ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 9

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 9/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب البيع

الفصل السادس في بيع الثمار

الفصل السادس في بيع الثمار اعلم أنّه لا يجوز بيع ثمرة النخل بل مطلقا،كما يأتي قبل ظهورها المفسّر بالبروز إلى الوجود،و إن كانت بعدُ في [في بعد] الطلع أو الكِمام، في كلام جماعة (1)،و يشهد له بعض المعتبرة الآتية،عاما واحداً،بمعنى ثمرة ذلك العام و إن وجدت في شهر أو أقلّ.

للغرر،و الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة،كالغنية و السرائر و المختلف و التذكرة و التنقيح و الدروس و نكت الإرشاد و المسالك و الروضة (2)،و المفلح الصيمري في شرح الشرائع؛ و هو و ما قبله الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الناهية عنه فحوًى في بعض،و نصّاً

ص:5


1- منهم:الشيخ في النهاية:414،و الشهيد في الدروس 3:234،و الشهيد الثاني في الروضة 3:354.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586،السرائر 2:359،المختلف:376،التذكرة 1:502،التنقيح الرائع 2:104،الدروس 3:234،المسالك 1:204،الروضة 3:354.

في الباقي.

فمن الأوّل النصوص الآتية المانعة عن بيعها قبل بدوّ الصلاح.

و نحوها المعتبران،أحدهما الصحيح،و الثاني الموثّق كالصحيح على الصحيح:« لا تشتر النخل حولاً واحداً حتى يطعم،و إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل» (1).

و الخبر:« إذا بيع الحائط فيه النخل و الشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتّى تبلغ ثمرته» (2).

و من الثاني الموثّق كالصحيح:عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟قال:« لا،إلّا أن يشتري معها غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول:أشتري منك هذه الرطبة» إلى أن قال:« فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل» (3).

و هو و إن دلّ على الجواز مع الضميمة مطلقا،إلّا أنّ اللازم وفاقاً للتذكرة (4)حملها على المقصودة بالأصالة و كون الثمرة تابعة غير مقصودة؛ جمعاً بين الأدلّة،و التفاتاً إلى الإشعار به في ذيل الرواية من العلّة بأنّه إن لم تخرج الثمرة كان رأس ماله في الرطبة،بناءً على الغالب من عدم

ص:6


1- الأول:التهذيب 7:/88 374،الإستبصار 3:/85 290،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 9.الثاني:التهذيب 7:/88 375،الإستبصار 3:/86 291،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 10.
2- الفقيه 3:/157 690،التهذيب 7:/87 372،الإستبصار 3:/86 293،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 7.
3- الكافي 5:/176 7،الفقيه 3:/133 578،التهذيب 7:/84 360،الإستبصار 3:/86 295،الوسائل 18:219 أبواب بيع الثمار ب 3 ح 1.
4- التذكرة 1:502.و ادعى عليه في المسالك(1:204)الشهرة.(منه رحمه الله).

دفع الثمن في مثل هذه الصورة إلّا بعد أن تكون الضميمة بالذات مقصودة دون الثمرة.

و به يقيّد إطلاق المعتبرة المتقدّمة ككلام الجماعة،و إن كان الأحوط الترك مطلقا و لو مع الضميمة،فراراً من الشبهة الناشئة من الإطلاقات المزبورة،هذا.

و يستفاد من الصحاح الجواز من دون ضميمة أيضاً،لكن مع الكراهة،منها:عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، قال:« لا بأس به،يقول:إن لم يخرج في هذه أخرج من قابل،و إن اشتريته سنة فلا تشتره حتى يبلغ،و إن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس» و عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك الأرض كلّها،فقال:« اختصموا في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و كانوا يذكرون ذلك،فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرّمه،و لكن إنّما فعل ذلك من أجل خصومتهم» (1).

و فيه دلالة على كون النهي للإرشاد و رفع المنازعة،و في غيره كونه للكراهة،كالصحيح:« إنّما يكره شراؤها سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى تستبين» (2).

و نحوهما في عدم كون النهي للحرمة الخبر:« خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسمع ضوضاء،فقال:ما هذا؟فقيل:تبايع الناس بالنخل،فقعد النخل العام،فقال صلى الله عليه و آله:أمّا إذا فعلوا فلا يشتروا النخل حتى يطلع فيه شيء،

ص:7


1- الكافي 5:/175 2،التهذيب 7:/85 364،الإستبصار 3:/87 299،الوسائل 18:210 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 2.
2- التهذيب 7:/87 373،الإستبصار 3:/86 292،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 8.

و لم يحرّمه» (1).

و لذلك جمع الشيخ بينها و بين المتقدّمة عليها في الكتابين بالكراهة (2)، لكن فتواه بها بمجرّد ذلك غير معلومة،فلعلّها لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة،مع احتماله الحرمة و الاستحباب معاً في ذيل الباب المذكور فيه الأخبار المزبورة،المشعر بل الظاهر في تردّده في الكراهة،مع احتمال إرادته الكراهة في البيع بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح،كما تشعر به عبارته، سيّما بعد ضمّ سياق بعضها إلى بعض،و لذا نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الآتية دون هذه المسألة (3).

و كيف كان،ففتواه هنا بالكراهة لو كانت،مع أنّها غير معلومة شاذّة،كما دلّ عليها من النصوص و إن كانت بحسب الأسانيد معتبرة، لا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة،سيّما الإجماعات المحكيّة المستفيضة التي كلّ واحد منها في حكم رواية صحيحة معتضدة بالشهرة العظيمة.

مضافاً إلى ضعف دلالة الصحاح بالضرورة،فالأوّل:بقرب احتمال إرادة بدوّ الصلاح من البلوغ المنهي عن بيع الثمرة قبله،بل لعلّه الظاهر، كما لا يخفى على المتأمّل المتدبّر.

و الثاني:أوّلاً:بأعمّية الكراهة من المعنى المصطلح في هذه الأزمان المتأخّرة،فيحتمل الحرمة،بل يتعيّن،بشهادة الأخبار الظاهرة فيها لمكان النهي،بالضرورة.

ص:8


1- الكافي 5:/174 1،التهذيب 7:/86 366،الإستبصار 3:/88 301،الوسائل 18:209 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 1.
2- التهذيب 7:88،الاستبصار 3:88.
3- منهم:العلّامة في المختلف:376،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:105،و البحراني في الحدائق 19:324.

و ثانياً:باحتمال أن يراد من طلوع الثمرة بلوغها و بدوّ و صلاحها، و لا بأس به و إن بَعُد؛ جمعاً بين الأدلّة.

و بنحوه يجاب عن الثالث،فتأمّل،مضافاً إلى قصور سنده بالجهالة و وجه آخر لضعف الدلالة.

فاحتمال بعض متأخّري متأخّري الطائفة المصير إلى الجواز مع الكراهة (1)ضعيف غايته.

و لا أزيد من عام واحد (2)،على الأظهر الأشهر،بل عن الحلّي عليه الإجماع (3)؛ و هو الحجة.

و المناقشة فيه بخروج مَن سيأتي كما في المختلف (4)مردودة، بناءً على ما عليه أصحابنا من عدم القدح فيه بمثل ذلك بالبديهة،هذا.

مضافاً إلى أكثر ما مرّ من الأدلّة من لزوم الغرر،و الجهالة،و فحاوى الأخبار الآتية،فتأمّل،و إطلاق الموثّقة الثانية (5)بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال.

مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة بالشهرة،و ما قدّمناه من الأدلّة:عن النخل و الثمر يبتاعهما الرجل عاما واحداً،إلى أن قال:« فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل» (6).

ص:9


1- الحدائق 19:329.
2- عطف على قوله:عاما واحداً،في ص 5.أي:لا يجوز بيع ثمرة النخل قبل ظهورها أزيد من عام واحد.
3- السرائر 2:359.
4- المختلف:376.
5- المتقدمة في ص:6.
6- التهذيب 7:/91 387،الإستبصار 3:/88 302،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 12.

خلافاً للمقنع و التذكرة (1)،فجوّزاه،كما حكاه جماعة؛ استناداً إلى الأصل و العمومات،و الصحيح:عن شراء النخل،فقال:« كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة،و لكن السنتين و الثلاثة،كان يقول:

إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأُخرى» و عن الرجل يبتاع النخل و الفاكهة قبل أن يطلع،فيشتري سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً؟فقال:

« لا بأس» (2)الحديث.

و ربما يستدل له بإطلاق المعتبرين (3)و الصحيح الأوّل (4)من الصحاح،المتوهَّم معارضتها لهما،من حيث تخصيص المنع في الأوّلين قبل أن يطعم بالحول الواحد،المشعر بالجواز فيما زاد،مع التصريح به فيه أخيراً،و إطلاق جواز البيع ثلاث سنين قبل البلوغ في الأخير،و هو كالأوّل أعمّ من ظهور الثمرة قبل بدوّ الصلاح و عدمه إن كان الأمران مراداً بهما بدوّ الصلاح،و إن أُريد بهما مجرّد ظهور الثمرة و إن بَعُد كان الخبران نصّين في الجواز قبله.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّلين بما مرّ،سيّما أدلّة نفي الغرر.

و تاليهما:باحتمال الطلوع فيه بدوّ الصلاح،كما مرّ.

و يكون المراد يقول:« إن لم يحمل» إلى آخره:إن خاست.

و ارتكاب هذا الحمل فيه و إن بَعُد أولى من ارتكاب الحمل فيما مرّ؛ لكونه بوجوه كثيرة أعظمها الشهرة و أدلّة نفي الغرر المتّفق عليها فتوًى

ص:10


1- المقنع:123،التذكرة 1:502.
2- التهذيب 7:/87 373،الإستبصار 3:/86 292،الوسائل 18:213 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 8.
3- المتقدمين في ص:5.
4- المتقدم في ص:7.

و روايةً بالترجيح أولى و أظهر.

و ربما يستأنس لحمل الطلوع فيه على البلوغ بملاحظة الصحيح الأوّل،حيث اشترط في نفي بأس الشراء ثلاث سنين وقوعه قبل البلوغ الذي مرّ أنّ الظاهر منه بدوّ الصلاح و جعله المعيار له دون غيره،مع تضمّنه قوله في الصدر تعليلاً للجواز:« إن لم يخرج في هذه السنة أخرج من قابل» (1).و لو كان المعيار هو الظهور لكان التبديل به عن البلوغ أولى،كما لا يخفى.

و منه يظهر الجواب عن الاستناد إليه و إلى المعتبرين من حيث جعلهما المعيار في الجواز مع تعدّد السنين و المنع مع الاتّحاد هو قبل الإطعام الظاهر في بدوّ الصلاح،مع حكاية التصريح به عن الصحاح،قال:

أطعَمَتِ النخلة إذا أدرك ثمرها،و أطعَمَت البسرة أي صار لها طعم (2).

ثم لو سلّم الإطلاق المتوهّم لاُجيب عنه بالتقييد بما تقدّم،لما تقدّم، فالقول بالمنع متعيّن.

و كذا لا يجوز بيعها سنة واحدة بعد ظهورها مطلقا، بشرط التبقية أو مطلقا ما لم يبد صلاحها،و هو أن يحمرّ أو يصفرّ على الأظهر الأشهر وفاقاً للإسكافي و الصدوق و الطوسي و الحلبي و ابن حمزة و ابن زهرة العلوي (3)،مدّعياً هو كالمبسوط و الخلاف عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

ص:11


1- راجع ص:7.
2- الصحاح 5:1975.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:376،الصدوق في المقنع:123،الطوسي في المبسوط 2:113،و الخلاف 3:85،الحلبي في الكافي في الفقه:356،ابن حمزة في الوسيلة:250،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):586.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على أكثر النصوص المتقدمة،كالمعتبرة الثلاثة الأُول و الأولى من الصحاح المقابلة لها المعتبرة بالشهرة،مع كون أسانيد بعضها معتبرة،و هي مستفيضة،منها الصحيح:

« لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (1).

و الموثق:عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟قال:« إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها،فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحلّ بيعه حتى يطعم،فإن كان أنواعاً متفرقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثم تباع تلك الأنواع» (2).

و المرسل كالموثق:عن بيع الثمرة قبل أن تدرك،فقال:« إذا كان في ملك بيع له غلّة فقد أدركت فبيع ذلك حلال» (3).

و قريب منه الصحيح:« إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً» (4).

و هما دالّان على المنع في غير محلّ المنطوق الذي منه المفروض، صريحاً في الأوّل،و ظاهراً في الثاني بملاحظة الأوّل.

و الخبران،في أحدهما:عن رجل اشترى بستاناً فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر،فقال:« لا حتى يزهو» قلت:و ما الزهو؟قال:« حتى

ص:12


1- الكافي 5:/175 4،التهذيب 7:/85 365،الإستبصار 3:/87 300،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 4.
2- التهذيب 7:/92 391،الإستبصار 3:/89 304،الوسائل 18:218 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 5.
3- الكافي 5:/175 6،التهذيب 7:/84 361،الإستبصار 3:/87 296،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 2؛ بتفاوت.
4- الكافي 5:/175 5،التهذيب 7:/85 362،الإستبصار 3:/87 297،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 1.

يتلوّن» (1)و في الثاني:« لا تشتره حتى يتبيّن صلاحه» (2).

و المروي عن كتاب علي بن جعفر:عن شراء النخل سنة واحدة، قال:« لا يشترى حتى يبلغ» (3).

و نحوها المروي في حديث المناهي المروي في آخر الفقيه:« نهى أن تباع الثمار حتى تزهو» (4).

و هي مع استفاضتها و اعتضادها بالأخبار الأوّلة واضحة الدلالة، للتصريح فيها منطوقاً في بعض و مفهوماً في آخر بالمنع قبل بدوّ الصلاح، كما في جملة منها،و الصحيح:هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟فقال:

« لا يجوز بيعه حتّى يزهو» قلت:و ما الزهو جعلت فداك؟قال:« يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك» (5).

أو قبل البلوغ كما في بعض،أو الإطعام،كما في آخر،أو الإدراك، كما في ثالث.

و ظاهر هذه الألفاظ المتبادر منها عند الإطلاق هو بدوّ الصلاح،و قد مرّ عن الصحاح (6)ما يدلّ عليه في الثاني،و أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها

ص:13


1- الكافي 5:8/176،التهذيب 7:359/84،الإستبصار 3:294/86،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 5.
2- التهذيب 7:/91 388،الإستبصار 3:/89 203،الوسائل /18 214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 13.
3- مسائل علي بن جعفر:/169 284،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 22.
4- الفقيه 4:/2 1،الوسائل 18:215 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 14.
5- الكافي 5:/175 3،الفقيه 3:/133 580،التهذيب 7:/85 363،الإستبصار 3:/87 298،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 3.
6- راجع ص:4014.

عن بعض.

خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلّي و التذكرة و الروضتين (1)،فالجواز مع الكراهة؛ عملاً في الأوّل بالأصل و العمومات و الصحيحة المتقدّمة (2)سنداً للمقنع في المسألة السابقة،لتصريحها بالكراهة قبل أن تطلع ثمرة السنة، و المراد بها الكراهة الاصطلاحية،بقرينة ما مرّ في بعض المعتبرة السابقة من أنّه عليه السلام نهاهم عن ذلك و لم يحرّمه (3)،فتصرف الأخبار الناهية إليها،مع احتمالها الحمل على التقيّة،كما يستفاد من بعض المعتبرة،كالصحيح:عن بيع النخل سنتين،فقال:« لا بأس» قلت:جعلت فداك،إنّ ذا عندنا عظيم، قال:« أما إنّك إن قلت ذلك لقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحلّ ذلك فتظلموا» فقال عليه السلام:«لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (4).

و في الثاني إلى الصحيحة المتضمّنة للكراهة (5)،و إلى الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة فتوًى و روايةً.

و المناقشة في الجميع واضحة؛ لاندفاع الأوّلين بما مرّ من الأدلّة، كاندفاع الثالث بها و بمتروكية الظاهر إن أُريد من الطلوع فيه مجرّد الظهور، و بأعمّية الكراهة من المعنى المصطلح علية بين متأخّري الطائفة إن أُريد به البلوغ،كما عليه بناء الحجة،و مرّت إلى صحته الإشارة (6)،فيحتمل

ص:14


1- المفيد في المقنعة:602،الديلمي في المراسم:177،الحلي في السرائر 2:359،التذكرة 1:504،اللمعة(الروضة البهية 3):355.
2- في ص:9.
3- راجع ص:7.
4- راجع ص:12.
5- المتقدمة في ص:9.
6- راجع ص:8.

الحرمة،فلتصرف إليها،جمعاً بين الأدلّة،سيّما بعد ملاحظة الصحيحة المضاهية له في السياق و العبارة،المصرّحة بالنهي الظاهر في الحرمة (1).

و دلالة القرينة المزبورة على الكراهة الاصطلاحية غير معلومة إلّا بعد معلوميّة تعلّق نهيه صلى الله عليه و آله الذي ليس للحرمة ببيع الثمرة سنة واحدة،و ليس في المعتبرة المتضمّنة لهذه القرينة ذكر لذلك،بل و لا إيماء إليه و لا إشارة، فيحتمل تعلّقه إلى بيعها سنتين قبل بدوّ صلاحها لا مطلقا.

و لعلّه يشير إليه الصحيحة المستشهد بها للحمل على التقية،حيث إنّ الظاهر منها وقوع التظلّم في مورد السؤال فيها،و هو البيع سنتين الذي يأبى عنه العامة،كما يشعر إليه سياق الرواية،و يستشعر أيضاً من عبارة الغنية (2)، بل حكي التصريح به عن السرائر و التذكرة (3).و الظاهر أنّ قضية التظلّم الذي تعقّبها النهي الذي ليس للحرمة بمقتضى المعتبرة المتقدّمة مع هذه القضية واحدة.

و من هنا انقدح وجه الجواب عن الاستشهاد بهذه الصحيحة لحمل أخبار المنع على التقية،فإنّ ما منعت عنه العامّة بمقتضى الرواية و عبارة الغنية هو البيع قبل بدوّ صلاح الثمرة سنتين لا خصوص السنة الواحدة،كما هي مورد الروايات السابقة.

و للمحكي عن ظاهر الديلمي (4)،فالتفصيل بين السلامة من الآفة إلى أوان بلوغ الثمرة فالصحة،لكن لم يذكر عنه الكراهة،و عدمها فالأوّل،

ص:15


1- راجع ص:5.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- السرائر 2:358،التذكرة 1:504.
4- حكاه عنه في الحدائق 19:333،انظر المراسم:177.

بمعنى تبيّن فساد المعاملة؛ جمعاً بين الأدلّة.

و هو مع الندرة و عدم وضوح الشاهد عليه و الحجّة يتوجّه عليه المناقشات السابقة،فهو أضعف من سابقه بالضرورة.

نعم لو ضمّ إليها شيء يجوز بيعه منفرداً أو بيعت أزيد من سنة،أو بشرط القطع في الحال و إن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه جاز إجماعاً في الظاهر،و صرّح به في الأخيرين في الغنية و الخلاف و المبسوط و التذكرة (1)،و في الجميع في السرائر و التنقيح و شرح الشرائع للصيمري (2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما ربما يتوهّم منه من إطلاق الأخبار المانعة.

و المناقشة فيه واضحة؛ لاختصاصها بحكم التبادر بغير صورة البيع بأحد الأُمور المزبورة،مع التصريح في بعضها بعد المنع بجوازه بالضميمة في صورة بيع الثمرة قبل طلوعها،المستلزم لجوازه هنا بطريق أولى إن حمل الطلوع فيه على الظهور،و إلّا فهو نصّ في المقام جدّاً.

و في آخر منها مستفيض بجواز البيع سنتين فصاعداً قبل البلوغ،كما في بعضها،أو الطلوع،كما في الآخر،و طريق الاستدلال به ظاهر مما قدّمنا.

و في ثالث بالجواز مع القطع،كما قيل (3).

ص:16


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586،الخلاف 3:85،المبسوط 1:113،التذكرة 1:504.
2- السرائر 2:360،التنقيح الرائع 2:104.
3- مفاتيح الشرائع 3:56.

و ينبغي تقييده ككلام الأصحاب،و به صرّح بعضهم (1)بكون المشروط قطعها ممّا ينتفع به عند العقلاء،فإنّ المعاملة بدونه تعدّ سفهاً عرفاً،كما مراراً قد مضى.

و ألحق الفاضل بالثلاثة بيعها على مالك الأصل،و بيع الأُصول مع استثناء الثمرة (2).

و فيهما نظر؛ لخروج الثاني عن محلّ الفرض،فإنّه لا بيع هنا و لا نقل ثمرة،و عدم وضوح دليل على الأوّل عدا التبعيّة،و لا تكون إلّا إذا بيعت مع الأصل،و لذا قال بالبطلان في التحرير،و حكي عن الخلاف و المبسوط (3)(4). و يجوز بيعها مع أُصولها مطلقا و إن لم يبد صلاحها و كان عارياً من الشرائط الثلاثة،إجماعاً،فإنّها في معنى الضميمة جدّاً.

ثم إنّ تفسير البدوّ بالاحمرار و الاصفرار خاصّة في العبارة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما عن الإسكافي و الطوسي و القاضي و الصهرشتي (5)،

ص:17


1- الحدائق 19:335.
2- كما في قواعد الأحكام 1:130.
3- التحرير 1:188،الخلاف 3:87،المبسوط2:114.
4- نعم ادّعى الإجماع عليه في القواعد(1:130)و هو حسن إن تمّ.(منه رحمه الله).
5- هو الشيخ الثقة الجليل نظام الدين أبو الحسن أو أبو عبد اللّه سليمان بن الحسن بن سليمان الصّهرشتي،و كان عالماً كاملاً،فقيهاً،وجهاً،ديّناً،ثقة،شيخاً من شيوخ الشيعة،و من كبار تلامذة السيد المرتضى و الشيخ أبي جعفر الطوسي،و يروي عنهما و عن الشيخ المفيد،و أبي يعلى الجعفري،و أبي الحسين النجاشي،و أبي الفرج القزويني،و أبي عبد اللّه الحسين بن الحسن بن بابويه ابن أخي الصدوق و جدّ الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست،و أبي الحسن الفتال و يروي عنه الشيخ حسن بن الحسين بن بابويه المعروف بحسكا.له كتب عديدة:منها:كتاب قبس المصباح في الأدعية و هو ملخص مصباح المتهجّد لأستاذه أبي جعفر الطوسي،شرح النهاية للطوسي أيضاً،النفيس في الفقه،تنبيه الفقيه،النوادر،التبيان في عمل شهر رمضان،نهج المسالك إلى معرفة المناسك،شرح ما لا يسع جهله،عمدة الولي و غيرها.و قد ينقل عنه في بعض الكتب الفقهية كالمعتبر و الذكرى و غاية المراد و غيرهما.و لمزيد الاطلاع انظر:معالم العلماء:/56 373،فهرست منتجب الدين:/85 184،أمل الآمل 2:128،/129 358،360،رياض العلماء 2:445 449،رجال بحر العلوم 2:40 42،روضات الجنات 4:11 13،أعيان الشيعة 7:296،الكنى و الألقاب 2:395.

و الحلّي (1)،و هو مختار الشهيدين و الفاضل في أكثر كتبه (2).

و عليه دلّت أكثر النصوص المتقدّمة و إن اختلفت في الظهور و الصراحة،فمن الأوّل:المعتبرة المستفيضة المعبّرة عنه بالإطعام،كما في بعض،و البلوغ،كما في آخر،و الإدراك،كما في ثالث.

و من الثاني:المعتبران المعبّران عنه بالزهو المفسَّر فيهما و في كلام أهل اللغة كما حكاه جماعة (3)بالتلوّن،كما في أحدهما (4)،و الاحمرار و الاصفرار كما في الثاني (5).

و قصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة،و يرجع إليهما الأخبار الأوّلة بحمل الألفاظ الثلاثة فيها على ما فيهما لصدقها مع الاحمرار و الاصفرار جدّاً.

ص:18


1- حكاه عن الإسكافي في المهذب البارع 2:436،الطوسي المبسوط 2:114،القاضي في المهذب 1:380،الحلّي في السرائر 2:361.
2- الشهيدان في اللمعة و الروضة 3:355،الفاضل في التذكرة 1:503،و التحرير 1:188،و القواعد 1:130.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 2:106،و المجلسي في مرآة العقول 19:175.
4- راجع ص:12.
5- راجع ص:13.

و نحوهما في الصراحة أخبار عامّية منجبرة بالشهرة،منها:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن بيع الثمرة حتى تُشَقِّح» قيل:و ما التشقيح؟قال:

« تحمرّ و تصفرّ و يؤكل منها» (1).

و منها:عن قوله« حتى تزهو؟» قال:« تحمرّ و تصفرّ» (2).

خلافاً للماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد (3)،فزادا:أو بلوغ غاية يؤمن عليها الفساد.و لعلّه للجمع بين ما مرّ و بين الخبر الذي مرّ، و فيه:« لا،حتى يثمر و يؤمن ثمرتها من الآفة» (4)و نحوه خبران عاميّان (5).

و ضعف الجميع سنداً،بل و دلالة باحتمال أن يراد بزمان أمن الثمرة من الآفة زمان احمرارها و اصفرارها كما صرّح به بعض الأجلّة (6)،مع عدم المقاومة لما مرّ جدّاً يضعف الاستناد إليه قطعاً،مع احتمال إرادة الفاضلين من الترديد التنبيه على تعدّد القولين،و لم نقف على القائل بالثاني خاصّة، و لا ريب في ضعفه و إن وجد القائل به،و عليه فالمرجع فيه إلى العادة.

و ربما حدّ في النبوية العامية بطلوع الثريا (7).

و ردّها بالضعف سنداً جماعة (8)،و زاد بعضهم القصور من حيث

ص:19


1- صحيح البخاري 3:101،سنن البيهقي 5:301،سنن أبي داود 3:/253 3370.
2- صحيح البخاري 3:101،سنن البيهقي 5:300.
3- الشرائع 2:52،الإرشاد 1:363.
4- التهذيب 7:/91 387،الإستبصار 3:/88 302،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 12.
5- سنن البيهقي 5:300،سنن أبي داود 3:/252 3368،مسند أحمد 2:42؛ بتفاوت يسير.
6- الحدائق 19:339.
7- مسند أحمد 2:42،سنن البيهقي 5:300.
8- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:205،السبزواري في الكفاية:100،و صاحب الحدائق 19:335.

الدلالة (1).

و كذا لا يجوز بيع ثمرة الشجرة سنة حتى تظهر و يبدو صلاحها لعين ما مرّ،و إن اختصّ بعضها بالنخل.

مضافاً إلى الموثق:عن الكرم متى يحلّ بيعه؟فقال:« إذا عقد و صار عقوداً،و العقود اسم الحصرم بالنبطية» (2).

و هو أي بدوّ الصلاح هنا أن ينعقد الحبّ و إن كان في كِمام، بكسر الكاف،جمع أكِمّة بفتح الهمزة و كسر الكاف و فتح الميم مشدّدة، و هي غطاء الثمرة و النور كالرمّان،و كذا لو كان في كِمامين،كالجوز و اللوز.

و على هذا التفسير كما هنا و في أكثر كتب الفاضل (3)لم يختلف الظهور و بدوّ الصلاح،و إنّما يختلفان في النخل خاصّة.

و يظهر الاختلاف هنا أيضاً على غيره من جعل البدوّ تناثر الزهر بعد الانعقاد،كما عن النهاية و الكامل و السرائر و التحرير و الدروس (4)،بل ادّعى عليه الشهرة المطلقة أو المتأخّرة خاصّة جماعة (5)؛ أو تلوّن الثمرة،أو صفاء لونها،أو الحلاوة و طيب الأكل في مثل التفاح،أو النضج في مثل البطيخ، أو تناهي عظم بعضه في مثل القثّاء،كما عن المبسوط و المهذب (6).

و منشأ الاختلاف في التفاسير اختلاف النصوص في التعبير،فبين

ص:20


1- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:206.
2- الكافي 5:/178 18 بتفاوت يسير،التهذيب 7:/84 358،الوسائل 18:212 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 6.
3- انظر التذكرة 1:504،و التحرير 1:188،و القواعد 1:130.
4- النهاية:414،السرائر 2:363،التحرير 1:188،الدروس 3:235.
5- منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2:107.
6- المبسوط 1:114،المهذب 1:381.

ما عبّر فيه بالانعقاد و الصيرورة حصرماً،كما مرّ في الموثّق،و به استدل للأوّل.و فيه نظر.

و ما عبّر به بزيادة سقوط الورد،كما في القول الثاني،و فيه:« ثمرة الشجرة لا بأس بشرائها إذا صلحت ثمرته» فقيل له:و ما صلاح ثمرته؟ فقال:« إذا عقد بعد سقوط ورده» (1).

و ما عبّر بالطعم أو البلوغ أو الإدراك الراجع بحكم التبادر إلى القول الثالث،و هو المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة.

و خيرها أوسطها؛ لانجبار ضعف ما دلّ عليه سنداً بالشهرة المحكيّة جدّاً،و قصور الأخبار الأخيرة عن المقاومة له دلالةً،لاحتمال إرجاع ما فيها من الألفاظ الثلاثة إليه جدّاً،كما فعل فيما تقدّم.

و لا ريب أنّ الأخير أحوط،فلا يترك مهما أمكن.

و إذا أدرك بعض ثمرة البُستان جاز بيع ثمرته أجمع بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالمختلف و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و غيرهم (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة المتقدم إليها الإشارة،و فيها الصحيح و المرسل كالموثق:« إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً» (3)كما في الأوّل.

و في الثاني:عن بيع الثمرة قبل أن تدرك،فقال:« إذا كان في ملك

ص:21


1- التهذيب 7:/91 388،الإستبصار 3:/89 203،الوسائل 18:214 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 13.
2- المختلف:376،المسالك 1:205،و انظر الحدائق 19:337.
3- الكافي 5:/175 5،التهذيب 7:/85 362،الإستبصار 3:/87 297،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 1.

بيع له غلّة قد أدرك فبيع كلّه حلال» (1).

و إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الضميمة بين أن تكون متبوعة أو تابعة.

و لا ريب في الأولى؛ للقاعدة المطّردة من صحة المعاملة مع الضميمة التي تكون بالذات مقصودة مخرجة لها عن الغرر و المجازفة،و قد تقدّم إلى ذكرها مراراً الإشارة.

و كذا في الثانية بعد ما عرفت من إطلاق النص و الفتوى المخرجين لها عمّا دلّ على فساد المعاملة و لو بضمّ ضميمة ليست بالذات مقصودة إذا اشتملت على الغرر و الجهالة.

و من هنا انقدح وجه القدح في استدلال جماعة (2)بقاعدة الضميمة المزبورة لصحة هذه المعاملة مطلقا و لو في الصورة الثانية،فإنّها لم تنهض بإثباتها إلّا في الصورة الأُولى خاصّة.

و لعلّ الوجه فيه أنّ الضميمة هنا ليست لدفع الغرر و الجهالة حتى يأتي فيها التفصيل المتقدم إليه الإشارة،لاختصاص مثله بما يتصوّر فيه الأمران لو خلا عنها،و ليس منه مفروض المسألة،بناءً على أنّ المنع عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها إنّما هو تعبّد محض نهض بإثباته الأخبار المانعة،لولاها لتعيّن المصير إلى الجواز،نظراً إلى الأصل،و العمومات السليمة عن معارضة الغرر و المجازفة،لاندفاعهما بالمشاهدة،و لذا صار

ص:22


1- الكافي 5:/175 6،التهذيب 7:/84 361،الإستبصار 3:/87 296،الوسائل 18:217 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 2.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:205،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:207،و صاحب الحدائق 19:337.

إليه جماعة (1)بعد حملهم تلك الأخبار على الكراهة بشهادة بعضها كما زعموه،بل ضمّها هنا ليس إلا للذبّ و الفرار عن الدخول تحت إطلاق تلك الأخبار بناءً على اختصاصها بحكم التبادر بغير المضمار.

و لو أدرك ثمرة بستان ففي جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضمّاً إليه تردّد ينشأ من إطلاق تلك الأخبار المانعة عن بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح،و اختصاص ما تقدّم من الإجماع و المعتبرة بالمسألة الأُولى خاصّة،و ليس مثلها المسألة،فإنّ لكلّ بستان حكمه.

مضافاً إلى ظاهر بعض المعتبرة،كالموثق:عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟قال:« إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها،فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحلّ بيعه حتى يطعم،فإن كان أنواعاً متفرّقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثم تباع تلك الأنواع» (2).

و ممّا عرفت من انصراف إطلاق تلك الأخبار بحكم التبادر إلى غير صورة الضميمة،فيتّجه الحكم بالصحة معها،بناءً على ما عرفت من عموم أدلّتها السليمة مع الضميمة عن معارضة الأخبار المانعة،و أنّه لا غرر هنا، و كون المنع على تقديره إنّما هو تعبّد محض لا للمجازفة.

و معارضةِ الموثّقة بأقوى منها من المعتبرة سنداً و دلالةً،و هو الرواية الثانية المتقدّمة في المسألة السابقة (3)،لشمولها للمسألة؛ مضافاً إلى ضعف

ص:23


1- منهم:الشيخ في التهذيب 7:88،و العلّامة في التذكرة 1:502،و المحقق الثاني غ في جامع المقاصد 4:162،و الشهيد في المسالك 1:205،و صاحب الحدائق 19:333.
2- التهذيب 7:/92 391،الإستبصار 3:/89 304،الوسائل 18:218 أبواب بيع الثمار ب 2 ح 5.
3- راجع ص:21.

دلالة الموثّقة بقرب احتمال خروجها عن مفروض المسألة باشتراطها في صحة بيع الثمرة مع الضميمة اتّحاد النوع،و لم يقل به أحد من الطائفة، فيكون حينئذٍ شاذّة،و صرّح بذلك بعض الأجلّة (1).

و منه يظهر أنّ الجواز أشبه و مع ذلك هو بين المتأخّرين أشهر.خلافاً للمبسوط و الخلاف (2).و هو ضعيف.

و يصحّ بيع ثمر الشجرة بعد انعقاد الحبّ مطلقا و لو كان في الأكمام منضمّاً إلى أُصوله كان أ و منفرداً بلا خلاف أجده؛ للأصل، و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا توهّم لزوم الغرر و الجهالة باستتار الثمرة.و يندفع بجواز البيع بناءً على أصالة الصحة،كما مرّ في بحث بيع المسك في فأره و نحوه إلى ذكره الإشارة (3).

و كذا يجوز بيع الزرع قائماً على أُصوله مطلقا،قصد قصله أم لا و حصيداً أي محصوداً و إن لم يعلم ما فيه؛ استناداً في الأوّل إلى أنّه قابل للعلم مملوك فتتناوله الأدلّة من عمومات الكتاب و السنة.

و في الثاني إلى أنّه حينئذٍ غير مكيل و لا موزون،بل يكفي في معرفته المشاهدة،فتتناوله تلك الأدلّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة فيهما،منها الصحاح،في أحدها:

أ يحلّ شراء الزرع الأخضر؟قال:« نعم لا بأس به» (4).

و في الثاني:« لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده

ص:24


1- الحدائق 19:338.
2- المبسوط 2:114،الخلاف 3:88.
3- راجع ص:246 ج 8.
4- الكافي 5:/274 2،التهذيب 7:/142 630،الإستبصار 3:/113 399،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 2.

إن شئت أو تعلفه قبل أن يسنبل و هو حشيش» (1).

و قريب منه الثالث و غيره:« لا بأس أن تشتري زرعاً أخضر،فإن شئت تركته حتى تحصده،و إن شئت بعته حشيشاً» (2).

و منها الموثّق:عن شراء القصيل يشتريه الرجل،فلا يقصله و يبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيراً أو حنطة و قد اشتراه من أصله على أنّ ما يلقاه من خراج فهو على العِلْج (3)،فقال:« إن كان اشترط عليه الإبقاء حين اشتراه إن شاء قطعه قصيلاً و إن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلاً،و إلّا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يسنبل» (4).

و منها الخبر:عن بيع حصائد الحنطة و الشعير و سائر الحصائد،قال:

« حلال بيعه فليبعه بما شاء» (5).

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا ما يحكى عن المقنع في الأوّل، حيث شرط كونه سنبلاً أو القصيل (6).

و له الخبر:عن الحنطة و الشعير أشتري زرعه قبل أن يسنبل و هو حشيش؟قال:«لا إلّا أن يشتريه لقصيل يعلفه الدوابّ ثم يتركه إن شاء

ص:25


1- الكافي 5:/274 1،التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 1.
2- التهذيب 7:/144 639،الإستبصار 3:/112 394،الوسائل 18:235 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 6.
3- العِلْج:الكافر،قال في الوافي 18:549:يعني على أن يكون الخراج على البائع دون المشتري،فإنّ الزرّاع و الأكرة كانوا يومئذٍ من كفّار العجم.
4- الكافي 5:/275 6،الفقيه 3:/148 651،التهذيب 7:/142 626،الإستبصار 3:/112 396،الوسائل 18:236 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 7.
5- الكافي 5:/276 4،التهذيب 7:/141 622.
6- المقنع:131.

حتى يسنبل» (1).

و فيه مضافاً إلى الضعف سنداً بالبطائني قصور عن المقاومة لما مرّ جدّاً من وجوه شتّى.

و أمّا الموثّق:« لا تشتر الزرع ما لم يسنبل،فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك..» (2)فليس له فيه حجّة؛ لظهور السياق في أنّ المراد بالزرع هو الحاصل،و قد مرّ أنّه لا يجوز بيعه قبل بدوّ صلاحه الذي هو انعقاد حبّه،و الشاهد عليه قوله عليه السلام:« فإذا كنت تشتري أصله» إلى آخره، فتأمّل.

ثم إنّ ظاهر النصوص و الفتاوى استحقاق المشتري الصبر إلى أوان البلوغ،فيجب على البائع الصبر إليه جدّاً،إلّا أنّ الموثّقة الأُولى ظاهرة في خلافها حيث دلّت على أنّه لا ينبغي الترك حتى يسنبل مع عدم شرط الإبقاء،و لكن ليس نصّاً في التحريم،بل و لا ظاهراً،بل ربما أشعرت اللفظة بالكراهة جدّاً،فلا بأس بحملها عليها؛ لذلك،أو جمعاً.

و أمّا حملها على صورة البيع قصيلاً كما يشعر به صدراً فلا وجه له أصلاً،أوّلاً:بضعف إشعار الصدر،فإنّ شراء القصيل أعمّ من شرائه قصيلاً.

و ثانياً:بأنّ شراءه كذلك ينافي التفصيل في الجواب بقوله:« إن كان اشترط عليه الإبقاء» الى آخره،ظاهراً؛ لمنافاة اشتراط الإبقاء الشراء قصيلاً،إذ معناه الشراء بشرط القطع جدّاً،و صرّح به الحامل ايضاً (3).

ص:26


1- الفقيه 3:/149 655،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 10.
2- التهذيب 7:/144 637،الإستبصار 3:/113 402،الوسائل 18:220 أبواب بيع الثمار ب 3 ح 3.
3- الحدائق 19:365.

و يجوز بيع الخُضر كالقثّاء و الباذنجان و البطيخ و الخيار بعد انعقادها و ظهورها،و إن لم يتناه عظمها على المشهور.خلافاً للمبسوط، اشترطه،كما مرّ (1).

لقطة و لقطات معيّنة معلومة العدد.

كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة و ما يتجدّد في تلك السنة و في غيرها مع ضبط السنين؛ لأنّ الظاهرة منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم سواء كانت المتجدّدة من جنس الخارجة أم غيره.

و المرجع في اللقطة العرف،فما دلّ على صلاحيته للقطع يُقطع،و ما دلّ على عدمه لصغره أو شكّ فيه لا يدخل.أمّا الأوّل فواضح،و أمّا المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه،و عدم دخوله فيما أُخرج باللقط.

و كذا يجوز بيع ما يجزّ كالرطْبة بفتح الراء و سكون الطاء، نبت خاصّ،قيل (2):له أوراق صغار ذو بسط في الجملة،يقال له بالفارسية:اسبست،كما عن الصحاح و المغرب (3) جزّة و جزّات و كذا ما يخرط أصل الخرط أن يقبض باليد على أعلى القضيب ثم يمرّها عليه إلى أسفله ليأخذ منه الورق،و منه المثل السائر دونه خرط القتاد،و المراد هنا ما يقصد من ثمرته ورقه كالحِنّاء و التوت بالتاءين من فوق خرطة و خرطات و دليل الجواز في الكلّ بعد الوفاق في الظاهر الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،مضافاً إلى المعتبرين في الأخيرين أحدهما الموثق

ص:27


1- في ص:20.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:210.
3- الصحاح 1:203،المغرب 1:210.

عن ورق الشجر،هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال:« إذا رأيت الورق في شجره فاشتر منه ما شئت من خرطة» (1).

و هو في غاية الظهور فيما عليه المشهور من اشتراط الصحة بالظهور.

خلافاً للمحكي عن ظاهر ابن حمزة في نحو الجزّة الثانية و الثالثة، فجوّز بيعها منفردة قبل الظهور (2).و هو بأدلّة الغرر و الجهالة محجوج.

و بها و بالموثّقة يقيّد إطلاق الرواية الثانية:عن الرطبة يبيعها هذه الجزّة و كذا و كذا جزّة بعدها؟قال:« لا بأس به» و قال:« كان أبي عليه السلام يبيع الحِنّاء كذا و كذا خرطة» (3).مع ظهور صدرها فيما دلّت عليه الموثّقة.

و لو باع الأُصول من النخل بعد التأبير فالثمرة للبائع بلا خلاف إلّا من ابن حمزة،فحكم بأنّها قبل البدوّ للمبتاع مطلقا (4).و المعتبرة و غيرها من الأدلّة عليه حجّة.

و كذا لو باع الشجرة بعد انعقاد الثمرة كانت للبائع مطلقا، مستورة كانت أو بارزة ما لم يشترطها المشتري فيدخل هنا و سابقاً، على الأشهر الأقوى.

خلافاً للمبسوط و القاضي في المستورة،كالورد الذي لم ينفتح، فحكما بالدخول مطلقا،اشترط أم لا (5).و الكلام في المقامين و ما يتعلّق

ص:28


1- الكافي 5:/176 7،الفقيه 3:/133 578،التهذيب 7:/86 367،الوسائل 18:221 أبواب بيع الثمار ب 4 ح 2.
2- انظر الوسيلة:253.
3- الكافي 5:/177 11،التهذيب 7:/86 368،الوسائل 18:221 أبواب بيع الثمار ب 4 ح 3.
4- الوسيلة:250.
5- المبسوط 2:102،القاضي في المهذب 1:375.

بهما قد مضى في بحث ما يدخل في المبيع مفصّلاً (1).

و حيث ما كانت الثمرة للبائع وجب عليه أي المشتري تبقيتها إلى أوان بلوغها و أخذها عرفاً بحسب تلك الشجرة،من بسر أو رطب أو تمر أو عنب أو زبيب.

و إن اضطرب العرف فالأغلب.

و مع التساوي ففي الحمل على الأقلّ،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حُرمة التصرف في مال المشتري على المتيقّن،أو الأكثر،بناءً على ثبوت أصل الحقّ فيستصحب إلى أن يثبت المزيل،أو اعتبار التعيين و بدونه يبطل،للاختلاف المؤدّي إلى الجهالة،أوجه.

و لا خلاف في أصل الحكم.و مستندهم فيه مع مخالفته الأصل المتقدّم للعبد غير واضح،و استناد البعض (2)إلى استلزام كون الثمرة للبائع ذلك غير بيّن.

و حديث نفي الضرر بالمثل معارض،فإن كان إجماع أو قضاء عادة بذلك،و إلّا فالأمر على الفقير ملتبس.

نعم،ربما يستأنس له بنصوص الزرع المتقدّمة الدالة عليه فيه بأوضح دلالة،و لعلّه مع عدم الخلاف كافٍ للحجة في المسألة.

و يجوز أن يستثني البائع ثمرة شجرة معيّنة أو شجرات بعينها، أو حصّة مشاعة كالنصف و الثلث أو أرطالاً معلومة بحيث يزيد عنها بقدر ما يقابل الثمن،بلا خلاف إلّا من الحلبي (3)في الأخير،فمنعه للجهالة.

ص:29


1- راجع ص:352 ج 8.
2- المسالك 1:205.
3- انظر الكافي في الفقه:356.

و في المسالك:الأصحاب على خلافه (1)؛ لمنع الجهالة بعد تعيّن مقدار الثمرة المبيعة بالمشاهدة،و به مع ذلك رواية صريحة،صحيحة عند جماعة (2)،و فيها:إنّ لي نخلاً بالبصرة،فأبيعه و أُسمّي الثمن،و أستثني الكرّ من التمر أو أكثر أو؟العدد من النخل،قال:« لا بأس» (3).

و نحوها اخرى لراويها عن الكافي مرويّة:في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا و تمراً،قال:« لا بأس به» قال:و كان مولى له عنده جالساً فقال المولى:إنّه ليبيع و يستثني[أوساقاً] يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال:فنظر إليه و لم ينكر ذلك من قوله (4).

و لو خاست الثمرة بأمر منه سبحانه سقط من الثُّنيا و هو المستثنى بحسابه و نسبتِه إلى الأصل في الصورتين الأخيرتين خاصّة، بخلاف الأُولى،فإنّ استثناءها كبيع الباقي منفرداً،فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع،لامتياز حقّ كلّ واحد عن صاحبه،بخلاف الأخيرتين، لأنّه فيهما شائع في الجميع،فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

و طريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة جعل الذاهب عليهما و الباقي لهما.

و أمّا في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة بالتخمين و ينسب إليها

ص:30


1- المسالك 1:205.
2- روضة المتقين 7:77،كفاية الأحكام:100؛ و انظر مجمع الفائدة 11:547.
3- الكافي 5:/175 4،التهذيب 7:/85 365،الإستبصار 3:/87 300،الوسائل 18:211 أبواب بيع الثمار ب 1 ح 4.
4- الفقيه 3:/132 577،الوسائل 18:242 أبواب بيع الثمار ب 15 ح 1.ما بين المعقوفين من المصدر.

المستثنى،ثم ينظر الذاهب فيسقط منه بتلك النسبة.

و لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منها إجماعاً،كما في المبسوط و المختلف و المسالك و الروضة و شرح الشرائع للمفلح الصيمري و المهذب (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيح:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة» (3).و نحوه الموثق (4).

و النبوي:أنّه نهى عن بيع المحاقلة و المزابنة.و المحاقلة:بيع الزرع و هو في سنبله بالبرّ،و المزابنة:بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر (5).

و يستفاد منه ما في العبارة و كلام الجماعة كافّة من أنّ هذه المعاملة هي المزابنة و أنّ المعاملة الآتية هي المحاقلة،مع أنّ ذلك محكي عن جملة من أهل اللغة (6).

إلّا أنّ المستفاد من ذيل الخبرين الأوّلين سيّما الثاني عكس التفسيرين؛ إذ فيه:المحاقلة بيع النخل بالتمر،و المزابنة بيع السنبل بالحنطة،و حُمِل على و هم الراوي (7).و لا بأس به؛ جمعاً،فإنّ ما عليه

ص:31


1- المبسوط 2:117،المختلف:377،المسالك 1:205،الروضة 3:361،المهذب البارع 2:439.
2- انظر الخلاف 3:94،و مرآة العقول 19:361،و الحدائق 19:352.
3- الكافي 5:/275 5،التهذيب 7:/143 633،الإستبصار 3:/91 308،الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 1.
4- التهذيب 7:/143 635،الإستبصار 3:/91 309،الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 2.
5- معاني الأخبار:277،الوسائل 18:240 أبواب بيع الثمار ب 13 ح 5.
6- الفائق 1:298،تهذيب اللغة 13:227،المصباح المنير:251.
7- التذكرة 1:508.

الأصحاب أقوى،لإجماعهم عليه ظاهراً،مع اعتضاده بالنبوي المتقدّم، المنجبر ضعفه بعملهم جدّاً.

مع أنّه لا ثمرة للاختلاف يتعلّق بالباب؛ للإجماع على تحريمهما مطلقا،سمّيت إحداهما باسم الأُخرى أم لا.نعم،ربما تظهر في الكفّارة بالحنث في نحو ما لو نذر ترك المزابنة مثلاً و قلنا بصحته،فباع ثمرة النخل بتمرها لزمت على الأوّل دون الثاني.

و هل يجوز بيعها بتمر من غيرها؟فيه قولان،أظهرهما و أشهرهما سيّما بين المتأخّرين المنع وفاقاً لأحد قولي الطوسي و القاضي،و للمفيد و ابن زهرة و ابن حمزة و التقي و الديلمي و الحلّي (1)،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة،و نصوص أُخر،كالوارد في العَرِيّة و فيه:« هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر،فيجوز أن يبيعها بخرصها تمراً،و لا يجوز ذلك في غيره» (2).

و دلالته كما ترى ظاهرة إن جوّزنا بيع ثمرة العَرِيّة بتمر من نفسها، و إلّا فهي صريحة،لاختصاص الرخصة حينئذٍ ببيعها بتمر من غيرها، و مقتضاه رجوع الإشارة في لفظة« ذلك» إليه،و هو صريح في المنع هنا، كما لا يخفى.

ص:32


1- الطوسي في المبسوط 2:118،القاضي في المهذب 1:383،المفيد في المقنعة:603،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،ابن حمزة في الوسيلة:250،التقي في الكافي في الفقه:356،الديلمي في المراسم:178،الحلي في السرائر 2:367.
2- الكافي 5:/275 9،التهذيب 7:/143 634،الإستبصار 3:/91 311،الوسائل 18:241 أبواب بيع الثمار ب 14 ح 1.

و به يضعّف احتمال العهديّة في اللام في النصوص و رجوعها إلى تمر نفس النخلة المذكور سابقاً؛ فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض، مع بُعده في الخبرين الأوّلين منها جدّاً،إذ لم يتقدّم لتمرها ذكر فيهما سابقاً،و الحمل كما في أحدهما و النخل كما في ثانيهما أعمّ من التمر جدّاً، فكيف يمكن جعل اللام للعهد و الإشارة إليهما،فتأمّل جدّاً.

و القول الثاني و هو الجواز للنهاية و جماعة (1)؛ للأصل،و العمومات المخصّصين بما مرّ من الأدلة،و المعتبرين،أحدهما الصحيح:في رجل قال لآخر:بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه،فقال:« لا بأس به» و قال:« التمر و البسر من نخلة واحدة لا بأس به» (2)الحديث.

و ثانيهما الموثق:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« إنّ رجلاً كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر و كان له نخل،فقال له:خذ ما في نخلي بتمرك،فأبى أن يقبل،فأتى النبي صلى الله عليه و آله فقال:يا رسول اللّه إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقاً من تمر فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره،فبعث النبي صلى الله عليه و آله فقال:يا فلان خذ ما في نخله بتمرك،فقال:يا رسول اللّه لا يفي،و أبى أنّ يفعل» الحديث،و في آخره:« إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه و آله قال:هذا ربا» قلت:أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين،قال:

« صدقت» (3).

ص:33


1- النهاية:416،حكاه في المختلف:378 عن القاضي في الكامل و اختاره هو أيضاً،الكفاية:100.
2- الكافي 5:/176 10،التهذيب 7:/89 379،الإستبصار 3:/91 310،الوسائل 18:223 أبواب بيع الثمار ب 6 ح 1.
3- التهذيب 7:/91 390،الإستبصار 3:/92 312،الوسائل 18:224 أبواب بيع الثمار ب 6 ح 3.

و فيهما مضافاً إلى قصور الثاني سنداً لمقاومة ما مرّ جدّاً مخالفة الأوّل منهما و إن صحّ سنده للمجمع عليه،أوّلاً:بإطلاق جواز البيع بالتمر في صدره بل عمومه الشامل لما إذا كان من النخلة جدّاً.

و ثانياً:بوقوع التصريح به في قوله:« التمر و البسر من نخلة واحدة لا بأس به».و لذا حمله الشيخ على العرّية.

و الذبّ عن ذلك بتقييد الإطلاق في الأوّل،و دعوى عدم القدح في الحجّية بخروج البعض للندرة في الثاني لا يفيد؛ فإنّ أمثال ذلك و إن لم يقدح فيها ابتداءً إلّا أنّه قادح في مقام التعارض جدّاً.

و عدم ظهور الثاني في البيع الذي هو خاصّةً بمقتضى النصوص و الفتاوي محلّ المنع،فيحتمل الصلح،و قد حمله الشيخ و المختلف عليه (1)،و هو متعيّن،جمعاً.

و كذا لا يجوز بيع السنبل كما في أكثر النصوص و الفتاوي،بل في المبسوط و المسالك الاتّفاق عليه (2)،فيرجع إليه التعبير في بعضها ببيع الزرع بحبّ منه إجماعاً،نصّاً و فتوى.

و الجميع مع الإشارة إلى المستند في أنّ هذه المعاملة هي المحاقلة قد تقدم (3).

و في جواز بيعه بحبّ من غيره قولان،أظهرهما وفاقاً لمن مضى التحريم لعين ما مضى (4)؛ مضافاً إلى خصوص الموثّق (5)هنا،

ص:34


1- الشيخ في الخلاف 3:94،المختلف:378.
2- المبسوط 2:117،المسالك 1:206.
3- راجع ص:30.
4- راجع ص:32.
5- الكافي 5:/275 8،الفقيه 3:/152 669،التهذيب 7:/143 632،الوسائل 18:238 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 3،4.

الآمر بشراء الزرع بالورق،المعلّل بأنّ أصله طعام،المشعر بل الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام مطلقا.

و القول الثاني لمن تقدّم (1)؛ استناداً منهم إلى العمومين المخصّصين بما مرّ،و الصحيح:« لا بأس بأن يشتري زرعاً قد سنبل و بلغ بحنطة» (2).

و فيه:أنّه مع مخالفة إطلاقه الشامل لما إذا بيع بحنطة منه الإجماع، و احتمال اختصاصه بصورة عدم التجانس بينها و بين السنبل،كأن كان أرزاً بيع بها،و لا كلام في الجواز حينئذ في ظاهر الأصحاب قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّاً،فالاستدلال به ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بالمعتبرين،أحدهما الموثق:عن بيع حصائد الحنطة و الشعير و سائر الحصائد،قال:« حلال فليبعه بما شاء» (3).

و ثانيهما الحسن:عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض،قال:« حرام» فقلت:جعلت فداك فإنّي أشتري منه الأرض بكيل معلوم و حنطة من غيرها؟قال:« لا بأس بذلك» (4).

لقصور سندها عن المقاومة لما مرّ أوّلاً،و خروجهما عن محلّ البحث ثانياً؛ لظهور الأوّل في الحصائد،و ليس الكلام فيها،بل فيما لم يحصد و يكون على أصله قائماً،و أحدهما غير الآخر،كما ترى،و على

ص:35


1- راجع ص:32.
2- التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 1.
3- الكافي 5:/276 4،التهذيب 7:/141 622.
4- الكافي 5:/265 8،الفقيه 3:/151 666،التهذيب 7:/149 661،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 2.

تقدير التجوّز في الحصائد بأن يراد منها الزروع الآئلة إليها يأتي في عمومه ما مضى في إطلاق الصحيح المتقدّم جدّاً،مع أنّ الموجود في التهذيب المروي فيه بدل« بما شاء» « إن شاء» فلا دلالة فيه أصلاً.

و الثاني في بيع الأرض بحاصلها و غيره لا بيع الزرع بهما،و تأويله إليه بإضمارٍ أو تجوّزٍ مع عدم إمكان الاستدلال به حينئذٍ لا داعي يلجئ إليه أصلاً.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل و اختصاص النصوص و كثير من الفتاوي بالمنع عن بيع ثمرة النخل بالتمر و السنبل المتبادر منه نحو الحنطة به، حلّ بيع باقي الثمار على أُصولها و لو بمجانسها مطلقا،منها أو من غيرها، و به صرّح جماعة من أصحابنا (1).

خلافاً لآخرين (2)،فعدّوا المنع إليها،و ألحقوها بالمزابنة إذا كانت في الأشجار،و بالمحاقلة إذا كانت في الزروع؛ نظراً منهم إلى أنّ أحد أدلّة المنع فيهما احتمال تحقق الربا،بناءً على أنّهما بيع ثمرتين ربويتين مكيلتين أو موزونتين،و الغالب التفاوت،فحصل شرط الربا؛ و لأنّ بيع أحد الربويين بالآخر مشروط بالعلم بمساواتهما قدراً،كما مضى،و معلوم أنّها غير ظاهرة هنا.

و هو كما ترى؛ فإنّ الأثمار على الأُصول و الأشجار ليست مقدّرة بأحد التقديرين جدّاً،بل يباع مشاهدة عرفاً و عادةً و شرعاً،و المعتبر من المكيل

ص:36


1- منهم:ابن زهرة في الغنية:589،و السبزواري في الكفاية:100،و البحراني في الحدائق 19:357.
2- كالشهيد الأول في الدروس 3:237،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:170،و الشهيد الثاني في الروضة 3:361.

و الموزون في الربا ما قدّر بهما فعلاً لا تقديراً،كما تقدّم نصّاً و فتوى.

مضافاً إلى وقوع التصريح بنفي الربا في بعض ما مضى من النص (1)، فلا وجه للاستناد إليه أصلاً.

و أمّا الاستناد في الثمار إلى العلّة المنصوصة في المنع عن بيع الرطب بالتمر من النقصان عند الجفاف (2)على تقدير القول بالتعدية بالعلّة المنصوصة فغير مُجدٍ،أوّلاً:بأخصّيتها من المدّعى،لعدم شمولها ما لو بيع أثمار الأشجار بمجانسها مع التوافق في الرطوبة و اليبوسة.

و ثانياً:باختصاصها بالمعوضين المقدّرين أحد التقديرين فعلاً و ليس المقام منه قطعاً،و احتمال التعدية إليه بعيد جدّاً،بناءً على قوة احتمال مدخليّة للخصوصية في العلّة هنا،فتأمّل جدّاً.

نعم،ربما يستأنس لهم في الجملة بالموثّق المتقدّم،الآمر بشراء الزرع بالورق.و لا ريب أنّ ما ذكروه أحوط،سيّما في بيع الرطب باليابس.

و يجوز بيع العَرِيّة بخَرْصِها إجماعاً،كما في الغنية و الخلاف و المسالك و المهذب (3)و شرح الشرائع للصيمري،و غيرها من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة المقيّدة لإطلاق النصوص المتقدّمة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة:« رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله في العرايا أن تشتريها بخرصها تمراً» ثم قال:« و العرايا جمع عَرِيّة و هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها

ص:37


1- راجع ص:33.
2- انظر الوسائل 18:148 أبواب الربا ب 14.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):589،الخلاف 3:95،المسالك 1:206،المهذب البارع 2:440.
4- كشف الرموز 1:507،ملاذ الأخيار 11:224،الحدائق 19:357.

بخَرْصِها» (1).

و اكتفى عنه الماتن بقوله: فيشتريها صاحب المنزل بخرصها تمراً و ظاهر النص و العبارة كما ترى أنّ العريّة ما تكون في الدار خاصّة، و حكي عن القاضي في الكامل (2).

خلافاً للأكثر،فألحقوا البستان بالدار،و في الغنية و المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى التصريح به عن أهل اللغة (4)،و إطلاق المروي عن معاني الأخبار عنه صلى الله عليه و آله أنّه رخّص إلى أن قال-:واحدتها عريّة،و هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً،و الإعراء:أن يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته (5).

و ظاهر الإطلاق مضافاً إلى التعليل كما ترى ينادي بالعموم للبستان، بل و غيره أيضاً كالخان و نحوه،و السند و إن قصر إلّا أنّه بالشهرة منجبر.

و منه يظهر وجه التعدية إلى مستعير الدار و مستأجرها،كما في كلام جماعة (6).و ليس في الرواية الأُولى كالعبارة من حيث التقييد فيهما بصاحب الدار منافاة لذلك؛ لصدق الإضافة بأدنى ملابسة.

نعم،يستفاد منه الاختصاص بالبيع عن صاحب الدار دون غيره،

ص:38


1- تقدّم مصدره في ص:32.
2- حكاه عنه في المختلف:378.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):589،المسالك 1:206.
4- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة،و نُسب إلى أهل اللغة في الدروس 3:238،و المهذّب البارع 2:441،و جامع المقاصد 4:171،و المسالك 1:206.
5- معاني الأخبار:277،الوسائل 18:241 أبواب بيع الثمار ب 14 ح 2.
6- منهم:الشهيدان في الدروس 3:238 و المسالك 1:206.

و لا كلام فيه،وفاقاً لظاهر الأصحاب.

و مقتضى الأصل و اختصاص النصوص بحكم التبادر و الصراحة في الجملة بالنخلة الواحدة بتمر من غيرها،عدم التعدية إلى ما لم تتكمّل فيه القيود الثلاثة.

فلا عريّة فيما عدا النخل مطلقا،قلنا بالمزابنة فيه أم لا،و فائدة انتفائها على الأوّل حرمتها،و على الثاني جوازها من دون قيودها،و في المسالك ادّعى الوفاق على أصل الانتفاء هنا (1).

و لا في المتعدّد منها إلّا مع تعدّد الموضع أو المالك،لا العقد.

و لا بتمرٍ منها مطلقا،وفاقاً لأكثر أصحابنا،مؤيّداً باستلزام جوازه اتّحاد الثمن و المثمن الممنوع منه اتفاقاً.

و قيل بالجواز فيه؛ لإطلاق النص (2).و فيه ما مرّ.

و فصّل بعض (3)بين صورتي اشتراط كون التمر منها فالأوّل،و إلّا فالثاني إن صبر عليه حتى يصير تمراً،و إلّا فالعقد يجب كونه حالّا؛ للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدّاً.

و المراد بخَرْصِها البيع بمقدارها،فلو اشتراها بزائد أو ناقص لم يجز اتفاقاً،نصّاً و فتوى.

و هل المعتبر فيه المماثلة بين ثمرة النخل عند صيرورتها تمراً و بين التمر الذي هو الثمن،أو المماثلة بين ما عليها رطباً و بين التمر؟قولان.

للأوّل المحكي عن الأكثر (4)،بل ظاهر الكلّ استلزام الثاني بيع

ص:39


1- المسالك 1:206.
2- قال به العلّامة في المختلف:378.
3- كالعلّامة في التذكرة 1:509.
4- حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1:206.

الرطب بالتمر متساوياً،الممنوع منه،كما مضى (1).

الثاني كما عن التذكرة (2)أنّه مستثنى.

و ظاهر إطلاق النص و الفتاوي و صريح جملة منها أنّه لا يعتبر مطابقة ثمرتها جافّة لثمنها في الواقع،بل يكفي المطابقة في ظنّ الخارص عند العقد،فلو زادت عند الجفاف عنه أو نقصت لم يقدح في الصحة.

خلافاً لمن شذّ،فاعتبر فيها المطابقة (3).و يأتي عليه المنع عن التصرّف في ثمرة النخلة بالأكل و نحوه إلى استعلام المطابقة و عدمها بالجفاف.

و في اشتراط التقابض في المجلس قولان،أظهرهما و عليه الأكثر لا؛ لإطلاق النصّ و الفتوى.و عن المبسوط نعم (4).و هو ضعيف جدّاً،بل في بعض العبائر الإجماع على خلافه (5).

و يجوز بيع الزرع قصيلاً أي مقطوعاً بالقوّة،بأن شرط قطعه قبل حصاده و على المشتري قطعه عملاً بمقتضى الشرط.

و لو امتنع عنه فللبائع إزالته و تفريغ أرضه منه،إمّا مطلقا، كما عليه جماعة (6)،أو بشرط الإذن من الحاكم أو تعذّره،كما عليه شيخنا

ص:40


1- و لكن قد عرفت ما فيه(منه رحمه الله).راجع ص 36.
2- التذكرة 1:509.
3- نسبه في المسالك 1:206 إلى« قيل»،و ذكر في الجواهر 24:112 أنه لم يتحقق القائل بذلك،و ربما يوهم من عبارة المبسوط 2:119 و الوسيلة:250،و لكن المراد منها المطابقة بين الثمن المبذول و الثمرة المخروصة.
4- المبسوط 2:119.
5- كما في التذكرة 1:509.
6- التذكرة 1:504،جامع المقاصد 4:164،الكفاية:100،الحدائق 19:365.

الشهيد الثاني (1).و هو أقوى؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقَّن.

و المستند في الجواز حينئذٍ بعد الوفاق على الظاهر حديث نفي الضرر (2)المتفق عليه فتوًى و روايةً.

و منه بعد الوفاق على الظاهر ينقدح الوجه في أنّ له المطالبة بأُجرة أرضه عن المدّة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق،و بعد المدّة التي شرطا قصله فيها مع التعيين.

و لو كان شراؤه قبل أوان قصله وجب على البائع الصبر إلى أوان بلوغه مع الإطلاق،كما لو باع الثمرة و الزرع للحصاد.

و لو تركه أي البائع القصل كان له ذلك،و أن يطالبه أي المشتري بأُجرة أرضه عن زمن العدوان و أرش النقص في الأرض إن حصل بسببه،إذا كان التأخير بغير رضاه.

و يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة على أُصولها بزيادة عن الثمن أو نقص قبل قبضها بلا خلاف هنا،و إن قيل بالمنع فيما عداه (3)،بل في المسالك الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة بعد الأصل، و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،لاختصاص النصوص المانعة بالمكيل و الموزون خاصّة،و ليس الثمرة على الشجرة مكيلة و لا موزونة بالضرورة.

مضافاً إلى صريح الصحيحين،أحدهما:في رجل اشترى الثمرة ثم

ص:41


1- كما في المسالك 1:206.
2- الكافي 5:/292 2،التهذيب 7:/146 651،الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 3.
3- حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:393،انظر المهذب 2:400.
4- المسالك 1:206.

يبيعها قبل أن يقبضها،قال:« لا بأس» (1)و نحوه الثاني بزيادة قوله:« إن وجد ربحاً فليبع» (2)و نفي البأس فيهما يقتضي نفي الكراهة أيضاً.

فلا وجه لقوله على كراهية و لعلّها لإطلاق بعض الأخبار (3)و الفتاوي بالمنع،لكنّه سابقاً لم يجعله سبباً للكراهة مطلقا،بل خصّها بالمقدّر بأحد التقديرين خاصّة (4)،كما اشترطه أكثر النصوص و فتاوي الجماعة.

و لو كان بين اثنين أو جماعة نخل أو زرع،أو شجرة فتقبّل أحدهما بحصّة صاحبها أي الثمرة المدلول عليها بالنخلة،مع أنّ في بعض النسخ صاحبه بتذكير الضمير،و هو الأظهر بحسب السياق من نفس الثمرة خاصّة،كما يستفاد من جماعة (5)،أو من ثمرة مطلقا و لو من غيرها،كما يستفاد من آخرين (6) بوزن معلوم صحّ للصحاح،منها:عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه:

اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلاً مسمّى و تُعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص،و إمّا أن آخذه بذلك،قال:« لا بأس» (7).

ص:42


1- التهذيب 7:/89 377،الوسائل 18:225 أبواب بيع الثمار ب 7 ح 3.
2- الفقيه 3:/132 576،التهذيب 7:/88 376،الوسائل 18:225 أبواب بيع الثمار ب 7 ح 2.
3- التهذيب 7:/36 152،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 15.
4- راجع ص:361 ج 8.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:510،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):368،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:175.
6- انظر الروضة البهية 3:370،و مجمع الفائدة و البرهان 8:221.
7- الكافي 5:/193 2،الفقيه 3:/142 623،التهذيب 7:/125 546،الوسائل 18:231 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 1.

و منها:« أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله.. (1)بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة و قال:إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمر،و إمّا أن أُعطيكم نصف الثمرة و آخذه،فقالوا:بهذا قامت السماوات و الأرض» (2).

و نحوه الثالث (3)بزيادة ظهور في كون الثمن من الثمر؛ لعدم اختلاف نسخته بتبديل أحد اللفظين مكان الآخر،كما في الثاني.

و بهذه النصوص يقيّد إطلاق المنع في النصوص الواردة في المزابنة و المحاقلة (4)إن قلنا بكونه بيعاً،و مع ذلك لا خلاف فيه بين الطائفة عدا الحلّي (5)،فنفاه رأساً،نظراً منه إلى عدم كونه بيعاً و إلّا لجاء فيه المزابنة، و لا صلحاً و إلّا لجاء فيه الغرر و الجهالة إن كان العوض مشروطاً من نفس الثمرة،و إن كان في الذمّة لزم و وجب أداء الثمن مطلقا،كانت الثمرة باقية أو تالفة،مع أنّ جماعة اشترطوا في الصحة السلامة من الآفة (6).

و هو على أصله حسن،غير مستحسن على غيره؛ لاحتمال كونه معاملة أُخرى غير الأمرين،أو هما و تكون من قاعدتهما مستثناة قد نهضت بإثباتها و الاستثناء النصوص المزبورة المعتضدة بعد الصحة و الكثرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

ص:43


1- ورد الحديث هكذا:« عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن أباه حدَّثه أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعطى خيبر بالنصف،أرضها،و نخلها،فلما أدركت الثمرة بعث..».
2- الكافي 5:/266 1،التهذيب 7:/193 855،الوسائل 18:232 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 2.
3- الكافي 5:/267 2،الوسائل 18:233 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 3.
4- انظر الوسائل 18:239 أبواب بيع الثمار ب 13.
5- السرائر 2:372.
6- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:364،و الشهيد الأوّل في الدروس 3:238،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:113.

و ظاهرها تأدّيه بما دلّ على ما اتّفقا عليه بأيّ عبارة.

خلافاً لظاهر الجماعة المحكي عنهم في الروضة (1)،فاشترطوا في صيغتها الوقوع بلفظ القبالة.و حجّتهم غير واضحة.

و ظاهر الصحيح الأوّل و غيره أنّ المتقبّل يملك الزائد و عليه الناقص.

و أمّا الحكم بأنّ قراره مشروط بسلامة الثمرة من الآفة الإلهية بحيث لو حصلت فسدت المعاملة رأساً أو في الجملة و رجع الأمر إلى ما كانا عليه من الشركة فوجهه غير واضح،و إن ذكره جماعة،و النصوص كما ترى عن بيانه خالية.

و توجيهه بأنّ المتقبّل لما رضي بحصّة معيّنة في العين صار بمنزلة الشريك غير نافع؛ لأنّ كون العوض منها غير لازم و إن جاز،فالرضا إنّما وقع بالقدر لا به مشتركاً،إلّا أن ينزّل على الإشاعة.

فالمتّجه وفاقاً لظاهر الروضة و جماعة (2)عدم اشتراطها في الصحة إن لم يشترط كون الثمن من نفس الثمرة،أو اشترط و لم ينزّل على الإشاعة.

و لو كان النقص لا بآفة بل بخلل في الخرص لم ينقص شيء؛ للأصل،و ظاهر النص.و كذا لا ينقص لو كان بتفريط المتقبّل بلا إشكال.

ثم إنّ ظاهر العبارة هنا و في الشرائع (3)عدم لزوم هذه المعاملة و أنّ غايتها الجواز و الصحة؛ و لعلّه نظر إلى قصور النصوص المزبورة عن إفادة

ص:44


1- الروضة 5:369.
2- الروضة 3:369 370،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:178،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:221،صاحب الحدائق 19:364.
3- الشرائع 2:55.

اللزوم بالبديهة.

و فيه مناقشة؛ لدلالتها في الظاهر على كونها عقداً،مع الاتّفاق عليه ظاهراً،و الأصل فيه اللزوم،نظراً إلى العمومات الآمرة بالوفاء به من الكتاب و السنة.

و إذا مرّ الإنسان بثمرة النخل و الفواكه جاز له أن يأكل ما لم يضرّ به و يفسده،بأن يأكل منه كثيراً بحيث يؤثّر فيها أثراً بيّناً و يصدق معه مسمّاه عرفاً،و يختلف ذلك بكثرة الثمرة و المارّة و قلّتهما جدّاً.

و ليس من هذا الشرط الإفساد بكسر الغصن و نحوه و إن كان في حدّ ذاته حراماً.

أو يقصد المرور إليه للأكل،بل يكون المرور اتفاقيّاً،بأن يكون الطريق قريبة منها بحيث يصدق عليه المرور عرفاً،لا أن يكون طريقه على نفس الشجرة.

على الأشهر الأظهر بين الأصحاب،بل لم نقف على مخالف فيه من قدمائهم إلّا ما يحكى عن المرتضى رحمه الله في بعض كتبه (1)،بل ادّعى عليه في الخلاف و السرائر الوفاق (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المعتضد بعضها،و المنجبر قصور باقيها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من القدماء إجماعاً،و بعمل نحو الحلّي الذي لا يرى العمل بالأخبار إلّا ما تواتر منها أو تعاضد بالإجماع جدّاً،مع أنّه قد ادّعاهما صريحاً هنا (3).

ص:45


1- حكاه عنه في المسالك 1:207.
2- الخلاف 2:546،السرائر 3:126.
3- السرائر 3:126.

منها المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح:عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة،أ فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها في ضرورة أو من غير ضرورة؟قال:« لا بأس» (1).

و منها:عن الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط،هل يجوز له أن يأكل من ثمره و ليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة له، و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره،و هل له أن يأكل من جوع؟قال:« لا بأس أن يأكل و لا يحمله و لا يفسده» (2).

و منها:أمرّ بالثمرة فآكل منها،قال:« كل و لا تحمل» (3).

و منها:« لا بأس أن يمرّ على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد» (4)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و من الأخبار الأخيرة منها يظهر أنّه لا يجوز أن يفسد و يأخذ معه شيئاً و هو إجماع كما يأتي،بل ظاهر الأصحاب أنه شرط.

و في جواز ذلك أي الأكل مع الشروط في غير النخل من الزرع و الخضر تردّد ينشأ من قبح التصرّف في مال الغير،المعتضد بنصّ الكتاب الدالّ على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراضٍ (5).

ص:46


1- التهذيب 7:/93 393،الإستبصار 3:/90 306،الوسائل 18:226 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 3.
2- التهذيب 6:/383 1135،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 5.
3- التهذيب 7:/89 380،الإستبصار 3:/90 305،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 4.
4- الكافي 3:/569 1،المحاسن:/528 766،الوسائل 18:229 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 12.
5- النساء:29.

و الخبرين،أحدهما الصحيح:عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر المباطيخ (1)و غير ذلك من الثمر،أ يحلّ له أن يتناول منه شيئاً و يأكل بغير إذن صاحبه،و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم و ليس له،و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟قال:

« لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً» (2).

و الثاني المرسل:قلت له:الرجل يمرّ على قراح (3)الزرع،يأخذ من السنبل؟قال:« لا» قلت:أي شيء السنبلة؟قال:« لو كان كلّ من يمرّ أخذ سنبلة كان لا يبقى شيء» (4).

و سنده و إن قصر إلّا أنّه بالتعليل فيه المؤيّد بالاعتبار منجبر.

و من الخبر الذي مرّ،المرجَّح على ما هنا بصراحة الدلالة و عمل الأكثر،فليحمل الخبران هنا على الكراهة،أو عدم الإذن،كما ربما يستشعر من أوّلهما،أو الحمل،كما هو ظاهر الثاني،بل الأوّل أيضاً.

و لا ريب أنّ الترك هنا بل و سابقا أيضاً أحوط و أولى،بل ربما كان متعيّناً.

و لا وجه لتخصيص التردّد بالحكم هنا مع جريانه فيما سبق جدّاً إلّا وجود القائل بالمنع هنا زائداً على المرتضى،و عدم حكاية إجماع هنا،مع اختصاص كثير من الفتاوي المجوّزة المحكيّة في المختلف (5)بالحكم

ص:47


1- المبطخة:منبت البطيخ.لسان العرب 3:9.
2- التهذيب 7:/92 392،الإستبصار 3:/90 307،الوسائل 18:228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 7.
3- القَرَاحُ:المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر،و الجمع أَقرِحَةُ.الصحاح 1:396.
4- التهذيب 6:/385 1140،الوسائل 18:227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 6.
5- المختلف:687.

سابقاً.

ثم إنّ اشتراط الشرطين في العبارة في الإباحة مقطوع به و بثالث هو ما حكم به فيها من عدم جواز الحمل بين الطائفة،بل لعلّه إجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص المبيحة بصورة المرور خاصّة.

و نفي البأس عنه في الرواية الأخيرة (1)مع قصور السند،و عدم الجابر فيه لعلّه مصروف إلى الأكل المعطوف عليه،فكأنّه قال:لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقاً،فثبت الشرط الثاني.

و إثبات الأخيرين من الأصل و النصوص مشكل؛ لاندفاع الأوّل بإطلاق الرخصة،و عدم نهوض الثاني إلّا بالنهي عنهما،و غايته الحرمة،و هي أعمّ من الشرطية،فإثباتها بذلك كما في كلام جماعة (2)لا يخلو عن مناقشة.

نعم الظاهر التلازم بينهما في النهي عن الإفساد إذا فُسّر بما مرّ،و هو عدم الأكل زائداً،إلى آخر ما تقدّم (3)و لا إن فُسّر بالمعنى الآخر.

و زيد على الثلاثة شروط أُخر،هي عدم العلم بالكراهة و عدم ظنّها، و كون الثمرة على الشجرة.

و لا بأس بها؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن المتبادر من أخبار الرخصة.

و ما ربما يظهر منه المنافاة للشرط الأوّل قاصر السند،غير معلوم الجابر في المحلّ.

ص:48


1- المتقدمة في ص:46.
2- منهم العلامة في التذكرة 1:510،الشهيد الثاني في المسالك 1:207،السبزواري في الكفاية:101.
3- في ص:44.

الفصل السابع في بيع الحيوان

اشارة

الفصل السابع:

في بيع الحيوان إذا تلف الحيوان المبيع في الثلاثة الأيّام التي هي مدّة الخيار فيه فهو من مال البائع مطلقا و لو كان بعد حصول القبض من المشتري إذا لم يكن التلف بسببه،و لا عن تفريط منه لما مرّ مفصّلاً في المسألة الخامسة من أحكام الخيار،من أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له،فلا نعيده (1).

و لا يمنع العيب الحادث في الحيوان من غير جهة المشتري في زمن الخيار من الردّ ب أصل الخيار مطلقاً،بلا خلاف في الظاهر؛ لأنه مضمون على البائع بالوفاق على الظاهر،و المعتبرة المتقدّمة في خيار الحيوان،منها الصحيح:على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟قال:« على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام» (2)و حينئذٍ لا يكون مؤثّراً في رفع الخيار.

و في جواز الردّ بالعيب أيضاً و عدمه قولان؛ للأوّل كما هو ظاهر الأكثر،و لعلّه الأظهر أنّه مضمون على البائع.

و تظهر الثمرة فيما لو أسقط الخيار الأصلي و المشترط،فله الردّ بالعيب على الأوّل و لا على الثاني.و في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة

ص:49


1- راجع ص:324 ج 8.
2- الكافي 5:/169 3،الفقيه 3:/126 551،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2.

و عدمه،فعلى الثاني يسقط الخيار،و يبقى على الأوّل؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة و إن اشترط حصوله فيها فما قبلها،و غايته ثبوته فيها بسببين،و هو غير قادح،فإنّها معرّفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد،كما في خيار المجلس و الشرط و الغبن إذا اجتمعت في بيع واحد قبل التفرق.

و لو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق؛ لكونه غير مضمون على البائع مع تغيّر المبيع،فإنّ ردّه مشروط ببقائه على ما كان،فيثبت في السابق الأرش خاصّة.

و إذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الأظهر الأشهر ما لم يشترطه المشتري و قد مرّ البحث فيه و في أنّه للمشتري مع الشرط مفصّلاً في بحث ما يدخل في المبيع،فلا نعيده ثانياً (1).

و يجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعاً مع التعيين،كالنصف و الربع، إجماعاً في الظاهر،و المحكي في شرح القواعد للشيخ علي رحمه الله و كلام غيره (2)صريحاً؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عمّا يوجب فساد المعاملة من نحو الجهالة بالضرورة،و فحوى النصوص الآتية إن قلنا بها.

و لا يجوز مفروضاً و لو كان رأساً أو جلداً،و لا غير معيّن كشيء أو جزء،إجماعاً منهم في المقامين على الظاهر،مضافاً إلى الإيماء إليه في بعض عبارات الجماعة (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة الآتية للمنع في

ص:50


1- راجع ص:352 ج 8.
2- جامع المقاصد 4:135؛ تذكرة الفقهاء 1:497.
3- مجمع الفائدة 8:226.

الأوّل،و الجهالة بلا شبهة في الثاني.

و أمّا لو باع الشاة مثلاً و استثنى الرأس أو الجلد منها ففي رواية السكوني (1) و نحوها المروي عن العيون (2):أنّ البائع يكون شريكاً بنسبة قيمة ثُنياه و مستثناه،فلو قُوِّم الشاة بجميعها بعشرة و بدون المستثنى تسعة كان البائع شريكاً بالعشر،و به أفتى في النهاية (3)و الخلاف و المبسوط،و تبعه القاضي (4).

و لا ريب في ضعفه؛ لقصور سند الرواية أوّلاً،و عدم مقاومتها للقواعد الآتية في كلام الجماعة ثانياً،و مخالفتها للاعتبار ثالثاً،فإنّ الشركة بالنسبة التزام بغير ما وقع عليه التراضي جدّاً.

و متى حكمنا ببطلان الاستثناء لم يبق في اللفظ ما يدلّ على جزء مشاع أصلاً،فكان طرحها متعيّناً،فقد ورد عنهم عليهم السلام:خذوا ما شابه أحكامنا و اتركوا ما خالفها (5)،و لعلّه لذا اختار الأكثر خلافها و إن اختلفوا في المسألة بعد ذلك على أقوال أربعة،فبين مصحّحٍ للبيع و الشرط مطلقاً،فله عين المستثنى،كما في الانتصار (6)،و عن المفيد و الإسكافي و التقي و الحلّي (7)،عملاً بمقتضى الأصل و العمومات بلزوم العقود و الشروط مع

ص:51


1- الكافي 5:/304 1،التهذيب 7:/81 350،الوسائل 18:275 أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 2.
2- عيون الأخبار 2:/43 153،الوسائل 18:276 أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 3.
3- مدّعياً عليه الإجماع(منه رحمه الله)و في« ح» و« ر» جعلت متناً.
4- النهاية:413،الخلاف 3:92،المبسوط 2:116،القاضي في المهذب 1:382.
5- انظر الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1،21.
6- مدعياً عليه الإجماع(منه رحمه الله).
7- الانتصار:212،المفيد في المقنعة:600،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:384،التقي في الكافي:354،الحلي في السرائر 2:355.

تعيّن المستثنى.و فيه منع على إطلاقه.

و مبطلٍ لهما كذلك؛ استناداً إلى إفضائه إلى الضرر و التنازع؛ لأنّ المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان،و هو يؤدّي إلى عدم انتفاع البائع بحقّه،و إن اختار البائع ذبحه ليتوصّل إلى حقّه كان فيه منع المشتري من التصرّف بماله بما يختار من التصرفات،و ربما كانت التبقية أنفع له من الذبح،فيؤدّي إلى التنازع.و فيه ما في سابقه من المنع على إطلاقه.

و مفصِّلٍ تارة بين حيّ الحيوان فالثاني،و مذبوحه فالأوّل،كما في القواعد (1).و هو الأقوى؛ جمعاً بين دليلي القولين،مع سلامتهما عن الإيرادين المتقدّمين في البين.

و أُخرى كذلك،لكن بزيادة إلحاق ما يراد ذبحه بالمذبوح،كما في المختلف و كلام جماعة (2)؛ لعدم ورود دليل المنع المتقدّم فيه أيضاً.

و فيه نظر؛ فإنّ إرادة الذبح قد لا تجامعه،فقد يحصل البداء،فيؤدّي إلى المحذور من الضرر و التنازع.

مضافاً إلى عدم انحصار دليل المنع في ذلك،بل منه الجهالة؛ لتفاوت لحم الرأس قلّةً و كثرةً بتفاوت المذبح،و الجلد دقّةً و ضخامةً،إلّا أن يقال بعدم عدّ مثل ذلك في العرف جهالةً و شرائه سفاهةً.و لعلّه كذلك في الرأس ظاهراً،إلّا أن الدليل الأوّل قائم جدّاً.

و لو اشترك جماعة في شراء الحيوان و اشترط أحدهم الرأس و الجلد بماله من الثمن كان له منه أي المبيع بنسبة ما نقد،لا ما

ص:52


1- القواعد 1:129.
2- المختلف:384؛ و انظر جامع المقاصد 4:136،و المسالك 1:208،و الروضة 3:311.

شرط للحسن،بل ربما عدّ من الصحيح:في رجل شهد بعيراً مريضاً و هو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم،و أشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس و الجلد،فقضى أنّ البعير برئ فبلغ ثمانية دنانير،فقال:« لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ،فإن قال:أُريد الرأس و الجلد ليس له ذلك،هذا الضرار،و قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس» (1).

و يأتي ما مرّ فيه،مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقاً، فلا وجه للتعميم على تقدير العمل بهما بعد وجود القول بالفصل بين مورده فالجواز،و غيره فالمنع،كما مضى.

إلّا أنّي لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني و من تبعه من بعض أصحابنا (2)،حيث جعلوا الحكم فيه و فيما سبق واحداً.و هو كذلك إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه،و ربما احتمله في شرح القواعد المحقق الثاني (3)،و لعلّه وجه الفرق بينهما في العبارة و غيرها من التردّد في الأوّل و الجزم بالحكم هنا.

و هو حسن إن تمّ،و إلّا فمجرّد صحة السند على تقديرها غير كافٍ في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدّمة جدّاً مع إمكان تأويل الرواية إلى ما يلائمها.

و لو قال:اشتر حيواناً بشركتي أو بيننا صحّ البيع لهما،فإنّ الأمر بالشراء كذلك توكيل،و لا خلاف فيه و لا في أنّ على كلّ

ص:53


1- الكافي 5:/293 4،التهذيب 7:/82 351،الوسائل:أبواب بيع الحيوان ب 22 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:208،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:229.
3- جامع المقاصد 4:137.

واحد منهما نصف الثمن لا غير،فإن الظاهر من الشركة المطلقة هو التساوي في الحصّة؛ مضافاً إلى عدم إمكان الترجيح إلّا مع قيام قرينة عليه، فتتبّع.

و إن أدّى أحدهما الجميع بإذن الآخر صريحاً أو فحوًى و لو بمقتضى العادة المعلومة لهما في الإنقاد عنه لزم الغرم له،و إلّا فلا.

و لو تلف المبيع بعد قبضه بإذن الآخر و لو فحوًى فهو منهما،فإن ذلك مقتضى الشركة جدّاً،و يرجع على الآخر بما نقد عنه إذا كان بإذنه لا مطلقاً.

و لو زاد الأمر على ذلك و قال: اشتره على أن يكون الربح لنا أي بيننا و لا خسران عليك إن حصل لم يلزم الشرط وفاقاً للحلّي و جماعة من المتأخّرين (1)،قال:لأنّه مخالف لأُصول المذهب،لأنّ الخسران على رؤوس الأموال بغير خلاف،فإذا شُرِط على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفاً للكتاب و السنّة،لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال (2).

و يضعّف بإمكان التعويل في ذلك إلى الكتاب و السنة من حيث أمرهما بالوفاء بالعقود و الشروط،و تصريحهما بجواز أكل مال الغير مع التراضي،و قد حصل هنا كما هو المفروض،قال سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [1] (3).

ص:54


1- الحلي في السرائر 2:349؛ و انظر الشرائع 2:57،و التنقيح الرائع 2:120،و المسالك 1:208.
2- انظر الوسائل 19:5 أبواب الشركة ب 1.
3- النساء:29.

و في رواية صحيحة إذا شارك رجل في جارية له و شرط للشريك الربح دون الخسارة جاز إذا طابت نفس صاحب الجارية (1).

و قريب منه في أُخرى:في رجل شارك رجلاً في جارية،فقال له:إن ربحت فلك،و إن وضعت فليس عليك شيء،فقال:« لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل» (2)فتأمّل.

فدعوى مخالفة الشرط لهما لا وجه لها،و اقتضاء الشركة عموم الخسارة على إطلاقه محلّ مناقشة،فقد يخصّ ذلك بصورة عدم اشتراطها على أحدهما،و أنّى له بدفعه،فالمصير إلى الجواز لا يخلو عن قوّة،وفاقاً للطوسي و القاضي و المختلف و الدروس (3)كما حكي.

و ظاهر العبارة و القواعد فساد الشرط خاصّة.و وجهه ليس بواضح، و مقتضى الشرطية فساد الشركة من أصلها بفساد شرطها،فتأمّل جدّاً.

و يجوز النظر إلى وجه المملوكة و محاسنها إذا أراد شراءها إجماعاً حكاه جماعة (4)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة (5)،منجبر قصور أسانيدها بالأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة إذا لم يكن بتلذّذ و لا ريبة؛

ص:55


1- الكافي 5:/212 16،التهذيب 7:/71 304،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 14 ح 1.
2- التهذيب 7:/81 347،الإستبصار 3:/83 283،الوسائل 18:266 أبواب بيع الحيوان ب 14 ح 2.
3- الطوسي في النهاية:411،القاضي حكاه عنه في المختلف:382،المختلف:382،الدروس 3:224.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:435،و انظر الحدائق 23:49.
5- انظر الوسائل 18:273 أبواب بيع الحيوان ب 20.

مضافاً إلى الاعتضاد بعمل الطائفة.

و جوّز في التذكرة (1)النظر إلى ما عدا العورة مطلقاً.و لا يخلو عن قوّة،و سيأتي التحقيق في المسألة في كتاب النكاح إن شاء اللّه سبحانه.

و يستحب لمن اشترى رأساً أي رقيقاً مطلقاً،ذكراً كان أو أُنثى؛ تبعاً لإطلاق النص و الفتوى أن يغيّر اسمه عند شرائه،بل قيل مطلقاً (2)، و لو بالانتقال بنحو من الهبة و الصلح و أن يطعمه شيئاً حلواً، و يتصدّق عنه بأربعة دراهم شرعيّة.

و يكره أن يريه ثمنه في الميزان كل ذلك للروايات،منها:« إذا اشتريت رأساً فلا ترينّ ثمنه في كفّة الميزان،فما من رأس يرى ثمنه في كفّة الميزان فأفلح،فإذا اشتريت رأساً فغيّر اسمه و أطعمه شيئاً حلواً إذا ملكته،و تصدّق عنه بأربعة دراهم» (3).

و ظاهره كغيره ترتّب الكراهة على رؤية الثمن في الميزان،و لذا عبّر به في العبارة و كلام جماعة (4).و ربما قيل بها مطلقاً و لو لم يكن في الميزان بل خارجاً؛ حملاً للنصّ على المتعارف من وضع الثمن في كفّة الميزان عند الشراء (5).

و هو حسن لو قام دليل على الكراهة مطلقاً،و هو غير واضح جدّاً.

ص:56


1- التذكرة 1:501.
2- الدروس 3:224.
3- الكافي 5:/212 14،التهذيب 7:/70 302،الوسائل 18:251 أبواب بيع الحيوان ب 6 ح 1.
4- كالشهيد في الدروس 3:224،و السبزواري في الذخيرة:101،و البحراني في الحدائق 19:417.
5- الحدائق 19:417.

و يلحق بهذا الباب مسائل

اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل:

الأُولى المملوك يملك فاضل الضريبة

الاُولى:المملوك يملك فاضل الضريبة فعيلة بمعنى المفعولة، و المراد بها ما يؤدّي العبد إلى سيّده من الخراج المقدّر عليه.

و المستند في الحكم الصحيح:« إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للملوك» إلى أن قال:قلت له:فللملوك أن يتصدّق ممّا اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤدّيها إلى سيّده؟قال:

« نعم و أجر ذلك له» قلت:فإن أعتق مملوكاً ممّا اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟قال:فقال:« يذهب فيتوالى إلى من أحبّ،فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و يرثه» (1)الحديث.

قيل:و أفتى به الشيخ في النهاية و تبعه القاضي (2).

و فيه نظر،فإنّ المحكي من عبارته في المختلف هو تملّك التصرّف خاصّة،و لعلّه لذا نسبه دون التملك إليهما في المهذب (3).نعم،القول بذلك محكيّ فيه عن الصدوق و الإسكافي (4)،حيث قالا:يملك العين لكن لا مستقرّاً.

و كيف كان الأقوى:ما قيل من أنّه لا يملك شيئاً مطلقاً إلّا أن يأذن له المولى في التصرّف فيحصل له إباحته خاصّة.

ص:57


1- الكافي 6:/190 1،الفقيه 3:/74 261،التهذيب 8:/224 807،المقنع:161،الوسائل 18:255 أبواب بيع الحيوان ب 9 ح 1.
2- قاله في المختلف:624،و هو في النهاية:543،و المهذّب 2:359.
3- المهذب البارع 2:450.
4- المختلف:624.

و هذا القول هو الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منّا (1)،و هو الظاهر من تتبّع كلماتهم جدّاً،حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلّا نادراً،بل ادّعى الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة و الفاضل في نهج الحق عليه إجماعنا صريحاً (2)،و دلّ عليه كلام الحلّي المحكي في المختلف (3)في كتاب العتق ظاهراً (4)،حيث قال:إنّه لا يملك عندنا.و نحوه عبارة المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفّارات (5).و ربما كان في عبارة الانتصار إشعار به،بل ظهور جدّاً مع فتواه به فيه صريحاً (6).

و هو الحجة المؤيّدة بأصالة عدم الملكيّة السالمة كالإجماعات المحكيّة عمّا يصلح للمعارضة سوى الرواية السابقة،و هي مع اختصاصها بفاضل الضريبة،بل و دلالتها على العدم فيما عداه بمفهوم الشرطية تأوّلها الأصحاب بإرادة جواز التصرّف و الإباحة دون الملكيّة.

و هو و إن كان ينافيه ظاهر سياقها،إلّا أنّه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

مع منافاة إطلاقها لما أجمع عليه الطائفة من ثبوت الحجر عليه في

ص:58


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):567،العلامة في التذكرة 1:498،المحدث الكاشاني في المفاتيح 3:43.
2- الخلاف 2:42،نهج الحق:484.
3- المختلف:624.
4- و نحوه الفاضل في المنتهى في مسألة زكاة العبد لكن في ما عدا فاضل الضريبة و أرش الجناية،قال:و لو ملّكه مولاه شيئاً لم يملكه؛ لأنه مال فلا يملك التمليك كالبهيمة،قاله أصحابنا،فلا تجب الزكاة على العبد و تجب على السيّد،و للشافعي قولان(المنتهي 1:472)(منه رحمه الله).
5- المختلف:670،المبسوط 6:217.
6- الانتصار:213.

تصرّفاته بالكليّة،حيث دلّت على جواز عتقه و شبهه،و هو مضافاً إلى انعقاد الإجماع على خلافه قد منع عنه الكتاب و السنة عموماً في بعض و صريحاً في آخر،قال اللّه سبحانه ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (1)و لا ريب في شمول الشيء المنفي قدرته عليه للتصرف لغةً و إجماعاً لو لم نقل بشموله لنحو التملّك أيضاً،فإنّه شيء جدّاً،و مقتضى العموم الناشئ من وقوع الشيء نكرةً في سياق النفي الشمول له قطعاً،فهو حجّة أُخرى لنفي الملك مطلقاً،و لعلّه لذا استدلّ به لذلك أصحابنا.

و قريب منه في ذلك الآية الأُخرى الآتية (2).

و في الصحيح:في المملوك ما دام عبداً:« فإنّه و ماله لأهله،لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلّا أن يشاء سيّده» (3).

و هو كما ترى ظاهر بل لعلّه صريح في عدم جواز التصرّفات التي إباحتها الرواية الاُولى مطلقاً و أنّه لا يملك أصلاً.

و ما ربما يتوهّم فيه من المناقشة في الأوّل بتقييد إطلاقه بغير فاضل الضريبة فإنّ هذه الرواية مطلقة و تلك مقيّدة،و في الثاني بأنّ اللام في « لأهله» و إن كان ظاهراً في الملكيّة إلّا أنّ إضافة المال إلى العبد ظاهرة في ثبوتها له أيضاً بالبديهة،و حيث لم يجتمعا وجب المصير إلى التأويل في أحدهما بإرجاعه إلى الآخر بنحو من التوجيه،و هو إرادة جواز التصرّف

ص:59


1- النحل:75.
2- في ص:65.
3- التهذيب 9:/216 853،الإستبصار 4:/135 507،الوسائل 19:410 أبواب أحكام الوصايا ب 78 ح 1.

خاصّة،بناءً على كفاية أدنى ملابسة في صحة الإضافة جدّاً،و حيث لا مرجّح وجب التوقّف،و به تخرج الرواية عن الحجية.

مدفوع،فالأوّل:باشتراط التكافؤ في حمل المطلق على المقيّد المفقود في المقام؛ لاعتضاد الأوّل بالأصل،و الإجماعات المحكية، و الشهرة العظيمة المتحقّقة،فلا يمكن المصير إلى الخمل المزبور في المسألة،كما لا يمكن الجمع بينهما بحمل التصرّف في الصحيحة على الواقع بإذن المالك،جمعاً بينها و بين الثانية و نحوها من الأدلّة حمل المطلق على المقيّد،فإنّه فرع العمل بها،مع أنّك قد عرفت المنع عنه مطلقاً،لعدم التكافؤ أصلاً.

