاهر،و إلّا فلو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع باطناً و دين بنيته لو ادّعاه أو ادّعى غيره،كما صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده.

و يظهر من العبارة و عبائر أكثر الجماعة،كما في المسالك و الروضة (5)و لعلّه من حيث اكتفائهم بذكر الإيجاب خاصة من دون ذكر القبول و القربة

ص:93


1- الفقيه 4:642/183،التهذيب 9:560/131،الإستبصار 4:380/98،الوسائل 19:187 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 4.
2- الخلاف 3:537،الغنية(الجوامع الفقهية):602،حكاه عن الكيدري في إيضاح الفوائد 2:377،القواعد 1:266.
3- التذكرة 2:427.
4- المسالك 1:344.
5- المسالك 1:344،الروضة 3:164.

الكليّة عدم اشتراطهما.و الأصح اشتراطهما،وفاقاً للتنقيح فيهما (1)، و للتذكرة في الأوّل (2)،و للإرشاد و المفيد و القواعد و النهاية و الحلّي و الغنية (3)،مدّعياً هو كسابقه عليه إجماع الإماميّة،في الثاني؛ و هو الحجة فيه.

كإطباقهم على كونه من جملة العقود،المدّعى في المسالك و المحكي عن التذكرة (4)في الأوّل،بناءً على أن لزومه بدونه يخرجه عن قسم العقود و يدرجه في قسم الإيقاع،و هو ينافي ما ادّعى عليه ممّا تقدّم من الإجماع،هذا.

مضافاً إلى مخالفة الوقف للأصل،فيقتصر في لزومه على المتيقّن، و ليس إلّا القدر المجمع عليه،و هو ما تضمّن الأمرين.

و ما استدل به في الروضة (5)على عدم اشتراط القربة:من عدم قيام دليل صالح على اشتراطها و إن توقّف عليها الثواب.

فضعيف،كاستدلاله لمذهب الأكثر من عدم اشتراط القبول بأصالة عدم الاشتراط،و أنّه إزالة ملكٍ فيكفي فيه الإيجاب كالعتق:

أمّا الأوّل:فلما عرفت من مخالفته الأصل،و يكفي في عدم صحّته مع عدم القربة عدم قيام دليلٍ صالح عليها بدونها،فعدم دليل على الاشتراط غير قادح بعد الأصل الدالّ على الفساد،و أصالة عدم الاشتراط لا تعارضه

ص:94


1- التنقيح الرائع 2:301.
2- التذكرة 2:428.
3- الإرشاد 1:451،المفيد في المقنعة:655،القواعد 1:267،النهاية:596،الحلّي في السرائر 3:156،الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- المسالك 1:344،التذكرة 2:428.
5- الروضة 3:165.

إلّا بعد فرض قيام المقتضي للصحّة بعنوان العموم،و هو مفقود.

و منه يظهر الجواب عن دليله لمذهب الأكثر.

و أمّا الجواب عن الثاني:فبأن دعوى كفاية الإيجاب بمجرّده في إزالة الملك مطلقا ممنوعة،كيف لا و هي في المقام أوّل الكلام،و ثبوتها في العتق بالدليل لا يوجب ثبوتها هنا إلّا بالقياس المحرّم عندنا.

و أمّا القول بالتفصيل في القبول بين الوقف على من يمكن في حقه كشخص معين أو أشخاص معيّنين،فيشترط،لما ذكرنا،و بين الوقف على غيره ممن لا يمكن في حقه كالمسلمين،فلا يشترط،لانتقال الوقف فيه إلى اللّه سبحانه،و القبول فيه غير متصوّر،كما في الشرائع و المسالك و الروضة (1)،و تبعهما جماعة (2).

فضعيف؛ لما مرّ.و عدم تصوّر القبول منه سبحانه لا يوجب عدم اشتراط القبول من أصله،فقد يكون القابل الناظر أو الحاكم و منصوبه،كما صرّح به مشترطه على إطلاقه.

و بالجملة الموافق للأُصول اشتراطهما مطلقا؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول في الثاني.

نعم،ربّما كان الأوفق بالأصل عدم اشتراط القربة إن قلنا باعتبار القبول؛ إذ بعد حصوله يكون عقداً يجب الوفاء به،و اشتراطها منفي حينئذٍ بأصالة عدمه،إلّا أن إجماع الغنية على اشتراطها حجة شرعيّة لا مسرح عنها و لا مندوحة،و يكون ما قدّمناه من الأُصول له معاضدة شاهدة،و إن لم تكن في مقابلة ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود حجّة مستقلة،بل هي به

ص:95


1- الشرائع 2:217،المسالك 1:345،الروضة 3:164.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:139،و الفيض في المفاتيح 3:207.

مخصّصة،هذا.

و في المعتبرين،أحدهما الصحيح و الثاني الموثق:« لا صدقة و لا عتق إلّا ما أُريد به وجه اللّه تعالى» (1).

و المستفاد من تتبع الأخبار الكثيرة إطلاق الصدقة على الوقف كثيراً، حتى إنّه في كثير من وقوف الأئمّة و فاطمة عليهم السلام لم يذكر فيها لفظ الوقف بل اكتفى بلفظ الصدقة مقرونة بما يدلّ على إرادة الوقف منه،فيظهر منها غاية الظهور أن إطلاق الصدقة عليه بعنوان الحقيقة المشتركة.و لا ينافيه احتياجه في الدلالة عليه إلى القرينة؛ لكونها معيّنة لا صارفة.و به يفرق بين لفظ الوقف و الصدقة؛ لاشتراكها بين الوقف و الصدقة الخاصّة دون لفظ الوقف.

و حيث ظهر أنّ إطلاق الصدقة على الوقف حقيقة ظهر دخوله في لفظ الصدقة في ذينك الخبرين،فيدلاّن على اشتراطه بالقربة؛ لظهور أقربيّة نفي الصحّة من نفي الكمال بالإضافة إلى نفي الماهيّة حيث يكون إرادته متعذّرةً،فتأمّل هذا.

و لو سلّم مجازية إطلاق الصدقة عليه لكانت النصوص المزبورة دالّة أيضاً على اشتراط نيّة القربة،بناءً على أنّ الاستعارة و التشبيه يقتضيان الشركة في الأحكام إمّا جملة،أو المتبادر منها خاصّة،و لا ريب أنّ اشتراط القربة في صحّة الصدقة من أظهر أحكامها.و ربّما يؤيّده تأييداً في الجملة

ص:96


1- الصحيح:في الكافي 7:1/30،التهذيب 9:619/151،الوسائل 19:209 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 13 ح 2. و الموثق:في الكافي 7:2/30،التهذيب 9:620/151،الوسائل 19:210 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 13 ح 3.

اتباع الأئمّة عليهم السلام وقوفاتهم المأثورة بقولهم:« ابتغاء وجه اللّه سبحانه» (1).

و بالجملة لا ريب في اشتراط القربة و لا شبهة.

و اعلم أنّه لا يعتبر قبول البطن الثاني و لا رضاه،بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة (2)؛ لتماميّة الوقف قبله،فلا ينقطع؛ و لأنّ قبوله لا يتّصل بالإيجاب فلو اعتبر لم يقع له.

و يعتبر فيه أي في صحّته بعد تمام صيغته القبض من الموقوف عليه أو من في حكمه،بمعنى أنّ الانتقال مشروط به،و قبله يكون العقد صحيحاً في نفسه لكنّه ليس بناقلٍ،فيجوز للواقف الفسخ قبله، بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (3)،بل عليه الإجماع فيه و في التنقيح و الغنية (4)؛ و هو الحجّة،كالأصل،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح الذي روته المشايخ الثلاثة:عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟فقال:« إن كان أوقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها،فإن كانوا صغاراً و قد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها،و إن كانوا كباراً و لم يسلّمها إليهم و لم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنّهم لا يحوزونها و قد بلغوا» (5).

ص:97


1- انظر الوسائل 19:199،202 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3،4.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:167،و السبزواري في الكفاية:139،و صاحب الحدائق 22:133.
3- المسالك 1:353؛ و انظر الحدائق 22:143.
4- التنقيح 2:302،الغنية(الجوامع الفقهية):603.
5- الكافي 7:36/37،الفقيه 4:626/178،التهذيب 9:566/134،الإستبصار 4:392/102،الوسائل 19:180 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 4.

و الصحيح:في الرجل يتصدّق على ولد له و قد أدركوا،فقال:« إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث،و إن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز،لأنّ والده هو الذي يلي أمره» و قال:« لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه عز و جل» (1)و نحوه غيره من المعتبرة (2).

و في المسالك (3)أنّ الأصحاب فهموا من الصدقة فيها الوقف،و لذا استدلوا بها على بطلانه بموت الواقف.و فيها حينئذٍ بشهادة السياق دلالة على ما مرّ من اشتراط القربة في الصحّة؛ لمفهوم قوله:« لا يرجع إذا ابتغى» و هو الرجوع مع عدم الشرط،و هو صريح في الاشتراط،إذ لولاه لما ساغ الرجوع مطلقا.

و منها المروي في إكمال الدين للصدوق،بسنده إلى محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام،قال:« و أمّا ما سألت من الوقف على ناحيتنا و ما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه،فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار،و كلّ ما سلّم فلا خيار لصاحبه احتاج إليه أو لم يحتج،افتقر إليه أو استغنى» إلى أن قال:« و أمّا ما سألت عن أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة و يسلّمها من قيّم يقوم بها و يعمرها و يؤدّي من دخلها خراجها و مئونتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا،فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها،إنّما لا يجوز ذلك لغيره» (4).

ص:98


1- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1.
2- الفقيه 4:639/182،التهذيب 9:577/137،الإستبصار 4:390/102،الوسائل 19:180 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 5.
3- المسالك 1:353.
4- إكمال الدين:49/520،الاحتجاج:479،الوسائل 19:181 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 8.

ثم قد عرفت فتوى الأصحاب ببطلانه بموت الواقف و مستندهم، خلافاً للتقي (1)،فقال بالصحّة مع الإشهاد عليه قبل الموت و إن لم يقبض.

و هو شاذّ،كالمحكي عن ابن حمزة (2):من عدم اشتراط القبض حيث جعل النظارة لنفسه،و مع ذلك مستندهما غير واضح.

و هل موت الموقوف عليه كذلك،فيبطل بموته مطلقاً أم إذا لم يقبضه البطن الثاني أيضاً؟وجهان.أجودهما الأوّل؛ وقوفاً على ظواهر النصوص المتقدّمة،فإن الموقوف عليه المعتبر قبضه فيها إنّما هو البطن الأوّل،مع أن قبض البطن الثاني لا يؤثّر إلّا في صحّته بالإضافة إليه،و إلّا فهو بالإضافة إلى الأوّل باطل؛ لفقد شرطه فيه،و لا يتصور الصحّة بالإضافة إليه و إن قبض لوجهين:

أحدهما:أن صحّة الوقف ليس معناها إلّا صحّة ما جرى عليه الصيغة،و هو ليس إلّا الوقف عليهما دون الثاني خاصّة،فصحّته بالإضافة إليه خاصّة دون الأوّل غير ما جرى عليه العقد.

و ثانيهما:أنّ الصحّة بالإضافة إليه خاصّة معناها بطلانه بالإضافة إلى الأوّل،فوجوده بالنسبة إليه كعدمه،فيكون الوقف حينئذٍ على معدوم مع عدم تبعيّته لموجود،و مجرّد التبعيّة للذكر تأثيره في الصحّة غير معلوم،مع أنّ الأصل عدمها.

و اعلم أنّ العبارة ظاهرها اشتراط القبض في الصحّة،و ربما يعبّر بما يدلّ على اشتراطه في اللزوم،كما في الغنية و الشرائع و اللمعة (3)،إلّا أن في

ص:99


1- الكافي في الفقه:325.
2- الوسيلة:369.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603،الشرائع 2:217،اللمعة(الروضة البهية 3):166.

المسالك (1):لا خلاف في الاشتراط في الصحة،و أوّل عبائر الكتب المزبورة إليها.و النصوص السابقة لا تدلّ إلّا على جواز الرجوع قبله،و هو لا ينافي الصحّة،لكن الحكم بها قبله مع عدم دليل عليها من إجماع أو روايةٍ مشكل،بل مقتضى الأصل الحكم بعدمها،فيكون شرطاً في الصحّة لا اللزوم.

مضافاً إلى الإجماع المنقول،و ظهور الصحيحة الثانية و ما في معناها في ذلك،حيث حكم فيها برجوعه بالموت ميراثاً،فتأمّل جدّاً.

و تظهر الفائدة في النماء المتخلّل بينه و بين العقد،فيحكم به للواقف على الأوّل،و للموقوف عليه على الثاني.

ثم قد صرّح الأصحاب بعدم اشتراط فوريّة القبض.و هو كذلك، و الصحيحة المتقدّمة فيه صريحة.

و اعلم أنّه لا خلاف في سقوط اعتباره في بقية الطبقات؛ لأنّهم يتلقّون الملك عن الأوّل و قد تحقّق الوقف و لزم بقبضه،فلو اشترط قبضهم لانقلب العقد اللازم إجماعاً،كما في المسالك و غيره (2)جائزاً.

ثم لو وقف على الفقراء أو الفقهاء فلا بدّ من نصب قيّم لقبض الوقف،و النصب إلى الحاكم.

قيل (3):و الأقرب جوازه للواقف مطلقا،سيّما مع فقد الحاكم و منصوبه،و ربما كان في الصحيحة الأُولى دلالة عليه؛ لقوله:« إن كان أوقفها لولده أو لغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع» و نحوه

ص:100


1- المسالك 1:353.
2- المسالك 1:356؛ و انظر الحدائق 22:149.
3- كما في الدروس 2:267،و المسالك 1:356.

الرواية الأخيرة (1).

و لو كان الوقف على مصلحة عامّة كالقناطير،أو موضع عبادة كالمساجد قالوا: قَبضَه الناظر فيها أي في تلك المصلحة،فإن كان لها ناظر شرعي من قبله تولّى القبض؛ لما مرّ من الخبر،و إلّا فالحاكم، لما يأتي.

و أطلق بعضهم (2)في القبض في نحو المساجد و المقبرة بصلاة واحدة و دفن واحد فيها.

و قيّده آخر (3)بوقوع ذلك بإذن الواقف؛ ليتحقّق الإقباض الذي هو شرط صحّة القبض.

و قيّده ثالث (4)بوقوعهما بنيّة القبض أيضاً،فلو أوقعا لا بنيته كما لو أوقعا قبل العلم بالوقف،أو بعده قبل الإذن فيهما،أو بعدهما لا بقصد القبض،إمّا للذهول عنه،أو لغير ذلك لم يلزم.

قالوا:هذا إذا لم يقبضه الحاكم الشرعي أو منصوبة،و إلّا فالأقوى الاكتفاء به إذا وقع بإذن الواقف؛ لأنّه نائب المسلمين،و هو حسن.

و لو كان الوقف على طفل أو مجنون قبضه الولي لهما كالأب و الجدّ للأب بلا خلاف فيهما.

أو الوصي لأحدهما مع عدمهما،على الأقوى؛ لمفهوم التعليل في الصحيحة الثانية (5).

ص:101


1- المتقدّمة في ص:96.
2- كالمحقّق في الشرائع 2:217،و السبزواري في الكفاية:140.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):166.
4- كصاحب الحدائق 22:151.
5- المتقدّمة في ص:97.

خلافاً للماتن في الشرائع و غيره (1)،فتردّدا فيه؛ لما ذكر،و لضعف يده و ولايته بالإضافة إلى غيره.

و يضعّف بما مرّ،و ضعف اليد و قوّتها لا أثر له في ذلك بعد ثبوت أصل الولاية.

و لو وقف عليه أي على الطفل و من في معناه الأب أو الجدّ له صحّ و لزم و لم يحتج إلى إقباضٍ من أحد،بلا خلاف؛ للصحيح الثاني المتقدّم و ما بعده،فإنّهما مع ما فيهما من التعليل المشار إليه في قوله: لأنّه مقبوض بيده نصّان في المقام كالصحيح الأوّل.

و إطلاقهما كالعبارة و كثير من عبائر الجماعة يقتضي الاكتفاء بقبضهما و إن تجرّد عن نية القبض عنهما،و احتمل بعضهم اعتبار ذلك (2).

قيل:و في معناه ما لو كان الموقوف تحت يد الموقوف عليه بوديعة أو عارية أو نحوهما؛ لصدق القبض (3).

و فيه نظر،سيّما إذا كان مجرّداً عن نيّته بعد الوقف،فإنّ ظواهر النصوص المتقدّمة اعتبار التسليم،و ليس بحاصل.

نعم،ربّما يومئ إليه الاكتفاء في بعضها بسبق قبض الولي الواقف له و كونه في يده قبله،فلا بأس به.

و لو كان القبض واقعاً بغير إذن الواقف،كالمقبوض بالغصب و الشراء الفاسد،ففي الاكتفاء به نظر،و لعلّ العدم هنا أظهر.

و النظر في هذا الكتاب إمّا في الشروط أو في اللواحق

ص:102


1- الشرائع 2:245؛ و انظر التحرير 1:285.
2- المسالك 1:354.
3- المسالك 1:354.

الشروط أربعة أقسام

اشارة

و الشروط زيادة على ما مرّ أربعة أقسام من حيث إن أركانه أربعة،كلّ قسم منها يتعلّق بأحدها.

الأوّل في الوقف

الأوّل:في ما يتعلّق ب الوقف و يشترط فيه التنجيز فلو علّقه على شرط متوقّع،أو صفة مترقّبة، أو جعل له الخيار في فسخه متى أراده من دون حاجة بطل،بلا خلاف فيه،و في الصحّة لو كان المعلّق عليه واقعاً و الواقف عالم بوقوعه،كقوله:

وقفت إن كان اليوم الجمعة،و كذا في غيره من العقود،و بعدم الخلاف صرّح جماعة (1)؛ و لعلّه كافٍ في الحجّية.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص مطلقا بحكم التبادر بغير مفروض المسألة،مع أن في المسالك الإجماع عليه (2).

و الدوام،و الإقباض من الموقوف عليه أو من في حكمه،بأن يسلّطه عليه و يرفع يده عنه،كما في الروضة (3).و الأولى أن القبض في كلّ شيء بحسبه،كما مرّ في كتاب التجارة (4).

و إخراجه عن نفسه،فلو كان وقفه إلى أمد معيّن كشهر أو سنة بطل عند الأكثر؛ لاشتراطهم التأبيد المشترط في صحّته عندهم،بل و غيرهم،حتى إن ابن زهرة ادّعى في الغنية عليه إجماع الإماميّة (5)؛ و هو الحجّة المخصِّصة لعموم الآية الآمرة بالوفاء بالعقود (6)إن قلنا باشتراط

ص:103


1- منهم العلّامة في التحرير 1:284،السبزواري في الكفاية:140،الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:207.
2- المسالك 1:353.
3- الروضة 3:171.
4- راجع ج 8:356.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
6- المائدة:1.

القبول فيه،كما هو الأظهر،و إلّا كما هو الأشهر بين الطائفة فهو حجّة أُخرى مستقلّة بعد الأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة؛ لاختصاص النصوص بحكم التبادر في بعض [و] النصّية في آخر،كما تضمّن وقوف الأئمّة عليهم السلام بالوقوف المؤبّدة،بل جعل الطوسي في كتابي الحديث (1)الروايات الأخيرة من أدلّة اشتراطه و حجّة مستقلّة مخصِّصة لعموم الآية.

و لكن فيه مناقشة،و إن أمكن تصحيحه بظهوره من تتبّعها جملة، لا أن يكون كلّ منها بنفسه حجّة.

و كيف كان،الإجماع المتقدّم المعتضد بفتاوي الجماعة ممّن حضرني كلامه كافٍ في الحجية.

و لا ينافيه فتوى الأكثر كما سيظهر بالصحّة فيما ليس بمؤبّد؛ لأعمّية وجهها من الوقف و غيره،بل الجمع بين كلماتهم هنا و سابقاً يعيّن إرادة الأخير خاصّة،و به صرّح الصيمري في شرح الشرائع،فقال في الوقف على من ينقرض بعد حكمه بالاشتراط من دون نقل خلاف فيه عن الجماعة:إن المشهور الصحّة و أنّه حبس.فما ذكره في المسالك و فخر الإسلام في الإيضاح (2):من أن اشتراطه محل منازعة و شبهة،لا يخلو عن مناقشة.

و حيث بطل وقفاً كان حبساً عند الأكثر،كما في عبارة الصيمري قد مرّ،و به صرّح غيره (3)،بل صرّح الأوّل بأن عليه عامّة المتأخّرين، مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه،و ممّن حكي تصريحه به من القدماء الشيخان

ص:104


1- الاستبصار 4:99،التهذيب 9:132.
2- المسالك 1:355،إيضاح الفوائد 2:393.
3- انظر القواعد 1:267،و المسالك 1:355.

و الإسكافي و الديلمي و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (1).

و حكاية الشهرة و مذهب هؤلاء الجماعة و إن كان في غير مورد المسألة و هو المسألة الآتية،إلّا أنّهما من باب واحد،من حيث اشتراكهما في عدم التأبيد المشترط في الصحّة،و إن كان فقده في الأُولى أقطع منه في الثانية،هذا.

مضافاً إلى جريان بعض أدلّتهم التي ذكروها للصحّة ثمّة هنا بالبديهة.

و ممّن صرّح بالصحّة حبساً في خصوص المسألة مضافاً إلى الماتن الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة (2).و لم أقف لهم هنا على مخالف من الجماعة عدا من سيأتي إليه الإشارة،و علّلاه بوجود المقتضي،و هو الصيغة الصالحة للحبس،لاشتراكه مع الوقف في المعنى، فيمكن إقامة كلّ منهما مقام الآخر،فإذا قرن الوقف بعدم التأبيد كان قرينة على الحبس،كما لو قرن الحبس بالتأبيد كان قرينة على الوقف.و الأجود الاستدلال عليه بالصحيحين،في أحدهما:روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام:أن كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة،و كلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة،و أنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام،فكتب عليه السلام:« هو عندي كذا» (3).

و في الثاني:عن الوقف الذي يصحّ ما هو؟فقد روي أن الوقف إذا

ص:105


1- المفيد في المقنعة:652،الطوسي في النهاية:595،حكاه عن الإسكافي في المختلف:490،الديلمي في المراسم:197،القاضي في المهذب 2:87،ابن حمزة في الوسيلة:370،الحلّي في السرائر 3:157.
2- الدروس 2:264،المسالك 1:355،الروضة 3:172.
3- الكافي 7:31/36،الفقيه 4:622/176،التهذيب 9:561/132،الإستبصار 4:383/99،الوسائل 19:192 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 7 ح 1.

كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة،و إذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضى،قال قوم:إن الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان و عقبه،فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها،قال:و قال آخرون:هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا،و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و مَن عليها،و الذي غير موقّت أن يقول:هذا وقف،و لم يذكر أحداً،فما الذي يصحّ من ذلك؟و ما الذي يبطل؟فوقّع عليه السلام:« الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» (1).

و هما و إن دلّا ظاهراً على الصحّة وقفاً إلّا أنّ حملهما على الصحّة حبساً متعيّن جدّاً؛ جمعاً بينهما و بين ما دلّ على كون التأبيد شرطاً،و رجوع مثل هذا الوقف بعد موت الموقوف عليه إرثاً،فإنّه من لوازم الحبس،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،هذا.

مع أن القول بالصحّة وقفاً نادر جدّاً غير معروف أصلاً.

و ذكر الطوسي رحمه الله بعد نقل الأوّل:أنّ المراد بالموقّت الذي حكم بصحّته فيه ليس هو الموقّت بالمدّة،بل هو الموقّت بالمعنى المذكور في الرواية الثانية،مستشهداً عليه بها (2).

و فيه مناقشة،فإنّ غاية ما يستفاد منها استعمال الموقّت في ذلك المعنى،و هو أعمّ من الحقيقة،و الأصل يقتضي مجازيّته بعد معلوميّة حقيقته في الموقّت بالمدّة،فلا يعدل عنه إليه إلّا بقرينة صارفة هي في

ص:106


1- التهذيب 9:562/132،الإستبصار 4:384/100،الوسائل 19:192 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 7 ح 2.
2- التهذيب 132/9 ذيل الحديث 561.

الرواية مفقودة.

ثم لو سلّم هذا الجواب لم يكن فيه فائدة إثبات البطلان في مفروض المسألة على ما يظهر من سياق كلامه بعد دلالة الرواية الثانية بعمومها كما ترى على الصحّة مطلقا و لو هنا،فالصحة أقوى و إن خرجت الاُولى على تقدير التسليم عن كونها مستنداً للرواية الثانية.

مضافاً إلى التعليل المتقدّم إليه الإشارة في كلام الشهيدين،و صرّح ثانيهما بعد ذكره:بأنّه إنّما يتمّ مع قصد الحبس،فلو قصد الوقف الحقيقي وجب القطع بالبطلان،لفقد الشرط (1).

و هو كذلك بناءً على المختار،و أما على مختاره من التردّد في اشتراطه فلا وجه للقطع به،و لعلّه على تقدير اشتراطه.

و لو جعله لمن ينقرض غالباً و لم يذكر المصرف بعده،و اقتصر على بطن أو بطون صحّ حبساً،وفاقاً لصريح ابن حمزة و الفاضل في الإرشاد و القواعد (2)،و ظاهر من تقدّم (3)،بناءً على اشتراطهم التأبيد، و بنسبته إليهم صرّح الصيمري،و إن كان ظاهر المختلف و جماعة نسبة الصحة وقفاً إليهم،حيث جعلوه قولاً مقابلاً للأوّل (4)،و حكوا فيه تبعاً للمبسوط و الخلاف (5)ثالثاً،و هو القول بالبطلان رأساً و لم يسمّوا له قائلاً.

و الأقوى الصحة؛ لما مرّ.دون ما ذكره الأكثر:من الأصل،و عدم

ص:107


1- المسالك 1:355.
2- ابن حمزة في الوسيلة:370،الإرشاد 1:452،القواعد 1:267.
3- في ص 103.
4- المختلف:492،و انظر المهذّب البارع 3:50،و الحدائق 22:136.
5- المبسوط 3:292،الخلاف 3:543.

شرطية تمليك الأخير في تمليك الأوّل،و إلّا لجاء الدور،و الخبر (1).

لضعف الأوّل:بالمعارضة بأصالة الفساد إن أُريد به أصالة الصحة.

و الثاني:بأنّا لا ندّعي كون تمليك الأخير شرطاً،و إنما الشرط بيان المصرف للأخير ليتحقّق معنى الوقف،و هو هنا غير حاصل،فلا يتم صحة الوقف.

و الثالث:بقصور السند،و ضعف الدلالة من وجوه عديدة.

نعم،الاستدلال بالأوّل حسن إن أُريد به العمومات الآمرة بالوفاء بالعقود و قلنا باشتراط الرضاء فيه و القبول.

و أمّا حجّة الثالث مع جهالته و ندرته فهي ضعيفة كقوله،فإنّ غايتها نفي الصحة وقفاً،و هو أعمّ من انتفائها مطلقاً،فقد يصحّ و يكون حبساً كما قلنا.

ثم إنّ هؤلاء الجماعة الذين جعلوا الأقوال في المسألة ثلاثة لم يذكروا إلّا حجّتين،إحداهما على البطلان مطلقاً،و الثانية على الصحة،و لم يذكروا حجّة ثالثة تدل على تميز أحد القولين الأوّلين عن الآخر،و هو أوضح شاهد على أن الأقوال في المسألة اثنان لا ثلاثة،و أن فتوى من حكم بصحة الوقف المراد بها إثبات الصحة في مقابلة من يدّعي البطلان بالمرّة لا أن المراد إثباتها من حيث الوقفية دون الحبسية.

و أمّا تعبيرهم بصحة الوقف ففيه نوع مسامحة،و لعلّها لندرة الثمرة في الفرق بين الصحة وقفاً و حبساً،و عدم ظهورها إلّا في نحو النذر و النية المصحّحة لمثل هذا الوقف إن كان متعلقها الحبس،و المفسدة له إن كان

ص:108


1- الكافي 7:5/48،الفقيه 4:632/180،التهذيب 9:603/144،الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 1.

الوقف،كما مرّ إليه الإشارة،هذا.

مع أنه صرّح أكثر القائلين بالصحة وقفاً على ما نسبه إليهم هؤلاء الجماعة بانتقاله بعد الانقراض إلى ورثة الواقف،و هو من لوازم الحبس، كما صرّح به في المسالك (1)،و ممن اختار القول بالرجوع إليهم بعده الطوسي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة و الفاضل في أكثر كتبه و المسالك و الروضة و الصيمري و أكثر المتأخرين (2)،بل في المسالك عزاه إلى الأكثر بقول مطلق،و تبعهم الماتن في الشرائع (3)و هنا،فقال:

و يرجع الوقف بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف طلقاً أي ملكاً إن مات قبل الموقوف عليه،و إلّا فإليه ثم إليهم،قالوا:لأنه لم يخرج عن ملكه بالكلية،و إنما تناول أشخاصاً فلا يتعدّى إلى غيرهم، و الظاهر أن الوقف على حسب ما يوقفه أهله،و إنما وقفوا هنا على من ذكر،فلا يتعدّى،و يبقى أصل الملك لهم كالحبس،أو هو عينه.

و للخبر:عن رجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه و قرابة من امّه، و أوصى لرجلٍ و لعقبه من تلك الغلّة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم كلّ سنة،و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و أُمّه؟قال:«جائز للّذي أوصى له بذلك»..قلت:أ رأيت إن مات الذي اوصي له؟قال:«إن مات كانت

ص:109


1- المسالك 1:353.
2- الطوسي في الخلاف 3:543،القاضي في المهذب 2:91،الديلمي في المراسم:198،ابن حمزة في الوسيلة:370،العلّامة في المختلف:492،القواعد 1:267،و التحرير 1:285،و المسالك 1:353،و الروضة 3:169،و انظر إيضاح الفوائد 2:379،و الكفاية:140،و الحدائق 22:141.
3- الشرائع 2:216.

الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم،فإذا انقطع ورثته و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت تردّ إلى ما يخرج من الوقف» (1)الخبر.

و فيه قصور من حيث السند و الدلالة،و إن أمكن جبر الأوّل بالحسن ابن محبوب الذي في سنده،و الشهرة.

نعم،هو صالح للتأييد،كما صرّح به في الغنية:من أن على مذهبهم رواية (2)،و في الخلاف بأن عليه روايات (3).

مع احتمال أخذه دليلاً؛ لانجبار الإرسال بالشهرة،و بُعد احتمال عدم الدلالة،سيّما مع الكثرة،كما هو مصرَّح الثاني،مضافاً إلى كثرة النقلة.

و بمجموع ذلك يتعيّن المصير إلى هذا القول،مع لزوم القطع به على القول بكونه حبساً،و قد نفى الخلاف و الإشكال عنه في المسالك على تقديره (4).

و قيل: كما عن المفيد و الحلّي (5)أنه ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه لأن الوقف خرج عن ملكه فلا يعود إليه؛ و لأن الموقوف عليه يملك الوقف فينتقل إلى ورثته.

و في الانتقال و الملك منع؛ لأنه في الحقيقة أو في المعنى حبس و إنما

ص:110


1- الكافي 7:29/35،التهذيب 9:565/133،الوسائل 19:190 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- لم نعثر عليه فيه،راجع الخلاف 3:543.
4- المسالك 1:355.
5- المفيد في المقنعة:655،الحلي في السرائر 3:166.

ينتقل إليه في صورة التأبيد.

و في الغنية ينتقل في وجوه البرّ (1)؛ لانتقال الوقف عن الواقف و زواله عن ملكه.و ظاهره الحكم به لزوماً،إلّا أن المستفاد من كلامه أخيراً كونه مستحباً،فقال بعد أن ذكر ما أشار إليه الماتن بقوله و الأوّل مروي :و الأوّل أحوط.و أراد بالأوّل ما ذكره.

و في حكمه بكونه أحوط على إطلاقه نظر.

و العجب من المختلف (2)،حيث مال إليه معلّلاً له بانتقال الملك فلا يعود إليه من غير سبب؛ لجوابه عن التعليل بعد أن احتجّ به للقول الثاني بالمنع فكيف يستند إليه لهذا القول؟مع ما فيه زيادة على ما مرّ من كون الانتقال عن الوارث أعمّ من الانتقال إلى وجوه البرّ،فقد ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه،بل لعلّه المعيّن على تقدير صحّته؛ لدخوله في ملك الموقوف عليه أوّلاً قطعاً فيشمله عموم أدلة الإرث جدّاً.

ثم على المختار من العود إلى الواقف أو ورثته هل المراد بهم ورثته حين انقراض الموقوف عليه كالولاء،أو الورثة عند موته و يسترسل فيه إلى أن يصادف الانقراض؟قولان.

و تظهر الفائدة فيما لو مات الواقف عن ولدين ثم مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض،فعلى الأوّل يرجع إلى الولد الباقي خاصّة،و على الثاني يشترك هو و ابن أخيه بتلقّيه من أبيه كما لو كان حيّاً.

و اختار الشهيدان الأوّل (3)،و الفاضل المقداد (4)الثاني.و هو أقوى؛

ص:111


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المختلف:493.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:265،الشهيد الثاني في الروضة 3:169.
4- التنقيح الرائع 2:304.

لما مر من عدم الانتقال،و كونه باقياً على ملك الواقف فينتقل بالموت،و إن لم يجز التصرف فيه قبل الانقراض عملاً بمقتضى الوقف.

و اعلم أن هذا الوقف كسابقه يسمّى منقطع الآخر.

ثم إن ما ذكر مما يتفرّع على الشرط الأوّل من الشروط الثلاثة الأخيرة.

و أمّا ما يتفرّع على الثاني منها و سائر أحكامه فقد مرّ إليه الإشارة (1).

و أمّا ما يتفرع على الثالث و هو اشتراط إخراجه عن نفسه فهو أنه لو وقفه على نفسه بطل مطلقاً و إن عقّبه بما يصحّ الوقف عليه،بلا خلاف في الظاهر،و به صرّح في المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في التنقيح و عن الحلّي (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن الوقف إزالة ملك و إدخاله على الموقوف عليه، إجماعاً،كما في التنقيح و غيره (4)،و الملك هنا متحقق لا يعقل إدخاله عليه و تجديده.

و لأنّه تمليك منفعة وحدها أو مع الرقبة،و لا يعقل شيء منهما بالإضافة إلى مالكهما.

و يؤيّده مضافاً إلى الصحيحين الآتيين الخبران،في أحدهما:رجل تصدّق بدار له و هو ساكن فيها،فقال الحسين (5)عليه السلام:«اخرج منها» (6).

ص:112


1- راجع ص:96.
2- المسالك 1:354؛ و انظر الروضة 3:171،و الحدائق 22:155.
3- التنقيح الرائع 2:305،الحلّي في السرائر 3:155.
4- التنقيح الرائع 2:310؛ و انظر الحدائق 22:158.
5- في المصادر:الحين اخرج منها.
6- التهذيب 9:582/138،الإستبصار 4:394/103،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 4.

و في الثاني بعد أن سئل عليه السلام عن أكل الواقف عن الضيعة التي وقفها:

«ليس لك أن تأكل منها من الصدقة،فإن أنت أكلت منها لم ينفذ إن كان لك ورثة،فبع و تصدّق ببعض ثمنها في حياتك،فإن تصدّقت أمسك لنفسك ما يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه السلام» (1).

بل لا يبعد أخذه حجة،كما فعله من متأخّري المتأخّرين جماعة (2).

و ليس المخالف في المسألة إلّا بعض العامة (3).

و أمّا صحته بالإضافة إلى عقبه إن ذكره ففيها قولان،الأظهر العدم، و عليه الأكثر،و نسبه في المبسوط إلى مذهبنا (4)؛ للأصل،و عدم دليل على الصحة عدا عموم الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و خصوص عموم الصحيح المتقدم:«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (5).

و لا يصلح شيء من ذلك للدلالة بعد فرض عروض البطلان للعقد في الجملة،فإن المأمور به ليس إلّا الوفاء بتمامه دون بعضه،فما وقع عليه العقد لا يجب الوفاء به إجماعاً،و العقد لا يكون متبعّضاً،فكيف يستدل بذلك لوجوبه؟بل هو فاسد جدّاً.

و كذلك الجواب عن عموم الصحيح،فإن الوفاء بالبعض غير ما وقفه الواقف.

ص:113


1- الكافي 7:33/37،الفقيه 4:623/177،التهذيب 9:554/129،الوسائل 19:176 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 1.
2- منهم:السبزواري في الكفاية:140،و المجلسي في ملاذ الأخيار 14:396،و صاحب الحدائق 22:156.
3- كابن قدامة في المغني 6:215.
4- المبسوط 3:293.
5- راجع ص:105.

خلافاً للمبسوط و الخلاف،فالأوّل (1).و هو شاذّ،و مستنده ضعيف.

و عليه ففي انتقال المنفعة زمان الانقطاع إلى الفقراء و المساكين،أم إلى العقب الموقوف عليه وجهان للمبسوط (2)،و لا دليل على شيء منهما، مع سقوط أصلهما.

و يسمّى هذا الوقف بمنقطع الأوّل إن وقفه على نفسه ابتداءً،و منقطع الوسط إن وقفه أوّلاً على من يصحّ الوقف عليه ثم على نفسه ثم على غير ممن يصحّ الوقف عليه.

و في حكم الوقف على نفسه الوقف على من لا يصحّ الوقف عليه؛ لعدم قابليته للتمليك،كالمعدوم و الميت و المملوك.و المختار في الجميع بطلان ما بعد الانقطاع.

و لو وقف على نفسه و غيره جمعاً بالواو ففي صحة الوقف على الغير في النصف،أو الجميع،أو البطلان من أصله،أوجه.

و كذا فيما لو وقف على نفسه و الفقراء ففي صحة النصف،أو الثلاثة الأرباع،أو الجميع،أو البطلان من الأصل،أوجه،أوجهها في المقامين البطلان،لعين ما مرّ في توجيهه في السابق.

و وجه الصحة في الجملة عدم تحقق الانقطاع بالإضافة إلى تمام الوقف،و إنما تحقق بالإضافة إلى البعض،و هو مع وجود موقوف عليه آخر يصحّ عليه الوقف لا يتأتّى معه الانقطاع.و لا كذلك السابق؛ لحصول الانقطاع فيه بالوقف على نفسه مثلاً قطعاً ثم بعده على غيره،و هو فرق

ص:114


1- المبسوط 3:293،الخلاف 3:544.
2- المبسوط 3:294.

واضح،إلّا أن ما قدّمناه من دليل البطلان عام،و ليس له وجه الصحة بمعارض.

و يتفرع على هذا الشرط أيضاً عدم صحة الوقف إذا شرط قضاء ديونه أو إدرار مئونته منه،و به قطع الأصحاب،كما في المسالك (1)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،و ربما دلّ عليه إطلاق الخبرين المتقدمين (2).

و لو شرط أكل أهله منه صحّ الشرط،كما فعل النبي صلى الله عليه و آله بوقفه، و كذلك فاطمة (3)عليها السلام،و لا يقدح كونهم واجبي النفقة،فتسقط نفقتهم إن اكتفوا به.

و لو وقف و شرط عوده إليه عند الحاجة إليه فقولان، أشبههما:البطلان رأساً،وفاقاً للمبسوط و الإسكافي و ابن حمزة و الحلي (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية.

قيل:لأنّه شرط ينافي عقد الوقف فيبطل؛ لتضمنه شرطاً فاسداً (5).

و يضعّف بمنع المنافاة،فإنّها حيث لا يقبل العقد هذا الشرط و هو عين المتنازع و فيه نظر؛ لمنافاته الدوام المشترط فيه بلا خلاف،كما مر (6)،و لظاهر الموثقين كالصحيحين،أحدهما:عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير و قال:إن احتجت إلى شيء من

ص:115


1- المسالك 1:354.
2- في ص:111.
3- انظر الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقف و الصدقات ب 10.
4- المبسوط 3:300،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:490،ابن حمزة في الوسيلة:370،الحلي في السرائر 3:156.
5- قال به في المختلف:490،و المسالك 1:354.
6- راجع:102.

المال فأنا أحقّ به،ترى ذلك له و قد جعله للّه تعالى يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثاً أو يمضي صدقة؟قال:«يرجع ميراثاً إلى أهله» (1).

و في الثاني:«من أوقف أرضاً ثم قال:إن احتجت إليها فأنا أحقّ بها، ثم مات الرجل فإنّها ترجع إلى الميراث» (2).

مضافاً إلى التأيّد بما يستفاد من النصوص:من أن الوقف صدقة فلا يجوز الرجوع فيها بمقتضى كلمة الأصحاب و جملة من الأخبار (3)، و يشير إليه السؤال في الأوّل،حيث استبعد فيه الصحة و قد جعله للّه سبحانه،و هو ظاهر في منافاة الجعل له تعالى الرجوع فيه.

و القول الثاني للمفيد و النهاية و القاضي و الديلمي و السيد (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية،و ذهب إليه الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف و غيره و الشهيد الثاني في المسالك و غيره (5)،و نسبه كغيره إلى الأكثر؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و خصوص عموم الصحيح السابق:

«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (6).

ص:116


1- التهذيب 9:568/135،الوسائل 19:177 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 3 ح 3.
2- التهذيب 9:612/150.
3- انظر الوسائل 19:179،180 أبواب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 2،5.
4- المفيد في المقنعة:652،النهاية:595،القاضي في المهذب 2:93،الديلمي في المراسم:197،السيد في الانتصار:226.
5- الشرائع 2:217،المختلف:490،و القواعد 1:267،و التحرير 1:285،الشهيد الثاني في المسالك 1:355،و الروضة 3:172.
6- المتقدم في ص:105.

و استدلّوا عليه أيضاً بالصحيحين المتقدمين،بناءً على فهمهم من لفظ يرجع ميراثاً الصحة؛ إذ البطلان ليس فيه رجوع حقيقة،بل الشيء الموقوف باقٍ على الملكيّة.

و فيه نظر؛ فإن إطلاق الرجوع ميراثاً و إرادة حقيقته غير ممكن هنا قطعاً،فإن المرجوع إليه إنما هو كونه ميراثاً حقيقةً،و هو شيء لم يكن في حال حياة الواقف أصلاً إلّا مجازاً،فإذا لم يمكن إرادة الحقيقة تعيّن المجاز،فيحمل الرجوع على ما يجتمع مع البطلان بقرينة السؤال في الأوّل،حيث سئل عن صحة هذا الوقف مع ما هو عليه من كونه صدقة، فلو لم يحمل الجواب على هذا لما طابق للسؤال و ما كان جواباً عنه،فلم يبق إلّا الأدلّة الأوّلة من الإجماع،و هو معارض بمثله من إجماع الحلّي المتقدم،و العمومات،و هي مخصّصة بظاهر الصحيحين و غيرهما مما قدّمناه.

إلّا أن الشهرة المحكية في كلام جماعة (1)،و الظاهرة من فتاوى الجماعة عاضدت أدلّة الصحّة و رجّحتها على الأدلّة الأوّلة،سيّما مع ما في بعضها كالصحيحين:من ضعف الدلالة،و عدم النصّية التي هي المناط في تخصيص الأدلّة القطعية من عمومات الكتاب و السنة،مع ظهور ثانيهما في اشتراط الموت في أصل الرجوع،و هو ظاهر في عدمه قبله،و هو عين مقتضى الصحة،فالقول بالصحة لا يخلو عن قوّة،مع أنّه أحوط في الجملة،و عليه فلا ريب في الرجوع مع الحاجة.

ص:117


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:172،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:211،و صاحب الحدائق 22:164.

و لو مات و لم يحتج فهل يرجع إلى ورثة الواقف فيكون حبساً،كما عن النهاية و القاضي (1)،أم لا يرجع و يكون وقفاً،كما عن الباقين؟ وجهان،للثاني عمومات الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و للأوّل صريح الصحيحين،و هو أظهر.

و هل يعود بالاحتياج،أو يقف معه على اختياره؟وجهان،ظاهر العقد و الشرط الأوّل.

و المرجع في الحاجة إليه إلى العرف؛ لأنه المحكم فيما لم يرد الشرع بتعيينه.

و ذكر جماعة أن مستحق الزكاة محتاج (2).و في إطلاقه نظر.

و نحوه تفسيرها بقصور المال عن قوت يومه أو ليلة،و بسؤاله لغيره (3)،و ببُعده صرّح جماعة (4)،و لكنه ليس بذلك البعيد،و مع ذلك هو أحوط.

الثاني في الموقوف

الثاني:في ما يتعلق ب الموقوف.

و يشترط فيه أن يكون عيناً معلومة،فلا يصحّ وقف المنفعة و لا الدين و لا المبهم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (5)؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى الأصل و اختصاص الأدلّة كتاباً و سنة بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة بحكم الصراحة في بعض،و التبادر في آخر،و الشك في

ص:118


1- النهاية:596،القاضي في المهذب 2:93.
2- كما في المسالك 1:355،و جامع المقاصد 9:30.
3- كما في الدروس 2:267،و التنقيح 2:306.
4- منهم السبزواري في الكفاية:140.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

دخول ما لا يجتمع فيه في الوقف،بناءً على أن المفهوم منه عرفاً و لغة و شرعاً هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة،فلا يشمل وقف نحو الثمرة و كذا الدين و المبهم؛ لأنّ مقتضاه وجود الموقوف في الخارج حين العقد يحكم عليه بذلك،و هما ليسا كذلك،فيكون وقفهما في الخارج من قبيل وقف المعدوم الغير الجائز إجماعاً،فلا يشملهما عمومات الأمر بالوفاء بالعقود في الكتاب و السنة؛ لأن وقف مثلهما ليس بوقف فكيف يؤمر بالوفاء به، و مجرّد تسميته وقفاً لا يدخله في حيّز الأمر بالوفاء به.

و أن يكون مملوكة إن أُريد بالمملوكية صلاحيتها له بالنظر إلى الواقف ليحترز به عن وقف نحو الخمر و الخنزير من المسلم فهو شرط الصحة بلا خلاف؛ لما مرّ من الأدلّة.

و إن أُريد به الملك الفعلي ليحترز به عن وقف ما لا يملك و إن صلح له فهو شرط اللزوم،على قولٍ ذهب إليه الماتن في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و القواعد و التحرير،و الشهيد الثاني في المسالك (1)؛ لأنّه عقد صدر من أهله صحيح العبارة في محلّه قابل للنقل و قد أجازه المالك،فيصحّ كغيره من العقود.

و قيل:هو كالأوّل شرط الصحة (2)،و احتمله الفاضل في التحرير (3)، و اختاره فخر الإسلام و شيخنا في الروضة (4)على تقدير اعتبار القربة.

ص:119


1- الإرشاد 1:451،452،القواعد 1:269،التحرير 1:289،المسالك 1:346.
2- الحدائق 22:178.
3- التحرير 1:289.
4- فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:389،الروضة 3:176.

و لعلّه أظهر.لا لما قيل من أن عبارة الفضولي لا أثر لها،و تأثير الإجازة فيما عدا محل النص المختص بالبيع و النكاح غير معلوم (1)،لأن الوقف فكّ ملك في كثير من موارده و لا أثر لعبارة الغير فيه؛ لاندفاعه بأن اختصاص النص بالمورد غير قادح بعد شموله للغير بالأولوية،كما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

بل لاشتراط الصحة هنا بما يزيد على نفس العقد،و هو القربة،و هي بملك الغير غير حاصلة،و نية المجيز لها حين الإجازة غير نافعة،إمّا لاشتراط المقارنة بالصيغة و هي في الفرض مفقودة،أو لأن تأثير نيته لها بعدها و إفادتها الصحة حينئذٍ غير معلومة،فالأصل بقاء الملكية إلى أن يعلم الناقل،و هو بما قرّرناه غير معلوم.

نعم،لو قلنا بعدم اشتراطها في الصحة كان الأوّل قويّاً غاية القوة، لكن فيه ما مرّ إليه الإشارة.

و توقف في الدروس و التذكرة (2).و لا وجه له.

و أن يكون العين ممّا يمكن أن ينتفع بها مع بقائها انتفاعاً محلّلاً بلا خلاف؛ للحجج السابقة،حتى الإجماع في الغنية (3)،و تزيد عليها بالإضافة إلى اشتراط كون المنفعة محلّلة ما تقدم من الأدلّة على اشتراط القربة في الصحة (4)،و لا تحصل في المنفعة المحرمة.

مضافاً إلى أن الوقف لأجلها إعانة على الإثم،محرمة بالكتاب

ص:120


1- الروضة 3:176.
2- الدروس 2:264،التذكرة 2:431.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- راجع ص 93.

و الإجماع و السنة.

فلا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلّا مع ذهاب عينه،كالخبز و الطعام و الفاكهة و غيرها من الأُمور التي هي مع الانتفاع غير باقية،بل تكون بمجرّده و معه تالفة.

و لا وقفُ ما انتفاعاته محرمة،كآلات اللهو و هياكل العبادة المبتدعة.

قالوا:و لا يعتبر في الانتفاع به كونه في الحال،بل يكفي المتوقّع، كالعبد و الجَحْش الصغيرين و الزمِن الذي يرجى زوال زمانته،و لعلّه لإطلاق الأدلّة.

و هل يعتبر طول زمان المنفعة؟إطلاق العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة و نسبه إلى الأكثر في الروضة (1)يقتضي عدمه،فيصحّ وقف ريحان يسرع فساده.و احتمل فيها اعتباره؛ لقلّة المنفعة،و منافاتها التأبيد المطلوب من الوقف.

و فيه نظر؛ للإطلاقات،و عدم ثبوت مانعيّة القلّة،لعدم الدليل على اشتراط الكثرة.و منافاة التأبيد المشترط له غير واضحة إن أُريد به الدوام ما دامت العين باقية؛ لحصوله في الفرض بالضرورة و إن كان مدة الدوام يسيرة.و إن أُريد به الدوام إلى انقراض العالم فهو فاسد بالبديهة،و إلّا لما تحقق وقف بالإضافة إلى ما لا يحصل فيه مثل هذا الدوام،و هو مخالف للإجماع،بل الضرورة.

و أن يكون مما يصحّ إقباضها لأكثر ما مرّ من الأدلّة،و منه الإجماع في الغنية (2)؛ مضافاً إلى ما مرّ من اشتراط القبض في الصحة،و هو

ص:121


1- الروضة البهية 3:175.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

لا يحصل في غير مورد الشرط،فلا يصحّ وقف الطير في الهواء، و لا السمك في ماء لا يمكن قبضه عادةً،و لا الآبق و المغصوب و نحوها.

و لو وقفه على من يتمكن من قبضه فالظاهر الصحة،وفاقاً للروضة (1)؛ لأن الإقباض المعتبر من المالك إنما هو الإذن في قبضه و تسليطه عليه،و المعتبر من الموقوف عليه تسلّمه،و هو ممكن.

و حيث اجتمعت في العين الشرائط المزبورة صحّ وقفها مشاعة كانت أو مشتركة مقسومة بلا خلاف يظهر بين الطائفة،و به صرّح في المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات و الإطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة؛ لتحقق الغاية المقصودة من الوقف فيه،و هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة،و لإمكان قبضه،كما يجوز بيعه و غيره من العقود،هذا.

و المعتبرة بجواز صدقة العين المشاعة مستفيضة:

منها الصحاح،في أحدها:عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟فقال:«يجوز» قلت:أ رأيت إن كان هبة،قال:

«يجوز» (4).

و في الثاني:عن صدقة ما لم يقسّم و لم يقبض؟فقال:«جائزة،إنما أراد الناس النحل فأخطئوا» (5).

ص:122


1- الروضة البهية 3:175.
2- المسالك 1:346؛ و انظر الحدائق 22:179.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
4- الكافي 7:24/34،التهذيب 9:564/133،الوسائل 19:194 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 1.
5- الكافي 7:6/31،التهذيب 9:571/135،الوسائل 19:195 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 2.

و في الثالث:إنّ أُمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دارٍ،فقلت لها:إن القضاة لا يجيزون هذا،و لكن اكتبيه شراءً،فقالت:أصنع في ذلك ما بدا لك و كلّ ما ترى أنه يسوغ لك،فوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن و لم أنقدها شيئاً،فما ترى؟قال:«احلف له» (1)فتأمّل.

و منها الموثقات في أحدها:عن صدقة ما لم يقبض و لم يقسم قال:

«تجوز» (2).

و منها:عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه؟قال:

«يجوز» (3)الحديث،و نحوهما الثالث (4).

و الخبران:في الرجل يتصدّق بالصدقة المشتركة،قال:«جائز» (5).

و قد مرّ شيوع إطلاق الصدقة على الوقف بحيث يظهر كونه على الحقيقة (6)،و لعلّه لذا ذكرها الشيخ في التهذيب و غيره في غيره في كتاب الوقف،فتعمّه هذه الروايات بترك الاستفصال.

ص:123


1- الفقيه 4:643/183،التهذيب 9:580/138،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 5.
2- التهذيب 9:583/139،الإستبصار 4:395/103،الوسائل 19:197 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 6.
3- التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:194 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 1.
4- التهذيب 9:621/152،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 3.
5- الأول:الكافي 7:26/34،الفقيه 4:638/182،التهذيب 9:576/137،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 4.الثاني:التهذيب 9:586/139،الوسائل 19:196 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 9 ح 4.
6- راجع ص 95.

و احتجّ على المخالف في الغنية بقوله عليه السلام لعمر في سهام خبير:

«حبّس الأصل و سبّل الثمرة» (1)قال:و السهام كانت مشاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه و آله ما قسّم خيبر و إنما عدّل السهام (2).

و حكي الخلاف هنا عن بعض العامة؛ بناءً على دعواه عدم إمكان قبضه (3).

و الأصل ممنوع؛ فإن المشاع يصحّ قبضه كالمقسوم،لأنه إن كان هو التخلية فإمكانه واضح،و إن كان النقل فيمكن وقوعه بإذن الواقف و الشريك معاً.

الثالث في الواقف

الثالث:في ما يتعلق ب الواقف.

و يشترط فيه البلوغ،و كمال العقل،و جواز التصرف برفع الحجر عنه في التصرفات الماليّة،بلا خلاف.

فلا يصحّ من المحجور عليه لصغرٍ أو جنون أو سفه أو فلس أو نحو ذلك،و عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على الحجر من الكتاب و السنة (5).

و لكن في صحة وقف من بلغ عشراً تردّد و اختلاف، فبين من صحّحه،كالطوسي و الإسكافي و التقي (6)،و من أفسده،كالديلمي

ص:124


1- عوالي اللآلي 2:14/260،المستدرك 14:47 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1،و في سنن ابن ماجة 2:2397/801،و سنن النسائي 6:232 بتفاوت يسير.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- حكاه في المغني لابن قدامة 6:266،و انظر الخلاف 3:542.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
5- النساء:6؛ و انظر الوسائل 18:409 أبواب أحكام الحجر ب 1.
6- الطوسي في النهاية:611،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:510،التقي في الكافي في الفقه:364.

و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (1)،و لعلّه عليه كافّة المتأخّرين،و ربما يستفاد من الغنية (2)الإجماع عليه حيث ادّعاه على اشتراط مالكيّة الواقف للتبرّع،و هو ليس بمالك له بالإجماع؛ لثبوت الحجر عليه به و بالكتاب و السنة،و هذه الأدلّة هي الوجه في أحد شقّي التردّد.

و وجه الثاني هو أن المروي في المستفيضة جواز صدقته منها الموثقان،في أحدهما:«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل،و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم» (3).

و في الثاني:عن صدقة الغلام ما لم يحتلم؟قال:«نعم إذا وضعها في موضع الصدقة» (4).

و الخبر:«إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق على وجه معروف و حق فهو جائز» (5).

و إطلاق الصدقة أو عمومها يشمل الوقف أيضاً؛ لما مضى،مضافاً إلى عدم القائل بالفرق ظاهراً.

و الأولى المنع عن الصحة؛ لقوة الأدلّة المانعة في نفسها،مع

ص:125


1- الديلمي في المراسم:203،الحلي في السرائر 3:206،المحقق في الشرائع 2:213،العلّامة في القواعد 1:267،الشهيد الأوّل لم يذكره في اللمعة و لم يرجّح أحد القولين في الدروس 2:263،الشهيد الثاني في المسالك 1:346.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):602.
3- التهذيب 9:733/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 2.
4- التهذيب 9:734/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 3.
5- الكافي 7:1/28،التهذيب 9:729/181،الوسائل 19:211 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 1؛ بتفاوت يسير.

اعتضادها في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة،و استصحاب الحالة السابقة،و ضعف النصوص المزبورة عن المقاومة لها من وجوه عديدة:

منها مضافاً إلى الشذوذ و الندرة قصور أسانيدها عن الصحة.

مع كون الثالثة بحسب السند ضعيفة،و الأُوليين ليس فيهما التقييد بالعشر سنين بالمرّة،و تقييدهما بالرواية الثالثة فرع المكافأة،و هي لضعفها مفقودة.

مع تضمّن أُولاها صحة الطلاق،و هي ممنوعة،كما سيأتي في بحث الطلاق إليه الإشارة.

و شيء من هذه الأُمور المزبورة و إن لم يقدح في الحجيّة بعد كون الأسانيد معتبرة،إلّا أن أمثالها بل و أدون منها في مقام التراجيح معتبرة.

و لا يكافئها اعتضاد النصوص المزبورة بالنصوص الأُخر على جواز وصيته،كالموثق:عن وصية الغلام هل تجوز؟قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته» (1).

و الخبر:«إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته،و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله بشيء (2)في حقٍّ جازت وصيّته» (3).

لقصور الإسناد فيهما عن الصحة كالسابقة؛ مضافاً إلى ضعف الثانية و تضمّنها جواز وصيّة البالغ سبعاً،و لم يقل به أحد من الطائفة،و إن هي حينئذٍ إلّا كما دلّ من النصوص على جواز أمره في ماله مطلقاً،و وجوب

ص:126


1- التهذيب 9:730/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 7.
2- في المصادر:باليسير.
3- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:503/145،التهذيب 9:732/182،الوسائل 19:361 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 2.

الفرائض و إقامة الحدود عليه كذلك إذا بلغ ثمان سنين،و اتحاد الجارية معه في الحكمين إذا بلغت سبع سنين (1).

قال في المسالك،و لنعم ما قال:و مثل هذه الأخبار الشاذّة المخالفة لأُصول المذهب،بل إجماع المسلمين،لا تصلح لتأسيس هذا الحكم (2)، و بنحوه صرّح الحلّي (3).

و يجوز أن يجعل الواقف النظر في الموقوف لنفسه و يشترطه في متن العقد على الأشبه الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر، و نفى عنه الخلاف في التنقيح و المسالك (4)،و ادّعى عليه الإجماع في المختلف (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة.

خلافاً للحلّي (6)،فمنع عن صحة هذا الشرط و أفسد به الوقف.و هو شاذّ،و مستنده غير واضح.

و يجوز أن يجعله لغيره قولاً واحداً؛ لعين ما مرّ من الأدلّة؛ مضافاً إلى التوقيع المتقدم إليه الإشارة (7)،و فيه:«و أمّا ما سألت من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة يسلّمها من قيّمٍ يقوم بها و يعمرها و يؤدّي من دخلها خراجها و مئونتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا،فإنّ ذلك لمن جعله صاحب الضيعة،إنما لا يجوز ذلك لغيره» .

ص:127


1- منها ما أورده في الوسائل 19:212 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.
2- المسالك 1:346.
3- السرائر 3:206.
4- التنقيح الرائع 2:307،المسالك 1:346.
5- المختلف:492.
6- السرائر 3:156.
7- راجع ص 97.

و نحوه أخبار أُخر،منها:الصحيح المتضمّن لصدقة مولاتنا فاطمة عليها السلام بحوائطها السبعة و أنها جعلت النظر فيها لعليّ عليه السلام ثم للحسن عليه السلام ثم للحسين عليه السلام ثم للأكبر من ولدها (1).

و منها:الخبر المتضمّن لصدقة علي عليه السلام،و فيه:يقوم على ذلك الحسن عليه السلام ثم بعده الحسين عليه السلام ثم من بعده إلى من يختاره الحسين عليه السلام و يثق به (2)الحديث ملخّصاً.

و منها:الخبر المتضمّن لصدقة الكاظم عليه السلام بأرضه،و قد جعل الولاية فيها للرضا عليه السلام و ابنه إبراهيم ثم من بعدهم (3)،على الترتيب المذكور فيه.

و إن أطلق العقد و لم يشترط النظارة لنفسه و لا لغيره فالنظر لأرباب الوقف الموقوف عليهم.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهم عامّاً أو خاصّاً،و ذكر شيخنا الشهيد الثاني (4)و تبعه جماعة (5)أنه يبنى الحكم هنا على انتقال الملك،فإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر له، و إن جعلناه للموقوف عليه إن كان معيّناً و للّه سبحانه إن كان عامّاً فالنظر في الأوّل إلى الموقوف عليه،و للحاكم الشرعي في الثاني؛ لأنّه الناظر العام

ص:128


1- الكافي 7:5/48،الفقيه 4:632/180،التهذيب 9:603/144،الوسائل 19:198 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 1.
2- الكافي 7:7/49،التهذيب 9:608/146،الوسائل 19:199 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3؛ بتفاوت.
3- الكافي 7:8/53،الفقيه 4:647/184،التهذيب 9:610/149،الوسائل 19:202 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 4.
4- المسالك 1:347،الروضة البهية 3:177.
5- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:308،و الفيض في المفاتيح 3:213،و السبزواري في الكفاية:141،و صاحب الحدائق 22:184.

حيث لا يوجد الخاصّ.و هو حسن و يصير الواقف حيث لا يكون النظر إليه بعد العقد كالأجنبي.

و حيث اشترط النظر لنفسه فقد اختلف الأصحاب في اعتبار عدالته على قولين،بعد اتّفاقهم على اعتبارها في الغير إذا اشترط النظر له.و الأصل يقتضي العدم فيه و في الغير أيضاً،إلّا أن اتّفاقهم عليه في الثاني كما في كلام جماعة قد حكي (1)أوجب تخصيصه،مع اعتضاده ببعض النصوص المتضمنة لصدقة الأمير صلوات اللّه عليه حيث قال في آخره بعد ذكر الحسن و الحسين عليهما السلام:«فإن حدث بهما حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي،فإن وجد منهم من يرضى بهديه و إسلامه و أمانته فإنه يجعله إليه إن شاء..و إن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به،فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم و ذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم» (2)بل قد استدل به بعض الأجلّة (3).

و لكن المناقشة فيه واضحة،بل العمدة هو الاتفاق المحكي،إلّا أن بعضاً حكى الخلاف فيه أيضاً فقال:خلافاً لبعضهم (4).و في التحرير:لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك،و لو كان الأرشد فاسقاً فالأقرب عدم ضمّ عدل إليه (5).

قالوا:و يشترط فيه مضافاً إلى العدالة الاهتداء إلى التصرف،و أنه لو

ص:129


1- انظر الكفاية:141،و الحدائق 22:184.
2- راجع ص:127.
3- كصاحب الحدائق 22:184.
4- كالسبزواري في الكفاية:141.
5- التحرير 1:289.

عرض له الفسق انعزل،فإن عاد عادت إن كان مشروطاً من الواقف.

و لا يجب على المشروط له القبول،و لو قبل لم يجب عليه الاستمرار؛ للأصل،و أنه في معنى التوكيل.و حيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط.

و وظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة،و الإجارة،و تحصيل الغلّة و قسمتها على مستحقّها،و لو فوّض إليه بعضها لم يتعدّه.و لو جعله لاثنين و أطلق لم يستقلّ أحدهما بالتصرف.

و ليس للواقف عزل المشروط له النظارة في العقد،و له عزل المنصوب من قبله لو شرط النظر لنفسه فولّاه؛ لأنه وكيله.

و لو آجر الناظر مدّة فزادت الأُجرة فيها،أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته،إلّا أن يكون في زمن خياره، فيتعيّن عليه الفسخ حينئذٍ.

ثم إن شرط له شيء عوضاً من عمله لزم،و ليس له غيره،و إلّا فله اجرة المثل عن عمله مع قصده الأُجرة به و قضاء العادة بعدم تبرّعه به.

قالوا:و لا يجوز لغير الناظر التصرف فيه إلّا بإذنه و لو كان مستحقاً و الناظر غير مستحق؛ عملاً بالشرط.

و هو كذلك،إلّا أنه يشكل ذلك في الأوقاف العامة على المسلمين؛ للزوم تفويت كثير من أغراض الواقف،إلّا أن يقال:إذن حكّام الشرع في مثل ذلك معلوم بالقرائن.

الرابع في الموقوف عليه

الرابع:في ما يتعلق ب الموقوف عليه.

و يشترط وجوده أو إمكانه مع تبعيّته لموجودٍ حين العقد و تعيينه بالشخص،أو الوصف المميّز،كالمسلم أو المؤمن أو العالم،

ص:130

و نحو ذلك.

و أن يكون ممن يملك بلا خلاف فيه و في اشتراط أن لا يكون الوقف عليه محرّماً.

فلو وقف على من سيوجد من المعدوم المحض،أو غير ممكن الوجود في العادة،كالميت و إن جعل تابعاً،أو غير المعيّن،كأحد هذين الرجلين،أو المشهدين،أو رجل من بني آدم،أو نحو ذلك،أو من لم يكن قابلاً للتملّك،كالحمل و العبد،بناءً على الأصح الأشهر من عدم تملّكه مطلقاً أو ما عدا فاضل الضريبة لم يصحّ و الوجه في الجميع بعد الوفاق الظاهر المصرح به في الغنية (1)استلزام الوقف انتقال المنفعة خاصّة أو مع العين،و ليس أحد ممن تقدم بقابل للانتقال إليه.

