ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 8

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 8/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب الجهاد

اشارة

كتاب الجهاد فعال،و هو في اللغة:إما من الجَهد بالفتح و هو التعب و المشقة،أو منه بالضم و هو الوسع و الطاقة.

و شرعاً:بذل الوسع بالنفس و المال في محاربة المشركين أو الباغين، على الوجه المخصوص.

و قيل:إنه بذلهما في إعلاء كلمة الإسلام و إقامة شعار الإيمان.و أُريد بالأول إدخال جهاد المشركين و بالثاني جهاد الباغين (1).

و يرد عليه قتال الكفار للأمر بالمعروف،فإنه إعلاء كلمة الإسلام،إلّا أن يراد به الإقرار بالشهادة.

و قد يطلق على جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم و أخذ(مالهم) (2)أو ما أشبهه و إن قلّ.

ص:7


1- المسالك 1:148.
2- في« ك»:مال.

و جهادِ من يريد قتل نفس محترمة أو أخذ مال أو سبي حريم.

و منه جهاد الأسير بين المشركين دافعاً عن نفسه،و ربما أُطلق على هذا القسم الدفاع لا الجهاد.

و البحث هنا عن الأول و الثاني،و ذكر الثالث استطراداً،و ذكر الرابع في كتاب الحدود.

و هو من أعظم أركان الإسلام،بالكتاب و السنة و الإجماع.

قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ [1] (1).

و عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله):« فوق كل برّ (2)برّ حتى يقتل الرجل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ» (3).

و عن الفاخر:إنّ الملائكة تصلّي على المتقلّد (4)بسيفه في سبيل اللّه حتى يضعه،و من صدع رأسه في سبيل اللّه غفر اللّه له ما كان قبل ذلك من الذنب (5).

و النظر في كتاب يقع في أُمور ثلاثة:

ص:8


1- التوبة:111.
2- في« ك» و« ق»:ذي برّ كما في الوسائل.
3- التهذيب 6:209/122،الخصال:31/9،الوسائل 15:16 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 1 ح 21.
4- في« ق»:المقلد.
5- نقله عنه في الدروس 2:29.

الأول في من يجب عليه

الأول:في بيان من يجب عليه الجهاد.

و هو بالمعنى الأول فرض كفائي على كل من استكمل شروطاً سبعة بمعنى وجوبه على الجميع إلى (1)أن يقوم به منهم من فيه الكفاية،فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل الفرض المطلوب شرعاً.

و قد يتعين بأمر الإمام لأحد على الخصوص و إن قام من فيه كفاية.

و تختلف بحسب الحاجة بسبب كثرة المسلمين و قلّتهم و ضعفهم و قوتهم.

و لا يجب عيناً بلا خلاف إلّا من ابن المسيب،كما في الغنية و كنز العرفان و المنتهى (2).

و في الأولين الاستدلال عليه بالإجماع،و قوله تعالى لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى [1] (3)الآية.

و زاد الثاني قوله:و لانتفاء المسبب عند انتفاء السبب.

و ذكر فيهما في تقريب الاستدلال بالآية بما يرجع حاصله إلى أنه

ص:9


1- في« ك»:إلّا.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584،كنز العرفان 1:341،المنتهى 2:898.
3- النساء:95.

تعالى فاضل بين المجاهدين و القاعدين غير اولي الضرر و وعد كلّاً منهم الحسنى،و لو لا أن وجوبه على الكفاية لما وعد القاعدين عنه الحسنى و المثوبة،و لما كان لهم فضيلة.

و حجة المخالف غير واضحة عدا ما استدل به الثاني:من قوله(عليه السّلام):

« من مات و لم يغزو،و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق» (1)قال:و ليس بدالّ على مطلوبهم (2).و هو كذلك.

و أشار إلى الشروط بقوله: البلوغ،و العقل،و الحرية،و الذكورة، و ألّا يكون هِمّاً أي شيخاً كبيراً عاجزاً و لا مقعداً إذا عرج بالغ حدّ الإقعاد و لا أعمى و لا مريضاً أيضاً يعجز معه عنه أي عن الجهاد.

فهذه شروط ثمانية،إن جعلنا المنفي ب« لا» كلا منها شرطاً على حدة،و إلّا فخمسة بجعل الخامس السلامة عن الأُمور المذكورة،و على التقديرين فليس الشروط سبعة كما ذكره.

و كان عليه أن يذكر السلامة من الفقر الموجب للعجز عن نفقته أو نفقة عياله أو طريقه أو ثمن سلاحه و بالجملة ما يحتاج إليه في جهاده أيضاً؛ إذ لا خلاف في اشتراطها،كما لا خلاف في اشتراط البواقي أعلمه (3)و به صرّح في الغنية في الجميع (4)،و في المنتهى في البلوغ و الذكورة (5)،بل

ص:10


1- سنن أبي داود 3:10.
2- انظر كنز العرفان 1:342.
3- ليس في« ق».
4- الغنية(الجوامع الفقهية):583.
5- المنتهى 2:899.

صرّح فيهما و في الثاني و الثالث و العمى بالإجماع (1)،و ظاهره انعقاده في البواقي أيضاً حيث لم ينقل خلافاً فيها أيضاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول،و عدم عموم في أدلة الجهاد يعتدّ به يشمل فاقدي الشروط كلّاً أو بعضاً،عدا العبد فإنه داخل في العموم فيجب عليه، كما ربما يعزى إلى الإسكافي حيث لم يذكر الحرية في الشروط (2)،بل زاد فروى مرسلاً:أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السّلام)ليبايعه فقال:يا أمير المؤمنين،أبسط يدك أُبايعك على أن أدعو لك بلساني،و أنصحك بقلبي، و أُجاهد معك بيدي،فقال(عليه السّلام):« حرّ أنت أم عبد؟» فقال:عبد،فصفق (عليه السّلام)يده فبايعه (3).

و لذا جعل في المختلف اشتراط الحرية مشهوراً لا إجماعاً (4).

لكنه اختار اشتراطها مستدلاً عليه في المنتهى بالإجماع؛ و بأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يبايع الحرّ على الإسلام و الجهاد،و العبد على الإسلام دون الجهاد؛ و بأنه عبادة يتعلق بها قطع مسافة،فلا يجب على العبد كالحج (5).

و في الكتاب (6)بقوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [1] (7)مجيباً عن الرواية بحملها على الجهاد معه على تقدير الحرية أو إذن المولى أو عموم الحاجة.

ص:11


1- المنتهى 2:899.
2- المختلف 4:394.
3- المختلف 4:394،الوسائل 15:23 أبواب جهاد العدو ب 4 ح 3.
4- المختلف 4:394.
5- المنتهى 2:899.
6- أي المختلف 4:394.
7- التوبة:91.

و لا بأس بالجواب عن الرواية؛ فإنّها مع ضعف سندها غير صريحة في الجهاد معه في غير الصور المزبورة،بل غايتها إفادة الجهاد معه في الجملة،و نحن نقول به.

و لا بالاستدلال بالآية إن جعل مناط الدلالة قوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [1] فإنّه بعمومه شامل لكل من فاقدي الشروط حتى الحرية،فإنّ المملوك ضعيف عاجز،لأنه لا يقدر على شيء كما في نصّ الكتاب (1).

و يشكل إن جعل المناط قوله سبحانه وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ [2] (2)كما صرّح به في المختلف (3)و تبعه المقداد في الكنز،قال:

و العبد لا يملك شيئاً عندنا فلم يحصل في حقه الشرط (4).

و فيه نظر؛ فإنّ عدم الملكية لا يستلزم عدم الوجدان،فقد يجد بالبذل له و ليس بمالك فلا يدخل في الآية،و يجب عليه الجهاد بعموم الأدلة.

و لذا إنّ الأصحاب جعلوا الحرية شرطاً آخر غير اشتراط السلامة من الفقر (5)،و لو صحّ ما ذكراه من التلازم لأغنى اشتراط السلامة من الفقر عن اشتراط الحرية.

مع أنه موقوف على القول بعدم مالكية العبد كما هو الأشهر،و أمّا على القول بالمالكية كما هو رأي جماعة مطلقاً أو في الجملة (6)فلا

ص:12


1- ليست في« ك».
2- النحل:75.
3- المختلف 4:394.
4- كنز العرفان 1:352.
5- كالشيخ في المبسوط 2:4،و المحقق في الشرائع 1:307،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:382.
6- منهم:الشيخ في النهاية:543،و المحقق في الشرائع 2:58.

تلازم،مع أنهم اشترطوا الحرية أيضاً.

فإذاً العمدة على اشتراطها الإجماع المنقول المؤيد بعدم ظهور خلاف يعتدّ به حتى من الإسكافي؛ لعدم تصريحه بالمخالفة.

مضافاً إلى الآية المتقدمة بالتقريب الذي عرفته،و فيها الدلالة على اعتبار سائر الشروط أيضاً كما سبق إليه الإشارة؛ مضافاً إلى الأخبار النبوية المروية في المنتهى في كل من البلوغ و الذكورة و الحرية (1).

فلا يجب على الصبي مطلقاً،و لا المجنون كذلك،و لا العبد بأنواعه حتى من انعتق بعضه،و لا الكبير العاجز عن الجهاد،و لا المريض كذلك، و يجب على القادر منهما،و لا الأعمى و إن وجد قائداً،و كذا الأعرج المقعد،دون من يمكنه الركوب و المشي،فإنّه يجب عليه الجهاد و إن تعذر عليه شدّة[العدو (2)]،كما في المنتهى قال:لتمكنه منه (3).

أقول:مع عدم انصراف إطلاق الآية يرفع الحرج عنه إلى مثله.

و يتحقق العمى بذهاب البصر من العينين معاً،فيجب على الأعور و الأعشى و غيرهما.

و إنّما يجب الجهاد بالمعنى الأول على من استجمع الشروط المزبورة مع وجود الإمام العادل و هو المعصوم(عليه السّلام) أو من نصبه لذلك أي النائب الخاص و هو المنصوب للجهاد أو لما هو أعم،أما العام كالفقيه فلا يجوز له و لا معه حال الغيبة،بلا خلاف أعلمه،كما في ظاهر

ص:13


1- المنتهى 2:899.
2- في النسخ:العذر،و ما أثبتناه من المصدر.
3- المنتهى 2:899.

المنتهى و صريح الغنية (1)،إلّا من أحمد كما في الأول (2)،و ظاهرهما الإجماع.

و النصوص به من طرقنا مستفيضة بل متواترة.منها:« إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» (3)و منها:

« لا غزو إلّا مع إمام عادل» (4).

و في جملة أُخرى:« الجهاد واجب مع إمام عادل» (5).

و لا يكفي وجود الإمام،بل لا بدّ من دعائه إليه.

و على هذا الشرط فلا يجوز الجهاد مع الجائر إلّا أن يَدْهَم المسلمين من أي عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام أي أصله و مجتمعه،فيجب حينئذ بغير إذن الإمام و نائبه.

أو يكون بين قوم مشركين و يغشاهم عدو ف يجاهد حينئذ و يقصد الدفع عن الإسلام و عن نفسه في الحالين لا معاونة الجائر كما في الصحيح و غيره (6)،فيأثم و يضمن لو قصد معاونته بلا إشكال.و هل يأثم و يضمن لو جاهد بغير قصد؟قيل:نعم (7).و هو أحوط إن لم نقل بأنه أظهر.

ص:14


1- المنتهى 2:899،الغنية(الجوامع الفقهية):583.
2- المنتهى 2:899.
3- الكافي 5:3/23،التهذيب 6:226/134،الوسائل 15:45 أبواب جهاد العدو ب 12 ح 1.
4- الكافي 5:1/20،التهذيب 6:228/135،الوسائل 15:43 أبواب جهاد العدو ب 10 ح 2.
5- الخصال:607،تحف العقول:313،الوسائل 15:49 أبواب جهاد العدو ب 12 ح 9،10.
6- الوسائل 15:29 أبواب جهاد العدو ب 6.
7- المسالك 1:148.

و هل يشترط في العدو الزاحم كونه كافراً؛ كما عن الشيخ (1)،أم لا،كما عن الأكثر (2)؟قولان.

و لا يخفى أن هذا الاستثناء منقطع؛ إذ الجهاد الذي يعتبر فيه إذن الإمام و سائر الشروط إنما هو الجهاد بالمعنى الأوّل دون غيره اتفاقاً، و الجهاد المذكور بعد الاستثناء غيره.

و لذا قال في الشرائع بعده:و لا يكون جهاداً (3).و أشار به إلى أن حكم الشهيد من عدم تغسيله و تكفينه لا يلحق المقتول هنا،و كذا حكم الجهاد من تحريم الفرار و قسمة الغنيمة.نعم هو بمنزلة الشهيد في الأجر، و إطلاق الأخبار بكونه شهيداً (4)ينزل عليه.

و من عجز عن الجهاد بنفسه و قدر على الاستنابة لغيره ممن لا يجب عليه كالفقير وجبت عليه الاستنابة و عليه القيام بما يحتاج إليه النائب.

وفاقاً للشيخ و القاضي و الحلّي (5)،و عليه الفاضل المقداد في كنز العرفان (6)،و المحقق الثاني مستدلاً عليه بقوله تعالى وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ [1] (7)و أن الميسور لا يسقط بالمعسور (8).قال:و قوله سبحانه لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [2] إلى قوله وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما [3]

ص:15


1- انظر المبسوط 2:8.
2- حكاه عنهم في المسالك 1:148.
3- الشرائع 1:307.
4- انظر الوسائل 15:120،121 أبواب جهاد العدو ب 46 الأحاديث 5،8،9،10.
5- الشيخ في النهاية:289،القاضي في المهذب 1:298،الحلي في السرائر 2:3.
6- كنز العرفان 1:352.
7- التوبة:41.
8- عوالي اللئلئ 4:205/58.

يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [1] (1)محمول على نفي الحرج عن جهاده بنفسه،لكثرة الأوامر الدالة على الوجوب (2).

خلافاً للفاضلين في الشرائع و المنتهى و المختلف،و الشهيد الثاني (3)و المفلح الصيمري،فيستحب.

و لعلّه الأظهر؛ للأصل،و فقد المخصص له عدا ما مرّ،و ما في الكنز من قوله تعالى وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [2] (4)قال:ذمّهم على عدم إنفاقهم أموالهم مع القدرة عليها،و ليس ذلك مع الجهاد بالنفس و إلّا لكان إنفاقه على نفسه،فيكون لا معه،و هو المطلوب (5).

و فيهما نظر؛ فإنّ تقييد نفي الحرج بما مرّ ليس بأولى من تقييد الأمر بالجهاد بالمال بما إذا جاهد بالنفس.

و كذا يمكن تخصيص عموم الميسور بغير محل البحث،لآية نفي الحرج،كما يمكن العكس،فاختياره ليس بأولى من اختيار مقابله،و كثرة الأوامر غير موجبة للترجيح في نحو محل البحث مما التعارض فيه بين القطعيين.

و بالجملة:التعارض بين الدليلين من الطرفين تعارض الظاهرين، يمكن صرف كل إلى الآخر،و حيث لا مرجح كما في محل البحث وجب الرجوع إلى مقتضى الأصل و هو عدم الوجوب.

ص:16


1- التوبة:91.
2- جامع المقاصد 3:372.
3- الشرائع 1:308،المنتهى 2:901،المختلف:324،الشهيد الثاني في المسالك 1:149.
4- التوبة:81.
5- كنز العرفان 1:352.

و آية الذم على ترك الإنفاق ليست نصاً في صورة العجز عن الجهاد بالنفس بل و لا ظاهرة فيها،إلّا على تقدير كون الإنفاق على نفسه مع جهاده بنفسه ليس من الجهاد بالمال في سبيل اللّه تعالى.و لا ريب في ضعفه؛ إذ الإنفاق في سبيل اللّه تعالى أعمّ منه على نفسه و على غيره قطعاً لغةً و عرفاً.

هذا مع أنّ الجهاد بالمال أعمّ من الاستنابة؛ إذ يدخل فيه أيضاً إعانة المجاهدين في الخيل و السلاح و الظهر و الزاد و سدّ الثغر،كما حكي القول بوجوبها في المختلف عن الحلبي (1)،و لكن لم يقولا به.

ثم إنّ هذا إذا لم يحتج إلى الاستنابة بأن يعجز القائمون بدونها،و إلّا فتجب قولاً واحداً.

و لو استناب مع القدرة على الجهاد و وجوبه عليه جاز أيضاً عندنا بغير خلاف ظاهر،و عزاه في المنتهى إلى علمائنا (2)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،مستدلّاً عليه بالنبوي:« من جهّز غازياً كان له مثل أجره» (3)و المرتضوي:عن الإجعال للغزو،فقال:« لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل و يأخذ منه الجُعل» (4).

و فيهما لولا الإجماع نظر؛ لضعف سندهما و دلالتهما،لأنّ غاية الأخير نفي البأس عن أخذ الجُعل للنائب،و هو غير جواز الاستنابة للقادر.

و غاية الأوّل إفادة الثواب على تجهيز الغازي،و هو غير ما نحن فيه.

و ربما يستدل عليه أيضاً بأن الغرض من الواجب الكفائي المقتضي لسقوطه عمّن زاد عمّن فيه الكفاية لحصول من فيه الكفاية،تحصيله على

ص:17


1- المختلف:324.
2- المنتهى 2:900.
3- كنز العمال 4:/321 10710،مسند أحمد 4:115.
4- التهذيب 6:338/173،قرب الإسناد:464/132،الوسائل 15:33 أبواب جهاد العدو ب 8 ح 1.

المكلف بالواجب بنفسه أو بغيره (1).و لا بأس به.

و المرابطة إرصاد لحفظ الثغر و المراد به الموضع الذي يكون بأطراف بلاد الإسلام للإعلام بأحوال المشركين على تقدير هجومهم على بلاد الإسلام.

و كلّ موضع يخاف منه يقال له ثغر لغة و هي مستحبة مطلقاً و لو كان الإمام مفقوداً أي غائباً،لكن تستحب مع حضور الإمام مؤكداً و مع غيبته غير مؤكّد،كما في السرائر (2)،و المنتهى،قال: لأنها لا تتضمّن جهاداً،بل حفظاً و إعلاماً فكانت مشروعة حال الغيبة إلى أن قال -:فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه و سوّغ له القتال جاز له ذلك،و إن كان مستتراً أو لم يسوّغ له المقاتلة لم يجز له القتال ابتداءً،بل يحفظ الكفار من الدخول إلى بلاد الإسلام،و يُعلم المسلمين بأحوالهم،و إرادة دخولهم إليهم إن أرادوا ذلك و لم يبدأهم بالقتال،فإن قاتلوه جاز له قتالهم،و يقصد بذلك الدفع عن نفسه و عن الإسلام،و لا يقصد به الجهاد (3).انتهى.

و الأصل في ذلك الصحيح:جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك بلغه أنّ رجلاً يعطي سيفاً و فرساً في سبيل اللّه،فأتاه فأخذهما منه،ثم لقيه أصحابه و أخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز و أمروه بردّهما،قال:« فليفعل» قال:

قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له:قد شخص الرجل،قال:« فليرابطه و لا يقاتل» قلت:مثل قزوين و عسقلان و الديلم و ما أشبه هذه الثغور؟قال:

« نعم» قال:فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟

ص:18


1- المسالك 1:149.
2- السرائر 2:4.
3- المنتهى 2:902.

قال:« يقاتل عن بيضة الإسلام» قال:يجاهد؟قال:« لا إلّا أن يخاف على ذراري المسلمين،أ رأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم» قال:« يرابط و لا يقاتل،فإن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل،فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان؛ لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد(صلّى اللّه عليه و آله) » (1).و هو صريح في جواز المرابطة في زمان عدم بسط يد الإمام و الغيبة، لتضمنه الأمر بها حينئذ و أقلّه الجواز و إن لم نقل الاستحباب.و حيث ثبت الجواز ثبت الاستحباب؛ لفتوى أكثر الأصحاب،بناءً على التسامح في أدلّة السنن حيث لا يحتمل فيها ضرر كما هنا على ما فرضناه.

و لا ينافيه الأمر بردّ المال في صدره بناءً على أنّ الظاهر أنّ الباذل له من هؤلاء كما صرّح به في خبر آخر (2)،و مراده في سبيل اللّه الجهاد الجائز عندهم مع حُكّامهم،فلذا أُمر بالردّ،لعدم جواز الجهاد معهم عندنا،و المال لمّا كان مشروطاً به لم يبح إلّا به،و لمّا لم يجز وجب الرد،و لمّا فرض السائل عدم إمكان الرد إباحة له(عليه السّلام)بشرط الرباط بدله،فإنّه أقرب إلى مقصود الباذل من صرفه في سائر وجوه البرّ.

فما يعزى إلى الشيخ و القاضي من عدم استحباب المرابطة زمن الغيبة (3)،لا وجه له،مع أنهما أفتيا بمضمون الرواية،فلعلّهما أرادا منها ما ذكرنا في معناها،و إن زادا فذكرا لفظ المرابطة،بحملها على المرابطة الغير

ص:19


1- الكافي 5:2/21،التهذيب 6:219/125،الوسائل 15:29 أبواب جهاد العدو ب 6 ح 2.
2- قرب الإسناد:1253/345،الوسائل 15:32 أبواب جهاد العدو ب 7 ح 2.
3- كما في المنتهى 2:903،و هو في النهاية:290،و المهذب 1:303.

المشروعة التي تتضمن القتال و الجهاد مع هؤلاء الفجرة،كما هو الغالب في زمن الغيبة.

و من هنا يظهر وجه تفاوت استحبابها في زمن الحضور و الغيبة، بالتأكّد في الأول؛ لعدم الخلاف فيه حينئذ فتوى و رواية.دون الثاني؛ لوجوده فيه أو احتماله فتوى،بل و روايةً،مع أن عبارة السرائر (1)صريحة في عدم جزمه بالاستحباب بل ظاهر مساق عبارته العدم.

و من هنا يظهر ما في حكم جملة منهم بتأكد الاستحباب في الحالين (2).

و لو عجز عن المرابطة بنفسه جاز أن يربط فرسه أو غلامه هناك أي في الثغر لينتفع به المرابطون،و حاز بذلك الثواب،لإعانته على البرّ.و هو في معنى الإباحة لهما على هذا.

و ظاهر العبارة هنا،و في السرائر و التحرير و المنتهى اشتراط العجز عنها (3)،و مقتضى الدليل العموم،كما في اللمعة (4)و شرحها.و هو الأقوى.

و لو نذر المرابطة وجبت مع وجود الإمام(عليه السّلام) اتّفاقاً.

و كذا مع فقده عندنا كما في السرائر (5)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،لأنها طاعة كما مضى،و قد نذرها فيجب عليه الوفاء،لعموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالنذر كتاباً و سنةً.

ص:20


1- السرائر 2:5.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:572،و الشهيدين في اللمعة(الروضة البهية 2):385.
3- السرائر 2:5،التحرير 1:134،المنتهى 2:903.
4- اللمعة(الروضة البهية 2):386.
5- السرائر 2:4.

و كذا لو نذر أن يصرف شيئاً إلى المرابطين لإعانتهم،وجب عليه الوفاء به مطلقاً و إن لم ينذره ظاهراً و لم يخف الشنعة يتركه لعلم المخالف بالنذر و نحوه.

و لا يجوز صرف ذلك أي المنذور في غيرها أي غير المرابطة من وجوه البرّ إجماعاً مع ظهور الإمام و بسط يده،كما في المختلف (1)،و كذا مع غيبته و خوف الشنعة بتركه اتفاقاً.و في غيرهما كذلك أيضاً على الأشبه الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للحلي (2)؛ لما مرّ من عموم لزوم الوفاء بالنذر بناءً على صحته هنا كما مرّ.

و يقابل الأشبه قول الشيخ و القاضي بجواز صرفه في وجوه البرّ (3)حينئذٍ؛ للخبر:« إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته،و إلّا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ» (4).

و يضعف أوّلاً:بأنها مكاتبة،و ذلك موجب لضعفها.و ثانياً:بجهالة السائل.و ثالثاً:بمخالفة الأُصول؛ لأن النذر إن كان صحيحاً وجب الوفاء به،و إلّا كان باطلاً،لا أنه يصرف في وجوه البرّ.

أقول:و لو لا الشهرة العظيمة بين الأصحاب،المرجّحة لعموم أدلة النذر لأمكن الجواب عن جميع ذلك.

و لكن بعدها فلتطرح،أو تحمل على مرابط لا يسوغ صرف النذر إليه،كما هو الغالب زمن الغيبة،لا مطلق المرابط.أو على نذر بغير لفظ بل

ص:21


1- المختلف:324.
2- السرائر 2:5.
3- الشيخ في النهاية:291،القاضي في المهذب 1:303.
4- التهذيب 6:221/126،الوسائل 15:32 أبواب جهاد العدو ب 7 ح 1.

بمجرد نية و قصد،كما هو الغالب في نذر العوام فيما نشاهد في زماننا الآن،و ربما يشير إليه قوله(عليه السّلام):« اصرف ما نويت من ذلك» و لم يقل:

ما نذرت،فتدبّر.

و يحمل الأمر فيه بصرفه في وجوه البرّ على التقديرين على الاستحباب.

و كذا من أخذ من غيره شيئاً على وجه الجعالة أو الإجارة ليرابط له لم يجب عليه أي على الآخذ إعادته أي الشيء على ذلك الغير.

و إن وجده أي ذلك الغير جاز له المرابطة فيما إذا كان الأخذ على جهة الجعالة أو وجبت فيما إذا كان على جهة الإجارة مطلقاً و لو كان الإمام غائباً على الأشهر الأقوى؛ لنحو ما مضى في المسألة السابقة.

خلافاً للشيخ و القاضي (1)،فأوجبا عليه الردّ على باذله إجارة أو جعالة مع إمكانه و إلّا فليرابط.

و لعلّ مستندهما نحو الصحيح الماضي (2)هو مع الجواب،و لا وجه لإعادته.

ص:22


1- الشيخ في النهاية:291،القاضي في المهذب 1:303.
2- في ص:3565.

النظر الثاني في من يجب جهاده

اشارة

النظر الثاني:

في بيان من يجب جهاده و هم ثلاثة

الأول البغاة

الأول:البغاة جمع باغ،و هو من خرج على المعصوم من الأئمة (عليهم السّلام)كما يستفاد من النص و كلمات القوم.

و منها قوله: يجب قتال من خرج على إمام عادل (1) بالإجماع الظاهر المصرّح به في عبائر (2)،بعد الكتاب و السنة.

قال اللّه سبحانه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [1] (3).و في النبوي:« من أعطى إماماً صفقة يده و ثمرة قلبه فليطعه ما استطاع،فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه» (4).

ص:23


1- في المختصر المطبوع زيادة ليست في نسخ الرياض و هي: إذا دعا إليه هو أو من نصبه،و التأخر عنه كبيرة،و يسقط بقيام من فيه غنى ما لم يستنهضه الإمام على التعيين،و الفرار منه في حربهم كالفرار في حرب المشركين المختصر:110.
2- انظر الخلاف 5:335،و الغنية(الجوامع الفقهية)584.
3- الحجرات:9.
4- مسند أحمد 2:161،سنن أبي داود 4:4248/96،سنن ابن ماجه 2:3956/1306.

و في الخاصّي الصادقي(عليه السّلام)« بعث اللّه تعالى محمداً بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلّا أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [1] » إلى أن قال:« و سيف منها مكفوف،و سيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا و حكمه إلينا» إلى أن قال:

« و أما السيف المكفوف على أهل البغي و التأويل،قال اللّه تعالى» و ذكر الآية،ثم قال:« فلمّا نزلت قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل،فسئل(عليه السّلام)من هو؟قال:هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين(عليه السّلام) .فقال عمار بن ياسر:قاتلت بهذه الراية مع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثلاثاً، و هذه الرابعة،و اللّه لو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هَجَر لعلمنا أنّا على الحق و أنّهم على الباطل.

و كانت السيرة من أمير المؤمنين(عليه السّلام)ما كان من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى أهل مكّة يوم فتح مكّة،فإنّه لم يَسْبِ لهم ذرّية و قال:من أغلق بابه و ألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن،و كذلك قال أمير المؤمنين(عليه السّلام) فيهم:لا تسبوا لهم ذريّةً،و لا تتمّوا على جريح،و لا تتبعوا مدبراً،و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن» (1).

و في آخر:« القتال قتالان،قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا،و قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا» (2).

و في ثالث:« ذكرت الحرورية عند علي(عليه السّلام)،قال:إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم،و إن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم،

ص:24


1- الكافي 5:2/10،التهذيب 6:230/136،الخصال:18/274،الوسائل 15:25 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 2.
2- الخصال:83/60،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 5.

فإنّ لهم في ذلك مقالاً» (1).

و الرواية السابقة ناصّة بإرادة هذه الطائفة من الآية المتقدمة،و لذا استدلّ بها هنا جماعة كالشهيد في الدروس تبعاً للفاضل في المنتهى (2).

لكن خطّأه الفاضل المقداد في كنز العرفان،قال:فإنّ الباغي هو من خرج على الإمام العادل بتأويل باطل و حاربه،و هو عندنا كافر،لقوله(صلّى اللّه عليه و آله) لعلي(عليه السّلام)« يا علي،حربك حربي و سلمك سلمي» (3)فكيف يكون الباغي المذكور مؤمناً حتّى يكون داخلاً في الآية؟!و لا يلزم من ذكر لفظ البغي في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة المعهودين عند أهل الفقه كما قال الشافعي:ما عرفنا أحكام البغاة إلّا من فعل علي(عليه السّلام)،يريد فعله في حرب البصرة و الشام و الخوارج،من أنّه لم يتبع مدبري أهل البصرة و الخوارج و لم يجهز على جريحهم،لأنهم ليس لهم فئة،و تبع مدبري أهل الشام و أجهز على جريحهم،و لذا لم يجعلها الراوندي حجة على قتال البغاة،بل جعلها في قسم مَن يكون من المسلمين أو المؤمنين،فيقع بينهم قتال و تعدى بعض إلى بعض،فيكون البغي بمعنى التعدي فيقاتل المتعدي حتى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة اللّه و امتثال أوامره.انتهى (4).

و أجاب عنه في المنتهى بعد تخطئة من استفاد مِن الآية أن البغاة مؤمنون لأنّ اللّه تعالى سمّاهم المؤمنين،بنحو ممّا ذكره من أنّهم كفّار عندنا فقال:التسمية على سبيل المجاز بناءً على الظاهر،أو على ما كانوا عليه،

ص:25


1- علل الشرائع:71/603،الوسائل 15:80 أبواب جهاد العدو ب 26 ح 3.
2- الدروس 2:41،المنتهى 2:903.
3- أمالي الصدوق:86،كنز الفوائد 2:179،البحار 24:15/261.
4- كنز العرفان 1:386.

أو على ما يعتقدونه،كما في قوله وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ [1] (1)و هذه صفة المنافقين إجماعاً (2).انتهى.

و هو حسن و إن خالف المجاز الأصل؛ لوجوب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه،و هو الرواية السابقة و إن ضعف سندها،لاشتهارها فتوًى و روايةً حتى أنه روتها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة.

و في الظاهر الغنية و صريح المنتهى:لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة (3).بل صريح الأخير أيضاً الإجماع.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل و الكثير حتى الواحد كابن ملجم لعنه اللّه.و به صرّح في المنتهى و التذكرة كما في المسالك و استحسنه (4)،و صرّح به أيضاً في الروضة (5).

و فيه مناقشة؛ لاختصاص الأدلّة كتاباً و سنة بالكثير.

و بالجملة:كيفية قتال البغاة مثل قتال المشركين في جميع ما مرّ،بلا خلاف يظهر فيه، و للنهي أنّه يجب مصابرتهم من الصبر و هو الحبس،و المراد به حبس النفس في جهادهم بترك ما يشبهه من تركه، فيخالفها بمصابرتهم حتى يفيئوا إلى الحق،و يرجعوا إلى طاعة الإمام أو يقتلوا.

ص:26


1- الأنفال:5،6.
2- المنتهى 2:982.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:983.
4- المنتهى 2:983،التذكرة 1:454،المسالك 1:160.
5- الروضة 2:407.

و ظاهر المنتهى أنّ عليه إجماع العلماء (1)؛ للنص زيادة على ما مرّ، و فيه:« القتال قتالان:قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد و هم صاغرون،و قتال لأهل الزيغ» (2).

و في المنتهى:فإذا فاءوا حرم قتالهم؛ لقوله تعالى حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ [1] (3)تعالى،جعل غاية الإباحة لقتالهم الرّجوع إلى أمر اللّه تعالى، فيثبت التحريم بعدها.و لأنّ المقتضي لإباحة القتل هو الخروج عن طاعة الإمام،فإذا عادوا إلى الطاعة عُدِمَ المقتضي،و لا نعلم فيه خلافاً.و كذلك إن ألقوا السلاح و تركوا القتال.أما لو انهزموا فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها (4).

و إلى هذا أشار الماتن أيضاً و غيره من الأصحاب (5)من غير خلاف بقوله: و من كان له فئة يرجعون إليها كأصحاب معاوية يجهز من الإجهاز،و هو الإسراع في القتل أي يسرع و يعجل على جريحهم في القتل و أُتبع مدبرهم و مُولّيهم عن الحرب و قتل أسيرهم.

بلا خلاف يظهر فيه أيضاً و لا في أنّ من لا فئة له الخوارج اقتصر على تفريقهم فلا يذفّف بالذال المعجمة و بالمهملة،و في اخرى من ذفّ يذفّ من باب قتل:إذا جهز عليه،أي لا يسرع على جريحهم

ص:27


1- المنتهى 2:984.
2- التهذيب 4:335/114،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 3؛ بتفاوت يسير.
3- الحجرات:9.
4- المنتهى 2:984.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:205،و العلّامة في التذكرة 1:455،و الشهيد في الدروس 2:42.

في القتل و لا يتبع مدبرهم و لا يقتل أسيرهم.

و في ظاهر المنتهى الإجماع على هذا التفصيل منّا،و نفي الخلاف عن الحكم فيمن لا فئة له بين العلماء (1).

و الأصل في المقامين بعد الإجماع أخبارنا.

منها:عن طائفتين إحداهما باغية و الأُخرى عادلة،فهزمت العادلة الباغية،قال:« ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبراً،و لا يقتلوا أسيراً،و لا يجهزوا على جريح،و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها،فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل و مدبرهم يتبع و جريحهم يُجاز عليه» (2).

و منها:عمّن شهد حروب علي(عليه السّلام)قال:لمّا هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):« لا تتّبعوا مولِّيا و لا تُجيزوا على جريح،و من أغلق بابه فهو آمن» فلمّا كان الصفين قتل المقبل و المدبر و أجاز على الجريح، فقال له أبان بن تغلب:هذه سيرتان مختلفتان[فقال:]إنّ أهل الجمل قتل طلحة و الزبير،و إنّ معاوية كان قائماً بعينه و كان قائدهم» (3).

و نحوه رواية أُخرى مرويّة في الوسائل عن تحف العقول (4).

و قصور الأسانيد و ضعفها مجبور بالشهرة بين أصحابنا،مضافاً إلى الإجماع عليه كما عرفته من المنتهى.

ص:28


1- المنتهى 2:987.
2- الكافي 5:2/32،التهذيب 6:246/144،الوسائل 15:73 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 1.
3- الكافي 5:5/33،التهذيب 6:276/155،الوسائل 15:74 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 3.
4- تحف العقول:359،الوسائل 15:75 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 4.

و اعلم أنّ قوله: و لا يسترقّ ذريتهم و لا نساؤهم لا تعلّق له بمن لا فئة له خاصة،بل يعمّ الفريقين كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده،و في صريح الشرائع و السرائر الإجماع عليه (2)،لكن في الروضة عزاه إلى المشهور (3)مؤذناً بوجود خلاف فيه،كما صرّح به أخيراً وفاقاً للدروس (4)،لكن عزاه إلى الشذوذ معربين عن الإجماع أيضاً (5).

و المخالف غير معروف و لا منقول،إلّا في المختلف،فنقل فيه عن العماني بعد اختياره المنع،قال:و قال بعض الشيعة:إنّ الإمام في أهل البغي بالخيار،إن شاء منَّ عليهم و إن شاء سباهم.

قال:و احتجّوا بقول أمير المؤمنين(عليه السّلام)للخوارج،لمّا سألوه عن المسائل التي اعتلّوا بها،فقال لهم:« أمّا قولكم إنّي يوم الجمل أحللت لكم الدماء و الأموال و منعتكم النساء و الذرية،فإنّي مننت على أهل البصرة،كما مَنَّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على أهل مكة»[قالوا:فأخبر بأنه لم يسبهم،لأنه منّ عليهم كما من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على أهل مكّة (6)]و لو شاء لسباهم كما لو شاء النبي أن يسبي نساء أهل مكة (7).

أقول:و ظاهر عبارته المزبورة أنّ القائل غير واحد من الشيعة،و هو

ص:29


1- منهم:الشيخ في النهاية:297،و العلّامة في التذكرة 1:456،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:574.
2- الشرائع 1:327،السرائر 2:16.
3- الروضة 2:408.
4- الدورس 2:42.
5- الروضة 2:409.
6- أضفناه من المصدر.
7- المختلف:337.

أيضاً ظاهر جملة من الأخبار مستفيضة،غير الرواية المزبورة،مروية في التهذيب و غيره.

منها:« سيرة علي(عليه السّلام)في أهل بصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس،إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته» قلت:

فأخبرني عن القائم(عليه السّلام)،أ يسير بسيرته قال:« إنّ علياً(عليه السّلام)سار فيهم بالمنّ لمّا علم من دولتهم،و أنّ القائم(عليه السّلام)يسير فيهم خلاف تلك السيرة،لأنّه لا دولة لهم» (1).

و منها:أ يسير القائم(عليه السّلام)بخلاف سيرة علي(عليه السّلام)؟قال:« نعم، و ذلك إنّ عليّاً(عليه السّلام)[سار]بالمنّ و الكف،لأنه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم،و إنّ القائم(عليه السّلام)إذا قام سار فيهم بالسيف و السبى،و ذلك أنه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي سيأتي إلى بعضها الإشارة.

و لو لا إعراض الأصحاب عنها و نقلهم الإجماع على خلافها،مع ضعف أسانيدها جملة،لكان المصير إليها متّجهاً.

و لا تؤخذ أموالهم أي البغاة مطلقاً كانت لهم فئة أم لا،بلا خلاف في الأموال التي ليست في العسكر بل عليه الإجماع في التحرير و المنتهى و المسالك و الروضة (3)و غيرها (4)؛ و هو الحجة فيه،دون عموم

ص:30


1- الكافي 5:4/33،التهذيب 6:275/155،الوسائل 15:76 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 1،و رواه في علل الشرائع:9/149،و المحاسن:55/320.
2- التهذيب 6:271/154،علل الشرائع:1/210،الوسائل 15:77 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 3.
3- التحرير 1:156،المنتهى 2:988،المسالك 1:160،الروضة 2:408.
4- كالخلاف 5:346.

النبوي(صلّى اللّه عليه و آله)الآتي:« لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب من نفسه» (1)لابتنائه على القول بإسلام البغاة،و هو منظور فيه،فإنّ الإسلام الحقيقي ما يحقن به الدماء،و يردّ به الأمانات،و يردّ به الأمانات،كما في الأخبار المعتبرة،و هؤلاء غير محقوني الدم إجماعاً،و لذا وجب قتالهم.

و ظاهر جملة من الأخبار العامية و الخاصية كفرهم،كما عليه أصحابنا فيما حكاه الشيخ (2)و غيره (3)،لكن قال:ظاهرهم الإسلام.

و كيف كان،فبعد الإجماع الظاهر و المحكي لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه.

و منه يستفاد تحريم أموال سائر فرق الإسلام و إن حكم بكفرهم،كما صرّح به شيخنا في المسالك،قال:لأنّ هذا الوصف ثابت في البغاة و زيادة،مضافاً إلى ما دلّ عليه من الكتاب و السنة (4).

أقول:و هذه الزيادة ما عرفته،مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض المعتبرة خلافه،و فيه:« خذ مال الناصب حيثما وجدته،و ارفع إلينا الخمس» (5)فالاكتفاء بالاستناد إلى الإجماع و فحواه أولى.و يحتمل أن يكون أراد بالزيادة تأييداً.

و هل يؤخذ من أموالهم ما حواه العسكر ممّا ينقل فيه قولان مشهوران أظهرهما الجواز وفاقاً لأكثر الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (6)،بل في ظاهر الغنية و عن صريح

ص:31


1- عوالي اللئلئ 1:98/222،مسند أحمد 5:72.
2- الخلاف 5:335،المبسوط 7:264.
3- انظر كنز العرفان 1:386.
4- المسالك 1:160.
5- التهذيب 4:350/122،الوسائل 9:487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.
6- كالمهذَّب 1:298،و التنقيح الرائع 1:573.

الخلاف الإجماع عليه (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل و الأخبار و المستفيضة.

منها: زيادة على ما سيأتي إليه الإشارة مرسلة العماني المتقدمة مستنداً لجماعة من الشيعة في المسألة السابقة (2)،و المرسلة الأُخرى المروية هي كالسابقة عنه في المختلف،و فيها:إنّ رجلاً من عبد القيس قام يوم الجمل،فقال:يا أمير المؤمنين ما عدلت حيث قسمت بيننا أموالهم،و لا تقسم بيننا نساءهم و لا أبناءهم،فقال له:« إن كنت كاذباً فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف،و ذلك أنّ دار الهجرة حُرّمت ما فيها، و أنّ دار الشرك أُحلّت ما فيها،فأيّكم يأخذ امّه في سهمه؟» (3)الحديث.

و نحوهما المرسلة الآتية (4).

و الضعف بالإرسال مجبور بالشهرة بين الأصحاب معتضدة بالأصل، و فحوى ما مرّ من الأخبار بجواز قتلهم و سبيهم،فأخذ أموالهم أولى.

خلافاً للمرتضى و الحلّي (5)،و الفاضل في جملة من كتبه (6)،لكنّه رجع عنه إلى المختار في المختلف (7)،و الشهيد في الدروس و اللمعة (8)، لكن وافق المختار في خمس الدروس (9)،فمنعا عنه؛ للنبوي« المسلم أخو

ص:32


1- الغنية(الجوامع الفقهية):584،الخلاف 5:346.
2- راجع ص:3575.
3- المختلف:337،المستدرك 11:61 أبواب جهاد العدو ب 24 ح 10.
4- في ص:3580.
5- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):225،الحلي في السرائر 2:19.
6- كالمنتهى 2:988،و التحرير 1:156،و القواعد 1:118.
7- المختلف:337.
8- الدروس 2:42،اللمعة(الروضة البهية 2):408.
9- الدروس 1:258.

المسلم لا يحلّ دمه و لا ماله إلّا بطيبة من نفسه» (1).

و سيرةِ علي(عليه السّلام)في أهل البصرة،فإنّه أمر بردّ أموالهم،فأُخذت حتى القدر كفاها صاحبها،و لم يصبر على أربابها.

و في الأول:ما مرّ.و لو سلّم فيخصص بما سبق.

و في الثاني:بأنه لنا لا علينا،إذ لولا جوازه لما فعله أوّلاً.و ظاهر الحال و فحوى ما عرفت من الأخبار أنّ ردّها بطريق المنّ لا الاستحقاق، كما مَنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)على كثير من المشركين،كما صرّح به شيخنا في المسالك و الروضة (2).

و المبسوط،ففصّل بين من لم يرجع إلى الحق و إلى طاعة الإمام فالأول،و من رجع إلى طاعة الإمام فالثاني (3).

و استوجهه في المهذب البارع شرح الكتاب فقال:هو الوجه استناداً إلى فعل علي(عليه السّلام)،فإنه لم يقسّم أموال البصرة حيث يرجعوا إلى طاعته،و قسّم ما غنموه إلى أهل الشام،و كل ما ورد من منع القسمة فإنّه في واقعة البصرة (4).و نحوهما الشهيد في الدروس (5)،بل ظاهره انحصار الخلاف في الأول،حيث أفتى في الثاني بالمنع من غير نقل خلاف،ثم نقل الخلاف في الأول.

و فيه نظر،فإنّه ظاهر كلمة الأصحاب المجوّزين و المانعين الإطلاق

ص:33


1- عوالي اللئلئ 1:98/222،مسند أحمد 5:72 بتفاوت يسير.
2- المسالك 1:160،الروضة 2:408.
3- المبسوط 7:266.
4- المهذب البارع 2:302.
5- الدورس 2:42.

من غير تفصيل،و في المختلف (1)اختصاصه بالمبسوط.

و كيف كان،فالمختار الأول؛ لما مرّ مضافاً إلى مرسل آخر مرويّ في المبسوط فقال:و روى أصحابنا أنّ ما يحويه العسكر من الأموال فإنّه يغنم (2).و ظاهره الإطباق على روايته.

و هو مطلق كسابقيه لا وجه لتقييده بعد روايتها بقوله:هذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام،و أمّا إن رجعوا إلى طاعته فهو أحقّ بأموالهم (3).

و عدم قسمة علي(عليه السّلام)أموال أهل البصرة لعلّة بطريق المنّ،كما عرفته.

و يدلّ عليه رواية صريحة،و فيها:إنّ الناس يروون أنّ عليّاً(عليه السّلام)قتل أهل البصرة و ترك أموالهم،فقال:« إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها» فقال:« إنّ عليّاً(عليه السّلام)إنّما مَنّ عليهم فأراد أن يُفتدى به في شيعته،فقد رأيتم آثار ذلك، هو ذا يسار في الناس بسيرة علي(عليه السّلام)،و لو قتل علي(عليه السّلام)أهل البصرة جميعاً و أخذ أموالهم[لكان ذلك له حلالاً (4)]لكنّه مَنّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده» (5).

و قريب منها آخر:« لولا أنّ عليّاً(عليه السّلام)سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي و الغنيمة،للَقِيَتْ شيعته من الناس بلاءً عظيماً» قال:« و اللّه لسيرته كانت خيراً لكم ممّا طلعت عليه الشمس» (6).

ص:34


1- المختلف:337.
2- المبسوط 7:266.
3- المبسوط 7:266.
4- في النسخ:لكان في ذلك إجلال،و ما أثبتناه من المصدر.
5- علل الشرائع:1/154،الوسائل 15:79 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 6.
6- علل الشرائع:10/150،الوسائل 15:79 أبواب جهاد العدو ب 25 ح 8.

و حيث قلنا بالجواز تقسم كما تقسم أموال أهل الحرب من المشركين بغير خلاف.

الثاني أهل الكتاب

اشارة

الثاني: أهل الكتاب بالكتاب و السنة و الإجماع.

و هم اليهود و النصارى،لهم التوراة و الإنجيل.فهو لا يطلب منهم إلّا أحد الأمرين:إمّا الإسلام،أو الجزية.فإن أسلموا فلا بحث،و إن امتنعوا و بذلوا الجزية أُخذت منهم و أقرّوا على دينهم،بلا خلاف ظاهراً.و صرّح به في المختلف و المنتهى مؤذناً بكونه مجمعاً عليه بين العلماء (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الكتاب و السنة.