و الثاني:بمنع فقد المرجّح،فإنّ القرينة على صرف التوجيه المتقدّم إلى إضافة المال إلى العبد قائمة،فإنّ اللام في الرواية مفيدة للملكيّة بالبديهة،نظراً إلى سياق الرواية حيث تضمّنت العبد و ضمّته إلى ماله أوّلاً و صرفت الحكم المستفاد من اللام إليهما،و لا ريب أنّه بالإضافة إلى العبد معناها الحقيقي،و هو الملكيّة أو الاختصاص،فلو حمل على المعنى المجازي أو حقيقي آخر غيرهما لو كان لزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقيين أو المتخالفين بالوصفين،و هما مرغوب عنهما،سيّما الثاني عند المحققين،فتعيّن المصير إلى صرف التوجيه إلى الطرف المقابل حيث لا قرينة مثل ذلك و غيره فيه يوجب العكس بالبديهة،فتأمّل.

و من هنا انقدح الوجه في صحة ما أجاب به الجماعة عن النصوص

ص:60

المستفيضة الآتية في المسألة الآتية (1)و في بحث العتق إن شاء اللّه سبحانه، المضيفة للمال إلى العبد،الظاهرة لذلك في الملكيّة،من صحة الإضافة بأدنى ملابسة،و هو و إن كان في حدّ ذاته بعيداً إلّا أنّ المصير إليه بملاحظة ما سلف كان متعيّناً جدّاً.

مضافاً إلى الصوارف الأُخر التي تقدّمت من الأدلّة على عدم الملكيّة.

و قريب من الصحيحة المزبورة ما في صحيحة أُخرى طويلة متضمّنة للقضيّة المشهورة بين ابن أبي ليلى و ابن شبرمة،و فيها من كلام مولانا الصادق عليه السلام بعد قول الراوي له:قلت:أ ليس قد أوصى للعبد بثلث ماله:

« إنّ العبد لا وصية له،إنّ ماله لمواليه» (2).

و نحو هذه الأدلّة في عدم الملكيّة نصوص أُخر واردة في مباحث الوصية و إن اختلفت في الدلالة،فبين ظاهرةٍ في ذلك و لو بالمعونة، كالصحيح:في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة، فقال أهل الميراث:لا نجيز وصيّتها،إنّه مكاتب لم يعتق و لا يرث،فقضى أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه،و يجوز له الوصية بحساب ما أُعتق منه.

و قضى في مكاتب اوصي له بوصية و قد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصيّة (3).الحديث.

و وجوه الدلالة فيه واضحة أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنّه بعدُ مملوك لم يعتق،و هو ظاهر في اشتهار عدم تملّكه للوصيّة بالعبودية في

ص:61


1- في ص:65.
2- الكافي 7:/26 1،التهذيب 9:/217 854،الوسائل 19:354 أبواب أحكام الوصايا ب 39 ح 5.
3- الكافي 7:/28 1،الفقيه 4:/160 558،التهذيب 9:/223 874،الوسائل 19:413 أبواب أحكام الوصايا ب 80 ح 1.

تلك الأزمنة،و يومئ إليه ما ذكره الأصحاب في المنع عن الوصيّة لمملوك الغير من التعليل بعدم المالكية.

و مشعرةٍ به،و هي كثيرة،و إن اختلفت في الإشعار ضعفاً و قوّةً،فمنها النصوص المتواترة المجمع عليها الدالّة على نفي الموارثة بالرقّية (1).

و قد جعله الفاضل في المختلف حجة مستقلّة،فقال:و لأنّه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار كالميراث و شبهه،و التالي باطل إجماعاً،فكذا المقدّم (2).

و لا يخلو عن مناقشة؛ لإمكان دفع الملازمة حيث لم يقم عليها حجة ظاهرة،فيحتمل كون نفي التوارث تعبّداً،كما اتّفق مثله في منع الوارث عن الميراث إذا كان قاتلاً مع كونه يملك للمال إجماعاً و إن كان وجه الحكمة فيه ظاهراً.

و نحوه في الضعف استدلاله الآخر بقوله:و لأنّه لو ملك لما جاز له أخذه منه قهراً،و التالي باطل إجماعاً،و لما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح عن مولانا الرضا عليه السلام قال:سألته عن رجل يأخذ من أُمّ ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع،أ يجوز ذلك؟قال:« نعم إذا كانت أُمّ ولده» (3).

لمنع الملازمة،لعدم الدليل عليها من كتاب أو سنّة أو إجماع حتى في المسألة،إلّا أن يدّعي الاستقراء،و هو حسن،مع أنّ في الاستناد لإبطال التالي بالصحيح ما ترى،فلعلّ تجويز الاسترداد منها بناءً على كون

ص:62


1- انظر الوسائل 26:43 أبواب موانع الإرث ب 16.
2- المختلف:624.
3- التهذيب 8:/206 729،الوسائل 23:169 أبواب الاستيلاد ب 1 ح 2.

الموهوب لها هبة لغير ذي رحم و يجوز ذلك فيها إجماعاً،فتوًى و نصّاً، و ربما كان في الشرطيّة في ذيله إشعار بذلك أيضاً،فتأمّل جدّاً.

و منها النصوص الواردة في وصيّة المولى لمملوكه بثلث ماله و أنّه يعتق بحسابه (1)،و هو ظاهر في عدم إعطائه ثلثه،و لا وجه له في الظاهر إلّا عدم تملّكه [له] ،فتأمّل.

و بالجملة تتبّع النصوص الواردة في العتق و الوصية للملوك [للمملوك] يكشف عن عدم الملكيّة له من دون ريبة،فلا يقاومها سيّما بعد اعتضادها بما قدّمناه من الأدلّة شيء من الرواية السابقة و غيرها،كالمستدَلّ به للقول باستثناء أرش الجناية خاصّة،كما حكي قولاً في الروضة (2)،و قال به القاضي و النهاية (3)لكن مع إلحاق ما يُملِّكه مولاه و فاضل الضريبة،و هو الموثّق:ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر،فيقول:

حلّلني من ضربي إيّاك،و من كلّ ما كان منّي إليك ممّا أخفتك و أرهبتك، فيحلّله و يجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه،ثم إنّ المولى بعدُ أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد و أخذها المولى،إحلال له هي؟ فقال:«..لا يحلّ له؛ لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة» قال:فقلت:فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟قال:« لا إلّا أن يعمل له بها» (4)الحديث.

و فيه مضافاً إلى ما مرّ قصور السند،و تضمّنه عدم جواز أخذ

ص:63


1- الوسائل 19:415 أبواب أحكام الوصايا ب 82.
2- الروضة البهية 3:312.
3- القاضي في المهذب 2:359،النهاية:543.
4- الفقيه 3:/146 644،التهذيب 8:/225 808،الوسائل 18:256 أبواب بيع الحيوان ب 9 ح 3.

المولى ذلك منه و هو مخالف للإجماع كما في عبارة المختلف المتقدّمة (1)، و نحوها ما صرّح به أيضاً بعدها بأدنى فاصلة،فقال:لو فرضنا أنّ العبد يملك فإنّه لا يملك ملكاً تامّاً؛ إذ لمولاه انتزاعه منه إجماعاً (2).

مضافاً إلى احتمال حمله على التقيّة؛ لأنّ الملكية مذهب جماعة من العامّة (3)،كما يستفاد من عبارات هؤلاء النقلة للإجماعات المتقدّمة (4)،مع ظهور ذيله في ذلك من حيث تضمّنه استحباب الزكاة في مال التجارة،و هو مذهب العامّة،و إن اشتهر أيضاً بين الطائفة.

و به يمكن الجواب عن الأخبار المتوهّم منها الدلالة على الملكية مطلقاً،أظهرها دلالةً الخبر:عن رجل قال لمملوكه:أنت حرّ،و لي مالُك، قال:« لا يبدأ بالحريّة قبل المال،يقول:لي مالك،و أنت حرّ،برضا المملوك» (5).

و فيه مع ذلك قصور السند،للجهالة،و إن عدّه من الحسن بل الصحيح جماعة (6)،و أنّه معارض بكثير من المعتبرة الدالّة على كون مال المعتَق للمالك إذا كان جاهلاً بماله مطلقاً و لو لم يستثن (7).

و أمّا الخبر:« أنّ علياً عليه السلام أعتق عبداً فقال له:إنّ ملكك لي و لك،

ص:64


1- في ص:62.
2- المختلف:624.
3- منهم ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 4:321،و ابن حزم في المحلى 8:320.
4- في ص:58.
5- الكافي 6:/191 5،الفقيه 3:/92 344،التهذيب 8:/224 806،الإستبصار 4:/11 33،الوسائل 23:48 أبواب العتق ب 24 ح 5.
6- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:251،و المجلسي في روضة المتقين 6:394.
7- انظر الوسائل 23:47 أبواب العتق ب 24.

و قد تركته لك» (1)فمع قصور السند غير واضح الظهور في المنافاة لمذهب المشهور و غيره؛ لإجماله إن ارتكب المجاز في إحدى اللامين،و مخالفته الإجماع إن حملناه على الحقيقة،لإفادتهما التشريك بالبديهة،و لا قائل به من الطائفة.

مع منافاته صريح الآية ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ [1] (2)الآية لتصريحها بأن ليس للعبيد في أموال الموالي شركة.

فاستدلال بعض الأجلّة (3)بهذه الرواية لقوله بإطلاق ثبوت الملكيّة له تبعاً للماتن في الشرائع (4)ضعيف غايته،كضعف استدلاله بما أشرنا إليه من الأخبار المتقدّمة.

و يتحصّل ممّا طوّلنا به الكلام في المسألة القطع بعدم الملكيّة فيما عدا فاضل الضريبة و أرش الجناية،و كذلك فيهما على الظاهر المشهور بين الطائفة.

الثانية من اشترى عبداً له مال كان ماله للبائع إلّا مع الشرط

الثانية:من اشترى عبداً مثلاً و كان له مال كان ماله للبائع إلّا مع الشرط فيكون للمشتري،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حكاه جماعة (5)؛ للمعتبرة،منها الصحيح:عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً،

ص:65


1- التهذيب 8:/237 855،الوسائل 23:49 أبواب العتق ب 24 ح 7.و فيهما:« إنّ ملكك لي،و لكن قد تركته لك».
2- الروم:28.
3- الحدائق 19:396.
4- الشرائع 2:58.
5- منهم:السبزواري في الكفاية:101،و المحقق في الشرائع 2:58،و صاحب الحدائق 19:400.

فقال:« المال للبائع،إنّما باع نفسه،إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له» (1).

و نحوه خبران آخران،مروي أحدهما في الفقيه (2)،و ثانيهما عن أمالي ولد الشيخ (3).

و هذان الحكمان على المختار واضحان؛ لعدم دخول المال في لفظ المبيع لغةً و عرفاً،فيكون للبائع جدّاً،إلّا مع الشرط أو ما في حكمه من جريان العادة بدخوله كثياب البدن و نحوها إن حصلت فيدخل.

و يشكل الحكمان على غيره؛ إذ لا وجه لهما حينئذٍ،إذ لا موجب لكونه للبائع في الأوّل و للمشتري في الثاني،بل يتبع المال مالكه،فهما أقوى دليل على المختار و أولى بالدلالة عليه من دلالة إضافة المال إلى العبد في النصوص على خلافه،لكفاية أدنى ملابسة في الإضافة،كما مضت إليه و إلى ما يدلّ على تعيّن إرادته الإشارة (4).

و قيل (5)بأنّه للبائع مع جهله به و للمشتري مع علمه؛ للصحيح:

الرجل يشتري المملوك و له مال،لمَن ماله؟فقال:« إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري،و إن لم يكن له علم فهو للبائع» (6).

ص:66


1- الكافي 5:/213 2،التهذيب 7:/71 306،الوسائل 18:252 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 1.
2- الفقيه 3:/138 604،الوسائل 18:253 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 4.
3- أمالي الطوسي:397،الوسائل 18:254 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 5.
4- راجع ص:61.
5- نقل القول عن الإسكافي في المختلف:380.
6- الكافي 5:/213 1،الفقيه 3:/138 605،التهذيب 7:/71 307،الوسائل 18:253 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 2.

و هو ضعيف؛ لقصور الخبر عن المقاومة لما مرّ و إن صحّ السند؛ لكثرة العدد،و الاعتضاد بالأصل و بعمل الأكثر،فليطرح،أو يؤوّل إلى الأوّل بالحمل على صورة الشرط،كما في المختلف (1)،أو ما في معناه من قضاء العادة بدخوله كما مرّ،و لعلّه أظهر.

و به يظهر اتّحاده مع المعتبرة في الدلالة على عدم الملكيّة،و عدم انطباقها على القول بها؛ إذ لا وجه لتأثير العلم و عدمه في دخول ملك العبد من دون عقد في ملك البائع و المشتري.و انطباقها على الأوّل واضح؛ لأنّ كون المال للبائع على تقدير الجهل مقتضى الأصل،فإنّه ملكه فيتبعه، و للمشتري على تقدير العلم مقتضى العادة الجارية مجرى الشرط فيتبع، كما حملنا عليه الرواية.

ثم مع الدخول بأحد الأمرين ينبغي أن يراعى فيه شروط البيع من كونه معلوماً لهما أو ما في حكمه،و سلامته من الربا بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي أو زائداً عليه،و قبض مقابل الربوي في المجلس إن كان صرفاً،و غيرها.

و على هذا التفصيل يحمل إطلاق الصحيح:قلت له:الرجل يشتري المملوك و ماله،قال:« لا بأس به» قلت:فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه،قال:« لا بأس به» (2).

و هو كالنصوص السابقة ظاهر الانطباق على المختار دون غيره، فالعجب من نحو الماتن كيف حكم بهذا الحكم هنا على الإطلاق مع

ص:67


1- المختلف:380.
2- الكافي 5:/213 3،الفقيه 3:/139 606،التهذيب 7:/71 305،الوسائل 18:254 أبواب بيع الحيوان ب 8 ح 1.

حكمه بالملك الغير المجامع له سابقاً؟! اللّهم إلّا أن يريد بمال العبد هنا مال مولاه،و إنّما أُضيف إليه لتسليطه المولى و إباحته له فيحصل أدنى الملابسة الكافي في صدق الإضافة،و بهذا الوجه تخرج النصوص عن مورد المسألة السابقة من ثبوت الملكيّة أو عدمها بالبديهة.

الثالثة:يجب على البائع استبراء الأمة

الثالثة:يجب على البائع و من في حكمه إن قلنا بإلحاقه به استبراء الأمة الموطوءة له حال بلوغها في قبل أو دبر،عزل أم لا،في ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوي قبل بيعها بل مطلق الانتقال على الأشهر الأقوى،بل ربما يستفاد من الخلاف و الغنية الإجماع عليه (1).

بترك وطئها مطلقاً و لو دبراً،دون سائر الاستمتاعات،في زمان يأتي عليها بحيضة واحدة إن لم تُبَع في أثنائها،و إلّا فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى إن كانت ممّن تحيض و حدّها البالغة تسع سنين، بلا خلاف يوجد إلّا نادراً.

و بخمسة و أربعين يوماً من حين الوطء إن لم تحض بعدُ،أو انقطع عنها حيضها و كانت في سنّ من تحيض.

و كذا يجب الاستبراء بما ذكر كيفيّةً و قدراً على المشتري إذا لم يستبرئها البائع مطلقا،علم بوطئه لها أو جهل،و لا يجب إذا علم العدم اتّفاقاً،نصّاً و فتوى.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلّي (2)في إلحاق مُطلق الانتقال بالبيع،التفاتاً إلى الأصل،و اختصاص الموجب به خاصّة،فالإلحاق

ص:68


1- الخلاف 3:131،الغنية(الجوامع الفقهية):612.
2- السرائر 2:346.

لا بدّ له من حجّة،و ليست سوى دعوى الاشتراك في الحكمة الموجبة في الملحق به،و ليست بمنصوصة.

و المناقشة فيه واضحة بعد ملاحظة خصوص الرواية الآتية في المسبيّة (1)المندفع أخصّيتها من المدّعى بعدم القول بالفرق بين الطائفة.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة الظاهرة في الحكمة،كالصحيح:

في رجل ابتاع جارية لم تطمث،قال:« إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحمل فليس عليها عدّة فليطأها إن شاء،و إن كانت قد بلغت و لم تطمث فإنّ عليها العدّة» (2).

و قريب منه الخبر الذي ضعف سنده بالشهرة العظيمة منجبر:عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل،قال:« ليس عليها عدّة» (3).

لظهوره في فهم الراوي دوران وجوب العدّة مدار خوف الحبل و أنّ إشكاله في الحكم مع عدم الخوف،و قد قرّره عليه السلام على ذلك،فتدبّر.

و يشهد له سقوط الاستبراء فيمن لا يخاف عليها الحبل أصلاً، كالصغيرة و نحوها،و في المشتراة من المرأة،فتأمّل جدّاً،و لعلّه لذا رجع عنه في باب السراري و ملك الأيمان (4).

و منه أيضاً في الاكتفاء بتمام الحيضة إن بيعت في الأثناء،فلم يكتف

ص:69


1- انظر ص:72.
2- الكافي 5:/473 6،التهذيب 8:/171 595،الإستبصار 3:/357 1278،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 1.
3- التهذيب 8:/171 596،الإستبصار 3:/357 1279،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 2.
4- السرائر 2:634.

به (1).

و يردّه الإجماع المحكي في الخلاف (2)،و المعتبرة،كالصحيحين،في أحدهما:عن رجل اشترى جارية و هي حائض،قال:« إذا طهرت فليمسّها إن شاء» (3).

و الموثق:عن رجل اشترى جارية و هي طامث أ يستبرئ رحمها بحيضة أُخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟قال:« لا،بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بأُخرى فلا بأس،هي بمنزلة فضل» (4).

و من المبسوط (5)،فألحق بالوطء سائر وجوه الاستمتاعات؛ للموثق:

عن الرجل يشتري الجارية و هي حبلى،أ يطؤها؟قال:« لا» قلت:فدون الفرج؟قال:« لا يقربها» (6).

و يردّه مضافاً إلى الأصل،و انتفاء وجه الحكمة الإجماع الذي حكاه في الخلاف (7)،و خصوص المعتبرة،كالصحيح:قلت:يحلّ

ص:70


1- السرائر 2:635.
2- الخلاف 3:131.
3- التهذيب 8:/171 595،الإستبصار 3:/357 1278،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 1. و الثاني:الكافي 5:/473 6،الوسائل 21:83 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ذيل الحديث 1.
4- التهذيب 8:/174 606،الإستبصار 3:/359 1286،الوسائل 21:96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 10 ح 2.
5- المبسوط 2:140.
6- التهذيب 8:/177 620،الإستبصار 3:/362 1302،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 5.
7- الخلاف 3:132.

للمشتري ملامستها؟قال:« نعم،و لا يقرب فرجها» (1).

و الموثق:أ يحلّ له أن يأتيها فيما دون فرجها؟قال:« نعم» (2).

و نحوه خبران آخران،في أحدهما:« و لكن يجوز ذلك فيما دون الفرج» (3).و في الثاني:« لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها،و إن صبرت فهو خير لك» (4).

فلتحمل الموثّقة على الاستحباب،كما يستفاد من هذه الرواية.

و من المفيد في مبلغ العدّة الثانية،فجعله أشهراً ثلاثة (5).

و لا مستند له سوى القياس على الحرّة المطلّقة.

و المناقشة فيه واضحة،سيّما بعد اتّحاد عدّة الأمة المطلّقة لمقدار عدّتها في المسألة بالإجماع و أكثر النصوص المعتبرة.

و مع ذلك النصوص بردّه هنا مستفيضة زيادة على الإجماع في الخلاف (6)،منها:عن الجارية التي لم تبلغ المحيض و يخاف عليها الحبل، قال:« يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس و أربعين ليلة و الذي يشتريها بخمس و أربعين ليلة» (7).

ص:71


1- التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.
2- التهذيب 8:/177 621،الإستبصار 3:/363 1303،الوسائل 21:105 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 18 ح 5.
3- الفقيه 3:/282 1346،التهذيب 8:/212 759،علل الشرائع:/503 1،الوسائل 18:261 أبواب بيع الحيوان ب 11 ح 5.
4- التهذيب 8:/178 623،الإستبصار 3:/363 1304،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 1.
5- المقنعة:600.
6- الخلاف 5:80.
7- الكافي 5:/473 5،الوسائل 18:258 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 3.

و منها:في الرجل يشتري الجارية و لم تحض أو قعدت عن المحيض،كم عدّتها؟قال:« خمسة و أربعون يوماً» (1)و نحوه آخر (2).

و في الصحيح و الموثق:في كم يستبين له حبل؟قال:« في خمس و أربعين ليلة» (3).

هذا،و كلامه في المقنعة في باب لحوق الأولاد (4)يوافق ما في العبارة.

و من الصحيحين (5)في مقدار العدّة الأُولى،فجعلاه حيضتين، مؤذنين بكون الواحدة مذهب العامّة.

و هما شاذّان مردودان بفحوى المعتبرة المتقدّمة المكتفية بتمام الحيضة،و صريح أخبار معتبرة أُخر،منها:« استبرئوا سباياكم بحيضة» (6).

و قصور السند بالفتاوي منجبر،و حملهما على الاستحباب كما فعله الشيخ (7)غير بعيد،كما دلّ عليه صريح الموثّق المتقدّم،و لعلّ العامّة في

ص:72


1- التهذيب 8:/172 600،الإستبصار 3:/358 1283،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 6.
2- التهذيب 8:/172 599،الإستبصار 3:/358 1282،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 3 ح 5.
3- الكافي 5:/472 1،2،الوسائل 18:257 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 1.
4- المقنعة:538.
5- الأول التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.الثاني:التهذيب 8:/171 594،الإستبصار 3:/359 1287،الوسائل 21:95 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 10 ح 1.
6- التهذيب 8:/176 615،الوسائل 21:104 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 17 ح 1.
7- التهذيب 8:175.

المدينة أنكرت استحباب الحيضتين.

و من بعض المحققين في تعميم الوطء للدبر،فخصّه بالقبل (1)،و هو الظاهر من الحلّي (2)حيث أوجب الاستبراء بتركة خاصّة للمشتري؛ و لعلّه للأصل،و اختصاص الموجب من النص بحكم التبادر بمحلّ الفرض، فلا يجوز التعدّي إلى الغير.

و لا يخلو عن قرب إن لم يحصل بوطء الدبر خوف سبق الماء في القبل الموجب لخشية الحبل،بل حصل القطع بعدمه بالعزل و نحوه.

و منه يظهر الوجه في الإشكال في تعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء،و لا فرق فيه بين القبل و الدبر إلّا أنّ التعميم مطلقا كما ذكرنا وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب هنا طريق الاحتياط.

و يسقط الاستبراء عن الصغيرة الغير البالغة و اليائسة عن الحيض،بالبلوغ إلى سنّ اليأس و المستبرأة بلا خلاف في الثلاثة،و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر في بعض، و به و بوجه الحكمة في الباقي بغير الثلاثة،فالتعدية لمخالفتها الأصل لا بدّ لها من حجّة و دلالة هي في المقام مفقودة.

مع تظافر المعتبرة بعدمها بالضرورة،منها مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة الموثّق كالصحيح،بل ربما عدّ من الصحيح:عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض و إذا قعدت عن المحيض،ما عدّتها؟و ما يحلّ للرجل من الأمة قبل أن تحيض؟قال:« إذا قعدت عن المحيض أو

ص:73


1- الدروس 3:229،مجمع الفائدة 8:267.
2- السرائر 2:346.

لم تحض فلا عدّة لها» (1)الحديث.

و من النصوص الثالثة الأخبار الدالّة على السقوط عن أمة المرأة و أنّه يقبل قول البائع العدل إذا أخبر بالاستبراء أو عدم الوطء أصلاً،و هي مستفيضة.

فممّا يتعلّق بالأوّل المعتبرة،منها الصحيح:« عن الأمة تكون لامرأةٍ فتبيعها،قال:« لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها» (2)و نحوه الموثق كالصحيح (3)،بل قيل:صحيح (4).

و في مضاهيه في الوصفين على القولين:اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبّرتني أنّه لم يطأها أحد،فوقعت عليها و لم أستبرئها،فسألت ذلك أبا جعفر عليه السلام،فقال:« هو ذا أنا قد فعلت ذلك و ما أُريد أن أعود» (5).

و ربما يستشعر منه اشتراط الحكم هنا بعدم معلوميّة وطء في ملك المرأة بتحليل و نحوه،بل مطلقاً،و مقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم الشرط،و لعلّه كذلك،و يعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضاً،إلّا أنّ مقتضاه الاكتفاء باحتمال الوطء لا اشتراط العلم به.

و لا ريب أنّه أحوط إذا لم تخبر بعدم الوطء،بل مطلقاً،كما عن

ص:74


1- التهذيب 8:598/172،الإستبصار 3:1281/357،الوسائل 21:84 أبواب نكاح العيد و الإماء ب 3 ح 4؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 8:/174 607،الإستبصار 3:/360 1292،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ح 1.
3- التهذيب 8:/174 608،الإستبصار 3:/360 1293،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ذيل حديث 1.
4- مجمع الفائدة 8:270.
5- التهذيب 8:/174 609،الإستبصار 3:/361 1294،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 7 ح 2.

الحلّي و فخر المحققين (1)،و إن كان في تعيّنه نظر،لإطلاق الصحيحين الأوّلين المعتضدين بالأصلين (2)،و بإطلاق الفتاوي في البين،فيقيّد بهما الحكمة إن عمّت،مع أنّ عمومها محلّ نظر،لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب كما في الشراء من الرجل لا مطلقه.

و ينبغي القطع باشتراط عدم المعلوميّة؛ التفاتاً إلى الحكمة و عليه ينزّل الإطلاقات.و يفرق حينئذٍ بين الشراء منها و من الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقاً إلّا مع العلم أو ما في حكمه بعدم الوطء أصلاً،و عدمه في الأوّل كذلك إلّا مع العلم بالدخول المحترم أو المطلق على الأقوى.

و ممّا يتعلق بالثاني المستفيضة،و هي ما بين مطلقة في المخبِر، كالخبر:« إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها» (3).

و مقيّدةٍ له بالوثاقة و الأمانة،منها:في رجل يشتري الأمة من رجل فيقول:إنّي لم أطأها،فقال:« إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها» (4).

و منها:الرجل يشتري الجارية و هي طاهر و يزعم صاحبها أنّه لم يمسّها منذ حاضت،فقال:« إن ائتمنته فمسّها» (5).

ص:75


1- الحلّي في السرائر 2:346،فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3:360.
2- أي:أصالة عدم الدخول و أصالة عدم وجوب الاستبراء.(منه رحمه الله).
3- التهذيب 8:/173 602،الإستبصار 3:/359 1288،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 3.
4- الكافي 5:/472 4،التهذيب 8:/173 603،الإستبصار 3:/359 1289،الوسائل 21:89 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 1.
5- التهذيب 8:/173 604،الإستبصار 3:/360 1290،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 4.

و قصور الأولى بالجهالة و الثانية بالاشتراك بل احتمال الضعيف بالقرينة (1)منجبر بالشهرة،مع أنّهما معدودان في الحسن و الصحيح في كلام جماعة (2).

مضافاً إلى كون الأولى في الكافي صحيحة،أو حسنة كالصحيحة، و وجود من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في سند الثانية،مع اعتضادهما بالأصل،و اختصاص النصوص المثبتة للحكم بحكم التبادر بغير مفروض المسألة.

و دعوى عموم الحكمة لنحوها غير ظاهرة يظهر وجهه ممّا تقدّم إليه الإشارة.

فإذاً الأظهر ما عليه الأكثر،بل ربما يظهر من الغنية الإجماع عليه (3).

خلافاً للفاضلين المتقدّم ذكرهما (4)،فأوجب الاستبراء هنا أيضاً؛ لروايات هي ما بين قاصرة السند،أو ضعيفة الدلالة،أو مخالفة في الظاهر للمجمع عليه بين الطائفة،فأولاها:أشتري الجارية من الرجل المأمون، فيخبرني أنّه لم يمسّها منذ طمثت عنده و طهرت،قال:« ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة» (5)الحديث.

ص:76


1- يعني احتمال أن يكون المراد بأبي بصير هو يحيى بن القاسم الضعيف بقرينة رواية شعيب العقرقوفي عنه.
2- كالشهيد الثاني في المسالك 1:209،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:262،و المجلسي في ملاذ الأخيار 13:325.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):612.
4- راجع ص:75.
5- الفقيه 3:/282 1346،التهذيب 8:/212 759،علل الشرائع:/503 1،الوسائل 18:261 أبواب بيع الحيوان ب 11 ح 5.

و ثانيتها الصحيح:عن جارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنّه قد استبرأها،أ يجزئ ذلك أم لا بد من استبرائها؟قال:« أستبرئها بحيضتين» (1).

و ثالثتها الصحيح:في رجل اشترى جارية و لم يكن صاحبها يطؤها، أ يستبرئ رحمها؟قال:« نعم» (2).

فلتطرح،أو تؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بالحمل على عدم أمانة المخبر،و الأوّل الظاهر فيها بحسب السند قاصر،أو على الاستحباب،كما يشعر به الصحيح الأوّل،من حيث تضمّنه الأمر بالاستبراء حيضتين الذي هو للاستحباب بلا خلاف في الظاهر.

و يفصح عنه الخبر بل الحسن كما قيل- (3):أ فرأيت إن ابتاعها و هي طاهرة و زعم صاحبها أنّه لم يطأها منذ طهرت،فقال عليه السلام:« إن كان عندك أميناً فمسّها» و قال عليه السلام:« إنّ ذا الأمر شديد،فإن كنت لا بدّ فاعلاً فتحفظ لا تنزل عليها» (4).

فما عليه الأكثر أقوى،و إن كان الاحتياط الأكيد فيما ذكراه جدّاً، كاعتبار العدالة بعده،وفاقاً لظاهر العبارة و جماعة (5)،و إن كان الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه لا يخلو عن قوّة؛ لظاهر المعتبرة المتقدمة،لخلوّها عن اعتبارها بالمعنى المصطلح بين المتشرّعة،و إنّما غايتها اشتراط الأمانة

ص:77


1- التهذيب 8:/173 605،الإستبصار 3:/360 1291،الوسائل 21:90 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 5.
2- الكافي 5:/472 2،الوسائل 18:257 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 1.
3- قال به المحدث المجلسي في ملاذ الأخيار 13:334.
4- الكافي 5:/473 7،التهذيب 8:/172 601،الإستبصار 3:/358 1285،الوسائل 21:89 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 6 ح 2.
5- منهم الشيخ في النهاية:410،الشهيد الثاني في المسالك 1:209،و الروضة 3:315.

و الوثاقة،و هما أعم منها لغةً و عادةً.

و لا يجوز أن توطأ الأمة الحامل قُبُلاً حتى يمضي لحملها أربعة أشهر كما عن المفيد و الحلبي (1)،و في الغنية مدّعياً في الظاهر عليه إجماع الطائفة (2)؛ و هو الحجة لا الرواية الآتية،لزيادة فيها ليست في كلام هؤلاء الجماعة،بل حكيت عن النهاية (3)خاصّة،و تبعه من المتأخّرين جماعة،كالماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و شيخنا في الروضة و المسالك (4).

و لا ريب في الحرمة قبل انقضاء هذه المدّة؛ للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة (5)،و هي مع ذلك معتضدة بالشهرة العظيمة،كما في الدروس (6)،و إجماع الغنية،و أصالة بقاء الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا قوله سبحانه أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [1] (7).و هو معارض بالآية الأُخرى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [2] (8)و بعد التساقط بموجب التعارض تبقى الأصالة المزبورة عن معارضة الآية الأُولى سليمة.

و إلى التعارض مع ترجيح الثانية على ما ذكره بعض الأجلة (9)يشير

ص:78


1- المفيد في المقنعة:544،الحلبي في الكافي:300.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):612.
3- النهاية:496.
4- الشرائع 2:59،الإرشاد 1:366،القواعد 1:130،الروضة 3:316،المسالك 1:209.
5- انظر الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8.
6- الدروس 3:228.
7- النساء:3.
8- الطلاق:4.
9- الحدائق 19:448.

بعض المعتبرة،كالصحيح:في الأمة الحبلى يشتريها الرجل،قال:« سئل أبي عن ذلك فقال:أحلّتها آية و حرّمتها آية فأنا ناهٍ عنها نفسي و ولدي» (1)و النهي حقيقة في الحرمة.

و تخصيصه إيّاه بنفسه و ولده غير مشعر بالكراهة،فلعلّه للتقية (2)، كما صرّح به جماعة (3).

فإذاً الرواية من أدلّة الحرمة كالمستفيضة،منها الصحيح:الرجل يشتري الجارية و هي حامل،ما يحلّ منها؟قال:« ما دون الفرج» (4).

و الموثقات الثلاث،فيما عدا الثالث منها:عن الجارية يشتريها الرجل و هي حبلى،أ يطؤها؟قال:« لا» (5).و نحوهما المرويان عن قرب الإسناد (6).

ص:79


1- الكافي 5:/474 1،التهذيب 8:/176 616،الإستبصار 3:/362 1298،الوسائل 21:92 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 2.
2- سيّما بعد ملاحظة الصحيح:قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يروي الناس عن علي عليه السلام في أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلّا أنه ينهى عنها نفسه و ولده،فقلت:و كيف يكون ذلك؟قال:« قد أحلّتها آية و حرّمتها آية أُخرى» قلت:فهل يصير إلّا أن تكون إحداهما قد نسخت الأُخرى،أو هما محكمتان جميعاً،أو ينبغي أن يعمل بهما؟فقال:« قد بيّن لكم إذ نهى نفسه و ولده» قلت:ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟فقال:« خشي أن لا يطاع،و لو أنّ علياً عليه السلام ثبتت له قدماه أقام كتاب اللّه و الحق كلّه».الكافي 5:/556 8.(منه رحمه الله).
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:276،و البحراني في الحدائق 19:447.
4- الكافي 5:/475 4،التهذيب 8:/176 618،الإستبصار 3:/362 1300،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 3.
5- الأُولى:التهذيب 8:/177 620،الإستبصار 3:/362 1302،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 5.الثانية:التهذيب 8:/176 619،الإستبصار 3:/362 1301،الوسائل 21:93 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 6.
6- قرب الإسناد:/310 1209،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 8.

و فيه:عن الجارية الحبلى يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال:« لا بأس» قلت:فيصيب منها في ذلك؟قال:« تريد تغرّة» (1).

و الخبران (2)،في أحدهما:« عشر لا يحلّ نكاحهنّ و لا غشيانهنّ» و عدّ منها« أمتك و هي حبلى من غيرك» .و في الموثق:عن رجل اشترى جارية حاملاً و قد استبان حملها فوطئها،قال:« بئس ما صنع» (3).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية التي بملاحظتها و سابقتها ربما يحصل القطع بأنّها متواترة،و هي ما بين ظاهرة و صريحة في الحرمة.

فالقول بالكراهة كما عن الخلاف و الحلّي (4)ضعيف،و إن ادّعى الأوّل عليه الإجماع؛ لوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه،مع معارضته بالإجماع المتقدم،فلا يقاوم ما مرّ من الأدلّة.

و نحوه باقي أدلّة الجواز؛ لضعف الآية المتقدّمة بما مرّ إليه الإشارة، و الرواية:« ما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى قد حبلت من غيره حتى يأتيه فيخبره» (5)بقصور السند بالجهالة،و المتن عن وضوح الدلالة؛ لأعميّة:« ما أُحبّ» من الكراهة.

ص:80


1- الكافي 5:/475 5،الوسائل 21:88 أبواب نكاح العبيد و الإماء و بدلها في« ح» و« ت» و« ر»:يزيد نفرة.
2- الفقيه 3:/286 1360،التهذيب 8:/198 695،696،الوسائل 21:106 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 19 ح 1،2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/487 1،الفقيه 3:/284 1351،التهذيب 8:/178 624،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 1.
4- الخلاف 5:85،الحلي في السرائر 2:635.
5- التهذيب 8:/178 623،الإستبصار 3:/363 1304،الوسائل 21:87 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 5 ح 1.

فإذاً الأقوى ما عليه الجماعة من الحرمة قبل المدّة.

و فيما بعدها أقوال مختلفة باختلاف الأنظار في الجمع بين أخبار المسألة،أشهرها كما في الدروس (1)،و لعلّه الظاهر من كلام الجماعة الجواز مع الكراهة؛ استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة من إطلاق النهي في النصوص المتقدّمة و كلام جماعة (2).

و في الأوّل إلى الأصل،و العمومات،و الصحيح:قلت:و إن كانت حبلى فمالي منها إن أردت؟قال:« لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر و عشرة أيّام فلا بأس بنكاحها في الفرج» (3)الحديث.و به يقيّد الإطلاق المتقدّم.

و فيه إشكال،أوّلاً:بقصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً،مع بُعد التقييد فيها جدّاً،فإنّ أظهر أفراد الحبلى المنهي عن وطئها فيه هو من استبان حملها،و ليس إلّا بعد انقضاء المدّة المزبورة غالباً،و بذلك صرّح بعض أصحابنا (4).

و ثانياً:بمعارضته بكثير من المعتبرة المصرّحة بالمنع إلى حين الوضع،كالصحيح:« في الوليدة يشتريها الرجل و هي حبلى،قال:

« لا يقربها حتى تضع ولدها» (5).

ص:81


1- الدروس 3:229.
2- منهم:الشيخ في التهذيب 8:178،و الاستبصار 3:363،و السبزواري في الكفاية:101.
3- التهذيب 8:/177 622،الإستبصار 3:/364 1305،الوسائل 21:92 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 3.
4- مجمع الفائدة 8:276.
5- الكافي 5:/475 3،التهذيب 8:/176 617،الإستبصار 3:/362 1299،الوسائل 21:91 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 1.

و نحوه النبوي المروي عن العيون:« نهى عن وطء الحبالى حتى يضعن» (1).

و حملهما على الكراهة فرع المكافأة و رحجان الاُولى،و ليس، لاعتضاد هذين بالأصل و إطلاق النصوص المتقدّمين،و تأيّدهما بظاهر الصحيح الأوّل من حيث دلالته على انحصار الأمر بين الإباحة المطلقة،كما دلّت عليه الآية الأُولى،أو الحرمة كذلك،كما صرّحت به الثانية،و حيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلّة السابقة تعيّن ترجيح الآية الثانية،و هي في الحرمة إلى الوضع صريحة،و لا آية هنا تدلّ على التفصيل بين المدّتين بالبديهة.

و ثالثاً:بتطرّق الوهن إليه بخلوّه في الكافي من التحديد إلى الغاية (2)، بل الرواية فيه مطلقة و بالغاية غير مقيّدة،و ليست الشهرة بمجرّدها هنا توجب الرجحان و التقوية،بحيث يتقوّى و يترجّح على تلك الأدلّة،مع أنّ عبائر المقيّدين للحرمة بهذه المدّة مختلفة،فبين من عبّر بنفس ما في الرواية (3)،و من عبّر بالأربعة أشهر و أسقط الزيادة (4).

فإذاً القول بالحرمة قويّ غاية القوّة،وفاقاً للمفيد في المقنعة في باب لحوق الأولاد،و الفاضل في المختلف و المحقق الثاني و الشهيد في اللمعة (5)،مع أنّه طريق الاحتياط في المسألة.

ص:82


1- عيون الأخبار 2:271/63،الوسائل 21:93 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 8 ح 7.
2- انظر الكافي 5:/474 1.
3- منهم:الشيخ في النهاية:496،و ابن حمزة في الوسيلة:308،و المحقق في الشرائع 2:59.
4- منهم:المفيد في المقنعة:544،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):612 و أبو الصلاح في الكافي في الفقه:300.
5- المقنعة:544،المختلف:572،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:154،اللمعة(الروضة البهية 3):316.

و هنا أقوال أُخر مداركها غير معلومة،و إن كان يجمع بها النصوص المختلفة؛ لخلوّها عن شاهد و قرينة.

ثم إنّ تخصيص العبارة الوطء بالقبل ظاهر الأكثر،و ادّعى عليه في الدروس الشهرة (1)؛ و لعلّه للأصل،و اختصاص النصوص بحكم التبادر و الغلبة به دون الدبر.

و قيل بإلحاقه به (2)؛ للإطلاق.و فيه ما مرّ.

و لورود النهي عن القرب الشامل لقربه في بعض الأخبار.

و فيه مضافاً إلى قصور السند و ضعف الدلالة باحتمال إرادة الغالب مخالفة للإجماع و النصوص إن ابقي على عمومه،و إلّا فاللازم ترجيح ما يوافق الأصل من بين أفراده،فتأمّل.و لا ريب أنّه أحوط.

و اعلم أنّه لو وطئها أي الحامل المستبين حملها عزل استحباباً،كما عن التحرير و القواعد (3)؛ و لعلّه لإشعار بعض النصوص الآتية به،مع عدم دليل على وجوبه من أمر أو غيره عدا ما ربما يتوهّم من الأخبار الناهية عن وطئها،و هو أعمّ من الأمر بالعزل جدّاً.

و لو لم يعزل كره له بيع ولدها بل حرم،وفاقاً لجماعة من قدمائنا،كالمفيد و الشيخ في النهاية و ابن حمزة و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة العلوي (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية.

ص:83


1- الدروس 3:228.
2- التنقيح الرائع 2:124.
3- التحرير 1:191،القواعد 1:130.
4- المفيد في المقنعة:544،النهاية:507،ابن حمزة في الوسيلة:308،الحلبي في الكافي:301،الديلمي في المراسم:156،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):612.

و استحب أن يعزل له من ميراثه قسطاً يعيش به،ففي الموثّق المتقدّم صدره إلى قوله:« بئس ما صنع» قلت:فما تقول فيه؟قال:« أ عَزَلَ عنها أم لا؟» فقلت:أجبني في الوجهين،قال:« إن كان عزل عنها فليتّق اللّه سبحانه و لا يعود،و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئاً من ماله يعيش به،فإنّه غذّاه بنطفته» (1).

و نحوه في الأمر بالعتق خبران آخران (2)،ظاهرهما كالأوّل وجوب العتق،من حيث الأمر به.بل في أحدهما أنّ عليه ذلك،و هو كالصريح في الوجوب.

إلّا أنّ ظاهر متأخّري الأصحاب كافّة و جمع من القدماء (3)الاستحباب؛ و لعلّه لقصور الأسانيد مع أصالة البراءة.

و فيهما مناقشة،فإن كان إجماع،و إلّا فالوجوب لا يخلو عن قوّة؛ لاعتبار سند الروايات،سيّما الاُولى،و اعتضاد بعضها ببعض،لكن مخالفة الأصحاب مشكلة،و لا ريب أنّ الوجوب أحوط.

الرابعة يكره التفرقة بين الأطفال و أُمّهاتهم حتى يستغنوا

الرابعة:يكره التفرقة بين الأطفال و أُمّهاتهم حتى يستغنوا عنهنّ، بلا خلاف،بل سيأتي عن جماعة التصريح بالحرمة؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،العاميّة و الخاصيّة.

ص:84


1- راجع ص:80.
2- الأول:الكافي 5:/488 3،التهذيب 8:/179 626،الوسائل 21:94 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 2.الثاني:الكافي 5:/487 2،التهذيب 8:/178 625،الوسائل 21:95 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 9 ح 3.
3- منهم:المفيد في المقنعة:544،و الشيخ في النهاية:507،و ابن حمزة في الوسيلة:308.

ففي النبوي:« من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه تعالى بينه و بين أحبّته» (1).

و في الصحيح:أنّه اشتريت لمولانا الصادق عليه السلام جارية من الكوفة.

فذهبت تقوم في بعض الحاجة،فقالت:يا أُمّاه،فقال عليه السلام لها:« أ لكِ أُمّ؟ » قالت:نعم،فأمر بها فردّت،و قال:« ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره» (2).

و في الخبر:الجارية الصغيرة يشتريها الرجل،فقال:« إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس» (3).

و اختلف الأصحاب في حدّه أي الاستغناء،فقيل: سبع سنين مطلقاً (4) و قيل:أن يستغني عن الرضاع كذلك (5)،و قيل بالتفصيل بين الأُنثى فالأوّل،و الذكر فالثاني (6)،و قيل فيه أقوال أُخر مختلفة مبنيّة عند جماعة (7)على الاختلاف في مدّة الحضانة،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى ترجيح الثالث ثمة.

إلّا أنّه لا إشعار في شيء من نصوص المسألة بشيء من الأقوال

ص:85


1- عوالي اللآلي 2:/249 20،المستدرك 13:375 أبواب بيع الحيوان ب 10 ح 4،و انظر مسند أحمد 5:413،و مستدرك الحاكم 2:55.
2- الكافي 5:/219 3،التهذيب 7:/73 313،الوسائل 18:264 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 3.
3- الكافي 5:/219 4،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 5.
4- قال به المحقق في الشرائع 2:59،و العلامة في القواعد 1:130،و الشهيد في اللمعة(الروضة 3):328.
5- قال به العلامة في القواعد 1:130.
6- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:159،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210.
7- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 4:158،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210.

المزبورة،بل هي بخلاف بعضها كالثاني ظاهرة الدلالة.

و لا يترك الاحتياط في المسألة،سيّما على القول بالحرمة،و قد أشار إليه بقوله: و منهم من حرّم التفرقة،كالإسكافي و المفيد و القاضي و الديلمي و أحد قولي الطوسي و الشهيدين و المحقق الثاني (1)،و عن التذكرة عليه الشهرة (2).

و لا يخلو عن قوّة؛ لظواهر كثير من المعتبرة،بل صريح بعضها،ففي الصحيح:في الرجل يشتري الغلام و الجارية و له أخ أو أُخت أو أب أو أُمّ بمصر من الأمصار،قال:« لا يخرجه إلى مصر آخر[إن كان صغيراً ]و لا تشتره،و إن كان له أُمّ فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت» (3).

و فيه:« بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً» (4).

و في الموثق كالصحيح:عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما و بين المرأة و ولدها؟فقال:« لا،هو حرام إلّا أن يريدوا ذلك» (5).

و هذه النصوص مع وضوح أسانيدها و قوّة دلالتها ظهوراً في الأوّلين

ص:86


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:381،المفيد في المقنعة:545،القاضي في المهذب 1:318،الديلمي في المراسم:177،الطوسي في النهاية:410،الشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 3:318،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:157.
2- التذكرة 1:501.
3- الكافي 5:/219 5،الفقيه 3:/140 616،التهذيب 7:/67 290،الوسائل 18:263 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 1.
4- الكافي 5:/218 1،الفقيه 3:/137 599،التهذيب 7:/73 314،الوسائل 18:264 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 2.
5- الكافي 5:/218 2،الفقيه 3:/137 600،التهذيب 7:/73 312،الوسائل 18:265 أبواب بيع الحيوان ب 13 ح 4.

من حيث النهي و الأمر،و صراحة في الثالث من حيث التصريح بلفظ التحريم الناصّ على المنع معتضدة بفتوى عظماء الطائفة،و الشهرة المحكية،بل المتحققة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة عدا الأصل و العمومات المثبتين للمالك السلطنة.و يخصّصان بما مرّ من الأدلّة.

و ليس في النبوي و تاليه مع قصور سند الأوّل ما ينافيه أيضاً نصّاً، بل و لا ظهوراً،بل ربما كان فيهما سيّما الأوّل إشعار بالتحريم جدّاً.

فالقول بالكراهة كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و المختلف و السرائر (1)ضعيف،كتخصيص الحكم كراهةً أو تحريماً في العبارة و غيرها بالأُمّ و ولدها،و تعميمه لصورتي المراضاة بالفرقة و عدمها.

بل الأصلح التعدية إلى غير الاُم من الأرحام المشاركة لها في الاستيناس و الشفقة كالأب و الأخ و الأُخت و العمّة و الخالة،وفاقاً للإسكافي و جماعة (2)؛ لتصريح الصحيح الأوّل و الموثّق بمن عدا الأخيرين،و ظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق،مع قوّة احتمال قطعيّة المناط في المنع هنا.

و تخصيص (3)المنع بصورة عدم المراضاة؛ لتصريح الخبرين بالجواز فيما عداها،مضافاً إلى الأصل،و اختصاص النصوص المانعة غيرهما بحكم التبادر و غيره بالصورة الأُولى.

و منه يظهر الوجه في عدم تعدية الحكم إلى البهيمة،بل يجوز التفرقة بينهما بعد الاستغناء عن اللبن مطلقاً،و قبله إن كان ممّا يقع عليه الزكاة،أو

ص:87


1- الشرائع 2:59،القواعد 1:130،الإرشاد 1:366،المختلف:381،السرائر 2:347.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:381؛ و انظر الجامع للشرائع:263،و الدروس 3:226،و جامع المقاصد 4:158،و المسالك 1:210،و مفاتيح الشرائع 3:42.
3- عطف على التعدية.

كان له ما يمونه من غير لبن امّه.

قيل:و موضع الخلاف بعد سقي الأُمّ اللبأ،أمّا قبله فلا يجوز مطلقاً؛ لما فيه من التسبيب إلى هلاك الولد،فإنّه لا يعيش بدونه،على ما صرّح به جماعة (1).

الخامسة إذا وطئ المشتري الأمة ثم بان استحقاقها انتزعها المستحق

الخامسة:إذا وطئ المشتري الأمة المبتاعة جهلاً منه بالغصبية ثم بان استحقاقها لغير البائع بالبيّنة و نحوها انتزعها المالك المستحق لها،اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً مستفيضاً،منها الصحيح:في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب،فاستولدها الذي اشتراها إلى أن قال -:« الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها» (2)و نحوه الموثّق و غيره ممّا سيأتي (3).

و له أي للمالك على المشتري عقرها أي نصف العشر من ثمنها إن كانت ثيّباً،و العشر منه إن كانت حين الوطء بكراً على الأشهر الأقوى،بل عليه الإجماع في الخلاف (4)؛ عملاً بالمعتبرة الواردة في التحليل،كالصحيح أ رأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضّها،قال:« لا ينبغي له ذلك» قلت:فإن فعل،أ يكون زانياً؟ قال:« لا،و يكون خائناً و يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً،و إن لم تكن بكراً فنصف عشر قيمتها» (5).

ص:88


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:501،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:158،و الشهيد الثاني في الروضة 3:318.
2- التهذيب 7:/74 319،الإستبصار 3:/85 288،الوسائل 21:203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1.
3- في ص:90.
4- الخلاف 3:158.
5- الكافي 5:/468 1،الفقيه 3:/289 1377،التهذيب 7:/244 1064،الوسائل 21:132 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 35 ح 1.

و في تزويج الأمة المدلّسة نفسها بالحرّة،كالصحيح:في رجل تزوّج بامرأة فوجدها أمة دلّست نفسها،قال:« إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت:كيف يصنع بالمهر إلى أن قال-:« و إن زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه،و لمواليها عشر قيمتها إن كانت بكراً،و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها» قلت:فإن جاءت منه بولد؟قال:« أولادها منه أحرار» (1)الحديث.

و مغايرة المورد للمقام مدفوعة باتّحاد طريق المسألتين،و بإشعار الثاني بالعموم و انسحاب الحكم في البين لوجهين،أجودهما تعقيبه بما هو كالتعليل له من استحلال الفرج المتحقق هنا،و ثانيهما الفحوى،كما استدلّ به لذلك بعض أصحابنا (2).

و قيل: كما عن الطوسي و الحلّي (3)أنّه يلزمه مهر أمثالها لأنّه القاعدة الكلّية في عوض البضع،و أنّه بمنزلة قيمة المثل في غيره.

و هو حسن لولا ما مرّ من الدليل المعتضد بعمل الأكثر.

و لا فرق في ثبوت العقر أو المهر بالوطء بين علم الأمة بعدم صحة البيع و جهلها،على أصحّ القولين،و هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها؛ لأنّ ذلك حقّ للمولى،و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] .

و في الدروس:لا يرجع عليه بالمهر إلّا مع الإكراه؛ استناداً إلى أنّه لا مهر لبغيّ (4).

ص:89


1- الكافي 5:/404 1،التهذيب 7:/422 1690،الإستبصار 3:/216 787،الوسائل 21:185 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 67 ح 1.
2- مجمع الفائدة 8:289،الحدائق 19:452.
3- الطوسي في المبسوط 3:102،الحلي في السرائر 2:347.
4- الدروس 3:115،و انظر ص 230.

و يضعّف بما مرّ،و أنّ المهر المنفي مهر الحرّة بظاهر الاستحقاق المستفاد من اللام في لبغيّ،و نسبة المهر،و من ثمّ يطلق عليها المهيرة.

و عليه اُجرة المنافع المستوفاة له منها و قيمة الولد إن كان قد أولَدَها يوم سقط حيّاً لأنّه نماء ملكه فيتبعه.و إنّما عدل إلى القيمة مع اقتضاء الأصل الرقبة؛ لما دلّ على أنّ الولد يتبع الأشرف،من المعتبرة المستفيضة (1).

مضافاً إلى خصوص الموثق:في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية،فقال:« يأخذ الجارية المستحق،و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد،و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أُخذت منه» (2).

و للمرسل كالصحيح على الصحيح:في رجل اشترى جارية فأولَدَها فوجدت الجارية مسروقة،قال:« يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته» (3).

و نحوهما الخبر (4)الذي قصور سنده بالجهالة منجبر بفتوى الأكثر، بل الإجماع كما في الخلاف (5).

ص:90


1- الوسائل 21:121 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 30.
2- التهذيب 7:/82 353،الإستبصار 3:/84 285،الوسائل 21:205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.
3- الكافي 5:/215 10،التهذيب 7:/65 280،الإستبصار 3:/84 286،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 3.
4- الكافي 5:/216 13،التهذيب 7:/64 276،الإستبصار 3:/84 287،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 2.
5- الخلاف 3:159.

خلافاً للمفيد،فحكم برقّية الولد (1)؛ و له الصحيح المتقدّم (2).

و حمله الشيخ على أنّ المراد بالولد قيمته،إقامةً للمضاف إليه مقام المضاف (3)؛ جمعاً بينه و بين ما مرّ (4)و غيره،كالخبر:رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً،ثم أتاها من يزعم أنّها له،و أقام على ذلك البيّنة،قال:« يقبض ولده،و يدفع إليه الجارية و يعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» (5)فإنّ المراد بقبض الولد قبضه بالقيمة.

و يستفاد من الموثّق الوجه في أنّه يجوز للمشتري أن يرجع بالثمن و قيمة الولد اللذين غرمهما للمالك على البائع الغارّ له مع جهله.

و لو كان عالماً باستحقاقها حال الانتفاع لم يرجع بشيء.

و لو علم مع ذلك بالتحريم كان زانياً و الولد رقّ؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه،و للصحيح:« في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب،قال:« تردّ الجارية و الولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة» (6).

ص:91


1- المقنعة:601.
2- في ص:88.
3- الاستبصار 3:85.
4- و ادّعى في المبسوط(3:102)و الخلاف(3:159)الإجماع على انعقاد الولد على الحرّية فيضعّف به ما ذكره المفيد من الرقيّة.(منه رحمه الله).
5- التهذيب 7:/83 357،الإستبصار 3:/85 289،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4.
6- الكافي 5:/556 9،التهذيب 7:/482 1936،الوسائل 21:177 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 61 ح 1.

و عليه الحدّ بموجب الزنا،و المهر اتّفاقاً؛ لفحوى ما مضى.

و لو اختلف حاله بأن كان جاهلاً عند البيع ثم تجدّد له العلم رجع بما غرمه حال الجهل و سقط الباقي.

و في رجوعه بالعُقر مع الجهل قولان من أنّ المغرور يرجع على من غرّه بما لا يحصل في مقابلته نفع كالعمارة و النفقة و نحوهما،أمّا ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة و السكنى و عوض البضع فلا.

و من أنّه دخل على إباحة هذه الأشياء بغير عوض،فإذا غرم عوضها رجع به المغرور على من غرّه.

و أشبههما عند الماتن هنا و غيره (1) الرجوع إمّا لما مرّ،أو لفحوى الرجوع بقيمة الولد المستلزم ثبوته فيه مع كونه نفعاً عظيماً في مقابلة الثمن المدفوع جدّاً إيّاه هنا بطريق أولى،فتأمّل.

السادسة يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم

السادسة:يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم مطلقاً،مسلماً كان أم كافراً و إن كان للإمام بعضه فيما لو أُخذ غيلة و نحوها ممّا لا قتال فيه،فإنّه لآخذه و عليه الخمس أو كلّه فيما لو أُخذ بالقتال بغير إذن منه عليه السلام،فإنّه حينئذٍ بأجمعه له عليه السلام على الأظهر الأشهر،بل عن الخلاف و الحلّي الإجماع عليه (2)خلافاً للماتن،فجعله كالأوّل (3).

و من هنا ينقدح وجه احتمال كون الترديد بسبب الخلاف في أنّ المغنوم بغير إذن الإمام هل هو له،كما هو المشهور و وردت به الرواية (4)،

ص:92


1- الماتن في الشرائع 2:59؛ و انظر الدروس 3:230.و التنقيح الرائع 2:127،و الروضة 3:327.
2- الخلاف 4:190،الحلي في السرائر 2:348.
3- المختصر النافع:64.
4- التهذيب 4:/135 378،الوسائل 9:529 أبواب الأنفال ب 1 ح 16.

أم لآخذه و عليه الخمس،نظراً إلى قطع الرواية؟ و كيف ما كان،لا خلاف في إباحة التملّك له حال الغيبة للشيعة، و أنّه لا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشمييّن؛ لإباحة الأئمّة عليهم السلام ذلك لتطيب مواليدهم كما في النصوص المستفيضة (1)المتّفق عليها بين الطائفة،كما حكاه جماعة (2).

و تمام الكلام في المسألة يطلب من كتاب الخمس،فإنّه محلّه.

و لا ريب في ثبوت الرخصة لنا.

و أمّا غيرنا فعن الأصحاب و به صرّح جماعة (3)أنّه تقرّ يده عليه و يحكم له بظاهر الملك؛ للشبهة الناشئة عن اعتقادهم الملكيّة كتملّك الخراج و المقاسمة،فلا يؤخذ منه من دون رضاه مطلقاً،لا سرّاً و لا علانيةً.

فإن كان إجماع،و إلّا فما ذكروه محلّ ريبة و مناقشة،فإنّ ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب اختصاص الإباحة له بالشيعة و حصول التملّك لهم بمجرّد الاستيلاء عليه و لو من دون بذل عوض.

إلّا أن يقال:إنّ هذه يد ظاهراً،و لا بدّ من بذل عوضٍ في مقابلها، فيكون استنقاذاً لا بيعاً حقيقة.و لكنّه كما ترى،و الاحتياط لا يخفى.

و لو اشترى أمةً سرقت من أرض الصلح ردّها على البائع و استعاد ثمنها منه إن كان حيّاً فإن مات البائع و لا عقب و لا وارث له سَعَتِ الأمة في ثمن رقبتها على رواية مسكين السمّان (4) الصحيحة

ص:93


1- انظر الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:210،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:282 283،و السبزواري في الكفاية:102،و صاحب الحدائق 19:462.
3- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:233،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:131،و الشهيد الثاني في المسالك 1:212.
4- التهذيب 7:/83 355،الوسائل 18:277 أبواب بيع الحيوان ب 23 ح 1.

إليه،القاصرة بجهالته،و لكن عمل بها النهاية و تبعه القاضي و الشهيد الأوّل (1).

و فيها مضافاً إلى القصور بالجهالة مع عدم جابر لها في المسألة مخالفتها للقواعد المقرّرة،إحداها:وجوب الردّ على البائع أو وارثه مع فقده،فإنّه غير مالك و لا ذو يد شرعيّة،فكيف يجوز تسليم المال المعصوم إليه،بل لا يجوز بالضرورة.

و ثانيتها:أنّ استسعاءها في الثمن المدفوع إلى البائع كما فيها يقتضي أخذه من غير آخذه،لأنّ ما بيدها لمالكها.

و ما ربما يعتذر به عن الأوّل:بأنّ البائع لم يثبت كونه سارقاً،و يده أقدم،و مخاطبته بالردّ ألزم،خصوصاً مع بُعد دار الكفر.

و عن الثاني:بأن مال الحربي فيء في الحقيقة و بالصلح صار محترماً احتراماً عرضيا،فلا يعارض ذهاب مال محترم احتراماً حقيقيّا.

مضعّف،فالأوّل:بأنّ يده إن كانت شرعية فالبيع صحيح ماضٍ و لا ردّ،و إن كانت يد عدوان لم يجز التسليم إليه،و مخاطبته بالردّ لا تقتضي جواز تسليم مَن هي في يده و إن وجب عليه السعي في ذلك،فإنّ له طريقاً إليه،إمّا بمراجعة المالك أو الحاكم.

و الثاني:بأنّ الاحترام يقتضي عصمة المال،و لا تفاوت في ذلك بين كون الاحترام حقيقيّا أو عرضيّاً،و المتلِف للمال المحترم ليس هو مولى الجارية حقيقة،بل الذي غرّه،و المغرور يرجع على الغارّ لا من لم يغرّه لا مباشرةً و لا تسبيباً،و حقيقة الحال أنّ كلّاً منهما مظلوم بضياع ماله،

ص:94


1- النهاية:414،القاضي في الكامل نقله عنه في المختلف:384،الشهيد الأوّل في الدروس 3:232.

و لا يرجع أحد المظلومين على الآخر،بل على ظالمه.

و لما ذكرنا قيل: كما عن الحلّي (1) يحفظها كاللقطة.و لو قيل تدفع إلى الحاكم و لا تكلّف الأمة السعي لأداء الثمن كان حسناً لكن لا مطلقاً،بل يجب التسليم إلى المالك أو وكيله،فإن تعذّر الوصول إليهما فإلى الحاكم.و يمكن تنزيل الإطلاق عليه بحمله على تعذّر الوصول إلى المالك و من في حكمه،و لعلّه الغالب،لبعد دار الكفر.

و صار إلى هذا القول كثير من المتأخّرين (2)،و وجهه واضح ممّا قرّرناه.

و ظاهره كسابقه أنّ الدفع إلى الحاكم إنّما هو لكونه وليّاً عن الغائب، و أنّه يجب إيصاله إليه.

خلافاً لتوهّم بعض من تأخّر (3)،فحسب أنّ ذلك من حيث كونه نائباً عن الإمام،و أنّ الجارية له عليه السلام يجب عليه إيصاله إلى مصارفه.و ليس في كلام الجماعة ما يوجب التوهّم،بل عبائر جملة منهم بخلافه مصرّحة، و متعلّق الموت في الرواية ليس هو المالك بالضرورة بل إنّما هو البائع خاصّة.

السابعة إذا دفع إلى مأذون مالاً ليشتري نسمة و يعتقها

السابعة:إذا دفع رجل إلى عبد لغيره مأذون منه للتجارة مالاً ليشتري نسمة و يعتقها عنه و يحجّ عنه ببقيّة المال،فاشترى

ص:95


1- انظر السرائر 2:356.
2- كالمحقق في الشرائع 2:61،و العلّامة في المختلف:384،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:130،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:148،و الشهيد الثاني في المسالك 1:212،و الروضة 3:346.
3- الشهيد في الدروس 3:233،مجمع الفائدة 8:291.

المأذون أباه و تحاقَّ أي تخالف في الحق كلّ من مولاه و مولى الأب المعتق و ورثة الآمر بعد العتق و الحج،و كل يقول:اشترى العبد بمالي،ففي رواية ابن أشْيَم بفتح الهمزة و سكون الشين المعجمة و فتح الياء المنقطة تحتها نقطتين،عن أبي جعفر عليه السلام،الواردة في القضيّة (1)أنّه مضت الحَجّة و يردّ المعتق على مولاه رقّاً،ثم أيّ الفريقين أقام البيّنة كان له رقّاً.

و في السند ضعف بجهالة الراوي،أو غلوّه كما حكم به الشهيد الثاني وفاقاً للمحقق الثاني (2).

و في المتن مخالفة لأُصول المذهب من حيث اشتماله على الأمر بردّ العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه و دعواه فساده،و مدّعي الصحة مقدّم؛ و على مضيّ الحَجّة،مع أنّ ظاهر الأمر حجّة بنفسه و لم يفعل؛ و على مجامعة صحة الحج لعوده رقّاً،و قد حجّ بغير إذن السيد.

و ما يعتذر به عن الأوّل:بأنّ المأذون بيده مال لمولى الأب و غيره، و بتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه،و أنّه لا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد،لأنّها مشتركة بين متقابلين متكافئين هما مولى المأذون و ورثة الآمر فتساقطا.

مضعّف بمنع تكافئها،مع كون من عدا مولاه خارجاً،و الداخل متقدّم،فسقطا دونه،و لم يتمّ الأصل،و هو بقاء الملك.

و منه يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأُخريين،لخروج الآمر و ورثته عمّا

ص:96


1- الكافي 7:/62 20،التهذيب 7:/234 1023،الوسائل 18:280 أبواب بيع الحيوان ب 25 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:210،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:144.

في يد المأذون التي هي بمنزلة يد سيّده،و الخارجة لا تكافئ الداخلة، فتقدّم،و إقرار المأذون بما في يده لغير المولى غير مسموع.

فالاعتذار ضعيف،كالاعتذار بحمل الرواية على إنكار مولى الأب البيع لا فساده،هرباً من تقديم مدّعي الفساد،و التجاءً إلى تقديم منكر بيع عبده؛ لمنافاته لمنطوق الرواية و مفروض عبائر الجماعة الدالّين على دعوى كونه اشترى بماله.

و لما ذكرنا حصل في الفتوى اضطراب و اختلاف،فبين من عكف على ظاهر الرواية،كالقاضي و النهاية (1).و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و بين من حكم لمولى المأذون بعد حلفه باسترقاق العبد المعتق؛ لأنّ يده على ما بيد المأذون،فيكون قوله مقدّماً على من خرج عند عدم البيّنة.

ذهب إليه الماتن في الشرائع،و الفاضل في المختلف و القواعد،و الشهيدان في الروضتين و المسالك،و المحقق الثاني في شرح القواعد،تبعاً للحلّي (2).

و عليه لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أباً له أو لا،و إن كانت الرواية تضمّنت الأوّل؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد.

و لا بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله،بأن يكون قد دفع للمأذون مالاً يتّجر به فاشترى أباه من سيّده بماله،و عدمه؛ لأنّه على

ص:97


1- نقله عن القاضي في المختلف:384،النهاية:414.
2- الشرائع 2:60،المختلف:385،القواعد 1:129،اللمعة(الروضة البهية 3):330،المسالك 1:210،جامع المقاصد 4:143،الحلّي في السرائر 2:357.

التقدير الأوّل يدّعي فساد البيع،و مدّعي صحته مقدّم،و على الثاني خارج، لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدّم،و الرواية تضمّنت الأوّل.

و لا بين استيجاره على حجّ و عدمه؛ لعدم مدخليته لذلك في الترجيح،و إن كانت الرواية تضمّنت الأوّل.

و ذكر الماتن هنا و تبعه ابن فهد في الشرح (1)أنّه يناسب الأصل في نحو المسألة الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بيّنة تنافيه و كأنّه يريد بالأصل أصالة صحّة ما فعل من شراء و عتق و حجّ و غيرها.

قال في الدروس:و هو قويّ إذا أقرّ بذلك؛ لأنّه في معنى التوكيل، إلّا أنّ فيه طرحاً للرواية المشهورة (2).

و يضعّف أوّلاً:بأنّ إقرار الوكيل إنّما يعتبر إذا لم يكن إقراراً على الغير،و معلوم أنّ إقرار العبد على ما في يده إقرار على سيّده،فلا يسمع.

و ثانياً:بأنّ دعواه اشتهار الرواية غير واضحة إن أراد بحسب الفتوى و العمل،إذ لم يعمل به إلّا من مرّ إليه الإشارة،و هو بالإضافة إلى باقي الجماعة نادر بالبديهة،و جيّدة إن أراد الشهرة بحسب الرواية،إلّا أنّها بمجرّدها غير كافية في الاستناد إليها بالضرورة.

هذا كلّه مع عدم البيّنة،و معها تقدّم إن كانت لواحد،و لو كانت لاثنين أو للجميع بني على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج عند التعارض،فعلى الأوّل:الحكم لمولى المأذون كما تقدّم،لكن من دون يمين.

ص:98


1- المهذب البارع 2:464.
2- الدروس 3:233.

و على الثاني:يتعارض الخارجان،و الأقوى وفاقاً لجماعة (1)تقديم بيّنة الدافع،عملاً بمقتضى صحّة البيع.

مع احتمال تقديم بيّنة مولى الأب،لادّعائه ما ينافي الأصل و هو الفساد،و توضيحه أن مولى الأب بالإضافة إلى ورثة الدافع مدّعٍ خارج، فتقدّم بيّنته؛ لأنّه مدّعٍ بأحد تفاسير المدّعى،لأنّه يدّعي ما ينافي الأصل.

و يضعّف:بأنّه مدّعٍ و خارج بالإضافة إلى مولى المأذون،كما أنّ الآخر أيضاً مدّعٍ و خارج بالإضافة إليه،و لا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل و دعوى الآخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الآخر مدّعياً و خارجاً،فترجيح بيّنته و تقديم بيّنة مدّعي الفساد إنّما يكون حيث لا يقطع بكون الآخر مدّعياً،فأمّا إذا قطع به و أقاما بيّنتين فلا بدّ من الترجيح،و هو ثابت في جانب مدّعي الصحة.

الثامنة:إذا اشترى عبداً فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد

الثامنة:إذا اشترى رجل من غيره عبداً في الذمة فدفع البائع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد منهما من يده من دون تفريط قيل كما عن الطوسي و القاضي (2) يرتجع المشتري نصف الثمن من البائع و يأخذ في الفحص عن الآبق.

ثم إن وجده ردّ الثمن المرتجع و تخيّر بينهما و اختار أيّهما شاء و إلّا يجده كان العبد الآخر الموجود بينهما نصفين لرواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه (3)عليه السلام.

ص:99


1- منهم:العلامة في القواعد 1:129،و التذكرة 1:499،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:145،و الشهيد الثاني في المسالك 1:210،و صاحب الحدائق 19:470.
2- الطوسي في النهاية:411،القاضي في الكامل على ما نقله عنه في المختلف:382.
3- التهذيب 7:354/82،الوسائل 18:268 أبواب بيع الحيوان ب 16 ذيل الحديث 1.

و في الرواية كما ترى ضعف من حيث السند بالراويين، و المتن بمخالفته لأُصول المذهب،من حيث إنّ التالف مضمون على المشتري،لقبضه بالسوم،و له المطالبة بالمبيع،لأنّه موصوف في الذمّة، و لا وجه لكون العبد الباقي بينهما،فإنّ المبيع ليس نصف كلّ واحد منهما.

و حينئذٍ المعتمد الرجوع إلى ما يناسب الأصل و هو أن يضمن المشتري له أي للبائع الآبق،و يطالبه بما ابتاعه منه في الذمّة.

و لا ريب في الثاني.و يبنى الأوّل على ضمان المقبوض بالسوم،و هو الذي قبضه ليشتريه فتلف في يده بغير تفريط.و حيث إنّ ذلك هو الأظهر الأشهر صحّ الحكم هنا؛ لأنّ القبض هنا في معنى القبض بالسوم،إذ الخصوصيّة (1)ليست لقبض السوم،بل لعموم ما دلّ على ضمان اليد المشترك بينهما.

و يأتي على القول بعدم الضمان ثَمّ عدمه هنا؛ لاتّحاد دليل العدم، و هو القبض بإذن المالك مع عدم تفريط،فيكون كالودعي.

بل قيل:يمكن عدم الضمان هنا و إن قلنا به ثمّة؛ لأنّ المقبوض بالسوم مبيع بالقوّة،أو مجازاً بما يؤول إليه،و صحيح المبيع و فاسده مضمون.بخلاف صورة الفرض؛ لأنّ المقبوض فيه ليس كذلك،لوقوع البيع سابقاً و إنّما هو محض استيفاء حقّ.لكن يندفع ذلك بأنّ المبيع لما كان أمراً كلّياً و كان كلّ واحد من المدفوع صالحاً لكونه فرداً له كان في قوّة المبيع،بل دفعهما للتخيير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع حيث إنّه

ص:100


1- أي خصوصيّة الضمان.(منه رحمه الله).

منحصر فيهما،فالحكم بالضمان ها هنا أولى منه (1).انتهى.

و مبناه على أنّ لخصوصيّة القبض بالسوم بالمعنى المعروف مدخلاً في الضمان،و قد عرفت فساده،مع اعتراف القائل به قبل الكلام.

و كيف كان،فالأجود وفاقاً لأكثر من تأخّر الضمان مع تاليه من المطالبة بما ابتاعه،و هو خيرة الفاضلين و الشهيدين و ثاني المحققين و المفلح الصيمري و غيرهم (2)تبعاً للحلي (3)؛ التفاتاً إلى الأُصول،و تضعيفاً للرواية بما مر.

و لما قيل في تنزيلها من البناء على أنّ العبدين متساويان في القيمة و مطابقان في الوصف،و أنّ حق المشتري منحصر فيهما كما في الدروس (4).

أو البناء على تساوي العبدين من كلّ وجه،ليلحق بمتساوي الأجزاء،فيجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من صبرة،و ينزّل على الإشاعة،فيكون التالف منهما و الباقي لهما،كما في المختلف (5):

بأنّ (6)انحصار الحق فيهما إنّما يكون لو ورد البيع على عينهما،و هو خلاف المفروض،و مجرّد دفعه الاثنين ليس تشخيصاً و إن حصر الأمر

ص:101


1- الروضة 3:348.
2- المحقق في الشرائع 2:60،العلامة في القواعد 1:130،و التحرير 1:192،و التذكرة 1:500،الشهيدان في اللمعة و الروضة 3:347،و المسالك 1:211،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:149.
3- انظر السرائر 2:350.
4- الدروس 3:230.
5- المختلف:382.
6- أي:تضعيفاً لما قيل..بأنّ.

فيهما،لأصالة بقاء الحق في الذمّة إلى أن يثبت المزيل شرعاً،و عدم تضمين التالف مخالف لما عليه الأكثر،كما مرّ،و توجيهه بما تقدّم ضعفه قد ظهر،فاندفع التنزيل الأوّل.

و يندفع الثاني بأنّه لو صحّ لنا في ارتجاع نصف الثمن كما صرّحت به الرواية،هذا،مع أنّ في عدّ العبدين من متساوي الأجزاء و تنزيل بيع أحدهما منزلة بيع قفيز من الصبرة و تنزيله على الإشاعة مناقشة واضحة.

و لو ابتاع عبداً من عبدين أي أحدهما كلّيّاً لم يصحّ على الأصحّ الأشهر كما في المهذّب و غيره (1)،و لعلّه عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للحلّي (2)مدّعياً الإجماع عليه من حيث الاتفاق على أنّ المبيع إذا كان مجهولاً كان البيع باطلاً.و عليه لا فرق بين أن يكونا متساويين في القيمة و الصفات أم مختلفين فيهما؛ للاشتراك في العلّة المقتضية للبطلان.

و حكى الشيخ في الخلاف في باب البيوع عن رواية الأصحاب الجواز على الإطلاق،مدّعياً الإجماع عليه (3)،و ظاهره الميل إليه، إلّا أنّه رجع عنه في باب السلم (4)،فلا عبرة بقوله الأوّل كدعواه الإجماع عليه،و استناده به و بالرواية،و بعموم قوله عليه السلام:« المؤمنون عند شروطهم» (5)لضعف الأوّل بمخالفته نفسه،مع شهرة خلافه الظاهرة في وهنه.

ص:102


1- المهذب البارع 2:466؛ و انظر الشرائع 2:60،و القواعد 1:130،و جامع المقاصد 4:150،و المسالك 1:211.
2- السرائر 2:350.
3- الخلاف 3:38.
4- الخلاف 3:217.
5- عوالي اللئلئ 1:173/293،المستدرك 13:301 أبواب الخيار ب 5 ح 7.

و الثاني:بعدم الدلالة على وقوع البيع كذلك،بل الظاهر وقوعه في الذمّة،مع ما يظهر من كلامه أنّ هذه الرواية هي الرواية السابقة (1)،و قد عرفت ما فيها من قصور السند،و المخالفة لأُصول المذهب.

و الثالث:بالمعارضة بما دلّ على المنع عن بيع الغرر،و منه محلّ الفرض.

و يأتي على التنزيل الثاني للمختلف (2)القول بالصحة مع تساويهما من كلّ وجه،كما يصحّ بيع قفيز من صبرة متساوية الأجزاء.و يضعّف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحق المثلي،مضافاً إلى ما مرّ.

التاسعة إذا وطئ أحد الشريكين الأمة سقط عنه من الحدّ ما قابل نصيبه

التاسعة:إذا وطئ أحد الشريكين أو الشركاء في الأمة إيّاها فعل حراماً و سقط عنه من الحدّ ما قابل نصيبه و نصيب شريكه إذا كان بحكمه،كولده،فإنّه لأحدّ على الأب في نصيب ابنه،كما لا حدّ عليه لو كانت بأجمعها له و حُدّ للباقي مع انتفاء الشبهة بما قابلة،و هو النصف في المثال،و قس عليه الغير.

و طريقه مع عدم الاحتياج إلى تبعيض الجلدة الواحدة واضح،و أمّا معه فقيل (3):يحتمل اعتبار مقدار السوط و كيفيّة الضرب.و الأظهر الأخذ بنصف السوط أو ربعه و هكذا؛ للصحيح:قال في نصف الجلدة و ثلثها:

« يؤخذ بنصف السوط و ثلثي السوط» (4).

و مع الشبهة بنحو من توهّم حلّ الوطء من حيث الشركة يدرأ الحدّ

ص:103


1- المتقدمة في ص:100.
2- راجع ص:102.
3- مجمع الفائدة و البرهان 8:293.
4- الكافي 7:5/175،المحاسن:378/273،الوسائل 28:16 أبواب مقدمات الحدود ب 3 ح 1.

عنه بالكلية اتفاقاً،فتوًى و نصّاً،فقال عليه السلام:« ادرءوا الحدود بالشبهات» (1).

و بهما يقيّد إطلاق المستفيضة الواردة في المسألة،كالصحيح:

سمعت عبّاد البصري يقول:كان جعفر عليه السلام يقول:« يدرأ عنه من الحدّ بقدر حصّته منها،و يضرب ما سوى ذلك» يعني:في الرجل إذا وقع على جارية له فيها حصّة (2).

و الخبرين،أحدهما الحسن:في رجلين اشتريا جاريةً فنكحها أحدهما دون صاحبه،قال:« يضرب نصف الحدّ،و يغرم نصف القيمة إذا أحبَلَ» (3).

و في الثاني:في جارية بين رجلين وطئها أحدهما دون الآخر فأحبلها،قال:« يضرب نصف الحدّ،و يغرم نصف القيمة» (4).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية المروية هي كالمتقدّمة في الكافي في كتاب الحدود في باب الرجل يأتي الجارية و لغيره فيها شركة.

ثم إن حملت منه قوّمت عليه حصص الشركاء و أُخذت خاصّة دون ما قابل نصيبه؛ للخبرين المتقدّمين.

و آخرين،في أحدهما:قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطئها،قال:« يجلد الحدّ و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها،و تُقومَ الجارية و يغرم ثمنها للشركاء،فإن كانت القيمة في اليوم

ص:104


1- الفقيه 4:90/53،الوسائل 28:47 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.
2- الكافي 7:8/195،الوسائل 28:119 أبواب حدّ الزنا ب 22 ح 3.
3- الكافي 7:7/195،التهذيب 10:98/30،الوسائل 28:121 أبواب حد الزنا ب 22 ح 8.
4- الكافي 7:/195 6،التهذيب 10:/30 97،الوسائل 28:121 أبواب حد الزنا ب 22 ح 7.

الذي وطئ أقلّ ممّا اشتريت به فإنّه يلزم أكثر الثمن،لأنّه قد أفسد على شركائه،و إن كان القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر ممّا اشتريت به يلزم الأكثر» (1).

و مقتضاه الأخذ مع اختلاف القيم بأعلاها من قيمة الشراء و قيمتها يوم الوطء،و هو المحكي عن القائل الآتي.

و فيه أقوال أُخر،مختلفة بين مُثبِتٍ لقيمة يوم الإحبال،و مبدّلٍ لها بقيمة يوم التقويم،و مُلزمٍ لأعلاهما.

و دوران الإلزام بالقيمة مدار إفساد الأمة،و ليس إلّا الإحبال،فإنّه الذي يتحقق به الإفساد الموجب لعدم إمكان التصرّف فيها و خروجها عن الملكيّة في الجملة.

و أظهر منه في الدلالة عليه بعد الأصل مفهوم قوله عليه السلام فيما مرّ من الخبر:« و يغرم نصف القيمة إذا أحبل» .و به أفتى الحلّي (2)و تبعه الأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

و قصور السند بفتاويهم منجبر،مضافاً إلى الأصل،و قصور الأخبار الآتية عن المقاومة له من حيث السند و العمل،و اعتضاده بالخبرين المتقدّمين.

و قيل كما عن النهاية (3)أنّها تقوّم بمجرّد الوطء للخبر:عن رجال اشتركوا في أمة فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده فوطئها،

ص:105


1- الكافي 7:1/194،التهذيب 10:96/29،الوسائل 28:119 أبواب حد الزنا ب 22 ح 4.
2- السرائر 2:352.
3- النهاية:411.

قال:« يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد،و يضرب بقدر ما ليس له فيها،و تقوّم الأمة عليه بقيمة و يلزمها،فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية الْزِم ثمنها الأوّل،و إن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه أكثر من ثمنها الزِم ذلك الثمن و هو صاغر،لأنّه استفرشها» (1).

و رُدّ بقصور السند بالجهالة،و المتن بالدلالة،لاحتماله ككلام القائل الحمل على صورة الحمل خاصّة.

و هو حسن لولا ما في ذيله من قوله:قلت:فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل؟قال:« ذلك له،و ليس له أن يشتريها حتى يستبرئها، و ليس على غيره أن يشتريها إلّا بالقيمة» .و هو كما ترى كالنص في جواز شراء بعض الشركاء لها،المنافي للحمل المزبور جدّاً،فإنّه لا تباع المستولدة قطعاً،مضافاً إلى قوله:« حتى يستبرئها» الصريح في عدم حبلها.

و تقييد الذيل بصورة عدم الحبل ملازم للتفكيك بينه و بين الصدر، و لا يرتفع إلّا بتكلّف جدّاً.

و هو و إن كان في مقام الجمع حسناً،إلّا أنّه ليس بأولى من حمل الإحبال في الخبر المتقدّم على الوطء مجازاً،تسميةً للسبب باسم المسبّب و يكون تأكيداً لمفروض الصدر جدّاً.

و يحتمله التعليل بالإفساد في الخبر الآخر بإرادة الاستفراش المصرّح به في هذا الخبر.و حاصله حينئذٍ لزوم القيمة عليه،لمكان الإفساد باحتمال الحبل لا نفسه.

ص:106


1- الكافي 5:2/217،التهذيب 7:309/72،الوسائل 18:269 أبواب بيع الحيوان ب 17 ح 1.

و هو كالأوّل و إن بَعُدَ،إلّا أنّه ليس بأبعد من الحمل الأوّل في هذا الخبر.

مع تأيّد هذا الحمل بصريح الخبر:عن رجل أصاب جارية من الفيء فوطئها قبل ان يقسّم،قال:« تقوّم الجارية،و تدفع إليه بالقيمة و يحطّ منها ما يصيبه منها من الفيء،و يجلد الحدّ و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما كان له فيها» فقلت:و كيف صارت الجارية تدفع إليه هو بالقيمة دون غيره؟قال:

« لأنّه وطئها و لا يؤمن أن يكون ثَمَّ حبل» (1).

إلّا أنّ المستفاد منه كون الحبل سبباً للتقويم عليه،و هو غير صالح لوجوبه باحتماله،بل مقتضاه الصبر إلى تحقق الحبل فإن تحقق وجب،و إلّا بقيت الشركة بحالها،و ليس التقويم فوراً بواجب قطعاً.

فإذاً المصير إلى ما عليه الأكثر أظهر،سيّما مع قصور الخبرين الأخيرين،و عدم جابر لهما في البين،مع منافاتهما الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة،و المؤيدة بظاهر الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة.و صرفهما عن ظاهرهما بالنصوص المقابلة فرع المكافأة،و هي لما عرفت في المقام مفقودة.و لكن الاحتياط بالتقويم عليه بالوطء مع استرضاء الطرفين لا يترك في المسألة.

و على التقديرين ينعقد الولد حرّا مطلقاً،و لو كان الوطء عن زنا،في ظاهر إطلاق العبارة و صريح جماعة (2)،و هو ظاهر النصوص

ص:107


1- الكافي 7:2/194،الفقيه 4:96/33،التهذيب 10:100/30،الوسائل 28:120 أبواب حد الزنا ب 22 ح 6.
2- منهم:المحقق في الشرائع 2:60،و العلّامة في القواعد 1:129،و صاحب الحدائق 19:478.

المتقدّمة الآمرة بالتقويم لمكان الحمل،الصريحة في كونه عن زنا،لمكان الحكم بالحدّ المنحصر في صورته بالنص و الإجماع،و لو لا أنّه حرّ لما حصل بحمله استيلاد و إفساد موجب للتقويم.

و لعلّ الحكمة أنه ليس زنا محضاً بسبب ملكه لبعضها الموجب لحصول الفراش،كما صرّح به بعض النصوص المتقدّمة،و من هنا حكم جماعة (1)بأنّ الواجب هنا من الحدّ الجلد خاصّة و إن كان محصناً،لأنّه الذي يقبل التبعيض.

و هو حسن؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة،إلّا أنّه ربما ينافيه بعض المعتبرة:عن رجل وقع على مكاتبته،قال:« إن كانت أدّت الربع جلد و إن كان محصناً رجم،و إن لم يكن أدّت شيئاً فليس عليه شيء» (2).

لكن ربما يعارضه إطلاق الخبرين،أحدهما الصحيح:عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها،فلمّا رأى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها،قال:فقال:« يجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة، و يطرح عنه خمسون جلدة،و يكون نصفها حرّا،و يطرح عنها من النصف الباقي الذي لم يعتق إن كانت بكراً عشر قيمتها،و إن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها،و تستسعي هي في الباقي» (3)و نحوه الثاني (4)،فتأمّل.

ص:108


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:211 و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:393،و صاحب الحدائق 19:475.
2- الكافي 7:3/194،التهذيب 10:95/29،الإستبصار 4:785/210،الوسائل 28:120 أبواب حد الزنا ب 22 ح 5.
3- الكافي 7:4/195،التهذيب 10:99/30،الوسائل 28:118 أبواب حد الزنا ب 22 ح 1.
4- الكافي 7:5/195،التهذيب 10:101/31،الوسائل 28:119 أبواب حد الزنا ب 22 ح 2.

و كيف كان يجب على الواطئ قيمة حصص الشركاء منه أي من الولد عند الولادة و السقوط حيّاً إن قوّمت حائلاً،و إلّا دخلت قيمة الولد معها،كما ذكره جماعة من أصحابنا (1).و الظرف متعلّق بالقيمة،أي القيمة عند الولادة.

بلا خلاف؛ توفيةً لحق الشركاء من النماء،و التفاتاً إلى فحوى المعتبرة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم الولد،منها الصحيح:« إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت و ادّعوه جميعاً أقرع الوالي بينهم،فمن خرج كان الولد ولده و يردّ قيمة الولد على صاحب الجارية» (2)و نحوه صحيحان آخران (3).

و ذكر جماعة (4)أنّه يجب على الأب مضافاً إلى ذلك أرش العقر بسبب الوطء،سواء كانت بكراً أم ثيّباً،و هو العشر أو نصفه مستثنى منهما قدر نصيبه،و لعلّه يومئ إليه الخبران المتقدّمان الملزمان لهما على أحد الشريكين لها.

مضافاً إلى النصوص المتقدّمة،الملزمة لهما على الواطئ للأمة المحلّل له منها ما دون المواقعة،و للأمة المدلّسة نفسها بالحرّة (5).

ص:109


1- منهم:المحقق في الشرائع 2:60،و العلّامة في القواعد 1:129،و صاحب الحدائق 19:478.
2- التهذيب 8:590/169،الإستبصار 3:1318/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 1.
3- الكافي 5:1/490،التهذيب 7:591/169،الإستبصار 3:1319/368،الوسائل 21:171 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 57 ح 2،3.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:211،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:294،و صاحب الحدائق 19:480.
5- راجع ص 89.

و يحصل بملاحظتها و إن غايرت مورد المسألة المظنّة القوية بلزوم أحد الأمرين في وطء كلّ مملوكة،منفردةً كانت لأحد بالملكيّة أو مشتركةً مطلقاً،حتى لو كانت هي الشريكة.

و ليس فيها كغيرها إضافة أرش البكارة،بل ظاهرها التداخل و أنّه هو الزائد على عقر الثيّبة،ففتوى المسالك (1)بلزومه أيضاً ضعيفة،كفتوى الحلّي (2)بعدم لزوم عقر الشيبة،و إن انتصر له بعض (3)؛ لخلوّ النصوص المتقدّمة الواردة بتقويم الأمة في المسألة عنه،مع ورودها في مقام بيان الحاجة؛ للزوم تقييدها بما قدّمناه من الحجّة،كتقييدها بما دلّ على لزوم قيمة الولد مع خلوّها عنها أيضاً بالضرورة.

ثم إنّه ذكر جماعة من غير خلاف يعرف أنّها لا تدخل في ملك الواطئ بمجرّد الحمل،بل بالتقويم و دفع القيمة أو الضمان مع رضا الشريك،فكسبها قبل ذلك للجميع،و كذا حق الاستخدام،و لو سقط الولد قبل التقويم استقرّ ملك الشركاء.

و هو كذلك؛ للأصل،و استصحاب بقاء الملك،و هو لا ينافي قهرية التقويم المستفادة من النصوص المتقدّمة.و اعتبار الرضا في عبائر الجماعة ليس لصحّة التقويم كما توهّم،بل لضمان القيمة الثابتة بعده.

العاشرة المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كلّ منهما صاحبه حكم للسابق

العاشرة:المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كلّ منهما لمولاه صاحبه من مولاه حكم للسابق عقداً و لو بتقدّم قبوله على قبول الآخر،من غير توقّف على إجازة،و للآخر أيضاً إذا كان معها،و إلّا

ص:110


1- المسالك 1:211.
2- السرائر 2:352.
3- كالبحراني في الحدائق 19:480.

بطل،لبطلان الإذن بزوال الملك،إلّا أن يكون بطريق الوكالة فيصحّ مطلقاً.

و الفرق بين الإذن و الوكالة أنّ الإذن ما جعلت الاستنابة فيه تابعة للملك تزول عرفاً بزواله بالبيع و نحوه،و الوكالة ما أباحت التصرّف المأذون فيه مطلقاً.

و الفارق بينهما مع اشتراكهما في الإذن المطلق إمّا تصريح المولى بالخصوصيتين،أو دلالة القرائن عليه،و مع عدمهما فالظاهر حمله على الإذن،لدلالة العرف عليه.

و على ما ذكرنا يحمل إطلاق العبارات ببطلان اللاحق،بحمله على عدم اللزوم المطلق المتردّد بين البطلان بالمعنى الأخصّ و الأعمّ.

و لو اشتبه السابق أو السبق مُسِحت الطريق التي سلكها كل واحد منهما إلى مولى الآخر و حكم بالسبق للأقرب منهما طريقاً مع تساويهما في المشي قوّة و ضعفاً،وفاقاً للطوسي (1)؛ للخبر:في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان و يبيعان بأموالهما،فكان بينهما كلام، فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا،و هذا إلى مولى هذا،و هما في القوّة سواء، فاشترى هذا من مولى هذا العبد،و ذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر و انصرفا إلى مكانهما،فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه و قال:أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك،قال:« يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق،فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد،و إن كانا سواء فهما رُدّا على مواليهما،جاءا سواء و افترقا سواء،إلّا أن يكون أحدهما سبق صاحبه،فالسابق هو له إن شاء باع و إن شاء أمسك،و ليس له أن

ص:111


1- انظر النهاية:412،و الاستبصار 3:83.

يضربه» (1).

و ضعف سنده يمنع من العمل به،و لذا أعرض عنه الحلّي (2)و أكثر المتأخّرين و أوجبوا الرجوع إلى الأصل،و إن اختلفوا في مقتضاه،فبين من حكم بالقرعة مطلقاً،كالفاضل و شيخنا في الروضة و غيرهما (3)،فإنها لكلّ أمر مشكل.

و من فرّق بين صورتي الاشتباه في السابق فكذلك،و الاشتباه في السبق فالبطلان كصورة الاقتران،و هو خيرة المهذب (4)؛ استناداً في الأول إلى ما مرّ،و في الثاني إلى جواز الاقتران مع عدم معلوميّة السبق المصحّح للبيع فلا يجوز الحكم بالمسبّب مع الجهل بالسبب.و فيه نظر.

و الأوّل أظهر،و عليه يستخرج في الصورة الأُولى برقعتين مكتوب في إحداهما السابق و في الأُخرى المسبوق،و في الثانية بثلاث رقع يكتب في الثالثة الاقتران،ليحكم بالوقوف معه أو البطلان،على اختلاف القولين إن كان.

فإن اتفقا طريقاً بطل العقدان معاً،كصورة الاقتران؛ لتدافعهما،وفاقاً للحلّي و الفاضل و كثير من المتأخّرين (5)،و إن اختلفوا في

ص:112


1- الكافي 5:3/218،الفقيه 3:32/10،التهذيب 7:310/72،الإستبصار 3:279/82،الوسائل 18:271 أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- السرائر 2:352.
3- الفاضل في المختلف:383،و التذكرة 1:500،الروضة 3:338؛ و انظر جامع المقاصد 4:147،و الجامع للشرائع:262.
4- المهذب البارع 2:471.
5- الحلي في السرائر 2:352،الفاضل في القواعد 1:129،و التذكرة 1:499؛ و انظر الجامع للشرائع:262،و المسالك 1:211،و الحدائق 19:482.

إطلاق البطلان،كما عن الأوّل،أو تقييده بصورة عدم الإجازة أو الوكالة، كما عليه الباقون،و يمكن تنزيل الأوّل عليه،كما مرّت الإشارة إليه.

و في رواية مرسلة (1)عمل بها النهاية و بعض من تبعه (2)أنّه يقرع بينهما و فيها ما في الرواية السابقة،مضافاً إلى عدم وجه للقرعة في صورة الاقتران،لأنّها لإظهار المشتبه،و لا اشتباه هنا.

و ما أجاب به الماتن عن الأخير من جواز ترجيح أحدهما في نظر الشرع فيقرع (3)مضعّف بأنّ التكليف منوط بأسبابه الظاهرة،و إلّا لزم التكليف بالمحال.

و الأجود أن يضعّف بعدم كفاية الجواز في القرعة؛ لمعارضته بجواز عدم الترجيح في نظر الشرع الموجب للفساد،فالرجوع إلى القرعة موجب لخروج الفاسد لا محالة،فتأمّل.

نعم يصحّ فيما لو ثبت صحة أحدهما في الجملة في الشريعة،و ليس بثابت بالضرورة،هذا.

و يظهر من المحقّق الثاني في شرح القواعد الميل إلى الحكم بصحة العقدين معاً (4)؛ التفاتاً إلى أصالة بقاء الإذن،و عدم وضوح بطلانه بمجرّد الشروع في البيع؛ إذ المبطل إن كان الخروج عن الملك فإنما يتحقّق بتمام

ص:113


1- الكافي 5:3/218،التهذيب 7:311/73،الوسائل 18:272 أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 2.
2- النهاية:412،و تبعه ابن البراج في الكامل على ما نقله عنه في المختلف:383.
3- انظر نكت النهاية:396.
4- جامع المقاصد 4:146.

العقد؛ و إن كان الشروع فيه بناءً على تضمّنه القصد إلى إخراجه عن ملكه الملازم للقصد إلى منعه عن التصرف ففيه منع؛ لعدم التلازم بين القصدين، لفقد ما يدلّ عليه بشيء من الدلالات في البين.

ثم إنّ هذا كلّه إذا كان شراؤهما لمولاهما كما قلناه،أمّا لو كان لأنفسهما كما يظهر من الرواية السابقة (1)فإن أحلنا ملك العبد بطلا،و إن أجزناه صحّ السابق و بطل المقارن و اللاحق حتماً؛ إذ لا يتصوّر ملك العبد لسيّده جدّاً.

ص:114


1- في ص:112.

الفصل الثامن في السلف

اشارة

الفصل الثامن في السلف هو و السلم عبارتان عن معنى واحد و هو ابتياع مال موصوف مضمون في الذمّة إلى أجل معلوم بمال كذلك حاضر مقبوض في المجلس أو في حكمه ممّا لم يكن حاضراً في المجلس ثم أُحضر و قبض فيه قبل التفرق.

و كذا ما كان حاضراً فيه موصوفاً غير معيّن إذا عُيّن فيه؛ لأنّه بالتعيين فيه مع القبض يصير في حكم الحاضر.

و ما كان ديناً على البائع على قولٍ،فإنّه في حكم الحاضر،بل المقبوض.

و الابتياع جنس،و مضمون فصل يخرج به ابتياع الأعيان الحاضرة، و إلى أجل فصل يخرج به البيع بالوصف حالّا،و قوله:معلوم،إشارة إلى شرط من شرائط السلف.