نعم،العبد على القول بتملّكه يصحّ الوقف عليه إذا قبل مولاه و إن كان محجوراً عليه.

و حيث لا يصحّ الوقف عليه لا يكون وقفاً على سيّده عندنا،كما في ظاهر المسالك و صريح الروضة (2)؛ لعدم القصد إليه في العقد،فلا وجه لصرفه إليه.

و يستثنى منه العبد المعدّ لخدمة الكعبة و المشهد و المسجد،و نحوها من المصالح العامة،و نحوه الدابة المعدّة لنحو ذلك أيضاً؛ لأنه كالوقف على تلك المصلحة.

و منه يظهر الوجه فيما استثنوه أيضاً بلا خلاف يعرف من صحة

ص:131


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المسالك 1:348،الروضة البهية 3:179.

الوقف على المساجد و القناطر،فإنه في الحقيقة وقف على المسلمين بحسب القصد و إن جعل متعلّقه بحسب اللفظ غيرهم مما لا يكون قابلاً للمالكية؛ إذ هو مصروف إلى مصالحهم،و إنما أفاد تخصيصه بذلك تخصيصه ببعض المصالح،و هو لا ينافي الصحة،كما لا ينافيها في الوقف على المساجد الخبران:

أحدهما المرسل:عن الوقوف على المساجد،فقال:«لا يجوز،فإن المجوس وقفوا على بيوت النار» رواه في الفقيه (1).

و الثاني القريب منه في قصور السند،و دونه في الدلالة على المنع، رواه في التهذيب (2).

لضعف إسنادهما،و شذوذهما،و احتمال حمل المساجد فيهما على نحو البيع و الكنائس مما يستلزم الوقف عليه الإعانة على الإثم المحرمة بالكتاب و السنة.

و لا وجه لحملهما على الكراهة بعد اتفاق الأصحاب في الظاهر على الاستحباب.

مع احتمال«لا يجوز» فيهما الاستفهام الإنكاري،فيكون مفاده حينئذٍ الجواز،و يكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد بطريق أولى،و وجه الأولوية لا يخفى.

و لا يصحّ على الزناة و العصاة من حيث هم كذلك؛ لأنه إعانة على الإثم و العدوان فيكون معصية محرمة،أما لو وقف على شخصٍ متّصفٍ

ص:132


1- الفقيه 1:720/154،الوسائل 5:291 أبواب أحكام المساجد ب 66 ح 1.
2- التهذيب 9:611/150،الوسائل 5:292 أبواب أحكام المساجد ب 66 ح 2،و رواها في الفقيه 4:648/185،و علل الشرائع:1/319.

بذلك لا من حيث كون الوصف مناط الوقف صحّ،سواء أطلق أو قصد جهة محلّلة.

و لو وقف على موجود ممن يصحّ الوقف عليه و بعده على من يوجد مثله صحّ بلا خلاف؛ للأصل،و العمومات،و حصول الشرط من الوجود في الابتداء و التبعيّة للموجود في الانتهاء.

و الوقف على البرّ مع الإطلاق و عدم تعيين وجه منها في متن العقد يصرف إلى الفقراء و وجوه القرب كنفع طلبة العلم،و عمارة المساجد و المدارس و القناطر و المشاهد،و إعانة الحاج و الزائرين،و أكفان الموتى،و نحو ذلك.

و في جواز صرفه في مطلق نفع المسلمين و إن كانوا أغنياء وجه قوي،اختاره جماعة (1)مع عدم مخالفٍ لهم في ذلك أجده؛ لعدم وجوب تحرّي الأكمل،للأصل،و صدق الموقوف عليه.

و لا يصحّ وقف المسلم على البِيَع و الكنائس أي معابد اليهود و النصارى،بلا خلاف،و به صرّح في التنقيح (2)،و لا ريب فيه و إن قلنا بجواز الوقف عليهم.

و لا يرد أنّ ما تقدّم في توجيه صحّة الوقف على المساجد من أنه وقف على المسلمين في الحقيقة يستلزم صحته عليهما كما يصحّ عليهم، لأن الوقف على كنائسهم و شبهها وقف على مصالحهم.

للفرق،فإن الوقف على المساجد مصلحة للمسلمين و هي مع ذلك

ص:133


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:351،و السبزواري في الكفاية:142،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:211.
2- التنقيح الرائع 2:312.

طاعة و قربة فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها،بخلاف الكنائس، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصّة من مصالح أهل الذمة،لكنّها معصية،لأنّها إعانة لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرّمة و الكفر، بخلاف الموقوف عليهم أنفسهم،لعدم استلزامه المعصية بذاته،إذ نفعهم من حيث الحاجة و أنهم عباد اللّه سبحانه و من جملة بني آدم المكرمين و من يجوز أن يتولّد منهم المسلمون لا معصية فيه،و ما يترتب عليه من إعانتهم به على المحرّم كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و الذهاب إلى تلك الجهات المحرّمة ليس مقصوداً للواقف حتى لو فرض قصده له لحكم ببطلانه.

و مثله الوقوف عليهم لكونهم كفّاراً،فلا يصحّ،كما لا يصحّ الوقف على فَسَقة المسلمين من حيث هم فَسَقة.

و لو وقف على ذلك أي البيع و الكنائس الكافر الذي يعتقد صحة الوقف عليهما و يحصل منه بمعتقده التقرّب به إلى اللّه تعالى صحّ على الأصحّ،وفاقاً للمفيد و القاضي و الفاضل و المقداد (1)في الشرح (2)،إقراراً لهم على دينهم،مع أنه لا بدّ لهم من معبد،و أنه لم أقف فيه على مخالفٍ عدا الماتن هنا،فقال: و فيه وجه آخر هو العدم،كما صرّح به بعد أن سئل عنه،قال:لتعذّر نيّة القربة من الكافر،و هي شرط في صحة الوقف.

و فيه نظر؛ لمنع التعذر منه على الإطلاق؛ لاختصاصه بالمعطّلة

ص:134


1- في«ح»:و الفاضل المقداد.
2- المفيد في المقنعة:654،القاضي في المهذب 2:92،العلّامة في القواعد 1:268،المقداد في التنقيح الرائع 2:312.

و الدهريّة.

و ربما يحكى عن الأوّلين جواز وقف الكافر على نحو بيوت النيران (1).خلافاً للإسكافي (2)،و وافقه الفاضل و المقداد (3)،فصرّحوا بالمنع.

و لا يقف المسلم على الحربي مطلقا و لو كان له رحماً قريباً،وفاقاً للديلمي و القاضي (4)،بل نسبه في المسالك إلى المشهور (5)مؤذناً بعدم الخلاف فيه،و نحوه في عدم ظهور الخلاف فيه التنقيح (6).

و فيه نظر،فإن كلمة قدماء الأصحاب المختلفة المحكية في المسألة الآتية مطلقة في الكافر،إلّا كلام المبسوط (7)،فاختصّ بأهل الذمّة،و بهما اعترف في المسالك (8).

و لعلّ الوجه في تخصيص جملة من المتأخّرين (9)عبائرهم بأهل الذّمة أن الوقف إذا وجب الوفاء به حرم تغييره و نقله عن وجهه،و مال الحربي في للمسلمين،يصحّ أخذه و بيعه،و لا يجب دفعه إليه،لأنه غير مالك،كما صرّحوا به في الوصيّة،و هو ينافي صحته،و لا كذلك الذمّي.

ص:135


1- المقنعة:654،المهذب 2:92.
2- حكاه عنه في المختلف:496.
3- العلّامة في المختلف:496،المقداد في التنقيح 2:312.
4- الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذب 2:88.
5- المسالك 1:348.
6- التنقيح 2:312.
7- المبسوط 3:294.
8- المسالك 1:348.
9- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:275،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:179،و السبزواري في الكفاية:143.

قيل:و فيه نظر،فإن تحريم تغييره من حيث الوقف لا ينافيه من حيثيّة أُخرى هي جواز التصرف في مال الحربي بأنواع التصرفات المستلزم لتغييره (1).

(و فيه مناقشة يظهر وجهها مما سنذكره في كتاب الوصية في بحث تشابه المسألة و مقتضاه و مقتضى غيره مما نذكره ثمة فساد الوقف في المسألة و لا يخلو عن قوة لكن المحكي عن مجمع البيان الإجماع على جواز أن يبر الرجل إلى من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة قال و إنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة و الفطرة و الكفارات فلم يجوزه أصحابنا و فيه خلاف بين الفقهاء و لا ريب أن الوقف عليهم من جملة البر و يمكن الذب عنه بتخصيصه بغير الوقف و نحوه مما يشترط فيه قابلية الموقوف عليه للتملك و هي هنا غير حاصلة قطعا أو احتمالا موجبا للشك في الشرط جدا و معه لا يمكن القطع بوجود المشروط أصلا فتأمل جدا و بالجملة فعدم الصحة فيهم أقوى) (و فيه نظر لابتناء الوجه على عدم مالكية الحربي فكيف يصح مع ذلك الوقف عليهم لأنه إما تمليك عين أو منفعة و ليس بمالك لهما بمقتضى الفرض

ص:136


1- المسالك 1:348.

و ما ذكر في الجواب مبني على تملكه و هو كما عرفت في محل المنع نعم ربما يتوجه النظر بمنع دعوى عدم مالكية أهل الحرب و الإجماع على كون مالهم فيئا للمسلمين لا يدل على صحة الدعوى فقد يكون ملكهم متزلزلا مراعى إلى استيلاء يد المسلم فإن تحقق خرج عن ملكهم و إلا فلا و حينئذ فلا مانع من تملكهم العين الموقوفة أو منفعتها بعقد الوقف و خروجها عن ملكهم باستيلاء يد الواقف أو غيره عليها من حيث كونها ملك أهل الحرب و أخذ الواقف لها بالاستيلاء من هذه الحيثية لا ينافي الصحة من حيث الوقفية لظهور ثمرة الصحة فيما لو نذر وقفا صحيحا في الشريعة و وقف عليهم فيبرأ في نذره و إن جاز له أخذ العين الموقوفة من حيث الحربية و هذا الوجه و إن صلح ردا لوجه التخصيص إلا أنه لا يستفاد منه دليل على صحة الوقف بل يتوقف على دليل على أي تقدير و هو مفقود لعدم عموم أو إطلاق ينفع و الأصل الفساد و على تقدير تسليم العموم كما هو الظاهر منهم حيث عللوه بوجود المانع و هو عدم المالكية لا عدم المقتضي كما قلنا فيشكل الحكم بالفساد إلا أن يقال باتفاقهم على اشتراط مالكية الموقوف عليه و هي هنا إما منتفية أو مشكوك فيها غير معلومة و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيبقى أصالة الفساد بحالها باقية فالقول به مطلقا كما في العبارة في غاية القوة سيما مع دعوى الصيمري نفي الخلاف عنه في الأجانب منهم كالشيخ في الخلاف في الوصية و المسألتان متشابهتان بلا شبهة)

ص:137

و يقف المسلم على الذمّي و لو كان أجنبيّا للعمومات،مثل:

«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» (1)«و:لكلّ كبدٍ حرّى أجر» (2)و قوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [1] (3)بالمودّة.

و في الجميع نظر؛ لاختصاص الأوّل بالوقوف الصحيحة المتضمنة لشرائط الصحة التي منها قصد القربة،و في إمكانها على الإطلاق مناقشة،إذ هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق الصدقة و المبرّة عليهم،و لا أثر منه في الشريعة لا في كتاب و لا سنة،فكيف يقصد التقرّب إلى جنابه سبحانه بشيء لم يرد منه فيه أمر أو حثّ و ترغيب بنحو ممّا ورد في المستحبات الشرعية.

و به يظهر الجواب عن الدليلين الأخيرين،فإن غايتهما الدلالة على ثبوت الأجر و عدم النهي عن المودّة،و هما لا يستلزمان الأمر بالوقف أو المودّة حتى يتحقّق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة.

مع معارضتهما بعموم دليل المنع و هو قوله سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ [2] (4)هذا.

مع أني لم أجد لهذا القول عدا الماتن هنا و في الشرائع (5)قائلاً،و إن

ص:138


1- الكافي 7:34/37،الوسائل 19:175 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 2.
2- مسند أحمد 2:222،و ج 4:175،سنن ابن ماجة 2:3686/1215،الجامع الصغير 2:5958/228.
3- الممتحنة:8.
4- المجادلة:22.
5- الشرائع 2:214.

عدّه كثير من أصحابنا قولاً (1)،و ذلك فإن كلمة الأصحاب المحكية في المسألة ليست في الجواز مطلقة،بل هي ما بين مخصِّص له بالأقارب،كما عن الشيخين و ابني حمزة و زهرة و الحلبي (2)،أو بالوالدين خاصّة،كما عن الحلّي (3).

فهذا القول ضعيف غايته،كالقول بالمنع مطلقا،كما عمّن تقدّم في المسألة السابقة (4)،لعدم دليل عليه سوى إطلاق الآية المانعة،و عدم إمكان القربة،و ليسا بحجّة.

فالأوّل:بلزوم تقييده بما سيأتي من الأدلّة،مع معارضته بعموم الآية الأُولى المجوّزة،المعتضدة بما سبقها من الرواية،مع أنه قال جماعة فيه (5):بأن الظاهر أن النهي عن الموادّة إنّما هو من حيث كونه محادّا للّه و رسوله،و إلّا لحرم اللطف و الإكرام،و هو فاسد؛ لإجماع الطبرسي المتقدم إليه الإشارة (6).

و الثاني:بمنعه على إطلاقه،بل هو متّجه فيما عدا الأقارب،حيث لم يرد الأمر بالمودّة إليهم و الترغيب في صلتهم،و أما هم فيتأتّى قصد القربة

ص:139


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:313،و الفيض في المفاتيح 3:209،و صاحب الحدائق 22:192.
2- المفيد في المقنعة:653،الطوسي في المبسوط 3:294،ابن حمزة في الوسيلة:370،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،الحلبي في الكافي:326.
3- السرائر 3:156.
4- الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذّب 2:88.
5- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:50،و الشهيد الثاني في المسالك 1:348،و الفيض في المفاتيح 3:209 و صاحب الحدائق 22:195.
6- راجع ص:135.

بالوقف عليهم،لورود الأمرين في حقّهم،سيّما الوالدين،فقد قال اللّه تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [1] (1).مع أنه يستفاد من القائل بهذا و كذا الحلّي ورود الرواية بالجواز على ذي القرابة مطلقا (2)،كما عليه الشيخان و من تبعهما.

و هو أقوى؛ لما مضى،بل ظاهر الغنية عدم الخلاف فيه أصلاً، و ادّعى الإجماع عليه في الخلاف صريحاً.

و قصور سند الرواية مجبور بعمل هؤلاء العظماء من قدماء الطائفة، و كذا الدلالة،مع بُعد خطأ هؤلاء النقلة فيها البتة،هذا.

و كثير من النصوص الظاهرة في صحة الوقف على الأقارب شاملة للمسألة بإطلاقها أو عمومها،الناشئ من ترك الاستفصال عنهم بأنهم مسلمون أو كفرة،و هي و إن كان في صلوحها للحجية مناقشة،إلّا أنّها للتأييد و التقوية صالحة،بل يأتي على قاعدة بعض المشايخ صلوحها للحجّية و الدلالة.

و منه يظهر فساد القول الأخير،مع موافقة قائله في بعض كلماته الشيخين في التعدية إلى ما عدا الوالدين،و إن منع عنهما مرّتين،و لذا نسبه الأصحاب إلى اضطرابه في البين،و تردّده في اختياره أحد هذين القولين، هذا.

و مما ذكرناه من الأدلّة منعاً و جوازاً يظهر وجه التعدية للحكم إلى سائر معاندي الحق،و إن اختصّ كلام الجماعة بالكفرة،المتبادر منهم من ليس لهم من الإسلام حظّ بالمرّة.و بهذا التعميم صرّح في الغنية و التقي

ص:140


1- لقمان:15.
2- السرائر 3:160.

و المقداد في الشرح (1)،نافياً الأوّل بعده الخلاف،و هو لازم لكلّ من اشترط القربة.

و لو وقف المسلم على الفقراء أو العلماء،أو نحوهما مما يدل على وصف مع العموم لغة انصرف إلى ذي الوصف من فقراء المسلمين و علمائهم.

و لو كان الواقف المتلفظ بتلك اللفظة كافراً انصرف إلى ذي الوصف من فقراء نحلته و ملّته.

بلا خلاف أجده؛ عملاً بالعرف،و شهادة الحال و العادة،فيخصّص بها ما يقتضيه اللفظة من العموم لكل فردٍ فردٍ لغة،بناءً منهم على تقديم العرف عليها مطلقا.

و يأتي على مذهب من عكس،التعميم مطلقاً و لو إلى غير ذي الوصف من نحلته.

و هو مع مخالفته الإجماع هنا ظاهراً محجوج بما تقرّر في محله.

مضافاً إلى اختصاص الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر بكلام الشارع لا نفس العرف؛ لتقدّم اصطلاحه على اللغة و الشرع إجماعاً.

مع أن إرادة ذي الوصف من نحلته ليست من حيث كونه حقيقة فيه دون غيره في عرف الواقف،بل من حيث شهادة الحال بإرادته خاصّة،و إن ذلك إلّا من قبيل إرادة بعض أفراد الحقيقة بمعونة القرينة و إن عمّت اللفظة في عرف المتكلم بل و غيره غير ذلك الفرد،فتدبّر.

و هذا يتمّ مع تحقّق دلالة العرف و شهادة الحال به،فلو انتفت أو

ص:141


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،التقي في الكافي:326،المقداد في التنقيح الرائع 2:313.

شكّ فيها وجب التعميم لجميع من يتّصف بوصف الموقوف عليهم؛ رجوعاً إلى حقيقة اللفظة التي هي الأصل،مع سلامتها عن المعارض أصلاً، إلّا أن ثبوتها لما كان ظاهراً أُطلق العبارة كغيرها الانصراف إلى ذي الوصف من نحلته.

و مقتضى هذه القاعدة انصراف الوقف إلى ذي الوصف من أهل مذهب الواقف لا مطلقا،فلو وقف إمامي على الفقراء انصرف إلى فقراء الإمامية دون سائر طوائف الإسلام الباطلة،و كذا في صورة العكس،و لعلّه مراد الأصحاب و إن كانت عبائرهم مطلقة،لكن سيأتي من الخلاف ما ربما ينافيه.

و حيث انصرف إلى المسلمين أو صرّح بالوقف عليهم احتيج إلى معرفتهم و بيان المراد منهم،و لذا قال: و المسلمون من صلّى إلى القبلة و فسّر في المشهور بمن اعتقد الصلاة إليها و إن لم يصلّ لا مستحلا.

خلافاً للمفيد (1)،فاعتبر فعليّة الصلاة إليها،بناءً منه على أن العمل جزء من الإسلام.

و لا فرق عندهم بين كون الواقف محقّاً أو غيره؛ تبعاً لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي (2)،فخصّهم بالمؤمنين إذا كان الواقف منهم؛ عملاً بشهادة الحال،كما لو وقف على الفقراء.

و يضعّف بأن تخصيص عامّ لا يقتضي تخصيص آخر،و منعِ شهادة الحال،و قيام الفرق بين الفقراء و المسلمين،فإن إرادة الوقف على جميع الفقراء على اختلاف آرائهم و تباين مقالاتهم و معتقداتهم بعيد،بخلاف

ص:142


1- المقنعة:654.
2- السرائر 3:160.

إرادة فِرَق المسلمين من إطلاقهم،فإنه أمر راجح شرعاً مطلوب عرفاً.

و في الجميع نظر؛ لمنع أن تخصيص عام لا يقتضي تخصيص آخر بعد اشتراكهما في الوجه المخصّص و هو شهادة الحال،و منعها لا وجه له، سيّما على إطلاقه.

و دعوى قيام الفرق بما ذكر غير واضحة؛ لجريان ما ذكره في الفقراء من بُعد انصراف الوقف من المسلم إلى جميعهم لاختلاف آرائهم في المسلمين أيضاً،لوجود الاختلاف في الآراء و التباين في المعتقدات فيهم أيضاً.

و دعوى رجحان الوقف على مخالفي الحق من سائر فِرَق المسلمين شرعاً و مطلوبيته عرفاً غير نافعة جدّاً بعد قيام المخصِّص،كما قدّمنا،مع أن جماعة كالتقي و ابن زهرة و الفاضل المقداد في التنقيح (1)أفسدوا الوقف من المحقّ على غيره،و قد مرّ أن ذلك لازم لكل من يشترط القربة في الصحة، فما ذكره الحلّي لا يخلو عن قوة.

هذا على تقدير صحة الوقف منه عليه،و إلّا كما اخترناه سابقاً من عدم الصحة تبعاً لهؤلاء الجماعة فينبغي القطع بمقالته؛ إذ الإطلاق و العموم ليسا بأبلغ من التصريح،و معه يفسد،فكذا معهما.

كما أن بيان انصراف الفقراء إلى المسلمين خاصّة حيث يكون الواقف مسلِماً إنما هو على تقدير صحة الوقف من المسلم على الكافر مطلقاً أو في الجملة،و على تقدير فساده بالكلية لم يحتج إلى هذا البيان؛ لفساد الوقف فيه بالإضافة إليه من أصله.

ص:143


1- التقي في الكافي:326،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،التنقيح الرائع 2:313.

و على مذهب الأكثر استثنى جماعة منهم الغلاة و الخوارج و غيرهما من فِرَق الإسلام المحكوم بكفرهم شرعاً.و لا ريب فيه على ما اخترناه، و يأتي على غيره احتمال عدم الاستثناء،لصدق الاسم عرفاً،إلّا أن يكون هناك شاهد حال على الاستثناء فيستثنى.

و المؤمنون حيث يوقف عليهم الاثنا عشرية القائلون بإمامة الأئمة الاثني عشر سلام اللّه عليهم و هم الإمامية الآن،الذين لا يعتبر في صدق الإمامية عليهم اجتنابهم الكبائر اتفاقاً،كما حكاه في التنقيح و المسالك و الروضة (1)،و فيها عن الدروس (2)انسحاب الخلاف الآتي في المؤمنين فيهم.

و ليس كذلك بالإجماع،و إشعار أدلّة المعتبر للاجتناب عنها في الإيمان باختصاص اعتباره فيه دون الإمامي.

و كيف كان،ما اختاره الماتن من اشتراك المؤمن و الإمامي في عدم اعتبار الاجتناب عن الكبائر في حقيقتهما مختار الطوسي في التبيان (3)، قائلاً:إنه كذلك عندنا،و اختاره الديلمي و الحلّي (4)،و عليه كافّة المتأخّرين.

و قيل: كما عن النهاية و المفيد و القاضي و ابن حمزة (5)هم مجتنبو الكبائر منهم خاصّة فلا يشمل الوقف عليهم الفسقة.

ص:144


1- التنقيح 2:316،المسالك 1:349،الروضة 3:182.
2- الدروس 2:272.
3- التبيان 2:81.
4- الديلمي في المراسم:198،السرائر 3:161.
5- النهاية:597،المفيد في المقنعة:654،القاضي في المهذب 2:89،ابن حمزة في الوسيلة:371.

و منشأ الاختلاف هو الاختلاف بين النصوص،و الجمع بينها يقتضي المصير إلى الأوّل.

و الأولى الرجوع إلى عرف الواقف و شهادة حاله،حتى لو كان ممن يذهب إلى الثاني و ظهر من القرائن الأحوال إرادته مطلق الإمامي عمّ مجتنبي الكبائر و غيرهم،و إذا جهل عرفه و انتفت القرائن فالمذهب الأوّل،و إن كان الأحوط الثاني.

ثم كلّ ذا إذا كان الواقف منهم،و يشكل فيما لو كان من غيرهم،و إن كان إطلاق العبارة كغيرها من العبائر يقتضي عدم الفرق،لعدم معروفيّة الإيمان بهذا المعنى عنده فلم يتوجّه منه القصد له فكيف يحمل عليه.

و ليس الحكم فيه كالمسلمين في عموم اللفظ و الانصراف إلى كلّ ما دلّ عليه و إن خالف معتقد الواقف،كما مرّ على تقدير صحته؛ لأن الإيمان لغة هو مطلق التصديق،و ليس هنا بمراد إجماعاً،و اصطلاحاً يختلف بحسب اختلاف المصطلحين،و معناه المعتبر عند أكثر المسلمين هو التصديق القلبي بما جاء به النبي صلى الله عليه و آله،و يعبّر عنه بالإيمان بالمعنى العام،و الأوّل أي المرادف للإمامي الذي هو مورد العبارة بالخاص،فلو قيل بحمله عليه في محل الإشكال كان غير بعيد إذا لم يكن ثمّة شاهد حال،و إلّا كان متّبعاً بلا إشكال.

و لو وقف على الشيعة انصرف إلى من شائع عليّاً عليه السلام و قدّمه على غيره في الإمامة،و إن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة عليهم السلام بعده.

فيدخل فيهم الإمامية و الجارودية من الزيدية،و الإسماعيلية غير الملاحدة منهم،و غيرهم من الفرق الآتية.

ص:145

و خصّ الجارودية من فِرَق الزيدية لأنه لا يقول منهم بإمامة علي عليه السلام دون غيره من المشايخ سواهم،فإن الصالحية منهم و السليمانية و البترية يقولون بإمامة الشيخين و إن اختلفوا في غيرهما.

و انصراف الشيعة إلى هاتين الطائفتين هو المشهور بين الأصحاب، محكيّ عن الشيخين و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1)؛ لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي و التذكرة (2)،فيتبع مذهب الواقف،فلو كان من الإمامية انصرف وقفه إليهم خاصة،و كذا لو كان من الجارودية انصرف وقفه إليهم، و هكذا لو كان من سائر الفرق الباقية ينصرف وقفه إلى أهل مذهبه؛ عملاً بشاهد الحال.و لا ريب فيه،بل و لعلّه لا كلام مع حصوله،و إلّا فاللازم دوران الأمر مدار اللفظ و عمومه.

و إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين الوقف عليهم في الأزمنة القديمة أو نحو هذه الأزمنة الحادثة.

و هو في الأخير محلّ مناقشة؛ لصيرورة الشيعة في زماننا هذا و ما ضاهاه حقيقة في الاثني عشرية خاصّة،بل لا يكاد يخطر ببال أحد من أهله صدق الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية،و لو بالمجاز دون الحقيقة،بل حيث ما يطلق فيه ينصرف إليهم دون غيرهم البتة،و يقابل بهم خاصّة أهل السنة،و هذا أوضح شاهدٍ و أفصح قرينة على انصراف الوقف على الشيعة في مثل هذا الزمان إلى الاثني عشرية كائناً الواقف من كان.

و بما ذكرنا تفطّن بعض من عاصرناه من علمائنا الأعيان،فاعترض

ص:146


1- المفيد في المقنعة:654،الطوسي في النهاية:598،القاضي في المهذب 2:89،الديلمي في المراسم:198،ابن حمزة في الوسيلة:371.
2- الحلي في السرائر 3:162،التذكرة 2:430.

الأصحاب بذلك (1).

و يمكن الاعتذار عنهم بأن مقصودهم متابعة اللفظ و عمومه حيث لا يكون ثمّة قرينة حال،و إلّا فلا ريب في وجوب اتّباعها حيث حصلت على كلّ حال،و ينبّه عليه ما مرّ من القاعدة في انصراف الوقف على الفقراء إلى فقراء نحلة الواقف (2).

و لو وقف على الزيدية انصرف إلى كل من يقول بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام و من خرج من ولد فاطمة عليها السلام عالماً زاهداً شجاعاً داعياً إلى نفسه بالسيف،و لذا قالوا بإمامة زيد دون أبيه علي بن الحسين عليهما السلام،لعدم قيامه.

و لا فرق في ذلك بين كون الواقف إماميّاً أو غيره عند الشيخين (3).

و تبعهما الأكثر؛ بناءً منهم على صحة الوقف من الإمامي على أمثال هذه الطوائف.و يأتي على المختار و مذهب من تقدّم من علمائنا الأبرار فساد الوقف منه عليهم (4)،و به صرّح الحلّي هنا (5)،و هو لازم لمن يشترط القربة،كما قدّمناه.

و نحو هذا الكلام في الوقف على الفطحية و هم كلّ من قال ب -إمامة الأفطح عبد اللّه بن جعفر بن محمّد عليهما السلام،و سمّي بذلك لأنه قيل:كان أفطح الرأس (6).

ص:147


1- الحدائق 22:207.
2- راجع ص:140.
3- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:598.
4- راجع ص:4575.
5- السرائر 3:163.
6- انظر المقالات و الفرق:87.

و قال بعضهم:إنه كان أفطح الرجلين (1).و قيل:إنهم سمّوا فطحية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له:عبد اللّه بن فطيح (2).

و على الإسماعيلية و هم كل من قال ب إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام بعده،قيل:

و هم فِرَق.

و على الناووسية و هم كل من وقف في عداد الأئمة على جعفر بن محمّد عليهما السلام،و قالوا:إنه حيّ لن يموت حتى يظهر و يظهر أمره،و هو القائم المهدي.

و عن الملل و النحل:أنهم زعموا أن عليّاً عليه السلام مات و ستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً (3).

قيل:نسبوا إلى رجل يقال له:ناووس (4).و قيل:إلى قرية يقال لها ذلك (5).

و على الواقفية و هم كل من وقف في الإمامة على موسى بن جعفر عليهما السلام و ينكر موته،و يدّعي أنه قائم الأئمة عليهم السلام، و سمّوا في بعض الأخبار بحمير الشيعة،و في آخر منها بالكلاب الممطورة (6).

و على الكيسانية و هم كل من قال بإمامة محمّد بن

ص:148


1- كما في الإرشاد للمفيد:286،و فرق الشيعة:78،و المقالات و الفرق:87.
2- حكاه المفيد في الإرشاد:286.
3- الملل و النحل:273.
4- المقالات و الفرق:80.
5- الملل و النحل:273.
6- رجال الكشّي 2:761.

الحنفية بعد الحسين عليه السلام و أنه حيّ غائب في جبل رضوى و ربما يجتمعون ليالي الجمعة في الجبل و يشتغلون بالعبادة على ما حكي،و هم أصحاب مختار بن أبي عبيدة المشهور،و يقال:إن لقبه كان كيسان (1)، و قيل:و منشأه أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له:يا كيّس يا كيّس،و هو طفل قاعد في حجره (2).

و كذا لو وصفهم الواقف بنسبة إلى عالم كان لمن دان و قال بمقالته و مذهبه كالحنفية و المالكية و الشافعية و الحنبلية.

و هذه ضابطة كلّية في جميع هذه المسائل،لكن مع اتّفاق العرف أو الاصطلاح لا كلام في انصرافه إليه،و مع التعدّد يحمل على المتعارف عند الواقف،و بهذا يتخرّج الحكم و الخلاف في الجميع.

و لو نسبهم إلى أب كالأمثلة الآتية كان الوقف منصرفاً لمن انتسب إليه أي إلى ذلك الأب بالأبناء،دون البنات على الأشهر بين عامة من تأخّر.

خلافاً للمرتضى و ابن زهرة (3)،فألحقا المنتسبين إليه بالبنات بالمنتسبين إليه بالأبناء في انصراف الوقف إليهم أيضاً،و ادّعى الأخير هنا عليه إجماعنا.

و تمام التحقيق مع ذكر الخلاف في المضمار يطلب من كتاب الخمس (4).

ص:149


1- قال به في المقالات و الفرق:21.
2- انظر رجال الكشي 1:341.
3- المرتضى حكاه عنه في المختلف:498،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- راجع ج 5 ص 247.

و ذلك ك الوقف على الطائفة العلوية و الهاشميّة فينصرف الوقف إلى مَن وَلَده علي و هاشم بأبيه،أي من اتّصل إليهما بالأب و إن علا، دون الاُمّ على الأشهر،و يعمّ المنتسب إليهما بالأُمّ أيضاً على القول الآخر.

و يتساوى فيه أي في ذلك الوقف استحقاقاً و قدراً الذكور و الإناث من أولاد البنين،و البنات إن قلنا بانصراف الوقف إليهم، بلا خلاف،قيل:و لا إشكالٍ (1)،و إن وقع بلفظ الذكور كالهاشميين و العلويين؛ فإن اللفظ حينئذٍ يشمل الإناث تبعاً،كما تناولهنّ في جميع الخطابات الواقعة في التكليف في الكتاب و السنة،و لصدق إطلاقه على الإناث فيقال فلانة علوية أو هاشمية أو تميمية و نحوه.

و المناقشة فيهما على إطلاقهما واضحة،إلّا أن يتمّم الأوّل بالاستقراء،لكن في إفادته المظنّة التي يطمئنّ إليها مناقشة.

و كيف كان،الإجماع بنفسه حجّة واضحة قد كفتنا مئونة الاشتغال بطلب توجيهٍ لتصحيح هذه الأدلّة،أو الفحص عما سواها من الحجج الأُخر الشرعية.

و إذا وقف على قومه انصرف إلى أهل لغته في المشهور بين الأصحاب،و إن اختلفوا في الإطلاق،كما هنا و عن الديلمي (2)،أو التقييد بالذكور منهم خاصة دون الإناث،كما عن الشيخين و القاضي و ابني حمزة و زهرة العلوي (3).

ص:150


1- المسالك 1:350.
2- المراسم:198.
3- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:599،القاضي في المهذب 2:91،ابن حمزة في الوسيلة:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

و مستندهم في أصل الحكم غير واضح،عدا ما يستفاد من الحلّي و التنقيح (1):من أن به رواية،و ربما يفهم من الغنية أن عليه و على التقييد إجماع الإمامية.

خلافاً للحلبي (2)،فأوجب الرجوع إلى المعلوم من قصده مع إمكانه، و إلّا فإلى المعروف في ذلك الإطلاق عند قومه.و لا ريب فيه مع إمكانه، و إنما الإشكال مع عدمه.

و للحلّي (3)،فصرفه إلى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف بأنهم أهله و عشيرته،دون من سواهم؛ استناداً في التخصيص بالأهل و العشيرة إلى شهادة اللغة بذلك و العادة،و في تخصيصهم بالذكور بقوله سبحانه لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [1] .. وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ [2] (4)و قول زهير:

و ما أدري و سوف إخال أدري أقوم أهل حصنٍ أم نساءٌ و لا ريب أنه أحوط إذا كان عشيرته من أهل لغته و لم يكن ثمّة شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم؛ بناءً على ما سيأتي من عدم وجوب صرف الموقوف إلى جميع الموقوف عليهم،فلو صرف في عشيرته من أهل لغته عمل بالوقف قطعاً،لكونهم موقوفاً عليهم على جميع الأقوال.

و يشكل إذا كان عشيرته من غير أهل لغته،أو وجد شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم مع عدم تعيّنهم.و الأولى فيه الرجوع إلى ما ذهب إليه المشهور؛ و وجهه بعد ما عرفت من الرواية،و إمكان فهم

ص:151


1- الحلي في السرائر 3:163،التنقيح 2:319.
2- الكافي في الفقه:327.
3- السرائر 3:164.
4- الحجرات:11.

الإجماع عليه من الغنية (1)في غاية الظهور،لانجبار قصورهما في محلّ الإشكال بفتوى المشهور،مع السلامة فيه عن قرائن الأحوال المرجّحة عليهما بمقتضى القواعد المقررة.

و إذا وقف على عشيرته انصرف إلى الخاص من قومه الذين هم الأدْنون و القريبون منه في نسبه كما عن الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلّي (2)خلافاً للحلبي (3)،فكما مرّ.

و لا ريب فيه مع إمكانه،كما ظهر،و إنما الإشكال فيه مع العدم.

و الأقوى فيه الأوّل؛ للشهرة،مع ما في الغنية و عن الكيدري (4)من أن لهم عليه رواية،و قصور السند و احتمال عدم الدلالة مجبور في محلّ الإشكال بالشهرة و تعدّد نَقَلة الرواية،لبُعد خطائهم في الفهم بالبديهة.

و يرجع في الجيران إذا وقف عليهم إلى العرف لأنه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع بيان،و لكن لم أقف له على قائل به عدا الماتن هنا و الفاضل في جملة من كتبه (5).و لا ريب فيه مع معلوميته و شهادة الحال بانصراف الوقف إليه،و لعلّه لا نزاع فيه أيضاً،بل هو مختص بصورة فقد الشاهد عليه.

و الأقوى فيه ما قيل من أنه هو من يلي داره أي دار الواقف إلى أربعين ذراعاً بالذراع الشرعي من كل جانبٍ،كما عن

ص:152


1- راجع ص:149.
2- المفيد في المقنعة:655،الطوسي في النهاية:599،الديلمي في المراسم:198،القاضي في المهذب 2:91،الحلي في السرائر 3:164.
3- الكافي في الفقه:327.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603،و حكاه عن الكيدري في المختلف:494.
5- انظر القواعد 1:268،و التذكرة 2:439،و التحرير 1:288.

الشيخين و القاضي و الحلبي و الديلمي و الكيدري و ابني حمزة و زهرة و الحلّي (1)،و بالإجماع عليه صرّح في الغنية،و احتمل كونه الحجة للأخير في المسالك (2)؛ و هو الحجة الموافقة لمقتضى العرف و العادة في الجملة.

و قيل: هو مَنْ يلي داره إلى أربعين داراً،و هو مع جهالة قائله كما اعترف به جماعة (3)شاذّ مطرح كما هنا و في المهذب (4)،و ذكر جماعة (5)أن مستنده رواية عاميّة (6)،مع أنه ورد به من طرقنا روايات معتبرة:

منها الصحيح:«حدّ الجوار أربعون داراً من كلّ جانب:من بين يديه، و من خلفه،و عن يمينه،و عن شماله» (7)و نحوه خبران آخران (8).

إلّا أنها مع شذوذها موافقة لمذهب عائشة،و مع ذلك قاصرة الدلالة على الحكم في المسألة من رجوع الوقف إليهم،فإن غايتها الدلالة على

ص:153


1- المفيد في المقنعة:653،الطوسي في النهاية:599،القاضي في المهذب 2:91،الحلبي في الكافي:326،الديلمي في المراسم:198،و حكاه عن الكيدري في المختلف:494،ابن حمزة في الوسيلة:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603،الحلي في السرائر 3:163.
2- المسالك 1:350.
3- منهم:المحقق في الشرائع 2:215،و الشهيد الثاني في المسالك 1:350.
4- المهذب البارع 3:62.
5- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:386،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:320،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:45.
6- جامع الصغير 1:570.
7- الكافي 2:2/669،الوسائل 12:132 أبواب أحكام العشرة ب 90 ح 1.
8- الأول:الكافي 2:1/666،الوسائل 12:125 أبواب أحكام العشرة ب 86 ح 1.الثاني:الكافي 2:1/669،الوسائل 12:132 أبواب أحكام العشرة ب 90 ح 2.

الإطلاق،و هو أعمّ من الحقيقة،مع أن قرائن المجاز من صحة السلب و عدم التبادر موجودة،و مع ذلك المجاز خير من الاشتراك بالضرورة.

ثم لو سلم الحقيقة فغايتها أنها حقيقة شرعية،و هي معتبرة في الألفاظ الواردة عن الشرع،دون الألفاظ المتداولة بين أهل العرف و اللغة؛ فإنّها تحمل على حقائقهم لا الشرعية.

و لم سلّم جواز حمل الألفاظ المتداولة بينهم على الشرعية على سبيل الحقيقة فغايته الجواز و ثبوت الحقيقة،دون الوجوب و طرح الحقيقة العرفية،بل لا بدّ من التوقّف إلى تحقق القرينة المعيّنة،كما عليه المدار في الألفاظ المشتركة.

نعم،لو علم بالقرائن الحالية أو المقالية إرادة الواقف خصوص هذه الحقيقة الشرعية تعيّن حمله عليه البتة،إلّا أنه خارج عن مفروض المسألة؛ لرجوع الأمر حينئذٍ إلى مقتضى القرينة،و هي حيث حصلت متّبعة و لو على غير الشرعية،أو شيء لم يقل به أحد من الطائفة في مفروض المسألة.

و لو وقف على مصلحة خاصّة من مصالح المسلمين كالمساجد و القناطر و شبه ذلك فبطلت و اندرس رسمها قيل:يصرف في وجوه البر كما عن الشيخ و باقي الجماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،و صرّح به في السرائر (2)،بل ربما أشعر كلام المسالك و المهذب (3)حيث نسب تردّد الماتن هنا،المستفاد من نسبة الحكم إلى القيل المشعر بالتمريض،إلى الندرة بأن عليه إجماع الطائفة.

ص:154


1- انظر النهاية:600،و المقنعة:654،و الوسيلة:371،و المهذب 2:92.
2- السرائر 3:166.
3- المسالك 1:351،المهذب البارع 3:62.

قيل:لخروجه عن ملكه بالوقف فلا يعود إليه من غير دليل،و صرفه فيما ذكر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي (1).

و فيه نوع نظر،إلّا أن اتّفاق ظاهر كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف حتى من الماتن لتصريحه بالحكم كما ذكره الأصحاب في الشرائع (2)،و عدم ظهور مخالفة منه هنا لهم سوى التردّد لعلّه كافٍ في الحكم،سيّما مع التأيّد بكثير من النصوص الواردة في نحو الوصية و النذر المعيّن الذي له مصارف مخصوصة:أنه يصرف مع تعذّرها في وجوه البرّ و سائر ما يحصل به القربة:

منها الخبر:عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلّا باباً واحداً منها،فكيف يصنع في الباقي؟فوقّع عليه السلام:«الأبواب الباقية اجعلها في البر» (3).

و نحوه آخر طويل يتضمن:أنه أوصى رجل بتركته إلى رجل و أمره أن يحجّ بها عنه،قال الوصي:فنظرت فإذا هو شيء يسير لا يكفي للحج، فسألت الفقهاء من أهل الكوفة،فقالوا:تصدّق به عنه،فتصدّق به،ثم لقي بعد ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام فسأله و أخبره بما فعل،فقال:«إن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان،و إن كان يبلغ ما يحجّ به فأنت ضامن» (4).

ص:155


1- المسالك 1:351.
2- الشرائع 2:215.
3- الكافي 7:7/58،الفقيه 4:565/162،التهذيب 9:844/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 61 ح 1.
4- الكافي 7:1/21،الفقيه 4:534/154،التهذيب 9:896/228،الوسائل 19:349 أبواب أحكام الوصايا ب 37 ح 2.

و في جملة وافرة من الأخبار ما يدلّ على أن ما أوصى به للكعبة أو كان هدياً أو نذراً يباع إن كان جارية و نحوها،و إن كان دراهم يصرف في المنقطعين من زوّارها (1).

و في وجوب صرفه في الأقرب إلى تلك المصلحة فالأقرب فيصرف وقف المسجد في مسجد آخر و المدرسة إلى مثلها و هكذا،نظراً إلى تعلّق الغرض بذلك الصنف،أم يجوز الصرف في مطلق القُرَب احتمالان:

ظاهر إطلاقات الفتاوى الثاني،و عُلِّل باستواء القُرَب كلّها في عدم تناول عقد الواقف لها،و عدم قصده إليها بخصوصها،و مجرد المشابهة لا دخل لها في تعلّقه بها،فيبطل القيد و يبقى أصل الوقف من حيث القربة.

و فيه مناقشة،فلعلّ الحكم بتحرّي الأقرب فالأقرب ليس من حيث المشابهة،بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصّة و إن تميّزت عنه بالخصوصية،فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة،فكأنّ الوقف تضمّن أشياء ثلاثة:القربة،و المسجدية مثلاً،و كونه المساجد الفلانية المشخّصة،و مع زوالها و بطلان رسمها ينبغي أن يراعَى القيدان الآخران، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور،و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه،كما في بعض المعتبرة (2)،فالاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة،و بأولويّته صرّح جماعة (3).

ثم إن أصل الحكم على القول به لا ريب فيه فيما لو كان المذكور

ص:156


1- انظر الوسائل 13:247 أبواب مقدمات الطواف ب 22،و ج 19:392 أبواب أحكام الوصايا ب 60.
2- عوالي اللئلئ 4:205/58،207.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:321،و الشهيد الثاني في المسالك 1:351،و الفيض في المفاتيح 3:211،و صاحب الحدائق 22:221.

بخصوصه من المصلحة الخاصّة مما لا يعلم بانقطاعه غالباً كما ذكرناه من الأمثلة.

و لو علم انقطاعها كذلك ففي انسحاب الحكم فيه،أو لحوقه بالوقف المنقطع الآخِر وجهان:من إطلاق الفتاوى هنا و ثمة.

و ربما يظهر من بعض الأجلّة (1)اختصاص الحكم هنا عند الطائفة بالصورة الأُولى خاصة و جريان حكم منقطع الآخر في الثانية.

و كيف كان،فالاحتياط لا يترك في أمثال المقام.

و إذا وقف على جماعة و اشترط إدخال من يوجد مع الموجود منهم صحّ بلا خلاف يظهر،و به صرّح بعض (2)،و في المسالك الاتفاق عليه (3)؛ و لعلّه لعموم الأمر بالوفاء بالعقود،و أن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها،مع سلامتهما هنا عن المعارض،و اعتضادهما بالنصوص الآتية في جواز إدخال مَن يريد في الوقف على أولاده الأصاغر مع عدم الشرط أصلاً،فجوازه معه بطريق أولى،لكن يتوقف على القول بها،فلا يصحّ الاستدلال بل الاعتضاد بها مطلقا.

و لا كذلك لو اشترط إخراج من يريد منهم أو نقله عنهم إلى من سيوجد،فلا يصح الوقف بلا خلاف في الأوّل،بل عليه إجماعنا في المسالك و غيره (4)،و على المشهور في الثاني،كما حكي (5)،بل عليه الإجماع عن الطوسي (6).

ص:157


1- الشهيد الثاني في المسالك 1:351.
2- انظر المفاتيح 3:216.
3- المسالك 1:355.
4- المسالك 1:355؛ و انظر المفاتيح 3:215.
5- المسالك 1:355،المفاتيح 3:216.
6- انظر المبسوط 3:300.

خلافاً فيه للقواعد،فاستشكله (1)،و للتذكرة،فصحّحه مدّعياً عليه إجماع الطائفة (2)،و استقربها في الدروس (3)،بناءً على أنه في معنى النقل بالشرط،كما لو اعتبر صفة للموقوف عليه كالفقر،فإذا زالت انتقل عنه إلى غيره،و هو جائز بلا خلاف.

و فيه نظر؛ لمنع الإجماع بالوهن،لمصير الأكثر إلى الخلاف، و استشكال الناقل في الحكم،و المعارضة بأجود منه؛ و ضعف البناء و القياس بالوقف على الفقراء،فإن الوقف عليهم إنما هو وقف على الجهة كالوقف على المساجد،و مثله ينتقل إلى اللّه تعالى،و يشترك فيه كلّ من اتّصف بذلك العنوان حتى الواقف نفسه،فلا يحصل هنا نقل عن الموقوف عليه،لأنه ليس هنا موقوف عليه،و إنما تصير مراعى ببقاء الصفة المذكورة من الفقر و نحوه،فإذا زالت كانت في حكم موت الموقوف عليه،بخلاف المقام،فإنه بالوقف عليه يصير ملكاً له و نقله عنه بالاختيار منافٍ لتمليكه بالوقف.

و نحوه في الضعف قياسه بجواز الوقف على أولاده سنة ثم على أهل المسكنة؛ لوضوح الفرق بين المقام و بينه على تقدير تسليم صحّته،فإن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا،كما هو مقتضى أصل الوقف، و شرط النقل منافٍ له،و لا كذلك الوقف على الأولاد سنة،لأنه إنما وقف عليهم مدّة معيّنة فلا ينافيه التعقيب بالوقف على أرباب المسكنة،كذا ذكره بعض الأجلة (4).

ص:158


1- القواعد 1:267.
2- التذكرة 2:435.
3- الدروس 2:271.
4- الحدائق 22:171.

و لا يخلو وجه الفرق عن مناقشة،فقد يقال:إن اشتراط النقل في حكم تعيين الوقف بمدّة،فكيف يمكن أن يقال:إن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا؟و كونه مقتضى الوقف من أصله لا ينافي خلافه بعد اشتراطه،و ليس مثل هذا و سابقه لو تمّ قياساً،بل تنظيراً؛ لاستناد الحكم فيه إلى العمومات كتاباً و سنةً،و لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية لكان القول بالصحة لا يخلو عن قوة،مع إمكان الجواب عن الإجماع بالمعارضة بالمثل،و وهنه بما مرّ مجبور بموافقة العمومات القطعية،فيرجّح بها على ذلك الإجماع،و إن ترجّح هو عليه بالشهرة.

و التحقيق أن يقال:إن هنا إجماعين متصادمين بحسب المرجّحات، فلا يمكن التمسّك بأحدهما،فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الصحة،و إثباتها بالعمومات غير ممكن بعد فرض سقوطها كالشهرة المرجّحتين للإجماعين في البين كنفس الإجماعين؛ مضافاً إلى ما عرفت من وهن الإجماع الثاني،فإذاً المذهب مختار الأكثر،و إن كان الصحة في الجملة أحوط.

و لو أطلق الوقف و جرّده عن هذا الشرط و أقبض الموقوف من الموقوف عليه أو من في حكمه لم يصحّ إدخال غيرهم معهم مطلقا أولاداً كانوا أو أجانب بلا خلاف،كما في التنقيح (1)،إلّا من المفيد، كما فيه،فقال:لو حدث في الموقوف عليه حدث يمنع الشرع من معونته و الصدقة عليه و التقرب إلى اللّه تعالى بصلته جاز التغيير؛ فإن الوقف صدقة فلا يستحقه من لا يستحقها،فإذا حدث في الموقوف عليه كفر أو فسق

ص:159


1- التنقيح الرائع 2:322.

بحيث يستعان بذلك المال عليهما جاز حينئذٍ للواقف التغيير و الإدخال، و نفى عنه البُعد بعد نقله عنه،قال:و إن منعه الحلّي و غيره،ثم قال:و هذا مع حدوث المانع،أمّا لو كان حاصلاً حال الوقف فلا (1).

و في مختارهما نظر؛ فإن بناء عقد الوقف على اللزوم،و حدوث ذلك الحدث لا دليل فيه على جواز الإدخال و التغيير بسببه،و لا على منع من حدث فيه،فإن الوقف له حينئذٍ كسائر أمواله،فما يفعل فيها مع ذلك الحدث يفعل مثله في هذا الوقف.

و هل له مع الإطلاق و عدم الشرط ذلك أي الإدخال مع أصاغر ولده؟ لو وقف عليهم فيه خلاف بين الأصحاب.

و المروي في الخبرين الجواز في أحدهما:الرجل يجعل لوُلْدِه شيئاً و هم صغار،ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده،قال:

«لا بأس» (2).

و في الثاني:عن الرجل يتصدّق على بعض وُلْده بطرف من ماله،ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده؟قال:«لا بأس» (3).

و بهما أفتى في النهاية (4)و أطلق،و تبعه القاضي (5)بشرط عدم قصره عليهم ابتداءً.

ص:160


1- انظر التنقيح الرائع 2:322.
2- الكافي 7:9/31،التهذيب 9:572/135،الإستبصار 4:385/100،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 3.
3- التهذيب 9:574/136،الاستبصار 4:388/101 بتفاوت يسير،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 2.
4- النهاية:596.
5- المهذب 2:89.

و في سندهما قصور؛ لاشتمال الأوّل على محمّد بن إسماعيل عن الفضل،و فيه كلام مشهور،و الثاني على محمّد بن سهل،و لم يرد في حقّه قدح و لا مدح،إلّا ما قيل:إن له مسائل (1).

و كذا الدلالة،فإن الجعل في الأوّل غير صريح في وقف متحقّق أو صدقة متحققة،بحيث تكون بهم مختصّة،بل فيه احتمالات أُخر،منها:

إرادة أن يفعل.

و كذا في قوله في الثاني:يتصدّق،بصيغة الاستقبال،لكن روى الحميري بإسناده عن عليّ بن جعفر،عن أخيه عليه السلام،قال:سألته عن رجل تصدّق على ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل الغير فيه مع ولده،أ يصلح ذلك؟قال:«نعم،يصنع الوالد بمال ولده بما أحبّ،و الهبة من الولد بمنزلة الصدقة من غيره» (2).

و يمكن الذبّ عنه بعد الإغماض عن حال السند بدلالته على جواز إدخال الغير مطلقا و لو لم يكن ولداً،و هو مما لم يقل به أحد،فإن عبارات القائلين به مختصّة بجواز إدخال الولد.

و من هنا ينقدح ما في العبارة من المسامحة،حيث اقتضى سياقها جواز إدخال الغير مطلقاً.

و الأشهر الأظهر عدم الجواز مطلقا،إلّا أن يشترط،بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة المختلف و المهذب و التنقيح و شرح القواعد (3)،حيث

ص:161


1- قال به الطوسي في الفهرست:620/147.
2- قرب الإسناد:1126/285،الوسائل 19:184 أبواب الوقوف و الصدقات ب 5 ح 5،مسائل علي بن جعفر:129/133؛ بتفاوت يسير.
3- المختلف:492،المهذب البارع 3:63،التنقيح الرائع 2:322،إيضاح الفوائد 2:384.

قالوا بعد نقل القول بالجواز عمّن مرّ:و أطلق باقي الأصحاب المنع؛ لما مرّ من أدلته،و للمعتبرة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه سبحانه،و فيها الصحيح و غيره (1)،و الإدخال نوع رجوع بلا شبهة، فيدخل في حيّز لفظ الرجوع المنساق في سياق النفي مع كونه نكرة، و خصوص الصحيح:عن الرجل يتصدّق على بعض ولده بطرف من ماله، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده،قال:«لا بأس بذلك» و عن الرجل يتصدّق ببعض ماله على بعض ولده و يبيّنه له،إله أن يدخل معهم من ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟فقال:«ليس له ذلك إلّا أن يشترط أنه من ولد فهو مثل من تصدّق عليه فذلك له» (2).

و الظاهر من الإبانة فيه الإقباض،دون ما فهمه الشهيد الثاني (3)من القصر على الموقوف عليه الذي شرطه القاضي (4)؛ لرجوع الاستثناء على فهمه منقطعاً،و هو خلاف الظاهر جدّاً.

و حينئذٍ يمكن حمل الروايات السابقة المجوّزة على صورة عدم القبض و الإبانة،حملاً للمطلق على المقيّد،و يشهد له نفس هذه الرواية، فإنه عليه السلام لما سئل مطلقا أجاب بالجواز كما في تلك الروايات،و لما قال:

يبيّنها لهم،قال:ليس له ذلك.

فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه؛ لوضوح وجه الجمع بين الأدلّة المانعة و الأخبار المجوّزة بهذه الصحيحة؛ مضافاً إلى ما عرفت من

ص:162


1- انظر الوسائل 19:204 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11.
2- التهذيب 9:575/137،الإستبصار 4:389/101،الوسائل 19:183 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 5 ح 1.
3- المسالك 1:355.
4- راجع ص:159.

قصور الأخيرة سنداً و دلالة،مع قصورها أيضاً عن المكافأة للأوّلة؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،كما يشعر به عبائر الجماعة المتقدم إلى ذكرهم الإشارة.

ثمّ إنّ الخلاف إنما هو في الإدخال أمّا النقل عنهم فغير جائز و كذا عن غيرهم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التنقيح (1)،و يشمله الإجماعات المستفيضة حكايةً في كلام جماعة (2)على كون الوقف من العقود اللازمة؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى عمومات الأمر بالوفاء كتاباً و سنة،ففي الصحيح و غيره:

«لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه اللّه سبحانه» (3).

و في القريب منه:رجل تصدّق على ولده بصدقة،إله أن يرجع فيها؟ قال:«الصدقة للّه» (4).

و في القريب من الموثق:تصدّق عليّ أبي بدارٍ و قبضتها،ثم ولد [له (5)]بعد ذلك أولاد،فأراد أن يأخذها منّي فيتصدّق بها عليهم،فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك و أخبرته بالقصة،فقال:«لا تعطها إيّاه» قلت:إنه

ص:163


1- التنقيح الرائع 2:323.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:345،و الفيض في المفاتيح 3:207.
3- الصحيح:الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:206 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11 ح 7. و أورد غيره في الفقيه 4:639/182،التهذيب 9:577/137،الإستبصار 4:390/102،الوسائل 19:180 أبواب الوقوف و الصدقات ب 4 ح 5.
4- الكافي 7:5/31،التهذيب 9:570/135،الإستبصار 4:391/102،الوسائل 19:179 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.
5- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

إذا يخاصمني،قال:«فخاصمه و لا ترفع صوتك عليه» (1).

أمّا اللواحق فمسائل

اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل:

الأُولى إذا وقف في سبيل اللّه انصرف إلى القُرَب

الأُولى:إذا وقف في سبيل اللّه انصرف إلى القُرَب،كالحج، و الجهاد،و العمرة،و بناء المساجد و القناطر،و نفع المحاويج،و غير ذلك،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في بحث الوصية من الغنية و السرائر الإجماع عليه (2)؛ لأن المراد بالسبيل الطريق إلى اللّه تعالى، أي إلى ثوابه و رضوانه،فيدخل فيه كلّ ما يوجب الثواب.

مضافاً إلى ما في تفسير علي بن إبراهيم في آية الزكاة عن العالم عليه السلام:

من أنه«قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون،أو قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به،أو في جميع سبيل الخير» (3)الخبر.

خلافاً للشيخ،فخصّه بالغزاة المطوّعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان،و بالحج و العمرة،و قال:إنه يقسّم بينهم أثلاثاً (4).و لابن حمزة، فبالمجاهدين (5).و هما شاذّان.

و لا فرق فيه عند الأكثر بين أن يقتصر على سبيل اللّه،أو يضمّ إليه سبيل الثواب و سبيل الخير؛ لرجوع هذه المفاهيم الثلاثة إلى معنى واحد،

ص:164


1- الكافي 7:18/33،التهذيب 9:573/136،الإستبصار 4:386/100،الوسائل 19:179 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 3.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):604،السرائر 3:187.
3- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7؛ بتفاوت يسير.
4- الخلاف 3:545،المبسوط 3:294.
5- الوسيلة:371.

و هو سبيل اللّه بالمعنى العام،فلا يجب قسمة الفائدة أثلاثاً.

خلافاً لأحد قولي الشيخ،وفاقاً للشافعي،فأوجبها كذلك:ثلثه إلى الغزاة و الحج و العمرة و هو سبيل اللّه،و ثلثه إلى الفقراء و المساكين و يبدأ بأقاربه و هو سبيل الثواب،و ثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم اللّه في آية الصدقات،و هم:الفقراء،و المساكين،و ابن السبيل،و الغارمون، و الرقاب،و هو سبيل الخير (1).

و هو كسابقه شاذّ لا دليل عليه،و إن كان أحوط،إلّا أن يكون ثمّة قرينة حال فتتبّع.

الثانية إذا وقف على مواليه دخل الأعْلَوْن و الأدْنَون

الثانية:إذا وقف على مواليه دخل فيه الأعْلَوْن المعتقون له و الأدْنَون الذين أعتقهم،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و الحلّي (2)،و به أفتى الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (3)،و الشهيد في النكت عليه.

و لا ريب فيه مع القرينة الدالّة على دخولهم أجمع،كما لا ريب في دخول بعضهم بها دون الآخر،و في حكم القرينة تفسيره حيث انتفت فيرجع إلى ما يفسّره.

و إنّما الإشكال مع عدمهما،كأن وقف على مدلول هذه اللفظة،ينشأ من أنه هل يشترط في التثنية و الجمع اتّحاد معنى أفرادهما حتى يمتنع تثنية المشترك باعتبار معانيه و الحقيقة و المجاز و جمعهما،كما هو مذهب الأكثر على ما حكي عن الارتشاف (4)،أم لا،كما اختاره الشهيد الثاني في

ص:165


1- الشيخ في المبسوط 3:294،و انظر المغني لابن قدامة 6:237 238.
2- المبسوط 3:295،الخلاف 3:546،السرائر 3:167.
3- الشرائع 2:219،الإرشاد 1:454.
4- حكاه عنه في المسالك 1:359.

المسالك و ولده في المعالم (1)وفاقاً لابن مالك في التسهيل (2)؟ .و أن المشترك عند تجرّده عن القرينة الدالة على إرادة معانيه أو بعضها هل يبقى مجملاً،أو يحمل على الجميع مطلقاً،أو إذا كان جمعاً خاصّة؟ فيه أقوال للأُصوليين،أشهرها الأوّل.

و أن اشتراك المولى بين المعتِق و المعتَق هل هو لفظي،كما عليه الأكثر،و حكي التصريح به عن أهل اللغة (3)،أم معنوي،كما يظهر من التنقيح (4)؟ و حيث إن الأظهر عند الأحقر في جميع هذه الموارد هو مذهب الأكثر كما حقّق في محل أليق كان القول بالبطلان أصح،و به صرّح في المسالك (5)،و حكي عن المحقق الثاني،و الفاضل في التحرير و القواعد، و ولده في الإيضاح (6)؛ لجهالة الموقوف عليه على هذا التقدير،كما سيأتي.

و يضعّف القول بالصحة إن وجّهت فيه باختيار كون المولى مشتركاً معنوياً كما عن ظاهر الشيخ (7)بتصريح أهل اللغة بفساده،و حصول التباين بين الموليين بعدم جامعٍ لهما في البين.

ص:166


1- المسالك 1:359،معالم الأُصول:33.
2- حكاه عنه في المسالك 1:359.
3- حكاه عن أهل اللغة في المسالك 1:359،و انظر النهاية لابن الأثير 5:228.
4- التنقيح الرائع 2:325.
5- المسالك 1:359.
6- المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:109،التحرير 1:289،القواعد 1:272،إيضاح الفوائد 2:404.
7- حكاه عن المبسوط في التنقيح الرائع 2:325؛ و انظر المبسوط 3:295.

و كذا إن وجّهت فيه بما ذهب إليه الشيخ في الأُصول و اختاره كما حكي عنه و عن غيره (1)من جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه،و أنه ظاهر فيهما مع التجرّد عن القرينة الدالة على أحدهما،كما اختاره الشافعي (2)؛ فإن أصل الجواز و إن كان لا يخلو عن وجه قوي إلّا أن دعوى الظهور في الجميع مع التجرّد عن القرينة ليس بوجه،بل المتبادر من اللفظ المشترك كيفما يطلق بصيغة الجمع أو المفرد إرادة المعنى الواحد،و يحتاج المعنى الزائد إلى القرينة،فإن كانت،و إلّا انصرف إلى الواحد،فإن تعيّن بالقرينة،و إلّا كانت اللفظة مجملة كمفروض المسألة،و لذا تحصل في الموقوف عليه جهالة،فيفسد بها الوقف،لفقد التعيين المشترط في صحته،كما مضت إليه الإشارة.

و لابن حمزة قول آخر في المسألة (3)هو مع شذوذه غير واضح الدليل و الحجة،و إن كان الفاضل في المختلف استحسنه (4).

الثالثة إذا وقف على أولاده اشترك أولاده

الثالثة:إذا وقف على أولاده اختصّ في المشهور كما قيل (5)بالأولاد لصلبه دون أولاد أولاده؛ التفاتاً إلى تبادرهم خاصّة.إلّا أن يكون هناك قرينة تدلّ على دخولهم،كقوله:الأعلى فالأعلى،أو بطناً بعد بطن، أو يقف على أولاده و لا ولد له لصلبه،و نحو ذلك.

و قيل كما هو صريح المتن-:يشترك الجميع؛ نظراً إلى دعوى

ص:167


1- كما في إيضاح الفوائد 2:404،و السرائر 3:167؛ و انظر العدّة للشيخ:223 226.
2- حكاه عنه في المغني لابن قدامة 6:261،و المجموع 15:355.
3- الوسيلة:371.
4- المختلف:497.
5- الحدائق 22:248.

كونهم ولداً حقيقة (1).

و فيه:أنه لا يستلزم الدخول حيث يكون الأولاد لصلبه هم المتبادرين.

و إذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين و البنات الذكور منهم و الإناث بالسوية بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (2)،بل ادّعي على الدخول الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى صدق الأولاد على الذكور و الإناث حقيقة،عرفاً و لغة، فيصدق على أولادهم مطلقا أنهم أولاد أولاد،و إن لم يصدق على أولاد الأولاد أنّهم أولاد بطريق الحقيقة على المشهور بين الطائفة.

و أمّا اقتسامهم بالسوية فلاقتضاء الإطلاق ذلك مع اشتراكهم في سبب الاستحقاق و استوائهم فيه،مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر من عرف أو قرينة،كما هو مفروض المسألة.و لا ريب في هذا التعليل.

و كذا الأوّل إن كان المراد من أولاد الأولاد المحكوم بدخولهم هو أولادهم في الدرجة الأُولى بلا واسطة،أو أولاد أولاده الذكور منهم دون الإناث مطلقا؛ لكونهم أولاد أولاد حقيقة إجماعاً.

أما لو أرادوا أولاد أولاد الإناث من الدرجة الثانية و الثالثة و هكذا ففي شمول التعليل لهم مناقشة إن قلنا بالمشهور من أن أولاد البنات ليسوا بأولاد حقيقة؛ و ذلك فإن أولاد أولاد الواقف ليسوا بأولاد حقيقة لأولاده على هذا التقدير.

ص:168


1- المقنعة:653،الكافي في الفقه:326،النهاية:596،الروضة 3:184.
2- الحدائق 22:242.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603.

ثم إنه كما يدخل الإناث في أولاد الواقف كذا يدخل الخناثى؛ لشمول اسم الولد لهم حقيقة مطلقا،حصرناهم في البنين و البنات أم جعلناهم طبيعة ثالثة.