قال اللّه تعالى سبحانه قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ [1] (2)و في الخبر المتقدّم المتضمن لأنّ اللّه تعالى بعث محمداً(صلّى اللّه عليه و آله)بخمسة سيوف،و عدّ من الثلاثة الشاهرة منها هذا،فقال:و الثاني يعني من السيوف الثلاثة على أهل الذمة،قال اللّه سبحانه قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [2] ساق الآية إلى أن قال:فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا الجزية أو القتل (3).

و في آخر:« القتال قتالان؛ قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتّى يسلموا و يؤدوا الجزية عن يدٍ و هم صاغرون» (4).

ص:35


1- المختلف:333،المنتهى 2:905.
2- التوبة:29.
3- راجع ص:3569.
4- التهذيب 4:335/114،الوسائل 15:28 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و يلحق بهم المجوس الذين لهم شبهة الكتاب في ذلك بلا خلاف ظاهر من عد العماني (1).

و صرّح به في المنتهى أيضاً مؤذناً بكونه إجماعياً بين العلماء أيضاً؛ مستدلاً بالنبوي(صلّى اللّه عليه و آله):« سنّوا بهم سنة أهل الكتاب» (2)و هو مرويّ في الفقيه و مجالس الشيخ كما حكي مرسلاً في الأوّل (3)و بسند غير نقيّ في الثاني (4)،لكنّه مشهور بين الخاصّة و العامة،بل قيل (5):متّفق عليه بينهم.

و يدلّ عليه مضافاً إليه صريح النصوص.

منها:عن المجوس كان لهم نبيّ؟فقال:« نعم،أما بلغك كتاب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى أهل مكة:أسلموا و إلّا نابذتكم بحرب،فكتبوا إلى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):أن خُذْ منّا الجزية،و دعنا على عبادة الأوثان.فكتب النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله):إني لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب.فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه-:زعمتَ أنك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب،ثم أخذت من مجوس هجر (6)،فكتب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إليهم:إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه،و كتاب فأحرقوه.أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور» (7).

ص:36


1- راجع المختلف:333.
2- المنتهى 2:905.
3- الفقيه 2:105/29،الوسائل 15:127 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 5.
4- مجالس الشيخ:375،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 9.
5- لم نعثر عليه.
6- هَجَر:مدينة و هي قاعدة البحرين،و قيل ناحية البحرين كلها هجرُ و هو الصواب،و قيل:هجر قرية قرب المدينة.معجم البلدان 5:393.
7- الكافي 3:4/567،التهذيب 4:332/113،الوسائل 15:126 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 1.

و منها:[كيف]يؤخذ الجزية عن المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبي؟فقال:« بلى قد أنزل اللّه تعالى عليهم كتاباً و بعث إليهم نبيّاً» (1).

و منها:« إنّما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الدّيات لأنّهم كان لهم فيما مضى كتاب» (2).

و قريب منها رواية أُخرى:عن المجوس،فقال:« كان لهم نبيّ قتلوه،و كتاب أحرقوه،أتاهم نبيّهم في اثني عشر ألف جلد ثور.و كان يقال له:جاماست» (3).

و ظاهر هذه الأخبار أنّهم من أهل الكتاب،كما صرّح جملة من الأصحاب (4)،لا أنهم ملحقون بهم.

و البحث هنا يقع في أُمور ثلاثة.

فيمن تؤخذ الجزية منه،و كمّيتها،و شرائط الذّمة و هي

فيمن تؤخذ الجزية منه

أي الجزية تؤخذ من اليهود و النصارى اتّفاقاً فتوًى و نصّاً كتاباً و سنةً مستفيضة،كما عرفتها.

و ممّن له شبهة الكتاب،و هم المجوس كما هو الأشهر الأقوى، بل لا خلاف فيه صريحاً إلّا من العماني،فألحقهم في ظاهر كلامه بسائر

ص:37


1- أمالي الصدوق:1/280،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 7 ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- المقنعة:270،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 8.
3- التهذيب 6:350/175،الوسائل 15:127 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 3.
4- منهم:ابن زهرة في الغنية:584،و الحلبي في الكافي في الفقه:249،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2:388.

أصناف الكفار (1).و هو مع عدم صراحة كلامه في المخالفة ضعيف (2)بلا شبهة.

و يستفاد منها جواز أخذها،و قد اتّفقت الأدلّة في الدلالة على أن يقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتى يسلموا أو ينقادوا لشرائط الذمة،فهناك أي بعد ما انقادوا لشرائطها يقرّون على معتقدهم.

و لا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين و النساء و البُله بضم الباء الموحدة و سكون اللام:جمع أبله،أي الذي لا عقل له،فيدخل في المجانين،و لذا لم يذكره كثير.أو الذي ضعف عقله،و لعلّه المراد من المعتوه الوارد في النص.و عبّر بعض (3)بدله بالسفيه.

كلّ ذلك للنص:عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن؟قال:فقال:

« لأنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن،فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها مهما أمكنك و لم تخف خللاً.فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى.و لو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها[فلمّا لم يمكن قتلها]رفعت الجزية عنها.

و لو امتنع الرجال أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد،و حلّت دماؤهم و قتلهم،لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك.و كذلك المُقعد من أهل الذمة،و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب،فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» (4).

ص:38


1- كما حكاه عنه في المختلف:333.
2- في« ق»:شاذّ.
3- كابن حمزة في الوسيلة:204.
4- الكافي 5:6/28،الفقيه 2:102/28،التهذيب 6:277/156،الوسائل 15:64 أبواب جهاد العدو ب 18 ح 1،ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

و ضعف السند مجبور بفتوى عامّة العلماء،كما في المنتهى في الصبيان و النساء،و فيه:الإجماع مطلقاً في المجانين مطبقاً (1).هذا مضافاً إلى نصوص أُخر عامية و خاصيةٍ في بعضها.

ففي الخبر:« لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب على عقله» (2).

و يُستفاد من الرواية الأُولى سقوطها عن الهِمّ ،أي الكبير الفاني،و المقعد و الأعمى،كما عن الإسكافي (3).و وافقه الماتن هنا في الأول بقوله: على الأظهر و كذا الفاضل في القواعد فيه،خلافاً له فيه في الأخيرين (4)،و في التحرير و المختلف في الجميع،فقال بعدم السقوط تبعاً لما حكاه عن الشيخ و القاضي ابن البراج و ابن حمزة.قال:لعموم الكتاب،و لأنّها وضعت للصغار و الإهانة،و هو مناسب للكفر الثابت في هؤلاء،فيجب وضعها عليهم عملاً بالمقتضي.و أجاب عن الرواية بضعف راويها مع معارضتها لعموم القرآن (5).

و ظاهر الماتن في الشرائع و الشهيد في الدروس و غيرهما من المتأخرين التردّد فيه (6).و لعلّه في محله و إن قوي دليل المنع عن السقوط؛

ص:39


1- المنتهى 2:963،964.
2- الكافي 3:3/567،الفقيه 2:101/28،التهذيب 4:334/114،الوسائل 15:131 أبواب جهاد العدو ب 51 ح 1.
3- على ما حكاه عنه في المختلف:335.
4- القواعد 1:112.
5- التحرير 1:149،المختلف:335.
6- الشرائع 1:327،الدروس 2:34؛ و أُنظر التنقيح الرائع 1:575.

لابتنائه على ضعف سند النص.و ربما يجبر بموافقته الأصل و فتوى الأصحاب بمجلة ما فيه و لو في غير ما نحن فيه.

و في المسالك:و فصّل بعضهم بأنه إن كان ذا رأي و قتال أُخذت منه، و إلّا فلا.و الأقوى الوجوب مطلقاً للعموم (1).

و في سقوط الجزية عن المملوك أم العدم قولان:

المشهور كما في المنتهى و المختلف (2)الأول؛ للنبوي:« لا جزية على العبد» (3)و أنّ العبد مال فلا تؤخذ منه كغيره من الحيوان» و به أفتى في القواعد و المختلف و المسالك،بناءً على أنه لا يقدر على شيء (4).

خلافاً لظاهر الصدوق في الفقيه،و صريحه في المقنع كما حكي، فالثاني (5)،و وافقه في التحرير (6)؛ للمرتضوي العامّي (7)و الباقري الخاصّي (8)،و فيهما:أنها تؤخذ من سيّده،كما أفتيا به.

و ظاهر المنتهى و الدروس و غيرهما التردّد فيه (9).

و لعلّه في محله،إلّا أنّ مقتضي الأصل حينئذٍ المصير إلى الأوّل،و إن كان الأحوط الأخذ بالثاني.

و من بلغ منهم أي من الصبيان أُمر بالإسلام أو التزام الشرائط،

ص:40


1- المسالك 1:157.
2- المنتهى 2:965،المختلف:334.
3- المغني لابن قدامة 10:587.
4- القواعد 1:112،المختلف:334،المسالك 1:157.
5- الفقيه 2:29،المقنع:160.
6- التحرير 1:149.
7- المغني لابن قدامة 10:588.
8- الفقيه 2:106/29،الوسائل 15:128 أبواب جهاد العدو ب 49 ح 6.
9- المنتهى 2:965،الدروس 2:34؛ و أُنظر الشرائع 1:327.

فإن امتنع صار حربياً كما هنا و في جملة من كتب الفاضل،و منها المنتهى (1)،و ظاهره عدم خلاف فيه بين العلماء،حيث لم ينقل فيه خلافاً؛ و لعلّه للعموم كتاباً و سنةً خرج منه حال الصباوة و بقي غيرها.

و منه يظهر أنه لو أفاق المجنون أو أُعتق العبد فعليهما الجزية و يستأنف العقد معهما،أو يسلما.فإن امتنعا صارا حربيين كما صرّح به في القواعد (2)،و فيه و في المنتهى:أنّه لا اعتبار بجزية الأب (3).و هو كذلك؛ للأصل السالم عن المعارض.

و الأولى أن لا يقدّر الجزية بحسب الشرع كليةً،لا في طرف القلّة و لا في طرف الكثرة،وفاقاً للأكثر كما في كتب (4)،بل لا خلاف فيه يظهر و لا ينقل إلّا من نادر سيظهر،و في الغنية الإجماع عليه (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و إطلاقات الكتاب و السنة،و خصوص الصحيح:ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟و هل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟فقال(عليه السّلام):« ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله و ما يطيق،إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا،فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا،فإنّ اللّه تعالى قال حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ [1] و كيف يكون صاغراً و هو لا يكترث لما يؤخذ منه

ص:41


1- المنتهى 2:963،و أُنظر التحرير 1:149.
2- القواعد 1:112.
3- المنتهى 2:963.
4- راجع المنتهى 2:965،و المسالك 1:157.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):584.

حتّى لا يجد (1)ذلّاً لما أُخذ منه،فيألم لذلك فيسلم» (2).

و مع ذلك فإنّه أنسب بالصغار كما استفيد من الصحيح المزبور، و صرّح به الحلّي،فقال بعد أن ذكر اختلاف المفسرين في تفسير الصغار -:و الأظهر أنّه التزام أحكامنا عليهم و إجراؤها،و ألّا يقدر الجزية فيوطّن نفسه عليها،بل يكون بحسب ما يراه الإمام(عليه السّلام)بما يكون معه ذليلاً صاغراً خائفاً،فلا يزال كذلك غير موطّن نفسه على شيء،فحينئذٍ يتحقق الصغار الذي هو الذلّة.ثمّ قال:و ذهب المفيد إلى أنّ الصغار هو:أن يأخذهم الإمام بما لا يطيقون حتى يسلموا،و إلّا فكيف يكون صاغراً و هو لا يكترث بما يؤخذ منه فيسلم (3).

خلافاً للإسكافي،فقدّرها في طرف القلّة،بأنه لا تؤخذ من كلّ كتابي أقلّ من دينار،و وافق المختار في طرف الكثرة (4)؛ للنبوي العامي:أنه(صلّى اللّه عليه و آله) أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالِم ديناراً (5).

في كميتها

و لنادرٍ غير معروف،فقدّرها بما في بعض الأخبار المشهورة بين الخاصّة و العامّة من أنّه كان عليّ(عليه السّلام)يأخذ من الغنيّ ثمانية و أربعين درهماً،و من المتوسط أربعة و عشرين درهماً،و من الفقير اثني عشر درهماً (6).

ص:42


1- في المصادر عدا الوسائل:حتى يجد.
2- الكافي 3:1/566،الفقيه 2:98/27،التهذيب 4:337/117،الإستبصار 2:176/53،الوسائل 15:149 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 1.
3- السرائر 1:473.
4- كما نقله عنه في المختلف:334.
5- سنن البيهقي 9:193.
6- المقنعة:272،الوسائل 15:153 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 7.

و ضعفهما ظاهر؛ إذ بعد الإغماض عن سند الروايتين،و عدم معارضتهما للصحيح المتقدم بوجه،قضيّتان في واقعة.فلعلّ فعلهما(عليهما السّلام) كان لاقتضاء المصلحة ذلك التقدير في ذلك الوقت لا أنه كان منهما توظيفاً لازماً يجب العمل به و لو اقتضى المصلحة خلافه.

و يؤيّده أنه لو كان توظيفاً،لما زاد الأمير(عليه السّلام)عمّا قدّره النبي(صلّى اللّه عليه و آله) .فالروايتان بعد ضمّ إحداهما مع الأُخرى،يمكن الاستدلال بهما للمختار لو صحّ سندهما كما فعله في المنتهى (1).

و يجوز وضع الجزية على الرؤوس أو الأرض أي على أحدهما من غير أن يتعيّن شيء منهما،بلا خلاف أجده فتوًى و نصاً.

و في جواز الجمع بينهما في الجزية،بأن توضع عليهما ابتداءً أو مطلقاً قولان،أشبههما عند الماتن هنا و في الشرائع الجواز (2) وفاقاً للمحكي عن الإسكافي و التقي (3)،و اختاره أكثر المتأخرين (4)،و منهم الفاضل في جملة من كتبه (5).

و استدلّ عليه في المنتهى بأنّ الجزية غير مقدّرة في طرفي النقصان و الزيادة،بل هي موكولة إلى نظر الإمام(عليه السّلام)،فجاز أن يأخذ من أراضيهم و رؤوسهم،كما يجوز له أن يضيف الجزية على رؤوسهم في الحول

ص:43


1- المنتهى 2:965.
2- الشرائع 1:328.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:334،التقي(أبو الصلاح)في الكافي:249.
4- كالشهيدين في الدروس 2:34،و الروضة 2:389،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 3:451.
5- كالمنتهى 2:966،و التحرير 1:149،و القواعد 1:113.

الثاني،و لأنّ ذلك أنسب بالصغار (1).

و أجاب عنه في المختلف حيث إنّه فيه ممّن اختار المنع،وفاقاً لمن حكاه عنه من النهاية و القاضي و ابن حمزة و الحلّي،فقال:و الجواب:ليس النزاع في تقسيط جزية على الرأس و الأرض،بل في وضع جزيتين عليهما،و استدلّ على المنع بالصحيح:« عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية،إن شاء الإمام وضعها على رؤوسهم و ليس على أموالهم شيء،و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رؤوسهم شيء» (2)(3).أقول:و نحوه صحيح آخر لراويه (4).

و أجاب عنهما في المنتهى بعد أن استدلّ بهما للمنع بأنّا نقول بموجبهما و نحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن،فإن شاء أخذ من رؤوسهم و لا شيء له حينئذٍ على أرضهم و بالعكس.و ليس فيهما دلالة على المصالحة على أن يأخذ من رؤوسهم و أرضهم ابتداءً (5).

و كلامه هذا كما ترى ظاهر بل صريح في أنّ محل النزاع إنّما هو تقسيط الجزية على الرؤوس و الأرض معاً ابتداءً،و أنه لو تصالح معهم على أحدهما فليس له الأخذ بالأُخرى اتّفاقاً.مع أنّ المستفاد من كلامه في

ص:44


1- المنتهى 2:966.
2- الكافي 3:1/566،التهذيب 4:337/117،الإستبصار 2:176/53،الوسائل 15:149 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 1.
3- المختلف:334.
4- الكافي 3:2/567،التهذيب 4:338/118،الإستبصار 2:177/53،الوسائل 15:150 أبواب جهاد العدو ب 68 ح 2.
5- المنتهى 2:966.

المختلف أنّ جواز تقسيط الجزية الواحدة عليهما ليس محلّ خلاف،و إنّما هو في تقسيط الجزيتين عليهما مطلقاً و لو بعد أن صالح على جزية واحدة على أحدهما ابتداءً.

و على هذا فلم يتشخّص محل النزاع،أ هو ما في المختلف أو ما في المنتهى،و لكن إطلاق نحو المتن يعمّهما،فيعمّهما القول بالمنع و الجواز.

فما في المتن من الجواز كذلك أقوى؛ لما مرّ في المنتهى،مضافاً إلى الأصل،و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا الصحيحين المشار إليهما،و ليس فيهما الدلالة على المنع في محل النزاع أصلاً،و هو تقسيط الجزية الواحدة على الأمرين أو أخذ جزيتين عليهما ابتداءً أو مطلقاً.و إنما غايتهما أنه ليس عليهم بعد الجزية شيء،فإذا جعلها الإمام على رؤوسهم، فليس عليهم بعد هذه الجزية شيء آخر غيرها على أموالهم و بالعكس، لا أنه ليس للإمام أن يقسطها عليهما مثلاً.و لا تعرّض لهما فيهما بنفي أو إثبات أصلاً.فينبغي الرجوع فيهما إلى مقتضى الأُصول و العمومات،و هو الجواز مطلقاً كما قدّمنا.

ثم إنّه ليس في المتن و عبائر كثير تقييد الجواز بالابتداء،و قيّده به في الشرائع (1)معرباً عن عدم الخلاف بالمنع في غيره.

و ظنّي أن المراد به الاحتراز عمّا لو تصالح ابتداءً معهم على جزية رؤوسهم أو أراضيهم إحداهما،فلا يجوز له أخذ جزية أُخرى و لو موضوعة على غير ما وضع عليه الأُخرى،كما تقدّم التصريح به في المنتهى (2).

ص:45


1- الشرائع 1:328.
2- المنتهى 2:966.

و نحوه الفاضل المقداد في شرح الكتاب فقال بعد نقل القولين مع الدليل من الطرفين-:و الأقوى أن نقول:إذا اتّفقوا هم و الإمام على قدر معيّن فأراد الإمام بعد ذلك تقسيطه على الرؤوس و الأموال جاز،و أمّا إذا أراد جعل جزية أُخرى على الأرض فلا يجوز للرواية (1).و أشار بها إلى الصحيحين.

أقول:و في دلالتهما على ذلك أيضاً نظر،يظهر وجهه ممّا مرّ.

و في المسالك:أنه احترز بهذا القيد عمّا لو وضعها على رأس بعضهم و على أرض بعض آخر،فانتقلت الأرض التي وضعت عليها إلى من وضعت على رأسه،فإنه يجتمع عليه الأمران،لكن ذلك ليس ابتداءً، بل بسبب انتقال الأرض إليه (2).

و فيه نظر:فإنّ الاحتراز به عن ذلك إنّما يتمّ لو قيّد للمنع به و ليس كذلك،فإنّه قد أطلق المنع أولاً،ثم نقل قولاً بالجواز بهذا القيد فيقيّد المنع في غيره قولاً واحداً لا الجواز،كما لا يخفى،ثم إنّ الجواز في غير الابتداء بالمعنى الذي ذكره غير واضح؛ لعدم وضوح دليل عليه،إلّا أن يكون إجماعاً،كما ربما يفهم منه و من غيره،بل نفى الخلاف عنه بعض العلماء.

و إذا أسلم الذمي قبل حلول الحول سقطت عنه الجزية فلا يجب عليه أداؤها إجماعاً،كما في المنتهى (3).

و لو كان إسلامه بعده و قبل الأداء لها فقولان:أشبههما السقوط أيضاً و هو أشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يعتدّ به يظهر،إلّا من

ص:46


1- التنقيح الرائع 1:576.
2- المسالك 1:157.
3- المنتهى 2:968.

فحوى عبارة الحلبي المحكية في المختلف (1)،و لم يحكه فيه عن أحد غيره،حتى الشيخ في الخلاف،بل أطلق مصيره إلى الأوّل من غير تقييد بما عدا الخلاف،لكن حكاه عنه في المنتهى،و ولده في الإيضاح (2).

و كيف كان فلا ريب في ندرة هذا القول،و ضعف مستنده من الأصل،لوجوب تخصيصه بحديثي الجبّ و نفي الجزية عن المسلم المجمع عليهما من أصلهما،و المعتضدين هنا بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الغنية (3).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو أسلم لإسقاطها و عدمه و به صرّح جماعة (4).

خلافاً لبعضهم (5)،فأحتمل الفرق بينهما بالسقوط في الصّورة الثانية دون الاُولى.

و هو ضعيف جدّاً.

و تؤخذ الجزية من تركته لو مات بعد الحول ذميا بلا خلاف فيه بيننا كما يظهر من المنتهى (6)؛ للأصل السليم عن المعارض،عدا بعض القياسات العامية.

الشروط
اشارة

أمّا الشروط فهي على ما ذكر هنا خمسة:

قبول الجزية.

ص:47


1- المختلف:335.
2- المنتهى 2:968،إيضاح الفوائد 1:386.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:968،و الشهيد الثاني في المسالك 1:158.
5- كالشيخ في التهذيب 4:135.
6- المنتهى 2:967.

و أن لا يؤذوا المسلمين،كالزنا بنسائهم و اللواط بأطفالهم و السرقة لأموالهم و نحو ذلك.

و أن لا يتظاهروا بالمحرّمات كشرب الخمر و الزنا و نكاح المحرّمات من الأخوات و بناتهن و بنات الأخ.

و أن لا يُحدثوا كنيسةً و لا يضربوا ناقوساً و لا يعلوا بناءً.

[و أن تجري عليهم أحكام الإسلام ] (1). و زاد جماعة (2)سادساً،و هو:أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان،مثل العزم على حرب المسلمين،و إمداد المشركين.

و إنّما لم يذكره الماتن هنا و كثير؛ لأنّه من مقتضيات العقد،و لذا لم يجب اشتراطه فيه،كما في المنتهى.و ينقض بالإخلال به و لو لم يشترط فيه،كما فيه،و فيه نفي الخلاف عن لزوم ذكر الشرط الأول و الخامس فيه، و انتقاضه بالإخلال بأحدهما مطلقاً (3).

و ظاهره عدم لزوم ذكر الشروط الأُخر،و أنّه ممّا ينبغي،و عدم انتقاض الذمة بالإخلال بها كلا أو بعضاً إلّا مع الشرط،فيفعل بهم ما يوجبه شرع الإسلام من حدّ أو تعزير.و هو خيرته في جملة من كتبه (4)تبعاً للماتن في الشرائع (5)،و تبعهما شيخنا في المسالك و الروضة (6).

ص:48


1- أضفنا هذه الفقرة من المختصر المطبوع.
2- منهم:الماتن في الشرائع 1:329،و الشهيد في الدروس 2:34،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:439.
3- المنتهى 2:969.
4- كالتذكرة 1:443،و التحرير 1:150.
5- الشرائع 1:329.
6- المسالك 1:158،الروضة 2:389.

خلافاً لظاهر المتن و اللمعة،فظاهرهما الانتقاض به مطلقاً (1)،و به صرّح في الدروس (2)وفاقاً للنهاية و السرائر و الغنية (3)،و فيها الإجماع فتوى.و في الأوّلين الإجماع رواية (4).فقالا:و روى أصحابنا:أنهم متى ما تظاهروا بشرب الخمر،و أكل لحم الخنزير،و نكاح المحرّمات في شرعنا و الربا،نقضوا بذلك العهد.

و لعلّهما أرادا بها الصحيح« أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا،و لا يأكلوا لحم الخنزير،و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ و لا بنات الأُخت،فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه تعالى و ذمّة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) » (5).و في دلالته على حصول النقض بالإخلال بها مطلقاً نظر.

نعم هو نصّ في ذلك مع الشرط.فيردّ به ما عن الشيخ-(رحمه اللّه) من عدم النقض به مطلقاً و لو مع الشرط (6)سيّما مع ندرته و دعوى الإجماع منه و من غيره على خلافه.فلولاه لكان القول بالتفصيل بين الإخلال مع الشرط فالنقض و بدونه فالعدم،متوجهاً.

و يلحق بذلك البحث في الكنائس و المساجد و المساكن.

ص:49


1- اللمعة(الروضة البهية 2):388.
2- الدروس 2:34.
3- النهاية:292،السرائر 2:7،الغنية(الجوامع الفقهية):584.
4- الظاهر أن مراده من الأولين النهاية و السرائر،و العبارة موجودة في السرائر 1:474،و لم نجدها في النهاية،بل هي موجودة في المبسوط 2:44 من دون ذكر لفظ الربا.
5- الفقيه 2:97/27،التهذيب 6:284/158،الوسائل 15:124 أبواب جهاد العدو ب 48 ح 1.
6- انظر المختلف:335.

فنقول: لا يجوز لأهل الكتاب استئناف البِيَع بكسر الموحدة و تحريك المثناة [الياء] :جمع بيعة النصارى و معبدهم،كسدرة و سدر.

و الكنائس جمع كنيسة،و هي معبد اليهود كما هو ظاهر الأصحاب.و قيل:النصارى أيضاً كما عن الصحاح (1)،لكن من غير ذكر اليهود،و نحوه فيه غيره.

و على هذا فيكون معبد اليهود مخلّاً بذكره،و كان عليه التنبيه عليه بذكر باقي المعابد كصومعة الراهب و غيرها من أنواع البيوت المتخذة لصلاتهم و عباداتهم،لاشتراك الجميع في الحكم في المنع عن إحداثها في بلاد الإسلام سواء أنشأها المسلمون و أحدثوه ككوفة و بغداد و بصرة،و سرّمن رأى فيما ذكره جماعة (2)،و فتحوها عنوةً أو صلحاً على أن يكون لنا و لم يشترط لهم السكنى فيها،بلا خلاف في الأُولى بين العلماء،كما في صريح المنتهى (3)و ظاهر السرائر،و فيه التصريح بأنّه لا يجوز أن يقرّهم على ذلك و أنّه إن صالحهم على ذلك بطل الصلح بلا خلاف (4).

و كذا في الثانية،كما في التحرير (5).

و في المسالك و الدروس الإجماع في الأُولى (6)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى عدم خلاف فيها و لا في غيرها لا ظاهراً و لا محكياً؛ و ما في المنتهى

ص:50


1- الصحاح 3:972.
2- منهم:العلّامة في المنتهى 2:972،و الشهيد الثاني في المسالك 1:158.
3- المنتهى 2:972.
4- السرائر 1:475.
5- التحرير 1:152.
6- المسالك 1:158،الدروس 2:39.

و غيره:من أنّ هذا البلد للمسلمين و هو ملك لهم،فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر (1).لكنه لا يفي بما هو ظاهر الأصحاب من إطلاق المنع و عمومه لما إذا أقرّهم على ذلك الإمام،و به وقع التصريح في السرائر (2).

و نحوه فيه الخبر المرويّ في المنتهى عن ابن عباس أنّه قال:أيّما مصر مصره العرب فليس من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة،و ما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يقرّ لهم (3).

و في حديث آخر:« أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة،و لا يضربوا فيه ناقوساً،و لا يشربوا فيه خمراً،و لا يتخذوا فيه خنزيراً» (4).مضافاً إلى عدم حجية الخبر و وهنه.

و كلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شيء من ذلك يزال لو استحدث كما هنا و في كتب الفاضل (5)،من غير ظهور خلاف فيه و لا نقله.

و احترز بالاستئناف عمّا لو كان موجوداً في الأرض قبل أن يمصّره المسلمون،فإنه يقرّ على حاله،مثل كنيسة الروم في بغداد،فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة و أقرّت على حالها،كما صرّح به جماعة و منهم شيخنا في المسالك و العلّامة في المنتهى من غير نقل خلاف فيه أصلاً (6).

و يعضده مضافاً إلى الخبر السابق الأصل و اختصاص المانع من النص و الفتوى بالإحداث.

ص:51


1- المنتهى 2:972؛ و أُنظر التذكرة 1:445.
2- السرائر 1:475.
3- المنتهى 2:972.
4- المنتهى 2:972 و فيه:مصَّرَه النبي(صلّى اللّه عليه و آله).
5- كالإرشاد 1:351،و التحرير 1:152،و المنتهى 2:973.
6- المسالك 1:158،المنتهى 2:972.

و منه يظهر الوجه فيما أشار إليه بقوله: و لا بأس بما إذا كان من ذلك عاديا أي قديماً قبل الفتح و لم يهدمه المسلمون.

و عزاه في المسالك إلى المشهور قال:و لم ينقل المصنف و الأكثر في ذلك خلافاً،و نقل في التذكرة أقول:و في التحرير و المنتهى (1)أيضاً عن الشيخ أنّه لا يجوز إبقاؤه؛ لما تقدّم من الدليل على المنع عن الإحداث، و العمل على المشهور،و قد فتح الصحابة كثيراً من البلاد عنوةً و لم يهدموا شيئاً من الكنائس،و حصل الإجماع على ذلك،فإنّها موجودة في بلاد الإسلام من غير نكير.و تردّد في التذكرة حيث نقل المنع عن الشيخ ساكتاً عليه (2).

أقول:و كذا في كتابيه المتقدمين.

و لكن لا وجه له سيّما مع عدم وضوح دليل على المنع سوى، ما قدّمنا،و ليس بجارٍ هنا كما مضى.

و كذا لا بأس بما أحدثوه في أرض الصلح على أن تكون الأرض لهم أو لنا و شرط لهم السكنى فيها و أن يحدثوا فيها كنائس و بيعاً و نحوهما.

و به صرّح جماعة،و منهم السرائر و المنتهى من غير نقل خلاف فيه أيضاً،و لا في أنه إن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئاً أو يخربوها جاز ذلك أيضاً،و إن لم يشترط لم يجز لهم تجديد شيء (3).

و في المنتهى:إذا شرط لهم التجديد و الإحداث فينبغي أن يعيّن

ص:52


1- التذكرة 1:445،التحرير 1:152،المنتهى 2:972.
2- المسالك 1:158.
3- السرائر 1:475،المنتهى 2:973؛ و أُنظر المبسوط 2:46.

مواضع البيع و الكنائس.و كل موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه جاز نقضه و تخريبه.و كل موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم هل يجوز إعادته؟تردّد الشيخ في المبسوط في ذلك.ثم نقل الخلاف في ذلك و التردّد أيضاً عن العامة،و لم يرجّح شيئاً.و قال بعد ذلك-:قد وقع الاتفاق على جواز رمّ ما يشعب منها و إصلاحه (1).

و لعلّه المستند في قوله: و يجوز رَمّها مضافاً إلى الأصل و كونه من مقتضيات عقد الصلح.

و لا يجوز أن يُعلي الذمّي بنيانه فوق بنيان المسلم بلا خلاف فيه ظاهراً،بل عليه الإجماع في المسالك و المنتهى (2)،و فيه للنبوي:« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (3).

و ظاهر المتن و صريح الشرائع عدم المنع من المساواة (4).و هو خلاف ظاهر النصّ و الأكثر،كالشيخ و جمع ممّن تأخر،و منهم الحلّي و الفاضل و الشهيدان و غيرهم (5)و لعلّه الأظهر.

و مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق في المنع بين كون بناء الجار معتدلاً،أو في غاية الانخفاض حتى لو كان نحو السرداب،لكن استثناه الشهيدان.قال في المسالك:لعدم صدق البناء (6).

ص:53


1- المنتهى 2:973.
2- المسالك 1:158،المنتهى 2:973.
3- الفقيه 4:778/243،الوسائل 26:14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.
4- الشرائع 1:332.
5- الشيخ في المبسوط 2:46،الحلي في السرائر 1:476،العلّامة في المنتهى 2:973،الشهيد الأول في الدروس 2:35،الشهيد الثاني في المسالك 1:159؛ و أُنظر جامع المقاصد 3:463.
6- المسالك 1:159.

و هو حسن لو علّق المنع في النصّ على صدق البناء،و ليس كذلك كما ترى و إنما ذلك في الفتوى و هو على تقدير حجّيّته لا يفيد الجواز في غيره ممّا يدخل في عموم المنع المستفاد من النصّ.

و منه يظهر أنّ المعتبر فيه ما يصدق عليه العلوّ عرفاً من بناء أو هواء، لا خصوص البناء كما قطع به الشهيد الأول و احتمله الثاني (1).

و يظهر الفائدة فيما لو كان بيت الذمّي على أرض مرتفعة و دار المسلم في منخفضة،فعلى ما ذكره الشهيدان يجوز للذمّي أن يرتفع بحيث لا يبلغ طول حائط المسلم،و على غيره يعتبر ارتفاع الأرض عن المسلم من جملة البناء،و جوّزا مع الانعكاس أن يرتفع الذمّي إلى أن يقارب دار المسلم و إن أدّى إلى الإفراط في الارتفاع.

ثم إنّ الظاهر أنّ المنع من ذلك إنّما هو لحقّ الدين،لا لمحض الجار بحيث يسقط مع رضاه.و أنّه لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد،و إنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلّه،كما صرّح به في السرائر و المنتهى و غيرهما من غير نقل خلاف فيه أيضاً (2).

و يقرّ ما ابتاعه من مسلم على حاله و إن كان عالياً.

و كذا لو كان للذمّي دار عالية فاشترى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منها،أو بنى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منه فإنه لا يجب على الذمّي هدم علوّه،بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر و لا ينقل.

و لو انهدم دار الذمّي العالية فأراد تجديدها فكالمستحدثة لم يعل به على المسلم إجماعاً،و لم يساو على الخلاف.

ص:54


1- الشهيد الأول في الدروس 2:35،الشهيد الثاني في المسالك 1:159.
2- السرائر 1:476،المنتهى 2:973؛ و أُنظر التحرير 1:152.

و كذا لو انهدم ما علا منها و ارتفع،فإنه لا يكون له إعادته.

و لو تشعّب منه شيء و لم ينهدم جاز رمّه و إصلاحه.

صرّح بجميع ذلك في المنتهى و غيره،من غير نقل خلاف (1).

و لا يجوز لأحدهم و لا لغيرهم من المشركين دخول المسجد الحرام مطلقاً بإجماع العلماء،كما في السرائر و المنتهى (2)؛ لنصّ الكتاب إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [1] (3). و كذا لا يجوز لكل منهم دخول غيره من المساجد مطلقاً و لو أذن له المسلم في الدخول،عندنا كما في الشرائع و التحرير و كنز العرفان (4)،و في المنتهى:إنه مذهب أهل البيت (5).

و ظاهرهم الإجماع كما في صريح المسالك (6)؛ و هو الحجة،دون ما في المنتهى و التذكرة (7)من وجوه عديدة لم أعرف في شيء منها دلالة و إن صلحت لجعلها مؤيّدة،كما في الكنز من الاستدلال عليه بنصوص أهل البيت (8)؛ إذ لم نقف عليها و لا على من أشار إليها أصلاً و هو أعرف بها (9).

ص:55


1- المنتهى 2:973؛ و أُنظر التذكرة 1:446.
2- السرائر 1:189،المنتهى 2:972.
3- التوبة:28.
4- الشرائع 1:332،التحرير 1:151،كنز العرفان 1:49.
5- المنتهى 2:972.
6- المسالك 1:159.
7- المنتهى 2:972،التذكرة 1:445.
8- كنز العرفان 1:49.
9- من النصوص ما ورد في الدعائم 1:149 عن علي(عليه السّلام):« لتمنعنّ مساجدكم يهودكم و نصاراكم و صبيانكم و مجانينكم أو ليمسخنّكم اللّه قردة و خنازير ركّعاً و سجّداً».و قريب منه ما ورد في البحار 80:349 عن نوادر الراوندي.

و فيما ذكرناه كفاية إن شاء اللّه تعالى.

و هنا

مسألتان

مسألتان

الأولى يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات

الأولى: يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر و الخنزير و الأُمور التي يحرم على المسلمين بيعها و شراؤها،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في السرائر (1)،مؤذناً بالإجماع عليه،كما في ظاهر المختلف حيث قال فيه:و عليه علماؤنا (2).إلّا أن فيه و في الدروس نقل الخلاف فيه على إطلاقه عن الإسكافي،حيث خصّ الجواز بغير صورة الإحالة على المشتري،و اختار المنع فيها (3).

و ردّه في المختلف بالعموم.و لعل المراد به عموم الصحيح:عن صدقات أهل الذمة،و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم قال:« عليهم الجزية في أموالهم،تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر،فكلّ ما أخذوا منهم فوِزر ذلك عليهم،و ثمنه للمسلمين حلال، يأخذونه في جزيتهم» (4).

و هو حسن،مع أنّ قوله نادر.

و احترز بالأثمان عن نفس المحرمات،فإنه لا يجوز أخذها إجماعاً كما في المنتهى (5).و لم نر في ذلك خلافاً أيضاً.

الثانية يستحق الجزية من قام مقام المهاجرين

الثانية كان يستحق الجزية في عصر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)من يستحقّ

ص:56


1- السرائر 1:474.
2- المختلف:335.
3- الدروس 2:34.
4- الكافي 3:5/568،الفقيه 2:100/28،التهذيب 4:333/113،الوسائل 15:154 أبواب جهاد العدو ب 70 ح 1.
5- المنتهى 2:970.

الغنيمة سواء،فهي للمجاهدين كما في التحرير و المنتهى (1)و غيرهما، و فيهما:و كذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الإسلام.

و في الدروس:إنّ مصرفها عسكر المجاهدين (2).

و لا إشكال فيه؛ للصحيح:« إنّما الجزية عطاء المهاجرين،و الصدقة لأهلها الذين سمّى اللّه تعالى في كتابه،فليس لهم من الجزية شيء» (3).

و إنما الإشكال في مصرفها اليوم،ففي النهاية و السرائر بعد ذكر نحو ما سبق:إنها اليوم ل من قام مقام المهاجرين في الذّب أي الدفع عن الإسلام و نصرته (4).و زاد في السرائر:و لمن يراه الإمام من الفقراء و المساكين من سائر المسلمين.

و النصّ كما ترى خالٍ عن ذلك كله،بل صريح في أن الفقراء و المساكين ليس لهم منها شيء،و لعلّه لذا لم يذكره الشيخ و لا الماتن،مع موافقتهما له فيما عداه.و لعلّ مستندهم فيما ذكروه الإجماع أو نصّ لم نقف عليه.و يمكن الاستدلال لهم بنوع من الاعتبار.

الثالث من ليس لهم كتاب

الثالث (5):من ليس لهم كتاب و لا شبهة كتاب من سائر فرق الكفار.و هؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا،و لا تقبل منهم الجزية مطلقاً،بغير خلاف فيه بيننا،ظاهر و لا محكي،إلّا عن الإسكافي في الصابي،فألحقه بالكتابي (6).

ص:57


1- التحرير 1:152،المنتهى 2:973.
2- الدروس 2:41.
3- الكافي 3:6/568،التهذيب 4:380/136،الوسائل 15:153 أبواب جهاد العدو ب 69 ح 1.
4- النهاية:193،السرائر 1:474.
5- ممّن يجب جهاده.
6- كما حكاه عنه في المختلف:333.

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر المنتهى و صريح الغنية، فإنّ فيها:و لا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان،سواء كانوا عجماً أو عرباً،و لا من الصابئين و لا غيرهم،بدليل الإجماع المشار إليه.و أيضاً قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [1] (1)و قوله سبحانه فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [2] (2)و لم يذكر الجزية و قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [3] إلى قوله مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [4] (3)فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب،و هؤلاء ليسوا كذلك (4).انتهى.

و يدلّ على ذلك زيادة على ما ذكره الأخبار المتقدم إلى جملة منها الإشارة،و منها خبر الأسياف ففيه:« فأمّا السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب،قال اللّه عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [5] (5)فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ [6] (6)فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام،و أموالهم و ذراريهم سبي على ما سنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،فإنه سبى و عفا و قَبِل الفداء» إلى أن قال:

« و السيف الثالث على مشركي العجم يعني الترك و الديلم و الخزر،قال اللّه تعالى سبحانه في أوّل السورة التي يذكر فيها الذين كفروا،فقصّ قصّتهم قال

ص:58


1- التوبة:5.
2- محمد« صلّى اللّه عليه و آله»:4.
3- التوبة:29.
4- انظر المنتهى 2:961،و الغنية(الجوامع الفقهية):584.
5- التوبة:5.
6- التوبة:11.

فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [1] (1)فأمّا قوله فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ [2] يعني:

بعد السبي وَ إِمّا فِداءً [3] يعني:المفاداة بينهم و بين أهل الإسلام،فهؤلاء لن يقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام،فلا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في الحرب» (2).

و يبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار،الأقرب منهم فالأقرب،وجوباً كما في ظاهر المتن و الدورس (3)و صريح المسالك،قال:

لقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ [4] (4)و الأمر للوجوب (5).

و فيه نظر؛ فإنّ الأمر بمقاتلتهم غير الأمر بالبدأة بقتالهم،و لذا لم أر مصرّحاً بالوجوب عداه،فقد عبّر الماتن في الشرائع بالأولى،و الحلّي في السرائر و الفاضل في المنتهى و التحرير بلفظة« ينبغي» (6)و اللفظتان و لا سيّما الاُولى مشعرتان بالاستحباب أو الاحتياط،كما صرّح به في كنز العرفان (7).

و لا ريب فيه إلّا مع اختصاص الأبعد بالخطر و الضرر الأعظم،أو كان الأقرب مُهادناً،بلا خلاف؛ للأصل،و عدم دليل على رجحان البدأة في هذه الصورة إن لم نقل بظهور الدليل على رجحان العكس فيها بل قد يجب

ص:59


1- محمد« صلّى اللّه عليه و آله»:4.
2- الكافي 5:2/10،التهذيب 6:230/136،الخصال:18/274،الوسائل 15:25 أبواب جهاد العدو ب 5 ح 2.
3- الدروس 2:31.
4- التوبة:123.
5- المسالك 1:150.
6- الشرائع 1:310،السرائر 2:6،المنتهى 2:907،التحرير 1:135.
7- كنز العرفان 1:356.

أحياناً كما في الصورة الأُولى.

و في الدروس و المسالك بعد ذكر الاستثناء:و من ثَم أغار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على الحارث بن أبي ضرار لمّا بلغه أنه مجمع له،و كان بينه و بينه عدوّ أقرب منه،و كذا فعل بخالد بن سفيان الهذلي (1).

و لا يبدؤن أي الكفّار مطلقاً بالقتال إلّا بعد الدعوة لهم إلى الإسلام و إظهار الشهادتين،و الإقرار بالتوحيد و العدل،و التزام جميع شرائط الإسلام.

فإن امتنعوا بعد ذلك حلّ جهادهم بغير خلاف؛ للنصوص، منها المرتضوي:« بعثني رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلى اليمن فقال:يا علي،لا تقاتل أحداً حتى تدعوه،و أيم اللّه لأن يهدي اللّه تعالى على يديك خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت،و لك ولاؤه يا علي» (2).

و لأنّ الغرض إدخالهم في الإسلام،و إنّما يتمّ بدعائهم إليه.

و في المنتهى:و يستحبّ أن يكون الدعوة بما في النصّ:كيف الدعوة إلى الدين؟فقال:« يقول:بسم اللّه أدعوك إلى اللّه تعالى و إلى دينه، و جماعة أمران:أحدهما معرفة اللّه تعالى،و الآخر العمل برضوانه،و إنّ معرفة اللّه أن يعرف بالوحدانية و الرأفة و العزّة و العلم و القدرة و العلوّ في كلّ شيء،و أنه الضارّ النافع القاهر لكل شيء،الذي لا تدركه الأبصار،و هو يدرك الأبصار،و هو اللطيف الخبير،و أنّ محمّداً عبده و رسوله،و أنّ ما جاء به هو الحق من عند اللّه و ما سواه هو الباطل.فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم

ص:60


1- الدروس 2:31،المسالك 1:150.
2- الكافي 5:2/36،التهذيب 6:240/141،الوسائل 15:43 أبواب جهاد العدو ب 10 ح 1.

ما للمؤمنين،و عليهم ما على المؤمنين» (1).

و يختصّ بدعائهم إلى ذلك الإمام أو من يأمره من سائر المسلمين.

و ظاهره كالتحرير و المنتهى و غيرهما تعيّنهما (2)،فلو دعاهم غيرهما لم يجز قتالهم إلّا بعد دعائهما مطلقاً.

خلافاً لظاهر النهاية و السرائر،فعبّرا بلفظة« لا ينبغي» (3)المشعرة بجواز دعاء الغير أيضاً.و هو الأوفق بقوله: و تسقط الدعوة عمّن قوبل بها و عرفها.

فإنّ قوله:و عرفها،يعمّ ما لو عرف بدعاء الغير.و أظهر منه عبارة التحرير و المنتهى (4)،إلّا أن يقيّد إطلاق هذا بذلك.كما ربما يفهم من الدروس حيث قال:و لو قوتلوا مرّة بعد الدعاء لكفى عمّا بعدها (5)،فتأمل جدّاً.

و لا ريب أنه أحوط و أولى،و لا خلاف في السقوط هنا.

قالوا:و لذا غزا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بني المصطلق غارّين أي غافلين فاستأصلهم (6).

و لكن الأفضل الدعوة مطلقاً،كما في التحرير و المنتهى (7)؛ لإطلاق

ص:61


1- المنتهى 2:904.
2- التحرير 1:134،المنتهى 2:904؛ و أُنظر القواعد 1:102.
3- النهاية:292،السرائر 2:6.
4- التحرير 1:134،المنتهى 2:905.
5- الدروس 2:31.
6- انظر الدروس 2:31،و الروضة 2:387.
7- التحرير 1:134،المنتهى 2:905.

الرواية المتقدمة،و النبوي المروي في المنتهى:أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر عليّاً(عليه السّلام)حين أعطاه الراية يوم خيبر و بعثه إلى قتالهم،أن يدعوهم.و فيه:و هم ممّن قد بلغته الدعوة،و دعا سلمان أهل فارس،و دعا علي(عليه السّلام)عمرو بن عبد ود فلم يسلم مع بلوغه الدعوة (1).

و لو اقتضت المصلحة المهادنة و هي المعاقدة مع من يجوز قتاله من الكفار على ترك الحرب مدّة معينة،لقلّة المسلمين،أو رجاء إسلامهم، أو ما يحصل به الاستظهار و الاستعانة و القوة جاز بالإجماع على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (2)،و نصّ الكتاب،قال اللّه سبحانه وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [1] (3)و ليست بمنسوخة عندنا.

و إطلاقه كغيره من الآيات يعمّ ما لو كان بغير عوض،و عليه الإجماع في المنتهى (4)،و بعوض يأخذه الإمام منهم بلا خلاف كما فيه،أو يعطيه إيّاهم،لضرورة أو غيرها.

خلافاً للمنتهى،فخصّه بالضرورة و منع غيرها،بل قال:يجب القتال و الجهاد لقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [2] إلى قوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [3] (5).و لأن فيه صغاراً و هواناً.أمّا مع الضرورة فإنّما صرنا إلى الصغار دفعاً لصغار أعظم منه من القتل و السبي و الأسر الذي يفضي إلى كفر الذريّة،بخلاف غير الضرورة (6).انتهى.