و الأصل فيه بعد الإجماع في الغنية و المختلف و عن التذكرة (1)عمومات الكتاب و السنّة،و خصوص الصحيح و غيره من المعتبرة:عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلى أجل و ضمن البيع،قال:« لا بأس به» (2)مضافاً إلى ما يأتي في المباحث الآتية.

ص:115


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،المختلف:364،التذكرة 1:547.
2- الكافي 5:2/200،التهذيب 7:117/27،الوسائل 18:292 أبواب السلف ب 5 ح 1،و انظر الحديثين 2،7 من الباب نفسه.

و ينعقد بقول المسلّم و هو المشتري-:أسلمت إليك،أو:أسلفتك، أو:سلّفتك،بالتضعيف،و في:سلّمتك،وجه متروك بين الفقهاء،كذا في كذا،و يقبل المسلّم إليه و هو البائع بقوله:قبلت،و شبهه،و لو جعل الإيجاب منه جاز بلفظ البيع،و التمليك على قول،و أسلمت منك، و أستلفت،و تسلّفت و نحوه،و القبول من المسلم هنا:قبلت،و شبهه،كذا قالوه.

و النظر فيه في أُمور ثلاثة شروطه و أحكامه و لواحقه

الأوّل في الشروط

اشارة

الأوّل: في الشروط المصحّحة و هي خمسة

الأوّل ذكر الجنس و الوصف

الأوّل:ذكر الجنس و المراد به هنا الحقيقة النوعية،كالشعير و الحنطة، و الوصف الرافع للجهالة،الفارق بين أصناف ذلك النوع، بعبارات معلومة عند المتعاقدين،ظاهرة الدلالة في العرف و اللغة.

و ليس المراد مطلق الوصف،بل الذي يختلف لأجله الثمن اختلافاً ظاهراً لا يتسامح بمثله في السلم عادة،فلا يقدح الاختلاف اليسير المتسامح به فيه غير المؤدّي إليه.

و المرجع في الأوصاف إلى العرف،و ربما كان العامي أعرف بها من الفقيه و حظّه منها الإجمال.

و المعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعيّن و لا يبلغ فيه الغاية،فإن بلغها و أفضى إلى عزّة الوجود بطل،بلا خلاف يظهر.

قيل:لأنّ عقد السلف مبني على الغرر؛ لأنّه بيع ما ليس بمرئي،فإذا كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤدّياً إلى التنازع و الفسخ،فكان منافياً

ص:116

للمطلوب من السلف (1).

و الأصل في هذا الشرط بعد الإجماع أدلّة نفي الغرر،و النصوص الآتية في تضاعيف الفصل.

فلا يصحّ السلم فيما لا يضبطه الوصف كاللحم نيّه و مشويّه و الخبز بأنواعه و الجلود بلا خلاف في الأوّلين،بل عليه الإجماع في الغنية (2)(3)؛ لما مرّ.

مع التصريح بالمنع عن الأوّل في الخبر:عن السلف في اللحم،قال:

« لا تقربنّه،فإنّه يعطيك مرّة السمين،و مرّة التاوي (4)،و مرّة المهزول، و اشتر معاينةً يداً بيد» و عن السلف في روايا الماء،فقال:« لا تقربها،فإنّه يعطيك مرّة ناقصة،و مرّة كاملة،و لكن اشتره معاينةً و هو أسلم لك و له» (5).

و قصور السند منجبر بالعمل،إلّا أنّ ظاهره التعليل بغير ما في العبارة و فتوى الجماعة.

و لكن يدفعه عدم الدلالة على حصر العلّة المجامع للتعليل أيضاً بما في العبارة.

ص:117


1- جامع المقاصد 4:210.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- و كذا في السرائر(2:308)و التذكرة(1:549)و في الخلاف(3:204)الإجماع في اللحم خاصة(منه رحمه الله).
4- التاوي:الهالك.القاموس المحيط 4:309.
5- الكافي 5:12/222،الفقيه 3:738/167،التهذيب 7:193/45،الوسائل 18:287 أبواب السلف ب 2 ح 1.

و على المشهور في الأخير،وفاقاً للحلّي (1)؛ لتعذّر الضبط بالوصف، و عدم إفادة الوزن الوصف المعتبر،لأنّ أهمّ أوصافها المختلف باختلافه أثمانها السمك و الغلظ،و لا يحصل به.

خلافاً للطوسي و القاضي (2)،فيصح؛ لإمكان الضبط بالمشاهدة، و للخبرين،في أحدهما:قلت:إنّي رجل قصّاب،أبيع المسوك قبل أن أذبح الغنم؟فقال:« ليس به بأس،و لكن انسبها غنم أرض كذا و كذا» (3).

و في الثاني:رجل اشترى الجلود من القصّاب فيعطيه كل يوم شيئاً معلوماً،فقال:لا بأس» (4).

و فيهما ضعف سنداً،و في الأخير دلالةً أيضاً؛ لعدم الإشعار فيه ببيع السلف،و لا بالبيع قبل الذبح،فيحتمل أن يبيعها مشاهدةً و يدفع إليه كلّ يوم قدراً معلوماً،فالاستناد إليهما سيّما الثاني ضعيف جدّاً،كالاستناد إلى الأوّل،للخروج عن السلم بناءً على أنّ المبيع فيه أمر في الذمّة مؤجّل إلى مدّة،و هو معيّن بالمشاهدة على ما ذكره.

قيل:و يمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المُسلَم فيه في ضمنها من غير تعيين،و هو غير مخرج عن وضعه،كاشتراطه من غلّة قرية معيّنة لا تخيس (5)عادةً،و حينئذٍ فتكفي مشاهدة الحيوان عن الإمعان في

ص:118


1- انظر السرائر 2:307.
2- الطوسي في الخلاف 3:198،حكاه في المختلف عن القاضي في الكامل:366.
3- الكافي 5:9/201،التهذيب 7:119/28،الوسائل 18:293 أبواب السلف ب 5 ح 4.المَسْك:الجلد.القاموس المحيط 3:329.
4- الكافي 5:10/221،الفقيه 3:730/165،التهذيب 7:120/28،الوسائل 18:290 أبواب السلف ب 3 ح 7.
5- خاسَ البيعُ و الطعام،كأنَّه كسَدَ حتى فَسَد.الصحاح 3:926.

الوصف (1).

و هو حسن،و لكن المشهور المنع مطلقاً.

و نحو المذكورات الجواهر مطلقاً،و اللآلي الكبار؛ لتعذّر ضبطها على وجه يرفع بسببه اختلاف الثمن،و تفاوت (2)الثمن فيها تفاوتاً باعتبارات لو ذكرت لأدّت إلى عسر وجودها الموجب للبطلان كما مضى،و بدونها لا يحصل العلم بوصفها.

أمّا اللآلي الصغار التي لا تشتمل على أوصاف كثيرة تختلف باختلافها القيمة فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها من الوزن و العدد مع بعض الصفات.

و ضابطها كلّ ما يباع بالوزن و لا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفاً.

و تحديد بعض إيّاه بما يطلب للتداوي دون التزيّن،أو ما يكون وزنه سدس دينار (3)،رجوع إلى ما لا دليل عليه.

و كذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتاً بيّناً كبعض العقيق،على ما في الدروس و غيره (4).

و يجوز في الأمتعة و الحيوان كلّه،صامتاً كان أم ناطقاً و الحبوب و الفواكه و الطيب و نحو ذلك و بالجملة كلّ ما يمكن ضبطه بالوصف الموصف (5)،بلا خلاف يعرف،بل على الثاني الإجماع في الغنية (6)؛ للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة و غيرها من

ص:119


1- قال به الشهيد الثاني في الروضة 3:406.
2- عطف على التعذّر.(منه رحمه الله).
3- جامع المقاصد 4:212.
4- الدروس 3:248؛ و انظر الروضة 3:406،و الحدائق 20:14.
5- أي:سابقاً.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):589.

المعتبرة،ففي الصحيح و غيره:« لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض» (1).

و نحوهما الموثق كالصحيح:عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به؟قال:« نعم إذا كان إلى أجل معلوم» (2).

و في الصحيح و الموثق كالصحيح:« لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها» (3).

و في الصحيح:« إنّ أبا جعفر عليه السلام لم يكن يرى بأساً بالسلم في الحيوان بشيء معلوم إلى أجل معلوم» (4).

و فيه:عن السلف في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم،قال:

« لا بأس به» (5).

و النصوص بذلك كثيرة تمرّ بك في المباحث الآتية.

الثاني قبض رأس المال قبل التفرق

الثاني:قبض رأس المال أي الثمن قبل التفرق بالبدن.

و الأصل في شرطيته في صحة السلم الإجماع في الظاهر،المحكي في الغنية و عن التذكرة (6)صريحاً.

ص:120


1- الكافي 5:1/199،التهذيب 7:113/27،الوسائل 18:283 أبواب السلف ب 1 ح 1.
2- الكافي 5:2/199،التهذيب 7:114/27،الوسائل 18:289 أبواب السلف ب 3 ح 4.
3- الكافي 5:3/220،الوسائل 18:284 أبواب السلف ب 1 ح 3.
4- الكافي 5:5/220،الوسائل 18:288 أبواب السلف ب 3 ح 2.
5- الكافي 5:2/185،التهذيب 7:121/28،الوسائل 18:295 أبواب السلف ب 6 ح 1.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):589،التذكرة 1:556.

خلافاً للإسكافي (1)،فجوّز التأخير إلى ثلاثة أيّام.و هو شاذّ،و في المهذّب و الدروس و المسالك (2)أنّه متروك.

فلو باع سلماً و لم يقبض من الثمن قبل التفرّق شيئاً بطل رأساً.

و لو قبض بعض الثمن ثم افترقا بطل فيما لم يقبض و صحّ في المقبوض و لكن يتخيّر البائع في الفسخ؛ لتبعّض الصفقة،إلّا إذا كان عدم الإقباض بتفريطه فلا خيار له.

و لو كان الثمن ديناً على البائع فبيع المسلم فيه به صحّ على الأشبه وفاقاً للنهاية (3)،و عليه الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير (4)،إمّا لأنّ ما في الذمّة بمنزلة المقبوض،أو للأصل،و العمومات، و انحصار دليل هذا الشرط في الإجماع،و ليس بمتيقّن بل و لا ظاهر في محل النزاع؛ لمكان الاختلاف.

مضافاً إلى التأيد بالخبر:في رجل كان له على رجل دراهم،فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاماً إلى أجل مسمّى،فقال:« لا بأس بذلك» (5)الخبر.

و لا ينافيه النهي عنه في الذيل؛ لإشعار السياق بورود ذلك للتقيّة.

و أولى بالجواز ما حوسب به عن الثمن الكلّي دون أن يقع البيع به، و عليه الأكثر لما يأتي.

خلافاً للأشهر في الأوّل دون الثاني،فيبطل؛ لأنّه بيع دين بدين منهي

ص:121


1- كما حكاه عنه في المختلف:364.
2- المهذب البارع 2:473،الدروس 3:256،المسالك 1:213.
3- النهاية:397.
4- الشرائع 2:32،التحرير 1:195.
5- التهذيب 7:186/43،الوسائل 18:298 أبواب السلف ب 8 ح 1؛ بتفاوت يسير.

عنه،أمّا كون المسلم فيه ديناً فواضح،و أمّا الثمن الذي في الذمّة فلأنّه دين في ذمّة المسلم إليه،فإذا جعل عوضاً للمسلم فيه صدق بيع الدين بالدين، لأنّ نفس الدين قد قرب بالباء فصار ثمناً.و لا كذلك المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترطه ثمناً؛ لأنّه استيفاء دين قبل التفرّق مع عدم ورود العقد عليه،فلا يقصر عمّا لو أطلقا الثمن ثم أحضره قبل التفرّق.

و إنّما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما جنساً أو وصفاً،أمّا لو اتّفق ما في الذمّة فيهما وقع التهاتر و التساقط قهريّاً و لزم العقد.

و للدروس في الثاني (1)،فاستشكل فيه؛ استناداً إلى أنّه يلزم منه كون مورد العقد ديناً بدين.

و مبنى القولين على أحد تفسيري بيع الدين بالدين،و هو شموله لما صار ديناً بالعقد و إن لم يكن ديناً قبله،و عليه الأكثر.

و فيه نظر يتّضح وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في الروضة في كتاب الدين:من أنّ الدين الممنوع منه ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به،و المضمون عند العقد ليس بدين،و إنّما يصير ديناً بعده فلم يتحقّق بيع الدين بالدين (2).

و هو في غاية الجودة،و إن ناقض نفسه في المسألة في الكتاب المتقدّم إلى ذكره الإشارة.فضَعُفَ القولان بالضرورة.

و تزيد على الثاني الحجة بما أورده عليه شيخنا في المسالك و الروضة (3)في المسألة:من أنّ بيع الدين بالدين لا يتحقّق إلّا إذا جعلا في

ص:122


1- الدروس 3:256.
2- الروضة البهية 4:20.
3- المسالك 1:213،الروضة 3:410.

نفس العقد متقابلين في المعاوضة،قضيّةً للباء.و هي هنا منفية؛ لأنّ الثمن فيه أمر كلّي و تعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد،و مثل هذا التقاصّ و التحاسب استيفاء لا معاوضة،و لو أثّر مثل ذلك لأثّر مع إطلاقه ثم دفعه في المجلس،لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداءً.

فإذاً القول بما في المتن أظهر لكنّه يكره لشبهة الخلاف.

فالاحتياط عنه أجود،بل لعلّه المتعيّن؛ للصحيح:عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك،فأتى المطلوب الطالب ليبتاع منه شيئاً؟قال:« لا يبيعه نسيئاً،فأمّا نقداً فليبعه بما شاء» (1)فتأمّل.

الثالث تقدير المبيع بالكيل أو الوزن

الثالث:تقدير المبيع المسلم فيه بالكيل أو الوزن المعلومين فيما يكال أو يوزن،و فيما لا يضبط بيعه سلفاً إلّا به،و إن جاز بيعه جزافاً كالحطب و الحجارة،بلا خلاف.

استناداً في الأوّل إلى ما دلّ عليه في مطلق البيع من حديث النهي عن بيع الغرر و المجازفة،مع التأيّد بخصوص المعتبرة،كالصحيح:عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم،قال:« لا بأس به» (2).

و الموثق:« لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلى أجلٍ معلوم،لا يسلم إلى دياس و لا إلى حصاد» (3).

مضافاً إلى صريح النبوي العامي:« من أسلف فليسلف في كيل معلوم

ص:123


1- التهذيب 7:207/48،الوسائل 18:45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.
2- الكافي 5:2/185،التهذيب 7:121/28،الوسائل 18:295 أبواب السلف ب 6 ح 1.
3- الكافي 5:1/184،الفقيه 3:740/167،التهذيب 7:116/27،الوسائل 18:289 أبواب السلف ب 3 ح 5.

إلى أجلٍ معلوم» (1)و قصور السند بالعمل مجبور.

و في الثاني:إلى الدليل الأوّل من لزوم الغرر،مع عدم اندفاعه هنا إلّا بأحد الأمرين،و إن اندفع بالمشاهدة في غير السلف؛ لعدم إمكانه فيه بالضرورة إلّا على احتمالٍ تقدّم إلى ذكره الإشارة من الاكتفاء بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها من غير تعيين (2)،إلّا أنّه لم يعتبره هنا أحد من الطائفة،حتى من احتمل اعتباره في المسألة السابقة.

و لا يكفي التقدير ب العدد إجماعاً في المعتبر بأحد التقديرين.

و كذا لو كان ممّا يعدّ و يباع به في مطلق البيع مطلقاً،وفاقاً للطوسي و التذكرة (3)؛ للتفاوت المفضي إلى الغرر و الجهالة.

خلافاً للإسكافي (4)،فيجوز كذلك؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و لجماعة من المتأخّرين كالشهيدين و غيرهما (5)،فالتفصيل بين ما يكثر فيه التفاوت كالرّمان و البطّيخ و الباذنجان فالأوّل،و ما يقلّ فيه كالصنف الخاص من الجوز و اللوز فالثاني؛ للتسامح عادةً في مثله فيندفع معه الغرر.

و هو حسن إن كان التفاوت اليسير كذلك،و إلّا فالأوّل أظهر،و لعلّ هذا مراد المفصِّل.

ص:124


1- مسند أحمد 1:217،صحيح مسلم 3:127/1226،128،سنن أبي داود 3:3463/275،سنن النسائي 7:290،الجامع الصغير 2:8433/569.
2- راجع ص:118.
3- الطوسي في المبسوط 2:188،التذكرة 1:556.
4- على ما نقله عنه في المختلف:367.
5- الشهيد الأول في الدروس 3:253،الشهيد الثاني في الروضة 3:411؛ و انظر قواعد الأحكام 1:136،و التحرير 1:195.

و بالجملة:الضابط للصحة الانضباط الدافع لاختلاف الثمن،فحيث حصل بالعدد جاز السلم،و إلّا فالأقرب المنع.

و عليه يتعيّن الضبط بالوزن أو الكيل في المقدّر بهما،و بالأوّل في غيره مطلقاً،و بالثاني فيما لا يتجافى في المكيال كالجوز و اللوز،دون ما يتجافى كالبطيخ و الباذنجان و الرمان فيتعيّن فيه الأوّل.

و يعتبر في مثل الثوب ضبطه بالذرع،و إن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة،كما مرّ إليه الإشارة.و كان عليه أن يذكره أيضاً؛ لخروجه عن الاعتبارات المذكورة.

و حيث قد عرفت اعتبار الضبط بالوزن أو الكيل فيما لا يضبط إلّا به و إن جاز بيعه بالجزاف ظهر لك الوجه في أنّه لا يصحّ السلم في نحو القصب أطناناً،و لا في الحطب حُزَماً،و لا في الماء قِرباً مع ورود النهي عن الأخير في بعض النصوص و قد تقدّم (1).

و كما يشترط تقدير المسلم فيه بأحد ما تقدّم كذا يشترط التقدير في الثمن لكن بما تقدّر في مطلق البيع،فيعتبر المقدّر بأحد الاعتبارات الثلاثة به،و ما عداه بما يعتبر به من الذرع و نحوه،فلو كان ممّا يباع جزافاً جاز الاقتصار على مشاهدته كما لو بيع.

و قيل:يكفي هنا التقدير ب المشاهدة مطلقاً،كما عن المرتضى (2)،و قد تقدّم الكلام فيه فيما مضى (3)و أنّ العمل على الأوّل أشهر و أقوى.

ص:125


1- في ص:117 الرقم(4).
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):217.
3- راجع ص:251 من ج 8.
الرابع تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة و النقصان

الرابع:تعيين الأجل المشترط بما يرفع احتمال الزيادة فيه و النقصان عند المتعاقدين،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في نهج الحق و الغنية (1)(2)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى النبوي العام (3)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (4)المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة.

و أخصّية موارد الأخيرة بعدم القائل بالفرق مدفوعة.

الخامس أن يكون وجوده غالباً حين حلوله

الخامس:أن يكون وجوده أي المسلم فيه غالباً حين حلوله بحلول أجله المشترط فيه في البلد الذي شرط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق،على أحد الأقوال الظاهر من الماتن هنا،حيث لم يذكر اشتراط ذكر محلّ التسليم،و هو ظاهر في الصحة بدونه،و إلّا لاشترطه،أو فيما قارب البلدين بحيث ينقل إليه عادةً،و لا يكفي وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلّا نادراً،كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجّلاً،و لا فيما بينهما.

و اعتبار غلبة الوجود فيه عند الحلول هو المشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يعرف لهم مخالف في ذلك،إلّا ما ربما يتوهّم من عبارتي القواعد و الدروس،حيث بدّل الغلبة بالإمكان في الأوّل،و بالقدرة على التسليم في الثاني (5).

و هما و إن أورثا التوهّم في بادئ النظر،إلّا أنّ التدبّر في كلامهما

ص:126


1- نهج الحق:487،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- و عن الخلاف(3:197)و التذكرة(1:548).(منه رحمه الله).
3- المتقدم في ص:123.
4- انظر الوسائل 18:288 أبواب السلف ب 3.
5- القواعد 1:137،الدروس 3:256.

يقتضي المصير إلى التأويل فيهما،بحملهما على ما ذكره بعض الأصحاب (1):من أنّ المراد بإمكان وجوده و القدرة على تسليمه كونه بحيث يوجد كثيراً عادةً بحيث لا يندر تحصيله،فالمراد إمكان وجوده عادةً،فإنّ الممكن عادةً هو الذي لا يعزّ وجوده.

فقد صرّحا أوّلاً باشتراط عدم الاستقصاء في الأوصاف الموجب لعزّة الوجود و البطلان معه.و ثانياً بما يفصح عن إرادتهما الحمل من الإمكان و ما في معناه صريحاً:

فقال الأوّل:و لو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم كما لو أسلم فيما يعمّ وجُوده و انقطع لحاجة،أو وجد وقت الحُلول عامّاً ثم أخّر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه تخيّر المشتري.إلى آخر كلامه.

و هو كما ترى كالصريح،بل صريح في جعل المعيار في انعقاد السلم هو عموم الوجود،و نحوه كلام آخر له يقرب من هذا في الدلالة عليه.

و قال الثاني:و لو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه كالكثير من الفواكه في البواكير فإن كان وجوده نادراً بطل،و إن أمكن تحصيله لكن بعد مشقّة فالوجه الجواز؛ لإلزامه به مع إمكانه،و يحتمل المنع:لأنّه غرر.

فهو كالصريح في عدم جعل المعيار مجرّد الإمكان بالمعنى المتوهّم، بل جعله إيّاه بالمعنى المتقدّم،فنسبة الخلاف إليهما في المسألة ليست بجيّدة.

و من عبارة الدروس يظهر نوع إيماء إلى وجه اشتراط هذا الشرط،

ص:127


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:236.

و يفصح عنه صريحاً ما مرّ في توجيه البطلان مع الاستقصاء في الأوصاف المنجرّ إلى عزّة الوجود.و هو و إن احتاج الاستناد إليه لذلك إلى نوع تأمل إلّا أنّه صالح لاعتضاد عدم الخلاف الذي هو الحجة في المقام،و ليس في شيء من النصوص ما يخالف ذلك،كما يظهر بالتأمّل فيها و التدبّر.

ثم إنّ الوجود عند الأجل بأي معنى اعتبر أعمّ من التجدّد فيه بعد عدمه في زمن العقد،و إليه أشار بقوله: و لو كان معدوماً وقت العقد و ما بينهما،أو وجوده فيه إلى الأجل.

الثاني في أحكامه و هي مسائل

اشارة

الثاني:في أحكامه،و هي مسائل:

الاُولى لا يجوز بيع السلم قبل حلوله

الاُولى:لا يجوز بيع السلم قبل حلوله بحلول الأجل مطلقاً، على من هو عليه كان أو غيره،حالّا أو مؤجّلاً،بلا خلاف يظهر،إلّا من بعض من ندر ممّن تأخّر (1)،فجوّزه مطلقاً؛ التفاتاً إلى أنّه حق مالي فيجوز بيعه.و لا ينافيه عدم استحقاق المشتري الأوّل له؛ لتعلّق عدم الاستحقاق بالمطالبة دون الملكيّة،فإنّها حاصلة و إن لم يجز له قبل الأجل المطالبة.

و القدرة على التسليم المشترطة في صحة المعاملة إنّما هي في الجملة لا حين إجراء عقد المعاملة،و إلّا لما صحّ ابتياع الأعيان الغائبة إلّا بعد حضورها و إمكان القدرة على تسليمها حين المعاملة،و هو فاسد بالإجماع و الضرورة.

و ربما يضعّف بابتنائه على حصول الملكيّة.

و المناقشة فيه واضحة؛ إذ هي فرع الانتقال،و هو مشروط بانقضاء المدّة،و ليس،كما هو مفروض المسألة.

ص:128


1- الحدائق 20:45.

و منه يظهر أنّ صرف الاستحقاق المنفي إلى المطالبة خاصّة دون الملكيّة فاسد بالبديهة بعد ما ظهر من اشتراطها بانقضاء المدّة المشترطة في الانتقال حين المعاملة،فما لم يتحقّق كما هو المفروض لم تحصل الملكيّة.و فيه نظر.

إلّا أنّ ظاهر الغنية و التنقيح و المحقق الثاني في شرح الإرشاد كالفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (1)انعقاد الإجماع على الحكم على الإطلاق المستفاد من العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و يجوز بيعه بعده و بعد القبض بالضرورة و كذا إن لم يقبضه مطلقاً،و لو بمجانس الثمن،ربويين كانا أو غيره،على الأظهر الأشهر بين الطائفة إذا لم يكن بين الثمنين الربويين مع التجانس تفاوت بزيادة و لا نقيصة؛ للأصل،و العمومات،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.و مواردها و إن اختصّت بالبيع على من هو عليه،إلّا أنّه لا قائل بالفرق بين الطائفة.

خلافاً للتهذيب (2)،فمنع من البيع بالدراهم إذا كان الثمن الأوّل كذلك؛ للخبر:عن الرجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟قال:« إذا قوّمه دراهم فسد،لأنّ الأصل الذي اشترى به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم» (3).

ص:129


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،التنقيح الرائع 2:145،مجمع الفائدة و البرهان 8:360.
2- التهذيب 7:30.
3- التهذيب 7:129/30،الإستبصار 3:246/74،الوسائل 18:308 أبواب السلف ب 11 ح 12.

و ضعف سنده يمنع من العمل به،مع احتماله ككلام التهذيب الحمل على صورة التفاوت بالزيادة و النقيصة،كما فهمه منه الجماعة،و لذا لم ينسبوا إليه القول الأوّل بالمرّة،بل نسبوه إلى هذا القول،و له فيه موافق كثير من الطائفة كالإسكافي و العماني و القاضي و ابن زهرة و الحلبي و ابن حمزة (1)،و ادّعى في الدروس أنّه مذهب الأكثر (2)،و عن الحلبي دعوى الإجماع عليه،و هي ظاهر الغنية،و اختاره جمع ممّن تأخر (3)؛ لكثير من تلك الصحاح،و هي مستفيضة،منها فيمن أعطى رجلاً ورقاً بوصيف إلى أجل مسمى،فقال له صاحبه:بعد لا أجد وصيفاً،خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقاً،قال:« لا يأخذ إلّا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أوّل مرّة لا يزداد عليه شيئاً (4).

و منها:« من اشترى طعاماً أو علفاً..فإن لم يجد شرطه و أخذ ورقاً لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلّا رأس ماله لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ [1] » (5).

و منها:عن الرجل يسلف في الحنطة و التمر بمائة درهم،فيأتي

ص:130


1- حكاه عن الإسكافي و العماني و القاضي في المختلف:365،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،الحلبي في الكافي:358،ابن حمزة في الوسيلة:251.
2- الدروس 3:258.
3- منهم:العلّامة في التحرير 1:196،و الشهيد الثاني في الروضة 3:421،و صاحب الحدائق 20:36.
4- الكافي 5:2/220،التهذيب 7:133/32،الإستبصار 3:249/75،الوسائل 18:307 أبواب السلف ب 11 ح 9؛ بتفاوت يسير.
5- التهذيب 7:134/32،الإستبصار 3:250/75،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 15.

صاحبه حين يحلّ الذي له،فيقول:و اللّه ما عندي إلّا نصف الذي لك، فخذ منّي إن شئت بنصف الذي لك حنطة و بنصفه ورقاً،فقال:« لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه» (1).

و منها:عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك إلى أجل مسمّى،قال:« لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها و يأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم،و يأخذون دون شروطهم،و لا يأخذون فوق شروطهم» قال:

« و الأكسية أيضاً مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم» (2).

خلافاً للمفيد و الحلّيين و كثير من المتأخّرين (3)،حتى ادّعى جماعة (4)منهم عليه الشهرة؛ للأصل،و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة سوى الصحاح المتقدّمة،و هي غير صريحة الدلالة على وقوع المعاملة الثانية،فيحتمل ورودها في الفسخ خاصّة.و لا ريب في المنع عن الزيادة حينئذٍ مع التجانس و الكيل و الوزن كما هو مفروض المسألة؛ لأنّها ربا محض،منعت عنه الشريعة،و ذلك فإن بالفسخ يستحق المسلم ثمنه خاصّة فلا يجوز له حينئذٍ أخذ الزيادة،و لا كذلك مع عدم الفسخ و إبقاء المعاملة،فإنّ ما يستحقه في هذه الصورة هو المسلم فيه دون الثمن الأوّل،

ص:131


1- التهذيب 7:135/32،الإستبصار 3:251/75،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 16.
2- الكافي 5:8/221،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:596،ابن إدريس في السرائر 2:311،العلّامة في المختلف:364،المحقق في الشرائع 2:65،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:361،صاحب الحدائق 20:43.
4- منهم:السبزواري في الكفاية:102،و صاحب الحدائق 20:40.

فله أن يبيعه بأضعاف الثمن الذي دفعه،و لا موجب للربا فيها بالمرّة.هذا.

مضافاً إلى إطلاق كثير من المعتبرة،منها المرسل كالموثق:في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول:ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه،قال:« لا بأس بذلك» (1).

و الخبر:الرجل يسلفني في الطعام فيجيء الوقت و ليس عندي طعام، أُعطيه بقيمته دراهم؟قال:« نعم» (2).

و المسألة محلّ تردّد،و إن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ للإجماعات المحكية و ظهور الصحاح سيّما الأوّل منها في المعاملة الثانية،و لو سلّم عدمه فإطلاقها بل عمومها يشملها أيضاً بالضرورة،سيّما مع التعليل في بعضها بقوله « لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ» [1] الذي هو كالنص في العموم،و هي بالنظر إلى الأصل و العمومات خاصّة،فلتقدّم.

و النصوص المعارضة قاصرة السند،ضعيفة الدلالة؛ لاحتمالها الحمل على صورة عدم الزيادة أو عدم المجانسة،و لا ريب في الجواز فيهما فتوًى و روايةً،ففي الصحيح عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ و رقيقاً و متاعاً،يحل له أن يأخذ من عروضه ذلك بطعامه؟قال:« نعم،يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً» (3).

ص:132


1- الكافي 5:6/185،التهذيب 7:127/30،الإستبصار 3:252/75،الوسائل 18:305 أبواب السلف ب 11 ح 5.
2- الكافي 5:12/187،التهذيب 7:128/30،الإستبصار 3:253/75،الوسائل 18:306 أبواب السلف ب 11 ح 8.
3- الكافي 5:7/186،التهذيب 7:130/31،الإستبصار 3:254/76،الوسائل 18:305 أبواب السلف ب 11 ح 6.

و صريحة كالصحاح المتقدّمة و غيرها جواز بيع الطعام على من هو عليه قبل القبض من دون كراهة.

خلافاً لظاهر الماتن،فخصّ الحكم بالجواز من دونها بما عداه لقوله: على كراهية في الطعام على من هو عليه و هو المسلم إليه و على غيره و هو ظاهر الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة،إلّا أنّه أبدل الكراهة بالحرمة (1)،و لعلّهما نظرا إلى ما تقدّم في بيعه قبل قبضه من إطلاق النصوص المانعة.

و يدفعه أنّ هذه النصوص خاصّة مقدّمة على تلك،لكن في مواردها و هو البيع ممّن هو عليه خاصّة.

و لكن الكراهة على الإطلاق غير بعيدة بناءً على المسامحة في أدلّتها فتكفي فيها بشبهة الخلاف،و الإجماع المدّعى،و الإطلاق الذي مضى.

و كما يجوز بيعه مطلقاً و لو مرابحة و كان كلّ من الثمنين ربويا كذا يجوز بيع بعضه كذلك،و صرّح بجوازه في الجملة بعض الصحاح المتقدّمة،و هي متّفقة الدلالة على جواز توليته و تولية بعضه بمعنى بيعهما برأس المال،و لا فائدة لذكرهما إلّا التنبيه على عموم الجواز في بيع الجميع و البعض المذكور سابقاً لصورتي المرابحة و المواضعة مطلقاً؛ دفعاً للقولين المتقدّمين من المنع عن البيع بمجانس الثمن الأوّل مع ربويّتهما إمّا مطلقاً،كما في أحدهما،أو في صورة تفاوتهما بالزيادة و النقيصة كما في الثاني.

و كذا حكم بيع الدين فلا يجوز قبل الأجل مطلقاً،و يجوز بعده كذلك،بلا خلاف في الأخير إلّا في البيع على غير من هو عليه،

ص:133


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589.

فمنعه الحلّي مدّعياً الإجماع عليه (1).و الأظهر الأشهر خلافه؛ للأصل، و العمومات السليمة عن المعارض سوى الإجماع المحكي،و هو بعد اشتهار خلافه عن التخصيص قاصر.

و أمّا الأوّل ففيه خلاف،فبين مصرّح بالمنع،كالشهيد في الدروس (2)،و هو ظاهر الإرشاد (3)و المتن،لظاهر التشبيه.

و مصرّح بالجواز،كما في الروضة و عن التذكرة (4)،و هو ظاهر المختلف و اللمعة و جماعة (5).

و مستند القولين قد مرّ،و ضعف الثاني منهما قد ظهر،لكن في جريان وجه الضعف هنا مطلقا نظر ينشأ من ابتنائه ثمّة إمّا على الإجماع الظاهر المحكي،و هو مفقود هنا،أو على عدم انتقال السلم حين العقد المستلزم لعدم الملكيّة للبائع.

و منه ينقدح فساد المعاملة قبل حلول الأجل،و لا كذلك مطلق الدين؛ لحصول الملكيّة بمجرّد السبب في بعض أفراده،و غاية الأمر توقّف المطالبة على انقضاء الأجل،كما في مهر الزوجة و القرض المشترط فيهما الأجل اللازم.

و لعلّه لذا أفتى الأصحاب من غير خلاف يعرف بالمنع في السلف، و اختلفوا في المسألة،و صار إلى الجواز فيها الجماعة المزبورة التي يمكن

ص:134


1- السرائر 2:55.
2- الدروس 3:313.
3- الإرشاد 1:391.
4- الروضة 4:19،التذكرة 2:3.
5- المختلف:411،اللمعة(الروضة البهية 4):19؛ و انظر المسالك 1:217،و الكفاية:104.

أن يطلق عليهم بالإضافة إلى المخالف الشهرة.

و يحتمل إرجاع التشبيه في العبارة إلى ما يوافق هؤلاء الجماعة،بأن يراد منه التشبيه للسلف في أصل جواز البيع لا مطلقا.

و حيث جاز فإن باعه بما هو حاضر مشخّص بنحو الإشارة صحّ بلا خلاف و لا ريبة؛ للأصل،و العمومات التي هي عن المعارض سليمة.

و كذا صحّ إن باعه بمضمون حالّ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق فيه بين ما لو كان مؤجّلاً ثم حلّ الأجل،أو كان غير مؤجّل في الأصل،كما إذا بيع بدينار كلّي غير مستقرّ في ذمّة قبل البيع.و لا إشكال فيه؛ لما مرّ،مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي.

و يشكل في الأوّل إن لم يكن إجماع،كما هو ظاهر الروضة (1)، حيث جعل الجواز أقوى.و هو مشعر بل ظاهر في وقوع الخلاف،و وجهه قوّة احتمال صدق الدين عليه،بناءً على تضمّنه الأجل و لو في الزمان السابق على العقد،فيلزم حينئذٍ بيع الدين بالدين.

و وجه الجواز إمّا الشك في الصدق،أو لزوم الاقتصار في المنع عن بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محلّ الوفاق،و ليس منه محلّ الفرض،لوقوع الخلاف.و الخبر المانع عنه و إن كان عامّاً إلّا أنّه قاصر سنداً يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الإجماع.

و ربما يوجّه باختصاص الدين بالمؤجّل،كما في كلام الأصحاب

ص:135


1- الروضة 4:20.

و جماعة من أهل اللغة (1)،و محلّ الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك.

و فيه نظر؛ إذ لا يبعد أن يكون المراد من اعتبار الأجل فيه اعتباره حين ثبوته،بمعنى أنّ الدين ما يضرب فيه الأجل أوّل مرّة،و لا ينافيه خلوّه عنه في ثاني الحال،و لذا أنّ الأصحاب يطلقون على الدين بعد حلول أجله لفظه إطلاقاً حقيقيّا،و هو المتداول عرفاً،و لا يصلح السلب عنه فيه حينئذٍ جدّاً.

و كيف كان فالمنع أقوى.

و يحتمل أن يراد بالمضمون الحالّ في العبارة و غيرها هو المعنى الثاني،و لعلّه الظاهر،فلا خلاف فيه.

و لو شرط تأجيل الثمن قيل:يحرم كما عن الحلّي (2)و تبعه كثير (3) لأنّه بيع دين بدين منهيّ عنه بالنص و الإجماع.

و فيه نظر؛ لأنّ الدين الممنوع عن بيعه بمثله ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به،و المضمون عند العقد ليس بدين و إنّما يصير ديناً بعده،فلم يتحقق بيع الدين به،و لأنه يلزم مثله في بيعه بحالّ، و لم يلتزموه،و الفرق غير واضح.

و دعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع،أو بعده فمشترك بين الحالّ المؤجّل،فيلزم أن لا يصحّ بحال كما مر.

و إطلاقهم له عليه عرفاً إذا بيع به فيقولون:باع فلان ماله بالدين،مجاز

ص:136


1- القاموس 4:226،الصحاح 5:2117.
2- السرائر 2:56.
3- كالعلّامة في المختلف:410،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:360،و صاحب الحدائق 20:47.

يقصد به أنّ الثمن بقي في ذمّته ديناً بعد البيع،و لو اعتبر مثل هذا الإطلاق جاء مثله في الحالّ إذا لم يقبضه،خصوصاً إذا أمهله به من غير تأجيل، فتأمّل.

و لذا قيل:يكره كما عن النهاية (1) و هو الأشبه بالأصل السليم عن المعارض كما ظهر،و هو خيرة الشهيد الثاني (2).

هذا إذا كان الثمن ديناً بالعقد،كما هو فرض المتن و الأصحاب.

و أمّا لو باع ديناً في ذمّة زيد بدين آخر له في ذمّته،أو في ذمة ثالث،أو ديناً في ذمّة زيد بدين للمشتري في ذمّة عمرو لم يجز قولاً واحداً،كما في المهذّب و غيره (3) لأنّه بيع دين بدين بلا إشكال.

و الأصل فيه بعد الإجماع النبوي العامي المانع عن بيع الكالي بالكالي (4)،و الخاصّي:« لا يباع الدين بالدين» (5).

قال في القاموس:الدين ماله أجل،و ما لا أجل له فقرض (6)، و الكالي و الكُلْأة بالضم النسيئة (7).و نحوه في الأوّل المحكي عن النهاية الأثيرية و الغريبين (8)،و هو ظاهر الأصحاب أيضاً،و ربما يحكى عن بعض

ص:137


1- النهاية:310.
2- المسالك 1:217.
3- المهذب البارع 2:476،انظر المسالك 1:217،و الحدائق 20:48.
4- مستدرك الحاكم 2:57،الجامع الصغير(للسيوطي)2:9470/698.
5- الكافي 5:1/100،التهذيب 6:400/189،الوسائل 18:298 أبواب السلف ب 8 ح 2.
6- القاموس المحيط 4:226.
7- القاموس المحيط 1:27.
8- حكاه عنهم صاحب الحدائق 20:48.

أهل اللغة أنّه القرض (1).و هو ضعيف.

الثانية إذا دفع دون الصفة و رضي المسلم صحّ

الثانية:إذا دفع المسلم إليه المسلم فيه دون الصفة أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله،و إن كان أجود من وجه آخر؛ لأنّه ليس نفس حقّه،مع تضرّره به.

و لو رضي المسلم بذلك صحّ و لو كان ذلك لأجل التعجيل،بلا خلاف،بل في الغنية الإجماع عليه (2)؛ لأنّه أسقط حقّه من الزائد برضاه،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:

عن الرجل يسلم في وُصَفاء بأسنان معلومة و لون معلوم،ثم يعطى دون شرطه أو فوقه،فقال:« إذا كان من طيبة نفس منك و منه فلا بأس» (3).

و في الثاني و الثالث:« و يأخذون دون شرطهم و لا يأخذون فوق شروطهم» (4).

و منها:أ رأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شيء معلوم من الرقيق، فأعطاه دون شرطه أو فوقه بطيبة النفس منهم،قال:« لا بأس» (5).

و نحوه ما لو رضي بغير الجنس.

و لو دفع المسلم فيه بالصفة وجب القبول أو إبراء المسلم إليه

ص:138


1- المصباح المنير:205.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- الكافي 5:7/221،التهذيب 7:200/46،الوسائل 18:299 أبواب السلف ب 9 ح 1.
4- الكافي 5:8/221،9،الفقيه 3:236/167،التهذيب 7:132/32،الإستبصار 3:248/74،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.
5- الكافي 5:1/220،الفقيه 3:733/166،التهذيب 7:177/42،الوسائل 18:299 أبواب السلف ب 9 ح 2.

بعد حلول الأجل،و لو امتنع قَبَضَه الحاكم مع الإمكان،و إلّا فيخلّي بينه و بينه و يبرأ بمجرّده على الظاهر.

و كذا يجب القبول أو الإبراء بعد الحلول لو دفع إليه فوق الصفة في المشهور بين الأصحاب؛ قيل:لأنّه خير و إحسان،فالامتناع منه عناد،و لأنّ الجودة صفة لا يمكن فصلها،فهي تابعة (1) و لا كذلك لو دفع أكثر قدراً يمكن فصله و لو في ثوب.

و فيهما نظر،فالأوّل:بعدم دليل على وجوب قبول الإحسان، و لا يلزم أن يكون الامتناع منه عناداً،بل هو مطالبة لحقّه المشترط، و المؤمنون عند شروطهم؛ مضافاً إلى اختلاف الأغراض،فقد يتعلّق بخصوص المشترط دون الزائد،كما يتّفق في كثير من الأحيان.هذا مضافاً إلى التأيّد بمفهوم الصحيح المتقدّم [عن رجل يسلف في وصف أسنان معلومة و لون معلوم ثم يعطى فوق شرطه فقال إذا كان على طيبة نفس منك و منه فلا بأس] .و الثاني:بأن عدم إمكان الفصل و تابعيّة الوصف لا يوجب على المسلم قبول ذلك المدفوع مع إمكان العدول عنه إلى الغير،و لعلّه لذا حكي عن الإسكافي (2)القول بعدم وجوب القبول كما قالوا به بلا خلاف في دفع الأكثر بحسب المقدار.و هو كما ترى في غاية القوّة و إن كان الأحوط للمسلم القبول.

الثالثة إذا تعذّر عند الحلول،أو انقطع فطالب كان مخيّراً بين الفسخ و بين الصبر

الثالثة:إذا تعذّر المسلم فيه عند الحلول،أو انقطع حيث يكون مؤجّلاً ممكن الحصول بعد الأجل عادةً فاتّفق عدمه ابتداءً أو بعد وجوده فطالب المسلم البائع إيّاه كان مخيّراً بين الفسخ و استرداد الثمن أو مثله و بين الصبر إلى وجوده و لم ينفسخ العقد.بلا خلاف

ص:139


1- الروضة 3:422.
2- كما في المختلف:367.

في الأخير؛ لأنّ تناول الدفع لهذه السنة لقضيّة الأجل،و مورد العقد إنّما هو الذمّة.

و على الأظهر الأشهر في الأول،بل عليه عامّة من تأخّر،و ربما أشعر عبارة المختلف و الدروس (1)بالإجماع عليه،بل ربما كانت الاُولى ظاهرة في انعقاده؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي هي بين صريحة في ذلك، كالموثّق:عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار،فذهب زمانها و لم يستوف سلفه،قال:« فليأخذ رأس ماله أو لينظره» (2).

و ظاهرة فيه،كالصحاح المتقدّمة في بيع السلف بعد حلول الأجل (3)،كذا قيل (4).

و فيه نظر يظهر وجهه ممّا ثَمَّ قد مرّ،و لعلّها صالحة للتأييد و إن كان بعضها ظاهراً في البيع.

و منه زيادة على ما مرّ يظهر أنّ له أن لا يفسخ و لا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذٍ.

و خلاف الحلّي بعدم الخيار (5)شاذّ لا يلتفت إليه في المضمار.

و ليس هذا الخيار فورياً؛ للأصل السالم عن المعارض،فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين المخيّر بينهما ما لم يصرّح بإسقاط الخيار،

ص:140


1- المختلف:366،الدروس 3:257.
2- الفقيه 3:728/165،التهذيب 7:131/31،الإستبصار 3:247/74،الوسائل 18:309 أبواب السلف ب 11 ح 14.
3- في ص:131.
4- الروضة البهية 3:421.
5- السرائر 2:317.

و يسقط معه،كما في الدروس و الروضة (1).

و لو كان أحد موجبي الخيار من التعذّر و الانقطاع بعد بذله له و رضاه بالتأخير سقط خياره؛ لمجيء التقصير من قبله.و لا ينافيه إطلاق النص المتقدّم؛ لعدم شموله في الظاهر لمحلّ الفرض،و لا كذلك لو كان بعدم المطالبة أو بمنع البائع مع إمكانه.

و في حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل و قبل وجوده؛ نظراً إلى أنّه دين فيشمله عموم ما دلّ على حلول ما على الميت من الدين بالموت.و لا كذلك العلم قبل الأجل بعدم المسلم فيه بعده،بل يتوقّف الخيار على الحلول؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على مورد النص و الإجماع،و التفاتاً إلى عدم وجود المقتضي له الآن؛ إذ لم يستحق حينئذٍ شيئاً.

و لو قبض البعض و تأخّر الباقي تخيّر أيضاً بين الصبر و الفسخ في الجميع،و الفسخ في الباقي؛ التفاتاً في الأوّل:إلى ضرر تبعّض الصفقة.

و في الثاني:إلى المعتبرة،منها الصحيحان،في أحدهما:أ رأيت إن أوفاني بعضاً و عجز عن بعض،أ يجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟قال:

« نعم،ما أحسن ذلك» (2).

و في الثاني:« لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم» (3).

ص:141


1- الدروس 3:257،الروضة 3:423.
2- الكافي 5:3/185،التهذيب 7:122/28،الوسائل 18:304 أبواب السلف ب 11 ح 2.
3- الكافي 5:8/221،9،الفقيه 3:236/167،التهذيب 7:132/32،الإستبصار 3:248/74،الوسائل 18:303 أبواب السلف ب 11 ح 1.

و في تخيّر المسلم إليه مع الفسخ في البعض وجه قوي؛ لتبعّض الصفقة عليه،إلّا أن يكون التأخير من تقصيرة فلا خيار له.

الرابعة إذا دفع من غير الجنس و رضي الغريم و لم يساعره احتسب بقيمته يوم الإقباض

الرابعة:إذا دفع المديون إلى المدين من غير الجنس الذي استدانه على أنّه قضاء منه و رضي الغريم به و لم يساعره وقت الدفع احتسب بقيمته يوم الإقباض مطلقاً،سلفاً كان الدين أم لا،كان المدفوع عروضاً أم غيرها،بلا خلاف،بل عليه الوفاق في المسالك و الكفاية و غيرهما (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحتان المكاتبتان المروية إحداهما في التهذيب:في رجل كان له على رجل مال،فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً،و لم يقاطعه على السعر،فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام و الزعفران و القطن أو نقص،بأي السعرين يحسبه؟هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه و حلّ ماله عليه،أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة يوم حاسبه؟فوقّع عليه السلام:« ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع الطعام إن شاء اللّه تعالى» (2)الخبر.

و نحوها الثانية المروية عن الكافي (3).

و منها الموثقات،في أحدها:عن الرجل يكون لي عليه المال فيعطيني بعضاً دنانير و بعضاً دراهم،فإذا جاء يحاسبني ليوفيني يكون قد تغيّر سعر الدنانير،أيّ السعرين أحسب له،الذي يوم أعطاني الدنانير،أو سعر يومي الذي أُحاسبه؟فقال:« سعر يوم أعطاك الدنانير،لأنّك حبست

ص:142


1- المسالك 1:217،الكفاية:96؛ و انظر التنقيح الرائع 2:149.
2- التهذيب 6:432/196،الوسائل 18:85 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 5.
3- الكافي 5:3/181،الوسائل 18:84 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 4.

عنه منفعتها» (1).و نحوه الآخران (2).

و الخبران،في أحدهما:في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه،فتغيّر الدنانير بزيادة أو نقصان،قال:« له سعر يوم أعطاه» (3).

و علل مع ذلك بأنّ جعل المدفوع قضاءً يقتضي كونه من جنس الدين،فلمّا لم يكن عند الدفع الذي هو وقت القضاء من جنسه فلا بدّ من احتسابه على وجه يصير من الجنس،و ذلك باعتبار قيمته يومئذ،سواءً كان مثليّا أو قيمياً.

الخامسة عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم

الخامسة:عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم غير موجب للجهالة فلا يبطل باشتراط بيع فيه أو هبة شيء أو عمل محلّل، أو صنعة كأن يقول:أسلمت إليك هذه العشرة الدراهم في خمسين منّاً من تمر إلى مدّة كذا بشرط أن تبيع منّي أو توهب لي هذا الكتاب مثلاً،أو تعلّمني الصنعة الفلانية،و نحو ذلك ممّا يصحّ اشتراطه.

للأصل،و العمومات السليمة عن المعارض عدا رواية (4)قاصرة السند،مجملة الدلالة،من حيث تضمّنها النهي عن سلف و بيع و عن بيعين

ص:143


1- الكافي 5:16/248،الفقيه 3:835/185،التهذيب 7:458/107،الوسائل 18:183 أبواب الصرف ب 9 ح 2.
2- الفقيه 3:829/184،التهذيب 7:459/107،460،الوسائل 18:184 أبواب الصرف ب 9 ح 3،4.
3- الأول:التهذيب 7:461/108،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 9 ح 5.الثاني:الكافي 5:3/245،التهذيب 7:457/106،الوسائل 18:183 أبواب الصرف ب 9 ح 1.
4- التهذيب 7:1005/230،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

في بيع واحد،فلعلّ المراد به ما قيل في تفسيره:من أنّ المراد أن يقول:

بعتك منّاً من طعام حالّا بعشرة و سلفاً بخمسة،و وجه المنع عنه حينئذٍ ظاهر على الأصح الأشهر.

و قد مرّ الكلام فيه في بيع شيئين بثمنين مختلفين إلى أجلين (1)،و قد مرّ الكلام في نظير المسألة في بحث جواز الجمع بين أُمور مختلفة في صيغة واحدة (2).

و هنا مسألتان:

الاُولى: لو أسلف في غنم و شرط أصواف نعجات بعينها كأن يقول:أسلمت إليك هذه المائة في عشرين شاة مؤجّلاً إلى كذا بشرط أن تعطيني أصواف هذه النعجات بعينها قيل: كما عن الشيخ و الفاضل (3) يصحّ للأصل،و ما سيأتي من ضعف دليل المانع.

و الأشبه عند الماتن وفاقاً للحلّي (4) المنع عن الصحة؛ لأنّ السلم في المشاهد لا يجوز،لأنّه بيع مضمون و من شرط صحته الأجل، و أن بيع الصوف على ظهر الغنم لا يجوز للجهالة و يضعّف الأوّل:بأنّه يجوز السلم حالّا إذا كان من قصدهما الحلول بقول:أسلمت إليك مثلاً،فيكون قد تجوّز باستعمال لفظ« أسلمت» مكان « بعت» و لأنّ السلم قسم من أقسام البيع،و كما يجوز استعمال« بعت» في السلم فليجز استعمال« أسلمت» في البيع،لعدم الفارق.

ص:144


1- راجع ج 8 ص 330.
2- راجع ج 8 ص 378.
3- الشيخ في النهاية:399،العلّامة في المختلف:366،و التحرير 1:197،و القواعد 1:137.
4- انظر السرائر 2:316.

و فيه نظر.و الأولى الجواب عنه بأن اشتراطها ليس سلماً فيها،بل شرط فيه خارج عنه،و هو جائز كباقي الشروط الجائزة بحكم ما تقدّم في صدر المسألة،و لعلّه لذا اقتصر الماتن في التعليل على الثاني خاصّة.

و الثاني:بمنع المنع عن بيع الصوف على الظهر،بل هو جائز.

و في المهذب:أنّ موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن يجزّ حالّا،فلو عيّنها و شرط تأجيل الجزّ إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في الذمة غير مشاهدة لم يصحّ قولاً واحداً (1).

و الثانية:لا يجوز استناد السلف إلى معيّن؛ لأنّه ابتياع مضمون كلّي في الذمة غير مشخص إلّا بقبض المشتري.

و يتفرّع عليه أنّه لو شرط ثوباً من غزل امرأة معيّنة أو غلّة من قراح أي مزرعة بعينه لم يضمن و لا يصحّ؛ لأنّ تشخيص المسلم فيه بأحد الأُمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف،كما مرّت إليه الإشارة.

نعم،لو استند إلى معيّن قابل للإشاعة و لا يفضي التعسّر فيه إلى عسر التسليم عادةً جاز،كما لو أسلف على مائة رطل من تمر البصرة،فإن ذلك يجري مجرى الصفات المشترطة في السلف في الحدارة و الصراية،و عليه يحمل الخبران،أحدهما الصحيح:عن رجل اشترى طعام قرية بعينها، فقال:« لا بأس،إن خرج فهو له،و إن لم يخرج كان ديناً عليه» (2).

و ثانيهما:في الرجل يشترى طعام قرية بعينها:« و إن لم يسمّ له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء» (3).

ص:145


1- المهذب البارع 2:478.
2- الفقيه 3:574/132،التهذيب 7:162/39،الوسائل 18:313 أبواب السلف ب 13 ح 1.
3- الكافي 5:11/186،التهذيب 7:163/39،الوسائل 18:314 أبواب السلف ب 13 ح 3.

النظر الثالث في لواحقه

اشارة

النظر الثالث:في لواحقه،و هي قسمان:

الأوّل في دين المملوك

الأوّل:في دين المملوك،و اعلم أنّه لا خلاف حتى ممن قال بمالكيّته أنّه ليس له ذلك أي أخذ الدين مطلقاً،و لو لمولاه؛ لمحجوريّته بالنصّ و الإجماع المانعين عن مطلق تصرّفاته.

إلّا مع الإذن،فلو بادر إلى الاستدانة من دون إذن من المولى بالمرّة لزم في ذمّته،و يتبع به إذا أُعتق،و لا يلزم المولى شيء، بلا خلاف فيه؛ للأصل،و الصحيح:« إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شيء على المولى،و يستسعي العبد في الدين» (1).

و قريب منه ظاهر الموثق:عن مملوك يشتري و يبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه،قال:« يستسعى فيما عليه» (2).

و ظاهرهما أنّه يتبع به في حال الرقّ بالاستسعاء،و به أفتى ظاهراً بعض الأصحاب (3)تبعاً للفاضل في المختلف (4).

و يشكل برجوعه إلى ضمان المولى في الجملة،فإنّ كسبه له بالضرورة.

و يمكن دفعه بجواز التزامه في صورة علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها الراجع إلى الإذن بالفحوى،كما هو ظاهر الموثّقة و الصحيحة،

ص:146


1- الكافي 5:3/303،التهذيب 6:445/200،الإستبصار 3:31/11،الوسائل 18:373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 1.
2- التهذيب 6:446/200،الإستبصار 3:32/12،الوسائل 18:376 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 6.
3- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:135.
4- المختلف:414.

و إن كانت بالإضافة إلى إذن الفحوى مطلقة أو عامّة،إلّا أنّها محتملة للتقييد بالصورة المزبورة،جمعاً بين الأدلّة.

و يفرق حينئذٍ بين الإذن الصريح و الفحوى،باستلزام الأوّل الضمان على السيد مطلقاً،حتى مع عجز المملوك عن السعي أصلاً،و اختصاص الضمان عليه بصورة قدرة العبد على السعي،و عدمه مطلقاً مع العجز على الثاني.

و في الصحيح:في الرجل يستأجر مملوكاً فيستهلك مالاً كثيراً،فقال:

« ليس على مولاه شيء و ليس لهم ان يبيعوه،و لكن يستسعي،و إن عجز عنه فليس على مولاه شيء و لا على العبد شيء» (1).

و نحوه الخبر (2)،لكن بتبديل« عجز عنه» ب« حجر عليه مولاه» .و عليه يمكن حمل الخبرين الآمرين بالسعي على صورة رضاء السيد و إلّا فيتبع به بعد العتق.و هو غير بعيد لو لم يكن في السند قصور و في المتن تصحيف،هذا.

و ربما يحمل الاستسعاء على ما بعد العتق،فيندفع الإشكال،و لكن يلزم آخر و هو عدم استسعاء الحرّ فيما عليه،إلّا أن يكون هذا مستثنى، لكنّه فرع ظهور الخبرين في الحمل،و هو محلّ نظر،بل لعلّهما في الاحتمال الأوّل ظاهران،كما لا يخفى.

و لو أذن له المولى في الاستدانة لزمه الدين دون المملوك بلا خلاف فيما لو كانت للمولى مطلقاً،أو للعبد و كانت لما يتعلّق بنفقته اللازمة على مولاه،و قد حكي في المختلف و المهذب و الروضة و غيرها (3).

ص:147


1- التهذيب 6:1144/385،الوسائل 19:114 أبواب أحكام الإجارة ب 11 ح 3.
2- التهذيب 7:1000/229،الوسائل 18:374 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 4.
3- المختلف:414،المهذب البارع 2:479،الروضة 4:45؛ و انظر الحدائق 20:217.

و كذا إن استبقاه أو باعه يلزم المولى مطلقاً،و لو كانت للعبد في غير ما يتعلق بنفقته،بلا خلاف،كما قيل (1)،بل عليه الإجماع في المهذب (2)؛ للخبرين،في أحدهما:عن غلام كنت أذنت له في الشراء و البيع،فوقع عليه مال للناس و قد أعطيت به مالاً كثيراً،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:« إن بعته لزمك ما عليه،و إن أعتقته فالمال على الغلام و هو مولاك» (3)و نحوه الثاني (4).

و قصور السند فيهما بالجهالة منجبر في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة،و وجود عثمان بن عيسى الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و هما و إن اختصّا بصورة البيع خاصّة إلّا أن ثبوت الحكم فيها يستلزم الثبوت في الأُولى بطريق أولى،لكن يرد عليهما ما سيأتي الإشارة إليه قريباً إن شاء اللّه تعالى.

فإذاً العمدة في الحجّة هو عدم الخلاف و الإجماع المدّعى.

و أمّا لو أعتقه و كانت الاستدانة للعبد فيما لا يتعلّق بنفقته، بل كانت لغيرها من مصالحة فروايتان إحداهما أنه يسعى في الدين و يؤخذ به،رواها عجلان عن مولانا الصادق عليه السلام:في رجل أعتق عبداً له و عليه دين،قال:« دينه عليه

ص:148


1- قال به البحراني في الحدائق 20:217.
2- المهذب البارع 2:479.
3- التهذيب 6:431/196،الوسائل 18:373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 2.
4- الكافي 5:1/303،التهذيب 6:443/199،الإستبصار 3:29/11،الوسائل 18:374 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 3.

لم يزده العتق إلّا خيراً» (1)و قد عمل بها النهاية و تبعه القاضي و جماعة (2).

و فيها قصور سنداً بالضعف و الجهالة.

مضافاً إلى القصور في الدلالة،لاحتمالها أوّلاً:الحمل على إرادة المولى من الضمير المجرور بعلى الثانية،و ليست نصّاً في دفعه الذيل و التتمّة.

و ثانياً:الحمل على ما إذا لم يقع بإذن المولى الاستدانة.

و به يجاب عن المعتبرين السابقين لو تمسّك بهما في البين،فإنّ الإذن في التجارة فيهما غير ملازم للإذن في الاستدانة جدّاً.

و لعلّ الوجه في تضمين المولى للدين في صورة البيع فيهما هو حيلولته بين أصحاب الدين و بين العبد بالبيع،لا من حيث إنّ المال لازم بأصل الإذن في التجارة و الحال أنّ الإذن لم يحصل في الاستدانة.

و على الوجه يحمل إطلاق النص:في عبدٍ بيع و عليه دين،قال:

« دينه على من أذن له في التجارة و أكل ثمنه» (3)مع احتماله الحمل على صورة الإذن في الاستدانة،و ليس فيه ما ينافيه بالمرّة.

و في الأُخرى: أنّه لا يسقط عن ذمّة المولى،و هي مع كونها أشهر كما هنا و في الشرائع و غيرهما (4)،أصحّ سنداً ظاهراً و فيها:

قلت له:رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين،قال:« إن كان أذن

ص:149


1- التهذيب 8:895/248،الإستبصار 4:64/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 54 ح 1.
2- النهاية:311،نقله عن القاضي في المختلف:414؛ و انظر الكافي في الفقه:331،و المختلف:414.
3- التهذيب 8:897/248،الإستبصار 4:63/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 55 ح 2.
4- الشرائع 2:70؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:135.

له أن يستدين فالدين على مولاه،و إن لم يكن أذن له» إلى آخره،و قد مضى (1).

و عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صور العتق و البيع و الاستبقاء.

و هو و إن احتمل التخصيص بالأخيرتين جمعاً بينه و بين المعتبرين المتقدمين و غيرهما بحمله عليهما،لوقوع تقييد الحكم بهما بالبيع فيهما مع التصريح فيهما بلزوم الدين على العبد في صورة العتق دون المولى.إلّا أنّه ليس بأولى من الجمع بينهما بحمل الخبرين على صورة عدم الإذن في الاستدانة جدّاً.بل هذا من حيث الاعتضاد بالشهرة المحكية في كلام جماعة،بل ربما كانت متحقّقة،مضافاً إلى مخالفة الأوّل للقاعدة الشرعية، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل و إنفاقه على نفسه و تجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى كما لو لم يعتق أولى ثم أولى.

فالعمل بهذه الرواية أقوى،وفاقاً للإستبصار و الحلّي و جماعة من المتأخّرين (2)،سيما مع اعتضاده باستصحاب الحكم بالضمان على المولى الثابت في حال عدم العتق للاستبقاء و جريانه إلى صورته جدّاً.

و لو مات المولى كان الدين أي دين العبد الذي لزم ذمّته في تركته،و لو كان له غرماء كان غريم المملوك كأحدهم لا يقدّم أحدهم على الآخر،بلا خلاف يظهر.

للموثق:عن رجل مات و ترك عليه ديناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً،و في يد العبد مال و متاع و عليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في

ص:150


1- في ص 146 الرقم(1).
2- الاستبصار 3:11،الحلّي في السرائر 2:58؛ و انظر جامع المقاصد 5:204،و الروضة 4:45،و الكفاية:104.

تجارة،و إنّ الورثة و غرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع و في رقبة العبد،فقال:« أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع و المال إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعاً فيكون العبد و ما في يده للورثة،فإن أبوا كان العبد و ما في يده للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من المال،ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص،فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئاً» (1)الحديث.

و في القاصر سنداً بالضعيف و عدّة من المجاهيل جدّاً:الرجل يموت و عليه دين،و قد أذن لعبده في التجارة،و على العبد دين،فقال:« يبدأ بدين السيد» (2).

و هو كما ترى منافٍ لما مضى،فليطرح أو يؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بتعميم دين السيّد لدين عبده،و يجعل صدق الابتداء بالإضافة إلى الإرث و الوصايا.

و يحتمل الحمل على صورة الإذن في التجارة دون الاستدانة، و يخصّ حينئذٍ دين السيد بدين نفسه دون عبده،و يجعل الأمر بأداء دين العبد المفهوم من الأمر بالابتداء بدين السيّد للاستحباب،فلا منافاة.

و لو كان مأذوناً في التجارة خاصّة دون الاستدانة فاستدان لم يلزم المولى دينه مطلقاً،إجماعاً في الظاهر؛ للأصل.

ص:151


1- الكافي 5:2/303،التهذيب 6:444/199،الإستبصار 3:30/11،الوسائل 18:375 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 5.
2- التهذيب 8:896/248،الإستبصار 4:65/20،الوسائل 23:90 أبواب العتق ب 55 ح 1.

و هل يسعى العبد فيه؟ أي في الدين قيل:نعم مطلقاً،كما عن النهاية (1)؛ للصحيحة المتقدّمة (2).

و قيل: كما عن الحلّي و جماعة (3) يتبع به إذا أُعتق كذلك و هو أشبه و أشهر،و في الخلاف الإجماع (4)،و هو مع ذلك أوفق بالأصل.

و يجاب عن الصحيحة بما مرّ من الحمل على علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها،الظاهر في حصول الإذن منه له بالفحوى،و لا كلام فيه جدّاً؛ أو على الاستسعاء برضاء المولى،كما أفصح عنه الخبر الذي مضى؛ أو على تقييد الاستسعاء بما بعد العتق.

و اختار جماعة التفصيل و إن اختلفوا فيه،فبين من أورده على صورتي علم المدين بعدم الإذن في الاستدانة فالثاني،و إلّا فالأوّل،كما عن ابن حمزة (5).

و بين من أورده على صورتي الدين لمتعلّق التجارة فالأول،و لغيره فالثاني،كما عليه الفاضل و المحقق الثاني و جماعة (6).

و لا يخلو عن قوّة إن حصل الإذن بالفحوى في الاستدانة في الصورة الأُولى بمجرّد التعلّق بالتجارة،و إلّا فما في المتن أقوى.

ص:152


1- النهاية:311.
2- في ص:146.
3- الحلي في السرائر 2:58؛ و انظر الشرائع 2:70،و الكفاية:104.
4- الخلاف 3:179.
5- الوسيلة:274.
6- العلّامة في المختلف:414،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:205؛ و انظر الروضة 4:47،و المسالك 1:224.
القسم الثاني في القرض

القسم الثاني:في القرض.

و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم ينشأ من معونة المحتاج تطوّعاً و تقرّباً إليه سبحانه.

ففي النبوي:« من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة» (1).

و النصوص بفضله و ذمّ منعه من المحتاج إليه مستفيضة (2).

و هو أفضل من الصدقة،كما رواه الشيخ و جملة ممن تأخّر عنه في الكتب الفقهية من أن القرض أفضل من الصدقة بمثله من الثواب (3)،و معناه كما فهمه جماعة (4)أنّ ثواب القرض ضعف ثواب الصدقة.

و ربما أشكل الجمع بينه و بين غيره من المعتبرة المروية في الكافي و عن هداية الصدوق و نوادر الراوندي (5):من أنّ الصدقة الواحدة بعشرة و القرض بثمانية عشر،حيث إنّ ظاهر الخبر أنّ درهم الصدقة بعشرة، و درهم القرض بعشرين.

و ربما يدفع بأنّ المفاضلة و المضاعفة إنما هي في الثواب،و لا ريب أنّه إذا تصدّق بدرهم فإنّه إنما يصير عشرة باعتبار ضمّ الدرهم المتصدّق به

ص:153


1- مسند أحمد 2:252،صحيح مسلم 4:38/2074،سنن ابن ماجة 1:225/82؛ بتفاوت يسير.
2- انظر الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6.
3- النهاية:311،السرائر 2:59،التحرير 1:199،التذكرة 2:4.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:20،و الشهيد الثاني في المسالك 1:219،و صاحب الحدائق 20:107.
5- الكافي 4:1/33،الهداية:44،نوادر الراوندي:6.

حيث إنه لا يرجع،و الحاصل من الثواب الذي اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم إنما هو تسعة،و على هذا فثواب القرض و هو ثمانية عشر ضعف التسعة،لأن المفاضلة إنما هي في الثواب المكتسب خاصّة.

قيل:و السرّ في المضاعفة أنّ الصدقة تقع في يد المحتاج و غيره و القرض لا يقع إلّا في يد المحتاج غالباً،و أنّ درهم القرض يعود فيقرض و درهم الصدقة لا يعود (1).و إلى الأوّل أُشير في الخبر المروي عن الهداية:

« و إنّما صار القرض أفضل من الصدقة لأنّ المستقرض لا يستقرض إلّا من حاجة» (2).

ثم إنّ ترتّب الثواب عليه فضلاً عن زيادته على ثواب الصدقة فرع التقرّب به إلى اللّه تعالى،فلو خلا عنه لم يترتّب عليه الثواب فضلاً عن فرعه و هو الزيادة و وجهه واضح.

مضافاً إلى الخبرين المروي أحدهما في الكافي و الثاني عن تفسير علي بن إبراهيم،ففيهما:« الرباء رباءان،أحدهما حلال و الآخر حرام،فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً أن يزيده و يعوّضه أكثر مما يأخذه من غير شرط بينهما..فهو مباح له،و ليس له عند اللّه تعالى ثواب فيما أقرضه،و هو قوله تعالى فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ [1] (3)و أمّا الحرام فالرجل يقرض قرضاً بشرط أن يردّ أكثر ممّا أخذه،فهذا هو الحرام» (4).

ص:154


1- كما قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:11.
2- الهداية:44.
3- الروم:39.
4- الكافي 5:6/145،تفسير القمي 2:159،الوسائل 18:160 أبواب الربا ب 18 ح 1.

و حيث إنّه لا خلاف نصّاً و فتوى في إفادته انتقال الملك بمجرّد الدالّ عليه أو مع ضميمة التصرّف،على الخلاف الآتي،لا جرم وجب الاقتصار فيه لمخالفته الأصل على ما يتحقّق به الانتقال بالإجماع و الضرورة،و هو ما إذا كان بعقد يتضمّن الإيجاب و القبول،فلا يكفي المعاطاة فيه و إن اكتفى بها في حصول إباحة التصرّف،مع أنّه لا خلاف في الأمرين،بل ظاهرهم الإجماع عليه و على كونه من العقود الجائزة.

و الصيغة:أقرضتك،أو انتفع به،أو تصرف فيه،أو ملّكتك،أو خذ هذا،أو اصرفه و عليك عوضه،و ما أدّى هذا المعنى؛ لأنّه كما عرفت من العقود الجائزة،و هي لا تنحصر في لفظ بل تتأدّى بما أفاد معناها.

و إنّما يحتاج إلى ضميمة« و عليك عوضه» ما عدا الصيغة الأُولى، فإنّها صريحة في معناه لا يفتقر إلى ضميمة،فيقول المقترض:قبلت، و شبهه ممّا دلّ على الرضا بالإيجاب.

و استقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض؛ لأنّ مرجعه إلى الإذن في التصرّف (1).

و هو حسن إن أُريد إفادته إباحة التصرّف،و فيه نظر إن أُريد إفادته الملك المترتّب على صحة القرض،إذ لا دليل عليه،و ما استدلّ به لا يؤدّي إليه؛ فإن الإذن في التصرّف لا يؤدّي إلّا إباحته.

و يجب الاقتصار على أخذ العوض مثلاً أو قيمة،من دون زيادة،عيناً كانت أو صفة،ربوية كانت العين المستقرضة أم غيرها، إجماعاً،كما في المختلف و المسالك و غيرهما (2)،بل حكى في العينيّة

ص:155


1- الدروس 3:318.
2- المختلف:415،المسالك 1:219،مجمع الفائدة 9:61.

بعض الأجلّة إجماع المسلمين كافّة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة عموم تحريم الربا و الزيادة من الكتاب (2)و السنّة (3)، و هي كإطلاق العبارة و إن عمّت صورتي اشتراطها و عدمها إلّا أنّها مخصّصة بالصورة الأُولى خاصّة،بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (4)؛ و هو الحجة المخصّصة؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتية.

و حينئذٍ لو شرط النفع و لو بزيادة الوصف كالصحاح عوض المكسّرة حرم بلا خلاف فيما عدا المثال إلّا نادراً؛ لعموم ما مرّ،مضافاً إلى عموم النهي عن قرض يجرّ نفعاً في النبوي العامي (5)،و خصوص المعتبرة،منها الصحيح:« من أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها،فإن جوزي بأفضل منها فليقبل،و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة» (6).

و الصحيح:عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً فقضاها مائة وزناً،قال:« لا بأس ما لم يشترط» قال:و قال:« جاء الربا من قبل الشروط، إنّما تفسده الشروط» (7).

و أصرح منهما الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن رجل أعطى

ص:156


1- مجمع الفائدة 9:60.
2- البقرة:275،276،278،آل عمران:130.
3- انظر الوسائل 18:117 أبواب الربا ب 1.
4- المسالك 1:219؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:125،و الحدائق 20:116.
5- الجامع الصغير 2:6336/284،سنن البيهقي 5:349،دعائم الإسلام 2:167/61،المستدرك 13:409 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 2.
6- التهذيب 6:457/203،الوسائل 18:357 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 11.
7- الكافي 5:1/244،التهذيب 7:483/112،الوسائل 18:190 أبواب الصرف ب 12 ح 1.

رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر،قال:« هذا الربا المحض» (1).

و على التحريم المستفاد من هذه الأدلّة يحمل عموم البأس في الزيادة مطلقاً،أو مع الشرط خاصّة،المستفاد من مفاهيم الأخبار الآتية،فإنّ أخبارهم عليهم السلام بعضها يكشف عن بعض.

و كذا في المثال،على الأظهر الأشهر،سيّما بين من تأخّر؛ لعموم النبوي المتقدّم،المنجبر بفتاويهم.و لا ينافيه التخصيص بصورة الاشتراط؛ فإنّ العام المخصّص حجة في الباقي؛ مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المتقدّمة، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة.

مضافاً إلى خصوص الصحيح:« إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط» (2).

و البأس و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنه محمول عليها بما تقدّم إليه الإشارة من الضميمة.

خلافاً للحلبي و النهاية و جماعة (3)،فجوّزوا الزيادة فيه مطلقاً و لو مع الشرط،و زاد الأوّل ما شابه المثال،فجوّز زيادة مطلق الأوصاف مطلقاً؛ استناداً إلى الصحيح:عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة و يأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه،قال:« لا بأس» (4).

ص:157


1- قرب الإسناد:1055/265،الوسائل 18:359 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 18.
2- الكافي 5:3/254،التهذيب 6:449/201،الوسائل 18:360 أبواب الدين و القرض ب 20 ح 1.
3- الحلبي في الكافي:331؛ النهاية:312؛ و انظر الوسيلة:272،و مجمع الفائدة 9:62،و حكاه في المختلف عن ابن البراج:415.
4- الكافي 5:4/254،الفقيه 3:821/181،التهذيب 7:499/115،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 5،الدرهم الغلّة:المغشوش.(مجمع البحرين 5:436).الطازجية:البيض الجيّدة.مجمع البحرين 2:315.

و ليس فيه دلالة؛ فإنّ ظاهره إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط، و لا خلاف فيه،كما في الروضة (1)،بل عليه الإجماع في المختلف و الغنية (2)،و به أفتى الأصحاب كافّة،و تبعهم الماتن فقال: نعم لو تبرّع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم إجماعاً،كما في الكتب الثلاثة،و الصحاح و غيرها بذلك مستفيضة،منها زيادة على الصحيحين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة الصحيح:عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطي سوداً وزناً و قد عرف أنها أثقل مما أخذ،و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها،فقال:« لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط،و لو وهبها له كلّاً كان أصلح» (3).

و الصحيح:عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنية و إمّا ثياباً،فيحتاج إلى شيء من منفعته،فيستأذنه فيه فيأذن له،قال:« إذا طابت نفسه فلا بأس» فقلت:إنّ مَن عندنا يرون (4)أنّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد،قال:« أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة» (5).

و نحوه في الحكم بأنّ خير القرض ما جرّ منفعة خبران (6)معتبرا

ص:158


1- الروضة 4:14.
2- المختلف:415،الغنية(الجوامع الفقهية):591.
3- الكافي 5:1/253،الفقيه 3:815/180،التهذيب 7:470/109،الوسائل 18:191 أبواب الصرف ب 12 ح 2.
4- في المصادر:يروون.
5- الكافي 5:1/255،الفقيه 3:819/181،التهذيب 6:452/201،الوسائل 18:354 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 4.
6- الأول:الكافي 5:2/255،التهذيب 6:453/202،الإستبصار 3:22/9،الوسائل 18:355 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 5.الثاني:الكافي 5:3/255،الوسائل 18:355 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 6.

السند،في أحدهما صفوان و ابن بكير،و في الثاني ابن أبي عمير،و هؤلاء حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة (1).

و يستفاد منها كنفي البأس فيها و في غيرها ممّا مضى و غيره أنّه لا يكره أيضاً.

مضافاً إلى ما روي في العامي من أنّ النبي صلى الله عليه و آله اقترض بكراً فردّ بازلاً رباعيا و قال:« إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً» (2).

و نحوه في الخاصي أيضاً،و هو الموثّق كالصحيح:« إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يكون عليه الثنيّ فيعطي الرباع» (3).

و في الصحيح:عن الرجل يستقرض من الرجل الدرهم فيرد عليه المثقال،أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدرهم،فقال:« إذا لم يكن شرط فلا بأس،و ذلك هو الفضل،إنّ أبي رحمه الله كان يستقرض الدراهم الفُسولة (4)فيدخل عليه الدراهم الجلال (5)فيقول:يا بنيّ،ردّها على الذي استقرضتها منه،فأقول:يا أبه،إنّ دراهمه كانت فُسولة،و هذه خير منها،فيقول:

يا بنيّ،إنّ هذا هو الفضل،فأعطه إيّاها» (6).

نعم،ربما تنافيها الأخبار المانعة عن الزيادة مطلقاً،كالصحيح:عن

ص:159


1- انظر رجال الكشي 2:673،830.
2- سنن البيهقي 5:353،صحيح مسلم 3:118/1224؛ بتفاوت.
3- الكافي 5:5/254،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 6.
4- الدراهم الفُسُولة:أي الرذلة.مجمع البحرين 5:439.
5- في التهذيب و الفقيه:الجياد.
6- الكافي 5:6/254،الفقيه 3:816/180،التهذيب 7:500/115،الوسائل 18:193 أبواب الصرف ب 12 ح 7.

الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً،قال:« لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً» (1)الخبر.

و طريق الجمع بينه و بين ما مرّ حمل هذا و ما ضاهاه على صورة الشرط أو التقيّة،كما يستفاد من بعض ما مرّ،أو كراهة الأخذ خاصّة،و هذا أجود،و ليس عليه منافاة،فإنّ موارد ما دلّ على الفضل في الزيادة هو صورة الإعطاء خاصّة،و لا كذلك ما دلّ على المنع؛ فإنّ مواردها صورة الأخذ خاصّة.

و لا فرق في الجواز مع عدم الشرط بين أن يكون من نيّتهما ذلك أم لا؛ لإطلاق النصوص الماضية.

مضافاً إلى خصوص بعض المعتبرة:عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه،و قد علم المستقرض و القارض أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها،قال:« لا بأس إذا طابت نفس المستقرض» (2).

و قصور السند بالجهالة منجبر بوجود الحسن بن محبوب فيه،و قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

نعم يكره،وفاقاً للدروس (3)؛ مسامحةً في أدلّتها،كما مرّ غير مرّة.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل في المسالك و عن السرائر (4)الإجماع عليه:فساد القرض مع شرط النفع،فلا يجوز التصرف

ص:160


1- التهذيب 6:462/204،الإستبصار 3:27/10،الوسائل 18:356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 9.
2- الكافي 5:2/253،التهذيب 6:447/200،الوسائل 18:192 أبواب الصرف ب 12 ح 4.
3- الدروس 3:319.
4- المسالك 1:219،السرائر 2:60.

فيه و لو بالقبض،و معه و مع العلم يكون مضموناً عليه كالبيع الفاسد، للقاعدة المشهورة:كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده خلافاً لابن حمزة فجعله أمانة (1).

و الأصل في حرمة التصرّف بعد الإجماع ظواهر النصوص المتقدّمة المصرّحة بفساد الزيادة مع اشتراطها،المستلزم لفساد المشروط بها؛ لابتناء العقد و المراضاة فيه عليها،و انتفاؤها يستلزم انتفاء المشروط بها المتوقّف عليها قطعاً.

فمناقشة بعض الأصحاب في ذلك بعد تسليمه دلالة النصوص على فساد الشرط و حرمة الزيادة غفلة واضحة (2).

و حيث حلّت الزيادة بالتبرّع بها فلا يخلو إمّا أن تكون حكميّة،كما لو دفع الجيّد بدل الردي أو الكبير بدل الصغير،فالظاهر أنّه يملكه المقرض ملكاً مستقرّاً بقبضه،كما قيل (3).

و إن كانت عينيّة ففي كون المجموع وفاءً أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزمه أحكامها نظر.و لعلّ الثاني أظهر؛ لأصالة بقاء الملك على أصله، مضافاً إلى إطلاق الهبة عليه في بعض الصحاح المتقدّمة،لكنه في الزيادة الحكميّة.

و اعلم أنّ ما يصحّ إقراضه هو كلّ ما صحّ إحصاء قدره و وصفه، فيجوز أن يقترض الذهب و الفضّة وزناً،و الحبوب كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب كيلاً و وزناً،و الخبز وزناً بلا خلاف،كما في المسالك

ص:161


1- الوسيلة:273.
2- الحدائق 20:117.
3- الحدائق 20:118.

و غيره (1) و عدداً على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في المختلف و التذكرة و المسالك و عن السرائر و المبسوط (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و النصوص المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة،منها:« لا بأس باستقراض الخبز» (3).

و منها:إنّا نستقرض الخبز من الجيران،فنردّ أصغر منه أو أكبر؟ فقال عليه السلام:« إنّا نستقرض الجوز الستّين و السبعين عدداً فيه الصغير و الكبير،فلا بأس» (4)و نحوه غيره (5).

و هما صريحان في جواز الاقتراض و الردّ مع التفاوت.خلافاً للدروس،فاشترط فيه عدم العلم به (6)،و لعلّ المراد التفاوت الذي لا يتسامح به عادةً.

و كلّ ما يتساوى أجزاؤه قيمة و منفعة و يتقارب صفاته و يعبّر عنه بالمثلي يثبت في الذمّة مثله كالحبوب،بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (7)،بل عليه الإجماع في الغنية (8)،و شرح الشرائع للمفلح الصيمري.

و ربما ألحق به العين المستقرضة جماعة (9)،فيجب قبولها؛ للأولويّة.

ص:162


1- المسالك 1:219؛ و انظر الدروس 3:321.
2- المختلف:415،التذكرة 2:5،المسالك 1:219،السرائر 2:60،المبسوط 2:161.
3- التهذيب 7:1041/238،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 3.
4- الفقيه 3:493/116،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 1.
5- التهذيب 7:719/162،الوسائل 18:361 أبواب الدين و القرض ب 21 ح 2.
6- الدروس 3:321.
7- المسالك 1:220؛ و انظر التذكرة 2:5.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):591.
9- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:320،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:156،و البحراني في الحدائق 20:137.

و إذا تعذّر ينتقل إلى قيمته وقت المطالبة و التسليم؛ لأنّ الثابت في الذمّة إنما هو المثل إلى أن يطالب به،و به أفتى شيخنا في المسالك و تبعه جماعة (1).

و قيل:وقت القرض؛ لسبق علم اللّه تعالى بتعذّر المثل وقت الأداء (2).

و يضعّف بأنّه لا منافاة بين وجوب المثل وقت القرض طرداً للقاعدة الإجماعية و الانتقال إلى القيمة عند المطالبة لتعذّره.

و قيل:وقت التعذّر؛ لأنّ وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة (3).

و يضعّف بأن تعذّره بمجرّده لا يوجب الانتقال إلى القيمة؛ لعدم وجوب الدفع حينئذٍ،فيستصحب الواجب إلى أن يجب دفعه بالمطالبة، فحيث لم يوجد الآن ينتقل إلى القيمة.

و لا ريب أنّ العمل بأعلى القيم أحوط.

و ما ليس كذلك و يعبّر عنه بالقيمي يثبت في الذمّة قيمته،وفاقاً للمشهور،كما في المسالك و غيره (4)؛ لاختلاف الصفات،فالقيمة أعدل.

و قيل:بل يثبت مثله أيضاً (5)؛ لأنّه أقرب إلى الحقيقة،و لخبرين عاميين (6)واردين في مطلق الضمان.

و عورضا بآخر (7)،مع أنّه لا قائل به عدا الماتن في الشرائع،و نسب إلى ظاهر الاخلاف (8).

ص:163


1- المسالك 1:220؛ و تبعه الشهيد في الدروس 3:321،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:69،و السبزواري في الكفاية:103.
2- قال به العلّامة في القواعد 1:157.
3- كما قال به في السرائر 2:60،راجع الحدائق 20:136.
4- المسالك 1:220؛ و انظر التنقيح الرائع 2:156،الكفاية:103.
5- كما قال به المحقق في الشرائع 2:68.
6- سنن البيهقي 6:96.
7- سنن البيهقي 6:96.
8- الخلاف 3:175.

و قيل بضمان المثل الصوري فيما يضبطه الوصف و هو ما يصحّ السلم فيه،و ضمان ما ليس كذلك بالقيمة كالجوهر،و هو مختار التذكرة (1)؛ لخبرين عاميين (2)في الأوّل،ظاهرهما الوقوع مع التراضي،و لا شبهة في جواز دفع المثل معه مطلقا.

و على اعتبار القيمة مطلقاً أو على بعض الوجوه،فهل المعتبر قيمة وقت التسليم،أو وقت القرض،أو وقت التصرف؟فيه أقوال (3).

قيل:و لا اعتبار لقيمة يوم المطالبة هنا قولاً واحداً،إلّا على القول بضمانه بالمثل،فيتعذّر،فيعتبر يوم المطالبة كالمثل،على أصحّ الأقوال (4).

و يملك الشيء المستقرض المقترض أي يملكه المقترض بالقبض لا بالتصرّف،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، و في ظاهر السرائر و التذكرة دعوى إجماعنا عليه (5)؛ لأنّ التصرّف فرع الملك فيمتنع كونه شرطاً فيه،و إلّا دار.

قيل:و فيه نظر؛ لمنع تبعيّته للملك مطلقاً،إذ يكفي فيه إذن المالك، و هو هنا حاصل بالعقد،بل بالإيجاب (6).

و يضعّف أوّلاً:بأنّ الإذن إنّما حصل من المالك بأن يكون المقترض مالكاً و يكون عليه العوض،لا مطلقاً،كما في سائر المعاوضات،فإنّها على

ص:164


1- التذكرة 2:5.
2- سنن البيهقي 6:21.
3- قال بالأول المحقق في الشرائع 2:18،و بالثاني المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:24،و بالثالث الشهيد الثاني في المسالك 1:220.
4- المسالك 1:220.
5- السرائر 2:60،التذكرة 2:6.
6- المسالك 1:220.

تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بالإذن الحاصل بتوهّم الصحة.

و ثانياً:بعدم كفاية الإذن في كثير من التصرّفات المجمع عليها هنا المتوقّفة على الملك،كالوطء المتوقف عليه،أو على التحليل المتيقّن فقده في المقام،فانحصر الوجه في إباحته في الأوّل،و كالبيع و نحوه،فإنّه لا يجوز لغير مالكه إلّا بالوكالة أو فضولاً،و معلوم انتفاؤهما.

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم حصول الملك إلّا بالتصرف،كما عن ظاهر الخلاف (1)،مع احتمال مخالفته الآن للإجماع،كما يستفاد من بعض الأصحاب (2)،و مع ذلك المعتبرة بردّه صريحة،منها الصحيح:رجل دفع إلى رجل مالاً قرضاً،على من زكاته،على المقرض أو المقترض؟ قال:«لا،بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض» قال:

قلت:فليس على المقرض زكاتها؟قال:« لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد،و ليس على الدافع شيء،لأنّه ليس في يده شيء إنّما المال في يد الآخذ،فمن كان المال في يده زكّاه» قال:قلت:أ فيزكّي مال غيره من ماله؟قال:« إنّه ماله ما دام في يده،و ليس ذلك المال لأحدٍ غيره» ثم قال:

« يا زرارة،أ رأيت و ضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟و على من هو؟ » قلت:للمقترض،قال:« فله الفضل و عليه النقصان،و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل» (3)الحديث.

و قريب منه الموثق:عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت،

ص:165


1- الخلاف 3:177.
2- المسالك 1:221.
3- الكافي 3:6/520،التهذيب 4:85/33،الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 7 ح 1.

فقال الرجل:كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنّما كانت عليك قرضاً، قال:« المال لازم له إلّا أن يقيم البينة أنّها كانت وديعة» (1)فتأمّل.

و قالوا:و تظهر ثمرة الخلاف في جواز رجوع المقرض في العين ما دامت باقية،و وجوب قبولها لو دفعها المقترض،و في النماء قبل التصرّف، إن قلنا بكون التصرّف ناقلاً للملك حقيقة أو ضمناً،يعني:قبل التصرّف بلحظة يسيرة،كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك،فإنّه للمقترض على المختار،و للمقرض على القول الآخر،و لو قيل فيه بالكشف ففيه احتمالان.

ثم ليس في كلامهم تصريح ببيان المراد بالتصرّف الموجب للملك، على ما ذكر في المسالك (2)،و يشعر بعض العبارات (3)بأنّ المراد التصرّف المتلف للعين أو الناقل،و عن ظاهر الشهيد في بعض التحقيقات أنّ المراد مطلق التصرّف (4)،كما هو الظاهر،و عليه فيعود الخلاف مع المشهور لفظياً،فإنّ القبض نوع من التصرّف،فتأمّل.

و على المختار ليس للمقرض الرجوع في العين،وفاقاً للأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل و ربما يستشعر من كثير من العبارات الإجماع عليه (5)؛ لأنّ فائدة الملك أن لا يتسلّط عليه غيره إلّا برضاه،و الثابت بالعقد و القبض للمقرض إنّما هو البدل فيستصحب الحكم إلى أن يثبت المزيل،

ص:166


1- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
2- المسالك 1:221.
3- المسالك 1:221.
4- حكاه عنه في المسالك 1:221.
5- كالسرائر 2:60،و التذكرة 2:6.

و ليس بثابت سوى دعوى الإجماع على جواز العقد،و هي مع فتوى الأكثر بما ينافيه من عدم جواز الرجوع في العين يتطرّق إليها الوهن.

و على تقدير صحتها يحتمل أن يكون المراد بالجواز عدم وجوب إمهال المقترض إلى قضاء الوطر من العين،و إن كانت قضيّة العرف ذلك، كما صرّح به في الدروس (1).

و هذا الجمع أجود ممّا ذكره في المسالك:من أنّ المراد بالجواز تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء،و أنّه إذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحّة في الاصطلاح،و إن كان مغايراً لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه (2).

و ذلك فإنّ مظهر الجواز و اللزوم إنّما هو بالنسبة إلى مال القرض،فإن قلنا بجواز العقد ترتّب عليه صحّة الرجوع في العين،كما هو مقتضى العقود الجائزة.و إن قلنا بلزومه فليس له إلّا العوض المستقرّ في الذمّة و إن كانت العين موجودة،كما هو مقتضى العقود اللازمة.

و مجرّد تسميته جائزاً مع ترتّب ثمرة اللزوم عليه من عدم جواز الرجوع في العين غير مجدٍ،فإنّ ثمرة الجواز بالمعنى الذي ذكره ثابت بأصل العقد،سواء سمّي جائزاً أو لازماً،و ليس كذلك لو أُريد بالجواز ما ذكرناه،فإنّه مخالف لمقتضى العقد بحسب العرف،فإنّ مقتضاه بحسبه إنّما هو الرضاء بالإمهال إلى حين قضاء الوطر من العين.

و قريب منه في الضعف الوجه الذي ذكره بعض الأفاضل:من أنّه ليس ببعيد ان يكون النزاع فيما قبل الفسخ يعني إذا تحقق العقد مع الشرط

ص:167


1- الدروس 3:324.
2- المسالك 1:221.

و حصل المملّك الناقل،فمع عدم طريان الفسخ عليه بالتقايل من الجانبين أو من جانب واحد هل يجوز الرجوع في العين مع كراهة المقترض أم لا؟ (1).و ذلك فإنّ النزاع حينئذٍ يصير قليل الفائدة؛ إذ للمقرض أن يفسخه و يأخذ ماله،و للمقترض أيضاً الفسخ و إعطاء العين،فليس للمقرض عدم القبول،هذا،مع احتمال حصول الفسخ بمجرّد مطالبة العين أو ردّها من دون احتياج إلى عبارة أُخرى.

و لا يلزم اشتراط الأجل فيه بلا خلاف يعرف إلّا ممّن ندر من بعض من تأخّر (2)،و ربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع و كذا غيره بالإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة على جواز أصله (4)، المستلزم لجواز شرطه بالبديهة،إلّا أنّ في الاستناد إليه نوع خفاء و مناقشة بعد ما مرّ إليه الإشارة من وهنه بمصير أكثر الأصحاب إلى عدم جواز الرجوع في العين الذي ينافيه،و أنّ المراد بالجواز في كلامهم غير المعنى المعروف بينهم،و هو عدم لزوم الأجل الذي هو مقتضى العقد بحسب العرف.

و الإجماع على عدم لزومه ثابت إلّا أنّه لا يدلّ إلّا على عدم لزومه بمجرّد العقد،و هو لا ينافي لزومه مع الشرط إلّا أن يجاب بما يأتي.

ص:168


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:78.
2- الحدائق 20:132،و انظر مجمع الفائدة 9:80،و مفاتيح الشرائع 3:126.
3- الشرائع 2:68؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:126،و الحدائق 20:132.
4- مجمع الفائدة و البرهان 9:75،الحدائق 20:130.

و بالإجماعين يخصّص ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود و الشروط كتاباً و سنّة (1).

و ربما يزاد عليهما بدلالة الكتاب و السنة المتواترة على استحباب القرض و المداينة (2)و لا يتعلّق بخصوص إجراء الصيغة،بل بمدلولها و هو تأخير المطالبة للعين المستقرضة إلى مدّة قضاء الوطر منها،كما مرّت إليه الإشارة،و استحباب التأخير هو عين معنى الجواز.

و فيه نظر،أوّلاً:بمنع تعلّق الاستحباب بخصوص المدلول،بل بسببه الذي هو إجراء الصيغة و إن كان الوجه في تعلّقه به هو رجحان العمل بمسبّبه،فيرجع حاصل الأدلّة إلى استحباب الإقدام إلى القرض و إيجاب سببه،و لا ينافيه وجوب المسبّب بعده،و إن هو إلّا كالتجارة،فقد تظافرت الأدلّة باستحبابها مع وجوب العمل بمقتضيات أسبابها،كصيغ البيوع و نحوها،و ككثير من العبادات المستحبة الواجبة بالشروع فيها.

و بالجملة استحباب الشيء ابتداءً غير وجوبه استدامةً،فاستحباب الإقراض ابتداءً لا ينافي وجوب العمل بمقتضى عقده بعد إيجاده.

و ثانياً:بأنّ ذلك بعد تسليمه إنّما يتوجّه بالنظر إلى نفس العقد، و أنّه بمجرّده لا يقتضي وجوب التأخير،بل غايته الاستحباب،كما يستفاد من أدلّة استحبابه،و لا كلام فيه،لما مرّ من الإجماع على جواز العقد المستلزم لعدم وجوب التأخير،و لكنّه لا ينافي لزومه بسبب آخر غير نفس العقد المجرّد،و هو العقد المركّب من الشرط،لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود،مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.

ص:169


1- المائدة:1؛ و انظر الوسائل 23:326 أبواب النذر و العهد ب 25.
2- الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6.

و ذلك كما لو أوقع عقد البيع حالّا،فإنّه لا يقتضي وجوب التأخير في أحد العوضين إلى أجل،و لا كذلك لو أوقع مؤجّلاً،فقد يكون عقد القرض بنفسه لا يفيد لزوم أجل،و مع شرطه يفيد لزومه.

و بالجملة لا منافاة بين جواز أجل القرض نظراً إلى نفس العقد و لزومه باشتراطه فيه،لتغاير السببين،كما لو اشترط أجله في عقد آخر لازم،كما عليه الأكثر،و إن خالف فيه بعض من شذّ و ندر (1)،فالاستدلال بذلك على المطلوب غير مفهوم.

إلّا أن يقال بالفرق بين القرض و البيع بعدم دلالة عقده على أجل، بخلاف القرض؛ لدلالته عليه بحسب العرف كما مرّ،فإذا لم يجب الوفاء به مع دلالة العقد الذي هو الأصل في لزوم الوفاء به و بالشرط المذكور في ضمنه عليه فعدم وجوب الوفاء به إذا دلّ عليه الشرط أولى،فتأمّل.

و قريب منه استدلال بعض الأفاضل (2)على ضدّه و هو لزوم الأجل بعد اشتراطه بما مرّ من العمومين،و خصوص قوله سبحانه إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [1] (3).و الخبرين المروي أحدهما عن ثواب الأعمال:« من أقرض قرضاً و ضرب له أجلاً و لم يؤت به عند ذلك الأجل،كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد كلّ يوم» (4).

و نحوه الثاني المروي عن الفقه الرضوي (5).

ص:170


1- انظر الدروس 3:324.
2- الحدائق 20:130،مفاتيح الشرائع 3:126.
3- البقرة:282.
4- ثواب الأعمال:138،الوسائل 18:329 أبواب الدين و القرض ب 6 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):257،المستدرك 13:396 أبواب الدين و القرض ب 6 ح 4.

و ذلك فإنّ غاية الأدلّة صحّة التأجيل،و لا كلام فيها،و ثمرتها إنّما هو جواز تأخير الدفع إلى الأجل و وجوبه بعده،و هو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه،و إنّما الكلام فيه.

هذا مضافاً إلى قصور سند الخبرين مع عدم معاضد لهما في البين، و ضعف دلالة الكتاب من وجه آخر،و هو اختصاصه بالدين،و هو غير القرض بنصّ أهل اللغة،فقد صرّح في القاموس و غيره بأنّه لا أجل فيه، بخلاف الدين،فإنّه الذي فيه الأجل (1).فالاستدلال به على لزومه في القرض على تقدير تماميّته بفساد الوجه الأوّل غير تامّ من هذا الوجه.