و لا كذلك لو أوقف على أولاد البنين خاصة،أو البنات كذلك،فلا يدخل أولاد الخناثى؛ لعدم معلوميّة صدق الوصفين عليهم حقيقة،بل و معلوميّة عدم الصدق إن جعلوا طبيعة ثالثة.

و لو جمع بينهما كأن وقف على أولاد البنين و البنات ففي دخول أولادهم قولان للفاضل في القواعد و التحرير (1)،ينشئان من أنهم ليسوا بذكور و لا إناث،و من أنهم لا يخرجون عن الصنفين في نفس الأمر،و لهذا يستخرج أحدهما بالعلامات،و مع فقدها يورث نصف النصيبين.

و يضعّف بأنه لا كلام مع وجود العلامة،و لا دلالة لنصف النصيبين على حصرهم في الصنفين،بل يمكن دلالته على عدمه،و جاز كون الطبيعة الثالثة متوسطة النصيب كما أنها متوسطة الحقيقة.

الرابعة إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد و من يحضره

الرابعة:إذا وقف على الفقراء انصرف نماء الوقف إلى فقراء البلد بلد الوقف و من يحضره منهم خاصة.

و كذا الوقف على كل قبيلة متبدّدة غير منحصرة ممن يكون الوقف عليهم وقفاً على الجهة المخصوصة لا على أشخاصها كالعلوية و الهاشمية و التميمية و نحوهم من الطوائف الغير المنحصرة،فمن حضر منهم بلد الوقف صرف النماء إليهم و لا يجب تتبّع من لم يحضره منهم،بلا خلاف في الظاهر؛ دفعاً لمشقة وجوب التتبّع.

ص:169


1- القواعد 1:271،التحرير 1:289.

مضافاً إلى الخبر المنجبر قصور سنده بالعمل،و فيه بعد أن سُئل عن ذلك:«إن الوقف لمن حضر البلد الذي هو فيه،و ليس لك أن تتبّع من كان غائباً» (1).

و ظاهره النهي عن التتبّع،و به أفتى في التنقيح (2)مقيّداً له بصورة وجود المستحق في البلد،كما هي مورد الخبر.

خلافاً للشهيدين (3)،فجوّزاه مطلقاً؛ و لعلّه للأصل،و عموم لفظ الوقف،و ضعف النص مع عدم جابرٍ له في محل الفرض،مع قوة احتمال عدم دلالة النهي فيه على الحرمة،بناءً على وروده مورد توهّم الوجوب، فلا يفيد سوى الرخصة في الترك،و هي أعم من الحرمة.

ثم ظاهره أيضاً كالعبارة و كثير من عبائر الجماعة (4)وجوب الصرف إلى جميع من في البلد،و هو أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر؛ لضعف الخبر،و عدم العلم بالجابر،و لا موجب له آخر سوى عموم لفظ الوقف،و ليس بمراد بالاتّفاق،و الأصل يقتضي جواز الاكتفاء بالبعض، و عدم وجوب الاستيعاب،كما يقتضي عدم وجوب التسوية في القسمة على تقديره،بلا خلاف يظهر لي من الأصحاب،مع احتمال استلزام الاستيعاب المشقّة العظيمة في بعض الأحيان.

ص:170


1- الكافي 7:37/38،الفقيه 4:627/178،التهذيب 9:563/133،الوسائل 19:193 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 8 ح 1؛ بتفاوت.
2- التنقيح الرائع 2:328.
3- الشهيد الأول في الدروس 2:274،الشهيد الثاني في الروضة 3:187.
4- منهم:العلّامة في القواعد 1:271،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:328،و الشهيد الثاني في المسالك 1:361.

و إلى المختار مال جماعة من الأصحاب (1)،و إن اختلفوا في وجوب استيعاب الثلاثة،مراعاةً للجمع،أو جواز الاقتصار على الاثنين، بناءً على أنه أقلّ الجمع،أو الواحد،نظراً إلى أن الأشخاص مصارف الوقف لا مستحقّون،إذ لو حمل على الاستحقاق لوجب الاستيعاب و وجب التتبع مهما أمكن على أقوال،أقواها الأخير،وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (2)،و إن كان الأوّل لو لم يجب أن يستوعب جميع من في البلد أحوط.

الخامسة لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه

الخامسة:لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه الذي شرط فيه مع جوازه شرعاً،بلا خلاف ظاهراً،و قاله في الغنية (3)صريحاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الوفاء بالعقود و الشروط،و عموم الصحيح:«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (4)فيتبع ما شرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى،أو اشتراكهما،أو تفضيل في المنافع،أو مساواة فيها،إلى غير ذلك.

و كذا لا يجوز بيعه و لا هبته،و لا غير ذلك من الأسباب الناقلة للعين،بلا خلاف فيه في الجملة،و بالإجماع كذلك صرّح جماعة، كالمرتضى و الحلّي و المسالك و غيرهم من الجماعة (5)؛ و هو الحجة فيما

ص:171


1- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:274،و الشهيد الثاني في المسالك 1:361،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:328،و السبزواري في الكفاية:142.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:361؛ و انظر جامع المقاصد 9:100.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- الفقيه 4:620/176،التهذيب 9:555/129،الوسائل 19:175 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 2 ح 1.
5- المرتضى في الانتصار:226،الحلي في السرائر 3:152،المسالك 1:344؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):603.

عدا محل النزاع و المشاجرة،كسائر ما تقدّم من الأدلّة.

مع منافاته لحبس العين و تسبيل الثمرة،و خصوص بعض المعتبرة فيمن شرى وقفاً بجهالة:«لا يجوز شراء الوقف،و لا تدخل الغلّة في ملكك،ادفعها إلى من أُوقف عليه» قلت:لا أعرف لها ربّاً،قال:«تصدّق بغلّتها» (1).

مضافاً إلى التأيّد بالوقوف الواردة عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم و قد تضمّنت النهي عن بيعها و شرائها و هبتها (2)،فلا شبهة في ذلك.

إلّا أن يقع خلف بين أربابه يؤدّي إلى فساده و خرابه،فيجوز بيعه حينئذٍ عند الشيخين و غيرهما (3)،بل في الغنية على الجواز إجماع الإماميّة (4)،و كذا في كلام المرتضى (5)،إلّا أنهما عبّرا عن السبب الموجب بغير ما في العبارة،و مع ذلك قد اختلفا بأنفسهما:

فجعله الأوّل صيرورته بحيث لا يجدي نفعاً،و خيف خرابه،و كانت بأربابه حاجة شديدة،و دعت إلى بيعه الضرورة.

و نحوه الثاني،إلّا أنه لم يذكر خوف خرابه،و جعل كلّاً من الأوّل و الثالث سبباً على حدة،لا جزء سبب كما يقتضيه عبارة الأوّل،إلّا أن يجعل الواو فيها بمعنى أو.

ص:172


1- الكافي 7:35/37،التهذيب 9:556/130،الإستبصار 4:377/97،الوسائل 19:185 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- انظر الوسائل 19:185 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6.
3- المفيد في المقنعة:652،الطوسي في المبسوط 3:287؛ و انظر التنقيح الرائع 2:330،و المسالك 1:361،و كفاية الأحكام:142.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
5- الانتصار:226.

و كيف كان،فالحكم بالجواز في جميع ذلك على تردّد ينشأ من أن المقصود من الوقف استيفاء منفعته فإذا تعذّر جاز بيعه؛ تحصيلاً للغرض.

و أن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال و تعطيل لغرض الواقف.

و للصحيح:إن فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس،و يسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو يقوّم على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة؟فكتب عليه السلام:«أعلِم فلاناً أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ،و إن ذلك رأيي إن شاء اللّه تعالى،أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له» .و كتبت إليه:إن الرجل كتب إليّ أن بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً،فإنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده،فإن كان ترى أن نبيع هذا الوقف و ندفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته،فكتب بخطّه إليّ:«و أعلِمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل،فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» (1).

و فحوى الخبر عن بيع الوقف إذا احتاج إليه الموقوف عليهم و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟قال:«نعم،إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيراً لهم باعوا» (2).

ص:173


1- الكافي 7:30/36،الفقيه 4:628/178،التهذيب 9:557/130،الإستبصار 4:381/98،الوسائل 19:187،188 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 5،6.
2- الكافي 7:29/35،الفقيه 4:630/179،التهذيب 9:565/133،الإستبصار 4:382/99،الوسائل 19:190 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8.

و من الأصل،و عمومات الأدلّة المانعة،و ضعف المجوّزة عن المعارضة لها،فالأوّل:بأن المقصود من الوقف استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة،و دعوى اختصاصه بحال الاختيار دون الضرورة فيجوز بيعه فيها مصادرة.

و الثاني:بالشك في صلوحه لتخصيص أدلّة المنع،سيّما مع رجاء زوال الاختلاف بغير البيع،و أن أهل الطبقة الاُولى في الوقف المؤبّد لا اختصاص لهم بالوقف،بل نسبتهم إليه كنسبة سائر الطبقات المتأخّرة،فهو من قبيل المال المشترك الذي لا يجوز لأحدٍ من الشركاء التصرف فيه كملاً، و إنما يبيع حصّته المختصة به،و الموقوف عليه هنا ليس له حصّة في العين،و إنما له الانتفاع به مدّة حياته ثم ينتقل إلى غيره،كما هو مقتضى الوقف،فبيعهم له و اختصاصهم بثمنه منافٍ لغرض الواقف،و إن كان موافقاً له من وجه آخر على تقدير تسليمه.

اللّهم إلّا أن يجعل الثمن في وقف آخر يضاهي وقف الواقف،لكن ينافي هذا الدليل الاستدلال بالصحيح،لظهوره في دفع الثمن إليهم،فتأمّل.

و الثالث:بدلالة صدره على جواز بيع حصّته الموقوفة عليه عليه السلام، و ليس ثمّة شيء من الأسباب الموجبة للبيع و نحوه،و لم يقولوا به عدا الصدوق،حيث جوّز بيع الوقف إذا كان على قوم دون غيرهم مطلقا،و منع عن بيع الوقف المؤبّد كذلك (1)،فيخرج بعضه عن الحجّية،و هو و إن لم يقدح في أصلها،إلّا أن مثله معتبر في مقام التراجيح البتة،هذا.

مع قصور الدلالة بما ذكره خالي العلّامة طاب رمسه،فقال:و يخطر

ص:174


1- الفقيه 4:179.

بالبال إمكان حمل هذا الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم و لم يدفع إليهم،و حاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل منهم الاختلاف و يشتدّ،لحصول الاختلاف قبل الدفع بينهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر،أ يدعها موقوفة و يدفعها إليهم،أو يرجع عن الوقف،لعدم لزومه بعدُ و يدفع إليهم ثمنها،أيّهما أفضل؟فكتب عليه السلام:

البيع أفضل؛ لمكان الاختلاف المؤدّي إلى تلف النفوس و الأموال،فظهر أن هذا الخبر ليس صريحاً في جواز بيع الوقف،كما فهمه القوم و اضطرّوا إلى العمل به مع مخالفته لأُصولهم،و القرينة:أن أوّل الخبر محمول عليه كما عرفته،و هذا الاحتمال و إن لم ندّعِ أظهريّته أو مساواته للآخر فليس ببعيدٍ بحيث تأبى عنه الفطرة السليمة في مقام التأويل (1).انتهى كلامه،عَلَتْ في فراديس الجنان أقدامه.

و لنعم ما قاله،بل ذكر بعض من عاصرته:أنه لا معنى للخبر غير ما ذكره،فإنه هو الذي ينطبق عليه سياقه،و يؤيّده زيادة على ما ذكره وقوع البيع في الخبر من الواقف،و هو ظاهر في بقاء الوقف في يده،و المدّعى في كلام الأصحاب أن البيع من الموقوف عليهم لحصول الاختلاف في الوقف،و الخبر لا صراحة فيه بحصول الاختلاف (2).انتهى.

و فيما ذكره من عدم معنىً للخبر غير ما قالاه نظر؛ لعدم صراحته في عدم القبض،بل و لا ظهوره فيه،و ترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض و عدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم،بل ظاهر التعليل المذكور فيه هو اختصاص الحكم في الجواب بالأوّل،و إلّا لكان الأنسب

ص:175


1- ملاذ الأخيار 14:400.
2- انظر الحدائق 18:443.

التعليل بعدم القبض،و ليس في الصدر المتضمّن للرخصة في بيع حصّته عليه السلام من الضيعة دلالة على العكس،بناءً على احتمال أن يقال:إن عدم القبض في حقه عليه السلام الظاهر من الخبر لا يستلزم عدمه بالإضافة إلى الباقين،فلعلّه حصل بالإضافة إليهم دونه.

و الحاصل:أن علمه عليه السلام بعدم القبض في حقّه لا يستلزم العلم بعدمه في حقّهم،هذا.

مع أنه ربما يمكن أن يقال:إن غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئاً منها له عليه السلام،و هو أعمّ من وقفه عليه و عدمه،فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف عليه.

نعم،ربما ينافيه قول السائل فيما بعد:أو يدعها موقوفة،و لكن يمكن أن يراد به معناه اللغوي،أي متروكة بحاله،يعني لا يبيعه،فتأمّل.

و بالجملة ظهور الرواية فيما ذكره الأصحاب لا شك فيه و لا شبهة، و لذا أن الخال عليه الرحمة أطلق على ما ذكره لفظ الحمل،و لم ينكر الظهور بالمرّة،لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور لتخصيص الأدلّة القاطعة مناقشة واضحة؛ لفقد الصراحة أو القوّة في الدلالة المشترطة في صحة تخصيص العمومات في هذه الرواية،مع احتمال الاكتفاء به بعد اعتضاده بفهم الطائفة،و اشتهار الحكم بينهم،مع الإجماعات المحكيّة (1).

و الرابع:بقصور السند بالجهالة،و الدلالة بأنّها فرع قبولهم الحكم بما في متن الرواية من جواز البيع مع رضاء الموقوف عليهم به جملة،و كونه أنفع لهم،و لم يقولوا به،بل لم يحك القول به إلّا عن شذوذ من الطائفة،

ص:176


1- راجع ص:171.

كالمفيد و غيره (1).

و الذبّ عن قصور السند و إن كان ممكناً بانجباره بوجود ابن محبوب فيه و قد أجمع على تصحيح رواياته،إلّا أن في بلوغ الرواية بذلك مرتبة الصحة مناقشة،سيّما و أن يخصّص بها الأدلّة المانعة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

و لما ذكرناه من قوّة الأدلّة المانعة بالكلية ذهب الإسكافي و الحلّي و فخر الإسلام إلى القول بالمنع مطلقا (2)،و ادّعى الثاني عليه إجماع الإمامية.

و لا يخلو عن قوة،و إن كان القول بالجواز في مورد العبارة و الصحيحة المتقدمة غير بعيد؛ للشهرة العظيمة،و ما تقدّم من الإجماعات المحكية القوية الاحتمال للشمول لموردهما،و هي على إجماع الحلّي راجحة باشتهار محصّلها و لو في الجملة بين الطائفة.

لكن ينبغي صرف ثمنه إلى وقف آخر يضاهي وقف المالك؛ توصّلاً إلى غرضه أو ما يقرب منه مهما أمكن،فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.

خلافاً للمحكي عن المفيد و المرتضى (3)،فجوّزا الدفع إلى الموجودين لينتفعوا به.

و هو في الوقف الغير المؤبّد غير بعيد،و عليه ينزل الصحيح المتقدم، و يشكل في غيره،فلا يترك ما قلناه فيه،بل في الأوّل أيضاً،لمنافاة الدفع

ص:177


1- المفيد في المقنعة:652؛ و انظر الانتصار:226.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:489،الحلي في السرائر 3:153،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:392.
3- المفيد في المقنعة:652،المرتضى في الانتصار:226.

إليهم ما مرّ من عدم انتقال الوقف الغير المؤبد عن ملك المالك و رجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إليه دون غيره.

و ربما يستثني أيضاً عن منع البيع صورتان أُخريان:

إحداهما:إذا حدث بالموقوف عليهم ما يمنع الشرع به من معونتهم و القربة إلى اللّه تعالى بصلتهم.

و في استثنائها نظر،و إن نزّلت على قصد الواقف معونتهم بصلاحهم و ديانتهم ثم يخرج أربابه من هذا الوصف إلى حدّ الكفر،فحينئذٍ يمكن خروجهم عن الاستحقاق؛ لأن الخروج عن صفة الاستحقاق لا يستلزم جواز البيع،مع إمكان أن يلحقه حكم الوقف على مصلحة بطل رسمها، فيصرف في وجوه البرّ،كما مرّ (1).

و الثانية:ما ذكره الشهيد الثاني و غيره (2)،و هو ما لو خرج الموقوف عن الانتفاع به فيما وقف عليه،كجذعٍ منكسر،و حصيرٍ خلق،و نحوهما، فيتولّى المتولّي الخاص بيعه،أو الحاكم مع عدمه،أو سائر عدول المؤمنين،و شراء ما ينتفع فيه.

و هو غير بعيد حيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه؛ لأنه إحسان محض و تحصيل لغرض الواقف بقدر الإمكان،و لا ريب أنه أولى من إلغائه،و الأمر بعدم بيعه حينئذٍ كاد أن يلحق بالعبث.

السادسة إطلاق الوقف يقتضي التسوية

السادسة:إطلاق الوقف على نحو الأولاد،أو الأخوة،أو الأعمام و الأخوال،أو مطلق ذي القرابة يقتضي التسوية بين ذكورهم و إناثهم في الحصّة،لا يفضل أحدهم على الآخر بشيء بالكلّية،على

ص:178


1- في ص:153.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:361؛ و انظر جامع المقاصد 9:116.

الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للإطلاق،و فقد المرجّح.

خلافاً للإسكافي (1)،فجعل للذكر مثل حظّ الأُنثيين؛ حملاً على الميراث.

و هو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس شاذّ.

نعم،في الموثق:رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه و أخواله،قال:

«لأعمامه الثلثان،و لأخواله الثلث» (2)رواه الشيخ في باب ميراث الأعمام و الأخوال،و كأنه فهم منه الوصية بالإرث،أو حمله عليها.و لكنه بعيد.

فإن فضّل الذكور على الإناث،أو بالعكس،أو بعضاً منهما على بعض لزم بلا خلاف؛ عملاً بلزوم العقد و الوفاء بالشرط.

و كذا لو قال:على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيه صلى الله عليه و آله في الميراث، فيتّبع،كما لو صرّح بالعكس.

السابعة إذا وقف على الفقراء و كان منهم جاز أن يشركهم

السابعة:إذا وقف على الفقراء أو الفقهاء،أو العلماء،أو نحوهم من ذوي الأوصاف الذين جعل الوقف لهم من حيث الوصف دون الشخص و كان الواقف منهم أي بصفتهم حال الوقف،أو اتّصف بها بعده جاز أن يشركهم فيه في المشهور بين الأصحاب،بل في الغنية و عن المبسوط (3)نفي الخلاف عنه؛ و هو الحجّة المؤيّدة بما ذكره جماعة (4):

من أن الوقف على مثل ذلك ليس وقفاً على الأشخاص المتّصفين بهذه الصفة،

ص:179


1- على ما نقله عنه في المختلف:493.
2- الكافي 7:3/45،الفقيه 4:535/154،التهذيب 9:845/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 1.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المبسوط 3:299.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:27،و الشهيد الثاني في المسالك 1:354،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:214.

بل على الجهة المخصوصة،و لهذا لا يعتبر قبولهم و لا قبول بعضهم و لا قبضهم و إن أمكن،و لا ينتقل الملك إليهم،و إنما ينتقل إلى اللّه سبحانه،و لا يجب صرف النماء إلى جميعهم،و مثل هذا يسمّى وقفاً على الجهة؛ لأن الواقف ينظر فيه إلى جهة الفقر و المسكنة،و يقصد نفع موصوف بهذه الصفة،لا أشخاصاً معيّنة.

خلافاً للحلّي (1)،فلا يصحّ له المشاركة؛ بناءً منه على الإجماع على اشتراط أن يخرج الواقف نفسه،و لا يحصل مع الشركة.

و المناقشة فيه واضحة؛ لمنع الإجماع على الاشتراط كلّية بحيث يشمل مفروض المسألة،كيف لا و هو محل النزاع و المشاجرة،مع أن المشهور كما عرفت على جواز المشاركة،فليخصّ الاشتراط بالوقف على جماعة خاصّة أو عامة،و يكون المراد بالشرط في الوقف عليهم أن لا يقصد ابتداءً دخول نفسه معهم أو إدخاله،فلو لم يقصد ذلك صحّ الوقف بحصول ما شرط له،و لا ينافيه الدخول بعدُ و المشاركة،فإن الشرط إنما هو عدم قصد الدخول لا عدم الانتفاع من الوقف بالكلّية.

لكن مقتضى هذا تخصيص جواز المشاركة بصورة لم يحصل منه القصد إلى الدخول و المشاركة،و لو حصل بطل الوقف من أصله،إلّا أن عبائر الأصحاب على الجواز مطلقة.

نعم،حكي ذلك عن الشهيد في بعض فتاويه (2)،و استحسنه في المسالك (3)فلم يجوّز الانتفاع مع القصد المزبور،و لا مع القصد إلى المنع

ص:180


1- السرائر 3:155.
2- حكاه عنه في المسالك 1:354.
3- المسالك 1:354.

عن نفسه،و علّل الأوّل:باستلزامه الوقف على نفسه و عدم القصد إلى الجهة،و الثاني:بتخصيصه العام بالنية،و هو جائز،فيجب اتّباع ما شرطه.

و هو حسن لولا الفتاوى المطلقة المؤيّدة بإطلاق حكاية نفي الخلاف عنه في الكتب المتقدمة.

و للمختلف هنا تفصيل آخر،فرّق فيه بين الوقف على المصالح العامة كالمساجد و القناطر و شبهها فالأوّل،و الوقف على أرباب الصفة من نحو الفقر و المسكنة فلا يجوز المشاركة (1).

و لا وجه له يعتدّ به،سيّما في مقابلة حكاية نفي الخلاف المتقدمة، المعتضدة بالشهرة الظاهرة،و المحكية في كلام بعض الأجلّة (2)،فلا مسرح عن قولهم و لا مندوحة.

من اللواحق مسائل السكنى و العمرى

و من اللواحق:مسائل تتعلق ب السكنى و العمرى و الرقبى، و الثلاثة ثابتة بالإجماع و السنة المستفيضة الآتية.

و هي تفتقر إلى الإيجاب و القبول و القبض بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة،بل على اعتبار الأخير الإجماع في ظاهر كلام جماعة (3)،بل صريح بعضهم (4).

فلا شبهة و لا خلاف إلّا في اشتراط القبول في السكنى المطلقة الغير المقيّدة بعمرٍ و لا مدّة،فقيل:يمكن القول بعدم اشتراط القبول فيها؛ لأنّها

ص:181


1- المختلف:491.
2- الحدائق 22:163.
3- منهم:الشهيد في المسالك 1:364،و السبزواري في الكفاية:143،و صاحب الحدائق 22:281.
4- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:219.

حينئذٍ بمعنى إباحة السكنى،لجواز الرجوع فيها متى شاء (1).

و يضعّف بصيرورتها بترك المدّة عقداً جائزاً،و هو لا يمنع من اشتراط القبول فيها كنظائرها.

مع أن ذلك لا يتمّ إلّا على القول بجوازها من أصلها،فلو قيل به بعد تحقّق مسمّى الإسكان و لزومه قبله كما عن صريح التذكرة (2)فلا شبهة في اعتبار القبول فيها؛ لأنها حينئذٍ من العقود اللازمة في الجملة،و إن طرأ عليها الجواز بعد انقضاء المسمّى.

و ربما يستفاد من العبارة كغيرها عدم اشتراطها بالقربة،و هو أحد القولين و أظهرهما و أشهرهما في المسألة؛ للأصل،و العمومات السليمة عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في القواعد،فاشترطها (3).

و لا وجه له،و لذا حمل على إرادته الاشتراط في حصول الثواب دون الصحة.

و فائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرّعاً مع بقاء الملك للمالك بلا خلافٍ فيه عندنا،كما في المسالك (4)،و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة بقاء الملك،و بعض المعتبرة،كالخبر:عن السكنى و العمرى،فقال:«إن الناس عند شروطهم إن كان شرط حياته،و إن كان شرط لعقبه فهو لعقبه كما شرط» يعني«حتى يفنوا،ثم يردّ إلى صاحب

ص:182


1- المسالك 1:364.
2- التذكرة 2:450.
3- القواعد 1:272.
4- المسالك 1:364.

الدار» (1).

و نحوه آخر:«و إن كان جعلها له و لعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوه و لا يورثوا،ثم ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل» (2).

و حكى الخلاف في المسالك عن بعض العامة،فجعلها على بعض الوجوه مفيدة فائدة الهبة،فينتقل ملك العين إلى الساكن (3).

و حكاه في التنقيح و الدروس عن ظاهر الشيخ في العمرى إذا جعلت له و لعقبه،فقال:لا يرجع إلى المالك حينئذٍ (4).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،عدا ما في الدروس من رواية جابر (5)،و لم يذكر متنها،و لم يتّضح لي سندها،و مع ذلك محجوج بالأصل،و صريح المعتبرين المتقدمين.

و نحوهما في الإفادة لهذه الفائدة الرقبى المتقدم إليها الإشارة، و لا فرق بينها في هذه الثمرة،و إن اختلف بحسب اختلاف الإضافة،فإذا قرنت بالإسكان قيل:سكنى،كأن يقول:أسكنتك هذه الدار و لك سكناه، و بالعمر قيل:عمرى،كقولك:أعمرتك هذه الأرض عمرك أو عمري، و بالمدة قيل:رقبى،كأن يقول:أرقبتك هذا المتاع مدّة كذا،من الارتقاب

ص:183


1- الكافي 7:21/33،الفقيه 4:652/186،التهذيب 9:587/139،الإستبصار 4:396/103،الوسائل 19:218 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- الكافي 7:22/33،الفقيه 4:653/187،التهذيب 9:588/140،الإستبصار 4:397/104،الوسائل 19:220 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 3 ح 1.
3- المسالك 1:364.
4- التنقيح الرائع 2:333،الدروس 2:281.
5- عوالي اللئلئ 3:15/263،مستدرك الوسائل 14:66 أبواب السكنى و الحبيس ب 2 ح 4.

و هو الانتظار للأمد،أو من رقبة الملك،بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها.

كلّ ذا على المشهور،كما في المسالك و الكفاية (1)،فيكون بين العمرى و الرقبى تباين.

و في الغنية و عن الشيخ و القاضي و الحلّي (2)أنهما بمعنى واحد، فالأُولى من العمر،و الثانية من الرقوب،كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه،و ربما أشعر به العبارة،حيث اقتصر بذكر العمرى خاصّة دون الرقبى،فكأنه جعلهما بمعنى واحد،و إلّا لذكر الرقبى و لو بالإشارة.

و عن الشيخ و تالييه أنه قيل في الرقبى أن يقول:جعلت خدمة هذا العبد لك (3).

و عن الأكثر أيضاً أن بين السكنى و كل من العمرى و الرقبى عموماً من وجه؛ لاجتماعها مع كلّ منهما فيما لو قرن إباحة المنفعة بالسكنى و مشخّصات إحداهما،كالسكنى مدّة العمر في الأُولى،و مدّة معيّنة في الثانية،و افتراقها عن كلّ منهما باقتران الإباحة بالسكنى خاصّة،كما قدّمناه من المثال،و يفترقان عنها بتجرّد الإباحة عن الإسكان و تقييدها بالعمر أو المدّة،كما قدّمناه من المثال،و بجريانهما في غير المسكن من سائر الأعيان التي يصحّ وقفها،بخلاف السكنى،لاختصاصها به.

و عن التحرير تخصيص العمرى بما لا يشتمل عقدها على لفظ السكنى،كأن يقول:أعمرتكها مدّة عمرك،و الرقبى بما لا يشتمل عليه،بل

ص:184


1- المسالك 1:364،الكفاية:143.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603،الشيخ في المبسوط 3:316،القاضي في المهذب 2:101،الحلي في السرائر 3:168.
3- انظر المبسوط 3:316،و المهذَّب 2:100،و السرائر 3:168.

على المدّة،كأن يقول:أرقبتكها مدّة كذا،فإن ذكر الإسكان فهي سكنى خاصّة مطلقا و إن قرنت بعمر أو مدّة،و حينئذٍ فبينهما بهذا الاعتبار تباين (1).

و الأمر في ذلك سهل؛ لكونها أُموراً اصطلاحيّة ليس فيها مشاحّة.

و تلزم السكنى بعد القبض لو عيّن المدّة فلا رجوع فيما دونها و إن مات المالك بلا خلاف أجده إلّا من الشيخ و الحلبي (2)، فلا تلزم هي كالعمرى إمّا مطلقاً كما عن الأوّل،أو مع عدم قصد القربة كما عن الثاني،و الأوّل أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل صرّح جمع منهم كالمسالك و الصيمري و غيرهما (3)بجهالة القائلين بخلافه،و إنما أفصح عنهما الفاضل المقداد في الشرح (4).

و كيف كان،فهما بالإعراض عنهما أجدر،و المصير إلى ما عليه الأكثر أظهر؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالعقود و الشروط المستفاد من الكتاب و السنة،عموماً و خصوصاً،و منه الخبران المتقدمات و غيرهما،كالصحيح:

عن رجل جعل داره سكنى لرجل إبّان حياته و لعقبه من بعده،قال:«هي له و لعقبه من بعده كما شرط» قلت:فإن احتاج إلى بيعها يبيعها؟قال:«نعم» قلت:فينقض بيعه الدار السكنى؟قال:«لا ينقض البيع السكنى» (5)الخبر.

ص:185


1- التحرير 1:290.
2- الشيخ في المبسوط 3:317،الحلبي في الكافي:363.
3- المسالك 1:364،و انظر الحدائق 22:281.
4- التنقيح الرائع 2:333.
5- الكافي 7:38/38،الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و فيه دلالة من وجه آخر أظهر،كالموثق:عن رجل أسكن رجلاً داره في حياته،قال:«يجوز له،و ليس له أن يخرجه» قلت:فله و لعقبه؟قال:

«يجوز» (1)الحديث.

و كذا تلزم لو قال له: أسكنتك عمرك،لم تبطل بموت المالك و إنما تبطل بموت الساكن خاصّة عند الأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لعين ما مرّ.

خلافاً للإسكافي،فقال:إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلى قيمة الدار فإن كانت تحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم إخراجه،و إن كان ينقص عنها كان ذلك لهم (2).

و استند فيه إلى بعض النصوص (3)القاصرة السند بالجهالة أو الضعف،و المتن بالخلل،و مخالفة الأصل،و بعض النصوص المتقدمة كثاني الخبرين المتقدمين في صدر البحث (4)،بملاحظة صدره الذي تركنا ذكره من قوله:«إن جعل السكنى في حياته فهو كما شرط» فإن الظاهر رجوع الضمير إلى الساكن بقرينة ما ذكرناه من التّتمة،فقد حكم عليه السلام بلزوم الشرط من دون تفصيل بين موت المالك و عدمه،فإذاً المذهب الأوّل.

إلّا أن يكون الإسكان موصى به أو منجّزاً و كان في مرض موته،

ص:186


1- الكافي 7:24/34،الفقيه 4:651/186،التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:219 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:498.
3- هو خبر خالد بن نافع البجلي المروي في الكافي 7:39/38،الفقيه 4:650/186،التهذيب 9:594/142،الإستبصار 4:400/105،الوسائل 19:227 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 8 ح 1.
4- راجع ص:182.

فتعتبر المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار.

و لو قال: أسكنتك عمري،و إليه أشار بقوله: حياة المالك، لم تبطل بموت الساكن و انتقل ما كان له من الحق إلى ورثته بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الحكم الأوّل،و أنه حقّ كسائر الحقوق المنتقلة إلى الورثة بالاتّفاق بحسب الفتوى و الرواية في الحكم الثاني.

ثم إن هذه الأحكام في العبارة و إن اختصّت بالسكنى المختصّة بالدار و نحوه،إلّا أن مقتضى الأُصول المتقدمة انسحابها في كلّ رقبى و عمرى و إن كانت بغير متعلق السكنى متعلقة،كالمتاع و شبهه.

و اعلم أن مورد العبارة و الرواية مختصّ بجعل الغاية عمر المالك أو المعمَر،و يضاف إلى ذلك عقب المعمَر،كما في الثانية.

و هل يجوز التعليق بعمر غيرهما؟قال الشهيد:نعم (2)؛ للأصل، و عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و أن المسلمين عند شروطهم،و لصدق اسم العمرى المدلول على شرعيّتها في بعض النصوص من غير تقييد بعمر أحدهما (3).

و يحتمل قوياً العدم؛ لاشتمال العقد على الجهالة من حيث عدم العلم بغاية وقت المنفعة المستحقّة،فلا يجدي التمسّك بالأصل و العمومين؛

ص:187


1- المسالك 1:365؛ و انظر الحدائق 22:283.
2- نقله عنه في المسالك 1:365.
3- دعائم الإسلام 2:1225/324،المستدرك 14:66 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 2 ح 2.

لاختصاصهما بما لا يشتمل عليها،و الإطلاق بحيث يشمل المقام ممنوع بعد قوّة احتمال انصرافه بحكم التبادر إلى العمرى المقيّدة بعمر أحدهما.

و لكن الأجود الأول؛ التفاتاً إلى عدم تعقّل الفرق بوجه،فيبعد،مع تضمّن بعض الأخبار السابقة الحاكمة باللزوم لما هو كالتعليل له من قوله:

«له شرطه» و أن«المؤمنين عند شروطهم» و يظهر منه غاية الظهور أن الحكم باللزوم إنما هو من حيث لزوم الوفاء بالشروط،و هو متحقّق في المفروض.

و إن أطلق السكنى و لم يعيّن المالك لها مدّة معلومة و لا عمراً أصلاً صحّ السكنى بلا خلاف،كما قيل (1)،و لكن لا يلزم،بل يتخيّر المالك في إخراجه مطلقا أي متى شاء،بلا خلاف؛ للمعتبرين، أحدهما الصحيح:عن رجل أسكن رجلاً داره و لم يوقّت،قال:«جائز و يخرجه إذا شاء» (2)و نحوه الثاني الموثق (3).

و ليس فيهما كالعبارة لزوم الإسكان و لو في الجملة كيوم و نحوه مما يسمّى إسكاناً في العرف و العادة،و لا عدمه،بل هما بالإضافة إليها مطلقان.

و في المسالك عن الأكثر عدمه (4)،و أنها من العقود الجائزة،فله الرجوع متى شاء و لو قبل الإسكان بالكلّية.

و يمكن أن ينزّل عليه العبارة،بل الرواية،بجعل متعلّق الإخراج هو

ص:188


1- الحدائق 22:286.
2- الكافي 7:25/34،التهذيب 9:590/140،الاستبصار 4:398/104 بتفاوت يسير،الوسائل 19:221 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 4 ح 1.
3- الكافي 7:24/34،الفقيه 4:651/186،التهذيب 9:589/140،الوسائل 19:222 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 4 ح 2.
4- المسالك 1:365.

الإسكان المتعلّق به العقد دون الدار.

خلافاً للتذكرة و المحقق الثاني (1)،فحكما به،و نفى عنه البعد في الكفاية (2)،و استدل لهم تارةً بالرواية،و قد عرفت ما فيها من المناقشة و ضعف الدلالة،و أُخرى بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود و الشروط،و هو حسن إن لم يكن في الإسكان المطلق الغير المقيّد بمدّة جهالة،و إن كان كما هو الظاهر فسدت الحجّة؛ لاختصاصها بما لا يتضمّن الجهالة،كما مرّ إليه الإشارة.

و مقتضى ذلك و إن كان فساد السكنى بالكلّية،إلّا أن دعوى عدم الخلاف في الصحّة المؤيّدة باتّفاقهم عليها في الظاهر أوجبت الحكم بها، و لا يلزم منه إيجاب اللزوم مطلقا و لو في الجملة،فتأمّل.

ثم مقتضى هذه القاعدة فساد العمرى و كذا الرقبى لو خلتا عن ذكر العمر و المدّة،كما لو اقّتتا بعمر مجهول أو مدّة مجهولة،وفاقاً للدروس و المسالك في الأُولى (3).

خلافاً للثاني في الثانية،و التحرير فيهما (4)؛ لوجوه مدخولة.

و كيف كان لو مات المالك و الحال هذه يعني تكون السكنى غير لازمة كان المسكن ميراثاً لورثته أي المالك و بطلت السكنى بالمرّة،بلا خلاف في الظاهر و لا إشكال،فإن ذلك مقتضى العقود الجائزة، و أولى منه بالحكمين ما لو كانت السكنى أو العمرى أو الرقبى من أصلها

ص:189


1- التذكرة 2:450،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:124.
2- الكفاية:143.
3- الدروس 2:281،المسالك 1:365.
4- التحرير 1:291.

فاسدة.

و إطلاق السكنى بأقسامها الثلاثة حيث تتعلّق بالمسكن يقتضي أن يُسكِن الساكن معه مَن جرت العادة أي عادة الساكن به أي بإسكانه معه كالولد و الزوجة و الخادم و الضيف و الدابّة إن كان في المسكن موضع معدّ لمثلها،و كذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة و الغلّة بحسب حالها،بلا خلاف،إلّا من ظاهر النهاية و القاضي و ابن زهرة (1)،حيث اقتصروا على ذكر الولد و أهله،و لعلّ مرادهم منه التمثيل خاصّة،كما فهمه متأخّرو الأصحاب كافّة،و لذا لم ينقلوا عنهم الخلاف في جواز إسكان ما عدا من ذكروه.

و ليس له أن يسكن غيره ممن لم يحكم العرف بإسكانه معه،و لا الإجارة و غيرها من التصرفات الناقلة حتّى للمنفعة إلّا بإذن المالك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الاقتصار في ملك الغير على ما يقتضيه الإذن و الرخصة على المتيقن،و ليس إلّا إسكان من قدّمناه خاصّة،بل لولا العادة لكان اللازم عليه الإسكان بنفسه دون غيره،فإن ذلك مقتضى«أسكنتك» لغةً،لكن جاز التعدّي إلى من ذكر قضيّةً لها،مضافاً إلى الاتّفاق عليه فتوًى كما مضى.

خلافاً للحلّي (2)،فجوّز له إسكان من شاء و إجارته و نقله كيف شاء؛ محتجّاً بأنه ملّكه المنفعة بعقد لازم،فيجوز له التصرف فيها مطلقا،كما لو تملّكها بالإجارة،و كغيرها من أمواله.

ص:190


1- النهاية:601،القاضي في المهذب 2:102،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- السرائر 3:169.

و هو شاذّ،و مستنده كما ترى ضعيف.

و لو باع مالك الأصل المسكن لم تبطل السكنى إن وقّتت بأمدٍ أو عمر بلا خلاف؛ للصحيح:«لا ينقض البيع السكنى،و لكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط» (1).

و صريحه كالإسكافي و الشهيدين و غيرهما (2)،و ظاهر العبارة هنا و في الشرائع و غيره (3)صحّة البيع،و لعلّها مختار الأكثر،و هو أظهر؛ لصراحة الخبر المعتبر.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات الآمرة بالوفاء من الكتاب و السنّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في الموقّتة بالعمر،فاستشكل في الصحّة فيها في المختلف و التذكرة و القواعد (4)،و قطع بعدمها في التحرير (5)؛ التفاتاً منه إلى أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة،و لذا لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه،و زمان استحقاق المنفعة في العمرى مجهول،و قد منع الأصحاب من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء،لجهالة وقت الانتفاع به،فهنا أولى،لإمكان استثناء الزوج مدّة يقطع بعدم زيادة المدّة عليها،بخلاف المتنازع.

ص:191


1- الكافي 7:38/38،الفقيه 4:649/185،التهذيب 9:593/141،الإستبصار 4:399/104،الوسائل 19:135 أبواب أحكام الإجارة ب 24 ح 3.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:499،الشهيد الأول في الدروس 2:282،الشهيد الثاني في المسالك 1:366؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:220.
3- الشرائع 2:225؛ و انظر التنقيح الرائع 2:336،و المسالك 1:366.
4- المختلف:499،التذكرة 1:451،القواعد 1:273.
5- التحرير 1:291.

و هو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر مضعّف بما لا يسع ذكره المقام.

و أما الأولويّة المدّعاة في بيع مسكن المطلّقة باستثناء قدر يقطع بانقضاء العدة قبله فمثله آتٍ في العمرى؛ نظراً إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش المُعمرَ بعده قطعاً أو عادةً،و من ثمّ يحكم بموت المفقود حينئذٍ، و يقسّم ماله،و تعتدّ زوجته عدّة الوفاة اتّفاقاً.

نعم،لو أُقّتت بعمر المُعمَر و عقبه على الإطلاق اتّجه ما ذكره،لكن عبارته بتحقّق الأولويّة مطلقة شاملة لما إذا أُقّتت السكنى بعمر المعمر أو بعض من عقبه خاصّة،فيتّجه حينئذٍ ما ذكرناه من المناقشة،هذا.

و يمكن أن يقال:إن الجهالة المانعة عن صحّة البيع إنما هي إذا كانت في نفس المبيع دون منفعته،و هي هنا لمعلوميّة المبيع منتفية،و فتوى الأصحاب بالمنع عن بيع دار المطلّقة المزبورة لا حجّة فيها على المنع في المسألة،إمّا لاختصاصها بالمنع ثمّة دون المسألة،أو لعدم بلوغها درجة الإجماع فلا تكون من أصلها معتبرة،و على هذا ينسحب القول بالصحّة في تلك المسألة.

فهذا القول ضعيف غايته،كالقول بالفرق بين بيعه على المعمَر فالأوّل،و غيره فالثاني؛ نظراً إلى استحقاق المعمَر المنفعة ابتداءً و استمراراً فتغتفر الجهالة.

فإن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه هذا الفائت منها زمن العمر المجهول بطل مطلقاً،و إلّا صحّ كذلك؛ لاختلاف الاستحقاقين،و لا يبني أحدهما على الآخر.

نعم،ربما يتوجه ما ذكره العلّامة في العمرى المؤبّدة المقيّدة بعمر

ص:192

المعمَر و عقبه؛ لكون المبيع حينئذٍ مسلوب المنفعة فيُعدّ شراؤه سفاهة، فيبطل من هذه الجهة.

لكن يدفعه إطلاق الرواية،بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما يستفاد من صدرها.

و مع ذلك مقتضاه اختصاص البطلان بصورة لم يتصوّر فيها للعين منفعة مقصودة للعقلاء غير ما وقع عليه عقد العمرى،كالدور و شبهها.

و أمّا ما يتصوّر فيه تلك المنفعة كالعبد و الأمة فيحتمل فيهما الصحة؛ لعدم استلزام أعمارها فساد البيع من جهة سلب المنفعة،لوجود منفعة أُخرى غير المستحقّة،و هي عتقهما و نحوه،و أمثالها للعقلاء مقصودة.

ثم المشتري حيث صحّ البيع إن كان عالماً بالحال فلا خيار له و وجب عليه الصبر،و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر،و هو إجماع،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن فوات المنفعة عيب مجوّز للفسخ،لكونه ضرراً منفياً اتّفاقاً فتوًى و روايةً.

و احترز بالشرطية في العبارة عن السكنى المطلقة،فإنها تبطل بالبيع لكونها كما عرفت من العقود الجائزة،إلّا إذا قلنا بلزومها في الجملة،فتبطل بالبيع إن كان بعد مضيّ زمان استيفاء مسمّى الإسكان خاصة،و نحوها العمرى و الرقبى حيث لم توقّتا بعمرٍ و لا مدّةٍ و قلنا بالصحة،و إلّا كانتا باطلتين من أصلهما.

و يجوز حبس نحو البعير و الفرس في سبيل اللّه تعالى لنقل الماء إلى المسجد و السقاية،و لمعونة الحاجّ و الزائرين و طلّاب العلم

ص:193


1- التنقيح الرائع 2:336.

و المتعبّدين.

و الغلام و الجارية في خدمة بيوت العبادة.

و يلزم كل ذلك ما دامت العين باقية بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح الحلي في السرائر (1)؛ و هو الحجة،دون ما ذكره في الكفاية (2)من الصحيح:في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت وقتاً،فمات الرجل،فحضر ورثته ابن أبي ليلى و حضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار،فقال ابن أبي ليلى:أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها.فقال له محمّد بن مسلم الثقفي:أما إنّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت،فقال:

و ما علمك؟فقال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«قضى عليّ بن أبي طالب عليه السلام بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث» الحديث (3)و نحوه الخبر في الدلالة على الأمر بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث (4).

فإنهما كما ترى مع قصور سند الثاني،و اختصاص مورد الأوّل بالحبس على الإنسان قاصرا الدلالة على المطلوب،بل هما في الدلالة على خلافه و بطلان الحبس بموت الحابس واضحا الظهور،و لذا أن شيخنا في المسالك قال:حملهما الأصحاب على الحبس على الإنسان،و جعل

ص:194


1- السرائر 2:190.
2- الكفاية:143.
3- الكافي 7:27/34،الفقيه 4:635/181،التهذيب 9:591/140،معاني الأخبار:2/219،الوسائل 19:223 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 5 ح 1.
4- الكافي 7:28/35،الفقيه 4:636/182،التهذيب 9:592/141،معاني الأخبار:1/219،الوسائل 19:224 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 5 ح 2.

مستند لزومه في القُرَب هو نفس الاتّفاق على الظاهر عنده (1).

ثم إن الماتن و كثيراً من الأصحاب قد أهملوا ذكر كثير من أحكام الحبس،قيل:و الظاهر أن مورده مورد الوقف،فيصحّ في كلّ عين ينتفع بها مع بقاء عينها بالشرائط السابقة على الإنسان مطلقاً،و على القُرَب حيث يمكن الانتفاع بها فيها،كحبس الدابة لما تقدّم،و الكتب على المتفقّهين، و البيت على المساكين،و غير ذلك (2).

و أنه لا بدّ فيه بعد أهليّة التصرف من إيجاب و قبول كما في الوقف، و قصد القربة،كما عن السرائر و التحرير و المحقق الثاني (3)،و القبض كما عن التذكرة (4).

و أنه إن كان على إنسان فإن أطلق بطل بموت الحابس اتّفاقاً،و له الرجوع حينئذٍ متى شاء،كما في القواعد (5)،و إن عيّن مدّة لزم فيها أجمع، ثم يردّ إلى المالك،و الظاهر أنه لا خلاف فيه أيضاً،و إن كانت المدّة عمر أحدهما فكالمدة المعيّنة،كما في التحرير (6).

و في رواية:عن رجل مات و خلف امرأة و بنين و بنات و خلف لهم غلاماً أوقفه عليهم عشر سنين،ثم هو حرّ بعد العشر سنين،فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام و هم مضطرّون؟فكتب:«لا يبيعوا إلى ميقات

ص:195


1- المسالك 1:366.
2- المسالك 1:367.
3- السرائر 3:170،التحرير 1:291،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:127.
4- التذكرة 2:450.
5- القواعد 1:273.
6- التحرير 1:291.

شرطه إلّا أن يكونوا مضطرّين إلى ذلك فهو جائز لهم» (1).

و في اخرى:عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها؟قال:«هي لها على النحو الذي قال» (2).

و أمّا الصدقة

فهي التطوّع أي التبرّع بتمليك العين من الغير بغير عوض دنيوي.

و النصوص في فضلها متواترة؛ مضافاً إلى الآيات المتكاثرة،قال سبحانه وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [1] (3).و قال وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ [2] (4).و قال صلى الله عليه و آله:«الصّدقة تدفع ميتة السُّوء» (5).

و قال عليه السلام:«إن اللّه تعالى ليدفع بالصدقة الداء و الدُّبَيْلَة (6)و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون،إلى أن عدّ سبعين باباً من السّوء» (7).

ص:196


1- الفقيه 4:634/181،التهذيب 9:581/138،الوسائل 19:221 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 3 ح 3.
2- التهذيب 9:597/143،الوسائل 19:225 أبواب أحكام السكنى و الحبيس ب 6 ح 1.
3- البقرة:272.
4- المعارج:25.
5- الكافي 4:1/2،ثواب الأعمال:140 و فيه:تمنع،الوسائل 9:367 أبواب الصدقة ب 1 ح 2.
6- هي خُراجٌ و دمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً و هي تصغير دُبْلَة.النهاية 2:99.في الحديث«إنّ اللّه ليدفعُ بالصدقة الداءَ و الدبَيْلة» هي مصغرة كجُهَيْنة:الطاعون و خراج و دمل يظهر في الجوف و يقتل صاحبه غالباً.مجمع البحرين 5:369.
7- الكافي 4:2/5،الوسائل 9:386 أبواب الصدقة ب 9 ح 1.

و قال مولانا الصادق عليه السلام:«المعروف شيء سوى الزكاة،فتقرّبوا إلى اللّه بالبرّ و صلة الرحم» (1).

و قال مولانا الباقر عليه السلام:«صنائع المعروف تدفع مصارع السوء» (2).

و يشترط فيها بعد أهليّة التصرّف من المصّدّق أُمور:

منها:ما يدلّ على الإيجاب و القبول و لو فعلاً،وفاقاً لبعض أصحابنا (3)،خلافاً لجماعة (4)،فاشترطوا فيهما ما يشترط في العقود اللازمة.و إطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض و قصد القربة يدفعه.

و هي و إن شملت ما ليس فيه إيجاب و قبول بالمرّة،إلّا أن اعتبارهما و لو فعلاً لازم البتّة،فإن مع عدمهما لا يعلم كونه صدقة؛ مضافاً إلى عدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر إلى ما خلا عنهما البتة،هذا.

مضافاً إلى الاتّفاق في الظاهر على اعتبارهما في الجملة،و سيأتي عن المبسوط أن عليه إجماع الإمامية.

و منها:قصد القربة،بلا خلافٍ؛ لما مرّ في الوقف من المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنه لا صدقة إلّا ما أُريد به وجه اللّه سبحانه (5)، و نحوها كثير من النصوص الآتية.

ص:197


1- الكافي 4:5/27،الفقيه 2:112/30،الوسائل 16:287 أبواب فعل المعروف ب 1 ح 7.
2- الكافي 4:1/28،الفقيه 2:114/30،الوسائل 16:287 أبواب فعل المعروف ب 1 ح 6.
3- مفاتيح الشرائع 1:231.
4- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:191،و انظر التحرير 1:291،و مفاتيح الشرائع 1:231.
5- راجع ص:95.

و منها:القبض،بلا خلاف أيضاً أجده،بل عليه في ظاهر المبسوط إجماع الإمامية (1)؛ لأصالة عدم اللزوم بل الصحة قبله،و اختصاص الإطلاقات الحاكمة بلزومها بحكم التبادر بالصدقة بعده؛ مضافاً إلى الصحيح و غيره المتقدّمين في الوقف:في الرجل يتصدّق على ولد له قد أدركوا، فقال:«إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث» (2)الحديث.

و لا حكم لها من لزوم أو صحة ما لو تقبض بإذن المالك بلا خلاف؛ للأصل،و ظهور الخبرين المشترطين للقبض في ذلك؛ و لأن القبض المترتّب عليه أثره هو المأذون فيه شرعاً،و المنهي عنه غير منظور إليه.

و تلزم بعد القبض و إن لم يعوّض عنها على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عن الحلّي الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن المقصود بها الأجر،و قد حصل كالمعوّض عنها.

و في المعتبرة المستفيضة:«إنما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقيء ثم يعود في قيئه» (4).

و في معتبرة أُخر:«و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئاً أن يرجع فيه،و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه» (5).

ص:198


1- المبسوط 3:314.
2- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الإستبصار 4:387/101،الوسائل 19:178 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 4 ح 1،و قد تقدّم في ص:4531.
3- السرائر 3:177.
4- انظر الوسائل 19:204،205 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 11 ح 2،4،5.
5- الكافي 7:3/30،4،التهذيب 9:624/152،625/153،الإستبصار 4:423/110،411/108،الوسائل 19:231،243 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1،ب 10 ح 1.

خلافاً للمبسوط،فقال:إن صدقة التطوّع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام،من شرطها الإيجاب و القبول،و لا تلزم إلّا بالقبض،و كلّ من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه (1).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،سوى دعواه الإجماع في الظاهر على اتحادها مع الهبة في الأحكام،و هي بعد تسليمها غير ضائرة بعد ما مرّ من حصول العوض بقصد التقرّب،فيكون كالهبة المعوّض عنها لا يجوز الرجوع فيها.

و مفروضها محرّم على بني هاشم بلا خلاف إن كان زكاة،بل عليه إجماع العلماء كافة،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة:

ففي الصحيح:«إن الصدقة أوساخ أيدي الناس،و أن اللّه تعالى حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه» (2)الحديث.

و في آخر:«لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا نظرائهم من بني هاشم» (3).

و كذا غيرها من الصدقات الواجبة على إطلاق العبارة و غيرها من عبائر كثير من الجماعة (4)،بل نسبه في المسالك (5)إلى الشهرة؛ عملاً

ص:199


1- المبسوط 3:314.
2- الكافي 4:2/58،التهذيب 4:155/58،الإستبصار 2:106/35،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.
3- التهذيب 4:158/59،الإستبصار 2:109/36،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3 و في الجميع:لنظرائهم.
4- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:455،و المحقق في الشرائع 2:222،و الشهيد في اللمعة(الروضة 3):191.
5- المسالك 1:363.

بإطلاق تلك المستفيضة.

و الأصح وفاقاً لجماعة كالمسالك و غيره (1)الحلّية؛ لأصالة الإباحة، و اختصاص إطلاقات النصوص بحكم التعليل في بعضها بأنها أوساخ أيدي الناس،و التبادر في باقيها بالزكاة الواجبة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا،فأمّا غير ذلك فليس به بأس،و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة،هذه المياه عامّتها صدقة» (2)و بمعنى ذيلها رواية أُخرى صحيحة (3).

و المتبادر من الواجبة هي الزكاة المفروضة؛ لكونها المعروفة الشائعة المنساق إليها اللفظ من دون قرينة،مع إشعار الرواية بها من حيث وصفها فيها بالواجبة على الناس،هذا.

مع أنه صرّح بالحصر فيها في خبرين،في أحدهما:عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟فقال:«هي الزكاة» قلت:فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟قال:«نعم» (4).

و نحوه الثاني:عن الصدقة المحرّمة عليهم ما هي؟فقال:«الزكاة المفروضة» (5).

ص:200


1- المسالك 1:363؛ و انظر التنقيح الرائع 2:339،و الكفاية:143،و الحدائق 22:271.
2- الكافي 4:3/59،التهذيب 4:166/62،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
3- التهذيب 4:165/61،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1.
4- الكافي 4:5/59،التهذيب 4:156/58،الاستبصار 2:107/35،المقنع:55،الوسائل 9:274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5.
5- التهذيب 4:157/59،الإستبصار 2:108/35،الوسائل 9:274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(و يمكن أن ينزّل على المختار إطلاق العبارة و ما ضاهاها مما تضمّن لفظ المفروضة بحملها على الزكاة المالية) (1).

إلّا أن تكون صدقة أمثالهم من السادة،فتحلّ لهم مطلقا، إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة:

منها الموثق:قلت له:صدقة بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم؟فقال:«نعم» (2).

أو تكون الصدقة عليهم مع الضرورة و البلوغ حدّا يحلّ لهم معه أكل الميتة،فتحلّ لهم بلا خلاف أجده؛ للموثق:«و الصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلّا أن لا يجد شيئاً و يكون ممن تحلّ له الميتة» (3).

و لا بأس لهم بالمندوبة بلا خلاف أجده؛ للأصل،و ما مرّ من النصوص المستفيضة.

و ربما يستثنى منهم النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة المعصومون عليهم السلام في ذلك؛ صوناً لهم من النقص و تسلّط المتصدّق.

و يدفعه الصحاح المتقدمة المتضمنة لقولهم عليهم السلام:«لو حرمت الصدقة علينا لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة،لأن كلّ ما بين مكة و المدينة فهو صدقة» .قيل:و يمكن الفرق بين الصدقة العامّة و الخاصة بهم،فتباح الاُولى دون الثانية (4).

ص:201


1- ما بين القوسين ليست في«ق» و«ت».
2- التهذيب 4:164/61،الوسائل 9:275 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 6.
3- التهذيب 4:159/59،الإستبصار 2:111/36،الوسائل 9:276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
4- مفاتيح الشرائع 1:232.

و هو مع شذوذه لا وجه له عدا التعرّض في الصحاح لإباحة الأُولى دون الثانية،و ليس فيه حجة مع ظهور السياق في كون تخصيصها بالذكر للمثَل لا الحصر و الصدقة سرّاً أفضل منها جهراً ،قال سبحانه وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [1] (1).و عن مولانا الصادق عليه السلام:«الصدقة في السرّ و اللّه أفضل منها في العلانية» (2).

إلّا أن يتّهم في ترك المواساة فيظهرها دفعاً للتهمة،أو يقصد اقتداء الناس به تحريصاً على نفع الفقراء.

و قيل:هذا كله في المندوبة،أمّا الواجبة فإظهارها أفضل؛ لعدم تطرّق الرياء إليها كما يتطرّق إلى المندوبة،و لاستحباب حملها إلى الإمام المنافي للكتمان غالباً (3).

و في الحسن:«كلّ ما فرض اللّه تعالى عليك فإعلانه أفضل من إسراره،و كلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه،فلو أن رجلاً حمل زكاة ماله على عاتقه علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً» (4).

و في الموثق في قوله تعالى وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [2] قال:«هي سوى الزكاة،إن الزكاة علانية غير سرّ» (5).

ص:202


1- البقرة:271.
2- الكافي 4:2/8،الفقيه 2:162/38،الوسائل 9:395 أبواب الصدقة ب 13 ح 3.
3- المسالك 1:364.
4- الكافي 3:16/501،التهذيب 4:297/104،الوسائل 9:309 أبواب المستحقين للزكاة ب 54 ح 1.
5- الكافي 3:17/502،التهذيب 4:298/104،الوسائل 9:310 أبواب المستحقين للزكاة ب 54 ح 2.

الهبة

و امّا الهبة فهي تمليك العين تبرّعاً مجرّداً عن قصد القربة أي من دون اشتراطها بهما و إلّا لانتقض بالهبة المعوّض عنها و المتقرب بها إلى اللّه تعالى فإنهما هبة أيضاً،إجماعاً،فتوًى و نصّاً.

و الدليل على عدم اشتراطها بالقربة بعد الوفاق و الأصل ظواهر كثير من المعتبرة:

منها الصحيح:«إنما الصدقة محدثة،إنما كان الناس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينحلون و يهبون،و لا ينبغي لمن أعطى للّه عزّ و جلّ شيئاً أن يرجع فيه» قال:«و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنّه يرجع فيه،نحلة كانت أو هبة،حيزت أو لم تُحَزْ» (1)الحديث،و نحوه الموثق (2)و غيره (3).

و لذا صارت أعمّ من الصدقة؛ لاشتراطها بالقربة دونها.

كما أنها أعمّ من الهدية،لافتقارها إلى قيدٍ دونها،هو:أن تحمل من مكان إلى مكان الموهوب له إعظاماً له و توقيراً،و لهذا[لا (4)]يطلق لفظها على العقارات الممتنع نقلها.

ص:203


1- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.
2- الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
3- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:569/135،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 2.
4- أضفناها لاستقامة العبارة،كما في سائر الكتب الفقهية كالمسالك و المفاتيح و الحدائق،و الضمير راجع إلى الهدية.

و يعبّر عنها تارةً بها،و أُخرى بالنِّحلة و العطيّة،و يطلق كلّ منهما على مطلق الإعطاء المتبرّع به،فيشملان الوقف و الصدقة و الهبة و السكنى فهما أعمّ منها.

و لا بدّ فيها بعد أهليّة التصرف في الواهب،و قابلية الملك في الموهوب له من الإيجاب الدالّ على تمليك العين و لو من غير عوض، كوهبتك،و ملّكتك،و أعطيتك،و نحلتك،و أهديت إليك،و هذا لك مع نيتها،و نحو ذلك. و القبول الدالّ على الرضاء،كقبلت،و رضيت.

بلا خلاف و لا إشكال إن أُريد مطلق ما يدلّ عليهما و لو فعلاً.

و يشكل إذا أُريد ما يدلّ عليهما لفظاً؛ لصدق الهبة مع عدم اللفظ الدال عليهما حقيقة إن تحقّق ما يدل عليهما فعلاً،فتدخل في العمومات الدالة على جوازها أو لزومها و سائر أحكامها،إلّا أن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اعتبار العقد القولي،كما يظهر من الكفاية (1)،و صرّح به في المسالك،قال:فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظٍ يدلّ على إيجابها و قبولها لا يفيد الملك،بل مجرّد الإباحة،حتى لو كانت جارية لم يحلّ له الاستمتاع بها،لأن الإباحة لا تدخل في الاستمتاع (2).

و حينئذٍ لا إشكال في اعتبار اللفظ و سائر ما وقع عليه الاتفاق أو يحكى عليه إن كان،من العربية و الفورية،دون الماضوية،فإنه لا يشترط فيه هنا قولاً واحداً،كما حكاه بعض أصحابنا،قال:لجوازها على كثير من الوجوه (3).

ص:204


1- الكفاية:143.
2- المسالك 1:367.
3- مفاتيح الشرائع 3:201.

و دون الهدية؛ لعدم الاتّفاق على ذلك،فقد احتمل في الدروس وفاقاً لظاهر التذكرة و صريح التحرير (1)عدم اعتبار اللفظ فيها؛ لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها و لا لفظ هناك،و استمرّ الحال من عهده إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع،و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعباراتهم،قال:و مارية القبطية كانت من الهدايا.و استحسنه في المسالك (2).

و هو كذلك؛ لا لما مرّ من التعليل،فإنه كما قيل عليل؛ بل لما مرّ من لزوم الاقتصار فيما خالف العمومات على مورد الوفاق المقطوع به أو المحكي،و هما مفقودان في المقام،لوجود الخلاف،و استحسان الحاكي له القول بالعدم الذي حكاه عمن مرّ،و هو لا يجتمع مع الإجماع الذي حكاه لو عمّ المقام،و إلّا لما استحسن.

و لا بُدّ فيها من القبض أيضاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك و غيره (3)كما يأتي؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة:منها الموثق،و المرسل القريب منه بفضالة و أبان:عن النحل و الهبة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها،قال:«هي بمنزلة الميراث،و إن كان لصبي في حجره و أشهد فهو جائز» (4).

ص:205


1- الدروس 2:291،التذكرة 2:415،التحرير 1:281.
2- المسالك 1:368.
3- المسالك 1:369؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:412،و الحدائق 22:310.
4- الموثق في:التهذيب 9:648/157،الإستبصار 4:409/107،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 2.و المرسل في:التهذيب 9:637/155،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 1.

و قريب منها الخبر:«الهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها» (1).

و صريح الأولين و ظاهر الثالث كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة أن القبض شرط الصحة،و به صرّح الحلبي (2)،و الأكثر كما حكاه الحلّي (3)،بل عن ظاهر الدروس و المحقق الثاني و صريح التذكرة و نهج الحق و فخر الإسلام (4)الإجماع عليه؛ و هو حجة أُخرى زيادة على الخبرين،المعتبر أحدهما في نفسه بما مرّ،مضافاً إلى اعتباره كالآخر بالشهرة المطلقة التي حكاها الحلّي،و المتأخّرة التي حكاها جماعة من الأجلة (5)،مع سلامتهما كالإجماع المحكي عما يصلح للمعارضة؛ لما ستعرف من الجواب عن الأخبار الآتية،و عدم قدح بخروج معلوم النسب على تقديره في حجيّة الإجماع مطلقا،محققة و محكية،كما عليه الأصحاب كافّة.

فإذاً لا مسرح عن هذا القول و لا مندوحة،سيّما مع تأيّده بأصالة بقاء الملك لمالكه إلى أن يتحقق الناقل،و ليس سوى الأمر بالوفاء بالعقود.

و ما قيل (6)من المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض،قسّمت أو لم تقسّم،و النحل لا يجوز حتى تقبض،

ص:206


1- التهذيب 9:654/159،الإستبصار 4:407/107،الوسائل 19:234 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 7.
2- الكافي في الفقه:322.
3- السرائر 3:173.
4- الدروس 2:286،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:148،التذكرة 2:417،نهج الحق:510،فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:412.
5- كصاحب الحدائق 22:309.
6- كما في المختلف:486،و المفاتيح 3:202.

و إنّما أراد الناس ذلك فأخطئوا» (1).

و الموثقان بأبان،المجمع على تصحيح رواياته و روايات الراوي عنه فيهما،و فيهما:«إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة» (2).

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل بالإجماع على خلافه إن أُريد به ظاهره من لزوم الوفاء بالعقد،كيف لا و لا خلاف في جواز الرجوع فيها قبل القبض مطلقا.

و إن أُريد به لزوم الوفاء بمقتضى العقد من لزوم أو جواز فلا يدل على المطلوب؛ لتوقّف الدلالة حينئذٍ على ثبوت المقتضى من خارج و أنه الصحة،و هو أوّل الدعوى.

و قصور النصوص أوّلاً:عن المكافأة لما مرّ من الأدلة المعتضدة بالأصل و الشهرة المحققة و المحكية.

و ثانياً:بحسب الدلالة بإجمال القابض هل هو الواهب،أو الموهوب له؟و هي لا تتمّ إلّا على التقدير الأخير دون الأول؛ إذ المراد منه على هذا التقدير جواز هبة ما لم يقبض،لا جوازها و إن لم تقبض،و إذا جاء الإجمال بطل الاستدلال.