ص:62


1- المنتهى 2:905.
2- المنتهى 2:973.
3- الأنفال:61.
4- المنتهى 2:973.
5- التوبة:29.
6- المنتهى 2:975.

و يمكن أن يقال:إنّ الآية الأُولى أخصّ من الثانية،فلتكن عليها مقدّمة.و مراعاة المصلحة تغني عن التفصيل بين الضرورة و غيرها؛ إذ لو فرض وجودها في غير الضرورة جاز معها و لو في غيرها،كما جاز معها في حال الضرورة،فإنّ مناط الجواز المصلحة لا الضرورة،و مع فقدها لم يجز مطلقاً.

نعم،للتفصيل وجه في الوجوب لا الجواز،فعليه فيجب الدفع مع الضرورة و لا مع عدمها و إن جاز.

كما أنّ الحال في نفس الهدنة كذلك،فتجب في حال الضرورة و الحاجة و لا مع عدمها و إن جاز مع المصلحة،كما صرّح به جماعة و منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (1)،و شيخنا في الروضة فقال:ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها،و قد تباح لمجرد المصلحة التي لا تبلغ حدّ الحاجة،و لو انتفت انتفت الصحة (2).

خلافاً له أيضاً،فأطلق أنها ليست واجبة،قال:سواء كان في المسلمين قوة أو ضعف،لكنها جائزة،بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك، برخصة ما تقدم يعني ما دلّ على جواز المهادنة و بقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [1] (3)و إن شاء قاتل حتى يلقى اللّه تعالى شهيداً، عملاً بقوله تعالى وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ [2] (4)إلى أن قال:و كذلك فعل سيّدنا الحسين(عليه السّلام) (5).

ص:63


1- كنز العرفان 1:380.
2- الروضة 2:400.
3- البقرة:195.
4- البقرة:190.
5- المنتهى 2:974.

و فيه نظر؛ فإن آية النهي عن الإلقاء في التهلكة لا تفيد الإباحة المختصة،بل التحريم،خرج منه صورة فقد المصلحة،لوجوب القتال حينئذ إجماعاً.

و حبّ لقاء اللّه تعالى شهيداً و إن كان مستحسناً لكن حيث يكون مشروعاً،و هو ما إذا لم تدعو حاجة و لا ضرورة،و أما معها فاستحسانه أوّل الدعوى.

مع أنه معارض بما ذكره في صورة جواز بذل الإمام المال،من الصغار الحاصل من القتل و السبي و الأسر الذي يفضي إلى كفر الذرية.

فإنّ هذه أجمع لعلّه عند اللّه سبحانه أعظم من لقاء اللّه تعالى شهيداً.

و أمّا فعل سيّدنا الحسين(عليه السّلام)فربما يمنع كون خلافه مصلحة،و أنّ فعله كان جوازاً لا وجوباً،بل لمصلحة كانت في فعله خاصّة لا تركه.كيف لا؟!و لا ريب أنّ في شهادته إحياءً لدين اللّه قطعاً،لاعتراض الشيعة على أخيه الحسن في صلحه مع معاوية،و لو صالح(عليه السّلام)هو أيضاً لفسدت الشيعة بالكلية،و لتقوى مذهب السنة و الجماعة،و أيّ مصلحة أعظم من هذا،و أيّ مفسدة أعظم من خلافه؟كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المهادنة و إن جازت أو وجبت لكن لا يتولاّها أي عقدها، و كذا عقد الذمّة بالجزية كما في المنتهى إلّا الإمام،أو نائبه (1) المنصوب لذلك،بلا خلاف أجده.

و في المنتهى:لا نعلم فيه خلافاً،قال:لأنّ ذلك يتعلّق بنظر الإمام و ما يراه من المصلحة،فلم يكن للرعية توليته،و لأن تجويزه من غير الإمام

ص:64


1- في المختصر المطبوع:مَن يأذن له.

يتضمن إبطال الجهاد بالكلية،أو إلى تلك الناحية (1).

و يجوز أن يذم بضم أوله و كسر تاليه مضارع أذمّ،أي:

أجار و أمّن الواحد من المسلمين للواحد من الكفار فصاعداً إلى العشرة،كما ذكره جماعة (2).

و يمضي ذمامه على الجماعة أي جماعة المسلمين،فلا يجوز لهم نقضه و لو كان الذي أذمّ أدونهم أي أدون الجماعة شرفاً كالعبد و المرأة و نحوهما كما لا يخفى،فلا يمضي عليهم ذمام المجنون و لا الصبي مطلقاً.

بلا خلاف في شيء مما ذكر يظهر،و لا ينقل إلّا عن الحلبي في الجواز،قال:فإن فعل أثم و لكن يمضي (3).و هو نادر ضعيف.

للنبوي المشهور بين الخاصّة و العامّة:« المؤمنون بعضهم أكفاء بعض،يتكافأ دماؤهم،و يسعى بذمّتهم أدناهم» (4).

لكن في القويّ الوارد في تفسيره:ما معنى قول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يسعى بذمّتهم أدناهم؟قال:« لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال:أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم و أُناظره، فأعطاه الأمان أدناهم،وجب على أفضلهم الوفاء به» (5).

ص:65


1- المنتهى 2:975.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 2:14،و القاضي في المهذب 1:305،و العلامة في المنتهى 2:975.
3- الكافي:257.
4- عوالي اللئلئ 1:141/235،و ج 2:38/274،مسند أحمد 1:122،الوسائل 29:75 أبواب القصاص في النفس ب 31 ح 1،2.
5- الكافي 5:1/30،التهذيب 6:234/140،الوسائل 15:66 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 1.

و في الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون،و قال:هو من المؤمنين» (1).

و مقتضاهما كغيرهما الحكم الثاني من المضيّ على الجماعة،دون الجواز لكن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة،السليم عمّا يصلح للمعارضة لعله كافٍ في إثباته.

و إطلاق الأوّل يشمل ما لو أذمّ أهل بلد أو إقليم أو صُعق،لكنه خارج بلا خلاف،بل في المنتهى عليه الإجماع.

قال:و كذا لو هادن أحد من الرعية بلداً أو صقعاً لم يصحّ ذلك إجماعاً،فإن دخل أحد هؤلاء الذين هادنهم غير الإمام و نائبه إلى دار الإسلام كان بمنزلة من جاء منهم و ليس بيننا و بينه عقد (2).

و ظاهر الخبر الثالث يعطي جواز الأمان للحصن،كما أفتى به جماعة (3)،و يعضده الأصل و عموم النبوي.خلافاً لآخرين،و دليلهم غير واضح.

و من دخل بين المسلمين بشبهة الأمان كأن سمع شيئاً فزعم الأمان فدخل فهو آمن حتى يُردّ إلى مأمنه و كذا لو استذمّ فقيل أي قال له المسلمون: لا نذمّ،فظنّ أنهم قد أذمّوا فدخل بينهم وجب إعادته إلى مأمنه،نظراً إلى الشبهة بغير خلاف ظاهر و لا منقول.

ص:66


1- الكافي 5:2/31،التهذيب 6:235/140،قرب الإسناد:488/138،الوسائل 15:67 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 2.
2- المنتهى 2:975.
3- كالقاضي في المهذب 1:306،و العلامة في التذكرة 1:414.

و لعلّه لبعض المعتبرة:« لو أنّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا:لا،فظنّوا أنهم قالوا:نعم،فنزلوا إليهم،كانوا آمنين» (1).

لكنه أخصّ من المدّعى،لاختصاصه بالمذكور بعد كذا.

و لعلّه لورود النص فيه أفرده بالذكر بعد أن كان في الإطلاق السابق داخلاً،و إلّا فلا وجه له أصلاً.

و كيف كان،فالنص لا يفيد الكلّية إلّا أن يستنبط منه بالفحوى.

و بالجملة:فالعمدة في أصل الحكم النبوي،و عدم خلاف فيها،و إلّا فالنصّ مع قصوره دلالة كما مضى قاصر سنداً أيضاً.

و إذا التقى الفئتان لا يجوز الفرار من الحرب إذا كان العدوّ على الضعف من المسلم أي قدره مرّتين أو أقلّ بلا خلاف في الجملة للجملتين،كالمائة و المائتين و الألف و الألفين،على الظاهر، المصرّح به في التنقيح (2)؛ للآيات.

منها إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [1] (3).و منها إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [2] (4).و عدّ من الكبائر في جملة من الأخبار (5).

ص:67


1- الكافي 5:4/31،التهذيب 6:237/140،الوسائل 15:68 أبواب جهاد العدو ب 20 ح 4.
2- التنقيح الرائع 1:579.
3- الأنفال:15،16.
4- الأنفال:45.
5- الوسائل 15:318 أبواب جهاد النفس ب 46.

و في انسحاب الحكم للآحاد بمعنى وجوب ثبات الواحد للاثنين فيحرم فراره منهما،أم لا،قولان،أحوطهما ذلك؛ للنص (1).

إلّا لمتحرّف لقتال،أي منتقل إلى حالة أمكن من حالة التي هو عليها،كاستدبار الشمس و تسوية اللأمة و ورود الماء و طلب السعة.

أو متحيّز أي منضمّ إلى فئة ليستنجد بها في المعونة على القتال،قليلة كانت أو كثيرة،مع صلاحيتها له،و كونها غير بعيدة على وجه يخرج عن كونه مقاتلاً عادة.فلا حرمة في الصورتين؛ لما عرفت من نصّ الآية الشريفة.

و الحكم بالحرمة في غيرهما مطلق و لو غلب على الظنّ العطب و الهلاك،على الأظهر،وفاقاً لأكثر الأصحاب؛ عملاً بما مرّ من إطلاق الكتاب،و التفاتاً إلى جواز كذب ظنّه،لقوله تعالى فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [1] (2).خلافاً للمختلف (3)و غيره،فقيّداه بغير صورة غلبة الظن؛ عملاً بقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [2] (4)و لما فيه من حفظ النفس الواجب دائماً و إمكان تحصيل مقصود الجهاد بعد ذلك.

قال في المختلف بعد ذلك:و وجوب الثبات لا ينافي ما قلنا،فإنّ المطلوب يصدق في أيّ جزء كان.

و يضعّف:بأن إلقاء النفس إلى التهلكة الموجب لعدم حفظ النفس

ص:68


1- الوسائل 15:84 أبواب جهاد العدوّ ب 27.
2- الأنفال:66.
3- المختلف:325.
4- البقرة:195.

الواجب و للتغرير بها ليس منافياً للجهاد،بل مقصود فيه.

و المتبادر من الثبات المطلق عدم الفرار مطلقاً،كما نصّت عليه الآية الاُولى فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ [1] . و احترز بالشرط عما لو كان العدو و أكثر من الضعف، فإنه لو فرّ حينئذ جاز إجماعاً كما في التحرير و المنتهى،و فيهما:و لو غلب على ظنّ المسلمين الظفر استحب لهم الثبات،لما فيه من المصلحة، و لا يجب.قال في المنتهى:لأنهم لا يأمنون العطب،و لأن الحكم بجواز الفرار علّق على مظنّته،و هو كون المسلمين أقلّ من ضِعف العدوّ،و لهذا لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف و لو غلب على ظنّهم الهلاك (1).

ثم إنّ إطلاق النص و الفتوى بتحريم الفرار يعمّ صورتي الاختيار و الاضطرار.خلافاً لشيخنا في المسالك و الروضة،فقيّده بحال الاختيار، قال:و أما المضطر كمن مرض أو فقد سلاحه فإنه يجوز له الانصراف (2).

و لعلّه لفقد شرط وجوب الجهاد،لما مرّ من اشتراطه بالسلامة من المرض.و لعلّه أيضاً مراد الأصحاب،و إنما تركوه اتّكالاً على ما قدّموه في بحث الشروط.

و يجوز المحاربة بكل ما يُرجى به الفتح،كهدم الحصون،و رمي المجانيق و التحريق بالنار،و قطع الأشجار،و إرسال الماء و منعه عنهم، و نحو ذلك،مع الضرورة و توقف الفتح عليه،و عدمها،و إن كره بعضها بدونها. و لا يضمن ما يتلف بذلك المسلمين الذين بينهم.

بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر إلّا ما سيذكر؛ للأصل،

ص:69


1- التحرير 1:135،المنتهى 2:908.
2- المسالك 1:150،الروضة 2:392.

و العمومات كتاباً و سنة،و التأسي في قطع الأشجار و الحرق و تخريب الديار؛ فقد فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله)في أهل الطائف و بني النضير،على ما ذكره جماعة من الأصحاب (1).

و خصوص النص:عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء،أو يحرقون بالنار،أو يرمون بالمنجنيق حتى يقتلوا و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأُسارى من المسلمين و التجار؟فقال:

« يفعل ذلك،و لا يمسك عنهم لهؤلاء،و لا دية عليهم[للمسلمين]و لا كفّارة» (2).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالأصل و العمل،و بذلك يترجح على الأخبار الناهية عن بعض هذه الجملة،مع قصور أسانيدها جملة و إن اعتبر بعضها،كالحسن:« لا تغلّوا،و لا تمثّلوا،و لا تغدروا،و لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا صبيّاً و لا امرأة،و لا تقطعوا شجرة إلّا أن تضطروا إليها» (3).

و نحوه الخبر الآخر:« لا تغدروا،و لا تغلّوا،و لا تمثّلوا،و لا تقتلوا وليداً و لا مُتبتّلاً في شاهق،و لا تحرقوا النخل،و لا تغرقوه بالماء،و لا تقطعوا شجرة مثمرة،و لا تحرقوا زرعاً،لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه،و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله»

ص:70


1- منهم:الشيخ في المبسوط 2:11،و العلامة في المنتهى 2:909،و الشهيد الثاني في الروضة 2:392؛ و أُنظر سنن البيهقي 9:85،و سنن ابن ماجة 2:2844/948،2845.
2- الكافي 5:6/28،التهذيب 6:242/142،الوسائل 15:62 أبواب جهاد العدو ب 16 ح 2.و ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 5:1/27،و 9/30،التهذيب 6:231/138،المحاسن:51/355،الوسائل 15:58 أبواب جهاد العدو ب 15 ح 2.

الخبر (1).

فينبغي حملها على الكراهة و إن أمكن الجمع بينهما بحمل الرواية بالجواز على حال الضرورة.و هذه على حالة الاختيار،كما هو ظاهر الحسنة.

و الأصل يقتضي المصير إلى هذا الجمع؛ لاعتبار الخبر بإبراهيم بن هاشم و الوشّاء بل صحته كما هو التحقيق.فينبغي الرجوع إلى تقييد لاحقه و سابقه مع قصور إطلاقه بوروده في مقام جواب السؤال عن جواز القتل بما فيه من جهة الخوف على مَن فيه،لا جوازه به من جهته.

و ربّما أشعر بذلك عبارة النهاية،حيث قال بعد الحكم بجواز قتال الكفار بسائر أنواع القتل و أسبابه إلّا السم-:و متى استعصى على المسلمين موضع منهم كان لهم أن يرموهم بالمجانيق و النيران و غير ذلك مما يكون فيه فتح (2)؛ لاشتراطه الاستعصاء في ذلك.

و لكن ظاهر الأصحاب الجواز مطلقا،حتى إنهم لم ينقلوا فيه خلافاً منّا.فهذا أقوى،و إن كان مراعاة التقييد أولى.

و لذا يكره في حال الاختيار بإلقاء النار و قطع الأشجار،و التغريق بالماء و نحوه منعه عنهم؛ لما في الدروس عن علي(عليه السّلام):

« لا يحلّ منع الماء» قال:و يحمل على حالة الاختيار و إلّا جاز (3).

و ظاهره التحريم به اختياراً عملاً بالرواية.لكنها مرسلة لا تصلح

ص:71


1- الكافي 5:8/29،التهذيب 6:232/138،الوسائل 15:59 أبواب جهاد العدو ب 15 ح 3.
2- النهاية:293.
3- الدروس 2:32.

لتخصيص ما قدّمناه من الأدلة،نعم لا بأس بالكراهة.

و يحرم المحاربة بإلقاء السمّ وفاقاً للنهاية و الغنية و الدروس و السرائر،قال:و به نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار(عليهم السّلام) (1).

و لم نقف إلّا على رواية السكوني القويّة به و بصاحبه،و فيها:« إن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى أن يُلقَى السمّ في بلاد المشركين» (2).

و هي كما ترى قاصرة السند؛ و لذا قيل إنّه يكره و القائل الشيخ في المبسوط (3)زياً له إلى رواية الأصحاب مؤذناً باتّفاقهم عليها.

و لعلّه الأقوى،وفاقاً له و لأكثر المتأخرين بل عامّتهم عدا من مضى، حتى الشهيد في اللمعة (4)؛ لأدلة الجواز أصلاً و نصّاً،كتاباً و سنة السليمة عما يصلح للمعارضة،سوى الرواية المانعة،و هي لما عرفت قاصرة السند و إن تأيّدت بالقوة و بالروايات المرسلة في السرائر،لمعارضتها برواية الأصحاب المنقولة في المبسوط كما عرفت،مع أنها غير صريحة قابلة للحمل على الكراهة.

مع أنها لو أُبقيت على ظاهرها من التحريم كانت شاذّة،لرجوع الشيخ في في المبسوط عمّا ذكره في النهاية.

و لو تترّسوا بالصبيان و المجانين و النساء و الحرب قائمة و لم يمكن الفتح إلّا بقتلهم جاز بشرط أن لا يقصدوهم،بل من خلفهم من

ص:72


1- النهاية:293،الغنية(الجوامع الفقهية):584،الدروس 2:32،السرائر 2:7.
2- الكافي 5:2/28،التهذيب 6:244/143،الوسائل 15:62 أبواب جهاد العدو ب 16 ح 1.
3- المبسوط 2:11.
4- اللمعة(الروضة البهية 2):392.

المشركين،و لا يكفّ عنهم لأجل الترس،بغير خلاف ظاهر؛ للنص المتقدم في جواز المحاربة بكلّ ما يُرجى به الفتح.

و إطلاقه كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة (1)يعمّ ما لو لم تكن الحرب قائمة،كأن كانوا في حصن يتحصّن،أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال.و به صرّح في المنتهى (2)،عازياً له إلى الشيخ.لكنّه قال في التحرير:الأولى تجنّبه (3).و هو أيضاً ظاهر السرائر (4).

و لعلّه لما سيأتي من الأخبار الناهية عن قتل هؤلاء،خرج منها صورة قيام الحرب بالنصّ و الوفاق،و بقي الباقي.و لا ريب أنّه أحوط،و إن كان الأول لعلّه أقرب،وفاقاً للأكثر.

و كذا الحكم فيما لو تترّسوا بالأُسارى من المسلمين و الحرب قائمة أو مطلقاً،على الخلاف المتقدم،و لا يمكن الفتح إلّا بقتلهم،جاز بالشرط المتقدم بلا خلاف،لعين ما مرّ من النصّ.

و فيه التصريح بأنّه لا دية عليهم و لا كفارة.

و لا خلاف في الأوّل،و ظاهر المنتهى إجماعنا عليه،و إجماع الكل على نفي القود أيضاً،قال:لقوله تعالى فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [1] (5)و لم يذكر الدية فلم تكن واجبة،و لأنّ إيجاب الضمان يستلزم إبطال الجهاد (6).و فيهما نظر.

ص:73


1- كابن سعيد في الجامع للشرائع:236،و الشهيد في الدروس 2:31.
2- المنتهى 2:910.
3- التحرير 1:135.
4- السرائر 2:8.
5- النساء:92.
6- المنتهى 2:910.

و في الثاني خلاف،أشار إليه بقوله و في الكفارة قولان للشيخ.

أحدهما الوجوب،اختاره في المبسوط،و تبعه الحلّي (1)و أكثر الأصحاب بل عامّتهم.

و ثانيهما العدم،و هو ظاهر في النهاية،حيث نفى الدية و سكت عن الكفارة (2)،كذا قيل (3).و فيه نظر.

و ظاهر المصنف و الفاضل في التحرير التوقّف و التردّد (4)،من نصّ الرواية بالعدم،و تصريح الآية بالوجوب.

و فيه نظر؛ فإنّ الرواية قاصرة عن معارضة الآية الشريفة لوجوه عديدة،مضافاً إلى موافقة الرواية لرأي أبي حنيفة (5).

و لا داعي لجعلها معارضة بالآية إلّا ما في التنقيح عن بعض الفضلاء في ردّ الوجوب بأن الكفارة على تقدير الذنب،و لا ذنب هنا مع إباحة القتل.و ضعّفه بمنع كون الكفارة على تقدير الذنب،و إلّا لما وجبت على القاتل خطأً،و النصّ و الإجماع بخلافه،مع أنه لا ذنب فيه،لحديث رفع القلم (6).و هو حسن.

و على المختار فهل هي كفّارة الخطأ أو العمد؟وجهان مأخذهما كونه في الأصل غير قاصد للمسلم،و إنّما مطلوبة قتل الكافر،و النظر إلى صورة الواقع فإنه متعمّد لقتله.

ص:74


1- المبسوط 2:12،الحلّي في السرائر 2:8.
2- النهاية:293.
3- التنقيح الرائع 1:581.
4- التحرير 1:136.
5- كما نقلها في المغني و الشرح الكبير 10:396.
6- التنقيح الرائع 1:582.

و رجّح الثاني شيخنا الشهيد الثاني و قال هو كالأول في الدروس -:و ينبغي أن تكون من بيت المال لأنه للمصالح و هذه من أهمّها،و لأنّ في إيجابها على المسلم إضراراً يوجب التخاذل عن الحرب لكثير (1).انتهى.

و هو حسن.

و لا يجوز أن يقتل نساؤهم و إن عاونّ و كذا المجانين و الصبيان و الشيخ الفاني،بلا خلاف.

و في المنتهى:الإجماع في الصبيان (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة العاميّة و الخاصيّة.

منها زيادةً على ما مرّ قريباً-:النبوي العامّي:« لا تغلّوا،و لا تمثّلوا، و لا تغدروا،و لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا صبيّاً و لا امرأةً» (3).

و الخاصّي:« نهى(صلّى اللّه عليه و آله)عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن،فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك و لا تخف خللاً» إلى أن قال:« و كذلك المقعد من أهل الذمّة و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب،فلذلك رفعت عنهم الجزية» (4).

و يستفاد منه جواز القتل مع الضرورة كما أشار إليه بقوله: إلّا مع الاضطرار بأن تترّسوا بهم و توقّف الفتح على قتلهم.و لا خلاف فيه أيضاً كما مضى،و عليه الإجماع هنا في المنتهى قال:للضرورة،و لما رواه ابن عبّاس:إنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال:« من قتل هذه؟ »

ص:75


1- انظر الروضة 2:394،و الدروس 2:31.
2- المنتهى 2:911.
3- سنن البيهقي 9:90.
4- الكافي 5:6/28،الفقيه 2:102/28،التهذيب 6:277/156،الوسائل 15:64 أبواب جهاد العدو ب 18 ح 1.

فقال رجل:أنا يا رسول اللّه،قال:« لِم؟» قال:نازعتني قائم سيفي، فسكت (1).

و فيه و في التحرير:لو وقفت المرأة في صفّ الكفار[أو على حصنهم فشتمت المسلمين (2)]أو تكشّفت لهم جاز رميها؛ للخبر العامي (3).ثم قال:و يجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى الرمي (4).و لا بأس به.

و ألحق الشهيدان بالمرأة الخنثى المشكل،قال ثانيهما:لأنه بحكم المرأة في ذلك (5).و هو إعادة للمدّعى كما لا يخفى.

و يحرم التمثيل بأهل الحرب حين قتلهم كجذع انوفهم و آذانهم، و إن فعلوا ذلك بالمسلمين و الغدر بهم أي قتلهم بغتةً بعد الأمان و الغلول منهم بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من الأخبار المعتبرة.

و يجوز أن يقاتل في أشهر الحرم و هي:رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرّم،مع من لا يرى لها حرمة فيستحلّ القتال فيها،أو يرى و لكن هتك حرمتها.

و يكفّ عن القتال مع من يرى حرمتها و لم يهتكها فيما ذكره جماعة (6).

ص:76


1- مجمع الزوائد 5:316.
2- أثبتناه من المصدر.
3- سنن البيهقي 9:82.
4- المنتهى 2:911،التحرير 1:136.
5- الروضة البهية 2:393.
6- منهم:الشيخ في النهاية:293،و القاضي في المهذب 1:303،و الحلّي في السرائر 2:8.

من غير خلاف بينهم أجده في شيء من الأحكام الثلاثة.

أمّا الأوّل و الثاني منها فلقوله سبحانه اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ،وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ،فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] (1)الآية.

قال في الكنز:و كان أهل مكة قد منعوا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عام الحديبية سنة ستّ في ذي القعدة،و هتكوا الشهر الحرام،فأجاز اللّه سبحانه للنبي(صلّى اللّه عليه و آله) و أصحابه أن يدخلوا في سنة سبع في ذي القعدة لعمرة القضاء مقابلاً لمنعهم في العام الأول.

ثم قال وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ [2] أي يجوز القصاص في كلّ شيء حتى في هتك حرمة الشهور.ثم عمّم الحكم فقال فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [3] فإنّ دفع الشرّ خير،و تسمية المجازي معتدياً مجاز،تسميةً للشيء باسم مقابله إلى أن قال -: و يستفاد من هذه الآية أحكام:الأوّل:إباحة القتال في الشهر الحرام لمن لا يرى له حرمة أعمّ من أن يكون ممن كان يرى الحرمة أولا،لأنه إذا جاز قتال من يرى حرمته فقتال غيره أولى (2).انتهى.

و أما الثالث منها فلقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [4] (3).قال في الكتاب المتقدم:و في الآية أحكام:الأوّل:تحريم القتال في

ص:77


1- البقرة:194.
2- كنز العرفان 1:344.
3- البقرة:217.

الشهر الحرام بقوله تعالى قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [1] أي ذنب كبير،لكن عند أصحابنا ليس ذلك على إطلاقه،بل التحريم بالنسبة إلى من يرى حرمة الشهر الحرام إذا لم يبدأ،و أمّا من لا يرى لها حرمة أو يرى و يبدأ فيجوز القتال،و لذلك قال تعالى قِتالٍ [2] بالتنكير،و النكرة في الإثبات لا تعمّ.

و قال الأكثر:إنه كان حراماً مطلقاً ثم نُسخ،و قال عطا:بل التحريم باقٍ لم ينسخ (1).انتهى.

و ظاهره اتّفاق الأصحاب على عدم الإطلاق؛ و لعلّ المستند في التقييد ما مرّ من الدليل،مضافاً إلى النصّ المنجبر بالعمل.

و فيه:عن المشركين أ يبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال:« إذا كان المشركون يبتدئونهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه،و ذلك قول اللّه عز و جل اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ [3] و الروم في هذا بمنزلة المشركين،لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة و لا حقاً،فهؤلاء يبدؤون بالقتال فيه،و كان المشركون يرون له حقاً و حرمة فاستحلّوه فاستحلّ منهم،و أهل البغي يبتدئون بالقتال» (2).

و يكره حال الاختيار القتال قبل الزوال كما هنا.و في التحرير و اللمعتين و الدروس (3).و في النهاية و السرائر و الشرائع و المنتهى:

يستحب أن يكون بعده أو عنده بعد أن تصلّي الظهرين (4).و هو أولى؛

ص:78


1- كنز العرفان 1:354.
2- التهذيب 6:243/142،الوسائل 15:70 أبواب جهاد العدو ب 22 ح 1.و الآية:البقرة:194.
3- التحرير 1:136،اللمعة(الروضة 2):394،الدروس 2:32.
4- النهاية:298،السرائر 2:21،الشرائع 1:312،المنتهى 2:913.

للموثق:« كان أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يقاتل حتى تزول الشمس و يقول:

تفتح أبواب السماء،و تقبل الرحمة،و ينزل النصر،و يقول:هو أقرب إلى الليل،و أجدر أن يقلّ القتل و يرجع الطالب و يفلت المنهزم» (1).

و التبييت أي النزول عليهم ليلاً؛ للموثق:« ما بيّت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)عدوّاً قط ليلاً» (2).

و لو اضطرّ إلى ذلك زالت الكراهة للحاجة.

و في المنتهى:و لأنّ الغرض قتلهم فجاز التبييت،لأنه أبلغ في احتفاظ المسلمين،و روى الجمهور أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)شنّ الغارة على بني المصطلق ليلاً (3).

و أن يعرقب الدابة و إن وقفت به أو أشرف على القتل.و لو رأى ذلك صلاحاً زالت الكراهة كما ذكره جماعة (4)،قالوا:كما فعله جعفر بمؤنة،و ذبحها أجود.

أقول:و لم أقف على ما يقتضي المنع عنه بالخصوص،نعم في بعض الأخبار المتقدمة:« و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله» (5).

و لعلّه المستند في الكراهة،كما يستفاد من التنقيح حيث قال:و إنّما قلنا بكراهته لا لمصلحة لأنه يؤول إلى هلاكها،و قد نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)

ص:79


1- الكافي 5:5/28،التهذيب 6:341/173،علل الشرائع:70/603،الوسائل 15:63 أبواب جهاد العدو ب 17 ح 2.
2- الكافي 5:3/28،الوسائل 15:63 أبواب جهاد العدو ب 17 ح 1.
3- المنتهى 2:909،و أُنظر المغني و الشرح الكبير 10:7575/495.
4- منهم:الشهيد الأول في الدروس 2:32،و الشهيد الثاني في الروضة 2:394،و المسالك 1:151.
5- راجع ص 70.

عن قتل الحيوان لغير أكله (1).

و هو لا ترى،فإنّ المنهي عنه هو مطلق الإهلاك لا خصوص التعرقب،و قد صرّح الجماعة بأنّ ذبحها مع المصلحة أجود من التعرقب، و هو ينادي بالتغاير بينهما،و لذا فرضه في التحرير و المنتهى مسألة أُخرى (2)،و هو أيضاً يؤيّد أنّ الكراهية هنا لخصوصية لم نجد دليلها لا لذلك النهي مطلقاً.

و كذا تخصيص بعضهم كشيخنا في المسالك و الروضة ذلك بدابّة المسلم دون الكافر،فقال:أما دابّة الكافر فلا كراهة في قتلها كما في كلّ فعل يؤدّى إلى ضعفه و الظفر به (3).

فهو أيضاً يؤيّد ما ذكرنا من التغاير بينهما،إذ النهي في النصّ مطلقاً لا اختصاص له بالمسلم.

و بالجملة فإثبات الكراهة للخصوصية من النصّ مشكل،و لكن اتّفاق الفتاوى كافٍ في إثباتها،سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد و ما يكون ظنيّاً.

و حيث كانت الفتاوى هو المستند في إثباتها فينبغي الحكم بإطلاقها، إلّا أن يذبّ عنه باختصاصها بحكم التبادر و السياق في جملة من الفتاوى بدابّة المسلم الراكب لها دون الكافر،فيرجع فيها إلى مقتضى الأصل من الجواز بلا كراهة مطلقاً مع الضرورة و بدونها،كما ذكره شيخنا.

و المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام بلا خلاف و لا إشكال في

ص:80


1- التنقيح 1:583.
2- التحرير 1:135،المنتهى 2:910.
3- المسالك 1:151،الروضة 2:395.

المرجوحية فتوًى و رواية،كما لا خلاف في المنع التحريمي مع نهي الإمام عنها،و لا الوجوب العيني مع أمره و إلزامه بها شخصاً معيّناً،و الكفائي مع أمره بها جماعة ليقوم بها واحد منهم،و لا الاستحباب إذا ندب إليها من غير أمر جازم.

و إنما الخلاف في التحريم في غير الصور المزبورة.

و المشهور بين المتأخرين الكراهة.و لا يخلو عن قوة؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا رواية ضعيفة:عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام،فقال:« لا بأس،و لكن لا يطلب ذلك إلّا بإذن الإمام» (1).

و لكن الأحوط مراعاتها،فقد عمل بها الشيخ في النهاية و الحلّي و ابن حمزة (2).

و يدلّ على رجحان الاستيذان مضافاً إلى النصّ و الوفاق الاعتبار و الآثار،لأنّ الإمام أعلم بفرسانه و فرسان المشركين،و من يصلح للمبارزة و من لا يصلح لها،و ربما حصل ضرر بذلك،فإنّه إذا انكسر صاحبهم كسر قلوبهم،فينبغي أن يفوّض النظر إليه ليختار للمبارزة من يرتضيه لها، فيكون أقرب إلى الظفر و أحفظ لقلوب المسلمين و كسر قلوب المشركين.

قال في المنتهى:و يؤيّده ما رواه الجمهور:إنّ عليّاً(عليه السّلام)و حمزة و عبيداً استأذنوا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يوم بدر (3).

ص:81


1- الكافي 5:1/34،التهذيب 6:323/169،الوسائل 15:89 أبواب جهاد العدو ب 31 ح 1.
2- النهاية:293،الحلي في السرائر 2:8؛ و لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.
3- المنتهى 2:912.

النظر الثالث في التوابع

اشارة

النظر الثالث:في التوابع و هي أربعة

الأوّل في قسمة ألفي

الأوّل:في قسمة ألفي و هو و الغنيمة بمعنى واحد على قول (1)، و على آخر حكاهما في كنز العرفان-:أنه ما أُخذ من الكفّار بغير قتال، و الغنيمة:ما أُخذ بقتال.

و في الكنز:أنّ هذا مذهب أصحابنا و الشافعي،و هو مرويّ عن الباقر و الصادق(عليهما السّلام).و عند أصحابنا و الشافعي أنّ ألفي للإمام خاصةً،و الغنيمة يخرج منها الخمس و الباقي بعد المُؤَن للمقاتلين و من حضر القتال (2).

أقول:و على هذا فالتعبير بالغنيمة أولى،كما في جملة من كتب أصحابنا (3).

و كيفيتها:أنه يجب إخراج ما شرطه الإمام للمقاتل و غيره أوّلاً كالجعائل التي يجعلها للمصالح،كالدليل على عورة أو طريق،فيبدأ بها ثم ما يحتاج إليه الغنيمة من المُؤَن كأُجرة الحافظ و الراعي و الناقل و أضرابهم و بما يرضخ و المراد به هنا العطاء اليسير الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان مستحقّاً للسهم،كما يرضخ لمن لا قسمة له كالنساء و العبيد و الكفّار ثم يخرج الخمس بعد ذلك وفاقاً للمبسوط و الأكثر (4).

ص:82


1- كنز العرفان 1:249.
2- كنز العرفان 1:248.
3- كالمبسوط 2:35،و الشرائع 1:179،و الروضة البهية 2:400.
4- المبسوط 2:28؛ و أُنظر الجامع للشرائع:239،و التحرير 1:146،و المنتهى 2:922.

و لا إشكال في نحو السلب؛ لتعلّق الحقّ بالعين فلا تدخل في الغنيمة.و نحوه ما يصطفيه الإمام لنفسه،من فرس أو جارية أو سيف أو درع أو غير ذلك ممّا يشاء؛ للنصّ المعتبر:« و للإمام صفو المال،أن يأخذ الجارية الفارهة،و الدابة الفارهة،و الثوب و المتاع ممّا يحب أو يشتهي، فذلك له قبل قسمة المال و قبل إخراج الخمس،و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينويه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك مما ينويه،فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج منه الخمس فقسّمه في أهله و قسّم الباقي على من ولي ذلك،و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم» الحديث (1).

و ضعفه بالإرسال مجبور بكونه من حماد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه،مع الإجماع المستفاد من الغنية في الصفو (2).

و قريب منهما المُؤَن؛ لهذا النصّ،و لما قيل:من أنّ الغنيمة في الحقيقة هو ما حصل و استقرّ ملك الغانمين عليه،و ذلك إنّما هو بعدها (3).

و به استدلّ على الرضخ أيضاً.

و يضعّف بأنّه في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة،غايته أنّه ناقص عن السهام،و ذلك غير مانع،كما أنّ نقصان سهم الراجل عن سهم الفارس غير مؤثّر في تقدّم الخمس عليه.و إطلاق اسم الغنيمة على المال المدقوع رضخاً واضح.

فوجوب الخمس فيه قويّ،وفاقاً للشهيدين في الدروس و المسالك

ص:83


1- الكافي 1:4/539،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
3- التنقيح الرائع 1:584.

و الروضة (1)،أخذاً بعموم الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [1] (2)الآية، السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة سوى ما عرفت ضعفه.

و لعلّه لذلك قال الشيخ في الخلاف فيما حكي عنه بتقديم الخمس على الأُمور المزبورة (3).

و هو حسن في الرضخ،و يوافقه قول الإسكافي بتقدّمه على النفل (4).

قيل:هو بالتحريك،واصلة الزيادة،و المراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئاً من الغنيمة لمصلحة،كدلالة و إمارة و سرية و تهجّم على قرن أو حصن و تجسيس حال،و غيرها ممّا فيه نكاية الكفّار (5).

و ضعف فيما عداه؛ لما مضى من خروج ذلك عن الغنيمة،فلا يدخل في إطلاق الآية و عمومها.

بل يمكن القول بتقدّم نحو الرضخ على الخمس أيضاً؛ لعموم النصّ المتقدّم لولا قصور سنده عن الصحة و دلالته عن الصراحة مع عدم جابر له بالإضافة إليه،كما في الصفر،لصراحة دلالته فيه و انجبار ضعف سنده بالنسبة إليه بإجماع الغنية (6).

إلّا أن يقال بأنّ الظهور كافٍ في الدلالة،و عمل الأكثر كافٍ في جبر السند.

و في المختلف قدّم الخمس على الجميع إن لم يشترط الإمام لأرباب

ص:84


1- الدروس 2:35،المسالك 1:156،الروضة 2:403.
2- الأنفال:41.
3- الخلاف 4:198.
4- على ما نقله عنه في المختلف:203.
5- الروضة 2:403.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):584.

الحقوق حقوقهم من غير خمس (1).و هو أحوط،و أحوط منه ما عن الخلاف مرّ.

و إخراج ما مرّ يقسّم الباقي من الأربعة الأخماس الباقية بين المقاتلة و من حضر القتال ليقاتل و إن لم يقاتل حتى الطفل الذكر من أولاد المقاتلين،دون غيرهم ممّن حضر لصنعة أو حرفة، كالبيطار و النقّال و السائس و الحافظ إذا لم يقاتلوا و لو ولد بعد الحيازة قبل القسمة بلا خلاف فيه أجده بيننا،بل في ظاهر الغنية و المنتهى:أنّ عليه إجماعنا (2).

للخبرين:« إذا ولد المولود في أرض الحرب أُسهم له» (3)كما في أحدهما،أو:« قسم له ممّا أفاء اللّه تعالى عليهم» (4)كما في ثانيهما.

و كذا من يلتحق بهم من المدد الواصل إليهم ليقاتل معهم فلم يدرك القتال،فيُسهم له حين وصوله بعد الحيازة قبل القسمة،بغير خلاف أجده هنا أيضاً،و في ظاهر الكتابين و التحرير:أنّ عليه إجماعنا (5).

للنّص:عن الجيش إذا غزوا أهل الحرب فغنموا غنيمة،ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام،و لم يلقوا عدوّاً حتّى خرجوا إلى دار الإسلام،هل يشاركونهم فيها؟قال:« نعم» (6).

ص:85


1- المختلف:328.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:947.
3- قرب الإسناد:487/138،الوسائل 15:113 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 9.
4- التهذيب 6:259/147،الوسائل 15:113 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 8.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):584،المنتهى 2:952،التحرير 1:146.
6- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الوسائل 15:102 أبواب جهاد العدو ب 37 ح 1.

و هو و إن شمل صورة الوصول إليهم بعد القسمة،لكنّها خارجة بإجماع العلماء،كما في صريح التحرير و المنتهى،و فيهما إجماعهم على الإسهام له إذا كان الالتحاق بهم قبل تقضّي الحرب (1).

و في الخبر:الرجل يأتي القوم و قد غنموا و لم يكن ممّن شهد القتال، قال:« هؤلاء المحرومون» فأمر أن يسهم لهم (2).

قيل:و ذكر الشيخ أنّه يحتمل الحمل على ما لو لحقوهم بعد الخروج إلى دار الإسلام،و أنّ الأوّل يحتمل التخصيص بحضور القتال (3).انتهى.

و الأقرب حمل الثاني على أنّهم محرومون من ثواب القتال خاصّة لا من الإسهام،و لذا أمر به لهم للراجل سهم و هو من ليس معه فرس سواء كان راجلاً أو راكباً غير الفرس و للفارس سهمان بلا خلاف في الأوّل بين العلماء كما في المنتهى (4).و كذا في الثاني بيننا إلّا من الإسكافي المشار إلى قوله بقوله: و قيل:للفارس ثلاثة سهم (5).و هو نادر،و في ظاهر الغنية الإجماع على خلافه (6).

للنصّ (7)المعمول به عندنا و إن ضعف سنداً،لانجباره بعمل

ص:86


1- التحرير 1:146،المنتهى 2:952.
2- الكافي 5:6/45،التهذيب 6:254/146،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 37 ح 2.
3- الاستبصار 3:2.
4- المنتهى 2:949.
5- حكاه عنه في المنتهى 2:949.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
7- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الإستبصار 3:3/3،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 1.

الأصحاب كما في التنقيح (1).و في المسالك:العمل عليه و إن ضعف السند (2).

و لعله للأصل،مع ضعف سند المعارض الدالّ على الثلاثة (3)،مع احتماله الحمل على التقية،لنقله في المنتهى عن أكثر العامة (4)،هذا مضافاً إلى الشهرة المقطوع بها المنقولة في كلام جماعة مستفيضاً (5).

و لو كان معه أفراس أُسهم لفرسين منها دون ما زاد فله ثلاثة أسهم مطلقاً،بالنصّ و الإجماع.

ففي المرتضوي:« إذا كان مع الرجل أفراس لم يسهم له إلّا لفرسين منها» (6).

و عليه يحمل إطلاق ما دلّ على أنّ للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهماً،بحمله على ما إذا تعدّدت أفراسه.

و يؤيده الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم،سهمين لفرسيه و سهماً له،و يجعل للراجل سهماً» (7).

ص:87


1- التنقيح الرائع 1:585.
2- المسالك 1:156.
3- قرب الإسناد:288/87،الوسائل 15:104 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 2؛ و التهذيب 6:257/147،الإستبصار 3:4/3،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 2.
4- المنتهى 2:949.
5- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:414،و الشهيد الثاني في الروضة 2:405،و المسالك 1:156.
6- الكافي 5:3/44،التهذيب 6:256/147،الإستبصار 3:6/4،الوسائل 15:115 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 1.
7- التهذيب 6:258/147،الإستبصار 3:5/4،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 42 ح 3.

و لكن يحتمل الحمل على التقية كما مضى.

و كذا يقسّم بينهم للراجل سهم و للفارس سهمان و لذوي الأفراس ثلاثة لو قاتلوا في السفن مطلقاً و إن استغنوا عن الخيل بلا خلاف فيه ظاهراً،و صرّح به في المنتهي (1)مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما في صريح الغنية (2).

للنصّ المنجبر بالعمل:عن سريّة كانوا في سفينة،فقاتلوا و غنموا و فيهم من معه الفرس،و إنّما قاتلوهم في السفينة و لم يركب صاحب الفرس فرسه،كيف تقسّم الغنيمة بينهم؟فقال:« للفارس سهمان، و للراجل سهم» قلت:و لم يركبوا و لم يقاتلوا على أفراسهم،قال:« أ رأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف اقسّم بينهم؟أ لم أجعل للفارس سهمين و للراجل سهماً و هم الذين غنموا دون الفرسان؟ » قلت:فهل يجوز للإمام أن ينقل؟فقال:« له أن ينقل قبل القتال،فأمّا بعد القتال و الغنيمة لا يجوز ذلك،لأنّ الغنيمة قد أُحرزت» (3).

و لا يسهم لغير الخيل من سائر الدواب،كالإبل و البقر و الحمير و البغال و يكون راكبها في الغنيمة كالراجل يكون له سهم واحد،بلا خلاف كما في السرائر (4).

و في المنتهى:قال به علمائنا أجمع،و هو قول عامّة أهل العلم و مذهب الفقهاء في القديم و الحديث.و عن الحسن البصري أنّه يسهم

ص:88


1- المنتهى 2:951.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
3- الكافي 5:2/44،التهذيب 6:253/145،الإستبصار 3:3/3،الوسائل 15:103 أبواب جهاد العدو ب 38 ح 1.
4- السرائر 2:10.

للإبل خاصة،و عن أحمد روايتان.لنا:أنّه لم ينقل عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)إسهام غير الخيل من البهائم و قد كان معه يوم بدر سبعون بعيراً و لم ينفك غزواته(عليه السّلام)من استصحاب البُخت،بل كانت هي الغالب على دوابّهم،و لو أسهم لها لنقل،و كذلك لم ينقل عن أحد من الأئمّة(عليهم السّلام)بعده سهم للإبل و لا غير الخيل من الدّواب.و لأنّ الفرس ينفرد بالكرّ و الفرّ و الطلب و الهرب، بخلاف الإبل،فإنّها لا تصلح لذلك فأشبهت البغال و الحمير (1).

و اعلم أنّ الفارس إنّما يعزل له سهمان إذا كان فارساً عند الحيازة للغنيمة لا قبلها.

و إليه أشار بقوله: و الاعتبار بكونه فارساً عند الحيازة لا ب كونه فارساً عند دخول المعركة.

فلو ذهب فرسه قبل تقضّي الحرب لم يسهم لفرسه،و لو دخل راجلاً فأحرز الغنيمة و هو فارس فله سهم فارس،بلا خلاف ظاهر بيننا في الحكم الأوّل،و كذلك في الثاني على ما يظهر من المنتهى حيث لم ينقل فيهما خلافاً منّا (2).

قال في المسالك:لا إشكال في عدم اعتباره عند دخول المعركة، و إنّما الكلام في اشتراط كونه على الوصف عند الحيازة،أو يعتبر كونه كذلك عند القسمة،لأنّه محل اعتبار الفارس و الراجل ليدفع إليهما حقّهما.

و الذي اختاره المصنّف و أكثر الجماعة الأوّل.و هو واضح على القول بأنّه يملك بها،فلا يتحقق الملك إلّا بذلك.و ينبّه على اعتبار الثاني استحقاق المولود و المدد اللاحق بعد الغنيمة و قبل القسمة،و اختاره المحقق الشيخ

ص:89


1- المنتهى 2:951.
2- المنتهى 2:951.

علي.و لا بأس به.

و قد اختلف نسخ القواعد في هذه المسألة،ففي بعضها اعتبار الحيازة لا القسمة كما هنا،و في بعضها اعتبارها إلى القسمة،فلا بدّ من وجوده فارساً في الحال بأسرها من الحيازة إلى القسمة،و في بعضها اعتبار الحيازة أو القسمة،و ظاهره الاكتفاء بأحدهما،و يحتمل أن يكون موضع التردّد و اختيار،أو لينبّه على القولين المتقدمين الدالّين على أنّ وقت الملك هل هو الحيازة أو القسمة (1)؟انتهى.