نعم في المضمر:عن رجل أقرض رجلاً دراهم إلى أجل مسمّى ثم مات المستقرض،أ يحلّ مال القارض بعد موت المستقرض منه،أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟فقال:« إذا مات فقد حلّ مال القارض» (2).

و هو مشعر بلزوم التأجيل في القرض كالدين،من حيث التقرير و المفهوم،إلّا أنّ قصور السند بالإضمار و المتن للإجماع أوجب هجره في المضمار.

و أمّا القدح فيه بالدلالة بمنع الظهور بالكلّية،بنحو ما أُجيب به عن الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة،من أنّ غايته الدلالة على صحّة الأجل لا اللزوم الذي هو مفروض المسألة،لعلّه محلّ مناقشة يستخرج وجهها من النظر إلى لفظة« حلّ» الظاهرة في عدم استحقاق المطالبة قبل انقضاء المدة المضروبة حال حياة المستقرض بالضرورة،فتأمّل.

ص:171


1- القاموس المحيط 4:226؛ و انظر لسان العرب 13:167.
2- التهذيب 6:409/190،الوسائل 18:344 أبواب الدين و القرض ب 12 ح 2.

و كذا لا يتأجّل الدين الحالّ بتأجيله،بأن يعبّر عنه صاحب الدين بعبارة تدلّ عليه من غير ذكره في عقد،بأن يقول:أجّلتك في هذا الدين مدّة كذا؛ إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء به،بل هو وعد يستحبّ الوفاء به.

و أشار بقوله: مهراً كان الدين، أو غيره إلى خلاف بعض العامّة،حيث ذهب إلى ثبوت التأجيل في ثمن المبيع و الأُجرة و الصداق و عوض الخلع دون القرض و بدل السلف (1)،و إلى خلاف آخرين منهم من ثبوته في الجميع (2).

و لو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه وجوباً إجماعاً كما قيل (3)،و كذا الحكْم في كلّ من عليه حق،سواء كان ذو الحق غائباً أم حاضراً،و إنما ذكر الوجوب مع الغيبة المنقطعة تأكيداً،و وجّه الوجوب بأنه من أحكام الإيمان،كما قالوا في العزم على الواجب الموسّع، لا لكونه بدلاً عن التعجيل.و فيه نظر،إلّا أن يكون إجماعاً.

و الأجود الاستدلال عليه في محلّ الفرض بالنصوص المروية في باب الدين في الكتب الثلاثة،الدالة على أن من استدان ديناً فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق (4).و به صرّح في الرضوي أيضاً (5).

ص:172


1- حكاه عن أبي حنيفة في المغني و الشرح الكبير 4:384.
2- كما نقله عن مالك و الليث في المغني و الشرح الكبير 4:384.
3- جامع المقاصد 5:15،مجمع الفائدة 9:84.
4- الكافي 5:1/99،2،الفقيه 3:475/112،التهذيب 6:411/191،الوسائل 18:327 329 أبواب الدين و القرض ب 5 ح 1،2،5.
5- فقه الرضا(عليه السلام):268،المستدرك 13:394 أبواب الدين و القرض ب 5 ذيل حديث 1.

و قصور الأسانيد منجبر بالاعتبار و فتوى الأصحاب،و مؤيّد بالصحيح:عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له و لا يدري بأيّ أرض هو؟قال:« لا جناح بعد أن يعلم اللّه تعالى منه أنّ نيّته الأداء» (1).

و في الخبر:« من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من اللّه عزّ و جلّ حافظان يعينانه على الأداء من أمانته،فإن قصرت نيّته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيّته» (2).

و في آخر:« أُحبّ للرجل يكون عليه دين ينوي قضاءه» (3).

و يجب عليه عزله عند وفاته وفاقاً للنهاية (4)،بل ربما احتمل في المسالك عدم الخلاف فيه (5)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (6).

و لا دليل عليه عدا ما قيل من أنّه مناسب لتميّز الحق و أبعد عن تصرّف الورثة فيه (7).و هو كما ترى.

مع أنّ في السرائر ادّعى إجماع المسلمين على العدم (8).و هو أقوى؛ للأصل،و إن كان الأوّل أحوط و أولى،و أحوط منه العزل مطلقاً،فقد حكي

ص:173


1- التهذيب 6:395/188،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 1.
2- الكافي 5:1/95،الفقيه 3:473/112،التهذيب 6:384/185،الوسائل 18:328 أبواب الدين و القرض ب 5 ح 3.
3- الكافي 5:4/93،الوسائل 18:321 أبواب الدين و القرض ب 2 ح 4.
4- النهاية:307.
5- المسالك 1:222.
6- جامع المقاصد 5:15.
7- كما في المسالك 1:222.
8- السرائر 2:37.

في المسالك قولاً (1).و لكن لا يلزم منه انتقال الضمان بالعزل،بل عليه الضمان مع التلف على الإطلاق؛ لعدم الدليل على الانتقال.

و على كلّ حال يجب أن يكون موصياً به عند الوفاة،بلا خلاف، كما في شرح الشرائع للمفلح الصيمري؛ لأنّه مع ترك الوصية ربما أدّى إلى فوات المال و بقاء اشتغال الذمّة به،فتجب من باب المقدّمة.

و يدلّ عليه أيضاً بعض النصوص الآتية،بل عن ظاهر جملة من الأصحاب وجوب التوصية بماله و عليه (2)،و عليه تدلّ جملة من الأخبار الآتية في كتاب الوصية إن شاء اللّه سبحانه.

و لو لم يعرفه اجتهد في طلبه ببذل الوسع في السؤال عنه في الأمكنة التي يمكن كونه أو خبره بها،و يستمر كذلك على وجه لو كان لظهر،بلا خلاف أجده،و به يشعر الصحيح المتقدّم.

مضافاً إلى صريح الصحيح:في رجل كان له على رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه،و لا يدرى أ حيّ هو أم ميت،و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً،قال:« اطلب» قال:إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟قال:

« اطلب» (3).

و نحوه خبران آخران (4)مرويّان هما كالأوّل و الأخبار الآتية في الكتب الثلاثة في باب ميراث مفقود الخبر،في أحدهما:إنّه كان عند أبي أجير

ص:174


1- المسالك 1:222.
2- انظر الحدائق 20:149.
3- التهذيب 6:396/188،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 7:1/153 و 2،التهذيب 9:1387/389 و 1388،الفقيه 4:769/241،الوسائل 26:296 أبواب ميراث الخنثى ب 26 ح 1 و 2.

يعمل عنده بالأجر ففقدناه و بقي له من أجره شيء و لا نعرف له وارثاً،قال:

« فاطلبه» قال:قد طلبناه و لم نجده،فقال:« مساكين» و حرّك يديه،قال:

فأعاد عليه،قال:«اطلب و اجهد فإن قدرت عليه،و إلّا فكسبيل مالك حتى يجيء له طالب،فإن حدث بك حدث فأوصِ به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» . و مع اليأس عنه بحيث لا يحتمل الوقوف عليه عادةً قيل:

يجب أن يتصدق به عنه كما عن الطوسي و القاضي و جماعة (1)(2)؛ لئلّا يتعطّل المال و يخرج عن الانتفاع،و لاحتياج من هو عليه إلى تفريغ ذمّته و لا سبيل غير الصدقة.و هو كما ترى.

نعم في الفقيه بعد الصحيح المتقدّم-:و قد روي في هذا خبر آخر:

« إن لم تجد وارثاً و علم اللّه تعالى منك الجهد فتصدّق به» (3).

قيل (4):و نحوه الخبران،في أحدهما:قد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم..فمات صاحبها و لم أعرف له ورثة،فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها،فقد ضقت بها ذرعاً؟فكتب:« اعمل فيها و أخرجها صدقةً قليلاً قليلاً حتى تخرج» (5).

ص:175


1- الطوسي في النهاية:307،نقله عن القاضي في المختلف:411؛ و انظر المختلف:412،و الدروس 3:312.
2- بل أكثر الأصحاب،كما عن المحقق الثاني في شرح القواعد(جامع المقاصد 5:16)بل المشهور،كما في الروضة(4:18).منه رحمه الله.
3- الفقيه 4:770/241،الوسائل 26:298 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 11.
4- الحدائق 20:151،153.
5- الكافي 7:3/153،التهذيب 9:1389/389،الإستبصار 4:740/197،الوسائل 26:297 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 3.

و في الثاني:كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه،و له عندنا دراهم و ليس له وارث،فقال عليه السلام:« تدفع إلى المساكين» ثم قال:رأيك فيها،ثم أعاد عليه المسألة،فقال له مثل ذلك،فأعاد عليه المسألة ثالثة،فقال عليه السلام:

« تطلب وارثاً فإن وجدت له وارثاً،و إلّا فهو كسبيل مالك» ثم قال:

« ما عسى أن تصنع بها» ثم قال:« توصي بها فإن جاء طالبها و إلّا فكسبيل مالك» (1).

و أسانيدها بالإرسال و الجهالة قاصرة،و عن المقاومة للصحيحين المتقدّمين سيّما الثانية و تاليها ضعيفة،و لقاعدة أصالة بقاء شغل الذمّة معارضة،و لذا أنكر الحلّي هذا القول و أوجب الدفع إلى الحاكم (2).

و هو أجود،و إن كان القول بجواز الصدقة عن المالك مع الضمان له إذا لم يرض بها لا يخلو عن قوّة،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (3)؛ لأنّه إحسان محض،فإنّه إن ظهر المالك ضمن له العوض مع عدم الرضاء بها،و إلّا فالصدقة أنفع من بقائها المعرض لتلفها،فتأمّل.

و أمّا الوجوب فقد عرفت ما فيه.

و ما يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة من أنّه كسبيل ماله فشاذّ، و سند الدالّ عليه ضعيف،نعم ورد مثله في القريب من الصحيح في الفقيه (4).

و لا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض مطلقاً،و لو كان من هو عليه عاملاً،إجماعاً،كما عن التذكرة (5)؛ و هو الحجة.

ص:176


1- التهذيب 7:781/177،الوسائل 18:362 أبواب الدين و القرض ب 22 ح 3.
2- السرائر 2:37.
3- المسالك 1:222؛ و انظر جامع المقاصد:16،و مجمع الفائدة 9:89،و الحدائق 20:154.
4- الفقيه 4:767/241،الوسائل 26:298 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 10.
5- التذكرة 2:3.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالشهرة:في رجل له على رجل مال فتقاضاه و لا يكون عنده ما يقضيه،فيقول:هو عندك مضاربة،قال:« لا يصحّ حتى يقبضه» (1).

و لو باع الذمّي ما لا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير و قبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقّه بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى صريح الموثّقة:لي على رجل ذمّي دراهم فيبيع الخمر و الخنازير و أنا حاضر،فهل لي أن آخذها؟فقال:« إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك» (3).

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في اثنين منها:

في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمراً أو خنزيراً و هو ينظر إليه فقضاه،فقال:« لا بأس،أمّا للمقتضي فحلال،و أمّا للبائع فحرام» (4)و نحوهما الثالث (5)و الرابع (6).

و إطلاقها و إن شمل البائع المسلم،إلّا أنّ الظاهر منه بحكم التبادر

ص:177


1- الكافي 5:4/240،الفقيه 3:634/144،التهذيب 6:428/195،الوسائل 19:23 أبواب أحكام المضاربة ب 5 ح 1.و فيها:« لا يصلح» بدل« لا يصحّ».
2- كما في السرائر 2:44.
3- الكافي 5:10/232،الوسائل 17:232 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 1.
4- الأول:الكافي 5:9/231،التهذيب 7:606/137،الوسائل 17:232 أبواب ما يكتسب به ب 60 ح 2.الثاني:التهذيب 6:429/195،الوسائل 18:370 أبواب الدين و القرض ب 28 ح 1.
5- الكافي 3:5/568،الفقيه 2:100/28،التهذيب 4:379/135،الوسائل 15:154 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 1.
6- المقنعة:279،الوسائل 15:155 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 2.

و الغالب هو الذمّي لا المسلم؛ لعدم اعتياد بيعه لمثل الخمر و الخنزير في بلاد الإسلام التي هي مورد الروايات.

ثم على تقدير عمومها له يجب التخصيص بغيره؛ التفاتاً إلى عموم الأدلّة بعدم تملّكه ثمنها و فساد بيعه لهما،فكيف يجور اقتضاء ما لا يملكه و يكون باقياً على ملك المشتري يجب ردّه عليه،أو التصدّق به عنه مع الجهل،كما في المعتبرين (1)بحملهما عليه،أحدهما الصحيح:في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً،فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه،قال:« لا يصلح ثمنه» إلى أن قال:« إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها» .و استناداً إلى فحوى بعض المعتبرة،كمرسلة ابن أبي نجران الصحيحة إليه،عن مولانا الرضا عليه السلام:عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين،هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه؟قال:

« لا» (2).

فإنّ تحريم قضاء الدين من أثمانها على الذمّي بعد إسلامه يستلزم تحريم الاقتضاء على المسلم من أصله بطريق أولى،فتأمّل جدّاً.

و ظاهر العبارة و صريح جماعة (3)اختصاص الذمّي بالحكم دون الحربي.

و هو كذلك؛ لما مرّ من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ

ص:178


1- الكافي 5:2/230 و 7،التهذيب 7:601/136،الوسائل 17:223 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 1 و 2.
2- الكافي 5:14/232،الوسائل 17:226 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 1.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:222،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:92،و صاحب الحدائق 20:167.

على تحريم ثمن الأُمور المزبورة على المسلم مطلقاً (1)على المتيقّن،و ليس إلّا الذمّي؛ لعدم إجماع على غيره لو لم نقل بالإجماع على عدمه، و اختصاص النصوص المتقدّمة به صريحاً في بعضٍ و ظاهراً بحكم الغلبة و التبادر في الباقي،لندرة وجود الحربي في بلاد الإسلام التي هي ظاهر مواردها.

و منه يظهر الوجه فيما قيّد به الحكم في الذمّي بعض الأصحاب أيضاً:من اشتراط أن يكون في بيعه مستتراً (2).

و ذلك فإنّه مع عدم الاستتار يصير في حكم الحربي عند الأصحاب، مضافاً إلى جريان الوجه المتقدّم في إخراجه عن الحكم في الذمّي المتجاهر بالفسق،لعدم انصراف الإطلاق إليه بالضرورة و لو أسلم الذمّي قبل بيعه ما لا يملكه حال إسلامه قيل: كما عن النهاية (3) يتولّاه غيره ممن يجوز له بيعه؛ للخبر:إن أسلم رجل و له خمر و خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال:« يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خنازيره و خمره فتقضي دينه،و ليس له أن يبيعه و هو حيّ و لا يمسكه» (4).

و هو ضعيف وفاقاً للقاضي و الحلّي و الفاضلين (5)؛ لأنّ المسلم لا يملك ذلك و لا يجوز بيعه مباشرة فلا يجوز تسبيباً،و الرواية مقطوعة،

ص:179


1- أي:و لو اقتضاءً.(منه رحمه الله).
2- الروضة 4:23.
3- النهاية:308.
4- الكافي 5:13/232،التهذيب 7:612/138،الوسائل 17:227 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 2.
5- القاضي نقله عنه ابن فهد في المهذب البارع 2:483،الحلّي في السرائر 2:44،المحقق في الشرائع 2:69،العلّامة في التذكرة 2:7.

و مع ذلك في سندها جهالة،و من الجائز حملها على أن يكون له ورثة كفّار يبيعون الخمر و يقضون ديونه.

و لو كان لاثنين فصاعداً ديون مشتركة بينهما في ذمّة ثالث فصاعداً فاقتسماها فما حصل كان لهما،و ما تَوى بالمثناة من فوق بمعنى:هلك،كان منهما على الأشهر الأقوى،وفاقاً للإسكافي و الطوسي و القاضي و الحلبي و ابن حمزة و ابن زهرة (1)مدّعياً الإجماع عليه كالثاني؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المروية في التهذيب في بابي الدين و الشركة،منها الموثق:عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين،فاقتسما العين و الدين،فَتَوي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه،و خرج الذي للآخر،أ يردّ على صاحبه؟قال:« نعم ما يذهب بماله» (2).

و نحوه الباقي (3)،و الصحيح المروي في التهذيب و الفقيه في كتاب الصلح (4).

و قصور الأسانيد فيما عداه منجبر بالشهرة العظيمة،و الإجماعات المحكيّة،و بعض الوجوه الاعتبارية المذكورة في المختلف (5)من أنّ المال

ص:180


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:480،الطوسي في النهاية:308،القاضي في جواهر الفقه:486،الحلبي في الكافي:344،ابن حمزة في الوسيلة:263،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- التهذيب 7:821/186،الوسائل 19:12 أبواب أحكام الشركة ب 6 ح 2.
3- انظر الوسائل 19:12 أبواب الشركة ب 6.
4- الفقيه 3:60/23،التهذيب 6:477/207،الوسائل 18:370 أبواب الدين و القرض ب 29 ح 1.
5- المختلف:479.

مشترك،فإنّ التقدير ذلك،فإذا دفع إلى أحدهما فإنّما دفع عمّا في ذمّته، و الدفع إنّما هو للمال المشترك،فلا يختصّ به القابض.

و لا دليل على لزوم القسمة في نحو المسألة،مع أنّ الأصل عدمه بالضرورة.

خلافاً للحلّي (1)،فحكم به؛ قياساً على ثبوته فيما لو أوهبه أحدهما أو أبرأ ذمّة من عليه الحق الذي صار من نصيبه،بلا خلاف كما حكاه،فكذا فيما نحن فيه.

و هو كما ترى،و إن مال إليه في المختلف أخيراً (2)،و تبعه بعض المتأخّرين (3)؛ لضعف القياس أوّلاً،و عدم معارضته على تقدير حجّيته لما قدّمناه من الإجماعات المحكية و المعتبرة المستفيضة ثانياً،فالقول بمقالته ضعيف جدّاً.

قيل (4):و قد يحتال للقسمة بأن يحيل كلّ منهما صاحبه بحصّته التي يريد إعطاءها صاحبه و يقبل الآخر،بناءً على صحة الحوالة من البريء،أو فرض سبق دين عليه.

و لو اصطلحا على ما في الذمم بعضاً ببعض جاز،وفاقاً للشهيدين (5).

و على أحد الأُمور المذكورة يحمل إطلاق الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر و قرب الإسناد:عن رجلين اشتركا في السلم،أ يصلح لهما

ص:181


1- السرائر 2:402.
2- المختلف:480.
3- مجمع الفائدة 9:93.
4- الروضة 4:19.
5- الدروس 3:314،الروضة 4:19.

أن يقتسما قبل أن يقبضا؟قال:« لا بأس» (1).

أو على الصحة دون اللزوم،و على عدمه خاصّة تحمل الأخبار السابقة.

و لا بأس به؛ جمعاً بين الأدلّة،و إن كان اعتبار المراضاة مرّة ثانية بعد الأخذ أحوط البتّة.

و لو باع الدين بأقلّ منه عيناً أو قيمة على وجه لا يحصل فيه الربا،و لا الإخلال بشروط الصرف لو كان العوضان من الأثمان لم يلزم الغريم أن يدفع إليه أي إلى المشتري أكثر ممّا دفع إلى البائع،وفاقاً للطوسي و القاضي (2) على تردّد فيه ينشأ من الخبرين،في أحدهما:

رجل اشترى ديناً على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له:ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريته منه،قال:« يدفع إليه ما دفع إلى صاحب الدين،و برئ الذي عليه المال عن جميع ما بقي عليه» (3)و قريب منه الثاني (4).

و من قصور سندهما بالجهالة،و عدم جابر لهما في المسألة،مع مخالفتهما للقواعد الثابتة من الكتاب و السنّة،فإنّ ما وقع عليه العقد الذي يجب الوفاء به ليس إلّا جميع الدين دون بعضه،فلا وجه في الاقتصار

ص:182


1- مسائل علي بن جعفر:77/122،قرب الاسناد:1040/263،الوسائل 18:371 أبواب الدين و القرض ب 29 ح 2.
2- الطوسي في النهاية:311،نقله عن القاضي في المختلف:411.
3- الكافي 5:3/100،التهذيب 6:410/191،الوسائل 18:348 أبواب الدين و القرض ب 15 ح 3.
4- الكافي 5:2/100،التهذيب 6:401/189،الوسائل 18:347 أبواب الدين و القرض ب 15 ح 2.

عليه،و مع ذلك فلا وجه لبراءة ذمّة المديون كما صرّحت به الرواية الأُولى.

و مع ذلك فالثانية غير صريحة في المطلوب،بل و لا ظاهرة،و لذا لم يذكرها حجة في المسألة جماعة،و هذا هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

و بما ذكرناه لا يبقى وجه للتردّد في المسألة،كما في صريح العبارة و ظاهر اللمعة (1)،فلتطرح الروايتان،للجهالة،و المخالفة للقواعد المقرّرة، المعتضدة بالإجماع من أصلها،و بالشهرة في خصوص المسألة،أو تحملا على ما تلتئمان معها من إرادة الضمان من البيع مجازاً،لشبهه به في المعاوضة،أو فساد البيع للربا و غيره،فيكون الدفع مأذوناً فيه من البائع في مقابلة ما دفع،و يبقى الباقي لمالكه،و يكون المراد ببراءة المديون في الرواية الأُولى البراءة من حق المشترى لا مطلقاً.

خاتمة

خاتمة قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنّ أُجرة الكيّال و وزّان المتاع على البائع الآمر له بهما؛ لأنهما من مصلحته فتتعلّق الأُجرة به.

و كذا أُجرة بائع الأمتعة تتعلّق به إذا كان بائعها دلّالاً ناصباً نفسه لذلك،فإنّه يستحقّها و إن لم يتشارطا عليه؛ لأن هذا العمل مما يستحقّ عليه اجرة في العادة،و نصب الدلّال نفسه لذلك قرينة على عدم التبرع بالضرورة،كما حقّق في بحث الإجارة.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فبما ذكروه من أن اُجرة الناقد و وزّان الثمن على المشتري الآمر له لذلك [بذلك] و كذا اجرة مشتري الأمتعة عليه إذا

ص:183


1- اللمعة(الروضة البهية 4):20.

كان دلّالًا ناصباً نفسه لذلك مأموراً به من جهته.

و لو تبرّع الواسطة بكل من الأُمور المزبورة من دون أمر من البائع أو المشتري له بذلك،و لا ما يقوم مقامه من الدلالة لم يستحقّ اجرة على من تلزمه الأُجرة مع أمره أو ما في حكمه و لو أجاز البيع و الشراء و غيرهما؛ لأنّه بالفعل لم يستحقّ لمكان التبرع،و بعد الإجازة لم يعمل عملاً،و الأصل براءة الذمة من استحقاق شيء.

و إذا جمع الواسطة بين الابتياع و البيع و نصب نفسه لذلك و يعبّر عنه بالسمسار فباع أمتعة لشخص و اشترى غيرها لآخر فاُجرة كلّ عمل على الآمر به لعدم المنافاة.

و لا يجمع بينهما أي بين العملين لواحد أي لشيء واحد، بأن يبيعه لأحد و يشتريه لآخر،قيل:لأنّ البيع مبني على المكايسة و المغالبة و لا يكون الشخص الواحد غالباً و مغلوباً و العمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالباً فيتوقف على رضاهما بذلك،و حينئذ فمن كايس له استحقّ عليه الأُجرة خاصة (1).

و هو حسن،لكن يشكل إطلاقه بما لو كان السعر مضبوطاً عادة بحيث لا يحتاج إلى المماكسة،أو كانا قد اتّفقا على قدر معلوم و أراد تولية طرفي العقد،و حينئذ يكون عليهما أُجرة واحدة بالسوية سواء اقترنا في الأمر أم تلاحقا،مع احتمال كون الأُجرة على السابق.

و لا يجب أُجرتان،وفاقاً للحلّي و المسالك و الروضة (2)؛ للأصل مع عدم المخرج عنه سوى العمل،و هو لوحدته لا يوجب إلّا اجرة واحدة

ص:184


1- المسالك 1:224.
2- الحلي في السرائر 2:338،المسالك 1:224،الروضة 3:544.

عادةً،و تعدّد الطرفين غير موجب لتعددها،إن لا دليل عليه شرعاً و لا عرفاً.

و هي مع الاقتران في الأمر عليهما موزّعة؛ لعدم المرجّح جدّاً.و كذا مع التلاحق؛ لاستواء الموجب و هو العمل بالإضافة إليهما.

و وجه احتمال تقديم السابق أصالة براءة ذمّة المسبوق،و وجود المرجّح من سبق الأمر الذي له مدخل في الإيجاب قطعاً،و لكن الأوّل أولى.

و ظاهر النهاية و صريح الفاضل في المختلف و المحقق الثاني على ما حكي تعدّد الأُجرة (1).

و لعلّهما نظرا إلى أن أمر الآمر بالعمل إقدام منه على التزام تمام الأجر بحصول المأمور به و رضاء منه بذلك،و لا مدخل لاتّحاد العمل.و لعلّه غير بعيد،سيّما مع كون متعلّق الأمرين طرفي الإيجاب و القبول و جهل أحدهما بأمر الآخر،فتأمّل.

هذا إذا جوّزنا للواحد تولّي طرفي العقد،و إلّا فعدم استحقاق الواحد لهما واضح.

و يحتمل على بُعد أن يكون الضمير المجرور عائداً إلى الإيجاب و القبول المدلول عليهما بالمقام تضمّناً،أو بالبيع و الابتياع،فيكون ذهاباً إلى المنع،أو يعود الضمير إلى الأُجرتين بناءً على المنع من تولّي طرفي العقد، أو غيره.

و لا يضمن الدلّال و كذا السمسار ما يتلف في يده ما لم يفرّط أو يتعدّ؛ لأنه أمين،بلا خلاف أجده.

ص:185


1- النهاية:406،المختلف:399،جامع المقاصد 4:396.

و لو اختلفا في التفريط أو التعدّي و لا بيّنة فالقول قول الدلّال مع يمينه لأنه منكر و ليس عليه إلّا اليمين،بلا خلاف؛ للنبوي (1).

و كذا لو اختلفا في القيمة أي قيمة التالف؛ لأنّ الأصل براءة الذمة من الزيادة.و اللّه العالم بحقائق أحكامه سبحانه.

ص:186


1- علل الشرائع:190،الاحتجاج:92،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.

كتاب الرهن و أركانه أربعة

اشارة

كتاب الرهن و أركانه أربعة:

الأوّل في تعريف الرهن

الأوّل:في بيان الرهن و شرائطه.

و هو لغة:الثبات و الدوام،و منه النعمة الراهنة،أي الثابتة و الدائمة.و يطلق على الحبس بأيّ سبب كان،و منه قوله سبحانه كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [1] (1)أي:بما كسبته من خير أو شرّ محبوسة.

و شرعاً: وثيقة لدين المرتهن إذا تعذّر استيفاؤه ممّن هو عليه استوفى منه أو من ثمنه.

و الوثيقة:فعيلة بمعنى المفعول،أي:موثوق به لأجل الدين،و التاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة،لا للتأنيث،فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ و الخبر في التذكير و التأنيث.مع أن الضمير الواقع مبتدأ لخبرٍ مؤنث إذا كان مرجعه مذكراً يجوز فيه الأمران،نظراً إلى الاعتبارين.

و ليس في إضافة الدين إلى المرتهن دور من حيث أخذ الرهن في تعريف المرتهن،إن عرّفناه في التعريف بصاحب الدين أو مَن له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه.

و التخصيص بالدين مبنيّ إما على عدم جواز الرهن على غيره و إن

ص:187


1- المدَّثر:38.

كان مضموناً كالغصب،أو على أن الرهن عليه إنّما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذّر العين،و فيه تكلّف،مع أنه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.

و كيف كان،هو ثابت بإجماع المسلمين كافّة،كما في المهذب و ظاهر الغنية (1)،و به نصّت الآية الشريفة وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [1] (2)و السنة الخاصيّة و العاميّة به مستفيضة،بل متواترة يأتي إلى ذكرها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

و شرط السفر في الآية مبني على الأغلب،و ليس شرطاً في الصحة بإجماعنا المحكي في كلام جماعة (3)،و النصوص المعتبرة التي منها رواية الدرع المشهورة (4).

و ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه عقد لا بدّ فيه من الإيجاب و القبول الدالّين عليه،و ذكر جماعة (5)منهم أن الإيجاب:

رهنتك،أو:وثّقتك بالتضعيف أو:أرهنتك بالهمزة أو:هذا رهن عندك أو على مالك،أو:وثيقة عندك،أو:خذه على مالك أو بمالك،أو:

أمسكه حتى أُعطيك مالك بقصد الرهن و شبهه مما أدّى المعنى.

قيل:و إنما لم ينحصر هذا العقد في لفظٍ كالعقود اللازمة و لا في الماضي لأنه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه،فغلب

ص:188


1- المهذب البارع 2:492،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- البقرة:283.
3- منهم:الطوسي في الخلاف 3:221،و الفاضل المقداد في كنز العرفان 2:59.
4- درر اللئلئ 1:325،المستدرك 13:418 أبواب أحكام الرهن ب 1 ح 5.
5- منهم المحقق في الشرائع 2:75،الشهيد الثاني في المسالك 1:225،و الروضة 4:54.

فيه جانب الجائز مطلقاً (1).

و فيه نظر،فإن اعتبار ما لم يعتبر هنا في العقود اللازمة إنما هو للاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على المتيقّن،و هو جارٍ في المقام،لتضمّنه اللزوم و لو من طرف الراهن،و عدم اللزوم من جانب المرتهن غير قادح بعد كون المنشأ للاعتبار هو نفس اللزوم المخالف للأصل من حيث هو من دون اعتباره من الطرفين،فتدبّر.

و الأجود الاستدلال عليه بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد،و هو صادق بإحدى العبارات المزبورة،فاشتراط زائد عليها يحتاج إلى دلالة، و هي في المقام مفقودة.

و هذا و إن جرى في العقود اللازمة إلّا أنّ الدلالة على اشتراطه فيها في الجملة حاصلة لولاها لكان حملها حكم المسألة فتكون متّبعة،و قياس المقام عليها فاسد بالضرورة.

و تكفي الإشارة في الأخرس و إن كان عارضاً،أو الكتابة معها بما يدلّ على قصد الرهن لا بمجرّد الكتابة؛ لإمكان العبث،أو إرادة أمر آخر.

و القبول:قبلت،و شبهه من الألفاظ الدالّة على الرضاء بالإيجاب.

و هل يشترط الإقباض فيه؟ الأظهر الأشهر نعم وفاقاً للإسكافي و المفيد و النهاية و القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة العلوي و الطبرسي (2)،مدعياً هو كسابقه الإجماع عليه،و هو خيرة الماتن هنا و في

ص:189


1- الروضة 4:54.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:416،المفيد في المقنعة:622،النهاية:431،القاضي في المهذب 2:46،الحلبي في الكافي:334،الديلمي في المراسم:192،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592،الطبرسي في مجمع البيان 1:400.

الشرائع و الشهيد في كتبه الثلاثة (1).

و الأصل فيه بعد الإجماعات المحكية التي كلّ واحد منها حجّة مستقلة الآية الشريفة المتقدمة المقيّدة للرهان بالمقبوضة،و مفهوم مثله حجّة عرفاً و عادةً،كاشتراط التراضي في التجارة،و العدالة في الشهادة.

و الموثقة:« لا رهان إلّا مقبوضة» (2)و نحوه المروي عن تفسير العياشي (3).

و نفي الصحة أقرب من نفي الكمال إلى نفي الحقيقة المتعذّرة،مع احتمال أن يكون إرادة نفي الحقيقة ممكنة،بناءً على كون القبض جزءاً من مفهوم الرهانة،كما سيأتي إليه الإشارة من دلالة الأخبار عليه و كلام بعض أهل اللغة،و على هذا فتكون: مَقْبُوضَةٌ [1] في الآية صفة موضِحة لا مخصِّصة.

و بهذه الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب و السنة بلزوم الوفاء بالعقود بالضرورة.

و بنحوه يجاب عن إطلاقات الأخبار الواردة في الرهن المعلّقة لأحكامه على مطلقه،مضافاً إلى عدم انصرافها بحكم عدم التبادر و ندرة الرهان الغير المقبوضة إليها بالبديهة،مع أن انصراف الإطلاقات إلى العموم مشروط بعدم ورودها لبيان حكم آخر غير ما يتعلّق بنفسها،و ليست الإطلاقات هنا كذلك جدّاً،فلا عموم فيها أصلاً.

ص:190


1- الشرائع 2:75،الشهيد في الدروس 3:383،و اللمعة(الروضة البهية 4):56،غاية المراد 2:183.
2- التهذيب 7:779/176،الوسائل 18:383 أبواب أحكام الرهن ب 3 ح 1.
3- تفسير العياشي 1:525/156،الوسائل 18:383 أبواب أحكام الرهن ب 3 ح 2.

مضافاً إلى أنه بعد ملاحظة الأخبار المتضمّنة لها يحصل الظن القوي المتاخم بالعلم بتلازم الرهن و القبض،بحيث كادت تدلّ على أنه جزء من مفهومه،كما حكي أيضاً عن بعض أهل اللغة (1)،و بذلك ينادي سياقها، و إن اختلفت في الدلالة عليه ظهوراً و خفاءً.

و بما ذكر سقط حجج القول بالعدم كما عن الخلاف (2)،و هو خيرة الفاضل و ولده و المسالك و الروضة (3)،و تبعهم على ذلك جماعة (4).

ثم ظاهر الآية و الرواية بناءً على أن المتبادر منهما نفي الصحة أو الماهية مع عدم المقبوضية اشتراط القبض في الصحة،و به نصّ الطبرسي في حكايته الإجماع (5)،و به صرّح جماعة (6).و هو ظاهر العبارة و غيرها مما أُطلق فيه اشتراطه؛ لانصرافه إلى الاشتراط في الصحة.

خلافاً لآخرين (7)،فجعلوه شرطاً في اللزوم،منزّلين الخلاف عليه، و هو الظاهر من عبارة الغنية في دعواه الإجماع عليه (8).

ص:191


1- انظر:الفائق في غريب الحديث 2:94،و القاموس المحيط 4:231،و النهاية 2:285.
2- الخلاف 3:223.
3- العلّامة في القواعد 1:161،و ولده في إيضاح الفوائد 2:25،المسالك 1:225،الروضة 4:57.
4- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:417،و ابن فهد في المقتصر:190،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:94،و صاحب الحدائق 20:226.
5- مجمع البيان 1:400.
6- منهم:المفيد في المقنعة:622،و الديلمي في المراسم:192،و الحلبي في الكافي:334.
7- منهم:الشيخ في النهاية:431،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592،و ابن فهد في المهذب البارع 2:46،و الشهيد في الروضة 4:56؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:26.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):592.

و يضعّفه ما مرّ؛ مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على الصحة؛ لانحصار الأدلّة عليها في نحو المسألة في الإجماع،و ليس بمتحقق بالضرورة،و أدلّة لزوم الوفاء بالعقود،و هي بعد الإجماع على عدم اللزوم الذي هو مفادها غير تامّة،و ليس عليها دلالة أُخرى غير ما تقدّم إليه الإشارة بالضرورة.

و يتفرع على القولين فروع كثيرة تعرّض لذكرها الجماعة في كتبهم الاستدلالية.

ثم إن محلّ الخلاف في اشتراط القبض إنما هو أوّل مرّة لا استدامةً، فلو أقبضها الراهن و ارتجعها صحّ الرهن و لزم،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة،كالغنية و كشف الحق و التذكرة و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم الأدلّة،و استصحاب الحالة السابقة من اللزوم و الصحة.

و من شرطه أيضاً أن يكون عيناً فلا يصحّ رهن المنافع،اتفاقاً،كما في المسالك و غيره (2)،لكن صريح المختلف وقوع الخلاف فيه (3).

و هو على المختار واضح؛ لعدم صحة إقباضها إلّا بإتلافها.و كذا على غيره؛ لأنها تستوفى شيئاً فشيئاً و كلّ ما حصل منها شيء عدم ما قبله، و المطلوب من الرهن أنه متى تعذّر استيفاء الدين استوفى من الرهن.

ص:192


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592،كشف الحق:489،التذكرة 2:26؛ المسالك 1:225.
2- المسالك 1:227؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):592،و السرائر 2:416،417.
3- المختلف:423.

قيل:و فيه نظر (1)؛ فإن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط، بل منه أو من بدله،و لو ببيعه قبل الاستيفاء،كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله،و المنفعة يمكن فيها جواز ذلك بأن يوجر العين و يجعل الأُجرة رهناً.

و قريب منه القول في القبض؛ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة و يكون عوضها رهناً.

و فيه:أنه خروج عن المتنازع؛ إذ لا كلام في جواز رهن الأُجرة،إنما الكلام في المنفعة نفسها.

و لا الدين (2)بناءً على المختار من اشتراط القبض؛ لأنه أمر كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه،و ما يقبض بتعيين المديون ليس نفسه و إن وجد في ضمنه.

و احتمال جوازه على هذا القول و الاكتفاء في القبض بما يعيّنه المديون بناءً على صدق قبض الدين عليه عرفاً كهبة ما في الذمّة فرع عموم في الأدلّة يشمل مفروض المسألة،و ليس؛ فإن المتبادر منها قبض المرهون نفسه لا ما هو فرد من أفراده،و صدق القبض عرفاً لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلّة جدّاً.

و ربما يضعّف الاحتمال أيضاً بأن أخذ الرهن ليس إلّا من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة،فكيف يستوثق في استيفائه بمثله؟! .و فيه نظر؛ لاختلاف الديون و مَن عليه الحق في سهولة القضاء و عسره،فكم من ديون متيقّنة الأداء يصلح الاستيثاق بها على غيرها مما

ص:193


1- قال به الشهيد الثاني في حاشية الروضة 4:65.
2- أي:لا يصحّ رهن الدين.

ربما يئس منه أربابها.

مضافاً إلى عدم جريانه فيما لو كان الدين المرهون على المرتهن نفسه،فيحصل منه الاستيثاق و أيّ استيثاق،و القول بالجواز في مثله غير بعيد بناءً على مقبوضية ما في الذمة،إلّا أن في الاكتفاء بمثل هذا القبض سيّما مع الشك في صحة البناء مع عدم انصراف الأدلة الدالّة على اشتراطه إليه نوع نظر مع عدم القول بالفرق.

و من الوجه الأوّل ينقدح الوجه في ضعف التمسّك للجواز على الإطلاق و لو كان الدين المرهون على غير المرتهن و اشترط القبض بالإطلاقات.

و على القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحّة رهنه.

و قد صرّح في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض و عدمه،فقال:لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنه لا يمكن قبضه (1).لكنه في القواعد (2)جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض و عدم جواز رهن الدين،فتعجّب عنه الشهيدان (3)،و هو في محله.

و الاعتذار له عن ذلك:بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه و اعتبار كونه مما يقبض مثله مع تصريحه بالبناء المذكور،غير مسموع إلّا أن يقال باختلاف نظره في البناء في الكتابين،فكم مثل ذلك قد صدر عن مثله و غيره.

و التحقيق:صحّة ما في الثاني من عدم صحّة البناء،و إمكان الجمع

ص:194


1- التذكرة 2:16.
2- القواعد 1:158.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:387،الشهيد الثاني في الروضة 4:66.

بين القولين؛ لعدم المنافاة،مضافاً إلى عدم البُعد في المصير إليه بناءً على الوقوف على ظاهر الأُصول،و عدم الاكتفاء في الخروج عنها بمجرّد الإطلاقات الغير المنصرفة إلى المفروض لعدم تبادره منها.

و يذبّ عن عمومات لزوم الوفاء بالعقود بصرفها إلى ما يتبادر من إطلاقات النصوص في الرهون،فإنه بملاحظتها و النظر فيما ورد في بعضها مما هو كالتعليل لشرعيّة الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض يحصل الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصحّ إلّا فيما يمكن قبضه و إن لم يشترط إقباضه،فمضمون العقد الذي يجب الوفاء به هو الصحيح الشرعي الذي يكون المرهون فيه بنفسه مما يمكن قبضه لا غيره،كما سيأتي في نظائره من عدم لزوم الوفاء فيما لا يمكن قبضه و بيعه،كالحرّ و شبهه،المشار إلى حكمه بقوله: مملوكاً فلا يصحّ رهن الحرّ،إجماعاً مطلقاً،من مسلم أو كافر،عند مسلم أو كافر؛ إذ لا شبهة في عدم ملكه.

و لا الخمر و الخنزير،بلا خلاف إذا كان الراهن مسلماً،و كذا إذا كان المرتهن كذلك و لم يضعهما عند ذمّي،و مع الوضع عنده فكذلك عند الأكثر.

خلافاً للشيخ (1)،فأجازه حينئذ إذا كان الراهن ذمّيا؛ محتجاً بأنّ حق الوفاء إلى الذمي،فيصحّ كما لو باعهما و أوفاه ثمنهما.

و يضعّف بوضوح الفرق؛ فإن فائدة الرهن تسليط المرتهن على المرهون بالبيع و نحوه مما يتضمّن الاستيفاء،و هو هنا ممتنع،و الوضع عند

ص:195


1- كما في المبسوط 2:223.

الذمّي غير مُجدٍ بعد ظهور أن يد الودعي يد المستودع،و لا يأتي هذا المحذور فيما فرضه،لعدم تسليط له عليهما بما يوجب الاستيفاء،بل هو المتسلّط عليه و المتكفّل للإيفاء بنحو من البيع جدّاً.

و من هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم و المصحف عند كافر و لو وضع عند مسلم؛ فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفي آيةً (1)و اتفاقاً.

و قيل:بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم (2)؛ لانتفاء السبيل بذلك،و إن لم يشترط بيعه للمسلم،لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلّا ببيع المالك أو من يأمره أو الحاكم مع تعذّره،و مثله لا يعدّ سبيلاً؛ لتحققه و إن لم يكن هناك رهن.

و فيه نظر،مع غموض الفرق بينه و بين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور،فتدبّر.

و أن يكون مما يمكن قبضه و يصحّ بيعه فلا يصحّ رهن الطير في الهواء؛ لعدم إمكان قبضه.

قيل:و لو لم نشترطه أمكن الجواز؛ لإمكان الاستيفاء منه و لو بالصلح عليه (3).

و فيه نظر؛ فإن مجرّد الإمكان مع الندرة غايتها غير محصِّل للمقصود الذاتي بالرهن و هو الاستيثاق،و معه لا يحصل عموم يدلّ على لزوم الوفاء بمثله؛ لما مرّ،و لعلّه لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض أيضاً.

ص:196


1- النساء:141.
2- المسالك 1:227.
3- الروضة 4:70.

و بما هنا و ما يأتي و ما مضى يتأيّد ما أيّدنا به الفاضل في القواعد فيما تقدّم.

و لا السمك في الماء،إلّا إذا اعتيد عود الأوّل،و شوهد الثاني و انحصر في محلّ،بحيث لا يتعذّر قبضهما عادةً،فيصحّ رهنهما حينئذ مع الإقباض على القول باشتراطه،و مطلقاً على غيره.

و حيث اجتمع الشرائط المزبورة جاز الرهن مطلقاً منفرداً كان المرهون بملك الراهن أو مشاعاً بينه و بين غيره،إجماعاً،كما في الخلاف و الغنية و التذكرة (1).و يتوقّف الإقباض في الثاني على إذن الشريك إما مطلقاً كما قيل (2)،أو إذا كان مما لا يكتفى في قبضه بتخليته،على الأصح؛ لحرمة التصرف في ملك الغير فيما يستلزمه و هو المشروط خاصة، دون ما يكتفى في قبضه بالتخلية،فإنها لا تستدعي تصرّفاً،بل رفع يد الراهن عنه خاصّة و تمكينه منه.

و على تقدير اعتباره فلو قبضه بدون إذن الشريك و فعل المحرّم تمّ القبض على الأصح،فإن النهي الذي توهّم منه القول بعدم التمامية إنما هو لحقّ الشريك خاصة؛ للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً.

و لو رهن ما لا يملكه فإن كان بإذن المالك صحّ،إجماعاً،كما حكاه بعض الأصحاب (3)،و إلّا وقف على إجازة المالك في المشهور بين الأصحاب،و هو ظاهر على القول بالفضولي،كما هو أصحّ القولين.

و لو كان يملك بعضه مضى الرهن و صحّ في ملكه خاصة،

ص:197


1- الخلاف 3:224،الغنية(الجوامع الفقهية):592،التذكرة 2:17.
2- الروضة 4:64.
3- المسالك 1:234.

و توقّف الباقي على الإجازة.

و يشكل الصحة فيما يملك مع جهل المرتهن بالحال و عدم إجازة المالك،أمّا على القول باشتراط تعيّن المرهون و عدم صحة ما فيه جهالة كما هو ظاهر الدروس حاكياً له عن صريح الشيخ مع دعواه الإجماع (1)فظاهر.

و أمّا على القول بعدم الاشتراط و الاكتفاء بالتميّز في الجملة كما عن الفاضل (2)فكذلك؛ لعدم التميّز في مفروض المسألة و يمكن أن يقيّد ما في العبارة بصورة علم المرتهن بالحال.

و في هذا الإشكال نظر واضح،بل لعلّه فاسد.

و حيث جاز قيل:يضمن الراهن،و إن تلف بغير تفريط (3)؛ لأنه عرضه للإتلاف بالرهن.

و فيه نظر،إلّا أن يكون إجماعاً،كما هو ظاهر المسالك (4).

و للمالك إجباره على افتكاكه مع قدرته منه و الحلول؛ لأنه عارية و العارية غير لازمة،أما قبل الحلول فليس له ذلك إذا أذن فيه،كما قالوه.

و للمرتهن مع الحلول و إعسار الراهن أن يبيعه و يستوفي دينه منه إن كان وكيلاً في البيع،و إلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن،سواء رضي المالك بذلك أو لا؛ لأن الإذن في الرهن إذن في توابعه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

ص:198


1- الدروس 3:388،و هو في الخلاف 3:255.
2- قال به في التذكرة 2:14،و المختلف:423.
3- قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:69.
4- المسالك 1:234.

و هو لازم من جهة الراهن و إلّا لانتفت فائدته؛ مضافاً إلى عموم لزوم الوفاء بالعقود.و جائز من طرف المرتهن،بلا خلاف،بل عليه و على الأول الإجماع في ظاهر الغنية،و عن صريح التذكرة (1)؛ و هو الحجة، مضافاً إلى أنه لمصلحة فله إسقاطه.

و الفرق بينهما أن الأوّل يسقط حق غيره و الثاني يسقط حق نفسه.

و لا يشبهه شيء من العقود إلّا عقد الكتابة على قول،و يمكن تمشيته في سائرها على القول بالفضولي مع كونه في أحد جانبيها خاصة.

و يستعقب اللزوم عدم جواز الانتزاع إلّا بإسقاط المرتهن الحقّ من الارتهان بفسخ عقد الرهانة،أو حصول براءة ذمّة الراهن من جميع ما عليه من حق المرتهن بأحد موجباتها.

و في إلحاق حصول البراءة من بعض الحق بها من الجميع في جواز انتزاع مجموع الرهن قولان:

للأوّل كما عن القواعد (2)وقوع الرهن في مقابلة مجموع الدين من حيث هو مجموع،و قد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع،ضرورة ارتفاعه بارتفاع بعض أجزائه.

و للثاني كما عن الدروس و المبسوط مدّعياً الإجماع عليه (3)النظر إلى الغالب من تعلّق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن، و يعضده الأصل و الاستصحاب.

و لا ريب فيه لو شرط كونه رهناً على كلّ جزء،كما لا ريب في الأوّل

ص:199


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592،حكاه عن التذكرة في مجمع الفائدة 9:142.
2- القواعد 1:165.
3- الدروس 3:403،المبسوط 2:201.

لو شرط كونه رهناً على المجموع،لا على كلّ جزء منه.

و هنا مع عدم الشرطين احتمال ثالث قوّاه في المسالك (1)،و هو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الدين و تقسيطه عليها،كما هو مقتضى كلّ معاوضة،فإذا بريء من بعض الدين ينفكّ من الرهن بحسابه،فمن النصف النصف و من الثلث الثلث،و هكذا.

و يستشكل فيه بما لو تلف جزء من المرهون فإنه يقتضي أن لا يبقى الباقي رهناً على مجموع الدين،بل على جزء يقتضيه الحساب.

و دفعه بما ذكر في توجيه الاحتمال الثاني من تعلّق الغرض باستيفاء الدين كلّه من الرهن،حسن لو لم يأب هذا الاحتمال العرف الذي هو الأصل في التوجيه المزبور،و لا بُدّ من التأمّل.

و لو رهنه الراهن على الدين المؤجّل و شرطه أن يكون مبيعاً للمرتهن بذلك الدين،أو بقدر مخصوص إن لم يؤدّه عند حلول الأجل لم يصحّ كلّ من البيع و الرهن،بلا خلاف،كما يظهر من المسالك (2)،و في السرائر الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى انتفاء موجب الصحة من الصيغة،و عدم جواز التعليق في الأوّل و يستعقبه فساد الثاني؛ لفساد المشروط بفساد الشرط،مضافاً إلى أنّه لا يوقّت إلّا بالوفاء.

و في تعليل فساد المشروط بفساد شرطه نظر،يظهر وجهه مما في بحث الشروط من كتاب البيع قد مر (4).فالعمدة في فساده هو الإجماع

ص:200


1- المسالك 1:232.
2- المسالك 1:232.
3- السرائر 2:427.
4- راجع ج 8 ص 376.

المنقول.

و لو قبضه كذلك ضمنه بعد الأجل لا قبله،بناءً على القاعدة المشهورة المبرهن عليها المنفي عنها الخلاف في المسالك (1)في خصوص المسألة:من أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده،و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده،و حيث إن البيع يضمن بصحيحه حكم بالضمان بعد الأجل،لفساده في المقام،و إن الرهن لا يضمن بصحيحه حكم بعدمه قبله.

و السرّ فيهما أنهما تراضيا في لوازم العقد،فحيث كان مضموناً فقد دخل القابض على الضمان و دفع المالك عليه؛ مضافاً إلى عموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (2).

و حيث يكون غير مضمون يكون التسليم واقعاً على اعتقاد صحّة العقد،فلم يقصد المسلّم ضماناً،بل سلّم على قصد العدم،و لم يلتزم للتسليم ضماناً أيضاً،فينتفي المقتضي له.

و يعضده الأصل،و انتفاء المخرج عنه من العموم المتقدّم؛ لعدم انصرافه إلى نحو الفرض مما قصد فيه المسلّم نفي الضمان.

و لكن هذا إنما يتمّ لو كانا جاهلين بالفساد أو عالمين به،فإن الدفع و القبض حينئذ يكون بمنزلة الأمانة،و كذا لو كان الدافع عالماً دون الآخر، و يشكل في العكس،من حيث إن القابض لعلمه بالحال أخذ بغير حقّ و الدافع توهّم الصحة،و إلّا لما رضي بدفع ماله،فينبغي أن يكون مضموناً؛

ص:201


1- المسالك 1:233.
2- عوالي اللآلي 2:10/345،سنن البيهقي 6:90،مستدرك الحاكم 2:47،مسند أحمد 5:8.

للعموم السابق.إلّا أن يدفع بما مرّ من الأصل،و عدم انصراف العموم إلى محل الفرض.

و هذا هو العمدة في توجيه الحكم في الصور السابقة؛ إذ لولاه لأمكن انسحاب هذا الإشكال في الصورة الأُولى منها،من حيث إنّ رضاء المسلّم بدفع العين فيها إنما هو لتوهّم صحّة العقد،بحيث لولاه لما رضي بالدفع.

و لا يدخل حمل الدابة و لا ثمرة النخل و الشجر و نحوهما من النماء الموجود حال العقد في الرهن إلّا بالاشتراط،أو الاتصال الغير القابل للانفصال،عند الأكثر،بل في الانتصار الإجماع (1)،لكن على الحمل خاصّة.

خلافاً للإسكافي،حيث قال بالدخول على الإطلاق (2)؛ تبعاً للأصل.

و لا ريب في ضعفه،و عدم إمكان المصير إليه،لمخالفته الإجماع، و الأصل الدالّ على عدم الدخول،مع عدم المخرج عنه بعد ظهور أنه لا يتناوله لفظ المرهون.

و قيل بدخول نحو الصوف و الوبر مما هو بحكم الجزء (3).

و هو حسن إن حكم العرف بالدخول،و إلّا فالأظهر ما هو المشهور، و لعلّه المفروض.

نعم لو تجدّد النماء بعد الارتهان دخل إن كان متّصلاً لا يقبل الانفصال،كالسمن و الطول،بالإجماع المستفيض النقل في كلام غير واحد من الأصحاب (4).

ص:202


1- الانتصار:230.
2- حكاه عنه في المختلف:418.
3- الحدائق 20:240.
4- كالعلّامة في المختلف:418،و الشهيد الثاني في الروضة 4:89.

و كذا إن كان منفصلاً كأمثلة العبارة،أو ما يقبله كالشعر و الصوف على المشهور،كما عن الإسكافي و أحد قولي الطوسي،و المفيد و القاضي و الحلبي و الحلّي و المرتضى و ابني حمزة و زهرة (1)،و تبعهم من المتأخرين جماعة،كالماتن هنا و في الشرائع و الشهيد في كتبه الثلاثة (2).

و لا يخلو عن قوة.لا لتبعيّة الأصل كما قيل (3)؛ لمنعها في مطلق الحكم،بل إنما هي في الملك و لا كلام فيها.و لا لتبعيّة ولد المدبّرة لها في التدبير؛ لخروجها بالدليل،مع حرمة القياس،و وجود الفارق و هو تغليب جانب العتق.

بل للإجماع المنقول في صريح الانتصار و السرائر و ظاهر الغنية (4)؛ و هو حجّة،سيّما مع اعتضاده بالتعدّد و الشهرة.

و لولاه لكان المصير إلى القول بعدم الدخول كما عن الخلاف و المبسوط (5)و تبعه من المتأخّرين جماعة (6)لا يخلو عن قوّة.لا للمعتبرة الآتية القاضية بأن النماء المتجدّد للراهن؛ لأن غايته الدلالة على التبعيّة في

ص:203


1- نقله عن الإسكافي في المختلف:418،الطوسي في النهاية:434،المفيد في المقنعة:623،القاضي في المهذب 2:61،الحلبي في الكافي:334،الحلي في السرائر 2:424،المرتضى في الانتصار:230،ابن حمزة في الوسيلة:265،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- الشرائع 2:83،الشهيد في الدروس 3:393،و اللمعة(الروضة 4):88،و غاية المراد 2:191.
3- الروضة 4:88.
4- الانتصار:230،السرائر 2:424،الغنية(الجوامع الفقهية):592.
5- الخلاف 3:241،المبسوط 2:215.
6- منهم:العلّامة في القواعد 1:164،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:36،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:132.

الملك،و لا ينافيها الدخول في المرهون كما هو فرض المسألة.بل لأصالتي عدم الدخول،و جواز تصرّف المالك في ماله و نمائه كيف يشاء، خرج منهما الأصل بوقوع الرهن عليه،فبقي الباقي.

و لو اشترط المرتهن الدخول أو الراهن الخروج ارتفع الإشكال، و حكي عليه الإجماع في الدروس (1)،و يعضده عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط؛ مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

و لا ينافي اشتراط الدخول عدم جواز رهن المعدوم؛ لمنعه على العموم،بل يخصّ بما ليس تابعاً لموجود،و أما فيه فيجوز،كما هو المفروض.

و فائدة الرهن مطلقاً للراهن عندنا،و عليه الإجماع في كشف الحق و غيره (2)،و الإجماعات السابقة جارية هنا؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى كثير من المعتبرة التي هي مع تعدّدها موثقات كالصحيحة، فإن في سندها جملة ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة، في اثنتين منها:أن غلّة الرهن تحتسب لصاحب الرهن مما عليه (3).

و في الثالث:إن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟قال:« لصاحب الدار» (4)هذا.

مضافاً إلى المعتبرة الآتية الدالّة على أن هلاك الرهن منه فكذا نماؤه

ص:204


1- الدروس 3:394.
2- كشف الحق:490؛ انظر كشف الرموز 1:542،و المسالك 1:233،و مجمع الفائدة و البرهان 9:170،و مفاتيح الشرائع 3:140.
3- الكافي 5:13/235،التهذيب 7:750/169 و 7:773/175،الوسائل 18:394 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 1 و 4.
4- الكافي 5:12/235،الوسائل 18:395 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 3.

له؛ للتلازم بينهما الثابت ببعضها و ببعض المعتبرة الواردة في [بحث] خيار الشرط، و فيه بعد الحكم بأن النماء للمشتري:« أ رأيت لو أن الدار احترقت مِن مال مَن كانت تكون الدار دار المشتري» (1).

و لم يخالف في المقام عدا العامة فيحتجّ عليهم بما رووه من النبوي:

« لا يُغلق الرهن،الرهن من صاحبه الذي رهنه،له غنمه و عليه غرمه» (2).

و يستفاد منه التلازم المتقدم،مضافاً إلى موافقته للحكمة الربّانية.

و لو رهن رهنين بدينين ثم أدّى عن أحدهما و فكّ ما بإزائه من الرهن لم يجز إمساكه ب الدين الآخر للأصل،و عدم ارتباط أحد الدينين بالآخر،فلا يجوز أخذ رهن أحدهما بالآخر.

و منه يظهر الوجه في أنه لو كان له دينان و أخذ بأحدهما رهن دون الآخر لم يجز إمساكه بهما و لا بدين ثالث.

و لا يدخل زرع الأرض المرهونة في الرهن مطلقاً سابقاً كان على الرهانة أو متجدّداً بعدها،بلا خلاف أجده؛ للأصل،و عدم المخرج عنه في المقام.

الثاني في الحق

الثاني:في بيان الحق المرهون به.

و يشترط ثبوته في الذمة بمعنى استحقاقه فيها مطلقاً،و إن لم يكن مستقراً كالقرض و ثمن المبيع و لو في زمن الخيار مالاً كان كالأمثلة أو منفعة كالعمل و نحوه من المنافع المستأجرة،فلا يصحّ الرهن على ما لم يثبت كمالٍ يستدينه بعدُ،أو يستأجره كذلك،و لا على ما

ص:205


1- التهذيب 7:780/176،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.
2- عوالي اللآلي 3:1/234،المستدرك 13:422 أبواب كتاب الرهن ب 10 ح 3،و انظر سنن الدارقطني 3:32 33،و الجامع الصغير 2:9976/757.

حصل سببه و لم يثبت،كالدية قبل استقرار الجناية و إن حصل الجرح، و لا على مال الجعالة قبل الردّ و إن(شرع في العمل) (1).

و أمّا العين فلا يصحّ الرهن عليها إن كانت أمانة،بالاتفاق،كما عن التذكرة و في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة مضافاً إلى الأدلّة الآتية في المنع عن الرهن على العين المضمونة.

لا ما قيل من امتناع استيفائها بعينها من شيء آخر،كما هو مقتضى الرهن (3).

فإنه يردّ أوّلاً:بإمكان التوثيق بأخذ العوض عند التلف.

و ثانياً:بعدم جريانه في الدين المجمع على جواز الرهن عليه،فإنّ ما يستوفي من الرهن أو ثمنه ليس عين الدين الكلّي الذي اشتغل به الذمة، و لا ريب في تغايره لجزئيّاته و لو في الجملة،سيّما على القول بأن وجوده في الخارج في ضمن الفرد لا عينه.

و كذا إذا كانت مضمونة كالغصب،عند الأكثر.و هو الأظهر؛ للأصل، و عدم دليل على الصحة،لعدم الإجماع بعد استقرار فتوى الأكثر على الخلاف،و اختصاص الآية (4)و جملة من النصوص بالدين،و عدم انصراف إطلاق باقيها بحكم ما سبق غير مرّة إلى محل الفرض.

نعم،بقي العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود،إلّا أنه يمكن الذبّ عنها باختصاصها بحكم الإجماع بالعقود المتداولة في زمان الشرع،

ص:206


1- بدل ما بين القوسين في« ت» و نسخة في« ق» و« ر»:حصل البذل.
2- التذكرة 2:23،المسالك 1:228،المفاتيح 3:137.
3- المسالك 1:228.
4- البقرة:283.

و في كون محل الفرض منها نوع شك و غُموض ينشأ من الشك في تداول مثله فيه،و إن حصل القطع بتداول جنس الرهن فيه،لكن كون المقام من أفراده محل غموض،و تسميته رهناً حقيقة في اللغة و العرف غير معلوم، فلا بُدّ حينئذ من الرجوع إلى حكم الأصل،و هو فساد الرهن،فتأمّل جدّاً.

و بما ذكر سقط حجج القول بالجواز،كما اختاره الشهيدان و حكي عن التذكرة (1)،مع ورود مثلها في الأمانة حيث يحتمل سبب الضمان.

و ما يذبّ به عن الإيراد،من كون العين في محل البحث مضمونة عند الرهن و لا كذلك الأمانة،غير مفهوم،فإنّ مضمونيّة محل البحث مشروط بالتلف و ليس بالفعل على اليقين،و الضمان بالشرط جارٍ في نحو العارية،فإنها و إن لم تكن مضمونة عند العقد بمجرّد التلف فيما بعد، إلّا أنها مضمونة به مع التفريط.

فكلّ من المقامين مضمون عند العقد في الجملة،و إن كان الضمان في الأوّل بمجرّد التلف و في الثاني به مع التفريط،و مجرّد الافتراق بذلك غير مجدٍ للفرق بعد دعوى عموم دليل الجواز و الاشتراك في الضمان في الجملة الذي هو المعيار في دعواهم صحّة الرهن به.

نعم يمكن الذبّ و التفريق بالإجماع.

و أمّا استدلال بعض متأخّري الأصحاب (2)للجواز بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز الرهانة على خصوص المضمون،منها:عن السلم في الحيوان و الطعام و يؤخذ الرهن؟فقال:« نعم،استوثق من مالك ما

ص:207


1- الشهيد الأول في الدروس 3:401 و 403،الشهيد الثاني في المسالك 1:228،و الروضة 4:53،التذكرة 2:23.
2- الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:138.

استطعت» (1).

فإن كان من حيث دلالتها على الجواز في المضمون كما هو ظاهر العبارة فغريب؛ إذ لم تدلّ إلّا على الجواز في السلف و النسيئة؛ و هما من أقسام الدين الجائز فيه أخذ الرهن بالإجماع،و مجرّد تسميته مضموناً مع عدم كونه من محل البحث لعدم كونه عيناً غير مجدٍ في الاستدلال جدّاً.

و إن كان من حيث إشعار التعليل بالاستيثاق بالعموم ففيه أنه بعد عدم وروده إلّا في بعضها،فلا وجه للاستدلال بجميعها.

مضافاً إلى المنافاة لظاهر العبارة،إذ حصول الاستيثاق بهذا الرهن أوّل الكلام،فإنه لا استيثاق إلّا بعد صحته و عدم جواز رجوع الراهن فيه،و هي أوّل البحث.

مع أن عمومها يخرج منه كثير من الرهون الفاسدة التي الصحيحة منها بالإضافة إليها قليلة،و مثل هذا العام خارج عن الحجية،كما برهن عليه في المسائل الأُصولية.

ثم إن في اشتراط ثبوت الدين و استقراره في الذمة قبل الرهن،أم الاكتفاء بالمقارنة،كأن يقول:بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت هذا الثوب به،فقال المشتري:اشتريت و رهنت،قولان،و حكي الأوّل عن الأكثر، و الثاني عن التذكرة (2)،و اختيار الأوّل لا يخلو عن قوّة.

و لو رهن رهناً على مال ثم استدان آخر فجعله عليهما صحّ لعدم المانع،و وجود المقتضي من التوثيق و الارتفاق،سيّما مع زيادة قيمة على الأوّل.

ص:208


1- التهذيب 7:178/42،الوسائل 18:380 أبواب أحكام الرهن ب 1 ح 4.
2- التذكرة 2:23.

و لا يشترط الفسخ ثم التجديد،بل يضمّ بعقد جديد.

و كذا لو رهن على المال الواحد رهناً آخر فصاعداً،و إن كانت قيمة الأوّل تفي بالدين؛ لجواز عروض ما يمنع من استيفائه منه،و لزيادة الارتفاق و التوثيق.

الثالث في الراهن

الثالث:في بيان الراهن.

و يشترط فيه كمال العقل بالبلوغ و الرشد و جواز التصرف برفع الحجر عنه في التصرفات المالية كما في سائر العقود.

و للولي أن يرهن لمصلحة المولّى عليه ماله،كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته أو إصلاح ماله و لم يكن بيع شيء من ماله أعود،أو لم يمكن و توقّفت على الرهن،و يجب كونه على يد ثقة يجوز إيداعه منه.

و لا خلاف في أصل الحكم،بل عليه الوفاق في المسالك (1)،و إنما الخلاف لبعض الشافعية كما فيه.

و كذا يجوز بل ربما قيل يجب أخذ الرهن له،كما إذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة،أو خيف على ماله من غرق أو حرق أو نهب.

و يعتبر كون الرهن مساوياً للحق أو أزيد؛ ليمكن الاستيفاء منه، و كونه بيد الولي أو يد عدل،ليتمّ التوثّق،و الإشهاد على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادةً،فلو أخلّ ببعض هذه ضمن مع الإمكان،كما قالوه، و لا ريب أن فيه احتياطاً لمال اليتيم المبني جواز التصرف فيه عندهم على المصلحة و الغبطة،فضلاً عن عدم دخول نقص عليه.

و ليس للراهن التصرف في الرهن ببيع أو وقف أو نحوهما مما يوجب إزالة الملك،و لا بإجارة و لا سكنى و لا غيرهما مما يوجب

ص:209


1- المسالك 1:229.

نقصه،بلا خلاف فيهما؛ لما في الأوّل من فوات الرهن،و في الثاني من دخول الضرر على المرتهن.

و أما غيرهما مما لا يوجب الأمرين فكذلك على الأشهر الأقوى؛ لإطلاق المروي في المختلف و غيره عنه عليه السلام:« الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» (1).

و للإجماع المحكي عن الطوسي في استخدام العبد و ركوب الدابة و زراعة الأرض و سكنى الدار (2)،و عن الحلّي مطلقاً (3).

خلافاً للمحكي عن محتمل التذكرة (4)،و تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (5)،مستندين إلى الأصل،و عموم الخبر بإثبات التسلط لأرباب الأموال عليها مطلقاً (6).

و خصوص الصحيحين الواردين في تجويز وطء الأمة المرهونة،في أحدهما:رجل رهن جارية عند قوم،أ يحلّ له أن يطأها؟قال:« إن الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها» قلت:أ رأيت إن قدر عليها خالياً؟قال:« نعم، لا أرى عليه هذا حراماً» (7)و نحوه الثاني (8).

ص:210


1- المختلف:421.
2- كما في المبسوط 2:206،237،و الخلاف 3:252.
3- السرائر 2:417.
4- التذكرة 2:29.
5- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:164،و السبزواري في كفاية الأحكام:109،و صاحب الحدائق 20:266.
6- عوالي اللئلئ 1:99/222.
7- الكافي 5:15/235،التهذيب 7:752/169،الوسائل 18:397 أبواب أحكام الرهن ب 11 ح 2.
8- الكافي 5:20/237،الفقيه 3:910/201،التهذيب 7:753/169،الوسائل 18:396 أبواب أحكام الرهن ب 11 ح 1.

و لا يخلو عن قوة لولا الرواية المتقدمة،و الإجماعات المحكية المتقدمة بعضها و الآتي باقيها،المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،لعدم معلومية الخلاف حتى عن التذكرة،كما اعترف به بعض هؤلاء الجماعة (1)،بل ظاهر عبارته المحكية عدم الخلاف في المنع بين الإمامية،حيث نسبه إلى الشافعية خاصة، و لم ينسبه إلى أحد منّا،نعم أيّد مذهبهم،لكن بعبارات ليست في الفتوى بالجواز صريحة،بل و لا ظاهرة.

و أمّا هؤلاء الجماعة فلا ينافي مخالفتهم الإجماع،سيّما و إنّ دأبهم المناقشة في كثير من الموارد الإجماعية،و لا يبالون بالإجماعات المحكية، معتضدةً بالشهرة بل و عدم الخلاف كانت أم غير معتضدة،فيخصّص بالإجماع الدليلان الأوّلان.

و يذبّ عن الخبرين به و بالإجماع المحكي عن صريح المبسوط و الخلاف (2)على أنه لا يجوز وطء الأمة المرهونة،المعتضدين ببعض الوجوه الاعتبارية،المشار إليه بقوله: لأنه تعريض للإبطال في الرهن بالاستيلاد المانع عن البيع،بل ربما حصل معه الموت بسبب الوضع في بعض الأحيان.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر من قول الماتن: و فيه رواية بالجواز مهجورة و نحوه قول الشهيد في الدروس (3)،فاستفاض الإجماع على

ص:211


1- انظر الكفاية:109.
2- المبسوط 2:206،الخلاف 3:231.
3- الدروس 3:400.

المنع عن وطئها عموماً في بعض و خصوصاً في آخر،فلا يقاومه الخبران و إن صحّ سندهما،بل و إن اعتضدا بأحاديث أُخر غيرهما،فقد ورد عنهم عليهم السلام الأمر بطرح الخبر الشاذّ الذي لم يوجد له عامل،و الأمر بالأخذ بالمشتهر بين الأصحاب (1)،معلّلاً بعلّة اعتبارية قاطعة عامة تجري في الفتوى و الرواية.و بها يذبّ عن المناقشة فيه بالاختصاص بالأخيرة؛ لكونها مورد ما دلّت عليه الرواية الآمرة،هذا.

مع احتمالها الحمل على التقية،كما يستشعر من التذكرة و عبارة الشيخ المحكية (2)،حيث عزيا القول بالجواز إلى الشافعية كما في الأُولى، أو مطلقاً كما في الثانية.

و لعلّ وجه الحكمة في المنع عن التصرّفات بالكلّية و إن لم تكن ناقلة و لا منقصة ما ذكره بعض الأصحاب (3):من القصد إلى تحريك الراهن إلى الأداء؛ إذ لو جاز له الانتفاع و لو في الجملة لانتفت الفائدة في الرهانة و الوثيقة،فقد يكتفي ببعض المنافع و يقتصر به عن الباقي.

و مثله و إن لم يصلح دليلاً،إلّا أنه قابل للتأييد القوي جدّاً.

و بما ذكر يظهر الجواب عن مختار المسالك و المهذّب (4)و الصيمري:

من جواز التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن،كمداواة المريض،و رعي الحيوان،و تأبير النخل،و ختن العبد،و خفض الجارية،إن لم يؤدّ إلى النقص،إلّا أن يقال بحصول الإذن بذلك بالفحوى،و لكنه حينئذ خروج

ص:212


1- انظر الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9.
2- التذكرة 2:28،الشيخ في الخلاف 3:231.
3- الشهيد في المسالك 1:231.
4- المسالك 1:231،المهذب البارع 1:496.

عن المفروض جدّاً،لأنه التصرف الذي لم يتحقق فيه إذن أصلاً.

و حيث ثبت المنع لو خالف و تصرّف بدون الإذن،فإن كان بعقد كما لو باعه الراهن مثلاً بدونه صحّ و إن أثم،و لكن وقف على إجازة المرتهن فإن حصلت،و إلّا بطل؛ استناداً فيه إلى ما مرّ،و في الصحة إلى عموم أدلّة الفضولي،أو فحواها إن اختصّت بإجازة المالك.

و إن كان بانتفاع منه أو ممن سلّطه عليه و لو بعقد لم يصحّ،و فعل محرّماً؛ لما مضى.

و في وقوف العتق على إجازة المرتهن أم بطلانه من رأس تردد للمنع كما عن المبسوط (1)كون العتق إيقاعاً فلا يتوقف؛ لاعتبار التنجيز فيه.

و للجواز عموم أدلّة العتق السليمة عن المعارض،بناءً على أن المانع هنا حق المرتهن،و قد زال بالإجازة بمقتضى الفرض.

أشبهه الجواز و الصحّة مع الإجازة،وفاقاً للنهاية و التحرير (2)، و به أفتى الماتن في الشرائع و الصيمري في الشرح،و تبعهم الشهيدان (3)؛ لمنع منافاة التوقف المذكور للتنجيز كغيره من العقود التي يشترط ذلك فيها أيضاً،فإنّ التوقف الممنوع منه هو توقف المقتضي على شرط لا على زوال مانع،و على هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتكّ الرهن لزم.

و هو حسن مع حصول نية التقرب،و هو مع النهي عنه و اشتراطه

ص:213


1- المبسوط 2:206.
2- النهاية:433،التحرير 1:207.
3- الشرائع 2:82،الدروس 3:398،الروضة 4:83.

بالقربة لا يخلو عن التأمّل.

مضافاً إلى الأصل،و عدم عموم في أدلّة لزوم العتق يشمل محل النزاع،و إن كان الأحوط ذلك،بمعنى عدم تملّكه مثل هذا العبد و عتقه في ثاني الحال.

إلّا أنه يمكن الذبّ عن الأوّل بأن متعلّق النهي هو التصرف،و ليس بمعلوم عدّ مثل إجراء صيغة العتق بمجرّده منه،و لعلّه لذا إن الشيخ مع دعواه الإجماع المتقدم (1)جوّز تزويج العبد المرهون في الخلاف و المبسوط (2)،مشترطاً فيه عدم التسليم إلّا بعد الفكّ،و مال إليه الفاضل في المختلف بعد أن ردّه (3)،وفاقاً لموضع آخر من المبسوط (4)قد منع فيه عن التزويج على الإطلاق،مستنداً إلى إطلاق ما مرّ من الخبر (5).

فما ذكره الأكثر من الجواز،هو الوجه مع تحقق العموم،كما هو ظاهر الفريقين،حيث لم يتعرّضوا لمنعه،بل ظاهرهم الإطباق على وجوده،و إنما علّل المانع المنع بما مرّ لا بمنعه،و هو ظاهر في إجماعهم على وجوده.

الرابع في المرتهن

الرابع:في بيان المرتهن.

و يشترط فيه ما اشترط في الراهن و المتعاقدين في سائر العقود:

من كمال العقل بما مرّ و جواز التصرف لاتّحاد الدليل.

و اعلم أن إطلاق الرهن لا يقتضي كون المرتهن وكيلاً في البيع و

ص:214


1- راجع ص:211.
2- الخلاف 3:253،المبسوط 2:238.
3- المختلف:421.
4- المبسوط 2:200.
5- في ص:210.

لكن يجوز اشتراط الوكالة في بيع الرهن عند حلول أجل الدين،له و لوارثه و غيره،في عقد الرهن و غيره من العقود اللازمة،بلا خلاف يعرف،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل، و عمومات الأدلة بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط السائغة الغير المخالفة للكتاب و السنة،و ما نحن فيه منها بالبديهة.

و لو عزل الراهن المشروط له الوكالة،مرتهناً كان أو غيره لم ينعزل عنها،على الأظهر،وفاقاً للفاضلين و الشهيد الثاني و المفلح الصيمري و جماعة (2)؛ للزوم الرهن من جهته،و هو الذي شرطها على نفسه،فيلزم من جهته.

خلافاً لنادر (3)،فقال:ينعزل؛ إما لأن الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها تسلّط كلّ منهما على الفسخ؛ أو لعدم وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً و إن كان في عقد لازم،بل شأنه تسلّط المشروط له على فسخ العقد المشروط فيه؛ أو لأن لزوم الشرط إنما يكون مع ذكره في عقد لازم كالبيع، و ليس كذلك الرهن،فإن ترجيح أحد طرفيه على الآخر ترجيح من غير مرجّح.

و يضعّف الأوّل:بأن جواز الوكالة بحسب الأصل لا ينافي لزومها بسبب العارض،كالاشتراط في العقد اللازم،و هو هنا كذلك.

و الثاني:بمنع عدم وجوب الوفاء بالشرط في العقد اللازم،بل الظاهر

ص:215


1- الغنية(الجوامع الفقهية):592.
2- المحقق في الشرائع 2:79،العلّامة في القواعد 1:161،الشهيد الثاني في الروضة 4:78؛ و انظر الوسيلة:265،و اللمعة(الروضة البهية 4):78،و الحدائق 20:257.
3- الشهيد في اللمعة(الروضة 4):78.

الوجوب،وفاقاً للأكثر،و قد تقدّم البحث في ذلك (1).

و الثالث:بأن عقد الرهن لمّا كان لازماً من طرف الراهن كان ما يلزمه الراهن على نفسه بعقده لازماً من قبله،عملاً بمقتضى اللزوم،و الشرط وقع من الراهن على نفسه فيلزم،و لمّا كان جائزاً من طرف المرتهن كان ما يلزمه كذلك فيجوز له فسخ الوكالة،و هو واضح،لأنه حقّه فله تركه.

و أما فسخ العقد المشروط فيه فغير متوجّه في المقام،بناءً على تعقّبه الضرر على المرتهن.

نعم،لو كان مشروطاً في عقد لازم آخر توجّه الفسخ حينئذٍ،إلّا أن المقصود هنا شرطها في عقد الرهن خاصة.

و أما ما ربما يستدل لهذا القول باتّفاق الأصحاب في الظاهر على أنه تبطل الوكالة المشروطة فيه أي في عقد الرهن بموت الموكّل دون الرهانة بناءً على أن لزومها يستدعي عدم بطلانها،كما هو شأن العقود اللازمة،فالبطلان به منافٍ للّزوم.

فمضعّف بأن تغيّر حكم الوكالة بالشرط لا يوجب تغيّر حقيقتها التي هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكّل،و هي بموت الموكل منتفية، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميّت،لانتقال متعلّق الوكالة إلى الغير،و مع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم،لأن الجواز و اللزوم من أحكام الوكالة،و لا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة.

و كما تبطل بموت الموكّل تبطل بموت الوكيل،لا من حيث كون الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها البطلان بالموت،بل من حيث إنّ

ص:216


1- راجع ص:368 من ج 8.

الغرض من الوكالة الإذن في التصرّف،فيقتصر فيها على من اذن له خاصّة، فإذا مات بطلت من هذه الجهة،كالإجارة المشروط فيها العمل بنفسه،فإنها تبطل بموته.

و أما الرهانة فلا تبطل بموت أحدهما؛ للزومها من جهة الراهن و كونها حقّا للمرتهن.لكن إذا مات أحدهما كان للآخر الامتناع من تسليمه إلى وارثه،و كذا للوارث الامتناع من تسليمه إليه؛ لأن وضعه عند أحد مشروط باتّفاقهما عليه.و إن تشاحّا فللحاكم تسلّمه و تسليمه إلى عدل ليقبضه لهما،كذا قالوه.

و يجوز للمرتهن ابتياع الرهن لنفسه برضاء المالك مطلقاً،كان وكيلاً في بيعه أم لا،إجماعاً على الظاهر؛ للأصل،و العمومات،مع فقد المانع.

مضافاً إلى الصحيح:عن الرجل يكون له الدين على الرجل و معه الرهن،أ يشتري الرهن منه؟قال:« نعم» (1).

و في جوازه بمجرّد وكالته في بيعه مع عدم معلومية رضاء المالك به و بعدمه قولان،مبنيان على جواز بيع الوكيل من نفسه و عدمه،و ليس هنا محل ذكره.و لا ريب أن الترك أو الاستيذان أحوط.

و المشهور جواز ابتياعه لولده و شريكه و من يجري مجراهما.

خلافاً للإسكافي (2)،فمنع عنه أيضاً.و لا شاهد له سوى القياس جدّاً،فإنّ الأخبار المانعة عن بيع الوكيل من نفسه (3)غير ظاهرة الشمول

ص:217


1- الكافي 5:22/237،التهذيب 7:755/170،الوسائل 18:399 أبواب أحكام الرهن ب 13 ح 2.
2- كما حكاه عنه في المختلف:422.
3- الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4.

للمفروض أصلاً.و ما ربما يتوهّم منه الشمول له من حيث التعليل للمنع فيه بالتهمة الجارية فيه ظاهر في كراهة المنع لا تحريمه،فلا وجه للاستناد إليه لإثباته.

و المرتهن أحقّ من غيره باستيفاء دينه من الرهن مطلقاً سواء كان الراهن حياً أو ميّتاً بلا خلاف في الأول فتوًى و رواية،بل عليه الإجماع في ظاهر كلام المقدس الأردبيلي و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن فائدة الرهن شرعاً و عرفاً و لغةً اختصاص المرتهن بالاستيفاء،و مقتضاها تقديمه على غيره من الغرماء.

و منها يظهر الوجه في انسحاب الحكم في الثاني،مع اشتهاره بين الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في ذلك،و إن أشعر كثير من العبارات بوقوعه،و لكن لم يصرّح أحد منهم بقائله،إلّا أن بعض متأخّري المتأخّرين عزاه إلى الصدوق في الفقيه (2)،بناءً على ذكره فيه الرواية المخالفة المشار إليها في العبارة بقوله: و في الميت رواية أُخرى مع ذكره في أوله ما يستدل به على فتواه بها.و فيه نظر.

و المراد بالرواية هنا الجنس،لتعددها،في بعضها:عن رجل أفلس و عليه دين لقوم و عند بعضهم رهون و ليس عند بعضهم،فمات و لا يحيط ماله بما عليه من الدين،قال:« يقسم جميع ما خلّف من الرهون و غيرها على أرباب الدين بالحصص» (3).

ص:218


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:155؛ و انظر السرائر 2:424.
2- حكاه في الحدائق 20:260،عن السيد عبد اللّه بن المقدس السيد نور الدين بن العلّامة السيد نعمة اللّه الجزائري،و هو في الفقيه 3:198 ح 901.
3- الفقيه 3:891/196،التهذيب 7:783/177،الوسائل 18:405 أبواب أحكام الرهن ب 19 ح 1.

و نحوه آخر:« جميع الديّان في ذلك سواء و يوزّعونه بينهم بالحصص» (1)الخبر.

و هما قاصرا الأسانيد،بل الأُولى ضعيفة،و الثانية مع الجهالة مكاتبة، و مع ذلك شاذّتان مخالفتان لما مرّ من الفائدة المتفق عليها فتوًى و رواية.

مضافاً إلى سبق حق المرتهن بالرهانة،و أصالة بقائه و ثبوت سلطنته المتقدمة،و لا يخرج عن هاتين القاعدتين المعتضدتين بعمل الأصحاب في البين بنحو هذين الخبرين اللذين أُمرنا بطرح أمثالهما من شواذّ الأخبار.

و ربما يؤوّلان بتأويلات بعيدة،لكن لا بأس بها،جمعاً بين الأدلّة،هذا.

مع أن في الدروس الرواية مهجورة (2)،و هذه العبارة في دعوى الإجماع على خلافها ظاهرة،بل عبارة السرائر (3)في دعواه صريحة،و في المسالك أن تحقق التعارض في الحي إنما هو إذا كان مفلساً محجوراً عليه؛ إذ بدونه يتخير في الوفاء (4).و هو كذلك.

و لو قصر الرهن عن الدين المرهون به ضرب المرتهن مع الغرماء في الفاضل من الدين؛ لعدم انحصار الحق في الرهن بعقده، فيتناوله عموم الأدلّة بضرب صاحب الدين مع الغرماء في مال المفلس و الميت،و كذلك لو زاد عنه صرفه إلى الغرماء أو الورثة.

و الرهن أمانة في يد المرتهن،و لا يسقط بتلفه شيء من ماله ما لم يتلف بتعدٍ أو تفريط بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر،بل عليه

ص:219


1- الفقيه 3:901/198،التهذيب 7:784/178،الوسائل 18:405 أبواب أحكام الرهن ب 19 ح 2.
2- الدروس 3:404.
3- السرائر 2:424.
4- المسالك 1:230.

الإجماع عن الشيخ و في التذكرة و نهج الحق للفاضل و السرائر و الغنية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،في أحدها:

رجل رهن عند رجل رهناً فضاع [و ضاع] الرهن،قال:« هو من مال الراهن، و يرتجع المرتهن عليه بماله» (2).

و في الثاني:الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شيء أو يضيع، قال:« يرجع عليه بماله» (3).

و في الثالث:الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة،على من يكون؟قال:« على مولاه» ثم قال لي:« أ رأيت لو قتل قتيلاً على من يكون؟» قلت:هو في عنق العبد،قال:« أ لا ترى لِمَ يذهب من مال هذا؟ » ثم قال:« أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟» قلت:لمولاه،قال:« و كذا يكون عليه ما يكون له» (4).

و منه و مما في معناه مما دلّ على التلازم بين النقصان و المنفعة يظهر وجه إمكان الاستناد في المقام إلى المعتبرة المتقدمة الدالّة على أن نماء الرهن للراهن (5)،و لكن بإزائها أخباراً ظاهرة المخالفة بحسب الإطلاق في

ص:220


1- الشيخ في الخلاف 3:256،التذكرة 2:32،نهج الحق:489،السرائر 2:419،الغنية(الجوامع الفقهية):593.
2- الفقيه 3:885/195،الوسائل 18:385 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 1.
3- الكافي 5:11/235،التهذيب 7:757/170،الإستبصار 3:421/118،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 5.
4- الكافي 5:10/234،التهذيب 7:764/172،الإستبصار 3:430/121،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 6.
5- راجع ص:204.

الحكم،منها الصحيح:عن قول علي عليه السلام في الرهن:« يترادّان الفضل» قال:« كان عليه السلام يقول ذلك» قلت:كيف يترادّان الفضل؟فقال:« إن كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه،و إن كان لا يسوى ردّ الراهن ما ينقص من حقّ المرتهن» قال:« و كان ذلك قول علي عليه السلام في الحيوان و غير ذلك» (1).و نحوه الموثق كالصحيح (2).

و حملا على تفريط المرتهن؛ للمرسل في الرهن:« إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه،فإن استهلكه ترادّا الفضل بينهما» (3).

و به أيضاً يشعر ظاهر الصحيح:عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يسوي ثلاثمائة درهم فهلك،أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟قال:« نعم،لأنه أخذ رهناً فيه فضل فضيّعه» قلت:فهلك نصف الرهن،قال:« على حساب ذلك» (4).

و نحوه الخبر:« إذا رهنت عبداً أو دابةً فماتا فلا شيء عليك،و إن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن» (5).

ص:221


1- الكافي 5:7/234،التهذيب 7:761/171،الإستبصار 3:426/119،الوسائل 18:390 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 1.
2- الكافي 5:6/234،التهذيب 7:760/171،الإستبصار 3:425/119،الوسائل 18:391 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 3.
3- الكافي 5:8/234،التهذيب 7:762/172،الإستبصار 3:427/120،الوسائل 18:387 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 7.
4- الكافي 5:9/234،الفقيه 3:904/199،التهذيب 7:763/172،الإستبصار 3:429/120،الوسائل 18:391 أبواب أحكام الرهن ب 7 ح 2.
5- الكافي 5:18/236،التهذيب 7:766/173،الإستبصار 3:431/121،الوسائل 18:388 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 8.

لحمل الهلاكة فيه على الإهلاك ليرتفع المنافاة بين حكمية بالنفي و الإثبات،و هو وجه الإشعار فيه،كالتعليل بالتضييع في الأوّل.

و يمكن أيضاً حملهما على التقيّة؛ لكون الضمان مذهب العامة،كما يظهر من عبائر نقله الإجماع في المسألة،و حكاه الفاضل صريحاً عن أبي حنيفة (1)،و احتجّ عليه كابن زهرة في الغنية (2)بالنبويين المشهورين بين الخاصّة و العامّة،في أحدهما:« لا يغلق الرهن،الرهن من صاحبه،له غنمه و عليه غرمه» (3).و في الثاني:« الخراج بالضمان» (4)و خراجه للراهن إجماعاً.

و ربما يشعر بالورود عليها نسبة الحكم في الأوّل إلى علي عليه السلام خاصة،من دون أن ينسبه إلى نفسه بالمرّة،و هو ظاهر في الورود تقيّة، سيّما مع تكرار ذكر النسبة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة،كالموثق:قلت له:الرجل يرتهن العبد فيصيبه عوراً و ينقص من جسده شيء،على مَن يكون نقصان ذلك؟ قال:« على مولاه» قلت:إنّ الناس يقولون:إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان في جسده،ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد،قال:« أ رأيت لو أنّ العبد قتل قتيلاً على من يكون جنايته؟» قال:« جنايته في عنقه» (5).

ص:222


1- التذكرة 2:32.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):593.
3- عوالي اللئلئ 3:1/234،المستدرك 13:422 أبواب كتاب الرهن ب 10 ح 3،و انظر سنن الدارقطني 3:125/32 133(و فيه بتفاوت يسير).
4- عوالي اللئلئ 1:89/219،سنن ابن ماجة 2:2243/754.
5- الفقيه 3:887/195،الوسائل 18:386 أبواب أحكام الرهن ب 5 ح 4.

ثم إن مفهوم العبارة هنا و في الشرائع (1)سقوط الحق بتلف الرهن مع الضمان،و هو صريح المعتبرة المتقدمة.

و يشكل الاستناد إلى إطلاقها مع مخالفة ظاهر أكثرها المجمع عليه بين الطائفة،و احتمالها الحمل على التقية،كما مرّت إليه الإشارة،و ضعف الرواية السليمة عن القدحين و عدم جابر لها في البين.

مضافاً إلى مخالفتها القاعدة فيما إذا لم يكن الدين من جنس ما يضمن به التالف،فلا يسقط من الحق شيء و إن كان التالف مضموناً، لاختلاف الحقين.

و يمكن حملها على التراضي أو التقاصّ،و إلّا فيشكل الاستناد إليها؛ لما مضى.

و ليس له أي المرتهن التصرف فيه أي الرهن؛ لما مضى في منع الراهن عنه الجاري هنا عموماً و فحوى.

مضافاً إلى المعتبرة،منها الموثق كالصحيح:عن رجل رهن رهناً ثم انطلق فلا يقدر عليه،أ يباع الرهن؟قال:« لا،حتى يجيء» (2).

و نحوه في آخر (3)،مثله في القرب من الصحة،يتضمن سنده كالأوّل من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

و لو تصرف فيه من غير إذن مطلقاً خرج عن الأمانة و ضمن العين مع التلف بالمثل إن كان مثلياً،و بالقيمة يوم التلف إن كان قيميّاً.

ص:223


1- الشرائع 2:80.
2- التهذيب 7:748/169،قرب الاسناد:80،الوسائل 18:385 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 3.
3- الكافي 5:5/234،الفقيه 3:897/197،التهذيب 7:749/169،الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 1.

و ضمن الأُجرة أيضاً إن تصرف في المنفعة بدون الإذن،أو معه على وجه العوض.

و في الصحيح:« في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة، فيزرعها و ينفق عليها من ماله،أنه يحسب له نفقته و عمله خالصاً،ثم ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفي ماله، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها» (1).

و لو كان الرهن دابة قام المرتهن بمئونتها حيث لم يقم الراهن بها وجوباً؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتم إلّا بالإنفاق عليه فيكون واجباً.

و إذا أنفق تقاصّا و رجع كلّ ذي فضل بفضله مع الإنفاق بنية الرجوع لا مطلقاً،إجماعاً،بل يرجع معها خاصّة إمّا مطلقاً،كما هنا و في الشرائع و عن الحلّي و الفاضل (2)،أو بشرط إذن المالك أو الحاكم،أو الإشهاد بعد تعذّرهما،كما قيّده الشهيدان و غيرهما (3).

و يأتي في التقاصّ على إطلاقه ما مضى،و لذا إن الحلّي ذكر الرجوع إلى ما أنفق من دون ذكره.و هو الأوفق بالأصل حيث يمكن الرجوع إليه، إلّا أنه ربما يستفاد من النصوص الآتية بعد الحمل على ما يأتي إليه الإشارة جوازه كذلك،و ربما أيّدته الروايات السابقة،و لا ريب فيه مع المراضاة،و أما مع عدمها فالمصير إلى الأوّل أحوط و أولى.

و كيف كان،هذه الأقوال متّفقة على عدم جواز تصرف المرتهن في

ص:224


1- الكافي 5:14/235،التهذيب 7:751/169،الوسائل 18:395 أبواب أحكام الرهن ب 10 ح 2.
2- الشرائع 2:80،الحلّي في السرائر 2:425،العلّامة في المختلف:418.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:394،الشهيد الثاني في الروضة 4:81؛ مجمع الفائدة و البرهان 9:160.

الرهن بدون إذن الراهن،و رجوع كل منهما معه إلى الآخر فيما يستحقه بعد إنفاق المرتهن،فهو إلى نفقته،و الراهن إلى منفعة ماله على الإطلاق.

خلافاً للطوسي و الحلّي في الدابة (1)،فجوّزا الركوب و الحلب بعد الإنفاق،و حكما بأن المنفعة بإزاء النفقة على الإطلاق،و لو مع عدم المراضاة و تفاوت الحقين بالزيادة و النقصان.

و استندا في ذلك إلى ما في رواية من أن الظهر يُركب و الدرّ يُشرب،و على الذي يَركب و يَشرب النفقة (2) رواها السكوني.

و قريب منها الصحيح:عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير،إله أن يركبه؟قال:فقال:« إن كان يعلفه فله أن يركبه،و إن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه» (3).

و الأوّل قاصر السند،و إن روى إلى الراوي في الموثق،إلّا أنه كالثاني مخالف للأدلّة المتقدمة القاطعة على عدم جواز تصرف كلّ من الراهن و المرتهن في الرهن بدون إذن الآخر.

مع مخالفتهما القاعدة المقرّرة في الضمان،فإنّ مقتضاها ما تقدّم إليه الإشارة:من رجوع الراهن بحق المنفعة و المرتهن بحق النفقة،و تخصيص كلّ من هاتين القاعدتين المعتضدتين بالإجماع في الأصل،و الشهرة العظيمة في خصوص المسألة جرأة عظيمة،فإنه لا يقاوم شيئاً منهما الروايتان بالضرورة.

ص:225


1- الطوسي في النهاية:435،الحلّي في السرائر 2:425.
2- الفقيه 3:886/195،التهذيب 7:775/175،الوسائل 18:398 أبواب أحكام الرهن ب 12 ح 2.
3- الكافي 5:16/236،الفقيه 3:889/196،التهذيب 7:778/176،الوسائل 18:397 أبواب أحكام الرهن ب 12 ح 1.

مع احتمالهما الحمل على ما حملهما عليه الأصحاب:من حصول الإذن و مساواة الحقّين،و هو و إن كان بعيداً غايته،إلّا أنه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

و قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل في شرح الإرشاد الإجماع عليه (1)بأن للمرتهن استيفاء دينه من الرهن و إن لم يكن وكيلاً في البيع،أو انفسخت الوكالة بموت الراهن إن خاف جحود الراهن أو الوارث للحق و لم يتمكّن من إثباته عند الحاكم لعدم البينة أو غيره من العوارض؛ لعدم الحرج و الضرر في الشرع.

و للخبر،و ربما عدّ من الحسن،بل الصحيح:رجل مات و له ورثة، فجاء رجل فادّعى عليه مالاً و أن عنده رهناً،فكتب عليه السلام:« إن كان له على الميت مال و لا بيّنة له عليه فليأخذ ماله مما في يده،و ليردّ الباقي على ورثته،و متى أقرّ بما عنده أُخذ به و طولب بالبينة على دعواه،و أوفى حقه بعد اليمين،و متى لم تقم البينة و الورثة ينكرون فله عليهم يمين علم، يحلفون باللّه تعالى ما يعلمون على ميّتهم حقّا» (2).

و المرجع في الخوف إلى القرائن الموجبة للظن الغالب لجحوده، و ربما احتمل كفاية مطلق الاحتمال.

و يستفاد من الخبر المستند في الحكم أنه لو اعترف المرتهن بالرهن و ادّعى الدين على الراهن و لا بيّنة له فالقول قول الوارث،و له إحلافه إن ادّعى عليه العلم بثبوت الحق؛ مضافاً إلى موافقته الأصل العام،

ص:226


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:161.
2- الفقيه 3:901/198،التهذيب 7:784/178،الوسائل 18:406 أبواب أحكام الرهن ب 20 ح 1.

مع عدم خلاف فيه في المقام.

و لو باع المرتهن الرهن بدون إذن الراهن وقف على الإجازة و صحّ بعدها،على الأشهر الأقوى من جواز الفضولي،و بطل الرهن،كما لو أذن ابتداءً أو باع هو بإذن المرتهن مطلقاً،لزوال متعلّقه.

و لا يجب جعل الثمن رهناً إلّا مع اشتراطه.

قيل:أما إذا أتلفه متلف إتلافاً يقتضي العوض كان العوض رهناً؛ لإمكان الاستيثاق به و عدم خروجه عن الفرض،لكنه يبطل وكالة المرتهن في الحفظ و البيع إن كانت لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف الأموال.

انتهى (1).

و في الفرق و تعليل قيام العوض مقام المتلف رهناً نظر يظهر وجهه لمن تدبّر.

و لو كان المرتهن وكيلاً في بيع الرهن فباع بعد الحلول صحّ البيع بلا ريب،و جاز له استيفاء دينه من الثمن إما مطلقاً،كما ربما يظهر من إطلاق مفهوم سياق العبارة،و به صرّح في الشرائع و عن جماعة (2)،أو بشرط توافق الدين مع الثمن في الجنس و الوصف،كما عن آخرين (3).