مع تأيّد الاحتمال الأوّل و المراد منه ببيان جواز هبة ما لم يقسّم بعد

ص:207


1- التهذيب 9:641/156،الإستبصار 4:422/110،معاني الأخبار:38/392،الوسائل 19:233 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 4.
2- الأُولى:التهذيب 9:639/156،الإستبصار 4:420/110،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 2.الثانية:التهذيب 9:640/156،الإستبصار 4:421/110،الوسائل 19:232 أبواب أحكام الهبات ب 4 ح 3.

ذلك في الخبر الأوّل بقوله:«قسّمت أو لم تقسّم» ردّاً على العامة المانعين عن هبته (1).

و بقوّة احتمال ورودها مورد التقية؛ بناءً على ما يستفاد من تتبّع أخبار الهبة أن المراد بالجواز حيث يطلق فيها اللزوم دون الصحة،أ لا ترى إلى الخبرين،أحدهما الموثق كالصحيح:«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب من هبته،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (2).

و هما كغيرهما كالصريحين بل صريحان في أن المراد من الجواز المطلق في الصدر من دون قرينة ما يقابل جواز الرجوع الذي ذكر في الذيل حقيقة،و على هذا يحتمل قويّاً أن يكون المراد من الجواز في هذه النصوص هو اللزوم،كما فهمه الشيخ في الاستبصار (3)،لا الصحة،كما فهمه جماعة (4)،و حينئذٍ فلم يقل بهذه النصوص أحد من الطائفة.

و يحتمل حملها على التقية،فإنّ ذلك مذهب بعض العامّة،كما يستفاد من الانتصار و الغنية (5)،و بذلك صرّح شيخنا في الاستبصار في الجواب عن النصوص المزبورة بناءً على فهمه اللزوم من الجواز فيها كما قدّمناه،قال بعد احتماله حملها على الاستحباب،و ذكره القدح في الصحيحة بتضمّنها الفرق بين الهبة و النحلة فيما تضمّنته و الحال أنه لا فرق

ص:208


1- كما في المغني و الشرح الكبير 6:284.
2- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
3- الإستبصار 4:110.
4- منهم:العلّامة في المختلف:486،و فخر المحققين في الإيضاح 2:412،و أُنظر الكفاية:143،و الحدائق 22:306.
5- الانتصار:223،الغنية(الجوامع الفقهية):603.

بينهما في ذلك اتّفاقاً فتوًى و رواية-:و يجوز أن يكون خرج مخرج التقية (1).

و هو في غاية الجودة،إلّا أن احتمالها في الصحيحة لا يخلو عن مناقشة؛ لإباء سياقها عنه إلّا بمشقّة و كلفة.

و كيف كان،فلا حجة في هذه الأدلة على من جعل القبض شرط الصحة و إن انتصر بها عليهم من المتأخّرين جماعة (2)،زاعمين لأجلها أن القبض شرط اللزوم دون الصحة،وفاقاً للمحكي عن ظاهر الشيخين و القاضي و ابن حمزة (3)،فإنّها كما عرفت لا دلالة فيها صريحة بل و لا ظاهرة،و مع ذلك لا معنى لجعله شرط اللزوم في مطلق الهبة بعد الاتفاق على عدم اللزوم بعد القبض إلّا في مواضع قليلة،و تخصيص ذلك بتلك المواضع النادرة دون الكثيرة بمعنى أنه لا يشترط القبض في الهبة، و لا ثمرة فيه و لا فائدة إلّا حيث تكون الهبة لازمة بعيد عن إطلاق عبائر الجماعة كافة كما حكاه بعض الأجلّة (4)باشتراط القبض في مطلق الهبة، و لعلّه لذا ادّعى في الدروس أن مراد الأصحاب بشرط اللزوم هنا شرط الصحة،و ذكر عن الشيخ القائل بأنه شرط اللزوم ما يعرب عن هذا التوجيه (5).

ص:209


1- الاستبصار 4:110.
2- منهم:العلّامة في المختلف:486،و الفيض في المفاتيح 3:202،و السبزواري في الكفاية:143.
3- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في المبسوط 3:304،القاضي في المهذب 2:97،ابن حمزة في الوسيلة:378.
4- انظر الحدائق 22:309.
5- الدروس 2:286،الشيخ في المبسوط 3:304.

و مظهر ثمرة الخلاف النماء المتخلّل بين العقد و القبض،فإنه للواهب على المختار،و للمتّهب على غيره.

و ما لو مات الواهب قبل الإقباض،فإنها تبطل على الأول،و يتخيّر الوارث بين الإقباض و عدمه على الثاني.

و فطرة المملوك الموهوب قبل الهلال الغير المقبوض إلّا بعده،فإنها على الواهب على الأول،و على الموهوب له على الثاني.و نفقة الحيوان في المدّة المتخلّلة.

و يشترط إذن الواهب في القبض بلا خلاف أجده،بل عليه في نهج الحق و الدروس و المسالك (1)إجماع الإمامية؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في بحث الصدقة (2).

هذا إذا لم يكن بيده مقبوضاً من قبل.

و لو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد،و لا إذن فيه،و لا مضي زمان يمكن فيه قبضه على الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

قيل:لحصول القبض المشترط،فأغني عن قبض آخر و عن مضيّ زمان يسعه؛ إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضاً،و إنّما كان معتبراً مع عدم القبض،لضرورة امتناع حصوله بدونه (3).

و فيه نظر؛ فإنّ دعوى حصول القبض المشترط أوّل البحث،لعدم عمومٍ يدلّ على كفاية مطلقه لا من إجماع و لا غيره؛ للخلاف،و ظهور النصوص المشترط له بحكم التبادر في القبض بعد العقد،فاللازم في غيره

ص:210


1- نهج الحق:510،الدروس 2:290،المسالك 1:369.
2- راجع ص:197.
3- الروضة البهية 3:193.

الرجوع إلى حكم الأصل الدالّ على عدم الصحّة أو اللزوم إلى أن يتحقّق القبض المتيقّن إيجابه لهما،و ليس إلّا المجمع عليه،و هو القبض الجديد، أو المأذون فيه ثانياً للهبة.

و لعلّه لهذا اعتبر بعض الأصحاب (1)ما أسقطه الأكثر،و هو أظهر إن لم يكن الإجماع من المتأخّرين على خلافه انعقد.

و من هنا يظهر وجه لما يحكى عن بعض الأصحاب في القبض بعد العقد،من اشتراط كونه بنيّة الهبة (2).فإن هذا هو المتيقّن فتوى و رواية، إلّا أن الأشهر هنا أيضاً الاكتفاء بمطلق القبض،و عليه عامّة من تأخّر كالسابق.

و ربما قيّده بعضهم بعدم التصريح بأن القبض لغير الهبة،و استحسن هذا التفصيل في الكفاية (3).

و هو كذلك إن وجد من العمومات أو المطلقات ما يدل على الاكتفاء بمطلق القبض،و أمّا مع عدمهما كما هو الظاهر لما ذكر فهو كسابقه، إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه،أو يظهر من قرائن الأحوال كون القبض للهبة دون غيرها.

و يحتمل قوياً المصير إلى مختار الأكثر؛ لما مرّ في الوقف (4)، و سيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد،للنصوص الدالّة عليه،المعلّل بعضها له بحصول القبض من دون أن يذكر فيها ما مرّ من القيود،و هذا التعليل جارٍ في المفروض،و العلّة

ص:211


1- انظر الجامع للشرائع:365.
2- حكاه عنه في الكفاية:143.
3- الكفاية:143.
4- راجع ص:101.

المنصوصة يتعدّى بها إلى غير المورد،كما تقرّر في الأُصول.

و لو وهب الأب أو الجد له للولد الصغير الذي تولّيا عليه ما هو ملكهما و مقبوضهما قبل الهبة لزم بلا خلاف لأنه مقبوض بيد الوليّ فيكفي عن القبض الجديد،كما مرّ في الوقف؛ و للمعتبرين المتقدمين في اشتراط القبض،المتضمّنين لقوله عليه السلام:«و إن كان لصبي في حجره و أشهد فهو جائز» (1).

و إطلاقهما كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة،و نسبه في المسالك و غيره إلى الشهرة (2)،كفاية مطلق القبض السابق و لو خلا حين العقد أو بعده عن نيّة القبض عن المتّهب له بالكلية.

خلافاً للعلّامة فاشترطها (3).و هو شاذّ،و مستنده اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.نعم،لا يبعد اعتبار عدم القصد لغيره،كما في المسالك و غيره (4).

و لو وهباه ما ليس بيدهما كالمال الذي و رثاه و لم يقبضاه،أو اشترياه كذلك،أو آجراه لغيره افتقر إلى القبض عنه،بلا خلاف و لا إشكال.

أمّا الوديعة فلا يخرج بها عن يد المالك،فلا يحتاج إلى قبض جديد.

و في العارية وجهان،و في المسالك و الكفاية:الأقرب أنها خارجة

ص:212


1- راجع ص:204.
2- المسالك 1:370؛ و انظر الكفاية:143.
3- القواعد 1:274.
4- المسالك 1:370؛ و انظر الحدائق 22:317.

عن يده (1).

ثم مفهوم العبارة و غيرها من عبائر الجماعة (2)و صريح آخرين (3)اشتراط القبض الجديد أو نيته عن الهبة إذا كانت للولد الكبير،ذكراً كان أو أُنثى.و لا خلاف (4)إلّا من الإسكافي،فألحق الأُنثى مطلقا بالصغير ما دام في حجره بالنسبة إلى هبته (5).و هو شاذّ،و مستنده قياس.

و إذا وهب غير الولي للطفل فلا بدّ من القبض،و يتولّاه الولي أو الحاكم.و في الوصي تردّد،و لعلّ الأظهر(أن له الولاية أيضاً) (6).

و قيل بإلحاقه بالولي (7).و مستنده غير واضح.

و هبة المشاع مطلقا جائزة كالمقسوم بلا خلاف بيننا،بل عليه في الغنية و نهج الحق إجماعنا (8)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات،و خصوص المعتبرين المتقدمين (9)، و الصحيح:عن دارٍ لم تقسم،فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟

ص:213


1- المسالك 1:370،الكفاية:143.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:230،و العلّامة في الإرشاد 1:450،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهيّة)3:193.
3- كالعلّامة في المختلف:488،و الشهيد الثاني في المسالك 1:370،و صاحب الحدائق 22:317.
4- في«ر» زيادة:في الأوّل،كذا و في الثاني.
5- على ما نقله عنه في المختلف:488.
6- بدل ما بين القوسين في«ت»:العدم.
7- كذا في النسخ،و لعلّ الأنسب:بغير الوليّ.انظر المبسوط 3:305 و المسالك 1:370.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):603،نهج الحق:510.
9- في ص:205.

فقال:«يجوز» قلت:أ رأيت إن كان هبة؟قال:«يجوز» (1).

و قبضه كقبض البيع عندنا،كما في المسالك (2)،فيجري فيه القولان:

بالاكتفاء بالتخلية مطلقاً،أو التفصيل بها في غير المنقول،و بالنقل و ما في معناه فيه.

فإن قلنا بالأوّل فلا بحث على المشهور،و إن حكي اعتبار إذن الشريك هنا ايضاً عن الدروس (3).

و إلّا كما هو الأقوى فإن كان باقي الحصّة للواهب فإقباضه بتسليم الجميع إلى المتّهب إن أراد تحقّق القبض.

و إن كان لغيره توقّف تسليم الكل على إذن الشريك،فإن رضي به، و إلّا لم يجز للمتّهب إثبات اليد عليه بدونه،بل يوكّل الشريك في القبض إن أمكن،و إن تعاسرا رفع أمره إلى الحاكم لينصب أميناً لقبض الجميع، نصيب الهبة لها و الباقي أمانة للشريك حتى يتمّ عقد الهبة،وفاقاً للشهيدين (4).

خلافاً للمختلف،فاكتفى هنا في القبض بالتخلية و لو في المنقول؛ تنزيلاً لعدم القدرة الشرعيّة منزلة عدم القدرة الحسيّة في غير المنقول (5).

و يضعّف بمنع عدم القدرة الشرعيّة حيث يوجد الحاكم المُجبر،أمّا مع عدمه فلا بأس به،دفعاً للعسر و الضرر.

ثمّ لو قبض في محل النهي لكن بإذن الواهب فالأصح تحقّقه،إمّا

ص:214


1- الكافي 7:24/34،الوسائل 19:246 أبواب أحكام الهبات ب 12 ح 1.
2- المسالك 1:370.
3- الدروس 2:290.
4- الشهيد الأول في الدروس 2:290،الشهيد الثاني في المسالك 1:371.
5- المختلف:488.

لعدم اقتضاء النهي الفساد في نحو المقام،أو لتعلّقه بالخارج عن متعلّق الهبة،و هو قبض مال الشريك خاصّة.خلافاً للمسالك (1)،فلم يعتبر مثل هذا القبض لوجه غير واضح.

و لا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض و كذا في غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف فيهم.

ظاهر العبارة هنا و صريحها في الشرائع كعبارة التحرير (2)الإجماع على المنع من الرجوع فيها إذا كانت لأحد الأبوين و اختصاصه بهما،و قال في المختلف:و إذا وهب الأب ولده الصغير أو الكبير و أقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعاً،و لو كان لغير الولد من ذوي الأرحام فللشيخ فيه قولان (3).

و ظاهره الدلالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب للأولاد،و وقوعه إذا كانت من الأولاد لآبائهم.

و في الدروس قصر الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب ولده الصغير (4).و يفهم منه وقوع الخلاف في الكبير و في الآباء.

و مقتضى الجمع بين هذه الكلمات وقوع الإجماع على عدم جواز الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين و إن علا،أو الأولاد و إن نزلوا،كما صرّح به الصيمري و الشهيد الثاني (5)،حاكياً عن المصنّف ما يدلّ عليه،و إن اختصّ عبارته بالإجماع في الوالدين،و حكي التصريح بالإجماع كذلك عن التذكرة

ص:215


1- المسالك 1:371.
2- الشرائع 2:230،التحرير 1:283.
3- المختلف:484.
4- الدروس 2:287.
5- المسالك 1:371.

و المهذّب و المحقق الثاني (1)،لكنه لم يصرّح بالإجماع،بل نفى الخلاف عنه بيننا،و به على مطلق ذي الرحم صرّح في الغنية (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد من الكتاب و السنّة،و المعتبرة المستفيضة عموماً و خصوصاً،فمن الأوّل:المعتبرة الثلاث (3)،و منها الصحيح:إنما مثل الذي يرجع في هبته كالذي يرجع في قيئه.

و نحوها الخبر،بل هو بالدلالة على اللزوم أظهر:«أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك،فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها» (4).

و هي بعمومها تشمل الهبة للأبوين و الأولاد،كما هو إجماع، و لغيرهم من ذوي الرحم،كما هو الأظهر الأشهر،و عليه عامّة من تأخّر إلّا من شذّ و ندر (5)،وفاقاً للمفيد و أحد قولي الطوسي و للديلمي و القاضي و ابن زهرة (6)مدّعياً عليه كما عرفت إجماع الإماميّة.

و من الثاني:في مطلق ذي الرحم الصحاح،منها:«الهبة و النحلة

ص:216


1- التذكرة 2:418،المهذب البارع 3:71،المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:157.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):603.
3- انظر الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 5،وص 243 ب 10 ح 3،و ج 18:33 أبواب الخيار ب 19 ح 1.
4- التهذيب 9:653/158،الإستبصار 4:416/109،الوسائل 19:244 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 4.
5- و هو السبزواري في الكفاية:144.
6- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في النهاية:602،الديلمي في المراسم:199،القاضي في المهذب 2:95،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

يرجع فيها صاحبها إن شاء،حيزت أو لم تُحَزْ،إلّا لذي رحم فإنه لا رجوع فيها» (1).

و منها:عن الرجل يهب الهبة،أ يرجع فيها إن شاء أم لا؟فقال:

«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب من هبته،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (2)و نحوهما صحيح آخر (3).و المراد بالجواز فيه اللزوم بقرينة السؤال و السياق.

و منه:في هبة الوالد للولد خاصة الموثق و المرسل القريب منه المتقدمان في اشتراط القبض (4)،و نحوهما موثق آخر يأتي ذكره.

و منه في هبة الولد للاُمّ الموثق:عن رجل أعطى أمّه عطيّة فماتت و كانت قد قبضت الذي أعطاها و بانت به؟قال:«هو و الورثة فيها سواء» (5).

و لا قائل بالفرق.

خلافاً للانتصار،فجوّز الرجوع مطلقاً و لو كان المتّهب أباً أو أولاداً، مدّعياً عليه الإجماع (6).

و هو شاذّ،و لا عبرة بإجماعه بعد ظهور وهنه بمصير الأكثر إلى

ص:217


1- الكافي 7:7/31،التهذيب 9:643/156،الإستبصار 4:410/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 2.
2- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
3- التهذيب 9:650/158،الوسائل 19:242 أبواب كتاب الهبات ب 9 ذيل حديث 3.
4- راجع ص:204.
5- الكافي 7:16/32،التهذيب 9:631/154،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 3.
6- الانتصار:223.

خلافه،و معارضته بالإجماعات المستفيضة في ردّه،مع استفاضة المعتبرة المتقدمة عموماً و خصوصاً بخلافه،فقوله ضعيف غايته،و إن مال إليه في الكفاية لنصوص قاصرة السند و الدلالة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة،و إن كانت في حدّ ذاتها معتبرة،منها الموثق:«أما الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة» (1).

قال بعد أن ذكرها و ذكر الصحاح الخاصة المعارضة لها-:و يمكن الجمع بينهما بحمل الصحاح و ما في معناها على الكراهة الشديدة،و هو أولى من اطراح الأخبار الثلاثة المعتبرة (2).

و فيه:أن الجمع بذلك فرع المكافأة،و هي لاعتضاد الصّحاح بالأصل و الشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة، و فقد هذه المرجّحات في الأخبار الثلاثة مع قصور أسانيدها مفقودة.

مع احتمالها الحمل على وجهٍ لا يستلزم اطراحها بالمرّة،بأن يقال:

قوله:«و إن كانت لذي قرابة» قيد لقوله:«أو لم يحزها» يعني أنه إذا لم يحزها فله الرجوع فيها مطلقاً و إن كانت لذي قرابة،و هو معنىً صحيح، و إن كان بالنظر إلى ظاهرها بعيداً،لكن مع احتماله و إن بَعُد لا يستلزم العمل بتلك الصحاح تركها بالمرّة كما ذكره،بل ارتكاب مثله مع ما هو عليه من البُعد أولى من حمل تلك الصحاح على الكراهة الشديدة كما ذكره.

و بما ذكرناه يظهر الجواب عما ذكره أخيراً بقوله:و مع قطع النظر عن الأخبار الثلاثة المذكورة قد وقع التعارض بين تلك الصحاح و صحيحة

ص:218


1- التهذيب 9:645/157،الإستبصار 4:404/106،الوسائل 19:238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 3.
2- كفاية الأحكام:144.

زرارة (1)و ما في معناها مما يدل على جواز الرجوع مطلقاً،كموثقة عبيد بن زرارة (2)،و صحيحة جميل و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع،و إلّا فليس له» (3).

و يمكن الجمع بوجهين:حمل المطلق على المقيّد،و ثانيهما:حمل أخبار المنع على الكراهة،و الترجيح للثاني،و يشهد له الأخبار الثلاثة المذكورة.إلى آخر ما ذكره.

فإن الجمع بما ذكره فرع قوّة ما قابل الصحاح من الأخبار،و هي لما عرفت مفقودة.

مع أنه على تقدير التكافُؤ و القوة فالجمع الأوّل من حمل المطلق على المقيّد،مع أوفقيّته بالأصل في المسألة أرجح من الحمل على الكراهة من وجوه عديدة،و قد قامت بإثباته الأدلّة القاطعة من الفتوى و الرواية،و لا كذلك الحمل على الكراهة،إذ لم يقم على إثباتها شيء من الأدلّة.

نعم،ربما يرتكب في موضع لم يبلغ المنع فيه درجة الحجّة لقصوره عن المقاومة للأدلّة المبيحة،أو بلغها و لكن عارضه ما يكافئه من الأدلّة المبيحة،فيرتكب حينئذٍ الحمل على الكراهة،لأصالة الإباحة،أو غيرها من الأُصول الشرعيّة،و ليس مفروض المسألة من شيء من الموضعين،لما

ص:219


1- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.
2- الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الإستبصار 4:411/108،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
3- الكافي 7:11/32،التهذيب 9:627/153،الإستبصار 4:412/108،الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 8 ح 1.

عرفت من فقد المكافأة،و توافق الأُصول الشرعيّة مع ما دلّ على عدم جواز الرجوع في الهبة بعد القبض لذي القرابة.

مع اعتضادها كالأخبار الدالّة عليه بما مرّ من عمومات المستفيضة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الهبة بالكليّة،خرج منها و من الأُصول الهبة لغير ذوي القرابة بالإجماع المحكي في الغنية و المختلف و غيرهما من كتب الجماعة (1)،و بمفهوم الصّحاح المتقدمة،فتبقى فيهم على المنع دالّة، و العام المخصّص في الباقي حجّة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة علمائنا الإماميّة.

و مما ذكرنا ظهر ضعف القول بجواز الرجوع في هبة غير العمودين من الآباء و الأولاد من ذوي القرابة،كما عن الإسكافي و الطوسي و الحلّي (2)،مع اضطرابٍ له في ذلك في المختلف عنه قد حكي (3).

و أمّا الصحيح و الموثق الدالّان على جواز رجوع الوالد في هبته لولده مطلقاً،كما في الأول:عن رجل كان له على رجل مال،فوهبه لولده،فذكر له الرجل المال الذي له عليه فقال له:ليس عليك فيه شيء في الدنيا و الآخرة،قلت:يطيب ذلك له و قد كان وهبه لولد له؟قال:«نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا» (4).

ص:220


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المختلف:485؛ و انظر السرائر 3:173،و كشف الرموز 2:58،و التذكرة 2:418،و قال في المفاتيح 3:204 بلا خلاف.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:485،الطوسي في الخلاف 3:567 و التهذيب 9:157،الحلي في السرائر 3:175.
3- المختلف:485.
4- التهذيب 9:649/157،الإستبصار 4:405/106،الوسائل 19:230 أبواب أحكام الهبات ب 2 ح 1.

أو إذا كان كبيراً خاصة،كما في الثاني:عن رجل وهب لابنه شيئاً، أ يصلح أن يرجع فيه؟قال:«نعم،إلّا أن يكون صغيراً» (1).

ففيهما بعد ما عرفت من عدم التكافؤ،سيّما مع قصور سند الثاني أن الحكم فيه بالرجوع في هبة الولد الكبير لعلّه إنما هو من حيث عدم القبض،بأن يكون الموهوب بالغاً و لم يقبض،و لهذا حكم بلزوم الهبة للصغير من حيث إن الأب قابض له كما مرّ.

و بنحوه يقال في الصحيح:من أنه يحتمل أن يكون الرجوع إنما هو من حيث كون الهبة غير صحيحة؛ إمّا لكونها هبة لما في الذمّة لغير من هو عليه،و هو فاسد في المشهور بين الطائفة،و إن اختار فيها الصحة جماعة (2)،لأدلّة منها:خصوص هذه الرواية،نظراً إلى ظهور دلالتها عليها بلا شبهة،كما يعرب عنه قوله عليه السلام:«ثم نزعه» .أو لأن من شرطها القبض و لم يحصل،فهي و إن انتقلت إليه بالعقد إلّا أنه انتقال متزلزل مراعى لزومه بالقبض.

و اعلم أن المراد بالرحم في هذا الباب و غيره كالرحم الذي يجب صلته و يحرم قطعه مطلق القريب المعروف بالنسب و إن بَعُدت لحمته و جاز نكاحه،و في المسالك أنه موضع نصّ و وفاق (3).

و قيل:إنه من يحرم نكاحه خاصّة.و هو شاذّ محجوج بما ذكره من الاتفاق على خلافه فتوًى و رواية؛ مضافاً إلى مخالفته العرف بلا شبهة.

ص:221


1- التهذيب 9:646/157،الإستبصار 4:402/106،الوسائل 19:235 أبواب أحكام الهبات ب 5 ح 1.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 3:314،و الحلّي في السرائر 3:176،و العلّامة في المختلف 487،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:203.
3- المسالك 1:371.

و لو وهب أحد الزوجين الأجنبيّين الآخر شيئاً و أقبضه منه ففي الرجوع له فيه تردّد ينشأ من الأصل،و عموم الوفاء بالعقد، و المستفيضة المتقدمة المانعة عن الرجوع في مطلق الهبة،و خصوص الصحيح:«لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته و لا المرأة فيما تهبه لزوجها، حيز أو لم يُحَز،لأن اللّه تعالى يقول وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [1] (1)و قال فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [2] (2)و هذا يدخل فيه الصداق و الهبة» (3).

و من المعتبرة المستفيضة المتقدمة الحاكمة بجواز الرجوع في مطلق الهبة،و خصوص الصحاح المتقدمة المصرّحة بجواز الرجوع في الهبة لمطلق من ليس له قرابة،فيخصّ بها عموم الأدلّة السابقة المانعة،كما خصّصت بها فيمن عدا الزوجين من مطلق غير ذي قرابة،و يحمل بها الصحيحة الخاصة على الكراهة الشديدة،أو على الزوجين اللذين لهما قرابة.

و لا يمكن أن يخصّص بهذه إطلاقات تلك الصحاح؛ لفقد التكافؤ، لاعتضادها دون هذه بالكثرة،و الشهرة العظيمة،و الإجماع المحكي الذي سيأتي إليه الإشارة.

مع وهن هذه بتضمّنها اللزوم مطلقاً و لو لم تكن الهبة مقبوضة، و لم يقل به أحد من الطائفة،كما اعترف به جماعة (4).

ص:222


1- البقرة:229.
2- النساء:4.
3- الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:239 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 1.
4- منهم:المحقق الكركي في جامع المقاصد 9:161،و الشهيد في المسالك 1:375،و صاحب الحدائق 22:333.

مع تضمّن صدرها الذي لم ننقله هنا جواز الرجوع في الهبة مطلقاً (1)،و عمومه يشمل ما لو كانت لذي قرابة،و فيه مخالفة للإجماعات المحكيّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة،و هي و إن خصّصت بها إلّا أن التخصيص كما تقدّمه من الشذوذ عيب يوجب المرجوحية في مقام التعارض بين الأدلّة،و إن لم يخرج الرواية عن الحجّية في نفسها،هذا.

مع قوة احتمال معارضتها بخصوص الصحيح:عن رجل كانت له جارية،فآذته امرأته فيها فقال:هي عليك صدقة،فقال:«إن كان ذلك للّه تعالى،فليمضها،و إن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها» (2).

و هو و إن ورد في الصدقة،إلّا أن الظاهر عدم الفرق بينها و بين الهبة من هذه الجهة،و لعله لهذا أن شيخنا في التهذيب رواه في كتاب الهبة و الصدقة.

فإذاً أشبهه الجواز مع الكراهة وفاقاً للطوسي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (3)مدّعياً عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة الزائدة على ما قدّمناه من الأدلّة،المؤيّدة بالشهرة المحكية في عبائر جماعة (4)،و بحكاية إجماع الانتصار المتقدّمة (5)،الدالة على جواز الرجوع في مطلق الهبة،و هو

ص:223


1- تقدّم في ص 202 الرقم(1).
2- الكافي 7:12/32،التهذيب 9:628/153،الوسائل 19:240 أبواب أحكام الهبات ب 7 ح 2.
3- الطوسي في المبسوط 3:309،الحلي في السرائر 3:173،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
4- منهم:صاحب الحدائق 22:332،و نسبه في المفاتيح 3:204 إلى الأكثر.
5- راجع ص:216.

و إن كان لما قدّمناه غير صالح للحجّية،إلّا أنه قابل هنا للاعتضاد و التقوية.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين،كالفاضل في التذكرة و ولده في شرح القواعد و الشهيد الثاني (1)،و ربما مال إليه الأوّل في النكت على الإرشاد (2)، فاختاروا المنع.

و العجب من صاحب الكفاية،حيث اختار هذا القول للصحيحة المتقدّمة و جوّز الرجوع في الهبة لذي القرابة (3)،مع أن الصحاح المتقدمة أقوى من هذه بمراتب عديدة من حيث الكثرة،و الاعتضاد بالشهرة، و الإجماعات المحكية و لو في الجملة.

فلو كانت هذه الصحيحة مع ما هي عليه مما قدّمنا إليه الإشارة تصلح لتخصيص المعتبرة الثلاث المتقدمة و ما في معناها المبيحة للرجوع في مطلق الهبة كما ذكره فأولى أن تكون تلك الصحاح لصرفها عن ظاهرها بما قدّمناه صالحة.و إن كانت المعتبرة الثلاث أقوى منها لا يصلح صرفها بها إلى ما ذكرنا،فهي لأن تكون أقوى من هذه الصحيحة لا يصلح تخصيصها بها أولى بمراتب شتّى.

و ليت شعري ما الداعي له على هذا و ترجيح هذه الصحيحة على تلك المعتبرة المرجّحة عنده على تلك الصحاح و ما في معناها المستفيضة؟! مع اشتراكها مع تلك الصحاح في وجه المرجوحية،بل و أدون منها بمراتب عديدة،و احتمالها الحمل على الكراهة المرجّح عنده على حمل المطلق على المقيّد بعنوان الكلية في مواضع كثيرة و لو لم يوجد له فيها شاهد

ص:224


1- التذكرة 2:418،إيضاح الفوائد 2:417،الشهيد الثاني في المسالك 1:374.
2- حكاه عنه في الحدائق 22:333.
3- الكفاية:143.

و لا قرينة،فتأمّل.

و يجوز أن يرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين الموهوبة باقية و لم يتصرف فيها بشيء بالكلّية ما لم يعوض عنها أو يقصد بها التقرّب إلى اللّه تعالى،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و المختلف و التنقيح و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة الدالة على جواز الرجوع فيها مطلقا،أو إذا كانت لغير ذوي القرابة خاصة (2).

و أمّا ما عارضها من النصوص المستفيضة الدالّة على حرمة الرجوع فيها مطلقا،و أنه كالراجع في قيئه (3)فمع قصور سند أكثرها محمولة على الكراهة،أو مقيّدة بالهبة لذوي القرابة،كما مرّت إليه الإشارة،أو الهبة التالفة،أو المعوض عنها،أو المتقرّب بها إلى اللّه تعالى،فإنه لا خلاف في لزوم هذه الثلاثة و حرمة الرجوع فيها بعد القبض و إن لم يتصرف فيها بالكلّية،بل عليه الإجماع في الغنية و التنقيح و المهذّب و عن التذكرة (4)، لكن الأخيرين نقلاه في الأُولى خاصة؛ و هو الحجة المخصّصة لتلك الصحاح.

مضافاً إلى أصالة براءة ذمّة الموهوب له عن عوضها في الاُولى،مع خصوص الصحيح فيها أيضاً:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع

ص:225


1- الغنية(الجوامع الفقهية):603،المختلف:485،التنقيح الرائع 2:345؛ و انظر السرائر 3:173،و كشف الرموز 2:58.
2- راجع ص:215.
3- المتقدمة في ص:215.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):603،التنقيح الرائع 2:345،المهذب البارع 4:75،التذكرة 2:418.

فيها،و إلّا فليس له» (1).

و خصوص الصحيحين في الثانية،في أحدهما:«إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع» (2)و في الثاني:«تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب،و يرجع في غير ذلك إن شاء» (3).

و إطلاقهما كصريح المعتبرة في الثالثة،منها الصحيح،و نحوه الموثق:

«لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئاً أن يرجع فيه،و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه،نحلة كانت أو هبة،حيزت أو لم تُحَز» (4).

و في الخبر:هل لأحدٍ أن يرجع في صدقته أو هبته؟قال:«أمّا ما تصدّق به للّه تعالى فلا» (5).الحديث.

و إطلاقات الإجماعات المحكيّة كالصحيحة في الأُولى تقتضي عدم الفرق في اللزوم بين كون التلف من المتّهب أو من اللّه تعالى،و كون التالف تمام الهبة أو بعضها،و بالأمرين صرّح جماعة من أصحابنا (6).

ص:226


1- الكافي 7:11/32،التهذيب 9:627/153،الإستبصار 4:412/108،الوسائل 19:241 أبواب أحكام الهبات ب 8 ح 1.
2- الكافي 7:19/33،التهذيب 9:632/154،الإستبصار 4:413/108،الوسائل 19:242 أبواب أحكام الهبات ب 9 ح 1.
3- التهذيب 9:636/155،الإستبصار 4:414/108،الوسائل 19:237 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 1.
4- الصحيح:الكافي 7:3/30،التهذيب 9:624/152،الإستبصار 4:423/110،الوسائل 19:231 أبواب أحكام الهبات ب 3 ح 1.الموثق:الكافي 7:4/30،التهذيب 9:625/153،الإستبصار 4:411/108،الوسائل 19:243 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 1.
5- التهذيب 9:645/157،الإستبصار 4:404/106،الوسائل 19:238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 3.
6- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 9:158،و الشهيد الثاني في المسالك 1:371،و السبزواري في الكفاية:145.

لكن ينبغي أن يقيّد البعض بالذي يصدق مع تلفه على الهبة أنها غير قائمة بعينها،لا ما لا يصدق معه ذلك عليها،كسقوط ظفر أو نحوه من العبد الموهوب مثلاً،فإن معه لا يقال:إنه غير قائم بعينه،جدّاً.

و إطلاقات الإجماعات المزبورة كالصحيحين في الثانية تقتضي عدم الفرق في لزومها بالتعويض بين اشتراطه في العقد أو وقوعه بعده،بأن وقع العقد مطلقاً إلّا أنه بذل له العوض بعد ذلك و أعطاه.

لكنهم كما قيل صرّحوا بأنه لا يحصل التعويض بمجرّد البذل،بل لا بُدّ من قبول الواهب له،و كون البذل عوضاً عن الموهوب،قالوا:لأنه بمنزلة هبة جديدة و لا يجب عليه قبولها (1).

و مقتضاهما أيضاً عدم الفرق في العوض بين كونه قليلاً أو كثيراً،من بعض الموهوب أو غيره،و صرّح به في المسالك،قال:عملاً بالإطلاق، و التفاتاً إلى أنه بالقبض بعد العقد مملوك للمتّهب فيصحّ بذله عوضاً عن الجملة (2).

و يمكن أن يقال:إن المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين غير الآخر،و لو تمّ ما ذكره للزم أنه لو دفعه المتّهب بجميعه إلى الواهب بعد القبض لصدق المعاوضة،مع أنه لا يسمّى ذلك معاوضة عرفاً،و إنما يسمى ردّاً،و لا فرق بين دفع البعض و دفع الكل،فإن كان ما ذكره إجماعاً، و إلّا فإنّ للمناقشة فيه كما عرفت مجالاً.

و في جواز الرجوع للواهب في هبته للأجنبي بعد القبض مع التصرف منه فيها في غير الصور الثلاث المستثناة قولان،

ص:227


1- الحدائق 22:330.
2- المسالك 1:372.

أشبههما:الجواز مطلقاً،وفاقاً للإسكافي و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (1)مدّعياً عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة،و هي:جواز الرجوع فيها الثابت بما تقدّم من الأدلّة.

و عموم النصوص المتقدمة الدالّة على جوازه في مطلقها،خرج منها ما مضى و بقي ما عداه فيه داخلاً.

و ثانيهما:القول بالمنع،إمّا مطلقاً،كما عن الشيخين و القاضي و الحلّي و أكثر المتأخّرين (2)،أو إذا كان التصرّف مُخرِجاً للهبة عن ملكه،أو مغيّراً لها عن صورتها،كقصارة الثوب و نجارة الخشب و نحوهما،أو وطئاً لها،و الجواز في غير ذلك،كركوب الدابة و السكنى و اللبس و نحوها من الاستعمالات،كما عن ابن حمزة و الدروس و جماعة من المتأخّرين (3)، و زاد الأوّل فقال:لا يقدح الرهن و الكتابة.و هو يشمل بإطلاقه ما لو عاد إلى ملك الواهب و عدمه.

و حجة هذا القول مطلقاً و مقيّداً غير واضحة؛ عدا روايات قاصرة أكثرها سنداً،و جميعها دلالةً.و وجوه هيّنة،و اعتبارات ضعيفة لا تصلح للحجّية،سيّما في مقابلة ما مرّ لما في العبارة من الأدلّة في الأوّل،

ص:228


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:486،الديلمي في المراسم:199،الحلبي في الكافي في الفقه:328،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.
2- المفيد في المقنعة:658،الطوسي في النهاية:603،القاضي في المهذب 2:95،الحلّي في السرائر 3:173؛ و انظر كشف الرموز 2:58،و المختلف:486،و إيضاح الفوائد 2:415.
3- ابن حمزة في الوسيلة:379،الدروس 2:287؛ و انظر جامع المقاصد 9:160،و المسالك 1:373،و كفاية الأحكام:145.

و الصحيحة المتضمّنة لقوله عليه السلام:«إذا كانت الهبة قائمة بعينها» إلى آخرها، المتقدم إليها الإشارة (1)في الثاني.

و لا تخلو من شبهة،لا بحسب السند كما توهّم؛ لكونه من الصحيح على الصحيح،و على تقدير التنزّل فهو حسن كالصحيح،و مثله حجّة على الصحيح.

بل بحسب التكافؤ لما تقدّم من الأدلّة لما في العبارة؛ لكونها صحاحاً و معتبرة مستفيضة،معتضدة بالأصل و إجماع الغنية (2)اللذين كل منهما حجّة أخرى مستقلة،دون هذه الصحيحة،لوحدتها،و ندرة القائل بها بتمامها.

مع ما هي عليه من قصور الدلالة بإثبات جميع ما عليه هذه الجماعة، يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في المسالك فقال في وجه الإشكال فيها:

و أمّا الدلالة فتظهر في صورة نقلها عن الملك مع قيام عينها بحالها، فإنّ إقامة النقل مقام تغيّر العين أو زوالها لا تخلو من تحكّم أو تكلّف،بل قد يدّعى قيام العين ببقاء الذات مع تغيّر كثير من الأوصاف فضلاً عن تغيّر يسير.و أيضاً:فأصحاب هذا القول ألحقوا الوطء مطلقاً بالتغيّر مع صدق بقاء العين بحالها معه،اللّهمّ إلّا أن يدّعى في الموطوءة عدم بقاء عينها عرفاً،و ليس بواضح،أو يخصّ بما لو صارت أم ولد،فإنها تنزّل منزلة التالفة من حيث امتناع نقلها من ملك الواطئ.

ثم قال:و على كل حال فتقييد تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة بمثل هذا الخبر البعيد الدلالة في كثير من مدّعيات التفصيل

ص:229


1- راجع ص:224.
2- راجع ص:227.

لا يخلو من إشكال،إلّا أنه أقرب من القول المشهور باللزوم مطلقاً.

و الذي يظهر أن الاعتماد عليه أوجه حيث تظهر دلالته بصدق التغيّر؛ لأنه من أعلى درجات الحسن،بل قد عدّه الأصحاب من الصحيح في كثير من الكتب إلى أن قال-:و تبقى تلك الأخبار السابقة من كون الراجع في هبته كالراجع في قيئه (1)فإن له طريقاً صحيحاً و إن كانت أكثر طرقه ضعيفة و خبر إبراهيم بن عبد الحميد (2)كالشاهد له،فيكون في ذلك إعمال لجميع الأخبار،و هو خير من اطراح هذا الخبر المعتبر و الباقية (3).إلى آخر ما ذكره.

و هو حسن لولا إجماع الغنية (4)،الذي هو في حكم رواية صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه تلك الصحيحة،و مع ذلك بإجماع المرتضى المتقدم (5)معتضدة.

مع أن المصير إليها كما ذكره من الاقتصار فيها على ما تظهر دلالته بصدق التغيّر عرفاً خاصة لعله إحداث قول رابع قد منعت عنه الأدلّة القاطعة.

إلّا أن يذبّ عن إجماع الغنية بوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه،و عما بعده بالمنع عن كون مثله إحداث قول ممنوع منه،بل هو حيث يكون ما عدا المحدَث مجمعاً عليه،و أنّى لكم بإثبات القطع بذلك.

ص:230


1- راجع ص:215.
2- التهذيب 9:653/158،الإستبصار 4:416/109،الوسائل 19:244 أبواب أحكام الهبات ب 10 ح 4.
3- المسالك 1:373.
4- المتقدم في ص:227.
5- في ص:216.

و كيف كان،فينبغي القطع بجواز الرجوع مع التصرف الذي لا يصدق معه على العين أنها غير قائمة بعينها،و أمّا فيما عداه فمحل إشكال،سيّما إذا صدق معه عليها أنها غير قائمة بعينها.

و الاحتياط فيه بل لعلّه اللازم عدم الرجوع،و لو احتيط به مطلقاً كان أولى،بل الاحتياط كذلك متعين جدّاً؛ لدعوى الخلاف على المنع مطلقاً إجماعنا و أخبارنا (1)،و ارتضاها الحلّي في السرائر (2)،و صرّح بالإجماع أيضاً بعض أصحابنا (3)،و نسبه في المبسوط أيضاً إلى روايات أصحابنا (4).

فالقول بالجواز مع ذلك سيّما مع الشهرة العظيمة المحققة و المحكية مشكل جدّاً.

كما أن اختيار هذا القول كذلك أيضاً؛ لكثرة أدلّة القول بالجواز:من الأصل،و الصحاح،و خصوص إجماع الغنية و عموم إجماع المرتضى.

مع الوهن في أخبار الخلاف و المبسوط؛ لعدم وجود شيء منها في كتب أخبارنا التي منها كتاباه،فدليل المنع القوي هو الإجماع المحكي، و هو معارض بمثله من الإجماع و الصحاح،فتبقى المسألة في قالب الشك، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل الذي هو الجواز مطلقاً،كما قدّمناه، فتأمّل جدّاً.

ص:231


1- الخلاف 3:571.
2- السرائر 3:173.
3- انظر كشف الرموز 2:58.
4- المبسوط 3:309.

ص:232

كتاب السبق و الرماية

السبق

كتاب السبق هو بسكون الباء:المصدر،و المسابقة هي إجراء الخيل و شبهها في حَلْبة (1)السباق ليعلم الأجود منها و الأفرس من الرجال و المتسابقين.

و بتحريك الباء:العوض المجعول رهناً،و يسمّى الخَطَر و الندَب و الرمي.

الرماية

و الرماية هي:المفاضلة بالسهام ليعرف حذق الرامي و معرفته بمواقع الرمي.

و مستند شرعيّت هما بعد قوله عليه السلام المروي من طرق العامة و الخاصة بأسانيد معتبرة،تضمّنت الصحيح و غيره: لا سبق إلّا في نصلٍ أو خفّ أو حافرٍ (2) الكتاب،و السنة،و إجماع الأُمة المحكي بعنوان الاستفاضة في كتب الجماعة،كالتذكرة و المهذب و التنقيح و المسالك، و غيرها من كتبهم المعتبرة (3).

قال سبحانه وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ [1] (4).و في المرفوع لعبد اللّه بن المغيرة و قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في تفسيره عن النبي صلى الله عليه و آله أنه

ص:233


1- الحَلْبَةُ وزان سَجْدَة:خيل تُجمع للسّباق من كلّ أوْبٍ و لا تخرجُ من واحد.المصباح المنير 1:146.
2- الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 3؛ و انظر سنن أبي داود 3:2574/29.
3- التذكرة 2:353،المهذب البارع 3:80،التنقيح الرائع 2:348،350،المسالك 1:378؛ و انظر التحرير 1:261.
4- الأنفال:60.

الرمي (1).

و قال عزّ ذكره حكايةً عن إخوة يوسف يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا [1] (2).و هو ظاهر في شرعيّة السباق في الجملة،و الأصل بقاؤها و لو لهذه الأُمّة.

و السنة زيادة على ما مرّ بهما مستفيضة من طرق العامة و الخاصة، مروية في كتب أخبارنا الثلاثة في الجهاد و غيره،و هي و إن قصرت أسانيدها عن الصحّة،بل و عن الحجّية،إلّا أنها منجبرة بالاستفاضة،و بما قدّمناه من الأدلّة:

منها:«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجرى الخيل التي أضمرت من الحصباء» و في بعض النسخ الحفياء (3)«إلى مسجد بني زريق و سبقها من ثلاث نخلات،فأعطى السابق عَذقاً،و أعطى المصلّي (4)عذقاً،و أعطى الثالث عذقاً» (5).

و منها:«إنّه صلى الله عليه و آله أجرى الخيل و جعل سبقها أواقي من فضّة» (6).

و منها:«إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان،و تلعن صاحبه ما خلا الحافر

ص:234


1- الكافي 5:12/49،الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 2 ح 3.
2- يوسف:17.
3- حفياء:بالفتح ثم السكون و ياء و ألف ممدودة:موضع قرب المدينة،أجرى منه رسول اللّه صلى الله عليه و آله الخيل في السباق.معجم البلدان 2:276.
4- المُصَلّى في خيل الحَلْبة:هو الثاني،سُمّى به لأنّ رأسه يكون عند صلا الأوّل،و هو عن يمين الذَّنَب و شِماله.النهاية 3:50.
5- الكافي 5:5/48،الوسائل 19:254 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 4 ح 1.
6- الكافي 5:7/49،الوسائل 19:255 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 4 ح 2.

و الخفّ و الريش و النصل،فإنّه تحضره الملائكة،و قد سابق رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُسامة بن زيد و أجرى الخيل» (1).

و قريب منه خبران آخران،إلّا أنه اقتصر في أحدهما بقوله عليه السلام:

«ليس شيء تحضره الملائكة إلّا الرهان و ملاعبة الرجل بأهله» (2).

و في الصحيح:إن مولانا الصادق عليه السلام كان يحضر الرمي و الرهانة (3).

و فائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال و الهداية لممارسة النضال.

و يدخل تحت النصل السهام و الحراب جمع حربة،و هي:الآلة و السيف و ربما زيد النُّشّاب،مع أنه و الأوّل واحد كما عن الصحاح (4).

و لذا قيل في عطفه على الأوّل:إنه من قبيل عطف المرادف (5).

و عن ظاهر الشيخ أنه باعتبار اختلاف اللغات،فيقال للنصل:نُشّابة عند العجم،و سهم عند العرب،و أنه زاد المزاريق قال:و هي الردينيات و الرماح و السيوف (6).

و حصر النصل في الأُمور المزبورة هو المعروف في العرف و اللغة، فلا يدخل فيه الدبّوس و العصا و المرافق إذا جعل في رأسها حديدة،على

ص:235


1- الفقيه 4:136/42،الوسائل 19:251 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 1 ح 6.
2- أحدهما في:الكافي 5:10/49،الوسائل 19:250 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 1 ح 4. و الآخر في: التهذيب 6:785/284،الوسائل 19:253 أبواب أحكام السبق ب 3 ح 3.
3- الكافي 5:15/50،الوسائل 19:252 أبواب أحكام السبق و الرماية ب 2 ح 4.
4- الصحاح 1:224.
5- المسالك 1:381.
6- حكاه عنه في الحدائق 22:363،و انظر المبسوط 6:290.

إشكال فيه أشار إليه في الكفاية (1).

و يدخل تحت الخفّ الإبل بلا خلاف حتى من العامّة؛ لشمول اللفظة لها،مع مشاركتها الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب:من الانعطاف و سرعة الأقدام؛ و لأن العرب يقاتل عليها أشدّ القتال.

و كذلك الفيلة عندنا و عند أكثر العامّة،كما في المسالك،قال:

لدخولها تحت اسم الخف أيضاً و يقاتل عليها كالإبل.و ذهب بعضهم إلى المنع منها؛ لأنه لا يحصل بها الكرّ و الفرّ،فلا معنى للمسابقة عليها،قال:

و الخبر حجّتنا عليهم (2).

و فيه نظر؛ فإن غايته الإطلاق،و في انصرافه إليها مع ندرتها سيّما في بلاد صدوره نظر.و مقتضى الأُصول التي أسّسوها من غير خلاف يعرف بينهم فيها من مخالفة هذه المعاملة للأُصول،و أنه يقتصر في إباحتها على القدر المتيقن منها و المنقول،عدم جواز المسابقة عليها.

و لعلّ في ترك الماتن لها إشعاراً بذلك،إلّا أن يكون ذلك منه اقتصاراً على الغالب.

و كيف كان،فإن كان ما ذكره إجماعاً كما ادّعاه،و إلّا فللنظر فيه مجال،مع أن الأحوط ترك المسابقة عليها بلا إشكال.

و يدخل تحت الحافر الخيل بلا خلاف حتى من العامة،و عن الإسكافي و في المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى التيقّن

ص:236


1- الكفاية:137.
2- المسالك 1:381.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:484،المسالك 1:381.

بدخوله في إطلاق الرواية.

و كذا البغال و الحمير بلا خلاف عندنا،كما في المسالك، قال:لدخولها تحت الحافر،و صلاحيّتها للمسابقة عليها في الجملة، و خالف فيهما بعض العامّة،لأنهما لا يقاتل عليهما و لا يصلحان للكرّ و الفرّ،قال:و النص حجّة عليه (1).

و فيه ما مرّ من النظر بعد الالتفات إلى ما ذكروه في فائدة مشروعيّة السباق مما تقدم ذكره،و لا ريب أن الغالب في الحافر الذي يحارب عليه إنما هو الخيل،و لذا اقتصر عليه في النصوص المتقدمة.

و يشير إليه ما حكاه بعض الأجلّة (2)من أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يركب في الحرب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فعوتب على ذلك،فقال:«إنّي لا أفرّ عمن أقبل و لا اتبع من أدبر،و البغلة تكفيني» (3).

فيشكل حمل النص على غيره،مع مخالفة السباق عليه الأصل المتقدم،و الصلاحية للمسابقة في الجملة غير مُجدٍ فائدة بعد عدم ظهور الدخول في إطلاق الرواية،فلم يبق إلّا نفي الخلاف الذي ادّعاه،فإن تمّ، و إلّا كما هو الظاهر،لأنه في المختلف و غيره (4)حكي الخلاف في المسابقة عليهما عن الإسكافي فالرجوع إلى الأصل المتقدم أولى.

و لا يصح المسابقة في غيرها أي غير الثلاثة المزبورة،بل يحرم مع العوض،بإجماعنا،كما في المهذب و التنقيح و المسالك و عن

ص:237


1- المسالك 1:381.
2- الحدائق 22:363.
3- بحار الأنوار 42:59.
4- المختلف:484؛ و انظر التذكرة 2:354.

التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة،و خصوص الحصر المستفاد من الرواية المتضمنة للرخصة في الثلاثة (2)،و نحوها الخبر،بل هو في الدلالة على التحريم أظهر:«إن الملائكة تحضر الرهان في الخفّ و الحافر و الريش،و ما عدا ذلك قمار حرام» (3).

و قصور سنده كبعض ما تقدّمه منجبر بالعمل.

و في جوازها بدونه إشكال ينشأ من اختلاف الروايات في فتح الباء من لفظ السبق و سكونه،فإنه على الأوّل بمعنى العوض المبذول للعمل، و على الثاني بمعنى المصدر كما مرّ،و الأوّل هو المشهور،كما في المسالك (4)و غيره،و الموافق للأصل المعتمد عليه،و لذا اختاره الشهيد الثاني،مع تأيّده بأصالة جواز الفعل،فيجوز المسابقة بنحو الأقدام،و رمي الحجر و رفعه،و المصارعة،و الآلات التي لا تشتمل على نصل،و الطيور، و نحو ذلك بغير عوض.

و لكن الأشهر خلافه،بل ظاهر المهذب و المحقق الثاني و صريح المحكي عن التذكرة (5)أن عليه إجماع الإمامية في جميع الأُمور المذكورة.

فالمنع أظهر؛ لحجّية الإجماع المنقول،سيّما مع التعدّد،و الاعتضاد

ص:238


1- المهذب البارع 3:81 82،التنقيح الرائع 2:350،المسالك 1:381،التذكرة 2:354.
2- المتقدمة في ص:231.
3- التهذيب 6:785/284،الوسائل 19:253 أبواب السبق و الرماية ب 3 ح 3.
4- المسالك 1:378.
5- المهذب البارع 3:82،المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:326،التذكرة 2:354.

بالشهرة،و بما دلّ على حرمة اللهو و اللعب (1)،لكون المسابقة في المذكورات منهما بلا تأمّل،و خصوص ما مرّ من المعتبرة (2)المنجبر قصور سندها بالشهرة،بل و عمل الكلّ و لو في الجملة،الدالّة على تنفّر الملائكة عند الرهان و لعنها صاحبه ما خلا الثلاثة،مع تصريح الرواية السابقة بأن ما عداها قمار محرّم.

و دعوى توقّف صدق القمار و الرهانة على بذل العوض غير معلوم الصحة،مع صدقهما سيّما الرهانة بدونه عرفاً و عادة.

و يحتمل قوياً أن يجعل جميع ذلك قرينة لصحة النسخة الثانية من سكون الباء من لفظ السبق في الرواية.و دلالتها على عدم الصحة بل و على الحرمة ظاهرة؛ لعدم إمكان إرادة نفي الماهيّة،فليحمل على أقرب المجازات،و هو إمّا نفي جميع أحكامها التي منها الصحة و المشروعية،أو نفيهما خاصّة،لأنه المتبادر من نفي الماهية بلا شبهة،سيّما مع الاعتضاد بما قدّمناه من الأدلة على الحرمة.

و بما ذكرناه يظهر الجواب عما أورده في الكفاية على الرواية،من أنها لا دلالة لها على الحرمة على النسختين،قال:بل يحتمل غيرها،فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم،أو أن لا تملّك،أو لا فضل للسبق و العوض إلّا في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها،و على هذا لا دلالة لها على تحريم الفعل و الملاعبة مع العوض أيضاً في غير الثلاثة،بل لا يدل على تحريم العوض أيضاً.و على السكون يحتمل أن يكون معناها:

لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الأُمور إلّا في الثلاثة،أو لا فضل لسبق إلّا في

ص:239


1- انظر الوسائل 17:أبواب ما يكتسب به الأبواب 35،100،104.
2- راجع ص:232.

الثلاثة،فلا تكون دالة على التحريم (1).انتهى كلامه.

و هو كما ترى المناقشة فيه بعد ما قدّمناه واضحة،فإنه لا ريب أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعيدة غير متبادرة،و لذا أن أحداً من الأصحاب لم يشر إلى جريان شيء منها في الرواية،بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة،و إنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلّقها،هل هو العوض خاصة،أو نفس الرهانة؟و أين هذا الإطباق من صحة ما ذكره؟بل ينبغي القطع بفساده،سيّما مع ما عرفت من الروايات بل الأدلة الأُخر الظاهرة في الحرمة،و أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض.

و أمّا ما ربما يستدل لجواز المسابقة بالطيور و المصارعة من الأخبار الدالة عليه كالروايات الثلاث (2)النافية للبأس عن قبول شهادة اللاعب بالحمام إذا لم يُعرف بفسقٍ في الأُولى،مضافاً فيها إلى الخبرين المتقدمين (3)المرخّصين لها في الريش،و هو الطيور؛ و كالروايات المروية في الأمالي و غيره الدالّة على أمر النبي صلى الله عليه و آله الحسن و الحسين عليهما السلام بالمصارعة (4)في الثانية.

فضعيف غايته؛ لضعف الروايات المزبورة جملة سنداً في أنفسها، فكيف يمكن أن يحتجّ بها،سيّما في مقابلة ما قدّمنا من الأدلّة القويّة.

مضافاً إلى ضعفٍ في دلالتها،فإن اللعب بالحمام أعمّ من السباق

ص:240


1- الكفاية:136.
2- الفقيه 3:88/30،التهذيب 6:784/284،785،الوسائل 27:412،413 أبواب الشهادات ب 54 ح 1،2،3.
3- في ص:232.
4- أمالي الصدوق:361،و عنه في البحار 100:1/189،المستدرك 14:81 أبواب السبق و الرماية ب 4 ح 1.

عليه،فلعلّ نفي البأس عن قبول شهادته إنما هو إذا لم يسابق عليه.

و يمكن دخوله في الشرط من قوله:إذا لم يعرف بفسقٍ.و دعوى أن السبق عليه ليس بفسق مصادرة.

نعم،لها دلالة على جواز اللعب به،و هو أمر آخر،ظاهر المحكي عن الأصحاب فيه في بحث الشهادة جوازه.

و دعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة؛ لاحتمال أن يراد به السهام المثبت ذلك فيها.و ليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين دلالة على التباين بينهما بعد احتمال كون العطف فيه من باب عطف المرادف،أو الخاص على العام،مع تأيّده بإسقاط العطف و إبدال النصل بالريش في الخبر الثاني،مع التصريح فيه بحرمة الباقي.

و يفتقر انعقادها إلى صدورها من كاملين بالبلوغ و العقل خاليين عن الحجر؛ لأنها تقتضي تصرّفاً في المال و إيجاب و قبول بلا خلاف في الأوّل،و معه في الثاني كما قيل.

و ربما يستدل لاعتباره بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

و هو غير مفهوم؛ فإن مقتضاه لزوم الوفاء بما كان عقداً،لا أن المسابقة منه فيعتبر فيه القبول.

إلّا أن يبنى الاستدلال على القول بلزومها.و بيانه حينئذٍ أنه لا وجه للزومها إلّا بعد اعتبار القبول فيها؛ إذ معه يلزم،لقوله تعالى أَوْفُوا [1] (1)إلى آخر ما مضى،لا مطلقاً.

و هذا البناء يظهر من الماتن في الشرائع و غيره (2)،حيث جعلا مورد

ص:241


1- المائدة:1.
2- الشرائع 2:237؛ و انظر المسالك 1:381.

الخلاف الآتي في اللزوم و عدمه هو اشتراط القبول و عدمه،مفرّعين على الأوّل القول باللزوم،و على الثاني الجواز.

لكنه خلاف ما يظهر من الماتن هنا،حيث حكم بلزوم القبول من دون تردّد ثم قال: و في لزومها تردّد و هو أظهر ظاهر في اشتراط القبول على أيّ تقدير،و أن التردّد إنما هو في لزومها و جوازها حتى مع اعتبار القبول فيها.

و هذا هو الذي يظهر من كلمات الجماعة كالمختلف و غيره (1)،حيث حكى القول باللزوم عن الحلّي،و الجواز عن المبسوط و الخلاف و اختاره، مستدلّاً للأوّل بما مرّ،مجيباً عنه بالقول بالموجب،فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه،فإنّ كان لازماً كان العمل بمقتضاه على سبيل اللزوم،و إن كان جائزاً كان الوفاء به و العمل بمقتضاه على سبيل الجواز.و أيضاً:ليس المراد مطلق العقود،و إلّا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة،و هو باطل بالإجماع،فلم يبق إلّا العقود اللازمة و البحث وقع فيه.

و هو كما ترى ظاهر بل صريح في اتفاق القولين على كونها من العقود،و إنما اختلفا في كونها من اللازمة منها أو الجائزة.

و حينئذٍ فالأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال:إن الوجه فيه ظاهر على القول باللزوم،و كذا على القول بالجواز،بناءً على أن لزوم العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتّى إلّا على اعتبار قبوله،إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل مدّعياً عدم رضاه بالإيجاب،و لعلّه خلاف الإجماع،بل العوض لازم عليه بعد العمل

ص:242


1- المختلف:484؛ و انظر جامع المقاصد 8:325،و المسالك 1:381.

كالجعالة بلا خلافٍ،و لا يتمّ ذلك إلّا بالقبول.

لكن هذا إنّما يجري لو كان السابق هو الموجب،و لو انعكس أمكن عدم الاحتياج إلى القبول كالجعالة،إلّا أنه يمكن التتميم بعدم القول بالفصل،فتأمّل هذا.

و أمّا تعيين أحد القولين باللزوم و الجواز فيتوقّف على بيان المراد من اللزوم،و هو غير منقّح في كلام الأصحاب.

و التحقيق أن يقال:إن أُريد به ما قلناه من لزوم بذل العوض بعد حصول السبق خاصة كان أشبهه اللزوم عملاً بما وقع عليه العقد و الشرط،و التفاتاً إلى استلزام الامتناع من بذله الحيف و الضرر على السابق الناشئ عن تغرير المسبوق له على تضييع العمل المحترم برضاه بالبذل على تقدير حصول السبق للسابق.

و إن أُريد به لزومها من أوّل الأمر بمعنى وجوب العمل ثم بذل العوض إن حصل السبق و عدم جواز الفسخ قبل التلبّس بالعمل و لا بعده فالأشبه الجواز؛ للأصل،و عدم مقتضٍ للّزوم عدا ما مرّ من الأمر بالوفاء بالعقد.

و في اقتضائه له نظر،لا لما مرّ عن المختلف،لضعفه:

فالأوّل:بمخالفته الظاهر،فإن مقتضى الوفاء بالشيء التزامه و العمل به مطلقاً،لا العمل بمقتضاه من لزوم أو جواز جدّاً،و لذا أن دَيْدن الأصحاب حتى هو إثبات لزوم العقود اللازمة بمثله،و لا وجه له لو صحّ ما ذكره،لاستلزامه الدور الواضح،كما لا يخفى على من تدبّره.

و الثاني:بأن خروج العقود الجائزة تخصيص للعام،فيبقى في الباقي حجّة.

ص:243

بل لأن معنى الأمر بالوفاء بالعقد هو العمل بما التزم به ابتداءً أو مآلاً، و نحن نقول به هنا،إلّا أنه لا يلزم منه وجوب الاستباق و عدم جواز الفسخ، لعدم الالتزام بهما في العقد،بل إنّما التزم فيه ببذل العوض بعد حصول السبق،إذ لا معنى لقوله:من سبق فله كذا،غير ذلك،و هو غير الالتزام بنفس العمل و العوض في بدء الأمر،بل حالها حينئذٍ كالجعالة بعينها،فلكلّ منهما فسخها ابتداءً و في الأثناء و لكن يجب على المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيّناه.

و يصحّ أن يكون السبَق بالفتح عيناً و ديناً حالّا و مؤجّلاً،بلا خلاف؛ للأصل،و العمومات.

و لو بذل السبَق غير المتسابقين جاز مطلقاً،إماماً كان أو غيره؛ للدليلين؛ مضافاً إلى ما في المسالك و غيره (1)من إجماع المسلمين عليه في الأوّل،و منّا و من أكثر العامّة في الثاني؛ و أنه بذل مال في طاعة و قربة مصلحةً للمسلمين فكان جائزاً،بل يثاب عليه مع نيّته،كما لو اشترى لهم خيلاً و سلاحاً و غيرهما مما فيه إعانتهم على الجهاد.

و قال المانع منهم عن بذل غير الإمام باختصاص النظر في الجهاد به فيختص البذل به.

و ضعفه ظاهر،سيّما في مقابلة ما مرّ من الدليل.

و كذا جاز لو بذله أحدهما بأن يقول لصاحبه:إن سبقتَ فلك عشرة،و إن سَبَقتُ أنا فلا شيء لي عليك.و هو جائز عندنا كما في المسالك (2).خلافاً لبعضهم،قال:لأنه قمار (3).و يندفع على تقدير

ص:244


1- المسالك 1:382؛ و انظر المفاتيح 3:118.
2- المسالك 1:382.
3- انظر المغني و الشرح الكبير لابني قدامة 11:131 136.

تسليمه بخروجه بالنص المتقدم (1).

أو بذل من بيت المال بلا خلاف؛ لأنه معدّ للمصالح،و هذا منها،لما فيه من البعث على التمرّن على العمل المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد.

و لا يشترط المحلّل عندنا و هو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط في عقده،فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما، ثم إن سَبَق أخذ العوض،و إن سُبِق لم يغرم،و هو بينهما كالأمين.

و إنما لم يشترط للأصل،و تناول ما دلّ على الجواز للعقد الخالي عنه.

مضافاً إلى الإجماع عليه هنا و في الشرائع و المسالك و المختلف (2)، لكنه كالمسالك خصّاه بصورة عدم بذل المتسابقين معاً البذل،و ظاهرهما الخلاف فيه،حيث حكيا الاشتراط به فيه عن الإسكافي.

و الظاهر أنه شاذّ،و لعلّه لذا ادّعى الماتن على خلافه الإجماع،و مع ذلك مستنده خبر عامي (3)ضعيف سنداً و دلالةً.و عدم اشتراطه في أصل السباق من خصائصنا.

خلافاً للشافعي (4)،فاشترطه مطلقاً،و به سمّاه محلّلاً؛ لتحريم العقد بدونه عنده.

و حيث شرط لزم،فيجري دابته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع

ص:245


1- في ص:236.
2- الشرائع 2:237،المسالك 2:382،المختلف:484.
3- سنن أبي داود 3:2579/30.
4- انظر الأم 4:230.

الإطلاق،و إلى ما شرط مع التعيين،قيل:لأنهما بإخراج السبق متنافران، فيدخل بينهما لقطع تنافرهما (1). و يجوز جعل السبق للسابق منهما أو للمحلّل إن سبق بلا خلافٍ؛ لما مضى من الدليلين.

قيل:لا لأجنبي،و لا للمسبوق منهما و من المحلّل،و لا جعل القسط الأوفر للمتأخّر أو المصلّي و الأقل للسابق؛ لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى من شرعيّته،و هو الحثّ على السبق و التمرّن عليه (2).

و تفتقر المسابقة عند الأصحاب كافة،كما في ظاهر الكفاية (3) إلى شروط ذكر الماتن منها جملة،و أنهاها الفاضل إلى اثني عشر في التذكرة (4).

منها: تقدير المسافة التي يستبقان فيها،و تعيينها ابتداءً و انتهاءً؛ لئلّا يؤدّي إلى التنازع؛ و لاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً بيّناً،لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عدوه دون آخره،فصاحبه يطلب قصر المسافة،و منها ما هو بالعكس،فينعكس الحكم.