و ما اختاره حسن.و يعضده زيادة على ما ذكر صدق اسم الفارس قبل القسمة إذا كان فارساً عندها و لو كان عند الحيازة راجلاً،فيدخل في الإطلاقات.و لعلّه يشير إلى هذا قوله:لأنّه محل اعتبار الفارس.لكن يستفاد من قوله:و هو واضح على القول بأنّه يملك بالحيازة،أنّه لا وجه لقوله حينئذٍ.

و الرواية السابقة (2)الواردة في القتال ظاهرة في التملك بالحيازة؛ لمنعها عن النفل بعد القتال معلّلة بعلّة ظاهرة في ذلك.و ضعف السند مجبور بالعمل كما مرّ،و مع ذلك فظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بيننا.و عليه فلعلّ ما عليه الأكثر أظهر،سيّما مع عدم ظهور مخالف فيه عداه و المحقق الثاني (3).

و الجيش يشارك سريّته بالفتح و تخفيف الراء و تشديد الياء، و هي جملة من العسكر الصادرة منه في غنيمتها،كما هنا و في الشرائع و السرائر و الدروس و التحرير و المسالك (4)و فيهما:و كذا لو غنم الجيش

ص:90


1- المسالك 1:156.
2- في ص 88.
3- جامع المقاصد 3:417.
4- الشرائع 1:325،السرائر 2:9،الدروس 2:36،التحرير 1:147،المسالك 1:156.

شاركهم السريّة،و في الأخير:أنّه موضع وفاق.ثم فيهما و في الشرائع:

و كذا لو تعدّدت السرايا عن جيش واحد فإنّ كلا منها يشارك الآخر،و في التحرير:سواء بعثها إلى جهة واحدة أو جهتين.ثم فيهما:و لو بعث الأمير رسولاً لمصلحة الجيش أو دليلاً أو جاسوساً لينظر عددهم و ينقل أخبارهم فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم أُسهم له (1).

و ظاهرهم عدم الخلاف في شيء من ذلك بيننا،كما صرّح به في المنتهى في جملة منها (2)؛ و لعلّه الحجة المؤيّدة بفحوى ما مرّ في مشاركة المولود إذا ولد قبل قسمة المقاتلة،و بأنّ الجيش مدد السرية فيشاركهم في الغنيمة.و به استدل في السرائر (3).

و لا يشاركها أي السريّة عسكر البلد كما هنا و في الشرائع و التحرير (4)،و زاد فيه:و لو بعث سريّتين أو جيشين و هو مقيم فكل واحد منهم يختصّ بما غنمه.

و لا إشكال في هذا الحكم و لا خلاف كما يظهر من المنتهى (5)؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على الشركة من النص و الفتوى بالمقاتلة و من في حكمهم من المدد،و لا يدخل فيهما عسكر البلد.

بل لولا ما قدّمناه في المسألة السابقة من عدم الخلاف فيها المؤيد بما عرفته،لكان اختصاص السرية بما غنمته دون جيشها مطلقاً في غاية القوة؛

ص:91


1- التحرير 1:147 المسالك 1:156،الشرائع 1:325.
2- المنتهى 2:953.
3- السرائر 2:9.
4- الشرائع 1:325،التحرير 1:147.
5- المنتهى 2:953.

لظهور الأخبار المعتبرة في القسمة (1)في الاختصاص بالمقاتلة و من يلحقهم من المدد خاصّة،و ليس منهما الجيش و إن خرجت عن البلد حيث لم يلحقهم كما هو فرض المسألة،و إلّا فمع فرض اللحوق كانت مسألة أُخرى تقدّمت إليهما الإشارة و لا إشكال في حكمها،لورود نصّ (2)فيها بالخصوص معتضد بالفتاوى لولاهما لكانت محل إشكال أيضاً.

و اعلم أنّ إطلاق الأدلّة فتوًى و رواية بلزوم القسمة بين المقاتلة يقتضي عموم الحكم فيهم إعراباً كانوا بالمعنى الآتي أو غيرهم.

و لكن في جملة من الأخبار المرويّة من طرق الخاصّة و العامّة أنّه صالح النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الأعراب عن ترك المهاجرة و المجيء إلى دار الإسلام بأن يساعدوا المسلمين على القتال إذا استفزّهم و استنفرهم ليقاتلوا و لا نصيب لهم في الغنيمة.

ففي الحسن بل الصحيح في حديث طويل أنّه(عليه السّلام)قال لعمرو بن عبيد:« أ رأيت إن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم،كيف تصنع بالغنيمة؟» قال:أُخرج الخمس و أُقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه، إلى ان قال:« أ رأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟ » قال:نعم،قال:« فقد خالفت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)في سيرته،بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم نسألهم،فإنّهم لم يختلفوا أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على أنّه إن دهمه من عدوّه دَهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب،و أنت تقول بين جميعهم،فقد خالفت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)في سيرته

ص:92


1- الوسائل 15:102،103،115 أبواب جهاد العدو ب 37،38،42.
2- تقدّم ذكره في ص:85.

في المشركين» (1).

و نحوه المرسل كالصحيح (2)و فيه بعد قوله نصيب « و سنّته جارية فيهم» .و هما مع تعدّدهما و اعتبارهما سنداً و تأيّدهما برواية أُخرى موافقة لهما من طرق العامّة مرويّة في المنتهى (3)واضحاً الدلالة؛ لعدم قبولهما الجواب بأنّهما قضية في واقعة لا عموم لهما،لتصريحهما معنىً و لفظاً بأنّ ذلك سنّة جارية.

و عمل بهما الشيخ في المبسوط،و النهاية (4)،و تبعه من المتأخرين جماعة كالفاضلين هنا و في المختلف (5)و الشهيدين في الدروس و المسالك (6)،و فيه:أنّه المشهور،بل لم ينقل فيه خلاف إلّا عن الحلّي في السرائر (7)،حيث شرك بينهم و بين المقاتلة مدّعياً شذوذ الرواية و مخالفتها لأُصول المذهب و الإجماع على أنّ من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة و أنّ الغنيمة للمقاتلة.

و ردّه في التنقيح بأنّ مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق (8).

و لكن ظاهر الفاضلين في الشرائع و التحرير و المنتهى (9)التردد في

ص:93


1- الكافي 5:/23 1،التهذيب 6:/148 261،الوسائل 15:111 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 3.
2- الكافي 5:/44 4،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.
3- سنن البيهقي 9:53،المنتهى 2:948.
4- المبسوط 2:74،النهاية:299.
5- المختلف:329.
6- الدروس 2:36،المسالك 1:157.
7- السرائر 2:21.
8- التنقيح الرائع 1:586.
9- الشرائع 1:325،التحرير 1:146،المنتهى 2:948.

المسألة؛ و لعلّه إمّا لعدم صحة سند الروايتين عندهما كما يظهر من المنتهى، أو لضعف دلالتهما على المراد من الأعراب أ هم المسلمون أم الكفّار اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [1] ؟و الثاني ليس محل النزاع،و إنّما هو الأوّل كما صرّح به جماعة (1).

و حينئذ فيشكل الاعتماد عليهما في تقييد ما مرّ من إطلاق الأدلّة،مع منافاة ما فيهما من المصالحة بترك المهاجرة عموم ما دلّ على وجوب تحصيل المعرفة،و لا تحصل مع ترك المهاجرة،ففي المصالحة إعانة على الإثم و المعصية محرّمة بالكتاب و الإجماع و السنة،مع احتمالهما الحمل على التقية،لموافقتهما لرواية العامّة كما عرفته،بل و مذهبهم كما مرّ في الصحيحة من أنّ فقهاء أهل المدينة لا يختلفون في ذلك،و المراد بهم فقهاء العامّة بلا شبهة.

لكن ظاهر السرائر و المنتهى و غيرهما وضوح الدلالة و أنّ المانع عن العمل بهما إمّا هو الشذوذ،أو عدم الصحة؛ و لعلّه لإجماعنا كما في المنتهى (2)على أنّ الكافر لا سهم له في الغنيمة مطلقاً،و ظاهر الروايتين ثبوته للأعراب لو لم يصالحوا،و أنّ سقوطه للصلح لا بالأصل،فظهر أنّ المراد بهم المسلمون من الأعراب الذين يثبت لهم السهم من غير الصلح.

و لا بأس به،و إن أمكن دفعه بأنّ ليس في الروايتين تصريح بالسهم بالمعنى المعروف،و النصيب فيهما يحتمل الرضخ الثابت للكافر بلا خلاف.و بالجملة المسألة محل إشكال و شبهة.

و لو غنم المشركون أموال المسلمين و ذراريهم ثم ارتجعوها أي

ص:94


1- القواعد 1:107،جامع المقاصد 3:415،المسالك 1:157،مجمع الفائدة 7:462.
2- المنتهى 2:947.

المسلمون منهم لم تدخل في الغنيمة بلا خلاف في الذراري الأحرار، على الظاهر،المصرّح به في التنقيح و السرائر (1)معربين عن الإجماع عليه كما في صريح الدروس و المنتهى (2)؛ للأصل،و النصّ عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم،أ يردّ عليهم؟قال:

« نعم،و المسلم أخو المسلم،و المسلم أحقّ بماله أينما وجده» (3).

و نحوه آخر مرسل سيذكر،و ضعفهما بالجهالة و الإرسال مجبور هنا بالأصل و الإجماع.

و ظاهر الأوّل انسحاب الحكم في المماليك و سائر الأموال،فتردّ على أربابها بعد ثبوتها بالبيّنة و نحوها.و لا خلاف فيه أيضاً إذا كان قبل القسمة كما يستفاد من نحو العبارة حيث خصّ الخلاف بما بعدها،و عزاه في المنتهى إلى عامة العلماء (4)،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه و على أنّ الإمام لا يغرم للمقاتلة هنا شيئاً.

و لكن الشيخ في النهاية أطلق أنّها للمقاتلة و أنّ الإمام يعطي أربابها الأثمان من بيت المال (5)،و لم يفصّل بين قبل القسمة و بعدها،و نفى عنه البأس القاضي بعد أن أفتى بالأوّل (6)،و وافقهما الإسكافي و الحلبي (7)لكنّه فيما عدا

ص:95


1- التنقيح الرائع 1:588،السرائر 2:11.
2- الدروس 2:36،المنتهى 2:955.
3- التهذيب 6:/159 288،الإستبصار 3:/4 7،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 3.
4- المنتهى 2:955.
5- النهاية:295.
6- انظر المهذب 1:312.
7- حكاه عن الإسكافي في المختلف:329،الحلبي في الكافي في الفقه:259.

المماليك،و فيهم قال بالأوّل،و الإسكافي في المماليك خاصّة و لم يذكر غيرهم.

و له المرسل:« أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، و لكن يردّون إلى أبيهم و أخيهم و إلى وليّهم بشهود،و أمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون و تعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين» (1).

و هو مع ضعفه بالإرسال و مخالفة الأصل و ما مرّ من النصّ معارض بآخر:في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثمّ أُخذ سبياً إلى دار الإسلام قال:« إن وقع عليه قبل القسمة فهو له،و إن جرى عليه القسمة فهو أحقّ به بالثمن» (2).

مضافاً إلى ما سيأتي.

و للنهاية و الحلبي الصحيح:عن رجل لقيه العدوّ و أصاب منه مالاً أو متاعاً،ثم إن المسلمين أصابوا ذلك،كيف يصنع بمتاع الرجل؟فقال:« إذا كانوا أصابوا قبل ان يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه،و إن كانوا أصابوه بعد ما جازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ:بالشفعة» (3).

و لكن الحيازة فيه تحتمل القسمة لا الاغتنام،و مع ذلك فقد حمله الشيخ (4)و غيره (5)على التقية،فلا يعترض به الأدلّة المتقدمة مع اعتضادها

ص:96


1- الكافي 5:/42 1،التهذيب 6:/159 287،الوسائل 15:97 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 1.
2- التهذيب 6:/160 290،الإستبصار 3:/5 9،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 4.
3- الكافي 5:/42 2،التهذيب 6:/160 289،الوسائل 15:98 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 2.
4- كما في الاستبصار 3:5.
5- انظر المختلف:328.

أو انجبارها زيادة على الأصل بالشهرة العظيمة.

فلا إشكال في المسألة من الردّ على أربابها إذا عرفت قبل القسمة بنحو من البيّنة،من غير أن يغرم الإمام شيئاً للمقاتلة.

و إنّما الإشكال في الخلاف المعروف فيما لو عرفت بعد القسمة و قد اختلف الأقوال فيه،و الأخبار.

و للشيخ ف -يه قولان معروفان.

أحدهما في النهاية:أنّها للمقاتلة و يغرم الإمام أثمانها لأربابها،كما في المسألة السابقة.

و ثانيهما في المبسوط و الخلاف و الاستبصار (1):أنّها لأربابها و يغرم الإمام أثمانها للمقاتلة من بيت المال.و اختار هذا الحلّي و الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف،و الشهيد في الدروس (2)لكنّه لم يذكر الغرامة و الماتن في الشرائع (3)و الكتاب لقوله: أشبههما ردّها على المالك و يرجع الغانم على الإمام بقيمتها مع التفرّق أي تفرّق العسكر و عدم إمكان الجمع فيغرمها من بيت المال و إلّا يتفرّق فعلى الغنيمة فتعاد القسمة أو يرجع الإمام على كلّ بالنسبة.

لكن ليس في كتب الشيخ و من مرّ هذا التفصيل من التفرق فإلى الإمام و قبله فإلى الغنيمة.و وافق الماتن شيخنا في المسالك،و الفاضل المقداد في

ص:97


1- المبسوط 2:26،الخلاف 5:523،الاستبصار 3:5.
2- الحلي في السرائر 2:11،التحرير 1:147،المنتهى 2:955،المختلف:329،الدروس 2:36.
3- الشرائع 1:326.

الشرح (1).

و لا بأس به؛ للنص:عن رجل كان له جارية،فأغار عليها المشركون فأخذوها،ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم،فقال:« ان كانت في الغنائم و أقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه،فإن كانت اشتريت و خرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمتها و أُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جمعيه» قيل له:فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس و قسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال:« يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البينة،و يرجع الذي هي في يده على أمير الجيش بالثمن» (2).

و ضعف سنده بالجهالة مجبور بالأصل،و النصّ،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع كما في الغنية (3)و لو على أصل الردّ من غير التفصيل المتقدم إليه الإشارة،مع سلامة جميع ذلك عمّا يصلح للمعارضة سوى الأخبار الثلاثة المتقدّمة (4)للنهاية في المسألة السابقة،فإنها تدل على مختاره في هذه المسألة.لكنّها مع ضعف سند أكثرها و مخالفتها الأُصول محمولة على التقية،فقد حكاه في المنتهى عن الثوري و الأوزاعي و مالك و أحمد و أبي حنيفة (5).

الثاني في الأُسارى

الثاني: في بيان أحكام الأُسارى

ص:98


1- المسالك 1:157،التنقيح الرائع 1:587.
2- التهذيب 6:/160 291،الإستبصار 3:/6 11،الوسائل 15:99 أبواب جهاد العدو ب 35 ح 5.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):585.
4- في ص:96.
5- المنتهى 2:955.

و هم على ضربين:ذكور و إناث،و الذكور بالغون و أطفال. و الإناث مطلقاً و الأطفال كذلك يسترقّون و يملكون بالسبي و لا يقتلون إجماعاً،كما في الغنية (1)،و في المنتهى بلا خلاف (2)لأنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن قتل النساء و الصبيان و كان يسترقّهم إذا سباهم.

و لو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالإنبات لتعذّر العلم بغيره من العلامات غالباً،و إلّا فلو اتّفق العلم به بها كفى؛ لعموم الأدلّة عليها.

قيل:و كذا يقبل إقراره بالاحتلام كغيره من الأقارير.و فيه تأمّل.و لو ادّعى استعجال نباته بالدواء،فالأقرب القبول؛ للشبهة الدارئة للقتل (3).

و لا بأس به.

و الذكور البالغون يقتلون حتماً إن أُخذوا و الحرب قائمة ما لم يسلموا فإن أسلموا سقط قتلهم،إجماعاً كما في المنتهى (4)؛ للنبوي « أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا اللّه،فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم و أموالهم» (5).

و في الخبر:« الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئاً» (6).

و يتخيّر الإمام حينئذٍ بين استرقاقهم و المنّ عليهم و الفداء،عند جماعة كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة،وفاقاً للفاضل في

ص:99


1- الغنية(الجوامع الفقهية):584.
2- المنتهى 2:926.
3- الروضة 2:402.
4- المنتهى 2:928.
5- سنن البيهقي 9:182.
6- الكافي 5:/35 1،التهذيب 6:/153 267،علل الشرائع:/565 1،الوسائل 15:72 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 2.

المنتهى حاكياً له عن الشيخ أيضاً (1).

و حكى في الكتابين تعيّن المنّ هنا قولاً،قال:لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر فمع الإسلام أولى.و فيه:أنّ عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة و مصير إلى ما هو أعظم لا إكرام،فلا يلزم مثله بعد الإسلام.و لأن الإسلام لا ينافي الاسترقاق (2).

و يمكن الاستدلال عليه بثبوت جوازه حال الكفر فيما إذا أُخذوا بعد تقضّي الحرب،فمع الإسلام قبله أولى.و أما تعيّنه؛ فلعدم دليل على جواز الاسترقاق هنا،و إن جاز مع الإسلام،لأنّه فرع الدليل و ليس هنا.

و كذا أخذ الفداء،لا دليل عليه إلّا ما ذكره الشيخ من أنّه فادى النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله) أسيراً أسلم برجلين (3).فإن تمّ،ثبت التخيير بينه و بين المنّ.و أمّا الاسترقاق فلم يقم عليه دليل.نعم يحتمله ما مرّ من الخبر،لكنّه ضعيف السند.

و ممّا ذكرنا تبيّن انّ الأولى تعيّن المنّ.

و حيث يجوز قتلهم فالإمام مخيّر بين ضرب أعناقهم،و قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف،و تركهم حتى ينزفوا بضم الياء و فتح الزاء على البناء للمفعول كما في المسالك،قال:لأنّ الدم هو الفاعل للنزف لغة (4).

قال الجوهري:يقال نزفت الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف.

فهو نزيف و منزوف (5).

و إن أُخذوا بعد انقضائها،لم يجز أن يقتلوا و كان الإمام مخيّراً بين

ص:100


1- المسالك 1:153،الروضة 2:400،المنتهى 2:928.
2- الروضة 2:400،المسالك 1:153.
3- الخلاف 4:193.
4- المسالك 1:153.
5- الصحاح 4:1431.

المنّ عليهم و الفداء لأنفسهم بمال،أو رجال حسبما يراه من المصلحة و الاسترقاق لهم.كلّ ذا على المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف مطلقاً (1).

و في المسالك في الثاني خاصة (2).

و في المنتهى:إنّه ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع (3).و ظاهره الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة:« إنّ للحرب حكمين:إذا كانت قائمةً لم تضع أوزارها و لم يضجر أهلها،فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه،و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم،و تركه يتشحّط بدمه حتى يموت،فهو قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [1] (4)إلى أن قال في تفسير النفي:« ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتّى يهرب،فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك.و الحكم الآخر:إذا وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها [2] و أثخن أهلها،فكلّ أسير أُخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليه، و إن شاء فاداهم أنفسهم،و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً» (5).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.

ص:101


1- المختلف 331.
2- المسالك 1:153.
3- المنتهى 2:927.
4- المائدة:33.
5- الكافي 5:1/32،التهذيب 6:245/143،الوسائل 15:71 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 1.

و فيه حجة على القاضي،حيث خالف فيما لو أُخذ قبل تقضّي الحرب،فجوّز للإمام قتله بأيّ نوع من أنواع القتل،و فيما لو أُخذ بعده فخيّره بين الثلاثة المتقدمة و القتل (1).

و على الحلبي،حيث خالف في الأوّل بتخييره له بين ما مرّ و الصلب و المفاداة،إلّا في الصلب،لوجوده في النصّ نظراً إلى الآية المذكورة فيه.

و في الثاني خيّره بين المفاداة و المنّ (2)،و لم يذكر الاسترقاق.

و على ابن حمزة،حيث خالف في الثاني،ففصّل فيه بين من يجوز عقد الذمّة له كالذمّي فيتخير بين الأُمور الثلاثة،و غيره كالوثني فبين المنّ و الفداء خاصّة،و لم يجوّز الاسترقاق له (3).و حكاه الفاضل عن الشيخ في المختلف و اختاره (4)،و في المنتهى و ردّه (5).و هو الوجه،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (6)؛ لإطلاق النصّ.

و على العماني،فخيّره بين المنّ و الفداء و الاسترقاق (7)،و لم يفصّل بينهما.

و لم أجد لشيء من هذه الأقوال دليلاً،مضافاً إلى مخالفتها النصّ الذي مضى.

و ظاهر التخيير فيه في المقامين كونه تخيير شهوة،خلافاً لشيخنا في

ص:102


1- المهذب 1:316.
2- الكافي في الفقه:257.
3- الوسيلة:203.
4- المختلف:331.
5- المنتهى 2:927.
6- الروضة البهية 2:401،و المسالك 1:153.
7- نقله عنه في المختلف:331.

كتابيه في الثاني (1)،فجعله تخيير اجتهاد في مصلحة لا شهوة إلّا إذا تساوت الأفراد فيها فشهوة،وفاقاً للفاضل في التحرير و المنتهى،قال:لأنّ الإمام وليّ المسلمين فيرى لهم الأصلح من الثلاثة (2).

قال في المسالك:و يحتمل كون التخيير في الأول كذلك أيضاً،فإنّ قطع الأيدي و الأرجل قد يكون أصلح،ليعتبر الكفار و يترهّبوا،و يرغب ضعيف العقيدة في اتّباع المسلمين،و يمكن كون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر (3).

و هو و إن كان اجتهاداً في مقابلة النص،لكنّه أولى.

و لا يسقط هذا الحكم المذكور في المقام الثاني من التخيير بين الأُمور الثلاثة لو أسلموا لإطلاق النصّ و الفتوى،إلّا ما يحكى في المختلف و الدروس عن الشيخ أنّه قال:و قد قيل إنّه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق،لأنّ عقيلاً أسلم بعد الأسر ففداه النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)و لم يسترقّه (4).

قال في الدروس:و هي حكاية حال فلا تعمّ.

أقول:مع احتمال كون المفاداة لكونها أحد الأُمور المخيّر بينها، فاختارها لذلك لا لأجل عدم جواز الاسترقاق،كما هو واضح.

و حيث يختار الفداء و الاسترقاق يدخل ذلك في الغنيمة،كما يدخل من استرقّ ابتداءً فيها من النساء و الأطفال،على ما ذكره جماعة و منهم الشهيدان (5)و الفاضل في المنتهى.

ص:103


1- الروضة البهية 2:401،المسالك 1:153.
2- التحرير 1:140،المنتهى 2:928.
3- المسالك 1:153.
4- المختلف:332،الدروس 2:39،و أُنظر المبسوط 2:20.
5- اللمعة(الروضة البهية 2)402.

و فيه:لا يقال:الغانمون لا حقّ لهم في الأسير،لأنّ الإمام مخيّر فيه، فكيف يكون لهم حقّ في بدله.لأنّا نقول:لا نسلّم أنّ الغانمين لا حقّ لهم في الأسير،و تخيير الإمام إنّما يتعلّق بمصلحة المسلمين في الأسير لأنّه لم يصر مالاً،فإذا صار مالاً تعلّق حق الغانمين به،لأنّهم أسروه و قهروه،و هذا كثير النظائر،فإنّ من عليه الدين إذا قتل عمداً لم يكن لأرباب الدين حقّ على القاتل،فإن اختار الورثة المال و رضي به القاتل تعلّق حقّهم به (1).

و لا يقتل الأسير الذي يجوز للإمام قتله لو عجز عن المشي لأنّه لا يُدرى ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل،و لأن قتله إلى الإمام و إن كان مباح الدم في الجملة كالزاني المحصن.

و حينئذٍ فإن أمكن حمله،و إلّا ترك؛ للخبر« إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله،فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه» (2).

و ظاهره تحريم القتل و وجوب الإرسال،كما هو ظاهر المتن و صريح الشهيدين في الدروس و اللمعتين (3)في الأوّل،و ظاهر النهاية و السرائر فيه و في الثاني (4).خلافاً للفاضلين في الأوّل،فعبّرا في الشرائع و التحرير و المنتهى عن الحكم بعدم الوجوب (5).

و للدورس في الثاني،فنسب وجوب الإرسال فيه إلى النهاية مشعراً

ص:104


1- المنتهى 2:928.
2- الكافي 5:1/35،التهذيب 6:267/153،علل الشرائع:1/565،الوسائل 15:72 أبواب جهاد العدو ب 23 ح 2.
3- الدروس 2:36،اللمعة(الروضة 2)402.
4- النهاية:296،السرائر 2:12.
5- الشرائع 1:318،التحرير 1:141،المنتهى 2:932.

بتردّده فيه (1).و لعلّه لضعف السند،و لأنّ القتل متعيّن عليه،فلا يجوز للمسلم أن يتركه و ينصرف،لما فيه من الإخلال بالواجب و تقوية الكفار، فإنّه يستريح و يذهب إليهم،و لأنّه يؤدّي إلى جعل ذلك وسيلةً إلى الخلاص بالحيلة.

و فيه:أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر المنجبر بالعمل،سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بالخبر الواحد و إن اعتبر بحسب السند فضلاً عن ضعفه [ضعيفه] .و لعلّ هذا هو الوجه الآخر للتردّد.

و صرّح جماعة (2)بأنّه لو بدر إنسان فقتله كان هدراً لا قصاص عليه و لا دية و لا كفّارة؛ لأنّه كافر لا أمان له.نعم يعزّر قاتله مسلماً كان أو كافراً.

و كذا الحكم لو قتله قاتل من غير عجز.و لا بأس به.

و كذا لا يقتل الأسير بل مطلق من يجب قتله بعد الذِّمام و الأمان له بلا خلاف؛ لما مرّ.

و يكره أن يصبر بدم من يجب قتله على القتل للصحيح:

« لم يقتل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)رجلاً صبراً قطّ غير عقبة بن أبي معيط» . (3)و فسّر:بالحبس للقتل في المشهور.

و في المسالك:و قيل:المراد به التعذيب حتى الموت.و قيل:قتله جهراً بين الناس.و قيل:أن يهدّد بالقتل ثم يقتل (4)و في غيره:فيه ثلاثة أوجه:الأوّل:أن يقتل و ينظر إليه آخر.الثاني

ص:105


1- الدروس 2:36.
2- منهم:المحقق في الشرائع 1:318،و العلّامة في المنتهى 2:932،و الشهيد في الروضة 2:402.
3- التهذيب 6:340/173،الوسائل 15:148 أبواب جهاد العدو ب 66 ح 1.
4- المسالك 1:153.

أن لا يطعم و لا يسقى حتى يموت بالعطش و الجوع.و الثالث:ما هو المشهور.

و لا بأس بكراهة الكل.بل يحتمل ترك الإطعام و السقي التحريم،كما هو ظاهر الأصحاب حيث أفتوا بوجوبهما مطلقاً و لو أُريد قتله سريعاً، و منهم:الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و الفاضلان و الشهيدان (1)، و غيرهم (2)،بل لا خلاف فيه أجده إلّا من بعض المتأخّرين فحكم بالاستحباب.

للصحيح:« إطعام الأسير حقّ على من أسره و إن كان يراد قتله من الغد،فإنّه ينبغي أن يُطعم و يُسقى و يُرفق به،كافراً كان أو غيره» (3).

و في آخر مرويّ عن قرب الإسناد:« إطعام الأسير و الإحسان إليه حقّ واجب» (4)بل صريحه الوجوب كصدر الأوّل،فهو الأقرب.

و لا يجوز دفن الحربي بل الكافر بأقسامه،بلا إشكال فيه و لا في أنّه يجب دفن المسلم و قد مرّ الكلام فيهما في محلّه.

هذا إذا لم يشتبه أحدهما بالآخر.

و لو اشتبهوا قيل و القائل الشيخ في المبسوط،و تبعه الفاضل في

ص:106


1- النهاية:296،السرائر 2:12،المحقق في الشرائع 1:318،العلّامة في المنتهى 2:932،الشهيد الأول في الدروس 2:37،الشهيد الثاني في المسالك 1:153.
2- المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:398،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:464،و المجلسي في مرآة العقول 18:364.
3- الكافي 5:2/35،التهذيب 6:266/152،الوسائل 15:91 أبواب جهاد العدو ب 32 ح 1.
4- قرب الإسناد:289/87،الوسائل 15:92 أبواب جهاد العدو ب 32 ح 3.

المختلف (1)-:إنّه يوارى و يدفن من كان كميشاً أي صغير الذكر، و عزاه في النهاية (2)إلى الرواية،و هي حسنة بل صحيحة:« لا تواروا إلّا من كان كميشاً و قال:لا يكون ذلك إلّا في كرام الناس» (3).

خلافاً للحلّي،فأوجب القرعة،لأنّها لكلّ أمر مشكل (4).

و هو حسن على أصله،غير مستحسن على المختار من حجيّة أخبار الآحاد المجتمع فيها شرائط الاعتبار كما في المضمار،و بعد وروده فلا إشكال.

و للتنقيح،فقال:و لو قيل يدفن الكلّ احتياطاً كان حسناً،أمّا مع التأذّي بهم يُدفنوا جميعاً (5).

و فيه نظر إن أُريد به الاحتياط وجوباً،و إلّا فلعلّه محتمل،و إن كان الأقوى عدم وجوب دفن من لم يكن كميشاً بناءً على ما قدّمنا من العمل بالنصّ.

و عليه فيتّضح أمر الصلاة أيضاً،فيصلّي على من يدفن منهم دون غيره.

و إليه أشار في المبسوط،فقال مشيراً إلى مقتضى النص فعلى هذا يصلّى على من هذه صفته.لكن قال:و إن قلنا يصلّى على كلّ واحد منهما منفرداً بنيّته بشرط إسلامه كان احتياطاً،و إن قلنا يصلّى عليهم صلاة واحدة

ص:107


1- المبسوط 1:182،المختلف:338.
2- النهاية:298.
3- التهذيب 6:336/172،الوسائل 15:147 أبواب جهاد العدو ب 65 ح 1.
4- السرائر 2:20.
5- التنقيح الرائع 1:589.

و ينوي الصلاة على المؤمنين منهم كان قويّاً (1).

و إلى ما قوّاه أخيراً جنح الحلّي في السرائر و الفاضل في المختلف (2).

و هو لا يتوجّه على أصل كلّ منهما.

أمّا الحلّي،فلأنّ عموم ما دلّ على القرعة يشمل المقام أيضاً.

و كذلك النصّ باعتبار الصفة لكشفها عن إسلام الموصوف بها،لا لكونها تعبّداً محضاً،فلا يشمل غيرها بل يختصّ بها،و به يشعر ذيل النص، لقوله:« لا يكون ذلك إلّا في كرام الناس» .نعم لو احتيط بذلك كان محتملاً،كما قدّمنا.

و اعلم أنّ قول الماتن (كما أمر النبي(صلّى اللّه عليه و آله) بذلك (في قتلى بدر) مشيراً به إلى ما تضمّنه النصّ المتقدّم يتضمّن الاعتراف بصحّة مضمونه، و معه فلا وجه للتردّد المستفاد من النسبة إلى القيل المشعرة بالتمريض، إلّا أن يجعل هذا مقول قول القيل،لا قول الماتن حتّى يستلزم الاعتراف بصحته.أو يكون نظره إلى أنّها قضيّة في واقعة لا عموم لها،و لذا أعرض عنه في الصلاة كلّ من قال به في الدفن،فأوجبوا الرجوع فيها إلى الأُصول.

و هو قويّ متين،سيّما مع عدم وضوح سنده و شبهةٍ ما فيه،و دعوى الحلّي الشذوذ فيه (3).

لكن شيء من ذلك لا يبلغ درجة القدح فيه بعد ظهور اعتباره و إن لم يقطع بصحته،و وهن دعوى شذوذه،كتخيّل عدم عمومه بأنه في واقعة، لظهور ذيله في العموم و عدم إناطة الأمر بالخصوص.

ص:108


1- المبسوط 1:182.
2- السرائر 2:20،المختلف:338.
3- السرائر 2:20.

و بالجملة:فالمتوجّه قول المبسوط،و إن كان الأحوط ما مرّ.

و حكم الطفل الذي لم يبلغ الحلم مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى حكم والديه في الإسلام و الكفر،و ما يتبعهما من الأحكام كالطهارة و النجاسة و غيرهما،بالإجماع الظاهر و النصّ المستفيض بل المتواتر.

ففي الصحيح المرويّ في الفقيه:عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحِنْث قال:« كفّار» (1).

و في الخبر المروي فيه:« أولاد المشركين مع آبائهم في النار،و أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة» (2).

و في المرسل المروي في الكافي:« أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم، و أولاد المشركين يلحقون بآبائهم» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مواضع متشتّتة،كمسألة جواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكوات و الكفّارات (4)،و جواز العقد عليهم مطلقاً (5)،مع اشتراط الإسلام في جميع ذلك اتّفاقاً فتوًى و نصاً.

و بالجملة:فالحكم أوضح من أن يحتاج إلى مزيد بيان.

و عليه فإن أسلما أي الأبوان أو أحدهما أُلحق الولد بحكمه أي المسلم منهما.أمّا مع إسلامهما فواضح.و أمّا مع إسلام

ص:109


1- الفقيه 3:1544/317،بحار الأنوار 5:22/295؛ غلام لم يدرك الحِنث،أي:لم يجرِ عليه القلم.مجمع البحرين 2:250.
2- الفقيه 3:1543/317،بحار الأنوار 5:21/294.
3- الكافي 3:2/238،بحار الأنوار 5:9/292.
4- الوسائل 9:226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6،و ج 22:387 أبواب الكفارات ب 17.
5- الوسائل 20:289،292 أبواب عقد النكاح ب 11،12.

أحدهما فلأنّ« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (1)مضافاً إلى فحوى ما دلّ على لحوق الولد بأشرف أبويه في الحريّة،ففي الإسلام أولى.

و ذكر جماعة تبعيّته للسابي المسلم إذا سباه منفرداً عنهما،كالشيخ و القاضي و الإسكافي،فيما حكاه عنهم الفاضل في المختلف (2)متنظّراً فيه و فيما وقفت عليه من كتبه.و تبعه جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني (3).

و لعلّه في محله؛ لعدم دليل يعتدّ به عليها كليةً إلّا في الطهارة خاصةً.

فلا بأس بها وفاقاً لجماعة (4).

لا لما قيل من ظهور عبائر الجماعة في الإجماع عليها (5).

لمنعه بظهور عبارة الذكرى في تفرّعها على التبعية مطلقاً (6).فإن قلنا بها كذلك ثبتت،و إلّا فلا.

و لا لما في المعالم من أصالة الطهارة و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه،و ليس إلّا النجاسة قبل السبي،و أمّا بعده فيجب المصير إليها،لعدم المخصّص لها (7).

لابتنائه على انحصار دليل النجاسة في الإجماع و عدم حجيّة الاستصحاب.و يمنعان بوجود الإطلاق نصّاً و فتوى كما مضى بالتبعيّة في الكفر المقتضية للنجاسة،خرج منه ما إذا أسلم أبواه أو أحدهما و يبقى

ص:110


1- الفقيه 4:778/243،كنز العمال 1:246/66.
2- المختلف:331.
3- انظر الروضة البهية 1:120.
4- منهم:ابن سعيد في الجامع:238،و العلامة في المنتهي 2:932،و الشهيد في الدروس 2:39.
5- كما في مجمع الفائدة 7:466،و شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخلوط).
6- الذكرى:14.
7- معالم الفقه:260.

الباقي تحته مندرجاً،و ثبوت حجيّة الاستصحاب.

بل لمنع شمول الإطلاق محلَّ البحث؛ لاختصاصه بحكم التبادر و غيره بغير صورة سبي المسلم.

و الاستصحاب إنّما يكون حجّة حيث يسلم عن المعارض،و في محلّ البحث ليس بسالم،لمعارضة استصحاب النجاسة باستصحاب طهارة الملاقي له،فكما أنّ الأوّل يقتضي بقاء نجاسة المَسبيّ،فكذا الأخير يقتضي بقاء طهارة ملاقيه.

و هذا أيضاً لا يخلو عن نظر،فإنّ الأوّل وارد على الثاني فليقطع به إن ثبتت المعارضة بينهما باتّحاد متعلّقهما معنىً،و لو تغايرا محلّاً بإجماع و نحوه،و إلّا فالواجب العمل عليهما كلّ من محلّه،و مرجعه حينئذٍ إلى نجاسة المَسبيَّ و طهارة الملاقي.فإن لم يناف الإجماع و أمكن القول بهما لم يثبت المطلب من الحكم بطهارة المَسبيّ،و إنّما الثابت طهارة ملاقيه، و لا تلازم بينهما كما فرضنا،و نظائره كثيرة.

نعم لم يتبيّن حينئذ أثر نجاسة في هذا الفرع،و لكن قد يتبيّن [تبين] في فرع آخر،كمنعه عن دخول المساجد و نحوه،إذ لا معارض له في هذا الفرع، فيتوجّه الحكم بنجاسته مطلقاً باستصحابها الخاصّ الوارد على استصحاب طهارة الملاقي كما مضى.

و حيث إنّ الفرع الأعظم هو طهارة الملاقي أو نجاسته مع عدم وجود الإجماع المركب المقطوع به على تعارض الاستصحابين،تعيّن القول بطهارته في هذا الفرع،سيّما مع التأيّد بالإجماع المنقول المتقدم.

و لا يعارضه عبارة الذكرى المتقدمة،لكونه راجحاً عليها،مضافاً إلى استلزام نجاسته العسر و الحرج المنفي.و لكن الاحتياط واضح.

ص:111

هذا إذا سبي منفرداً.

و أمّا إذا سبي مع أبويه أو أحدهما،كان كافراً و لم يتبع السابي قولاً واحداً منّا.

و لو أسلم حربيّ في دار الحرب أو دار الإسلام قبل السبي حقن دمه عن القتل و ماله إذا كان ممّا ينقل عن الاغتنام دون ما لا ينقل من العقارات و الأرضين،و لحق به ولده الأصاغر دون الكبار،فإنّ حكمهم حكم سائر الكفّار بغير خلاف.

للخبر المنجبر بالعمل:عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك،فقال:« إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار[و ماله و متاعه و رقيقه له]فأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين إلّا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك،و أمّا الدور و الأرضون فهي فيء و لا يكون له،لأنّ الأرض هي أرض جزية لم يجرِ فيها حكم أهل الإسلام و ليس بمنزلة ما ذكرناه،لأنّ ذلك يمكن احتيازه و إخراجه إلى دار الإسلام» (1).

و فيه أيضاً دلالة على ما مرّ من الحكم بتبعية الولد لأبويه في الكفر و الإسلام،كما لا يخفى على من تأمّل فيه التأمّل التامّ.

و لو أسلم عبد الكافر أو أمته في دار الحرب قبل مولاه و خرج إلينا ملك نفسه و لا سبيل لمولاه عليه إجماعاً فتوًى و نصّاً (2)، و صرّح به في المختلف أيضاً (3).

ص:112


1- التهذيب 6:262/151،الوسائل 15:116 أبواب جهاد العدو ب 43 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو ب 44 ح 1.
3- المختلف:329.

و كذا إذا لم يخرج على قول الشيخ قوّاه في المبسوط بعد أن أفتى فيه بالعدم (1).

و الرقيّة أولى كما هو خيرته في النهاية و خيرة الحلّي (2)و عامّة المتأخرين عنهما،حتّى الماتن في الشرائع جازماً (3).

لكنّه تردّد هنا،لقوله: في اشتراط خروجه إلينا تردّد ينشأ:

من حيث إسلامه المانع عن استيلاء الكافر عليه؛ لقوله تعالى لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (4)و قوله(عليه السّلام):« الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (5).

و من الأصل،و لزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقّن من الفتوى و النصّ،و ليس إلّا بعد الخروج بناءً على أنّ نفي العلوّ و الاستيلاء في الآية و الرواية لا ينافي الملكية،بل السلطنة و نفيها يحصل بالإجبار على البيع من مسلم أو اغتنامه من سيّده بالقهر و الغلبة.

و مع ذلك ف المرويّ من طريق الخاصّة و العامّة الاشتراط ففي الموثق أو القوي:« أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ،و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (6).

و بمعناه النبويّ المرويّ في المنتهى (7).

ص:113


1- المبسوط 2:27.
2- النهاية:295،الحلّي في السرائر 2:10.
3- الشرائع 1:319.
4- النساء:140.
5- راجع ص 3660.
6- التهذيب 6:264/152،الوسائل 15:117 أبواب جهاد العدو ب 44 ح 1.
7- المنتهى 2:930،و أُنظر سنن البيهقي 9:229.

الثالث في أحكام الأرضين

الثالث:في بيان أحكام الأرضين هي أربعة.

منها: أرض الخراج،و هي و كلّ أرض فتحت عنوةً و هي بفتح العين و سكون النون:الخضوع،و منه قوله سبحانه وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ [1] (1)و المراد هنا:ما فتحت بالقهر و الغلبة و كانت مُحياة و معمورة وقت الفتح.

فهي للمسلمين كافةً إلى يوم القيامة و لا يختصّ بها الغانمون و لا يفضلون على غيرهم،بل يشاركونهم في الجملة كشركة باقي المسلمين من غير خصوصية،بإجماعنا الظاهر المستفاد من جماعة (2)؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:عن السواد،قال:« هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم،و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم،و لمن لم يُخلق بعد» فقلنا:

الشراء من الدهاقين،قال:« لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين،فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذنا» قلنا:فإن أخذها منه، قال:« يردّ عليه رأس ماله و ما أكل من غلّتها بما عمل» (3).

و في الخبر:عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه،و قال:« إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له:فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال:« لا بأس إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (4).

ص:114


1- طه 111.
2- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):584،و العلّامة في المنتهى 2:934،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 7:470،و الفاضل السبزواري في الكفاية:75.
3- التهذيب 7:652/147،الإستبصار 3:384/109،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 4.
4- التهذيب 7:654/148،الوسائل 17:370 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 9.

و في آخر:« لا يشتري من أرض السواد شيئاً إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو فيء للمسلمين» (1).

و في ثالث:كيف ترى في شراء أرض الخراج؟قال:« و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين؟» قلت:يبيعها الذي هي في يده،قال:« و يصنع بخراج المسلمين ماذا؟» ثمّ قال:« لا بأس أن يشتري حقّه منها و يحول حقّ المسلمين عليه،و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجها منه» (2).

و هي و إن أوهمت جواز شرائها أو دلّت عليه،و لكن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنها لا تباع و لا توقف و لا توهب و لا تملك بوجه من الوجوه على الخصوص بل زاد بعضهم كالشيخ في المبسوط،فمنع عن مطلق التصرف فيها و لو بنجو من البناء (3)؛ لما دلّت عليه بعد الإجماع أنّها للمسلمين قاطبة،فلا يجوز لأحد تملّكها و لا التصرف فيها مطلقاً من غير إذن الإمام قطعاً.

و لذا منعت جملة منها عن الشراء أوّلاً.

و حمل بعضهم الشراء المرخّص فيها ثانياً على الاستنقاذ،كما يشعر به الرواية الأُولى.

أو على شراء ما فيها من الآثار دونها،كما عقله شيخنا الشهيد الثاني من الرواية الأخيرة؛ لقوله:« لا بأس أن يشتري حقّه منها» قال:لأنّها حقّه

ص:115


1- الفقيه 3:667/152،التهذيب 7:653/147،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 5.
2- التهذيب 4:406/146،الإستبصار 3:387/109،الوسائل 15:155 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 1.
3- المبسوط 2:34.

منها دون نفس الأرض،فلا حقّ له فيها بخصوصه بل و لا تصرّف (1).

و فيه بُعد؛ لأنّ الظاهر من الحقّ فيها إنّما هو حق الأولويّة لا الآثار.

مع أنّ الآثار الموجودة فيها يومئذٍ تعمّ الآثار الموجودة وقت الفتح التي خرجت بها عن الموات و صارت فيئاً للمسلمين كافةً،و حكمها حكم نفس الأرض للمسلمين بلا خلاف،لا يجوز التصرف فيها ببيع و نحوه.

و تخصيصه بالآثار المتجدّدة المملوكة للمتصرف فيها بإذن الإمام و إن أمكن،لكنّه بُعد في بُعد.و مع ذلك فلا بأس به و لا بالأوّل،جمعاً.

و أمّا حملها على جواز بيعها تبعاً للآثار كما عليه الحلّي (2)و جماعة من المتأخرين (3)فمحلّ إشكال،وفاقاً لشيخنا في المسالك في كتاب الإحياء (4)و إن وافقهم هنا (5)؛ لعدم دليل واضح عليه إلّا أن يكون إجماعاً، كما يفهم من بعض العبارات.

و النظر فيها إلى الإمام(عليه السّلام) يقبّلها بالذي يرى،كما صنع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بخير قبّل أرضها و نخلها،كما في الصحيح (6)و غيره (7)، و لا خلاف فيه.

و يصرف حاصلها في المصالح المتعلّقة بالمسلمين من نحو ما

ص:116


1- المسالك 2:287.
2- السرائر 1:478.
3- اللمعة(الروضة)3:247،مجمع الفائدة 7:472،كفاية الأحكام:80.
4- المسالك 2:287.
5- المسالك 1:155.
6- التهذيب 4:342/119،الوسائل 15:158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
7- الكافي 4:2/512،التهذيب 4:341/118،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

يذكر في المرسل كالصحيح،و هو جامع لما على الوالي أن يعمل فيه.

ففيه:« و الأرضون التي أُخذت عنوة بخيل و ركاب (1)،فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها و يحييها،و يقوم عليها على قدر ما يصالحهم الوالي على ذلك،على قدر طاقتهم من النصف و الثلث،و على قدر ما يكون لهم صلاحاً و لا يضرّهم.فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً» .إلى أن قال:« فإن فضل من بعد ذلك أي من الزكاة و ما قبله شيء ردّه إلى الوالي،و إن نقص من ذلك شيء و لم يكتفوا به،كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا،و يؤخذ بعد ما بقي من العشر،فيقسم بين الوالي و شركائه الذين هم عمّال الأرض و أكَرَتها،فيدفع إليهم أنصباءهم على ما صالحهم،فيؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه تعالى و في مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد،و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامة» (2)الخبر.

هذا مع حضوره.أمّا مع غيبته فما كان بيد الجائر يجوز المضيّ معه في حكمه فيها،فيصحّ تناول الخراج و المقاسمة منه لهبة و شراء و غيرهما ممّا يقتضيه حكمه شرعاً،كما هو ظاهر الأصحاب و الأخبار الواردة بحلّ ما يأخذه الجائر و يؤخذ منه من المقاسمة و الخراج.

و ما يمكن استقلال نائب الإمام به فهو الحاكم الشرعي،فأمره إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل.