و الوجه إن لم يكن إجماع على خلافه عدم الجواز مطلقاً؛ للأصل، و عدم دليل على الجواز سوى الإذن في البيع،و هو لا يستلزم الإذن في

ص:227


1- مفاتيح الشرائع 3:139.
2- الشرائع 2:82؛ و انظر التحرير 1:206،و الدروس 3:389،و مفاتيح الشرائع 3:140.
3- نقله عنهم في الحدائق 20:275.

الاستيفاء.

و الشرط في القول الثاني غير مخصّص له؛ لعدم قيام دليل صالح عليه،و إن قيل مثله فيما إذا كان ما في ذمّة المديون مثل الدين في الوصفين،فإنّه يجوز له الأخذ مقاصّةً حينئذ من دون توقّف على المراضاة.

و يمكن الاستناد للأوّل أوّلاً:بظواهر النصوص المتقدمة بجواز المقاصّة الجارية في المسألة بحكم المظنّة الحاصلة من التتبع لها و الاستقراء.

و ثانياً:بقيام القرينة الحالية في الإذن بالبيع بعد الحلول على الرخصة في الاستيفاء في الأغلب،و ينزل عليه إطلاقات الجواز في نحو عبارة الشرائع.

و لو أذن الراهن في البيع قبل الحلول جاز البيع،و لكن لم يستوف دينه من الثمن حتى يحلّ الأجل؛ لعدم الاستحقاق قبله، و الإذن في البيع لا يقتضي تعجيل الاستيفاء،بل و لا مطلقة إلّا مع قيام القرينة،كما مضى.

و اعلم أنه إذا حلّ الدين فإن كان المرتهن وكيلاً في البيع و الاستيفاء جازا له،و عليه يحمل إطلاق الموثق،بل ربما عُدّ من الصحيح:عن الرجل يكون عنده الرهن،فلا يدري لمن هو من الناس،فقال عليه السلام:« لا أُحبّ أن يبيعه حتى يجيء صاحبه» ثم قال:« إن كان فيه نقصان فهو أهون لبيعه فيؤجر فيما نقص من ماله،و إن كان فيه فضل فهو أشدّهما عليه،يبيعه و يمسك فضله حتى يجيء صاحبه» (1).

ص:228


1- الكافي 5:4/233،الفقيه 3:896/197،التهذيب 7:747/168،الوسائل 18:384 أبواب أحكام الرهن ب 4 ح 2.

و إلّا لم يجز له تولّيهما،و عليه يحمل إطلاق الموثقين اللذين في بحث حجر المرتهن عن التصرف قد مضيا (1)،بل طلبهما منه،أو الإذن فيهما،فإن فعل،و إلّا رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بهما،فإن أبى كان له حبسه،لأنه ولي الممتنع.

و للخبر:« كان أمير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه،ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص،فإن أبى باعه فقسّمه فيهم» يعني ماله (2).

و لو لم يمكن الوصول إلى الحاكم لعدمه أو بُعده قيل:احتمل جواز استقلاله بالبيع بنفسه و استيفاء حقّه،كما لو ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون الجاحد مع عدم البيّنة،وفاقاً لجماعة (3).

و لا بأس به؛ دفعاً للضرر و الحرج المنفيين آية و رواية؛ مضافاً إلى إطلاق الموثّق المتقدم.و لا يعارضه في المقام الموثقان؛ لعدم انصرافهما إليه.

و يلحق به مسائل النزاع،و هي أربع

اشارة

و يلحق به مسائل النزاع،و هي أربع:

الأُولى يضمن المرتهن قيمة الرهن

الاُولى:يضمن المرتهن قيمة الرهن إذا أتلفه بتعدٍّ أو تفريط و ثبت بإقراره أو البينة يوم تلفه وفاقاً للأكثر،كما في الدروس و المسالك،و به أفتيا فيهما و في الروضتين،وفاقاً للشيخين و الفاضلين (4)،

ص:229


1- راجع ص:223.
2- الكافي 5:1/102،التهذيب 6:412/191،الإستبصار 3:15/7،الوسائل 18:416 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 1.
3- التذكرة 2:32،المسالك 1:232،مجمع الفائدة و البرهان 9:161.
4- الدروس 3:405،المسالك 1:235،اللمعة(الروضة البهية 4):90،المفيد في المقنعة:623،الطوسي في النهاية:431،المحقق في الشرائع 2:85،العلّامة في القواعد 1:164.

و اختاره كثير من المتأخّرين (1)؛ لأنه وقت الانتقال إلى القيمة،و الحق قبله كان منحصراً في العين و إن كانت مضمونة.

و لقائل أن يقول:لا منافاة بين انحصار الحق في العين قبل التلف و انتقال قيمتها قبله إلى الذمة بعده،و لا بدّ من التأمّل.

و قيل:يوم قبضه،و به أفتى في الشرائع (2)،و حكاه كالفاضل في القواعد (3)قولاً في المسألة،و اعترف جماعة بأنه مجهول القائل،و ربما أشعر بجهالته أيضاً العبارة،حيث لم ينظمه في سلك الأقوال المنقولة،و مع ذلك لا دليل عليه يعتدّ به.

و يضعّف أيضاً بأنه قبل التفريط غير مضمون فكيف يعتبر قيمته فيه.

و هو كما ترى؛ لما مضى.

و قيل:أعلى القِيَم من حين القبض إلى حين التلف و يظهر من المهذب أنه كالثاني في جهالة القائل (4)،و ليس كذلك،فقد حكي عن المبسوط في كثير من العبارات كشرح الشرائع للصيمري و المسالك و غيرهما (5)،بل ذكر الأول أنه قول مشهور نقله فخر الدين و اختاره و نقله المقداد أيضاً (6)،و هو مشهور في المصنفات.

ص:230


1- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 5:131،و السبزواري في الكفاية:108،و صاحب الحدائق 20:234.
2- الشرائع 2:85.
3- القواعد 1:164.
4- المهذب البارع 2:502.
5- المسالك 1:236،و انظر التنقيح الرائع 2:174،و الحدائق 20:282.
6- فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:35،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:174.

و لعلّه أحوط،بل و أجود،إما لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشقّ الأحوال،أو لاقتضاء شغل الذمّة اليقيني البراءة كذلك و لا تحصل إلّا بذلك.

و قيل بالأعلى من يوم التلف إلى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة،كما عن الإسكافي (1).

و يضعف بأن المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمي.

و قيل بالأعلى من يوم التفريط إلى يوم التلف،اختاره الفاضل في المختلف و الصيمري في شرح الشرائع و ابن فهد في المهذب (2)؛ لأنّه من حين التفريط كالغاصب.

و يتوقف على الثبوت.

و لا ريب أن ما قدّمناه أحوط،و إن كان الأوّل لا يخلو عن قرب.

ثم إن هذا كله إذا كان قيميّاً.و لو كان مثليّا ضمنه بمثله إن وجد،و إلّا فقيمة المثل عند الأداء،وفاقاً لجماعة كالمختلف و المسالك و الروضة (3)؛ لأن الواجب عنده إنما كان المثل و إن كان متعذّراً،و انتقاله إلى القيمة بالمطالبة،بخلاف القيمي؛ لاستقرارها في الذمّة من حين التلف على الإطلاق.

و لو اختلفا في القيمة فالقول قول الراهن وفاقاً للشيخين و القاضي و الديلمي و التقي و ابني حمزة و زهرة (4)في الغنية مدّعياً فيها

ص:231


1- حكاه عنه في المختلف:417.
2- المختلف:417،المهذب البارع 2:502.
3- المختلف:417،المسالك 1:236،الروضة 4:91.
4- المفيد في المقنعة:623،الطوسي في النهاية:431،القاضي في المهذب 2:69،الديلمي في المراسم:193،التقي في الكافي في الفقه:335،ابن حمزة في الوسيلة:266،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):593.

الإجماع عليه،و في الدروس و المسالك (1)عزياه إلى الأكثر؛ نظراً إلى كون المرتهن خائناً بتفريطه فلا يقبل قوله.

و يضعّف بأن قبول قوله من جهة إنكاره لا من حيث كونه أميناً أو خائناً.

و قيل:القول قول المرتهن مع يمينه،كما عن الحلّي و تبعه الشهيدان و كثير من المتأخرين (2) و هو أشبه لأنه منكر،و الأصل براءة الذمة من الزائد؛ و للنبوي العام:« البيّنة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (3).

و لكنه يشكل بحكاية الإجماع المتقدّمة المعتضدة بالشهرة القديمة، فالمسألة محلّ إشكال و ريبة،و إن كان مختار المتأخّرين لا يخلو عن قوّة.

الثانية لو اختلفا فيما عليه الرهن فالقول قول الراهن

الثانية:لو اختلفا فيما عليه الرهن من الدين،فادّعى المرتهن زيادته و الراهن نقصه فالقول قول الراهن وفاقاً للأكثر،كالصدوق و الطوسي و القاضي و التقي و ابن حمزة و الحلّي و ابن زهرة (4)مدّعيين عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل و النبوي المتقدمين،و المعتبرة المستفيضة،منها

ص:232


1- الدروس 3:406،المسالك 1:236.
2- الحلّي في السرائر 2:421،الشهيد الأول في اللمعة(الروضة البهية 4):92،الشهيد الثاني في المسالك 1:236؛ و انظر الشرائع 2:85،و المختلف:417،و الحدائق 20:282.
3- سنن الدارقطني 4:52/218،سنن البيهقي 10:252.
4- الصدوق في المقنع:129،الطوسي في النهاية:431،القاضي في المهذب 2:73،التقي في الكافي:335،ابن حمزة في الوسيلة:266،الحلي في السرائر 2:421،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):593.

الصحيح:في رجل يرهن عند صاحبه رهناً و لا بيّنة بينهما فيه،ادّعى الذي عنده الرهن أنه بألف درهم،و قال صاحب الرهن:إنه بمائة،قال:« البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف درهم،فإن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين» (1)و نحوه الباقي (2)الموثقة جميعها،بل ربما قيل بصحة بعضها (3).

و في رواية قاصرة السند (4)،ضعيفة التكافؤ عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة أن القول قول المرتهن ما لم يَدَّعِ زيادةً عن قيمة الرهن و هو في غاية الضعف و إن حكي عن الإسكافي (5).و ربما يحتمل الحمل على التقية؛ لفتواه بها،مع الاعتضاد بكون الرواية عن السكوني الذي هو من قضاة العامة.

الثالثة لو قال القابض هو رهن،و قال المالك هو وديعة،فالقول قول المالك مع يمينه

الثالثة:لو اختلفا في الرهانة ف قال القابض: المرتهن هو رهن،و قال المالك: الراهن هو وديعة،فالقول قول المالك مع يمينه مطلقاً،وفاقاً للأكثر،كما في المسالك (6)،بل المشهور،كما في الدروس (7)،و ربما أشعر عبارة الماتن هنا بالإجماع عليه؛ لأصالة عدم الرهن الذي يترتب عليه عدم جواز التصرف المخالف لها بالضرورة،

ص:233


1- الكافي 5:2/237،التهذيب 7:769/174،الإستبصار 3:432/121،الوسائل 18:402 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 1.
2- انظر الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 الأحاديث 2،3،4.
3- انظر روضة المتقين 7:373.
4- الفقيه 3:895/197،التهذيب 7:774/175،الإستبصار 3:435/122،الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 4.
5- كما حكاه عنه في المختلف:417.
6- المسالك 1:236.
7- الدروس 3:406.

و لكونه منكراً فيشمله النبوي المتقدم.

و للصحيحين،في أحدهما المروي في التهذيب:في رجل رهن عند صاحبه رهناً،فقال الذي عنده الرهن:أرهنته عندي بكذا و كذا،و قال الآخر:إنما هو عندك وديعة،فقال:« البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا و كذا،فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين» (1).

و في الثاني المروي في الكافي في رجل قال لرجل:لي عليك ألف درهم،فقال الرجل:لا،و لكنها وديعة،فقال عليه السلام:« القول قول صاحب المال مع يمينه» (2).

و فيه رواية أُخرى بل روايات بالعكس،منها:عن متاع في يد رجلين أحدهما يقول:استودعتكه،و الآخر يقول:هو رهن،قال:فقال:

« القول قول الذي يقول:إنه رهن عندي،إلّا أن يأتي الذي ادّعى أنه أودعه بشهود» (3).

و منها:« يسأل صاحب الوديعة البينة،فإن لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن» (4).

و نحوها رواية أُخرى (5)هي كسابقتيها معتبرة الأسانيد بالموثقية في بعض،و القرب منها في آخر،و من الصحة في ثالث.

ص:234


1- التهذيب 7:769/174،الوسائل 18:400 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 1.
2- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:777/176،الوسائل 18:404 أبواب أحكام الرهن ب 18 ح 1.
3- الكافي 5:4/238،الفقيه 3:888/195،التهذيب 7:776/176،الوسائل 18:401 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 3.
4- الكافي 5:1/237،الوسائل 18:403 أبواب أحكام الرهن ب 17 ح 2.
5- الفقيه 3:906/199،الوسائل 18:401 أبواب أحكام الرهن ب 16 ح 2.

إلّا أنها متروكة و إن عمل بها جماعة،كالصدوق في المقنع و الطوسي في الاستبصار (1)؛ لضعفها عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة،سيّما بين متأخّري الطائفة.

و هنا قولان آخران مفصِّلان بين صورتي اعتراف المالك بالدين فالثاني،و إنكاره له فالأول،كما في أحدهما،و نسب إلى ابن حمزة (2).

و في الثاني المحكي عن الإسكافي (3)التفصيل بين صورتي اعتراف القابض للمالك بكونه في يده على سبيل الأمانة ثم صار رهناً فالأوّل، و ادعاؤه إيّاه ابتداءً فالثاني.

و لا حجة عليهما واضحة سوى ما يذكر لهما من الجمع بين الأخبار و الأدلّة،و هو فرع المقاومة التي هي في المقام مفقودة،مع عدم وضوح شاهد عليهما،و تعارض أحدهما بالآخر بالضرورة.نعم للأوّل في الصورة الأُولى ظاهر الحال،و لكنه غير صالح لمعارضة الأصل و ما مرّ من النصوص في هذا المجال.

الرابعة إن اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه

الرابعة:إن اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه بلا خلاف يظهر،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول المتقدمة السليمة هنا عن المعارض.

ص:235


1- المقنع:129،الاستبصار 3:122.
2- الوسيلة:266.
3- حكاه عنه في المختلف:417.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):593.

كتاب الحَجر

اشارة

كتاب الحَجر هو:لغة المنع و الحظر و التضييق،و شرعاً:ما أشار إليه الماتن في تعريف المحجور من أنه هو الممنوع من التصرف في ماله شرعاً.

و هو ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع،قال سبحانه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً [1] (1)و قال جلّ شأنه وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [2] (2).و هو قسمان:حجر على الإنسان لحقّ غيره،كالمفلّس لحقّ الغرماء، و المريض لحقّ الورثة،و المكاتب لحقّ السيد،و الراهن لدين المرتهن؛ و حجر عليه لحقّ نفسه،و هو ثلاثة:الصبي و المجنون و السفيه.

و قد يورد على التعريف مناقشات سهلة ليس للتعرض لذكرها و الجواب عنها مزيد فائدة.

أسباب الحَجر

و أسباب الحَجر بحسب ما جرت عادة الأصحاب بذكره في الباب ستة و إلّا فهي أزيد،و هي: الصغر،و الجنون،و الرقّ،و المرض، و الفلس،و السفه قيل (3):وجه الحصر أن الحجر إمّا عام للأموال و الذِّمَم أو خاصّ

ص:236


1- النساء:5.
2- النساء:6.
3- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:246.

بالأوّل،و الأوّل:إما أن يكون ذا غاية يعلم زوال سببها أم لا،و الأوّل ذو السبب الأوّل،و الثاني ذو الثاني،و الثاني:إما أن يكون الحجر فيه مقصوراً على مصلحة المحجور عليه أو لغيره،و الأول ذو السادس،و الثاني:إما أن يكون مالكاً للمحجور عليه أو لا،و الأول ذو الثالث،و الثاني:إما أن يكون موقوفاً على حكم الحاكم أو لا،و الأوّل ذو الخامس،و الثاني ذو الرابع.

و ثبوت الحجر بالستة مجمع عليه،كما عن التذكرة (1)،و به صرّح جماعة؛ و هو الحجة المخصّصة للأصل و عموم الأدلّة بإثبات السلطنة؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية فيما عدا الأوّلين،و الآية الثانية،و السنة المستفيضة الآتي إلى ذكر بعضها الإشارة في الأوّل،و فحواهما في الثاني،مع تأيّد الحكم فيه مطلقاً و في غير المميّز من الأوّل بالاعتبار جدّاً.

يزول حجر الصغير بوصفين

اشارة

و لا يزول حجر الصغير إلّا بوصفين،

الأوّل البلوغ

الأوّل:البلوغ،و هو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و نهج الحق و التذكرة و غيرها من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة المخصّصة.

مضافاً إلى النصوص العاميّة و الخاصيّة المعتبرة بالشهرة،و تضمّن سندها مَن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،و سيأتي إلى ذكرها الإشارة.

و ظاهرهما بحكم التبادر و صريح العبارة و جماعة (3)اعتبار الخشونة و عدم الاكتفاء بمطلق الشعر.و لا ريب فيه؛ لعدم خلوّ المولود عنه في

ص:237


1- التذكرة 2:73.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):594،نهج الحق،491،التذكرة 2:73؛ و انظر الخلاف 3:281.
3- منهم:الطوسي في المبسوط 2:283،و العلّامة في القواعد 1:168،و الشهيد الثاني في المسالك 1:246.

جميع الأحيان حتى حين الولادة،مضافاً إلى الأصل.

و في التقييد بالعانة إخراج لغيره من الشعور النابتة في نحو الوجه من المواضع المعهودة.و هو أحد القولين في المسألة،بل ظاهر المسالك أن عليه إجماع الإمامية (1)مع أنه في الروضة حكم بأن القول الآخر لا يخلو عن قوة (2).و هو كذلك،وفاقاً للتحرير و جماعة (3)؛ لإطلاق بعض المعتبرة كعبارة الغنية في حكايته الإجماع المتقدمة.

مضافاً إلى وقوع التصريح بإلحاق شعر الوجه بالعانة في بعض تلك المعتبرة (4).

و في كونه أمارة البلوغ أو سبقه قولان،ظاهر الأُصول و أكثر أدلّة اعتباره الأوّل،و إن حكي الثاني في المسالك عن الأكثر (5).

أو خروج المني و هو الماء الذي يتكوّن منه الولد من الموضع المعتاد بالإجماع المستفيض النقل في كتب جملة من الأصحاب،كالغنية و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (6)؛ و مع ذلك تظافرت به الآيات الشريفة إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ [1] (7)وَ الَّذِينَ [2]

ص:238


1- المسالك 1:246.
2- الروضة 2:145.
3- التحرير 1:218؛ و انظر المبسوط 1:266،الحدائق 20:346،ملاذ الأخيار 12:287.
4- التهذيب 7:1544/382،الإستبصار 3:855/237،الوسائل 20:278 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 9.
5- المسالك 1:246.نُسب فيه إلى المشهور.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):594،التذكرة 2:74؛ و انظر المسالك 1:247.
7- النور:59.

لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ [1] (1) حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ [2] (2).و الاحتلام هو خروج المني،كما عن التذكرة (3).و ظاهره عدم الفرق بين أن يكون الخروج في نوم أو يقظة،خلافاً للمحكي عن بعض أهل اللغة،فجعله الأوّل خاصّة (4).

لكن الظاهر أن النوم غير معتبر في البلوغ اتفاقاً،كما في الكفاية (5).

و نحو الآيات المعتبرة المستفيضة التي علّق فيها التكاليف اللازمة على الحلم،و سيأتي إلى بعض منها الإشارة.

مضافاً إلى الصحيحين،في أحدهما:« لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم» (6).

و في الثاني:« انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشُدّه،و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله» (7).

و نحوه المروي عن الخصال:متى يجوز أمر اليتيم؟قال:« حتى يبلغ أشدّه» قال:و ما أشدّه؟قال:« احتلامه» (8).

و الخبر:عن الغلام متى يجب عليه الصوم و الصلاة؟قال:« إذا راهق

ص:239


1- النور:58.
2- النساء:6.
3- التذكرة 2:74.
4- كالقاموس المحيط 4:100،و مجمع البحرين 6:50.
5- الكفاية:112.
6- الفقيه 3:1308/276،الوسائل 21:460 أبواب أحكام الأولاد ب 74 ح 1.
7- الكافي 7:2/68،الفقيه 4:569/163،التهذيب 9:737/183،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 9.
8- الخصال:3/495،الوسائل 18:412 أبواب الحجر ب 2 ح 5.

الحلم و عرف الصلاة و الصوم» (1).

و يشترك في هذين الدليلين الذكور و الإناث لإطلاق أدلّتهما؛ مضافاً إلى الإجماع عليه قطعاً.

أو السنّ و هو في الذكر بلوغ خمس عشرة سنة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حكاه جماعة،كالمهذب و المسالك و شرح الشرائع للصيمري و المفاتيح و الكفاية (2)،بل في الثاني كاد أن يكون إجماعاً،و به يشعر ظاهر الشرائع و اللمعة (3)،حيث لم ينقل الخلاف فيه مع نقله له في الأُنثى خاصة؛ مضافاً إلى وقوع التصريح به في الخلاف و الغنية (4)،و عن ظاهر الطبرسي و غيره (5)،حيث نسباه إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيدة للعموم لغة،و عن كنز العرفان أيضاً،و ذكر فيه أنه من شعار الشيعة و الشافعية (6).

و هو الحجة،مضافاً إلى الأُصول الكثيرة القطعية،و المعتبرة المستفيضة العاميّة و الخاصيّة،فمن الأولة النبويان المرويان في الغنية (7)في أحدهما:« إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله و ما عليه و أُخذت منه الحدود» .

ص:240


1- التهذيب 2:1587/380،الإستبصار 1:1559/408،الوسائل 4:19 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 3.
2- المهذب 1:294،المسالك 1:247،المفاتيح 1:14،الكفاية:112.
3- الشرائع 2:100،اللمعة(الروضة البهية 2):144.
4- الخلاف 3:282،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
5- الطبرسي في مجمع البيان 2:9؛ و انظر التذكرة 2:75.
6- كنز العرفان 2:102.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):594.

و من الثانية المعتبرتان،في إحداهما:« الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في البيع و الشراء» إلى أن قال:« و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عنه اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (1).

و في الثانية:« الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و تزوّجت و دفع إليها مالها و أُقيمت الحدود التامة عليها و لها» فقلت:الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟فقال:« الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» (2)الحديث.

و في ذيله المذكور في الاستبصار في كتاب النكاح في باب أولياء العقد كصدر الأوّل (3)،الغير المذكورين في هذا المحل دلالة أيضاً على المطلب.

و هما مع اعتبار سنديهما بالقرب من الصحة بتضمّنهما لابن محبوب الذي قد حكي على تصحيح رواياته إجماع العصابة (4)منجبرتان كالنبويين،بل معتضدتان بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ و بالإجماعات المحكية،و الأُصول القطعية،و المخالفة للعامة،كما يستفاد من عبائر نقله الإجماعات في

ص:241


1- الكافي 7:1/197،الوسائل 18:410 أبواب الحجر ب 2 ح 1.
2- التهذيب 7:1544/383،الوسائل 20:278 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.
3- الاستبصار 3:855/237.
4- انظر رجال الكشي 2:1050/830.

المسألة،و يؤيّد بمخالفة الإسكافي،حيث حكم بالبلوغ بالأربع عشرة (1)، فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و لم نقف للمخالف على حجة سوى ما يستدل له من الصحيح:في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟قال:« ما بينه و بين خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة» (2)الحديث.

و المناقشة فيه واضحة،بل ربما يستدل به على قول الأكثر؛ لظهوره في عدم إلزامه بالصوم قبل الخمس عشرة،لمكان التخيير المنافي للوجوب العيني،و حيث لا قول بالوجوب التخييري حتى من الإسكافي تعيّن حمل الأخذ فيه على الأخذ الاستحبابي.

مضافاً إلى شهادة صدره به حيث سئل فيه في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟فقال:« فيما بين سبع و ستّ سنين» فقال:في كم يؤخذ بالصيام (3).إلى آخر ما مرّ.

و الأخذ الأوّل للاستحباب بالإجماع،فكذلك الثاني،لظاهر السياق.

و تحديده إلى الحدّ المذكور ظاهر بل لعلّه صريح في ارتفاعه بالبلوغ إليه، و هو ملازم للوجوب بعده،إذ لا قائل بالإباحة حينئذٍ،مع منافاتها الاعتبار بالضرورة.

و في رواية أنه من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة (4) في سندها عبد اللّه بن جبلة و عدة من الجهلاء،و مع ذلك هي شاذّة لم يوجد قائل بها،

ص:242


1- نقله عنه في المختلف:423.
2- الكافي 4:2/125،الوسائل 10:233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 1.
3- التهذيب 2:1590/381،الإستبصار 1:1563/409،الوسائل 4:18 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 1.
4- التهذيب 6:856/310،الوسائل 19:367 أبواب أحكام الوصايا ب 45 ح 3.

و غير مكافئة لشيء من الأدلّة المتقدمة.

و بهذين يجاب عن المعتبرة الأُخر الواردة في المسألة،كالموثقين، في أحدهما:« إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيّئات و جاز أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» فقال:و ما السفيه؟فقال:

« الذي يشتري الدراهم بأضعافه» قال:و ما الضعيف؟قال:« الأبله» (1).

و في الثاني:« إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيّئة و عوقب،فإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك،و ذلك أنها تحيض لتسع سنين» (2).

و الحسن بالوشّاء:« إذا بلغ أشُدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين،احتلم أو لم يحتلم،كتبت عليه السيئات،و كتبت له الحسنات،و جاز له كل شيء إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (3).

و مع ذلك يحتمل التقية،فالعجب كل العجب من الكفاية،حيث استوجه العمل بها مع عدم تصريح منه بقائل بها بالمرة (4).

و بنحو ذلك يجاب عما في رواية أُخرى من حصول الإدراك ب بلوغ عشرة و هي كثيرة واردة في الطلاق و الوصية (5).

ص:243


1- التهذيب 9:731/182،الوسائل 19:363 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 8.
2- الكافي 7:6/68،التهذيب 9:741/184،الوسائل 19:365 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 12.
3- الكافي 7:7/69،الخصال:4/495،الوسائل 19:364 أبواب أحكام الوصايا ب 44 ح 11.
4- الكفاية:112.
5- انظر الوسائل 19:360 أبواب الوصايا ب 44،و ج 22:77 أبواب مقدمات الطلاق ب 32.

لكنها غير صريحة في تحقق البلوغ به،بل و لا ظاهرة؛ لاحتمال إرادة رفع الحجر عنه في الأُمور المذكورة كما ذهب إليه جماعة (1)و هو غير ملازم لحصول البلوغ به بالكلّية،و مع ذلك قاصرة السند يأتي عليها ما مرّ إليه الإشارة،و مع ذلك معارضة بأقوى منها في بحث الطلاق كما يأتي ثمة.

و يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة أن الإدراك في الأُنثى ب بلوغ تسع سنين و عليه الإجماع في الغنية و السرائر و الخلاف و التذكرة و الروضة (2)؛ و هو حجّة أُخرى.

خلافاً للمحكي عن المبسوط و ابن حمزة (3)،فنفيا البلوغ به،و أثبتاه بالعشرة.

و لا حجة لهما واضحة من فتوى و لا رواية عدا ما في الكفاية و غيره (4)، فأسندا مذهبهما إلى رواية،و لم أقف عليها،فهي مرسلة،مع ظهور عبارته في أنها بحسب السند قاصرة،فمثلها غير صالحة للحجية،مع عدم معارضتها للأدلّة المتقدمة فتوى و رواية،و الأُصول بما مرّ مخصَّصة.

و في الموثق:عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟فقال:« إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة،فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم،و الجارية مثل ذلك،إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت

ص:244


1- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 2:514 و الشهيد في المسالك 1:247،و انظر التنقيح الرائع 2:180.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):594،السرائر 2:199،الخلاف 3:282،التذكرة 2:75،الروضة 2:144.
3- المبسوط 2:283،ابن حمزة في الوسيلة:137.
4- الكفاية:112؛ المسالك 1:247.

قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم» (1).

و هو كما ترى شاذّ؛ مضافاً إلى قصور السند،و عدم المكافأة لشيء مما مرّ.

ثم إن مقتضى الأُصول المتقدمة و ظاهر النصوص و العبارات الحاكمة بالبلوغ بالتسع و الخمس عشرة سنة بحكم التبادر و الصدق عرفاً و عادة إنما هو السنتان كاملة،فلا يكفي الطعن فيهما بالبديهة،و به صرّح جماعة كالمسالك و غيره (2)،و ظاهره كغيره أن ذلك مذهب الأصحاب كافة،و قد وقع التصريح باشتراطه في بعض النصوص المتقدمة،كالنبوي في الذكر و أُولى المعتبرتين التاليتين له في الجارية (3)،فمناقشة بعض الأجلّة (4)في ذلك و احتماله الاكتفاء بالطعن عن الكمال واهية.

و للإسكافي،فصار إلى عدم ارتفاع الحجر عنها بالتسع إلّا بالتزويج و الحمل (5).

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،بل الدليل على خلافه لائح.

الثاني الرشد

الثاني:الرشد،و هو كما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف، و ساعده العادة و العرف أن يكون مصلحاً لماله بحيث يكون له ملكة نفسانية تقتضي إصلاحه،و تمنع إفساده و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء،لا مطلق الإصلاح،لاجتماعه مع السفه المقابل للرشد جدّاً،

ص:245


1- التهذيب 2:1588/380،الإستبصار 1:1560/408،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 12.
2- المسالك 1:247؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:14،و الحدائق 20:350.
3- راجع ص:241.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:190.
5- نقله عنه في المختلف:423.

مع عدم صدق الرشد بمجرّده عرفاً و عادة.

و في اعتبار العدالة في الرشد تردّد ينشأ من عموم أدلّة ثبوت السلطنة لأرباب الأموال (1)،و إطلاق الأدلّة كتاباً و سنة بدفع أموال اليتامى بإيناس الرشد (2)من غير اعتبار أمر آخر،و المفهوم من الرشد في العرف كما عرفت هو مجرّد إصلاح المال على الوجه المتقدم و إن كان فاسقاً، و ليس لعدمه مدخلية في مفهومه عرفاً،كيف لا و هو أمر شرعي مغاير له من حيث هو هو قطعاً،فكيف يعتبر ما لا مدخلية لهم في فهمه فيما هو متداول بينهم و متعارف عندهم تعارفاً شائعاً.

و من النهي عن إيتاء السفهاء المال (3)،مع ما روي أن شارب الخمر سفيه (4)،و لا قائل بالفرق.

و عن ابن عباس أن الرشد هو الوقار و الحلم و العقل (5).

و الأوّل أظهر،وفاقاً للأكثر،بل عليه عامة من تأخّر؛ لما مرّ،و ضعف الدليل الآخر،فإن إطلاق السفيه على الشارب في الرواية بعد الإغماض عن سندها أعمّ من كونه على الحقيقة التي عليها المدار في جميع الألفاظ الواردة في الكتاب و السنة،و المحاورات اللغوية و العرفية،فيحتمل المجاز، بل و يتعين،لعدم التبادر،و صحة السلب عنه في العادة بعد استجماعه شرائط الرشد ما عدا العدالة.

ص:246


1- عوالي اللئلئ 1:99/222،198/457،و ج 2:383/138.
2- النساء:6؛ و انظر الوسائل 18:410 أبواب الحجر ب 2،و ج 19:336 أبواب الوصايا ب 45.
3- النساء:6.
4- تفسير العياشي 1:22/220،الوسائل 19:368 أبواب الوصايا ب 45 ح 8.
5- الدر المنثور 2:121،المجموع(للنووي)13:368.

و الرواية عن ابن عباس غير ثابتة،و على تقديرها فهي مقطوعة للحجيّة غير صالحه،إلّا أن يقال بكونه من أهل اللغة و الخبرة فيعتبر كلامه من هذه الجهة.

و لكن المناقشة فيه بعد معلومية مخالفته للعرف و اختيارنا لزوم تقديمه على اللغة عند المعارضة واضحة،فالقول باعتبارها كما عن المبسوط و الخلاف و في الغنية (1)ضعيف غايته،و إن ادّعى في الأخير عليه إجماع الإمامية؛ لوهنه في المسألة بمصير الأكثر إلى خلافه،مع عدم ظهور مخالف لهم سوى الطوسي في الكتابين خاصّة،و مع ذلك فعبارته بالاعتبار المحكية غير صريحة فيه،بل و لا ظاهرة،من حيث التعبير عنه بالاحتياط الظاهر في الاستحباب،فلم يبق قائل به صريحاً،بل و لا ظاهراً إلّا مدّعي الإجماع،فكيف يصلح مثله دليلاً؟ و الاستصحاب لو تمسّك به مندفع بالإطلاقات.

و ربما أيّد المختار جماعة (2)بأن مع اعتبار العدالة لم يقم للمسلمين سوق بالمرّة و لم ينتظم للعالم حالة؛ لأن الناس إلّا النادر منهم إما فاسق أو محتملة،و الجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط بالضرورة،و أنه ما نقل في الروايات و أقوال العلماء المعاصرين للأئمّة عليهم السلام مع عموم البلوى بالأيتام و أموالهم المنع عن معاملتهم و مناكحتهم و غير ذلك بدون العدالة.

و قد ورد في النصوص الأمر بالمعاملة و المناكحة من غير تقييد بالعدالة،و في كثير من المعتبرة دلالة على جواز معاملة الفسّاق و أهل السرقة

ص:247


1- المبسوط 1:284،الخلاف 3:283،الغنية(الجوامع الفقهية):594.
2- منهم:الشهيد في المسالك 1:248،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:194،و صاحب الحدائق 20:352.

و أخذ جواز العمّال و الظلمة،و على جواز بيع الخشب لمن يعمل صنماً و العنب لمن يعمل خمراً.

و فيه مناقشة؛ لعدم تماميّته إلّا على تقدير اشتراطها على الإطلاق، و ليست كذلك بمشترطة،فقد صرّح الأصحاب بأن اعتبارها على القول به إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة،و عليه حكي الإجماع في التذكرة (1)، و بذلك صرّح القائلان في الكتب المزبورة،و إن احتاطوا باعتبارها أيضاً في الاستدامة.

فعلى هذا يمكن أن يمنع ما ذكر من المؤيّدات في المسألة؛ لاحتمال ابتنائها على وجه الصحّة و هو حصول العدالة ابتداءً و إن طرأ بعدها وصف الضدّ،و مرجعه إلى حمل أفعال المسلمين على الصحة،و هو شيء متّفق عليه بين العلماء كافّة،مستفاد من النصوص المعتبرة،و سيرة المسلمين في جميع الأمصار و الأزمنة.

و لا يضرّ معه الجهل بالشرط في المسألة،كما لا يضرّ معه الجهل بكثير من الشروط المعتبرة في الأموال المبتاعة في أسواق المسلمين، كالجلود المشترطة فيها التذكية و مطلق الأموال المشترطة في المعاملة بها و ابتياعها الملكيّة،و عدم كونها سرقة،و غير ذلك مما لا يعدّ كثرةً،و منه مفروض المسألة بالإضافة إلى شرط أصل الرشد الذي هو إصلاح المال.

فلو صحّ التمسك بالمؤيّدات المزبورة لنفي اعتبار العدالة لصحّ التمسك بها لنفي اعتبار أصل الرشد؛ لتساوي نسبتها إليهما بالضرورة، فكما لا يضرّ الجهل بالشروط فيما عدا المسألة بناءً على حمل أفعال

ص:248


1- التذكرة 2:75.

المسلمين على الصحة فكذلك فيها بالبديهة،لتساوي النسبة.

و مع عدم الوصفين البلوغ و الرشد أو أحدهما استمرّ الحجر عليه و لو طعن في السنّ و بلغ خمساً و عشرين سنة،اتفاقاً منّا،كما في نهج الحق و المسالك و غيرهما (1).

خلافاً للحنفية،فمنعوا عن حجره بعد بلوغه إلى المدة المذكورة (2)، و عموم الأدلّة عليه حجة.

و يعود الحجر بعد عود السبب إلّا الفسق فلا يعود بعوده،إجماعاً، كما مرّ عن التذكرة (3)،و به صرّح القائلان باشتراط العدالة كما تقدّم إليه الإشارة.

و يعلم رشد الصبي باختباره بما يلائمه من التصرفات و الأعمال ليظهر اتّصافه بالملكة و عدمه،فمن كان من أولاد التجار فوّض إليه البيع و الشراء بمعنى مماكسته فيهما على وجههما و يراعى إلى أن يتمّ مساومته ثم يتولاّه الولي إن شاء،فإذا تكرّر ذلك منه و سلم من الغبن و التضييع في غير وجهه فهو رشيد.

و إن كان من أولاد من يصان عن ذلك اختبر بما يناسب حال أهله، إمّا بأن يسلّم إليه نفقة مدّة لينفقها في مصالحه أو مواضعها التي عُيّنت له، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم،أو نحو ذلك،فإن وفى بالأفعال الملائمة فهو رشيد.

ص:249


1- نهج الحق:492،المسالك 1:248؛ و انظر الروضة 4:109.
2- التفسير الكبير 9:189،أحكام القرآن للجصّاص 1:489.
3- التذكرة 2:75.

و من تضييعه إنفاقه في المحرّمات،إجماعاً،كما في التذكرة (1)،أو في الأطعمة التي لا تليق بحاله بحسب وقته و بلده و شرفه و صنعته،و الأمتعة و اللباس كذلك.

و إن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال،كالغزل و الخياطة و شراء آلاتهما المعتادة لأمثالها بغير غبن،و حفظ ما يحصل في يدها من ذلك،و المحافظة على اجرة مثلها إن عملت للغير،و حفظ ما تليه من أسباب البيت و وضعه على وجهه،و صون الأطعمة التي تحت يدها عن مثل الهرة و الفأرة و نحو ذلك،فإذا تكرّر ذلك منها على وجه الملكة ثبت رشدها،و إلّا فلا.

و لا يقدح فيها وقوع ما ينافيها نادراً من الغلط و الانخداع في بعض الأحيان؛ لوقوعه من الكاملين كثيراً.

قيل:و وقت الاختبار قبل البلوغ (2)،عملاً بظاهر الآية (3).

و هو كذلك إن أُريد به جوازه قبله،لا انحصار وقته فيه.بل يمكن أن يراد وجوبه؛ حذراً من منع ربّ المال من التصرف فيه بعد بلوغه.

و يثبت الرشاد بشهادة رجلين به في الرجال بلا إشكال فيه و في ثبوت غيره من أمارات البلوغ بهما أيضاً،و إن كان الفرض مع عدالة الشهود نادراً،إجماعاً،و قد حكاه صريحاً بعض أصحابنا (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى عموم الأدلّة بقبول شهادتهما،و الاستقراء.

ص:250


1- التذكرة 2:75.
2- المبسوط 2:284.
3- النساء:6.
4- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 9:200.

و بشهادة الرجال منفردين أو النساء كذلك،أو ملفّقات منهنّ و منهم كرجل و امرأتين في النساء بلا خلاف في الظاهر،بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في الأوّل، و النصوص المستفيضة الدالّة على الاكتفاء بشهادتين منفردات فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً (2)في الثاني،بناءً على كونه منه بلا إشكال،و بفحواها يستدل على الثالث؛ مضافاً إلى لزوم الحرج بالاقتصار على الأوّل.

و يعتبر في الثبوت بالشهادة ما يذكر من الشرائط في بحثها من العدالة و قيامها عند الحاكم و حكمه به.

خلافاً لبعض الأجلّة فاكتفى بالعدالة عن الأخيرين (3)؛ نظراً منه إلى الشك في اشتراطهما هنا،بل و مطلق المواضع،و سيأتي الكلام معه في بحثها بعون اللّه سبحانه.

و اعلم أن بتعريف الرشد المتقدم يعرف السفيه المتّصف بضدّه و هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة و يفسدها و لا يصلحها.

و مما تقدّم من الإجماع و غيره يظهر وجه منعه عن التصرفات المالية و إن حدث سفهه بعد رشده.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة،منها:« إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة و ولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلّط واحداً منهم على ماله الذي

ص:251


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:200،لم نعثر على غيرها من عبارات الفقهاء ادّعي فيها الإجماع،كما أشار إليه أيضاً في مفتاح الكرامة 5:251.
2- انظر الوسائل 27:350 أبواب الشهادات ب 24.
3- مجمع الفائدة و البرهان 9:199.

جعله اللّه تعالى قياماً» (1)الحديث.

و مقتضاه كالأصل،و عموم آية المنع عن تمكين السفيه من المال (2)،و مفهوم فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [1] (3)و منطوق:« فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً» (4)الدالّين على الحجر بمجرّد السفه عدم توقّفه على حكم الحاكم.و كذا زواله؛ لظاهر الآية الأُولى،و هو أحد القولين المشهورين في المسألة و أصحّهما،وفاقاً لجماعة (5).

خلافاً لآخرين (6)،فاعتبروا حكمه في ثبوته و زواله؛ نظراً منهم إلى مخالفة كلّ منهما للأصل فيقتصر فيهما على المتيقن،و هو ما كان بحكم الحاكم،كالمفلّس.

و وجه النظر فيه ظاهر لكلّ متدبّر فيما مرّ و ناظر.

و هنا قولان آخران مفصِّلان بين الثبوت فالأوّل،و الزوال فالثاني،كما في أحدهما؛ و بينهما بالعكس،كما في الثاني،و الأوّل مختار اللمعة (7)، و الثاني مجهول القائل،كما صرّح به جماعة (8).

و كيف كان فلو باع و الحال هذه أي بعد ثبوت حجره بمجرّد

ص:252


1- تفسير القمي 1:131،المستدرك 13:241 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 5.
2- النساء:5.
3- النساء:6.
4- البقرة:282.
5- منهم:العلّامة في التحرير 1:219،و الشهيد في الروضة 4:107،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:196،و صاحب الحدائق 20:360.
6- كالشيخ في المبسوط 2:286،و المحقق في الشرائع 2:103،و العلّامة في التذكرة 2:77.
7- اللمعة(الروضة البهية 4):107.
8- منهم:الشهيد في المسالك 1:249 و صاحب الحدائق 20:363.

ثبوت سفهه،أو بشرط حكم الحاكم به على الاختلاف لم يمض بيعه و إن ناسب أفعال العقلاء إلّا مع إجازة الولي،فيمضي على القول بالفضولي و جواز بيع السفيه بإذن الولي،كما هو مذهب الفاضل و غيره (1).

خلافاً للطوسي و ابن حمزة (2)،فمنعا منه؛ و حجتهما عليه غير واضحة،مع اقتضاء الأصل و العمومات السليمة عن المعارض في المقام جوازه.

و كذا لو وهب أو أقرّ بمال لم يمضيا مطلقاً،كسائر تصرفاته المالية؛ لمكان حجره عنها.

و مقتضى الأصل،و عمومات أدلّة جواز التصرفات،مع اختصاص أدلّة حجر هذا الفرد كتاباً و سنة و إجماعاً بالمال:أنه يصحّ تصرفاته الغير المالية من نحو طلاقه و ظهاره و إقراره بما لا يوجب مالاً كالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص و إن كان نفساً،و كالنسب و إن أوجب النفقة على الأصحّ؛ لتضمّنه أمرين غير معلومي التلازم،فيقبل في أحدهما دون الآخر،كالإقرار بالسرقة على وجه يؤخذ بالمال دون القطع.

و عليه ففي الإنفاق على المقرّ له من مال المقرّ أو بيت المال قولان، و لا خلاف في أصل الحكم على الظاهر،مضافاً إلى الإجماع المحكي في بعض العبائر (3).

و المملوك المراد به ما يشمل المملوكة،لعموم الأدلّة ممنوع

ص:253


1- العلّامة في التذكرة 2:78؛ و انظر الشرائع 2:101،و المسالك 1:249،و جامع المقاصد 5:198.
2- الطوسي في المبسوط 2:286،ابن حمزة في الوسيلة:235.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:212.

من جميع التصرفات الماليّة و غيرها إلّا الطلاق،أو إذا كانت بإذن المولى إجماعاً في أصل المنع،كما قدّمناه في بحث عدم مالكيّته عن المختلف (1)،و حكاه أيضاً غيره في غيره و في الاستثناء الأخير أيضاً (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الآية الكريمة عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (3)في الأول،و النصوص المستفيضة بل المتواترة في المقامين،مضى بعضها في البحث المتقدم و غيره،و يأتي بعض منها في النكاح و غيره.

و على الأشهر الأظهر في الاستثناء الأوّل إذا كانت الزوجة غير أمة المولى،كما يأتي في بحثه.

خلافاً لآخرين،فنفوا خياره فيه أيضاً؛ التفاتاً إلى صحاح كثيرة يأتي الكلام عليها ثمة.

و عن التذكرة استثناء الضمان أيضاً؛ لأنه تصرف في الذمة لا بالعين (4).

و يردّه عموم الآية،مع عدم وضوح شاهد على التخصيص بالبديهة.

و المريض ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تقدّم و تأخّر،و ادّعى في الغنية عدم الخلاف فيه (5)،بل في الشرائع و غيره (6)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:254


1- راجع ص:58.
2- مجمع الفائدة و البرهان 9:213.
3- النحل:75.
4- التذكرة 2:87.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):604.
6- الشرائع 2:260؛ و انظر الحدائق 20:353.

النصوص المستفيضة،بل المتواترة (1).

قيل:خلافاً لوالد الصدوق (2)و بعض النصوص القاصرة سنداً و دلالةً و مقاومة لما مرّ من وجوه عديدة جدّاً (3).و سيأتي الكلام في المقام في بحث الوصية إن شاء اللّه تعالى مستقصًى.

و كذا الكلام في منعه عن التبرعات المنجّزة الغير المعلّقة على الوفاة،كالهبة و الوقف و التصدق و المحاباة في البيع أو الإجارة أو نحو ذلك،إذا كانت زيادة على الثلث،فيمنع عنها كالوصية على الخلاف الآتي ذكره في بحثها إن شاء اللّه تعالى مستقصًى.

و حيث تصرّف في محل المنع توقّف على إجازة الورثة و لا تقع من أصلها فاسدة،بلا خلاف؛ للمعتبرة الآتية ثمة.

و الأب و الجدّ للأب و إن علا يَليان على الصغير و المجنون بلا خلاف،كما في المسالك (4)،بل إجماعاً،كما عن التذكرة و في غيرها (5)؛ و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة،بل المتواترة الواردة في التزويج (6)،الصريحة في ثبوت ولايتهما عليهما فيه،المستدل بها بالفحوى و الأولوية في المسألة؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الواردة في بحثي أموال الأيتام و الوصية و غيرهما من المباحث الكثيرة.

فلا ريب و لا خلاف في المسألة،و لا في نفوذ تصرّفات أحدهما مع

ص:255


1- انظر الوسائل 19:275 أبواب الوصايا ب 11.
2- نقله عنه في المختلف:510.
3- انظر الوسائل 19:280 أبواب الوصايا ب 11 ح 16،19.
4- المسالك 1:250.
5- التذكرة 2:80،مجمع الفائدة و البرهان 9:231.
6- انظر الوسائل 20:275 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6.

فقد الآخر،أو الموافقة و عدم المعارضة،أو سبق تصرف المتصرف منهما.

و أما مع التقارن ففي تقديم الأب،أو الجدّ،أو البطلان،احتمالات، بل و أقوال،أوسطها الوسط،لفحوى ما دلّ على ثبوته في التزويج من الإجماعات المحكية و النصوص المستفيضة.

فإن فُقِدا فالوصي لأحدهما فإن فُقِد الوصي فالحاكم بلا خلاف فيهما و في الترتيب بين الأولياء،و كون المراد بالحاكم حيث يطلق من يعمّ الفقيه الجامع لشرائط الفتوى،بل على الأخير الإجماع في المسالك (1)؛ و هو الحجة فيه،كالنصوص المستفيضة الواردة في الوصية في ثبوت ولاية الوصي،و يستفاد من بعضها ثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصي و للمؤمنين مع فقده (2)،و هو كثير،بل لعلّه مستفيض ذكر بعضها مع الخلاف في الأخير في كتاب التجارة (3)،و باقي الأخبار تعرف من كتاب الوصية.

ثم الولاية في مال السفيه الذي لم يسبق له رشد كذلك للأب و الجدّ، إلى آخر ما ذكر،وفاقاً للشهيدين و غيرهما (4)؛ عملاً بالاستصحاب، و فحوى ما دلّ على ثبوتها في النكاح من الإجماع المحكي في عبائر كثير من الأصحاب (5).

ص:256


1- المسالك 1:250.
2- الوسائل 17:362 أبواب عقد البيع و شروطه ب 16،و ج 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.
3- راجع ج 8 ص:220.
4- الروضة 4:106،و انظر المفاتيح 2:265.
5- انظر المسالك 1:448،و المفاتيح 2:265.

خلافاً للأكثر،كما في المسالك و غيره (1)،فأثبتوها هنا للحاكم على الإطلاق.

و لا دليل عليه يعتدّ به إلّا ما قيل من ظهور توقّف الحجر عليه و رفعه على حكمه في كون النظر إليه (2).

و فيه نظر؛ لمنع التوقف أوّلاً،كما مضى (3).ثم منع الظهور ثانياً؛ لعدم التلازم جدّاً،إذا لا منافاة بين توقّف الأمرين على حكمه و كون النظر و الولاية إلى الأبوين بعده أصلاً.

و إن سبق رشده و ارتفع عنه الحجر بالبلوغ معه ثم لحقه السفه فللحاكم الولاية دونهم.

قيل:لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلّا بدليل،و هو منتف،و الحاكم وليّ عامّ لا تحتاج توليته إلى دليل و إن تخلّف في بعض الموارد (4).و ظاهر المسالك و الروضة و غيرهما (5)عدم الخلاف فيه.

فإن تمّ إجماعاً كان هو الحجة،و إلّا فالقول بالولاية للأبوين هنا أيضاً لا يخلو عن قوة؛ التفاتاً إلى ثبوته في بحث التزويج على الأقوى بالأولوية.

مضافاً إلى ظهور الإجماع من التذكرة المشار إليها ثمة (6)،المستلزمة لثبوت الحكم هنا بأولوية أُخرى زيادة على الأولوية الأوّلة،و سيأتي ثمّة بيان ضعف التعليل المتقدم لإثبات ولاية الحاكم في المسألة.

ص:257


1- المسالك 1:250،قال:هو أشهر القولين.
2- المسالك 1:250.
3- في ص 253.
4- قال به الشهيد الثاني في الروضة 4:106.
5- المسالك 1:250،الروضة 4:106؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:232.
6- التذكرة 2:586.

و هذا القول هو الظاهر من العبارة و ما ضاهاها،حيث أُطلق فيها المجنون بحيث يشمل من اتّصل جنونه بصغره و من تجدّد له ذلك بعد رشده،و السفيه بالإضافة إلى المال بمعنى المجنون،و لعلّه لذا لم يذكر وليّ السفيه اكتفاءً منه ببيان وليّ المجنون،و اللّه العالم.

ص:258

كتاب الضمان

اشارة

كتاب الضمان و هو يطلق على معنيين،أحدهما أخصّ من الآخر،و الأعمّ عبارة عن عقد شرع للتعهّد بنفس أو مال و الأوّل الكفالة،و الثاني الحوالة إن كان ممّن في ذمّته مال،و إلّا فالضمان بالمعنى الأخص و لذا صار أقسامه ثلاثة:

.

الأوّل ضمان المال

الأوّل:ضمان المال.

و هو المراد منه حيث يطلق بلا قيد،بخلاف القسيمين فلا يطلق عليهما إلّا بأحد القيدين.

و هو ثابت بالكتاب و السنّة و الإجماع،قال سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (1)و قال عزّ شأنه وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ [2] (2).و أمّا السنة فمن طريق الخاصّة و العامّة مستفيضة سيأتي إلى جملة من الأولى الإشارة.

و من الثانية النبوية المشهورة في قضيّة ضمان علي عليه السلام عن الميت، و كذا أبي قتادة (3)،و فيها:أقبل صلى الله عليه و آله على علي عليه السلام،فقال:« جزاك اللّه

ص:259


1- المائدة:1.
2- يوسف:72.
3- الخلاف 3:314،315،الوسائل 18:424 أبواب الضمان ب 3 ح 2،3؛ و انظر سنن الدارقطني 3:78،291/79،292،293،سنن البيهقي 6:73،74،سنن أبي داود 3:3343/247.

تعالى عن الإسلام خيراً و فكّ رهانك كما فككت رهان أخيك» .و في اخرى نبوية:« العارية مؤدّاة،و المِنْحَة مردودة (1)،و الدين مقضيّ،و الزعيم غارم» (2).

و أمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة،كما في المهذب و غيره (3).

و يشترط في الضامن التكليف بالبلوغ و العقل،فلا يصحّ من الصبي و المجنون،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك (4)؛ لأدلّة الحجر عليهما،و حديث رفع القلم (5).و يصحّ عنهما،بلا خلاف أجده إلّا من الطبرسي،فلا يصحّ كالأوّل (6).

و يدفعه الأصل،و العمومات،و فحوى ما دلّ على الصحة عن الميّت،و به صرّح الفاضل في المختلف (7).

و يشترط فيه أيضاً جواز التصرف برفع الحجر عنه،و لقد كان فيه غنى عن ذكر الشرط السابق؛ لاندراجه تحت هذا الشرط.و كيف كان فلا يصحّ من السفيه و لا المملوك بدون إذن السيد،بلا خلاف أجده في الأوّل،و بالمنع فيه صرّح في التذكرة (8)،و وفاقاً للأكثر في الثاني؛ لعموم

ص:260


1- المِنْحَة بالكسر:في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثمّ يردّها إذا انقطع اللبن،ثمّ كثر استعماله حتى أُطلق على كلّ عطاء.المصباح المنير:580.
2- عوالي اللئلئ 3:1/241،مستدرك الوسائل 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4؛ و انظر مسند أحمد 5:267.
3- المهذّب البارع 2:522؛ و انظر المبسوط 2:322،و التذكرة 2:85،و المفاتيح 3:143.
4- المسالك 1:251.
5- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
6- حكاه عنه في المختلف:431.
7- المختلف:431.
8- التذكرة 2:78.

أدلّة الحجر،و منها قوله سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [1] (1).خلافاً للفاضل في المختلف و التذكرة (2)،فقال بالصحة،و يتبع به بعد العتق؛ و لعلّه للأصل،و العموم،و اختصاص الآية بحكم السياق بالحجر في المال.

و في الجميع نظر؛ إذ لا أصل للأصل بعد قطع النظر عن العموم،بل مقتضاه الفساد،و لا للعموم بعد فقد اللفظ الدالّ عليه في اللغة و العرف، و الإطلاق لا ينصرف إلّا إلى الفردِ المتبادر الغالب،و ليس منه محل الفرض.

و تخصيص الشيء بالمال مخالف للعموم المستفاد من ذكر النكرة في سياق النفي،و ظهوره من السياق صريحاً بل و ظاهراً غير معلوم،سيّما مع استنادهم عليهم السلام بالآية لمنعه عن نحو الطلاق الذي ليس بمال في كثير من النصوص (3).

و أما الاستناد بعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [2] (4)فغير مفيد بعد اختصاصه بحكم الوضع عندنا بالحاضرين،و انحصار وجه التعدية إلى مَن عداهم بالإجماع المفقود في المفروض،لمصير الأكثر إلى عدم الصحة،فتأمّل.

و يصحّ مع الإذن،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المختلف و غيره (5).

و في تعلّق المال حينئذ بذمّة العبد فيتبع به بعد العتق،كما في الشرائع

ص:261


1- النحل:75.
2- المختلف:431،التذكرة 2:87.
3- انظر الوسائل 22:101 أبواب مقدمات الطلاق ب 45.
4- المائدة:1.
5- المختلف:425؛ و انظر المسالك 1:251.

و اللمعة (1)،بناءً على أن الإذن إنما هو في الالتزام دون الأداء الذي هو أخصّ،و لا دلالة للعام على الخاص.

أو بكسبه،بناءً على أن الإطلاق يحمل على ما يستعقب الأداء،فإنه المعهود و ليس إلّا ذاك،إذ الفرض أن الضامن هو العبد دون السيد.

أو بمال المولى مطلقاً،كما عن الإسكافي و في المسالك و الروضة (2)،قياساً له بالاستدانة.

أقوال و إشكال،إلّا أن يكون هناك معهود فيتبع،بلا إشكال فيه و في لزوم كلّ من الاحتمالات مع الاشتراط،مضافاً إلى عدم الخلاف فيه،كما صرّح به بعض الأصحاب (3).

و لا بدّ في اللزوم من رضاء المضمون له وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة مَن تأخّر،و في الغنية الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و أن حقه ينتقل من ذمّة إلى أُخرى،و الناس مختلفون في حسن المعاملة و سهولة القضاء،فلو لم يعتبر رضاه لزم الضرر و الغرر.

و مفهوم الصحيح:الرجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال:« إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (5).

و الرضوي:« و إن كان لك على رجل مال و ضمنه رجل عند موته

ص:262


1- الشرائع 2:107،اللمعة(الروضة البهية 4):113.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:431،المسالك 1:251،الروضة 4:114.
3- مجمع الفائدة 9:286.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
5- الكافي 5:2/99،الفقيه 4:582/167،التهذيب 6:392/187،الوسائل 18:422 أبواب أحكام الضمان ب 2 ح 1.

و قبلت ضمانه فالميت قد برئ و قد لزم الضامن ردّه عليك» (1).

مضافاً إلى التأيّد بالخبر:احتضر عبد اللّه بن الحسن فاجتمع عليه غرماؤه فطالبوه بدين،فقال:ما عندي ما أُعطيكم،و لكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي علي بن الحسين عليهما السلام أو عبد اللّه بن جعفر،فقال الغرماء:أما عبد اللّه بن جعفر فمليّ مَطُول (2)،و علي بن الحسين عليهما السلام رجل لا مال له صدوق و هو أحبّهما إلينا،فأرسل إليه فأخبره الخبر،فقال:« أنا أضمن لكم المال إلى غلّة» و لم يكن له غلّة[تجمّلاً (3)]فقال القوم:قد رضينا،فضمنه فلمّا أتت الغلّة أتاح اللّه تعالى بالمال فأدّاه (4).

و قصور سنده كالثاني لو كان منجبر بعمل الأعيان،و لكن في الاستدلال به كما في المختلف (5)كلام.

خلافاً لأحد قولي الطوسي (6)،فلم يعتبر رضاه؛ للنبوي المتقدم المتضمن لضمان علي عليه السلام و أبي قتادة عن الميت و حكمه عليه السلام عليهما باللزوم بقوله المتقدم بمجرّد ضمانهما،مع عدم سبق سؤاله عن رضاء المضمون له (7).

ص:263


1- فقه الرضا(عليه السلام):268،المستدرك 13:404 أبواب الدين و القرض ب 14 ح 2.
2- المَطْل:التسويف بالعدة و الدين،و هو مَطُول.القاموس 4:52.
3- في النسخ:كملاً.و ما أثبتناه من الكافي.و قال العلّامة المجلسي في مرآة العقول 19:49:تجمّلاً بالجيم أي:إنّما قال ذلك لإظهار الجمال و الزينة و الغنى،و يمكن أن يقرأ بالحاء أي:إنّما فعل تحملاً للدين،أو لكثرة حمله و تحمّله للمشاقّ،و الأوّل أظهر.
4- الكافي 5:7/97،الفقيه 3:191/55،التهذيب 6:495/211،الوسائل 18:426 أبواب أحكام الضمان ب 5 ح 1.
5- المختلف:429.
6- الخلاف 3:313.
7- راجع ص:4252.

و هو مع قصور سنده،مع عدم جابر له في محل الفرض قاصر الدلالة،أوّلاً:بأنه لا عموم فيه؛ لكونه قضية في واقعة.

و ثانياً:باحتمال وجود القرينة الدالّة على رضاه؛ لعدم وجود ما يوفي به دينه من التركة على الظاهر،مع كون الضامن مثل عليّ عليه السلام في غاية مرتبة من الوثوق عليه في الوفاء،و هو موجب لحصول العلم برضاء المضمون له و لو بالفحوى،و لعلّه كافٍ في الصحة،بل و اللزوم،و إن توقّف على القبول اللفظي بعده على الاختلاف.

و ثالثاً:باحتمال حصول رضاء المضمون له في الواقعة،و عدم النقل لا يدلّ على العدم بالضرورة،و دفعه بأصالة العدم مشروط بعدم النص على الاشتراط،و قد مرّ.فما هذا شأنه لا يعترض به الأدلّة المتقدمة.

و ربما يستدل له بالموثق:في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت،فيقول وليّه:عليّ دينك،قال:« يبرئه ذلك و إن لم يوفّه وليّه من بعده» و قال:« أرجو أن لا يأثم،و إنما إثمه على الذي يحبسه» (1).

و فيه بعد قصور السند عن المقاومة لما مرّ قصور الدلالة؛ لإطلاقه بالإضافة إلى حصول رضاء المضمون له و عدمه فليقيّد بالأوّل،جمعاً بين الأدلّة،للاتفاق على تقديم النص على الظاهر،سيّما مع اعتضاده بالأصل، و أدلّة نفي الضرر،و عمل الأكثر،فالاستدلال به في مقابلة الأوّل ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بالموثق الآخر:عن رجل مات و له عليّ دين،و خلّف ولداً رجالاً و نساءً و صبياناً،فجاء رجل منهم فقال:أنت في حلّ مما لإخوتي و أخواتي و أنا ضامن لرضاهم عنك،قال:« تكون في سعة

ص:264


1- التهذيب 6:397/188،الوسائل 18:346 أبواب الدين و القرض ب 14 ح 2.

من ذلك و حلّ» قلت:و إن لم يعطهم؟قال:« كان ذلك في عنقه» قلت:

فإن رجع الورثة عليّ فقالوا:أعطنا حقّنا؟فقال:« لهم ذلك في الحكم الظاهر،فأما بينك و بين اللّه تعالى فأنت في حلّ منها إذا كان الرجل الذي أحلّ لك يضمن رضاهم» (1)الحديث.

لاشتراكه مع سابقه في قصور السند،مع زيادة قصور فيه بخروجه عن محل النزاع؛ لتضمّنه إبراء ذمّة المديون عن مال الغريم مجّاناً بدون نقله إلى ذمّته،و هذا مع كونه في الظاهر مخالفاً للإجماع؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون الإذن،و لعلّه لهذا أطلق عليه السلام و قال:إن للورثة المطالبة في الحكم الظاهر،و هو أعم من وجود البينة على الضمان و عدمه ليس من محل النزاع؛ لأنه ما تضمّن إبراء ذمة المديون عن مال الغريم بنقله إلى ذمة الضامن لا إبراؤه مجّاناً،و الضمان في الخبر ليس إلّا على تحصيل رضاء الغريم،و هو ليس من الضمان الذي هو محل الفرض.

نعم،الخبر صريح في حصول البراءة بما فيه من الضمان،لكنه مخالف للقواعد،بل و الإجماع،و على تقدير العدم فهو كما عرفت خارج عن محل النزاع،فالاستدلال على المطلب فيه عين الغفلة (2).

كالاستدلال بالصحيح:الرجل يكون عنده المال وديعة،يأخذ منه بغير إذن صاحبه،قال:« لا يأخذ إلّا أن يكون له وفاء» قلت:أ رأيت إن وجد من يضمنه و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ

ص:265


1- الكافي 7:7/25،التهذيب 9:682/167،الوسائل 18:425 أبواب أحكام الضمان ب 4 ح 1.
2- انظر الحدائق 21:11.

منه،قال:« نعم» (1).

لخروجه كسابقه عن محل النزاع،مع مخالفته للقواعد،بل الإجماع.

ثم على المختار هل المعتبر مجرّد الرضاء كيف اتّفق،أم لا بدّ من كونه بصيغة القبول؟ قولان،أجودهما الثاني؛ للأصل،و الاقتصار فيما خالفه من اللزوم و الانتقال على المتيقن من الإجماع و النص،و ليس فيه تصريح بكفاية مطلق الرضاء.و إطلاقه لا عبرة به؛ لعدم وروده في بيان حكمه،بل لبيان حكم آخر؛ مضافاً إلى تضمّن بعض ما مرّ من الأخبار (2)القبول بصيغته و شرائطه من المضيّ و التواصل المعهود بينه و بين الإيجاب.

و لا عبرة بالمضمون عنه أي برضاه،بلا خلاف أجده حتى من القائلين بعدم الصحة مع الإنكار،فإن قولهم بذلك غير مبني على اعتبار رضاه ابتداءً،بل على جعلهم الإنكار مانعاً،و لذا صرّحوا بالصحة مع عدم معلومية كلّ من الرضاء و الإنكار.

و ربما يشعر بعدم الخلاف العبارة و غيرها،بل في المسالك الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة بعد العمومات،و ظواهر ما مرّ من المعتبرة المكتفية في شرائط الصحة و الحكم باللزوم بمجرد رضاء المشروط له.و النبوي المتقدم بالضمان عن الميّت بعد موته نصّ في ذلك (4).

و لو علم المضمون عنه بالضمان فأنكر و لم يرض به

ص:266


1- الفقيه 3:881/194،التهذيب 7:792/180،الوسائل 19:86 أبواب أحكام الوديعة ب 8 ح 1.
2- في ص:263.
3- المسالك 1:253.
4- راجع ص:260.

لم يبطل الضمان على الأصح الأشهر،بل لعلّه علية عامّة من تأخّر، وفاقاً للحلّي (1)؛ لبعض ما مرّ (2)،مضافاً إلى ما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز أداء الدين عنه بغير رضاه،بل مع كراهته،فالتزامه في الذمة أولى.

خلافاً للنهاية و المقنعة و القاضي و ابن حمزة (3)،فنفوا الصحة بالإنكار.و حجّتهم عليه غير واضحة عدا الأصل الغير المعارض لما مرّ من الأدلة،مضافاً إلى استصحاب الصحة السابقة.فما قالوه ضعيف غايته.

و في اعتبار العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب، كما عن المبسوط (4)؛ أو بما يتميّزان به عن الغير خاصّة،كما في اللمعة (5)؛ أو العدم مطلقاً،كما عن الخلاف و في الغنية (6)،و هو ظاهر العبارة و صريح الشرائع و الفاضل فيما عدا المختلف و المسالك و الروضة (7)؛ أو يعتبر معرفة الأوّل بما يتميّز خاصّة دون الثاني،كما في المختلف (8)،أقوال أربعة.

أجودها ثالثها؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد المتأيّد بإطلاقات أخبار

ص:267


1- السرائر 2:70.
2- قال في الحدائق 21:15:و علّلوه بأنّ إنكار المضمون عنه لا أثر له،فإنه إذا لم يعتبر رضاه ابتداءً فلا عبرة بإنكاره بعده.
3- النهاية:314،المقنعة:814،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،ابن حمزة في الوسيلة:280.
4- المبسوط 2:323.
5- اللمعة(الروضة البهية 4):118.
6- الخلاف 3:313،الغنية(الجوامع الفقهية):595.
7- الشرائع 2:108،العلّامة في التحرير 1:221،و القواعد 1:177،المسالك 1:252،الروضة 4:119.
8- المختلف:429.

الباب،و النبوي المتقدّم (1)الظاهر في جهالة الشخصين.و مجرّد حضور الجنازة مع عدم المعرفة بمحمولها مطلقاً و لو بقدر ما يحصل به التميّز في الجملة ليس معرفة بالمضمون عنه بالضرورة.

و الغرر المتوهّم منه اشتراط المعرفة مطلقاً أو في الجملة سيأتي إلى جوابه الإشارة،مع أن الاستناد إليه يوجب اشتراط المعرفة بسهولة القضاء في المضمون له و حسن المعاملة،و هو منفيّ بالإجماع،كما في المختلف (2).

و هو أي الضمان ينقل المال المضمون من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن و يُبرئ ذمّة المضمون عنه بإجماعنا المستفيض الحكاية في كلام جماعة،كالسرائر و الغنية و نهج الحق و المهذب و المسالك و التذكرة،و غيرها من كتب الجماعة (3)؛ و هو الحجة المخصِّصة للأصل؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصيّة و العامّيّة المتقدّمة التي هي ظاهرة في ذلك،بل صريحة.

خلافاً للعامّة،فجعلوا فائدته ضمّ ذمّة إلى أُخرى،و خيّروا لذلك المضمون له بين مطالبة المضمون عنه و الضامن (4).

و تظهر ثمرة الخلاف في مواضع،منها:جواز الدور فيه كالتسلسل، فالأوّل:كأن يضمن اثنان كلّ ما على صاحبه،أو يضمن الأصيل ضامنه بما

ص:268


1- في ص:260.
2- المختلف:429.
3- السرائر 2:70،الغنية(الجوامع الفقهية):595،نهج الحق:494،المهذب البارع 2:522،المسالك 1:253،التذكرة 2:93؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:145،و الحدائق 21:16.
4- انظر المغني و الشرح الكبير 5:73.

يضمنه عنه بعينه،أو ضامن ضامنه،و هكذا.و الثاني:كأن يضمن أجنبي عن الضامن،و هكذا.

لتحقق الشرط،و هو ثبوت المال في الذمّة،و عدم المانع،فيرجع كلّ ضامن مع الإذن بما أدّاه على مضمونه لا على الأصيل في الثاني،و في الأوّل يسقط الضمان و يرجع الحق كما كان.

نعم،يترتب عليه أحكامه،كظهور إعسار الأصيل الذي صار ضامناً الموجب لخيار المضمون له في فسخ ضمانه و الرجوع إلى المضمون عنه الذي صار ضامنه كما يأتي.

و لا خلاف بيننا في شيء من ذلك إلّا من المبسوط في الأوّل، فمنعه؛ لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً و الأصل فرعاً؛ و لعدم الفائدة (1).

و ردّ الأوّل بأن ذلك لا يصلح للمانعية،و الثاني بأن الفائدة موجودة، و هو ما مرّ إليه الإشارة من ظهور إعسار الأصيل و ما بعده.

و كذلك يصحّ وحدة الضامن و تعدّد المضمون عنه و بالعكس مع الاقتران،أما بدونه في مال واحد فيصح الأوّل خاصّة.و هذا كلّه ظاهر بحمد اللّه سبحانه.

و يشترط فيه أي الضامن الملاءة بأن يكون مالكاً لما يوفي به الحق المضمون فاضلاً عن المستثنيات في وفاء الدين أو علم المضمون له بإعساره حين الضمان،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم انصراف إطلاق النصوص إليه،بناءً على أن

ص:269


1- المبسوط 2:323.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.

المتبادر المقصود من الضمان استيفاء الدين من الضامن،و به يشعر ظاهر اشتراط رضاء المضمون له في بعضها،و إنما يكون ذلك إذا أمكن الأداء بيساره؛ مضافاً إلى لزوم الضرر بعدم اعتباره.

و به يجاب عن عموم الأمر بالوفاء بالعقود لو تمسّك به.

و منه يظهر الوجه في عدم الاشتراط مع العلم بالإعسار؛ للزوم الوفاء بالعقد السالم حينئذ عن الضرر المعارض،لاندفاعه بالإقدام عليه بالعلم؛ مضافاً إلى النص المتقدّم في ضمان علي بن الحسين عليهما السلام مع اعتراف من ضمن لهم فيه بأنه لا مال له (1)،و لذا لم يكن شرطاً في الصحة،بل في اللزوم خاصّة،كما صرّح به جماعة (2).

و على هذا لو لم يعلم بإعساره حتى ضمن ثم بان إعساره كان المضمون له مخيّراً بين الفسخ و الرجوع إلى المضمون عنه و بين إلزام العقد و مطالبة الضامن.

و في فورية هذا الخيار أم كونه على التراخي وجهان،أجودهما الثاني،وفاقاً للشهيد الثاني (3)،للأصل.

و إنما يعتبر الملاءة في الابتداء دون الاستدامة.فلو تجدّد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ؛ لتحقق الشرط حالته و الأصل بقاء الصحة.

و كما لا يقدح تجدّد إعساره فكذا تعذّر الاستيفاء منه بوجه آخر.

و الضمان المؤجّل للدين الحالّ جائز مطلقاً،تبرّعاً كان أو

ص:270


1- راجع ص:264.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:253،و الفيض في مفاتيح الشرائع 3:144،و صاحب الحدائق 21:16.
3- كما في المسالك 1:253.

غيره،إجماعاً،كما عن التذكرة و في الشرائع و المسالك (1)؛ للأصل، و العمومات السليمة عن المعارض،عدا ما ربما يتوهّم من كونه ضماناً معلّقاً و هو غير جائز عندنا.و ليس كما يتوهّم،بل هو تأجيل للدين الحالّ في عقد لازم فيلزم.

و في جواز العكس،و هو الضمان المعجّل للدين المؤجّل قولان،أصحّهما الجواز مطلقاً،وفاقاً للمبسوط و القاضي في المهذب و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين (2)،و المفلح الصيمري،بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين؛ للأصل،و عموم دلائل مشروعيّة الضمان مع فقد المعارض، لفساد ما يأتي،و أصالة عدم غيره.

خلافاً للمقنعة و النهاية و القاضي في الكامل و ابني حمزة و زهرة (3)، فمنعوا عنه كذلك؛ لبناء الضمان على الإرفاق فيشترط فيه الأجل،لمنافاة الحالّ للإرفاق،لأن الضمان الحالّ يسوّغ تعجيل المطالبة بالحق المضمون فيتسلّط الضامن على مطالبة المضمون عنه فتنتفي فائدة الضمان،و أن ثبوت المال في ذمّة الضامن فرع ثبوته في ذمّة المضمون عنه،و الفرع لا يكون أقوى من الأصل.

و وافقهم فخر الإسلام و المحقق الثاني كما حكي (4)،لا لما ذكر،بل

ص:271


1- التذكرة 2:93،الشرائع 2:108،المسالك 1:253.
2- المبسوط 2:324،المهذب حكاه عنه في المختلف:429،الحلي في السرائر 2:70،المحقق في الشرائع 2:108،العلّامة في التحرير 1:223،الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 4):122.
3- المقنعة:815،النهاية:315،و حكاه عن الكامل في المختلف:429،ابن حمزة في الوسيلة:280،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595.
4- فخر الإسلام في إيضاح الفوائد 2:82،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:310.

لأن من شرط صحّة الضمان وجوب الحق على المضمون عنه،و الأجل حق من حقوق الدين،و تعجيله غير واجب فيكون ضمانه كذلك ضمان ما لم يجب،و ليس بصحيح.

و في الجميع نظر،فالأوّل:أوّلاً:بعدم جريانه في الضمان تبرّعاً.

و ثانياً:بمنع بناء الضمان على الإرفاق و انحصار فائدته فيه؛ إذ لا دليل عليه من نصّ أو إجماع،و يحتمل كون الفائدة فيه هو تفاوت الغرماء بحسن القضاء و التقاضي.

و ثالثاً:بمنع اقتضاء الإحلال تسويغ المطالبة مطلقاً،بل يشترط حلوله على المضمون عنه،أو تصريحه بالرجوع عليه حالّا.

و بهذا يظهر وجه النظر في الثاني،مع أن الضمان كالقضاء على اعترافهم،فكما أنه يجوز للمضمون عنه دفع المال معجّلاً فكذا يجوز الضمان حالّا.

و أمّا الثالث:فلأن المضمون إنّما هو المال،و أمّا الأجل فلا يتعلّق به الضمان و إن كان من توابع الحق و أوصافه،إلّا أن دخوله حيث يدخل ليس بالذات بل بالتبع،و هو حق للمديون،فإذا رضي الضامن بإسقاطه و تعجيل الإيفاء فقد ضمن ما يجب و هو المال و رضي بإسقاط الوصف.

و لا يرد أنه غير واجب الأداء بسبب الأجل؛ لأنه واجب في الجملة، غايته أنه موسّع،سيّما مع رضاء المضمون عنه.

و بما ذكرنا يظهر وجه الجواز في باقي الصور الغير المفروضة في العبارة،و هي ثمان:الضمان المؤجّل للدين المؤجّل مع تساوي الأجلين، أو الاختلاف بالزيادة و النقصان،بسؤال المضمون عنه كان أو تبرعّاً،فهذه ستة،و الضمان المعجّل للدين المعجّل بالسؤال أو التبرّع،فهذه ثمان.

ص:272

و يمكن إدراجها في العبارة بحذف ما ذكرناه في صورتيها من الصلة، إلّا أن الظاهر من ذكر القولين فيها في الصورة الثانية يقتضي ذكر ما ذكرناه من الصلة،لاختصاص نصّ القول بالمنع فيها بها معها خاصّة،و ذكرت الصلة في الأُولى بالتبعية،و إن كان ظاهر العبارة كالشرائع (1)في هذه الصورة و ظاهر اختصاص فتوى المانعين بالصورة الثانية عدم الخلاف فيه في الأُولى بشقوقها،و لكن مقتضى تعليلات المنع انسحابه في كثير من شقوقها و بعض شقوق الصورة الثانية،و إن اختلفت في تعيينها.

و يرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّاه إن ضمن بسؤاله و إن لم يؤدّ بإذنه،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الغنية و السرائر و المسالك و عن التذكرة (2)؛ و هو الحجة المخصِّصة للأصل.

مضافاً إلى المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بعمل الطائفة و الإجماعات المحكية،منها الخبر المروي في الكتب الثلاثة« ليس على الضامن غرم،الغرم على من أكل المال» (3)فتأمّل.

و منها الموثق المروي في الكافي في باب الصلح،و في التهذيب في هذا الباب بسنده إلى عمر بن يزيد:عن رجل ضمن ضماناً ثم صالح عليه، قال:« ليس له إلّا الذي صالح عليه» (4).

ص:273


1- الشرائع 2:108.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:71،المسالك 1:254،التذكرة 2:94.
3- الكافي 5:5/104،الفقيه 3:186/54،التهذيب 6:485/209،الوسائل 18:421 أبواب أحكام الضمان ب 1 ح 1.
4- الكافي 5:7/259،التهذيب 6:490/210،الوسائل 18:427 أبواب أحكام الضمان ب 6 ح 1.

و نحوه الخبر المروي في الأخير (1)بسند فيه بنان،المعدّ في الحسن عند بعض.

و هما ظاهرا الدلالة من حيث إطلاقهما الشامل لصورتي الإذن في الأداء و عدمه.

و يستفاد منهما أنه لا يجب على المضمون عنه أن يؤدّي إلى الضامن أكثر ممّا دفعه إلى المضمون له،مع أنه أيضاً لا خلاف فيه في الجملة،و يعضده الأصل،و عدم دليل على الزائد،لاختصاص الفتاوى و الإجماعات التي هي العمدة في الحجة بما أدّاه خاصّة.

و خلاف الإسكافي في بعض الصور (2)شاذّ لا يلتفت إليه،و النصوص كما ترى حجة عليه.

و من هنا يظهر الوجه في أنه لو وهبه أي الضامن المضمون له أو أبرأه عن المضمون لم يرجع الضامن على المضمون عنه بشيء و لو كان الضمان بإذنه و كذا لم يرجع المضمون له عليه به عندنا؛ بناءً على انتقال الحق من ذمّة إلى أُخرى.

خلافاً للعامة،فأثبتوا له الرجوع به عليه؛ بناءً على أصلهم الذي مضى (3).

و إذا تبرّع الضامن بالضمان فلا رجوع له على المضمون عنه بما أدّاه مطلقاً،و إن كان الأداء بإذنه،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الكتب

ص:274


1- التهذيب 6:489/210،الوسائل 18:427 أبواب أحكام الضمان ب 6 ح 2.
2- كما حكاه عنه في المختلف:432.
3- في ص:269.

المتقدمة و نهج الحق للفاضل (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أصالة براءة الذمة حتى في صورة الإذن في الأداء؛ لانتقال الحق إلى ذمته و لا دليل مع عدم الإذن في الضمان على اشتغال ذمّة المضمون عنه بما أدّاه بمجرّد إذنه في الأداء.

كما أن الأمر في غير صورة الضمان كذلك،ليس له الرجوع بمجرّد الإذن في الأداء،إلّا أن يقول قبل الضمان:أدِّ عنّي،أو دلّت عليه قرينة، فيرجع حينئذٍ بما أدّى بلا شبهة،لظهوره في الالتزام بالعوض،كما لو صرّح به بقوله:و عليّ عوضه.و دليل الرجوع حينئذٍ لزوم الضرر على الدافع الناشئ من أمر الآمر،و هو منفي اتفاقاً فتوى و رواية.فمناقشة بعض الأصحاب في الرجوع في هذه الصورة لعدم الدليل بزعمه غير واضحة (2).

و إطلاق الخبرين المتقدمين (3)بالرجوع محمول على صورة الإذن في الضمان،كما هو الغالب دون التبرّع.

و لو ضمن ما عليه صحّ و إن لم يعلم كمّيته و مقداره حال الضمان على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للمقنعة و النهاية و الإسكافي و الديلمي و التقي و القاضي و ابن زهرة العلوي (4)مدّعياً عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

ص:275


1- نهج الحق:494.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 9:291.
3- في ص:274.
4- المقنعة:815،النهاية:315،و نقله عن الإسكافي في المختلف:429،الديلمي في المراسم:200،التقي في الكافي في الفقه:340،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595.

مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود من الكتاب و السنة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة،كما يأتي إليه الإشارة.

و استدلوا زيادةً على ذلك:بقوله سبحانه وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ [1] (1)مشيراً إلى الحِمْل المختلف أفراده في الكمّية.

و المناقشة باحتمال المعلومية بالتعارف حال الضمان و المعهودية، بأصالة العدم مدفوعة.

و إطلاقِ قوله عليه السلام:« و الزعيم غارم» (2).

و الخبرِ:« أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول في خطبته:من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه،و من ترك ديناً فعليّ دينه،و من ترك مالاً فآكله،و كفالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ميّتاً ككفالته حيّاً،و كفالته حيّاً ككفالته ميّتاً» (3).

و لو لم يكن ضمان المجهول صحيحاً لم يكن لهذا الضمان حكم و لا اعتبار؛ إذ الباطل لا اعتبار به فامتنع من الإمام عليه السلام الحكم بأن النبي صلى الله عليه و آله كافل.

و فيه نظر،كالاستدلال بأخبار أُخر (4)تضمّنت كفالة علي بن الحسين عليهما السلام جميع ما على المريض،لظهور جهالته و أصالته عدم معلوميته،و بعضها قد مر (5)،نعم يصلح الجميع للتأييد القوي.

ص:276


1- يوسف:72.
2- عوالي اللئلئ 3:1/241،المستدرك 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4؛ و انظر مسند أحمد 5:267،سنن ابن ماجة 2:2405/804،سنن أبي داود 3:3565/296،و قد تقدم ذكره في ص:4252.
3- التهذيب 6:494/211،الوسائل 18:337 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 5.
4- الروضة من الكافي 8:514/332،الوسائل 18:423 أبواب أحكام الضمان ب 3 ح 1.
5- راجع ص:264.

خلافاً للمبسوط و الخلاف و القاضي في المهذب و الحلّي (1)،فقالوا بالمنع؛ استناداً إلى تضمّنه الغرر المنهي عنه،مع عدم دليل على الصحة.

و يندفع الثاني بما مرّ من الأدلّة.

و الأول بمنع الغرر؛ إذ ليس إلّا في المعاوضات المفضية إلى التنازع دون مثل الإقرار و المقام و شبههما؛ لتعين الحكم فيها،و هو الرجوع إلى المقرّ في الأوّل و إلى البيّنة في الثاني.

و ما ربما يدفع به هذا من عدم تسليم زوال الغرر بالرجوع إلى ما ثبت بالبينة،لاحتمال قيامها بما يعجز عنه الضامن فيحصل الضرر المستند إلى الغرر.

مدفوع بأن هذا الضرر هو شيء أدخله على نفسه،فهو مستند إلى فعله و ضمانه للمجهول مع علمه بهذا الاحتمال و قد أقدم على ذلك، فيكون كما لو ضمن المعلوم مع عجزه عنه،و ذلك واضح.

هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك،كالمثال،فلو لم يمكن كضمنتُ لك شيئاً ممّا في ذمّته،لم يصحّ قولاً واحداً،كما في المسالك (2).

و على تقدير الصحة يثبت عليه ما تقوم به البينة أنه كان لازماً للمضمون عنه وقت الضمان لا ما يتجدّد أو يوجد في دفتر أو حساب،و لا ما يقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه؛ لعدم دخول الأول في الضمان،و عدم ثبوت الثاني في الذمة،و إنما يلزم الثابت فيها خاصة،و عدم نفوذ الإقرار في

ص:277


1- المبسوط 2:322،الخلاف 3:319،القاضي حكاه عنه في المختلف:429،الحلّي في السرائر 2:72.
2- المسالك 1:256.

الثالث على الغير،و كون الخصومة حينئذ مع الضامن و المضمون عنه، فلا يلزمه ما ثبت بمنازعة غيره،كما لا يثبت ما يقرّ به في الرابع،نعم لو كان الحلف بردّ الضامن ثبت ما حلف عليه.

و لا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلبي في الثالث،فأثبته عليه (1)،و تبعه في الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة (2).

و فيه وهن؛ لعدم وجود قائل به إلّا هو و الحلبي،فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟!و لكنه أعرف.

و من المفيد و الطوسي في الرابع (3)،فأثبتاه عليه،و إن اختلفا في الإطلاق،كما عن الأوّل،و التقييد بكون الحلف برضا الضامن،كما عن الثاني.

و يمكن ردّ هذا القول مع القيد إلى الأوّل بحمل الرضا على الردّ و إن كان أعمّ منه.و ربما يُبنى ذلك على أن يمين المدّعى هل هو كالبيّنة أو كإقرار المنكر،فيثبت على الضامن ما حلف عليه على الأوّل دون الثاني.

القسم الثاني في الحوالة

القسم الثاني: في الحوالة.

و هي مشروعة بالنص و الإجماع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة أُخرى مشغولة بمثله جنساً و وصفاً،هذا هو القدر المتفق عليه منها،و إلّا فالأظهر الأشهر جوازها على البري،بل عليه الإجماع عن السرائر (4)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و إطلاق

ص:278


1- الكافي في الفقه:340.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
3- المفيد في المقنعة:815،الطوسي في النهاية:316.
4- السرائر 2:79.

بعض النصوص الآتية.

خلافاً لأحد قولي المبسوط (1)،فمنعها،و هو ظاهر العبارة؛ و حجّتهما عليه غير واضحة،عدا الأصل الغير المعارض لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و لكنه حينئذ يكون أشبه بالضمان؛ لاقتضائه نقل المال من ذمّة مشغولة إلى ذمّة بريئة،فكان المحال عليه بقبوله لها ضامناً لدين المحتال على المحيل،و لكنها لا تخرج بهذا الشبه عن أصل الحوالة فلتحقها أحكامها.

و في اشتراط تماثل المالين في الأمرين قولان؛ للأول: كما عن الشيخ و جماعة (2)،و جعله مشهوراً بين الفقهاء في التذكرة (3)التفصّي من التسلّط على المحال عليه بما ليس في ذمّته.

و للثاني: كما عليه المفلح الصيمري و غيره (4)أصالة الجواز الناشئة عما مرّ من العموم و الإطلاق،و فحوى ما دلّ على جوازها على البري فعلى من عليه بالمخالف أولى.

و ضرر التسلّط مدفوع باعتبارنا رضاء المحال عليه مطلقاً أو هنا قطعاً، فإذا رضي أن يدفع من غير الجنس الذي عليه فلا مانع،كما لو تراضيا بقبض غير الجنس.

و يشترط في الصحة كون المال معلوماً عند المحيل؛ لدفع الغرر

ص:279


1- المبسوط 2:313.
2- الشيخ في المبسوط 2:313،ابن حمزة في الوسيلة:282،حكاه عنهما و عن القاضي في المختلف:433.
3- التذكرة 2:108.
4- انظر الروضة 4:135.

بالجهالة.و هو حسن إن كان الحوالة اعتياضاً.و أما لو كان استيفاءً احتمل الصحة،كما عن التذكرة (1)؛ لعين ما تقدّم في الضمان.

و ثابتاً في ذمّته و إن لم يستقر،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (2)،فلا يجوز الحوالة من البري،بل هي وكالة إما في اقتراض إن كانت على مثله،أو في استيفاء إن كانت على ضدّه.

و لا فرق فيه بين أن يكون مثليّا أو قيميّاً،وفاقاً لجماعة (3).

و خلافاً لآخرين (4)في الأخير،فمنعوا من الحوالة به؛ لجهالته.

و يضعّف بانضباطه بالوصف و انضباط قيمته تبعاً له،و هي الواجب فيه،فالمانع مفقود،و عموم الأدلة يشمله.

و رضاء الثلاثة المحيل و المحتال و المحال عليه،بلا خلاف في الأوّلين،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كالغنية و التذكرة و المسالك، و غيرها من كتب الجماعة (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أن من عليه الحق مخيّر في جهات القضاء،فلا يتعيّن عليه بعض الجهات قهراً،و المحتال حقّه ثابت في ذمّة المحيل،فلا يلزمه نقله إلى ذمّة أُخرى إلّا برضاه.

قيل:و يستثنى من اعتبار رضاء الأوّل ما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء، فلا يعتبر رضاء المحيل قطعاً؛ لأنه وفاء دينه بغير إذنه،و العبارة حينئذ عنه

ص:280


1- التذكرة 2:107.
2- التذكرة 2:106.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:259،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:149،و صاحب الحدائق 21:53.
4- كالمبسوط 2:312،و الوسيلة:282.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):595،التذكرة 2:106،المسالك 1:258؛ و انظر المفاتيح 3:148،و الكفاية:114،و الحدائق 21:52.

أن يقول المحال عليه للمحتال:أحلتك بالدين الذي لك على فلان على نفسي،فيقبل،فيقومان بركن العقد (1).انتهى.

و لعلّه ناظر إلى جواز الوفاء عنه بدون إذنه بالاتفاق،كما قدّمناه.و هو حسن،إلّا أن في صلوحه لإدراج مثل هذا في الحوالة التي هي من العقود اللازمة مناقشة؛ لاختصاص إطلاقات نصوصها بغيره،و عدم عموم في العقود التي أُمِرنا بالوفاء بها إلّا بالنظر إلى أنواع العقود المتعارفة زمان الصدور كما قدّمناه،و منها الحوالة،و لا بد من الاقتصار فيها على ما يسمّى بها حقيقة لا مطلقاً،و كون ما ذكر منها محلّ إشكال،فللتوقف فيه مجال.

و على المشهور في الثالث،بل عليه الإجماع عن الشيخ و التذكرة (2)في مقامين منها؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى ما قيل من أنه أحد أركان الحوالة،مع اختلاف الناس في الاقتضاء سهولةً و صعوبة (3).

و يضعّف الأوّل:بأن الموجود في كلام الشيخ المحكي في المختلف (4)ليس إلّا دعوى الإجماع على صحة الحوالة مع رضاء الثلاثة و عدم دعواه مع عدمه.

و هو أعم من الإجماع المحكي هنا،و لم يحكه عنه هو و لا غيره سوى المسالك (5)،و لعلّه اشتباه،و يبعد غاية البعد وقوفه على كلام آخر له يدل عليه،مع أن كتابه الخلاف مما ديدنه ذكر الإجماع فيه و لم يحكه فيه

ص:281


1- المسالك 1:259.
2- الشيخ في المبسوط 2:312،التذكرة 2:106.
3- الروضة 4:136.
4- المختلف:432.
5- المسالك 1:258.

هنا،و نحوه ابن زهرة في الغنية و الحلّي في السرائر،فمع أن ديدنهما نقل الإجماعات في المسائل لم ينقلاه هنا أصلاً،بل اقتصرا على الموجود في المختلف من كلام الشيخ (1).

مع أن في الغنية حكى الإجماع على اشتراط رضاء الأوّلين و لم يحكه في الثالث (2)،و لو كان إجماعاً لنقله قطعاً،كما لا يخفى على الممارس لكتابة هذا جدّاً.

و أمّا التذكرة فالمحكي فيها ليس صريحاً في الإجماع؛ إذ غاية ما ذكر في عبارته في المقام الأوّل هو أنه قال أصحابنا،إلى آخره،و في الثاني:

يشترط رضاه عندنا (3).

و هما ليس نصّاً في حكاية الإجماع،بل و لا ظاهراً بعد ملاحظة ذكره نحو العبارتين في المختلف مما يتضمن نسبة الحكم إلى الأصحاب،مع أنه في صدر المسألة ذكر أنه مشهور بين الأصحاب (4).و هو ظاهر في وقوع الخلاف و عدم الإجماع،مع أن ذكره أصل الحكم فيه يدلّ على عدم الإجماع عليه.

مضافاً إلى نقله الخلاف فيه عن ظاهر المفيد و النهاية،و حكايته فيه عبارة ابن حمزة المشعرة بل الظاهرة في وقوع الخلاف بيننا في المسألة في زمانه،و نحوها عبارة السرائر و الغنية (5)،بل هما صريحان في عدم الإجماع و وقوع الخلاف،هذا.

ص:282


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:80.
2- راجع ص:281.
3- التذكرة 2:106.
4- المختلف:432.
5- المختلف:432.

مضافاً إلى مصيره في المختلف إلى تقوية ما حكاه عن الشيخين، و هو بعد معلوميّة تأخّر المختلف عن التذكرة نصّ في عدم الاعتداد بما قاله في التذكرة مما ظاهره حكاية الإجماع،إما من حيث سلب ظهورها في دعوى الإجماع،أو ظهور تبين خلافه،و إلّا لما صار إلى خلافه.

و الثاني:بأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة،فلا وجه للافتقار إلى رضاء من عليه الحق،كما لو وكّله في القبض منه.

و اختلاف الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق و من نصبه،خصوصاً مع اتفاق الحقين جنساً و وصفاً.

و ما ربما يقال من أنه قياس للحوالة على الوكالة مع كونها من العقود الجائزة دون الأُولى،فإنها من العقود اللازمة المترتب عليها كثير من الأحكام المخالفة للأُصول القطعية.

غير مفهوم،فإن المراد من تشبيهها بالوكالة ليس إلّا لأجل دفع دليل الاشتراط من اختلاف الناس في سهولة الاقتضاء و صعوبته،بناءً على أنه لو صلح للاشتراط و إثبات المانعية عن الحوالة بدون رضاه لصلح لإثبات المانعية عن الوكالة مع عدم رضاه بالبديهة؛ لجريان دليل المنع على الحوالة فيها حينئذ بالضرورة.و مثله لا يسمّى قياساً،بل تنظيراً،و هو جائز إجماعاً حيث يحصل دليل آخر للحكم في المقيس غير نفس القياس،كما فيما نحن فيه،لأن الدليل فيه هو عموم الأمر بالوفاء بالعقود،و إطلاق كثير مما سيأتي من النصوص.

و أجود منه التنظير ببيع ما على المحال عليه من المحتال؛ لجوازه و إن

ص:283

لم يرض به المحال عليه إجماعاً إلّا من الحلّي (1)،مع أن دليل المنع جارٍ فيه أيضاً.

و لعلّه لذا ربما اقتصر بعض على رضاء المحيل و المحتال و أشار به في المهذب إلى الحلّي (2)،و ليس كذلك،فإنه ممن يشترط رضاء الثلاثة (3)كما يستفاد من عبارته المحكية في شرح الشرائع للصيمري،و في التنقيح نسبه إلى التقي (4)،و قد مرّ عن المختلف حكايته عن الشيخين، و مال إليه هو و شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (5)كالفاضل المقداد في التنقيح (6).

و لا يخلو عن قوة؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأدلّة مع سلامتها عما يصلح للمعارضة.

نعم،لو كان المالان مختلفين و كان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجّه اعتبار رضاء المحال عليه؛ لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بدّ من رضاء المتعاقدين.

و لو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور.

قيل:و على تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما؛ لأن الحوالة عقد لازم لا يتم إلّا بالإيجاب و القبول،فالإيجاب من المحيل و القبول من المحتال،و يعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ العربي

ص:284


1- السرائر 2:55.
2- المهذب البارع 2:529.
3- انظر السرائر 2:79.
4- التنقيح الرائع 2:192.
5- الروضة البهية 4:136،و المسالك 1:258.
6- التنقيح الرائع 2:193.

و المطابقة و غيرهما،و أما رضاء المحال عليه فيكفي كيف اتّفق متقدّماً و متأخراً و مقارناً.و لو جوّزنا الحوالة على البري اعتبر رضاه قطعاً (1).

و لا يجب قبول الحوالة و لو كان على مليّ بلا خلاف بيننا؛ للأصل،و فقد المانع،لأن الواجب قبوله أداء الدين،و ليست أداءً،و إنما هي نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى،فلا يجب قبولها.

خلافاً لبعض العامة (2)،فأوجب القبول إذا كانت على مليّ؛ للنبوي:

« إذا أُحيل أحدكم بحقّ على مليّ فليحتل» (3).

و قصور السند يمنع العمل به،فليحمل على الاستحباب.

نعم لو قبل الحوالة لزمت،و لا يرجع حينئذ المحتال على المحيل بالمال المحال به مطلقاً و لو افتقر المحال عليه بعد يساره حين الحوالة؛ لأنها توجب البراءة منه إجماعاً،كما في الغنية و عن السرائر و التذكرة (4)،فلا يعود إلّا بسبب.

و للخبر:عن الرجل يحيل الرجل بمال على الصيرفي ثم يتغيّر حال الصيرفي،أ يرجع على صاحبه إذا احتال و رضي؟قال:

« لا» (5).و لا فرق فيه عند الأكثر بين أخذ المحتال شيئاً من المال و عدمه؛ لما مرّ،مضافاً إلى أصالتي لزوم العقد و عدم اشتراط الأخذ،و إطلاق النصوص التي ستذكر.