و منها:تعيين الخَطَر بالخاء المعجمة و الطاء المهملة المفتوحتين،إن شرطاه،أو مطلقاً على القول باشتراطه في صحة أصل العقد،كما هو ظاهر اللمعة،و حكاه في الروضة عن كثير،و فيها أيضاً عن التذكرة أنه ليس بشرط و إنما يعتبر تعيينه لو شرط (5)،و اختاره.

و لا يخلو عن قوة؛ للأصل،و العمومات المتقدمة.

ص:246


1- الروضة البهية 4:426.
2- الروضة البهية 4:426.
3- الكفاية:137.
4- التذكرة 2:354.
5- اللمعة(الروضة البهية 4):424،و هو في التذكرة 2:355.

و منها: تعيين ما يسابق عليه من فرس و بعير و غيرهما إن قلنا به بالمشاهدة،فلا يكفي الإطلاق،و لا التعيين بالوصف،لاختلاف الغرض بذلك كثيراً.

و منها: تساوي ما به السبق في احتمال السبق بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه.فلو علم قصور أحدهما بطل؛ لانتفاء الفائدة حينئذٍ،لأن الغرض منه استعلام السابق.و لا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر؛ لحصول الغرض معه.

و منها:ما مرّ من جعل السبق لأحدهما أو المحلّل لا غير،فلو جعل له بطل.

و منها:تساوي الدابّتين في الجنس،فلا تجوز المسابقة بين الخيل و الإبل و نحوه إن قلنا به.

و منها:إرسالهما دفعةً،فلو أرسل أحدهما دابّته قبل الآخر ليعلم هل يدركه أم لا لم يصحّ.

و منها:أن يستبقا عليهما بالركوب،فلو شرط إرسالهما لتجريا بنفسهما لم يجز.

و منها:أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها و لا ينقطعان دونها.

و منها:أن يكون ما ورد عليه عُدّة للقتال،فلا يجوز السبق و الرمي في النساء.

و منها:العقد المشتمل على أركانه.

و منها:عدم تضمّنه شرطاً فاسداً.

هذه جملة ما عن التذكرة،و في استنباطها أجمع من الأدلّة نوع

ص:247

مناقشة،إلّا أن يكون إجماعاً،فيتّبع،لكن في تحقّقه نظر،كيف و لم أجد من ادّعاه،مع خلوّ عبارة الماتن ككثير عن ذكرها كاملة،بل اقتصروا على قليل منها،و معه كيف يمكن الاطّلاع بالإجماع من غير طريق الحكاية.

و لا ريب أن اعتبارها أحوط؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حرمة القمار و الرهانة على المتيقّن إباحته من الفتوى و الرواية،و هذا هو العمدة في الحجّة لإثبات جملة منها التي لا يسبق الرهانة المستثناة من الحرمة في الروايات المتقدمة بدونها إلى الذهن بالمرّة.

و في اشتراط التساوي في الموقف تردّد ينشأ من الأصل، و العمومات،و حصول الغرض مع تعيين المبدأ و الغاية.

و من انتفاء معرفة جودة الفروس و فروسيّة الفارس مع عدم التساوي؛ لأن عدم السبق قد يكون مستنداً إليه،فيخلّ بمقصوده.و فيه منع و نظر.

فإذاً العدم أظهر،مع أنه أشهر،كما في شرح الشرائع للصيمري و المهذب (1).

و يتحقق السبْق بالسكون بتقدم الهادي أي العنق،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر؛ عملاً بالعرف.

خلافاً للإسكافي (2)،فاكتفى بالاُذن؛ لرواية قاصرة السند (3)،غير صريحة الدلالة،باحتمال الحمل على المثل أو المبالغة.

ثم ظاهر العبارة كما ضاهاها اعتبار التقدّم بجميعه،بل في الروضة (4)

ص:248


1- لم نعثر عليه في المهذب.
2- كما نقله عنه في المختلف:484.
3- لم نعثر عليه في كتب الأحاديث،و قد أورده العلّامة في المختلف:484.
4- الروضة 4:427.

عن عبارة كثير حصوله به و بالكتد معاً،و هو بفتح الفوقانيّة أشهر من كسرها كما فيها-:مجمع الكتفين بين أصل العنق و الظهر.و حكى فيها قولاً بكفاية التقدم ببعض العنق و استحسنه.و هو كذلك،حيث يساعده العرف و العادة.

ثم إن اتّفقا في طول العنق و قصره أو سبق الأقصر عنقاً ببعضه فواضح،و إلّا اعتبر سبق الطويل بأكثر من قدر الزائد،و لو سبق بأقلّ من قدر الزائد فالقصير هو السابق.

و اعلم أنه يطلق عندهم على السابق:المُجَلّي،و على الذي يحاذي رأسه صلوى السابق و هما العظمان النابتان عن يمين الذنب و شماله -:المُصلّي،و على الثالث:التالي،و على الرابع:البارع،و على الخامس:

المرتاح،و على السادس:الخطي،و على السابع:العاطف،و على الثامن:

المؤمّل بالبناء للفاعل،و على التاسع:اللطيم،بفتح أوّله و كسر تاليه،و على العاشر فصاعداً:الفِسْكِل،بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف،أو بضمّهما كقُنْفُذ.

و هذه أسامي جرت عادتهم بتسميتهم بها عشرة من خيل الحَلْبَة، و هي وزان سجدة:الخيل تجمع للسباق،و فائدته تظهر فيما لو شرط للمُجَلّي مالاً و للمصلّي أقل منه،و هكذا إلى العاشر.

و تفتقر المراماة إلى شروط ستة:

منها: تقدير الرِّشق و هو بكسر الراء:عدد الرمي الذي يتّفقان عليه،كعشرين،و بالفتح مصدر بمعنى الرمي.

و اشتراطه هو المشهور،قيل:لأنه العمل المقصود المعقود عليه (1).

ص:249


1- قال به الشهيد في المسالك 1:383،و السبزواري في الكفاية:137.

خلافاً لبعضهم،فاشترط العلم به في المحاطّة دون المبادرة (1).

و تأمّل فيه في الكفاية (2)؛ لعدم توقّف معرفة الإصابة على تعيين الرشق، لجواز حصولها بدونه.

و منها:تقدير عدد الإصابة كخمس من عشرة،قيل:لأن الاستحقاق إنما يحصل بالإصابة،و بها تحصل معرفة جودة الرمية و معرفة الناضل من المنضول فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان لم يصح،على المشهور،بل في الكفاية نسبه إليهم مشعراً باتّفاقهم،و إن تأمّل فيه بعد النسبة،معلّلاً بجواز حصول معرفة الإصابة بكونه أكثر إصابة في العدد المشترط أو غير ذلك (3).

و منها:تعيين صفتها من المارق،و الخامس بالمعجمة و المهملة،و الخازق بالمعجمتين،و الخاصل بالخاء المعجمة و الصاد المهملة،و الخاصر،و الخارم،و الحابي،و القارع،إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة،حتى أنه ذكر لها بحسب أوصافها تسعة عشر اسماً في كتاب فقه اللغة (4).

و فسّر الأوّل:بالذي يخرج من الغرض نافذاً فيه واقعاً وراءه.

و الثاني:بالذي يثقب الغرض و يقف فيه.

و الثالث:بالذي خدشه و لم يثقبه.و قيل:بل يثقبه و لكن لم يثبت فيه (5).

ص:250


1- انظر إيضاح الفوائد 2:370.
2- الكفاية:137.
3- الكفاية:137.
4- فقه اللغة:199.
5- التذكرة 2:360.

و الرابع:بالذي أصابه و لم يؤثّر فيه،و يطلق على القارع و على الثاني و الثالث و على المصيب للغرض كيف كان.

و الخامس:بالذي أصاب أحد جانبي الغرض.

و السادس:بالذي يخرم حاشيته.

و السابع:بالواقع دونه ثم يحبو إليه،من حبو الصبي.قيل:و يقال على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه،و هو المزدلف (1).

و الثامن:بالذي يصيبه بلا خدش.

و مقتضى اشتراطه تعيينها بطلان العقد بدونه.

و تأمّل فيه جماعة منهم الكفاية (2)،حاكياً فيها عن التذكرة أنه لا يشترط الإعلام بصفة الإصابة،و أنه إذا أُطلق حمل على مجرّدها؛ لأنه المتعارف و المطلق معنىً،فيحمل عليه المطلق لفظاً.نعم،إن شرطا نوعاً معيّناً تعيّن جدّاً.

و منها:تشخيص قدر المسافة التي يرميان فيها،و هي ما بين موقف الرامي و الهدف أو ما في معناه،إما بالمشاهدة،أو المساحة كمائة ذراع،قيل:لاختلاف الإصابة بالقرب و البعد (3).و في الكفاية:لا يبعد الاكتفاء بالعادة الغالبة بين الرماة في اعتبار الإصابة (4).

و منها:تعيين الغرض و هو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة و الضيق.

ص:251


1- الروضة البهية 4:429.
2- الكفاية:137.
3- الروضة البهية 4:430.
4- الكفاية:138.

و يشترط العلم بوضعه من الهدف،و هو ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره؛ لاختلافه في الرفعة و الانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة، و تأمّل في هذا الشرط أيضاً في الكفاية (1).

و منها:تعيين قدر السبق أي العوض المبذول للسابق؛ حذراً من لزوم الغرر.

و في اشتراط المبادرة و هي:اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيّنٍ من مقدار رشقٍ معيّن مع تساويهما في الرشق كخمسة من عشرين. و المحاطّة و هي:اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر و طرح ما اشتركا فيه.

تردّد ينشأ من الأصل،و انتفاء الدليل عليه؛ و من مخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر،و مثلها موجب لبطلان العقد مع الإهمال و ترك التعيين، لتفاوت الأغراض؛ فإن من الرماة من يكثر إصابته في الابتداء و يقلّ في الانتهاء،و منهم من هو بالعكس،و هذا خيرة المبسوط و التذكرة و التنقيح و المسالك (2).

و لا ريب فيه مع انتفاء القرينة من العرف أو العادة على تعيين أحد الأمرين،و لعلّه فرض المسألة.

و أما معها فالأجود الأوّل؛ عملاً بالقرينة،فإنها في حكم التعيين، وفاقاً للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه و الروضتين (3).

ص:252


1- الكفاية:138.
2- المبسوط 6:296،التذكرة 2:362،التنقيح الرائع 2:357،المسالك 1:384.
3- كالتحرير 1:262،و التبصرة:103،و حكي عن أكثر كتب الفاضل في المهذّب البارع 3:86،اللمعة(الروضة البهية 4):431.

و عليه ففي حمل المطلق على المحاطّة كما هو الأشهر،أو المبادرة قولان،ينشئان:

من أن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد،و ذلك يقتضي إكمال العدد كله؛ ليكون الإصابة المعيّنة منه.و المبادرة قد لا تفتقر إلى الإكمال،كما إذا اشترطا رشق عشرين و إصابة خمسة،فرمى كل واحد عشرة،فأصاب أحدهما خمسة و الآخر أربعة مثلاً،فقد نضله صاحب الخمسة و لا يجب عليه الإكمال.بخلاف ما لو شرطا المحاطّة،فإنهما يتحاطّان في المثال أربعة بأربعة،و يبقى لصاحب الخمسة واحد و يجب الإكمال؛ لاحتمال اختصاص كل واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.

و من أن المبادرة هي المتبادر عند إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً،و عدم وجوب الإكمال مشترك بينهما،فإنه قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه،كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير،بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها،و رماها الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة،و غاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة و يصيبها الآخر،فيبقى له فضل خمسة المشروط.

و الأقوى الرجوع إلى عادة المتناضلين،فإن كانت اتّبعت،و إلّا بطل العقد من أصله،و حينئذٍ فلا وجه للاختلاف،إلّا أن يوجّه بالاختلاف في فهم القرينة مع الإطلاق،فبين من حسّنها للدليل الأوّل فاختار مدلوله، و بين من عكس فاختار ما اختاره.

و لا يشترط تعيين السهم و لا القوس أي شخصهما،على

ص:253

المشهور،بل عن المحقق الثاني الإطباق عليه (1)،دون النوع،كالقوس العربي أو المنسوب إلى وضع خاص،فيشترط تعيينه؛ استناداً فيه إلى اختلاف الرمي باختلافه،و في الأوّل إلى عدم الفائدة في التعيين بعد تعيين النوع،و أدائه إلى التضيق بعروض مانع من المعين مُحْوِجٍ لإبداله،بل قيل:

إنه لو عيّنه لم يتعيّن و جاز الإبدال و فسد الشرط (2).و فيه نظر.

و عن جماعة (3)أنه لا يشترط تعيين السهم؛ لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي،بخلاف القوس،و أنه لو لم يعيّن نوعهما انصرف إلى الأغلب في العادة.

و لا يخلو عن قوة؛ لجريانه مجرى التقييد اللفظي،فإن اضطربت وجب التعيين،فإن لم يعيّن فسد العقد،للغرر.

و تجوز المناضلة على الإصابة للغرض مع الشرائط المتقدمة.

و كذا تجوز معها على التباعد بأن يرميا من موضع معيّن إلى آخر كذلك و يشترطا أن من بَعُد سهمه عن الآخر فله السبق،بلا خلاف فيه في الظاهر،بل قيل:كأنه مجمع عليه.و المستند فيه بعده الأصل، و عموم الأدلّة،مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

و لو فضل أحدهما على الآخر في عدد الإصابة فقال:اطرح الفضل بكذا و كذا درهماً مثلاً لم تصح؛ لأنه منافٍ للغرض من النضال و مُفَوّتٍ له،أو مخالف لوضعه،فإن المقصود منه إبانة حذق الرامي أو ظهور اجتهاده،فلو طرح الفضل بعوض كان تركاً للمقصود به،فتبطل

ص:254


1- جامع المقاصد 8:355.
2- جامع المقاصد 8:355.
3- حكاه عنهم الشهيد في الروضة البهية 4:431.

المعاوضة و يردّ ما أخذه.

و لا خلاف فيه،كما في المسالك (1)،إلّا من ظاهر الماتن في الشرائع (2)،حيث نسب الحكم إلى القيل المشعر بالتوقف أو التمريض.

قيل:و وجهه أنه جعل على عمل محلّل،و منع كون المقصود بالنضال منحصراً فيما ذكر؛ لجواز أن يقصد به كسب المال،فإذا حصل بالسبق أمكن تحصيله بمقدّماته؛ مضافاً إلى أصالة الصحة،و عموم الأمر بالوفاء بالعقد و الشرط،و منافاته للمشروع غير معلومة (3).و هذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه انعقد.

ص:255


1- المسالك 1:386.
2- الشرائع 2:240.
3- المسالك 1:386.

ص:256

كتاب الوصايا و هو يستدعي فصولاً

اشارة

كتاب الوصايا و هي:جمع وصيّة من وصى يصي،أو أوصى يُوصي،أو وصّى يوصّي.و أصلها الوصل،سمّيت به لما فيها من و صلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة.

و الأصل في شرعيّتها بعد إجماع المسلمين عليها كافّة،كما في المهذّب و غيره (1)الآيات المتكاثرة:

قال سبحانه كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ [1] (2)الآية.

و السنة بها مع ذلك متواترة من طرق الخاصة و العامة،يأتي إلى جملة منها الإشارة.

مضافاً إلى ما ورد في فضلها من المعتبرة المستفيضة بل المتواترة.

في جملة منها مستفيضة:أنها حقّ على كلّ مسلم (3).

و في اخرى كذلك:«من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصاً في مروءته و عقله» (4)كما في بعضها.

و في آخر:«ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلّا و وصيّته تحت رأسه» (5).

ص:257


1- المهذب البارع 3:95؛ و انظر التذكرة 2:452.
2- البقرة:180.
3- انظر الوسائل 19:257 أبواب أحكام الوصايا ب 1.
4- الكافي 7:1/2،الفقيه 4:482/138،التهذيب 9:711/174،الوسائل 19:260 أبواب أحكام الوصايا ب 3 ح 1.
5- المقنعة:666،الوسائل 19:258 أبواب أحكام الوصايا ب 1 ح 7.

و في ثالث:«من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» (1).

و في رابع:«من أوصى و لم يَحِفْ و لم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته» (2).

و في خامس:«من أوصى بالثلث احتسب له من زكاته» (3).

و ظاهر الأخبار الأوّلة الوجوب،و حملت على تأكّد الفضيلة،أو الوصية بالأُمور الواجبة،كالحج و الخمس و الزكاة المفروضة.

و للحمل الأوّل شواهد من المعتبرة:

و هو أي الكتاب يستدعي فصولاً:

الأوّل في حقيقة الوصية

الأوّل:الوصية لغة:ما مرّ إليه الإشارة،و شرعاً: تمليك عين أو منفعة فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملّكة من البيع و الوقف و الهبة،و في ذكر العين و المنفعة تنبيه على متعلق الوصية.

و يندرج في العين الموجود منها بالفعل،كالشجرة،و بالقوة،كالثمرة المتجدّدة،و في المنفعة المؤبّدة منها و الموقّتة و المطلقة.

و اقتصر على ما في العبارة جماعة منهم الماتن في الشرائع و غيره (4).

و لمّا كان منتقضاً في عكسه بالوصية إلى الغير بإنفاذ الوصية،و بالولاية على الأطفال و المجانين الذين تجوز له الوصية عليهم،زاد الماتن هنا و الشهيد في اللمعة (5) أو تسليط على تصرّفٍ بعد الوفاة

ص:258


1- المقنعة:666،الوسائل 19:259 أبواب أحكام الوصايا ب 1 ح 8.
2- الكافي 7:18/62،الفقيه 4:465/134،الوسائل 19:264 أبواب أحكام الوصايا ب 5 ح 2.
3- الكافي 7:4/58،الوسائل 19:260 أبواب أحكام الوصايا ب 2 ح 3.
4- الشرائع 2:243؛ و انظر التحرير 1:291.
5- اللمعة(الروضة البهية 5):11.

و يخرج بالقيد الهبة و غيرها من التصرفات المنجّزة في الحياة، المتعلّقة بالعين أو المنفعة،و الوكالة؛ لأنها تسليط على التصرّف في الحياة.

و ربما يذبّ عن النقض بجعل الوصية خارجة عن الوصاية قسيمة لها،فلا يحتاج إلى إدراجها فيها بهذه الزيادة،حتى إن الشهيد في الدروس عنون لكل من القسمين كتاباً على حدة (1).

و زاد في الكفاية زيادة أُخرى هي هذه:أو فكّ ملك بعد الوفاة (2)؛ هرباً ممّا يرد عليه من انتقاض عكسه أيضاً بالوصية بالعتق،فإنه فكّ ملكٍ، و التدبير،فإنه وصية به عند الأكثر،و الوصية بإبراء المديون و وقف المسجد،فإنه فكّ ملك،و الوصية بالمضاربة و المساقاة،فإنهما و إن أفادا ملك العامل الحصّة من الربح و الثمرة إن ظهر إلّا أن حقيقتهما ليست كذلك،و قد لا يحصل ربح و لا ثمرة فينتفي التمليك،كذا في المسالك و الروضة (3).

و عند الأحقر في زيادتها لما ذكره مناقشة،يظهر وجهها بملاحظة الزيادة بما في العبارة.

و كيف كان تفتقر الوصية إلى الإيجاب إجماعاً و القبول بلا خلاف أجده في ثبوته في الجملة،بل عليه الإجماع في الغنية (4)،و إطلاقه كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي اشتراطه مطلقاً،و لو كانت الوصية لغير معيّن،أو في جهة عامة.

ص:259


1- الدروس 2:295،321.
2- الكفاية:145.
3- المسالك 1:386،الروضة البهية 5:11.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين،كالمختلف و المسالك و غيرهما (1)فيهما،فلم يشترطوه هنا؛ لما مرّ في الوقف (2):من تعذّره من الجميع، و استلزام الاكتفاء به من البعض الترجيح من غير مرجّح.

و يضعّف بما مر ثمة:من عدم استلزام تعذّر القبول منهم عدم اعتبار أصله؛ لجواز قبول الناظر في تلك المصلحة أو حاكم الشريعة.

و هذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه،كما يستفاد من الروضة (3)،لكن يبقى الإشكال في الدليل على اشتراط القبول من أصله، و لم أقف عليه سوى الإجماع،و هو غير تامّ في محلّ النزاع،و إجماع الغنية غير ظاهر الشمول لهذه الصورة.

فينبغي الرجوع إلى الإطلاقات بنفوذ الوصية من الكتاب و السنة، و مقتضاها عدم اشتراطه بالكلّية،خرج منها الصورة المجمع عليها،و بقي الصورة المفروضة تحتها مندرجة.لكن التمسك بمثل هذه الإطلاقات الواردة في بيان سائر أحكام الوصية دون خصوص الحكم في المسألة لا يخلو عن مناقشة،سيّما مع وهنها بتقييدها بشرائط كثيرة و منها اشتراط القبول و لو في الجملة،و ظهور كلام هؤلاء الجماعة في عدم استنادهم فيما ذهبوا إليه من عدم الاشتراط في المسألة إليها بالكلّية،حيث اتّفقت كلماتهم على أخذهم الحجّة له ما مرّ من العلّة:من تعذر القبول في هذه الصورة لا غيره،و هو مشعر بل لعله ظاهر في أنه لولا هذه العلّة لما كان لهم عن القول بالاشتراط مطلقاً مسرح و لا مندوحة،و هذا يعرب عن قوّة الداعي

ص:260


1- المختلف:499،المسالك 1:386؛ و انظر الكفاية:145.
2- راجع ص:93.
3- الروضة البهية 5:20.

للاشتراط كلّيّةً إلّا أنه حجرتهم عن العمل به في المسألة العلّة المزبورة، و مثله يعدّ إجماعاً على الاشتراط مطلقاً،فيتّخذ عليه كذلك حجّة،و يذبّ عن العلّة بما مرّ إليه الإشارة.

مضافاً إلى الأُصول القطعية،كأصالة عدم الانتقال،و بقاء الموصى به على حالته السابقة من الملكية،و الحكم بانتقاله إلى الورثة.

و عليك برعاية هذا الأصل،فإنه ينفعك في كثير من المباحث الآتية.

و أمّا المقارنة بينهما فغير شرط بالإجماع،كما في المسالك و غيره (1)، و لا يدانيه شبهة،بل في صحة القبول قبل الموت قولان مستندان إلى وجوه مدخولة.و الأقرب القول بعدم الصحة؛ للأصل المتقدم إليه الإشارة.

و لا يمكن الاستدلال للصحة بعموم الأمر بالوفاء بالعقود؛ لأن الأمر به إنما هو من حين انعقاد العقد،و لزومه الذي هو مقتضى الأمر من حينه مخالف للإجماع على جواز رجوع الموصي و ردّ الموصى له الوصية قبل الموت.و به أفتى في المختلف تبعاً للغنية (2)،و ظاهر الروضة كونه الأشهر بين الطائفة (3).

خلافاً للمحكي عن الحلّي و الماتن و الفاضل في جملة من كتبه (4).

ثم في اقتصار الماتن على الإيجابين دلالة على عدم اعتبار شيء آخر فيها مما وقع فيه النزاع بين الأصحاب،كالقبض.و هو الأصح؛ للأصل، و عمومات الأمر بالوفاء بالعقد،و الصحيح:عن رجل اوصي له بوصية

ص:261


1- المسالك 1:386؛ و انظر الحدائق 22:390.
2- المختلف:499،الغنية(الجوامع الفقهية):604.
3- الروضة 5:14.
4- الحلي في السرائر 3:184،الماتن في الشرائع 2:243،الفاضل في التحرير 1:292،و القواعد 1:290،و الإرشاد 1:457.

فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً،قال:«اطلب له وارثاً أو مولىً فادفعها إليه» قلت:فإن لم أعلم له وليّاً؟قال:«اجهد على أن تقدر له على وليّ،فإن لم تجد و علم اللّه تعالى منك الجدّ فتصدّق بها» (1).

و قيل:شرط (2)؛ قياساً على الوقف و الهبة.و هو ضعيف،و الأولويّة غير واضحة،فاتّخاذها حجَّة لا يخلو عن مناقشة،سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

و اعلم أن إيجابها هو كلّ لفظٍ دالّ على المعنى المطلوب منها، كأوصيت لفلان بكذا،أو افعلوا كذا بعد وفاتي،أو لفلان بعد وفاتي كذا.

و قبولها الرضا بما دلّ عليه الإيجاب و لو فعلاً،كالأخذ و التصرّف.

و تكفي في الإيجاب الإشارة و كذا الكتابة الدالّة على المقصود مع تعذّر اللفظ بخرس أو اعتقال لسان،إجماعاً؛ للنصوص.

منها الصحيح في التهذيب،المروي فيه و في الفقيه بطريق آخر موثق أيضاً:أن امامة بنت أبي العاص و أُمّها زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت تحت عليّ عليه السلام بعد فاطمة عليها السلام،فخلف عليها بعد عليّ عليه السلام المغيرة بن نوفل،فذكر أنها وجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها،فجاءها الحسنان عليهما السلام و هي لا تستطيع الكلام،فجعلا يقولان لها و المغيرة كاره لذلك:«اعتقتِ فلاناً و أهله؟» فجعلَتْ تشير برأسها:نعم إلى أن قال -:فأجازا ذلك لها (3)و قريب منه في أصل المطلب المروي في الكافي (4).

ص:262


1- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
2- المبسوط 4:33.
3- الفقيه 4:506/146،التهذيب 9:935/241،الوسائل 19:373 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 1.
4- الكافي 1:2/377،الوسائل 19:374 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 3.

و عن قرب الإسناد،عن موسى بن جعفر عليهما السلام:عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة،فجعل أهاليهما يسأله:أعتقت فلاناً و فلاناً؟فيومئ برأسه أو تومئ برأسها في بعض:نعم،و في بعضٍ:

لا،و في الصدقة مثل ذلك،أ يجوز ذلك؟قال:«نعم هو جائز» (1).

و منها الخبر المروي في الفقيه و التهذيب،عن مولانا الباقر عليه السلام قال:

«دخلت على محمّد بن الحنفيّة و قد اعتقل لسانه،فأمرته بالوصيّة فلم يجب» قال:«فأمرت بالطست فجعل فيه الرمل فوضع،فقلت له:فخطّ بيدك» فقال:«فخطّ وصيّته بيده(إلى رجل) (2)و نسخته أنا في صحيفة» (3).

و لا تكفي الكتابة و كذا الإشارة ما لم تنضمّ إليها القرينة الحاليّة الدالّة على الإرادة كما في الرواية،بلا خلافٍ أجده،بل ادّعى عليه في السرائر إجماع الإماميّة (4)؛ لأنها أعمّ من قصد الوصيّة.

و ظاهر العبارة كفايتهما مع القرينة مطلقاً،و لو لم يكن حال ضرورة، و احتمله في التذكرة،قال:لأن الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ و قد بيّنا جواز الوصيّة بالكناية الّتي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة،فإذا كتب و قال:نويت الوصية لفلان،أو اعترف الورثة بعد موته به وجب أن يصح (5).

ص:263


1- قرب الإسناد:1121/283،الوسائل 19:374 أبواب أحكام الوصايا ب 49 ح 2.
2- كذا في النسخ و التهذيب،و في باقي المصادر:في الرمل.
3- الفقيه 4:505/146،التهذيب 9:934/241،إكمال الدين 36،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ح 1.
4- السرائر 2:176.
5- التذكرة 2:452.

و لا يخلو عن قوّة مع قطعيّة دلالة القرينة على إرادة الوصيّة؛ لصدق الوصيّة معها عرفاً و عادة.

مضافاً إلى التأيّد بكثير من النصوص المتقدم بعضها الناهية عن أن يبيت الإنسان إلّا و وصيّته تحت رأسه (1).

خلافاً للشهيدين،فخصّاهما بحال الضرورة (2).

قال ثانيهما:و لا تكفيان مع الاختيار و إن شوهد كاتباً أو علم خطّه أو عمل الورثة ببعضها إلى أن قال-:أو قال:إنه بخطّي و أنا عالم به،أو هذه وصيّتي فاشهدوا عليّ بها (3)،و نحو ذلك،بل لا بُدّ من تلفّظه به أو قراءته عليه و اعترافه بعد ذلك؛ لأن الشهادة مشروطة بالعلم و هو منفي هنا.خلافاً للإسكافي،حيث اكتفى به مع حفظ الشاهد له عنده.و الأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفة ما فيه و أنه موصٍ به،و كذا القول في المقرّ (4).

و العجب من التذكرة (5)،حيث صرّح بمثل هذا مع احتماله بل و اختياره ما قدّمناه.

و لا يجب العمل بما يوجد بخطّ الميت و إن علم أنه خطّه مع التجرّد عن القرينة الدالّة على وصيّته بما فيه مطلقاً،و إن عمل ببعضه الورثة،على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مرّ من كونه أعمّ من قصد الوصيّة،مع ظهور الرواية الآتية فيه في الجملة،فلا يصرف

ص:264


1- راجع ص:254.
2- الدروس 2:295،الروضة البهية 5:18،19.
3- و ادّعى في هذا الإجماع على عدم الكفاية في السرائر(2:176).منه رحمه اللّه.
4- انظر الروضة 5:19.
5- التذكرة 2:452.

إليها إلّا مع القرينة.

و قيل كما عن النهاية (1):إنه إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها لمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني إلى أبي الحسن عليه السلام:

رجل[كتب كتاباً بخطّه و لم يقل لورثته:هذه وصيّتي،و لم يقل:إنّي قد أوصيت،إلّا أنه (2)]كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به،هل يجب على الورثة القيام بما في الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك؟فكتب عليه السلام:«إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ و غيره» (3).

و هو ضعيف لمخالفته الأصل المتقدم المعتضد بالشهرة العظيمة، مع كونه كتابة؛ مضافاً إلى ما في سنده من القصور بالجهالة،و في متنه من عدم الصراحة.

و إن كان وجوه الذبّ عن جميع ذلك ممكنة.

فعن الأوّل:بأنه مخالفة العموم و الخصوص فينبغي التخصيص.

و الثاني:بالمنع عن ضرر الكتابة بالحجيّة،مع أنه على تقدير تسليمه إنما هو لاحتمال الورود مورد التقيّة،و هو غير ممكن في الرواية؛ لأن التفصيل فيها مخالف لما عليه العامّة،كما يستفاد من التذكرة (4).

و الثالث:باختصاص القصور بسندها في التهذيب؛ فإنها بسند حسن بل صحيح في الفقيه مرويّة.

ص:265


1- النهاية:621.
2- أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.
3- الفقيه 4:507/146،التهذيب 9:936/242،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ح 2.
4- التذكرة 2:452.

و الرابع:باندفاعه بالزيادة التي ذكرها في التذكرة،حيث رواها هكذا:

فكتب:«إن كان له ولد ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم» (1)إلى آخر الرواية،و هي حينئذٍ كما ترى ظاهرة، إلّا أنها محتملة لما أجاب به عنها في التذكرة (2)من الحمل على أنهم اعترفوا بصحّة هذا الخطّ فحينئذٍ يجب العمل بالجميع،و أمّا لو أنكروا و اقتصروا في الاعتراف بالصحّة على بعضه لم يجب عليهم العمل إلّا بما اعترفوا به.

و تحتمل أيضاً ككلام النهاية الحمل على أن عملهم بالبعض قرينة لاعترافهم بصحّة الباقي،فيجب عليهم العمل بها فيه أيضاً في الظاهر، بمعنى:أنهم يلزمون بذلك في ظاهر الحال و إن لم يكن عليهم فيما بينهم و بين اللّه تعالى شيء إذا لم يعلموا بصحّة الباقي.

لكن في هذا الحمل مخالفة للأصل أيضاً؛ فإن عملهم بالبعض غير الاعتراف بصحته حتّى يؤخذ دليلاً ظاهريّاً على صحّة الباقي؛ لاحتماله غير ذلك من التبرّعِ و نحوه.

و بالجملة:رفع اليد عن الأصل المقطوع به المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً بمجرّد هذه الرواية مع قصور سندها عن الصحّة،و كونها مكاتبة توجب المرجوحية و إن لم تخرجها الكتابة عن أصل الحجيّة،و ندرة القائل بها،مشكل بلا شبهة.

و لا تصحّ الوصية في معصية كمساعدة الظالم في ظلمة.

ص:266


1- التذكرة 2:452،الوسائل 19:372 أبواب أحكام الوصايا ب 48 ذيل حديث 2.
2- التذكرة 2:452.

و كذا وصيّة المسلم للبيع و الكنائس بلا خلافٍ أجده،و به صرّح في المفاتيح (1)،و هو ظاهر غيره (2)؛ و هو الحجّة في الحرمة و عدم الصحة.

مضافاً في الاُولى إلى أنها معاونة على الإثم محرّمة بالكتاب و غيره من الأدلّة.

و في الخبر:عن قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (3)الآية،فقال:«نسختها التي بعدها قوله تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً [2] (4)قال:«يعني الموصى إليه إن خاف جَنَفاً من الموصي في ثلثه فيما أوصى به إليه مما لا يرضى اللّه تعالى به من خلاف الحق،فلا إثم على الموصى إليه أن يبدّله إلى الحق و إلى ما يرضى اللّه به من سبيل الحق» (5).

و في السند جهالة،إلّا أن فيه ابن محبوب،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و يستفاد من تخصيص العبارة بطلان الوصية للبِيَع و الكنائس بالمسلم عدمه أو التردّد فيه إذا كانت من الكافر.خلافاً لظاهر إطلاق عبارته في الشرائع،حيث حكم ببطلان الوصية لهما مطلقاً (6)،مع أنه حكم في الوقف بصحته منه لهما (7).

ص:267


1- مفاتيح الشرائع 3:223.
2- انظر المسالك 1:390.
3- البقرة:181.
4- البقرة:182.
5- الكافي 7:2/21،التهذيب 9:747/186،تفسير العياشي 1:172/78،الوسائل 19:351 أبواب أحكام الوصايا ب 38 ح 1.
6- الشرائع 2:244.
7- الشرائع 2:214.

و ربما يجمع بين الحكمين بمعنى إقراره عليه لو ترافعوا إلينا،إجراءً لهم على أحكامهم،و هو معنى الصحّة ظاهراً،و إن كان باطلاً في نفسه، و مرجع هذا الجمع إلى القول بالبطلان.

و ربما وجّه بفقد شرط الصحة الذي هو عدم استلزام الوصية الإعانة المحرّمة؛ بناءً على أن الكافر مكلّف بالفروع التي منها نحو هذه الإعانة.

و هذا لإثبات التحريم في غاية الجودة،دون البطلان،فإنه محلّ مناقشة،إلّا أن يدّعى التلازم بين الأمرين في الوصيّة،كما هو ظاهر الجماعة و الرواية المتقدّمة.

الثاني في الموصي

الثاني:في الموصي.

و يعتبر فيه كمال العقل فلا تصحّ من المجنون مطلقاً،و لو كان أدواريّاً إذا كانت حال جنونه،إجماعاً؛ لحديث رفع القلم عن جماعة عُدّ منهم (1)،و عموم أدلّة الحجر عليه (2).

و لا من السفيه مطلقاً،كما عن ابن حمزة و أحد قولي الفاضل (3)؛ للأدلّة الأخيرة.

و في شمولها للحجر عليه في نحو مفروض المسألة مناقشة،و إن كان ظاهر الجماعة ذلك؛ لاختصاصها بحكم التبادر و غيره بالتصرفات الماليّة حال الحياة خاصّة.

فالأصح الجواز مطلقاً،وفاقاً للفاضل في قوله الثاني (4)؛ للأصل،

ص:268


1- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
2- انظر الوسائل 18:409 أبواب أحكام الحجر ب 1.
3- ابن حمزة في الوسيلة:372،الفاضل في القواعد 1:292،و التحرير 1:293.
4- انظر التذكرة 2:460.

و العمومات السليمة عما يصلح للمعارضة،مع تأيّدها في الجملة بفحوى النصوص الآتية في صحّة وصية من بلغ عشراً في وجوه البرّ،و لعلّه لذا اختار الصحّة فيها جماعة،كالمفيد و الديلمي و الحلبي و ابن زهرة (1)مدّعيا عليه الإجماع في الغنية،و منعوها في غيرها؛ جمعاً بين الأدلّة.

و هو حسن إن صحّ شمول الأدلّة المانعة لنحو المسألة،و المناقشة فيه كما عرفت واضحة،إلّا أن يكون الشمول إجماعاً من الجماعة.

و يعتبر فيه أيضاً الحريّة بلا خلاف أجده؛ و الحجّة فيه بعده على المختار من عدم مالكيّته واضحة.و كذا على غيره؛ إمّا لعموم أدلّة الحجر عليه،كما ذكره بعض الأجلّة (2)،أو للمعتبرين،أحدهما الصحيح:

«في مكاتب قضى نصف ما عليه و أوصى بوصية فأجاز نصف الوصية،و في مكاتب قضى ثلث ما عليه و أوصى بوصية فأجاز ثلث الوصية» (3).

و ثانيهما المرسل كالموثق:في مكاتب أوصى بوصية قد قضى الذي كوتب عليه إلّا شيئاً يسيراً،فقال:«يجوز بحساب ما أُعتق منه» (4).

و بمضمونها من صحة الوصية من المكاتب المطلق بقدر ما أدّى من وجه الكتابة صرّح في التذكرة (5).و لا شبهة فيه؛ مضافاً إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض.

ثم إن المنع إنما هو إذا مات على العبودية.

ص:269


1- المفيد في المقنعة:667،الديلمي في المراسم:203،الحلبي في الكافي في الفقه:364،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.
2- انظر الدروس 2:299،و الحدائق 22:408.
3- التهذيب 9:876/223،الوسائل 19:414 أبواب أحكام الوصايا ب 81 ح 1.
4- التهذيب 9:875/223،الوسائل 19:414 أبواب أحكام الوصايا ب 81 ح 2.
5- التذكرة 2:460.

و أما لو عتق و ملك ففي صحة وصيته حال الرقّية أم فسادها احتمالان.أجودهما الثاني،وفاقاً للتذكرة (1)؛ لأصالة عدم الصحة السابقة.

و وجّه الأوّل بأنه صحيح العبارة و قد أمكن تنفيذ وصيّته،و جعله في الدروس أحد قولي الفاضل (2)،و في التذكرة أظهر قولي الشافعية (3).

و في صحة وصية من بلغ بحسب السن عشراً و كان مميّزاً صارفاً إيّاها في البرّ و المعروف،كبناء المساجد و القناطر،و صدقة ذوي الأرحام تردّد ينشأ:من الأصل،و عموم أدلّة الحجر عليه من الكتاب و السنة.

و من العمومات،و قوّة احتمال اختصاص تلك الأدلّة بالحجر عليه في التصرفات حال الحياة خاصّة.

أو تخصيصها بخصوص المروي (4) من الجواز في الموثقات المستفيضة،و غيرها من الصحيح و غيره،المنجبر ضعفه كقصور الأوّلة عن الصحّة بالشهرة العظيمة المتقدّمة و المتأخّرة،كما اعترف بها الجماعة كافّة، بل ربما يستشعر من الدروس الإجماع عليه (5)،و به صرّح في الغنية (6)؛ و هو حجّة أُخرى مستقلة.

و لا يقدح إطلاق الجواز في بعضها من دون تقييد بالعشر،كالموثق

ص:270


1- التذكرة 2:460.
2- الدروس 2:299.
3- التذكرة 2:460.
4- انظر الوسائل 19:360 أبواب أحكام الوصايا ب/ 44.
5- الدروس 2:298.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم» (1).

لوجوب تقييده به،كما أفصح عنه باقيها،كالموثقات،في أحدها:

«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته» (2).

و في الثاني:عن وصية الغلام هل تجوز؟قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته» (3)و نحوهما الثالث (4)،و غيرها.

و كذا لا يقدح تضمنه جواز الطلاق و الصدقة،مع أن الأظهر الأشهر عدمه؛ بناءً على أن خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروجها عنها جملة.

لكن الجواب بمثل هذا عن هذه الرواية لا يخلو عن مناقشة،إلّا أن غاية ذلك خروجها عنها جملة،و لا ضير؛ فإن في البواقي كفاية إن شاء اللّه تعالى.

و هي و إن كانت أيضاً محل مناقشة سنداً في بعض،و دلالة بنحو ما مرّ من التضمّن لما لا يقولون به في آخر،إلّا أن سلامة بعضها عن جميع ذلك،كالروايات المتقدمة،و اعتضادها بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مضافاً إلى الأصل و إطلاقات بل عمومات لزوم إنفاذ الوصية السليمة عما يصلح للمعارضة من أدلّة الحجر عليه كما مرّت إليه الإشارة -

ص:271


1- التهذيب 9:733/182،الوسائل 19:212 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 15 ح 2.
2- الكافي 7:3/28،الفقيه 4:501/145،الوسائل 19:362 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 3.
3- التهذيب 9:730/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 7.
4- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:502/145،التهذيب 9:729/181،الوسائل 19:362 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 4.

كفتنا مئونة الاشتغال بتصحيح تلك الأخبار،و أوجبت علينا المصير إلى القول بالصحة.

خلافاً للحلّي (1).و هو شاذّ،و مستنده ضعيف كما مرّت إليه الإشارة، و إن ظهر من الماتن هنا تردّده فيها،كالشهيدين في المسالك و الروضتين (2)، و كذلك الفاضل في المختلف (3)،حيث جعل المنع أحوط.

و في كونه أحوط مطلقاً نظر،بل يختلف في حق الوارث الغير المحجور عليه،و الموصى له،فالاحتياط للأوّل الإنفاذ،و للثاني العدم كما ذكره.

ثم إن ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة جوازها من ذي العشر مطلقاً و لو لم يكن مميّزاً،و قد اتّفق الأصحاب على اشتراط التمييز و وضع الوصية في محلّها كما يفعله العقلاء.و لا ريب فيه؛ للأخبار الباقية،كالموثق:في الغلام ابن عشر سنين يوصي،قال:«إذا أصاب موضع الوصية جازت» (4).

و في الصحيح:«إذا بلغ عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته،فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله اليسير في حقّ جازت وصيته» (5).

و هذا بحسب الذيل شاذّ محجوج بإطلاق مفاهيم الأخبار السابقة، و إن كان ظاهر الفقيه العمل به كالنهاية (6)،لكنّه بدّل السبع بالثمانية.

ص:272


1- السرائر 3:206.
2- المسالك 1:392،اللمعة(الروضة البهية 5):22.
3- المختلف:510.
4- التهذيب 9:727/181،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 6.
5- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:503/145،التهذيب 9:732/182،الوسائل 19:361 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 2.
6- الفقيه 4:145،النهاية:611.

و نحوه في الشذوذ و المحجوجية بمفاهيم الأخبار السابقة ما حكي عن الإسكافي (1):من جواز وصية الذكر إذا كان له ثماني سنين،و الجارية إذا كان لها سبع سنين،و كذا الرواية الدالة عليه (2)،مع أنها ضعيفة سنداً، مهجورة بين المسلمين كافّة؛ لظهورها في بلوغهما بتينك المدّتين،و لا قائل به حتى الإسكافي قطعاً،و لذا خصّ وصيّتهما خاصة من بين الأحكام التي دلّت عليها تلك الرواية بالذكر و الفتوى،و لم يفتِ بباقيها.

و نحوهما في ذلك الصحيح:«الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء» (3).

فإنّي لم أجد به قائلاً،و إن كان ظاهر الفقيه الراوي له القول به، إلّا أنه لم ينسبه إليه أحد من أصحابنا كما نسبناه إليه في الرواية الأُولى،لكن حكاه في التذكرة قولاً (4)،و ظاهره أن القائل منّا،حيث استدل له بهذه الرواية الخاصّية دون غيرها.

و لو جرح نفسه بما فيه هلاكها عمداً ثم أوصى لم تقبل على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ للصحيح:«من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها» قلت:أ رأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه متعمّداً من ساعته تنفذ وصيته؟قال:فقال:«إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت أُجيزت وصيّته

ص:273


1- حكاه عنه في المختلف:510.
2- التهذيب 9:736/183،الوسائل 19:212 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15 ح 4.
3- الكافي 7:2/28،الفقيه 4:504/146،التهذيب 9:728/181،الوسائل 19:360 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 1.
4- التذكرة 2:459.

في الثلث،و إن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت لم تجز وصيته» (1).

خلافاً للحلّي،فصحّح وصيّته مع بقاء عقله (2)؛ عملاً بالأُصول القطعية من الكتاب و السنة.

و هو شاذّ،و الأُصول بما مرّ مخصّصة؛ لصحته،و صراحته،و اعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّه لنا الآن إجماع في الحقيقة.و لولاها لأشكل المصير إليه؛ إما لعدم حجّية مثله من الآحاد كما اختاره،أو قصوره عن تخصيص نحو تلك العمومات،سيّما مع احتماله الحمل على صورة ذهاب عقله،و لا خلاف حينئذٍ في عدم العبرة بوصيته.

و إطلاق العبارة و إن شمل صورتي القتل عمداً و خطأً إلّا أنه يجب تقييده بالأوّل،كما ذكرنا؛ اقتصاراً فيما خالف الأُصول على مورد النص، مع أن في الروضة الإجماع عليه (3).

ثم إن المنع إنما هو حيث أوصى بعد الجرح.

و لو أوصى ثم جرح قبلت وصيّته مطلقاً،و لو كان عمداً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في التذكرة (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول القطعيّة السليمة هنا عن المعارض بالكلية،مع التصريح بالصحة في الرواية السابقة.

و في حكمها لو أوصى ثم جنّ،أو صار سفيهاً إن منعنا عن وصيته.

ص:274


1- الكافي 7:1/45،الفقيه 4:522/150،التهذيب 9:820/207،الوسائل 19:378 أبواب أحكام الوصايا ب 52 ح 1.
2- السرائر 3:197.
3- الروضة 4:23.
4- التذكرة 2:460.

و للموصي الرجوع في الوصية متى شاء في مرضٍ أو صحّة،بلا خلاف أجده،و به صرّح في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم ما يوجب اللزوم من عقد أو غيره و لو قبل قبل الموت،بناءً على المختار من عدم العبرة بالقبول قبله،و كذا على غيره إن لم يتحقق،و يشكل مع التحقق،لكن يندفع بالإجماع،و خصوص المعتبرة المستفيضة،المروية في الكتب الثلاثة:

منها الصحيحان،في أحدهما:«للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها و ينقص منها ما لم يمت» (2).

و في الثاني:«للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض» (3).

و الموثق:«لصاحب الوصية أن يرجع فيها و يحدث في وصيته ما دام حيّاً» (4).

و يتحقق الرجوع تارةً بالقول،كرجعت،أو نقضت،أو أبطلت،أو فسخت،أو هذا لوارثي،أو ميراثي،أو حرام على الموصى له،أو لا تفعلوا كذا،و نحو ذلك من الألفاظ الدالّة عليه.

و أُخرى بالفعل،كبيع العين الموصى بها و إن لم يُقبضها،أو رهنها مع

ص:275


1- المسالك 1:390؛ و أُنظر الحدائق 22:403.
2- الكافي 7:3/12،الفقيه 4:510/147،التهذيب 9:762/190،الوسائل 19:302 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 1.
3- الكافي 7:3/22،الفقيه 3:248/72 و فيه عن أحدهما عليهما السلام،التهذيب 9:883/225،الوسائل 19:307 أبواب أحكام الوصايا ب 19 ح 1.
4- الكافي 7:2/12،الفقيه 4:508/147،التهذيب 9:761/190،الوسائل 19:303 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 4.

الإقباض قطعاً،و بدونه على قول،أو هبتها كذلك،أو الوصية بها لغير من أوصى له أوّلاً،أو فعل ما يبطل الاسم.

و يدلّ على الرجوع مثل طحن الطعام،و عجن الدقيق،و غزل القطن، و نسج مغزولة،أو خلطه بالأجود،أو مطلقاً على اختلاف القولين،بحيث لا يتميّز.

قيل:و الأقوى أن مجرّد العرض على البيع و التوكيل فيه و إيجابه و إيجاب العقود الجائزة كافٍ في الفسخ؛ لدلالته عليه،لا تزويج العبد و الأمة،و إجارتهما،و ختانهما،و تعليمهما،و وطء الأمة بدون إحبالها (1).

و هو حسن حيث دلّت القرائن من عرف أو عادة أو نحوهما على الرجوع،و مع عدمها فينبغي الرجوع إلى أصالة عدم الرجوع.

و بالجملة:الضابط فيه كلّ ما يدل عليه،لفظاً كان أو فعلاً،مع القرينة أو مجرّداً.

و لو شك في الرجوع لضعف الدلالة و فقد القرينة فالرجوع إلى الأصالة المزبورة ضابطة.

و ما ذكره الأصحاب ممّا قدّمناه من الأمثلة لم يرد بشيء منها أثر و لا رواية،و إنما استندوا فيها إلى هاتين الضابطتين.

نعم،ورد في بعض ما ذكروه بعض المعتبرة:إنّ أبي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟قال:«خُذ بأُخراهنّ» قلت:فإنّها أقلّ،فقال:«و إن قلّ» (2).

ثم إن ما ذكروه من الحكم بالرجوع في تلك الأمثلة مختصّ بصورة

ص:276


1- الروضة 5:65.
2- التهذيب 9:765/190،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا 18 ح 7.

كون العين متعلّق الوصية دون الكلّي،فلو أوصى به ثم تصرّف في أفراده لم يكن ذلك رجوعاً إلّا مع القرينة.قيل:و من الأصحاب من أطلق الحكم، و منهم من عكس،و هو بعيد (1).

الثالث في الموصى له

اشارة

الثالث:في الموصى له.

يشترط وجود الموصى له عند الوصية

و يشترط وجوده عند الوصية فلا تصحّ لمعدوم،و لا لمن ظُنّ بقاؤه أو وجوده وقت الوصية فبان ميّتاً في تلك الحالة،أو غير موجود بالمرّة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و هو ظاهر المسالك و غيره (2)،بل عليه الإجماع في نهج الحق و التذكرة (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص الأدلّة الدالّة على الصحة من الكتاب و السنة مع كونها كالأوّل مجملة بالوصية للموجود حينها بلا شبهة،مع أن الوصية كما عرفت تمليك عين أو منفعة،و المعدوم ليس له أهليّة التملّك و لا قابليته.

صحة الوصية للوارث و الحمل و الذمي

و تصحّ الوصية للوارث،كما تصح للأجنبي و إن لم تُجِزه الورثة، بإجماعنا المستفيض حكايةً في كلام جماعة،كالإنتصار و الغنية و نهج الحق و التذكرة و المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإطلاقات،و عموم قوله سبحانه كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [1] (5)الآية.

ص:277


1- الكفاية:145.
2- المسالك 1:406؛ و انظر الكفاية:147،و الحدائق 22:515.
3- نهج الحق:517،التذكرة 2:460.
4- الانتصار:308،الغنية(الجوامع الفقهية):604،نهج الحق:516،التذكرة 2:466،المسالك 1:406،الروضة 5:55؛ و انظر فقه القرآن 2:299،و التحرير 1:299.
5- البقرة:180.

و نسخها لم يثبت عندنا.و ما ورد به في المروي عن تفسير العياشي (1)فمع عدم وضوح سنده معارض بأجود منه،كالموثق كالصحيح:

عن الوصية للوارث،فقال:«تجوز» ثمّ تلا الآية (2).

و مع ذلك الصحاح بالجواز مستفيضة كغيرها من المعتبرة (3).

و أما النصوص الواردة بخلافها (4)فمع قصور أسانيدها جملة،و عدم مكافأتها لما مضى محمولة على الوصية زيادةً على الثلث،كما في الفقيه (5)،أو التقية،كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنه مذهب جميع من خالف الشيعة (6).

و يحتمل هذا الحمل الرواية المتقدمة الدالّة بنسخ الآية.

مع إمكان حملها على ظاهرها و يراد منها نسخ ظاهر الآية الذي هو الوجوب دون الإباحة،فإنّ كُتِبَ [1] فيها بمعنى فُرِضَ،و هو ظاهر في الوجوب لو لم يكن نصّاً،و لذا حملها الأصحاب على الفضيلة.

لكنه منافٍ لما ذكره شيخ الطائفة من الكراهة،حيث قال بعد نقل الموثقة المعارضة المتضمنة لقوله عليه السلام بعد أن سئل عن عطية الوالد لولده، فقال:«أمّا إذا كان صحيحاً فهو له يصنع به ما شاء،فأما في مرض

ص:278


1- تفسير العياشي 1:167/77،الوسائل 19:290 أبواب الوصايا ب 15 ح 15.
2- الكافي 7:5/10،الفقيه 4:493/144،التهذيب 9:793/199،الوسائل 19:287 أبواب أحكام الوصايا ب 15 ح 2.
3- الوسائل 19:287 أبواب أحكام الوصايا ب 15.
4- انظر الوسائل 19:289 290 أبواب أحكام الوصايا ب 15 الأحاديث 12،13،14،15.
5- الفقيه 4:144.
6- التهذيب 9:200.

فلا يصلح» (1)فهذا الخبر صريح في الكراهة دون الحظر،قال:و الوجه فيها أن في إعطاء المال لبعض الورثة إضراراً بالباقين و إيحاشاً لهم،فكره ذلك لأجله (2).

و هذا كما ترى ظاهر في فتواه بالكراهة،إلّا أن يكون ذلك منه لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة.

و كيف كان لا شبهة في الجواز من أصله.

و تصحّ أيضاً للحمل بشرط وقوعه حيّاً بلا خلاف أجده، و يستفاد من ظاهر المختلف و صريح التذكرة (3)،بل ظاهره عدم الخلاف فيه بين العلماء كافّة.

و على أصل الحكم بالصحة مع الشرط الإجماع في التحرير و شرح القواعد للمحقق الثاني (4)؛ و هو العمدة في الحجة،مضافاً إلى التأيّد بإطلاقات الكتاب و السنة.

و يشترط في الصحة زيادةً على ما في العبارة العلم بوجوده حال الوصية،و يتحقّق بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية،فيعلم بذلك كونه موجوداً حالتها،أو بأقصى مدّة الحمل فما دون إذا لم يكن هناك زوج و لا مولى.فلا تصحّ مع وجود أحدهما؛ لعدم العلم بوجوده عندها، و أصالة عدمه،لإمكان تجدّده بعدها.

ص:279


1- التهذيب 9:800/200،الإستبصار 4:481/127،الوسائل 19:300 أبواب أحكام الوصايا ب 17 ح 11.
2- انظر التهذيب 9:201.
3- المختلف:508،التذكرة 2:460.
4- التحرير 1:300،جامع المقاصد 10:42.

و قيام الاحتمال مع عدمهما بإمكان الشبهة و الزنا مندفع بندور الأوّل، و أصالة عدم إقدام المسلم على الثاني كغيره من المحرمات،و يشكل هذا لو كانت كافرة حيث تصحّ الوصية لحملها.

و ربما قيل على تقدير وجود الفراش باستحقاقه مع تولّده بين الغايتين الدنيا و العليا؛ عملاً بالعادة الغالبة من الوضع لأقصاهما أو ما قاربها (1)،و مرجعه إلى ترجيح الظاهر على الأصل.و هو خلاف الأصل.

و مع ذلك الظهور ممنوع إلّا على المختار في الأقصى من أنها تسعة دون عشرة و سنة،فإنه عليه يصحّ دعوى الظهور المستند إلى الغلبة، لتحققها في تلك المدة فما دونها.

و أمّا على القولين الآخرين فدعوى الظهور باطلة؛ لندرة الولادة إلى المدّتين،سيّما الثانية،فكيف يدّعى الظهور استناداً إلى الغلبة؟! و يتفرع على الشرط الأوّل أنه لو وضع ميّتاً بطلت الوصية،و لو مات بعد انفصاله حيّاً كانت لوارثه.

و في اعتبار قبوله هنا وجه قوي و إن لم نعتبره من ولي الحمل؛ لإمكانه منه دون الحمل.مع أنّ الأقوى اعتبار قبول الولي،وفاقاً للحلي (2)؛ للأصل الذي مضى (3)في اعتبار أصل القبول في صحة الوصية مطلقاً.

ثم إن اتّحد فهي له،و إن تعدّد قسّم الموصى به على العدد و إن اختلفوا بالذكورية و الأُنوثية.

و لا فرق بين أن تلدهما معاً في المدة المشترطة للعلم بوجودهما

ص:280


1- انظر الروضة 5:25.
2- السرائر 3:212.
3- راجع ص:258.

حال الوصية،أو على التعاقب،بأن تلد الأوّل في أقلّ من ستّة أشهر من حين الوصية و الثاني في أقلّ منها من حين الولادة،كما صرّح به في التذكرة،قال:و إن زاد ما بين الثاني و الوصية على ستة أشهر و كانت المرأة فراشاً؛ لأنهما حمل واحد إجماعاً (1).

و تصحّ أيضاً للذمّي الملتزم بشرائط الذمّة مطلقاً و لو كان من الموصي أجنبيّا غير ذي رحم،على الأقوى،وفاقاً للمفيد و الخلاف و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهما (2)،و اختاره في الغنية لكن في الأقارب خاصّة،مدّعياً عليه إجماع الإمامية (3)و عن ظاهر الخلاف أن على الصحة لهم مطلقاً إجماع العلماء كافة (4)؛ و هو الحجة،كإجماع الطبرسي المتقدّم في كتاب الوقف إليه الإشارة بجواز البرّ إلى الكفار مطلقاً (5)،و هو يشمل الوصية لأهل الذمة مطلقاً و لو كانوا أجانب،فتكون الحجة على العموم لهم،المؤيدة بإطلاقات الكتاب و السنة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة،منها الصحيحان:في رجل أوصى بماله في سبيل اللّه تعالى،قال:«أعطوا لمن أوصى له و إن كان يهوديّاً أو نصرانياً،إنّ اللّه تعالى يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [1] (6)» (7)الآية.

ص:281


1- التذكرة 2:461.
2- المفيد في المقنعة:671،الخلاف 2:98،الحلي في السرائر 3:197،المحقق في الشرائع 2:253،العلامة في التذكرة 2:464،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 5:51؛ و انظر الحدائق 22:519،و الكفاية:147.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
4- الخلاف 2:98.
5- راجع ص:135.
6- البقرة:181.
7- الكافي 7:1/14،2،الفقيه 4:514/148،التهذيب 9:804/201،808/203،الإستبصار 4:484/128،488/129،الوسائل 19:337 أبواب أحكام الوصايا ب 32 ح 1.

و أظهر منهما الصحيح:إن أُختي أوصت بوصية لقوم نصارى، و أردتُ أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين،فقال:«أمض الوصية على ما أوصت به،قال اللّه تعالى فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [1] » (1)و قريب منه الرابع (2).

و ما يجاب عن هذه النصوص أوّلاً:بأن غايتها الدلالة على لزوم إنفاذ الوصية،و هو غير المدّعى من كون الوصية لهم جائزة.

و ثانياً:بمعارضتها بالآيات الناهية عن المودّة إلى الكفّار (3)و منها الوصية لهم بلا شبهة،و في معناها غيرها من النصوص المروية في الكافي في باب النهي عن إطعام الكافر،و في غيره أيضاً،منها:«من أشبع مؤمناً وجبت له الجنة،و من أشبع كافراً كان حقّا على اللّه تعالى أن يملأ جوفه من الزقوم» (4).

فالمناقشة فيه واضحة؛ لاندفاع الأوّل:بأن المدّعى صحة الوصية لهم لا الجواز و عدمه؛ مضافاً إلى الإجماع في الظاهر على التلازم بين الأمرين.

و الثاني:بما مرّ في الوقف (5)،مع ضعف النصوص،و مخالفتها كالآيات للإجماع في الظاهر على جواز المبرّة إلى الكفار في حال الحياة،

ص:282


1- الكافي 7:2/16،التهذيب 9:806/202،الإستبصار 4:486/129،الوسائل 19:343 أبواب أحكام الوصايا ب 35 ح 1.
2- الوسائل 19:345 أبواب أحكام الوصايا ب 35 ح 6،نقله عن كتاب غياث سلطان الورى.
3- المجادلة:22،الممتحنة:1.
4- الكافي 2:1/200،الوسائل 24:273 أبواب آداب المائدة ب 19 ح 1.
5- راجع ص:138.

كما مرّ عن الطبرسي (1)و يظهر أيضاً من كلمات القوم في المسألة،هذا.

مع تأيّد الصحة و لو في الأقارب خاصّة بفحوى ما قدّمناه في الوقف من صحته عليهم؛ لاستلزام الصحة ثمة إيّاها هنا بطريق أولى،لاشتراطه بالقربة دون الوصية.

فلا ريب في الجواز في المسألة و إن حكي فيه أقوال أُخر أنهاها في التنقيح إلى سبعة (2)،لا دليل على شيء منها سوى القول بالمنع مطلقاً،فقد استدلّ له بما مضى،و الجواب ما قدّمناه.

عدم صحة الوصية للحربي و مملوك الغير و حكم الوصية لمكاتب الغير

و لا تصحّ للحربي على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر،إلّا الشهيد الثاني (3)وفاقاً لبعض القدماء كالمفيد و الحلّي (4).

و حجّتنا بعد الإجماع في الأجانب المستفاد من المحكي عن ظاهر المبسوط حيث قال:و ممّن لا تصحّ له الوصية عندنا الكافر الذي لا رحم له من الميت (5)الآيات الناهية عن المودّة إليهم،السليمة في المقام عن المعارض بالكلية سوى إجماع الطبرسي المتقدّم الدالّ على جواز المبرّة لأهل الحرب،إلّا أنه مع عدم مكافأته لهذا الإجماع من حيث اعتضاده بالشهرة العظيمة دونه عام و هذا خاص فليقدّم.

و إطلاقات الكتاب و السنّة،و هي بما قدّمناه مخصّصة؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة دونها،مع كونها في الدلالة غير صريحة بل و لا ظاهرة،سيّما السنة؛ فإن احتمال الإجمال فيها بالإضافة إلى

ص:283


1- راجع ص:135.
2- التنقيح الرائع 2:370.
3- المسالك 1:407.
4- المفيد في المقنعة:671،الحلي في السرائر 3:186.
5- المبسوط 4:4.

ما نحن فيه قائم بلا شبهة،و لذا لم نتّخذها فيما مضى حجّة،بل جُعلت مؤيّدة.

مع إمكان الاستدلال للمنع بالأخبار السابقة من حيث عطفها اليهودي و النصراني ب«إن» الوصليّة الدالّة على أنهما أخفى الأفراد مع أنّ الحربي أخفى بلا شبهة،فكان ذكره أولى.

و لا يعارضه الاستدلال فيها للنفوذ بآية الوصية الشاملة للوصية لهم؛ لاختصاصها بالإجماع بالوصايا المحلّلة دون المحرّمة،و كون الوصية لهم من الاُولى دون الثانية محلّ ريبة لو لم نقل بكونها على العكس؛ لما مضى من الأدلة.

و أمّا ما يقال من شمول اليهودي و النصراني فيها للحربي لأعمّيتهما منه و شمولهما له حيث لا يلتزم بشرائط الذمّة.

فمنظور فيه؛ إذ لا عموم فيهما،لكونهما نكرتين في سياق الإثبات لا عموم فيهما لغةً،بل مطلقان ينصرفان بحكم التبادر إلى الملتزم منهما بشرائط الذمّة،و لذا يقابلان في إطلاق الفتاوى و النصوص بالحربي مع أنه أحد أقسامهما على بعض الوجوه،كما ذكره،و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه:

من ظهور اللفظتين في الملتزم بالشرائط خاصّة،هذا.

مضافاً إلى الأصل المتقدم في اشتراط القبول:من عدم الانتقال و توقفه على الدليل.و هو مفقود في هذا المجال؛ لما عرفت،و لأن الوصية تمليك للعين أو المنفعة للموصى له،و صحتها هنا فرع قابلية الحربي للتمليك له،و هي غير معلومة،سيّما مع ما ذكروه:من أنّ أمواله فيء للمسلمين لهم أخذها بعد الاستيلاء عليها.

و بما ذكرنا استدل على المنع هنا و في الوقف له جماعة من

ص:284

أصحابنا (1)فقالوا:و لأن مال الحربي فيء للمسلمين،فلا يجب دفعه إليه؛ لأنه غير مالك،فلو جازت الوصية لهم لكان إمّا أن يجب على الوصي دفعه إليه و هو باطل،لما تقدّم،أو لا يجب و هو المطلوب،إذ لا معنى لبطلان الوصية إلّا عدم وجوب تسليمها إلى الموصى له.

و أما ما اعترضه به في المسالك بأن فيه منع استلزام عدم وجوب الدفع للوصية بطلانها،لأن معنى صحتها ثبوت الملك إذا قَبِله،فيصير حينئذٍ ملكاً من أملاكه يلزمه حكمه،و من حكمه جواز أخذ المسلم له، فإذا حكمنا بصحة وصيته و قبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي لم يكن منافياً لصحّة الوصية،و كذا لو منعه الوارث لذلك،و إن اعترفوا بصحة الوصية.و تظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على الموصى به للحربي فيختصّ به دون الورثة،و كذا لو استولى عليه بعضهم دون بعض حيث لم يكن في أيديهم ابتداءً،و لو حكمنا بالبطلان لم يتأتّ هذا،بل يكون الموصى به من جملة التركة لا يختصّ بأحدٍ من الورثة (2).

فإنه عجيب،فإن بناء المستدل على ثبوت عدم ملكيّته،و عليه بنى الملازمة التي أنكرها.و حاصلها حينئذٍ أن عدم وجوب تسليمها إليه من جهة عدم المالكية كما فرض في صدر العبارة يستلزم بطلان الوصية؛ لأنّها كما عرفت تمليك عين أو منفعة،و حينئذٍ فكيف يمكنه دعوى صيرورة الموصى به من أملاكه يترتب عليه ما ذكره.