و لا يجوز جحد الخراج و المقاسمة و لا التصرف فيهما إلّا بإذن الجائر

ص:117


1- في الكافي:و رجال.
2- الكافي 1:4/539،الوسائل 15:110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.

حيث يطلبه أو يتوقف على إذنه مطلقاً،في ظاهر الأصحاب كما في المسالك (1).و فيه بعد نقل الإجماع عليه أقول:و هو المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب الإحياء (2)-:و على هذا فلا يجوز التصرف في هذه الأراضي بغير إذنهم أيضاً حيث يعتبر (3).

خلافاً لبعض من عاصرناه فجوّزه للشيعة؛ للأخبار (4).و فيه نظر.

و ما كان منها مواتاً وقت الفتح فهي من الأنفال للإمام، لا يجوز لأحد أن يتصرّف فيها إلّا بإذنه بالنّص (5)و الإجماع،و مع إذنه تملك بالإحياء.و سيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

بقي هنا شيء و هو:أنّ الأخبار المتقدمة في أنّ المعمورة منها للمسلمين قاطبةً لا إشعار فيها بالتفصيل بينها و بين الموات منها.و لا وجه لتقييدها بالأُولى إلّا ما يظهر من الحلّي (6)و غيره (7)،من أنّ المخصّص لها هو ما يأتي من الأخبار في أنّ الموات للإمام،و عمومها يشمل موات أراضي الخراج أيضاً.

و فيه:أنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ بالآخر،فلا وجه لترجيح تخصيص أخبار الباب بتلك الأخبار كما هو مناط الاستدلال لولا الموافقة لفتوى الأصحاب و الإجماع المنقول

ص:118


1- المسالك 1:155.
2- جامع المقاصد 7:11.
3- المسالك 1:155.
4- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.
5- انظر الوسائل 9:535 أبواب الأنفال ب 2.
6- السرائر 1:481.
7- انظر المنتهى 2:936،و جامع المقاصد 7:14،و المسالك 1:155.

عن التذكرة في خصوص هذه الموات أنّها للإمام (1).و حينئذ فلا إشكال.

و احترز بالقيد عمّا لو كانت معمورةً وقت الفتح ثم خربت،فإنّها للمسلمين دونه(عليه السّلام)؛ و ذلك لما سيأتي من اختصاص الموات من الأنفال التي يجوز إحياؤها و تملّكها به بما لم يجرِ عليه ملك مسلم و مَن بحكمه، أو جرى و باد أهلها،دون ما عرف صاحبها.

و نفى عنه الخلاف هنا في السرائر،فقال:و أمّا الذي جرى عليه ملك أي من موات أرض الخراج فإنّه ينظر،فإن كان صاحبه معيناً فإنّه له و لا يملك بالإحياء بلا خلاف،و إن لم يكن له صاحب معيّن و لا وارث معيّن فهو للإمام عندنا (2).انتهى.

و لا ريب أنّ هذه الموات المفروض كونها معمورةً وقت الفتح ثمّ خرجت صاحبها معلوم،و هو المسلمون كافّةً كما عرفت.

و يعرف المُحيى منها و الميّت وقت الفتح بإخبار الثقات و المعروفين من أهل التواريخ مع الإمكان،و إلّا فبالقرائن المفيدة للعلم،أو الظنّ المتاخم له.و منها ضرب الخراج و المقاسمة و لو من حكّام الجور،على ما ذكره جماعة (3)حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة.

فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم تقدّم العمارة إن كانت الآن معمورةً، و إلّا فعدمها بالكلية إن كانت الآن مواتاً،و حينئذٍ فيحكم لمن بيده منها شيء بالملك لو ادّعاه.

و منها: أرض الجزية،و هي كلّ أرض فتحت صلحاً على

ص:119


1- التذكرة 1:427.
2- السرائر 1:481.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:155،و السبزواري في الكفاية:79.

أن يكون الأرض لأهلها و الجزية فيها،فهي ملك لأربابها و لهم التصرف فيها بأنواع التصرّفات المملّكة و غيرها،بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (1)؛ للنصوص المتقدمة جملة منها في بحث الجزية فلا نعيدها.

و لو باعها المالك لها و لو من مسلم صحّ لما مرّ و انتقل ما ضرب عليها من الجزية إلى ذمّة البائع دون المشتري مطلقاً كما هو فرض المتن،أو المسلم خاصة كما هو فرض الدروس و التحرير و المنتهى (2)،و المختلف حاكياً للحكم فيه عن الشيخ و المشهور و وافقهم أيضاً،قال:لأصالة براءة الذّمة،و لأنّ المأخوذ جزية و هي منافية للإسلام (3).فلا بأس به.

خلافاً للمحكي فيه و في الدروس (4)عن الحلبي،فجعلها على المشتري،و احتجّ له بأنّه حقّ على الأرض فتجب على من انتقلت إليه كالخراج.و أجاب عنه بالمنع،قال:و إنّما هو حقّ على رقبة الذمّي في نوع من ماله فإذا انتقل عنه سقط الحقّ عن المال.

و هو حسن،و الأصل و الجواب يساعدان العموم في المشتري لنحو المسلم و الذمّي،كما في إطلاق المتن.

لكن هنا من الأخبار ما يساعد الحلبي،كالصحيح:عن شراء أرض أهل الذمّة،فقال:« لا بأس بها،فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم،تؤدّي كما

ص:120


1- كالسرائر 1:478،و التذكرة 1:427،و المسالك 1:156.
2- الدروس 2:40،التحرير 2:130،المنتهى 2:935.
3- المختلف:332.
4- المختلف:332،الدروس 2:40.

يؤدّون» (1)الخبر.و نحوه آخر مضمر (2).

و لكنّهما مع قصور الثاني ليسا نصّين في المراد ممّا يؤدّي أنّه الجزية، فلعلّ المراد به الخراج المأخوذ من أرض السواد المتعلّقة بجميع المسلمين.

و أرض الذمّي ليس منحصراً في أرض الجزية المشروطة بوقوع الصلح على كونها لهم و عليهم الجزية؛ إذ لو وقع الصلح معهم على كونها للمسلمين كان حكمها حكم الأراضي المفتوحة عنوةً،كما سيأتي إليه الإشارة،و يكون المراد من شرائها المرخّص فيهما نحو الشراء المرخّص فيه فيما مرّ من الأخبار الواردة في شراء أراضي الخراج (3)،و منها:الرواية المتقدّمة المتضمنة للسؤال عن شراء أرض الخراج،فكرهه و قال:« إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا:فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال:« لا بأس إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» .و قيل في وجه الاستحياء من عيب ذلك:إنّ المراد بأرض الخراج أرض أهل الذمّة،و العيب لاشتباه خراج أرضهم بالجزية (4).

أقول:فلعلّ المراد ممّا يؤدّي في الصحيحين هذا،و إن احتمل فيهما كالخراج في هذه الرواية أيضاً الجزية حقيقة،كما احتمله أيضاً القائل المتقدم إليه الإشارة.

لكنه بعيد في هذه الرواية،بل ظاهرها المعنى الأوّل،فيمكن أن

ص:121


1- الكافي 5:4/283،التهذيب 7:662/149،الوسائل 17:370 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 8.
2- التهذيب 7:656/148،الوسائل 17:369 أبواب عقد البيع و شروطه ب 21 ح 7.
3- راجع ص:3665.
4- ملاذ الأخيار 11:239.

ينصرف إليه ما فيهما.و بذلك يضعف الاستناد له إليهما جدّاً؛ لقصور دلالتهما حينئذ كما ترى.

فإذاً المشهور هو الأقوى.

و لو أسلم الذمّي المالك لها كان حكم أرضه حكم أرض من أسلم طوعاً ابتداءً و سقط ما على أرضه من الجزية أيضاً،لأنّه جزية بدل من جزية رؤوسهم،و لا جزية على مسلم اتّفاقاً نصّاً و فتوى.

هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم.

و لو شرطت الأرض حين الصلح معهم أنّها للمسلمين كانت ك الأراضي المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين كافّةً و أمرها إلى الإمام، و مواتها له(عليه السّلام)بلا خلاف.

و الجزية حينئذٍ على رؤوسهم دون أراضيهم؛ لتعلّقها بالمسلمين،و للصحيح (1)و غيره (2)الواردين في خيبر.

و منها: كلّ أرض أسلم عليها أهلها طوعاً و رغبةً كالمدينة المشرّفة فهي لهم على الخصوص يتصرّفون فيها كيف شاؤوا و ليس عليهم فيها سوى الزكاة المفروضة مع اجتماع الشرائط المعتبرة في حاصلها،ممّا تجب فيه الزكاة.

للصحيح (3)و غيره (4):ذكرت لأبي الحسن الرضا(عليه السّلام)الخراج و ما

ص:122


1- التهذيب 7:655/148،الإستبصار 3:390/110،الوسائل 15:156 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 2.
2- الكافي 3:2/512،التهذيب 4:341/118،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.
3- التهذيب 4:342/119،الوسائل 15:158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
4- الكافي 3:2/512،التهذيب 4:96/38،الوسائل 15:157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

سار به أهل بيته،فقال:« العشر و نصف العشر على من أسلم طوعاً،تركت أرضه في يده و أُخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها و ما لم يعمر منها،أخذه الوالي فقبّله ممّن يعمره،و كان المسلمين،و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أو ساق شيء» الخبر.

و لا خلاف فيه إذا قاموا بعمارتها حينئذ،أمّا لو تركوها فخرجت فإنّها تدخل في عموم قوله:

و كلّ أرض مملوكة ترك أهلها و ملّاكها عمارتها فللإمام أو نائبه تسليمها إلى من يعمرها بعد تقبيلها منه بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

و عليه أي على الإمام طَسْقها أي أُجرتها لأربابها الذين تركوا عمارتها،على المشهور على الظاهر،المصرّح به في الدروس (1)و غيره (2).

بل لا خلاف فيه إلّا من الحلّي،فمنع من التصرّف فيها بغير إذن أربابها مطلقاً (3).و هو كما في الدروس متروك (4)،و بالخبرين المتقدمين محجوج.

و من ابن حمزة و القاضي (5)،فلم يذكروا الأُجرة بل قالا كالباقين -:إنّه يصرف حاصلها في مصالح المسلمين،كما هو ظاهر الخبرين،لكنّهما ليسا نصّين في عدم وجوبها،فلا يخرج بهما عن الأصل المقتضي للزومها.

ص:123


1- الدروس 2:40.
2- انظر المنتهى 2:938.
3- السرائر 1:477.
4- الدروس 2:40.
5- ابن حمزة في الوسيلة:132،القاضي في المهذب 1:182.

و به يتمّ الحكمة في جواز تصرف الإمام فيها بغير إذنهم نظراً إلى أنّه حينئذٍ إحسان محض و ما على المحسنين من سبيل.

و به يضعف مستند الحلّي من قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ لاختصاص ما دلّ عليه من العقل و النقل بغير محلّ الفرض.

هذا إذا لم يبلغ حدّ الموات،و إلّا فيدخل في عموم قوله:

و كلّ أرض موات سبق إليها سابق و أحياها و أخرجها من عطلتها فهو أحقّ بها و إن كان لها مالك معروف فعليه طَسقها له.

بلا خلاف في جواز إحيائها مع عدم معروفية صاحبها،و لا في وجوب الأُجرة له إذا كان معروفاً و ملكها بغير الإحياء.

و في وجوبها له إذا ملكها بالإحياء خلاف مبنيّ على الاختلاف في زوال ملك الأوّل الحاصل له بالإحياء،بإحياء المحيي الثاني،أم لا.فقد اختلفوا فيه على أقوال.

فقيل:نعم و لا يستحق شيئاً و بملكه المحيي الثاني (1)؛ لعموم الصحاح بأنّ من أحيى أرضاً ميتة فهي له (2)،و خصوص الصحيح:« أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة،فإن كانت أرضاً لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها» (3).

و قريب منه الخبر:« إن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين

ص:124


1- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:156.
2- انظر الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1،3،4.
3- الكافي 5:2/279،التهذيب 7:672/152،الوسائل 25:414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 1.

من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها» (1).

و قيل:لا (2)؛ لأصالة بقاء الملك،و الصحيح:عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها،فماذا عليه؟قال:

« الصدقة» قلت:فإن كان يعرف صاحبها،قال:« فليؤدّ إليه حقّه» (3).

و هو ظاهر في الدلالة على ما ذكرنا من عدم خروج الموات عن الملك بالإحياء،كما هو إجماع فيما إذا ملكها الأوّل بنحو الإرث و الشراء.

و لا معارض لهما سوى ما مرّ،و في جميعه نظر:

أمّا العموم:فإنّه مشترك بين القولين يمكن الاستدلال لكلّ منهما في البين كما فُعل من الطرفين.

و أمّا الرواية الثانية:فبعد الإغماض عن سندها لا دلالة فيها على زوال الملكية عن الأوّل،و إنّما غايتها الدلالة على أحقيّة الثاني،و لا تلازم بينها و بين زوال الملك،فيمكن القول ببقاء الملك و أحقّية الثاني بإحيائه.و يظهر ثمرة الملك بلزوم الأُجرة للمالك على المحيي.

و هذا القول هو ظاهر الماتن و جماعة (4).و لا يخلو عن قوّة؛ لما ستعرفه.

و أمّا الصحيحة:فليست صريحة في ملكية الثاني؛ لأنّ اللام كما تأتي للملك،كذا تأتي للاختصاص.و بعد تسليم ظهورها في الملك ليست ما نصّ من الصحيحة المعارضة بأنّه يؤدّي حقه؛ لأنّ المراد به إمّا نفس

ص:125


1- الكافي 5:5/279،التهذيب 7:674/152،الوسائل 25:414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
2- قال به الشيخ في النهاية:420.
3- التهذيب 7:658/148،الوسائل 25:411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.
4- الماتن في الشرائع 1:323؛ و أُنظر المنتهى 2:938،و الدروس 2:40.

الأرض أو طسقها،و كلّ منهما يلازم الملكية.

فمقتضى الجمع بينهما صرف ظهور الصحيحة الاُولى من الملكية للثاني إلى الأحقيّة،جمعاً،و إلّا لزم طرح الثانية رأساً.و يراد من الحقّ فيها الأُجرة لا الرقبة؛ لصراحة الاُولى في عدم لزوم أدائها و أحقيّة الثاني بها.

و الحاصل:أنّ العمل بالروايتين معاً يقتضي صرف ظاهر كل منهما أو مجملة إلى صريح الآخر أو مبيّنة.

و هذا الجمع أولى من الجموع الأُخر،و يعضده وقوع التعبير في الرواية الثانية بالأحقيّة دون الملكية،مع أنها كالصحيحة تعمّان ملك الأوّل بالإحياء أو نحو الشراء،مع أنّ الملك لا يزول في الثاني بالإجماع كما مضى،و عن التذكرة عليه إجماع العلماء (1)،فلا بدّ من تقييدهما بما عداه إن لم يجمع بينهما بما ذكرنا.

و من هنا يظهر ضعف القول ببقاء الملك و عدم الأحقّية للثاني إن كان.

و على المختار ففي توقّف الإحياء على استيذان المالك مع الإمكان و إلّا فالحاكم و إلّا فيحيي هو حسبة،كما هو مقتضى الأُصول الشرعية و أفتى به الشهيد في الدروس (2)،أم لا كما هو ظاهر الأخبار و أكثر الأصحاب (3)، وجهان.

و لا ريب أنّ الأوّل إن لم نقل بكونه أقوى،فهو أحوط و أولى.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً.

ص:126


1- حكاه عنه في المسالك 1:156،و هو في التذكرة 2:401.
2- الدروس 3:56.
3- كالمحقق في الشرائع 3:272،و العلّامة في المنتهى 2:936،و الشهيد الثاني في المسالك 1:156.

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:127

ص:128

كتاب التجارة

اشارة

كتاب التجارة هي في اللغة:الكسب،و في الشرع على تعريف المصنف و جماعة (1):

عقد المعاوضة بقصد الاكتساب عند التملك.و المراد بها هنا الأعم منه و من الخالي عن القصد المزبور،كالمعاوضة للقوت و الادّخار،إما إطلاقاً لها عليه مجازاً،أو إلحاقاً للزائد عن مدلولها به استطراداً.

و فيه فصول:

الأوّل فيما يكتسب به

اشارة

الأوّل: فيما يكتسب به ببيع كان أو غيره.و ينقسم إلى محرّم و مكروه و مباح؛ لأنّه إما أن يتعلّق به نهي أم لا،و الثاني المباح،و الأوّل إما أن يكون النهي عنه مانعاً عن النقيض أم لا،و الأوّل الأوّل،و الثاني الثاني.

و ربما قسّم إلى خمسة بزيادة الوجوب و الاستحباب.و لعل تركهما

ص:129


1- المصنّف في المعتبر 2:548،الشهيد الثاني في المسالك 1:164،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:3.

أولى؛ لأنّهما من عوارض التجارة.

المحرّم منه أنواع

اشارة

و المحرّم منه أنواع:

الأوّل الأعيان النجسة

الأوّل: الأعيان النجسة،كالخمر المتّخذ من العنب.

و الأنبذة جمع نبيذ،و هو الشراب المتّخذ من التمر،و يلحق بهما غيرهما من الأنبذة كالبِتع و المِزر و الجعَة و الفضيخ (1)،و ضابطها المسكر و إن لم يكن مائعاً،كالحشيشة،مطلقا،أو إن لم يفرض لها نفع آخر محلّل و قصد ببيعها المنفعة المحلّلة كما قيل (2).و فيه نظر؛ لعموم أدلّة المنع.

و الفقاع و إن لم يكن مسكراً؛ لأنه خُميرة استصغرها الناس.

و الميتة مطلقاً و الدم كذلك و الأرواث،و الأبوال مما لا يؤكل لحمه شرعاً و لو أُكل عادةً.

فيحرم التكسب بجميع ذلك،بلا خلاف في شيء منه،بل عن المنتهى إجماع أهل العلم في الأوّل و الرابع و الخنزير (3).و في السرائر و الغنية إجماعنا على الثالث (4)[بل في الأخير الإجماع على سحت ثمن الجميع] و في المسالك و عن التذكرة على الآخرين (5).

و النصوص مع ذلك بالأوّل مستفيضة،منها:« لعن رسول(صلّى اللّه عليه و آله)الخمر و عاصرها» إلى أن قال:« و بائعها و مشتريها» (6)الخبر.

ص:130


1- البتْع هو النبيذ المتّخذ من العسل،و المِزر يتّخذ من الذرّة،و الجِعَة يتّخذ من الشعير،و الفضيخ يتخذ من البسر.النهاية 1:94،و ج 4:324،و ج 1:277،و ج 3:453.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:207.
3- المنتهى 2:1008.
4- السرائر 2:219،الغنية(الجوامع الفقهية):618.
5- المسالك 1:165،التذكرة 1:582.
6- الكافي 6:10/398،التهذيب 9:451/104،الوسائل 17:224 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 3.

و منها:« السحت ثمن الميتة،و ثمن الكلب،و ثمن الخمر» (1).

و منها:« السحت أنواع» و عدّ منها ثمنها (2).

و بها يستدل على حكم تالييها؛ نظراً إلى إطلاق الخمر عليهما في المعتبرة المستلزم لكونهما إمّا منها حقيقة،أو مشاركين لها في الأحكام التي ما نحن فيه منها.

مضافاً إلى الصحيح في الأوّل:« السحت أنواع كثيرة» و عدّ منها« ثمن الخمر و النبيذ المسكر» (3).

و من الخبر الثاني و غيره (4)يظهر الحكم في الرابع.

و يستدل له و للخامس و البواقي بالخبرين،أحدهما الرضوي،و فيه:

« إن كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد،و قوام لهم في أُمورهم،من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه وهبته و عاريته،و كل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه لوجه الفساد،مثل الدم،و الميتة،و لحم الخنزير،و الربا،و جميع الفواحش، و لحوم السباع،و الخمر،و ما أشبه ذلك فحرام ضارٍّ للجسم» (5)انتهى.

ص:131


1- الكافي 5:2/126،التهذيب 6:1061/368،الوسائل 17:93 أبواب ما يكتسب ب 5 ح 5.
2- انظر الوسائل 17:92،93 أبواب ما يكتسب به ب 5 الأحاديث 1،2،6،12.
3- الكافي 5:1/126،التهذيب 6:1062/368،الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 1.
4- الفقيه 3:435/105،الفقيه 4:824/262،تفسير العياشي 1:117/322،الوسائل 17:94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8،9.
5- فقه الرضا(عليه السّلام):250،المستدرك 13:65 أبواب ما يكتسب به ب 2 ذيل حديث 1.

و نحوه الثاني المروي عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للمرتضى بزيادة:« أو شيء من وجوه النجس» بعد الخمر،و التعليل ب« أنّ ذلك منهيّ عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلّب فيه،فجميع تقلّبه في ذلك حرام» (1)الحديث،و هو طويل متضمن لوجوه المكاسب.

و قصور سنده كباقي الروايات،مع اعتبار سند بعضها غير ضائر بعد العمل بها،و خلوّها عن المعارض،سوى الأصل و العمومات المخصَّصين بها.

و بعض الروايات في الميتة،الدالّ بظاهره على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف و شرائها (2)شاذّ،قاصر السند،ضعيف الدلالة و التكافؤ لما مرّ من وجوه عديدة،فالاستشكال في المسألة غفلة واضحة.

و نحوه الاستشكال في المنع عن بيع عذرة غير الإنسان مطلقاً و لو كان غير مأكول اللحم،بل عذرته أيضاً لو انتفع بها؛ لنفي البأس عن بيع جميعها في بعض الأخبار (3).

لاندفاعه كالأصل،و العمومات بما مرّ،و زيادة معارضته بصريح الخبر:« ثمن العذرة من السحت» (4)و المرجحات معه،أوجهها عدم الخلاف فيه،بل الوفاق عليه كما مرّ (5).و لا ينافيه حمل الإستبصار الأوّل

ص:132


1- تحف العقول:247،المحكم و المتشابه:46 و ليست فيه الزيادة،الوسائل 17:83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
2- التهذيب 6:1100/376،الوسائل 17:173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.
3- التهذيب 6:1081/372،1079،الإستبصار 3:183/56،181،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2،3.
4- التهذيب 6:1080/372،الإستبصار 3:182/56،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.
5- راجع ص:368.

على ما عدا عذرة الإنسان (1)،الشامل لعذرة ما لا يؤكل لحمه من البهائم؛ لأن مثل ذلك لا يعدّ فتوى له،و إلّا لما انحصر فتاواه في عدٍّ.

مع احتمال أن يريد به عذرة مأكول اللحم خاصة،فإنه يجوز الاكتساب بها،كما هو ظاهر العبارة،وفاقاً للمرتضى و الحلّي و أحد قولي الطوسي (2)،و أكثر المتأخّرين،بل لعله عليه عامّتهم؛ لطهارتها و جواز الانتفاع بها،فيشملها الأصل و العمومات.

مضافاً إلى الإجماع المحكي عن المرتضى (3)،و الموثق المجوّز لبيعها ثانياً بعد المنع عنه أوّلاً (4)،بحمل الثاني على النجس،و الأول على الطاهر، جمعاً،و الشاهد ما مرّ من الإجماع و غيره.

خلافاً للمفيد و الديلمي (5)،فمنعا عنه و عن الأبوال إلّا ما تضمّنه الاستثناء الآتي؛ للاستخباث و عدم الانتفاع.

و لا دليل على ملازمة الأوّل للمنع بعد إمكان الانتفاع به وجداناً.و به يظهر وجه المنع عن الثاني.

و قيل: كما عن النهاية (6)،و في النسبة مناقشة؛ لتشويش العبارة بالمنع من الأبوال مطلقا خاصة إلّا بول الإبل للاستشفاء مع

ص:133


1- الاستبصار 3:56.
2- انظر الانتصار:201 203،الحلّي في السرائر 2:219،الطوسي في التهذيب 6:372.
3- كما في الانتصار:201.
4- التهذيب 6:1081/372،الإستبصار 3:183/56،الوسائل 17:175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.
5- المفيد في المقنعة:587،الديلمي في المراسم:170.
6- النهاية:364.

الضرورة إليه للمنع:ما مرّ،و للجواز في المستثنى:الإجماع في الظاهر، و صريح النصوص:منها الموثق:عن بول البقر يشربه الرجل؟قال:قال:

« إن كان محتاجاً إليه يتداوى بشربه،و كذلك بول الإبل و الغنم» (1)(2).و الخبر:عن شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم،ينعت له من الوجع،هل يجوز له أن يشرب؟قال:« نعم لا بأس به» (3).

و يحرم التكسّب ب الخنزير و الكلب إجماعاً،كما حكاه جماعة (4)؛ و هو الحجة؛ مضافاً إلى صريح الرضوي و تاليه (5)في الأول، و عموم الثاني من حيث تضمّنه المنع عن التقلّب بمطلق النجس في الثاني؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه،منها:ما مرّ (6).

و منها:الموثق بأبان المجمع على تصحيح رواياته و روايات فضالة الراوي عنه هنا،و فيه:« ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» (7).

و الخبر:« و ثمن الكلب سحت،و السحت في النار» (8)و ليس في سنده سوى سهل الثقة عند جمع (9)،و سهل عند آخرين (10).

ص:134


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 25:113 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 1.
2- و منها الموثق الآخر المروي في(الكافي 7:1/245)و(التهذيب 10:533/134)،في كتاب الحدود باب حدّ المحارب.(منه رحمه اللّه).
3- طب الأئمّة:63،الوسائل 25:115 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 7.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 3:181،و العلّامة في المنتهى 2:1008،1009.
5- راجع ص:3681.
6- في ص:368.
7- التهذيب 6:1017/356،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.
8- الكافي 5:4/120،الوسائل 17:118 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 2.
9- منهم:الشيخ الطوسي في رجاله:416،و الحرّ العاملي في الوسائل 30:389 و حكاه أيضاً عن بعض مشايخه المعاصرين.
10- منهم المجلسي في الوجيزة:224،و أُنظر تعليق الوحيد على منهج المقال:176،و منتهى المقال 3:429.

و نحوه آخر:عن ثمن الكلب الذي لا يصيد،فقال:« سحت،و أما الصيود فلا بأس» (1).

و يستفاد منه صريحاً،و من الموثق تقييداً اختصاص المنع بما عدا كلب الصيد المعلّم،و هو إجماع أيضاً،كما في الغنية و المنتهى و المسالك (2)،و بذلك يقيّد ما أُطلق فيه المنع عن ثمن مطلق الكلب،مع اختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بما عداه.

و ليس في النص و الفتوى كما ترى التقييد بالسلوقي،كما في النهاية (3)،مع أنّ الأصل يدفعه،و لا وجه له أصلاً،و لذا رجع عنه في المبسوط،فأطلق (4).

و في كلب الماشية و الحائط أي البستان،و نحوه الدار و الزرع قولان للمنع كما في الشرائع و الغنية و عن الخلاف و النهاية و المفيد و القاضي (5)،و اختاره من المتأخّرين جماعة (6)ظواهر إطلاق المستفيضة المتقدمة،بل المتضمّنة منها لاستثناء كلب الصيد خاصّة و هي الموثقة و غيرها كالصريحة في العموم.

مضافاً إلى عموم المنع في رواية التحف (7)عن كل نجس،و عموم

ص:135


1- التهذيب 6:1060/367،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 7.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586،المنتهى 2:1009،المسالك 1:167.
3- النهاية:364.
4- المبسوط 2:166.
5- الشرائع 2:12،الغنية(الجوامع الفقهية):586،الخلاف 3:183،النهاية:364،المقنعة:589،حكاه عن القاضي في المختلف:341.
6- منهم:السبزواري في الكفاية:88،و صاحب الحدائق 18:79.
7- المتقدمة في ص:132.

النبوي:« إذا حرّم اللّه تعالى شيئاً حرم ثمنه» (1)و عن الخلاف الإجماع عليه أيضاً (2).

و للجواز كما عن الإسكافي و الحلّي (3)،و اختاره كثير ممن تأخّر (4)الأصل،و العمومات.و يخصّصان بما مرّ،و فيه المعتبر السند كما ظهر.

و الاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه قياس.

و ما في المبسوط من الرواية على مماثلة الأوّلين له (5)لم نقف عليها فهي مرسلة،و مع ذلك عن إفادة تمام المدّعى قاصرة.

نعم في الصحيح:« لا خير في الكلام إلّا كلب صيد أو ماشية» (6)و سياقه يعطي الاتحاد مع الأوّل في الأحكام،و لا قائل بالفرق في المقام، لكن في الدلالة نوع كلام.

و كيف كان فلا ريب أن الأحوط الأوّل.

و يحرم التكسّب ب المائعات النجسة بالذات،أو بالعرض مع عدم قبولها التطهير مطلقاً،و لو حصل لها نفع و أعلم بالنجاسة،إجماعاً كما في الغنية و المنتهى و المسالك (7)و غيرها؛ و هو الحجة،مضافاً إلى

ص:136


1- عوالي اللئلئ 2:301/110،المستدرك 13:73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8؛ بتفاوت يسير.
2- الخلاف 3:182.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:341،الحلي في السرائر 2:220.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:1009،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:7،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:14،و الشهيد الثاني في الروضة 3:209.
5- المبسوط 2:166،و هي مروية في الوسائل 17:120 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 9.
6- الكافي 6:4/552،الوسائل 11:530 أبواب أحكام الدواب ب 43 ح 2.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):586،المنتهى 2:1010،المسالك 1:164.

العمومات المتقدمة المانعة عن بيع النجس،و المعربة عن تحريم ثمن ما حرم أصله.

عدا الدهن بجميع أصنافه،فيجوز بيعه مع الإعلام لفائدة الاستصباح للإجماع كما في الغنية و غيرها (1)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

ففي الصحيح:« إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت،فإن كان جامداً فألقها و ما يليها و كُلْ ما بقي،و إن كان ذائباً فلا تأكله و استصبح به،و الزيت مثل ذلك» (2).

و فيه جُرَذ مات في سمن أو زيت أو عسل،فقال:« أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجُرَذ و ما حوله،و أمّا الزيت فيستصبح به» (3)و قال في بيع ذلك الزيت:« تبيعه و تبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» (4).

و ليس فيها مع كثرتها التقييد بالاستصباح تحت السماء،كما عن الأكثر،بل في الروضة و المسالك أنّه المشهور (5)،و عن الحلّي الإجماع عليه (6)؛ و مستنده غير واضح سواه،فإن تمّ كان هو الحجة،و إلّا فالإطلاق كما عليه كثير من المتأخّرين (7)لا يخلو عن قوة،للأصل،و خلوّ

ص:137


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586؛ و أُنظر الخلاف 3:187،و السرائر 2:222.
2- الكافي 6:1/261،الوسائل 17:97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2.
3- الكافي 6:2/261،الوسائل 17:97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 1.
4- التهذيب 7:563/129 بتفاوت،الوسائل 17:98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.
5- الروضة 3:207،المسالك 1:164.
6- انظر السرائر 2:222.
7- منهم:العلّامة في الإرشاد 1:357،و التحرير 1:160،و الشهيد الثاني في الروضة 3:207،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:7.

النصوص عن القيد،مع ورودها في مقام بيان الحاجة،و كون أظهر أفرادها بالغلبة خلافه،لغلبة الإسراج في الشتاء.

لكن الأحوط بل الأولى الأوّل؛ لاعتضاد الإجماع بالشهرة؛ و ما ادّعاه في المبسوط من رواية الأصحاب (1)الصريحة في التقييد و إن اختار فيه خلافه،مع موافقته الأصحاب كما حكي في سائر كتبه و في هذا الكتاب في المكاسب (2).

و أما ما علّل به من تصاعد شيء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال فتتأثّر بنجاسته.

فضعيف؛ فإنّ فيه بعد تسليمه أوّلاً:عدم جريانه في الأضلّة العالية،بل و القصيرة مع حصول الشك في الملاقاة،لأصالة الطهارة.

و ثانياً:عدم صلاحيته لإثبات المنع إلّا بعد ثبوت المنع عن تنجيس المالك ملكه،و لا دليل عليه،مع مخالفته الأصل،و إجماعنا المحكي هنا في الروضة و غيرها على عدم نجاسة دخان الأعيان النجسة (3).

ثم ظاهر العبارة كالجماعة و ظواهر النصوص المتقدمة الواردة في بيان الحاجة الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح خاصّة،خلافاً لمن شذّ (4)، فألحق به البيع ليعمل صابوناً،أو ليدهن به الأجرب؛ استناداً إلى الأصل، و صريح الخبر المروي عن نوادر الراوندي (5)،و حملاً للنصوص على النفع

ص:138


1- المبسوط 6:283.
2- كالنهاية:588،و الخلاف 3:187،و المبسوط 2:167.
3- الروضة 3:208؛ و أُنظر المبسوط 6:283،و السرائر 3:121،و التنقيح الرائع 2:8.
4- انظر جامع المقاصد 4:13.
5- نوادر الراوندي:50،المستدرك 13:73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 7.

الغالب.

و الأحوط الأول؛ لاندفاع الأوّل بعموم ما دلّ على المنع عن التكسّب به،خرج المجمع عليه و هو البيع و الشراء للاستصباح و يبقى الباقي.

و الثاني:بقصور السند.

و الثالث:بالضعف بالخلوّ عمّا عداه مع الكثرة،و اعتضاده بفهم فقهاء الطائفة.

و أما ما يقال في تعيين الاستصباح بالأمر به المستلزم للمنع عمّا عداه و لو من باب المقدّمة،فغير مفهوم بعد الإجماع على عدم كون هذا الأمر للوجوب،مع وروده مورد توهّم الحظر،و ليس مفاده حينئذٍ إلّا الإباحة كما قرّر في محلّه.

و اعلم أنّ مقتضى الأصل المستفاد من العمومات المتقدّمة و اختصاص النصوص المستثنية للاستصباح بالدهن النجس بالمتنجّس منه:

أنّه لا يجوز أن يباع و لا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة و ألياتها.

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة المانعة عن الانتفاع بالميتة، ففي الصحيح:الميتة ينتفع بها بشيء؟فقال:

« لا» (1).و في الخبر:« أن ما قطع منها ميّت لا ينتفع به» (2).

و في آخر:« لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» (3)فتأمل.مع أن

ص:139


1- الكافي 6:7/259،الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.
2- الكافي 6:1/254،الفقيه 3:967/209،التهذيب 9:330/78،الوسائل 24:71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
3- الكافي 6:6/258،التهذيب 9:323/76،الإستبصار 4:341/89،الوسائل 24:181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

ظاهرهم الاتفاق عليه كما قيل (1).

خلافاً للمحكي عن العلّامة،فجوّز الاستصباح به (2)،و تبعه من متأخّري المتأخّرين جملة (3)؛ للأصل المخصّص بما مرّ؛ و الروايات القاصرة الأسانيد الضعيفة هي كالأوّل عن المقاومة له.

الثاني الآلات المحرّمة

الثاني:الآلات المحرّمة،كالعود و الطبل و الزمر،و هياكل العبادة المبتدعة،كالصنم و الصليب،و آلات القمار،كالنرد و الشطرنج و غيرها، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة من أصحابنا (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عمومي الرضوي و تاليه (5)،المانعين عن التكسّب بكل ما فيه وجه من وجوه الفساد.

مع استلزام التكسّب بها المعاونة على الإثم المحرّمة كتاباً و سنّة و إجماعاً،إلّا أنّ مقتضى ذلك اختصاص التحريم بصورتها،فلو فرض لها منفعة محلّلة و قصدت ببيعها و شرائها بحيث لا يعدّ في العادة سفاهة أمكن الجواز فيه،و فيما لو كان لمكسورها قيمة و بيعت ممن يوثق به للكسر؛ للأصل،و عدم دليل على المنع يشمل محلّ الفرض،لندوره،فلا يشمله العموم المتقدّم،كإطلاق الأكثر،و المروي في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي،عن أبي بصير،عن مولانا الصادق(عليه السّلام)قال:« بيع الشطرنج

ص:140


1- الحدائق 18:84.
2- حكاه في جامع المقاصد 4:13 عن حواشي الشهيد عن العلّامة.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:35،و السبزواري في الكفاية:85؛ و أُنظر مرآة العقول 22:49،و ملاذ الأخيار 14:279.
4- منهم:العلّامة في المنتهى 2:1011،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:41،و صاحب الحدائق 18:200.
5- المتقدمين في ص:3681.

حرام،و أكل ثمنه سحت،و اتّخاذها كفر،و اللعب بها شرك،و السلام على اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة،و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير» (1)الخبر.

و نحوه فيما دلّ عليه من كون الشطرنج بمنزلة لحم الخنزير يثبت له أحكامه التي منها حرمة التكسّب به كما مضى المروي في الكافي:

« المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» (2).

لعدم انصراف إطلاقهما ككلام الأكثر إلى محلّ الفرض،و إن كان الإطلاق أحوط لو أمكن،و إلّا فيكسر كسراً لا يحتمل التصحيح ثم يباع.

و مما ذكرنا يظهر انسحاب الحكم في التكسّب بأواني الذهب و الفضة منعاً و جوازاً.

الثالث ما يقصد به المساعدة على المحرّم

الثالث:ما يقصد به المساعدة على المحرّم،كبيع السلاح مثل السيف و الرمح لأعداء الدين مسلمين كانوا أم مشركين،إذا كان في حال الحرب مع أهله،إجماعاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم المتقدّم،و استلزامه الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب و السنّة،و خصوص المستفيضة.

منها:الحسن،بل الصحيح:ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟فقال:« لا بأس،أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)، إنّكم في هدنة،فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج» (3).

ص:141


1- مستطرفات السرائر:29/59،الوسائل 17:323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4.
2- الكافي 6:15/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 3.
3- الكافي 5:1/112،التهذيب 6:1005/354،الإستبصار 3:187/57،الوسائل 17:101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.

و الخبر:عن حمل السلام إلى أهل الشام،فقال:« احمل إليهم،فإن اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم» يعني الروم« فإذا كان الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك» (1).

و المرسل المنجبر ضعفه كما تقدّمه بالعمل،و وجود ابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سندهما:« قلت:إنّي أبيع السلاح، قال:« لا تبعه في فتنة» (2).

و مقتضى هذه النصوص كالعبارة و أصالة الإباحة الجواز فيما إذا لم يكن بيننا و بينهم حرب و لا مباينة،و به صرّح الحلّي (3)و جماعة (4).

و قيل: كما عن الشيخين و الديلمي و الحلبي (5)يحرم مطلقاً تبعاً لإطلاق بعض النصوص،كالصحيح المروي عن كتاب عليّ بن جعفر، و قرب الإسناد:عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة،قال:« إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس» (6).

ص:142


1- الكافي 5:2/112،الفقيه 3:448/107،التهذيب 6:1004/353،الإستبصار 3:189/58،الوسائل 17:101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2؛ بتفاوت.
2- الكافي 5:4/113،التهذيب 6:1007/354،الإستبصار 3:186/57،الوسائل 17:102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.و الرواية مسندة في غير الاستبصار.
3- انظر السرائر 2:216.
4- منهم:الشهيد الأول في الدروس 3:166،و الشهيد الثاني في المسالك 1:165،و صاحب الحدائق 18:208.
5- المفيد في المقنعة:588،الطوسي في النهاية:365،حكاه عن الديلمي في كشف الرموز 1:439،الحلبي في الكافي:282.
6- مسائل علي بن جعفر:320/176،قرب الإسناد:1047/264،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 6.

و المروي في الفقيه في وصيّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لعليّ(عليه السّلام):كفر باللّه العلي العظيم من هذه الأُمّة عشرة أصناف،و عدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب (1).

و فيهما مع قصور سند الثاني،و دلالة الأوّل،لأعميّة البأس المفهوم منه من الحرمة أنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ،مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر الخبر:إنّي رجل صيقل اشترى السيوف و أبيعها من السلطان،أ جائز لي بيعها؟فكتب(عليه السّلام):« لا بأس به» (2).

فإذا الأوّل أظهر،و إن كان الإطلاق أحوط.

ثم ظاهر الأُصول المتقدّمة و فحوى الصحيح الأوّل و ظاهر تاليه تحريم بيع ما يعدّ جُنّة لهم أيضاً،كالدرع و البيضة و لباس الفرس المسمّى بالتجْفاف (3).

و ربما قيل بعدمه (4)؛ للصحيح:عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟فقال:« بعهما ما يكنّهما:الدرع و الخفّين و نحو هذا» (5).

و هو كما ترى؛ فإنّه ليس من محل البحث جدّاً،مع قصوره عن المقاومة لما مرّ،سيّما الأُصول قطعاً.فهو ضعيف؟كالمستفاد من العبارة

ص:143


1- الفقيه 4:821/254،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 7.
2- التهذيب 6:1128/382،الوسائل 17:103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.
3- التجفاف:تفعال بالكسر،شيء تلبسه الفَرَس عند الحرب كأنه درع.الجمع تجافيف.المصباح المنير:103.
4- الحدائق 18:209.
5- الكافي 5:3/113،التهذيب 6:1006/354،الإستبصار 3:188/57،الوسائل 17:102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 3.

و نحوها من اختصاص التحريم بقصد الإعانة،و عدمه مع عدمه،و لو كان رايات الحرب قائمة أوله متهيّأة؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة بالحرمة في هذه الصورة.

نعم،لو صحب عدم القصد الجهل بالحال و الجدال انتفى الحرمة بلا إشكال.و ألحق جماعة (1)بأعداء الدين قطّاع طريق المسلمين؛ للأُصول المتقدّمة،و خصوص عموم الرواية الأخيرة،لتعميمها المنع عن بيع السلاح في كلّ فتنة.و هو حسن.

و إجارة المساكن و الحَمولات بفتح الحاء،و هي الحيوان الذي يصلح للحمل،كالإبل و البغال و الحمير،و السفن داخلة فيها للمحرّمات كالخمر و ركوب الظلمة و إسكانهم لأجله و نحوه.

و في معنى الإجارة بيعها.

و بيع العنب و التمر و غيرهما ممّا يعمل منه المسكر لَيُعْمَل خمراً و مسكراً.

و الخشب لَيُعْمَل صنماً سواء شرطه في العقد أم حصل الاتفاق عليه، إجماعاً ظاهراً،و حكي عن المنتهى صريحاً (2)؛ و هو الحجة فيه بعد ما مرّ من الأُصول،و سيّما الدالّ منها على حرمة الإعانة على الإثم،المؤيّد بالعقول.

مضافاً إلى الخبر في الأوّل:عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال:« حرام أجره» (3).

ص:144


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:211،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:9،و صاحب الحدائق 18:209.
2- المنتهى 2:1011.
3- الكافي 5:8/227،التهذيب 6:1077/371،الإستبصار 3:179/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1.

و لا ينافيه الصحيح:عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابّته ممّن يحمل عليها أو فيها الخمر و الخنازير،فقال:« لا بأس» (1).

لاحتمال اختصاصه بصورة عدم الشرط و الاتفاق،بل عدم العلم و الظن أيضاً؛ لانتفاء التحريم معه إجماعاً،مع قصوره عن المقاومة لما مرّ و إن قصر بحسب السند،لانجباره بالإجماع و الأُصول من جهة النقل و العقول.

هذا مع أنّ حمل الخمر فيه غير منحصر الوجه في التحريم،فيحتمل ارتكابه للتخليل.و لا ينافيه حمل الخنازير؛ لأعميّة وجهه كالأوّل من الحرام،فيحتمل الحمل لوجه محلّل،كحصول جبر فيه و نحوه.

و خصوص الصحيح في الأخير:عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً،قال:

« لا» (2).و نحوه الخبر المعتبر (3)بالعمل،و وجود ابن محبوب و أبان المجمع على تصحيح رواياتهما في سنده،فلا يضرّ جهالة رواية.

مع خلوّهما عن المعارض،و اعتضادهما بما مرّ من الأُصول و الإجماع المحقّق أو المنقول.

و ظاهرهما كالخبر الأوّل انسحاب التحريم إلى صورة العلم بالشراء

ص:145


1- الكافي 5:6/227،التهذيب 6:1078/372،الإستبصار 3:180/55،الوسائل 17:174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.
2- الكافي 5:2/226،التهذيب 6:1082/373،الوسائل 17:176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.
3- الكافي 5:5/226،التهذيب 6:1084/373،الوسائل 17:176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 2.

لذلك و إن لم يشترط أو يتّفق عليه.و به أفتى في المختلف و المسالك و غيرهما (1)،و هو مقتضى الأُصول المتقدّمة أيضاً،مع أصل آخر،و هو:

لزوم النهي عن المنكر.فإذا علمنا بعمله وجب علينا نقضه و زجره عنه، فكيف يجوز لنا إعانته عليه؟!ما هذا إلّا أمر عجيب.

و إن خالف فيه الأكثر،فقالوا: يكره بيعه ممّن يعمله مع عدم الشرط و الاتّفاق مطلقاً،علم بعمله أو ظنّ.

و لا بُعد في الثاني،و إن كان الأحوط فيه أيضاً العدم،إلّا أنّ الأوّل مع ما عرفت من الأدلّة على خلافه غير ظاهر الوجه،إلّا ما يستفاد من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في الأوّل،المبيحة لبيعه ممّن يخمره على الإطلاق،خرج منها المجمع على تحريمه من البيع في صورتي الاشتراط و الاتفاق،و يبقى الباقي تحت الإطلاق.

منها الصحيح:عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراماً،فقال:

« لا بأس به،يبيعه حلالاً فيجعله حراماً،فأبعده اللّه تعالى و أسحقه» (2).

و الصحيح:عن بيع العصير ممّن يخمره،فقال:« حلال،أ لسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً» (3).

و الصحيح:« لو باع ثمرته ممّن يعلم أنه يجعله خمراً حراماً لم يكن بذلك بأس» (4)الخبر.

ص:146


1- المختلف:343،المسالك 1:165؛ و انظر الحدائق 18:202.
2- الكافي 5:6/231،التهذيب 7:604/136،الإستبصار 3:371/105،الوسائل 17:230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4؛ بتفاوت.
3- التهذيب 7:603/136،الإستبصار 3:370/105،الوسائل 17:231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8؛ بتفاوت.
4- الكافي 5:1/230،التهذيب 7:611/138،الإستبصار 3:374/106،الوسائل 17:229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1؛ بتفاوت يسير.

و الصحيح:عن بيع العصير ممّن يصنعه خمراً،فقال:« بِعه ممن يطبخه أو يصنعه خلّاً أحبّ إليّ،و لا أرى بالأوّل بأساً» (1).

و منه يستفاد الكراهة،مع كونها مقتضى الجمع بين ما مرّ من الأدلّة و هذه النصوص،و هي و إن اختصّت بالأوّل إلّا أنّ عدم القول بالفصل كراهةً و تحريماً بينه و بين البواقي يوجب التعدية إليها،مع ما في بعضها من التعليل المشعر بها.

فيخصّ بذلك مع الإجماع المتقدّم النصوص المتقدّمة كالأُصول بصورتي الاشتراط و الاتفاق،لكن في مقاومة هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت،و ظهرت دلالتها،بل و ربما كان في المطلب صريحاً بعضها لما مرّ من الأُصول و النصوص المعتضدة بالعقول إشكال،و المسألة لذلك محل إعضال،فالاحتياط فيها لا يترك على حال.