خلافاً للمحكي عن الديلمي،ففصّل بين الصورتين،و وافق في

ص:285


1- الروضة البهيّة 4:136.
2- كابن قدامة في المغني و الشرح الكبير 5:60.
3- مسند أحمد 2:463.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):595،السرائر 2:80،التذكرة 2:105.
5- التهذيب 6:501/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 4.

الأُولى و خالف في الثانية (1).و هو شاذّ،و حجته غير واضحة.

و يشترط ملاءته وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره بلا خلاف بين أصحابنا،كما في الغنية (2)،و عليه الإجماع صريحاً عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح (4)،و ثانيهما الموثق (5):عن الرجل يحيل على الرجل بدراهم،أ يرجع عليه؟قال:« لا يرجع عليه أبداً إلّا أن يكون قد أفلس قبل ذلك» .و هو و إن عمّ صورتي العلم بإفلاسه و عدمه،إلّا أنه محمول على الثانية؛ لكون الحوالة في هذه الصورة من الفروض الغالبة دون الصورة الأُولى،فإنها من الفروض النادرة،فلا يحمل عليها إطلاق الرواية.و وجه الصحة فيها عموم الأدلّة،و أن المحتال صاحب الحق فله إسقاطه جدّاً، فلأن يرضى بانتقاله إلى ذمّة المعسر أولى.

و لو أُحيل و رضي لظنّه ملاءته ثم بان فقرة عند الحوالة رجع إن شاء؛ عملاً بالشرطية،و به صرّحت الرواية السابقة.

و العبرة بيساره و إعساره وقت الحوالة،فلو كان مليّاً فيه ثم تجدّد الإعسار فلا رجوع.

ص:286


1- المراسم:201.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):595.
3- التذكرة 2:105.
4- الفقيه 3:192/55،التهذيب 6:569/232،الوسائل 18:433 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 1.
5- الكافي 5:4/104،التهذيب 6:498/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 3.

و لو انعكس فتجدّد له اليسار بعد الإعسار قبل أن يرجع المحتال ففي جواز الرجوع حينئذ وجهان،من زوال الضرر،و من ثبوت الرجوع قبله فيستصحب.و هذا أظهر،وفاقاً لإطلاق العبارة و جماعة (1)؛ لأن الموجب للرجوع ليس هو الإعسار على الإطلاق ليزول بزواله،بل الإعسار وقت العقد،و هو متحقق فيثبت حكمه.

و لو استجمعت الحوالة شرائطها المتقدمة يبرأ المحيل من المال الذي أحال به مطلقاً و إن لم يبرئه المحتال على الأظهر الأشهر، كما في المسالك و غيره (2)؛ للإجماعات المتقدمة المحكية على انتقال الحق بمجرّد الحوالة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة،و عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود كتاباً و سنةً،بناءً على أن معنى الحوالة الانتقال من حينها، نظراً إلى مبدإ اشتقاقها الذي هو التحويل،فإذا تحققت وجب تحقّق المبدأ.

مع أن الإبراء إما أن يكون قبل الانتقال من ذمّة المحيل أو بعده، و الأوّل يستلزم بطلان الحوالة،إذ ليس له في ذمّة المحيل حينئذ شيء يحيله به،و الثاني يستلزم تحصيل الحاصل،لأن ذمّته برئت بالحوالة فلا حاجة إلى إبراء آخر.

ص:287


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:360،و الشهيد الثاني في الروضة 4:137،و السبزواري في الكفاية:115.
2- المسالك 1:259؛ و انظر جامع المقاصد 5:360.

و في رواية بل روايتين،إحداهما صحيحة (1)،و الثانية ضعيفة (2)أنه إن لم يبرئه أي المحيلَ المحتالُ فله الرجوع عليه بالمال،و قد عمل بها الشيخان و جماعة من القدماء الأعيان (3).

و هما لقصورهما عن المقاومة لما قدّمناه من الأدلّة سنداً في بعض و دلالة في الجميع ينبغي طرحهما أو تأويلهما بما ذكره جماعة (4)من حمل الإبراء فيهما على الرضاء بالحوالة،و أنه أُريد بعدم الإبراء الكناية عن عدم الرضاء بالحوالة.

و ربما يتوجه حملهما على التقية عن مذهب بعض العامة (5)من عدم حصول البراءة بالحوالة و أن مقتضاها إنما هو ضمّ ذمة إلى أُخرى،كما قالوه في الضمان (6).

و بالجملة الإعراض عنهما أجدر،و المصير إلى ما قابلهما بما قدّمناه من الأدلّة أليق.

ص:288


1- الكافي 5:2/104،التهذيب 6:496/211،الوسائل 18:433 أبواب أحكام الضمان ب 11 ح 2.
2- الكافي 5:/104 ذيل حديث 2،التهذيب 6:497/212،الوسائل 18:434 أبواب أحكام الضمان ب 11 ذيل حديث 2.
3- المفيد في المقنعة:815،الطوسي في النهاية:316؛ و انظر الوسيلة:282،و الكافي في الفقه:340،و حكاه عن ابن الجنيد و القاضي في التنقيح 2:194.
4- منهم:الشهيد في المسالك 1:259،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 9:310،و صاحب الحدائق 21:51.
5- كابن قدامة في المغني و الشرح الكبير 5:55.
6- راجع ص:269.

القسم الثالث الكفالة

القسم الثالث: في الكفالة.

و هي التعهّد بالنفس أي التزام إحضار المكفول متى طلبه المكفول له.

و هي ثابتة بالسنّة و الإجماع،بل و الكتاب،قال سبحانه حكايةً عن إخوة يوسف فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ [1] (1)فتأمّل.

و لكنها مكروهة،كما يستفاد من النصوص المستفيضة،ففي عدّة منها:«الكفالة خسارة،غرامة،ندامة» (2)و في أُخر:«مالك و الكفالات،أما علمت أنها أهلكت القرون الأُولى» (3).

و يعتبر فيها رضاء الكافل و هو المعبّر عنه بالكفيل و المكفول له بلا خلاف،بل عن التذكرة عليه الإجماع (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّ الإنسان لا يصحّ أن يلزمه الحق إلّا برضاه،و كذا صاحب الحق لا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه،و بهما يتمّ العقد دون من عليه الحق و هو المعبّر عنه ب المكفول عنه فلا يعتبر رضاه على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،و عليه الإجماع في التذكرة (5)؛ و هو

ص:289


1- يوسف:78.
2- الفقيه 3:189/55،التهذيب 6:492/210،الوسائل 18:428،429 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 2،5.
3- الكافي 5:1/103،الفقيه 3:185/54،التهذيب 6:484/209،الوسائل 18:428 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 1،4.
4- التذكرة 2:100.
5- التذكرة 2:100.

الحجة.

مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة؛ لكونها منها،كما مرّت إليه الإشارة.

مضافاً إلى وجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق و لو بالدعوى بنفسه أو وكيله،إجماعاً،كما في المسالك و غيره (1)،و الكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره بإحضاره،و غاية الكفالة هي حضور المكفول حيث يطلب.

خلافاً للمبسوط و القاضي و ابن حمزة و قوّاه الفاضل في التحرير [السرائر] و حكي عن الحلّي (2)؛ التفاتاً إلى أنه إذا لم يأذن فيها أو لم يرض به لم يلزمه الحضور مع الكفيل،فلم يتمكّن من إحضاره،فلا يصحّ كفالته، لأنها كفالة بغير المقدور عليه.و هذا بخلاف الضمان؛ لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه،و لا يمكن أن ينوب عنه في الحضور.

و ردّ بالمنع من عدم لزوم الحضور معه.

قيل:و على تقدير اعتبار رضاه ليس على حدّ رضاء الآخرين من وجوب المقارنة،بل يكفي كيف اتّفق (3)،كما مرّ نظيره في الضمان (4).

و في اشتراط الأجل فيها،فلا يصحّ حالّا،أم لا فيصحّ قولان الثاني أظهر،و هو أشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ لأصالتي الجواز و عدم الاشتراط.

خلافاً للمحكي عن المفيد و النهاية و ظاهر الديلمي و القاضي في أحد

ص:290


1- المسالك 1:263؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:150.
2- المبسوط 2:337،القاضي حكاه عنه في المختلف:434،ابن حمزة في الوسيلة:281،التحرير 1:225،الحلّي في السرائر 2:78.
3- المسالك 1:263.
4- راجع ص:285.

قوليه و ابن حمزة (1)فالأوّل؛ و حجّتهم عليه غير واضحة و لا مذكورة في كتب الجماعة عدا القياس بالضمان.و ضعفه أوضح من أن يحتاج إلى بيان.

فإن اشترط أجلاً فلا بدّ من كونه معلوماً بلا خلاف بيننا،بل عليه الوفاق في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى استلزام الجهل به الغرر المنهي عنه في الشريعة،إذ ليس له وقت يستحق فيه المطالبة كغيره من الآجال،فتأمّل.

خلافاً لبعض العامة،فاكتفى بالأجل المجهول؛ لاشتمالها على التبرع فيتسامح فيها كالعارية (3).و هو قياس مع الفارق.

و إذا دفع الكافل الغريم و هو المكفول إلى المكفول له و سلّمه إليه تسليماً تامّاً بأن لا يكون هناك مانع من تسلّمه كتغلّب أو حبس ظالم، و كونه في مكان لا يتمكّن من وضع يده عليه لقوّة المكفول و ضعف المكفول له،و في المكان المعيّن إن بيّناه في العقد،و في بلد العقد إن أطلقاه،و بعد الأجل إن كانت مؤجّلة،أو في الحلول متى شاء إن كانت حالّة،و نحو ذلك فقد برئ من عهدته اتّفاقاً،و لو امتنع من تسلّمه، على الأظهر.

و قيل:سلّمه حينئذ إلى الحاكم و برئ أيضاً (4).

و فيه نظر،بل الظاهر حصول البراءة حينئذ من دون احتياج إلى

ص:291


1- المفيد في المقنعة:845،النهاية:315،الديلمي في المراسم:200،القاضي حكاه عنه في المختلف:434،ابن حمزة في الوسيلة:281.
2- المسالك 1:263؛ و انظر الحدائق 21:64.
3- انظر المجموع 14:48.
4- المسالك 1:263.

التسليم إليه،وفاقاً لبعض من تأخّر (1)،و إن كان التسليم إليه أحوط.

و كذا الإشهاد عليه و على الامتناع من قبضه،و لا دليل على وجوبه مطلقاً حتى في صورة عدم إمكان الحاكم،و لعلّ اعتباره في كلام شيخنا الشهيد الثاني (2)للإرشاد للإثبات،لا لتوقف البراءة عليه.

و إن امتنع الكفيل من تسليمه ألزمه الحاكم به،فإن أبى كان للمكفول له طلب حبسه منه حتى يحضر الغريم أو يؤدّي ما عليه إن أمكن أداؤه عنه،كالدين.

فلو لم يمكن،كالقصاص و الزوجيّة و الدعوى لعقوبة توجب حدّا أو تعزيراً ألزم بإحضاره حتماً مع الإمكان،و له عقوبته عليه،كما في كلّ ممتنع من أداء الحق مع قدرته.

فإن لم يمكنه الإحضار و كان له بدل،كالدية في القتل و إن كان عمداً أو مهر مثل الزوجة،وجب عليه الإحضار.

و لا خلاف في شيء من ذلك في الظاهر،حتى في جواز الاكتفاء عن الإحضار بأداء ما عليه إذا رضي به المكفول له.

و أما مع عدم رضاه به و مطالبته الإحضار ففي الاكتفاء بذلك عنه هنا أيضاً،أم لا،فيجوز للمكفول له إلزامه بالإحضار مطلقاً قولان؛ للأوّل كما هو ظاهر العبارة و جماعة (3)تبعاً للطوسي (4)-:حصول الغرض من الكفالة.

ص:292


1- كالعلامة في التذكرة 2:101،و الشهيد الثاني في المسالك 1:263،و صاحب الحدائق 21:65.
2- المسالك 1:263.
3- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:78،و العلامة في الإرشاد 1:403.
4- النهاية:315.

و للثاني كما عن التذكرة،و به صرّح في المسالك و الروضة (1)، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)-:عدم انحصار الأغراض في أداء الحق أو كيف اتّفق،خصوصاً فيما له بدل اضطراري.

و هو الأقوى؛ لذلك،مضافاً إلى العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقد،و ظواهر المعتبرة المستفيضة التي هي الأصل في المسألة.

منها الموثق:«اتي أمير المؤمنين برجل تكفّل بنفس رجل،فحبسه و قال:اُطلب صاحبك» (3)و نحوه خبران آخران (4).

و الرضوي:«إذا كفل الرجل الرجل حبس إلى أن يأتي بصاحبه» (5).

و ليس فيها مع كثرتها،و اعتبار سند بعضها،و انجبار ضعف باقيها كقصور الأوّل بعمل العلماء تخيير للكفيل بين الإحضار و أداء المال،بل أُمر بالأوّل خاصة.

و ربما يمكن أن يقال باحتمال ورود الأمر و الإلزام بالإحضار مورد الغالب من عدم بذل الكفيل للمال،فلا دلالة في هذه الأخبار على لزوم الإحضار على الإطلاق.

ثم على تقدير كون الحق مالاً و أدّاه الكفيل برضاء المكفول له أو مطلقاً،فإن كان قد أدّى بإذن المكفول عنه رجع عليه كمن أدّى المال بإذن

ص:293


1- التذكرة 2:102،المسالك 1:263،الروضة 4:155.
2- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:152،و صاحب الحدائق 21:66.
3- الكافي 5:6/105،الوسائل 18:430 أبواب أحكام الضمان ب 9 ح 1.
4- الفقيه 3:184/54،التهذيب 6:487/209،الوسائل 18:431 أبواب أحكام الضمان ب 9 ح 2،4.
5- فقه الرضا(عليه السلام):256،المستدرك 13:438 أبواب أحكام الضمان ب 7 ح 1؛ بتفاوت.

مَن عليه.و كذا إن أدّى بغير إذنه مع كفالته بإذنه و تعذّر إحضاره و المراجعة إليه؛ لأن ذلك من لوازم الكفالة،فالإذن فيها إذن في لوازمها،و لا رجوع له في غير الصورتين.

و الفرق بين الكفالة و الضمان في رجوع من أدّى بالإذن هنا و إن كفل بغير الإذن بخلاف الضمان عدم تعلّق الكفالة بالمال بالذات،و أن حكم الكفيل بالنسبة إليه حكم الأجنبي،فإذا أدّاه بإذن المديون فله الرجوع، بخلاف الضمان،لانتقال المال به إلى ذمّته فلا ينفعه الإذن في الأداء بعده، لأنّه كإذن البريء للمديون في أداء دينه.

و لو تكفّل رجل برجل و قال:إن لم أُحضره إلى كذا كان عليّ كذا،كان كفيلاً أبداً و لم يلزمه المال عند الأجل،بل لا بدّ من الإحضار.

و لو قال:عليّ:كذا إلى كذا إن لم أُحضره،كان ضامناً للمال إن لم يحضره في الأجل في المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في صريح المهذب البارع و شرح الشرائع للصيمري و عن المحقق الشيخ علي و هو ظاهر التنقيح (1)،و لعلّه كذلك.

و لم يقدح فيه مخالفة الإسكافي (2)؛ لشذوذه،و معلومية نسبه،مع موافقته لهم في الجملة.

و نحوه الجواب عن تنظّر الفاضل في المختلف (3)،و جعله رأيه أنسب.

ص:294


1- المهذب البارع 2:532،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:393،التنقيح الرائع 2:196.
2- كما حكاه عنه في المختلف:435.
3- المختلف:435.

و أما الاختلاف في الشقّ الثاني من حيث تقييد الحكم فيه بضمان المال بشرط عدم الإحضار،كما هنا و في كلام الشيخ و متابعيه و الفاضل في التحرير و التذكرة (1)،و عدمه،كما في الشرائع و الإرشاد و القواعد (2)فغير قادح فيه على اليقين؛ للموافقة في الحكم في كلتا الصورتين،غاية الأمر الاختلاف في الإطلاق و التقييد،و هو لا يوجب الخروج و المخالفة في أصل الحكم،و الإجماعات المحكية إنما هي على أصله في الجملة،لا على وصفيته من أحد الأمرين.

مع احتمال عدم المخالفة في التقييد و الاتفاق على اعتباره و إن سومح بذكره في تلك الكتب،و لعلّه للاعتماد على الشرطية المذكورة فيها قبل الحكم كالعبارة.

و يعضده استنادهم إلى ما هو الأصل في هذا الحكم من الموثقين المذكور فيهما القيد كالعبارة،في أحدهما:عن الرجل يكفل بنفس الرجل فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهماً،قال:«إن جاء به إلى أجل فليس عليه مال و هو كفيل بنفسه أبداً إلّا أن يبدأ بالدراهم،فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجّله» (3).

و في الثاني:رجل كفل لرجل بنفس رجل،فقال:إن جئت به و إلّا فعليّ خمسمائة درهم،قال:«عليه نفسه و لا شيء عليه من الدراهم» فإن قال:عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه،فقال:«تلزمه الدراهم إن لم يدفعه

ص:295


1- الشيخ في النهاية:315،و تبعه ابن حمزة في الوسيلة:281،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):595،التحرير 1:225،التذكرة 2:102.
2- الشرائع 2:115،الإرشاد 1:403،القواعد 1:183.
3- الفقيه 3:187/54،التهذيب 6:488/209،الوسائل 18:432 أبواب أحكام الضمان ب 10 ح 2.

إليه» (1).

و ليس في سندهما عدا داود بن الحصين في الأوّل،و هو موثّق،مع احتمال وثاقته،لتوثيق النجاشي له على الإطلاق من دون إشارة إلى وقفه (2)،و هو ظاهر في حسن عقيدته،و إن صرّح به الشيخ في رجال [رجاله] (3)،لتقديمه عليه عند التعارض.

و حسن بن محمّد بن سماعة و أبان بن عثمان في الثاني،و كلاهما موثّقان،مع أنّ الثاني منهما ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

فهما في غاية من الاعتبار،و مع ذلك مشتهران بين الأصحاب غاية الاشتهار،و لو كانا ضعيفين لحصل لهما به الانجبار.فلا يلتفت إلى ما يرد عليهما من المخالفة للقواعد الشرعية و العربية من حيث تضمّنهما الفرق بين المسألتين بمجرّد تقديم الجزاء على الشرط و تأخيره عنه،مع أن ذلك لا مدخل له في اختلاف الحكم،لأن الشرط و إن تأخّر فهو في حكم المتقدم،فكم من نصوص مخالفة للقواعد يخرج بها عنها،مع قصورها عن مرتبة الموثقين الواردين هنا،فالخروج بهما عنها مع ما هما عليه من المرجّحات القوية التي عمدتها فتوى الطائفة و الإجماعات المحكية بطريق أولى،و لا احتياج إلى التكلّفات الصادرة عن جماعة في تطبيقهما مع القاعدة،مع تضمّن بعضها اطراحهما و الخروج عن ظاهرهما بالكلّية.

ص:296


1- الكافي 5:3/104،التهذيب 6:493/210،الوسائل 18:432 أبواب أحكام الضمان ب 10 ح 1.
2- رجال النجاشي:421/159.
3- رجال الشيخ:349.

و من خلّى غريماً و أخلصه من يد غريمه قهراً لزمه إعادته أو أداء ما عليه إن أمكن،كما في الدين،دون القصاص و نحوه،مطلقاً،أو بعد تعذّر الإحضار على المختار في الكفيل،و المخلِّص بحكمه.

لكن هنا حيث يؤخذ منه المال لا رجوع له على الغريم إذا لم يأمره بدفعه،إذ لم يحصل من الإطلاق و التخليص ما يقتضي الرجوع.

و لو كان الغريم قاتلاً عمداً كان أو شبهه أعاده أو دفع الدية و لا خلاف في المقامين على الظاهر،بل عليهما الإجماع في شرح الشرائع للصيمري؛ و علّلوه بأنّه غصب لليد المستولية المستحقة من صاحبها،فكان عليه إعادتها أو أداء الحق الذي بسببه تثبت اليد عليه.

و يعضده حديث نفي الضرر (1)؛ مضافاً إلى الصحيح في الثاني:عن رجل قتل رجلاً عمداً،فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه،فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء،قال:«أرى أن يحبس الذي خلّص القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل»[قيل:فإن مات القاتل (2)]و هم في السجن،قال:«فإن مات فعليهم الدية يؤدّونها جميعاً إلى أولياء المقتول» (3).

قالوا:و لا يقتصّ منه في العمد؛ لأنه لا يجب على غير المباشر.

ثم إن استمرّ القاتل هارباً ذهب المال على المخلّص.

ص:297


1- عوالي اللآلي 1:93/220،سنن الدارقطني 4:83/227،سنن ابن ماجه 2:2340/784،2341،مسند أحمد 5:327؛ و انظر الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12 الأحاديث 3،4،5.
2- أضفناه من المصدر.
3- الكافي 7:1/286،الوسائل 18:437 أبواب أحكام الضمان ب 15 ح 1.

و إن تمكّن وليّ المقتول منه في العمد وجب عليه ردّ الدية على الغارم و إن لم يقتصّ من القاتل؛ لأن الدية وجبت لمكان الحيلولة و قد زالت،و عدم القتل الآن مستند إلى اختيار المستحق لا إلى تقصير المخلّص.

و لو كان تخليص الغريم من يد كفيله و تعذّر استيفاء الحق من قصاص أو مال و أخذ الحق من الكفيل،كان له الرجوع على الذي خلّصه كتخليصه من يد المستحق.

و تبطل الكفالة بموت المكفول قبل إحضاره،بلا خلاف،بل في الغنية و التذكرة عليه الإجماع (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى فوات متعلّقها و هو النفس،و فوات الغرض لو أُريد البدن.

قيل:إلّا في الشهادة على عينه ليحكم عليه بإتلافه أو المعاملة له إذا كان قد شهد عليه من لا يُعرف نسبه،بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتاً حيث يمكن الشهادة عليه بأن لا يكون قد تغيّر بحيث لا يُعرف، و لا فرق حينئذ بين كونه قد دُفن و عدمه،لأن ذلك مستثنى من تحريم نبشه (2).

و هو حسن مع اشتراطه أو قيام القرينة على إرادته،و مشكل مع عدمهما؛ لعدم انصراف إطلاق الكفالة إلّا إلى إحضار المكفول حال الحياة، و لكن الأحوط ذلك.

ص:298


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،التذكرة 2:102.
2- الروضة البهية 4:169.

كتاب الصلح

كتاب الصلح و هو مشروع في الأصل لقطع المنازعة السابقة أو المتوقّعة.

و هو في الجملة مجمع عليه بين الأُمّة،كما عن السرائر و التذكرة (1)،و الآيات به كالسنة متظافرة،قال سبحانه وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ [1] (2).و قال عزّ شأنه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [2] (3).و في الصحيح:«الصلح جائز بين المسلمين» (4).

و نحوه المرسل الخاصي المروي في الفقيه (5)،و العامي (6)،بزيادة فيهما من الاستثناء الآتي،هذا.

و النصوص من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في موارد مخصوصة به مستفيضة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و مقتضاها كإطلاق السابقة،مضافاً إلى إجماع الإمامية المحكي في

ص:299


1- السرائر 2:64،التذكرة 2:177.
2- النساء:128.
3- الحجرات:9.
4- الكافي 5:5/259،التهذيب 6:479/208،الوسائل 18:443 أبواب أحكام الصلح ب 3 ح 1،و في الجميع:«بين الناس».
5- الفقيه 3:52/20،الوسائل 18:443 أبواب أحكام الصلح ب 3 ح 2.
6- سنن الدارقطني 3:96/27،97،مسند أحمد 2:366،سنن الترمذي 2:1363/403.

كلام جماعة بعنوان الاستفاضة (1)عدم اشتراطه بسبق خصومه،كما عليه بعض العامة (2).

نعم،ربما يشعر لفظة الصلح بتحقق منازعة،و لكن لا يتعيّن كونها سابقة،بل يصحّ إطلاقه بالإضافة إلى رفع منازعة متوقّعة محتملة و إن لم تكن سابقة،كما يفصح عنه الآية الأُولى،فاشتراط السبق في مفهومه باعتبار اللفظة غفلة واضحة.

نعم،لا تساعد الأخبار المتقدّمة على الدلالة على مشروعيّته حيث لا منازعة سابقة و لا متوقّعة.

و لكن يمكن الذبّ عنه بعدم القائل بالفرق بين الأُمّة،فكلّ من قال بالمشروعية لدفع منازعة متوقّعة و إن لم تكن سابقة كما دلّ عليها إطلاق الأخبار المذكورة،قال بها في الصورة المزبورة التي لم تكن المنازعة فيها بسابقة و لا متوقّعة،هذا.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة.

فلو وقع ابتداءً على عين بعوض معلوم صحّ و أفاد نقل كلّ من العوضين كما في البيع.

و لا يلزم من كون أصل المشروعيّة لقطعها ثبوتها في كلّ فرد فرد من أفراده خصوصاً مع وجود الأدلّة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لما لا خصومة فيه،كما في نظائره كالعدّة،فقد شرّعت لاستبراء الرحم مع الاتفاق نصّاً و فتوى على وجوبها في مواضع يقطع ببراته فيها.

ص:300


1- منهم:العلّامة في التذكرة 2:177،الشهيد الثاني في المسالك 1:267،الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:120.
2- كالخطيب في مغني المحتاج 2:178.

و يجوز مع الإقرار من المدّعى عليه بالدين و الإنكار له، بلا خلاف بيننا،كما في الروضة و غيرها (1)،بل في المسالك و الغنية و عن التذكرة (2)عليه إجماع الإماميّة؛ للعمومات.

ثم إن كان المدّعى محقّاً استباح ما دفع إليه المنكر صلحاً،و إلّا فهو حرام باطناً،عيناً كان أم ديناً.حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام،و لا يستثني له منها مقدار ما دفع إليه من العوض؛ لفساد المعاوضة في نفس الأمر،لأنه إنما صالح المحقّ المبطلَ دفعاً لدعواه الكاذبة،و قد يكون استدفع بالصلح ضرراً عن نفسه أو ماله،و مثل هذا لا يُعدّ تراضياً يبيح أكل مال الغير.

و يدلّ على الأوّل المعتبرة،منها الصحيح:«إذا كان للرجل على رجل دين،فمطله حتى مات،ثم صالح ورثته على شيء منه فالذي أخذته الورثة لهم،و ما بقي فهو للميت يستوفيه في الآخرة،فإن هو لم يصالحهم على شيء حتى مات و لم يقض عنه فهو كلّه للميت يأخذه به» (3).

قيل:نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورّثه أن له حقّا على أحد فأنكر،و صالحه على إسقاطها بمال فالمتّجه صحة الصلح.

و مثله ما لو توجّهت الدعوى بالتهمة؛ لأن اليمين حق يصحّ الصلح على إسقاطه (4).

إلّا ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً و لا خلاف في صورتي

ص:301


1- الروضة 4:174؛ و انظر التنقيح الرائع 2:201،و الكفاية:116.
2- المسالك 1:267،الغنية(الجوامع الفقهية):594،التذكرة 2:179.
3- الكافي 5:8/259،التهذيب 6:480/208،الوسائل 18:446 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 4.
4- الروضة 4:173.

الاستثناء؛ و يدلّ عليه بعده الخبران المتقدّمان و غيرهما.

و فسّر الأوّل:بالصلح على أن لا يطأ أحدهما حليلته،أو لا ينتفع بماله و نحوه.

و الثاني:بالصلح على استرقاق حرّ،أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره،أو ليشرب الخمر و نحوه.

فالصلح على مثل هذه باطل باطناً و ظاهراً،و عليه يكون الاستثناء متصلاً.

و ربما فسّر بصلح المنكر على بعض المدّعى أو منفعته أو بدله مع كون أحدهما عالماً بفساد الدعوى،لكنه هنا صحيح ظاهراً و إن فسد باطناً، كما مضى،و عليه يكون الاستثناء منقطعاً.

و هو صالح للأمرين معاً؛ لأنه محلّل للحرام بالنسبة إلى الكاذب و محرّم للحلال بالنسبة إلى المحق.

و يصحّ الصلح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، و مع جهالتهما به مطلقاً ديناً كان ما تنازعا فيه أو عيناً إرثاً كان أو غيره،بلا خلاف فيه في الجملة،بل عليه في المسالك و عن التذكرة (1)إجماع الإمامية؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى العمومات،و خصوص المعتبرة في الصورة الثانية،منها الصحيحان:في رجلين كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه،فقال كلّ واحد منهما لصاحبه:لك ما عندك،و لي ما عندي،فقال:«لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت به

ص:302


1- المسالك 1:267،التذكرة 2:178.

أنفسهما» (1)و نحوهما الموثق (2).

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة و منها عبارة التذكرة المحكي فيها إجماع الإمامية يشمل صور كون المتنازع فيه مما يتعذّر معرفتهما له مطلقاً أو لا،أمكن معرفته في الحال أم لا لعدم مكيال أو ميزان و نحوهما من أسباب المعرفة.

و لا خلاف في الأُولى؛ لاتفاق الأدلّة عليها فتوًى و نصّاً؛ مضافاً إلى أن إبراء الذمّة أمر مطلوب و الحاجة إليه ماسّة،و لا طريق إليه إلّا الصلح، فلا إشكال فيها.

و كذا في الثالثة عند جماعة،كالشهيدين و الفاضل المقداد (3)؛ لتعذّر العلم به في الحال مع اقتضاء الضرورة و مساس الحاجة لوقوعه و الضرر بتأخيره و انحصار الطريق في نقله فيه،مع تناول الأدلّة السابقة له.

و من هذا القبيل أيضاً الصلح على نصيب من ميراث أو عين يتعذّر العلم بقدره في الحال مع إمكان الرجوع في وقت آخر إلى عالم به،مع مسيس الحاجة إلى نقله في الحال.

و يشكل في الثانية،من عموم الأدلّة بالجواز المعتضدة بإطلاقات عبائر كثير من الأصحاب،و من حصول الجهل و الغرر فيها الموجبين للضرر بالزيادة و النقيصة مع إمكان التحرّز عنهما.و لذا قيّد في المسالك و الفاضل

ص:303


1- الكافي 5:2/258،الفقيه 3:53/21،التهذيب 6:470/206،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 1.
2- التهذيب 7:826/187،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ذيل حديث 1.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:330،الشهيد الثاني في المسالك 1:267،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:201.

في التنقيح (1)إطلاق العبارة بصورة تعذّر تحصيل العلم بالحق و المعرفة بالكلية.

و هو حسن إما لترجيح عموم أدلّة النهي عن الغرر،أو لتعارضها مع عموم أدلّة جواز الصلح مع عدم مرجّح للثانية،فلا بدّ من المصير حينئذ إلى حكم الأصل،و هو الفساد و عدم الصحة.

مضافاً إلى إمكان ترجيح أدلّة النهي عن الغرر باعتضادها بالاعتبار و رحجانها عند الأصحاب على أدلّة الصحة في كثير من المعاملات المختلفة كالبيع و الإجارة و نحوهما من المعاملات المعروفة.

و لو اختصّ الجهل بأحدهما فإن كان المستحق لم يصحّ الصلح في نفس الأمر،كما مرّ،إلّا أن يعلمه الآخر بالقدر،أو كان المصطلح به بقدر الحق مع كونه غير متعين؛ للخبر المعتبر المنجبر ضعف سنده بتضمّنه ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته،مضافاً إلى مشاركة الراوي له في الإجماع على تصحيح رواياته،كما حكي (2)،و فيه:رجل يهوديّ أو نصرانيّ كان له عندي أربعة آلاف درهم فمات،أ يجوز لي أن أُصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟قال:«لا يجوز حتى تخبرهم» (3)و عليه يحمل إطلاق الأدلّة.

و الصحيح:في الرجل يكون عليه الشيء فيصالح عليه،فقال:«إذا

ص:304


1- المسالك 1:267،التنقيح الرائع 2:201.
2- الراوي هو علي بن أبي حمزة،و قد قال الشيخ الطوسي:أنه عملت الطائفة برواياته.انظر عدة الأُصول 1:381.
3- الكافي 5:6/259،الفقيه 3:54/21،التهذيب 6:472/206،الوسائل 18:445 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 2.

كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس» (1).

و إطلاق الخبر و إن شمل صورتي وقوع الصلح بمقدار الحق و عدمه، إلّا أنه مقيّد بالصورة الثانية و كون المصالح به أقل؛ التفاتاً إلى أنه الغالب دون المساوي و الزائد،فيرجع فيهما إلى عموم أدلّة جواز الصلح،و يقتصر في تخصيصها بالخبر على الغالب المتيقن منه دون النادر.

و يختصّ فساد الصلح فيه بالباطن دون الظاهر؛ لصحّته،كما مرّ، لعدم العلم بكون من عليه الحق مبطلاً خادعاً في صلحه و احتمال كونه محقّاً،فيكون حاله مشتبهاً،فلا يكون صلحه باطلاً في الظاهر،و إن كان على مجهول.

نعم،لو انكشف أمره ظاهراً بعد الصلح بحيث علم مقدار الحق و زيادته على ما صالح عليه بالبينة أو اعترف من عليه الحق بذلك اتّجه بطلان الصلح ظاهراً و باطناً.

هذا إذا لم يكن من له الحق قد رضي باطناً بالصلح بالأقل.

أما لو رضي به باطناً كان الصلح صحيحاً في نفس الأمر أيضاً،وفاقاً للتذكرة و المسالك و جماعة (2)،فلا يجوز للمستحق حينئذٍ أخذ ما زاد عن مال الصلح و إن علم الزيادة؛ لحصول الرضاء منه بذلك الأقل عوضاً عن حقه و إن كثر،فيكون العبرة في إباحة الباقي بالرضاء الباطني لا بالصلح؛ و يمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحة المتقدمة.

و لو انعكس الفرض بأن كان المستحق عالماً بقدر الحق و الغريم

ص:305


1- التهذيب 6:471/206،الوسائل 18:446 أبواب أحكام الصلح ب 5 ح 3.
2- التذكرة 2:179،المسالك 1:267؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:122،و الكفاية:117،و الحدائق 21:91.

جاهلاً و يريد التخلّص منه،فإن كان بقدر الحق أو دونه جاز،إجماعاً.

و كذا إذا كان زائداً عليه مع رضا الغريم به باطناً؛ لما مضى من أنّ العبرة حينئذ في إباحة ذلك الزائد بالرضا الباطني به لا بالصلح،و أما مع عدمه فلا يصح في الباطن،كما في المسالك و غيره (1).

و هو عقد لازم من طرفيه مستقل بنفسه مطلقاً،على الأقوى، وفاقاً لأكثر أصحابنا،بل عليه كافّة المتأخّرين منّا،بل عن التذكرة و السرائر (2)عليه إجماعنا؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود كتاباً و سنةً.

خلافاً للطوسي،فجعله تارة بيعاً مطلقاً (3).

و يدفعه عدم اشتراطه بشرائطه التي منها معلومية المبيع،و ليست هنا بمشترطة اتفاقاً فتوًى و روايةً،كما مضى.

و أُخرى فرعاً له إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم،و للإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم،و للعارية إذا تضمّن منفعة بغير عوض، و للهبة إذا تضمّن ملك العين بغير عوض،و للإبراء إذا تضمّن إسقاط دين؛ استناداً إلى إفادته فائدتها حيث يقع على ذلك الوجه،و حينئذ فيلحقه حكم ما لحق به (4).

و فيه:أن إفادة عقد فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد،كما لا تقتضي القسمة و الهبة بعوض معيّن اتّحادهما مع البيع.

ص:306


1- المسالك 1:267؛ و انظر المفاتيح 3:122.
2- التذكرة 2:177،السرائر 2:64.
3- الخلاف 3:300.
4- كما في المبسوط 2:288.

و حيث صحّ لا يبطل إلّا ب الفسخ و التقايل فينفسخ به،بلا خلاف،بل عليه في شرح الإرشاد الإجماع (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى أدلّة استحباب الإقالة مع تضمنها أكل مال بطيبة نفس و تجارة عن تراض.

و لو اصطلح الشريكان على أن يكون الخسران على أحدهما و الربح له و للآخر رأس ماله خاصّة صحّ بلا خلاف إذا كان ذلك بعد انقضاء الشركة و إرادة فسخها،ليكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة و الخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء؛ لعموم الأدلّة.

و للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحاً و كان من المال دين و عين،فقال أحدهما لصاحبه:أعطني رأس مالي و لك الربح و عليك التوَى،فقال:«لا بأس إذا اشترطا» (2).

و ليس فيها كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة عموم الحكم بالصحة لصورة اشتراط ذلك في عقد الشركة أو بعده و إن لم يرد القسمة؛ لظهور سياق الرواية فيما قيّدنا به العبارة من تعقّب القول بأن الربح و الخسران لأحدهما و رأس المال للآخر للشركة و حصوله بعدها و بعد إرادة القسمة،لقوله فربحا ربحاً،و أعطني رأس المال.

و ليس في قوله:«إذا اشترطا» منافاة لذلك؛ لاحتمال أن يكون المراد منه:إذا تراضيا رضا يتعقّب اللزوم بوقوعه في عقد لازم،كعقد صلح و نحوه.

ص:307


1- مجمع الفائدة و البرهان 9:340.
2- الكافي 5:1/258،الفقيه 3:637/144،التهذيب 6:476/207،الوسائل 18:444 أبواب أحكام الصلح ب 4 ح 1؛ بتفاوت.

و ليس المراد إذا اشترطا في عقد الشركة كما توهّم؛ لاختصاصه حينئذ بنفي البأس في صورة وقوع الشرط فيه،بل و دلالته بمفهوم الشرط على ثبوته مع وقوعه في غيره،و لا قائل بهما،فتعيّن كون المراد ما ذكرنا.

و وجه اشتراطه عليه السلام ذلك خلوّ السؤال عن بيان رضاء الآخر،و إنما غايته الدلالة على صدور القول من أحدهما.

و نحوها العبارة في عدم العموم للصورة المذكورة؛ لأن اشتراط ذلك فيها لا يسمّى صلحاً،بل اشتراطاً.

بقي الكلام في صحته حيث حصل.

قيل:نعم،كما عن الشيخ و جماعة (1)؛ زعماً منهم عموم الرواية لمثله،مضافاً إلى عموم:«المؤمنون عند شروطهم» (2).

و يضعف الأوّل:بما مرّ.و الثاني:بمخالفة مثل هذا الشرط لمقتضى الشركة من تبعية الربح لرأس المال كالخسارة،فيكون مخالفاً للكتاب و السنة،فيكون فاسداً بالإجماع و المعتبرة.

و ليس مثل هذا الشرط كاشتراط الخيار في عقد البيع و نحوه في المنافاة لمقتضى العقد،لأنه اللزوم،و اشتراطه يوجب التزلزل المنافي له فينتقض به؛ لصحته إجماعاً،و ذلك لأن مقتضى عقد البيع إنما هو الانتقال خاصّة و إنما اللزوم من صفاته و كيفياته الخارجة،فاشتراط الخيار ليس بمناف لمقتضاه البتة.و لا كذلك عقد الشركة،فإنه ليس له مقتضى سوى ما مرّ،و حيث اشترط خلافة لم يبق للشركة معنىً بالكلية،و يكون بمنزلة

ص:308


1- نقله عنهم الشهيد الثاني في الروضة 4:177.
2- الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 الأحاديث 1،2،5 و فيها:المسلمون،و كذا في صحيح البخاري 3:120،و سنن الترمذي 2:1363/403.

العقد للشيء بشرط عدمه،كما أن البيع المشترط فيه عدم الانتقال كذلك، لمنافاة الشرط لمقتضاه البتة.

فإذاً القول بعدم الصحة في غاية القوّة وفاقاً للدروس و المحقق الثاني و الروضة (1)،و هو أيضاً مختار المصنف،كما سيأتي إليه الإشارة،و هو شاهد آخر على اختصاص العبارة بما قدّمناه من الصورة الخاصة دون الصورتين الأخيرتين المتّجه فيهما عدم الصحة.

و أما ما ربما يقال في توجيه الصحة من أن غاية منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد بطلان الشركة،و هو غير ملازم لبطلان الشرط،فقد يكون ذكره في عقدها كناية عن إرادة الإقراض دونها.

فالمناقشة فيه واضحة،أمّا أوّلاً:فلعدم قصدهما إلى الإقراض بالبديهة.

و أمّا ثانياً:فلأن الإقراض يستعقب عدم جواز الرجوع إلى عين المال مطلقاً و لو قبل المزج اتفاقاً،و مقتضى عقد الشركة جواز الرجوع،حيث إنه من العقود الجائزة،كما سيأتي إليه الإشارة (2)،و كلّ من قال بصحة هذا الشرط يلتزم بهذا المقتضى،فصرف العقد عن هذا المقتضى إلى غيره مما لا يقتضيه و لم يقل به أحد،و لم يقصده المتعاقدان بهذا الشرط لا وجه له بالمرة.

و حيث كان الصلح مشروعاً لقطع التنازع بين المتخاصمين بحسب أصله و إن صار بعد ذلك أصلاً مستقلا بنفسه لا يتوقف على سبق خصومة

ص:309


1- الدروس 3:333،المحقق الثاني في جامع المقاصد 5:413،الروضة 4:177.
2- في ص:328.

اعتاد المصنفون أن يذكروا أحكاماً من التنازع في الكتاب،و أشار الماتن إلى بعضها بقوله:

و لو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما:هما لي،و قال الآخر:

هما بيني و بينك و لا بيّنة لأحدهما فلمدّعي الكل درهم و نصف، و للآخر ما بقي للمعتبرين كالصحيحين،بالشهرة و تضمّن سنديهما ابن أبي عمير و عبد اللّه بن المغيرة المدّعى على تصحيح رواياتهما إجماع أصحابنا،فلا يضرّ إرسالهما،مع كونه في أحدهما عن غير واحد الملحق بالصحيح على الأقوى:في رجلين كان معهما درهمان،فقال أحدهما:

الدرهمان لي،و قال الآخر:هما بيني و بينك،فقال عليه السلام:«أما الذي قال:

هما بيني و بينك،فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شيء و أنه لصاحبه،و يقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين» (1).و قريب منه الثاني (2).

و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة يشمل صورتي دعوى الثاني للدرهم معيّناً أو مشاعاً،و كذا وقوع القسمة بعد حلف كلّ منهما على استحقاقه النصف الذي يأخذه أو قبله.

خلافاً للدروس و التنقيح في الأوّل (3)،فخصّا الحكم بتنصيف الدرهم الثاني خاصّة دون الأوّل بصورة دعوى الثاني له معيّناً،و استقربا في صورة الدعوى له إشاعةً قسمة الدرهمين نصفين،و يحلف الثاني للأوّل؛ التفاتاً إلى القاعدة،نظراً إلى أن النصف في الحقيقة بيد الأوّل و النصف بيد الثاني،فمدّعي التمام خارج بالنسبة إلى الثاني،فيكون اليمين عليه و البينة

ص:310


1- الفقيه 3:59/22،التهذيب 6:481/208،809/292،الوسائل 18:450 أبواب أحكام الصلح ب 9 ح 1 و ذيله.
2- الفقيه 3:59/22،التهذيب 6:481/208،809/292،الوسائل 18:450 أبواب أحكام الصلح ب 9 ح 1 و ذيله.
3- الدروس 3:333،التنقيح 2:203.

على الأوّل.

و للتذكرة و جماعة (1)في الثاني،فذكروا أن القسمة بعد الحلف،و أن من نكل منهما قضى به للآخر،و لو نكلا معاً أو حلفا معاً قسّم الدرهم المتنازع فيه بينهما نصفين؛ رجوعاً إلى قاعدة التنازع،و جمعاً بينهما و بين الخبرين هنا.

و لعلّه كالأوّل غير بعيد،و إن كان في تعيينهما نظر،فالأوّل:بظهور الخبرين و كلمة الأصحاب في الدعوى مشاعاً لا معيّناً،فيكون بالإضافة إلى القاعدة خاصّاً،فليقدّم.

و الثاني:بعدم تماميّة إحلاف كلّ منهما في صورة دعوى الثاني الدرهم مشاعاً؛ لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني و توجه البينة إلى الأوّل، و مع ذلك يستحق بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف،كما مرّ،فتأمّل.

ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الدرهمان بيدهما معاً دون ما إذا كانا بيد أحدهما أو ثالث لخروجهما عن الرواية و فتوى الجماعة،فلا بدّ فيهما من الرجوع إلى القاعدة و يحكم فيهما لذي اليد مع حلفه على عدم استحقاق الآخر، فإن كان مدّعي الدرهمين كانا له مع حلفه للآخر على عدم استحقاقه شيئاً.

و كذا إن كان مدّعي الدرهم لكن يردّ درهماً و يحلف على عدم استحقاق الآخر الدرهم الثاني،و إن كان ثالثاً فكهما إن كذّبهما فيحلف لهما و يقرّ في يده الدرهمان،و كأحدهما إن أقرّ له و صدّقه.

و كذا لو أودعه إنسان درهمين و إنسان آخر درهماً فامتزجت لا عن تفريط من الودعي و تلف واحد من الدراهم و لم يعلم من أيّهما

ص:311


1- التذكرة 2:195؛ و انظر جامع المقاصد 5:435،و المسالك 1:268،و الروضة البهية 4:182.

ببيّنة و لا إقرار فلصاحب الاثنين درهم و نصف،و للآخر ما بقي على المشهور بين الأصحاب.

للخبر:في رجل استودع رجلاً دينارين و استودعه آخر ديناراً فضاع دينار منهما،فقال:«يعطى صاحب الدينارين ديناراً و يقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين» (1).

و يشكل هنا مع ضعف السند بأن التالف غير محتمل كونه لهما، بل من أحدهما خاصّة؛ لامتناع الإشاعة هنا،فكيف يقسّم الدرهم بينهما مع أنه مختصّ بأحدهما قطعاً؟ .و الذي يقتضيه النظر و يشهد له الأُصول الشرعية القول بالقرعة في أحد الدرهمين،و مال إليه الشهيدان (2)،و لكنهما لم يجسرا على مخالفة الأصحاب.

و هو في محله؛ لجبر السند و المخالفة للقواعد بعملهم،مع كون الراوي ممن حكى الطوسي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (3)، و قال بثقته جماعة (4).

و القول في اليمين كما مرّ من عدم تعرّض الأصحاب له،فجاز أن يكون الصلح فيهما قهريّاً و جاز أن يكون اختياريّاً،فإن امتنعا عنه فاليمين، و ربما امتنع هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقّه.

ص:312


1- الفقيه 3:63/23،التهذيب 6:483/208،الوسائل 18:452 أبواب أحكام الصلح ب 12 ح 1.
2- الدروس 3:334،الروضة 4:184.
3- عدّة الأُصول 1:380.
4- منهم:المحقق في المعتبر 1:252،و المسائل الغريّة على ما نقله عنها في منتهى المقال 2:42.

و احترز بالمزج لا عن تفريط عما لو كان بتفريط،فإنّ الودعي يضمن التالف فيضمّ إليهما و يقتسمانها من غير نقص،و قد يقع مع ذلك التعاسر على العين فيتّجه القرعة.

و لو كان بدل الدرهم مالاً يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميّز و هما متساويان كالحنطة و الشعير،و كان لأحدهما قفيزان مثلاً و للآخر قفيز و تلف قفيز بعد امتزاجهما بغير تفريط فالتالف على نسبة المالين،و كذا الباقي، فيكون لصاحب القفيزين قفيز و ثلث،و للآخر ثلثا قفيز،و الفرق أن الذاهب هنا عليهما معاً،بخلاف الدرهم؛ لأنه مختص بأحدهما قطعاً.

و لو كان لواحد ثوب اشتراه بعشرين درهماً و للآخر ثوب اشتراه بثلاثين درهماً فاشتبها،فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصف كما في النص و إلّا تخيّر بل تعاسرا بيعاً و قُسّم الثمن بينهما أخماساً و يعطى صاحب الثلاثين ثلاثة و الآخر اثنين،وفاقاً للمعظم،كما في الدروس (1)،و نسبه في المسالك و شرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (2)إلى المشهور؛ للخبر المروي في التهذيب و الفقيه،عن الحسين بن أبي العلاء، عن إسحاق بن عمار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب و آخر عشرين درهماً في ثوب،فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه،قال:«يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن،و الآخر خمسي الثمن» قال:قلت:فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين:اختر أيّهما شئت،قال:«قد أنصفه» (3).

ص:313


1- الدروس 3:332.
2- المسالك 1:268،مجمع الفائدة و البرهان 9:345.
3- الكافي 7:2/421،الفقيه 3:62/23،التهذيب 6:482/208،المقنع:123،الوسائل 18:451 أبواب أحكام الصلح ب 11 ح 1.

خلافاً للحلّي (1)،فالقرعة؛ فإنها لكل أمر مشكل.

و استحسنها في المسالك (2)،و لعلّه لعموم أدلّتها،و التأمّل في سند الرواية بالقطع في التهذيب و الضعف في الفقيه.

و يضعف بالانجبار بالشهرة المحكية في الدروس و غيره و كلامه.

مع احتمال صحة طريق الصدوق إلى الراوي كما يظهر من الفهرست (3)،و إن ضعف في الفقيه بسعدان بن مسلم و غيره كما في الروضة (4)،و يحتمل الصحة أيضاً في طريق الشيخ،كما يظهر من كتابه المشار إليه،بناءً على الاكتفاء فيها بالظنون الاجتهادية،فتكون الرواية حسنة،فلا شبهة معها توجب القرعة.

و للتذكرة،ففصّل بين ما لو بيعا مجتمعين فالأول،للشركة الإجبارية، كما لو امتزج الطعامان،و إن بيعا منفردين متساويين فلكل واحد منهما ثمن ثوب،و إن تفاوتا فالأكثر لصاحبه بناءً على الغالب (5).

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر،مع تطرّق الإشكال إليه بعدم دليل على اعتبار الغلبة التي غايتها إيراث المظنة خاصّة في نحو المسألة التي هي من قبيل الموضوعات دون الأحكام الشرعية،فلا يكتفى فيها بالمظنّة إلّا إذا قامت عليه الأدلّة،هذا.

ص:314


1- السرائر 2:69.
2- المسالك 1:268.
3- الفهرست:15.
4- الروضة 4:183.
5- التذكرة 2:195.

و لقد احتمل الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)حمل الخبر على امتزاج المالين قبل الشراء و وقوع الشراء للثوبين على سبيل الشركة و أنه اشتريا لهما بعنوان الإشاعة؛ و عليه يكون القول بالقرعة في غاية القوة؛ لخروج الرواية على هذا الحمل عن موضوع المسألة.

و لكن فيه بُعد عن سياق الرواية و ما فهمه منها الجماعة،فالمصير إليها أقوى؛ لما مضى.و عليها يكون الصلح في المقام قهريّاً كسابقيه.

و لا يتعدّى إلى غير موردها من الثياب المتعدّدة و الأثمان و الأمتعة.

و يحتمل التعدية؛ لتساوي الطريق.و الأوّل أجود،و عليه يتعيّن القرعة؛ لعموم الأدلّة فيها،و سلامتها عما يصلح للمعارضة.

و إذا ظهر استحقاق أحد العوضين للغير،أو عدم صحّة تملّكه كالحرّ و نحوه بطل الصلح إذا كان معيّناً في العقد،بلا خلاف و لا إشكال فيه،و في الصحة إذا كان مطلقاً،فيرجع إلى بدله كالبيع.

و لو ظهر فيه عيب فله الفسخ؛ دفعاً للضرر.و في تخيّره بينه و بين الأرش إشكال،و الأصل يقتضي العدم.

و لو ظهر غبن لا يتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار وجهان،أجودهما ذلك،وفاقاً للشهيدين (2)؛ دفعاً للضرر،كما قلنا في البيع.

ص:315


1- التنقيح الرائع 2:206.
2- الدروس 3:331،الروضة 4:180.

كتاب الشركة

كتاب الشركة بكسر الشين و إسكان الراء،و فتحها فكسرها و هي تطلق على معنيين.

أحدهما: اجتماع حقّ مالكين فصاعداً في الشيء الواحد على سبيل الشياع و اجتماع الحقوق بمنزلة الجنس الشامل لاجتماعها على وجه التميّز و غيره.

و المراد بالوحدة الوحدة الشخصية،لا الجنسية و لا النوعية و لا الصنفية؛ لعدم تحقّق الشركة فيها مع تعدّد الشخص.و بالواحد الواحد فيما هو متعلّق للشركة،فلا ينافيه التعدّد؛ لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كلّ فرد من أفراد المتعدّد.

و بقوله:على سبيل الشياع،خرج اجتماع حقوقهم في الشيء الواحد المركّب من أجزاء متعدّدة كلّ جزء يستحقّه واحد.

و ثانيهما:عقدٌ ثمرته جواز تصرّف الملّاك للشيء الواحد على سبيل الشياع،و هذا هو الذي به تندرج الشركة في جملة العقود و يلحقها الحكم بالصحة و البطلان دون الأوّل.

و لا خلاف في المعنيين،و إنكار بعض المتأخّرين (1)للثاني بناءً على عدم الدليل على كونها عقداً مع مخالفته الإجماع في الظاهر مضعّف

ص:316


1- صاحب الحدائق 21:148.

بدلالة ثمرته من جواز التصرف المطلق أو المعيّن المشترط على ذلك؛ بناءً على مخالفتها بقسميها سيّما الثاني الأصل؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه،فيقتصر فيها على القدر المتيقن،و هو ما دلّ عليها صريحاً من الجانبين،كما نبّه عليه في التذكرة (1)،و عليه يصحّ إطلاق العقد عليه.

و أما الاكتفاء فيها بمجرّد القرائن الدالّة عليها،أو الألفاظ الغير الصريحة فيها فلا دليل عليه.

و على فرض وجوده كما يدّعى من ظاهر النصوص،مع عدم دلالتها عليه أصلاً فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأوّل أيضاً؛ لحصول الأوّل بامتزاج المالين قهراً من دون رضا المتشاركين،و هو غير الامتزاج مع الرضا به و بالتصرف في المالين مطلقاً أو مقيّداً على حسب ما يشترطانه، فإنكاره رأساً فاسد جدّاً.

و لا ينافي التغاير دخول الثاني في الأوّل دخول الخاص في العام و أنه من أفراده؛ لمغايرتهما في الجملة قطعاً،و هو كافٍ في إفراد الخاصّ عن العام في الإطلاق.

ثم إنها بالمعنى الأوّل قد تكون في عين،و هو ظاهر،و منفعة كدار استأجراها أو عبدٍ اوصي بخدمته لهما،و حقّ كشفعة و خيار و رهن.

و سببها قد يكون إرثاً و عقداً،و هما يجريان في الثلاثة،فتحصل بإرثهما مالاً أو منفعة دار مثلاً استأجرها مورّثهم أو حق شفعة أو خيار، و بشرائهما داراً بعقد واحد،و بشراء كلّ واحد منهما جزءاً مشاعاً منها و لو على التعاقب،و باستيجارهما إياها،و بشرائهما بخيار لهما،و حيازةً لبعض

ص:317


1- التذكرة 2:219،222.

المباحات دفعة بأن يشتركا في نصب حبالة و رمي سهم مثبت،فيشتركان في ملك الصيد،و مزجاً لأحد ماليهما بالآخر بحيث لا يتميّز،و لا يجريان إلّا في العين،و يمكن الفرض الأخير في المنفعة بأن يستأجر كلّ منهما دراهم للتزيين بها حيث نجوّزه متميّزة ثم امتزجت بحيث لا يتميّز.

و لا تصحّ الشركة في الأموال إلّا مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر بأن يتّفقا في الوصف زيادةً على الاتفاق في الجنسيّة،بلا خلاف فيه عندنا،بل عليه في الغنية و عن الخلاف و السرائر و التذكرة (1)إجماعنا.

فلو لم يمتزجا،أو امتزجا بحيث يمكن التمييز و إن عسر،كالحنطة بالشعير،أو الحمراء من الحنطة بغيرها،أو الكبيرة الحبّ بالصغيرة،و نحو ذلك فلا اشتراك.

و لا فرق في الامتزاج بين وقوعه اختياراً أو اتفاقاً،و في المالين بين كونهما من الأثمان أو العروض،إجماعاً من الأُمّة في الأثمان،و من الأصحاب في العروض،كما في التذكرة (2).

و ظاهره الإجماع على عدم الفرق في الأعراض بين ذوات القيم و الأمثال،و حصول الشركة فيهما بالمزج بالشرط المتقدّم،مع أن الماتن في الشرائع صار إلى الفرق بينهما،فمنع تحقق الشركة بالمزج في ذوات القيم (3)،وفاقاً للمبسوط و الإسكافي إلّا أنه أطلق (4).و لكنه معلوم النسب

ص:318


1- الغنية(الجوامع الفقهية):595،الخلاف 3:327،السرائر 2:398،التذكرة 2:221.
2- التذكرة 2:222.
3- الشرائع 2:129.
4- المبسوط 2:346،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:480.

فلا يقدح خروجه في الإجماع.

و مع ذلك يضعّف بتحقّق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها، كالثياب المتعدّدة المتقاربة الأوصاف،و الخشب كذلك،و نحوهما، فيستحق الشركة؛ فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز، و لا خصوصية للقيمي و المثلي في ذلك،و قد حصل.

و متى تحقّقت الشركة فيها (1)فإن علم قيمة ما لكلّ واحد منهما كان الاشتراك على نسبة القيمة،و إلّا ففي الحكم بالتساوي،كما في التذكرة (2)، اتّكالاً على الأصل،أو الرجوع إلى الصلح،كما في المسالك و غيره (3)قولان،أجودهما الثاني،إلّا مع التعاسر و عدم الرضا بالصلح،فيمكن الأوّل.

و لو قلنا بمنع الشركة في القيمي بالمزج فطريق التخلّص من المنع و الحيلة لتحصيل الشركة فيه أن يبيع كلّ منهما حصّته مما في يده بحصّته مما في يد الآخر،أو يتواهبا الحصص،أو يبيع حصّته بثمن معيّن من الآخر و يشتري حصّة الآخر بذلك الثمن،و غير ذلك من الحيل.

و تجري في المثلي أيضاً حيث لا يقبل الشركة بالمزج بتغاير الجنس أو الوصف.

و اعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب في المقام سيّما كلام الفاضل في التذكرة (4)في دعواه الإجماع على حصول الشركة بمزج العروض

ص:319


1- أي:في العروض القيميّة.(منه رحمه اللّه).
2- التذكرة 2:222.
3- المسالك 1:275؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:198.
4- التذكرة 2:222.

و الأثمان مزجاً لا يتميّز معه المالان عدم اشتراط عدم التميّز في نفس الأمر،بل يكتفى بعدمه في الظاهر و إن حصل في نفس الأمر.

و هو منافٍ لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على الإشاعة،فإن الظاهر منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلّا و فيه حقّ لهما، و به صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،بل صرّح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة و الذرّة و الدخن و السمسم و نحوها بمثلها،بل حصرها في مزج مثل الأدِقّة و الأدهان بمثلها.

و لكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب؛ لاتّفاقهم في الظاهر و به صرّح الفاضل كما مرّ على عدم اشتراط عدم تميّز النفس الأمري،مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار،لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي صلى الله عليه و آله إلى زماننا هذا من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار،فكان إجماعاً،و قد نبّه عليه في التذكرة.

بقي الكلام في التوفيق بين التعريف و ما هنا،و الخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا؛ لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم،مع احتمال إرادتهم منها هنا عدم التميّز المطلق.

و كيف كان،فهذه الشركة حيث كانت على جهة الاختيار و قصد التجارة هي الشركة العِنانيّة،و هي مجمع عليها بين المسلمين كافّة،كما في الغنية و عن التذكرة (2)،و به صرّح جماعة (3)،و النصوص بها مع ذلك

ص:320


1- التنقيح الرائع 2:208.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):596،التذكرة 2:220.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:10،و الشهيد الثاني في الروضة 4:198،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:209.

مستفيضة،منها الصحيح:عن الرجل يشارك في السلعة؟قال:«إن ربح فله،و إن وضع فعليه» (1).

و الموثق:عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها،فأتى رجلاً من أصحابه فقال:يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابّة و الربح بيني و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابة،قال:«ثمنها عليهما لأنه لو كان ربحاً لكان بينهما» (2)و بمعناه غيره (3).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و لا ينعقد الشركة بالأبدان و الأعمال بأن يتعاقدا على أن يعمل كلّ منهما بنفسه و يشتركا في الحاصل،سواء اتّفق عملهما قدراً أو نوعاً،أم اختلف فيهما أو في أحدهما،و سواء عملاً في مال مملوك أم في تحصيل مباح؛ لأن كلّ واحد متميّز ببدنه و عمله فيختص بفوائده،كما لو اشتركا في مالين متمايزين.

و لو اشتركا كذلك فحصلا كان لكل واحد ما حصل و هو اُجرة عمله إن تميّز أحد المحصولين عن الآخر،و إلّا فالحاصل لهما و يصطلحان.

و كذا لا أصل لشركة الوجوه و هي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمّة على أن ما يبتاعه كلّ منهما يكون بينهما،فيبيعان و يؤدّيان الأثمان و ما فضل فهو بينهما.

أو أن يبتاع وجيه في الذمّة و يفوّض بيعه إلى خامل على أن يكون

ص:321


1- التهذيب 7:817/185،الوسائل 19:5 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 1.
2- التهذيب 7:184/43،الوسائل 19:5 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 2.
3- التهذيب 7:822/186،الوسائل 19:6 أبواب أحكام الشركة ب 1 ح 3.

الربح بينهما.

أو أن يشترك وجيه لا مال له و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل،و يكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه و الربح بينهما.

أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه له.

و لا المفاوضة و هي أن يشترك شخصان فصاعداً بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان و يربحان،و يلتزمان من غُرم و يحصل لهما من غُنم،فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه من أرش جناية،و ضمان غصب،و قيمة متلف،و غرامة ضمان و كفالة،و يقاسمه فيما يحصل له من ميراث،أو يجده من لقطة و ركاز،و يكتسبه في تجارة،و نحو ذلك، و لا يستثنيان من ذلك إلّا قوت يوم و ثياب بدن و جارية يتسرّى بها.

و هذه الثلاثة بمعانيها باطلة بإجماعنا،كما في الغنية و الانتصار و المختلف و التذكرة و التنقيح و المهذب البارع و المسالك و الروضة،و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و حديث نفي الغرر و الضرر (2)،مع عدم دليل على الصحة من كتاب أو سنة سوى الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط،و هو ليس على ظاهره في الشركة،لأنها من العقود الجائزة،كما سيأتي إليه

ص:322


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،الانتصار:229،المختلف:479،التذكرة 2:220،التنقيح 2:210،المهذب البارع 2:545،المسالك 1:275،الروضة 4:199؛ و انظر جامع المقاصد 8:10،و إيضاح الفوائد 2:299.
2- الوسائل 25:427 أبواب إحياء الموات ب 12 الأحاديث 3،4،5؛ و انظر سنن الدارقطني 4:83/227،و سنن ابن ماجة 2:2340/784،2341،و مسند أحمد 5:337.

الإشارة (1).

و مجرد التراضي لا يوجب مخالفة الأصل،و لزوم انتقال فائدة كلّ واحد استحقها بعمله أو ماله إلى الآخر،سيّما مع تفاوت فائدتهما بالزيادة و النقيصة؛ إذ لا دليل على اللزوم بمجرد التراضي،بل غايته الإباحة، و ليست بثمرة الشركة.

مع أن حصولها بمجرده مع جهل المتعاقدين بالفساد محلّ مناقشة، سيّما مع ندامتهما أو أحدهما عمّا فعله و التزمه،فإن الإباحة حينئذ بمجرّد التراضي السابق غير معلومة،لابتنائه على توهّمهما الصحة،و لذا صرّح الأصحاب بعدم إفادة العقود الفاسدة الإباحة مع حصول رضا الطرفين بها؛ نظراً منهم إلى ابتنائه على توهّم الصحة،فلعلّهما لو علما بالبطلان لم يرضيا،و مثل هذا الرضا ليس برضاً مبيح لأكل مال الغير بالبديهية.

فمناقشة بعض متأخّرين متأخّرينا في المسألة و احتماله الصحة (2)تبعاً للعامة في الثلاثة،و الإسكافي (3)في أُوليها خاصّة عجيبة.

نعم لو علما بالفساد و تشاركا جاز بلا إشكال،إلّا أنّ لهما الرجوع ما دامت العين باقية،و مع ذلك خارج عن مفروض المسألة،فإن ذلك استحلال بالإباحة دون عقد الشركة.

و إذا تشاركا شركة العنان و تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء،و لو تفاوتا فيه فالربح كذلك أي متفاوت بحسب تفاوت المالين،فالزائد منه لربّ الزائد منهما.

ص:323


1- في ص:328.
2- مجمع الفائدة و البرهان 10:193.
3- كما نقله عنه في المختلف:479.

و كذا الخسران يوزّع على المتشاركين بالنسبة إلى المالين فمتساوياً مع التساوي و بالنسبة مع التفاوت.

بلا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك فتوى و نصاً.

و إطلاق العبارة و غيرها في تفاوت المالين يشمل صورتي مساواتهما في العمل و عدمها،و ظاهر المسالك أن عليه اتّفاقنا (1)،و حكى في الأُولى الخلاف عن بعض العامة،حيث منع من الشركة مع عدم استواء المالين في القدر مع اتفاقهما في العمل،و ضعّفه بأن المعتبر في الربح المال و العمل تابع فلا يضرّ اختلافه،كما يجوز مع تساويهما في المال عند الكلّ و إن عَمِل أحدهما أكثر.

و لو شرط أحدهما في الربح زيادة عما يستحقه بنسبة ماله فالأشبه وفاقاً للمبسوط و الخلاف و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (2)مدّعياً فيه الإجماع،و نسبه سابقه إلى الأكثر أن الشرط لا يلزم لأنّ الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض،و لا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتنضمّ إلى أحد العوضين،و لا اقتضى تملّكها عقد هبة،و الأسباب المثمرة للملك معدودة،و ليس هذا أحدها،فيبطل الشرط،هذا.

مضافاً إلى الأصل،و الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية في كلام الحلّي.

ص:324


1- المسالك 1:276.
2- المبسوط 2:349،الخلاف 3:332،القاضي في جواهر الفقه(الجوامع الفقهية)487،الحلي في السرائر 2:400،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):596.

خلافاً للفاضل و والده و ولده (1)،فحكموا باللزوم تبعاً للمرتضى (2)، مدّعياً الإجماع عليه؛ و هو الحجة عندهم،مضافاً إلى عمومي الأمر بالوفاء بالعقود،و لزوم الشروط،و قوله سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ [1] (3).و في الجميع نظر؛ لاندفاع الإجماع بالإجماع المتقدم الذي هو أقوى منه،لاعتضاده بفتوى الأكثر كما مر؛ و العمومين بعدم بقائهما على ظاهرهما من الوجوب في الشركة لكونها كما مرّ و سيأتي من العقود الجائزة المستعقبة لجواز الفسخ و الرجوع بلا ريبة،و هما ينافيان اللزوم بلا شبهة؛ و الآية يمنع كون هذا الشرط تجارةً،لعدم تضمّنه معاوضة،كما مرّ.

و مجرّد التراضي غير كاف في اللزوم،بل غايته الإباحة،و لا كلام في الجواز بها،و لكنه غير مفروض المسألة؛ لعدم استناده إلى عقد الشركة، و مع ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة تقدم إليها الإشارة (4).

ثم ظاهر العبارة و غيرها و صريح المحكي عن القاضي (5)بطلان الشرط خاصّة.و الأجود وفاقاً لجماعة (6)أنه يتبعه بطلان الشركة بمعنى الإذن في التصرف؛ لابتنائه من كلّ منهما على صحّة الشرط،فلا إذن حقيقةً

ص:325


1- الفاضل و والده في المختلف:479،و ولده في إيضاح الفوائد 2:301.
2- الانتصار:228.
3- النساء:29.
4- راجع ص:324.
5- جواهر الفقه(الجوامع الفقهية):487.
6- منهم:الشيخ في المبسوط 2:349،و الشهيد الثاني في الروضة 4:201،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:25.

بدونها،فإن عملا كذلك فالربح تابع للمال و إن خالف الشرط،و يكون لكلّ منهما اجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله.

هذا إذا اشتركا في العمل و تساويا فيه.

و أما لو كان العامل أحدهما و شرطا الزيادة له صحّ،بلا خلاف فيه، و في الصحة أيضاً لو كان لصاحب الزيادة زيادة عمل،كما حكاه جماعة (1)،و لكن الأوّل بالقراض أشبه،لاعتبار العمل من الجانبين في الشركة.

و مع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف في المال المشترك إلّا مع إذن الباقين لقبح التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلاً و شرعاً، و هذا الحكم جارٍ في مطلق الشركة حتى بالمعنى الأوّل،و سواء كان سببها المزج أو غيره،باختيارهما كانت أم بدونه،فإن الإذن في التصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.

و من هنا يظهر ما في تخصيص العبارة الحكم بصورة الامتزاج خاصّة.

و يجب أن يقتصر المأذون من التصرف على ما يتناوله الإذن عموماً أو خصوصاً،فلا يجوز له التعدّي،و يضمن معه إجماعاً.

و لو كان الإذن له في التصرف في التجارة مطلقاً غير مقيّد بنوع خاص منه صحّ تصرفه كذلك بأيّ نوع شاء من أنواع التجارة،و ما فيه مصلحة الشركة من البيع و الشراء مرابحةً،و مساويةً،و توليةً،و مواضعةً حيث تقتضيها المصلحة،و قبض الثمن،و إقباض المثمن،و الحوالة،

ص:326


1- المحقق في الشرائع 2:130،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:211،السبزواري في الكفاية:119.

و الاحتيال،و الردّ بالعيب،و نحو ذلك،كما في الوكيل المطلق.

و لا يجوز له إقراض شيء من المال إلّا مع المصلحة،و لا المحاباة في البيع،و لا المضاربة عليه؛ لأن ذلك ليس من توابع التجارة،و لا يتناوله الإطلاق.

و لو شرط الآذن في التصرف الاجتماع فيه،أي اجتماعه أو غيره أو هما معاً مع المأذون لزم اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الإذن.

و هي أي الشركة بالمعنى الأوّل جائزة فلا يلزم،بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل على أنه يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله،مع أن الناس مسلّطون على أموالهم،و من جملة أفراد التسلّط إفراده من غيره.

و كذا الشركة بالمعنى الثاني الممتاز عن الأوّل مع اشتراكه له في الأصل بتضمّنه الإذن في التصرف للتجارة جائزة أيضاً؛ للإجماع المتقدّم،المعتضد بعدم الخلاف في أنها في معنى الوكالة،و هي جائزة فتكون هي أيضاً جائزة.

و بهذه الأدلّة تخصّ أدلة الأمر بالوفاء بالعقود من الكتاب و السنة، فلكلّ منهما فسخها بمعنييها،و مطالبة القسمة،و المنع عن التصرف الذي أذن به للآخر بالكلية أو في الجملة.

و ليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة أي مطالبة

ص:327


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،التذكرة 2:224.

الآخر إيّاها،بل تجب عليه،و مع امتناعه فللحاكم إجباره عليها، بلا خلاف،كما في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الامتناع الضرر على الغير و أقلّه سلب تسلّطه على ماله الثابت له شرعاً،مع استلزامه الضرر له بوجه آخر في بعض الصور و هو منفي عقلاً و شرعاً فيجب عليه الإقدام عليها.

إلّا أنّ يتضمّن القسمة ضرراً على الممتنع أو عليهما، فلا يجبر في المقامين مطلقاً،إلّا إذا حصل للطالب ضرر من غير جهة القسمة،فيجبر حينئذٍ إذا كان ضرره أقوى،و يقرع مع التساوي.

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،و الأصل في المقام الأوّل حديث نفي الضرر،و في الثاني تضمّنه السفه أو الإسراف المنهي عنهما.

و يلحق بالضرر الدافع للجبر اشتمال القسمة على الردّ؛ لأنّه معاوضة محضة تستدعي التراضي من الطرفين،و تسمّى قسمة تراض،و ما فيه الجبر قسمة إجبار.

و هل يتحقّق الضرر الدافع له بنقصان القيمة مطلقاً،أو مع التفاحش، أو بعدم الانتفاع مطلقاً،أو الذي كان مع الشركة؟أقوال أربعة،أقواها الأوّل وفاقاً لجماعة (2).

و لا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال و إنضاضه (3)،بل له المطالبة بالقسمة قبله مطلقاً،طلبها الآخر منه أم لا،بلا خلاف يظهر؛

ص:328


1- المسالك 1:277.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:277،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:211.
3- نَضَّ المال:إذا تحوّل عيناً بعد أن كان متاعاً،لأنه يقال:ما نضَّ بيدي منه شيء.القاموس 2:358،الصحاح 3:1107.

للأصل،و فقد المانع.

و لا ضمان على أحد الشركاء ما لم يكن التلف بتعدّ و هو فعل ما لا يجوز فعله في المال أو تفريط و هو التقصير في حفظه و ما يتمّ به صلاحه،لأنه أمين و القول في التلف قوله مع يمينه،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عليه الإجماع في الغنية و الروضة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع على أن الشركة في معنى الوكالة و الحكم فيها ذلك بإجماع العلماء كافّة،كما حكاه بعض الأجلّة (2).

و لو ادّعى شراء شيء لنفسه أو لهما حلف و قبل بيمينه؛ لأن مرجع ذلك إلى قصده،و هو أعلم به،و الاشتراك لا يعيّن التصرف بدون القصد، و إنما لزم الحلف مع أن القصد من الأُمور الباطنة التي لا تُعلَم إلّا من قبله لإمكان الاطّلاع عليه بإقراره.

و لا تصحّ مؤجلة إجماعاً،كما في الغنية (3)،إلّا أنه قال بدل لا تصحّ:لا تلزم.

قيل:المراد بصحّة التأجيل المنفية ترتب أثرها بحيث تكون الشركة إلى الأجل لازمة؛ و إنما لم تصحّ لأنها عقد جائز كما مرّ،فلا يؤثّر التأجيل فيها،بل لكلّ منهما فسخها قبل الأجل.نعم،يترتّب على الشرط عدم جواز تصرّفهما بعده إلّا بإذن مستأنف؛ لعدم تناول الإذن له،فلشرط الأجل أثر في الجملة (4).انتهى.

ص:329


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596،الروضة 4:203.
2- الحدائق 21:166.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):596.
4- المسالك 1:276.

و ظاهره بقاء الشركة بمعنى جواز التصرف بالإذن إلى المدّة المضروبة،لا أنها فاسدة بالكليّة.و هو حسن،لكنه منافٍ لظاهر العبارة و ما ضاهاها و المحكي عن الشيخين (1).

و يحتمل حملها على ما إذا اشترطا لزومها إلى المدّة،فيتوجه عليه حينئذٍ فساد الشركة؛ لفساد الشرط بمنافاته لمقتضاها فتفسد هي أيضاً،لأن الإذن منهما في التصرف مبني على اشتراطهما اللزوم و توهّمهما صحة الشرط،و حيث فسد فسد المبنيّ عليه.

نعم،لو ظهر أن مرادهما من الاشتراط تحديد الإذن إلى المدّة خاصّة كان ما ذكر موجّهاً،و لعلّه مراده و إن كانت العبارة مطلقة.

و تبطل الشركة بالمعنى الثاني بالموت إجماعاً،كما في الغنية (2)؛ لأنها في معنى الوكالة،و تبطل بذلك إجماعاً فتبطل هي أيضاً.

قالوا:و في معناه الجنون،و الإغماء،و الحجر للسفه أو الفلس؛ و لعلّ الوجه فيه انقطاع الإذن بالأُمور المذكورة،فعوده بارتفاعها مخالف للأصل، فيحتاج إلى دلالة،و هي هنا و في الوكالة مفقودة.

و منه يظهر حجّة أُخرى لانفساخ الشركة بالأوّل؛ لانحصار الإذن من الآذن للميت خاصّة حال الحياة،و انتقاله إلى الوارث خلاف الأصل فيدفع به،و ليس التصرف بالإذن حقّا يورث.

نعم،القسمة حق له إذا لم يكن هناك دين و لا وصية،و إلّا بنى على الانتقال إليه و عدمه.

و يكره مشاركة الذمي بل مطلق الكافر،كما قالوه،و نفى عنه

ص:330


1- حكاه عنهما في المختلف:480.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):596.

الخلاف في الغنية (1) و إبضاعه و هو أن يدفع إليه مالاً يتّجر فيه لصاحب المال خاصّة و إيداعه للمعتبرين،أحدهما الصحيح:«لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي،و لا يبضعه بضاعة،و لا يودعه وديعة،و لا يصافيه المودّة» (2).

ص:331


1- الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- الكافي 5:1/286،الفقيه 3:638/145،التهذيب 7:815/185،قرب الإسناد:612/167،الوسائل 19:8 أبواب أحكام الشركة ب 2 ح 1.

كتاب المضاربة

كتاب المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض؛ لأنّ العامل يضرب فيها للسعي على التجارة و ابتغاء الربح بطلب صاحب المال،فكان الضرب مسبّب عنهما، فتحققت المفاعلة لذلك.

أو من ضرب كلّ منهما في الربح بسهم.

أو لما فيه من الضرب بالمال و تقليبه.

و هذه لغة أهل العراق،و أهل الحجاز يعبّرون عنها بالقراض من القرض و هو القطع،كأنّ صاحب المال اقتطع منه قطعة و سلّمها إلى العامل، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله؛ أو من المقارضة،و هي المساواة،و منه قول أبي الدرداء:قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك (1).و وجه التساوي هنا أن المال من جهةٍ و العمل من اخرى و الربح في مقابلهما،فقد تساويا في قوام العقد،أو أصل استحقاق الربح و إن اختلفا في كمّيته.

و هي على ما ظهر من وجه التسمية أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً مخصوصاً ليعمل فيه بحصّة معيّنة من ربحه من نصف أو ثلث أو نحو ذلك بحسب ما يشترطانه.

و لو اشترط جميعه للمالك فهو بضاعة،و لو انعكس فاشترط جميعه للعامل فقرض و مداينة،و إن لم يشترطا شيئاً أو فسد العقد بفساد بعض

ص:332


1- النهاية لابن الأثير 4:41.

شروطه فالربح كله للمالك و للعامل اجرة المثل،كذا ذكره في المسالك تبعاً للتذكرة (1).

و لعل المراد أن اشتراط الربح لهما معاً إنما يكون في القراض، و اشتراطه للعامل خاصّة إنما يكون في القرض،و للمالك خاصة إنما يكون في البضاعة،و هذا لا يدل على حصول القراض بمجرد هذا الاشتراط كما يوهمه ظاهر كلامهما،و لا على حصول القرض بذلك،فاندفع ما يرد عليهما من عدم حصول كلّ من القرض و القراض بمجرّد الدفع و اشتراط ما يناسبهما،بل يشترط فيهما صيغ مخصوصة.

مع أنه يحتمل الاكتفاء به في الأوّل؛ للمعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:«من ضمن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله، و ليس له من الربح شيء» (2).

لظهورها في أنّه بمجرّد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً و يخرج عن المضاربة،و إن لم يتقدّم هناك عقد القرض،و هو في معنى اشتراط الربح للعامل،فإن الأمرين من لوازم القرض،فتأمّل.

نعم،يتوجّه عليهما في حكمهما بلزوم الأُجرة في الصورة الأخيرة أنّه لا دليل عليه،مع كون الأصل عدمه،و مرجعه إلى قيام احتمال التبرّع، و لا اجرة معه.

و يمكن دفعه بتخصيص ما ذكراه بصورة جريان عقد القراض.و وجه

ص:333


1- المسالك 1:281،التذكرة 2:229.
2- الصحيح:الكافي 5:3/240،الفقيه 3:632/144،التهذيب 7:839/190،الوسائل 19:22 أبواب المضاربة ب 4 ح 1.الموثق:التهذيب 7:830/188،الإستبصار 3:453/126،الوسائل 19:23 أبواب المضاربة ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.

الدفع حينئذٍ أن صدور عقده منهما إقدام منهما على عدم خلوّ عمل العامل عن الأجر و سلب التبرّع عنه،غاية الأمر أنهما لم يشترطا أو اشترطا شيئاً معيّناً،و هو لا يوجب كون العمل تبرّعاً،و حيث انتفى احتماله وجب أجرة المثل،بلا خلاف في الظاهر.

و وجهه أن الحكم بعدم وجوبها يستلزم الضرر على العامل الناشئ عن إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلاً لما بإزائه من الأجر المطلق أو المعيّن،و حيث بطل تعيّن المثل.

و لذا حكم الأصحاب بوجوب مثل ذلك لمن عمل لآخر عملاً يحكم العرف بعدم كونه متبرّعاً،كأن يكون دلّالاً أو سمساراً.

و ظاهر عبارتهما كباقي الأصحاب عدم لزومه للعامل في البضاعة.

و هو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه،و إلّا فالمتّجه لزومه؛ و لذا فصّل الفاضل المقداد في شرحه على الكتاب فقال فيها (1):إن قال مع ذلك:و لا اجرة لك،فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأُجرة،و إن قال:لك اجرة كذا،فإن كان عيّن عملاً مضبوطاً بالمدة أو العمل فذاك إجارة،و إن لم يعيّن فجعالة،و إن سكت و كان ذلك الفعل له اجرة عرفاً فله اجرة مثله (2).

و لنعم ما فصّل،و ينبغي تنزيل كلمة الأصحاب عليه.

و يجوز لكلّ منهما الرجوع و فسخ العقد سواء كان المال ناضّاً منقوداً دراهم و دنانير أو مشتغلاً بالعروض غير منضوض،بناءً على جوازها من الجانبين،بلا خلاف يظهر،و به صرّح في المسالك

ص:334


1- أي:في البضاعة.
2- التنقيح الرائع 2:213،214.

و غيره (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى التأيّد بالأصل،و أنها وكالة في الابتداء ثم قد تصير شركة، و كلتاهما جائزتان،فلتكن هي كذلك.

ثم إن كان الفاسخ العامل و لم يظهر ربح فلا شيء له،و إن كان المالك ضمن للعامل أُجرة المثل إلى ذلك الوقت،صوناً للعمل المحترم عن الخلوّ من الأجر.

و يحتمل العدم؛ للأصل،و إقدام العامل عليه لمعرفته جواز العقد و احتمال الانفساخ قبل ظهور الربح.بل و بعده مع تحقّق الوضيعة المستغرقة له،لكونه وقاية لرأس المال،بلا خلاف يظهر.

و لو ظهر ربح في الصورتين فهو على الشرط لا غير.

قيل:و من لوازم جوازها وقوع العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه (2).

و في اشتراط وقوع قبوله لفظيّاً أو جوازه بالفعل أيضاً قولان،قوّى ثانيهما في الروضة تبعاً للتذكرة (3).و يظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه و في الاكتفاء في طرفي الإيجاب و القبول بكلّ لفظٍ.فإن تمّ،و إلّا فالأولى خلافهما؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على أن الربح تابع للمال و للعامل اجرة المثل،المنطبق مع المضاربة تارةً و المتخلّف عنها اخرى على المتيقّن؛ و لعلّه لهذا اعتبر فيها التواصل بين الإيجاب و القبول، و التنجيز،و عدم التعليق على شرط أو صفة.

و هو حسن على ما حقّقناه،و لكن على ما ذكره من الاكتفاء بالفعل

ص:335


1- المسالك 1:281؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:240،و الكفاية:119.
2- الروضة 4:212.
3- الروضة 4:212،التذكرة 2:229.

في طرف القبول و بكلّ لفظ في طرف الإيجاب بناءً على جواز العقد مشكل،و سؤال الفرق بينه و بين اعتباره إيّاهما متّجه.

و لا يلزم فيها اشتراط الأجل هذه العبارة تحتمل معنيين، أحدهما:أنه لا يجب أن يشترط فيها الأجل و لا ضربها إليه،بل يجوز مطلقاً؛ للأصل،و العمومات.

و الثاني:أن الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم،بل جائز يجوز لكلّ منهما الرجوع فيه؛ لجواز أصله بلا خلاف،كما مضى،فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزاً بطريق أولى،و لعلّ هذا هو المراد،و إن صحّ إرادة الأوّل أيضاً.

و في التعبير بعدم اللزوم حيث يراد من العبارة المعنى الثاني إشارة إلى ثبوت الصحة؛ و الوجه فيه أنه يثمر المنع من التصرّف بعد الأجل إلّا بإذن جديد،لأن التصرف تابع للإذن،و لا إذن بعده.

و كذا لو أجّل بعض التصرفات كالبيع أو الشراء خاصّة،أو نوعاً خاصاً من التجارة.

و لا كذلك اشتراط لزومها إلى أجل أو مطلقاً،فإنه باطل و مبطل،على الأشهر الأقوى،أمّا لمنافاته لمقتضى العقد،أو لعدم دليل على لزومه سوى الأمر بالوفاء بالعقود و لزوم الوفاء بالشروط،و ليس على ظاهره هنا من الوجوب بلا خلاف،كما مضى،فإذا فسد الشرط تبعه العقد في الفساد، بخلاف شرط الأجل،فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاصّ،و هو غير منافٍ،و لا موجب لفساد العقد،لعدم توقّفه عليه كما في الأوّل.

و يجب على العامل أن يقتصر في التجارة على ما يعيّن له المالك من التصرف بحسب نوعها و مكانها و زمانها،و من يشتري منه

ص:336

و يبيع عليه،و غير ذلك؛ لأن جواز التصرف تابع لإذن المالك و لا إذن مع المخالفة.

و لا خلاف فيه و في صحة المضاربة المشتملة على التعيين بمثل ذلك،و إن ضاقت بسببه التجارة،بل صريح المسالك و ظاهر الغنية (1)أن عليه إجماع الإمامية؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية (2).

و لو أطلق له الإذن تصرّف في الاستنماء و الاسترباح كيف شاء من وجوه التصرفات،و لو بغير نقد البلد و ثمن المثل بشرط المصلحة،وفاقاً لجماعة (3).

خلافاً للطوسي في المبسوط و الخلاف (4)،فاشترطهما.

و لا وجه له إذا اقتضت المصلحة غيرهما،و إن كان فرضها في الأخير نادراً.

و يمكن حمل كلامه على ما يلائم المختار بصرفه إلى الغالب؛ نظراً إلى أنه الذي يتضمن المصلحة دون غيره.

و الصرف إلى الغالب هو الأصل في حمل إطلاق الإذن على المصلحة؛ لعدم انصرافه إلى غيرها إلّا أن يصرّح بغيره،فيجوز مطلقاً قولاً واحداً،و لا إشكال فيه جدّاً لو لم يتضمّن الإذن بذلك سفاهة،و إلّا فيشكل أصل المضاربة من جهتها،بل الظاهر حينئذٍ عدم صحّتها.

و اعلم أنه لما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان

ص:337


1- المسالك 1:281،الغنية(الجوامع الفقهية):596.
2- في ص:346.
3- التنقيح 2:216،الروضة 4:214،مفاتيح الشرائع 3:91.
4- المبسوط 3:174،الخلاف 3:463.

إطلاق العقد مقتضياً للترخيص فيما اعتيد تولّي المالك له بنفسه من عرض القماش على المشتري،و نشره،و طيّه،و إحرازه،و بيعه،و شرائه،و قبض ثمنه،و إيداعه الصندوق،و نحو ذلك.

و هذا النوع لو استأجر عليه فلا اجرة له،عملاً بالمعتاد،مضافاً إلى الأصل.

و ما جرت العادة بالاستيجار عليه كالدلالة،و الحمل،و الكيل، و الوزن،و نقل الأمتعة الثقلية التي لم تجر عادة التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر جاز له الاستيجار عليه، و لو عمل بنفسه لم يستحقّ اجرة بحسب ما يقتضيه إطلاق كلامهم.لكن لو قصد بالعمل الأُجرة كما يأخذ غيره أو أقلّ،و قلنا بجواز أن يستأجر الوكيل في الاستيجار نفسه،لم يبعد القول باستحقاقه الأُجرة،سيّما في الأقل؛ للأولوية.

و يشترط في صحّة المضاربة كون الربح مشتركاً بينهما، بلا خلاف فيه فتوًى و نصّاً مستفيضاً،ففي الموثق:عن مال المضاربة،قال:

«الربح بينهما،و الوضيعة على المال» (1).و نحوه النصوص الآتية (2).

مع أنه لو اختصّ الربح بأحدهما كان بضاعةً أو قرضاً و مداينة،كما مضى إليه الإشارة (3)،لكن ذلك إذا لم يكن الدفع بصيغة المضاربة،و إلّا فيحتملهما و عدمهما،و عليه يكون الربح كلّه للمالك و للعامل اجرة المثل،

ص:338


1- التهذيب 7:829/188،الإستبصار 3:452/126،الوسائل 19:21 أبواب أحكام المضاربة ب 3 ح 5.
2- في ص:345.
3- راجع ص:333.

كما تقدّم،و كذا على الأوّل في صورة البضاعة،لكن لا اجرة للعامل إمّا مطلقاً،كما يقتضيه إطلاق عبائر الجماعة،أو على التفصيل الذي قدّمنا إليه الإشارة،و عليه في الصورة الثانية يكون الربح كلّه للعامل و للمالك رأس المال بلا خلاف.

و يثبت للعامل ما شرط له المالك من الربح من النصف أو الثلث أو نحوهما ما لم يستغرقه على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في المسالك بل غيره (1)أيضاً إجماع المسلمين عليه،إلّا شواذّ منّا لا يقدح خروجهم في الإجماع جدّاً.

و الأصل فيه المعتبرة المستفيضة الحاكمة في الربح بالشركة،و قد تقدّم جملة منها،و سيأتي إلى باقيها الإشارة.

و أمّا ما ربما يتخيّل في دلالتها بأن الشركة فيه أعمّ من الاستحقاق منه بحسب الشرط،فلعلّها بحسب ما يستحقه من الأُجرة،و الإضافة يكفي فيها أدنى الملابسة.

فالمناقشة فيه واضحة؛ لأن استحقاق الأُجرة إنما هو على المالك لا على الربح،فإضافتها إليه لا وجه لها بالكلية،هذا.

مع منافاة ذلك لسياقها و ما هو المتبادر منها جملة،مع وقوع التصريح في بعضها بأن الربح بينهما على حسب ما شرط،و ليس إلّا ما يحصل من الربح بقدر نصيبه دون اجرة المثل فهو ضعيف جدّاً،كالاستدلال للحكم بعمومي الأمر بالوفاء بالعقد و الالتزام بالشرط؛ لإفادتهما الوجوب من حينهما،و لم يقل به أحد أصلاً.

ص:339


1- المسالك 1:284؛ و انظر الروضة 4:219،و الكفاية:120.

و قيل كما عن النهاية و المفيد و القاضي و التقي (1) للعامل اجرة المثل و الربح كله للمالك؛ لأن النماء تابع للمال.و في إطلاقه منع.

و لجهالة العوض الموجبة لفساد المعاملة.و هو منتقض بكثير من العقود كالمزارعة،و مرجعه إلى منع إفادة الجهالة فساد المعاملة على الإطلاق،و سنده مع عموم دليل الإفادة ما قدّمناه من الأدلّة،و ما ذكروه اجتهادات في مقابلتها غير مسموعة.

مع أن مرجعها بل صريح بعضها إلى الحكم بفساد هذه المعاملة، و النصوص بخلافه زيادةً على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة (2)و العامة،و قد استعملها الصحابة،فروي ذلك عن علي عليه السلام و ابن مسعود و حكيم بن حزام و أبي موسى الأشعري (3)،و لا مخالف لهم فيه.

و يجوز أن ينفق العامل في السفر الذي يعمل فيه للتجارة من الأصل كمال النفقة و جميع ما يحتاج إليه فيه من مأكول و ملبوس و مشروب و مركوب،و آلات ذلك كالقربة و الجواليق و نحوها،و أُجرة المسكن و نحو ذلك،على الأشهر الأظهر،و عليه عامة من تأخّر،و عن الخلاف الإجماع عليه (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما الصحيح:في المضارب:«ما أنفق في سفره فهو من جميع المال،و إذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه» (5)

ص:340


1- النهاية:428،المفيد في المقنعة:633،القاضي في المهذب 1:462،التقي في الكافي في الفقه:347.
2- الوسائل 19:20 أبواب المضاربة ب 3.
3- انظر نيل الأوطار 5:6/393.
4- الخلاف 3:461.
5- الكافي 5:5/241،التهذيب 7:847/191،الوسائل 19:24 أبواب أحكام المضاربة ب 6 ح 1.

و نحوه الثاني القوي (1).

قيل:بل الزائد عن نفقة الحضر خاصة؛ لأنه الحاصل بالسفر،و أما غيره فليس السفر علة له (2).

و قيل:بل نفقة السفر كلّها على نفسه كنفقة الحضر؛ لأن الأصل عدم جواز التصرف إلّا بما دلّ عليه الإذن و لم يدلّ إلّا على الحصّة المعيّنة.

و كلاهما اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر،إلّا أن يحمل«ما» في «ما أنفق» على ما خصّ بالسفر،و هو خلاف الظاهر.

و حيث قلنا بجواز الإنفاق وجب عليه أن يراعي فيها ما يليق به عادة مقتصداً،فإن أسرف حُسِب عليه،و إن أقتر لم يحسب له،و إذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها و لو من الزاد يجب ردّه إلى التجارة،أو تركه إلى أن يسافر إن كان ممن يعود إليه قبل فساده.

ثم إنّ كلّ ذا ما لم يشترط،و لو شرط عدمها لزم،و لو أذن بعده فهو تبرّع محض.و لو شرطها فهو تأكيد،إلّا أن يزيد المشترط على ما لَه إنفاقه، و يشترط حينئذ تعيينها؛ لئلّا يتجهّل الشرط،بخلاف ما يثبت بأصل الشرع.

و لا يعتبر في ثبوتها حصول الربح،بل ينفق و لو من الأصل؛ لإطلاق الفتوى و النصّ،و مقتضاهما إنفاقها من الأصل و لو مع حصول الربح،و لكن ذكر جماعة (3)إنفاقها منه دون الأصل،و عليه فليقدّم على حصّة العامل.

و مئونة المرض في السفر،و كذا المدّة التي لم يشتغل فيها بالتجارة

ص:341


1- الكافي 5:9/241،الفقيه 3:635/144،الوسائل 19:24 أبواب أحكام المضاربة ب 6 ذيل حديث 1.
2- المبسوط 3:172.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:282،و صاحب الحدائق 21:212.

على العامل،و كذا سفر لم يؤذن فيه و إن استحقّ الحصّة.

و المراد بالسفر العرفي لا الشرعي؛ لانصراف الإطلاق إليه دون الأخير،فإرادته منه مخالف للإطلاق،فيقتصر فيه على مورد الدليل،و ليس هنا لا من نصّ و لا فتوى،فينفق من الأصل و إن كان قصيراً أو أتمّ الصلاة، إلّا أن يخرج عن اسم المسافر،أو يزيد عما يحتاج التجارة إليه،فينفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.

و لو كان لنفسه أو لغيره غير هذا المال فالوجه التقسيط.

و قيل:إنه لا نفقه على مال المضاربة هنا (1).و هو أحوط و أولى.

و على الأوّل فهل هو على نسبة المالين أو العملين؟فيه وجهان.

و اعلم أنه لما كان المقصود من العقد أن يكون ربح المال بينهما وجب أن لا يشتري العامل إلّا بعين المال فإن ذلك لا يحصل إلّا به؛ لأن الحاصل بالشراء في الذمّة ليس ربح هذا المال؛ مضافاً إلى أن في الشراء كذلك احتمال الضرر على المالك؛ إذ ربما يتلف رأس المال فتبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك،و قد لا يقدر عليه،أو لا يكون له غرض في غير ما دفع.

و يتفرّع عليه أنه لو اشترى في الذمة وقع الشراء له و الربح له ظاهراً و باطناً إن عيّن ذمّته أو أطلق و لم يعيّن ذمّة،و للمالك إن عيّن ذمّته لفظاً مع إذنه سابقاً أو لاحقاً،و بدونه يبطل.و لو عيّنه قصداً لا لفظاً حكم بالشراء له ظاهراً و وقع للمالك باطناً بشرط الإذن و لو لاحقاً،و إلّا بطل بالإضافة إليه،كما تقدم.

ص:342


1- كفاية الأحكام:120.

و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،و لا إشكال أيضاً إلّا في صورة الشراء في ذمّة المالك أو الذمة مطلقاً،فيحتمل الحكم بالشراء للمالك ظاهراً و باطناً مطلقاً،و إن لم يأذن للعامل بالشراء كذلك صريحاً؛ لما مرّ من اقتضاء إطلاق الإذن تولّي العامل ما يتولّاه المالك كعرض القماش و نحوه،و منه الشراء كذلك،بناءً على غلبة تحقّقه منه و من العامل،بل و مطلق التجار،فينصرف الإطلاق إليه أيضاً،و لم أرَ من تنبّه لهذا الإشكال إلّا المقدس الأردبيلي رحمه الله في شرح الإرشاد (1)و خالي العلّامة دم ظلّه العالي في حواشيه على الكفاية و رسالته الفارسية في التجارة.