لكن الشأن في إثبات عدم الملكية.و إباحة ما في يده للمسلمين أعمّ

ص:285


1- انظر التذكرة 2:464،و الإيضاح 2:487،و الروضة 5:53،و مفاتيح الشرائع 3:209،و الحدائق 22:526.
2- المسالك 1:407.

منه،إلّا أن الشك في ثبوتها كافٍ بلا شبهة،لاستلزامه الشك في مثل كون الوصية له وصية،و معه لا يُوجد ما يدل على الصحة لا من إجماع و لا كتاب و لا سنة.

و لعلّه لما ذكرنا فهم الماتن كغيره من الجماعة من إطلاق عبائر المجوّزين للوصية للكفّار مطلقاً أو في الجملة خصوص أهل الذمة الذين لهم قابلية التملّك دون أهل الحرب،فيندفع عنه ما اعترضه به في التنقيح:

من عدم اختصاص الأقوال المشار إليها في كلامه بأهل الذمة،كما هو ظاهر العبارة،بل شمل كثير من إطلاق عبائر أربابها أهل الحرب أيضاً (1).

و لا تصح أيضاً لمملوك غير الموصي مطلقاً و لو كان مُدَبَّراً أو أُمّ ولد أو مكاتَباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ شيئاً،إجماعاً في الجميع،كما في ظاهر المهذب و صريح التذكرة و التنقيح (2)،لكنه خصّه بالقنّ و أُمّ الولد، و حكى الخلاف في المُدبَّر و المكاتَب عن المفيد و الديلمي،حيث جوّزا الوصية لهما،خلافاً للمبسوط و ابن حمزة و الحلّي،فقالوا بالمنع،و جعله في الأوّل أشبه،كما هو المشهور بين المتأخّرين،و قوّى الجواز في الثاني وفاقاً للشهيدين (3).

و لم أقف على من نقل الخلاف عنهما في شيء من كتب أصحابنا.

نعم،في المختلف و المهذب (4)حكى الخلاف عن المبسوط و ابن حمزة في الوصية لعبد الوارث،حيث جوّزاه.

ص:286


1- التنقيح الرائع 2:371.
2- المهذب 3:102،التذكرة 2:461،التنقيح الرائع 2:372.
3- الشهيد الأوّل في الدورس 2:307،الشهيد الثاني في الروضة 5:26.
4- المختلف:511،المهذب 3:102.

و هذا الخلاف كسابقه لو صحّ النقل شاذّ،بل على فساد الأوّل ادّعي الإجماع في التذكرة (1)،إلّا ما اختاره الشهيدان من الجواز في المكاتَب،فقد مال إليه غيرهما (2).

و الأصحّ المنع مطلقاً؛ للإجماع الذي مضى،مضافاً إلى المختار من عدم مالكية العبد مطلقاً،كما قدّمنا،و بهذا استدل في التذكرة بعد أن نسب هذا القول إلى أصحابنا مشعراً بكونه لهم في ذلك مستنداً،فيستشعر منه الإجماع على عدم المالكية مطلقاً،كما في بحثه قد قدّمنا.

و لنا على المختار هنا الصحيح أيضاً:«في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة،فقال أهل الميراث:لا نجيز وصيتها إنه مكاتَب لم يعتق و لا يرث،فقضى أنه يرث بحساب ما أُعتق منه،و يجوز له من الوصية بحساب ما أُعتق منه،و قضى في مكاتَب أوصي له بوصية و قد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية،و قضى في مكاتَب قضى ربع ما عليه فاُوصي له بوصية فأجاز ربع الوصية» (3)الحديث.

و وجوه الدلالة فيه واضحة،و منها تقريره عليه السلام لما فهمته الورثة من دون إشكال فيما فهموه عندهم و لا ريبة:من عدم صحة الوصية لمملوك لم يُعتق.

و السند في أعلى درجة من الصحة؛ لعدم اشتراك محمد بن قيس الراوي للقضايا،مع كون الراوي عنه عاصم بن حميد،و هما قرينتان

ص:287


1- التذكرة 2:463.
2- انظر جامع المقاصد 10:45.
3- الكافي 7:1/28،الفقيه 4:558/160،التهذيب 9:874/223،الوسائل 19:413 أبواب أحكام الوصايا ب 80 ح 1.

واضحتان على كونه البجلي الثقة،كما يظهر من كتب الرجال،و صرّح به جماعة (1)،و إبراهيم بن هاشم ثقة على الأقوى،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (2).

فما ذكره الشهيد الثاني تبعاً للمحقق الثاني (3)كما حكي من ضعف الرواية بالاشتراك ضعيف غايته،فيضعف مختارهما و مستندهما من انقطاع سلطنة المولى عنه،و من ثمّ جاز اكتسابه،و قبول الوصية نوع منها؛ فإنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح في نفسه،المعتضد بالشهرة المحقّقة و المحكيّة في المختلف و غيره (4)،و بالإجماع المحكي في التذكرة (5)،مع تأيّد ما له بإطلاق الرواية:«لا وصية لمملوك» (6)و قصور السند كالدلالة مجبور بعمل الطائفة و فهمها منها ما يمكن معه أخذها حجة و إن كانت بحسب الظاهر مجملة.

و من الصحيحة يستفاد المستند في قوله: نعم لو أوصى لمُكاتَب الغير و قد تحرّر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من الحريّة و كذا لو كان بعضه محرّراً من غير جهة الكتابة،و بالإجماع عليه بالخصوص صرّح في التذكرة (7).

ص:288


1- انظر رجال النجاشي:881/323،و رجال العلامة:150،و الحدائق 22:528.
2- انظر فلاح السائل للسيّد ابن طاوس:158،و مقدّمة كامل الزيارة:4،و مقدّمة تفسير القمي:4.
3- الشهيد الثاني في المسالك 1:408،المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:45.
4- المختلف:513؛ و انظر الحدائق 22:527.
5- التذكرة 2:461.
6- التهذيب 9:852/216،الإستبصار 4:506/134،الوسائل 19:412 أبواب أحكام الوصايا ب 79 ح 3.
7- التذكرة 2:461،462.

و يأتي في الأول خلاف الشهيدين الذي مضى (1)،بل بطريق أولى.

و أما القول بالمنع عن الوصية للمكاتب مطلقاً و لو تحرّر بعضاً فضعيف جدّاً غير واضح المُستند أصلاً،و إن حكاه في التنقيح (2)عن الشيخ و ابن حمزة و الحلّي قولاً،مع كونه بنقل الخلاف عنهم متفرّداً.

صحة الوصية لعبد الموصي أم ولده

و تصحّ لعبد الموصي و مُدَبَّره و مكاتَبه مطلقاً و أُمّ ولده بلا خلاف في الظاهر،و صرّح به في التنقيح و المسالك (3)،بل صرّح بالإجماع في الجميع في المهذب و عن المحقق الثاني (4)،و حكى التصريح به في الأوّل عن فخر الدين (5)و الصيمري،و في الأخير الفاضل في التذكرة (6)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في أُمّ الولد و غيرها ما ذكره في الكفاية (7)من الصحيحين،في أحدهما:رجل أوصى بثلث ماله لمواليه و لموالياته،الذكر و الأُنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟فوقّع عليه السلام:«جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء اللّه تعالى» (8).

و في الثاني:رجل أوصى لمواليه و موالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ

ص:289


1- راجع ص:283.
2- التنقيح الرائع 2:372.
3- التنقيح 2:372،المسالك 1:408.
4- المهذب 3:102،المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:48.
5- إيضاح الفوائد 2:485.
6- التذكرة 2:463.
7- الكفاية:147.
8- الكافي 7:2/45،الفقيه 4:537/155،التهذيب 9:847/215،الوسائل 19:394 أبواب أحكام الوصايا ب 63 ح 1.

ذلك،قال:«المال لمواليه و سقط موالي أبيه» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و في الاستدلال بها مناقشة؛ لاشتراك لفظ المولى بين العبد و غيره، فلعلّه المراد دون الأوّل،و لا قرينة ترجّح إرادته،بل لعلّ القرينة على خلافه واضحة،لظهورها في إعطاء الثلث للموصى له بأن يسلّم إليه،دون أن يُعتق منه بحسابه،كما ذكره هو تبعاً للأصحاب كافّة و منهم الماتن هنا حيث قال:

و يعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث،فإن كان بقدر قيمته أُعتق و كان الموصى به للورثة إن كان معيّناً و إن زاد اعطي العبد الزائد كائناً ما كان.

و إن نقص عن قيمته و لم تبلغ ضِعفه عتق منه بحسابه و سعى في الباقي بلا خلاف في الظاهر،مصرّح به في الكفاية و المسالك (3)، للمعتبرين:

في أحدهما:رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله،قال:فقال:«يقوّم بقيمة عادلة ثم ينظر في ثلث ماله،فإن كان أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع قيمته،و إن كان أكثر من قيمة العبد أُعتق و دفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة» (4).

و في الثاني المروي عن الفقه الرضوي:«و إن أوصى لمملوكه بثلث

ص:290


1- التهذيب 9:948/244،الوسائل 19:402 أبواب أحكام الوصايا ب 69 ح 2.
2- الفقيه 4:608/173،التهذيب 9:849/215،الوسائل 19:401 أبواب أحكام الوصايا ب 69 ح 1.
3- الكفاية:147،المسالك 1:408.
4- التهذيب 9:851/216،الإستبصار 4:505/134،الوسائل 19:412 أبواب أحكام الوصايا ب 79 ح 2.

ماله قُوّم المملوك قيمة عادلة،فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة» (1).

و بعينه أفتى والد الصدوق كما هو دأبه،و زاد بعده:ثم أُعتق،و إن كانت قيمته أقل من الثلث اعطي ما فضلت قيمته عليه ثم أُعتق (2).و لعلّ الزيادة سقطت من النسخة التي حكيت عنها الرواية.

و قصور سندهما لو كان مجبور بالعمل،مع أن الثاني في حكم القويّ على الأصحّ،و كذلك الأوّل،كما سيظهر.

و قصور الدلالة عن إفادة حكم جميع صور المسألة غير ضائر بعد قيام الإجماع المركّب على الظاهر.

و إطلاق الثاني في صورة زيادة القيمة يشمل صورتي بلوغها ضِعف الوصية و عدمه،و لا خلاف في الحكم في الثانية،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و الأولى و إن كانت مختلفاً فيها،إلّا أن الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر تبعاً لوالد الصدوق و الخلاف و الحلبي و الحلي (3)أنها كالثانية،بل ادّعى عليه الثاني إجماع الفرقة،و هو حجة أُخرى بعد الرواية،بل أقوى منها بلا شبهة.

خلافاً للمفيد و النهاية و القاضي و ظاهر الديلمي (4)كما حكي،فأبطلوا فيها الوصية،و إلى قولهم أشار بقوله:

ص:291


1- فقه الرضا عليه السلام:299،المستدرك 14:99 أبواب أحكام الوصايا ب 10 ح 9؛ بتفاوت يسير.
2- كما نقله عنه في المختلف:505.
3- الخلاف 2:103،الحلبي في الكافي:365،الحلي في السرائر 3:198.
4- المفيد في المقنعة:676،النهاية:610،القاضي في المهذب 2:107،الديلمي في المراسم:204.

و قيل:إن كانت قيمته ضِعف الوصية بطلت و استندوا في ذلك إلى الرواية الأُولى،فإنها بالمفهوم دالّة على الدعوى،كما ذكره في نكت الإرشاد شيخنا،قال:لأنه حكم بالاستسعاء إذا كان الثلث بإزاء ثلاثة أرباع العبد،و بالعتق و إعطاء ما فضل إن فضل،و ذلك يستلزم العتق إن ساوى، و الاستسعاء إن زاد على ثلاثة أرباعه بطريق أولى،و عدم الاستسعاء إن نقص عن ثلاثة أرباعه،و ذلك يستلزم بطلان العتق؛ لأنّ الاستسعاء لازم لعتق بعض العبد في الأكثر،و انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم،فينتفي عتق ذلك البعض،و ظاهر انتفاء عتق الباقي لعدم احتمال المال له.

و في هذا المستند كما ترى ضعف لا من حيث السند، كما ذكره جماعة (1)؛ لانجبار ضعف الراوي أوّلاً:برواية الحسن بن محبوب عنه،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و ثانياً:بكونه المستند للأصحاب فيما ذكروه من الحكم في الصورة السابقة،فلا وجه للقدح فيه بمثل ذلك،و لا بضعف دلالة المفهوم إن أُريد من حيث المفهوميّة؛ فإنه مفهوم شرط حجة عند أكثر المحققين.

بل من حيث الدلالة من وجه آخر،و هو ما ذكره شيخنا في المسالك و غيره (2):من أن مفهومه أن الثلث إن لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة لا يستسعي في ربع القيمة،لا أنه لا يستسعي مطلقاً،و هذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم،فلا ينافي القول بأنه يستسعي فإن كان أقل بقدر الثلث يستسعي في الثلث،أو بقدر النصف يستسعي فيه،و هكذا.

ص:292


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:374،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:48،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:228.
2- المسالك 1:408؛ و انظر الحدائق 22:534.

و أيضاً فلو كان المفهوم الذي زعموه صحيحاً لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعي،بل تبطل الوصية،و هذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف و أقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر ربع،فمن أين خصّوا البطلان بما لو كانت قدر الضعف؟ إلّا أن يقال بذلك حوالةً على ما إذا أعتقه و عليه دين،فإنه لا ينفذ العتق فيه إلّا إذا كانت قيمته ضِعف الدين.و هو بعيد.

ثم إن إطلاق العبارة و الخبرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الوصية له بالثلث المشاع أو المعيّن،كهذا الدار أو البستان،و نحو ذلك،و نسبه في التذكرة (1)إلى أصحابنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،و لو لا مصيره فيها إلى خلافهم من بطلان الوصية في الصورة المفروضة لكان حجة،بل لا يبعد،فإنه و إن خالف أوّلاً،إلّا أنه تردّد أخيراً معتذراً باتفاق كلمة الأصحاب على عدم الفرق.

و أظهر منه في تحقق الإجماع عبارة المهذّب،قال بعد نقل الخلاف عن الإسكافي و عنه في المختلف مفتياً و في القواعد مستشكلاً-:و باقي الأصحاب مطبِقون على الصحة من غير تفصيل،و اختاره فخر المحققين، و كذا العلّامة جزم بمتابعة الأصحاب في كتاب فتواه،و هو مذهب الشهيد، و ما أمتن تحقيق المختلف،لكن متابعة الأصحاب أمتن (2).

ثم أجاب عن استدلاله بما لا حاجة بنا إلى ذكره،بل ينبغي الحوالة فيهما إلى ما ذكره هو و غيره كالشهيدين و غيرهما (3)مما ينبئ عن قصوره،

ص:293


1- التذكرة 2:462.
2- المهذب البارع 3:105.
3- انظر المسالك 1:408،و جامع المقاصد 10:94،و الحدائق 22:532.

و على تقدير تماميته فاجتهاد في مقابلة الخبرين المعتضدين بعمل العلماء، المحتمل قويّاً كونه إجماعاً منقولاً،بل محقّقاً.

و لو أعتقه عند موته و ليس له غيره و عليه دين فإن كان قيمته بقدر الدين مرّتين صحّ العتق فيما يخصّه من الثلث بعد الدين،و استسعى في الخمسة الأسداس الباقية،ثلاثة منها للديّان و الباقي للورثة و إلّا بطل بلا خلاف و لا إشكال في الأوّل و أصل صحة العتق في الجملة؛ للأُصول السليمة فيه عن المعارض بالكلية.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في أحدها و هو طويل:قلت له:رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره و قيمة العبد ستمائة و دينه خمسمائة،فأعتقه عند الموت،كيف يصنع فيه؟قال:«يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة و يأخذ الورثة مائة» إلى أن قال:قلت:و إن كان قيمة العبد ستمائة و دينه أربعمائة؟قال:«كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة، و يأخذ الورثة مائتين،و لا يكون للعبد شيء» قلت:فإن كان قيمة العبد ستمائة و دينه ثلاثمائة؟قال:فضحك،قال:«و من هنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً لم يعلموا السنة،إذا استوى مال الغرماء أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيته،و أُجيزت الوصية على وجهها،فالآن يوقف هذا العبد فيكون نصفه للغرماء و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس» (1).

و في الثاني:رجل أعتق مملوكه عند موته و عليه دين،قال:«إن كان

ص:294


1- الكافي 7:1/26،التهذيب 9:854/217،الإستبصار 4:27/8،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 5.

قيمة العبد مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه و إلّا لم يجز» (1)و في الثالث:«إذا ملك المملوك سدسه استسعى و أُجيز» (2).

و منها الموثق:في رجل أعتق مملوكاً له و قد حضره الموت و أشهد له بذلك و قيمته ستمائة درهم،و عليه دين ثلاثمائة درهم و لم يترك شيئاً غيره،قال:«يعتق منه سدسه،لأنه إنما له ثلاثمائة،و له السدس من الجميع» (3).

و يستفاد من صريح الأوّل و ظاهر ما عدا الأخير مستند الحكم في الثاني،و حكي عن الشيخين و القاضي (4)،و مال إليه في الكفاية (5)،و لا يخلو عن قوة.

خلافاً للفاضل و الشهيد الثاني (6)،و نسبه إلى أكثر المتأخرين فكالأوّل؛ التفاتاً إلى الأُصول.

و هو حسن لو قصرت الروايات عن الصحة،أو لم يجوَّز تخصيص العمومات القطعية بالآحاد و لو كانت صحيحة،لكنه خلاف التحقيق، و الروايات كما ترى صحيحة عديدة،ما بين صريحة و ظاهرة،و رجحان

ص:295


1- الكافي 7:2/27،الفقيه 4:580/166،التهذيب 9:856/218،الإستبصار 4:24/7،الوسائل 19:356 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 6.
2- التهذيب 9:689/169،الإستبصار 4:26/8،الوسائل 19:353 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 1.
3- الكافي 7:3/27 بتفاوت يسير،التهذيب 9:690/169،الإستبصار 4:25/8،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 4.
4- حكاه عنهم في التنقيح 2:376،و هو في المقنعة:677،و النهاية:610،و المهذَّب 2:108.
5- الكفاية:147.
6- الفاضل في المختلف:506،الشهيد الثاني في المسالك 1:409.

الأُصول بالشهرة فرع ثبوتها،و لم أتحقّقها و لا وقفت على من تصدّى لنقلها عداه في المسالك،بل إنما حكى الخلاف هنا جماعة (1)عن العلّامة خاصّة،و لم أقف على من تبعه غيره و بعض ممن سبقه (2)،فلا مسرح عن القول الأوّل و لا مندوحة.

و فيه أي في المقام وجه آخر بنفوذ العتق من الأصل و سقوط الدين من رأس للحلّي (3).

و هو ضعيف لما مرّ في ضعف ما سبقه،مع ابتنائه على خروج منجّزات المريض من الأصل،و سيأتي الكلام فيه فيما بعد (4).

و حيث قد عرفت مخالفة النصوص في المسألة للأُصول المقرّرة يجب الاقتصار فيها على مواردها الظاهرة،و هو العتق المنجّز لا الوصية،مع تأيّد تلك الأُصول فيها بالصحيح:في الرجل يقول:إن متّ فعبدي حرّ، و على الرجل دين،قال:«إن توفّي و عليه دين قد أحاط بثمن العبد بيع العبد،و إن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه و هو حرّ إذا وفاه» (5).

و لعلّه لذا اقتصر في العبارة على بيان الحكم في الصورة الأُولى دون الثانية،مع أنه بهذا التفصيل صرّح في الشرائع (6).و هو قويّ،إلّا أن ظاهر

ص:296


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 10:205،و انظر المهذب البارع 3:108،و الحدائق 22:541.
2- انظر جامع المقاصد 10:205.
3- السرائر 3:199.
4- انظر ص:384.
5- الفقيه 3:240/70،التهذيب 9:857/218،الإستبصار 4:28/9،الوسائل 19:353 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 3؛ بتفاوت يسير.
6- الشرائع 2:253.

عبائر الجماعة القائلين بما في العبارة عمومه للصورتين،و يعضده إطلاق الصحيحة الأخيرة من الصحاح المتقدّمة.

مع قوّة احتمال حمل قوله فيما عداها:أعتقهم عند الموت،على المعنى الأعم من الإعتاق المنجّز و المعلّق؛ إذ يصدق عليهما الإعتاق بوجهٍ، و إن كان المتبادر إلى الذهن الأوّل بقرينة إطلاق الوصية على الإعتاق المذكور في أواخر الصحيحة الأُولى مرّتين،و سياقها ظاهر غاية الظهور في اتّحاد حكم المنجّز مع الوصية،كما هو المشهور بين متأخّري الطائفة،لكنه يتوقّف على جعل هذه القرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المجازيّ الأعم من المنجّز و الوصية،و في تعيّنه إشكال،إذ كما يحتمل جعلها صارفة إلى المجاز الأعم كذا يمكن صرفها إلى المجاز الأخصّ،و هو الوصية خاصة.

و بهذا يظهر خروج تلك الصحيحة في المسألة الأُولى عن الحجيّة؛ لاحتمال ورودها في الوصية خاصّة و تصير بذلك نصّاً في مفروض المسألة.

و يمكن الذبّ عنه باتفاق الطائفة قديماً و حديثاً موافقاً و مخالفاً على عدم احتمالهم لهذا الاحتمال فيها و إن اختلفوا في فهم الحقيقي منها خاصّة، كما يفهم من الشهيد الثاني (1)،أو الأعمّ منه و من الوصية،كما هو ظاهر هؤلاء الجماعة،و هو الظاهر بعد ذلك،لضعف الأوّل بلا شبهة.

و كيف كان،يستفاد من الرواية التعدية إلى الوصية،فلا يخلو عن قوة.

مع أن ظواهر الصحاح على تقدير اختصاصها بالعتق المنجّز تشمل

ص:297


1- المسالك 1:408.

الوصية بالأولوية؛ فإن بطلان العتق المنجّز على تقدير قصور القيمة عن ضِعف الدين مع قوّة المنجّز لكونه تصرّفاً من المالك في ماله و الخلاف في نفوذه من الأصل و عدمه،يقتضي بطلانه في الأضعف و هو الوصية بطريق أولى.

و أما الصحيحة المعارضة فغايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالروايات السابقة،بأن تحمل على كون الدين نصف القيمة،بناءً على ما عرفت من عموم بعضها بل جميعها للحكم في الوصية.

مع احتماله الحمل على التقية؛ لأن الإطلاق مذهب العامة في تلك الأزمنة،كما يستفاد من سياق الصحيحة الأُولى،و إلى احتمال هذا الحمل أشار خالي العلّامة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية.

و لو أوصى لأُمّ ولده صحّ بلا خلاف كما في التذكرة و المسالك و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى النصوص الآتية.

و هل تعتق من الوصية؟ كما عن الحلّي و الفاضل في الإرشاد و التحرير و القواعد و نسبه في المهذب (2)إلى الشهرة؛ بناءً على أن الإرث مؤخّر عنها و عن الدين بنص الآية،فلا يحكم لولدها بشيء حتى يحكم لها بالوصية.

أو من نصيب الولد؟ كما عن النهاية و في المختلف و نكت

ص:298


1- التذكرة 2:463،المسالك 1:409؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:488،و جامع المقاصد 10:54،مفاتيح الشرائع 3:229.
2- الحلي في السرائر 3:197،الإرشاد 1:458،التحرير 1:301،القواعد 1:293،المهذب 3:109.

الإرشاد و اللمعة (1)؛ بناءً على أن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث و إن لم يستقرّ لهم إلّا بعد الأمرين،و أن نفوذ الوصية يتوقف على وصول التركة إلى الوارث و ملك الوارث لا يتوقف على شيء؛ و لما في كتاب العباس:من أنها تعتق من نصيب ولدها و يعطى لها الوصية،و نقلت هذه الرواية في ذيل الصحيحة الآتية.

قولان مشهوران.

و على الثاني فإن أُعتِقَت من نصيب الولد كان لها الوصية و ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (2)في هذا البحث التردّد،و حكي عنه المصير إلى الثاني في نكت النهاية (3)،و إلى الأوّل في بحث الاستيلاد من الشرائع (4).

و هنا مذهبان آخران:أحدهما للإسكافي (5)،و هو التخيير بين الأمرين.و لا وجه له.

و الثاني:ما نسب في المختلف و التذكرة و نكت الإرشاد إلى الصدوق (6)،و حكاه في المهذب (7)مذهباً و لم يصرّح بقائله و هو ما في رواية صحيحة مروية في الكتب الثلاثة:عن رجل كانت له أُمّ ولدٍ و له منها غلام،فلمّا حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر،للورثة أن يسترقّوها؟قال:فقال:«لا،بل تعتق من الثلث و لها الوصية » و في

ص:299


1- النهاية:611،المختلف:507،اللمعة(الروضة البهية 5):27.
2- الشرائع 2:254.
3- نكت النهاية 3:151.
4- الشرائع 3:139.
5- نقله عنه في المختلف:506.
6- المختلف:506،التذكرة 2:463.
7- المهذب البارع 3:110.

كتاب العباس (1)؛ إلى آخر ما تقدّم.و بمعناها صحيح آخر (2)و غيره (3).

و ظاهر المتأخّرين الإعراض عنها،و لعلّه لمخالفتها الأُصول المتقدّمة المتّفقة على عتقها من غير الثلث و إن اختلفت في تعيينه،و اختلفوا في تأويلها،فبين من حملها على صورة عتقها في المرض قبل الموت ثم الوصية لها بعده،و بين من حملها على أن المراد من العتق من الثلث العتق من الوصية و تعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة.

قال في التنقيح بعد نقلهما:ليس للفظ الرواية دلالة عليهما،إلّا أن يقال:إنما اضطررنا إلى التأويل لانعقاد الإجماع على عدم العمل بهما، لكنهما صحيحتان،فاضطررنا إلى حملهما على وجه سائغ (4).

و ظاهره كما ترى الإجماع على طرح الرواية،و حينئذٍ فلا بُدّ من المصير إلى أحد التأويلين.و لا ريب في رجحان الثاني؛ لدلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة على كون موردهما واحداً،و لا ريب في أنه في الثانية هي أُمّ الولد التي لم تعتق بالكلية،فليكن مورد الأُولى أيضاً تلك الجارية،و حينئذٍ يتعين إرادة الحمل الثاني،سيّما مع شيوع إطلاق الثلث على الوصية.

و لا ينافيه إطلاق الحكم فيما بعد بأن لها الوصية؛ لقوة احتمال أن يراد بها ما زاد بعد العتق من الوصية.

ص:300


1- الكافي 7:4/29،الفقيه 4:559/160،التهذيب 9:880/224،الوسائل 19:416 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 4.
2- الكافي 7:1/29،الفقيه 4:560/160،التهذيب 9:877/224،قرب الإسناد:172،الوسائل 19:415 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 1.
3- الكافي 7:3/29،التهذيب 9:879/224،الوسائل 19:416 أبواب أحكام الوصايا ب 82 ح 3.
4- التنقيح 2:379.

مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأوّل من انعتاقها من الثلث،و هذا إن لم نقل بكونها ظاهراً من الرواية فليس ببعيد كبُعد الحمل الأول بلا شبهة،فيمكن بملاحظة الإجماع و قرينة المقابلة أخذها للقول الأوّل حجّة،كما هو ظاهر المفاتيح و صريح الكفاية (1).

فإذاً القول الأوّل في غاية من القوة،مع اعتضاده بما مرّ عن المهذب من الشهرة المحكية (2).

و العجب من المسالك حيث جعلها للقول الثاني حجّة،قال بعد ذكره الحمل الأوّل و ما يقرب منه:و كلاهما بعيد،إلّا أن الحكم فيها بإعطائها الوصية كافٍ في المطلوب؛ إذ عتقها حينئذٍ من نصيب ولدها يستفاد من دليل صحيح و بقي ما نقل عن كتاب العباس شاهداً على المدّعى،و هذا أجود (3).

و هو كما ترى مندفع بما مضى.

مضافاً إلى أن اكتفاءه بالحكم فيها بإعطاء الوصية بضميمة الدليل الخارجي إنما يصحّ حيث لا تحتمل الرواية كون وجه صرف الوصية إليها انعتاقها تبرّعاً قبل الموت،و أما إذا احتملته و لو بعيداً كما اعترف به فلا يصحّ بلا شبهة.

و لعله لذا أن الفاضلين المتقدم إليهما الإشارة مع عكوفهما غالباً على تحقيقاته أعرضا عن تحقيقه في هذه الرواية،و جعلاها للأوّل حجّة،دون الثاني كما ذكره.

ص:301


1- المفاتيح 3:229،الكفاية:147.
2- المهذب البارع 3:109.
3- المسالك 1:409.

و أمّا شهادة رواية العباس فغير نافعة بعد ما عرفت من عدم قيام دليل على ما ذكره و لا حجّة.

إطلاق الوصية يقتضي التسوية

و إطلاق الوصية لجماعة يقتضي التسوية بينهم في النصيب منها،ذكوراً كانوا أم إناثاً أم مختلفين،ورثة كانوا أم غيرهم.

و لا إشكال في شيء من ذلك و لا خلاف،كما في المسالك و غيره (1)،إلّا في الوصية لأخواله و أعمامه فإن فيه رواية بالتفصيل (2) للأخوال الثلث،و للأعمام الثلثان كالميراث ذهب إليه الطوسي و القاضي (3)،و رواه عن مولانا الباقر عليه السلام الإسكافي (4)،و لعلّه لهذا نسب هذا القول إليه في المهذب و غيره (5).

و فيه مناقشة؛ فإن مجرّد الرواية أعم من الفتوى بلا شبهة.

و نسبه في المسالك (6)بعد الشيخ إلى جماعة،و لم أقف عليهم عدا القاضي،و لكنّه أعرف بالنسبة.

و كيف كان الأشبه التسوية وفاقاً للحلّي (7)و عامة متأخّري الطائفة،و ربما يستشعر من الفاضل في التذكرة أن عليه إجماع الإماميّة،فإنّه قال فيما إذا أوصى لأقاربه و كان له عمّان و خالان:إن الوصية عندنا و عند

ص:302


1- المسالك 1:409،الحدائق 22:545.
2- الكافي 7:3/45،الفقيه 4:535/154،التهذيب 9:845/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 1.
3- الطوسي في النهاية:614،القاضي حكاه عنه في المختلف:508.
4- كما نقله عنه في المختلف:508.
5- المهذب البارع 3:111؛ جامع المقاصد 10:56.
6- المسالك 1:409.
7- السرائر 3:210.

أبي يوسف و محمد تكون أرباعاً،و كذا قال فيما إذا أوصى لهم و خلف عمّاً و عمّة و خالاً و خالة (1).و نحوه عبارة الماتن في الشرائع (2)حيث عزى الرواية إلى المهجورية.

و الحجة بعده استواء نسبة الوصية إليهم،مع انتفاء ما يدلّ على التفضيل في كلام الموصي،فلا فرق فيه بين الذكر و الأُنثى،و لا بين الأخوال و الأعمام و غيرهم.

و اختلافهم في استحقاق الإرث خارج بدليل من خارج،فلا يقاس عليه ما يقتضي التسوية بمجرّده.

و الرواية كما عرفت شاذّة فلا عبرة بها،و إن كانت صحيحة و في الكتب الثلاثة مروية؛ فإن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة،مع ظهوره من عبارة الماتن و التذكرة أقوى منها بمراتب عديدة.

و أولى منها بالهجر و عدم الحجيّة ما ورد في بعض النصوص القاصرة سنداً بالضعف و المكاتبة:من قسمة الوصية بين أولاد الذكور و الإناث على كتاب اللّه سبحانه (3)،مع أنّها غير صريحة في الوصيّة،بل و لا ظاهرة،مع عدم نقل قائل بها من الطائفة،و تصريح المسالك و غيره بعدم الخلاف فيه، كما مرّ إليه الإشارة،فلتطرح كسابقتها،أو تُؤولا بما يؤول إلى الأصل:من كون الوصية لهم على كتاب اللّه تعالى،أو نحو ذلك من القرائن المعتبرة.

ص:303


1- التذكرة 2:475.
2- الشرائع 2:254.
3- الكافي 7:1/45،الفقيه 4:536/155،التهذيب 9:846/214،الوسائل 19:395 أبواب أحكام الوصايا ب 64 ح 2.

ثم إن كلّ ذا ما لم ينصّ الموصي على التفضيل و أمّا معه فيتبع كيف كان بلا خلاف،و لو كان المفضّل أُنثى أو خالاً و قلنا بمفضوليّته مع العم؛ اقتصاراً فيها على المتيقّن من النص و هو صورة الإطلاق،فيرجع في غيره إلى الأصل الدالّ على وجوب إنفاذ الوصيّة على وجهها من الكتاب و السنة،و ظواهر النصوص،منها الصحيح:رجل أوصى بثلث ماله لمواليه و لموالياته،الذكر و الأُنثى فيه سواء،أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟ فوقّع عليه السلام:«جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به» (1).

و ربما يستشعر من هذه الرواية صحة ما حكم به المشهور في المسألة السابقة،فتأمّل.

حد القرابة في الوصية للأقرباء

و إذا أوصى لقرابته و أطلق فهم المعروفون بنسبه مطلقاً،على الأشهر الأقوى،بل عليه كافّة متأخّري أصحابنا تبعاً للمبسوط و الخلاف و الحلّي و القاضي (2)،و عليه في نهج الحق إجماعنا (3)؛ عملاً بالعرف،فإنّه المحكّم فيما لم يرد به تقدير من الشرع.

و ربما يومئ إليه الصحيح:ما حدّ القرابة،يعطى من كان بينه و بينه قرابة،أو لها حدّ تنتهي إليه؟رأيك فدتك نفسي،فكتب عليه السلام:«إن لم يسمّ اعطي قرابته» (4).

ص:304


1- الكافي 7:2/45،الفقيه 4:537/155،التهذيب 9:847/215،الوسائل 19:394 أبواب أحكام الوصايا ب 63 ح 1.
2- المبسوط 4:40،الخلاف 2:96،الحلي في السرائر 3:211،القاضي في المهذب 2:114.
3- نهج الحق:517.
4- التهذيب 9:848/215،قرب الإسناد:1362/388،الوسائل 19:401 أبواب أحكام الوصايا ب 68 ح 1.

و قيل كما في الغنية و عن المفيد و النهاية (1):إنه لمن يتقرّب إليه بآخِرِ أبٍ و أُم له في الإسلام بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إلى ما قبله و هكذا إلى أبعد جدٍّ و جدّةٍ له في الإسلام و فروعهما،و يحكم للجميع بالقرابة،و لا يرتقى بآباء الشرك و إن عرفوا بقرابته.

و حجته غير واضحة،و إن استدل له جماعة (2)برواية (3)ضعيفة هي مع ذلك بحسب الدلالة قاصرة من وجوه عديدة،و لذا رجع عنه الطوسي في الكتابين،مدّعياً في ثانيهما كالماتن في الشرائع (4)أنه غير مستند إلى حجة،و كفاه هذا جواباً عما ذكره في النهاية.

و هنا أقوال أُخر ما بين مخصّصٍ للقرابة بالوارث دون غيره، و مخصّصٍ لهم بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيره كبني الأخوال و الأعمام،و حاصِرٍ لهم بالمتقربين إليه إلى الأب الرابع.

و القائل بها غير معروف عدا الأخير،فقد نسبه الأصحاب إلى الإسكافي (5)،و نسب كلّاً من الأوّلين في المبسوط إلى قوم (6)،و لعلّهم من العامّة،كما يشعر به آخر عبارته،و صرّح به الفاضل في نهج الحق (7)،فقد نسب الأوّل إلى مالك،و الثاني إلى أبي حنيفة.

ص:305


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،المفيد في المقنعة:675،النهاية:614.
2- إيضاح الفوائد 2:489،التنقيح 2:380،جامع المقاصد 10:58.
3- نقله في إيضاح الفوائد 2:489،و التنقيح الرائع 2:380،و المسالك 1:409،و لم نجده في مصادر الحديث الخاصة و العامة.
4- الشرائع 2:254.
5- المختلف:503،التنقيح 2:381،المهذّب 3:113،جامع المقاصد 10:58.
6- المبسوط 4:40.
7- نهج الحق:517.

و هي مع ذلك غير مستندة كسابقها إلى حجّة عدا الأخير،فقد استند فيه إلى التأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

و يضعّف بأن فعله عليه السلام ذلك بالخمس لا يدل على نفي القرابة مطلقا عمّا عداه،فإن ذلك معنى آخر للقربى،فلا يلزم ذلك في حق غيره حيث يطلق.

ثم على أيّ معنى حمل يعمّ الذكر و الأُنثى،و الفقير و الغني،و القريب و البعيد.

و لا فرق بين قوله:أوصيت لأقاربي و قرابتي،و لذي قرابتي و ذي رحمي؛ لاشتراك الجميع في المعنى.

قيل:و ينصرف الوصية إلى الوجود منهم مطلقا،اتّحد أو تعدّد، ذكروا في الوصية بصيغة الجمع أو المفرد (1).

و هو حسن إذا أُريد به الموجود في الخارج في مقابلة المعدوم من أصله،بمعنى أنه لا ينتظر في دفع الوصية إلى الأقارب وجود من يحتمله، بل يدفع إلى الموجود منهم حال الوصية دون المعدوم حالتها.و الوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من اشتراط الوجود في الموصى له (2).

و لو أوصى لأهل بيته دخل فيهم الآباء و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا،بلا خلاف،حتى إن العلّامة رحمه الله في التذكرة فسّرهم بالقرابة فيدخل فيهم الأعمام و الأخوال و فروعهما،و حكاه عن تغلب (3).و هو الظاهر من الاستعمال في العرف،كما في المسالك (4)،و يعضده استلزام

ص:306


1- المسالك 1:410.
2- راجع ص:274.
3- التذكرة 2:477.
4- المسالك 1:410.

الاقتصار في التفسير بما في المتن خروج علي عليه السلام عن أهل البيت عليهم السلام، و هو خلاف الإجماع فتوى و رواية.

و هو قويّ حيث لا يمكن الرجوع إلى عرف بلد الموصي،و مع الإمكان كان متّبعاً و لو كان أخصّ مما في المتن،أو كان بالعكس بأن اختصّ بما الحق به في القول الآخر،و إن بَعُد.

و أمّا القول في الوصية ل لعشيرة و الجيران و السبيل و البرّ و الفقراء ف كما مرّ في الوقف عليهم،فليطلب تحقيقه من هناك.

إذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان إلى ورثته

و إذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان للموصى له من الوصية إلى ورثته دون ورثة الموصي ما لم يرجع الموصي فيها على الأشهر الأظهر.

للصحيح:«من أوصى لأحدٍ شاهداً أو غائباً فتوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له،إلّا أن يرجع في وصيته قبل موته» (1).

و كذلك إذا مات بعده قبل القبول؛ لفحواه،و للخبرين،أحدهما الحسن،بل الصحيح كما قيل (2):عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً،فقال:«اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه» (3)الحديث.و قريب منه الثاني (4).

ص:307


1- الكافي 7:1/13،الفقيه 4:541/156 بتفاوت يسير،التهذيب 9:903/230،الإستبصار 4:515/137،الوسائل 19:333 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 1.
2- الحدائق 22:557.
3- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
4- الكافي 7:2/13،الفقيه 4:540/156،التهذيب 9:904/231،الإستبصار 4:516/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 3.

و ظاهر التذكرة (1)عدم الخلاف في هذه الصورة،حيث إنّه نقله في الصورة الأُولى و استدل للحكم فيها بثبوته هنا،و هو مشعر بل ظاهر في الاتفاق على ثبوت الحكم هنا،إلّا أنّ ظاهر المسالك و غيره (2)تحقق الخلاف فيها أيضاً.

و كيف كان،الأشهر الأقوى ثبوت الحكم فيهما؛ لصحة الرواية الأُولى بناءً على كون إبراهيم بن هاشم ثقة كمحمد بن قيس الراوي لها،بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه و كون مرويّة من قضايا الأمير عليه السلام،و قد تقدّم الإشارة إلى هذا التحقيق عن قريب (3)،فتوهّم المسالك (4)الاشتراك ثمة و هنا غير سديد،كتوهمه عدم جبر قصورها على تقديره بعمل العلماء،كما حُقّق في الأُصول مستقصى.

و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يختلج بالبال وفاقاً لشيخنا في الذكرى (5)من حجية الشهرة بنفسها حيث لم نجد لها مستنداً و لا معارضاً أقوى،و بيّنت الوجه فيه في رسالة مفردة في الإجماع مستقصى،و على تقدير التنزّل فلا أقلّ من كونه جابراً.

و منه يظهر انجبار قصور الروايتين الأخيرتين على تقديره بها؛ مضافاً إلى انجبارهما كالأُولى بأظهر الاحتمالين الآتيين في الخبرين الآتي ذكرهما.

خلافاً للإسكافي (6)و الفاضل في جملة من كتبه (7)،فأبطلا الوصية

ص:308


1- التذكرة 2:453.
2- المسالك 1:410؛ و انظر الكفاية:148.
3- راجع ص:284.
4- المسالك 1:408.
5- الذكرى:5.
6- حكاه عنه في المختلف:513.
7- انظر المختلف:513،و التذكرة 2:453.

لوجه اعتباري غير معارض للنصّ الجليّ.

و للصحيح و الموثق:فمات الموصى له قبل الموصي،قال:«ليس بشيء» (1).

و هما مع ضعفهما عن المكافأة لما مضى،نظراً إلى تعدّده و اشتهاره بين علمائنا،كما سلّمه الفاضل (2)و كافّة أصحابنا،دونهما قاصرا الدلالة جدّاً،لأنهما كما يحتملان أن الوصية حينئذٍ لا يعتدّ بها بمعنى بطلانها كذا يحتمل إرادة أن الموت ليس بشيء ينقض الوصية،بل ربما كان الثاني أنسب بأُسلوب الكلام و تذكير الضمير المستتر في الفعل،و به يندفع التنافي بين الروايات،فيكون أولى.

و على تقدير التنزّل بتسليم تساوي الاحتمالين يكفي في الردّ إجمالهما.

ثم على تقدير ظهورهما في الاحتمال الأوّل بل و صراحتهما فيه يحتملان الحمل على التقية؛ لأنّه مذهب أكثر العامة و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة،كما حكاه في التذكرة (3)و تبعه في الحكاية بعض الأجلّة (4)،فما هذا شأنه كيف يعترض به الأخبار السابقة مع ما هي عليه من المرجحات القوية المذكورة سابقاً

ص:309


1- الصحيح:التهذيب 9:906/231،الإستبصار 4:518/138،الوسائل 19:335 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 4. و الموثق:التهذيب 9:907/231،الإستبصار 4:519/138،الوسائل 19:335 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 5.
2- التذكرة 2:453،المختلف:513.
3- التذكرة 2:453.
4- الحر العاملي في الوسائل 19:336.

و ربما يجمع بينهما بحمل هذين على صورة رجوع الموصي كما أفصحت عنه الصحيحة السابقة،ذكره في الكتابين شيخ الطائفة (1).

أو على دلالة القرينة بإرادة الموصي خصوص الموصى له،و بهذا الجمع أفتى جماعة (2).

و لعله غير بعيد،لا للجمع،لعدم شاهد عليه و لا قرينة،بل للزوم الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم الانتقال إلى غير من اوصي له على القدر المتيقّن من النصوص المتقدمة،و ليس بحكم التبادر إلّا غير هذه الصورة الذي لم يقصد الموصي فيه خصوصية الموصى له.

و في الدروس (3)عن الماتن القول بالفرق بين صورتي موته في حياة الموصي فالبطلان،و بعد وفاته فالصحة (4).و قد ظهر لك ما فيه من المناقشة.

ثم إن كان موته قبل موت الموصي لم يدخل العين في ملكه،و إن كان بعده ففي دخوله وجهان مبنيان على أن القبول هل هو كاشف عن سبق الملك من حين الموت،أم ناقل له من حينه،أم الملك يحصل للموصى له متزلزلاً و يستقر بالقبول؟أوجه،بل و أقوال تأتي.

و تظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت إذا ملكه.

و اعلم أن كل ذا إنما هو إذا خلف الموصى له وارثاً خاصاً.

ص:310


1- الاستبصار 4:138،التهذيب 9:231.
2- منهم صاحب المفاتيح 3:221،و انظر الحدائق 22:397.
3- الدروس 2:297،و انظر نكت النهاية 3:166.
4- في«ح» و«ت» زيادة:استناداً إلى وجه مبني على تضعيف الصحيحة السابقة و إطراحها بالكلية.

و لو لم يخلف وارثا كذلك رجعت الوصية إلى ورثة الموصي وفاقاً للمعظم كما في الدروس (1)،و للأكثر كما في التنقيح (2)،بل لعلّه عليه عامة المتأخّرين؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدم على القدر المتيقن من النص،و ليس إلّا الانتقال إلى الوارث الخاص؛ لأنه المتبادر.

خلافاً للحلي (3)،فألحق به الإمام،و هو شاذّ،كالحسن أو الصحيح:

عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها،و لم يترك عقباً؟قال:

«اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه» قلت:فإن لم أعلم له وليّاً؟قال:

«اجهد على أن تقدر له على وليٍّ،فإن لم تجد و علم اللّه تعالى منك الجدّ فتصدّق بها» (4).

و يحتمل الحمل على ما يرجع به إلى كل من القولين.

و إذا قال:أعطوا فلاناً كذا و لم يعيّن عليه مصرفاً دفع إليه يصنع به ما شاء بلا خلاف؛ لأن الوصية بمنزلة التمليك فتقتضي تسلّط الموصى له تسلّط المالك.و لا كذلك لو عيّن المصرف،فإنّه يتعيّن عليه؛ لما دلّ على وجوب إنفاذ الوصية على وجهها من الكتاب و السنة.

يستحب الوصية لذوي القرابة

و يستحب الوصية لذوي القرابة مطلقا وارثاً كان أو غيره بلا خلاف في الثاني بين العلماء،و كذا في الأوّل بيننا،كما في المسالك (5)، و قد مضى الكلام فيه مستقصى (6).

ص:311


1- الدروس 2:298.
2- التنقيح الرائع 2:382.
3- السرائر 3:216.
4- الكافي 7:3/13،الفقيه 4:542/156،التهذيب 9:905/231،الإستبصار 4:517/138،الوسائل 19:334 أبواب أحكام الوصايا ب 30 ح 2.
5- المسالك 1:411.
6- راجع ص:274.

و يستفاد من بعض المعتبرة تأكّده في الثاني ففيه:«من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية» (1).

و في الرضوي:«و يستحب أن يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث شيئاً من ماله قلّ أو كثر،و إن لم يفعل فقد ختم عمله بمعصية» (2).

الرابع:في الأوصياء

اشارة

.

اعتبار التكليف و الإسلام في الوصي

و يعتبر في الوصي التكليف بالبلوغ و العقل،فلا تصحّ إلى صبي بحيث يتصرف حال صباه مطلقاً،و لو كان إلى البالغ منضمّاً،و لا إلى مجنون كذلك.

و الإسلام فلا تصحّ الوصية إلى الكافر و إن كان رحماً،إلّا أن يوصي إليه مثله،كما يأتي.

و لا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه الإجماع في الغنية (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول القطعية في الأوّل،و ما سيأتي إليه الإشارة في الثاني.

في اعتبار العدالة تردّد

و في اعتبار العدالة تردّد ينشأ:

من أن الوصية استئمان،و الفاسق ليس أهلاً له،لوجوب التثبّت عند خبره.

و أنها تتضمن الركون إليه،و الفاسق ظالم منهي عن الركون إليه.

و أنها استنابة عن الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل،بل

ص:312


1- الفقيه 4:466/134،التهذيب 9:708/174،الوسائل 19:418 أبواب أحكام الوصايا ب 83 ح 3،و رواه في تفسير العياشي 1:166/76،المستدرك 14:138 أبواب أحكام الوصايا ب 62 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):298.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):604.

أولى،لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل و الموكّل و تفحّصهما عن مصلحتهما،بخلاف نائب الميت.و رضاه به غير عدل لا يقدح في ذلك؛ لأن مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت،و حينئذٍ فترتفع أهليّته عن الإذن و الولاية،و يصير التصرف متعلقاً بحق غير المستنيب من طفل و مجنون و فقير و غيرهم،فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل و وكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.

و من أنها في معنى الوكالة،و وكالة الفاسق جائزة كاستيداعه بالإجماع.

أشبهه عند الماتن هنا،و الفاضل في المختلف،وفاقاً للحلي (1) أنها لا تعتبر خلافاً للأكثر،كالشيخين و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و ابن زهرة العلوي (2)و أحد قولي الأوّلين،فاختاروا الأوّل،و ادّعى في الغنية عليه إجماع الإمامية.

و لا يخلو عن قوة؛ للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة و المحكية في عبارات الأصحاب كافّة،المحتملة لكونها إجماعاً قبل خلاف الحلّي،و بما تقدم من الأدلّة الكثيرة.

مع ضعف الأدلة المقابلة لها بما عرفت من الفرق بين الوصية و بين الاستيداع و الوكالة؛ لتعلقهما بحق المودع و الموكّل و هو مسلّط على إتلاف

ص:313


1- المختلف:510،الحلي في السرائر 3:189.
2- المفيد في المقنعة:668،الطوسي في النهاية:605،و المبسوط 4:51،القاضي في المهذب 2:116،ابن حمزة في الوسيلة:373،الديلمي في المراسم:202،لم نعثر عليه في الغنية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية(ص:604)و هو موجود في المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية 12:180.

ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه،و الموصي إنما سلّطه على حق الغير،لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً.

مع أنا نمنع أن مطلق المستودع و الوكيل لا يشترط فيهما العدالة، هذا.

مضافاً إلى التأيّد بظواهر كثير من النصوص الواردة بالنسبة إلى من مات و له أموال و ورثة صغار و لا وصي له (1)،حيث اشترطت عدالة المتولّي لذلك،و هي و إن كانت خارجة عما نحن فيه إلّا أن فيها إشعاراً بأن المتولّي لأمر الوصاية كذلك،و لا فرق بينهما إلّا كون الأوّل منصوباً من قبل الشارع و الثاني من قبل الميت،و إلّا فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد، و حينئذٍ فكما تراعى العدالة فيه من حيث إن الناصب له الشرع كذا تراعى فيه من حيث إن الناصب الموصي فلا ينصب لذلك إلّا عدلاً.

و الفرق بأن للموصي التسلّط على ماله يدفعه إلى من يشاء و يسلّط عليه من يختاره،لتسلّط الناس على أموالهم،بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة يظهر ضعفه مما مرّ؛ فإن الموصي بعد الموت و انتقال التركة إلى الورثة و فيهم الصغير و فيها الوصايا إلى الجهات العامة و نحو ذلك من التصرّفات المحتاجة إلى الوثوق و الائتمان لا تعلّق له بذلك،فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير،لا مال نفسه كما ذكر في الفرق.

و اعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي و يقبل خبره به،كما يستفاد ذلك من دليله،لا في صحة الفعل في نفسه،فلو

ص:314


1- انظر الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.

اوصي إلى من ظاهره العدالة و هو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية، فالظاهر نفوذ فعله و خروجه عن العهدة.

و يمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو اوصي إليه فيما بينه و بينه و فعل مقتضاها،بل لو فعله كذلك لم يبعد الصحة،و إن حكم ظاهراً بعدم وقوعه و ضمانه ما ادّعى فعله.

و تظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم،نبّه بذلك في التذكرة و الروضة (1).

و هو حسن،إلّا أن ظاهر اشتراط العدالة في إطلاق العبارة كغيرها من عبائر الجماعة و منها عبارة الغنية المحكي فيها إجماع الإماميّة (2)ينافي ذلك كله،و يمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة لا في صحة النيابة.

ثم إن هذا التردّد إنّما هو إذا أوصى إلى الفاسق ابتداءً.

أمّا لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته إجماعاً إلّا من الحلّي (3)،كما في المهذب و شرح الشرائع للصيمري و عن المحقق الثاني في شرح القواعد (4).

و لا ريب فيه على المختار:من اشتراط العدالة ابتداءً،و كذا على غيره إن ظهر كون الباعث على نصبه عدالته،و إلّا فإشكال ينشأ:

من الأصل،و حرمة تبديل الوصية عن وجهها.و احتمال كونها

ص:315


1- التذكرة 2:511،الروضة 5:27.
2- راجع ص:310.
3- السرائر 3:190.
4- المهذب البارع 3:116،جامع المقاصد 11:276،و فيه:لا خلاف في ذلك عندنا.

الباعث على النصب غير كافٍ في الخروج عنهما.

و من شهادة الظاهر بهذا الاحتمال،و ظهور الإجماع على البطلان مطلقاً من الكتب المزبورة،بناءً على التصريح بلفظة الظاهر فيه،مع عدم قدح استثنائهم الحلّي في انعقاده،لمعلومية نسبه،مع أنه حكي عنه ما يدل على اختياره الأوّل و الإذعان به (1).

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في البطلان بين فسقه بعد وفاة الموصي أو في حياته،علم به أو جهل.

و ربما يستشكل فيه في الثاني مع العلم بفسقه و عدم عزله.

و هو في محله على القول بعدم اشتراط العدالة في الابتداء.

و هل تبطل الوصية بطروّ و الفسق من حينه،أم يتوقف على حكم الحاكم و عزله؟وجهان:ظاهر العبارة كغيرها الأوّل،و صريح الإرشاد و غيره (2)الثاني.

و تظهر الفائدة في تصرفه قبل أن يعزله الحاكم،فينفذ على الثاني دون الأوّل.

و هو الوجه حيث ما ظهر أن الباعث لوصايته هو العدالة؛ لفواته،مع كونه منزّلاً منزلة الشرط الذي يفوت المشروط بفواته.

و هل تعود الوصية بعوده عدلاً؟قيل:الأشهر لا (3).و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و عدم ما يقتضي العود أصلاً.

اعتبار الحرية في الوصي

و يعتبر فيه أيضاً الحرّية ف لا يوصى إلى المملوك بلا خلاف

ص:316


1- السرائر 3:189،حكاه عنه في المختلف:510،و جامع المقاصد 11:274.
2- الإرشاد 1:463؛ و انظر القواعد 1:353.
3- كفاية الأحكام:150،و فيه:المشهور.

فيه في الجملة،بل عليه مطلقاً في صريح الغنية و ظاهر التذكرة إجماع الإمامية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الحجر عليه في أمر نفسه،فأولى أن يكون محجوراً عليه في حقّ غيره،و استلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه،و هو ممنوع منه.

إلّا أن يوصى إليه بإذن المولى فتصحّ بلا خلاف منا؛ لزوال المانع.و حينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي،و يصحّ قبله،كما إذا قبل الحرّ.

و لا فرق في محل المنع بين كون العبد قنّاً أو مُدَبّراً أو مكاتباً أو مبعّضاً،للموصي أو غيره،عند الشيخ و ابن حمزة و الحلّي و المختلف (2).

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فجوّز الوصية إلى من عدا القنّ إمّا مطلقاً، كما يظهر من المختلف و الدروس (4)،أو إذا كان عبد نفسه،كما يستفاد من التنقيح و مال إليه،قال:لحرية المدبر حال المباشرة،و لزوم الكتابة، و تصرف المكاتب من غير حجر عليه (5).

و لا يخلو عن قوة؛ لعمومات الكتاب و السنة الناهية عن تغيير الوصية،و سلامتها في المفروض عما مرّ من الأدلّة المانعة،لما ذكر.

و تصحّ الوصية إلى الصبي إذا كان منضمّاً إلى كامل

ص:317


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:511.
2- الشيخ في المبسوط 4:51،ابن حمزة في الوسيلة:373،الحلي في السرائر 3:189،المختلف:511.
3- المفيد في المقنعة:668،الديلمي في المراسم:202.
4- المختلف:511،الدروس 2:322.
5- التنقيح الرائع 2:386.

لا منفرداً بلا خلاف؛ للخبر،بل قيل (1)الحسن:عن رجل أوصى إلى امرأة و شرك في الوصية معها صبيّاً؟قال:«يجوز ذلك و تمضي المرأة الوصية،و لا تنتظر بلوغ الصبي،فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلّا ما كان من تبديل أو تغيير،فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميت» (2).

و قريب منه الصحيح:رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغار،أ يجوز للكبار أن ينفذوا وصيته و يقضوا دينه لمن صحّ على الميت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار؟فوقّع عليه السلام:«نعم، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم و لا يحبسوه بذلك» (3).

و يستفاد منهما سيّما الأوّل مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر أنه يجوز أن يتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي مطلقاً،و لو لم يكن التصرف في الأمر الضروري ثم بعد بلوغه كاملاً جائز التصرف يشتركان في التصرف مجتمعين.

و أنه ليس له نقض ما أنفذه الكامل قبل بلوغه إلّا ما تضمّن من تغيير و تبديل.

نعم،لو شرط عدم تصرف الكامل إلى أن يبلغ الصبي تبع شرطه، و على غيره ينزّل إطلاق العبارة و الرواية،مع أنه المتبادر منه بلا شبهة.

و يدلّ على جواز تصرف الكامل قبل بلوغ الصغير مضافاً إلى ما مرّ أنه في تلك الحال حيث لم يشترط عدم تصرفه إلى البلوغ وصيّ منفرداً،

ص:318


1- قاله المجلسي في مرآة العقول 23:77،و ملاذ الأخيار 15:66.
2- الكافي 7:1/46،الفقيه 4:538/155،التهذيب 9:743/184،الإستبصار 4:522/140،الوسائل 19:375 أبواب أحكام الوصايا ب 50 ح 2.
3- الكافي 7:2/46،الفقيه 4:539/155،التهذيب 9:744/185،الوسائل 19:375 أبواب أحكام الوصايا ب 50 ح 1.

و إنما التشريك معه بعد البلوغ،كما لو قال:أنت وصيي و إذا حضر فلان فهو شريكك،و من ثمّ لم يكن للحاكم أن يداخله و لا أن يضمّ إليه آخر ليكون نائباً عن الصغير.و أما إذا بلغ الصغير فليس للكبير التفرّد،و إن كان ذلك غير مستفاد من الخبرين؛ لأنه الآن غير مستقلّ فيرجع فيه إلى القاعدة.

ثم إنّ قوله:لا منفرداً،يدل على المنع عن الوصية إليه مستقلا و إن شرط في تصرفه البلوغ،و كان ذلك في معنى الضمّ.

قيل:لأنه ليس من أهل الولاية،و لكن جاز ذلك مع الضميمة تبعاً للرواية،فلا يلزم مثله في الوصية إليه مستقلا؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موردها،و أنه يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر في حال الاستقلال (1).

ثم لو مات أو بلغ فاسد العقل فهل للكامل الانفراد بالتصرف،عملاً باستصحاب الحكم السابق،أم لا،بل يداخله الحاكم،بناءً على أن الموصي إنما فوّض إليه الاستقلال إلى حين بلوغ الصبي فكأنّه جعله مستقلا إلى مدة مخصوصة؟ وجهان:اختار أوّلهما في الشرائع (2)،و تردّد بينهما في التذكرة و الدروس (3)،و لعلّه في محلّه،و إن كان الأظهر في النظر الثاني،لقوة دليله.

و ينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيداً ثم مات بعده و لو بلحظة؛ لانقطاع الاستصحاب الأوّل حينئذٍ بلا خلاف،و تبدّله باستصحاب عدم الاستقلال،فيتبع.

ص:319


1- المسالك 1:412.
2- الشرائع 2:256.
3- التذكرة 2:510،الدروس 2:324.

و لا تصحّ وصية المسلم إلى الكافر مطلقاً،بلا خلاف؛ لأنه ليس من أهل الولاية على المسلمين،و لا من أهل الأمانة.

و لكن تصحّ إليه من مثله إن لم نشترط العدالة.

و أما مع اشتراطها فهل تكفي عدالته في دينه،أم تبطل مطلقاً؟ وجهان:من أن الكفر أعظم من فسق المسلم،و من أن الغرض صيانة مال الطفل و أداء الأمانة،و هو يحصل بالعدل منهم.و هذا أجود،وفاقاً للتذكرة و الدروس و المسالك و الكفاية (1).

خلافاً للروضة،فقال:و الأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا،و لو أُريد صحتها عندهم و عدمه فلا غرض لنا في ذلك.و لو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم،و إلّا فاللازم الحكم ببطلانها بناءً على اشتراط العدالة؛ إذ لا وثوق بعدالته في دينه،و لا ركون إلى أفعاله،لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام (2).

و فيه نظر؛ لحصول الوثوق وجداناً،و إنكاره مكابرة جدّاً.بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل ببعض عدول المسلمين، و سيّما المخالفين منهم.

و مخالفة أفعاله لكثير من أحكام الإسلام لا تنافي عدالته في دينه و ما هو المقصود منها من الوثوق و الاعتماد في صيانة مال الأطفال مثلاً.

ثم إن إطلاق العبارة يقتضي عموم الحكم لصورتي كون الوصية على أطفال المسلمين و ما في حكمهم أم غيرهم.و قيّده جماعة (3)بالثاني؛

ص:320


1- التذكرة 2:510،الدروس 2:322،المسالك 1:412،الكفاية:150.
2- الروضة 5:68.
3- لم نعثر عليهم.

و لعلّه لنفي السبيل عنه عليهم.و لا بأس به.

صحة الوصية إلى المرأة

و تصحّ الوصية إلى المرأة إذا اجتمعت فيها الشرائط المتقدمة، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام الجماعة،كالإستبصار و الغنية و التذكرة و التنقيح و المسالك و الروضة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الرواية المتقدمة (2).

و أما الخبر:«المرأة لا يوصى إليها لأن اللّه تعالى يقول وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [1] (3)(4)فمع قصور سنده و شذوذه محمول على التقية، ففي الاستبصار أنه مذهب كثير من العامة (5)،مع احتماله الحمل على الكراهة،أو المرأة التي لم تجتمع فيها الشرائط المتقدمة،و ربما يومئ إليه ما في الذيل من العلة.

الوصية إلى اثنين

و لو أوصى إلى اثنين فصاعداً جاز،إجماعاً،فتوًى و نصّاً.

و حينئذٍ فإن أطلق،أو شرط الاجتماع في التصرف فليس لأحدهما الانفراد به،بل عليهما الاجتماع فيه،بمعنى صدوره عن رأيهما و نظرهما و إن باشره أحدهما،إجماعاً في الأخير،كما في التنقيح (6)،و على الأظهر في الأوّل،وفاقاً للصدوقين و الطوسي في أحد القولين و ابن حمزة

ص:321


1- الاستبصار 4:140،الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:511،التنقيح 2:387،المسالك 1:412،الروضة 5:73.
2- في ص 314.
3- النساء:5.
4- الفقيه 4:585/168،التهذيب 9:953/245 الإستبصار 4:523/140،الوسائل 19:379 أبواب أحكام الوصايا ب 53 ح 1.
5- الاستبصار 4:140.
6- التنقيح الرائع 2:388.

و الحلبي و الحلّي و الشهيدين و كثير من المتأخّرين (1)،بل لعله عليه عامتهم؛ لظاهر الصحيح:رجل مات و أوصى إلى رجلين،أ يجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف؟فوقّع عليه السلام:«لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت،و يعملان على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه تعالى» (2).

و أظهر منه الرضوي:«و إذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كلّ واحد منهما بنصف التركة،و عليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت» (3).

و قصور سنده كعدم صراحة الأوّل منجبر بالشهرة؛ مضافاً إلى اعتبار السند و بلوغه درجة الحجّية،و كذا الدلالة،و إن كان:«لا ينبغي» أعم من الحرمة أو ظاهراً في الكراهة،لقيام القرينة في الرواية على إرادة الحرمة، لأن مرجعها و محصّلها إلى النهي عن مخالفة الميت،و لا ريب أنّها محرمة، لتضمّنها التبديل المنهي عنه بالكتاب و السنة،هذا.

مع اعتضادهما زيادة على اعتبار السند و وضوح الدلالة بظهور الوصية إليهما في إرادة اجتماعهما عرفاً،و على تقدير التنزّل عنه فلا أقلّ من تردّدها بينه و بين جواز الانفراد،فيجب الأخذ بالمتيقن،و هو الأوّل،مع

ص:322


1- الصدوق في الفقيه 4:151،و حكاه عن والده في المختلف:512،الطوسي في المبسوط 4:54،و الخلاف 4:161،ابن حمزة في الوسيلة:373،الحلبي في الكافي في الفقه:366،الحلي في السرائر 3:190؛ الشهيد الأول في الدروس 2:324،الشهيد الثاني في المسالك 1:413؛ و انظر القواعد 1:354،و إيضاح الفوائد 2:631،و جامع المقاصد 11:290.
2- الكافي 7:1/46،الفقيه 4:523/151،التهذيب 9:745/185،الإستبصار 4:448/118،الوسائل 19:376 أبواب أحكام الوصايا ب 51 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:127 أبواب أحكام الوصايا ب 43 ح 1.

اندفاع الثاني بالأصل.

خلافاً للنهاية و القاضي (1)،فجوّزا في ظاهر إطلاق عبارتهما الانفراد لهما،و استدل لهما بالموثق:إنّ رجلاً مات و أوصى إلى رجلين،فقال أحدهما لصاحبه:خذ نصف ما ترك و أعطني نصف ما ترك،فأبى عليه الآخر،فسألوا أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك،فقال:«ذاك له» (2).

و فيه مع قصوره سنداً و عدداً و اشتهاراً و اعتباراً عن المكافأة لما مرّ جدّاً كونه مجملاً؛ لبناء الاستدلال به على رجوع الإشارة إلى القسمة و الضمير المجرور إلى الطالب،مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء و الضمير إلى المطلوب،بل لعلّ هذا أولى،كما في المختلف و غيره (3)؛ لقرب مرجع الإشارة.