الرابع ما لا ينتفع به

الرابع: ما لا ينتفع به أصلاً،أو ينتفع لكن نادراً يعدّ بذل الثمن لأجله سفاهة عرفاً،إجماعاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم أدلّة منع المعاملة مع السفيه،و حرمة تصرفاته لسفهه المستلزم للإعانة على الإثم لو عومل معه.

و هو كالمسوخ مطلقاً بريّة كانت،كالدبّ و القِرْد،أو بحرية، كالجِرّيّ و السلاحف،و كذا الضفادع و الطافي (2).

و قد أطلق المنع عن جميع ذلك أكثر المتقدّمين.و وجهه غير واضح

ص:147


1- التهذيب 7:605/137،الإستبصار 3:375/106،الوسائل 17:231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.
2- الطافي:سمك،و هو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه.مجمع البحرين 1:276.

فيما ينتفع به نفعاً بيّناً،كالفيل و نحوه؛ للانتفاع بعظمه و الحمل عليه، فيشمله الأصل و العمومات.

مضافاً إلى الخبر في الأول:عن عظام الفيل يحلّ بيعه أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟فقال:« لا بأس،قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط» (1).

و الخبرين في العاج،في أحدهما:رأيت أبا الحسن(عليه السّلام)يتمشّط بمشط عاج و اشتريته له (2).

و في الثاني:عن العاج،فقال:« لا بأس به،و إنّ لي منه لمشطاً» (3).

مضافاً إلى دعوى الخلاف الإجماع على جواز التمشّط به،و جواز استعماله (4)،و الحلّي ذلك في الأوّل (5).

فمع ذلك لا وجه لإطلاق المنع عن المسوخ،بل ينبغي تقييده بما عداهما،بل بما لا نفع له يعتدّ به عند العقلاء،إلّا أن يقال بنجاسة المسوخ.و ما هنا يدفعه،مضافاً إلى ما تقدّم في كتاب الطهارة.

فالقول بجواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به قويّ جدّاً،وفاقاً لأكثر متأخّري أصحابنا.

و الخبر الوارد بالمنع عن البيع و الشراء بالقرد مطلقاً (6)ضعيف جدّاً،

ص:148


1- الكافي 5:1/226،التهذيب 6:1083/373،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2.
2- الكافي 6:4/489،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 3؛ بتفاوت في السند.
3- الكافي 6:5/389،الوسائل 2:123 أبواب آداب الحمام ب 72 ح 4.
4- الخلاف 1:68.
5- السرائر 2:220.
6- الكافي 5:7/227،التهذيب 7:594/134،الوسائل 17:171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 4.

لا بأس بتقييده بعدم الانتفاع المعتدّ به،أو المحرّم كالإطافة به للّعب،كما هو الغالب في نفعه،أو حمله على الكراهة جمعاً بينه و بين ما مرّ الذي هو أقوى منه بمراتب شتّى.

و لا بأس بسباع الطير كالصقر و الهرة،و الفهد وفاقاً لأكثر المتأخّرين،تبعاً للحلّي و القاضي في الثلاثة (1)،و المفيد فيما عدا الهرة (2)، و للنهاية فيها و في الفهد خاصّة (3)؛ لطهارتها،و الانتفاع بها نفعاً معتدّاً به، فيشمله الأُصول المتقدّمة.

مضافاً إلى الصحيحين فيما عدا الثاني:عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟قال:« نعم» (4)و الصحيح فيه:« لا بأس بثمن الهرّ» (5).

و لا معارض لهذه النصوص مع صحتها،و اعتضادها بالأُصول و الشهرة العظيمة،بل الاتّفاق،كما يشعر به العبارة،و حكي عن ظاهر التذكرة في الهرة (6).

و في بقية السباع كالأسد و الذئب و النمر و نحوها قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،وفاقاً للقاضي و الحلّي (7) الجواز تمسّكاً بما مرّ؛ مضافاً إلى النصوص:منها:عن بيع جلود النمر،فقال

ص:149


1- الحلّي في السرائر 2:221،حكاه عنه في المختلف:341.
2- انظر المقنعة:589.
3- النهاية:364.
4- الكافي 5:4/226،التهذيب 6:1148/386،الوسائل 17:170 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 1.
5- التهذيب 6:1017/356،تفسير العياشي 1:114/321،الوسائل 17:119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.
6- التذكرة 1:582.
7- المهذب 2:442،السرائر 2:221.

« مدبوغة هي؟» قلت:نعم،قال:« ليس به بأس» (1).

و منها الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟قال:« لا بأس ما لم يسجد عليها» (2).

و قريب منهما النصوص الدالّة على جواز اتّخاذ جلودها و ركوبها (3)؛ لدلالتها على كونها قابلة للتذكية،لإفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها، فيجوز بيعها و شراؤها.

خلافاً لمن تقدّم،فخصّوا الجواز بما مرّ،و إن اختلفوا في المختصّ به،فبين من جعله الفهد خاصّة،و هو الخلاف و النهاية (4)،لكن بزيادة الهرّة،و من ألحق به سباع الطير،و هو المفيد (5).

و هنا قولان آخران،أحدهما المنع عن السباع مطلقاً،كما عن العماني و الديلمي (6).

و الآخر إباحة الجميع إلّا ما لا ينتفع به،كالسبع و الذئب،كما عن المبسوط (7).

و مستند كلّ ذلك غير واضح،و على تقديره فلما مرّ غير مكافئ، و دعوى عدم الانتفاع بنحو السبع و الذئب مطلقاً ممنوعة.

ص:150


1- الكافي 5:9/227،التهذيب 6:1087/374،الوسائل 17:172 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1؛ بتفاوت.
2- قرب الإسناد:1032/261،الوسائل 17:172 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 5 عن مسائل علي بن جعفر:382/189.
3- منها:ما ورد في الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4.
4- لم نجده في الخلاف و حكاه عنه في المهذب البارع 2:351،النهاية:364.
5- المقنعة:589.
6- حكاه عن العماني في المختلف:340،الديلمي في المراسم:170.
7- المبسوط 2:166.
الخامس الأعمال المحرّمة

الخامس: الأعمال المحرّمة في نفسها. كعمل الصور المجسمة ذوات الأرواح،إجماعاً في الظاهر،و صرّح به بعض الأجلّة (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى مفهوم الرضوي و المروي عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للمرتضى،و فيهما:« و أمّا تفسير الصناعات فكل ما يتعلّم العباد أو يعلّمون غيرهم من أصناف الصناعات،مثل الكتابة و الحساب» إلى أن قال:« و صنعه صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني،فحلال تعلّمه و تعليمه» (2).

و المرسل كالصحيح على الصحيح:« من مثّل مثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح» [فليس بنافخ] (3).و الحسن كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه:« ثلاثة يعذّبون يوم القيامة» و عدّ منهم:« رجلاً صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» (4).

و نحوهما المروي في الفقيه في حديث المناهي (5)،و المروي عن ابن

ص:151


1- جامع المقاصد 4:23،مجمع الفائدة و البرهان 8:54.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):301،المستدرك 13:65 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1،تحف العقول:249،المحكم و المتشابه:47،الوسائل 17:83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
3- الكافي 6:4/527،المحاسن:42/615،الوسائل 5:304 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:10/528،المحاسن:44/616،الوسائل 5:305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 5؛ بتفاوت يسير.
5- الفقيه 4:1/2،الوسائل 17:297 أبواب ما يكتسب ب ب 94 ح 6.

عباس و الخصال (1)،لكن أُضيفت الصورة إلى الحيوان.

و ظاهرها سيّما الأخير و الأوّلين اختصاص التحريم بصورة ذوات الأرواح،كما قيّدنا به العبارة،وفاقاً لجماعة،كالشيخين و المتأخّرين كافّة، كما حكاه بعض الأجلّة (2).و لعلّه فهم القيد من العبارة و نحوها من الخارج، و إلّا فلا إشعار فيها به،بل ظاهرها التعميم له و لغيره،كصورة النخلة و الشجرة،و لكن لا تساعده الأدلّة،بل الروايات مفهوماً و سياقاً كما عرفت على خلافه واضحة المقالة.

مضافاً إلى أصالة الإباحة،و صريح الصحيحين المرويين عن المحاسن،في أحدهما:« لا بأس بتماثيل الشجر» (3)و في الثاني:عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر،فقال:« لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان» (4).

و قريب منهما المرويان في الكافي،أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (5)في قوله تعالى يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ [1] (6)الآية قال:« و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء،و لكنّها تماثيل الشجر و شبهه» (7).و نحوه الثاني (8)،و ليس في سنده سوى سهل الثقة عند

ص:152


1- الخصال:76/108،77/109،الوسائل 17:297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 7،9.
2- الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:11.
3- المحاسن:55/619،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2.
4- المحاسن:54/619،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3.
5- الحدائق 18:99.
6- سبأ:13.
7- الكافي 6:7/527،الوسائل 17:295 أبواب ما يكتسب به 94 ح 1.
8- الكافي 6:3/476،الوسائل 5:305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 6.

جمع و سهل عند آخرين (1).

و احترز بالمجسمة عن الصور المنقوشة على نحو الورق و الوسادة فلا تحترم،وفاقاً للأكثر،بل كافّة من تأخّر كما في التنقيح (2)؛ للأصل،و ظاهر الرخصة في الجلوس عليها في الأخبار فعلاً،في أحدهما:« كانت لعلي بن الحسين(عليهما السّلام)وسائد و أنماط فيها تماثيل يجلس عليها» (3).

و في الباقي قولاً:ففي الموثق:عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل؟قال:« لا بأس به يكون في البيت» قلت:التماثيل؟قال:« كلّ شيء يوطأ فلا بأس به» (4).و نحوه الخبر (5).

و قريب منهما الصحيح:« لا بأس أن يكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رؤوسها و ترك ما سوى ذلك» (6).

و الأصل يندفع بما مرّ من الإطلاقات.

و الخبر الثاني بقصور السند؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة فيه و في سابقه،لعدم ظهور التماثيل فيهما في تماثيل الحيوانات،فيحتمل نحو الشجر؛ مضافاً إلى عدم الملازمة بين رخصة الجلوس و جواز الفعل إلّا بالإجماع عليها،و هو غير ثابت.

مع أنّها معارضة بالموثق كالصحيح:يجلس الرجل على بساط فيه

ص:153


1- راجع ص:3684.
2- التنقيح الرائع 2:11.
3- الكافي 6:4/477،الوسائل 5:309 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 4.
4- الكافي 6:6/527،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 2.
5- التهذيب 6:1122/381،الوسائل 17:296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 4.
6- الكافي 6:8/527،المحاسن:56/619،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

تماثيل؟فقال:الأعاجم تعظّمه و إنّا لنمقته» (1).

و نحوه الأخبار الآتية الناهية عن التماثيل على الإطلاق.

فالأصح تحريمه مطلقاً،وفاقاً للقاضي و الحلّي و شيخنا الشهيد الثاني (2)(3)،و يمكن حمل العبارة و مضاهيها عليه،بحمل الصفة على الممثّل دون المثال.

إلّا أن يجاب عن معارض الأصل من إطلاق النصوص بقصور سند الظاهر منها،و عدم ظهور المنع من صحيحها،فإنّ غايته ثبوت البأس في مفهومه و هو أعمّ من الحرمة.

إلّا أنّ كثرة الأخبار الظاهرة و اعتبار سند بعضها كالرضوي و المعتبرين بعده يمكن أن يدفع بهما الأصل،و إن كان في تعيّنه نوع نظر، لاعتضاد الأصل بعمل الأكثر،بل كافّة من تأخّر،كما مرّ.

و لا ريب أنّ الاجتناب عن مطلق ذي الروح أحوط،بل أولى و أظهر.

و أحوط منه الاجتناب عن مطلق المثال،كما عن الحلبي (4)؛ لإطلاق الخبرين في أحدهما:« و ينهى عن تزويق البيوت» قلت:و ما تزويق البيوت؟فقال:« تصاوير التماثيل» (5).

ص:154


1- الكافي 6:7/477،الوسائل 5:308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 1.و فيهما بدل« لنمقته»:« لنمتهنه».
2- القاضي في المهذب 1:344،الحلي في السرائر 2:215،الشهيد الثاني في المسالك 1:165.
3- سيّما و قد ادّعى الفاضل في المنتهى فيما حكي عنه الإجماع هنا.فقال:يحرم سائر التماثيل و الصور ذوات الأرواح مجسّمة كانت أو غير مجسمة،إجماعاً منّا.(منه(رحمه اللّه)).و لكنّا لم نعثر عليه في المنتهى،و لا على من حكى عنه.
4- انظر الكافي في الفقه:281.
5- الكافي 6:1/526،المحاسن:37/614،الوسائل 5:303 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 1.

و في الثاني خطاباً للأمير(عليه السّلام)حين وجّه إلى المدينة:« لا تدع صورة إلّا محوتها،و لا قبراً إلّا سوّيته،و لا كلباً إلّا قتلته» (1).

و ضعفهما بالجوهري و صاحبه في الأوّل،و النوفلي و السكوني في الثاني يمنع من العمل بهما،و إن تأيّدا بالمستفيضة المعرِبة عن عدم نزول الملائكة بيتاً تكون فيه التماثيل و الصورة،كالخبر:« إنّ جبرئيل(عليه السّلام)قال:

إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة يعني صورة إنسان و لا بيتاً فيه تماثيل» (2)لظهورها كسياق الثاني في الكراهة.

و مع ذلك هما غير صريحي الدلالة،فيحتملان التقييد بمفاهيم ما قدّمناه من المعتبرة،أو إبقاءهما على ظاهرهما مع الحمل على الكراهة.

و الغناء و هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيح المطرب،أو ما يسمّى في العُرف غناء و إن لم يطرب،سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما،على الأصح الأقوى،بل عليه إجماع العلماء،كما حكاه بعض الأجلّاء (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،المروية جملة منها في الكافي في بابه [باب الغناء] في كتاب الأشربة (4)،و جملة اخرى منها في باب كسب المغنيّة من كتاب المعيشة (5).

ص:155


1- الكافي 6:14/528،المحاسن:34/613،الوسائل 5:306 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 8.
2- الكافي 6:3/527،الوسائل 5:175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 2.
3- انظر مجمع الفائدة 8:59 و 61،و الحدائق 18:101.
4- الكافي 6:431.
5- الكافي 5:119.

فمن الأوّل الصحاح المستفيضة،اثنان منها في قوله تعالى وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [1] (1)قال:« هو الغناء» (2).

و منها:« بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة و لا تجاب فيه الدعوة» (3).

و من الثانية النصوص المستفيضة،منها:« المغنيّة ملعونة،ملعون من أكل كسبها» (4).

و منها:عن بيع الجوار المغنيّات،فقال:« شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر،و استماعهنّ نفاق» (5).

و بالجملة:النصوص في ذلك كادت تبلغ التواتر،و هي مع ذلك مطلقة،و لا ريب فيه.

عدا ما استثني،كغناء المغنيّة لزفّ العرائس خاصّة إذا لم تتغنّ بالباطل،و لم يدخل عليها الرجال و لم تلعب بالملاهي،وفاقاً للنهاية و جماعة (6)؛ للصحيح:« أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس ليس به بأس،ليست بالتي يدخل عليها الرجال» (7).

و نحوه الخبر:« المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» (8).

ص:156


1- الفرقان:72.
2- الكافي 6:6/431،13/433،الوسائل 17:304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 3،5.
3- الكافي 6:15/433،الوسائل 17:303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.
4- الكافي 5:6/120،التهذيب 6:1020/357،الإستبصار 3:203/61،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.
5- الكافي 5:5/120،التهذيب 6:1018/356،الإستبصار 3:201/61،الوسائل 17:124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.
6- النهاية:367؛ و انظر المسالك 1:165،و الكفاية:86،و الحدائق 18:116.
7- الكافي 5:3/120،الفقيه 3:376/98،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.
8- الكافي 5:/120 2،التهذيب 6:/357 1023،الإستبصار 3:/62 206،الوسائل 17:121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2.

خلافاً لظاهر المفيد و الحلبي و الديلمي،و صريح التذكرة و الحلّي (1)، فالحرمة مطلقاً؛ و لعلّه لقصور الخبرين عن المقاومة لما مرّ سنداً و عدداً و دلالةً؛ إذ غايتهما نفي البأس عن الأُجرة،و هو غير ملازم لنفي الحرمة، إلّا أن يثبت الملازمة بعدم القول بالفرق في المسألة،و الاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة بينهما في كثير من الأُمور المحرّمة، و الأحوط الترك البتة.

و ينبغي القطع بعدم استثناء شيء آخر،كالحداء،و هو سوق الإبل بالغناء،و الغناء في مراثي الحسين(عليه السّلام)،و قراءة القرآن،و غير ذلك،و إن اشتهر استثناء الأوّل،و حكي الثاني عن قائل مجهول (2)،و استثنى الثالث بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين (3)؛ لإطلاق أدلّة المنع،مع عدم ما يخرج به عنها سوى النصوص في الثالث.

و هي مع عدم مكافأتها للإطلاقات المجمع عليها هنا في الظاهر المصرّح به في كلام بعض المشايخ (4)قاصرة الأسانيد،ضعيفات الدلالة، فإنّها ما بين آمرة بقراءة القرآن بالحزن،كالمرسل كالصحيح:« إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن» (5).

و آمرة بقراءته بالصوت الحسن،كالخبر:« لكلّ شيء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن» (6).

ص:157


1- المفيد في المقنعة:588،الحلبي في الكافي:281،الديلمي في المراسم:170 التذكرة 1:582،السرائر 2:222.
2- انظر جامع المقاصد 4:23.
3- السبزواري في الكفاية:85.
4- مجمع الفائدة 8:59.
5- الكافي 2:2/614،الوسائل 6:208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.
6- الكافي 2:9/615،الوسائل 6:211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 3.

و لا ريب أن الأمرين غير الغناء،سيّما على المختار في تعريفه،من كونه ما يسمّى به عرفاً،و لا يسمّيان به فيه مطلقاً.

و لذا ورد أن الصوت الحسن من شعار الأنبياء و أئمّة الهدى و شيعتهم.

ففي الخبر:« ما بعث اللّه نبيّاً إلّا حسن الصوت» (1).

و في آخر:« كان علي بن الحسين(عليهما السّلام)أحسن الناس صوتاً بالقرآن، و كان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته» (2)و نحو غيره (3).

و في ثالث:« لم تعط أُمّتي أقلّ من ثلاث:الجمال،و الصوت الحسن،و الحفظ» (4).

نعم في العامي المروي في مجمع البيان:« فإذا قرأتموه أي القرآن فابكوا،فإن لم تبكوا فتباكوا،و تغنّوا به،فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا» (5).

و هو مع ضعف سنده،و احتماله التقيّة،كما ذكره بعض الأجلّة (6)معارض برواية خاصيّة،و فيها:« اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسوق و أهل الكبائر،فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية،لا يجوز تراقيهم،قلوبهم

ص:158


1- الكافي 2:10/616.
2- الكافي 2:11/616،الوسائل 6:211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 4.
3- مستطرفات السرائر:17/97،الوسائل 6:209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.
4- الكافي 2:7/615.
5- مجمع البيان 1:16.
6- انظر عين الحياة للمحدّث المجلسي:237،و الاثني عشرية للمحدّث الحرّ العاملي:147.

مقلوبة،و قلوب من يعجبه شأنهم» (1).

مضافاً إلى الإجماع على عدم إبقائه على ظاهره،فقد ذكر الطبرسي بعد نقله أنّه تأوّله بعضهم بمعنى:استغنوا به،و أكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت و تحزينه (2).

و النوح بالباطل بأن تصفه بما ليس فيه،إجماعاً ظاهراً،و حكي عن المنتهى صريحاً (3).

و هو الحجة فيه،مع ما دلّ على حرمة الباطل،و ربما يحمل عليه إطلاق المستفيضة المانعة،كحديث المناهي المروي في الفقيه« نهى عن النياحة و الاستماع إليها» (4).

و نحوه المروي عن معاني الأخبار في وصيّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لفاطمة(عليها السلام):

« إذا أنا متُّ فلا تقيمنّ عليّ نياحة» (5).

و عن الخصال:« إنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سِربال من قَطِران و دِرع من جَرَب» (6).

و بظاهرها أخذ المبسوط و ابن حمزة (7)،مدّعياً الأوّل الإجماع عليه.

و أمّا الأكثر فقالوا:إذا كان بالحق فجائز عن المنتهى الإجماع

ص:159


1- انظر مجمع البيان 1:16.
2- انظر مجمع البيان 1:16.
3- المنتهى 2:1012.
4- الفقيه 4:3،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 11.
5- معاني الأخبار:33/390،الوسائل 3:272 أبواب الدفن ب 83 ح 5.
6- الخصال:60/226،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 12.
7- المبسوط 1:189،ابن حمزة في الوسيلة:69.

عليه (1)؛ و هو الحجة،بعد الأصل،و المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:« لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت» (2).

و أظهر منه الصحيح المشهور في تجويز النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و تقرير نياحة أُمّ سلمة على ابن عمّها بحضرته (3).

و قريب منهما الموثق،المتضمّن لوصيّة مولانا الباقر(عليه السّلام)إلى الصادق(عليه السّلام)بوقف مال مخصوص لنوادب تندبه عشر سنين بمنى أيّام منى (4).

و نحوه الموثق الآخر،إلّا أنّ فيه النهي عن اشتراط الأُجرة (5)،و حمل معه على الكراهة.

و المرسل:عن أجر النائحة،فقال:« لا بأس به،قد نيح على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) » (6).إلى غير ذلك من الأخبار المعتضدة بالأصل،و الشهرة العظيمة، و حكاية الإجماع المتقدّمة،و المخالفة للعامّة كما قاله بعض الأجلّة حاملاً للأخبار السابقة على التقيّة (7).و هو حسن.

ص:160


1- المنتهى 1:466.
2- الفقيه 3:376/98،التهذيب 6:1028/359،الإستبصار 3:199/60،الوسائل 17:127 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 7.
3- الكافي 5:2/117،التهذيب 6:1027/358،الوسائل 17:125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.
4- الكافي 5:1/117،التهذيب 6:1025/358،الوسائل 17:125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.
5- الكافي 5:3/117،التهذيب 6:1026/358،الإستبصار 3:200/60،الوسائل 17:126 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 3.
6- الفقيه 1:551/116،الوسائل 3:242 أبواب الدفن ب 71 ح 2.
7- الحدائق 4:168.

مضافاً إلى قصور أسانيدها،و احتمالها الحمل على ما مرّ،بقرينة المرسل في الفقيه،و لعلّه الرضوي:« لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً» (1).

أو الحمل على الكراهة،كما يشعر بها الموثق:عن كسب المغنية و النائحة،فكرهه (2).

و المروي عن علي بن جعفر في كتاب مسائله،عن أخيه(عليه السّلام)عن النوح على الميت أ يصلح؟قال:« يكره» (3).

أو على عدم الرضاء بقضائه سبحانه و ترك الصبر لأجله،ففي الخبر:

« من أقام النياحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه» (4)الحديث،فتأمّل.

و إجماع الشيخ مع معارضته بأقوى منه،و تطرّق الوهن إليه بمصير الأكثر إلى خلافه مردود كإخباره،مع ما هي عليه من القصور سنداً، و احتمال الورود تقيّة إلى القول الأوّل.

نعم،الكراهة على الإطلاق غير بعيدة،وفاقاً للتهذيب (5)،مسامحة في أدلّة الكراهة.و لا ينافيها وصيّة الباقر(عليه السّلام)؛ لاحتمال الفرق بينهم(عليهم السّلام) و بين سائر الأُمّة،مع أنّه قائم بالضرورة،لاستحبابه لهم(عليهم السّلام)دونهم.

ص:161


1- الفقيه 3:378/98،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 9،و روى في فقه الرضا(عليه السّلام):252،المستدرك 13:93 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.
2- التهذيب 6:1029/359،الإستبصار 3:198/60،الوسائل 17:128 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 8.
3- مسائل علي بن جعفر:221/156،الوسائل 17:129 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 13.
4- الكافي 3:1/222،الوسائل 3:271 أبواب الدفن ب 83 ح 1.
5- التهذيب 6:359.

و هِجاء المؤمنين بكسر الهاء،قيل:هو ذكر معايبهم بالشعر (1).

و الأصل فيه بعد الإجماع المحكي عن المنتهى (2)عموم أدلّة حرمة الغيبة من الكتاب و السنّة،قال اللّه سبحانه: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [1] (3).و في الحسن:« الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه تعالى عليه» (4)الخبر.

و الخبر:عن الغيبة،قال:« هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبثّ أمراً قد ستره اللّه تعالى عليه لم يقم عليه فيه حدّ» (5).

و في المرسل كالصحيح:« من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أُذناه فهو من الذين قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [2] (6)» (7). [و نحوه الخبر عن الغيبه قال هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل و تثبت امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد ] و ظاهر العبارة و نحوها و صريح جماعة (8)اختصاص التحريم بالمؤمن و الأخ في الدين،فيجوز غيبة المخالف.و لا ريب فيه؛ للأصل؛ و ظاهر النصوص المزبورة الظاهرة في الجواز إمّا من حيث المفهوم كالأخير،أو

ص:162


1- الحدائق 18:146.
2- المنتهى 2:1013.
3- الحجرات:12.
4- الكافي 2:7/358،الوسائل 12:288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 2.
5- الكافي 2:3/357،الوسائل 12:288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 1.
6- النور:19.
7- الكافي 2:2/357،أمالي الصدوق:16/276،الوسائل 12:280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 6.
8- منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:26؛ و أُنظر الروضة 3:213،و الحدائق 18:150.

التعريف الظاهر في حصر الغيبة المحرّمة بالكتاب و السنّة فيما دلّت عليه العبارة،كما في البواقي.

و دعوى الإيمان و الأُخوّة للمخالف ممّا يقطع بفساده،و النصوص المستفيضة،بل المتواترة ظاهرة في ردّه،مضافاً إلى النصوص المتواترة الواردة عنهم(عليهم السّلام)بطعنهم،و لعنهم،و أنّهم أشرّ من اليهود و النصارى، و أنجس من الكلاب (1)؛ لدلالتها على الجواز صريحاً أو فحوًى،كالنصوص المطلقة للكفر عليهم (2)،مع زيادة لها في الدلالة بوجه آخر،و هو استلزام الإطلاق أمّا كفرهم حقيقة،أو اشتراكهم مع الكفّار في أحكامهم التي منها ما نحن فيه إجماعاً،و حكاه بعض الأصحاب صريحاً.

فتأمّلُ بعض من ندر ممّن تأخّر (3)ضعيف،كمتمسّكه من إطلاق الكتاب و السنّة،لورود الأوّل بلفظ الخطاب بصيغة الجمع المتوجّه إمّا إلى جميع المكلّفين،أو خصوص المسلمين،و الثاني بلفظ الناس أو المسلم، الشامل جميع ذلك للمخالف؛ فإنّ التعليل في الذين بما تضمّن الاُخوّة في الأوّل و بعض الثاني يقتضي اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة.و ليس في باقي السنة ممّا خلا عن ذلك ما ينافي ذلك بعد عدم عموم فيه لغة؛ فإنّ غايتها الإطلاق المنصرف إلى الفرد الكامل،هذا.

مع أنّ في التمسّك بإطلاق الآية مناقشة أُخرى،بناءً على المختار الذي عليه علماؤنا الأبرار من اختصاص مثل الخطاب بالمشافهين،و أنّ

ص:163


1- انظر الوسائل 1:229 أبواب الأسآر ب 3،ج 3:419 أبواب النجاسات ب 14.
2- انظر:الكافي 1:11/187،4/413،7/437،8.
3- المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:78،و السبزواري في الكفاية:86.

التعدية منهم إلى الغائبين تحتاج إلى دليل مبين،و هو في الأغلب الإجماع، و لا إجماع إلّا على الشركة مع اتّحاد الوصف،و لا ريب في تغايره،فلا شركة لهم معهم.و فيه نظر،هذا.

مع أنّ الأصحاب في الباب ما بين مصرّحٍ بعدم الاشتراك،و مفتٍ بعبارة ظاهرة في الاختصاص،لتضمّنها المؤمن الظاهر في اصطلاحهم في هذه الفرقة الناجية.

و يستفاد ذلك أيضاً من كثير من المعتبرة المستفيضة،و لا دلالة على التعدية،و على تقديرها فليست الآية بنفسها حجّة مستقلة،فالاستدلال بها غفلة واضحة عن أُصول الإماميّة.

و حفظ كتب الضلال عن الاندراس،أو عن ظهر القلب و نسخها و تعليمها و تعلّمها لغير النقض لها،و الحجّة على أربابها بما اشتملت عليه ممّا يصلح دليلاً لإثبات الحق،أو نقض الباطل لمن كان من أهلهما؛ و يلحق به الحفظ للتقية،أو لغرض الاطّلاع على المذاهب و الآراء،ليكون على بصيرة في تمييز الصحيح عن الفاسد،أو لغرض الإعانة على التحقيق،أو تحصيل ملكةٍ للبحث و الاطّلاع على الطرق الفاسدة ليتحرّز عنها،أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة،كما ذكره جماعة (1).

و ينبغي تقييده بشرط الأمن على نفسه من الميل إلى الباطل بسببها، و أمّا بدونه فمشكل مطلقاً،لاحتمال الضرر الواجب الدفع عن النفس و لو من باب المقدّمة إجماعاً.

ص:164


1- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:26،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:12،و الشهيد الثاني في المسالك 1:166.

و من هنا يظهر الأصل في المسألة في الجملة،و يتمّ ذلك بعدم القول بالفرق بين الطائفة؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيها مطلقاً،بل و عليه الإجماع عن ظاهر المنتهى (1)،مع أنّ فيه نوع إعانة على الإثم،و وجوه الفساد الواجب دفعها من باب النهي عن المنكر.

و تعلّم السحر و عرّف تارة:بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله،و منه عقد الرجل عن حليلته،و إلقاء البغضاء بينهما،فقد قال اللّه تعالى فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ [1] (2).و في المروي عن الاحتجاج:« و من أكبر السحر النميمة يفرّق بها بين المتحابّين،و يجلب العداوة بين المتصادقين» (3)الحديث.

و قيل:و منه استخدام الملائكة و الجنّ،و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المُصاب،و استحضارهم و تلبّسهم ببدن صبي أو امرأة و كشف الغائبات على ذلك (4).

و أُخرى:بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة و أسباب خفيّة.

و أُخرى:بوجه يدخل فيه علم الطلسمات و النيرنجات و غير ذلك، و ذلك أن يقال:هو استحداث الخوارق،إمّا بمجرّد التأثيرات النفسانية و هو السحر،أو بالاستعانة بالفلكيّات فقط و هو دعوة الكواكب،أو على تمزيج

ص:165


1- المنتهى 2:1013،و حكاه عنه في الحدائق 18:141.
2- البقرة:102.
3- الاحتجاج:340.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:166.

القوى السماوية بالقوى الأرضيّة و هو الطلسمات،أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة و هو العزائم.

قيل:و الكلّ حرام في شريعة الإسلام (1)،و ظاهره إجماع المسلمين عليه؛ و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة،منها ما ورد في حدّ الساحر، ففي الخبر:« ساحر المسلمين يقتل» (2).

و في آخر:« يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أُمّ رأسه» (3).

و في ثالث:« حلّ دمه» (4).

و في رابع:« من تعلّم من السحر شيئاً كان آخر عهده بربّه،و حدّه القتل» (5).

و ظاهرها التحريم مطلقاً.

و قد استثني منه السحر للتوقّي و دفع المتنبّي.و لا بأس به،بل ربما وجب كفايةً،كما في الدروس و الروضة (6)،و تبعهما جماعة (7)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن،بناءً على ضعف النصوص المثبتة للتحريم على الإطلاق،و لا جابر لها من إجماع أو غيره،مع معارضتها بكثير من

ص:166


1- التنقيح الرائع 2:12.
2- الكافي 7:1/260،الفقيه 3:175/371،التهذيب 10:583/147،علل الشرائع:1/546،الوسائل 17:146 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2.
3- الكافي 7:2/260،التهذيب 10:584/147،الوسائل 28:366 أبواب بقيّة الحدود ب 1 ح 3.
4- التهذيب 10:585/147،الوسائل 28:367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.
5- التهذيب 10:586/147،الوسائل 28:367 أبواب بقيّة الحدود ب 3 ح 2.
6- الدروس 3:164،الروضة 3:215.
7- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:28،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:79،و صاحب الحدائق 18:72.

النصوص المتضمّنة لجواز تعلّمه للتوقّي و الحلّ به،منها:« حلّ و لا تعقد» (1).

و منها المروي في العلل:« توبة الساحر أن يحلّ و لا يعقد» (2).

و منها المروي عن العيون في قوله عزّ و جلّ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ [1] (3)قال:« كان بعد نوح(عليه السّلام)قد كثرت السحرة و المموِّهون،فبعث اللّه تعالى مَلَكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم،فتلقّاه النبي من المَلَكين و أدّاه إلى عباد اللّه بأمر اللّه[فأمرهم]أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه،و نهاهم أن يسحروا به الناس» (4)الحديث.

و ربما خصّت روايات الحلّ بغير السحر،كالقرآن و الذكر و التعويذ و نحوهما،جمعاً.و هو أحوط.

و الكِهانة بكسر الكاف،قالوا:هي عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له فيما يأمره به،و هو قريب من السحر أو أخصّ منه.

و الأصل في تحريمه بعد الإجماع المصرّح به في كلام جماعة من الأصحاب (5)النصوص المستفيضة،منها الخبران في تعداد السحت و عدّا

ص:167


1- الكافي 5:7/115،الفقيه 3:463/110،التهذيب 6:1043/364،قرب الإسناد:169/52،الوسائل 17:145 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 1.
2- علل الشرائع:546 ذيل حديث 1،الوسائل 17:147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 3.
3- البقرة:102.
4- عيون الأخبار 1:1/208،الوسائل 17:147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 4.و ما بين المعقوفين من المصدر.
5- انظر الإيضاح 1:405،و مجمع الفائدة 8:79،و الكفاية:87.

من أنواعه أجر الكاهن (1).

و في الثالث المروي عن مستطرفات السرائر،نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب:« من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه تعالى من كتاب» (2).

و في الرابع المروي عن الخصال:« من تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له فقد برئ من دين محمّد(صلّى اللّه عليه و آله) » (3). و القيافة قالوا:هي الاستناد إلى علامات و أمارات يترتّب عليها إلحاق نسب و نحوه،بلا خلاف،بل عن المنتهى و في التنقيح الإجماع عليه (4)،و في الثاني أضافه إلينا،حاكياً عن بعض من خالفنا الخلاف فيه لبعض رواياتهم.

و منه ينقدح الوجه في إمكان حمل ما ورد برخصة مولانا الرضا(عليه السّلام) في الرجوع إلى القيافة (5)على التقيّة،مع قصور سند الرواية،و معارضتها بالمروي في الخصال:عن القيافة،قال:ما أُحبّ أن تأتيهم» (6)و فيه نظر.

قيل:و إنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّماً،أو جزم بها (7).و لا بأس به، و إن كان الأحوط تركه مطلقاً.

ص:168


1- الكافي 5:2/126،الفقيه 4:262،التهذيب 6:1061/368،الخصال:25/329،الوسائل 17:93،94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5،9.
2- مستطرفات السرائر:22/83،الوسائل 17:150 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3.
3- الخصال:68/19،الوسائل 17:149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.
4- المنتهى 2:1014،التنقيح الرائع 2:13.
5- انظر الكافي 1:14/322.
6- الخصال:68/19،الوسائل 17:149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.
7- المسالك 1:166.

و الشعْبَدة قيل:هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحسّ (1).و لا خلاف في تحريمه كما عن المنتهى (2).

و القمار بالآلات المعدّة له،كالنرد و الشطرنج و الأربعة عشر، و اللعب بالخاتم و الجوز و البيض،بلا خلاف في شيء من ذلك،بل عن المنتهى و في غيره الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجّة بعد الكتاب و السنّة المستفيضة،قال اللّه سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [1] (4).و فسّر الميسر به في المستفيضة،منها:ما الميسر؟قال:« كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب و الجوز» (5).

و منها:« الميسر هو القمار» (6).

و منها:« الشطرنج ميسر،و النرد ميسر» (7)و نحوه آخر (8).

و في الصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [2] (9)فقال:« كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه تعالى

ص:169


1- الحدائق 18:185.
2- المنتهى 2:1014.
3- المنتهى 2:1012؛ مجمع الفائدة و البرهان 8:41؛ و أُنظر المسالك 2:403،و كشف اللثام 2:372.
4- المائدة:90.
5- الكافي 5:2/122،الفقيه 3:374/97،التهذيب 6:1075/371،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.
6- الكافي 5:9/124،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.
7- الكافي 6:11/437،الوسائل 17:324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 4.
8- تفسير العياشي 1:186/341،الوسائل 17:325 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 8.
9- البقرة:188،النساء:29.

عن ذلك» (1).

و لا يملك ما يترتّب عليه من الكسب،بل هو سحت و إن وقع من غير المكلّف،فيجب ردّه على مالكه،ففي الخبر:كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل،و قال:« هو سحت» (2).

و في آخر:الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون فقال:« لا تأكل منه فإنّه حرام» (3).

بل يستفاد من بعض الأخبار الاجتناب بعد الأكل بالتقيّؤ (4)و من آخر منها الحضور في المجالس التي يلعب فيها بها و النظر إليها،و هو مستفيض.منها:« من جلس على اللعب بها فقد تبوّأ مقعده من النار» (5).

و منها:« المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار» (6).

و في آخر:« المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» (7).

و في ثالث:« مالك و لمجلس لا ينظر اللّه تعالى إلى أهله» (8).

إلّا أنّ في إثبات التحريم بذلك إشكالاً إلّا أن يكون إجماعاً.

و الغِشّ بكسر الغين بما يخفى كشوب اللبن بالماء،بلا

ص:170


1- الكافي 5:1/122،الوسائل 17:164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.
2- الكافي 5:6/123،الوسائل 17:166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 6.
3- الكافي 5:10/124،التهذيب 6:1069/370،الوسائل 17:166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 7.
4- الكافي 5:3/123،الوسائل 17:165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 2.
5- مستطرفات السرائر:29/59،الوسائل 17:323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4.
6- الكافي 6:16/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 2.
7- الكافي 6:15/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 3.
8- الكافي 6:12/437،الوسائل 17:322 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 1.

خلاف في الظاهر،و عن المنتهى صريحاً (1)؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:« ليس من المسلمين مَن غشّهم» (2).

و في آخر:« ليس منّا من غشّنا» (3).

و في ثالث:« إنّ البيع في الظلال غشّ،و إنّ الغشّ لا يحلّ» (4).

و في الخبر:« نهى رسول اللّه(عليه السّلام)أن يشاب اللبن بالماء» (5).

و احترز بالقيد عن مقابله،كمزج الحنطة بالتراب و التبن،و جيّدها برديئها،فيجوز على كراهة في ظاهر الأصحاب؛ و لعلّه للأصل، و اختصاص ما مرّ من النصّ بحكم التبادر بمحل القيد،و لظهور العيب في غيره،فيعلم بالنظر،فكأنّه يبيع غير الجيّد بثمنه مع علم المشتري و هو يشتري،فلا حرج فيه.

و لعلّ الكراهة لاحتمال شمول النص،و إمكان غفلة المشتري عنه.

و في الصحيح:عن الطعام يخلط بعضه ببعض،و بعضه أجود من بعض،قال:« إذا رُئيا جميعاً فلا بأس ما لم يغط الجيّد الرديء» (6).

ص:171


1- المنتهى 2:1013.
2- الكافي 5:2/160،التهذيب 7:49/12،الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 2.
3- الكافي 5:1/160،التهذيب 7:48/12،الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 1.
4- الكافي 5:6/160،الفقيه 3:770/172،التهذيب 6:54/13،الوسائل 17:280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3.
5- الكافي 5:5/160،الفقيه 3:771/173،التهذيب 7:53/13،الوسائل 17:280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 4.
6- الكافي 5:1/183،التهذيب 7:139/33،الوسائل 18:112 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 1.

و في آخر:في الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد و سعرهما شتّى،و أحدهما خير من الآخر،فيخلطهما جميعاً ثم يبيعهما بسعر واحد؟ قال:« لا يصلح له أن يفعل ذلك يغشّ به المسلمين حتّى يبيّنه» (1)فتأمّل.

ثم لو غشّ لكن لا بقصده بل بقصد إصلاح المال لم يحرم؛ للأصل، و اختصاص ما مرّ من النص بحكم التبادر بصورة القصد،و للصحيح:عن الرجل يشتري طعاماً فيكون أحسن له و أنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس منه زيادة،فقال:« إن كان بيعاً لا يصلحه إلّا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس،و إن كان إنّما يغشّ به المسلمين فلا يصلح» (2).

و تدليس الماشطة بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها،من تحمير وجهها و وصل شعرها و نحو ذلك،إرادة منها ترويج كسادها،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى عموم المعتبرة المتقدّمة الناهية عن كلّ غشّ،و منه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.

و لو انتفى التدليس كما لو كانت مزوّجة فلا حرمة؛ للأصل.

و الخبر:« لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها» (4).

و في آخر:عن المرأة تحفّ الشعر عن وجهها؟قال:« لا بأس» (5).

ص:172


1- الكافي 5:2/183،الفقيه 3:563/129،التهذيب 7:140/34،الوسائل 18:112 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 2.
2- الكافي 5:3/183،الفقيه 3:567/130،التهذيب 7:141/34،الوسائل 18:113 أبواب أحكام العيوب ب 9 ح 3.
3- مجمع الفائدة 8:84.
4- الكافي 5:3/119،التهذيب 6:1032/360،الوسائل 17:132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 3.
5- قرب الإسناد:883/226،الوسائل 17:133 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 8.

بل يستحب كما يستفاد من كثير من المعتبرة (1).

و اعلم أنّه لا بأس بكسبها مع عدمه للأصل،و إطلاق المستفيضة،منها:« لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطى، و لا تصل شعر امرأة بشعر امرأة غيرها،و أمّا شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة» (2).

و يستفاد منه البأس مع الأمرين.و ليحمل على الكراهة؛ للأصل، و قصور الرواية،و أعميّة البأس من الحرمة،مع احتمالها في الثاني إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير ذات محرم،و عليه يحمل النهي عنه في عدّة من النصوص،أو على الكراهة،لما مرّ.

و تزيين الرجل بما يحرم عليه كتزيينه بالذهب و إن قلّ،و الحرير إلّا ما استثني،و لبسه السوار و الخلخال،و الثياب المختصّة بالنسوة في العادة،و تختلف باختلاف الأصقاع و الأزمان.إجماعاً في الأوّلين،نصّاً و فتوى.و على الأظهر الأشهر المحتمل فيه الإجماع في الباقي؛ لأنّه من لباس الشهرة المنهي عنه المستفيضة،منها الصحيح:« إنّ اللّه تعالى يبغض شهرة اللباس» (3).

و في المرسل كالموثق:« الشهرة خيرها و شرّها في النار» (4).

و الخبر:« من لبس ثوباً يشهره كساه اللّه تعالى يوم القيامة ثوباً من

ص:173


1- الوسائل 20:187 أبواب مقدمات النكاح ب 101.
2- الفقيه 3:378/98،الوسائل 17:133 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 6؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 6:1/444،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 1.
4- الكافي 6:3/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 3.

النار» (1).

و في آخر:« كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره» (2).

مضافاً إلى النصوص المانعة عن تشبّه كلّ من الرجال و النساء بالآخر.

ففي الخبر:« لعن اللّه تعالى المتشبّهين من الرجال بالنساء، و المتشبّهات من النساء بالرجال» مروي عن الكافي و علل الصدوق (3).

و في رواية أُخرى فيه:« أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء» (4).

و قصور الأسانيد بالشهرة و الاعتبار منجبر،مع التأيّد بما فيه من إذلال المؤمن نفسه،المنهي عنه اتّفاقاً،نصّاً و فتوى و اعتباراً.

و منه يظهر انسحاب الحكم في تزيين المرأة بلباس الرجل مع عدم القائل بالفرق،فتأمّل بعض من تأخّر (5)في حرمة ذلك لهما ليس في محلّه.

و زَخْرَفَة المساجد أي نقشها بالذهب و تعشير المصاحف (6) به.

و علّل الأوّل بالبدعة؛ إذ لم يكن في زمن صاحب الشريعة عليه آلاف صلوات و تحية،و لم يرد به الرخصة.

و بالرواية:عن الصلاة في المساجد المصوّرة،فقال:« أكره ذلك،

ص:174


1- الكافي 6:4/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 4.
2- الكافي 6:2/445،الوسائل 5:24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 8:27/69،علل الشرائع:63/602،الوسائل 17:284 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 1،2.
4- علل الشرائع:64/602،الوسائل 17:285 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 3.
5- كصاحب الحدائق 18:198.
6- عَشَّر المصاحف:جعل العواشر فيها.و عواشر القرآن:الآي التي يتمّ بها العَشَر.

و لكن لا يضرّكم اليوم» (1).

و الثاني بالموثق:عن رجل يعشِّر المصاحف بالذهب،فقال:

« لا يصلح» (2).

و فيهما نظر؛ لمنع البدعة مع عدم قصد التشريع،فإنّها إدخال ما ليس في الدين فيه عمداً.

و ضعف الرواية سنداً و دلالة كالموثق،لظهورهما في الكراهة، و الرخصة بأصالة الإباحة حاصلة.

و أظهر من الأخير فيها الخبر:عرضت على أبي عبد اللّه(عليه السّلام)كتاباً فيه قرآن معشَّر بالذهب و كتب في آخره سورة بالذهب،فأريته إيّاه،فلم يعب منه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذهب،فإنّه قال:« لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد كما كتب أوّل مرّة» (3).

مع أنّ المستفاد من بعض النصوص نفي البأس على الإطلاق، كالخبر:« ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس» (4).

فالأصح فيهما الجواز،للأصل،مع الكراهة،للشبهة،وفاقاً لجماعة (5).

ص:175


1- الكافي 3:6/369،التهذيب 3:726/259،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التهذيب 6:1055/366،الوسائل 17:162 أبواب ما يكتسب به ب 32 ح 1.
3- الكافي 2:8/629،التهذيب 6:1056/367،الوسائل 17:162 أبواب ما يكتسب به ب 32 ح 2؛ بتفاوت يسير.
4- الكافي 6:7/475،الوسائل 5:105 أبواب أحكام الملابس ب 64 ح 3.
5- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:10،و الفيض في المفاتيح 3:14،و صاحب الحدائق 18:220.

و معونة الظالم بالكتاب،و السنّة المستفيضة،بل المتواترة، و الإجماع.

قال سبحانه وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ [1] الآية (1).

و قال تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ [2] (2).و عنهم(عليهم السّلام)كما في المجمع:أنّ الركون إليهم هو المودّة و النصيحة و الطاعة لهم (3).