و يمكن تنزيل إطلاق كلمة الأصحاب عليه بصرفه إلى غير صورة غلبة ذلك و يكون مقصودهم بيان ما يقتضيه الإذن الحاصل من نفس العقد، دون الحاصل به مع ضميمة أمر آخر من عادة أو غيرها،فإن ذلك أمر آخر، و لكن على هذا يتّجه سؤال الفرق بين جعلهم جواز تولّي العامل ما يتولّاه المالك من مقتضيات العقد معلّلين باقتضاء العرف ذلك فيحمل إطلاق الإذن عليه،و حكمهم هنا بوجوب الشراء بالعين معلّلين باقتضاء العقد ذلك،مع أن هذا مشارك للأوّل في قضاء العرف بالشراء في الذمّة،كما مرّ إليه الإشارة.

اللّهم إلّا أن يجعل وجه الفرق الاطمئنان بقضائه ثمّة و عدم اختلاف العرف فيه دون المسألة؛ للشك فيه،أو لاختلاف العرف،فلا يمكن جعل الشراء في الذمّة من مقتضى العقد على الإطلاق،بل يناط الأمر فيه بالعرف حيث حصل،فلا سبيل إلى جعل ذلك قاعدة كلّية،بل القاعدة في مثله كما يقتضيه النظر و الرجوع إلى حكم الأصل هو الذي أسّسوه من وجوب

ص:343


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:245.

الشراء بالعين إلّا مع إذن المالك به في الذمّة،فيتبع حينئذٍ بما يستعقبه من تعلّق عهدة الثمن بذّمته و وجوب أدائه عليه دون العامل،بقي مال المضاربة أم لا.و عليه يكون المبيع مالاً للمضاربة إن أدّى ثمنه من مالها،وفاقاً للشيخ و غيره (1)،و تبعه الفاضل المقداد،قال:و حكى فيه هنا أقوالاً غير محصّلة لا فائدة في ذكرها (2).

و بما ذكرناه من وجه الفرق تفطّن الفاضل المقدس،فقال بعد الاستشكال بنحو ما ذكرنا:فتأمّل،إذ قد لا يفهم يعني الإذن بالشراء في الذمة و يتلف قبل الأداء لمانع غير اختياري (3).

و لو أمره المالك بالسفر إلى جهة معيّنة فقصد غيرها ضمن مع التلف،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في السرائر و الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول،و النصوص المستفيضة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح:في الرجل يعمل بالمال مضاربةً،قال:«له الربح،و ليس عليه من الوضيعة شيء،إلّا أن يخالف عن شيء ممّا أمر به صاحب المال» (5)و نحوه الموثق (6)و غيره (7).

ص:344


1- الشيخ في المبسوط 3:174؛ و انظر المسالك 1:283.
2- التنقيح الرائع 2:220.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:245.
4- السرائر 2:407،الغنية(الجوامع الفقهية):596.
5- التهذيب 7:843/191،الوسائل 19:17 أبواب المضاربة ب 1 ح 7.
6- التهذيب 7:828/187،الإستبصار 3:451/126،الوسائل 19:16 أبواب المضاربة ب 1 ح 4.
7- الكافي 5:7/241،الوسائل 19:16 أبواب المضاربة ب 1 ح 3.

و يستفاد منها بناءً على الأقوى من رجوع الاستثناء المتعقّب للجمل المتعاطفة إلى الأخيرة خاصّة أنه لو ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط الذي وقع بينهما من نصف أو ثلث أو غيرهما.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان،في أحدهما:عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهى أن يخرج به فخرج،قال:

«يضمن المال،و الربح بينهما» (1)و نحوه الثاني (2)،و الموثق (3)،و الخبر القريب من الصحيح (4)،بل عدّ منه عند جماعة من المحقّقين.

و كذا لو أمره بابتياع شيء معيّن فعدل إلى غيره ضمن مع التلف؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة حتى الإجماع المنقول في السرائر و الغنية (5).

و لو ربح كان بينهما؛ للموثّق،بل الصحيح كما قيل (6):في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً،فذهب فاشترى به غير الذي أمره،قال:«هو ضامن،و الربح بينهما على ما شرط» (7).

مضافاً إلى عموم الصحيح:في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً فيخالف ما شرط عليه،قال:«هو ضامن،و الربح بينهما» (8).

ص:345


1- الكافي 5:2/240،التهذيب 7:836/189،الوسائل 19:15 أبواب أحكام المضاربة ب 1 ح 1.
2- الكافي 5:1/240،التهذيب 7:835/189،الوسائل 19:15 أبواب المضاربة ب 1 ح 2.
3- التهذيب 7:827/187،الوسائل 19:18 أبواب المضاربة ب 1 ح 10.
4- الفقيه 3:631/143،التهذيب 7:837/189،الوسائل 19:17 أبواب المضاربة ب 1 ح 6.
5- راجع ص:345.
6- انظر مجمع الفائدة و البرهان 1:236.
7- التهذيب 7:853/193،الوسائل 19:18 أبواب المضاربة ب 1 ح 9.
8- التهذيب 7:838/190،الوسائل 19:16 أبواب أحكام المضاربة ب 1 ح 5.

و هذه النصوص مع اعتبار أسانيدها،و استفاضتها،و اعتضادها بعمل الأصحاب من غير خلاف يعرف،بل ظاهر المسالك (1)الإجماع عليه خالية عن المعارض،إلّا ما يقتضيه القاعدة من فساد المضاربة و وقوع المعاملة فضوليّاً تقف على الإجازة تصحّ معها،و الربح كلّه للمالك،و ليس للعامل شيء،و تبطل بدونها.و لكن لا مندوحة عن تخصيصها بهاء؛ لما مضى.و ربما وجّهت بما تلتئم به معها.

فقيل:و كان السبب في ذلك أن الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح و باقي التخصيصات عرضية لا تؤثّر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات (2).

و هو كما ترى،و لذا صرّح الموجّه في محلّ آخر باختصاص الحكم بموارد النصوص،فقال:أمّا لو تجاوز بالعين و المثل و النقد من وجوه التصرف حيث تعيّنت وقف على الإجازة،فإن لم يُجز بطل (3).

و هو كما ترى في غاية الجودة من حيث الدلالة على فساد التوجيه المتقدّم إليه الإشارة،و محلّ مناقشة من حيث تخصيصه الحكم بموارد الأخبار المذكورة؛ لقوة احتمال التعدية إلى ما ذكره من الأمثلة،لدلالتها عليها بالأولوية،فإن الحكم فيها بصحة المضاربة مع المخالفة لما شرط عليه صريحاً يستلزم الحكم بصحّتها مع المخالفة لما دلّ عليه عقد المضاربة التزاماً،كالأمثلة المذكورة بطريق أولى.

هذا إن أراد بالأمثلة ما يستفاد منها ضمن العقد التزاماً.

ص:346


1- المسالك 1:283.
2- المسالك 1:283.
3- الروضة 4:218.

أمّا لو أراد بها ما شرط منها في ضمنه كان التعدية بالنص أيضاً واضحة؛ لعموم الصحيحين فيما شرط عليه الشامل لاشتراط ما ذكره من الأمثلة،و مرجع المناقشة على هذا إلى فساد دعوى أخصّية الموارد بل لا مورد خاصّاً إلّا في بعضها،كما لا يخفى.

و موت كلّ واحد منهما يُبطل المضاربة بلا خلاف؛ لانتقال المال إلى الوارث في موت المالك،فلا أثر لإذنه السابق في ملك الغير؛ و اختصاصِ الإذن في التصرف بالعامل،فلا يتعدّى إلى وارثه بعد موته،مع أنها في معنى الوكالة و الحكم فيها ذلك إجماعاً،و لذا يلحق بالموت الخروج عن أهليّة التصرف بنحو من الجنون و الإغماء و الحجر عليه لسفه، و يظهر وجهه مما قدّمناه في بطلان الشركة بذلك (1).

ثم إن كان الميت المالك و كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث، و إن حصل فيه ربح اقتسماه بالشرط.و يقدّم حصّة العامل على جميع الغرماء؛ لملكه لها بالظهور،فكان شريكاً للمالك،و لتعلّق حقّه بعين المال دون الذمّة فليقدّم.

و إن كان المال عرضاً فللعامل بيعه مع رجاء الربح،و إلّا فلا،كذا في المسالك (2).

و تأمّل فيه صاحب الكفاية (3)،و لعلّه في محله؛ لانتقال المال إلى الوارث فليس له التصرف فيه إلّا بإذنه،و مجرّد رجاء الربح غير مجوّزٍ لذلك.

ص:347


1- راجع ص 331.
2- المسالك 1:283.
3- الكفاية:120.

و قال فيه:و للوارث إلزامه بالإنضاض إن شاء مطلقا (1).

و تأمّل فيه أيضاً في الكفاية (2)؛ و لعلّ وجهه الأصل،و عدم موجب لتسلّط الوارث عليه،إلّا أن يقال:إنه حقّ للمورّث فينتقل إليه،فتأمّل.

و إن كان الميت العامل فإن كان المال ناضّاً و لا ربح أخذه المالك.

و إن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصّتهم منه.و لو كان هناك متاع و احتيج إلى البيع و التنضيض فإن أذن المالك للوارث فيه جاز،و إلّا نصب له الحاكم أميناً يبيعه،فإن ظهر فيه ربح أوصل حصّة الوارث إليه،و إلّا سلّم الثمن إلى المالك.

و حيث حكم ببطلان المضاربة بالموت و أُريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الاُولى من إنضاض المال و الصيغة و غيرهما؛ و الوجه فيه واضح.

و يشترط في مال المضاربة أن يكون عيناً لا ديناً،إجماعاً،كما يأتي دنانير أو دراهم إجماعاً،كما في الروضة و المسالك و عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مخالفة المضاربة للأصل الدالّ على تبعيّة الربح للمال، و استحقاق العامل الأُجرة مطلقاً أو في الجملة،حيث يحكم فيها باشتراكهما في الربح على حسب الشرط،و لا دليل على صحّتها و لزوم الوفاء بمقتضاها سوى عمومات الأمر بالوفاء بالعقود و الشروط.و مرّ الجواب عنه غير مرّة.

و إطلاقاتِ أخبار المضاربة.و في شمولها لمفروض المسألة و ما ضاهاه

ص:348


1- المسالك 1:283.
2- الكفاية:120.
3- الروضة 4:219،المسالك 1:283،التذكرة 2:230.

ممّا وقع فيه الخلاف و المشاجرة محلّ مناقشة؛ لعدم ما يدلّ فيها على العموم سوى الإطلاق،و يشترط في انصرافه إليه عدم ذكره لبيان أمر آخر غير محل الإطلاق،و هذا الشرط فيها مفقود،لوضوح ورودها لبيان أحكام خاصّة فيه دون بيان جواز المضاربة على الإطلاق،و هذا واضح لمن تدبّرها،فينبغي الاقتصار في مثلها على المتيقّن من النص و الفتوى،و ليس إلّا النقدين جدّاً.

و عليه ف لا تصحّ المضاربة بالعروض و لا الفلوس و غيرهما حتى النقرة،بلا تردّد،و إن حصل من الماتن فيها في الشرائع (1).و ليس في محلّه،سيّما مع صراحة الإجماعات المحكية (2)في اشتراط النقدية و النقش بسكّة المعاملة،و مع ذلك صرّح في المسالك بمخالفة تأمّله الإجماع،و عدم موافق له فيه (3).

و لو قوّم عرضاً و شرط للعامل حصّته من الربح فسد المضاربة؛ لفقد الشرط.و كان الربح للمالك،و للعامل الأُجرة كما هو الحكم في كلّ مضاربة فاسدة،و تقدّم إلى وجهه الإشارة.

و الأظهر الأشهر بل لعله عليه عامة من تأخّر أنه لا بُدّ أن يكون معلوم القدر ف لا تكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر إمّا للجهالة،أو للاقتصار فيما خالف الأصل المتقدم على المجمع عليه المتيقّن.

ص:349


1- الشرائع 2:139.
2- انظر جامع المقاصد 8:66،و مفاتيح الشرائع 3:90.
3- المسالك 1:283.

و فيه قول بالجواز للمبسوط (1)و ربما يُعزى إلى المرتضى (2)؛ لزوال معظم الغرر بها.و هو ضعيف.

و أضعف منه الاكتفاء بالجزاف و إن لم يشاهد،كما حكاه في المختلف عن الطوسي و قوّاه (3)؛ لعموم:«المؤمنون عند شروطهم» (4).

و هو كما ترى يظهر وجه النظر فيه مما مضى مراراً.

و لو اختلفا في قدر رأس المال فادّعى العامل النقصان و المالك الزيادة و لا بيّنة له فالقول قول العامل مع يمينه لأنه منكر و الأصل معه.

و كذا يقبل قوله في قدر الربح؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه.

و لا خلاف فيهما إلّا من المحقق الثاني و الشهيد الثاني في الأوّل (5)، فقيّداه بصورة عدم ظهور الربح،و حكما فيه بأن القول قول المالك؛ لرجوع الاختلاف حينئذ إلى الاختلاف في مقدار حصّة العامل،و القول فيه قول المالك على الأظهر الأشهر؛ لتبعيّة النماء للملك،فجميعه له إلّا ما أقرّ به للعامل.

و هو حسن،إلّا أن في إطلاق الحكم بذلك مع ظهور الربح إشكالاً؛

ص:350


1- المبسوط 3:199.
2- نقله في كشف الرموز 2:15.
3- المختلف:483.
4- الوسائل 18:أبواب الخيار ب 6 ح 1،2،5 و ج 21:276 أبواب المهور ب 20 ح 4؛ و انظر سنن الدارقطني 3:98/27،99،صحيح البخاري 3:120(و في الجميع:المسلمون..).
5- المحقق الثاني في جامع المقاصد 8:168،الشهيد الثاني في المسالك 1:284.

لعدم التلازم بين الاختلافين،فقد يختلفان في قدر رأس المال و يتفقّان مع ذلك على كون الحاصل من الربح مقداراً معيّناً.

نعم،لو اختلفا في مجموع ما في يد العامل فادّعى المالك:أن ثلاثة أرباعه مثلاً رأس المال و الباقي ربح،و العامل:أن نصفه مثلاً رأس المال و الباقي ربح اتّجه ما ذكراه،و لعلّ هذا هو محطّ نظرهما و إن ادّعيا التلازم بين الاختلافين مطلقاً.

و يملك العامل نصيبه من الربح بظهوره و إن لم ينضّ على المشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منّا،كما في المسالك (1)،و يفهم من التذكرة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المتقدّمة و غيرها الدالّة بإطلاقها على أن الربح بينهما،و هو يتحقّق بمجرّد ظهوره لغةً و عرفاً.

و خصوص الصحيح:رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم،قال:« يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق و استسعى في مال الرجل» (3).

و هو كما ترى ظاهر في غاية الظهور؛ إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته بمجرد الظهور لم ينعتق عليه أبوه،مع أنه عليه السلام حكم بالانعتاق بمجرّد زيادة القيمة على رأس المال،و لا وجه له سوى دخوله في ملكه بنصيبه من الزيادة،فيسري العتق في الباقي،كما هو القاعدة في العتق.

ص:351


1- المسالك 1:286.
2- التذكرة 2:242.
3- الكافي 5:8/241،الفقيه 3:633/144،التهذيب 7:841/190،الوسائل 19:25 أبواب أحكام المضاربة ب 8 ح 1.

و حكى فخر الإسلام (1)عن والده أنّ في المسألة أقوالاً أُخر ثلاثة:

بين حاكم بتوقّف التملّك على الإنضاض؛ نظراً إلى عدم وجود الربح في الخارج،بل هو مقدّر موهوم،و المملوك لا بُدّ أن يكون محقّق الوجود، فيكون الظهور موجباً لاستحقاق الملك بعد التحقق.

و قائلٍ بتوقّفه على القسمة؛ لاستلزام التملّك قبلها شيوع النقصان الحادث بعد ذلك في المال كسائر الأموال المشتركة،و التالي باطل، لانحصاره في الربح،و لأنه لو ملك لاختصّ بربحه،و لأنّ المضاربة معاملة جائزة و العمل فيها غير مضبوط فلا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمامه كمال الجعالة.

و وافقه ثالث في اعتبار القسمة إلّا أنه جعلها كاشفة عن الملك لا مُملّكة؛ لأن القسمة ليست من الأسباب المُملّكة،لانحصار المقتضي للملك في العمل خاصّة،و هي دالّة على تمامه الموجب للملكيّة.

و هذه الأقوال مع كونها اجتهادات صرفة في مقابلة النصوص المعتبرة،غير معروفة القائل بين الخاصّة و العامّة،إلّا الثاني خاصّة فقد جعله في التذكرة (2)للشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين، و وافقا في الباقي على الأوّل (3)مضعَّفة،فالأوّل:أوّلاً بمنع عدم وجود الربح قبل الإنضاض؛ لعدم انحصار المال في النقد،فإذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل رأس المال و الزائد ربح،و هو محقّق الوجود.

ص:352


1- إيضاح الفوائد 2:322.
2- التذكرة 2:242.
3- مراده من الأوّل قول المشهور،و هو تملّك الربح بمجرّد ظهوره.

و ثانياً:بعدم تسليم أنّ غير متحقق الوجود غير مملوك؛ فإن الدين مملوك و هو في الخارج غير موجود.

و الثاني:بعدم الملازمة بين الملك و ضمان الحادث على الشياع، و يجوز أن يكون مالكاً و يكون ما يملكه وقاية لرأس المال،فيكون الملك متزلزلاً و استقراره مشروط بالسلامة.

و منه يظهر وجه عدم المنافاة بين ملك الحصة و عدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك.

و لأنه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر مما شرط له، و لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه.

و لأن القسمة ليست من العمل في شيء،فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك،فلا وجه لإلحاقها بالجعالة.

و منه يظهر الوجه في ضعف الثالث.

و بعض وجوه الضعف و إن كان لا يخلو عن نظر إلّا أن الخطب فيه بعد استناد الضعف حقيقة إلى ما قدّمناه سهل،و مع ذلك ما ذكر أيضاً معاضد.

و على المختار ليس الملك تامّاً و لا على قرار؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فلا بُدّ للاستقرار من إنضاض جميع المال أو قدر رأس المال،مع الفسخ أو القسمة أو لا معهما على قول،و بدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو خسران،و هو محلّ وفاق،كما في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال زمن العقد،فإذا

ص:353


1- المسالك 1:286.

لم يفضل شيء فلا ربح.و لا فرق في ذلك بين كون الربح و الخسران في مرّة واحدة أو مرّتين،و في صفقة أم اثنتين،و في سفرة أو سفرات؛ لعموم الحجتين.

و لا خسران على العامل و كذا لا تلف إلّا أن يكون كلّ منهما عن تعدّ أو تفريط منه في المال،بلا خلاف،و به صرّحت النصوص المستفيضة المتقدمة (1)،القائلة إنّ له الربح و لا شيء عليه من الوضيعة إلّا أن يخالف أمر صاحب المال.

و قوله مقبول في دعوى التلف مطلقاً،بأمر ظاهر كان كالحرق أو خفيّ كالسرق،أمكنه إقامة البينة عليه أم لا؛ لأنه أمين،بلا خلاف فيه و في قبول قوله في دعوى عدم التفريط و الخسارة و رأس المال،كما مرّ.

و لا يقبل قوله في نصيبه من الربح على الأظهر الأشهر،كما مر و لا في الردّ أي ردّ المال إلّا ببيّنة على الأشبه الأشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ لأصالة العدم،و لأن المالك منكر فيكون القول قوله بيمينه، و العامل مدّعٍ فعليه البينة،كما هو القاعدة المطّردة فتوى و رواية.

خلافاً للمبسوط (2)،فيقبل قوله بلا بينة؛ لأنه أمين كالمستودع.

و كلية الكبرى ممنوعة،و قياسه على المستودع مع فساده في الشريعة قياس مع الفارق بلا شبهة؛ لكون قبض المستودع لنفع المالك،فهو محسن محض،فلا سبيل عليه ببيّنة أو غيرها،و لا كذلك قبض العامل،فإنه لنفسه،فلا إحسان يوجب نفي السبيل عنه و العدول به عن الأصل، فالاستدلال به ضعيف.

ص:354


1- في ص:345.
2- المبسوط 3:174.

كالاستدلال باستلزام عدم تقديم قبول قوله الضرر المنفي؛ لجواز أن يكون صادقاً،فتكليفه بالردّ ثانياً تكليف بما لا يطاق.

لجريانه بعينه في عدم تقديم قول المالك؛ لاستلزامه الضرر عليه، لجواز أن يكون المدّعى كاذباً في دعواه.و المالك صادقاً في إنكاره، و تكليفه برفع اليد عما دفعه فيه ما ادّعي في سابقه،و مع ذلك مطّرد في كل مدّعٍ،مع أن الأدلّة القاطعة فتوًى و رواية قد نهضت على فساده.

و هو على تقدير تماميته و سلامته عن النقضين استبعاد محض و اجتهاد صرف،غير ملتفت إليه في مقابلة تلك الأدلّة.

و لو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح، و سعى العبد المعتق في باقي ثمنه للمالك،بلا خلاف فيه في الجملة،بل مطلقاً،كما صرّح به الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (1)، و يفهم من المسالك (2)أيضاً،و عليه الإجماع في الغنية و عن السرائر (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (4)في بحث تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره.

و إطلاقها كالفتاوى و الإجماع في العامل يشمل صورتي يساره و إعساره،و في الربح صورتي ظهوره حال الشراء و بعده،بل النص عامّ؛ لترك الاستفصال فيه المقتضي له.

ص:355


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:257.
2- المسالك 1:288.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):596،السرائر 2:409.
4- في ص:352.

و قيل (1)باختصاص الحكم بالاستسعاء و عدم السراية بإعسار العامل، و الحكم بها عليه مع يساره؛ لاختياره السبب الموجب لها،كما يأتي في بابه،و حملت الرواية عليه جمعاً بين الأدلّة.

و ربما فرّق بين ظهور الربح حالة الشراء و تجدّده،فيسري في الأوّل دون الثاني،قيل:و يمكن حمل الرواية عليه (2).

و هما اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المعتضد بعدم ظهور الخلاف،و الإجماع المحكي.

مع ابتنائهما على القول بالسراية في العتق القهري،و هي مع أن الأشهر على خلافها كما حكي مخالفة للأصل القطعي.

مع أن القائل بهما غير معروف،و إن حكي الأوّل في الروضة قولاً و لكنه في المسالك جعله كالثاني وجهاً (3).

و ذكر فيهما ثالثاً و هو بطلان البيع مطلقاً؛ لأنه منافٍ لمقصود القراض،إذ الغرض منه هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، و الشراء المتعقّب للعتق ينافيه؛ لأنه ربما يعجز عن السعي و العامل عن أداء القيمة،و كلّ ما كان فيه خطر على المال أو كان مما لا مصلحة فيه لا يجوز للعامل فعله.

و هو كسابقيه في الضعف و المخالفة لإطلاق النص و الفتاوى و الإجماع المحكي.

نعم،له وجه في صورة علم العامل بالنسب و عدم إذن المالك له في

ص:356


1- الروضة 4:224.
2- كما في الروضة 4:224.
3- المسالك 1:288.

شرائه؛ لاختصاص النص بصورة الجهل.إلّا أن الحجة في انسحاب الحكم فيها ليست بمنحصرة فيه؛ لما عرفت من إطلاق الفتاوى و الإجماع المحكي.

و لكن الخروج بمجرّده عن الدليل القطعي و جعله خاصّاً بالإضافة إليه ليس على ما ينبغي؛ لاشتراط الصراحة أو ما يقرب منها في الخاص حيث يراد تقديمه على العام،سيّما القطعي،و لا ريب في فقدهما،فالأخذ بالعام هنا لعلّه أقوى،وفاقاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الشيخ علي.

و متى فسخ المالك المضاربة قبل العمل أو بعده مطلقاً،كان المال ناضّاً أم لا،حصل فيه ربح أم لا صحّ إجماعاً،بناءً على جواز العقد.

و ليس للعامل شيء مع عدم عمل،بلا خلاف و معه كان للعامل أُجرته إلى ذلك الوقت الذي فسخ فيه إن لم يكن ظهر ربح،و إلّا فله حصّته منه.

بلا خلاف في شيء من ذلك،إلّا من الشهيد الثاني (1)و تبعه المحقق الأردبيلي و غيره (2)،فاستشكل في الحكم بالأُجرة على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصّة خاصّة إن حصلت لا غيرها،و تسلّط المالك على الفسخ من مقتضياتها،فالعامل قادم على ذلك،فلا شيء له سوى ما عيّن.

و لعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و مرّ ما يزيد في تقريبه (3).

ص:357


1- انظر الروضة 4:220.
2- الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:267؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:93،و الحدائق 21:252.
3- راجع ص:336.

و ظاهر العبارة و غيرها (1)و صريح جماعة (2)اختصاص ثبوت الأُجرة بصورة فسخ المالك خاصّة،فلو فسخ العامل خاصّة أو مع المالك أو حصل الفسخ لعارض من موت أو جنون أو غيرهما لم يكن له اجرة.

و هو كذلك؛ للأصل،و عدم جريان تعليل ثبوتها في الصورة الاُولى من تفويت المالك على العامل ما شرط له فيستحق الأُجرة على تقدير تمامه هنا،سيّما في صورة استناد الفسخ إلى العامل خاصّة أو في الجملة؛ لحصول التفويت من جهته.

خلافاً للتذكرة،فأثبت له الأُجرة كالصورة السابقة (3).و لا وجه له بالكليّة.

هذا على تقدير ثبوتها في تلك الصورة،و إلّا فعدمها هنا ثابت بطريق أولى.

و لو ضمّن صاحب المال العامل أي جعله ضامناً لمال المضاربة متى تلف انفسخت و صار الربح له للمعتبرة،و فيها الصحيح و غيره:

« من ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله،و ليس له من الربح شيء» (4).

و إطلاقها كالعبارة يشمل صورتي قصدهما القرض أم المضاربة.

و ربما يستشكل في كلتا الصورتين،فالأُولى:بعدم اشتمال العقد على ما يدلّ على القرض من العبائر المعتبرة في عقده،كأقرضتك و نحوه؛ إذ

ص:358


1- كالشرائع 2:143،و إيضاح الفوائد 2:328،و جامع المقاصد 8:153.
2- كالشهيد الثاني في الروضة 4:220،و صاحب الحدائق 21:252.
3- التذكرة 2:246.
4- الكافي 5:3/240،الفقيه 3:632/144،التهذيب 7:830/188،وص 839/190،الإستبصار 3:453/126،الوسائل 19:22 أبواب أحكام المضاربة ب 4 ح 1،2.

المفروض وقوع العقد بلفظ القراض،و أنه إنما ذكر فيه تضمين التاجر خاصّة.

و الثانية:بأن العقود تابعة للقصود،و هما قد قصد المضاربة كما هو المفروض،فكيف يجعل قرضاً بمجرّد التضمين مع عدم دلالته عليه صريحاً،بل و لا ظاهراً.

و منافاته لمقتضى العقد لا تستلزم صيرورته قرضاً،فليكن قراضاً فاسداً يكون المال للمالك و للعامل اجرة المثل،كما هو الضابط في كلّ قراض فاسد.

و لكن العدول بذلك عن المعتبرة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا القاعدة إشكال.

اللّهم إلّا أن تحمل على صورة وقوع القراض بغير لفظه،بل بنحو قوله:خذه و اتّجر به و ضمانه عليك،فإنه يكون حينئذٍ قرضاً إجماعاً،كما في المهذب البارع قال معلّلاً:نظراً إلى المعنى،و صوناً للعقد عن الفساد، و للفظ المسلم عن الهذر (1).

و هو حسن إن اقتصر في العبارة على ما مرّ،و إلّا فلو زاد الشركة في الربح لم يجرِ فيه أكثر ما ذكره من التعليلات،بل كلها؛ لتصادمها من طرفي الفرض و القراض،هذا.

و حمل المعتبرة على ذلك بعيد غايته،بل الظاهر أنه لا مندوحة عن العمل بها مطلقاً،كما في العبارة و تبعه جماعة.

و لا يطأ المضارب بكسر الراء،و هو العامل جارية اشتريت

ص:359


1- المهذب البارع 2:561.

بمال القراض إجماعاً إذا لم يكن المالك قد أذن له في وطئها.

و كذا لو كان المالك أذن له فيه مطلقاً،أذن له سابقاً على الشراء أو لاحقاً مع ظهور الربح على الأشهر؛ استناداً في المنع في الصورة الأُولى إلى أن الإذن فيها لا أثر له،لأن التحليل إمّا تمليك أو عقد،و كلاهما لا يصلحان قبل الشراء،فلا يتناوله الحصر في قوله تعالى إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [1] (1).و في الثانية إلى الأدلّة المانعة عن تحليل أحد الشريكين للآخر حصّته من الجارية المشتركة (2).

و فيه أي في وطئها بالإذن السابق رواية بالجواز رواها في التهذيب عن الحسن بن محمّد بن سماعة،عن محمّد بن زياد،عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي،عن أبي الحسن عليه السلام:قال:قلت:رجل سألني أن أسألك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربةً يشتري له ما يرى من شيء و قال:اشتر جاريةً تكون معك و الجارية إنما هي لصاحب المال،إن كان فيها و ضيعة فعليه،و إن كان ربح فله،للمضارب أن يطأها؟قال:« نعم» (3).

و هي مع قصور سندها بعدم صحة طريق الشيخ إلى الحسن؛ لتضمنه واقفيّاً كهو و إن كانا ثقتين،و اشتراك محمّد بن زياد،و عدم توثيق عبد اللّه و إن عُدّ من الحسن لا دخل لها بالمقام؛ لظهورها في عدم كون الجارية من مال المضاربة.

و مع ذلك متروكة لتضمّنها جواز الوطء بمجرّد إذن المالك في

ص:360


1- المؤمنون:6.
2- انظر الوسائل 21:142 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 41.
3- التهذيب 7:845/191،الوسائل 19:27 أبواب أحكام المضاربة ب 11 ح 1.

شرائها و كونها معه،و هو أعم من تحليله الوطء،و لا دلالة للعام على الخاص بالبديهة،مع عدم فتوى أحد بها سوى الشيخ في النهاية (1)،و لم يوافقه من بعده بل و لا قبله أحد من الطائفة،فلا يُخصّص بها ما قدّمناه من الأدلّة على الحرمة،و إن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة،لعدم الضعف بالحسن و من قبله،لكونهما موثقين و الموثق حجّة،و لا بالكاهلي، لحسنه،و هو كالسابقين حجّة،و اشتراك ابن زياد غير مضرّ،لظهوره في ابن أبي عمير،لغلبة التعبير به عنه.

و ذهب جماعة (2)إلى الجواز في الصورة الثانية؛ قدحاً منهم في تلك الأدلّة المانعة.

و لا يخلو عن قوّة،كما سيأتي في بحث النكاح إليه الإشارة.

و هنا صورة أُخرى ثالثة هي الإذن في الوطء بعد الشراء مع عدم ظهور ربح أصلاً.

و حكمها الجواز عند جماعة (3)مطلقاً،و ينبغي القطع به مع القطع بعدم ظهور ربح.

و يشكل مع عدم القطع به و احتمال ظهوره إن قلنا بالمنع في صورته؛ لاحتمال حصول الشركة الموجبة للمنع في نفس الأمر،فيجب الترك من باب المقدمة.

و يحتمل الجواز مطلقاً،كما قالوه؛ لأصالة عدم الظهور.و لا ريب أن الأحوط تركه.

ص:361


1- النهاية:430.
2- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:436،و فخر المحققين في الإيضاح 2:320.
3- التنقيح 2:225،المسالك 1:291.

و لا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة،كالقوي المرتضوي:« في رجل له على رجل مال فتقاضاه و لا يكون عنده ما يقضيه،فيقول:هو عندك مضاربة، قال:لا يصحّ حتى يقبضه» (2).

و مثله ما لو أذن للعامل في قبضه من الغريم،فإنه لا يخرج بذلك عن وقوع المضاربة بالدين،إلّا أن يجدّد عقدها بعد القبض.

و لو كان في يده أموال مضاربة لمتعدّدين فمات و عُلم بقاؤها في تركته فإن كان عيّنها لواحد منهم أو علمت منفردة بالقرائن المفيدة للعلم فلا بحث و إلّا تحاصّ فيه أي في المجتمع من أموال المضاربة الغرماء و أرباب الأموال على نسبة أموالهم؛ للخبر:« من يموت و عنده مال مضاربة فإن سمّاه بعينه قبل موته فقال:هذا لفلان،فهو له،و إن مات و لم يذكر فهو أُسوة الغرماء» (3).

هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة،و أمّا إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجوداً فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك،إن وسعت التركة أموالهم أخذوها،و إن قصرت تحاصّوا،كذا قيل (4).

و الوجه في حرمان الورثة مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع فرض وجود مال للمورث غير واضح،إلّا مع ثبوت موجب ضمان

ص:362


1- التذكرة 2:231.
2- الكافي 5:4/240،الفقيه 3:634/144،التهذيب 6:428/195،الوسائل 19:23 أبواب أحكام المضاربة ب 5 ح 1.
3- التهذيب 7:851/192،الوسائل 19:29 أبواب أحكام المضاربة ب 13 ح 1.
4- المسالك 1:291.

التالف من أموالهم من تعدّ أو تفريط؛ لثبوت أمانته و عدم ضمانه للتالف إلّا مع أحد الأمرين،كما مرّ (1).

و الاكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل.و عموم:

« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (2)مخصَّص بما دلّ على أمانته.

فالوجه ضرب الورثة مع الغرماء في التحاصّ،و أخذهم جميع ما لمورّثهم مع العلم بعدم تلف شيء منه،و مع احتماله يتحاصّون معهم بنسبة مالهم.

و يمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب من التغليب.

و لكن يشكل بتوقّف ذلك على معرفة مقدار مال الميت و معلوميّة نسبته بالإضافة إلى أموالهم،و لو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاصّ.

ثم كلّ ذا مع العلم ببقاء أموال المضاربة.

و أمّا مع الجهل به و احتمال تلفها يحكم بكون التركة ميراثاً؛ عملاً بظاهر اليد.

و لكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط،و لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» أم لا؛ لأصالة براءة الذمة و كونه أمانة غير مضمونة.و أصالة بقائه لا تقتضي ثبوته في ذمّته مع كونه أمانة؟وجهان،أجودهما الأخير،يظهر وجهه مما مرّ عن قريب.

ص:363


1- في ص:355.
2- عوالي اللئلئ 2:10/345،و في سنن البيهقي 6:90،و مستدرك الحاكم 2:47،و مسند أحمد 5:8،13(حتى تؤديه).

كتاب المزارعة و المساقاة

اشارة

كتاب المزارعة و المساقاة

أما المزارعة

اشارة

أما المزارعة فهي لغةً مفاعلة من الزرع،و هي تقتضي وقوعه منهما،لكنها في الشرع صارت معاملة على الأرض بحصّة معيّنة من حاصلها سواء كان كلّ من البذر و العوامل للمالك أو العامل أو مشتركاً، و سواء كان كلّ من الأرض و العمل مختصّاً بأحدهما أو مشتركاً بينهما، و نسب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر،فكأنه لذلك فاعل، كالمضاربة.

و خرج بالمعاملة على الأرض المساقاة،فإنها بالذات على الأُصول، و بالحصّة إجارة الأرض للزراعة أو الأعم؛ إذ لا تصح إلّا بأُجرة معلومة لا بحصّة من الحاصل.

هذا بحسب الاصطلاح،و إلّا ففي الأخبار ربما تطلق المزارعة على ما يشمل المساقاة،و ربما تطلق على ما يشملهما و إجارة الأرض أيضاً كالقبالة.

و الثلاثة ثابتة بإجماعنا المستفيض النقل في عبائر جماعة من أصحابنا،كالغنية و التذكرة و المهذب البارع و المسالك (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2).

و نصوصنا به مع ذلك مستفيضة معتضدة ببعض الأخبار العاميّة (3)،

ص:364


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601،التذكرة 2:336،المهذب البارع 2:566،المسالك 1:291.
2- كالمبسوط 3:254،و السرائر 2:441،و الحدائق 21:278.
3- سنن أبي داود 3:262،3408/263 3410،الموطأ 2:1/703،2،سنن الدارمي 2:270،سنن الدارقطني 3:149/37 151.

ففي الصحيح:عن المزارعة،قال:« النفقة منك،و الأرض لصاحبها،فما أخرج اللّه عزّ و جلّ منها من شيء قسّم على الشرط،و كذلك أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت» (1)و نحوه غيره (2)،و هما مما يشمل المساقاة.

و:عن الرجل يعطي الرجل أرضه و فيها الرمان و النخل و الفاكهة، و يقول:اسق هذا من الماء و اعمره و لك النصف مما خرج،قال:

« لا بأس» (3)و هو المساقاة.

و في الصحيح:عن الرجل يتقبّل الأرض بالدنانير أو بالدراهم؟قال:

« لا بأس» (4)و هو إجارة الأرض.

و استدل الأكثر بالصحيح السابق و نحوه على جواز المزارعة و المساقاة بصيغة الأمر.

و فيه نظر؛ لقصور الدلالة أوّلاً:بأن غايته نفي البأس،و هو لا يدلّ على اللزوم المطلوب إثباته بالصيغة.

و ثانياً:بعدم تضمّنه القبول و لو فعلاً،و هو كاشف عن أن المراد من ذكر ذلك بيان ما يصحّ مساقاته،لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.

فإذاً الأحوط بل الأجود وفاقاً للشهيد الثاني (5)اعتبار الماضويّة،

ص:365


1- الكافي 5:2/268،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:45 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.
2- الكافي 5:3/268،التهذيب 7:874/197،الوسائل 19:46 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 11 ح 2.
3- الكافي 5:2/268،الفقيه 3:678/154،التهذيب 7:876/198 بتفاوت،الوسائل 19:44 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.
4- الكافي 5:4/265،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 4.
5- الروضة 4:276.

و القبول اللفظي،و سائر ما يعتبر في العقود اللازمة هنا أيضاً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على القدر المجمع عليه و المتيقّن كونه عقداً،و ليس ما يتضمّن الإيجاب بنحو من الأمر و القبول فعلاً بمتيقّن كونه عقداً عرفاً حتى يدخل في حيّز ما دلّ على لزومه،فافهم.

و تلزم المتعاقدين إجماعاً،كما في المسالك و غيره (1)؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود إلّا ما أخرجه الدليل،و ليس هذا منه إجماعاً،كما في الروضة (2).

و لكن لو تقايلا و تفاسخا العقد صحّ الفسخ،بلا خلاف يعرف،بل قيل:كأنه إجماع (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عموم أدلّة استحباب الإقالة (4).

و لا تبطل بالموت و لا البيع،بلا خلاف؛ للأصل،و أن ذلك مقتضى اللزوم،فإن مات المالك أتمّ العامل العمل،و إن مات العامل قام وارثه مقامه،و إلّا استأجر الحاكم من ماله أو مما يخرج من حصّته من يقوم به،إلّا إذا شرط على العامل أن يعمل بنفسه و مات قبل ظهور الثمرة،فتبطل بموته،دون ما إذا مات بعده؛ لسبق ملكه.

و ربما قيل بالبطلان بموته في هذه الصورة مطلقاً،و لو بعد ظهور الثمرة (5).

و يستشكل بأنه قد ملك بظهورها الحصّة.

ص:366


1- المسالك 1:292؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:95.
2- الروضة 4:276.
3- مجمع الفائدة و البرهان 10:99.
4- الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 3.
5- الروضة 4:277.

و يمكن الجواب بنحو ما مرّ في المضاربة:من تزلزل الملكيّة و عدم استقرارها إلّا بتمام العمل هنا،فلو مات قبله انتفى ملكه لها،فتأمّل.

و شروطها ثلاثة

اشارة

و شروطها ثلاثة أحدها:

الأول أن يكون النماء مشاعاً

أن يكون النماء مشاعاً بينهما تساوياً فيه أو تفاضلا بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و غيرها (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى كون عقد المزارعة و المساقاة على خلاف الأصل؛ لتضمنه جهالة العوض،فيقتصر فيه على موضع الإجماع و النقل،و ليس إلّا مع إشاعة النماء،ففي المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره:« لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» (2).

و خصوص الصحيح:« لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة،و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به» (3).

و عليه فلو شرط لأحدهما شيء معيّن و إن كان البذر،و للآخر الباقي أو لهما بطل،سواء كان الغالب أن يخرج منها ما يزيد على المشروط و عدمه.

خلافاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (4)،فجوزوا استثناء البذر من جملة الحاصل.و في المختلف جواز استثناء شيء مطلقاً (5)،و رجّحه في الكفاية (6)؛ استناداً إلى قوله سبحانه إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [1] (7)الآية.

ص:367


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601؛ و انظر الحدائق 21:284.
2- انظر الوسائل 19:41،42 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 3،7.
3- الكافي 5:3/267،التهذيب 7:871/197،الإستبصار 3:459/128،الوسائل 19:41 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 3.
4- الشيخ في النهاية:440؛ المهذب 2:12،السرائر 2:444،التحرير 1:256.
5- المختلف:471.
6- الكفاية:121.
7- النساء:29.

و هو كما ترى؛ إذ ليس المستفاد منه إلّا الجواز مع المراضاة،و هو لا يستلزم اللزوم مع فقدها و لو بعدها كما هو المدّعى،مع أنه مخصّص بما مضى.

مضافاً إلى ما دلّ على النهي عن التجارة المتضمنة للغرر و الجهالة، و منها مفروض المسألة،كما مرّ إليه الإشارة،و به صرّح في الغنية،فقال بعد الاستناد إلى الإجماع-:و لأنه قد لا يسلم إلّا ما عيّنه،فيبقى ربّ الأرض و النخل بلا شيء،و قد لا يعطب إلّا غلّة ما عيّنه،فيبقى العامل بغير شيء (1).

و لو شرط أحدهما على الآخر شيئاً يضمنه مضافاً إلى الحصّة من ذهب أو فضّة صحّ على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و ظاهر المسالك و المفلح الصيمري (2)عدم الخلاف فيه،حيث ذكرا جهالة القائل بالبطلان،و أنه إنما حكاه الماتن و العلّامة (3)؛ و هو مع التمامية يصلح للحجية.

مضافاً إلى عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود و الشروط،السليمة عن المعارض من نحو ما قدّمناه من الغرر و الجهالة،و لزوم كون النماء على الإشاعة،لخروجه عنه بالبديهة.

و في المفاتيح:و في بعض الأخبار عليه دلالة (4).

و لعلّه ما أشار إليه في الكفاية (5)من بعض المعتبرة:عن الرجل يزرع

ص:368


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- المسالك 1:292.
3- الماتن في الشرائع 2:150،العلّامة في المختلف:471.
4- المفاتيح 3:96.
5- الكفاية:121.

له الحرّاث الزعفران و يضمن له أن يعطيه في كلّ جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهماً،فربما نقص و غرم،و ربما استفضل و زاد،قال:

« لا بأس به إذا تراضيا» (1).

و حيث صحّ يكون قراره مشروطاً بالسلامة،كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في المبايعة،و لو تلف البعض سقط من الشرط بحسابه؛ لأنه كالشريك و إن كانت حصّته معيّنة.

و يحتمل قويّاً أن لا يسقط شيء بذلك؛ عملاً بإطلاق الشرط،إلّا أن يكون هناك عرف يوجب الصرف إلى الأوّل،فيتبع.

الثاني أن يقدّر لها مدة معلومة

و ثانيها: أن يقدّر لها مدة معلومة يدرك فيها الزرع علماً أو ظنّاً،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني و جماعة (2).فلو لم يعيّن مدّة أو عيّن أقل من ذلك بطل؛ لأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله،و الأجل الناقص خلاف وضع القبالة و تفويت للغرض منها.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد (3)في الثاني، فجوّزوا الاقتصار على المدّة الناقصة.

قيل:لجواز التراضي بعدها (4).

و يضعف بعدم لزومه،فلا يعلّق عليه شرط اللازم.

و لبعض متأخّري الأصحاب (5)في الأوّل إذا عيّن المزروع،مدّعياً

ص:369


1- الكافي 5:9/266،الفقيه 3:696/159،التهذيب 7:869/196،الوسائل 19:49 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 14 ح 1.
2- الشهيد الثاني في المسالك 1:292؛ و انظر إيضاح الفوائد 2:285،و الكفاية:121،المفاتيح 3:96.
3- الشرائع 2:150،الإرشاد 1:427.
4- مفاتيح الشرائع 3:97.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:298،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10:128.

على خلافه الوفاق،و جعله في الشرائع و غيره (1)وجهاً،و لم يذكروه قولاً، و فيه نوع إشعار بالوفاق كما ادّعاه؛ فإن تمّ كان هو الحجة،و إلّا فما اختاره من عدم اعتبار ذكر المدّة في تلك الصورة لا يخلو عن قوة؛ إقامةً للعادة مقام ذكر المدّة،و إن كان ما ذكره الأصحاب أحوط البتة،سيّما مع عدم الخلاف،و قوة احتمال انعقاد الإجماع.

و حيث عيّنت و مضت و الزرع باقٍ لم يدرك لفساد الظن كان للمالك إزالته،على الأشهر الأظهر؛ لانقضاء المدّة التي يستحق فيها التبقية، و الأصل تسلّط المالك على ملكه كيف شاء.

و فيه قول بالعدم مطلقاً (2)،و آخر به مع عدم الأرش،و أمّا معه فالأوّل (3).

و هو أحوط،و أحوط منه العدم المطلق.

و عليه ففي استحقاق المالك الأُجرة،كما عن التذكرة (4)،أو لا،كما عن القواعد (5)و ليس كذلك لاختياره الأوّل قولان،أجودهما الأوّل.

أمّا لو اتفقا على التبقية جاز بعوض و غيره،إلّا أنها مع العوض يفتقر في لزومها إلى تعيين مدّة زائدة كالإجارة.

و لو ترك المزارعة حتى انقضت المدة لزمته اجرة المثل مع تمكين المالك له منها،كالإجارة؛ لتفويت منفعتها عليه.و لا فرق في ذلك عند

ص:370


1- الشرائع 2:150؛ و انظر المسالك 1:292.
2- انظر التذكرة 2:339.
3- المسالك 1:293.
4- التذكرة 2:339.
5- القواعد 1:237.

الأكثر بين الترك اختياراً أو غيره،و قيل بالاختصاص بالأوّل (1).و لا يبعد.

ثالثها أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها

و ثالثها: أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها في الزراعة المقصودة منها أو في نوع منها مع الإطلاق،بأن يكون لها ماء من نهر،أو بئر،أو مصنع،أو تسقيها الغيوث غالباً،أو الزيادة كالنيل.

و الضابط إمكان الانتفاع بزرعها المقصود عادة،فإن لم يمكن بطلت المزارعة و إن رضي العامل.

و الوجه في اشتراطه ظاهر؛ لمنافاة عدم الإمكان بها للعقد؛ لانصرافه إلى ما يمكن حصول المقصود من المزارعة منه؛ إذ مع غيره تكون لغواً، هذا.

مضافاً إلى مخالفة أصل العقد من حيث تضمّنه جهالة العوض للأصل،فيقتصر فيه على المتيقن من النص و الإجماع،و ليس إلّا مع إمكان الانتفاع.

مع أنه لا خلاف في اشتراطه في الجملة،و إن اختلفوا في متعلّقه هل هو الصحة مطلقاً،كما هو ظاهر العبارة،فيبطل العقد مع عدمه مطلقاً و لو مع العلم بفقده ابتداءً و عدمه بعد وجوده؟ أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد خاصّة،كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد (2)،حيث حكم بالبطلان بعدمه إلّا مع العلم به؟ أو اللزوم في صورة الجهل خاصّة،فللعامل الخيار فيها بعد العلم؟ و أمّا صورة العلم ابتداءً بعدمه حين العقد فليس بشرطٍ أصلاً،بل

ص:371


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:105.
2- الإرشاد 1:427.

يلزم فيها،كما هو صريح القواعد (1)،و وجهه كالسابق غير واضح بعد ما قرّرناه،سيّما هذا.

و حمل على محامل مع بُعدها لا ينطبق شيء منها مع ما قدّمناه من الأدلّة.

و قريب منهما في الضعف ما ذكره الفاضلان (2)و تبعهما الشهيدان في الروضتين (3):من أن مع انقطاع الماء في الأثناء يتخيّر العامل بين الفسخ و الإمضاء.

قيل:لطروّ العيب،و لا يبطل العقد،لسبق الحكم بصحته فيستصحب،و الضرر يندفع بالخيار (4).و فيه نظر.

قالوا:فإن فسخ فعليه من الأُجرة بنسبة ما سلف من المدّة؛ لانتفاعه بأرض الغير بعوض لم يسلم له و زواله باختياره الفسخ.

و يشكل بأن فسخه لعدم إمكان الإكمال،و عمله الماضي مشروط بالحصّة لا بالأُجرة،فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شيء آخر.

نعم،لو كان قد استأجرها للزراعة توجه.

و بالجملة لزوم الأُجرة عليه لما سلف من أحكام الإجارة دون المزارعة؛ إذ لا شيء عليه فيها سوى الحصة،و قد فاتت.

و حيث استفيد من حقيقة المزارعة أن المعقود عليه هو الأرض ينبغي أن تكون مملوكة و لو منفعة،و صرّح جماعة من المحققين (5)بكفاية

ص:372


1- القواعد 1:238.
2- المحقق في الشرائع 2:151،العلّامة في القواعد 1:238.
3- اللمعة(الروضة البهية 4):279.
4- الروضة 4:279.
5- كالمحقق في الشرائع 3:276،و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 2:231،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 7:19.

الأولوية الحاصلة في الأرض الخراجية،و بالإحياء إن لم نقل بكونه مفيداً للملك.

و في النصوص ما يدلّ على جواز تقبيل الأرض الخراجية للزراعة، ففي الصحيح:عن مزارعة أهل الخراج بالربع و الثلث و النصف،فقال:

« لا بأس» (1).

و في آخر:عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل أن يعمرها و يصلحها و يؤدّي خراجها،و ما كان من فضل فهو بينهما،قال:« لا بأس» (2).إلى غير ذلك من النصوص (3).

خلافاً للمسالك (4)،فمنع عن مزارعتها إلّا مع الحيل التي فيه ذكرها.

و المعتبرة حجة عليه كما ترى،و حملها على صورة الحيل بعيد جدّاً.

و له أي للعامل أن يزرع الأرض بنفسه و بغيره و مع غيره و إن لم يأذن المالك،سواء كان ذلك بعنوان التوكيل و الاستنابة،أو نقل بعض الحصة بعنوان الشركة و المزارعة الثانية،قالوا:لنقل منفعة الأرض إليه بالعقد اللازم،و الناس مسلّطون على أموالهم.

و قيل:لا يجوز له تسليم الأرض إلّا بإذن المالك،كما في الإجارة (5).

ص:373


1- الفقيه 3:693/158،التهذيب 7:888/201،الوسائل 19:42 أبواب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 8.
2- الكافي 5:2/268،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:45 أبواب المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.
3- انظر الوسائل 19:126 أبواب الإجارة ب 21.
4- المسالك 1:291.
5- المسالك 1:296.

و قيل:إنما يجوز مزارعته غيره أو مشاركته له إذا كان البذر منه؛ ليكون تمليك الحصة منوطاً به؛ و لأن الأصل أن لا يتسلّط على البذر إلّا المالك أو من أذن له.

و أمّا المساقاة فليس للعامل فيها أن يساقيه؛ لأنه لا يملك منها سوى الحصّة من الثمرة بعد ظهورها،و الأصل فيها للمالك،و هو فيها كالبذر في المزارعة،فيعامل عليه من يملكه،و هو للعامل مقصود بالعرض كالأرض للمزارع (1).

و هو أحوط في الجملة،و إن كان القول بعدم اشتراط كون البذر منه في الجواز لا يخلو عن قوة،مع كونه الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (2). إلّا أن يشترط عليه زرعها بنفسه فلا يجوز التعدّي إجماعاً؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم.

و كذا له مع إطلاق المزارعة أن يزرع ما شاء على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في ظاهر الغنية (3)الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما قيل من دلالة المطلق على الماهية من حيث هي،و كلّ فرد من أفراد الزرع يصلح المطلق أن يوجد في ضمنه (4).

و هو حسن إن تساوت أفراد الماهية في التبادر و الغلبة،و إلّا فما ذكر محلّ مناقشة،بل الظاهر تعيّن الراجح بأحد الأمرين،كما قالوا بمثله في

ص:374


1- المسالك 1:296.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
4- الروضة 4:280.

مواضع عديدة،فلولا إجماع الغنية المعتضد بالشهرة لكان المصير إلى ما ذكرنا في غاية القوّة.

و به صرّح بعض الأفاضل،فقال:و الحق أن الإطلاق إن اقتضى بالنظر إلى ذلك الأرض و ذلك الوقت تعيين نوع من الزرع تعيّن،و إلّا فالأولى مراعاة مصلحة المتعاملين أو المالك،كما في إطلاق الوكالة و غيرها من العقود.انتهى.

نعم،لو عمّم الإذن اتّجه ما ذكروه؛ لدلالته على كلّ فرد فرد.

و كيف كان،فتعيين نوع الزرع بالخصوص غير لازم؛ لكون كلّ من العموم و الإطلاق المتساوي الأفراد في حكم التعيين،من حيث دخول جميع الأفراد فيهما عموماً في الأوّل،و إطلاقاً في الثاني،فيكون المالك بهما قادماً على أضرّ الأنواع.

و كذا المطلق الغير المتساوي الأفراد إذا كان الأضرّ من الأفراد الراجحة و يكون غير الأضرّ داخلاً بالأولوية.

و لو انعكس فكان الأضرّ من الأفراد المرجوحة فإن قلنا بتعيّن الراجح كان عن الإطلاق خارجاً و يكون صرفه إلى الراجح من قبيل تعيينه.

و إن قلنا بعدم تعيّنه و لزوم الصرف إلى جميع أفراده نظراً إلى ما قدّمناه من الدليل كان كذلك؛ لكون الدليل كالرجحان الموجب للتعيين.

فعلى أيّ تقدير تعيين النوع بالخصوص غير محتاج إليه.

فما عن التذكرة (1)من لزومه لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات فيلزم بتركه الغرر غير ملتفت إليه،فإنّ ما ذكرناه بجميع

ص:375


1- التذكرة 2:340.

تقاديره في حكم التعيين،فلا غرر يلزم بتركه،فلا ريب في صحّة العقد و تخيّر العامل في زرع ما شاء مع العموم أو الإطلاق مطلقاً أو في الجملة.

إلّا أن يعيّن له المالك شيئاً من الزرع،فلا يجوز التعدّي عما عيّن له،سواء كان المعيّن شخصيّاً كهذا الحبّ،أو صنفيّاً كالحنطة الفلانية،أم نوعيّاً أم غيره،بلا خلاف،بل عليه الإجماع ظاهراً،و صرّح به في الغنية (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود و الشروط.

فلو خالف و زرع الأضرّ ففي بطلان المزارعة مع انقضاء المدّة و لزوم اجرة المثل عما زرعه،أو تخيّر المالك بين الفسخ فله الأُجرة،و الإبقاء فله المسمّى و الأرش قولان:

من أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفى بزيادة في ضمن زرع الأضرّ،فيتخير بين الفسخ لذلك فيأخذ الأُجرة لما زرع،لوقوعه أجمع بغير إذنه،لأنه غير المعقود عليه،و بين أخذ المسمّى في مقابلة مقدار المنفعة المعيّنة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.

و من أن الحصّة المسمّاة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعيّن و لم يحصل،و المزروع لم يتناوله العقد و لا الإذن،فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة.

و لعل هذا هو الأجود،وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (2)،خلافاً للماتن في الشرائع و غيره (3)،فالأوّل.

ص:376


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601.
2- الشهيد الثاني في الروضة 4:282؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 10:109.
3- الشرائع 2:151؛ و انظر القواعد 1:238.

و من وجه المختار يظهر وجه الإشكال فيما ذكره جماعة من الأصحاب (1):من أن للعامل زرع ما هو أقلّ ضرراً فيستحق ما سمّاه من الحصّة،و لا أرش و لا خيار؛ لعدم الضرر.

و ذلك لأنه غير معقود عليه أيضاً،فكيف يستحق فيه شيئاً مع أنه نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه؟ و الاعتذار بأن الرضاء بزرع الأضرّ بالنسبة إلى الأرض يقتضي الرضاء بالأقلّ ضرراً.

مضعّف بأن غرض المالك ليس منحصراً فيما يتعلّق بمصلحة الأرض،بل القصد الذاتي إنما هو الانتفاع بالزرع،و مصلحة الأرض تابعة و ليست بالذات مقصودة،و لا شك أن الأغراض تختلف في أنواع المزروع،فربما كان غرضه في الأشدّ ضرراً من حيث نفعه أو الحاجة إليه و إن حصل للأرض ضرر،و لا يتعلق غرضه بالأخفّ و إن انتفعت الأرض به.

نعم،مثل هذا يجري في إجارة الأرض لزرع نوع معيّن،فإنّ عدول المستأجر إلى زرع الأخفّ متّجه؛ لأن الغرض في الإجارة لمالك تحصيل الأُجرة خاصة،و هي على التقديرين حاصلة،و يبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه.

و خراج الأرض و أُجرتها على صاحبها بلا خلاف،كما يستفاد من النصوص (2)؛ لأنّه موضوع عليها إلّا أن يشترطه على الزارع

ص:377


1- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:294،و السبزواري في الكفاية:122،و صاحب الحدائق 21:315.
2- انظر الوسائل 19:44 أبواب المزارعة و المساقاة ب 10.

كلا أو بعضاً،فيجب عليه مع تعيينه؛ عملاً بمقتضى الشرط.

و كذا لو زاد السلطان فيه زيادة و طلبها من الزرع وجب على صاحب الأرض دفعها إليهم،كما في الخبر (1)،و فيه قصور من حيث السند،و مخالفة المتن للقاعدة؛ فإن المظلوم مَن ظُلم و الغرامة على الظالم، و لذا أن الراوي قال بعد الحكم:أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم،قال:« إنهم إنما زادوا على أرضك» .و يستفاد من التعليل انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده،كما يتفق كثيراً في أمثال بلادنا من الظلم على سكنة الدور بمال يكتب عليها لا عليهم،فمقتضى الأصل و القاعدة براءة ذمة أربابها و صرف الغرامة إلى السكنة،فإن المظلوم من ظُلم،إلّا أن التعليل في الخبر كما ترى يقتضي خلافه و صرف الغرامة إلى أرباب الدور؛ لوضع الغرامة عليها دون ساكنيها، و لكن الحال في السند كما ترى،و لا أجد له جابراً،فيشكل الحكم به هنا أيضاً.

و لو شرط عليه الخراج كملاً فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض،كما في المسالك (2)؛ لأن الشرط لم يتناولها و لم تكن معلومة،فلا يمكن اشتراطها.

و استشكله من متأخّري المتأخّرين جماعة (3)؛ نظراً إلى كثير من المعتبرة الدالّة على اغتفار مثل هذه الجهالة،فيجوز اشتراط تلك الزيادة و إن لم تكن معلومة،ففي الصحيح:الرجل تكون له الأرض،عليها خراج

ص:378


1- التهذيب 7:915/208،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 10.
2- المسالك 1:296.
3- كالسبزواري في الكفاية:122،و صاحب الحدائق 21:337.

معلوم ربما زاد و ربما نقص،فيدفعها إلى الرجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة،قال:« لا بأس» (1)و نحوه غيره (2).

و في الدلالة ضعف،فإن غايته نفي البأس الغير الملازم للّزوم الذي هو المطلوب؛ لأعمّيته منه،فقد يجامع جواز الرجوع،و يكون المطلوب من نفي البأس حينئذٍ بيان الجواز مع حصول التراضي،أ لا ترى إلى الصحيح:عن القوم يدفعون أرضهم إلى رجل فيقولون:كلها و أدّ خراجها، قال:« لا بأس به إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها» (3)قد حكم فيه بنفي البأس عن نحو ذلك مع تصريحه بجواز الرجوع،فظهر أن المراد من نفي البأس حيث يطلق إنما هو بيان الجواز المطلق لا اللّزوم.

إلّا أن يقال بأن المقصود من التمسك بنفي البأس إنما هو إثبات الجواز دفعاً لما يتوهم من النهي عنه الناشئ من الجهالة،و حيث ثبت الجواز ثبت اللزوم حيث يذكر في العقد اللازم،عملاً بما دلّ على لزومه، و هذا هو السرّ في تمسّك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط في العقود اللازمة بالنصوص التي غايتها نفي البأس عنها لا الحكم بلزومها.

و لكن هذا إنما يتم لو دلّت النصوص على نفي البأس عنها و إن ذكرت في العقد اللازم،و إلّا فالتمسك بها لذلك محل إشكال؛ لأن المناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود اللازمة هو حصول المراضاة، و الغرر و الجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها؛ لجواز الرجوع بعد ظهور

ص:379


1- الكافي 5:5/265،التهذيب 7:868/196،الوسائل 19:57 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1.
2- الفقيه 3:678/154،الوسائل 19:57 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1.
3- التهذيب 7:918/209،الوسائل 19:58 أبواب المزارعة و المساقاة ب 17 ح 3.

الغرر دونها؛ لعدم جوازه فيها للزومها،و لعله لهذا نهي عنها،و نصوص المسألة لعلها من هذا القبيل؛ إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط ذلك في ضمن عقد لازم،فكيف يستدلّ بها على الجواز و لو ذكر فيه؟ إلّا أن يتمسك بإطلاق نفي البأس الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد اللازم و غيره،إلّا أن في الخروج بمثله عن عموم ما دلَّ على النهي عن الغرر و الجهالة إشكالاً.

و نحو الخراج المئونة التي يتوقف عليها العمل و لا يتعلق بنفس العمل و التنمية،كإصلاح النهر و الحائط،و إقامة الدولاب،و بالجملة ما لا يتكرّر كل سنة؛ لأنها من متمّمات الأرض،دون ما فيه صلاح الزرع و بقاؤه مما يتكرر كلّ سنة،كالحرث و السقي و آلاتهما،و تنقية النهر،و حفظ الزرع و حصاده،فإن ذلك كله على العامل؛ لأنه من جملة العمل.

و لو شرط من عليه المئونة إيّاها على الآخر كلا أو بعضاً لزم،عملاً بمقتضى الشرط.

و يجوز لصاحب الأرض و كذا الأُصول أن يخرص على الزارع بعد انعقاد الحبّ و ظهور الثمرة،بأن يقدّر ما يخصّه من الحصّة تخميناً و يقبّله به بحبّ و لو منه بما خرصه به.

و الزارع بالخيار في القبول و لا يلزمه،بلا خلاف؛ للأصل فإن قبل لزم.و لكن كان في المشهور،بل قيل:لا يكاد يتحقق فيه خلاف (1) استقراره مشروطاً بسلامة الزرع و الثمرة من الآفة الإلهية.

فلو تلف أجمع فلا شيء على الزارع،و لو تلف البعض سقط منه

ص:380


1- مجمع الفائدة و البرهان 10:116.

بالنسبة.و لا نصّ فيه و لا قاعدة تقتضيه،فإن كان إجماع،و إلّا ففيه كلام مضى كسائر ما يتعلّق بالمقام من النصوص و خلاف الحلّي (1)في أصل الحكم في باب بيع الثمار.

و أمّا لو أتلفه متلف ضامن لم يتغيّر المعاملة قولاً واحداً،و طالب المتقبّل المتلف بالعوض،و لو زاد فالزائد للمتقبّل،و لو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شيء،بلا خلاف،للأصل في المقامين.

مضافاً إلى الخبرين،أحدهما الموثق:عن الرجل يمضي ما خرص عليه من النخل؟قال:« نعم» قلت:أ رأيت إن كان أفضل مما خرص عليه الخارص،أ يجزيه ذلك؟قال:« نعم» (2).

و ثانيهما المرسل:إنّ لنا أكرة،فنزارعهم فيقولون لنا:قد حزرنا (3)هذا الزرع بكذا و كذا،فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر،قال:« و قد بلغ؟» قلت:نعم،قال:« لا بأس بهذا» قلت:

فإنه يجيء بعد ذلك فيقول لنا:إن الحزر لم يجيء كما حزرت قد نقص، قال:« فإذا زاد يردّ عليكم؟» قلت:لا،قال:« فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر،كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص» (4).

و يستفاد منه مضافاً إلى الاتفاق كما حكي (5)اشتراط الخرص ببلوغ الزرع،و هو مقتضى الأصل الدال على فساد هذه المعاملة،كما تقدم

ص:381


1- السرائر 2:368.
2- التهذيب 7:905/205،الوسائل 19:50 أبواب المزارعة و المساقاة ب 14 ح 3.
3- الحَزْرُ:التقدير و الخرص.الصحاح 2:629.
4- الكافي 5:1/287،التهذيب 7:916/208،الوسائل 19:50 أبواب المزارعة و المساقاة ب 14 ح 4.
5- انظر الحدائق 21:34.

في كلام الحلي،فيقتصر فيها على مورد الإجماع و النص،و ليس إلّا الخرص بعد البلوغ،ففي الصحيح الوارد في تقبيل الخيبر:« فلمّا بلغت الثمرة أمر عبد اللّه بن رواحة فخرص عليهم» (1)الحديث.

و تثبت اجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة لصاحب الأرض إن كان البذر من الزارع،و الحاصل له إن كان البذر منه و عليه اجرة مثل العامل و العوامل و الآلات.

و لو كان البذر منهما فالحاصل بينهما على نسبته و لكل منهما على الآخر اجرة مثل ما يخصّه على نسبة ما للآخر من الحصّة،فلو كان البذر بينهما بالنصف مثلاً رجع المالك بنصف أُجرة أرضه و العامل بنصف اجرة عمله و عوامله و آلاته،و على هذا القياس باقي الأقسام.

و لو كان البذر من ثالث فالحاصل له و عليه اجرة مثل الأرض و باقي الأعمال و آلاتها لصاحبها.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده؛ و يظهر وجهه مما ذكرناه في المضاربة الفاسدة (2).

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في ثبوت الأُجرة لمن ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون هناك حاصل أم لا. و تكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير مطلقاً،منها كانا أو من غيرها،زرعت بجنسهما أم بغيرهما؛ استناداً في الجواز إلى الأصل و العمومات،و في الكراهة إلى شبهة الخلاف،و احتمال التحريم فتوى و رواية.

خلافاً للأشهر فيما إذا كانا منها،فقالوا فيه بالحرمة إذا اشترط،بل

ص:382


1- الكافي 5:2/267،الوسائل 18:232 أبواب بيع الثمار ب 10 ح 3.
2- راجع ص:349.

نفى عنه الخلاف بعض الأجلّة (1)،قالوا:لأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم،فربما لا يخرج منه شيء،أو يخرج بغير ذلك الوصف،و من ثمّ لم يجز السلف في حنطة من قراح معيّن لذلك،و للخبرين:عن إجارة الأرض بالطعام،فقال:« إن كان من طعامها فلا خير فيه» (2).

و يضعّف الأوّل:بمنعه على إطلاقه؛ إذ ربما كانت الأرض واسعة لا تخيس بذلك القدر عادة،فلا يتمّ إطلاق المنع.

و الخبران:بقصور السند و الدلالة؛ فإن نفي الخير أعمّ من الحرمة،بل ربما أشعر بالكراهة.

و يمكن الذبّ عن الأوّل:بتتميم الإطلاق بعدم القائل بالفرق.

و عن الثاني:بانجبار قصور السند بالشهرة المحكية في كلام جماعة (3)،مع أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان،و جهالة من بعده مجبورة بكونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

و الدلالة بورود النهي الظاهر في الحرمة عن إجارة الأرض بالطعام في كثير من المعتبرة،و فيها الموثق كالصحيح و غيره:« لا تؤاجر الأرض بالحنطة و الشعير و لا بالتمر،و لا بالأربعاء،و لا بالنطاف (4)،و لكن بالذهب

ص:383


1- كصاحب الحدائق 21:291.
2- الكافي 5:6/265،التهذيب 7:864/195،الإستبصار 3:460/128،الوسائل 19:55 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 5.و الخبر الآخر:التهذيب 7:917/209،الإستبصار 3:461/128،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 9.
3- منهم الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:110،السبزواري في الكفاية:126،البحراني في الحدائق 21:287.
4- الارْبِعاء جمع الربيع و هو:جدول أو ساقية تجري إلى النخل أو الزرع.النِّطاف جمع نطفة:الماء الصافي قلّ أو كثر.و قيل:ما يبقى في الدلو.مجمع البحرين 4:332 و ج 5:125.

و الفضة،لأن الذهب و الفضة مضمون و هذا ليس بمضمون» (1).

و أظهر منها الصحيح:كان لي أخ فهلك و ترك في حجري بنتاً و لي أخ يلي ضيعة لنا و هو يبيع العصير ممن يصنعه خمراً و يؤاجر الأرض بالطعام، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت،فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟فقال:« أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ منه نصيب اليتيم» (2)الحديث.

فإن حمله على الكراهة مضافاً إلى مخالفته لظاهر النهي في غاية البعد.

و هو كالمعتبرة السابقة و إن اقتضت إطلاق المنع و لو كانت الحنطة أو الشعير اللذين استؤجرت الأرض بهما من غيرها،إلّا أن اللازم تقييدها بما إذا كانا منها؛ لعدم القائل بالحرمة كذلك،فإن القائل بحرمة إجارتها بهما و لو من غيرها و هو القاضي (3)يشترط اتّحاد الجنس بينهما و بين ما تزرع الأرض به،فلو آجرها بحنطة مثلاً و زرع فيها شعيراً لم يحرم عنده.

و النصوص المذكورة خالية عن هذا الشرط،و إن احتملت التقييد به، كالخبرين الأوّلين بأن يراد من قوله:« إن كان من طعامها» أي من جنسه و لو كان من غيرها.

و ربما أيّده المروي في العلل عن الصادقين عليهما السلام أنهما سئلا:ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام و تؤاجر بالذهب و الفضة؟

ص:384


1- الكافي 5:1/264،التهذيب 7:638/144 وص 861/195،الإستبصار 3:457/127،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 2،6.
2- التهذيب 7:766/296،الوسائل 19:55 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 7.
3- المهذّب 2:10.

قال:« العلّة في ذلك أن الذي يخرج حنطة و شعير،و لا يجوز إجارة حنطة بحنطة و لا شعير بشعير» (1).

إلّا أن تقييدها بما ذكره الأكثر من الشرط دون هذا و حمل الخبرين على ظاهرهما أولى؛ لاعتضاد هذا الجمع بالشهرة،و ما تقدّم من تعليل المنع في تلك المعتبرة من أنهما ليسا بمضمونين دون النقدين،فإن ذلك إنما يتّجه فيما إذا كان مال الإجارة من حاصل تلك الأرض،فإنه يجوز أن لا يخرج منها شيء بخلاف النقدين الثابتين في الذمّة بمجرّد العقد، و الحنطة و الشعير الخارجان عن الحاصل في حكمهما في صحة المضمونية.

و بالحسن:عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض،قال:«حرام» فقلت له:فما تقول جعلني اللّه فداك أن أشتري منه الأرض بكيل معلوم من حنطة من غيرها؟قال:

« لا بأس» (2).

بناءً على ظهور اتّحاد البيع و الإجارة فيما الظاهر أنه هو وجه المنع عن الأوّل فيه من عدم معلوميّة حصول العوض و كميّته كيلاً أو وزناً،و قد عرفت أن ما كان من الأرض غير مضمون و لا ثابت في الذمّة و لا هو معلوم الحصول فلا يجوز البيع به و لا الإجارة.

و فيه زيادة على الشهادة على الجمع تقوية لدلالة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهي و نفي الخير على الحرمة؛ لتصريحه بها كما ترى.

ص:385


1- علل الشرائع:1/518،الوسائل 19:56 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 11.
2- الكافي 5:8/265،الفقيه 3:666/151،التهذيب 7:661/149،الوسائل 18:237 أبواب بيع الثمار ب 12 ح 2.

و رواية العلل و إن شهدت بالجمع الآخر إلّا أن فيها قصوراً من حيث السند،و المقاومة لما مرّ من الوجوه لصحة الجمع الأوّل،و إن اعتضدت بالصحيح:« لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة» (1)لاحتماله التقييد بكون الحنطة المستأجرة بها الأرض منها لا مطلقاً،و يؤيّده ملاحظة المعتبرة المتقدمة الناهية عن إجارة الأرض بالطعام على الإطلاق معلّلة بما يقتضي تقييده بهذا القيد،كما مرّ إليه الإشارة.

و مما حرّرنا ظهر عدم الخلاف في جواز إجارة الأرض بالطعام من غيرها مع تغايره لجنس ما تزرع به على كراهة؛ و لعلّ وجهها إطلاق المعتبرة بالنهي عن مؤاجرتها به مطلقاً المحتمل شموله للصورة و إن تضمّنت ما يقتضي التقييد بغيرها،كما مضى؛ للمسامحة في الكراهة و الاكتفاء في إثباتها بالاحتمال مطلقاً و إن ضعف،على الأشهر الأقوى.

و عدم الخلاف في حرمتها به منها إلّا من ظاهر العبارة،حيث أطلقت الحكم بالكراهة بحيث شملت الصورة؛ و وجهه غير ظاهر بعد ما عرفت من الأدلّة على الحرمة فيها.

مضافاً إلى عدم القائل بذلك من الطائفة،كما يظهر من تتبّع كتب الجماعة،و أن الأشهر الأقوى الحرمة في هذه الصورة و الكراهة في الصورة الأُولى و لو مع اتّحاد الجنس.

خلافاً للقاضي في الصورتين،فظاهره الجواز مع التغاير جنساً مطلقاً و الحرمة مع الاتحاد كذلك (2).

ص:386


1- الكافي 5:3/265،الفقيه 3:695/159،التهذيب 7:863/195،الوسائل 19:54 أبواب المزارعة و المساقاة ب 16 ح 3.
2- المهذب 2:10.

و لا ريب أن الحرمة فيما عدا محل الاتفاق على الجواز أحوط و أولى.

و يكره أيضاً أن يوجرها بأكثر مما استأجرها به،إلّا أن يحدث فيها حدثاً و لو لم يقابل الزيادة،كما يدلّ عليه إطلاق المعتبرة الآتية أو يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به بلا خلاف في الجواز مع الاستثناءين فتوًى فيهما،و نصّاً في الأوّل خاصّة دون الثاني؛ لظهوره في المنع فيه بحسب الإطلاق أيضاً،حيث حصر المجوّز في الاستثناء الأوّل،فإن كان إجماع على الجواز بالثاني،كما هو الظاهر و به صرّح في الانتصار (1)،و إلّا فهو محل مناقشة.

و أمّا الحكم بالكراهة بدونهما دون الحرمة فهو الأشهر بين متأخّري الطائفة،بل عن التذكرة أن عليه أكثر علمائنا الإمامية (2).و هو كما ترى ظاهر في الشهرة المطلقة.

وفاقاً للحلّي و أحد قولي الديلمي و القاضي (3)،و لعلّه عليه عامّتهم؛ استناداً في الكراهة إلى شبهة الخلاف الآتي فتوًى و روايةً،و في الجواز إلى الأصل،و العمومات كتاباً و سنة،و صريح كثير من المعتبرة المستفيضة،في ثلاث منها و أحدها الصحيح،و باقيها قريب منه؛ لاشتمال السند على الحسن بن محبوب و ابن فضال المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، و وجود سهل في بعضه قبل الأخير بناءً على سهولة ضعفه أو وثاقته سهل -:في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها،قال:« لا بأس،

ص:387


1- الانتصار:231.
2- التذكرة 2:291.
3- الحلي في السرائر 2:446،الديلمي في المراسم:195،القاضي في المهذب 2:11.

إنّ هذا ليس كالحانوت و لا كالأجير،فإنّ فضل الحانوت و الأجير حرام» كذا في الأوّل (1)،و بدّل« الحانوت» ب« البيت» في الباقي (2).

و في موثقين منها (3):« إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة لا تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها،و إن تقبّلتها بالنصف و الثلث فلك أن تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها به،لأن الذهب و الفضة مضمونان» كذا في أحدهما (4)،و قريب منه في

ص:388


1- الكافي 5:3/272،التهذيب 7:895/203،الإستبصار 3:464/129،الوسائل 19:125 أبواب الإجارة ب 20 ح 4.
2- انظر الوسائل 19:125،126 أبواب الإجارة ب 20 الأحاديث 2،3،5.
3- الاستدلال بهما مبني على فرض عموم عنوان المسألة لكل من الإجارة و المزارعة،كما يفصح عنه عموم أدلة المجوّزين من الأصل و العمومات،و كذا بعض أدلة المانعين من استلزام الزيادة الربا لهما،و وجه الاستدلال بهما على هذا تجويزه عليه السلام فيهما المزارعة الثانية بأكثر مما زورع به في المزارعة الاُولى،و يكون الجواب عن صدرها المانع عن الزيادة في الإجارة ما في المتن من الشذوذ لو حمل على ظاهره؛ لعدم قول أحد من المانعين بذلك؛ إذ كلّ من منع منع منه مطلقاً،كان ما استوجر به ثانياً النقدين أم غيرها،و كل من جوّز جوّز كذلك.نعم ظاهر الشيخ في الاستبصار القول بالفرق فيهما،لكن ذكره احتمالاً لا فتوى؛ جمعاً بين النصوص،كما ذكر غيره من الاحتمالات،و سياق كلامه ظاهر فيما قلناه من فرض عموم المسألة لكلّ من الإجارة و المزارعة،فإنه قال بعد ذكر الأخبار الثلاثة المتقدمة:و ينبغي بأن نقيّدها بأحد أشياء إمّا أن نقول:له إجارتها إذا كان استأجرها بدراهم أو دنانير معلومة أن يوجرها بالنصف أو الثلث أو الربع و إن علم أن ذلك أكثر.ثم ذكر الرواية الثانية سنداً للقول بالحرمة،ثم قال:و الثاني أنه يجوز مثلاً إذا استأجرها بالثلث أو الربع أن يوجرها بالنصف؛ لأن الفضل إنما يحرم إذا كان استأجرها بدراهم فآجرها بأكثر منها،و أمّا على هذا الوجه فلا بأس.ثم ذكر هذين الموثّقين،و وجه دلالته على ما قلنا إطلاقه لفظ الإجارة على الإجارة بالثلث و النصف،و ذلك لا يكون إلّا بزراعة،و ربما يقربه ذكر الماتن هذه المسألة هنا و في الشرائع في هذا الكتاب و في كتاب الإجارة.(الشرائع 2:150،181).منه رحمه اللّه.
4- الكافي 5:7/273،التهذيب 7:898/20،الإستبصار 3:467/130،الوسائل 19:127 أبواب الإجارة ب 21 ح 2.

الثاني (1).

و لا يقدح في الاستدلال بهما تضمّنهما للنهي عن التقبيل بزيادة في النقدين؛ لاحتمال أن يكون المراد منه المزارعة،أي:لا تستأجرها بهما فتزارع بأكثر منهما،و يكون الوجه حينئذٍ في النهي ما مرّ من اشتراط كون المزارعة بحصّة مشاعة من الحاصل،فلا يجوز بالنقدين و ما في معناهما.

و ليس الوجه فيه المنع عن خصوص الزيادة،و إنما ذكرت تبعاً للعادة من عدم وقوع المزارعة مرّة ثانية إلّا معها.

و لو لم تحمل الروايتان على ذلك للحقتا بالشواذّ؛ لعدم قائل بهما كذلك،و هو الفرق بين النقدين و غيرهما بجواز الزيادة في الثاني دون الأوّل،فتأمّل.

خلافاً للمقنع و الإسكافي و الشيخين و المرتضى و الحلبي،و القول الآخر للديلمي و القاضي (2)،فاختاروا الحرمة،و هو خيرة الغنية (3)مدّعياً عليها إجماع الإمامية؛ فإن تمّ كان هو الحجّة،دون الرواية:عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى،ثم آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل أو أكثر،و له في الأرض بعد ذلك فضل،أ يصلح له ذلك؟قال:« نعم،إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك» (4).

ص:389


1- الفقيه 3:654/149،الوسائل 19:128 أبواب الإجارة ب 21 ح 6.
2- المقنع:131،حكاه عن الإسكافي في المختلف:461،المفيد في المقنعة:640،الطوسي في المبسوط 3:226،المرتضى في الانتصار:231،الحلبي في الكافي:346،الديلمي في المراسم:195،القاضي في المهذب 2:12.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):60.
4- الكافي 5:2/272،الفقيه 3:689/157،التهذيب 7:896/203،الإستبصار 3:468/130،الوسائل 19:127 أبواب الإجارة ب 21 ح 3،4.

لقصور السند بجهالة الراوي،و الشهرة القديمة تصلح جابرة حيث لا تعارضها الشهرة المتأخّرة،و قد عارضتها في المسألة،فالترجيح فيها للثانية؛ لكثرة أدلّتها من الأُصول و النصوص المستفيضة،هذا.

مع احتمالها لقصور في الدلالة،فإنّ غايتها أنه لا يصلح،و هو أعمّ من الحرمة،بل مشعر بالكراهة عند جماعة،و منهم شيخ الطائفة القائل هنا بالحرمة،بل جعله دليلاً للكراهة و صريحاً فيها في مواضع عديدة (1).

و إجماع الغنية مع وهنه بمخالفة معظم الطائفة و إن كانوا بعده موهون،فلا يصلح للحجيّة،سيّما إذا عارضته الشهرة المحكية على الجواز في التذكرة (2)،كما عرفته.

و أما ما في رواية أُخرى:« لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئاً» (3).

فيجاب عنه مضافاً إلى قصور سندها كالسابقة بقصور الدلالة،فإن غايتها ثبوت البأس في محلّ المنع،و هو أعم من الحرمة.

و حمله عليها لإضافته إلى الدار و هو للحرمة،كما دلّت عليه بعض الأخبار السابقة (4)إنما يتمّ لو لم يكن استعماله في الأعم منها و من الكراهة.

و السياق إنما يدلّ على التعيين لو لم يدلّ دليل على الكراهة في الأرض،و قد مرّ ما يدلّ عليها من المعتبرة،فمقتضى الجمع رفع اليد عن

ص:390


1- الإستبصار 3:130،النهاية:439.
2- راجع ص:388.
3- التهذيب 7:979/223،الوسائل 19:129 أبواب الإجارة ب 22 ح 2.
4- راجع ص:389.

السياق و إبقاء البأس على عمومه،و إرادة الحرمة منه بالإضافة إلى الدار، و الكراهة بالإضافة إلى الأرض.

هذا على تقدير تسليم ثبوت الحرمة بالإضافة إلى الدار،كما دلّت عليه تلك المعتبرة،و قال بما فيها الماتن في الشرائع (1)،و حكاه عن الشيخ في التذكرة (2)،و إلّا كما هو ظاهر المتأخّرين فلا سياق يشهد بذلك بالبديهة.

و أما الاحتجاج للمنع بقضيّة لزوم الربا فأوضح حالاً في الفساد من الحجة السابقة؛ فإنه إنما يتحقّق في معاوضة أحد المثلين بالآخر مع الزيادة و الكيل أو الوزن.

مضافاً إلى الصحيح الدالّ على عدمه هنا،و فيه:« لو أن رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم و سكن بيتاً منها و آجر بيتاً منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس،و لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (3)و لو ثبت في الثاني لثبت الربا في الأوّل.

ثم إن ظاهر الفريقين حتى الشيخ كما في المختلف و غيره (4)عدم الفرق في الحكم كراهة أو تحريماً بين الأرض و غيرها من الأعيان المستأجرة.

فإن كان إجماع كان القول بالكراهة مطلقاً متعيّناً.

و عليها تحمل النصوص الدالّة على الحرمة في الثلاثة المتقدمة في

ص:391


1- الشرائع 2:181.
2- التذكرة 2:291.
3- الكافي 5:4/272،التهذيب 7:919/209،الوسائل 19:129 أبواب الإجارة ب 22 ح 3.
4- المختلف:461؛ و انظر الروضة 4:356.

تلك المعتبرة (1)؛ لصراحتها في الجواز في غيرها،دون لفظ الحرمة فيها، لظهوره فيها،و الظاهر يُدفع بالنص حيث لا يمكن الجمع بينهما كما هو الفرض،للإجماع على عدم الفرق،و الاختلاف في شدّة الكراهة و ضعفها كافٍ لوجه الفرق بين الأرض و غيرها و الثلاثة في المعتبرة كما لا يخفى.

و إن لم يكن إجماع كما هو الظاهر كان الفرق في الحكم بينهما كراهةً في الأوّل و حرمةً في الثاني متّجهاً،كما في الشرائع (2)؛ عملاً بظاهر المعتبرة،مع عدم داعٍ فيها إلى الجمع الذي قدّمناه.

مضافاً إلى تأيّدها بمعتبرة أُخر،منها الصحيح المتقدم في الدار، و قريب منه الآخر:في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها،قال:« لا يصلح ذلك إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (3).

و نفي الصلاحية و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أن التصريح بها في تلك المعتبرة نفى عنه احتمال الكراهة.

و منها في الأجير الصحيحان:عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه؟قال:« لا،إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئاً» (4).

و الخبر:« لا يصلح ذلك إلّا أن تعالج معهم فيه» قلت:فإني أُذيبه لهم،قال،فقال:« ذلك عمل فلا بأس» (5).

ص:392


1- راجع ص:389.
2- الشرائع 2:150،181.
3- الكافي 5:8/273،التهذيب 7:899/204،الوسائل 19:130 أبواب الاجارة ب 22 ح 4.
4- الكافي 5:1/273،التهذيب 7:923/210،الوسائل 19:132،133 أبواب الإجارة ب 23 ح 1،ح 4.
5- الفقيه 3:698/159،التهذيب 7:927/211،الوسائل 19:134 أبواب الإجارة ب 23 ح 7.

و في آخر:عن الرجل الخيّاط يتقبّل العمل فيقطعه و يعطيه من يخيطه و يستفضل؟قال:« لا بأس،قد عمل فيه» (1)و نحوه غيره (2).

و المستفاد منها ما قدّمناه من الاكتفاء في مقابل الزيادة بعمل ما و لو لم يواز الزيادة،و هو خلاف ما ذكره الماتن في الشرائع (3)و حكاه عن الشيخ في التذكرة (4)مما ظاهره اشتراط كون العمل مقابلاً للزيادة.

و ربما الحق بالثلاثة الرحى؛ للخبر:« إني لأكره أن أستأجر رحى ثم أُؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به،إلّا أن يُحدَث فيها حدث أو يغرم فيها غرامة» (5).

و السفينة:للرواية المتقدمة (6).

و قصور سندهما كالدلالة يمنع من أخذهما دليلاً للحرمة،سيّما في مقابلة أدلّة الإباحة،مع إشعار الاُولى بالكراهة.

ص:393


1- التهذيب 7:924/210،الوسائل 19:133 أبواب أحكام الإجارة ب 23 ح 5.
2- الفقيه 3:699/159،التهذيب 7:926/211،الوسائل 19:133 أبواب أحكام الإجارة ب 23 ح 6.
3- الشرائع 2:181.
4- التذكرة 2:291.
5- الكافي 5:9/273،التهذيب 7:900/204،الوسائل 19:130 أبواب أحكام الإجارة ب 22 ح 5.
6- في ص:391.

المساقاة

و أمّا المساقاة فهي لغة:مفاعلة من السقي،و اشتقّ منه دون باقي أعمالها،لأنه أنفعها و أظهرها في أصل الشرعية و هو نخل الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مئونته.

و شرعاً: معاملة على الأُصول الثابتة،كالنخل و الرمان بحصّة من ثمرها و المراد بالثمرة معناها المتعارف؛ للتردّد في صحة هذه المعاملة على ما يقصد ورقه و ورده،كالحنّاء،لمخالفتها كالمزارعة،لما مرّ فيها من الاشتمال على الغرر و الجهالة للأُصول القطعية،فيقتصر فيها على مورد الإجماع و المعتبرة،و ليس منه مفروض المسألة.و لو لوحظ إدخاله أُريد بالثمرة نماء الشجرة،ليدخل فيه الورق المقصود و الورد.

و الأصل في مشروعيّتها عندنا هو الإجماع عليه في الظاهر،و صرّح به في الغنية و التذكرة (1)،و النصوص المعتبرة به مستفيضة،منها الصحيحة المتقدمة في صدر المزارعة (2).

و تلزم المتعاقدين كالإجارة بلا خلاف بيننا،كما في المسالك و غيره (3)؛ لعين ما مرّ في المزارعة فلا تنفسخ إلّا بالتقايل.

و تصحّ المساقاة قبل ظهور الثمرة إجماعاً (4) كما هنا و عن

ص:394


1- الغنية(الجوامع الفقهية):601،التذكرة 2:341.
2- راجع ص:366.
3- المسالك 1:297؛ و انظر الكفاية:122.
4- كلمة إجماعاً ليست في المختصر المطبوع.

التذكرة و في المسالك و شرح الشرائع للمفلح الصيمري و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة مشروعية هذه المعاملة؛ إذ لا فرد لها أظهر من مفروض المسألة.

و كذا بعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد في الثمرة، على الأشهر الأظهر بين الطائفة،بل لعلّه عليه عامّتهم،لجهالة القائل بعدم الصحة و إن اشتهر حكايته في كتب الجماعة (2)،فغير بعيد كونه إجماعاً كالأوّل،فيمكن أخذه حجّة.

مضافاً إلى الأصل،و عموم النصوص الدالّة على المشروعيّة،و فحوى ما دلّ على الصحّة في الصورة السابقة،فإن المعاملة حينئذٍ أبعد عن الغرر؛ للوثوق بالثمرة،فتكون أولى مما لو كانت معدومة.

و وجه عدم الصحة أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود،فصار بمنزلة المضاربة بعد ظهور الربح،و أن المقصود من المساقاة ظهور الثمرة بعمله.و فيهما منع ظاهر.

و لو كان العمل بحيث لولاه لاختلّ حال الثمرة لكن لا يحصل به زيادة،كحفظها من فساد الوحش و الآفة،فمقتضى القاعدة المتقدم إليها الإشارة غير مرة هنا و في المزارعة فساد المعاملة.

و المراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث و السقي و رفع أغصان الكرم على الخشب و تأبير ثمرة النخل،دون نحو الجدار و الحفظ و النقل و قطع الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي لا يستزاد بها الثمرة،

ص:395


1- التذكرة 2:343،المسالك 1:297؛ و انظر التحرير 1:259،و الكفاية:122.
2- كالمهذب البارع 2:572،و الحدائق 21:345.

فإن المساقاة لا تصحّ بها إجماعاً،كما عن التذكرة و في المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ من القاعدة.

و حيث لا تصحّ صحّت الإجارة على بقية الأعمال بجزء من الثمرة و الصلح و الجعالة بلا إشكال؛ لعموم أدلّتها السليمة عما تصلح للمعارضة.

و لا تبطل بموتهما و لا بموت أحدهما على الأشبه الأشهر، بل لعلَّه عليه عامّة من تأخّر؛ لما مر في المزارعة (2).

خلافاً للمبسوط،فقال:يبطل عندنا (3).

و هو شاذّ،و الإجماع المستفاد من ظاهر كلامه بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه مع عدم عثور على موافق له موهون،فالمصير إليه ضعيف.

إلّا أن يشترط المالك تعيين العامل فتنفسخ بموته،بلا خلاف و لا إشكال.

و أمّا الأحكام المترتّبة على موت كلّ منهما فبيانها في المزارعة قد مضى.

و إنما تصحّ المساقاة على كلّ أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه فتصحّ على النخل و الكرم و شجر الفواكه،بلا خلاف فيها و في عدم الصحة في الشجر الغير الثابت،و نحو الوديّ بالدال المهملة بعد الواو المفتوحة و الياء المشدّدة أخيراً و هو صغار النخل،كما في المسالك (4)، بل عليه الإجماع في التذكرة في نحو البطّيخ و الباذنجان و قصب السكّر

ص:396


1- التذكرة 2:343،المسالك 1:297،الروضة 4:311؛ و انظر الكفاية:122.
2- راجع ص:367.
3- المبسوط 3:216.
4- المسالك 1:297.

و البقول (1)؛ و هما الحجة فيهما بعد القاعدة المقتضية لفساد هذه المعاملة في الثاني،و فيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به،كالتوت الذكر الذي يقصد منه الورق دون الثمر،و الحنّاء.

و فيه وجه للصحة عند جماعة (2)؛ بناءً على أن الورق المقصود منه كالثمرة في المعنى،فيكون مقصود المساقاة حاصلاً به،و في المسالك:

و في بعض الأخبار ما يقتضي دخوله (3).

فإن كان و صحّ الاعتماد عليه باعتبار السند،و إلّا فالأجود المنع،وفاقاً لظاهر العبارة و غيرها (4)،من حيث ظهور الثمرة فيهما في المعنى الخاص وقوفاً على ظاهر القاعدة المتّفق عليها بين الجماعة.

اللّهم إلّا أن يكون هنا تنقيح مناط و علّة،و ليس؛ إذ ليس المنقّح إلّا الإجماع،و هو مفقود لقضيّة الخلاف،و العقل و غايته المظنّة،و ليست بمنقّحة حتى تبلغ درجة القطع،و ليست هنا ببالغة إليها بالضرورة.

قالوا:لو ساقاه على وديّ مغروس إلى مدّة يحمل مثله فيها غالباً صحّ و لو لم يحمل فيها،و إن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالباً أو كان الاحتمال على السواء لم يصحّ.

و علّل الصحة في الصورة الأُولى بأن مرجع المساقاة إلى تجويز ظهور الثمرة و ظنّه بحسب العادة،فإذا حصل المقتضي صحّ مطلقا و إن تخلّف، كما لو ساقاه على شجرة كبيرة و اتّفق عدم الثمرة في المدّة.

ص:397


1- التذكرة 2:342.
2- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 4:313،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:125،و السبزواري في الكفاية:123.
3- المسالك 1:297.
4- كالحدائق 21:356.

و منه يظهر وجه عدمها في الثانية.

و في الاُولى لا اجرة له على جميع العمل؛ لقدومه على ذلك، و المعتبر في صحة المساقاة ظنّ ثمرة و لو في آخر المدة،كما لو ساقاه عشر سنين و كانت الثمرة لا تتوقع إلّا في العاشرة،و حينئذٍ فتكون الثمرة في مقابلة جميع العمل،و لا يقدح خلوّ باقي السنين،فإنّ المعتبر حصول الثمرة ظنّاً في مجموع المدة لا في جميع أجزائها.

و في الثانية له اجرة المثل مع جهله بالفساد،كما قالوه في هذه المعاملة حيثما خرجت فاسدة.

و يشترط فيها ذكر المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالباً و لو بالمظنة،كما مرّ إليه الإشارة،و عليه في الجملة الإجماع في المسالك (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم هذه المعاملة،و لا معنى لوجوب الوفاء بها دائماً و لا إلى مدة غير معلومة،و لا سنة واحدة؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

و في اشتراط تعيينها بما لا يحتمل الزيادة و النقيصة دون غيره كقدوم الحاج و إدراك الغلّة و إن كانت هي الغلّة المعامل عليها،أم الاكتفاء بتقديرها بثمرة المساقي عليها قولان.و الأوّل أشهر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر ممن تأخّر (2)؛ وقوفاً فيما خالف الأصل و احتمل الجهالة و الغرر على موضع اليقين من الإجماع و النص.

ص:398


1- المسالك 1:298.
2- انظر مجمع الفائدة 10:128.

و على الثاني الإسكافي (1)؛ نظراً إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم،و أن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها،و أن العقد مبني على الغرر و الجهالة،فلا يقدحان فيه.

و للصحيح:عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان و النخل و الفاكهة فيقول:اسق هذا و اعمره و لك نصف ما خرج،قال:« لا بأس» (2).

و له وجه؛ للدليل الأوّل دون الباقي،لضعفها،سيّما الأخير،لما مرّ في المزارعة (3)،و لكنه شاذّ فالمصير إليه ضعيف.

و يلزم العامل من العمل مع إطلاق العقد ما دلّ عليه العرف و العادة مما فيه مستزاد الثمرة خاصّة،كما عن الإسكافي (4)،و تشعر به ظاهر العبارة،أو إصلاحها أيضاً،كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (5).

و ضابطه كما ذكره الأصحاب ما يتكرّر كلّ سنة،كإصلاح الأجاجين (6)،و إزالة الحشيش المضرّ بالأُصول،و قطع ما يحتاج إلى القطع من أغصان الشجر و النخل،و إصلاح الأرض بالحرث و الحفر حسب ما يحتاج إليه،و السقي،و التلقيح،و العمل بالناضح،و تعديل الثمرة بإزالة ما يضرّ بها من الأغصان و الأوراق لإيصال الهواء إليها و ما تحتاج إليه من الشمس،و لقاط الثمرة بمجرى العادة،و حفظها،إلى غير ذلك.

ص:399


1- كما حكاه عنه في المسالك 1:298.
2- الكافي 5:2/268،الفقيه 3:678/154،التهذيب 7:876/198،الوسائل 19:44 أبواب المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.
3- راجع ص:366.
4- على ما نقله عنه في المختلف:472.
5- كالمحقق في الشرائع 2:156،و العلّامة في القواعد 1:240،و الشهيد الثاني في الروضة 4:313.
6- الأجاجين جمع الإجّانة و هي موقع الماء تحت الشجرة.مجمع البحرين 6:197.

و على المالك القيام بما يقتضي العرف و العادة قيامه به.