و ما يعارض به في التنقيح و غيره (4)من أولوية العكس؛ لوضع «ذلك» باللام للإشارة إلى البعيد مدفوع بتوقّفه على وجود اللام مع الإشارة،و هي في نسخة الكافي و الفقيه مفقودة،فإنها على ما ذكرناه مروية.

نعم،في نسخة الشيخ موجودة،لكنّها بالنسبة إلى تلك النسخة مرجوحة،سيّما مع وحدتها و تعدّد تلك،مع كونها الأصل لها و هي منها مأخوذة،و على تقدير تكافؤ النسختين يبقى الإجمال بحاله،لعدم المرجّح لإحداهما في البين.

ص:323


1- النهاية:606،القاضي في المهذب 2:116.
2- الكافي 7:2/47،الفقيه 4:524/151،التهذيب 9:746/185،الإستبصار 4:449/118،الوسائل 19:377 أبواب أحكام الوصايا ب 51 ح 3.
3- المختلف:512؛ و انظر جامع المقاصد 11:291.
4- التنقيح الرائع 2:390؛ و انظر المسالك 1:413.

و لو تشاحّا و تعاسرا فأراد أحدهما نوعاً من التصرف و منعه الآخر لم يمض تصرفهما،إمّا مطلقاً،كما عن المبسوط و الحلبي (1)،أو في الجملة،كما عن جماعة (2)،بمعنى أنه لم يمض منه إلّا ما لا بُدّ منه و تدعو الحاجة إليه،و لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق كمئونة اليتيم و الرقيق،و الدواب،و إصلاح العقار،و مثلها شراء كفن الميت.

و زاد بعضهم قضاء ديونه (3)،و إنفاذ الوصية المعيّنة،و قبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع،و الخصومة عن الميت و له و عن الطفل و له مع الحاجة،و ردّ الوديعة المعيّنة و العين المغصوبة.

و عن الفاضل في القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق فالثاني،و النهي عن الانفراد فالأوّل (4).

و فيه نظر.و الأصل يقتضي المصير إلى الأوّل،إلّا أن يستند في الاستثناء إلى الضرورة المبيحة لما حرم بدونها.و هو مع عدم خلوّه عن مناقشة يتمّ في مئونة اليتيم و ما بعده،دون ما زاده البعض من الأُمور المذكورة.

و للحاكم الشرعي جبرهما على الاجتماع من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان؛ إذ لا ولاية له فيما فيه للميت وصي على الأشهر.

خلافاً للحلبي،فقال:يردّ الناظر الأمر إلى أعلمهما و أقواهما مع

ص:324


1- المبسوط 4:53،الحلبي في الكافي:366.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:256،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:388،و الشهيد الأول في الدروس 2:324.
3- انظر جامع المقاصد 11:292.
4- القواعد 1:354.

التشاح (1).

و استشكله الفاضل من حيث إنه تخصيص لأحدهما بالنظر و قد منعه الموصي (2).

قيل:و فيه نظر؛ إذ لا منافاة بين القولين،لأن ردّه إلى رأي الأعلم الأقوى منهما هو نفس الإجبار على الاجتماع،و فيه حسم لمادة الاختلاف (3).

فإن تعذّر عليه جمعهما جاز له الاستبدال بهما؛ تنزيلاً لهما بالتعذر منزلة عدمهما،لاشتراكهما في الغاية.

و في الروضة:كذا أطلق الأصحاب،و هو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصي،أما معه فلا؛ لأنهما بتعاسرهما يفسقان،لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصية مع الإمكان،فيخرجان بالفسق عن الوصاية و يستبدل بهما الحاكم،فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير.و كذا لو لم نشترطها و كانا عدلين؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور.نعم،لو لم نشترطها و لا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ (4).

و يشكل ما ذكره من خروجهما بالتشاحّ عن العدالة فيما إذا كان تشاحّهما مستنداً إلى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي و المعاندة.

لكن يرد حينئذٍ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع حينئذٍ محل

ص:325


1- الكافي في الفقه:366.
2- المختلف:512.
3- التنقيح الرائع 2:389.
4- الروضة 5:74.

نظر.

فخلاصة الكلام أن اشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما،إلّا أن يقال:إنه حينئذٍ يجوز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده من نظره،و هذا لا ينافي عدالتهما.

و كيف كان،ينبغي التفصيل على القول باشتراط العدالة بأن التشاحّ إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما،و إن كان يوجب الإخلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن أصرّا على ذلك متى لم يثبت كون ذلك من الكبائر،و لعلّه مراد من أطلق ممن اشترطها من الأصحاب.

و لو التمسا القسمة حيث وجب عليهما الاجتماع لم يجز لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف.

و لو عجز أحدهما عن القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية بمرض و نحوه ضمّ إليه أي إلى العاجز أمين من طرف الحاكم.

و لو عجز عن القيام به أصلاً بموت أو فسق أو جنون أو نحوها ضمّ إلى الآخر.

بلا خلاف في الأوّل إلّا من الدروس،حيث جعل الضم إلى الآخر دون العاجز (1)،كما هو الأشهر على ما في الكفاية (2).

و تظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية الوصيين و أمين الحاكم على مذهبهم،و اثنين هما من عدا العاجز على مذهبه.

و ربما حمل كلامه على الثاني بإرادة العجز بالكلية لا في الجملة،و إلّا

ص:326


1- الدروس 2:324.
2- الكفاية:150.

لأشكل ما اختاره،بناءً على أن عجزه في الجملة لا يخرجه عن الوصاية؛ لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتداءً إجماعاً،كما في التذكرة و شرح القواعد للمحقق الثاني (1)،فكذا في الاستدامة.

وفاقاً للقواعد و الإرشاد و التحرير و فخر الدين و الشهيدين و جماعة (2)في الثاني.

خلافاً للأكثر،كما في شرح الشرائع للصيمري و الكفاية (3)،فاختاروا استقلال الوصي الآخر من دون ضميمة أمين من حاكم الشريعة؛ مستندين فيه إلى أنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم.

و يضعّف بأن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفرداً،و الوصي إنما هما معاً لا أحدهما منفرداً،فلا بُدَّ من أن يضمّ إليه أميناً.

و عليه فهل للحاكم أن يفوّض جميع الولاية إلى الثاني منهما بدلاً عن الضميمة،تنزيلاً له مقامهما؟وجهان.

من أن النظر قد صار للحاكم فيولّي من يختاره.

و من أن الموصي لم يرض برأي الآخر على الانفراد،فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه و إلّا لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة.و هذا أجود.

بخلاف ما لو حصل لهما معاً العجز أصلاً فإن للحاكم أن ينصب و لو واحداً؛ للفرق بين المقامين بأن الثاني من الوصيين في المقام الأوّل

ص:327


1- التذكرة 2:511،جامع المقاصد 11:279،294.
2- القواعد 1:354،الإرشاد 1:463،التحرير 1:303،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:632،الشهيد الأول في الدروس 2:324،الشهيد الثاني في الروضة 5:75،و المسالك 1:414؛ و انظر جامع المقاصد 11:295.
3- الكفاية:150.

منصوب من قبل الموصي و لم يرض برأيه منفرداً كما مضى،و هنا قد انقطع نظره بعجزهما و صار النظر إليه كملاً فله نصب من شاء و لو واحداً.

ثم إن كل ذا إنّما هو إذا أوصى إليهما مطلِقاً أو مشتَرِطاً عليهما اجتماعهما معاً.

أما لو شرط لهما الانفراد تصرف كلّ واحد منهما و إن انفرد عن الآخر،بلا خلاف و لا إشكال في الجواز؛ للأصل،و عدم المانع بمقتضى الشرط.و لكن في جواز الاجتماع حينئذٍ نظر:من مخالفته الشرط فلا يصح،و من اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كلّ واحد منهما،و شرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد،و هو حاصل إن لم يكن هنا آكد.

و الظاهر أن شرط الانفراد رخصة لا تضييق،و هذا ظاهر العبارة و الروضة (1).و هو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة،و مع هذا لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد ينبغي القطع بالمنع؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد و لم يرض الموصي إلّا به.

و لو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعاً؛ عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عنه فيمتنع.

و يجوز لهما في هذه الحالة أن يقتسما المال بالتنصيف و التفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر و لا يكون الموصي منع عنها؛ لأن مرجع القسمة إلى تصرف كلّ منهما في البعض و هو جائز بدونها،ثم بعدها

ص:328


1- الروضة 5:75.

لكل منهما التصرف في قسمة الآخر و إن كانت في يد صاحبه،لأنه وصي في المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.

جواز تغيير الأوصياء للموصي و رد الوصي الوصية

و للموصي تغيير الأوصياء بلا خلاف؛ للأصل،و ما مرّ من المعتبرة في جواز الرجوع في الوصية (1)،الشاملة إطلاقاً في بعضٍ و فحوى في آخر لمفروض المسألة.

و للموصى إليه ردّ الوصية و عدم قبولها مطلقاً،و إن كان الموصي أباً أو كان الموصى إليه فيه منحصراً،بلا خلاف إلّا من الصدوق في المقامين كما حكي (2)،فلم يُجِز الردّ فيهما؛ استناداً في الأوّل إلى الخبر القاصر السند بسهل المتضمن لقوله عليه السلام:«ليس له أن يمتنع» (3)بعد أن سئل عن رجل دعاه والده إلى قبول وصيته،هل له أن يمتنع عن قبول وصية والده؟ و في الثاني إلى مفهوم الصحيح:في رجل يوصى إليه،فقال:«إذا بعث إليه من بلد فليس له ردّها،و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذلك إليه» (4).

و نحوه إطلاق الصحيح المقيّد به:في الرجل يوصي إلى الرجل بوصية فأبى غ أن يقبلها،فقال عليه السلام:«لا يخذله على هذه الحال» (5).

ص:329


1- راجع ص 271.
2- حكاه عنه في المختلف:512،و هو في الفقيه 4:145،و المقنع:164.
3- الكافي 7:6/7،الفقيه 4:498/145،التهذيب 9:819/206،الوسائل 19:322 أبواب أحكام الوصايا ب 24 ح 1.
4- الكافي 7:2/6،الفقيه 4:497/144،التهذيب 9:815/205،الوسائل 19:320 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 2.
5- الكافي 7:5/6،الفقيه 4:499/145،التهذيب 9:818/206،الوسائل 19:321 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 4؛ بتفاوت يسير.

و مال إليه في المختلف مؤيّدا الأوّل بأن امتناع الولد نوع عقوق، و الثاني بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه؛ لأنه فرض كفاية،قال بعد ذلك:

و بالجملة فأصحابنا لم ينصّوا على ذلك،و لا بأس بقوله (1).

و هو كذلك إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و لا يمكن دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الردّ مطلقاً؛ لعدم تبادر المقامين منه جدّاً.

و منه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضاً.

مضافاً إلى وجوب حمل المطلق على المقيد حيث تضمن شرائط الحجّية كما هنا.

و يصحّ ردّ الوصية مطلقاً و لو قبلها ما دام الموصي حيّاً إن بلغ الردّ إليه في الجملة،إجماعاً،كما عن المبسوط و الخلاف (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و صريح النصوص الآتية في الجملة.

و هل يكفي بلوغ الردّ،أو يشترط معه تمكّن الموصي من إقامة وصي غيره؟وجهان.ظاهر إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة الأوّل.

و مقتضى النصوص الثاني؛ لظهورها في تعليق جواز الردّ على وجود الغير المتمكن من الإيصاء إليه،فلو لم يوجد أو وجد و لم يتمكّن من الإيصاء إليه لم يجز له الردّ.و هذا أجود.

و لو مات الموصي قبل بلوغه أي الردّ إليه لزمت الوصية فليس للموصى إليه ردّها إجماعاً إذا كان قبلها ثم ردّها،كما عن المبسوط و الخلاف و التذكرة و في المسالك و غيره (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:330


1- المختلف:513.
2- المبسوط 4:37،الخلاف 4:148.
3- المبسوط 4:36،الخلاف 4:148،التذكرة 2:512،المسالك 1:414؛ و انظر الحدائق 22:576.

فحاوي المعتبرة الآتية و غيرها من الأدلّة.

و على الأشهر الأقوى مطلقاً،بل عليه في ظاهر الدروس و صريح الغنية (1)إجماعنا،و نسبه في المختلف إلى الأصحاب كافّة (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،منها زيادة على ما مرّ الصحيحان،في أحدهما:«إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب فليس له أن يردّ وصيته،فإن أوصى إليه و هو في البلد فهو بالخيار إن شاء قبل و إن شاء لم يقبل» (3).

و في الثاني:«إذا أوصى الرجل إلى أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيته،لأنه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره» (4).

و الرضوي:«إذا أوصى رجل إلى رجل و هو شاهد فله أن يمتنع من قبول الوصية،و إن كان الموصى إليه غائباً و مات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه فإن الوصية لازمة له» (5).

خلافاً للمختلف و التحرير (6)،و مال إليه في المسالك (7)،فجوّز الرد؛ للأصل المانع من إثبات حقٍّ على الموصى إليه على وجه قهري و تسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء.

ص:331


1- الدروس 2:325،الغنية(الجوامع الفقهية):604.
2- المختلف:499.
3- الكافي 7:1/6،الفقيه 4:496/144،التهذيب 9:814/205،الوسائل 19:319 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 1.
4- الكافي 7:3/6،الفقيه 4:500/145،التهذيب 9:816/206،الوسائل 19:320 أبواب أحكام الوصايا ب 23 ح 3.
5- فقه الرضا(عليه السلام):298،المستدرك 14:110 أبواب أحكام الوصايا ب 22 ح 2.
6- المختلف:499،التحرير 1:292.
7- المسالك 1:414.

و لاستلزامه الحرج العظيم و الضرر الكثير في أكثر مواردها،و هما منفيان بالآية و الأخبار.

و لعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب؛ لاحتمالها الحمل على الاستحباب أو سبق القبول.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل:بقيام المخرج عنه الراجح عليه في حدّ ذاته،لكونه خاصّاً فليقدّم،مع اعتضاده بفتوى الأصحاب كافّة كما اعترف به الخصم،و بإجماع الغنية و غيرها.

و الثاني:بخروجه عن المتنازع إن أُريد بالحرج ما يزيد على ما لا بُدَّ منه في التكاليف،كما صرح به في التنقيح (1)،و مع ذلك يختصّ بموضع الحرج،و بالتزامه إن أُريد به ما لا بُدَّ منه فيها،لقيام الدليل المتقدم عليه، فإنه دليل و أيّ دليل.

و الثالث:بالمنع عنه أوّلاً،و بكفاية الظهور بعد تسليمه ثانياً.

و الحملان على تقدير جريانهما فيها لا وجه لارتكابهما بعد مخالفتهما الظاهر،و لا سيّما الثاني،إلّا ما يتوهم من الدليلين الأوّلين،و قد مرّ أن النصوص بالإضافة إليهما خاصة فلتقدم عليهما البتة.و على تقدير كونها عامّة و أن التعارض وقع بين العمومين فلا ريب أن عمومها أرجح على عموم الأوّلين؛ لاعتضادها بفتاوى الأصحاب و الإجماع المحكي في البين،فتأمّل.

و لو ظهر من الوصي المتّحد أو المتعدد خيانة أو فسق آخر انعزل بمجرّده أو بعزل الحاكم على اختلاف القولين المتقدمين و استبدل

ص:332


1- التنقيح الرائع 2:393.

به الحاكم أميناً مستقلا إن كان المعزول واحداً،أو منضماً إلى الباقي إن كان أكثر.

و إنما أعاد المسألة مع سبقها (1)لبيان جواز الاستبدال؛ إذ لم يتقدم له ذكر سابقاً.

عدم ضمان الوصي إلا مع التعدي أو التفريط

و الوصي أمين لا يضمن إلّا مع تعدٍّ أو تفريط بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (2).

و ما يستفاد من الأخبار من إطلاق ضمانه محمول على ما إذا فرّط.

و أمّا ما ورد بضمانه بتبديله فمستفيض،و منه الصحيح:عن رجل أوصى إلى رجل و أمره أن يعتق عنه نسمة بستّمائة درهم من ثلثه،فانطلق الوصي و أعطى الستّمائة درهم رجلاً يحجّ بها عنه؟قال:فقال:«أرى أن يغرم الوصي من ماله ستّمائة درهم،و يجعل الستّمائة فيما أوصى به الميت من نسمة» (3).

و يجوز للوصي أن يستوفي دينه مما في يده من مال الموصي مطلقاً،و لو من دون بيّنة،عجز عنها أم لا،على الأقوى،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (4)؛ لعموم أدلّة جواز المقاصّة لمن له دين على آخر (5).

و لأن الفرض كونه وصيّاً في إثبات الديون،فيقوم مقام الموصي في ذلك،و الغرض من البيّنة و الإثبات عند الحاكم جواز كذب المدّعى في

ص:333


1- في ص 312.
2- المسالك 1:415؛ و انظر الحدائق 22:581.
3- الكافي 7:3/22،الفقيه 4:533/154،التهذيب 9:887/226،الوسائل 19:348 أبواب أحكام الوصايا ب 37 ح 1.
4- الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 5):77؛ و انظر التنقيح الرائع 2:394.
5- انظر الوسائل 17:272 أبواب ما يكتسب به ب 83.

دعواه فنيطت بالبينة شرعاً،و علمه بدينه أقوى منها،بناءً على جواز خطائها دونه.

و لأنه بقضائه الدين محسن،و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. [1]

خلافاً للنهاية و القاضي (1)،فلم يجوّزا ذلك إلّا مع البينة،و حجّتهم عليه غير واضحة سوى الأصل،و الموثق:إن رجلاً أوصى إليّ فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له،ففعل،و ذكر الذي أوصى إليه لي أن له قِبَل الذي أشركه في الوصية خمسين و مائة درهم و عنده رهن بها جام فضة،فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعي أنه له قِبَله أكرار حنطة،قال:«إن أقام البينة،و إلّا فلا شيء له» قال:قلت:أ يحلّ له أن يأخذ مما في يده شيئاً؟ قال:«لا يحلّ له» قلت:أ رأيت لو أن رجلاً عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أ كان ذلك له؟قال:«إن هذا ليس مثل هذا» (2).

و يضعّف الأوّل بلزوم الخروج عنه بما مر.

و الثاني:أولاً:بعدم مقاومته لما تقدم،من حيث كثرته و اشتهاره دون الثاني.

و ثانياً:بالقول بموجبه من حيث فرضه في استيفاء أحد الوصيين على الاجتماع بدون إذن الآخر،و ذلك فإن أحد الوصيين كذلك بمنزلة الأجنبي ليس له الاستيفاء إلّا بإذن الآخر كباقي التصرفات،و ليس للآخر تمكينه منه بدون إثباته.و لا كذلك ما نحن فيه؛ لفرضه في الوصي المستقل،و قد نبّه عليه بقوله في آخر الخبر بعد أن سأله عن أخذ ماله قهراً:«إن هذا ليس مثل

ص:334


1- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118.
2- الكافي 7:1/57،الفقيه 4:613/174،التهذيب 9:910/232،الوسائل 19:428 أبواب أحكام الوصايا ب 93 ح 1؛ بتفاوت.

هذا» و المراد أن هذا إنما يجب أن يأخذ بإذن الآخر فليس له أن يمكّنه من الأخذ بمجرد دعواه،بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله مقاصّةً،فإن له ذلك حيث لا يطّلع عليه أحد،و هو منتفٍ هنا،كذا قيل (1).

و يمكن أن يتنظّر فيه أولاً:بمخالفة هذا الفرق لإطلاق كلام أرباب القول الأوّل،بناءً على أن الظاهر أن مرادهم بالوصي و إن كان بلفظ المفرد الجنس الشامل له و للفرد الآخر،و إلّا لزم عدم جواز استيفاء أحد الوصيين دينه مع علم الآخر بثبوته على الموصي حال الاستيفاء،و لعله مخالف لظاهر مرامهم،و لا أظن القائل يلتزمه،مع أن عموم أدلّة الجواز شامل له و لمحل الفرض في الخبر.

و ثانياً:بعدم وضوح الفرق إلّا من حيث عدم جواز الأخذ بدون إذن الآخر؛ لعدم استقلاله بالإذن في التصرف.و هو يتمّ إذا كان الوجه في جواز الاستيفاء هو الوصية إليه و إذنه في التصرف،و ليس كذلك،لما عرفت من أدلته التي منها أدلّة جواز المقاصّة،و كونه محسناً،و بالجملة فوجوه الجواز عديدة،منها الأدلة المزبورة العامة لصورتي كون المستوفي وصيّاً و عدمه، و على هذا فيجوز الأخذ بدون إذن الآخر،لجوازه بدون إذن الموصي لو كان حيّاً فلأن يجوز بدون إذنه أولى.

نعم،عليه يتوقف المقاصّة على صورة العجز عن الإثبات بالبينة إن قلنا باشتراطه في مسألة المقاصّة،و إلّا كما هو الأشهر الأقوى ثمة فلا توقف عليها أصلاً.

و للحلّي و الماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)هنا قول

ص:335


1- قال به الشهيد في المسالك 1:415.
2- الحلي في السرائر 3:192،الشرائع 2:257،المختلف:511.

بالتفصيل بين صورتي العجز عن الإثبات فالأوّل،و عدمه فالثاني،و وجهه غير واضح غير الحوالة على مسألة المقاصّة إن قيل بهذا التفصيل فيها.

و ربما ينسب هذا القول إلى النهاية و القاضي (1)،مع أن المستفاد من عبارتهما المنقولة في المختلف و غيره (2)هو الثاني.

و العجب من الذي نسبه إليهما أنه استدل لهما بالموثق الذي مضى، مع أن ظاهره كما ترى المنع مع عدم إقامة البينة مطلقا،و لو كان عاجزاً عنها،هذا.

و يمكن توجيه القول الثاني باستلزام مقاصّته التصرف في المال المشترك بينه و بين الورثة من دون إذنهم أو إذن الحاكم مع عدم تقصيرهم في الأداء،و لا تشمله أدلّة المقاصّة،لانصرافها بحكم التبادر إلى صورة حياة المديون خاصّة،و ليس فيها المانع المتقدم إليه الإشارة.

و لعل هذا هو وجه الفرق المصرّح به في الرواية المتقدمة دون ما ذكره القائل المتقدم.

و على هذا الوجه لا فرق بين الوصي المتّحد و المتعدّد مطلقاً،إلّا أن يقال بالمنع عن جريان علّة المنع المذكورة في هذا الوجه في المتحد،بناءً على قيامه مقام الموصي مستقلا في أداء دينه،و لذا يجوز له أداؤه إذا كان لغيره بعد علمه بثبوته إلى حال الأداء اتفاقاً،فتأمّل جدّاً.

و يمكن توجيه مختار الماتن في الشرائع أمّا في محل المنع فبما مرّ:

من لزوم التصرف بدون الإذن الممنوع منه،و في محل الجواز بتخصيص وجه المنع بأدلّة نفي الضرر و لزوم العسر و الحرج.

ص:336


1- انظر الحدائق 22:583.
2- المختلف:511؛ و انظر النهاية 608،و المهذّب 2:118.

و هذا في الجملة أحوط،و إن كان القول الأوّل أظهر،لكن في الوصي المتحد و المتعدّد على الانفراد،دون الاجتماع؛ لقوة المنع فيه،كما ذكره القائل المتقدم،بناءً على انحصار دليل الجواز على ما ذكر هنا من التحقيق في الإذن بالوصية خاصّة،دون أدلّة نفي السبيل عن المحسن و جواز المقاصّة،و إن استدل باُولاهما القائل المزبور،و بها و بثانيتهما الحلّي، فإنهما بمحلٍّ من القصور،فالثاني:بما مرّ من اختصاصه بحكم التبادر بحال حياة المديون،فلا عموم فيها للمفروض،و الأوّل:بأنه لا يخصّص ما دلّ على المنع عن التصرف في المال المشترك.

و يجوز له أيضاً أن يُقوّم مال اليتيم على نفسه بثمن المثل فصاعداً إذا لم يكن غيره هناك للزيادة باذلاً،على الأقوى،وفاقاً للنهاية و القاضي و الفاضلين و الشهيدين و المفلح الصيمري و غيرهم من المتأخّرين (1)؛ للخبر المنجبر قصور سنده بعمل الأكثر،و فيه:هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد،يزيد و يأخذ لنفسه؟فقال:

«يجوز إذا اشترى صحيحاً» (2).

و علّلوه أيضاً بأنه بيع وقع من أهله في محلّه؛ لأنه جائز التصرف يصحّ أن يقبل الشراء و يتملّك العين،فينفذ،لانتفاء المانع المدّعى كما يأتي،و الأصل عدم غيره.

ص:337


1- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118،المحقق في الشرائع 2:257،العلّامة في المختلف:511،الشهيد الأول في الدروس 2:327،الشهيد الثاني في المسالك 1:415،و انظر التنقيح الرائع 2:395،و جامع المقاصد 11:287.
2- الكافي 7:10/59،الفقيه 4:566/162،التهذيب 9:950/245،الوسائل 19:423 أبواب أحكام الوصايا ب 89 ح 1.

خلافاً للحلّي و الخلاف (1)،فلم يجوّزاه؛ لوجوب التغاير بين الموجب و القابل،و هو مفقود في المقام،و قياسه على شراء الأب من مال ولده الصغير الجائز بإجماعنا حرام.

و لما روي من أن رجلاً أوصى إلى رجل ببيع فرس له،فاشتراه الوصي لنفسه،و استفتى عبد اللّه بن مسعود،فقال:ليس له ذلك (2).استدلّ بهذا دون الأوّل في الخلاف،قال بعده:و لا يعرف له أي لابن مسعود مخالف.

و فيهما نظر؛ لمنع الأوّل إن أُريد به التغاير الحقيقي،كيف لا و قد ادّعى الطوسي على كفاية التغاير الاعتباري في عقد النكاح إجماعنا (3)،و هو حاصل هنا،فيكون كافياً فيه بطريق أولى.

و القياس المزبور حرام لو لم يكن من باب اتحاد طريق المسألتين، و إلّا كما ادّعاه بعض الأصحاب (4)فلا.

و الرواية بعد تسليم سندها لا حجة فيها،حيث لم يحك فيها عن صاحب الشريعة،و دعوى الشيخ عدم مخالف لابن مسعود بعد تسليم كونها حجة لا تعارض الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة،و الدليل الآخر المتقدم إليه الإشارة،و هو و إن كان في صلوحه للحجّية مناقشة،إلّا أنه كاتحاد طريق المسألتين المتقدم ذكره صالح للتأييد و التقوية.

ص:338


1- الحلي في السرائر 3:193،الخلاف 3:346.
2- المجموع للنووي 14:124،المغني لابن قدامة 5:238 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.
3- الخلاف 4:288.
4- انظر التنقيح الرائع 2:395.

نعم،يؤيّد ما ذكراه الأخبار المانعة للوكيل عن الشراء لنفسه (1).لكن لا تصلح للحجّية؛ إما لعدم المصير إليها ثمة،كما ذهب إليه جماعة (2)؛ أو لاختصاصها بما ليس منه مفروض المسألة.

و يجوز له أيضاً أن يقترضه أي مال اليتيم،وفاقاً للنهاية و جماعة (3)،بل نسبه في الكفاية و غيره (4)إلى الشهرة؛ للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:في رجل ولّى مال اليتيم أ يستقرض منه؟فقال:

«إن علي بن الحسين عليهما السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس بذلك» (5).

و نحوه بعينه خبران آخران (6)،لكن بدون تفريع نفي البأس.

و قصور سندهما منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية،مع اعتباره في أحدهما بابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته.

و هذه النصوص كغيرها و إن كانت مطلقة،إلّا أنه ينبغي تقييدها بما إذا كان الوصي مليئاً كما ذكره الجماعة،و استفيد من نصوص أُخر معتبرة،منها القريب من الصحيح،بل الصحيح كما قيل (7):في رجل عنده مال اليتيم فقال:«إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله،و إن هو اتّجر

ص:339


1- الوسائل 17:391 أبواب آداب التجارة ب 6.
2- منهم:الشهيدان في اللمعة و الروضة(الروضة البهية 4):384،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:560،و صاحب الحدائق 22:98.
3- النهاية:361؛ و انظر المختلف:345،و المسالك 1:173.
4- الكفاية:89؛ و انظر المسالك 1:173.
5- الكافي 5:5/131،الوسائل 17:258 أبواب ما يكتسب به ب 76 ح 1.
6- الكافي 5:6/131،8/132،التهذيب 6:953/341،الوسائل 17:259 أبواب ما يكتسب به ب 76 ذيل الحديث 1.
7- الحدائق 18:328.

به فالربح لليتيم و هو ضامن» (1).

و الخبر:كان لي أخ هلك،فوصّى إلى أخٍ أكبر مني و أدخلني معه في الوصية،و ترك ابناً له صغيراً و له مال،أ فيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم و ضمن له ماله؟فقال:«إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به،و إن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم» (2)و نحوه آخر (3).

و شرط بعضهم (4)الرهن عليه،و ليس في النصوص مع ورودها في مقام الحاجة دلالة عليه،لكن التحفّظ في مال اليتيم بقدر الإمكان طريق الاحتياط،قال اللّه تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [1] (5).و لذا إن الحلّي لم يجوّز الاقتراض من ماله على الإطلاق (6).و لكنه شاذّ،و بالنصوص المتقدمة مضعّف.

و فسّر الملاءة بعض (7)بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلاً عن المستثنيات في الدين و عن قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي

ص:340


1- الكافي 5:3/131،التهذيب 6:955/341،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 3.
2- الكافي 5:1/131،التهذيب 6:957/342،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 1.
3- الكافي 5:4/131،التهذيب 6:954/341،الوسائل 17:258 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 4.
4- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3:136.
5- الأنعام:152.
6- السرائر 2:212.
7- كالشهيد الثاني في المسالك 1:50.

النفقة.

و آخر (1)بأن يكون المتصرف قادراً على أداء المال المأخوذ من ماله إذا تلف بحسب حاله.

و ليس في النصوص ما يدل على شيء منهما صريحاً،و الخبران الأخيران يحتملان الانطباق على كلّ منهما،لكن الثاني لعله أظهر و أوفق بالحفظ المعتبر في مال اليتيم،و أنسب بمدلول الآية الكريمة.

و الظاهر اعتبار الإشهاد،كما قيل (2)؛ حفظاً للحق عن التلف.

قال الشهيد الثاني:و إنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة للطفل؛ إذ لا يصحّ بيع ماله بدونها مطلقاً،و أمّا الاقتراض فشرطه عدم الإضرار بالطفل و إن لم يكن المصلحة موجودة (3).و استحسنه في الكفاية (4).

و لا يخلو في الثاني عن قوة؛ لإطلاق النصوص المتقدمة.

و اعلم أنه تختصّ ولاية الوصي بما عيّن له الموصي من التصرفات و الولايات عموماً كان ما عيّن له،كأنت وصيي في كلّ قليل أو كثير،أو في كلّ مالي فيه ولاية،و نحوه أو خصوصاً مطلقاً،بشيء معين كان مختصّاً،كأنت وصيّي فيما أوصيت به يوم الدفن،أو فيما ذكرته في وصيّتي و كان قد ذكر أشياء مخصوصة و نحو ذلك،أو بوقت،كأنت وصيّي إلى سنة،أو إلى أن يبلغ ابني فلان،و شبه ذلك،أو بالأحوال،كأن

ص:341


1- كصاحب المدارك 5:18.
2- قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:395.
3- المسالك 1:173.
4- الكفاية:89.

يوصي إلى زوجته إلى أن تتزوج و غير ذلك.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ لعموم ما دلّ على تحريم تبديل الوصيّة.

و لو قال:أنت وصيّي و أطلق قيل:كان لغواً (1)،و عن المحقق الثاني أنه حكى عن الشارح الفاضل عدم الخلاف فيه (2)،و نسبه في الكفاية إلى كلام الأصحاب كافّة،قال:و لا يبعد كونه وصيّاً على الأطفال؛ لأنه المفهوم في المتعارف (3).

و هو حسن حيث ثبت،و إلّا فالأوّل أثبت.

و لو قال:أنت وصيّي على أولادي ففي انصراف الوصية إلى التصرف في مالهم بما فيه الغبطة،أو إلى حفظه خاصّة،أو عدم الصحة ما لم يبيّن ما فوّض إليه،أوجه ثلاثة،اختار أوّلها في الكفاية (4).

جواز أخذ الوصي أُجرة المثل

و يجوز أن يأخذ الوصي أُجرة المثل لعمله إن عيّنها له الموصي مطلقاً،بلا خلاف،كما في التنقيح (5)،و كذا الزيادة لو وافقت الثلث،و إلّا فتتوقّف على إجازة الورثة.

و كذا إن لم يعيّنها بشرط أن لا يكون بعمله متبرّعاً،وفاقاً للمحكي عن الشيخ و الفاضل و الشهيد (6)؛ لأنه عمل محترم غير متبرّع به فكان له

ص:342


1- قال به العلّامة في التذكرة 2:508،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 11:262.
2- جامع المقاصد 11:262؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:623.
3- الكفاية:151.
4- الكفاية:151.
5- التنقيح الرائع 2:396.
6- الشيخ في النهاية:362،الفاضل في المختلف:345،الشهيد في الدروس 2:327.

اجرة مثله.

و للخبر،بل الصحيح كما قيل (1):عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟فقال:«ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك» (2).

و عن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات أصحابنا (3).

و قيل كما عن النهاية و الحلي (4):يأخذ قدر الكفاية لقوله سبحانه وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [1] (5)و هو ما لا إسراف فيه و لا تقتير.

و للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان المفسّران للمعروف بالقوت (6).

و الموثقان في تفسيره أيضاً،في أحدهما:«فليأكل بقدر و لا يسرف» (7).

و في الثاني:«له أن يصيب من لبنها من غير نهك بضرع و لا فساد لنسل» (8).

ص:343


1- قال به صاحب الحدائق 18:337.
2- التهذيب 6:960/343،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به 72 ح 5.
3- مجمع البيان 2:10.
4- النهاية:361،الحلي في السرائر 2:211.
5- النساء:6.
6- الكافي 5:3/130،التهذيب 6:950/340،و ج 9:949/244،الوسائل 17:250 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 1.
7- الكافي 5:1/129،التهذيب 6:948/340،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 4.
8- الكافي 5:4/130،التهذيب 6:951/340،قرب الإسناد:47،الوسائل 17:250 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 2.

و الخبر المروي عن تفسير العياشي:«فليشرب من ألبانها غير مجهد للحلاب،و لا مضرّ بالولد» (1).

و يمكن إرجاع هذه الأدلّة إلى الأوّل،لكنّه فرع التكافؤ.

و الأحوط بل الأولى كما عن المبسوط و التبيان (2)أن له أقلّ الأمرين؛ جمعاً بين الأدلّة،و اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

هذا مع الحاجة في الوصي و فقره.

و أمّا مع غناه فالأحوط بل اللازم كما عن الحلي (3)أن لا يأخذ شيئاً؛ للأصل،و نصّ الآية الكريمة مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [1] (4)و الموثق:«من كان يلي شيئاً لليتامى و هو محتاج ليس له ما يقيمه..فليأكل بقدر و لا يسرف،و إن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأنّ من أموالهم شيئاً» (5).

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الطوسي (6)،فجوزّاه على كراهةٍ، و وافقهما العلّامة (7)؛ لقرينة العفة الظاهرة في الجواز مع الكراهة.

و في هذه القرينة مناقشة،فلا يصرف الأمر في الآية و الرواية عن

ص:344


1- تفسير العياشي 1:28/221،المستدرك 13:195 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 3.
2- المبسوط 2:136،لم نعثر عليه في التبيان،حكاه عنه في السرائر 2:211 و المختلف:345.
3- السرائر 2:211.
4- النساء:6.
5- تقدّم مصدره في ص 340 الهامش(7).
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:345،الطوسي في النهاية:362.
7- المختلف:345.

ظاهره بمثلها.

ثم ظاهر إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في جواز الأخذ بين كثرة المال و قلّته،و هو الموافق لإطلاق الآية و كثير من الروايات الواردة في المسألة،لكن في جملة منها اشتراط الكثرة.

ففي القريب من الصحيح الوارد في تفسير الآية:فقال:«ذاك الرجل يحبس نفسه عن المعيشة،فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم،فإن كان قليلاً فلا يأكل منه شيئاً» (1)و نحوه المروي عن تفسير العياشي (2).

و لا ريب أنه أحوط،كالمستفاد منهما و من خبرين آخرين مرويّين عن التفسير المزبور (3)من اشتراط صرف العمل كله في مال اليتيم دون نفسه،فلا يأخذ إن عمل لنفسه مطلقاً احتياطاً،بل وجوباً إذا حصل له بذلك غنى؛ لما مضى.

ثم إنّه على القول الثاني هل المراد بالكفاية ما يكفيه و عياله،أو يقتصر على نفسه خاصّة؟وجهان،و ربما يدّعى ظهور الأوّل من روايات المسألة.

و لا يخلو عن مناقشة،و لا ريب أن الثاني أحوط،و إن كان ما يدّعى لا يخلو عن وجه.

ص:345


1- الكافي 5:5/130،التهذيب 6:952/341،الوسائل 17:251 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 3.
2- تفسير العياشي 1:29/221،المستدرك 13:195 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 1.
3- تفسير العياشي 1:31/222،32،الوسائل 17:252،253 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 9،10.

حكم إيصاء الوصي إلى غيره

و إذا كان الوصي أذن له الموصي في الوصية فيما أوصى به إليه إلى الغير جاز له الإيصاء فيه إليه،بلا خلاف فيه و في العدم مع المنع،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالصيمري و غيره (1)؛ و هو الحجة فيهما،مضافاً إلى الأُصول في الثاني،و الرواية الآتية فحوًى أو منطوقاً على ما فهمه الجماعة في الأوّل.

و لو أطلق ف لم يأذن و لم يمنع فقولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل لعلّه عليه عامّتهم أنه لا يصحّ وفاقاً للمفيد و التقي و ابن زهرة و الحلي (2)؛ اقتصاراً في التصرف في مال الغير الممنوع منه على مورد الإذن،و ليس إلّا التصرف للوصي الأوّل حال حياته.

خلافاً للإسكافي و النهاية و القاضي (3)،فجوّزوه كالأوّل؛ للصحيحة:

رجل كان وصي رجلٍ فمات و أوصى إلى رجل،هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيّه؟فكتب عليه السلام:«يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء اللّه تعالى» (4)بناءً على أن المراد بالحق هنا حق الإيمان فكأنه قال:

يلزمه إن كان مؤمناً وفاؤه لحقّه بسبب الإيمان،فإنه يقتضي معونة المؤمن و قضاء حوائجه التي أهمّها إنفاذ وصيته.

و لأنّ الموصي أقامه مقام نفسه،فيثبت له من الولاية ما ثبت له.

ص:346


1- انظر التنقيح الرائع 2:397،و الروضة 5:66.
2- المفيد في المقنعة:675،التقي في الكافي في الفقه:366،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604،الحلي في السرائر 3:191.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:511،النهاية:607،القاضي في المهذّب 2:117.
4- الفقيه 4:587/168،التهذيب 9:850/215،الوسائل 19:402 أبواب أحكام الوصايا ب 70 ح 1.

و لأن الاستنابة من جملة التصرفات المملوكة بالنص.

و يضعّف الأوّل بعد الإغماض عن كونه مكاتبة غير حجة،أو لأدلّة المنع غير مكافئة كونه مجملاً في الدلالة؛ لما ذكره الجماعة:من احتماله ما يضادّ الأوّل،بأن يراد بحقه الوصية إليه بأن يوصي،و ضمير حقّه راجع إلى الموصي الأوّل،و المعنى حينئذٍ:أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحقّ الأوّل إن كان له أي للأوّل قبله أي قبل الوصي الأوّل حق،بأن يكون قد أوصى إليه و أذن له أن يوصي،فقد صار له قِبَله حق الوصية،فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني،و مع تطرّق الاحتمال يسقط الاستدلال،إن لم يكن الثاني أرجح.

ثم إن هذا على ما فهموه من الرواية:من تعلّق وصية الوصي إلى الغير بما أوصى إليه الموصي الأوّل.و أمّا على ما يظهر منها بعد تعمّق النظر فيها من أن المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلّق به و جعله وصيّاً لنفسه،فهل يدخل في هذه الوصية وصية الموصي الأول فيلزم الوصي الثاني العمل بها أيضاً،أم لا؟فكتب عليه السلام الجواب بما مضى فلا وجه أيضاً للاستدلال به؛ لكونه على هذا التقدير أيضاً مجملاً.

و مقتضاه حينئذٍ أنه إن كان للوصي الأول قِبَله أي قِبَل الوصي الثاني حقّ من جهة وصية الموصي الأوّل لزمه الوفاء به،و إلّا فلا،و يكون المراد بالحق حينئذٍ حق التوصية إلى الوصي الثاني،بأن صرّح له بالوصية، فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأوّل لا تدخل في إطلاق وصية الموصي الثاني إلّا أن يصرّح به،و هو كما ترى غير مورد النزاع.

و إطلاقه و إن شمله إلّا أنه لا عبرة به؛ بناءً على ظهور وروده لبيان حكم غيره،فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد النزاع من جواز وصية الوصي

ص:347

إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصي و عدمه مجملاً محتملاً لاختصاص الحكم فيه بالجواز مع الشرط بالموضع المتيقن المجمع عليه،و هو صورة الإذن فيها لا مطلقاً.

و يحتمل هنا احتمال آخر لا يتأتّى معه الاستدلال أيضاً كما سبق.

و يضعّف الثاني:بأن إقامته مقام نفسه إنما هي في فعله مباشرة بنفسه،كما هو الظاهر.

و الثالث:بمنع كون الاستنابة من جملة التصرفات؛ فإن رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره،لاختلاف الأنظار و الأغراض في ذلك.

من لا وصي له فالحاكم ولي تركته

و من لا وصي له فالحاكم ولي تركته بلا خلاف فيه و في أن المراد بالحاكم الإمام عليه السلام إن كان،و إلّا فالفقيه الجامع لشرائط الفتوى،و مع عدمه فالتولية لعدول المؤمنين،وفاقاً للطوسي و أكثر المتأخرين (1)؛ للمعتبرة المستفيضة المؤيّدة بأن فيه الإعانة على البرّ المأمور بها في الكتاب و السنة، و عموم قوله سبحانه وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [1] (2)و نحو ذلك من المؤيّدات القوية التي أعظمها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلها إجماع في الحقيقة.

و خلاف الحلّي كتردّد الماتن في الشرائع (3)شاذّ غير ملتفت إليه.مع احتمال عبارة الأوّل ما يوافق الجماعة،بإرادته منها المنع عن ولايتهم إذا كان هناك حاكم الشريعة.

و يستثنى من محل المنع على تقديره ما يضطرّ إليه الأطفال و الدواب

ص:348


1- الطوسي في النهاية:608؛ و انظر الجامع للشرائع:492،و التنقيح الرائع 2:398،و اللمعة(الروضة البهية 5):78.
2- التوبة:71.
3- الحلي في السرائر 3:193،الشرائع 2:257.

من المئونة،و صيانة المال المشرف على التلف،فإن ذلك و نحوه واجب على المسلمين كفايةً فضلاً عن العدول منهم،كإطعام الجائعين المضطرين، و نحو ذلك.

و لو كان الحاكم بعيداً و أمكن المراجعة إليه و لو بعد مدة اقتصروا في التصرف على ما لا بُدَّ منه،و أخّروا ما يسع تأخيره.

الخامس في الموصى به و فيه أطراف

اشارة

الخامس:في الموصى به.

و فيه:أطراف

الأوّل في متعلق الوصية

الأوّل:في متعلق الوصية،و يعتبر فيه أن يكون له قابليّة الملك لكل من الموصي و الموصى له.

فلا تصحّ الوصية بالخمر الغير المحترمة المتّخذة لغير التخليل و لا بآلات اللهو و لا الخنزير،و لا كلب الهراش،و نحو ذلك،بلا خلاف أجده،بل الإجماع عليه في التذكرة (1)و على جواز الوصية بالكلاب الأربعة معلِّلاً الأخيرَ بأن فيه نفعاً مباحاً،و تقرّ اليد عليه،و الوصية تبرّع تصحّ في المال و غير المال من الحقوق،و أنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال.

و يستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلّل مقصود و إن لم يجز بيعه كالفيل و نحوه،على القول بالمنع عن بيعه،و به صرح في التذكرة (2)في المثال و غيره.

و يجوز أن يوصي بالثلث من تركته فما نقص بدون إذن الورثة إجماعاً،لا زائداً كذلك،على الأشهر الأقوى،بل عليه إجماع

ص:349


1- التذكرة 2:483.
2- التذكرة 2:481.

العلماء،كما صرّح به في الغنية و التنقيح و التذكرة (1)؛ و هو الحجة.مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الخاصيّة و العاميّة (2)،و هي بالمعنى متواترة.

قالوا:خلافاً لوالد الصدوق (3)،فجوّز الوصية بالمال كله؛ للرضوي:

«فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله،و يلزم الوصي إنفاذ وصيّته على ما أوصى به» (4).

و هو كمستنده شاذّ،و إن تأيّد بالإطلاقات،و بعض الروايات الضعيفة الأسانيد،منها:«الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح،إن أوصى به كلّه فهو جائز» (5).

و منها:أوصى رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمد عليه السلام،فكتبت إليه:جعلت فداك،رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك،و خلّف ابنتَيْ أُختٍ له،فرأيك في ذلك؟فكتب إليّ:« بع ما خلّف و ابعث به إليّ» فبعت و بعثت به إليه،فكتب إليّ:« قد وصل إليّ» (6)و نحوه خبران آخران (7).

ص:350


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التنقيح الرائع 2:399،التذكرة 2:482.
2- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الأبواب 8،9،10؛ و انظر سنن الترمذي 3:2199/291،و سنن أبي داود 3:2864/112،و سنن الدارمي 2:407.
3- حكاه عنه في المختلف:510.
4- فقه الرضا(عليه السلام):298،المستدرك 14:96 أبواب أحكام الوصايا ب 9 ح 6 و فيه صدر الحديث.
5- الكافي 7:2/7،الفقيه 4:520/150،التهذيب 9:753/187،الإستبصار 4:459/121،الوسائل 19:298 أبواب أحكام الوصايا ب 17 ح 5.
6- التهذيب 9:785/195،الإستبصار 4:468/123،الوسائل 19:280 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 16.
7- التهذيب 9:195،785/196،الإستبصار 4:468/123،الوسائل 19:281 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 17،18.

لضعف الإطلاقات بالإجمال أوّلاً،و بعدم مكافأتها كالأخبار التالية و الرضوي لما مضى من الأدلّة ثانياً.

مع قصور الرواية الأُولى عن الدلالة على الحكم في المتنازع فيه جدّاً من وجوه شتّى:

منها:أن غايتها الجواز،و لا كلام فيه،إنما الكلام في اللزوم و عدمه.

و منها:احتمال أن يراد بالمال الثلث،كما صرّح به الصدوق في المقنع بعد أن روى فيه ما يقرب من هذه الرواية،قال بعد نقله:ماله هو الثلث؛ لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث (1).

و منها:احتمال تقييدها بصورة فقد الوارث الخاصّ،كما هو أحد القولين،و إن منع عنه أيضاً في القول الآخر،و لعلّه الأظهر.

و نحو هذه الرواية في القصور دلالة الروايات الأخيرة لوجوه هي في الاستبصار و غيره (2)مذكورة،مع أنها معارضة بصريح أخبار أُخر معتبرة:

منها الصحيح:كان لمحمد بن حسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له:ميمون،فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العباس بن معروف بجميع ميراثه و تركته أن اجعله دراهم و ابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام،و ترك أهلاً حاملاً و إخوة قد دخلوا في الإسلام و أُمّاً مجوسيّة،قال:ففعلت ما أوصى به و جمعت الدراهم و دفعتها إلى محمد ابن الحسن إلى أن قال-:فكتبت و[حصّلت (3)]الدراهم و أوصلتها إليه عليه السلام،فأمره أن يعزل منها الثلث يدفعها إليه و يردّ الباقي على وصيّه

ص:351


1- لم نعثر عليه في المقنع،حكاه عنه في المختلف:510.
2- الاستبصار 4:125؛ و انظر المختلف:510.
3- في النسخ:جعلت،و ما أثبتناه من المصادر.

يردّها على الورثة (1).و نحوه غيره (2)هذا.

و يحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء بأن يكون المراد أنه يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصي به،من حيث وجوب العمل بالوصية،و حرمة تبديلها بنصّ الكتاب و السنة،و إنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جوراً و لو بالوصية بزيادة عن الثلث،و هو بمجرد احتماله غير كافٍ،فلعلّ الزيادة عنه وقعت الوصية بها من دون حيف أصلاً،كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له، و الموصي أعلم به،و هذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرّعاً.

و حاصله:أنه يجب على الوصي إنفاذ الوصية مطلقاً و لو زادت عن الثلث،لاحتمال وجوبها عليه في ماله،إلّا أن يعلم بكون الوصية تبرّعاً،فلا يمضي منها إلّا الثلث،كما عليه العلماء.

و هذا التوجيه إن لم نقل بكونه ظاهراً من عبارته فلا أقلّ من تساوي احتماله لما فهموه منها،فنسبتهم المخالفة إليه ليست في محلّها،و عليه نبّه في التذكرة (3)،فلا خلاف من أحدٍ يظهر هنا.

و كيف كان ف لو أوصى بزيادة عن الثلث صحّ في الثلث و بطل في الزائد بمعنى أنه لا يلزم فيه،بل يكون مراعى فإن أجاز الورثة بعد الوفاة صحّ،و إن أجاز بعض الورثة صحّ في حصته دون الباقي،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه إجماع العلماء في ظاهر

ص:352


1- التهذيب 9:790/198،الإستبصار 4:473/125،الوسائل 19:277 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 7.
2- التهذيب 9:937/242،الإستبصار 4:474/126،الوسائل 19:277 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 8.
3- التذكرة 2:481.

الغنية و صريح التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية، و صريح غيرها من المعتبرة.

و لو أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان و المروي في المعتبرة اللزوم ففي الصحيحين:رجل أوصى بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك،فلمّا مات الرجل نقضوا الوصية،هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟قال:

«ليس لهم ذلك،الوصية جائزة عليهم» (2)و نحوهما غيرهما (3).

و إليهما ذهب عامّة متأخّري أصحابنا تبعاً للإسكافي و الصدوق و ابن حمزة و الطوسي (4)مدّعياً عليه إجماع الإمامية كما حكي عنه في المختلف و الدروس و شرح القواعد للمحقق الثاني (5).

و لا ريب فيه؛ لصحة أكثر النصوص،و كثرتها،و صراحتها، و اشتهارها،و اعتضادها بالإجماع المنقول،و سلامتها عن المعارض من جهتها،بل و غيرها أيضاً كما سترى.

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي (6)،فاختاروا العدم؛ لأن الورثة

ص:353


1- الغنية(الجوامع الفقهية):604،التذكرة 2:481.
2- الكافي 7:1/12 و ذيله،الفقيه 4:512/147،513/148،التهذيب 9:775/193،776،الإستبصار 4:464/122،465،الوسائل 19:283 أبواب أحكام الوصايا ب 13 ح 1.
3- التهذيب 9:777/193،الإستبصار 4:466/122،الوسائل 19:284 أبواب أحكام الوصايا ب 13 ذيل الحديث 1.
4- حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع 2:400،الصدوق في الفقيه 4:147،ابن حمزة في الوسيلة:375 و فيها نسب اللزوم إلى القيل،الطوسي في الخلاف 4:144،و النهاية:608.
5- المختلف:500،الدروس 2:301،جامع المقاصد 10:113.
6- المفيد في المقنعة:670،الديلمي في المراسم:203،الحلي في السرائر 3:185.

أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم،كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل التزويج،و الشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل البيع.

و لأنها حالة لا يصح فيها ردّهم للوصية بل يلزمهم إذا أجازوها بعده، فلا تصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.

و يضعّفان مضافاً إلى أنهما اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بتعلّق حق الورثة بالمال و إلّا لم يمنع الموصي من التصرف فيه.

و بظهور الفرق بين الردّ و الإجازة،فإن الردّ إنما لا يعتبر حال حياة الموصي لأن استمرار الوصية يجري مجرى تجدّدها حالاً فحالاً،بخلاف الردّ بعد الموت و الإجازة حال الحياة.

قيل:و لا فرق بين وصية الصحيح و المريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة (1)،و إن افترقا في التصرف منجّزاً إن قلنا فيه بالفرق بينهما،و إلّا فلا فرق بينهما هنا أيضاً،و إن افترق الوصية و المنجز على هذا التقدير.

و يعتبر في المجيز جواز التصرف،فلا عبرة بإجازة الصبي و المجنون و السفيه.أمّا المفلّس فإن كانت إجازته حال الحياة نفذت؛ إذ لا ملك له حينئذٍ و إنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي عندنا.

و لو كانت بعد الموت ففي صحتها وجهان مبنيان على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت و بالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له،أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت؟فعلى الأوّل لا تنفذ؛ لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة،و على الثاني يحتمل الأمرين.

ص:354


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 5:36.

و هل الإجازة تنفيذ أو ابتداء عطية؟ظاهر أصحابنا الأوّل،بل ظاهر المسالك و التذكرة (1)الإجماع عليه،فلا يحتاج إلى إيجاب و قبول،و لا توجب ولاءً للمجيز إذا كان الوصية في عتق،و لا يعتبر في إجازة المريض خروجها من الثلث،و تنتفي هذه الأحكام على الثاني.

و يملك الموصى به بعد الموت لا قبله،بلا خلاف،كما في المسالك و عن المبسوط (2).

و هل يحصل الملك به قهراً كالإرث و إن كان متزلزلاً حتى يقبل،أم به و بالقبول معاً،أم القبول كاشف بالموت؟أقوال غير مستندة إلى حجة معتدّ بها،و الأُمور الاعتبارية متعارضة،لكن لعلّ الأخير أظهر،و عليه الأكثر،كما في المسالك و غيره (3)؛ لا لما علّلوه به،لما مرّ،بل لأن ذلك مقتضى العقد بناءً على أن مقتضى الإيجاب هو انتقال الملك عقيب الموت بلا فصل،و القبول إنما وقع على هذا الإيجاب،هذا.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة المستفيضة الدالّة على حصول الانتقال بمجرد الموت من دون توقّف على أمر آخر،و قد مضى شطر منها،و فيها الصحيح و غيره.

و هي و إن لم تتضمن اشتراط القبول إلّا أنها مقيّدة أو مخصّصة بما دلّ عليه،و العام المخصّص حجة في الباقي،و لا موجب لتخصيصها بالإضافة إلى ما نحن فيه حتى يرتكب.

و يتفرع على الخلاف فروع كثيرة هي في المطوّلات كالمسالك و غيره

ص:355


1- المسالك 1:393،التذكرة 2:481.
2- المسالك 1:386،المبسوط 4:28.
3- المسالك 1:387؛ و انظر المفاتيح 3:221.

مذكورة (1).

و تصحّ الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر على أن يكون الربح بينهما مطلقاً،وفاقاً للنهاية و القاضي و أكثر المتأخرين (2)،بل لعلّه عليه عامتهم؛ للمعتبرين،في أحدهما:دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال:

يا بني اقبض مال إخوتك الصغار و اعمل به،و خذ نصف الربح و أعطهم النصف،و ليس عليك ضمان إلى ان قال-:فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثم قلت له:ما ترى؟فقال:«ليس عليك فيما بينك و بين اللّه عزّ و جلّ ضمان» (3).

و في الثاني:عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم،و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال،و أن يكون الربح بينه و بينهم،قال:«لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حي» (4).

و قصور سندهما بالجهالة مجبور بالشهرة العظيمة،مع وجود ابن أبي عمير في الأوّل و السند إليه صحيح،و هو ممن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم،فلا يضر جهالة من بعده،و كذا جهالة راوي الثاني،فقد قيل في حقه:إنه لا بأس به (5)،و ربما قيل بحسنه (6)،بل قيل

ص:356


1- المسالك 1:387؛ و انظر الحدائق 22:389.
2- النهاية:608،القاضي في المهذب 2:118؛ و انظر المختلف:511،و التنقيح الرائع 2:403،و الدروس:249.
3- الكافي 7:16/61،الفقيه 4:591/169،التهذيب 9:919/236،الوسائل 19:427 أبواب أحكام الوصايا ب 92 ح 2.
4- الكافي 7:19/62،الفقيه 4:590/169،التهذيب 9:921/236،الوسائل 19:427 أبواب أحكام الوصايا ب 92 ح 1.
5- انظر رجال الكشي 2:623/629،و رجال العلّامة:2/168.
6- قال به المجلسي في مرآة العقول 23:101.

بوثاقته (1)،هذا.

مضافاً إلى تأيّدهما بإطلاقات الكتاب و السنة السليمة كما قيل (2)عمّا يصلح للمعارضة؛ فإن التكسّب بمال الصغير غير واجب على الوصي، و الحاصل من الربح زيادة فائدة،و التعرض للتلف غير قادح،لأن الواجب على العامل مراعاة الأمن و الحفظ و ما فيه مصلحة المال،و العمل به على هذا الوجه راجح عند العقلاء.

و لا يلزم مراعاة المدّة التي شرطها الموصي،بل يصح ما دام الوارث صغيراً،فإذا كمل كان له فسخ المضاربة؛ لأنها عقد مبني على الجواز، و تحديد الموصي لها بمدّة لا يرفع حكمها الثابت بالأصل،و إنما فائدته المنع عن التصرف فيما زاد عليها لا الالتزام بها فيها.

و لا يلزم من ذلك تبديل الوصية و تغييرها المنهي عنه شرعاً؛ لأن تبديلها هو العمل بخلاف مقتضاها،و ليس كذلك هنا،فإنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل لفسخه في كل وقت يمكن،عملاً بمقتضاه، و لا يكون الفسخ تبديلاً للوصية بل عملاً بمقتضاها.

و مورد الخبرين و العبارة هو الأصاغر خاصة،و عن الأكثر الإطلاق المحتمل للكبار،و مستندهم عليه من النص غير واضح.

و إن كانت الصحة في الوصية بما لهم أيضاً غير بعيدة إن حصلت منهم الإجازة،لكن الصحة حينئذٍ ليست مستندة إلى الوصية،فإنها حينئذٍ كالفضولي مستند صحتها إلى الإجازة.

و بعيدة إن لم تحصل بسبب عدم اطّلاع الورثة؛ لاستلزام الصحة

ص:357


1- انظر الحدائق 22:432.
2- راجع مفتاح الكرامة 9:460.

حينئذٍ جواز تصرف العامل بمجرد الوصية و لو مع عدم اطّلاع الورثة،و هو يستلزم أُموراً مخالفة للأُصول المسلّمة التي منها حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه،و عدم إلزام المالك بما تلف بفعل غيره حيث يقع،و كون الربح تابعاً للمال،لا يستحق منه العامل فيه شيئاً مع علمه أو زائداً على اجرة المثل.

و فائدة الصحة حيث ثبتت أن الوارث إذا لم يفسخ و عمل الموصى له في المال استحق الحصّة المعيّنة له عملاً بمقتضى الوصية و الإجازة،و ليس في هذا مخالفة للأُصول الشرعية،إذ ليس فيه تفويت على الوارث بوجه، و لا منع عن التصرف في ماله حتى يتوقّف على رضاه.

و به يندفع ما يورد على الصحة من تضمّنها الإضرار بالوارث على تقدير زيادة المدّة و قلّة الربح؛ لأنّ ذلك مستند إليه حيث لم يفسخ مع تمكّنه منه فالضرر على تقديره مستند إليه،نعم يتّجه ذلك في صورة عدم الإجازة.

فخلاف الحلي (1)المشترط في الصحة مطلقاً كون المال بقدر الثلث فما دون شاذّ.كمختار الفاضل المقداد في التنقيح (2):من أن المحاباة في الحصّة من الربح بالنسبة إلى أُجرة المثل محسوبة من الثلث.

و هما مع ذلك ردّ للنصّ المعتبر في الجملة،و لولاه لأمكن المصير إلى عدم الصحة فيما زاد على الثلث مطلقاً،لاستلزامها المخالفة لبعض الأُصول المتقدمة،و هو تبعية الربح لرأس المال،و عدم استحقاق العامل فيه شيئاً أو زائداً على الأُجرة،فتأمّل.

ص:358


1- السرائر 3:192.
2- التنقيح الرائع 2:403.

و لو أوصى بواجب و غيره أُخرج الواجب من الأصل إذا كان مالياً، كالدين و الحج و الباقي من الثلث بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة (1)،بل عليه الإجماع في الغنية (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاقات الكتاب و السنة بتقديم الدين على الإرث، الشاملة لصورتي الوصية به و عدمها.و مجرد الوصية به لا يوجب صرفه إلى الثلث ما لم يصرح به؛ لعدم التلازم.

و للصحيح:رجل توفّي و أوصى أن يحجّ عنه،قال:«إن كان صرورة فمن جميع المال،إنه بمنزلة الدين الواجب،و إن كان قد حجّ فمن ثلثه» (3)الحديث،و نحوه الموثق (4).و هو كما ترى صريح في عدم التلازم.

و التعليل في الذيل ظاهر في العموم لكل ما هو بمنزلة الدين،فيشمل جميع الواجبات المالية المحضة،كالدين و الزكاة و الكفارات و نذر المال، و المشوبة بالبدن كالحجّ.فما في الكفاية بعد نسبة العموم إلى الأصحاب كافة:من أن الحكم ثابت في الزكاة و الحج الواجبين خاصة،و الحجة في غيرهما غير واضحة (5)المناقشة فيه واضحة.

و إذا كان بدنيّاً كالصلاة و الصوم أُخرج من الثلث،بلا خلاف أجده إلّا من ظاهر إطلاق العبارة و نحوها؛ و حجّته غير واضحة،و يحتمل قويّاً اختصاصه بالواجب المالي خاصّة،و إنما لم يقيّد به اتّكالاً على الوضوح من الخارج.

ص:359


1- انظر التنقيح 2:404 و الحدائق 22:435.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
3- الكافي 4:1/305،الوسائل 11:67 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25 ح 4.
4- التهذيب 9:693/170،الوسائل 19:357 أبواب أحكام الوصايا ب 40 ح 1.
5- الكفاية:147.

و لعلّه لذا لم ينقل أحد خلافاً في المسألة إلّا المحقق الثاني (1)،فقد حكى القول بإخراجه أيضاً من الأصل كالمالي،لكن لم يصرّح بقائله، و يمكن إرادته الماتن و من حَذا حَذوه في التعبير،و لعلّه بعيد،لكن بعدم الخلاف صرّح بعض الأجلّة (2).

و الفرق بين المقامين واضح؛ فإن الواجب المالي و إن كان مشوباً بالبدن في بعض أفراده لما كان متعلّقاً بالمال حال الحياة وجب إخراجه بعد الموت من المال،و تخرج الأدلّة المتقدمة شاهدة على ذلك.و أمّا الواجب البدني فإنه لمّا كان متعلّقه في حال الحياة إنما هو البدن و بعد الموت مع عدم الوصية به يتعلّق الخطاب به بالولي،فمع عدمه و عدم الوصية لا دليل على وجوب الإخراج من الأصل.

و لو حصر الجميع أي جميع ما أوصى به من الواجب و غيره في الثلث بأن صرّح بإخراجه منه بدئ بالواجب و قُدِّم على غيره و إن تأخّرت الوصية به،سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره،و بدئ بعده بالأوّل فالأوّل،كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في كلام جماعة،بل لم أقف فيه على مخالف عدا الكفاية،فقال:و قطع بعضهم بتقديم البدنية على المتبرّع بها من ثلث الباقي الأوّل فالأوّل،و حجته غير واضحة (3).

و فيه نظر؛ لأولوية الواجب على غيره،مع حصول تيقّن براءة الوصي بصرفه فيه،و لا كذلك لو صرفه في غيره.

مضافاً إلى ظاهر التعليل في الصحيح:إن امرأة من أهلي ماتت

ص:360


1- جامع المقاصد 10:119.
2- الحدائق 22:435.
3- الكفاية:146.

و أوصت إليّ بثلث مالها،و أمرت أن يعتق عنها و يتصدق و يحج عنها، فنظرت فيه فلم يبلغ،فقال:«ابدأ بالحج فإنّه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ،و تجعل ما بقي طائفة في العتق،و طائفة في الصدقة» (1)الحديث.

و هو و إن اختصّ بالحجّ الذي هو من الواجبات المالية إلّا أن تعليل تقديمه بكونه من فرائض اللّه سبحانه عامّ يشمل جميع ما يوجد فيه هذه العلّة،و لا ريب أن الصلاة من أفضل فرائض اللّه سبحانه،فالحق ما ذكره الجماعة.

و لو أوصى بأشياء تطوّعاً،فإن رتب بينها بدئ بالأوّل حتى يستوفي الثلث و بطل في ما زاد عليه إن لم يجز الورثة،بلا خلاف في الأخير،و في الأوّل أيضاً إذا كانت الوصية بها في وقت واحد و لم يكن فيها عتق.و أمّا مع فقد الشرطين فكذلك على الأشهر الأظهر،كما في الكفاية و غيره (2).

قيل:لأنّ الوصية الصادرة أوّلاً نافذة؛ لصدورها من أهلها في محلها، بخلاف الصادرة بعد استيفاء الثلث (3).