و في الخبر في تفسيره:« هو الذي يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه» (4).

و يستفاد منه و من كثير من النصوص حرمة إعانة الظالمين و لو في المباحات و الطاعات،ففي الصحيح:عن أعمالهم،قال:« لا،و لا مدّة بقلم،إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه» (5).

و أظهر منه الموثق:« لا تُعِنْهم على بناء مسجد» (6).

و قريب منهما القريب من الصحة،و فيه:إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه،أو النهر يكريه،أو المسنّاة (7)يصلحها،فما تقول في ذلك؟فقال(عليه السّلام):« ما أُحبّ أنّي عقدت

ص:176


1- المائدة:2.
2- هود:113.
3- مجمع البيان 3:200.
4- الكافي 5:12/108،الوسائل 17:185 أبواب ما يكتسب به ب 44 ح 1؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:5/106،التهذيب 6:918/331،الوسائل 17:179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 5.
6- التهذيب 6:941/338،الوسائل 17:180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.
7- المسنّاة:السدّ مجمع البحرين 1:231.

لهم عقدة،أو وكيت لهم وكاءً و إنّ لي ما بين لابتيها،لا و لا مدّة بقلم،إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتّى يحكم اللّه تعالى بين العباد» (1).

و نحوها أخبار أُخر هي كالأوّلة مؤيّدة بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن إعانتهم (2).فالأحوط تركها مطلقاً إلّا لتقيّة أو ضرورة،و إن كان ظاهر الأصحاب بغير خلاف يعرف اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم، و لعلّه لقصور الأخبار المطلقة سنداً و الظاهرة دلالة،لاحتمال المباحات و الطاعات فيها ما عرضها التحريم بغصب و نحوه،كما هو الأغلب في أحوالهم.

و هو و إن نافاه النهي عن حبّ البقاء المجامع للإعانة على المباحات و الطاعات،إلّا أنّ المشتمل عليه قاصر السند،فلا يخرج بمثله عن الأصل المقطوع به،المعتضد بعمل الأصحاب كافّة من غير خلاف يعرف بينهم، فلا بدّ من حمله على الكراهة،كما يشعر بها الرواية الأخيرة المعبِّرة عن المنع بلفظه« ما أُحبّ» الظاهرة فيها البتّة،و إن اقتضى التعليل المذيّلة به الحرمة،لاحتمال أن يكون المراد من ذكره بيان خوف الاندراج في أفراد مصداقه،و لكن الإنصاف أن الجواز لا يخلو عن شيء (3).

و يدخل في إعانتهم المحرّمة اختيار التولية عنهم بلا خلاف؛ للمستفيضة،منها:« لأن أسقطَ من حالق (4)فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ

ص:177


1- الكافي 5:7/107،التهذيب 6:919/331،الوسائل 17:179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 6.
2- انظر الوسائل 17:177 أبواب ما يكتسب به ب 42.
3- في« ت» زيادة:لولا اتفاق الأصحاب.
4- الحالق:الجبل المرتفع.مجمع البحرين 5:151.

من أن أتولّى لأحد منهم عملاً،أو أطأ بساط رجل منهم،إلّا لتفريج كربة عن مؤمن،أو فكّ أسره،أو قضاء دينه،إنّ أهون ما يصنع اللّه تعالى بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه تعالى من حساب الخلائق،فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة» (1)الحديث.

و لا خلاف فيما تضمّنه من الاستثناء و شرطه فتوًى و نصّاً،و هو مستفيض،و إن اختلف في الإباحة و الرجحان و الإثابة،فبين ما دلّ على الأوّل،و هو هذا الخبر،و نحوه المروي مرسلاً في الفقيه:« كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان» (2).

و الخبران،في أحدهما:« إن كنت تعلم أنّك إن ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثم تصيّر أعوانك و كتّابك أهل ملّتك فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم كان ذا بذا،و إلّا فلا» (3).

و في الثاني:« ما من جبّار إلّا و معه مؤمن يدفع اللّه به عن المؤمنين، و هو أقلّهم حظّا في الآخرة،يعني أقلّ المؤمنين حظّا،لصحبة الجبّار» (4).

و ما دلّ على الثاني،و هو مستفيض،أجودها دلالةً المروي عن الكشي (5)

ص:178


1- الكافي 5:1/109،التهذيب 6:924/333،الوسائل 17:194 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 9.
2- الفقيه 3:453/108،الوسائل 17:192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 3.
3- الكافي 5:4/111،التهذيب 6:928/335،الوسائل 17:201 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 1.
4- الكافي 5:5/111،الوسائل 17:186 أبواب ما يكتسب به ب 44 ح 4.
5- الرواية ليست موجودة في رجال الكشي،بل توجد في رجال النجاشي:893/331.

في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن مولانا الرضا(عليه السّلام):« إنّ للّه تعالى بأبواب الظلمة من نوّر اللّه تعالى به البرهان،و مكّن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه،و يصلح اللّه تعالى به أُمور المسلمين،لأنّهم صلحاء المؤمنين» إلى أن قال:« أُولئك المؤمنون حقّا،أُولئك أُمناء اللّه تعالى في أرضه،أُولئك نور اللّه تعالى في رعيّتهم يوم القيامة،و يزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض،أُولئك من نورهم نور يوم القيامة يضيء منهم القيامة،خُلِقوا و اللّه للجنة و خُلِقَت الجنة لهم،فهنيئاً لهم،ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» قال:قلت:بماذا جعلني اللّه فداك؟قال:« يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمّد» .و لقد جمع بينهما بعض الأصحاب بحمل الأوّلة على الداخل معهم لحبّ الدنيا و الرياسة،مازجاً ذلك بفعل الطاعات و قضاء حوائج المؤمنين و فعل الخيرات،و الثانية على الداخل لا لذلك،بل لمجرّد ما ذكر من الطاعات (1).

و هو جمع حسن،و إن أبى عنه بعض ما مرّ من الروايات.

ثم لو قلنا باختصاص تحريم الإعانة بالأُمور المحرّمة فلا ريب في انسحاب الحكم في معونة مطلق العصاة الظلمة،حتّى الظالم لنفسه بعصيانه مع حرمانه عن الرئاسة و خذلانه.

و إن قلنا بالعموم و لو في نحو المباحات فالظاهر من النصوص سياقاً اختصاص الحكم بمعونة الظلمة من أهل السنّة،فلا يحرم إعانة سلاطين

ص:179


1- الحدائق 18:132.

الشيعة في الأُمور المباحة،و يجوز حبّ بقائهم،لإيمانهم،و دفع شرور أعدائهم،إلّا أنّ عبارات الأصحاب مطلقة،و لعلّه لتخصيص التحريم فيها بالإعانة في الأُمور المحرّمة،و ذلك ممّا لا يدانيه شبهة.

نعم،النهي عن الركون إلى الظلمة في الآية مع ما في تفسيرها بما تقدّم في الرواية (1)مطلق،فالاحتياط الترك على الإطلاق،و إن أمكن المناقشة في دليله بعدم تبادر مثله من الآية،و ضعف الرواية المفسِّرة.

و أُجرة الزانية فإنّها سحت،كما في النصوص،و فيها الصحيح و غيره (2).

السادس أخذ الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات و تكفينهم و حملهم و دفنهم

السادس:أخذ الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات و تكفينهم و حملهم و دفنهم و نحوها الواجبات الأُخر التي تجب على الأجير عيناً أو كفايةً،وجوباً ذاتيّاً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة (3)؛ و هو الحجة،مع منافاته الإخلاص المأمور به كتاباً و سنّةً.

و أُخرج بالذاتي التوصّلي،كأكثر الصناعات الواجبة كفاية توصّلاً إلى ما هو المقصود من الأمر بها،و هو انتظام أمر المعاش و المعاد؛ فإنّه كما يوجب الأمر بها كذا يوجب جواز أخذ الأُجرة عليها،لظهور عدم انتظام المقصود بدونه؛ مع أنّه عليه الإجماع نصّاً و فتوى،و بذلك يندفع ما يورد من الإشكال بهذه الواجبات في هذا المجال.

و يستفاد من العبارة جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة،كالتغسيل ثلاثاً،و التكفين بالقِطَع المستحبة،و نحو ذلك.و لا ريب فيه،وفاقاً للأكثر؛

ص:180


1- راجع ص:3721.
2- الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5.
3- انظر مجمع الفائدة 8:89،و الحدائق 18:212.

للأصل،و انتفاء المانع من الإجماع و غيره،و هو منافاة الأخذ للإخلاص، فإنّ غايتها هنا عدم ترتّب الثواب لا حرمته،مع إمكان ترتّبه حينئذٍ أيضاً بعد إيقاع عقد الإجارة،فإنّها بعده تصير واجبة،و تصير من قبيل ما لو وجبت بنذر و شبهه؛ و لا ريب في استحقاق الثواب حينئذٍ.و وجهه أنّ أخذ الأُجرة حينئذٍ صار سبباً لوجوبها عليه،و معه يتحقّق الإخلاص في العمل، لكونه حينئذٍ لمجرّد الإطاعة و الامتثال للّه سبحانه،و إن صارت الأُجرة منشأً لتوجّه الأمر الإيجابي إليه،و هو واضح.

و به يتّضح جواز أخذ الأُجرة على الصلاة عن الأموات بعد إيقاع عقد الإجارة،بل لعلّ له قبل إيقاعه أيضاً وجهاً.

فالقول بعدم جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة (1)أيضاً ضعيف، كالمحكي عن المرتضى (2)من جواز أخذها على الأُمور الواجبة التي تعلّقت الأوامر بها إلى الولي للأجير إذا لم يكن هو الولي.

و أخذ الرُّشا بضم أوّله و كسره مقصوراً،جمع رشوة بهما في الحكم بالإجماع،كما في كلام جماعة (3)،و النصوص المستفيضة، في بعضها أنّها سحت،و في عدّة منها:أنّها الكفر باللّه العظيم،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (4).

و إطلاقها كالعبارة،و صريح جماعة (5)يقتضي عدم الفرق بين أن

ص:181


1- نسبه في الإيضاح 1:408 إلى القاضي؛ انظر المهذّب 1:345.
2- حكاه عنه في الدروس 3:172.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:167،و الروضة 3:75،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:251.
4- انظر الوسائل 17:92 أبواب ما يكتسب به ب 5.
5- منهم:المصنّف في الشرائع 2:12.

يكون الحكم للراشي أو عليه.

و يأثم الدافع لها أيضاً؛ لأنه إعانة على الإثم و العدوان،إلّا إذا لم يمكن الوصول إلى الحق بدونها،فيجوز الدفع حينئذٍ،فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.

و في الصحيح:عن الرجل يرشو الرجل على أن يتحوّل من منزله فيسكنه؟قال:« لا بأس» (1).

نعم يحرم على المدفوع إليه مطلقاً.

و قيل:إذا كان يحكم بالحق و إن لم يرتش جاز الدفع،و إلّا فلا.

و يدفعه إطلاق النص و الفتوى.

و قيل:و كذا يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمُهدي خصومة في المال؛ لأنّه يدعو إلى الميل و انكسار قلب الخصم.و كذا إذا كان ممّن لم يعهد منه الهدية له قبل تولّي القضاء؛ لأنّ سببها العمل ظاهراً.و في الحديث:« هدايا العمّال غلول» (2)و في رواية:« سحت (3)(4).انتهى.

و هو أحوط،و إن كان في تعيينه و لا سيّما الأوّل نظر؛ للأصل، و قصور سند الروايتين،و ضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة.

و الأُجرة على الصلاة بالناس جماعة،وفاقاً لجماعة (5)؛ للخبر،

ص:182


1- التهذيب 6:1095/375،الوسائل 17:278 أبواب ما يكتسب به ب 85 ح 2.
2- المبسوط 8:151،و في أمالي الطوسي:268،و الوسائل 27:223 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 6 ما نصّه:هديّة الأُمراء غلول،و هو في مسند أحمد 5:424.
3- المبسوط 8:151.
4- المفاتيح 3:251.
5- منهم:الشيخ في النهاية:365،و الحلّي في السرائر 2:217،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:93،و صاحب الحدائق 18:211.

بل الصحيح المروي في الفقيه في كتاب الشهادات،عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السّلام)قال:« لا تصلّ خلف من يبتغي على الأذان و الصلاة بين الناس أجراً،و لا تقبل شهادته» (1)و هو نصّ في التحريم.

و على القضاء و الحكم بين الناس،فإنّها من أحد المتحاكمين رشوة محرّمة،كما مضت إليه الإشارة.و كذا من غيرهما، مطلقاً،وفاقاً للحلبي و الحلّي (2)و جماعة (3)؛ للصحيح:عن قاضٍ بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق،فقال:« ذلك السحت» (4)بحمل الرزق فيه على الأجر؛ للإجماع على حلّه،و لأنّه لمّا كان جائزاً لجملة المسلمين المحتاجين من بيت المال فلا وجه للفرق بين القاضي و غيره (5).

خلافاً للمفيد و النهاية و القاضي (6)،فيجوز مع الكراهة؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة،لعدم دلالة الصحيح على الأُجرة،و صرف الرزق فيه إليها بمعونة الأمرين المتقدّمين ليس بأولى من صرف السحت فيه بهما إلى الكراهة،بل هو أولى،لموافقة الأصل.

و يمكن ترجيح الأوّل بأنّ المجاز اللازم على تقديره التقييد دون

ص:183


1- الفقيه 3:75/27،الوسائل 27:378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.
2- الحلبي في الكافي:283،الحلي في السرائر 2:217.
3- منهم:العلّامة في القواعد 1:121،و الشهيد الثاني في الروضة 3:71.
4- الكافي 7:1/409،الفقيه 3:12/4،الوسائل 27:221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.
5- مضافاً إلى ما روي عن الخصال:26/329،أنّه روي عن أبيه،عن سعد،عن أحمد بن محمد،عن ابن محبوب،عن أبي أيوب،عن عمار بن مروان قال:قال أبو عبد اللّه(عليه السّلام):كل شيء غلّ من الإمام(عليه السّلام)فهو سحت،و السحت أنواع كثيرة،منها ما أُصيب من أعمال الولاة الظلمة،و منها أُجور القضاة،و أُجور الفواحش،و ثمن الخمر و النبيذ المسكر،و الربا بعد البيّنة.(منه(رحمه اللّه)).
6- المفيد في المقنعة:588،النهاية:367،القاضي في المهذب 1:346.

الثاني،فإنّ اللازم منه المجاز المطلق المرجوح بالإضافة إليه،مع تأيّده في الجملة بفحوى الصحيحة المتقدّمة و غيرها (1)،المانعة من أخذ الأُجرة على نحو الأذان المستحب.

فالمنع فيما نحن فيه من حيث وجوبه و لو كفاية أولى،مع أنّ اللازم على الثاني كراهة الارتزاق،و لعلّهم لم يقولوا به،بل يخصّونه بالأُجرة، فيلزم على تقديره مجازان دون الأوّل.

و للماتن في الشرائع و الفاضل في المختلف (2)،فالتفصيل بين تعيّنه عليه بتعيين الإمام له و نحوه فالأوّل،و إلّا فالثاني،إمّا مطلقاً كما في المختلف،أو بشرط الحاجة و إلّا فكالأوّل كما عن الماتن في الكتاب.

و الأوّل أحوط و أولى،و أمّا القول الثاني فضعيف جدّاً.

و لا بأس في صور المنع عن أخذ الأُجرة بالرزق من بيت المال بلا خلاف؛ للأصل،و الضرورة،و اختصاص أدلّة المنع بغير هذه الصورة سوى الصحيحة المتقدّمة،لأنّها ظاهرة المنع فيها،إلّا أنّها كما مرّ محمولة على الأُجرة،أو الكراهة.

و الفرق بينه و بين الأُجرة ما قيل:من توقّف العمل عليها دونه (3)،أو أنّها تفتقر إلى تقدير العمل و العوض و ضبط المدّة و الصيغة الخاصّة بخلافه، لإناطته بنظر الحاكم و عدم تقدّره بقدر،و محلّه بيت المال و ما أُعدّ للمصالح من خراج الأرض و مقاسمتها (4).

ص:184


1- انظر الوسائل 5:447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38.
2- الشرائع 4:69،المختلف:342.
3- مجمع الفائدة 8:92.
4- قال به في المسالك 1:166.

و في هذا الفرق نظر،بل الأوّل أولى و أظهر،و الأمر سهل لمن تدبّر.

و كذا يحرم أخذ الأُجرة على الأذان و لا بأس فيه بالرزق من بيت المال؛ لما مرّ.

و أمّا الأوّل و عليه الأكثر،بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه (1)،و في الخلاف (2)عليه الإجماع (3)فللخبر المتقدّم في الصلاة بالناس (4)،الصريح في التحريم،المنجبر قصور سنده لو كان بالشهرة بين الأعيان،المؤيّد بروايات أُخر،منها:أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السّلام)فقال:

إنّي و اللّه لأُحبّك للّه،فقال:« و لكنّي أُبغضك للّه» قال:و لم؟قال:« لأنّك تبغي على الأذان كسباً،و تأخذ على تعليم القرآن أجراً» (5).

و منها المرسل في الفقيه:« و لا تتّخذن مؤذّناً يأخذ على أذانه أجراً» (6)و عّد في المروي من دعائم الإسلام سحتاً (7).

خلافاً للمرتضى،فكالارتزاق؛ للأصل،و ضعف النصوص،أو عدم حجّيتها،لكونها من الآحاد (8).و هو حسن على أصله،غير مستحسن على

ص:185


1- حكاه في مفتاح الكرامة 4:95 عن حاشية الإرشاد للكركي.
2- في« ق» زيادة:و كذا في شرح القواعد لثاني المحقّقين(جامع المقاصد 4:36).منه(رحمه اللّه).
3- الخلاف 1:290.
4- في ص:3728.
5- الفقيه 3:461/109،التهذيب 6:1099/376،الإستبصار 3:215/65،الوسائل 17:157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1.
6- الفقيه 1:870/184،التهذيب 2:1129/283،الوسائل 5:447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38 ح 1.
7- دعائم الإسلام 1:147،المستدرك 4:51 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.
8- نقله عنه في المسالك 1:166.

غيره،لانجبار الضعف بما مرّ.

و لا بأس ب أخذ الأُجرة على عقد النكاح و غيره من العقود بأن يكون العاقد وكيلاً عن أحد المتعاقدين.

أمّا تعليم الصيغة و إلقائها على الوجه اللازم فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه؛ للوجوب.

نعم يجوز أخذها على الخطبة،و الخطبة في الإملاك.

المكروه

و المكروه: إمّا لإفضائه إلى المحرّم أو المكروه غالباً ك اتّخاذ الصرف حرفة،فإنّ فاعله لا يسلم من الربا.

و بيع الأكفان فإنّه يتمنّى الوباء.

و بيع الطعام فإنّه يتمنّى الغلاء،و لا يسلم من الاحتكار غالباً.

و بيع الرقيق و العبيد؛ فإنّه يكون أقلّ الناس خيراً،فإنّ شرّ الناس من باع الناس.

و الصياغة لأنّه يُذكّر الدنيا و ينسى الآخرة.

و الذباحة فإنّه يسلب من قلبه الرحمة.

و بيع ما يكنّ من السلاح لأهل الحرب،كالخفّين و الدرع فإنّ فيه نوع ركون إليهم و مودّة.

و لا خلاف في كراهة شيء من ذلك؛ للنصوص المستفيضة،ففي الخبر:« لا تسلّمه صيرفيّاً،فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا،و لا تسلّمه بيّاع أكفان،فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان،و لا تسلّمه بيّاع طعام،فإنّه لا يسلم من الاحتكار،و لا تسلّمه جزّاراً،فإنّ الجزّار تُسلب منه الرحمة،

ص:186

و لا تسلّمه نخّاساً،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قال:شرّ الناس من باع الناس» (1).

و نحوه آخر،مبدّلاً الصيرفي بالصائغ،معلّلاً بأنّه يعالج زين أُمّتي (2).

و ظاهرهما كغيرهما اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة،دون أن يصدر ذلك منه مرّة،بل ظاهر بعض المعتبرة عدم الكراهة مطلقاً إذا اتّقى اللّه سبحانه،ففي الموثق كالصحيح:« كلّ شيء ممّا يباع إذا اتّقى اللّه عزّ و جلّ فيه العبد فلا بأس به» (3).و في الخبر المعتبر الوارد في الصرف:

« خذ سواء و أعط سواء،فإذا حضرت الصلاة فَدَعْ ما بيدك و انهض إلى الصلاة،أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة» (4).

و لو لا الشهرة بين الأصحاب و جواز المسامحة في أدلّة الكراهة و الاستحباب لكان القول بالإباحة المطلقة من دون كراهة غير بعيد؛ للأصل،و ما مرّ من المعتبرة،و قصور سند الروايات المانعة،و احتمال ورودها مورد الغلبة.

ثم إنّ النصوص و العبارة و غيرها و إن أطلقت المنع عن الأُمور المزبورة و الآتية إلّا أنّه ينبغي التقييد بعدم احتياج الناس إليها،و إلّا فيجب عيناً أو كفايةً اتّفاقاً.و لا ينافيه الإطلاق المتقدّم؛ لوروده مورد الغالب الذي

ص:187


1- الكافي 5:4/114،علل الشرائع:1/530،الوسائل 17:135 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.
2- التهذيب 6:1038/362،الاستبصار 3:209/63،علل الشرائع:179،الخصال:138،معاني الأخبار:49،الوسائل 17:137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:3/114،التهذيب 6:1039/363،الإستبصار 3:210/63،الوسائل 17:135 أبواب ما يكتسب به ب 20 ح 5.
4- الكافي 5:2/113،التهذيب 6:1040/363،الإستبصار 3:211/64،الوسائل 17:139 أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 1.

ليس محل الفرض منه جدّاً.

و إمّا لضعته و رذالته كالحياكة و النساجة،ففي الخبر:« ولد الحائك لا ينجب إلى سبعة بطون» (1).

و الحجامة إذا شرط الأُجرة لا بدونها؛ للمعتبرين،أحدهما الموثق كالصحيح:عن كسب الحجّام،فقال:« مكروه له أن يشارط،و لا بأس عليك أن تشارطه و تماكسه،و إنّما يكره له و لا بأس عليك» (2).

و الثاني:« لا بأس به إذا لم يشارطه» (3).

و به يجمع بين إطلاق الأخبار المختلفة في المنع و الإباحة،و فيها الصحيح و غيره،في الجانبين.

و يحتمل الجمع بحمل الأوّل على الكراهة مطلقاً و الثاني على الجواز، إلّا أنّ الأوّل أرجح،لوضوح الشاهد عليه من الخبرين و فتوى الأكثر،و إن كان الكراهة مطلقاً كما في اللمعة (4)غير بعيدة.

و ضراب الفحل بأن يؤاجره لذلك؛ للمرسل:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن عَسْب الفحل،و هو اجرة الضراب» (5).

و يستفاد من المعتبرين عدم الكراهة،أحدهما الصحيح:عن أجر

ص:188


1- رواه في المسالك 1:167 عن الصادق(عليه السّلام).
2- الكافي 5:4/116،التهذيب 6:1011/355،الإستبصار 3:193/59،الوسائل 17:106 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 9.
3- الكافي 5:1/115،التهذيب 6:1008/354،الإستبصار 3:190/58،الوسائل 17:104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.
4- اللمعة(الروضة 3):219.
5- الفقيه 3:433/105،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.

التيوس (1)؟قال:« إن كانت العرب لتعاير به و لا بأس» (2).

و في الثاني:إنّ لي تَيْساً أكريه،فما تقول في كسبه؟قال:« كُلْ كسبه فإنّه لك حلال،و الناس يكرهونه لتعيير الناس بعضهم بعضاً» (3).

و لا بأس بالختانة و خفض الجواري بلا خلاف؛ للأصل، و الصحيح و غيره (4)في الثاني،مع أنّهما من السنن المرغّب إليهما في المعتبرة (5)،و لا ريب في منافاة ذلك للكراهة.

و إمّا لتطرّق الشبهة المندوب إلى تركها في النصوص المستفيضة ككسب الصبيان المجهول أصله؛ لحصول الشبهة فيه من اجتراء الصبي على ما لا يحلّ لجهله،أو علمه بارتفاع القلم عنه.

و لو علم اكتسابه من محلّل فلا كراهة،و إن أطلق الأكثر،كما أنّه لو علم تحصيله أو بعضه من محرّم وجب اجتنابه،أو اجتناب ما علم منه أو اشتبه به و كان محصوراً.

و في الخبر:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده،فإنّه إذا لم يجد سرق» (6).

ص:189


1- التيْس:الذَّكَر من المعز إذا أتى عليه حول.و الجمع:تُيُوس.المصباح المنير:79.
2- الكافي 5:5/116،التهذيب 6:1012/355،الإستبصار 3:194/59،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 2.
3- الكافي 5:2/115،التهذيب 6:1009/354،الإستبصار 3:191/58،الوسائل 17:111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 1.
4- انظر الوسائل 17:129 أبواب ما يكتسب به ب 18،و ج 21:440 و 442 أبواب أحكام الأولاد ب 56،57.
5- الوسائل 21:433،440 أبواب أحكام الأولاد ب 52،56.
6- الكافي 5:8/128،التهذيب 6:1057/368،الوسائل 17:163 أبواب ما يكتسب به ب 33 ح 1.

و محل الكراهة تكسّب الولي به،أو أخذه منه،أو الصبي بعد رفع الحجر عنه.

و نحوه كسب من لا يجتنب المحارم المتعلّقة بالمال لا مطلقاً،فلا يكره كسب المجتنب عنها فيه،و الغير المجتنب عنها في غيره.

و من المكروه أخذ الأُجرة على تعليم القرآن،و نسخه، و كسب القابلة مع الشرط،و لا بأس به لو تجرّد عنه،وفاقاً للأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،و عن الحلّي إجماعنا على جواز الأوّلين (1)؛ استناداً في الجواز إلى الأصل،و مفهوم النصوص الآتية،و ضعف النصوص المانعة (2)و إن كانت مستفيضة،مع معارضتها بصريح بعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة المصرّح بالإباحة المطلقة.

ففيه:إنّ هؤلاء يقولون:إنّ كسب المعلّم سحت،فقال:« كذبوا أعداء اللّه تعالى،إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن،و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحاً» (3).

و في آخر:ما ترى أن اعطي على كتابته أجراً؟قال:« لا بأس» (4)الحديث.

و في الكراهة في الأوّلين إلى الشبهة الناشئة من الأخبار المزبورة،

ص:190


1- انظر السرائر 2:223.
2- الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1،3،4.
3- الكافي 5:2/121،الفقيه 3:384/99،التهذيب 6:1046/364،الإستبصار 3:216/65،الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.
4- الكافي 5:3/121،التهذيب 6:1053/366،الوسائل 17:158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4.

و فتوى جماعة بالحرمة إما مطلقاً،كما عن الحلبي (1)،أو مع الشرط خاصّة كما عزي إلى الطوسي في الاستبصار (2)،و فيه مناقشة.

استناداً من الأوّل إلى إطلاق المنع فيها.و من الثاني إلى الجمع بينها و بين ما دلّ على الجواز مطلقاً؛ لظواهر عدة من النصوص:منها:« المعلّم لا يعلّم بالأجر،و يقبل الهدية إذا اهدي إليه» (3).

و أظهر منه الخبران الناهيان عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلّا بأُجرة مشروطة (4).

و في الخبر:« إنّ أُمّ عبد اللّه بنت الحسن أرادت أن تكتب مصحفاً، فاشترت ورقاً من عندها،و دَعَت رجلاً فكتب لها على غير شرط،و أعطته حين فرغ خمسين ديناراً و أنّه لم تبع المصاحف إلّا حديثاً» (5).

لكنّها ليست بصريحة في التقييد،مع اختصاص الخبرين بالقارئ دون المعلّم،فارتكابه في المطلقات من الجانبين مشكل (6)،مع معارضة الخبرين بصريح بعض المعتبرة الظاهر في عموم المنع لصورة عدم الشرط

ص:191


1- الكافي في الفقه:283.
2- الاستبصار 3:65.
3- التهذيب 6 ك 1047/365،الإستبصار 3:218/66،الوسائل 17:156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 5.
4- الفقيه 3:437/105،التهذيب 6:1097/376،الوسائل 17:156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 6،7.
5- التهذيب 6:1054/366،الوسائل 17:160 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 10.
6- و مع ذلك فالنصوص المانعة مطلقة،و المجوّزة كذلك،و المفصّلة بين الشرط و عدمه مخصوصة بتعليم القرآن دون نسخه،فلا وجه للقول بالحرمة فيه،بل الكراهة أيضاً لولا الشهرة،اللهمّ إلّا أن يدّعى عدم القول بالفرق بين تعليم القرآن و نسخه مطلقاً،و لا تحريماً و لا كراهة،فتدبر.(منه(رحمه اللّه)).

أيضاً:و فيه:إنّي أقرأ القرآن فيُهدى إليّ الهدية فأقبلها؟قال:« لا» قلت:إن لم أُشارطه؟قال:« أ رأيت لو لم تقرأ كان يُهدى لك؟» قلت:لا،قال:

« فلا تقبله» (1).

فالأصح القول إمّا بالكراهة مطلقاً كما عليه جماعة (2)؛ لإطلاق النهي عنه في المستفيضة السالمة عن معارضة ما يصلح لتقييدها بصورة الاشتراط.أو انتفائها كذلك،بناءً على احتمال ورود المنع تقيّة،كما هو صريح الرواية الأُولى المجوّزة.فلولا الشهرة و جواز المسامحة في أدلّة الكراهة لكان هذا القول في غاية القوّة.

و أمّا القول بالحرمة مطلقاً أو في الجملة فضعيف البتّة؛ لضعف النصوص المانعة،و معارضتها بالأصل و الروايات المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة في الجملة،هذا.

و أمّا الكراهة في القابلة مع الشرط فلم أقف فيها على دلالة،بل أصالة الإباحة المطلقة و الضرورة في ردّها أوضح قرينة،إلّا أن يكون إجماعاً، و المناقشة فيه واضحة،مع أنّ المحكي عن المنتهى (3)الإباحة من دون تقييد بالكراهة،إلّا أنّها لا بأس بها،لما عرفت من جواز المسامحة في نحو المسألة.

ثم إنّ الواجب تقييد الجواز على القول به مطلقاً أو في الجملة بصورة ما إذا لم يكن أحد الأمرين واجباً و لو كفايةً،و إلّا فينتفي رأساً و يثبت

ص:192


1- الفقيه 3:462/110،التهذيب 6:1048/365،الإستبصار 3:219/66،الوسائل 17:155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 4.
2- منهم:العلّامة في التحرير 1:162،و الشهيد في الدروس 3:173،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:18.
3- المنتهى 2:1021.

التحريم إجماعاً،فتوًى و دليلاً.

فاتّخاذ بعض شرّاح الكتاب (1)هذا التفصيل قولاً آخر في المسألة ضعيف جدّاً،و إن كان ما ذكره حقّا.

و لا بأس بأُجرة تعليم الحِكَم و الآداب كالكتابة و الحساب،بلا خلاف،للأصل السالم عن المعارض.

و في الخبر:« لا تأخذ على التعليم أجراً» قلت:الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أُشارط عليه؟قال:« نعم بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم» (2).

و في آخر:إنّ لنا جاراً يكتّب،و سألني أن أسألك عن عمله،فقال:

« مُره إذا دُفع إليه الغلام أن يقول لأهله:إنّما أُعلّمه الكتاب و الحساب و أتّجر عليه بتعليم القرآن حتّى يطيب له كسبه» (3).

و ما في هذه الرواية من وجه الفرار عمّا يترتّب على أخذ الأُجرة على تعليم القرآن من الكراهة حيلة حسنة يحسن اتّخاذ المعلّمين لها وسيلة للخروج عن الشبهة الناشئة من القول بالحرمة إن كان الأطفال من أهل القابليّة لمعرفة الكتاب و الحساب،و إلّا فيبدّلونهما بالحفظ و التأديب، فيُجعل الأجر لهما لا للتعليم.

و يستفاد من الأوّل وجوب التسوية بينهم في التعليم،و لا ريب فيه مع الإطلاق و مساواة الأُجرة.و إلّا ففيه نظر؛ للأصل،و ضعف الخبر،بل

ص:193


1- الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:17.
2- الكافي 5:1/121،التهذيب 6:1045/364،الإستبصار 3:214/65،الوسائل 17:154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.
3- التهذيب 6:1044/364،الإستبصار 3:217/65،الوسائل 17:155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

ربما يحسن التفضيل،بل يجب بالقابليّة،أو عوارض أُخر.فالقول بوجوب التسوية مطلقاً إلّا إذا آجر نفسه من كلٍّ لتعليم شيء مخصوص يزيد على الآخر خاصّة كما عن النهاية (1)محلّ مناقشة؛ لما مرّ إليه الإشارة.

و قد يكره الاكتساب بأشياء أُخر يأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى في تضاعيف المباحث الآتية.

مسائل ستّ

اشارة

مسائل ستّ:

الاُولى لا يؤخذ ما يُنثر في الأعراس

الاُولى: لا يؤخذ ما يُنثر في الإملاك و الأعراس و غيرهما؛ للخبر:الإملاك يكون و العرس فينثر على القوم؟فقال:« حرام،و لكن كل ما أعطوك منه فخذ» (2)و لحرمة التصرف في ملك الغير إلّا ما يعرف معه الإباحة منه له،و به يجبر ضعف سند الخبر،مع عدم خلاف فيه يظهر.

و في الصحيح:عن النثار من السكر و اللوز و أشباهه،أ يحلّ أكله؟ قال:« يكره أكل كلّ ما انتهب» (3).

و المراد بالكراهة فيه إمّا الحرمة،أو المعنى المصطلح،لكن يخصّ على الأوّل بعدم الإذن،و على الثاني به،و وجه الكراهة فيه حينئذٍ تضمّنه لمهانة النفس و مخالفة المروءة المرغوب عنها.

الثانية لا بأس ببيع عظام الفيل،و اتّخاذ الأمشاط منها

الثانية: لا بأس ببيع عظام الفيل،و اتّخاذ الأمشاط و غيرها

ص:194


1- النهاية:367.
2- الكافي 5:8/124،التهذيب 6:1071/370،الإستبصار 3:220/66،الوسائل 17:169 أبواب ما يكتسب به ب 36 ح 4.
3- الكافي 5:7/123،التهذيب 6:1072/370،الإستبصار 3:221/66،الوسائل 17:168 أبواب ما يكتسب به ب 36 ح 2.

منها لما مضى مفصّلاً (1).

الثالثة يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذ باسم المقاسمة

الثالثة: يجوز أن يشترى من السلطان الجائر المخالف لا مطلقاً على الأصح ما يأخذ باسم المقاسمة و الخراج و اسم الزكاة،من ثمرة و حبوب و نَعَم،و إن لم يكن السلطان مستحقّاً له بشرط أن لا يزيد في الأخذ على ما لو كان الإمام العادل ظاهراً لأخذه.

و هو في الثالث مقدّر مضبوط،و قدّر في الأوّلين حيث لا تقدير فيهما في الشريعة بما يتراضى عليه السلطان و ملاّك الأرضين في ذلك الزمان.

فلو أخذ الجائر زيادة على ذلك كلّه حرم الزائد بعينه إن تميّز،و إلّا حرم الكلّ من باب المقدّمة.

و الأصل في المسألة بعد عدم الخلاف في الطائفة،و الإجماع المستفيض حكايته في كلام جماعة (2)المعتبرة المستفيضة:

منها الصحيح:عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها،و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال:فقال:« ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك،لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» قيل له:فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا فنقول:بعناها فيبيعناها،فما ترى في شرائها منه؟قال:

« إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس» قيل له:فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل،فما ترى في شراء

ص:195


1- راجع ص:3697.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:19،و المحقّق الثاني في المقاصد 4:45،و رسالة قاطعة اللجاج(رسائل المحقّق الكركي 1):278،و الشهيد الثاني في المسالك 1:168.

ذلك الطعام منه؟فقال:« إن كان ما قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» (1).

و المناقشة في الدلالة أوّلاً:بمنعها على إباحة الخراج و المقاسمة؛ فإنّ غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصّة.

و ثانياً:بانتفائها على إباحتها أيضاً؛ للإجمال في الجواب عن إباحتها بقوله:« لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها،بناءً على معلوميّة حرمتها إجماعاً،و يكون المنشأ في الإجمال هو التقيّة.

و ثالثاً:باحتمال كون المصدّق من قبل العدل.

و رابعاً:باحتمال الشراء فيه الاستنقاذ لا المعاملة الحقيقية،بناءً على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.

مدفوعة،فالأوّل:بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة،سيّما في مقابلة لفظ المصدّق،مع مضيّ السؤال عن حكم المسئول عن حكمه هنا في الصدر،المشعر بل الظاهر في أنّه غير الأوّل، و يتمّ الباقي بعدم القول بالفصل.

و الثاني:بانتفاء الإجمال بعد تعلّق السؤال بخصوص إبل الصدقة و وجوب مطابقة الجواب له و إرجاع ضميره إليه،و لا ينافيه تعليق الإباحة و تحديدها بعدم معلومية الحرمة بعد تضمّن السؤال إيّاها فيما زاد على الصدقة المفروضة،فيكون حاصل الجواب حلّ شراء الصدقة إذا لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة التي تضمّنها السؤال،و سياق الرواية يأبى عن حمل

ص:196


1- الكافي 5:2/228،التهذيب 6:1094/375،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

الإجمال فيها لو كان على التقيّة.

و الثالث و الرابع:ببعدهما غايته،سيّما الأوّل بملاحظة حال الأئمّة(عليهم السّلام)زمان صدور الرواية من تقيتهم من العامّة غاية التقيّة.

و يدفع الثاني مضافاً إلى البعد الماضي بأنّ صدرها كالصريح في كون المبيع من غير المشتري.

و منها الحسن:« ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس،و يعطيهم ما يعطي الناس؟» ثم قال للراوي:« لِمَ تركت عطاءك؟» قال:مخافةً على ديني،قال:« ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً» (1).

و هو مع حُسنه و احتمال صحته واضح الدلالة،من حيث تجويزه(عليه السّلام)أوّلاً لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له، و من جملة ما يعطون وجوه الخراج و المقاسمة،و ثانياً للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه،لندرة الزكوات،فإنّ لها أرباباً مخصوصة يعطون من دون إحراز لها فيه،فاحتمالها فيه ضعيف، و أضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة،فالمناقشة في الدلالة بما مرّ ضعيفة.

و منها الموثق:عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم؟فقال:

« يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحداً» (2).

و ترك الاستفصال عمّا يشتري منه يفيد العموم لجميع أفراد السؤال

ص:197


1- التهذيب 6:933/336،الوسائل 17 ك 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 6.
2- الكافي 5:3/228،التهذيب 6:1093/375،الوسائل 17:221 أبواب ما يكتسب به 53 ح 2.

التي منها مفروض البحث،و لا ينافيه القيد،لاشتراطه فيه إجماعاً.

و ليس المراد من الظلم مطلقه،كيف لا و العامل لا ينفكّ عنه مطلقاً، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفاً،و هو المستند في الشرط الذي قدّمناه تبعاً لأصحابنا.

و بالوجه في دلالته يعلم الوجه في دلالة إطلاق النصوص المعتبرة بجواز الشراء من الظلمة من دون استفصال و تقييد بما يخرج عن مفروض المسألة:منها الصحيح:أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنه يظلم؟ فقال:« اشتر منه» (1).

و المرسل كالصحيح:أشتري الطعام فيجيئني من يتظلّم،يقول:

ظلموني،فقال:« اشتره» (2).

و ينبغي تقييد الظلم فيهما بعدم العلم بوقوعه على المبيع،أو بعدم زيادته عن متعارفة لو وقع عليه،و يكون نسبته إلى الحاكم حينئذٍ من حيث عدم استحقاقه لمثله،و على هذا فهما ظاهران فيما ذكره الأصحاب من جواز الأخذ من المالك و لو تظلّم،أو أظهر عدم الرضاء،هذا.

مع التأيّد بما سيأتي من الصحاح المستفيضة المبيحة على الإطلاق أو العموم جوائز الظلمة (3)،و نحوها المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز قبالة الخراج و الجزية،كالصحيح:عن رجل يتقبّل بخراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير،و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون،أ يشتريه؟و في أيّ زمان يشتريه

ص:198


1- التهذيب 6:938/337،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 4.
2- التهذيب 6:937/337،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 3.
3- انظر ص:3748.

و يتقبّل به؟فقال:« إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره و تقبّل به» (1).و نحوه الموثق (2).

و الصحيح:« لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض و أهلها من السلطان» و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث؟قال:« نعم لا بأس به» (3)الخبر.

و هو كالصريح في أنّ حكم تصرّف الجائر في هذه الأراضي حكم تصرّف الإمام العادل في الجملة.

و يستفاد ممّا مرّ من النصوص صريحاً في بعض و إطلاقاً أو عموماً في آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يظهر:من عدم الفرق في الحكم المتقدّم بين الشراء و غيره من سائر المعاوضات و المعاملات،و قبض الجائر أو وكيله لها و عدمه،فلو وهبها و أحاله بها و قبّل الثلاثة،أو وكّله في قبضها،أو باعها و هي في يد المالك أو في ذمّته جاز التناول؛ لأنّ دليل الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة.

و على ذلك يحمل الشراء و الأخذ في العبارة و غيرها من كلام جماعة.و يؤيّد العموم ما اتّخذ دليلاً في أصل المسألة من استلزام عدم الإباحة العسر و الحرج على الشيعة المنفيّين آية و رواية.

ثم إنّ في سقوط الزكاة بأخذ الحاكم لها قولين.

للأوّل:ظواهر الصحاح المستفيضة،منها:« ما أخذه منكم بنو أُميّة

ص:199


1- الفقيه 3:621/141،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ذيل حديث 4.
2- الكافي 5:12/195،التهذيب 7:544/124،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 4.
3- التهذيب 7:888/201،الوسائل 19:59 أبواب أحكام المزارعة ب 18 ح 3.

فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئاً ما استطعتم،فإنّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرّتين» (1).

و منها:عن صدقة المال يأخذه السلطان؟فقال:« لا آمرك أن تعيد» (2).

بل يستفاد من كثير من المعتبرة و فيها الصحيح و غيره جواز احتساب ما يأخذه باسم الخراج مكان الزكاة (3)،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الإطباق على ردّها،بل عليه إجماعنا عن المنتهى (4)،فتكون شاذّة،و مع ذلك محتملة للتقيّة،فقد حكي القول بمضمونها عن أبي حنيفة (5).

و للثاني:الأصل،و العمومات،و خصوص الصحيح:إنّ هؤلاء المصدّقين يأتون فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها،أ تجزي عنّا؟فقال:

« لا،إنّما هؤلاء قوم غصبوكم أو ظلموكم،و إنّما الصدقة لأهلها» (6).

و يخصّ الأوّلان بما مرّ،و يحمل الثالث لقصوره عن مقاومته على الاستحباب تارة كما عن الشيخ (7)،و على الإعطاء اختياراً اخرى،كما ذكره

ص:200


1- الكافي 3:4/543،التهذيب 4:99/39،الإستبصار 2:76/27،الوسائل 9:252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.
2- التهذيب 4:100/40،الإستبصار 2:77/27،الوسائل 9:253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 5.
3- الوسائل 9:251 أبواب المستحقين للزكاة ب 20.
4- المنتهى 1:500.
5- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 2:587.
6- التهذيب 4:101/40،الإستبصار 2:78/27،الوسائل 9:253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 6.
7- انظر الاستبصار 2:27.

جماعة من أصحابنا (1)،و فيهما بُعدٌ،سيّما الثاني جدّاً،لمكان التعليل بالظلم،فالعمل به أحوط.

الرابعة لو دفع إليه مالاً ليصرفه في المحاويج و كان منهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه

الرابعة: لو دفع إليه مالاً ليصرفه في المحاويج و كان منهم و بصفتهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه مطلقاً وجدت القرائن على المنع أم لا،إجماعاً في الأوّل،كما على الجواز في مقابله.

و على الأصح في الثاني،وفاقاً من الماتن هنا للمبسوط،و أحد قولي الحلّي (2)؛ لاستصحاب المنع،و للصحيح المضمر في الأشهر:عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج،أ يأخذ منه لنفسه و لا يُعلمه؟قال:« لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه» (3).

خلافاً له في الشرائع،و الفاضل في جملة من كتبه (4).و هو أظهر، وفاقاً لهم و لظاهر الكليني و صريح النهاية (5)،و القول الثاني للحلّي و المسالك و جماعة (6)،بل ادّعى في الدروس عليه الشهرة (7).

للمعتبرة،منها الصحيحان،في أحدهما:عن الرجل يعطى الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن يحلّ له الصدقة،قال:« لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» قال:« و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن

ص:201


1- منهم صاحب الحدائق 18:260.
2- المبسوط 1:247،الحلي في السرائر 1:463.
3- التهذيب 6:1000/352،الإستبصار 3:176/54،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.
4- الشرائع 2:12،الفاضل في المنتهى 2:1021،و التحرير 1:162.
5- الكليني في الكافي 3:555،النهاية:36.
6- الحلي في السرائر 2:223،المسالك 1:167؛ و أُنظر الكفاية:88،و الحدائق 18:238.
7- الدروس 3:171،قال:و في جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة و عليها الأكثر.

يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه» (1)و نحوه الثاني (2).

و الموثق (3)كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح رواياته،بل قال جماعة بوثاقته (4)،و لكن ليس فيه اشتراط عدم الأخذ زائداً على ما يعطي الغير،بل مطلق،و لكن الأوّلان مقيّدان به فيجب حمله عليهما،سيّما مع دعوى الإجماع من كلّ من جوّز الأخذ عليه في كلام جماعة من أصحابنا (5).

و هذه النصوص مع صحة أكثرها بل جميعها ظاهرة الدلالة بل صريحة معتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكيّة،فلا يقاومها شيء مما مرّ من الأدلّة،فأوّلها يخصّص بها،و يطرح الصحيح في مقابلها،لقصوره سنداً و مقاومة لها جدّاً،أو يؤوّل بالكراهة،أو يحمل على صورة وجود القرائن المانعة عن الأخذ،كما ذكره جماعة (6).

و لا بأس بهما،سيّما الثاني؛ لما صرّحت به اولى الروايات بالمنع عن الأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه،بعد تصريحها أوّلاً بالجواز على الإطلاق،و راويها بعينه هو راوي تلك الصحيحة،و ذلك قرينة

ص:202


1- الكافي 3:3/555،التهذيب 4:296/104،الوسائل 9:288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.
2- الكافي 3:2/555،التهذيب 4:295/104،الوسائل 9:288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.
3- الكافي 3:1/555،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 1.
4- منهم:العلّامة في المختلف:225،و الشيخ سليمان بن عبد اللّه الماحوزي في معراج أهل الكمال:20،و أُنظر مرآة العقول 16:100.
5- منهم:الشهيد في المسالك 1:167،و أُنظر مجمع الفائدة و البرهان 8:115.
6- منهم:المجلسي الأوّل كما حكاه عنه في ملاذ الأخيار 10:322،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:112،و صاحب الحدائق 18:240.