و ضابطه كما ذكروه ما لا يتكرّر كلّ سنة،و إن عرض له في بعض الأحوال التكرّر،ممّا يتعلّق نفعه بالأُصول بالذات و إن حصل منه النفع للثمرة بالعرض،فإنه على المالك دون العامل،ك بناء الجدران و عمل النواضح و حفر الأنهار و الآبار،و ما يسقى بها من دالية أو دولاب أو نحو ذلك.

و الأكثر كما في المسالك و غيره (1)على أن الكُشّ (2)للتلقيح على المالك.خلافاً للحلّي،فعلى العامل (3).

و في التذكرة أنّ شراء الزبل و أُجرة نقله على ربّ المال (4).

و الأقوى في ذلك كلّه الرجوع إلى المتعارف في كلّ بلد أو قرية فإنه الأصل في أمثال هذه المسائل.

و كذا خراج الأرض على المالك؛ لعين ما مرّ في المزارعة (5).

إلّا أن يشترط شيء من ذلك على العامل فيلزمه بعد أن يكون معلوماً.و لا فرق بين أن يكون المشترط عليه جميعه أو بعضه،بلا خلاف إلّا من الإسكافي (6)في اشتراط المالك على العامل إحداث أصل جديد من حفر بئر أو غرس يأتي به لا يكون للمساقي في ثمرته حقّ.

ص:400


1- المسالك 1:298؛ و انظر القواعد 1:240.
2- الكُشّ:ما يُلْقح به النخل.لسان العرب 6:342.
3- السرائر 2:451.
4- التذكرة 2:346.
5- راجع ص:378.
6- كما حكاه عنه في المختلف:472.

و هو شاذّ،و المصير إلى الأوّل متعيّن؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.

و منه يظهر الوجه في لزوم الشرط في صورة العكس،و هي اشتراط العامل ما عليه على المالك،لكن فيها يفرق بين صورتي اشتراط الجميع و البعض،فيبطل في الأُولى؛ لمنافاته لمقتضى العقد.

و لا خلاف فيه و في أصل الاشتراط مطلقاً،كان المشروط أقلّ أو أكثر،بل في ظاهر المسالك الإجماع عليه (1)،إلّا من المبسوط،كما في المختلف (2)فيما إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل ربّ المال معه،فأبطل به المساقاة،بناءً على أن وضعها على أن مِن ربّ المال المال و مِن العامل العمل كما في القراض.

و فيه على إطلاقه منع،مع أنه منقوض بتسويغه اشتراط العامل على المالك أن يعمل معه غلامه،و أن يكون على المالك بعض العمل،فيلكن هذا مثل ذلك؛ لأنه من قبيله،بل قيل:إنه نفسه (3).

و منه أيضاً (4)فيما إذا ساقاه على أن اجرة الأُجراء الذين يعملون معه و يستعان بهم من الثمرة،فأفسد به المساقاة؛ لاستلزامه كون المال و العمل معاً من ربّ المال،و هو منافٍ لوضعها،كما مرّ.

و هو حسن إن لم يبق للعامل عمل يستزاد به الثمرة،و إلّا فهو محلّ مناقشة،بل ظاهر المختلف و صريح المهذب (5)الاكتفاء في الصحة بمجرّد

ص:401


1- المسالك 1:298.
2- المختلف:472،و هو في المبسوط 3:211.
3- كما في المختلف:472.
4- المبسوط 3:217.
5- المختلف:472،المهذب البارع 2:574.

العمل و إن لم يكن فيه مستزاد للثمرة،كالحفظ و التشميس و الكبس في الظروف و نحو ذلك.و لا ريب في ضعفه.

و لا بُدّ أن تكون الفائدة مشاعة كما في المزارعة،بلا خلاف؛ لعين ما مرّ فيها من الأدلّة (1) فلو اختصّ بها أحدهما لم تصحّ المساقاة؛ لفقد شرطها.

لكن يختلف الحكم في ذلك بين ما لو كان المشروط له جميعها العامل أو المالك،فإن كان الأوّل كان الثمرة كلها للمالك،و للعامل اجرة المثل مع جهله بالفساد،كما هو الحكم في كلّ مساقاة باطلة،و سيأتي إليه و إلى وجهه الإشارة (2).

و إن كان الثاني فالأقوى أنه لا اجرة له؛ لدخوله في العمل على وجه التبرّع فلا اجرة له و لا حصّة،كما في البضاعة.

و فيه احتمال ضعيف بثبوت الأُجرة.

و نحو اختصاص أحدهما بالفائدة في بطلان المعاملة ما لو شرط لنفسه شيئاً معيّناً و ما زاد بينهما،أو قدّر لنفسه أرطالاً أو ثمرة نخلة معيّنة.

و وجه البطلان فيهما بالخصوص مرّ في المزارعة فيما حكيناه من كلام ابن زهرة (3).

و يجوز اختلاف الحصّة في الأنواع،كالنصف من العنب و الثلث من الرطب،أو النوع الفلاني،إذا علما الأنواع؛ حذراً من وقوع أقلّ الجزءين لأكثر الجنسين مع الجهل بها فيحصل الغرر.

ص:402


1- راجع ص:368.
2- في ص:405.
3- راجع ص:369.

و لو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح و بالثلث إن سقى بالسائح بطلت،على الأشهر الأظهر؛ لأن الحصّة لم تتعين،و إن هي حينئذٍ إلّا كالبيع بثمنين إلى أجلين مختلفين،و المعتمد فيه البطلان،كما مرّ في بحثه (1).

و يحتمل الصحة إن قيل بها ثمّة و كان مستندها منع الجهالة دون الرواية خاصّة.

و إن كانت هي الحجة خاصّة فيها ثمة كانت الصحة هنا ممتنعة؛ للجهالة،مع عدم وجود مخصّص لحكمها من إجماع أو رواية،و إلحاقها بالبيع قياس فاسد في الشريعة.

و تملك الفائدة بالظهور من دون توقّف على بدوّ الصلاح، بلا خلاف بيننا كما في المسالك،و فيه عن التذكرة الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في المضاربة (3)،و لذا تجب الزكاة على كلّ من المالك و العامل إذا بلغ نصيبه الزكاة،لوجود شرط الوجوب و هو تعلّق الوجوب بها على ملكه.

خلافاً للغنية (4)،فأسقطها من العامل؛ محتجّاً بأن حصّته كالأُجرة.

و هو ضعيف غايته،بل انعقد الإجماع ممن بعده على فساد ما ذكره؛ لأن الأُجرة إذا كانت ثمرة أو زرعاً قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على الأجير،كما لو ملكها كذلك بأيّ وجه كان،و إن أراد كالأُجرة بعد ذلك فليس محل النزاع إلّا أن يذهب إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور،

ص:403


1- راجع ص:333 من ج 8.
2- المسالك 1:302،و هو في التذكرة 2:349.
3- راجع ص:352.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):602.

بل بعد بدوّ الصلاح و تعلّق الزكاة،لكنه خلاف الإجماع،و مع ذلك لا يتمّ التعليل بالأُجرة؛ لاجتماعها مع وجوب الزكاة فيها كما عرفت،بل اللازم التعليل بتأخّر ملكه عن الوجوب.

و لو كان المساقاة بعد تعلّق الزكاة و جوّزناها بأن بقي من العمل ما فيه مستزاد الثمرة حيث جوّزناها مع ذلك اتّجه ما ذكره من وجوب الزكاة في حصّة العامل على المالك؛ لتعلق الوجوب بها على ملكه.

و إذا اختلَّ أحد شروط المساقاة المعتبرة في صحتها كانت الفائدة للمالك لأنها تابعة لأصلها،و لا ناقل سوى العقد،و قد بطل بحكم الفرض.

و للعامل الأُجرة أُجرة المثل إذا لم يكن عالماً بالفساد،و لم يكن الفساد بشرط عدم الحصّة للعامل؛ لأنه لم يتبرّع بعمله و لم يحصل له العوض المشروط له فيرجع إلى الأُجرة.و لا كذلك مع أحد الأمرين؛ لقدومه حينئذٍ على أن لا شيء له.

و لا خلاف و لا إشكال في شيء من ذلك إلّا في استحقاقه الأُجرة حيث يستحقها لو زادت عن الحصّة،فأحتمل في المسالك الاكتفاء بها عن الأُجرة؛ لقدومه على أن لا يكون له سواها في مقابلة عمله،حتى لو كانت في مقابلة عشر العمل لكان مسقطاً للزائد،فيكون متبرّعاً للزائد على هذا التقدير،كما تبرّع به على تقدير اشتراط جميع الثمرة للمالك،و على تقدير عليه بالفساد (1).

و فيه أوّلاً:أن ذلك لو صلح دليلاً للاكتفاء بالحصّة عن الأُجرة الزائدة

ص:404


1- المسالك 1:299.

لصلح دليلاً لنفي الأُجرة بالمرّة حيث لا تحصل فائدة بالكلية؛ لقدومه على أن لا شيء له لو فسدت الثمرة و لم تكن هناك فائدة،و ليت شعري كيف لم يستدلّ به على ذلك مع كونه أوفق بالأصل؟! و ثانياً:بأن الحصّة إنما وجبت بحيث لا تجوز الزيادة و لا النقيصة، من حيث اشتراطها في العقد اللازم على تقدير الصحة،و صار الحكم في المسألة مبنياً على قاعدة أُخرى من كونه عملاً موجباً للأُجرة،و أن الداخل فيه إنما دخل بذلك و لكن لا تسلم له،لظهور فساد المعاملة،فلا بُدّ لعمله من اجرة،و رضا العامل بتلك الحصّة على تقدير صحة المعاملة لا مدخل له في مفروض المسألة،لمغايرتهما،و رضاه بالأقلّ ثمّة لا يوجب الحكم به عليه هنا إلّا أن يتجدّد رضا آخر منه بذلك،و المفروض عدمه،و إلّا فلا كلام معه.

و ثالثاً:بما ذكره في الكتاب المشار إليه من أنه لم يقدم على التبرّع بعمله أصلاً،بل كما يحتمل أن تكون الحصّة قاصرة عن مقابلة العمل يحتمل مساواتها له و زيادتها عليه أضعافاً مضاعفة،فهو قادم على عمل محتمل للزيادة و النقيصة،فليس متبرّعاً به بالكلية،و إن احتمل قصورها في بعض الأزمنة،بخلاف العالم و شارط جميع الحصة للمالك،فإنه في ابتداء الأمر قادم على التبرّع المحض على أيّ تقدير.

و يكره أن يشترط المالك (1) على العامل شيئاً من ذهب أو فضة و لكن يجب الوفاء به لو شرط عملاً بما دلّ على لزومه من الكتاب و السنة ما لم تتلف الثمرة يُخرج منها شيء،و لو تلفت أو عدمت

ص:405


1- في المختصر المطبوع زيادة:مع الحصّة.

لم يجب الوفاء به.

بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الكراهة،كما في المسالك (1)، و علّلت مع ذلك في المهذب و غيره (2)بجواز كون الخارج بقدر الشرط أو أقل،فيكون عمله ضائعاً موجباً للضرر المنفي عقلاً و شرعاً،مع احتمال خروج العامل بذلك عن الرشد و دخوله في السفهاء.و فيه نظر.

و وجّه في المسالك و غيره (3)سقوط المشروط مع تلف الثمرة أو عدمها بأجمعها أنه لولاه لكان أكل مال بالباطل؛ فإن العامل قد عمل و لم يحصل له عوض فلا أقلّ من خروجه رأساً برأس.

نعم،لو كان الشرط للعامل على المالك اتّجه عدم سقوطه؛ لأن العوض من قبل العامل و هو العمل قد حصل،و الشرط بالعقد قد وجب،فلا وجه لسقوطه.

و ربما قيل بمساواته الأوّل (4).و هو ضعيف.

و لو كان التالف في الصورة الأُولى البعض خاصة فهل يسقط من المشروط بالنسبة؛ لمقابلة الأجزاء بالأجزاء حيث قوبلت الجملة بالجملة؟ أو لا؛ لأصالة العدم،و أن المعتبر حصول عوض العمل و لا اعتبار بكثرته و قلّته،و من ثمّ لا يسقط من العمل شيء بتلف بعض الثمرة أو أكثرها؟ قولان،أجودهما الثاني،وفاقاً للشهيد الثاني (5).خلافاً للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الثاني.

ص:406


1- المسالك 1:229.
2- المهذّب البارع 2:575؛ و انظر مجمع الفائدة 10:130.
3- المسالك 1:299؛ و انظر جامع المقاصد 7:370.
4- حكاه في جامع المقاصد 7:370،عن ظاهر إطلاق عبارة التذكرة و التحرير.
5- المسالك 1:299.

و لا يخلو عن قوّة حيث لا يكون الباقي من الثمرة يوازي العمل لقلّته؛ بناءً على انسحاب علّة السقوط في صورة تلف الثمرة بأجمعها هنا، إلّا أنها لمّا لا يخلو عن شيء من أصلها و كان الإجماع هو العمدة في علّة السقوط في تلك الصورة كان عدمه هنا أقوى؛ عملاً بالأصل الدالّ على لزوم الوفاء.

و هل يلحق باشتراط الذهب و الفضة في الجواز مع الكراهة اشتراط حصّة من الأُصول الثابتة؟ قولان؛ لعموم دليل الجواز في الملحق به،و أنّ مقتضى المساقاة جعل الحصّة من الفائدة،و أن الحصّة من الأُصول تدخل في ملكه، فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعاً في ملك المالك، و لا واجباً بالعقد؛ إذ لا يعقل أن يشترط العمل في ملك نفسه.

و منه يظهر الوجه في الفرق بينه و بين اشتراط النقدين،و حاصله أنه فرق بين أن يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به و بين أن يكون منه؛ لأن جعل العوض الحاصل للعامل و هو الحصّة من النماء إنما هو في مقابلة العمل بجميع المال المعقود عليه،و إذا صار له جزء من الأصل لم يحصل العمل بجميع المال المملوك للمالك،فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة؛ لإخلاله بالشرط و هو العمل بالجميع،فيبطل العقد.

و فيه نظر؛ لاحتمال أن يكون اشتراط الحصة من الأصل كالاستثناء من العمل بجميع المال المملوك،و بياناً لأن ما يستحقه من الحصّة من الثمرة بعضها في مقابلة العمل بما يخصّ المالك من الأُصول الثابتة و الباقي بتبعيّته للملك الحاصل له بالشرط في العقد اللازم.

و مع هذا فالمنع أوجه،وفاقاً للأكثر،كالطوسي و الحلّي و فخر الدين

ص:407

و المسالك و المفلح الصيمري (1)،بل لم أقف على مخالف صريحاً،بل و لا ظاهراً عدا الماتن في الشرائع (2)،حيث تردّد،و نحوه الفاضل في القواعد (3)،بعد جزمهما بالمنع،اقتصاراً في هذه المعاملة المخالفة للأُصول على المجمع عليه المتيقن.

ص:408


1- الطوسي في المبسوط 3:211،الحلي في السرائر 2:455،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:294،المسالك 1:299.
2- الشرائع 2:157.
3- القواعد 1:240.

كتاب الوديعة و العارية

اشارة

كتاب الوديعة و العارية

الوديعة

أمّا الوديعة:فهي استنابة في الاحتفاظ خاصّة،فخرج نحو الوكالة و المضاربة و الإجارة؛ لأنَّها استنابة فيه مع شيء زائد و هو التصرف، بل هو المقصود بالذات منها دون الاستنابة،بعكس الوديعة،لكونها المقصود بالذات فيها دون أمر آخر.

و الأصل فيها بعد إجماع الأُمة المحكي في كلام جماعة،كالغنية و المهذب و التذكرة (1)الكتاب،و السنة المتواترة الخاصيّة و العاميّة،قال اللّه سبحانه إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [1] (2).و في النبوي العامي:« أدّ الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك» (3)و نحوه الخاصيّة المتواترة التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة (4).

و تفتقر إلى الإيجاب و القبول قولاً كان كلّ منهما أو فعلاً و لا يشترط في القول حيث إنها من العقود الجائرة الصراحة بل يكتفي فيه بنحو من التلويح و الإشارة إذا كانت لمعناها مفهمة.

و وجه الاكتفاء بالقبول الفعلي أنه ربما كان أقوى من القولي باعتبار التزامه دخولها حينئذٍ في ضمانه مع التقصير؛ لعموم:« على اليد ما أخذت

ص:409


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،المهذب البارع 3:7،التذكرة 2:196.
2- النساء:58.
3- تفسير أبي الفتوح الرازي 2:526،المستدرك 14:11 أبواب كتاب الوديعة ب 2 ح 13.
4- في ص:413.

حتى تؤدّي» (1).

و قيل:إن كان الإيجاب بلفظ:أودعتك،و شبهه وجب القبول لفظاً، و إن قال:احفظه،و نحوه لم يفتقر إلى اللفظ (2).

و وجهه غير واضح،كما صرّح به من متأخّري متأخري الأصحاب جماعة (3).

و كيف كان،فلا يجب المقارنة بين الإيجاب و القبول،بلا خلاف يظهر،و به صرّح في المفاتيح (4).و لا ريب فيه و لا شبهة حيث يكون القبول فعليّاً،و لو كان قوليّاً ففيه نوع مناقشة لولا حكاية عدم الخلاف التي هي حجة عامّة،مؤيّدة بإطلاقات أخبار الوديعة.

و لو طرحه عنده من غير ما يدلّ على الإيداع من قرينة و لو حالية و لم يحصل القبول فعلاً لم يلزم الحفظ مطلقاً،بلا خلاف يظهر،إلّا من الكفاية حيث أثبت الوديعة لو حصل ثمّة قبول لفظي،مدّعياً كون مجرّد الطرح دالاّ على الوديعة (5).

و فيه مناقشة حيث لم تنضمّ إليه قرينة من عرف أو عادة.

و حيث لم تثبت،لو ذهب المستودَع و تركه فلا ضمان عليه؛ للأصل.

لكن قيل:يأثم إن كان ذهابه بعد غيبة المالك؛ لوجوب الحفظ من باب الإعانة على البرّ و معاونة المحتاج على الكفاية (6).

ص:410


1- مستدرك الحاكم 2:47،عوالي اللئلئ 2:10/345،سنن البيهقي 6:90.
2- حكاه في التذكرة 2:197 عن بعض العامّة،و قال في المسالك 1:303:و هو كلام موجّه.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:274،و تنظّر فيه في الكفاية:132.
4- مفاتيح الشرائع 3:162.
5- الكفاية:132.
6- المسالك 1:303.

و في كونه فسخاً للوديعة حيث ثبت قول،جزم به في التذكرة (1).

و هو حسن إن قرنه ما يدلّ عليه،و إلّا فهو محل مناقشة،سيّما إذا كان القبول فعلاً؛ لأصالة بقاء حكم الوديعة،و عموم الرواية المتقدمة.

و لو حصل ذلك بعد غيبة المالك ضمن قولاً واحداً.و لا ريب فيه حيث يكون تفريطاً،و لعلّه مراد الجماعة.

و يشترط فيهما الاختيار بلا خلاف و لا إشكال،فلو اكره المودِع في الإيداع لم يؤثّر؛ لعدم الإذن في الاستنابة حقيقة.و كذا لو اكره المستودَع على القبض لم يضمن مطلقاً،إلّا مع الإتلاف،أو وضع يده عليه بعد ذلك مختاراً،فيضمن حينئذٍ جدّاً؛ لعموم الخبر المتقدّم.

و هل تصير بذلك حينئذٍ وديعة لا يجب ردّها إلّا مع طلب المالك أو من يقوم مقامه،أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق فوراً،و بدونه يضمن مطلقاً؟وجهان.

و ربما يفرق بين وضع اليد عليها اختياراً بنية الاستيداع و عدمه، فيضمن على الثاني مع الإخلال بما يجب عليه دون الأوّل؛ إعطاءً لكلّ واحد حكمه الأصلي.

و لا يخلو عن وجه،و إن كان الثاني أوجه؛ لكونه الموافق للأصل الدالّ على عدم جواز التصرف في ملك الغير،و وجوب إيصاله إليه فوراً، خرج منه الوديعة المعلومة إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و بقي ما عداها و لو ما يشك كونه وديعة كما هو الفرض؛ للشك في تأثير الإذن السابق في ثبوتها داخلاً تحته جدّاً،مع أنه أحوط و أولى.

ص:411


1- التذكرة 2:197.

و مما حققناه ظهر وجه الفرق بين الأمانتين،و ضابطه:أنه مع وضع اليد بإذن المالك أو مَن في حكمه يكون وديعة،و بدونه مع عدم الغصب أمانة شرعية.

و وجه الضمان فيها مع الإخلال بما يجب عليه من الردّ فوراً بعد الإجماع الخبر المتقدّم،و هو و إن عمّ صورة عدم الإخلال بذلك أيضاً إلّا أنها مخصّصة بالإجماع المتأيّد بالأصل و الاعتبار جدّاً.

و يجب على المستودَع أن يحفظ كلّ وديعة قَبِلَها لفظاً أو فعلاً،بلا خلاف و لا إشكال في الثاني؛ لعموم الخبر المتقدم.و كذا في الأوّل مطلقاً و لو فسخ عقدها و خرج عن الاستيداع،فيجب إلى أن يردّها إلى مالكها؛ لاستلزام تركه إضاعة المال المنهيّ عنها في الشريعة،مع استلزامه الضرر على المالك بتغريره له بقبولها،و هو منفي قطعاً،فتوى و رواية.

مضافاً إلى إطلاق الأدلّة من الكتاب و السنة بردّ الأمانة الشامل لمفروض المسألة،و لا يتمّ إلّا بالحفظ،فيجب و لو من باب المقدمة.

فمنها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة المستفيضة،منها:« أدّوا الأمانات إلى أهلها و إن كانوا مجوساً» (1).و في آخر:« و لو إلى قاتل أولاد الأنبياء» (2).

و منها:« لو أنّ قاتل علي عليه السلام ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه» (3)

ص:412


1- الكافي 5:2/132،التهذيب 6:993/351،الوسائل 19:73 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 5.
2- الكافي 5:/133 3،الخصال:614،الوسائل 19:73،76 أبواب الوديعة ب 2 ح 6،14.
3- الكافي 5:4/133،الوسائل 19:72 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 2،و رواه الصدوق في أماليه:5/204 عن عمر بن يزيد.

و بمعناه غيره (1)،إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و أسانيدها و إن كانت ما بين ضعيفة و قاصرة عن الصحّة إلّا أنها بالإجماع و ظاهر الكتاب المؤيّد بما قدّمناه منجبرة،مع قوّة احتمال كونها متواترة،فترتفع المناقشة في السند من أصلها بالمرة،هذا.

مضافاً إلى ما سيأتي من المعتبرة الدالّة على الضمان مع مخالفة أمر المالك في المحافظة،و بالجملة لا شبهة في المسألة.

و ينبغي أن يكون الحفظ بما جرت به العادة من مكان الوديعة و زمانها؛ لعدم التعيين من قبل الشارع فيرجع إليها،فليحرز نحو الثوب و النقد في الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عمن يخاف منه عليه عادة،لا عن الغير مطلقاً كما في المسالك و الروضة و عن التذكرة (2)؛ لعدم اعتبار مثله في الحفظ عادة،بل يعدّ الحفظ بما ذكرناه حفظاً و لو لم يحرز عمن لا يخاف منه عليه كالأهل و الشريك جدّاً،فاعتبار الحرز عن الغير مطلقاً كما في الكتب المشار إليها غير سديد قطعاً.

و الدابة في الإصطبل المضبوط بالغلق.

و الشاة في المراح كذلك،أو المحفوظ بنظر المستودع.

و هذه الثلاثة مما جرت العادة بكونها حرزاً لما ذكر،و قد يفتقر إلى أمر آخر،ككون الصندوق المذكور كبيراً،أو موضوعاً في محل لا يعتاد سرقته منه،أو يقوم غيرها مقامها عادة،كوضع الدابة في بيت السكنى،أو الشاة في داره المضبوطة.

ص:413


1- الكافي 5:5/133،التهذيب 6:994/351،الوسائل 19:74 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 8.
2- المسالك 1:305،الروضة 4:239،التذكرة 2:200.

و بالجملة الضابط ما يعدّ به في العرف حافظاً غير مقصّر في الحفظ أصلاً،و هو يختلف باختلاف الأحوال و العادات جدّاً،و إنما ذكرت الأمثلة و نحوها في عبارات الأصحاب توضيحاً.

و لا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه و غيره، و لا بين من يعلم المودع أنه لا حرز له و غيره،فلو أودعه دابَّة مع علمه أنه لا إصطبل له أو مالاً مع علمه بأنه لا صندوق له لم يكن عذراً،فيضمن مع عدم الحفظ.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يعيّن المالك حرزاً و لو عيّن المالك حرزاً اقتصر عليه وجوباً،بلا خلاف فيه في الجملة، و لو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إجماعاً في الأوّل،كما في الغنية و المسالك (1).

و وفاقاً للمحكي عن الحلّي و المحقق الثاني و المسالك و الروضة (2)في الثاني؛ عملاً بمقتضى التعيين،و اختلاف الأغراض في ذلك.

و به يظهر حكم النقل إلى المساوي بفحوى الخطاب.

خلافاً للشيخ (3)رحمه الله فيه.و هو قياس باطل،إلّا أن يكون هناك قرينة حال أو مقال دالّة على أن المراد من التعيين نفس الحفظ دون خصوصيّة المحل،و لعلّه غير محل النزاع.

و للأكثر و منهم الحليّ (4)،كما يظهر من عبارته المحكية لي،بل ادّعي عليه الإجماع في الأحرز،فجوّزوا النقل إليه.

ص:414


1- الغنية(الجوامع الفقهية):600،المسالك 1:305.
2- لم نعثر على قول الحلّي في السرائر،المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:35،المسالك 1:305،الروضة 4:237.
3- كما في المبسوط 4:141.
4- السرائر 2:440.

و هو أظهر؛ لدلالة العرف عليه.و اختلاف الأغراض مع الجهل بأن المقصود من التعيين هو الخصوصية غير قادح،كيف لا و مراعاته في عدم الأخذ بالأولوية في مفروض المسألة توجب انسداد باب إثبات الأحكام الشرعية بها بطريق أولى بالضرورة،و لم يقل به هؤلاء الجماعة.

نعم،لو علم قصد الخصوصية بالنهي عن النقل إليه و نحوه اتّجه المنع،و لا خلاف فيه،بل في التنقيح و المسالك (1)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة.

فيضمن حينئذٍ إلّا مع الخوف ببقائها فيه من التلف و نحوه علماً أو ظنّاً متاخماً له أو مطلقاً،لا مع الشك،و أولى منه دونه،فيجوز النقل في الأوّلين و لا ضمان،بلا خلاف و لو قال:و لو تلفت؛ لأنه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (2).بل الظاهر الوجوب كما قالوه؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتمّ إلّا بذلك،و لا دليل على سقوطه بنهي المالك عنه مطلقاً،فإن غايته إيجاب شيء آخر عليه و هو المحل،و سقوطه بتعذّره لمكان الخوف لا يوجب سقوط الواجب الآخر الذي أمر به الشارع.

مع احتمال الوجوب فيما لو قال:و لو تلفت،من وجه آخر،و هو ثبوت نوع سفاهة للمودع بقوله ذلك،فيجب الحفظ عليه لذلك،كمال الطفل و المجنون إذا وقع في يده.

نعم،قالوا:لا ضمان عليه بعدم النقل حينئذٍ و إن أثم؛ لإسقاط المالك ذلك عنه،مضافاً إلى الأصل،و بهما يخصّص عموم على اليد،و لعلّ

ص:415


1- التنقيح الرائع 2:238،المسالك 1:306.
2- التوبة:91.

مرادهم صورة لم تستلزم سفاهة المودِع.

و لا كذلك لو لم ينهه؛ لانصراف التعيين إلى غير صورة الخوف من التلف بالبقاء في المعيّن،فلا إسقاط من المالك للضمان،بخلاف ما لو نهى عن النقل،و سيّما لو قال:و لو تلفت؛ لاستلزامه سيّما الثاني الإسقاط، مع احتمال العدم في الأوّل،لعدم الصراحة في الإسقاط،فيؤخذ حينئذٍ بعموم على اليد.

ثم إن جواز النقل إلى الغير مع الخوف في صورة النهي يستلزمه في غيرها حيث يمنع فيه بدونه بطريق أولى،و لا ضمان؛ للإذن من الشارع، مع عموم نفي السبيل.

و لا خلاف فيه إلّا من الفاضل (1)،فأثبت الضمان؛ و لعلّه لعموم:على اليد،و هو معارض بالعموم المتقدّم المتأيّد بالأصل و الاعتبار.

و فيه قول بالتفصيل (2)ضعيف كالآخر.

و لو احتاج النقل حيث جاز إلى الأُجرة ففي الرجوع بها على المالك مع نيّته كما في المسالك (3)،أو لا مطلقاً كما عن التذكرة (4)وجهان،من الأصل،و نفي الضرر.و لعلّه أوجه و أحوط للمالك،و إن كان العدم للمستودَع أحوط.

و في اشتراط كون المنقول إليه أحرز أو مساوياً مع إمكانهما بالترتيب ثم الأدون،أم لا،بل يجوز إلى الأخيرين مطلقاً،الأحوط الأوّل،و بتعيّنه

ص:416


1- كما في التحرير 1:266.
2- كما في التحرير 1:266.
3- المسالك 1:306.
4- التذكرة 2:204.

صرّح في المسالك (1)؛ اقتصاراً في انتفاء الضمان عنه مع لزومه عليه بعموم النص على المتيقّن.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة و كثير من عبائر الجماعة؛ رجوعاً إلى حكم الوديعة بعد تعذّر المعيّن،و إن هو حينئذٍ إلّا كما لو لم يعيّن،و الحكم فيه ذلك بلا خلاف.

و يمكن الفرق بين ما لو كان المقصود من التعيين الأحرزية فالأوّل، و إلّا فالثاني،و لعلّه مراد القائل بالأوّل و إن أطلق؛ لاحتمال الإطلاق الحمل على الشق الأوّل بناءً على أنه المقصود من التعيين غالباً،و هذا أوجه،و إن كان الأوّل على إطلاقه أحوط.

و هي جائزة من الطرفين بلا خلاف،كما في المسالك و غيره (2)؛ و هو الحجة المخصّصة لأدلّة لزوم الوفاء بالعقود إن قلنا بكونها منها كما هو المشهور،و إن قلنا بكونها إذناً فقط ارتفع الإشكال من أصله و لا احتياج إلى تخصيص.

و كيف كان،فللمودِع مطالبتها متى شاء،و للمستودَع ردّها كذلك، لكن مع وجود المالك أو وكيله لا يبرأ إلّا بردّها عليه دون الحاكم؛ إذ لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

و مع فقدهما يجوز دفعها إلى الحاكم مع العذر،كالعجز عن حفظها، أو الخوف عليها من السرق أو الحرق،أو نحو ذلك من الأعذار؛ لأن له ولاية على الغائب على هذا الوجه لا بدونه،لالتزامه بالحفظ بنفسه فلا يبرأ إلّا بدفعها إلى المالك أو وكيله.

ص:417


1- المسالك 1:306.
2- المسالك 1:304؛ و انظر مجمع الفائدة 10:276،الكفاية:132.

مع أن المالك لم يرض بيد غيره،و لا ضرورة له إلى إخراجها من يده،فليحفظها إلى أن يجدهما أو يتجدّد له عذر.

و لا خلاف في شيء من ذلك بيننا و بين جماعة من العامّة،و كذا في جواز إيداعها من ثقة،و أنه مع تعذّر الحاكم.أما مع القدرة عليه فلا،حكاه في المسالك و غيره (1)،بل عن التذكرة (2)الإجماع عليه؛ و هو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة.

و في الأوّل عن بعض العامة جواز الدفع إلى الحاكم عند تعذّر المالك مطلقاً؛ لأنه بمنزلة الوكيل،و نفى عنه البعد فيه.

و ليس بوجه،سيّما مع دعواه عدم الخلاف في خلافه،فيجب المصير إليه،مع أنه أحوط.

و في وجوب قبول الحاكم إياها حيث جاز ردّها إليه،أم العدم وجهان،أحوطهما الأوّل.

و يأتيان مع الاحتياط فيما لو حمل المديون الدين إليه مع غيبة المدين،أو الغاصب المغصوب أو بدله عند تلفه،و غير ذلك من الأمانات التي يليها الحاكم.

و يجوز السفر بها بعد ذلك كلّه لا مطلقاً،إلّا أن يخاف عليها مع الإيداع،فيقدّم السفر عليه هنا،و في التذكرة (3)الإجماع عليه.

و حيث جاز السفر أو وجب يشترط فيه عدم ظهور أمارة الخوف فيه.

و أمّا معه فلا يجوز مطلقاً و إن خيف عليها في الحضر،بلا خلاف يظهر؛

ص:418


1- المسالك 1:310؛ و انظر مجمع الفائدة 10:304.
2- التذكرة 2:199،200.
3- التذكرة 2:200.

لتعارض الخطرين فيرجّح الحضر،لأن السفر بنفسه خطر،فإذا انضم إليه أمارة الخوف زاد خطر على خطر.

و منه يظهر عدم جواز السفر بها من دون ضرورة،و به مع الإجماع عليه صرّح في التذكرة (1)،معلّلاً بالتزامه الحفظ،فليؤخّر السفر أو يلتزم خطر الضمان.

و من التعليل يظهر انسحاب المنع عنه في صورة التمكن من دفعها إلى الحاكم أو الثقة أيضاً؛ لالتزامه الحفظ بنفسه فلا يجوز من دون ضرورة، إلّا أن ظاهره الجواز في هذه الصورة؛ لأن النبي صلى الله عليه و آله كانت عنده ودائع، فلما أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن،و أمر عليّاً عليه السلام أن يردّها (2).

و في السند و الدلالة نظر،فإن كان إجماع،و إلّا فالأوّل أظهر و أحوط.

و كما تبطل بالفسخ كذا تبطل بموت كلّ واحد منهما أو ما يوجب الخروج عن أهليّة التصرف،كالجنون و الإغماء،بلا خلاف؛ لأن ذلك من أحكام العقود الجائزة،و الوديعة منها،كما مضى.

و حيث بطلت تصير أمانة شرعيّة تجب المبادرة إلى ردّها على الفور إلى أهله،و لا يقبل قول مَن هي في يده في ردها إلى المالك و لو مع يمينه، بخلاف الوديعة.

و من هنا يظهر بطريق أولى ما ذكروه من أنه لا يصحّ وديعة الطفل و المجنون؛ لعدم أهليّتهما،فيضمن القابض،و لا يبرأ بردّها إليهما،بل إلى وليّهما أو الحاكم.

ص:419


1- التذكرة 2:200.
2- عوالي اللئلئ 3:2/250،المستدرك 14:7 أبواب كتاب الوديعة ب 1 ح 12؛ و انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير 2:103.

و لو علم تلفها في أيديهما إن لم يقبض فقبضها بنيّة الحسبة في الحفظ لم يضمن؛ لأنه محسن و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (1)لكن يجب مراجعة الولي في ذلك مع الإمكان.

و لو استودعا لم يضمنا بالإهمال؛ لأن المودِع لهما متلف ماله، و الضمان بالإهمال إنما يثبت حيث يجب الحفظ،و الوجوب لا يتعلق بهما؛ لأنه من خطاب الشرع المختص بالمكلفين.و لا يعارضه حديث على اليد؛ لظهور«على» في وجوب الدفع و التكليف بالردّ،فيكون مختصّاً بالمكلف.

نعم،لو تعدّيا فيه فتلف فهل يضمنان،أم المميّز خاصّة،أم لا مطلقاً؟وجوه،و كذا القول في كلّ ما يتلفانه من مال الغير.

و اختار الأوّل في المسالك (2)،معلّلاً بأن الإتلاف لمال الغير سبب في ضمانه إذا وقع بغير إذنه،و الأسباب من باب خطاب الوضع يشترك فيها الصغير و الكبير.

و هو حسن مع وجود ما يدلّ على السببية على الإطلاق،و لم أقف إلّا على الحديث المتقدم المختص كما عرفت و اعترف به بالمكلف،فإن وجد ما يدلّ عليها كذلك،و إلّا فعدم الضمان مطلقاً أقوى،وفاقاً للتذكرة كما حكى عنه في كتاب الحجر (3)؛ عملاً بأصالة براءة الذمة.

و لو كانت الوديعة دابّة أو مملوكاً أو شجراً أو نحو ذلك مما يحتاج بقاؤه إلى إنفاق وجب على المستودع علفها و سقيها و جميع ما يحتاج إليه حفظها إن لم يتكفّلها المودِع،بلا خلاف؛ لوجوب حفظها

ص:420


1- التوبة:91.
2- المسالك 1:306.
3- التذكرة 2:78.

عليه،و لا يتمّ إلّا بذلك،فيجب عليه.

و المعتبر فيه ما يعتاد لأمثالها،فالنقصان عنه تفريط،فيضمنها حينئذٍ و إن ماتت بغيره.

و لا يعود حكم الوديعة لو عاد إلى الإنفاق إلّا مع حصول الإيداع بإذن جديد،كما قالوه في كلّ تعدّ أو تفريط.

و لا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالإنفاق،أو يطلق،أو ينهاه؛ لوجوب حفظ المال عن التلف،فيضمن في الصور على قول،و لا في الأخيرة على آخر،لأن حفظ المال بالذات إنما يجب على مالكه لا على غيره،و وجوب حفظ الوديعة على المستودَع إنما هو بالعرض يثبت حيث لا ينهاه المالك و يرتفع مع نهيه.

نعم يجب في الحيوان مطلقاً اتفاقاً؛ لأنه ذو روح.لكن لا يضمن بتركه كغيره من الشجر و نحوه؛ لقدوم المالك بنهيه على سقوطه عنه،كذا قيل (1).

و هو حسن حيث يثبت حكم الوديعة في هذه الصورة تضمّنها على المالك سفاهة،و إلّا فهو محل مناقشة،فإن مقتضى القواعد كونها حينئذٍ أمانة شرعية يجب حفظها و المبادرة بردّها إلى متولّيها عن مالكها،و يأتي وجه المناقشة فيما ذكروه من الحكم المزبور فيما يشابه مفروض المسألة، و قد تقدّم إليه بعضه الإشارة (2)،إلّا أن الظاهر إرادتهم ثبوت الحكم حيث لا يتضمن إيداع المالك سفاهة،كما يستفاد من قواعدهم الكلية.

ص:421


1- انظر الروضة البهية 4:246.
2- راجع ص:416.

و اعلم أن كثيراً من الأصحاب (1)ذكروا أن مستودَع الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أنفق و رجع عليه بما غرم،و إن أطلق توصّل إلى استيذانه، فإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به،أو يستدين عليه،أو يبيع بعضه للنفقة،أو ينصب أميناً،فإن تعذّر أنفق هو و أشهد عليه و يرجع به على المالك و لو تعذّر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع،و كذا القول مع نهي المالك له عنه.

و لا إشكال في شيء من ذلك،حتى الرجوع بما أنفق على المالك حيث أثبتوه له؛ لاستلزام عدمه الضرر المنفي،مع أنه محسن و ليس عليه سبيل.إلّا أن في اشتراط الإشهاد نظراً؛ لعدم الدليل عليه،و يحتمل أن يكون ذكره إرشاداً لا اشتراطاً،فتأمّل جدّاً.

و الوديعة أمانة لا يضمنها المستودَع إلّا مع التفريط أو العدوان إجماعاً؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:

« صاحب البضاعة و الوديعة مؤتمنان» (2).

و في آخر:رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق،قال:« هو مؤتمن» (3).

و في ثالث:عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق،أعلى صاحبه ضمان؟فقال:« ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً» (4).

ص:422


1- كالعلّامة في التحرير 1:268،و الشهيد الثاني في المسالك 1:305،و صاحب الحدائق 21:415.
2- الكافي 5:1/238،التهذيب 7:790/179،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 1.
3- الفقيه 3:878/193،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 2.
4- الكافي 5:4/238،التهذيب 7:812/184،الوسائل 19:80 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 5.

و في رابع:عن وديعة الذهب و الفضة؟فقال:« كلّ ما كان من وديعة لم تكن مضمونة فلا يلزم» (1).

و في الموثق:رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت،فقال الرجل:

كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنها كانت قرضاً عليك،فقال:« المال لازم له إلّا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و عمومها و إن اقتضى نفي الضمان عن المتعدّي و المفرط،إلّا أنه مع بُعد انصرافه إليهما مخصّص بالإجماع،و الصحيح:رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت،هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه؟فوقّع عليه السلام:« هو ضامن لها إن شاء اللّه» (3).

ثم إن التفريط هو ترك ما يجب فعله،كما إذا أخّر الإحراز زيادة على المعتاد،أو طرحها فيما ليس بحرز و ذهب عنها،أو كان المحل غير صالح للحرز أصلاً،أو ترك نشر الثوب المحتاج إليه،أو لبسه حيث يحتاج إليه، أو ترك سقي الدابة و علفها و نحوهما مما تحتاج إليه بحسب المعتاد كما مضى،أو يودعها من غير ضرورة و لا إذن،أو يسافر بها كذلك مطلقاً و لو كان الطريق أمناً،أو نحو ذلك،و ضابطه ما يعدّ تفريطاً في الحفظ.

و التعدّي عكسه،مثل أن يلبس الثوب،أو يركب الدابة،أو يجحد مع مطالبة المالك أو مطلقاً على قول،أو يخالطها بمال آخر مطلقاً و لو من

ص:423


1- الكافي 5:7/239،التهذيب 7:789/179،الوسائل 19:79 أبواب أحكام الوديعة ب 4 ح 4.
2- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
3- الكافي 5:9/239،الفقيه 3:880/194،التهذيب 7:791/180،الوسائل 19:81 أبواب أحكام الوديعة ب 5 ح 1.

المالك بحيث لا يتميّز،أو يفتح الختم الذي ختمه المالك أو هو بأمره لا مطلقاً،أو ينسخ من الكتاب أو نحو ذلك بدون إذنه،و ضابطه ما يعدّ به خائناً.

و لا خلاف في الضمان بكلّ ما مرّ،إلّا أن يكون لشيء منه مدخل في الحفظ،فلا ضمان،لوجوبه.و قد ادّعى الإجماع على الضمان بكثير من الأُمور المتقدمة الفاضل في التذكرة و غيره (1)،إلّا أن المحكي عن المقنع في الرهن الذي هو في حكم الوديعة من حيث الأمانة عدم الضمان بترك نشره و لو احتاج إليه (2).

و عبارته المحكية عن إفادته قاصرة،كالنصوص المستدل له بها على ذلك،منها الصحيح:عن رجل رهن عنده ثياباً تركها مطويّة لم يتعهّدها و لم ينشرها حتى هلكت؟قال:« هذا نحو واحد يكون حقه عليه» (3).

و نحوه عبارة المقنع،و لا دلالة فيهما على نفي الضمان،بل غايتهما الدلالة على بقاء الدين،و هو لا يستلزمه إلّا على تقدير ثبوت التقاصّ قهراً، و هو خلاف الأصل،مع أنه لا دليل عليه.

و لو تصرف المستودع فيها باكتساب بأن دفعها عن عين مبتاعة للاسترباح ضمن و كان الربح للمالك بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور بعض رواتها بوجود ابن

ص:424


1- التذكرة 2:197؛ و انظر مجمع الفائدة 10:320.
2- حكاه عنه في المختلف:419،و هو في المقنع:128.
3- الفقيه 3:903/199،التهذيب 7:773/175،الإستبصار 3:424/119،الوسائل 18:389 أبواب أحكام الرهن ب 6 ح 1.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):600.

محبوب في سنده،و قد حكي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1)،و فيه:إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه و حلف لي عليه،ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه،قال:هذا مالك فخذه،و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، و اجعلني في حلّ،فأخذت منه المال و أبيت أن آخذ الربح منه و أوقفته المال الذي كنت استودعه و أتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟قال:فقال:

« خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّه،إن هذا رجل تائب و اللّه يحبّ التوّابين» (2).

و الأمر بإعطاء النصف للاستحباب،كما ينادي به التعليل.

و إطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق في استحقاق المالك الربح بين أن يأذن للودعي في التجارة بشرط الضمان أم لا،و هو ظاهر المحكي عن الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلبي (3).

خلافاً للإسكافي (4)في الأول،فجعله حينئذٍ للودعي،و نفى عنه البأس في المختلف (5)معلّلاً بأن التضمين يقتضي انقلاب الوديعة قرضاً و مداينة،و له شواهد من المعتبرة المتقدمة في المضاربة،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

ص:425


1- انظر رجال الكشي 2:830.
2- الفقيه 3:882/194،التهذيب 7:793/180،الوسائل 19:89 أبواب أحكام الوديعة ب 10 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:626،الطوسي في النهاية:437،الديلمي في المراسم:193،حكاه عن القاضي في المختلف:445،الحلبي في الكافي في الفقه:230.
4- كما نقله عنه في المختلف:445.
5- المختلف:445.

إلّا أنه لا يخلو عن شائبة ريبة؛ لاختصاص المعتبرة بالمضاربة، و عدم وجود شيء فيها يوجب التعدية،فلا يمكن الخروج عن مقتضى القواعد الدالّة على تبعية الربح للمال حيث يقع الاكتساب بعين الوديعة و تجعل بعينها أحد عوضي المعاملة.و ليس في العبارة و ما ضاهاها تقييد الحكم بهذا القيد،إلّا أن مقتضى قواعدهم التقييد به و بإجازة المالك أيضاً، و إلّا فالمعاملة باطلة،و به صرح في التنقيح (1).

و لكن الإطلاق محتمل؛ لإطلاق النص المؤيّد بإطلاق النصوص الواردة في التجارة بمال اليتيم بغير وجه شرعي الحاكمة بأن الربح لليتيم و الضمان على المتّجر كما في المسألة،و تنزيلهما ككلمة الأصحاب في المقامين على القيدين سيّما الثاني في مال اليتيم بعيد في الغاية.

فالقول بالإطلاق لا يخلو عن قوّة.و لعلّ الوجه فيه كون الانتقال من باب التقاص القهري؛ لأن البائع أخذ المال و تصرّف فيه و ذهب،و لا يكاد يتيسّر الاسترداد منه كما هو الغالب،مع أن حبس المال عنه مدة ضرر عليه منفي،و لكن اللازم على هذا التقدير تقييد الحكم بعدم إمكان استرداد العين كما هو الغالب،و يمكن تنزيل الإطلاقات عليه؛ لذلك.

ثم كلّ ذا إذا اشترى بالعين،أو في ذمّة مالكها،أو في الذمّة مطلقاً.

و لو اشترى في ذمّته و عوّضها عمّا تعلّق بها ففي صحة المعاملة إشكال،و لكن مقتضى القواعد الصحّة،سيّما و أن يكون البائع ممن لا يبالي بأخذ العوض كيف كان من حلال أو حرام.

و كيف كان،فما ذكرناه من التوجيه من التقاص القهري و الضرر

ص:426


1- التنقيح الرائع 2:241.

المنفي يقتضي كون المبيع و الربح كلّه للمالك حيث لا يمكن استرداد العين من البائع،و ما ذكرناه من التحقيق غير مختصّ بالمقام،بل جارٍ حيثما العلّتان فيه تجريان.

و حيث صارت الوديعة مضمونة على المستودع بأحد أسباب الضمان من إخراجها من الحرز أو غير ذلك مما مرّ لا يبرأ الودعي عن الضمان بردّها إلى الحرز حيث كان الإخراج منه سبباً،و في حكمه ترك الخيانة،و السبب الموجب كائناً ما كان،و إنما ذكر الردّ إلى الحرز مثلاً.

و كذا لو تلف الوديعة في يده بتعدّ أو تفريط فردّ مثلها إلى الحرز لا يبرأ،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم على اليد،و ما قالوه من أنه صار بمنزلة الغاصب بتعدّيه فيستصحب الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله.

بل لا يبرأ إلّا بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه ممن تقدّم فيبرأ حينئذٍ و لو جدّد المالك له الاستيمان بعد الردّ إجماعاً كما في التذكرة و غيره (2).

و في الحصر إشعار بعدم زوال الضمان مع عدم الردّ مطلقاً و لو استأمنه المالك ثانياً،أو أسقط عنه الضمان،و هو أحد القولين في المسألة.و الأشهر السقوط،و لا يبعد.

و لا يضمنها لو قهره عليها ظالم بلا خلاف؛ لأمانته.و ينبغي تقييده بما إذا لم يكن سبباً في الأخذ القهري،بأن يسعى بها إليه،أو

ص:427


1- التذكرة 2:198.
2- التذكرة 2:198؛ قال في المسالك 1:310:هذا لا شبهة فيه.و قال في الحدائق 21:453:لا خلاف و لا إشكال فيه عندهم.

أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنّته،و مثله ما لو أخبر بمكانها اللّص فسرقها.

و لا فرق بين أخذ القاهر لها بيده و لو من يده،و أمره له بدفعها إليه كرهاً،على الأشهر الأقوى؛ لانتفاء التفريط فيهما،فينحصر الرجوع بالغرامة على الظالم.

خلافاً للحلبي و التذكرة (1)في الثاني،فجوّزا له الرجوع على المستودع و إن استقرّ الضمان على الظالم.

و هو شاذّ،و الأصل مع نفي السبيل عن المحسن يدفعه.

لكن إن أمكنه الدفع عنها بما يوجب سلامتها وجب بلا خلاف؛ لوجوب الحفظ عليه،و لا يتم إلّا به،فيجب و لو مقدمة ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير،كالجرح و أخذ المال،فيجوز تسليمها حينئذٍ و إن قدر على تحمّله،بلا خلاف،لأنه ضرر منفي.

و المرجع في الكثرة و القلّة إلى حال الودعي،فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرة في حقّه لكونه جليلاً لا يليق نحو ذلك بحاله،و منهم من لا يعتدّ بمثله.

و أمّا أخذ المال فإن كان من مال المستودع،قيل:لم يجب بذله مطلقاً و لو لم يستوعبها؛ إذ لا ضرر و لا ضرار (2).

و فيه نظر؛ لوجوب الحفظ،و لا يتم إلّا به،فيجب،و الضرر يندفع بالرجوع بعد نيّته.

و إن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب دفعه إليه من باب

ص:428


1- الحلبي في الكافي في الفقه:230،التذكرة 2:205.
2- الروضة 4:234.

المقدمة مع المكنة.فلو ترك مع القدرة فأخذ الجميع ضمن ما يمكن فيه السلامة لا الجميع؛ لذهاب قدر المدفوع على التقديرين.

و يحتمله؛ التفاتاً إلى التفريط الموجب له،مع ظهور الفرق في الذهاب بين التقديرين بكونه بأمر الشارع على الأوّل،و بدونه على الثاني، و هو فرق واضح،و إن هي حينئذٍ إلّا كما لو فرّط فيها فتلف بغيره،و قالوا فيها بضمانها مع أنها ذاهبة على التقديرين،فتأمّل.

و إن لم يمكن الدفع عنها إلّا بأخذها أجمع فلا تقصير.

و لو أحلفه الظالم على أنها ليست عنده حلف مورّياً بما يخرجه عن الكذب،بأن يحلف ما استودع من فلان و يخصّه بوقت أو جنس أو مكان أو نحوها مغايراً لما استودعه.و إنما يجب التورية عليه مع علمه بها و تمكنه منها،و إلّا سقطت؛ لأنه كذب مستثنى للضرورة اتفاقاً فتوى و رواية (1)،ترجيحاً لأخفّ القبيحين حيث تعارضا إن قلنا بقبحه في نحو المقام أيضاً،و إلّا ارتفع الإشكال من أصله؛ لفقد التعارض.

و يجب على المستودع إعادتها إلى المالك بمعنى رفع يده عنها و التخلية بين المالك و بينها مع المطالبة بلا خلاف،بل عليه الإجماع؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الكتاب (2)و السنة،فمنها زيادة على ما مضى بعض المعتبرة:عن رجل استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة،و الرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئاً،و المودِع رجل خارجي

ص:429


1- الكافي 7:6/435،التهذيب 8:1037/283،الوسائل 23:201 أبواب الأيمان ب 3 ح 1.
2- النساء:58.

شيطان،فلم أدع شيئاً؟فقال:« قل له:يردّه عليه،فإنه ائتمنه عليه بأمانة اللّه تعالى» (1).

و مقتضى صريحه كغيره و إطلاق العبارة كغيرها من النص و الفتوى عدم الفرق في المودِع بين المسلم و الكافر.

خلافاً للحلبي (2)في الحربي،حيث أوجب الردّ في وديعته إلى سلطان الإسلام.

و هو شاذّ،و ربما انعقد بعده على خلافه الإجماع.

قالوا (3):و يجب الردّ فوراً مع الإمكان؛ و لعلّ الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه،و مطالبة الردّ تقتضي انقطاعه،فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الردّ،فلا وجه لتأمّل بعض من عاصرناه في الفور (4).

نعم،له وجه حيث ينضمّ إلى المطالبة من عرف أو عادة ما يدلّ على التوسعة و بقاء الإذن إلى حين الردّ متى اتّفق،و لكن الظاهر خروجه عن مفروض الجماعة.

و في جواز التأخير للإشهاد مطلقاً،أو لا كذلك،أو التفصيل بين الإيداع بالإشهاد فالأوّل و إلّا فالثاني أقوال ثلاثة.أوّلها لا يخلو عن قوّة؛

ص:430


1- الكافي 5:8/133،التهذيب 6:996/351،الوسائل 19:74 أبواب أحكام الوديعة ب 2 ح 9.
2- انظر الكافي في الفقه:231.
3- منهم:العلّامة في التذكرة 2:205،و الشهيد الثاني في المسالك 1:307 و الروضة 4:241،و السبزواري في الكفاية:133.
4- الحدائق 21:427.

دفعاً للضرر و التهمة،لكن يجب المبادرة إلى الإشهاد.

و لو كانت الوديعة غصباً منعه أو وارثه من أخذها و توصّل في وصولها إلى المستحق لها إن عرف.

و لو جهله عرّفها كاللقطة حولاً،فإن وجده،و إلّا تصدّق بها عن المالك إن شاء،و يضمن إن لم يرض على المشهور؛ للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص مالاً أو متاعاً و اللصّ مسلم،هل يردّ عليه؟قال:« لا يردّه،فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل،و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاً،فإن أصاب صاحبها ردّها عليه،و إلّا تصدّق بها،فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم،فإن اختار الأجر فله،و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (1).

خلافاً للحلبي و الحلّي (2)،فأوجبا ردّها إلى إمام المسلمين،و مع التعذّر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق، قوّاه في المختلف (3)،معلّلاً بأنه أحوط،و التفاتاً إلى ضعف الخبر.و في الثاني ما مرّ،و في الأوّل نظر.

و للمفيد و الديلمي (4)،فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدّق و لم يذكرا التعريف.

ص:431


1- الكافي 5:21/308،الفقيه 3:856/190،التهذيب 6:1191/396،الاستبصار 3:440/124،المقنع:128،الوسائل 25:463 أبواب اللقطة ب 18 ح 1.
2- الكافي في الفقه:231،السرائر 2:436.
3- المختلف:444.
4- المفيد في المقنعة:627،الديلمي في المراسم:194.

و للفاضل في الإرشاد و تبعه الشهيد الثاني (1)،فخيّرا بين الصدقة بها بعد اليأس و التعريف مع الضمان،و إبقائها أمانة.

و له لولا ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر وجه،كما في كلّ مال مجهول المالك،فقد دلّت الأخبار بأن حكمها ذلك،لكنها خالية عن الضمان،بل ظاهرها عدمه.

ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه يجب ردّه عليه فقط،أو لا،بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب عليه الإيصاء،ثم على الورثة كذلك؟فيه وجهان،و الأوّل بالأصل أنسب.

ثم إن ظاهر التشبيه باللقطة في الرواية يقتضي جواز التملك بعد التعريف،و لم يذكره أحد في المسألة.

و إنما يجب منع الغاصب مع إمكانه،و إلّا سلّمها إليه،و في الضمان إشكال،و الأقرب العدم.

و لو كانت الوديعة المغصوبة مختلطة بمال المودع ردّها عليه إن لم يتميّز إجماعاً،كما في الغنية و عن الحلّي (2)،و نسبه فخر الدين إلى الأصحاب كافّة (3)و لولاه لكان الحكم على إطلاقه محل ريبة؛ لاستلزام الردّ تسليط الغاصب على مال غيره بغير حق،و هو غير جائز أيضاً.

و الأوفق بالقواعد هو ما ذكره في المسالك (4)من أن الأقوى ردّه على الحاكم مع إمكانه ليقسّمه و يردّ على الغاصب ماله.و مع تعذّره يحتمل قويا

ص:432


1- الإرشاد 1:438،الشهيد الثاني في المسالك 1:307.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):600،الحلي في السرائر 2:436.
3- إيضاح الفوائد 2:122.
4- المسالك 1:307.

جواز تولّي الودعي القسمة ان كان مثليّا و قدر حق الغاصب معلوماً؛ جمعاً بين الحقين.و القسمة هنا إجبارية؛ للضرورة،تنزيلاً للودعي منزلة المالك حيث قد تعلّق بضمانه،و للحسبة.

و لو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلاً ففيه إشكال،و حينئذٍ يتوجّه ما أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع على الحق.

و يحتمل عدم جواز الردّ مطلقاً مع إمكانه إلى أن يعترف الغاصب بقدر معيّن أو يقاسم؛ لاستحالة ترجيح حقّه على حق المغصوب منه مع تعلّق الودعي بالحقين.

و إذا اختلفا فادّعى الودعي التلف و أنكره المالك أو اتّفقا عليه و لكن ادّعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه بلا خلاف في الأخير إلّا من حيث لزوم اليمين،فيأتي فيه خلاف من أنكره في الأوّل؛ لعموم دليله،و لكن المشهور خلافه،لعموم:« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» (1).

و على الأشهر الأظهر في الأوّل مطلقاً،أطلق التلف أو ادّعاه بأمر خفيّ أو ظاهر،بل عن التذكرة (2)الإجماع عليه و على لزوم اليمين.

خلافاً للمبسوط (3)في دعوى التلف بأمر ظاهر،فلم يقبل قوله حينئذٍ إلّا ببيّنة؛ لإمكان إقامتها.

ص:433


1- علل الشرائع:1/190،الاحتجاج:90،تفسير القمي 2:155،الوسائل 27:293 أبواب كيفية الحكم ب 25 ح 3.
2- التذكرة 2:206.
3- المبسوط 4:141.

و هو شاذّ،و مستنده غير واضح،و عموم البينة على المدّعى و إن ساعده إلّا أنه لا اختصاص له بالفرد الذي ذكره،بل يجري في الفردين اللذين تقدما،و الحال أنه لم يلتزمه.

و للمقنع،فقدّم قوله مطلقاً من دون يمين كذلك؛ لما رواه مرسلاً عن مولانا الصادق عليه السلام،أنه سئل عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال:« نعم،و لا يمين عليه» (1)و نسبه في الفقيه إلى مشايخه (2).و هو مشعر بشهرة ذلك في الزمن الأوّل،و ربما اعتضد بالنصوص الناهية عن اتّهام المستأمن و لا ينفك الإحلاف عنه؛ مضافاً إلى الأصل النافي للزومه.

لكن الإجماع المتقدم الذي هو في حكم خبر صحيح معتضد بالشهرة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً أوهن المصير إليه،مع عدم وضوح سند الأحاديث الدالّة عليه،و معارضتها بمفهوم المرسلة المروية في الغنية قال بعد الحكم بما في العبارة في الصورة الثانية-:و روى أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب (3).و بمضمونها في المسألة أفتى الإسكافي و الحلبي كما حكي (4).

لكنها في ضعف السند كما مرّ،فليس عليهما المعتمد و المعوّل،بل العمل على الأوّل،فإنه أظهر و أحوط.

و لو اختلفا في مال هو في يد المستودع و لو بإقراره أنه هل هو وديعة عنده أو دين عليه فالقول قول المالك بيمينه على أنه

ص:434


1- لم نعثر عليه في المقنع المطبوع،و لكن أورده عنه في الوسائل 19:80 أبواب الوديعة ب 4 ح 7.
2- الفقيه 3:194.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):600.
4- حكاه عنهما في المختلف:444،و هو في الكافي في الفقه:231.

لم يودع بلا خلاف؛ عملاً بعموم على اليد الموجب لضمان ما أخذته، خرجت عنه الأمانة حيث تكون معلومة بالإجماع فتوى و رواية،و بقي الباقي يشمله عموم الرواية.

و الموثق كالصحيح:عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل:كانت عندي وديعة،و قال الآخر:إنما كانت عليك قرضاً؟ قال:« المال لازم إلّا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (1).

و الرواية كما ترى صريحة،إلّا أنها كالعبارة مطلقاً غير مقيّدة بثبوت وقوع المال في يد المستودع،إلّا أن الإطلاق منصرف إليه بالتبادر و الغلبة، فإن الوديعة لا تكون إلّا به غالباً في العادة،و ما عداه يرجع فيه إلى أصالة براءة الذمة.

و بما ذكرناه من التقييد صرّح الحلّي،و قال بعده:و المسألة غامضة (2).

و أمارة الغموض بعد التقييد بذلك غير واضحة؛ لتظافر الأدلّة من الاعتبار و السنة بوضوح المسألة،و لعلّه لهذا ردّه الفاضل في المختلف (3)، و تبعه المقداد في التنقيح (4)،أو لدعواه التقييد المتقدم.و بيانه الفرق بين دعوى الوديعة مع الإقرار بوقوعها في يده فما ذكره،و بدونه كأن قال:

ما عندي وديعة،فالقول قوله،للأصل،و عدم المخرج عنه،فإن الإقرار بالوديعة أعم من الإقرار بالأخذ باليد الموجب للضمان المسقط لدعواه.

ص:435


1- الكافي 5:8/239،الفقيه 3:883/194،التهذيب 7:788/179،الوسائل 19:85 أبواب أحكام الوديعة ب 7 ح 1.
2- السرائر 2:437.
3- المختلف:444.
4- التنقيح الرائع 2:246.

و وجه الردّ حينئذٍ ما تقدّم من النص المطلق؛ مضافاً إلى ظهور لفظة « عندي» في الإقرار بتسليط اليد،بناءً على الغالب كما مرّ،فيحكم به بالإقرار باليد على الظاهر.و لا بأس به،وفاقاً لظاهر إطلاق الأكثر، كالإسكافي و الطوسي (1).

و يفهم من قوله: إذا تعذّر الردّ أو تلف العين أن مع عدم التعذّر القول قول الودعي.و لا ريب فيه؛ لأصالة عدم القرض،فله ردّ نفس العين،و الخبر المتقدم صريح في التلف،فلا يعمّ غيره.

و لو اختلفا في القيمة بعد الاتفاق على التلف بالتفريط فالقول قول المالك مع يمينه كما عن الشيخين و في الغنية (2)؛ لخروجه بالتفريط عن الأمانة.

و يضعف بأنه ليس مأخذ القبول حتى يقال:إنه خرج عن الأمانة،بل لأنه منكر للزيادة فيشمله عموم الرواية:« البينة على المدّعى و اليمين على من أنكر» (3).

و لذا قيل: كما عن الحلبي و الحلّي و ابن حمزة (4)إن القول قول المستودع و هو أشبه و أشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر، و الرواية (5)المدّعاة على الأوّل مرسلة خارجة بذلك،مع عدم جابر لها

ص:436


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:444،الطوسي في النهاية:436.
2- المفيد في المقنعة:626،الطوسي في النهاية:436،الغنية(الجوامع الفقهية):600.
3- المتقدمة في ص:434.
4- الحلبي في الكافي:231،الحلي في السرائر 2:436،ابن حمزة في الوسيلة:275.
5- المتقدمة في ص:435.

بالمرّة عن الحجية.

و لو اختلفا في الردّ فأنكره المالك فالقول قول المستودع و إن كان مدّعياً بكل وجه،على المشهور،بل في المختلف في كتاب الوكالة حكى عن الحلّي الإجماع عليه (1)،و نسبه المفلح الصيمري إلى الجميع، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه و على اعتبار اليمين هنا،قال بعد الحكم:و عليه فتوى الجميع و إن استشكله بعضهم بعد الفتوى لاحتمال أن يكون القول قول المالك؛ لأنه منكر و قد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:« البينة على المدّعى و اليمين على من أنكر» و لم أجد قائلاً بهذا الاحتمال،بل الفتاوى متطابقة على أن القول قول الودعي؛ لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك،فيكون قوله مقبولاً بالردّ،و هو المعتمد.انتهى.

و يعضد الإجماع الذي ادّعاه ما مرّ في المضاربة من جواب المشهور عمن يدّعي قبول قول العامل بالردّ قياساً على المقام بأنه مع الفارق،لكونه فيه قبض المال لنفع المالك و الإحسان إليه فلا سبيل له عليه دون العامل، لعدم قبضه إيّاه كذلك،بل لنفع نفسه،فلا إحسان بالإضافة إليه (2).فلولا الإجماع لأُشير و لو في كلام بعضهم بمنع المقيس عليه،و لم يُشَر إليه في كلامٍ أصلاً،بل ظاهر الاستدلال يقتضي الوفاق على الحكم هنا،مع أن بالإجماع على قبول دعوى الرد ممن قبل الأمانة لمجرد الإحسان بالمالك صرّح في المهذب في كتاب الوكالة،و سننقل كلامه المصرّح به ثمّة (3).

و من بيان الفارق ثمّة يظهر حجة أُخرى في المسألة؛ مضافاً إلى

ص:437


1- المختلف:438،و هو في السرائر 2:87.
2- راجع ص:355.
3- المهذب البارع 3:39.

حكاية الإجماع المتقدمة،مع أن ظاهرهم الاتفاق على تقديم قوله في التلف و لو في الجملة،استناداً إلى مجرّد الأمانة،و هي جارية في المقام بلا شبهة،فكما يخصّص بها الأصل و عموم الرواية المتقدمة بالإضافة إلى تلك المسألة،فليخصّصا بها هنا لا محالة،هذا.

مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المتقدم إليها الإشارة الناهية عن رمي الأمين بالتهمة،و تكليفه بالبينة على الردّ يلزمه،لكن فيه مناقشة.

و كيف كان فلا مذهب عن هذا القول و لا مندوحة.

هذا إذا ادّعى ردّها على من ائتمنه.أما لو ادّعاه على غيره كالوارث فكغيره من الاُمناء يكلّف بالبينة؛ لأصالة عدمه و هو لم يأتمنه،فلا يكلّف تصديقه،بلا خلاف فيه،و في أن دعوى ردّها على الوكيل كدعوى ردّها على الموكّل،لأن يده كيده.

و لو مات المودع سلّمها المستودع إلى وارثه إن اتّحد،أو إلى من يقوم مقامه من وكيل أو ولي.

و إذا كان الوارث جماعة دفعها إليهم إن اتّفقوا في الأهلية، و إلّا فإلى الأهل و ولي الناقص أو إلى من يرتضونه.و لو دفعها إلى البعض بغير إذن ضمن حصص الباقين لتعدّيه فيها بدفعها إلى غير المالك.

و تجب المبادرة إلى ردّها إليهم علم الوارث بها أم لا،بلا خلاف بيننا إلّا من التذكرة (1)،ففرّق بين صورتي الجهل بها فكذلك،و العلم فلا،بل يجوز التأخير إلى المطالبة حينئذٍ.

ص:438


1- التذكرة 2:207.

و استوجهه في المسالك (1)،لكنه قال:إلّا أنه لم يتحقق به قائل منّا.

و هو ظاهر في الإجماع،و أظهر منه قوله قبل ذلك:عندنا،بعد الحكم بعدم الفرق،إلّا أنه قال بعدُ ما يعرب عن خلاف هذا الظاهر.

و الأصل في وجوب المبادرة صيرورتها بالموت أمانة شرعية؛ لاختصاص الإذن في التصرف بالمالك و قد انتقل المال منه إلى المالك الثاني و هو الوارث،و هو غير آذن،فالتصرف في ملكه بغير إذنه غير جائز تجب المبادرة إلى ردّه.

أمّا العاريّة

و أمّا العاريّة بتشديد الياء،كما عن الصحاح (2)و غيره (3)،و قد تخفّف،كما عن بعض أهل اللغة (4)،نسبة إلى العار،لأن طلبها عار،أو إلى العارة مصدر ثانٍ لأعرته إعارة كالجابة للإجابة،أو من عار إذا جاء و ذهب،لتحوّلها من يدٍ إلى أُخرى،أو من التعاور و هو التداول.

فهي شرعاً الإذن في الانتفاع بالعين تبرّعاً و الأصل فيها بعد الإجماع من الأُمة كما عن التذكرة و في المهذب (5)و غيرهما من كتب الجماعة (6)الكتاب و السنة،قال اللّه سبحانه وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى [1] (7).

ص:439


1- المسالك 1:313.
2- الصحاح 2:761.
3- النهاية 3:320.
4- كالفيروزآبادي في القاموس المحيط 2:101.
5- التذكرة 2:209،المهذب البارع 3:11.
6- كالمبسوط 4:49.
7- المائدة:2.

و قال وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ [1] (1)و هو بكما عن مجمع البحرين اسم جامع لمنافع البيت،كالقدر،و الدلو،و الملح،و الماء،و السراج،و الخمرة، و نحو ذلك مما جرت العادة بعاريته (2).

و في الخبرين:« هو القرض يقرضه،و المعروف يصنعه،و متاع البيت يعيره» (3).

و في المرسل:« نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يمنع أحد الماعون جاره، و قال:من منع الماعون جاره منعه اللّه سبحانه خيره يوم القيامة و وكّله إلى نفسه،و من وُكِّل إلى نفسه فما أسوأ حاله» (4).

و يستفاد منه و من الآيتين وجوبها،لكن ضعفه سنداً و قصورهما عن إفادة الوجوب صريحاً،مع الإجماع على عدمه ظاهراً،و اختصاص الجميع بالماعون المفسّر فيما مرّ بالأخص يوجب الحمل على تأكّد الاستحباب.

و أما السنة فزيادة على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة و العامة كادت تكون متواترة،بل متواترة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة (5).

و ليست لازمة لأحد المتعاقدين فلكل منهما فسخها متى شاء، إجماعاً كما في المسالك و غيره (6)،سواء أُطلق أو جعل لها مدة،إلّا إذا أعاره للرهن فرهن كما تقدّم،أو لدفن المسلم و من بحكمه فدفن فيه،

ص:440


1- الماعون:7.
2- مجمع البحرين 6:316.
3- الكافي 3:8/498،الوسائل 9:46 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 2.
4- الفقيه 4:/8 ضمن ح 1،الوسائل 9:51 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 12.
5- في ص:447.
6- المسالك 1:314؛ و انظر التذكرة 2:211،و التحرير 1:270.

بلا خلاف فيه،بل عليه الإجماع عن التذكرة (1)؛ لاستلزامه النبش المحرّم و هتك الحرمة،إلّا إذا صار ميماً.

و لو رجع قبل الدفن جاز و إن كان الميت قد وضع،على الأقوى؛ للأصل،و اختصاص دليل المنع من الاعتبار و الإجماع بغير الفرض.

و مئونة الحفر لازمة لولي الميت؛ لقدومه على ذلك،إلّا ان يتعذّر عليه غيره مما لا يزيد عنه عوضه،فيقوى كونه من مال الميت؛ لعدم التقصير،وفاقاً للمسالك و الروضة (2).

خلافاً للمحكي عن التذكرة،فأطلق الغرامة على الحفر (3).

و لا يلزم وليه طمّه؛ للإذن فيه من المعير.

أو حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك،كما لو أعار لوحاً ليرقع به السفينة فرقع ثم لجج في البحر و لم يمكن الخروج بها إلى الشاطئ و لا الإصلاح مع النزع من غير ضرر.

خلافاً للشهيد الثاني (4)،فجوّزه و قال بثبوت المثل أو القيمة مع تعذّره؛ لما في ذلك من الجمع بين المصلحتين.

و هو قوي إن لم يكن إجبار ربّ السفينة على بذل البدل يوجب الضرر عليه،و إلّا فعدم الرجوع لعلّه حينئذٍ أقرب،إلّا أن يقال بجوازه و عدم وجوب تعجيل التسليم حينئذٍ إلى أن يزول الضرر،و لا بأس به.

و تظهر الفائدة في وجوب المبادرة بالرّد بعد زوال الضرر من غير

ص:441


1- التذكرة 2:211.
2- المسالك 1:314،الروضة 4:258.
3- التذكرة 2:211.
4- كما في المسالك 1:314.

مطالبة جديدة و لا كذلك لو لم يرجع،فإنه لا تجب المبادرة به إلّا بعد المطالبة.

أو أعار حائطاً ليضع أطراف خشبه عليه و كان طرفه الآخر في ملكه، عند الطوسي (1)؛ لأدائه إلى قلع جذوعه جبراً من ملكه.

أو أرضاً للزرع و لم يدرك بعد،عنده و عند الحلّي (2)؛ لإقدامه أوّلاً على إبقائه المدّة.

أو للبناء و الغرس مدّة معلومة،عند الإسكافي (3)و أكثر المتأخّرين، بل لعلّه عليه عامّتهم،على جواز مطالبة المعير بالإزالة في هذه الثلاثة مع الأرش و هو تفاوت ما بين كونه منزوعاً و ثابتاً.

و هو قوي؛ لبناء العارية على الجواز إلّا ما خرج بدليل و هو في الفرض مفقود.

و حديث نفي الضرر بين المعير و المستعير مشترك فيسقط اعتباره؛ للتعارض،و يرجع إلى الأصل الدال على ثبوت السلطنة لكل مالك على ملكه،مع إمكان الجمع بين الحقين بدفع المعير الأرش الموجب لدفع الضررين.

و ليس له الإزالة حيث جازت له بنفسه؛ لاستلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه.و لا قبل دفع الأرش؛ لاحتمال الضرر بتعذّر الرجوع عليه بإفلاس و نحوه فيضيع حق المستعير.

و يشترط فيها ما يدل على الإيجاب و القبول و إن لم يكن لفظاً،

ص:442


1- المبسوط 3:56.
2- الطوسي في المبسوط 3:56،الحلي في السرائر 2:433.
3- كما نقله عنه في المختلف:448.

كما لو فرش لضيفه فراشاً فجلس عليه،و كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها،وفاقاً لجماعة (1)؛ لجريان العادة بمثله.

و منهم من اشترط لفظاً كما في نظائره.

و هو أوفق بالأصل الدالّ على حرمة التصرف في مال الغير بغير القطع بإذنه حيث لا يحصل من جهة الفعل،إلّا أن العادة في نحو الأمثلة المذكورة ربما أفادت القطع به.و لا شبهة مع الإفادة،و لا دليل على اعتبار اللفظ في هذه الصورة بعد أن العارية من العقود الجائزة.و مع عدمها فيحلّ إشكال و إن أفادت المظنّة؛ حيث لا دليل على اعتبارها و تخصيص الأصل بها في نحو المسألة.

و من هنا ينقدح وجه القدح فيما حكي عن التذكرة (2)من الاكتفاء بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه إن لم يقيّد بكون منفعته مما يتناوله الإذن الوارد في الآية (3)بجواز الأكل من بيته بمفهوم الموافقة.

و لا كذلك لو قيّد به؛ لاستناد الرخصة في المقيد حقيقة إلى الآية لا إلى نفس حسن المظنّة.

و منه يظهر جواز تعدية الجواز إلى الأرحام الذين تناولتهم الآية في الصورة المذكورة.

و في المعير المالكية و لو للمنفعة خاصّة،فلا يجوز للغاصب الإعارة،و في معناه المستأجر الذي اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه،

ص:443


1- منهم:العلّامة في التذكرة 2:211،و الشهيد الثاني في الروضة 4:255،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:166.
2- التذكرة 2:211.
3- النور:31.

فلا تجوز له كالأوّل إلّا مع إذن المالك،فيجوز حينئذٍ بلا شبهة.

و كمال العقل بالبلوغ و عدم الجنون جواز التصرف في المال برفع الحجر عنه فيه،فلا تجوز إعارة فاقدي الشرائط كالصبي و المجنون و السفيه و نحوهم إلّا بإذن الولي بالإعارة لمالهم أو ماله؛ لأن المعتبر إذن الولي،و هو المعير في الحقيقة حيث حصل منه الرخصة،و لا كذلك الحكم في إذنه للمجنون و الصبي في إيقاع نحو البيع مما يشترط فيه الألفاظ المعتبرة و لا يكتفي فيه بإذن الولي خاصة؛ لعدم الاعتبار بعبارتهما و إن كانت بإذن الولي مقرونة.

و بالجملة الضابط في تحقق البيع و نحوه من العقود اللازمة هو العبارات المعتبرة دون الإذن خاصة،و لا كذلك العارية؛ فإن الضابط في تحققها مجرّد الإذن بها و لو خلا عن العبارة بالكلية كما مرّ إليه الإشارة، فحيث حصل ممن له الأهلية بنحو من المالكية أو الولاية تحقّقت بلا شبهة،فمناقشة البعض في الفرق واهية.

هذا إذا علم المستعير بإذن الولي،و إلّا لم يقبل قول الصبي في حقه إلّا أن تنضمّ إليه قرينة هي للظن المتاخم للعلم به مفيدة،كما إذا طالبها من الولي فجاء بها الصبي مثلاً و أخبر أنه أرسله بها،و نحو ذلك،كما يقبل قوله في الهدية و الإذن في دخول الدار بالقرينة.

و لا بُدّ مع إذن الولي لهما في إعارة مالهما من وجود المصلحة،بأن تكون يد المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت،أو لانتفاع الصبي بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله،أو تكون العين ينفعها الاستعمال و يضرّها الإهمال،و نحو ذلك و للمستعير الانتفاع بالعين المعارة حيث يطلق له بما جرت به العادة نوعاً و قدراً و مكاناً و زماناً،و لا يجوز التعدي عن شيء من ذلك

ص:444

بعد ثبوته فيها؛ للأصل،و انصراف الإذن الذي هو الأصل في حلّ الانتفاع إلى ما تعارف فيها كالفرش في البساط،و التغطّي في اللحاف،و نحو ذلك، و هذا مع وحدة الوجه في الانتفاع المتعارف في العين المعارة واضح،و كذا مع التعدد و تعيين المعير وجهاً منها مع النهي عن غيره،فلا يجوز التعدي إليه مطلقاً،بلا خلاف،و كذا مع عدم النهي إذا كان المتعدّى إليه أضرّ،و أما إلى المساوي و الأقل ضرراً فقولان،و سيأتي تمام الكلام (1).

و لا يضمن التلف المستعير و لا النقصان لو اتّفق كلّ منهما بالانتفاع المأذون فيه؛ لاستناده إلى السبب المأذون فيه.

و قيل بضمان المتلف،كما عن التقي (2)؛ لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفاً.

و لا ريب فيه مع عدم تحقق التناول،و أما مع التحقق فالأوّل أجود، و لعلّه محل الفرض كما يظهر من التعليل المتقدم،و لكنه لم يثبت إلّا بلفظ صريح،و في ثبوته بالإطلاق إشكال،لعدم الانصراف إلّا إلى غير المتلف إلّا مع القرينة المصرّحة من عرف أو عادة فلا يضمن،كما لو أذن له باستعماله باللفظ الصريح.

بل لا يضمن مطلقاً،و لو تلف بدون الاستعمال إلّا مع تفريط، أو عدوان،أو اشتراط للضمان مع التلف و لو بدونهما،بلا خلاف في شيء من ذلك إلّا من الإسكافي في الحيوان،فحكم على الإطلاق بالضمان (3).

ص:445


1- في ص:454.
2- انظر الكافي في الفقه:329.
3- كما حكاه عنه في المختلف:446.

و الأصل في عدم الضمان حيث لم يكن فيه شيء من المستثنيات بعد الإجماع الدالّ على أمانته،كما في المهذب و المسالك و غيرهما (1)الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح،في أحدها:« ليس على مستعير عارية ضمان،و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» (2).

و في الثاني:« لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً» (3).

و في الثالث:عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق،قال:

فقال:« إذا كان أميناً فلا غرم» (4).

و الخبر الوارد بخلافها في الحيوان (5)مع قصور سنده شاذّ و إن قال به الإسكافي،و التقييد بأحد المستثنيات محتمل،و بخصوص الصحيح المرتضوي:« قضى علي عليه السلام في رجل أعار جارية فهلكت من عنده و لم يبغها غائلة أن لا يغرمها المعار» (6)الخبر معارض.

ص:446


1- المهذب البارع 3:11،المسالك 1:317؛ و انظر المفاتيح 3:168.
2- التهذيب 7:798/182،الإستبصار 3:441/124،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 6.
3- الكافي 5:5/239،التهذيب 7:801/182،الإستبصار 3:443/124،الوسائل 19:92 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 3.
4- التهذيب 7:799/182،الإستبصار 3:442/124،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 7.
5- الكافي 5:2/302،التهذيب 7:814/185،الإستبصار 3:445/125،الوسائل 19:94 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 11.
6- التهذيب 7:800/182،الإستبصار 3:447/125،الوسائل 19:93 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 9.

و في الضمان مع أحد الأوّلين الإجماع في الغنية و التنقيح (1)، و حديث على اليد (2)،و مفهوم النصوص المتقدمة المشترطة في انتفاء الغرامة عنه الأمانة،و هي مع أحدهما منتفية؛ لكونه خيانة بلا شبهة فيه.

و فيه مع الثالث الإجماع في الغنية و المسالك و غيرهما (3)،و المعتبرة المستفيضة منها الصحاح،في أحدها:« إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلّا أن يكون قد اشترط عليه (4)» و نحوه الثاني (5).

و في الثالث:« جميع ما استعرت فاشترط عليك يلزمك،و الذهب و الفضة لازم لك و إن لم يشترط عليك» (6).

و قوله: إلّا أن تكون العين المعارة استثناء من قوله:لا يضمن، أي لو كانت ذهباً أو فضة فالضمان يلزم على أيّ حال و إن لم يشترط الضمان بل أطلق و لم يتعدّ فيهما و لم يفرّط،بلا خلاف فيهما في الجملة،بل عليه الإجماع في المسالك و الغنية (7)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،منها زيادة على ما مرّ الصحيح

ص:447


1- الغنية(الجوامع الفقهية):598،التنقيح الرائع 2:249.
2- عوالي اللئلئ 1:22/389،مسند أحمد 5:8،مستدرك الحاكم 2:47،سنن ابن ماجة 2:2400/802.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):598،المسالك 1:317؛ و انظر المفاتيح 3:168 و الحدائق 21:506.
4- الكافي 5:1/238،التهذيب 7:805/183،الإستبصار 3:449/126،الوسائل 19:91 أبواب أحكام العارية ب 1 ح 1.
5- المقنع:130،المستدرك 14:25 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 1.
6- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:806/183،الإستبصار 3:450/126،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 2.
7- المسالك 1:317،الغنية(الجوامع الفقهية):598.

« لا تضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً،إلّا الدنانير فإنها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضماناً» (1).

و الحسن كالصحيح:« ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها،إلّا الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط» (2).

و الخبر:« العارية ليس على مستعيرها ضمان،إلّا ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا» (3).

و إطلاقه كالعبارة و نحوها يقتضي انسحاب الضمان في مطلقهما و لو كانا مصوغين لا نقدين،و به أفتى جماعة (4).

خلافاً لآخرين (5)فخصّوه بالنقدين.و لعله أظهر؛ للأصل،و ظهور الحصر فيهما من الخبرين الأوّلين المعتضدين بإطلاق الأخبار المتقدمة النافية للضمان عن مطلق العارية.و لا يعارضهما الخبر الأخير و نحوه الصحيح المتقدم المتضمن لمطلق الذهب و الفضة؛ لضعفهما عن المقاومة لهما بحسب السند،و الاعتضاد بما مرّ؛ مضافاً إلى الأصل،و النصوص الدالّة على انتفاء الضمان عن اليد حيث كانت مؤتمنة بعنوان الكلية،فالإعراض عنهما أجدر.

ص:448


1- الكافي 5:2/238،التهذيب 7:804/183 و فيه عن ابن مسكان،الإستبصار 3:448/126،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 1.
2- التهذيب 7:808/184،الوسائل 19:96 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 3.
3- الفقيه 3:874/192،التهذيب 7:807/183،الوسائل 19:97 أبواب أحكام العارية ب 3 ح 4.
4- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 6:80،و الشهيد الثاني في الروضة 4:264،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:373.
5- منهم:فخر المحققين في الإيضاح 2:130،و السبزواري في الكفاية:135.

مع إمكان الجمع بينهما و بين الأوّلين بتقييدهما بهما،و إن أمكن العكس؛ لكون التعارض بينهما تعارض العموم من وجه،كما ذكره بعض الأصحاب فقال:وقع التعارض بين المستثنى منه في خبر الدنانير و الدراهم،و حاصله لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير،و بين المستثنى في خبر الذهب و الفضة و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه (1)يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر،فإن خصّص الأوّل بالثاني كان الحاصل:

لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير إلّا أن يكون ذهباً أو فضة،و إن خصّص الثاني بالأوّل كان الحاصل:كلّ من الذهب و الفضة مضمونان إلّا أن يكون غير الدراهم و الدنانير (2).انتهى.

و حينئذٍ فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت و هو حصول الضمان في الدنانير و الدراهم،فلا بُدّ من استثناء هذا الحكم من عموم النصوص الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية و تبقى في غير النقدين عن المعارض سليمة،فإذاً المتجه عدم الضمان فيما عداهما من مطلق الذهب و الفضة.

ص:449


1- فمادّة التصادق هو من الذهب و الفضّة غير النقدين،فيدلّ الأوّل على عدم الضمان فيه و الثاني على الضمان،و مادة تفارق الأوّل عن الثاني هو نحو الثوب،و مادة تفارق الثاني عن الأوّل النقدان،و لا إشكال في مادة التفارق؛ لإمكان الجمع بين المتعارضين فيهما،فيعمل في المادة الأُولى بما دل على نفي الضمان فيها،و في الثانية بما دل على ثبوت الضمان فيها،و إنما الإشكال في مادة التصادق و هو الذهب و الفضة غير النقدين،فيمكن فيها العمل بما دل على نفي الضمان فيه،و يمكن العكس،و لكن الأوّل أظهر؛ لما ظهر في المتن من أوفقيته بالأصل و الأخبار الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية و في مطلق الأمين،[و]لا يمكن ترجيح الثاني بعموم اليد؛ لأنه مخصص بإطلاقات تلك الأخبار،فلا يمكن العمل عليه بعمومه(منه رحمه اللّه).
2- الكفاية:135.

ثم إن ضمانهما يسقط باشتراط سقوطه،بلا خلاف؛ للصحيح:

« جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه،إلّا الذهب و الفضة فإنهما يلزمان،إلّا أن يشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه» (1)الخبر.

و لو استعار من الغاصب مع العلم بالغصب ضمن كلا من المنفعة و العين مع التلف مطلقاً،و لو لم تكن عاريتها عارية مضمونة.

و كذا لو كان جاهلاً،لكن استقرار الضمان هنا على الغاصب، إلّا إذا كانت مضمونة فيضمن العين خاصة.

و للمالك في المقامين إلزام أيّهما شاء بالعين التالفة و ما استوفاه من المنفعة،فإن ألزم المستعير كان له أن يرجع هو على المعير بما يغرم مع جهلة؛ لأنّه أذن في استيفائها بغير عوض عنها و عن العين لو تلفت.و لا كذلك مع علمه؛ لاستقرار الضمان عليه بسببه فليس له الرجوع بما غرمه.و إن ألزم الغاصب لم يرجع على المستعير،إلّا مع علمه أو كون العين مضمونة فيرجع عليه فيهما؛ لاستقرار الضمان عليه في الأوّل، و إقدامه في الثاني على الضمان مع صحة العارية فكذا عليه الضمان مع الفساد؛ للقاعدة الكلية أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده،لكن هذا لا يوجب إلّا ضمان العين دون المنفعة،فإنها ليست بمضمونة بالكلية و لو في الذهب و الفضة،بل المضمون فيهما هو العين خاصة.

و لا خلاف في شيء من ذلك فيما أجده إلّا من الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (2)،فلم يجوّزا رجوع المالك إلى المستعير مع جهله؛

ص:450


1- الكافي 5:3/238،التهذيب 7:806/183،الإستبصار 3:450/126،الوسائل 19:96 أبواب العارية ب 3 ح 2.
2- الشرائع 2:172،القواعد 1:193.

لضعف مباشرته بغروره و السبب الغارّ أقوى.

و المشهور الأوّل؛ لما تقرّر في كلامهم من أن كل من ترتّبت يده على المغصوب فإن يده يد ضمان،عالماً كان أو جاهلاً،و لعله لعموم على اليد، و هو أقوى.

و في الموثق و المرسل:« إذا استعيرتْ عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن» (1).

و هما على إطلاقهما شاذّان إن نزّلا على مفروض المسألة،و إن حملا على ظاهرهما من كون المستعير هو الغاصب فلا كلام فيهما.

و من نادر و إطلاق العبارة هنا و في الشرائع في عدم رجوع المستعير على المعير بما غرم مع الجهل إذا كانت العارية مضمونة،فجوّزه هنا أيضاً؛ بناءً على أن استحقاق العين أوجب فساد العارية فلا تكون عليه مضمونة.

و يضعّف بأن غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان؛ لأنه ليس من حيث الغصب،بل من حيث كونها عارية مضمونة و دخوله على ذلك،فإذا تبيّن فسادها لحقها حكم الفاسد بالصحيح،كما سلف من القاعدة.

و اعلم أن ضابط العين المعارة هو كلّ ما يصحّ الانتفاع به مع بقائه كالعقارات،و الدواب،و الثياب،و الأقمشة،و الأمتعة،و الصفر، و الحليّ،و نحو ذلك،فإنه الذي تصحّ إعارته دون غيره مما لا يتمّ الانتفاع به إلّا بإتلاف عينه،كالأطعمة و الأشربة،فإنه لا تجوز إعارتها؛ لأن المنفعة المطلوبة لا تحصل إلّا بإتلافها،و الإباحة لم تقع على الإتلاف.

ص:451


1- الفقيه 3:874/192،التهذيب 7:807/183،الإستبصار 3:446/125،الوسائل 19:97 أبواب أحكام العارية ب 4 ح 1.

و كذا ما لا يجوز الانتفاع به شرعاً فإنه لا تصحّ إعارته،كأواني الذهب و الفضة للأكل و الشرب فيها،و كذا كلب الصيد إن أستعير للّهو و الطرب، و الجواري للاستمتاع؛ لاستلزام الأوّل الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب و السنة،و الثاني مورد نصّ و إجماع كما يأتي في النكاح.

و لا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال إلّا في المقصود بقولهم:

لا تجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلّا بإتلافه،فإنه غير واضح إن ظهر من المعير الرضا بإتلاف العين بقوله:أعرتكه،مع القرينة،فإن المعيار في جوازه هو رضاه به و قد حصل في محل الفرض،و إن هو حينئذٍ إلّا كالهبة و الإباحة و إن عبّر عنهما بلفظ العارية،و لا مدخل للّفظ الفاسد معناه في اللغة و العرف.

نعم،حيث لا يعلم الرضا بالإتلاف إلّا به اتّجه ما ذكروه؛ لاشتراط استفادته منه بدلالته عليه و لو بالالتزام،و دلالة لفظ العارية بمجرّده على الإتلاف فاسدة؛ لعدم استنادهما إلى عرف أو لغة؛ لأن وضع العارية فيهما بحكم الوضع و التبادر إنما هو لما يتم الانتفاع به مع بقاء عينه،و لعل هذا مراد الأصحاب.

و يستثنى من مورد المنع حيث يثبت المِنحة بالكسر،و هي الشاة المعارة للانتفاع بلبنها،و قد أجمعوا عليه كما في المسالك و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ و هو الحجة دون الرواية (2)،لضعفها.ثم

ص:452


1- المسالك 1:315،التذكرة 2:210،و انظر مجمع الفائدة 10:368،و مفاتيح الشرائع 3:167.
2- عوالي اللئلئ 3:241،مستدرك الوسائل 13:393 أبواب الدين و القرض ب 4 ح 4.

منهم من حمل على المجمع عليه،و منهم من عدّى الحكم إلى غير الشاة من الأنعام،و إلى غير اللبن من الصوف و الشعر.و الأوّل أظهر،و لعلّه مختار الأكثر؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

و يجب أن يقتصر المستعير في الانتفاع على ما يؤذن له منه،فلو عيّن له جهة لم يتجاوزها و لو إلى المساوي و الأدون عند جماعة (1)؛ عملاً بمقتضى التعيين،و اقتصاراً على المأذون.

خلافاً لآخرين (2)،فجوّزوا التخطّي إليهما،و ظاهر التذكرة (3)القائل به عدم الخلاف فيه كما حكي،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فلا ريب في ضعفه في المساوي؛ لضعف دليله،إذ ليس إلّا القياس،و هو باطل.

نعم،لا يبعد المصير إليه في الثاني؛ لما مرّ في الوديعة (4)،و ما يقال عليه من منع الأولوية لاختلاف الغرض في ذلك مرّ جوابه ثمة.

نعم،لو علم إرادة الخصوصيّة من التعيين توجّه المنع،كما لو نهاه عن غير المعيّن مطلقاً،بلا خلاف.

و حيث يتعيّن المعيّن فتعدّى إلى غيره ضمن العين و لزمه الأُجرة لمجموع ما فعل،من غير أن يسقط عنه ما قابل المأذون،على الأصح؛ لكونه تصرفاً بغير إذن المالك فيوجب الأُجرة،و القدر المأذون فيه لم يفعله

ص:453


1- منهم:المحقق في الشرائع 2:172،و الشهيد الثاني في الروضة 4:260،و المسالك 1:315،و السبزواري في الكفاية:135،و صاحب الحدائق 21:493.
2- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهيّة):598،و العلّامة في التحرير 1:269،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 10:364.
3- التذكرة 2:210.
4- راجع ص:415.

فلا معنى لإسقاط قدره.

نعم،لو كان المأذون فيه داخلاً في ضمن المنهي عنه كما لو أذن له في تحميل الدابة قدراً معيّناً فتجاوزه،أو في ركوبه بنفسه فأردف غيره تعيّن إسقاط قدر المأذون؛ لأنه بعض ما استوفى من المنفعة و إن ضمن الدابة أجمع لتعدّيه.

و لو اختلفا في التلف أو التفريط فالقول فيهما قول المستعير مع يمينه بلا خلاف في أصل القبول في الأوّل؛ لأنه أمين فيقبل قوله فيه كغيره،سواء ادّعاه بأمر ظاهر أو خفي.و كذا في الثاني،وفاقاً للطوسي و التقي و ابن حمزة و القاضي و الحلي (1)و عامة المتأخرين،بل في ظاهر الغنية (2)الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،فإنه منكر فعليه اليمين مع عدم البينة.

خلافاً للمفيد و الديلمي (3)،فقول المالك.و لا وجه له.

و لو اختلفا في الرد فادّعاه المستعير فالقول قول المعير بلا خلاف فيما أعلم؛ لأصالة العدم،و قد قبضه لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه،بخلاف الودعي؛ لأن قبضه لمصلحة المالك و الإحسان إليه خاصّة،كما مرّ في الوديعة (4).و معنى عدم قبول قوله فيه الحكم بضمانه

ص:454


1- الطوسي في النهاية:438،التقي في الكافي في الفقه:329،ابن حمزة في الوسيلة:276،حكاه عن القاضي في المختلف:446،الحلي في السرائر 2:430.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):598.
3- المفيد في المقنعة:630،الديلمي في المراسم:194.
4- راجع ص:438.

المثل أو القيمة حيث يتعذر العين،لا الحكم بالعين مطلقاً؛ للزومه إيداعه الحبس مخلّداً.

و لو اختلفا في القيمة بعد اتفاقهما على التلف بالتفريط فقولان يستندان إلى ما مرّ في الوديعة (1) أشبههما ما مضى ثمّة من أن القول قول المستعير الغارم مع يمينه وفاقاً للحلّي و أكثر المتأخرين (2).

خلافاً لآخرين،كالشيخين و التقي و القاضي و ابني حمزة و زهرة في الغنية (3)،مدّعياً فيها هنا إجماع الإمامية،فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،بل كاد أن يكون على خلافه الإجماع الآن كان المصير إلى الأوّل متعيناً.

و اعلم أن اعتبار اليمين هاهنا بأقسامه هو المشهور،بل لا خلاف فيه فيما أعلم،و يأتي احتمال الخلاف فيه مما في الوديعة قد تقدم (4).

و لو استعار للانتفاع و رهن المستعار من غير إذن المالك بالرهن انتزع المالك العين لتسلّطه على ماله،مع عدم صدور شيء منه يوجب رفع سلطنته سوى الإعارة للانتفاع،و هي غير الإذن بالرهانة و رجع المرتهن بماله على الراهن حيث أُخذت منه العين،بل مطلقاً؛ لعدم الاستيثاق بما لمالكه الرجوع فيه متى شاء.

ص:455


1- راجع ص:437.
2- الحلي في السرائر 2:431؛ و انظر الشرائع 2:175،و جامع المقاصد 6:93،و المسالك 1:320.
3- المفيد في المقنعة:630،الطوسي في النهاية:438،التقي في الكافي:329،حكاه عن القاضي في المختلف:446،ابن حمزة في الوسيلة:276،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):598.
4- راجع ص:437.

هذا مضافاً إلى الخبرين (1)،أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل:في رجل استعار ثوباً ثم عمد عليه فرهنه،فجاء أهل المتاع إلى متاعهم،فقال:« يأخذون متاعهم» .

ص:456


1- الكافي 5:6/239،الفقيه 3:876/193،التهذيب 7:809/184،810،الوسائل 19:98 أبواب أحكام العارية ب 5 ح 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.