و الأولى الاستدلال عليه بالخبر:في رجل أوصى عند موته و قال:

أعتق فلاناً و فلاناً و فلاناً حتى ذكر خمسة،فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم،قال:«ينظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون،و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء ذكره،ثم الثاني،

ص:361


1- الكافي 7:14/19،الفقيه 4:543/156،التهذيب 9:869/221،الإستبصار 4:509/135،الوسائل 19:396 أبواب أحكام الوصايا ب 65 ح 1.
2- الكفاية:146؛ و انظر التنقيح الرائع 2:404،و الروضة 5:44.
3- الكفاية:146.

ثم الثالث،ثم الرابع،ثم الخامس،فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك» (1).

و ضعفه منجبر بالشهرة،و برواية ابن محبوب عن موجبه و هو ممن قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة.

و مورده و إن كان مختصّاً بما لا نزاع فيه على الظاهر،إلّا أن التعليل ظاهر في العموم له و للمتنازع.

خلافاً للإسكافي و المبسوط (2)في صورة فقد الشرط الثاني خاصة، فقدّما العتق على غيره و إن ذكر بعده.

و يمكن أن يستدل لهما بكثير من المعتبرة كالصحيحين،في أحدهما:رجل أوصى بأكثر من الثلث و أعتق مماليكه في مرضه،فقال:«إن كان أكثر من الثلث ردّ الى الثلث و جاز العتق» (3)و قريب منه الثاني (4).

و الخبر:رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته و أعتق مملوكاً له، و كان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث،كيف يصنع في وصيته؟فقال:

«يبدأ بالعتق فينفذه» (5).

لكنّها مع ضعف بعضها ضعيفة الدلالة محتملة للعتق المنجّز خاصة،

ص:362


1- الكافي 7:15/19،الفقيه 4:545/157،التهذيب 9:788/197،الوسائل 19:398 أبواب أحكام الوصايا ب 66 ح 1.
2- حكاه عن الإسكافي في المسالك 1:394،المبسوط 4:48.
3- الكافي 7:1/16،التهذيب 9:859/219،الوسائل 19:400 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 4.
4- الكافي 7:4/17،الفقيه 4:546/157،التهذيب 9:780/194،الإستبصار 4:454/120،الوسائل 19:399 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 1.
5- الكافي 7:3/17،الفقيه 4:547/158،التهذيب 9:861/219،الإستبصار 4:510/135،الوسائل 19:400 أبواب أحكام الوصايا ب 67 ح 2.

بل ظاهرة فيه بلا شبهة،و لا خلاف في تقديمه على الوصية.

و لابن حمزة في صورة فقد الشرط الأوّل خاصة،فجعل الوصية الثانية في الزمان المتباعد رجوعاً عن الأُولى إلّا أن يسعهما الثلث (1).

و حجته غير واضحة.

نعم،في رواية ضعيفة:إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟فقال:«خذ بأُخراهنّ» قلت:فإنّها أقلّ،فقال:«و إن قلّت» (2).

و فيها مضافاً إلى ما مرّ أنه عام لصورتي التباعد بين الزمانين و عدمه، و لم يقل بها في الثاني.مع احتمالها الحمل على كون المقصود الرجوع، كما تشعر الرواية به.

و المراد بالأوّل الذي يجب البدأة به ما يقدّمه الموصي في الذكر و لم يعقّبه بما ينافيه،سواء عطف عليه الثاني بثمّ أو الفاء أو الواو أو قطعه عنه، بأن قال:أعطوا فلاناً مائة،أعطوا فلاناً خمسين،كذا قالوا،و ربما يومئ إليه في الجملة الرواية المتقدمة سنداً للمشهور.

و إن جمع بينها و لم يرتّب،بأن ذكرها دفعةً فقال:أعطوا فلاناً و فلاناً و فلاناً مائة،أو رتّب باللفظ ثم نصّ على عدم التقديم أُخرجت من الثلث و وزّع النقص على الجميع،فيبطل من كلّ وصية بحسابها،بلا خلاف،و عليه يحمل إطلاق بعض ما مرّ من الصحاح بصرف طائفة من الوصية في العتق و أُخرى في الصدقة.

و لو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد و المشترك

ص:363


1- الوسيلة:375.
2- التهذيب 9:765/190،الوسائل 19:305 أبواب أحكام الوصايا ب 18 ح 7،و فيهما:إن أبي أوصى..

بلا خلاف أجده؛ للخبر:عن الرجل تحضره الوفاة و له مماليك لخاصّة نفسه،و له مماليك في شركة رجل آخر،فيوصي في وصيته:مماليكي أحرار،ما حال مماليكه الذين في الشركة؟فقال:«يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثم هم أحرار» (1).

و يستفاد منه أنه يقوّم عليه حصّة شريكه إن احتمله ثلثه،و إليه ذهب في النهاية و القاضي و المختلف (2).

خلافاً للحلّي (3)و المتأخّرين كافّة،كما ذكره بعض الأجلّة (4)، فاختاروا عدم السراية؛ لمخالفتها الأصل،مع فقد شرطها الذي هو يسار الموصى بموته؛ لزوال ملكه به عن ماله،و الرواية قاصرة السند غير صالحة للحجية.

قيل:و لعلّها ضعيفة الدلالة؛ لظهور السؤال فيها في العتق المنجّز، فإنه الذي يعبّر عنه بمماليكي أحرار في الأغلب.

و هو حسن لولا قوله:فيوصي في وصيته،فإنه ظاهر في الوصية دون المنجّز،و كما يجوز صرفه إلى الظهور الأوّل كذا يمكن العكس لو لم نقل بكونه الأظهر،إلّا أن تطبيق الرواية مع القواعد يقتضي المصير إلى الأوّل.

الثاني في الوصايا المبهمة

الثاني:في الوصايا المبهمة.

من أوصى بجزء من ماله و لم يكن ثمة قرينة من عرف أو عادة على تعيينه كان الموصى به هو العشر من أصل التركة لا من الثلث،

ص:364


1- الكافي 7:17/20،الفقيه 4:549/158،التهذيب 9:872/222،الوسائل 19:407 أبواب أحكام الوصايا ب 74 ح 2.
2- النهاية:616،القاضي في المهذب 2:107،المختلف:509.
3- السرائر 3:214.
4- انظر الحدائق 22:445.

إلّا أن يضيفه إليه،وفاقاً للصدوقين و الطوسي في كتابي الأخبار (1)،و اختاره الفاضل في المختلف و ولده و الشهيد في الدروس و اللمعة و المحقق الثاني (2)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن،و ليس إلّا العشر؛ للاتفاق عليه نصّاً و فتوى؛ و للنصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، مروية في الكتب الأربعة (3)،و عن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي و معاني الأخبار و الفقه الرضوي (4)،و فيها الصحيح و غيره.

و في رواية أنه السبع و هي مستفيضة،و فيها الصحيح و غيره، مروية أيضاً في الكتب الأربعة (5)و عن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي و إرشاد المفيد (6)،و إليها ذهب الأكثر،كالمفيد و النهاية و الإسكافي و الديلمي و القاضي و ابن زهرة (7)مدعياً عليه إجماع الإمامية.

ص:365


1- نقله عن الصدوقين في المختلف:501،الاستبصار 4:133،التهذيب 9:210.
2- المختلف:501،و ولده في إيضاح الفوائد 2:533،الدروس 2:312،اللمعة(الروضة البهية 5):33،جامع المقاصد 10:211.
3- الكافي 7:39،1/40،2،3،الفقيه 4:528/152،التهذيب 9:208،824/209،825،826،827،الإستبصار 4:131،494/132،496،497،الوسائل 19:380 383 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 1،2،3،10.
4- تفسير العياشي 1:143،472/145،473،476،معاني الأخبار:1/217،2،الوسائل 19:381،382 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 4،5،7،8،9،فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:130 أبواب أحكام الوصايا ب 46 ح 6.
5- لم نعثر عليها في الكافي،و هي في الفقيه 4:529/152،التهذيب 9:828/209،829،831،الإستبصار 4:132،498/133،499،501،الوسائل 19:384 أبواب أحكام الوصايا ب 54 الأحاديث 11،12،13.
6- تفسير العياشي 2:21/244،المستدرك 14:129 أبواب أحكام الوصايا ب 46 ح 4،إرشاد المفيد:118،الوسائل 19:382 أبواب أحكام الوصايا ب 54 ح 6.
7- المفيد في المقنعة:673،النهاية 613،حكاه عن الإسكافي في المختلف:501،الديلمي في المراسم:204،القاضي في جواهر الفقه(الجوامع الفقهية):503،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.

و المسألة محل شبهة؛ لاعتضاد الرواية الأُولى بالأصل و الكثرة،و لذا نسبها في الشرائع (1)إلى أشهر الروايتين؛ و الثانية بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدمة.

فالأحوط الرجوع فيما زاد على العشر إلى الصلح حيث أمكن،و إلّا فالتوقّف،و إن كان المصير إلى مختار الأكثر لا يخلو عن قرب.

و أمّا ما في رواية أُخرى من أنه سبع الثلث (2) فمع ضعف سنده شاذّ غير معمول به،فليطرح،أو يحمل على صورة إضافة الجزء إلى الثلث دون أصل المال كما هو الفرض.

و لو أوصى بسهمٍ من ماله و لم يكن قرينة على تعيينه كان ثمناً على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر؛ للأصل،و المعتبرة،و فيها الصحيح و غيره (3).

خلافاً لوالد الصدوق (4)،فالسدس؛ للرضوي:«فإن أوصى بسهمٍ من ماله فهو سهم من ستّة أسهم،و كذلك إذا أوصى بشيء من ماله غير معلوم فهو واحد من ستة» (5).

و تبعه الطوسي في المبسوط و الخلاف و ابن زهرة (6)؛ للعامي:إن

ص:366


1- الشرائع 2:248.
2- الفقيه 4:529/152،التهذيب 9:831/209،الإستبصار 4:501/133،معاني الأخبار:3/218،الوسائل 19:384 أبواب أحكام الوصايا ب 54 ح 13.
3- الوسائل 19:385 أبواب أحكام الوصايا ب 55.
4- حكاه عنه في المختلف:501.
5- فقه الرضا(عليه السلام):299،المستدرك 14:131 أبواب أحكام الوصايا ب 47 ح 3،و الباب 48 ح 1.
6- المبسوط 4:8،الخلاف 2:91،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):604.

رجلاً أوصى لرجلٍ بسهم من المال،فأعطاه النّبي صلى الله عليه و آله السدس (1).و في ظاهر الغنية الإجماع عليه،قال:و قد روي عن إياس بن معاوية في السهم أنه قال:هو في اللغة السدس.

و هذه الأدلّة كما ترى مع مخالفتها الأصل لا تقاوم الأدلّة؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة المتقدمة و المتأخّرة.

و منه ينقدح وجه القدح في دعوى الإجماع المتقدمة،مع أنها في نقله غير صريحة.

و أما الرواية المفسِّرة له بالعشر (2)فمع ضعفها شاذّة لم أر عاملاً بها، و لا من نقله إلّا شيخنا في الروضة (3)،فأشار إليه بقيل،و لم أعرف قائله.

و لو كان أوصى بشيء من ماله كان سدساً بلا خلاف يظهر، و به صرّح بعضٍ (4)،بل في الغنية و المسالك و غيرهما (5)الإجماع عليه.

و الروايات هنا متّفقة،منها الرضويّة المتقدّمة،و نحوها غيرها من المعتبرة المرويّة في الكتب المشهورة (6).

و لو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجهاً منها أو أكثر صرف المنسي في وجوه البرّ بلا خلاف يظهر إلّا من الحلّي تبعاً للطوسي في بعض فتاويه (7)،فأرجعاه إلى الوارث؛ لبطلانها بامتناع القيام بها.

ص:367


1- المغني لابن قدامة 6:477.
2- التهذيب 9:834/211،الإستبصار 4:504/134،الوسائل 19:387 أبواب الوصايا ب 55 ح 4.
3- الروضة 5:34.
4- كابن فهد في المهذب البارع 3:130.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):604،المسالك 1:399؛ و انظر التذكرة 2:496.
6- انظر الوسائل 19:388 أبواب الوصايا ب 56.
7- الحلي في السرائر 3:208،الطوسي في الرسائل العشر:297.

و الملازمة ممنوعة،مع كونه اجتهاداً في مقابلة بعض المعتبرة بالشهرة:عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلّا باباً منها،كيف يصنع في الباقي؟فوقّع عليه السلام:«الأبواب الباقية اجعلها في البرّ» (1).

و معارضاً بما علّل به المشهور:من خروجه عنهم فلا يعود إليهم إلّا بدليل،و من وجوب العمل بالوصية و تحريم التبديل بالكتاب و السنّة فيصرف في مصرف مجهول المالك،و من أن صرفه في البرّ عمل بها بقدر الإمكان؛ لإرادته القربة فإذا فات الخصوص بقي العموم.

و هذه العلل كما ترى أقوى مما ذكره،و إن كان الأخيرة أخصّ من المدّعى؛ لعدم تماميّتها إلّا فيما إذا ظهر من الموصي قصد القربة لا مطلقاً، هذا.

مع تأيّدها كالرواية بما ورد في نظائر المسألة،و هي كثيرة،كما ورد في المنذور للكعبة من صرفه في زوّارها (2)،و فيمن أوصى أن يحجّ عنه بما لا يفي به أنه يصرف في البر و يتصدّق به (3)،و نحو ذلك.

و إلى هذا القول أشار بقوله: و قيل:يرجع ميراثاً و لا ريب في ضعفه.

و لو أوصى بسيفٍ و هو في جَفْنٍ بفتح الأوّل،و هو الغِمد بالكسر و عليه حِلْيَة دخل الجميع في الوصية على رواية (4)يجبر ضعفها الشهرة

ص:368


1- الكافي 7:7/58،الفقيه 4:565/162،التهذيب 9:844/214،الوسائل 19:393 أبواب أحكام الوصايا ب 61 ح 1.
2- التهذيب 9:843/214،الوسائل 19:392 أبواب أحكام الوصايا ب 60 ح 1.
3- الكافي 7:1/21،الفقيه 4:534/154،التهذيب 9:896/228،الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 87 ح 1.
4- الكافي 7:1/44،الفقيه 4:561/161،التهذيب 9:837/211،الوسائل 19:389 أبواب أحكام الوصايا ب 57 ح 1،و ب 58 ح 2.

العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل في المهذب أن كل الأصحاب مطبقون على العمل بها (1)،و هو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى،و قريب منه المحكي عن التحرير و التذكرة (2)؛ و هو حجة أُخرى جابرة لضعفها أيضاً.

مع أنّها صحيحة إلى الراوي،و الراوي عنه ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته،فتكون حجة بنفسها و لو لم تكن بالشهرة مجبورة،سيّما مع اعتضادها بموافقة العرف،لشمول اسمه لهما فيه و إن اختصّ بالنصل لغة.

و كذا لو أوصى بصندوق و فيه مال دخل المال أيضاً في الوصية فإنّ فيه أيضاً تلك الرواية المجبورة بما مرّ إليه الإشارة،حتى حكاية الإجماع،إلّا أن العرف لعلّه لا يساعده،فيشكل من هذه الجهة، و لكن لا مندوحة عن العمل بها إلّا أن يوجد قرينة على عدم الدخول، فتتّبع،و كذلك في السابق،وفاقاً للّمعة (3)،و الظاهر أن محل النزاع غيره.

و كذا قيل:لو أوصى بسفينة و فيها طعام؛ استناداً إلى فحوى رواية عقبة بن خالد عن مولانا الصادق عليه السلام،قال:سألته عن رجل قال:هذه السفينة لفلان،و لم يسمّ ما فيها،و فيها طعام،أ يعطيها الرجل و ما فيها؟ قال:«هي للّذي أوصى له بها إلّا أن يكون صاحبها متّهماً و ليس للورثة شيء» (4).

ص:369


1- المهذب البارع 3:134.و فيه:أكثر الأصحاب..
2- التحرير 1:299،التذكرة 2:497.
3- اللمعة(الروضة البهية 5):48.
4- الكافي 7:2/44،الفقيه 4:562/161،التهذيب 9:838/212،الوسائل 19:391 أبواب أحكام الوصايا ب 59 ح 1.

و القائل هو المشهور،كما في المهذب و غيره (1)،و إنما نسبه إلى القيل المشعر بالتمريض مع انجبار الرواية هنا أيضاً بالشهرة التفاتاً إلى عدم صراحة الدلالة،فإن غايتها الدلالة على أنها للموصى له،و مرجع الضمير السفينة دون ما فيها،و الرواية المنجبرة بالشهرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة لا مطلقاً.

نعم،لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى؛ لوقوع قوله عليه السلام:هي له، جواباً عن جواز إعطاء ما فيها أم لا،فلو لم يجعل المرجع السفينة بما فيها لم يكن الجواب للسؤال مطابقاً.

و إنما قلنا:ضعيفة،من حيث احتمال أن يكون المراد بالجواب الظاهر في رجوع الضمير إلى السفينة خاصّة التنبيه على انحصار الموصى به فيها دون ما فيها،و به تحصل المطابقة أيضاً،فكأنه عليه السلام قال:لا يعطى ما فيها.

فالأصح عدم الدخول؛ للأصل،إلّا مع وجود قرينة عليه من عرف أو عادة.

و تحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك،و إليه ذهب الفاضل في المختلف و ولده في شرح القواعد (2)،لكنهم حكموا بذلك فيما سبق أيضاً،و لا ريب في حُسنه لولا ما قدّمناه من قوّة دليل خلافه.

و منه يظهر عدم التعدية إلى ما يشابه مفروض العبارة كالجراب و مظروفه و نحوه لو أوصى بهما،فلا يدخل سوى الظرف.

ص:370


1- المهذّب البارع 3:134؛ و انظر الكفاية:148،و المفاتيح 3:227.
2- المختلف:508،إيضاح الفوائد 2:535.

خلافاً للشيخين و التقي (1).

و لا فرق في الحكم حيث ثبت بين كون الموصي عدلاً أم غيره.

خلافاً للنهاية (2)،فاشترط العدالة.و لا وجه له كما صرّح به الجماعة، و الرواية الأخيرة و إن كانت به مشعرة إلّا أنها بما قدّمناه ضعيفة.

و لا بين كون الصندوق مقفولاً أم غيره.

خلافاً للمفيد و التقي (3)،فاشترطاه.و إطلاق النص حجة عليهما.

و لا يجوز للموصي الوصية ب إخراج الولد من الإرث و لو كان من أوصى بذلك الأب على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر؛ لمخالفة مثل هذه الوصية للكتاب و السنة.

و في الحديث:«الحيف في الوصية من الكبائر» (4).

و في آخر:«ما أُبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال» (5).

و في ثالث:«من عدل في وصيّته كان بمنزلة من تصدّق بها في حياته،و من جار في وصيته لقي اللّه تعالى يوم القيامة و هو عنه معرض» (6).

و ظاهر العبارة و صريح المحكي عن الأكثر في كلام جماعة (7)بطلان

ص:371


1- المفيد في المقنعة:674،الطوسي في النهاية:614،التقي في الكافي:235.
2- النهاية:614.
3- المفيد في المقنعة:674،التقي في الكافي:365.
4- الفقيه 4:471/136،علل الشرائع:3/567،قرب الإسناد:198/62،الوسائل 19:268 أبواب أحكام الوصايا ب 8 ح 3.
5- الفقيه 4:469/135،التهذيب 9:710/174،الوسائل 19:264 أبواب أحكام الوصايا ب 5 ح 1.
6- الكافي 7:6/58،الفقيه 4:470/135،علل الشرائع:5/567،قرب الإسناد:199/63،الوسائل 19:267 أبواب أحكام الوصايا ب 8 ح 2.
7- منهم:الشهيد في المسالك 1:400،و السبزواري في الكفاية:148،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:223.

الوصية من الأصل.

خلافاً للمختلف،فأجراها مجرى الوصية بجميع المال لمن عداه، فإن أجاز مضى في الكل،و إلّا ففي الثلث (1).

و فيه:أنه خلاف مدلول اللفظ و إن لزم رجوع الحصّة إلى باقي الورثة؛ لأن ذلك ليس بالوصية،بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم،و ربما كان ذاهلاً عن الوارث،بل غير عارف به،و إنما غرضه مجرّد الانتقام منه،فلا يوجد منه القصد إلى الوصية المعتبر في صحتها،مع أن في الصحيح:عن رجل كان له ابن يدعيه،فنفاه ثم أخرجه من الميراث و أنا وصيه،فكيف أصنع؟فقال عليه السلام:«لزمه الولد لإقراره بالمشهد، لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه» (2)فتأمّل.

فالأصح ما ذهب إليه الأكثر.

و اعلم أن فيه أي في المقام رواية تضمّنت أن رجلاً وقع ابنه على أُمّ ولد له فأخرجه من الميراث،فسأل وصيّه مولانا الكاظم عليه السلام عن ذلك،فقال:«أخرجه» (3).

و يظهر من الطوسي في كتابي الحديث و الصدوق العمل بها (4)،إمّا في الجملة كما في الكتابين حيث جعلها قضية في واقعة،أو مطلقاً بشرط وقوع الحدث الذي في الرواية من الوارث الموصى بإخراجه.

ص:372


1- المختلف:507.
2- الكافي 7:26/64،الفقيه 4:568/163،التهذيب 9:918/235،الإستبصار 4:520/139،الوسائل 19:424 أبواب أحكام الوصايا ب 90 ح 1.
3- الكافي 7:15/61،الفقيه 4:567/162،التهذيب 9:917/235،الإستبصار 4:521/139،الوسائل 19:424 أبواب أحكام الوصايا ب 90 ح 2.
4- الاستبصار 4:140،التهذيب 9:235،الفقيه 4:163.

و لكنها مطرحة بين المتأخّرين كافّة،و مع ذلك بحسب السند ضعيفة من وجوه عديدة،فلا يجوز العمل بها في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة.

و مقتضاها انسحاب الحكم بالبطلان في الوصية بإخراج مطلق الوارث و لو لم يكن الولد.

و تخصيصه به في العبارة إنما وقع في مقابلة مورد الرواية المطرحة، فإنّها كما عرفت به مختصة،مع كونه هو محل النزاع خاصّة نظراً إلى أنه يظهر من العاملين بها تخصيص الحكم بموردها،فلا يتعدّونها،فيكون الحكم بعدم النفوذ في الجملة أو مطلقاً فيما عداه مجمعاً عليه.

الطرف الثالث في أحكام الوصية و فيه مسائل

اشارة

الطرف الثالث:في أحكام الوصية.

و فيه مسائل:

الأُولى إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها عمل بالأخيرة

الأُولى:إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثم بها لعمرو،أو بمائة درهم مطلقاً لزيد ثم قال:المائة التي أوصيت بها لزيد قد أوصيت بها لعمرو عمل بالأخيرة لاقتضاء ذلك الرجوع في الوصية.

و لو لم تضادّها بأن أوصى لزيد بمائد ثم أوصى لعمرو بمائة،أو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لعمرو بدار،و نحو ذلك عمل بالجميع إن وفى به الثلث. فإن قصر الثلث عنه بدئ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث لما مرّ سابقاً.

و لا خلاف في شيء من ذلك أيضاً،و بالإجماع صرّح في التنقيح في

ص:373

الجميع (1)،و في السرائر في الأخير (2).

الثانية تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين و بشهادة أربع نساء

الثانية:تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين مسلمين عدلين،و مع الضرورة تقبل شهادة رجلين من عدول أهل الذمة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (3)،بل عن ظاهر الغنية و فخر الدين (4)إجماعنا عليه،و به صرّح أيضاً المفلح الصيمري،و يدلُّ عليه أيضاً الآية و النصوص المستفيضة (5).

و هل يشترط في قبولها منهم السفر كما في الآية و أكثر المستفيضة، أم يجري ذلك مجرى الغالب؟الأصح الثاني،وفاقاً للأكثر،بل لم أقف على مخالفٍ إلّا نادراً (6).و ظاهر عبارة الماتن في الشرائع (7)في بحث الشهادات الإجماع عليه.

لا لما ذكروه:من إطلاق الصحيح:«إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (8)لانصرافه بحكم التبادر و الغالب إلى صورة السفر خاصة.

بل لظاهر التعليل في الصحيح:هل تجوز شهادة أهل ملّة من غير

ص:374


1- التنقيح الرائع 2:415.
2- السرائر 3:195.
3- الحدائق 22:494.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):604،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:635.
5- المائدة:106؛ و انظر الوسائل 19:309 أبواب أحكام الوصايا ب 20.
6- و هو الإسكافي(حكاه عنه في المختلف:722)و الحلبي(في الكافي:235)و لعله ظاهر الشيخ في المبسوط(8:187)و ابن زهرة العلوي(الجوامع الفقهية:625)و ربما يستفاد من ظاهرهما إجماعنا عليه.منه رحمه الله.
7- الشرائع 4:126.
8- الكافي 7:3/4،التهذيب 9:725/180،الوسائل 19:310 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 4.

أهل ملّتهم؟قال:«إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم،إنه لا يصلح ذهاب حق أحدٍ» (1).

و هو كما ترى ظاهر في أن تجويز قبول شهادتهم إنما نشأ من مراعاة الحق عن الذهاب،و هذه العلّة موجودة في مطلق صور الضرورة و لو لم يكن هناك سفر بالكلية.

و لو لا هذه العلة لكان المصير إلى اشتراط السفر لا يخلو عن قوّة؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم جواز قبول شهادتهم على مورد الكتاب و السنة،و ليس إلّا صورة السفر خاصة،لأنها ما بين مشترطة له و ما بين مطلقة،و قد عرفت أن الإطلاق ينصرف إلى هذه الصورة خاصّة.

و ليس مبنى هذا الاستدلال وقوع اشتراطه في الكتاب و السنة،حتى يجاب عنه بوروده مورد الغلبة فلا عبرة به،بل مبناه عدم دليل دالّ على جواز القبول مطلقاً،فيقتصر فيه على المتيقن منهما.

ثم إن الفاضل (2)أوجب تحليفهما بعد صلاة العصر بصورة الآية؛ لعدم ظهور المسقط بالكلّية،و مال إليه في المسالك و غيره (3)،و لا ريب أنه أحوط.

و ليس في ظاهر الكتاب و أكثر السنة اشتراط عدالة أهل الذمة،إلّا أنه قد دل عليه بعض النصوص:«فليُشهد على وصيته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم» (4)و به صرّح من الأصحاب جملة (5).

ص:375


1- الكافي 7:2/4،التهذيب 9:724/180،الوسائل 19:310 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 3.
2- قواعد الأحكام 1:355.
3- المسالك 1:404؛ و انظر التذكرة 2:521 و الكفاية 149.
4- الكافي 7:8/399،التهذيب 9:718/179،الوسائل 19:312 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 7.
5- منهم:المحقق و الشهيد الثانيان في جامع المقاصد 11:306 و المسالك 1:404،و السبزواري في الكفاية:149.

و بشهادة أربع نساء و بشهادة الواحدة في الربع و الاثنين في النصف،و هكذا،بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة منها:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصية لم تشهدها إلّا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها» (2).

و أمّا ما يوجد في الصحيح و غيره مما يخالف ذلك من عدم القبول فمحمول على التقية كما في التهذيبين (3).

ثم إن إطلاق النصوص كالعبارة و صريح المحكي عن الأكثر (4)عدم توقف قبول شهادتهنّ على اليمين مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن التذكرة (5)،فقال بتوقّفه عليه كذلك،كما في شهادة الرجل الواحد.

و ردّ (6)بأن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع فلا يلزم مثله في البعض،و لو فرض انضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث ثبت الجميع،لقيامهما مقام الرجل،أمّا الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقاً، انضمّت اليمين إليها أم لا.على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث

ص:376


1- المسالك 1:404؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:634.
2- التهذيب 9:723/180،الوسائل 19:317 أبواب أحكام الوصايا ب 22 ح 3.
3- الاستبصار 4:28،التهذيب 6:280.
4- نسبه في الحدائق 22:502 إلى المشهور.
5- حكاه عنه في المسالك 1:405 و هو في التذكرة 2:522.
6- المسالك 1:405.

إشكالاً أيضاً؛ لأن مقتضى النصوص إنّما هو النصف في الأوّل و الثلاثة الأرباع في الثاني بمجرد الشهادة،و وجود اليمين حيث لم يعتبرها الشارع هنا في حكم العدم،و قيام الاثنتين مقام الرجل في بعض الموارد لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك.

و هل يشترط في قبول شهادتهنّ هنا فقد الرجال؟قولان،أظهرهما الثاني،وفاقاً للمحكي عن الأكثر (1)؛ عملاً بإطلاق النصوص.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الطوسي (2)،فاشترطاه.و هو ضعيف.

و في ثبوتها أي الوصية بالمال بشهادة شاهد و يمين تردّد قيل:ينشأ:

من أن قبول الشاهد و اليمين حكم شرعي فيقف على النص الشرعي، و ليس على صورة النزاع بعينه،و ثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة إنما هو لورود النص بذلك،و التعدّي قياس مردود عندنا (3).

و من إطلاق النصوص بالقبول في الحقوق المالية كما هو المفروض، و لا يشترط النص بالخصوص.

و هذا أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عليه في المهذب و المسالك و غيرهما (4)اتفاق الأصحاب.

ص:377


1- نسبه في الحدائق 22:503 إلى المشهور.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:712،الطوسي في النهاية:333.
3- المهذب البارع 3:140.
4- المهذب البارع 3:140،المسالك 1:404؛ و قال في الحدائق 22:503:لا خلاف فيه.

و استغرب هذا التردّد منه جماعة (1).و هو كذلك،كتردّده في الشرائع (2)في ثبوت الوصية بالولاية بهما بعد قطعه بالثبوت بهما في الوصية بالمال.

فإن النصوص المزبورة كالاتفاق المحكي في المسالك و غيره متفقة الدلالة على انحصار قبولهما في الحقوق المالية.

و ربما جعل منشؤه مما ذكر،و من أنها قد تتضمّن المال،كما إذا أراد أخذ الأُجرة أو الأكل بالمعروف بشرطه،و لما فيه من الإرفاق و التيسير فيكون مراداً للآية و الرواية (3).

و هو كما ترى،و لذا قطع بخلافه هنا فقال:

و أما الولاية فلا تثبت إلّا بشهادة رجلين مسلمين،و مقتضاه عدم ثبوتها بشهادة النساء مطلقاً،و نفى عنه الخلاف في المسالك و غيره (4)إذا كنّ منفردات؛ و هو الحجة فيه.

مضافاً إلى أنها ليست وصية بمال،بل هي تسلّط على تصرف فيه، و ليست مما يخفى على الرجال غالباً،و ذلك ضابط محل قبول شهادتهنّ منفردات فتوًى و روايةً.

الثالثة لو أشهد عبدين له على أن حمل المملوكة منه،ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة صح

الثالثة:لو أشهد الموصي عبدين له على أن حمل المملوكة له منه،ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة للموصي صح شهادتهما و حكم له برقّيتهما مطلقاً،و لو لم يوص بأن يشهدا.

ص:378


1- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب 3:140؛ و انظر التنقيح الرائع 2:418 و المسالك 1:405.
2- الشرائع 2:251.
3- المسالك 1:405.
4- المسالك 1:405؛ و انظر الحدائق 22:503.

بلا خلاف مع الإيصاء،بل في المسالك (1)أن عليه أصحابنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الصحيح:في رجل مات و ترك جارية و مملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاماً،فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية،و أن الحبل منه،قال:

«تجوز شهادتهما،و يردّان عبدين كما كانا» (2)و نحوه الموثق الآتي.

و كذلك مع عدم الإيصاء،على الأشهر الأقوى،بناءً على قبول شهادة العبد إذا كان عادلاً مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن الطوسي (3)،فخصّ الحكم بصورة الإيصاء.

و لا وجه له أصلاً،سيّما مع إطلاق الخبرين،بل و عمومهما الشامل لها و لغيرها،مع أنه على تقدير اختصاصهما بها يحسن ذلك إن قلنا بردّ شهادة العبد مطلقاً،و لكنّه ضعيف جدّاً،كما عرفت،و ستقف عليه في بحث الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و مقتضى الصحيح كما ترى عودهما رقّاً.و هو الموافق للأصل جدّاً؛ لاستلزام قبول شهادتهما تبيّن وقوع العتق من غير مالكهما.

و لكن يكره له تملّكهما و يستحب له أن يعتقهما؛ لأنهما كانا سبباً في حرّيته بعد الرقّية فلا يكون سبباً في رقّيتهما بعد الحرية.

و للموثق:عن رجل كان في سفر و معه جارية له و غلامان مملوكان، فقال لهما:أنتما حرّان لوجه اللّه تعالى و اشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه

ص:379


1- المسالك 1:405.
2- التهذيب 9:871/222،الإستبصار 4:511/136،الوسائل 19:404 أبواب أحكام الوصايا ب 71 ح 2.
3- حكاه عنه في المسالك 1:405،و هو في النهاية:612.

منّي،فولدت غلاماً فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلك و استرقّوهم،ثم إن الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أُعتقا أن مولاهما الأوّل أشهدهما على أن ما في بطن جاريته منه،قال:«تجوز شهادتهما للغلام،و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له،لأنهما أثبتا نسبه» (1).

و حكي (2)هنا قول بتحريم استرقاقهما؛ أخذاً بظاهر النهي في هذه الرواية.

و هو كما ترى؛ لعدم مقاومتهما للصحيح الصريح المعتضد بالأصل و فتوى الأكثر،مع إشعار التعليل فيها بالكراهة جدّاً.

الرابعة لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه

الرابعة:لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه و لا ما يجرّ به نفعا أو يستفيد منه ولاية،على المشهور،بل في المسالك (3)و غيره عدم الخلاف فيه إلّا من الإسكافي،حيث جوّز شهادة الوصي لليتيم في حجره و إن كان هو المخاصم للطفل و لم يكن بينه و بين المشهود عليه ما يرشد شهادته عليه،و مال إليه المقداد في شرح الكتاب (4)،و كذا الشهيدان (5)، إلّا أن الثاني منهما قال بعده:إلّا أن العمل على المشهور.

و هو حسن إن بلغ الشهرة الإجماع،كما هو الظاهر منه،و إلّا فمختار الإسكافي لعله أجود؛ لما ذكره من بُعد التهمة من العدل،حيث إنه ليس بمالك،و ربما لم يكن اجرة على عمله في كثير من الموارد.

ص:380


1- الكافي 7:16/20،الفقيه 4:544/157،التهذيب 9:870/222،الإستبصار 4:512/136،الوسائل 19:403 أبواب أحكام الوصايا ب 71 ح 1.
2- انظر الكفاية:149،و الحدائق 22:504.
3- المسالك 1:405.
4- التنقيح الرائع 2:419.
5- الشهيد الأول في الدروس 2:128،الشهيد الثاني في المسالك 1:405.

مضافاً إلى المكاتبة الصحيحة المروية في الفقيه في باب شهادة الوصي للميت و عليه بدين،و فيها:كتب إليه:أ يجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحقٍّ له على الميت أو على غيره و هو القابض للوارث الصغير و ليس الكبير بقابض؟فوقّع عليه السلام:«نعم،و ينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ و لا يكتم شهادته» (1)و ظاهر الصدوق العمل بها كما لا يخفى.

و تقبل شهادته للموصي في غير ذلك بلا خلاف،كما في صريح التنقيح و ظاهر غيره (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول الدالة على قبول شهادة المتّصف بالعدالة،إلّا أن في تلك المكاتبة ما ظاهره ينافي ذلك،فإنه كتب إليه عليه السلام:

هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟فوقّع عليه السلام:«إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» بناءً على أن يمين المدّعى مع العدل الواحد كافٍ في مثله فلا يحتاج إلى شهادته، فاعتبار اليمين معها كناية عن عدم قبولها.

و في هذه المكاتبة ما يدل على جواز شهادته على الميت،فإن فيها:

و كتب إليه:أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السلام:«نعم،من بعد يمين» .و اعتبار اليمين هنا لا ينافي قبول شهادته؛ لكون الدعوى على الميت،فاعتبارها للاستظهار.

الخامسة إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة و ليس له سواه انعتق ثلثه

الخامسة:إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة و ليس له سواه

ص:381


1- الفقيه 3:147/43،الوسائل 27:371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.
2- التنقيح الرائع 2:419؛ و انظر الحدائق 22:508.

انعتق ثلثه و سعى في باقي قيمته للورثة،بلا خلاف فيه في صورة الوصية،و يبني في المنجّز على الخلاف الآتي في احتسابه من الثلث أو الأصل.

و لو أعتق ثلثه عند الوفاة و له مال غيره أُعتق الباقي من ثلثه أي ثلث المال،سرايةً عليه إن وفى به،و إن لم يف به أو لم يكن له مال سعى فيه للورثة.

و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا في إعتاق الباقي من الثلث خاصَّة،فإنه يبنى على مذهب أكثر من تأخّر:من إخراج المنجّز من الثلث دون الأصل،و يأتي على غيره انعتاق الباقي منه دون خصوص الثلث كما هو واضح.

و لو أعتق مماليكه عند الوفاة،أو أوصى بعتقهم و لا مال له سواهم و لم يُجز الورثة أُعتق ثلثهم بالقرعة بتعديلهم أثلاثاً بالقسمة و عتق ما أخرجته القرعة،بلا خلاف أجده،و في الصحيح:«كان علي عليه السلام يسهم بينهم» (1).

و في الخبر:«إن أبي ترك ستّين مملوكاً و أعتق ثلثهم،فأقرعت بينهم و أخرجت عشرين فأعتقتهم» (2).

و لو استلزم ذلك عتق جزء من أحدهم سعى في باقيه.

و إنما لا يعتق ثلث كلّ واحد مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له و قد تقرّر أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة لما ورد من فعل النبي صلى الله عليه و آله ذلك (3)؛ و لاستلزام عتق الكلّ الإضرار بالورثة.

ص:382


1- التهذيب 8:842/234،الوسائل 23:103 أبواب العتق ب 65 ح 1.
2- الفقيه 3:241/70،التهذيب 8:843/234،الوسائل 23:103 أبواب العتق ب 65 ح 2.
3- سنن البيهقي 6:272،المغني لابن قدامة 6:524.

و أمّا العتق من الثلث دون الأصل في المنجّز فمبني على ما عرفت من مذهب أكثر من تأخّر.

و لو رتّبهم في الإعتاق أو الوصية به أُعتق الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث و بطل الزائد بلا خلاف؛ للأصل المتقدم،و خصوص النص:في رجل أوصى عند موته:أعتق فلاناً و فلاناً و فلاناً و فلاناً و فلاناً، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال:«ينظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون،و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء،ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس،فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً،لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك» (1).

السادسة إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر و الأُنثى،و الصغير و الكبير

السادسة:إذا أوصى بعتق رقبة و أطلق و لم يكن ثمة قرينة معينة أجزأ الذكر و الأُنثى،و الصغير و الكبير للإطلاق.

و في الخبر،بل الحسن على بعض النسخ،عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«إن فاطمة أُمّ ابنتي (2)أوصت أن أُعتق عنها رقبة،فأعتقت عنها امرأة» (3).

و لو قال:مؤمنة،لزم لحرمة تبديل الوصية.

فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب كما عن الشيخ (4)،بل ظاهر التنقيح و صريح غيره (5)عدم الخلاف فيه؛ لرواية علي بن أبي حمزة

ص:383


1- الكافي 7:15/19،الفقيه 4:545/157،التهذيب 9:867/221،الوسائل 19:398 أبواب أحكام الوصايا ب 66 ح 1.
2- في المصادرة:أُمّ ابني.
3- الكافي 7:5/17،الفقيه 4:550/158،التهذيب 9:865/220،الوسائل 19:404 أبواب أحكام الوصايا ب 72 ح 1.
4- النهاية:616.
5- التنقيح الرائع 2:420؛ و انظر الحدائق 22:511.

المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية في الروضة و غيرها (1)كما حكي،و بدعوى الشيخ الإجماع على قبول روايته (2)،و برواية ابن أبي عمير عنه في هذه الرواية:عن رجل أوصى بثلاثين ديناراً يعتق بها رجل من أصحابنا،فلم يوجد بذلك،قال:«يشترى من الناس فيعتق» (3).

و هي و إن لم يكن فيها تقييد بعدم النصب إلّا أنه مستفاد من الخارج؛ لكفر الناصب،و عدم جواز عتق الكافر،مع ظهوره من روايته الأُخرى:عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين ديناراً،فلم يوجد له بالذي سمّى لهم،قال:«ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمّى» قلت:فإن لم يجدوا؟قال:«فيشترون من عرض الناس ما لم يكن ناصباً» (4).

خلافاً لجماعة (5)،فلم يجوّزوا ذلك،و قالوا بلزوم الصبر و توقّع المكنة؛ للأصل،و القاعدة.

و هو حسن لولا الرواية المتقدّمة،المنجبرة بالشهرة و عدم الخلاف المحكيين في المسألة.

ثم إن في التنقيح أنه قيل في تفسير الناصب وجوه:

الأول:أنه الخارجي الذي يقول في علي عليه السلام ما قال.

ص:384


1- الروضة 5:49؛ و انظر الحدائق 22:512.
2- عدّة الأُصول 1:381.
3- الكافي 7:9/18،الفقيه 4:553/159،التهذيب 9:863/220،الوسائل 19:405 أبواب أحكام الوصايا ب 73 ح 1.
4- الكافي 7:10/18،الفقيه 4:554/159،الوسائل 19:405 أبواب أحكام الوصايا ب 73 ح 2.
5- منهم:ابن إدريس في السرائر 3:213،و العلّامة في المختلف:509،و الشهيد الثاني في الروضة 5:49.

الثاني:أنه الذي ينسب إلى أحد المعصومين ما يثلم العدالة.

الثالث:من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع:من اعتقد فضيلة غير علي عليه السلام عليه.

الخامس:من سمع النص على علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله أو بلغه تواتراً أو بطريق يعتقد صحته فأنكره.

ثم قال:و الحق صدق النصب على الجميع.أمّا من يعتقد إمامة غيره عليه السلام للإجماع أو لمصلحة و لم يكن من أحد الأقسام فليس بناصب.

و المرتضى رحمه الله و ابن إدريس أطلقاه على غير الاثني عشرية (1).

و لو ظنّها أي الرقبة المؤمنة الموصى بعتقها مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه أجزأت بلا خلاف أجده.

قيل:لأنه متعبّد في ذلك بالظاهر لا بما في نفس الأمر،إذ لا يطّلع عليه إلّا اللّه سبحانه،فقد امتثل الأمر،و هو يقتضي الإجزاء (2).

و الأجود الاستدلال عليه بالصحيح:عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارفة،فلمّا أعتقناه بان لنا أنه لغير رِشْدَة (3)،فقال:«قد أجزأت عنه،إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أُضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة فقد أجزأت عنه» (4).

ص:385


1- التنقيح الرائع 2:421.
2- المسالك 1:406.
3- هو لَرِشْدَة بكسر الراء و الفتح أي صحيح النسب،و لغَير رِشْدَة بخلافه.مجمع البحرين 3:51.
4- الكافي 7:17/62،الفقيه 4:604/172،التهذيب 9:920/236 و فيه صدر الحديث،الوسائل 19:431،432 أبواب أحكام الوصايا ب 95 ح 2،3.
السابعة إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن فإن لم يوجد توقّع

السابعة:إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن وجب شراؤها به فإن لم يوجد أو وجدت لكن بأزيد توقّع المكنة من الشراء به،و لم يجب بذل الزيادة،بل لا يجوز؛ لحرمة تبديل الوصية،و به صرّحت بعض الروايات المتقدمة في المسألة السابقة.

و إن وجد ها بأقلّ من ذلك الثمن أعتقها و دفع إليها الفاضل منه مع اليأس عن الرقبة الموصى بها،بلا خلاف؛ استناداً في العتق إلى أنه الأقرب إلى الوصية فيتّبع؛ للمعتبرة الدالّة على أن:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1).

و في دفع الفاضل إليها إلى أنه صرفٌ له في وجوه البرّ مع تعذّر العمل فيه بالوصية،و إن هو حينئذٍ إلّا كمسألة من كان وصياً في أُمور قد نسيها في عدم إمكان العمل بالوصية.

إلّا أن هذا الوجه لا يوجب الدفع إلى الرقبة،بل غايته الجواز،و هو أعم من الوجوب الذي هو ظاهر العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،إلّا أن يقال:بأن الدفع إليها أقرب إلى الوصية،فتأمّل.

هذا،مضافاً إلى الموثّق في الأمرين:عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه،فاشترى الوصي نسمة بأقلّ من خمسمائة درهم،و فضلت فضلة،فما ترى؟قال:«تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق ثم تعتق عن الميت» (2).

و قصوره سنداً بسماعة،و دلالةً بأعميّته مما ذكره الجماعة من تقييد

ص:386


1- عوالي اللآلي 4:205/58.
2- الكافي 7:13/19،الفقيه 4:557/159،التهذيب 9:868/221،الوسائل 19:410 أبواب أحكام الوصايا ب 77 ح 1.

الحكم بفقد الرقبة الموصى بشرائها بالثمن المعيّن،نظراً إلى ترك الاستفصال عنه و عن الوجدان المفيد للعموم لهما غير قادح بعد الانجبار بالشهرة،و كون العام المخصّص في الباقي حجة.

مضافاً إلى موافقته للقاعدة في صورة اليأس،كما مرّ إليه الإشارة.

مع إمكان الذبّ عن الأوّل:بما قيل من وثاقة سماعة (1).

و عن الثاني:باقتضاء السؤال بناءً على أصالة حمل أفعال المسلم على الصحة وقوع شراء الرقبة في الصورة التي وقع تقييد الحكم بها في كلام الجماعة.

و مما ذكرنا يظهر وجه انسحاب الحكم في صورتي اليأس عن التمكّن من شراء الموصى بها و عدمه كما أطلقه الجماعة،إلّا أن الأحوط قصره على الصورة الأولى خاصّة،و يتوقع في غيرها المكنة.

الثامنة تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة فهي من الثلث

الثامنة:تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة و يعبّر عنها بالوصية فهي من الثلث خاصّة مع عدم إجازة الورثة،كما مرّ إليه و إلى دليله الإشارة.

و إن كانت منجّزة غير معلّقة عليها و كان فيها محاباة في المعاوضة:من البيع بأقل من ثمن المثل و الشراء بأزيد منه أو عطيّة محضة أو الوقف و العتق و الصدقة.

فقولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين أنها تخرج من الثلث وفاقاً للإسكافي و الصدوق كما حكي (2)،و لعلّه قال به في غير الفقيه،لما يأتي من مصيره فيه إلى القول الآتي،و هو ظاهر الخلاف

ص:387


1- انظر رجال النجاشي:193.
2- حكاه عنهما في المختلف:514.

و صريح المبسوط على ما قيل (1)،و عبارته المحكية في السرائر لا تساعد ذلك،فإنّه قال:العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في الأصل،و عند الباقين في الثلث،و هو مذهب المخالفين،ثم قال:فإذا ثبت ذلك فأعتق بعضاً نظرت (2).إلى آخر ما ذكره.

و هو كما ترى غير صريح في اختيار هذا القول،بل و لا ظاهر،بل ربما أشعر بالتردّد فيه.

للنصوص المستفيضة (3)،و هي ما بين ظاهرة و صريحة،و فيها الصحاح و الموثقات و غيرها،و قصورها سنداً في بعض و دلالةً في آخر منجبر بالشهرة المتأخّرة.

خلافاً للنهاية و المقنعة و القاضي،و الصدوق في الفقيه و الكليني في الكافي (4)فإنهما قالا:باب أن صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّاً،ثم ساقا الأحاديث الدالّة عليه خاصّة،و لم يذكرا فيه شيئاً من روايات القول الآخر، و جميع ذلك كالصريح في أن مذهبهما ذلك و الحلّي و المرتضى و ابن زهرة (5)،فأخرجوه من الأصل.

و هو المشهور بين القدماء ظاهراً،بل لعلّه لا شبهة فيه جدّاً،بل ادّعى

ص:388


1- في المختلف:514،و المهذب البارع 3:141.
2- السرائر 3:15،و هو في المبسوط 6:57.
3- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الباب 10 ح 2،7،8،و الباب 11 ح 4،6،11،و الباب 16 ح 2،و الباب 17 ح 13،14،16.
4- النهاية:618،المقنعة:671،لم نعثر عليه في المهذب انظر المهذب ج 1 ص 420 حكاه عن القاضي في المختلف:514،الفقيه 4:149،الكافي 7:7.
5- الحلي في السرائر 3:199،المرتضى في الانتصار:224،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):603.

السيدان في بحث الهبة أن عليه إجماع الإمامية،و جعله في السرائر الأظهر في المذهب،مشعراً بالشهرة عليه لا أقلّ.

للنصوص المستفيضة الأُخر (1)التي فيها أيضاً الصحيح و الموثق و غيرهما،و هي أيضاً ما بين ظاهرة و صريحة.

و المسألة محل إشكال و ريبة؛ لاختلاف النصوص،و قبول جلّ منهما التأويل بما يؤول إلى الآخر،مع غموض المرجّحات،و تعارض الوجوه الاعتبارية من الطرفين.

إلّا أن الترجيح للأخبار الأخيرة؛ من حيث اعتضادها بالأُصول القطعية،و الشهرة القديمة المترجّحة على الشهرة المتأخّرة،حيث حصل بينهما معارضة كما في المسألة.

مضافاً إلى الإجماعات المحكية،و عدم قبول كثير منها التأويل بما يؤول إلى الأخبار الأوّلة.

و مخالفتها للعامّة؛ فإن القول بمضمون الأخبار الأوّلة مذهب فقهائهم كافّة،كما يستفاد من صريح الانتصار و المبسوط و السرائر و ظاهر الغنية و التذكرة (2)،فلتحمل تلك الأخبار على التقية،لذلك،مع اعتضاده بمصير الإسكافي (3)إليه كما عرفته غير مرّة.

أو يؤوّل ما يقبل منها التأويل إلى ما يؤول إلى الأخيرة بحملها على الوصية خاصة،كما يشعر به بعضها،كالخبرين،في أحدهما:«للرجل عند

ص:389


1- الوسائل 19:أبواب أحكام الوصايا الباب 11 ح 12،19،و الباب 17 الأحاديث 1،2،7،8،10.
2- الانتصار:224،المبسوط 6:57،السرائر 3:15،الغنية(الجوامع الفقهية):603،التذكرة 2:517.
3- راجع ص 385.

موته ثلث ماله،و إن لم يوص فليس للورثة إمضاؤه» (1).

و في الثاني:«إن أعتق رجل عند موته خادماً ثم أوصى بوصية أُخرى، أُلغيت الوصية و أُعتقت الخادم من ثلثه إلّا أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية» (2).

و نحوهما بعض الصحاح المتقدمة في بحث من أعتق و عليه دين، حيث وقع إطلاق الإعتاق على الوصية به (3).

و قد مرّ ثمة أن احتمال جعل ذلك قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للإعتاق و هو المنجّز إلى الأعمّ منه و من الوصية معارض باحتمال جعلها صارفة عنه إلى المجاز الأخصّ،و هو الوصية خاصة،و الأصل المتأيّد بظاهر هذين الخبرين المطلقين لما ظاهره المنجّز على خصوص الوصية يرجّح الثاني.

و به يذبّ عما عيّنّا ثمة به الاحتمال الأوّل من اتّفاق فهم الفقهاء على ذلك،مع أنه ليس بواضح،لعدم ظهوره إلّا من حيث استدلالهم لحكم المنجّز في تلك المسألة بهذه الرواية،و هو لا يوجب فهمهم المنجّز من تلك الرواية،فلعلّهم فهموا منها الوصية خاصّة و ألحقوا بها المنجّز من باب الإجماع المركب،فإنّ كل من قال بذلك الحكم في الوصية قال به في المنجّز،و إن كان لا عكس،لمصير الماتن إلى ثبوته في المنجّز دونها.

و حيث ثبت الحكم بالرواية فيها ثبت في المنجّز أيضاً اتفاقاً.

ص:390


1- التهذيب 9:939/242،الوسائل 19:273 أبواب أحكام الوصايا ب 10 ح 7.
2- الكافي 7:2/17،التهذيب 9:786/197،الوسائل 19:276 أبواب أحكام الوصايا ب 11 ح 6.
3- راجع ص 291.

و يعضد هذا الحمل فهم المشايخ كالكليني من لفظ«العند» خصوص الوصية،و لذا عنونوا الباب بها ثم ساقوا فيه من الأخبار ما يتضمن ذكر كون التصرف عند الموت الظاهر في المنجّز على الظاهر (1).

و يحتمل الحمل أيضاً على الاستحباب و الفضيلة،كما وقع التصريح به في بعض الأخبار الأخيرة،و إلى هذا القول مال من متأخّري المتأخّرين جماعة،كصاحب الكفاية و غيره (2).

و لقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجّحت فيها خلاف ما هنا، لغفلتي عن الشهرة القديمة و الإجماعين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،و عن كون الأخبار الأوّلة موافقة للعامّة،فشيّدتها زعماً منّي اعتضادها بالشهرة، و طرحت ما خالفها،و هو كما ترى.فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثم أقوى.

ثم إن إطلاق المرض في العبارة و ما ضاهاها من عبائر جماعة (3)و صريح آخرين (4)عدم الفرق فيه بين المخوف منه و غيره؛ لإطلاق النصوص،بل عموم بعضها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (5)فخصّه بالأوّل،تمسّكاً بما زعمه من ظاهر بعضها،و لم نجد له دلالة.

ص:391


1- انظر الكافي 7:16.
2- الكفاية:151؛ و انظر الحدائق 22:599.
3- منهم:الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة)4:106،و ابن فهد في المهذب 3:141،و السبزواري في الكفاية:151.
4- منهم:العلّامة في المختلف:514،و الفاضل المقداد في التنقيح 4:423،و الشهيد الثاني في المسالك 1:425.
5- المبسوط 6:57.

نعم،يضعف الإطلاقات عن الشمول للثاني؛ لوقوع التعبير فيها بالتصرفات عند الموت كما في بعض،أو وقت حضوره كما في آخر،و لا ريب في ظهورهما فيما ذكره،فلا يبعد المصير إلى ما اختاره،لا لما ذكر، بل لقصر الحكم المخالف للأُصول على المتيقن منها،و ليس بمقتضى الفرض إلّا الشقّ الأوّل.

و اعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة إنما هو إذا مات المريض في مرضه ذلك،أمّا لو برئ منه حسب من الأصل مطلقاً و لو مات في مرض آخر،بلا خلاف،كما في التنقيح و المسالك و غيرهما (1)،و هذا مما يؤيّد به ما اخترناه هنا.

أمّا الإقرار للأجنبي بدين فإن كان متّهماً على الورثة مريداً الإضرار عليهم بالإقرار بذلك،و يظهر ذلك من القرائن الخارجة فهو من الثلث،و إلّا فمن الأصل و الإقرار للوارث بذلك من الثلث على التقديرين أي مع التهمة و عدمها.

استناداً في القسم الأوّل إلى الصحيح:عن امرأة استودعت رجلاً مالاً، فلمّا حضرها الموت قالت له:إن المال الذي أودعته إليك لفلانة،و ماتت المرأة و أتى أولياؤها الرجل فقالوا له:إنه كان لصاحبتنا مال و لا نراه إلّا عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شيء،أ يحلف لهم؟فقال:«إن كانت مأمونة فيحلف لهم،و إن كانت متّهمة فلا يحلف،و يضع الأمر على ما كان،فإنّما لها من مالها ثلثه» (2).

ص:392


1- التنقيح الرائع 2:422،المسالك 1:426؛ و انظر المفاتيح 3:225.
2- الكافي 7:3/42،الفقيه 4:595/170،التهذيب 9:661/160،الإستبصار 4:431/112،الوسائل 19:291 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 2.

و في الثاني إلى الصحيح:عن رجل أقرّ لوارثٍ له و هو مريض بدين عليه،قال:«يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث» (1).

و منهم من سوّى بين القسمين و هم الأكثرون،و إن اختلفوا من وجه آخر،فبين من حكم بنفوذ الإقرار من الأصل فيهما مطلقاً،و من فصّل بين صورتي التهمة فمن الثلث،و عدمها فمن الأصل.

و نسب الأوّل إلى الديلمي (2)،و عليه الحلّي (3)مدّعياً الإجماع عليه.

لعموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (4).

و أنه بإقراره يريد إبراء ذمّته من حقٍّ عليه في حال الصحة،و لا يمكن التوصّل إليه إلّا به،فلو لم يقبل إقراره بقيت ذمّته مشغولة و بقي المقرّ له ممنوعاً من حقّه،و كلاهما مفسدة،فقبول قوله أوفق بمقتضى الحكمة الإلهية.

و فيهما نظر؛ لوجوب تخصيص الأوّل بما سيأتي،و ما مرّ من النص المعتبر.

و منع التعليل الآخر بأن الإقرار كما يحتمل القصد إلى الإبراء كذا يحتمل مجرّد حرمان الورثة مع عدم كون ذمّته بشيء مشغولة،كما يشير إليه الأخبار الآتية المصرّحة باشتراط نفي التهمة.

ص:393


1- الكافي 7:4/42،الفقيه 4:592/170،التهذيب 9:659/160،الإستبصار 4:429/112،الوسائل 19:292 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 3.
2- انظر التنقيح الرائع 2:426.
3- السرائر 3:217.
4- عوالي اللئلئ 1:104/223،الوسائل 23:184 أبواب الإقرار ب 3 ح 2،المستدرك 16:31 أبواب الإقرار ب 2 ح 1.

و نسب الثاني إلى الشيخين و القاضي (1)،و اختاره الماتن في الشرائع (2)،و شيخنا في شرحه (3)،و سبطه في شرح الكتاب،كما حكاه عنه بعض الأصحاب (4)،و نسبه الشهيدان و غيرهما (5)إلى الأكثر.

و استندوا في الشقّ الأوّل إلى الصحيح المتقدم.

و في الشق الثاني إلى الصحيح:عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه ديناً،فقال:«إن كان الميت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له» (6)و نحوه الموثق (7).

و ليس في مفهومهما كما ترى جواز إخراج الإقرار من الثلث مع التهمة،و كذلك الصحيح المتقدم في الشقّ الأوّل،بل ظاهره عدم الإخراج مطلقاً؛ لقوله:«و إن كانت متّهمة فلا يحلف و يضع الأمر على ما كان» و وضع الحق على ما كان ظاهر في عدم نفوذ الإقرار من شيء مطلقاً.

و لا ينافيه التعليل بقوله:«فإنما لها من مالها ثلثه» لعدم تصريح فيه، بل و لا ظهور في النفوذ من الثلث.

ص:394


1- نسبه إليهم في الحدائق 22:614،و هو في المقنعة:662،و النهاية:618،و المهذَّب 1:419.
2- الشرائع 3:152.
3- المسالك 2:175.
4- حكاه عنه في الحدائق 22:614.
5- لم نعثر عليه في الدروس و اللمعة،الشهيد الثاني في المسالك 2:175؛ و انظر الكفاية:151.
6- الكافي 7:2/41،الفقيه 4:594/170،التهذيب 9:656/159،الإستبصار 4:426/111،الوسائل 19:291 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 1.
7- التهذيب 9:657/160،الإستبصار 4:427/111،الوسائل 19:294 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 8.

نعم،ربما كان فيه إشعار ما به،إلّا أنه لا يعترض به القول السابق مما هو في غاية الظهور في عدم النفوذ مطلقاً،فلم أفهم وجه حكمهم بنفوذه مع التهمة من الثلث.

إلّا أن يقال بانعقاد الإجماع على النفوذ من الثلث مطلقاً،لأجنبي كان الإقرار أو لوارثٍ،كان هناك تهمة أم لا،كما يستفاد من الأقوال المحكيّة في المسألة البالغة سبعة،كما في نكت الإرشاد و غيره (1)،و شيء منها لم يتضمّن الحكم بحرمان المقرّ له عن الحق المقرّ به مع التهمة مطلقاً،بل اتّفقت على إعطائه من الثلث،و إن اختلفت في الزيادة عليه على أقوال شتّى،هذا.

مع أن الصحيح المتقدم سنداً لمختار الماتن هنا في الشق الثاني مطلق في إخراج الإقرار للوارث إذا كان دون الثلث،فتأمّل.

و بالجملة العمدة في تتميم هذا القول هو الإجماع.

مع إمكان أن يقال أيضاً بأن الإقرار يتضمن الحكم بالإعطاء،فهو كالأمر به منجّزاً أو وصية لا بُدَّ من إخراجه من الثلث جدّاً.

و اعلم أن مختار الماتن هنا من متفرّداته،كما صرّح به جملة من أصحابنا (2).

التاسعة أرش الجراح و دية النفس تتعلّق بهما الديون و الوصايا

التاسعة:أرش الجراح و دية النفس تتعلّق بهما الديون و الوصايا فتخرجان منهما كسائر أموال الميت على الأظهر الأشهر،بل نفى عنه الخلاف في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي و الكفاية (3)،و عن المحقق

ص:395


1- انظر التنقيح 2:426.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:426.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:102،الكفاية:146.

الثاني و في السرائر و المهذب (1)الإجماع عليه،لكن في دية الخطأ خاصة؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل خطأً يعني الموصي،فقال:«تجاز لهذه الوصية من ميراثه و ديته» (2).

و فيه:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر،ثم قتل بعد ذلك الموصي فَوُدِي،فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله و ديته كما أوصى» (3).

و فيه:عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله،أ عليهم أن يقضوا الدين؟قال:«نعم» قال:قلت:و هو لم يترك شيئاً؟قال:قال:«إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين عنه» (4).

و نحوه الخبر القريب من الصحيح (5)،بانجبار راويه و هو عبد الحميد بن سعيد برواية صفوان بن يحيى عنه.

و إطلاق هذين الأخيرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال

ص:396


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 11:111،السرائر 2:50،المهذب البارع 4:352.
2- الكافي 7:21/63،الفقيه 4:588/168،التهذيب 9:822/207،الوسائل 19:285 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 1.
3- التهذيب 9:823/207،الوسائل 19:286 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 3.
4- الكافي 7:6/25،الفقيه 4:584/167،التهذيب 9:681/167،الوسائل 19:336 أبواب أحكام الوصايا ب 31 ح 1.
5- التهذيب 6:416/192،الوسائل 18:364 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1.

يقتضي عدم الفرق بين ديتي العمد و الخطأ،و هو ظاهر إطلاق العبارة و نحوها من عبائر الجماعة،و به صرّح آخرون (1)،و منهم الماتن هنا في كتاب الإرث (2)،و نسبه في المسالك (3)إلى المشهور،و هو المنصور؛ لما مرّ.

مضافاً إلى النص الصريح المروي في الفقيه في كتاب الفرائض في أواخر باب القود و مبلغ الدية،و فيه:فإن هو قتل عمداً و صالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى مَن الدين،على أوليائه من الدية أو على المسلمين؟ فقال:«بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحقّ بديته من غيره» (4).

و في الخبر:«إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر الأموال» (5).

خلافاً للحلّي،فخصّ الحكم بدية الخطأ؛ معلّلاً بأن العمد إنما يوجب القصاص،و هو حق للوارث،فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه، فكانت أبعد عن استحقاق الميت من دية الخطأ (6).

و مال إليه في الكفاية حيث استشكل في الحكم في دية العمد؛ معتذراً بما مرّ،و كون الصحيحين الأوّلين غير شاملين لها،لاختصاص

ص:397


1- منهم:الشهيد في المسالك 2:313 و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:318.
2- المختصر النافع:265.
3- المسالك 2:313.
4- الفقيه 4:264/83،الوسائل 29:123 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 2؛ بتفاوت.
5- التهذيب 9:1347/377،الوسائل 26:41 أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.
6- السرائر 2:49.

أوّلهما بدية الخطأ،و كون الثاني قضية في واقعة فلا تعم (1).

و هو حسن لولا ما قدّمناه من الصحيح و القريب منه سنداً المطلقين، بل العامّين،و خصوص النص الصريح المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة و المحكية،بل اتفاق الطائفة،كما اعترف هو و غيره بها،معتضدة بنصوص أُخر:

منها:عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال،فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟فقال:«إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل،فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء» (2).

و نحوه آخر،إلّا أنه قال فيه:«فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فهو جائز،و إن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء، و إلّا فلا» (3).

نعم،ربما يعضد ما ذكره من الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته كما حكي (4):«من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإن ثلث ديته داخل في وصيته» (5)فيقيد به إطلاق الصحيحين.

ص:398


1- الكفاية:146.
2- الفقيه 4:411/119،التهذيب 10:703/180،الوسائل 29:122 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1.
3- التهذيب 6:861/312،الوسائل 18:365 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- انظر عدة الأُصول 1:380.
5- الكافي 7:7/11،الفقيه 4:589/169،التهذيب 9:774/193،الوسائل 19:285 أبواب أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

و يذبّ عن النص الصريح بضعفه بمحمد بن أسلم الجبلي و علي بن أبي حمزة البطائني.

لكن هذا إنما يتمّ لو لم تكن الشهرة الجابرة لسند الرواية الصريحة، و الموجبة لعدم مقاومة القوية لتلك النصوص المطلقة،و هي كما عرفت متحقّقة و محكية،معتضدة بنفي الخلاف عن إطلاق الحكم في كلام جماعة،فلا ريب و لا شبهة فيما ذكره الجماعة و كون رأي الحلّي ضعيفاً غايته،و لذا لم يشر إليه أحد في الكتب الاستدلالية.

و أضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم الحكم في دية الخطأ أيضاً معلّلاً بتأخّر استحقاقها عن الحياة التي شرط الملك،و الدين كان متعلّقاً بالذمة حال الحياة و بالمال بعد الوفاة،و الميت لا يملك بعدها شيئاً (1).

و إن هو إلّا اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المستفيضة المعتضدة بالإجماعات المحكية.

ص:399


1- حكاه في المفاتيح 3:318.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.