واضحة على اختصاص المنع فيها بما قيّدت المنع به هذه الرواية.

و هنا قولان آخران مفصِّلان تارة بالفرق بين قول الدافع:هو للفقراء مطلقاً،أو:أعطه لهم،مع عدم علم المالك بفقره،فالثاني،بشرط أن لا يتخصّص بزيادة في الكميّة أو الوصف.و قوله:أعطه لهم،مع علمه به، فالأوّل؛ لأنّ المالك لو أراد لخصّصه بالذكر.

و فيه نظر،فقد يمنع التخصيص ترفع المدفوع إليه مقابلته بالتصريح له بأخذه.

و أُخرى بالفرق بين قوله:أصرفه و ما في معناه،في الفقراء،فالثاني، و إليهم،فالأوّل.

و فيهما مع عدم وضوح مستندها نظر،سيّما في مقابلة إطلاق ما مر من النص المعتبر.

و لو أعطى عياله و أقاربه جاز بلا خلاف إذا كانوا بالصفة للأصل،و الصحيح:في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في المساكين و له عيال محتاجون،أ يعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟قال:« نعم» (1).

و ليس فيه التقييد بعدم التفاضل،و لا ريب فيه في نحو الزكاة الجائز فيها ذلك،و محتمل في غيره عملاً بالإطلاق،إلّا أن يكون العدم هو المتبادر،فيتعيّن.

و نحوه الكلام في الأخذ لنفسه إن جوّزناه،لولا الإجماع المتقدّم المحكي،و الخبران المقيّدان (2).

مع إمكان التأمّل في الإجماع بعدم صراحة كلام الحاكين له فيه،

ص:203


1- التهذيب 6:1001/352،الوسائل 17:277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 2.
2- المتقدمان في ص:3745.

و مخالفة جماعة،حيث جوّزوا المفاضلة على الإطلاق.

و في الخبرين بعدم الصراحة،و احتمال أن يراد بهما المماثلة في جواز الإعطاء لا المعطى،مع احتمال اختصاصهما بغير الزكاة الغير اللازم فيها المساواة بالإجماع،و يشهد له خلوّ الموثق المتقدّم (1)عن اشتراطه،مع اختصاص مورده بالزكاة.

و لكن الأحوط اشتراطه مطلقاً،سيّما في غير الزكاة،و سيّما للمحصورين،و أحوط منه الكفّ عن الأخذ مطلقاً.

و أمّا لو عيّن له المصارف دونه أو عيّن له شيئاً مخصوصاً لم يجز له أن يتجاوز عما عيّنه إجماعاً؛ للصحيح المتقدّم (2)في الأوّل،و شهادة الحال في الثاني.

الخامسة جوائز الظالم محرّمة

الخامسة: جوائز السلطان،بل مطلق الظالم محرّمة إن علمت حرمتها بعينها فإن قبضها حينئذٍ أعادها إلى المالك إن عرفه و أمكنه،و لا يجوز إلى غيره معه إلّا أن يأخذه الظالم قهراً.

و هل يضمن حينئذٍ؟قيل:نعم (3)؛ لعموم:« على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (4).

و ربما فصّل (5)بين القبض بعد العلم بكونها مضمونة،فالضمان، و بينه قبله،فالعدم،إن لم يقصّر في الإيصال إلى من يجوز الإيصال إليه؛

ص:204


1- في ص:3745.
2- في ص:3745.
3- انظر جامع المقاصد 4:44.
4- عوالي اللئلئ 1:106/224،و ج 2:10/345،سنن البيهقي 6:95،مستدرك الحاكم 2:47.
5- المسالك 1:168.

لأنّ اليد على الأوّل عادية و في الثاني أمانة.

و إن جهل المالك أو تعذّر الإيصال إليه و من في حكمه لم يجز ردّه إلى الظالم،بل يتصدّق بها عن المالك مع الضمان إن لم يقبله.

و إلّا يعلم حرمتها بعينها فهي حلال مطلقاً و إن علم أنّ في ماله مظالم،بلا خلاف فيه و في جواز المعاملة معه حينئذٍ؛ للأصل، و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1)،و قد تقدّم ما يتعلّق منها بجواز المعاملة (2).

و نحوه أخبار أُخر معتبرة،كالصحيح:« مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام،إنّي أظنّك ضيّقاً» قال:قلت:نعم،فإن شئت و سعت عليّ، قال:« فاشتره» (3).

و في الصحاح في جوائز العمّال من الدراهم و نحوها أخذها؟قال:

« نعم» (4).

و في بعضها:« و حجّ بها» (5)و في آخر:« كُل منه و خُذ،فلك المهنا و عليه الوزر» (6)و في غيرهما:« لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» (7).

ص:205


1- الوسائل 17:220 أبواب ما يكتسب به ب 53.
2- راجع ص:3738.
3- التهذيب 6:932/336،الوسائل 17:218 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 1.
4- الفقيه 3:450/108،التهذيب 6:942/338،الوسائل 17:213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 2.
5- الفقيه 3:450/108،الوسائل 17:218 أبواب ما يكتسب به ب 51 ذيل حديث 2.
6- الفقيه 3:449/108،التهذيب 6:940/338،الوسائل 17:213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 1.
7- الكافي 5:2/228،التهذيب 6:1094/375،الوسائل 17:219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

و الأفضل التورّع عنها بلا خلاف إن لم يخبر المجيز بالإباحة؛ للشبهة الموجبة للكراهة.

و ظاهر الخبرين المرويين عن العيون و غيره،المتضمّن أحدهما لعدم قبل أبي الحسن موسى(عليه السّلام)جوائز الرشيد أوّلاً بعد أن أُهديت إليه (1).

و ثانيهما تعليل قبوله منه بقوله:« لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله ما قبلتها» (2).

و ربما نافاهما ما دلّ على قبول الحسنين(عليهما السّلام)جوائز معاوية،كما في الصحيح (3)و غيره (4).

و يمكن الجمع بحمل القبول إمّا على الوجه الذي علّل به في أحدهما،أو على أنّ المراد منه الإرشاد إلى الإباحة و دفع توهّم الحرمة،أو على كونه بعد العلم بخلوصها عن الحرام،و لا ريب في انتفاء الكراهة حينئذٍ،و لا خلاف فيه،و لا في انتفائها بإخبار المجيز بذلك،أو إخراج الخمس،لكونه مطهّراً للمال المختلط بالحرام علماً فلأن يطهّر المختلط به ظنّاً أو احتمالاً أولى ثم أولى.

و في الموثق:عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟قال:« لا،إلّا أن لا يقدر،فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت(عليهم السّلام) » (5).

ص:206


1- عيون الأخبار 1:4/60،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 10.
2- عيون الأخبار 1:5/62،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 11.
3- قرب الإسناد:308/92،الوسائل 17:216 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 13.
4- الإحتجاج:62،الوسائل 17:217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 14.
5- التهذيب 6:915/330،الوسائل 17:202 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.

ثم إنّ ظاهر إطلاق النص و الفتوى يقتضي الحلّية مع عدم العلم بالحرمة مطلقاً،علم بأن للمجيز مالاً حلالاً أم لا بل اشتبه الحال،إلّا أنّ المستفاد من بعض الأخبار الاشتراط بالأوّل،كالمروي عن الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للطوسي،و فيهما بعد أن سئل مولانا الصاحب(عليه السّلام) عن أكل مال من لا يتورّع المحارم:« إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل برّه،و إلّا فلا» (1).

و فيه قصور عن المقاومة لما مرّ لوجوه،فليطرح،أو يؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل.

السادسة الولاية عن العادل جائزة

السادسة: الولاية للقضاء و الحكم بين الناس و غيره عن السلطان العادل جائزة بلا خلاف؛ للأصل،و فقد المانع و ربما وجبت في بعض الصور،كأمره(عليه السّلام)له بذلك.

و عن الجائر محرّمة بلا خلاف كما مرّ إليه و إلى أدلّته من المعتبرة الإشارة في المعونة على المظالم (2) إلّا مع الخوف و التقيّة على النفس أو المال أو العرض،عليه أو على المؤمنين،كلّاً أو بعضاً،على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة و الضعة بالنسبة إلى الإهانة،فيجوز حينئذٍ،بل ربما وجب،بلا خلاف؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل هي متواترة في إباحة التقيّة،بل وجوبها،ففي الصحيحين:

ص:207


1- الإحتجاج:271،الغيبة:249،الوسائل 17:217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 15.
2- راجع ص:3721 3722.

« التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه تعالى له» كما في أحدهما (1).

و في الثاني:« التقيّة في كلّ ضرورة،و صاحبها أعلم بها حين تنزّل به» (2).

مضافاً إلى خصوص الصحيح:عن القيام للولاة،قال:فقال أبو جعفر(عليه السّلام):« التقيّة من ديني و دين آبائي،و لا إيمان لمن لا تقيّة له» (3).

و بالجملة:لا خلاف و لا إشكال في الجواز مع التقيّة،و الحرمة مع عدمها؛ لما مضى.

نعم لو تيقّن أو ظنّ التخلّص من المآثم،و التمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جازت و لو اختياراً،إجماعاً،بل قال جماعة: استحبّت لما فيه من الإعانة على البرّ و التقوى (4).

بل قيل:وجبت لو تمكّن من الأمرين؛ لوجوبهما (5).

و ردّ بتوقّف ذلك على كون وجوبهما مطلقاً غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدّمة،و ليس بثابت (6).

ص:208


1- الكافي 2:/220 18،المحاسن:/259 308،الوسائل 16:214 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 25 ح 2.
2- الكافي 2:/219 13،الوسائل 16:214 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 25 ح 1.
3- الكافي 2:/219 12،الوسائل 16:204 أبواب الأمر و النهي ب 24 ح 4.
4- منهم:الشيخ في النهاية:356،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:525.
5- انظر المسالك 1:168 و الحدائق 18:126.
6- كفاية الأحكام:88.

و فيه نظر؛ إذ يكفي في الثبوت إطلاق الأدلّة،و القدرة الذاتية المشروطة بها التكاليف حاصلة و إن كانت للتأثير غير صالحة،للتقيّة،و بعد ارتفاعها فالقدرة باقية و موانعها منتفية؛ مضافاً إلى صدق القدرة عليهما لمن انتفت في حقّه التقيّة.

و بالجملة:القدرة التي هي شرط التكليف بهما بل مطلق التكاليف هي القدرة الذاتيّة،و هي هنا حاصلة،و إنّما غاية التقيّة كونها من الموانع التي ليست التكاليف مشروطة بانتفائها،بل هي بالنظر إليها مطلقة يجب مهما أمكن التوصّل إلى الواجب بدفعها،و غاية الأمر مع عدم إمكان الدفع عدم المؤاخذة،و هو غير ملازم لاشتراط التكاليف بانتفائها،أ لا ترى إلى من اشتغلت ذمّته بحقوق الناس الغير المتمكّن للموانع من دفعها إليهم هل يوجب ذلك سقوطها عن ذمّته،أو يجب عليه دفعها و إيصال الحقوق إلى أربابها؟و لا ريب و لا خلاف في بطلان الأوّل،فتعيّن الثاني،و ما نحن فيه من قبيله،فتأمّل.

و لو اكره على الولاية و تنفيذ الأحكام و الأوامر و لا يكون للمكرَه مع ذلك التيقّن بالتخلّص و التمكّن أجاب إلى الإطاعة وجوباً دفعاً للضرر،و يجب عليه أن ينفذ أمره و نهيه و جميع ما يحكم به و لو كان محرّماً إجماعاً،فتوًى و نصّاً،متحرّياً الأسهل فالأسهل،و متدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى،فلو أمكن تنفيذ الأمر بالأوّل وجب عليه الاكتفاء به،و هكذا،كمراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ اقتصاراً في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة الموجبة لفعله.

و لو انحصر في الأعلى وجب إلّا في قتل المسلم المحقون الدم،

ص:209

فلا يجوز إذا بلغه،إجماعاً؛ و للصحيح:« إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء،فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» (1)و نحوه الموثق (2).

و ظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضاً،كما عن الشيخ (3)،إلّا أنّ لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوّزة لفعل المحرّمات بالتقيّة على المتيقّن المتبادر من الإطلاق و هو القتل فإنّه الفرد الأكمل،يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّه،و لذا اقتصر في الاستثناء عليه جماعة (4)،كما في العبارة،و لعلّه الأشهر.

و ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه،و يحتاط بتركه في غيره.

و هل المسلم يشمل المخالف،أم يخصّ المؤمن؟إشكال.

و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال،و سيّما القليل منه خاصّة،و أمّا إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال،و لا يبعد المصير حينئذٍ إلى الثاني،فليس شيء يوازي دم المؤمن،كما يستفاد من النصوص المعتبرة (5).

ص:210


1- الكافي 2:/220 16،الوسائل 16:234 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 31 ح 1.
2- التهذيب 6:/172 335،الوسائل 16:234 أبواب الأمر بالمعروف و ما يناسبه ب 31 ح 2.
3- حكاه عنه في المسالك 1:168.
4- منهم:العلّامة في نهاية الأحكام 2:525،و التذكرة 1:583،و الشهيد في الروضة 2:420.
5- انظر الوسائل 17:298 أبواب ما يكتسب به ب 95 ح 2.

الفصل الثاني في البيع و آدابه

اشارة

الفصل الثاني:

في البيع و آدابه

البيع

أمّا البيع:فهو الإيجاب و القبول اللذان ينتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدّر.

تعريف البيع بالإيجابين كما هنا،أو اللفظ المطلق،كما في الشرائع و غيره (1)هو الأشهر،قيل:لأنّه المتبادر (2).و فيه نظر.

خلافاً للطوسي و الحلّي،فعرّفاه بمسبَّبهما الذي هو الانتقال (3).

و هما جنس يشمل العقود،و باقي القيود خاصّة مركّبة يخرج بها من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة و المضاربة و الوكالة،و ما تضمّن نقل الملك بغير عوض كالهبة و الوصية بالمال،أو المنفعة خاصّة كالإجارة.

و قوله:من مالك،يتعلّق ب« ينتقل» فيعمّ ما كان ملكاً للعاقد و غيره، فيدخل فيه بيع الوكيل و الوليّ.

و به يندفع الاعتراض عن التعريف بعدم العموم فيه للثاني مع دخوله فيه بالإجماع.

و خرج بالعرض المقدّر الهبة المشروط فيها مطلق الثواب.

و حيث لم يعتبر التراضي و أطلق الإيجابين دخل فيه بيع المكرَه حيث يقع صحيحاً،و بيع الأخرس و شراؤه بالإشارة،فإنّه يصدق به الإيجاب و القبول.

ص:211


1- الشرائع 2:13؛ و أُنظر الروضة 3:221.
2- الروضة 3:221.
3- الطوسي في المبسوط 2:76،الحلّي في السرائر 2:240.

و بقي فيه دخول الهبة المشروط فيها عوض معيّن،و الصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم،فإنّه ليس بيعاً عند المصنف و سائر المتأخّرين،فاختلّ التعريف منه كاختلاله منه في غير الكتاب،و من غيره، و الأمر فيه سهل بعد وضوح المطلب.

و حيث كان البيع عبارة عن الإيجاب و القبول المذكورين فلا يكفي في اللزوم المعاطاة،و هي إعطاء كلّ واحد من المتبايعين من المال عوضاً عمّا يأخذه من الآخر باتّفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص،سواء في ذلك الجليل و الحقير،على المشهور،بل كان أن يكون إجماعاً،كما في الروضة و المسالك في موضعين (1)،بل ظاهر الأخير تحقّقه و انعقاده، و ادّعاه صريحاً في الغنية (2)؛ و هو الحجة بعد الأُصول القطعيّة من عدم الانتقال و ترتّب أحكام البيع من اللزوم و غيره.

مضافاً إلى ما استدلّ به في الغنية،قال:و لما ذكرناه نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن بيع الملامسة و المنابذة و عن بيع الحصاة على التأويل الآخر،و معنى ذلك أن يجعل اللمس للشيء أو النبذ له أو إلقاء الحصاة بيعاً موجباً (3).انتهى،فتأمّل.

و لم نقف لهم على مخالف لا من الأصحاب عدا ما ربّما يتوهّم من كلام المفيد (4)من الاكتفاء بمجرد التراضي و التقابض و لو خلاء عن اللفظ

ص:212


1- الروضة 3:222،المسالك 1:169،170.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- ورد مؤدّاه في معاني الأخبار:80،و عنه في الوسائل 17:358 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 13.
4- انظر المقنعة:591.

طرّاً،كما ذكره في المختلف (1)،و صرّح فيه بأنّه ليس بصريح فيه و لا ظاهر،بل يتوهّم،فكيف يتّخذ مثله مخالفاً صريحاً أو ظاهراً.

و لا من إطلاق الكتاب و السنّة؛ فإنّ ما دلّ منهما على الانتقال و اللزوم مختص بالعقود،و ليس مجرّد التراضي مع التقابض منها قطعاً،لغةً و عرفاً، مع أنّه يكفي الشك في الدخول فهيأ جزماً.

و كذلك ما دلّ منهما على حِلّ البيع؛ لاحتمال منع تسمية مثل ذلك بيعاً حقيقة،كما في الغنية مدّعياً عليه الإجماع (2)،و هو ظاهر جماعة (3)، و غاية العرف استعماله فيه،و هو أعمّ منها جدّاً.

و على تقديرها كما حكاه المحقق الشيخ علي-(رحمه اللّه) في شرح القواعد عن كافّة الأصحاب،حيث ادّعى أنّ المعاطاة عندهم بيع حقيقة، مفيد للملكية،و إنّما غايتهم أنّها ليست بلازمة (4)فغاية الدليل حينئذٍ ثبوت الحلّية،و هو غير اللزوم الذي هو مفروض المسألة.

و أمّا الوجوه الأُخر التي ذكرها بعض الأجلّة (5)انتصاراً لمتوهّم كلام المفيد-(رحمه اللّه) فلم أفهم منها دلالة بل و لا إشارة،و إنّما غايتها كباقي الأدلّة ثبوت الإباحة في التصرف،فلا كلام فيها،كما هو المشهور بين الطائفة،بل كافّتهم؛ لرجوع القائل بعدمها و حرمة التصرّف في المعاطاة (6)عنه إلى

ص:213


1- المختلف:348.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
3- منهم:الشهيد في الروضة 3:222،و المسالك 1:169.
4- جامع المقاصد 4:58.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 8:139.
6- و هو العلّامة في نهاية الأحكام 2:449.

الإباحة،كما حكاه جماعة (1)،و هي غير مفروض المسألة،بل يستفاد من كثير من المعتبرة عدم الاكتفاء بمجرّد القصد و الإشارة،و أنّه لا بدّ من لفظ البتّة،كما ذهب إليه بعض من لا يعتدّ به من الأجلّة (2).

ففي الصحيح و غيره من المعتبرة أنّه إنّما يحرّم و يحلّل الكلام (3).

و هي و إن اقتضت حرمة التصرف إلّا أنّها محمولة على اللزوم و على ما بعد الرجوع (4)؛ جمعاً بينه و بين ما دلّ على الإباحة بالتراضي من الإجماع في الغنية و شرح القواعد (5)،مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة،لما عرفت من رجوع القائل بالحرمة كما حكاه جماعة.

نعم هي ليست دالّة على اشتراط كونه الألفاظ المخصوصة المشهورة بكيفياتها،المعهودة المشترطة،إلّا أنّه ليس فيها الدلالة على الاكتفاء بذلك من دونها أيضاً،و إنّما غايتها في الاكتفاء به و عدمه أنّها مجملة لا يمكن الاستناد إليها نفياً و لا إثباتاً في الكيفيات المزبورة.

و ممّا حقّقناه من الأصل و غيره يظهر وجوب الإتيان بكلّ ما اختلف

ص:214


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:58،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:140،و صاحب الحدائق 18:356.
2- حكاه في المسالك 1:169 عن بعض مشايخه المعاصرين.
3- الكافي 5:/201 6،التهذيب 7:/50 216،الوسائل 18:50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 4.
4- بيان الحمل هو أنه قد ذكر في الحديث لفظ:يحلّل و يحرّم،فيمكن أن يريد الإمام(عليه السّلام)حصر التحليل في الكلام على وجه اللزوم،أي:لا يحلّل البيع على وجه اللزوم إلّا الكلام و حصر التحريم في الكلام على ما بعد الرجوع،أي لا يحرّم إرجاع المبتاع على صاحبه إلّا إجراء الكلام في البيع،فإنّه إذا أُجري الكلام في البيع يحرم رجوع كل منهما على الآخر.(منه(رحمه اللّه)).
5- الغنية(الجوامع الفقهية):586،جامع المقاصد 4:58.

في اعتباره هنا بل العقود مطلقاً،كالعربيّة و الماضوية و تقديم الإيجاب على القبول و غير ذلك،وفاقاً لجماعة (1).

خلافاً لآخرين (2)،فاكتفوا بمجرّد الإيجابين،إمّا مطلقاً،أو مع اعتبار بعض ما مرّ لا كلّاً،التفاتاً إلى أنّه عقد فيشمله عموم ما دلّ على لزوم الوفاء به،كقوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [1] (3).و فيه نظر؛ إذ بعد تسليم كون مثل ذلك عقداً يحصل الشك في دخوله في الآية جدّاً و إن كانت للعموم لغة،بناءً على عدم إمكان حملها عليه،من حيث خروج أكثر العقود منها على هذا التقدير إجماعاً،فليس مثله حجّة،فيكون الإجماع حينئذٍ قرينة على كون المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها كلّاً ما تداول في زمان الخطاب لا مطلقاً،و دخول المفروض فيه غير معلوم جدّاً و لم يصل إلينا ما يدلّ عليه أصلاً.

فالواجب حينئذٍ الرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل قطعاً،هذا.

و قد حكي الإجماع عن التذكرة على عدم الوقوع بالمضارع و الاستفهام (4)،و عن الخلاف على اعتبار الترتيب (5)،إلّا أنّ في منع العموم نظراً،و وجهه سيظهر.

فإذاً الجواز فيما عدا ما مرّ من محلّ الإجماع أظهر،و أمّا فيه فالاشتراط أقرب،لحجّية الإجماع المحكي،سيّما مع اعتضاده بعمل

ص:215


1- منهم:المحقق الثاني في رسائله 1:177،و جامع المقاصد 4:59،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:24،و أُنظر المختلف:348.
2- كالمحقق في الشرائع 2:13،و الشهيد الثاني في الروضة 3:225،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:145،و السبزواري في الكفاية:88.
3- المائدة:1.
4- التذكرة 1:462.
5- حكاه عن الخلاف في المسالك 1:171.

الأكثر،و تأيّد الأوّل منه بعدم صدق العقد حقيقة إلّا بعد صراحة اللفظ الدال عليه،و هو منحصر في الماضي،لتداول العادة بإجراء العقد به،المستلزم لصراحته فيه،و ليس كذلك غيره،فتدبّر.

شروط البيع

اشارة

و له أي البيع و انعقاد شروط:

الأوّل يشترط في المتعاقدين كمال العقل و الاختيار و أن يكون لبائع مالكا

الأوّل: يشترط في المتعاقدين كمال العقل و البلوغ،و الرشد و الاختيار و القصد.

فلا يجوز بيع المجنون و لو أدواريّاً إذا كان حال جنونه،و لا المغمى عليه و لا السكران،و لا الصبي،و لا السفيه،و لا المكرَه بغير حق، و لا الغافل،و لا النائم،و لا الهازل؛ بلا خلاف أجده إلّا في الصبي خاصّة، فعن الشيخ الجواز إذا بلغ عشراً (1).

و لم أقف على مستنده سوى القياس بجواز وصيّته و عتقه و طلاقه.

و فيه:منع القياس أوّلاً،ثم المقيس عليه ثانياً إلّا ما قام الدليل المعتدّ به عليه،و بكونه مع الفارق ثالثاً،لتضمّن الفرض تكاليف ليس محلّها دون الأُمور المزبورة،مع معارضته بالأُصول السليمة عمّا يصلح للمعارضة، حتّى العمومات الآمرة بالوفاء بالعقود من الكتاب و السنّة،فإنّه ليس محلّها إن أُريد صرفها إليه.

و إن أُريد صرفها إلى المعاملين معه إذا كان مع الشرائط فكذلك،إمّا لما عرفت من عدم بقائها على عمومها،و اختصاصها بالعقود المتداولة زمان النزول،و دخول مثله فيها غير معلوم فيدفع بالأصل.

ص:216


1- حكاه عنه في المفاتيح 3:46،و قال في المبسوط 2:163:و لا يصحّ بيع الصبي و شراؤه أذن له الولي أو لم يأذن،و روى أنّه إذا بلغ عشر سنين و كان رشيداً كان جائزاً.

أو لاستلزام الدخول حيث يعقد الصبي على ماله في أوائل المدّة المرخّصة لبيعه عنده من دون الولي إمّا جواز التصرّف في مال اليتيم المتّفق على المنع عنه نصّاً و فتوى،فتأمّل،أو الضرر الكثير إن أُمر بالصبر إلى أوان بلوغه و إجازته،مع أنّه قد لا يجيز،هذا.مع أنّ الشيخ لا يقول بالأمر بالصبر،بل يحكم باللزوم حين صدور العقد (1).و فيه ما مرّ.

و إذا ثبت المنع في هذه الصورة ثبت المنع بعدم القائل بالفرق في باقي الصور،و إن زعم الجواز فيها بل مطلقاً بعض من شذّ ممّن تأخّر (2)هذا.

مضافاً إلى استفاضة النصوص الصريحة بالمنع عن بيعه و شرائه و أمره إلى أوان بلوغه.

ففي الخبر:« إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم،و دفع إليها مالها و جاز أمرها في البيع و الشراء،و أُقيمت عليها الحدود التامّة،و أخذ لها بها،و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء، و لا خرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة» (3)الخبر.

و أخصيّتها من المدّعى مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أصحابنا.هذا إن تمّ دعوى اختصاصها بماله بناءً على المتبادر،و إلّا فهي عامّة أو مطلقة.

نعم،الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهليّة؛ لتداوله في الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غير نكير بحيث يعدّ مثله إجماعاً من المسلمين كافّة.

ص:217


1- انظر المبسوط 2:83.
2- انظر مجمع الفائدة و البرهان 8:151،153.
3- الكافي 7:/197 1،الوسائل 18:410 أبواب أحكام الحجر ب 2 ح 1.

لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة،فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتّفاق الأُمّة.

و مقتضى الأُصول اطّراد الحكم و إطلاقه فيه و في الباقي دون السفيه في جميع الصور،كان العقد لهم أو لغيرهم،أذن لهم الوليّ أم لم يأذن، أجازوا بعد الإكمال أم لا؛ لمخالفة الفضولي للأصل،و اختصاص الفتوى و النصّ الدالّ على جوازه إن قلنا به بغير محلّ الفرض.

إلّا أنّ ظاهرهم الاتّفاق في المكرَه خاصّة على الصحّة بعد الإجازة، معلّلين بأنّه بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله،و إنّما منع عدم الرضا، فإذا زال أثّر العقد،كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه مع تحقق القصد إلى اللفظ في الجملة،فلمّا لحقته إجازة المالك أثّرت.

و لا يعتبر مقارنته للعقد؛ للأصل.بخلاف العقد المسلوب الأصل كعبارة الصبي،فلا تجبره إجازة الولي و لا رضاه بعد بلوغه.

و في الأصل مع الفرق نظر يظهر وجهه في الأوّل ممّا مرّ،و في الثاني من اشتراك العقدين في المانع و المقتضي،فإنّ المانع و هو عدم اعتبار العقد بنفسه و إن اختلف وجهه مشترك كالمقتضي من عموم لزوم الوفاء بالعقد بعد الرضا،فإنّه إن عمّم بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبي أيضاً،و إن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشارع لم يشمل عقد المكرَه أيضاً.

و دعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع مع معارضته بالمثل غير معقولة،و أدلّة الفضولي إن سلّمناها لمثله غير شاملة كما مرّت إليه الإشارة، و أصالة عدم اعتبار مقارنة القصد و النيّة للعقد ممنوعة معارضة بأصالة بقاء عدم الصحّة قبل الإجازة،مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة.

و بالجملة:لا أظنّ استقامة ذلك في التفرقة،فإن كان عليها إجماع،

ص:218

و إلّا فالمسألة محلّ مناقشة،هذا.

مع أنّ الهازل و العابث قد اتّفقوا على المنع فيهما دونه،مع جريان وجه الفرق المتقدّم بين المكرَه و الصبي هنا إن تمّ بالضرورة.

و يمكن الجواب عن الوجهين،فالأوّل و هو الأصل-:باندفاعه بعموم الأمر بالوفاء بالعقد.و القدح فيه بخروج الأكثر بالإجماع فيقيّد لأجله بالمتداول زمان الخطاب كما مرّ،مع عدم معلوميّة كون ما نحن فيه منه محلّ نظر؛ لاستلزامه إجماله و عدم إمكان التمسّك به في شيء ممّا عدا محلّ الوفاق،و هو مخالف لسيرة العلماء و طريقتهم المسلوكة بينهم، بلا خلاف يظهر بينهم في ذلك أصلاً من جهة استنادهم إليه في محلّ النزاع و الوفاق.

فالتحقيق أنّ الجمع بين الإجماعين يقتضي المصير إلى جعل الألف و اللام في« العقود» للعهد و الإشارة إلى جنس العقود المتداولة في ذلك الزمان،المعهودة و المضبوطة الآن في كتب فقهائنا،كالبيع و الإجازة و نحو ذلك،لا خصوص أشخاص كلّ عقد متداول فيه مع كيفياتها المخصوصة و المتداولة فيه،فما عرفت من المحذور.

و حينئذٍ نقول:لا ريب في دخول هذا العقد في جنس تلك العقود و كونه فرداً من أفراده و إن جهل اشتراكه معها في الخصوصيات،و ذلك كما عرفت لا يوجب القدح في دخوله في العموم،بل هو شامل له فيجب الوفاء به بمقتضاه،لكن لمّا كان الإكراه مانعاً لم يحكم به،فإذا زال وجب الحكم،للعموم.

و الثاني:بالإجماع على أنّ المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها هو العبائر المعتبرة شرعاً،الصادرة عمّن يكون لها أهلاً خاصّة دون غيرها

ص:219

جدّاً،و أنّ عقود الصبي و عبائره غير معتبرة بل وجودها كعدمها،فالمانع عن دخول عقده فيه و هو سلب العبرة عنه لازم لذاته غير منفكّ عنه مطلقاً، فلا يتصوّر فيه زوال المانع أبداً،بخلاف المكرَه،فإنّ المانع عن دخول عقده فيه أمر خارج عن ذات العقد و حقيقته،ممكن الزوال،فإذا زال دخل في العموم.

و غاية ما يتصوّر للمنع حينئذٍ عدم مقارنة القصد للعقد.و هو مدفوع بأصالة عدم اشتراطه.

و المعارضة بأصالة عدم الصحّة حسن لولا العموم المقتضي لها،فإنّه لا اختصاص له بصورة دون صورة،و بحالة دون اخرى،بل شامل لجميع الصور حتّى زمان الإكراه،إلّا أنّه لمّا أجمع على كونه مانعاً حصل المنع به، فإذا زال أثّر العموم في حكمه.

و يشترط أن يكون كل من البائع و المشتري مالكاً للعوضين إجماعاً؛ للنصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع سابقتها متواترة،و سيأتي إلى ذكر بعض منها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

أو وليّاً لهما مع صغرهما أو جنونهما الأصلي أو الطاري قبل البلوغ كالأب و الجدّ له و إن علا،دون الاُمّ و أبيها على الأشهر الأقوى.

و الحاكم الشرعي و أمينه المنصوب من قبله لذلك أو مطلقاً، و لكن ولايتهما بعد فقد الأبوين و الوصي لهما،كما أنّ ولاية الوصي لأحدهما بعد فقد الآخر قطعاً.

أو وكيلاً عن المالك،أو من له الولاية حيث يجوز له التوكيل.

و لا خلاف في ثبوت الولاية لهؤلاء،بل الظاهر الإجماع عليه؛ و هو الحجّة،كالمعتبرة التي يأتي إلى ذكرها في كتاب الحجر الإشارة.فلا إشكال

ص:220

فيه،و لا في ثبوتها للعدول من المؤمنين مع فقدهم حسبةً،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،فإنّه إحسان محض و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (1)مع دعاء الضرورة إليها في بعض الأحيان.

و في الخبر:عن رجل مات و له بنون صغار و كبار من غير وصيّة،و له خدم و مماليك و عقار،كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟قال:

« إن قام رجل ثقة فقسّمه و قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس» (2).

و قريب منه كثير من النصوص المعتبرة (3).

فخلاف الحلّي (4)كما حكي شاذّ لا يلتفت إليه.

و اعلم أنّ الشرائط المتقدّمة عدا الملكية و عدم الكراهة شرط الصحة،بلا خلاف فيه،و في كون الملكية شرط اللزوم،بل في المختلف و كلام جماعة الإجماع عليه (5).

فلو باع الفضولي ملك الغير من دون إذنه مطلقاً لم يلزم إجماعاً، بل لم يصحّ إذا كان البيع لنفسه لا للمالك،فيمشي إلى المالك فيشتريه منه،كما صرّح به جماعة،كالفاضلين:العلّامة في جملة من كتبه كالمختلف و التذكرة،مدّعياً فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة (6)،و المقداد في شرح الكتاب (7)و غيرهما (8)،منزلين الأخبار المانعة

ص:221


1- التوبة:91.
2- الفقيه 4:/161 563،التهذيب 9:/392 1400،الوسائل 26:70 أبواب موجبات الإرث ب 4 ح 1.
3- الوسائل 19:421 أبواب أحكام الوصايا ب 88.
4- انظر السرائر 2:212.
5- المختلف:348؛ و أُنظر الحدائق 18:377.
6- المختلف:348،التذكرة 1:486.
7- التنقيح الرائع 2:26.
8- انظر الخلاف 3:168.

عن بيع ما لا يملك و الناهية عن شراء المغصوب و السرقة كما في المعتبرة المستفيضة (1)على ذلك،فلا ينبغي الاستشكال فيه و إن شمله عموم بعض أدلّة صحّة الفضولي و فتاويه.

و إذا لم يكن البيع كذلك ف في صحّته حينئذٍ قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل مطلقاً،كما في الروضة و كلام جماعة (2)،بل قيل:كاد أن يكون إجماعاً (3)الصحة و وقوفه على الإجازة من المالك،فإن حَصَلت،و إلّا انفسخت المعاملة؛ لأنّه عقد صدر من أهله من حيث استجماعه لشرائط صحّته عدا الملكية،و كان في محلّه، لكون المبيع ممّا يجوز بيعه في حدّ ذاته فيكون صحيحاً،و بالإجازة يصير لازماً،لعموم الأمر بالوفاء بالعقد،لما تقدّم تحقيقه في صحّة عقد المكره و لزومه بعد الإجازة قريباً.

و اشتراط المباشرة للعقد هنا من المالك مدفوع بما دفعنا به اشتراط مقارنة القصد للعقد ثمّة،مع ثبوت عدم الاشتراط هنا في الجملة،كيف لا و صحّة المعاملة غير منحصرة في صدرها عن المالك خاصّة،لما عرفت من ثبوت الولاية للأشخاص الستّة بل السبعة.و ما أشبه بالمسألة ثبوت الولاية بالوكالة؟!فإنّ المأمور بالوفاء بالمعاملة فيها إنّما هو الموكّل خاصّة دون الوكيل بالضرورة،و ليس ذلك إلّا من حيث رضاه بها و وقوع العقد في ملكه،و لا فرق في ذلك بين تقدّمه عليها أو تأخّره عنها بالبديهة،فيكون المراد من الآية حينئذٍ وجوب الوفاء بالمعاملة على من وقعت على ملكه مع

ص:222


1- الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.
2- الروضة 3:229؛ مجمع الفائدة و البرهان 8:157،كفاية الأحكام:89.
3- الحدائق 18:377.

رضاه بها مطلقا،كان هو مباشراً للعقد أم لا،و القرينة عليه الإجماع الذي مضى،فتكون عامّة شاملة لمفروض المسألة.

و دعوى اشتراط المباشرة في خصوصها تقييد لها من غير دلالة،فلم تكن مسموعة،هذا.

مضافاً إلى فحوى ثبوت الفضولي في النكاح مطلقاً بالإجماعات المحكية (1)،و المعتبرة المستفيضة (2)،بل المتواترة،فإنّ ثبوته فيه مع بناء الأمر فيه على الاحتياط التامّ،كما يستفاد من النصوص و إجماع العلماء الأعلام مستلزم لثبوته هنا بطريق أولى؛ لأضعفيّته عنه جدّاً.

و لعمري إنّها من أقوى الأدلّة هنا،و لولاه لأشكل المصير إلى هذا القول؛ لحكاية الإجماعين الآتية.

و بمثل هذه الفحوى استدلّ جماعة من أصحابنا في مقامات عديدة، منها:عدم اشتراط تقديم الإيجاب على القبول في الصيغة بناءً على ثبوته ثمّة،المستلزم لثبوته هنا بالأولويّة المتقدّمة،و ارتضاه المشترطون للتقديم أيضاً،إلّا أنّهم أجابوا بإبداء الفرق المختصّ به من احتمال منع حياء المرأة غالباً عن اشتراطه فيه،و لا مانع عنه هنا بالمرة،و هو اعتراف منهم بثبوت الأولوية لولا الفارق المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى خبر البارقي العامّي (3)المشهور،المجبور ضعفه كقصور

ص:223


1- المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):247،و أُنظر السرائر 2:565،و كشف اللثام 2:22.
2- الوسائل 20:292 أبواب عقد النكاح ب 12،13.و ج 21:114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 إلى 27.
3- مسند أحمد 4:376،و هو في ثاقب المناقب:112،المستدرك 13:245 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1.

دلالته لو كان بالشهرة العظيمة،و الأُصول المسلّمة الدافعة للاحتمالات التي يناقش بها في الدلالة،هذا.

و في الموثق كالصحيح على الصحيح،بل روي بطريق آخر صحيح:

« قضى عليّ(عليه السّلام)في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب،فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً،ثمّ قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال:هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني،فقال:خذ وليدتك و ابنها،فناشده المشتري، فقال:خذ ابنه يعني ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع،فلمّا أخذه البيّع قال أبوه:أرسل ابني،قال:لا و اللّه لا أُرسل ابنك حتّى ترسل ابني،فلما رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» (1).

و هو ظاهر الدلالة على المراد،خالٍ عن وصمة الشبهة و الإيراد،إلّا ما يتراءى في بادئ النظر من الإشكال فيه من حيث ظهوره في ردّ الأب بيع الابن أوّلاً،و القائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

و يمكن دفعه بعدم ظهور ما يوجب الظهور فيه،و إنّما غايته الظهور في عدم الرضا بالإقباض و استرداد الجارية و ابنها،و هو غير صريح بل و لا ظاهر فيه،لاحتمال كونه للتردّد الغير الملازم له،فتأمّل.

و القول الثاني و هو فساد الفضولي للطوسي-(رحمه اللّه) في الخلاف و المبسوط،و الحلّي و ابن زهرة (2)مدّعياً هو كالأول الإجماع عليه، مستندين به،ثم بالأصل،و أخبار عاميّة هي ما بين ناهية عن بيع ما ليس

ص:224


1- الكافي 5:/211 12،التهذيب 7:/488 1960،الإستبصار 3:/205 739،الوسائل 21:203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1؛ بتفاوت.
2- الخلاف 3:168،المبسوط 2:381،الحلّي في السرائر 2:274،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):585.

عنده (1)،و نافية للبيع عمّا لا يملك (2)،و زاد الأوّل بأنّه تصرّف في ملك الغير.

و في الجميع نظر؛ لاندفاع الأصل بما مرّ،كاندفاع الإجماع به،لكونه أكثر و أقوى و أظهر،مع تطرّق الوهن العظيم إليه بعدم وجود قائل به عداهما و الحلّي،مع تصريح الأوّل بكون الصحة مذهب قوم من أصحابنا (3)،و حكي عن عظماء القدماء كالمفيد و ابن الجنيد و ابن حمزة (4)، و هو اختياره في النهاية (5).

و بالجملة:كيف يقبل دعوى الإجماع فيه محلٍّ لم يظهر القائل بمضمونه عدا مدّعيه (6)،فينبغي طرحه أو تأويله إن أمكن.

و الأخبار مع ضعفها،و معارضتها بأقوى منها سنداً و دلالة غير واضحة الدلالة.

أمّا الثاني:فباحتمال أن يراد ب« ما لا يملك» ما لا يصح تملّكه كالحرّ و نحوه،لعدم جواز بيعه كما يأتي،أو رجوع النفي إلى اللزوم،فيكون المراد لا لزوم بيع إلّا فيما يملك.و مع الاحتمالين لا يتمّ الاستدلال في البين.

و أمّا الأوّل:فلاحتماله المنع عن بيع غير المقدور على تسليمه،كبيع

ص:225


1- انظر سنن الترمذي 2:350،/351 1250،1251،1252.
2- عوالي اللآلي 2:/247 16،المستدرك 13:230 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 3.
3- الخلاف 3:168.
4- حكاه عنهم في المختلف:348،و أُنظر المقنعة:606،و الوسيلة:249.
5- النهاية:385.
6- في« ح» زيادة:و بعض من تأخّر عنه.

الطير في الهواء و نحوه،و لعلّه الظاهر.و ليس المقام منه؛ لإمكان القدرة على تسليمه بإجازة صاحبه،مع احتماله كالثاني ما قدّمناه عن الفاضلين (1)،مع معارضته بكثير من النصوص المعتبرة المجوّزة لبيع ما ليس عنده،المعربة عن كون المنع عنه مذهب العامّة.

ففي الصحيح:عمّ باع ما ليس عنده:« قال:لا بأس» قلت:إنّ من عندنا يفسده،قال:« و لم؟» قلت:باع ما ليس عنده،قال:« ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده» (2)الخبر.

نعم في الصحيح:في امرأة باعت أرضاً ليست لها،أ تعطى المال أم تمنع؟قال:« ليمنعها أشدّ المنع،فإنّها باعت ما لا تملكه» (3)و نحوه آخر يأتي (4).

و لهما ظهور في حرمة التصرّف فضولاً،إلّا أنّه لعلّها لكون البيع لأنفسهما من غير أن يقصدا مالكها،و لا كلام فيها حينئذٍ كما مضى،و صرّح بها جماعة من أصحابنا (5).

و نحوه الجواب عن المعتبرة المستفيضة الناهية عن شراء الخيانة و السرقة (6)،لظهور سياقها في ذلك.

نعم إنّما يكون لها دلالة لو منعت عن الصحة بعد الإجازة من

ص:226


1- راجع ص:3765.
2- الكافي 5:/200 4،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.
3- الكافي 5:/133 8،التهذيب 7:/181 795،الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 2.
4- في ص:3773.
5- راجع ص:3765.
6- انظر الوسائل 17:333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

المالك،و ليس فيها إليه إشارة فضلاً عن دلالة،بل ظاهرها عدمها،لعدم خبرة صاحبها بها،و عدم إعلام المشتري له بذلك قطعاً.

مع أنّ غاية شمول النهي فيها للمسألة إثبات الحرمة،و هي غير ملازم لعدم الصحة،لعدم اقتضائه إيّاه في المعاملة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،و دعوى كون البيع بمجرّده تصرّفاً ممنوعة مع كون المال عند صاحبه مثلاً.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذه الأدلّة سيّما في مقابلة تلك،فإذاً المصير إلى الأوّل أقوى،و إن كان الثاني في الجملة أحوط و أولى.

ثم على المختار هل الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه، أم ناقلة له من حينها؟قولان،الأظهر الأوّل،وفاقاً للأشهر؛ عملاً بمقتضى الإجازة،إذ ليس معناها إلّا الرضا بمضمون العقد،و ليس إلّا إنشاء نقل العوضين من حينه.

و وجه الثاني:توقّف التأثير عليه فكان كجزء السبب.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ.

و تظهر الفائدة في النماء المتخلّل بين العقد و الإجازة الحاصلة من المبيع،فهو للمشتري على الأوّل،كما أنّ نماء الثمن المعيّن للبائع، و للمالك المجيز على الثاني.

و لو لم يجز المالك رجع في عين ماله و نمائه مطلقاً،و عوض منافعها المستوفاة و غيرها و قيمة التالف من ذلك أو مثله على المشتري؛ للمعتبر بوجود صفوان المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضرّ جهالة راوية و إرساله،و فيه:عن رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً،ثمّ أتاه مَن يزعم أنّها له و أقام على ذلك

ص:227

البينة،قال:« يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» (1).

ثمّ يرجع بذلك كلّه على البائع إذا لم يحصل له نفع في مقابله؛ لنفي الضرر،و للموثق في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية،فقال:« يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد،و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أُخذت منه» (2).

و مع حصول النفع فيه إشكال.

كلّ ذا إذا لم يكن عالماً أنّه لغير البائع أو ادّعى البائع الإذن،و إلّا لم يرجع بما اغترم،لأنّه غاصب.

و لا ينافيه إطلاق الخبرين المتقدّمين؛ فإنّ ظاهرهما بحكم التبادر للغلبة الجاهل.

و هل يرجع بالثمن؟المشهور لا مطلقاً؛ لأنّه دفعه إليه و سلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له،فيكون بمنزلة الإباحة.

و قيّده الشهيد الثاني بما إذا تلف،أمّا مع بقائه فله الرجوع؛ لأنّه ماله و هو متسلّط عليه بمقتضى النص (3)،و لم يحصل منه ما يوجب النقل عن ملكه؛ لأنّه إنّما دفعه عوضاً عن شيء لا يسلم له لا مجّاناً.قال:بل يحتمل

ص:228


1- التهذيب 7:/83 357،الإستبصار 3:/85 289،الوسائل 21:204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4.
2- التهذيب 6:/82 353،الإستبصار 3:/84 287،الوسائل 21:205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.
3- عوالي اللآلي 1:/222 99،/457 198،و ج 2:/138 383.

الرجوع مطلقاً وفاقاً للمحقق في بعض فتاواه؛ لتحريم تصرّف البائع فيه؛ لأنّه أكل مالٍ بالباطل،فيكون مضموناً عليه،و لو لا« ادّعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة (1).

و هو حسن،فتأمّل.

[و يشهد له الموثق المتقدم و إطلاقه يشمل الثمن التالف أيضا بل لعل أغلب أفراده] و لو باع ما لا يملكه مالك في العرف و العادة كالحرّ و فضلات الإنسان من شعره و وسخه و الخنافس و البقّ و البرغوث و القمل و الديدان المتعارفة لم ينعقد إجماعاً؛ لكونه سفهاً و لو لوحظ بعض المنافع الموظّفة له في مواضعها؛ لندرتها الموجبة لإلحاقها بالعدم.

و نحو ذلك ما لو باع نحو حبّة حنطة أو شعير أو غيرهما ممّا لا يعدّ إيقاع العقد عليه بيعاً،بل يعدّ معاملته سفاهة؛ لعدم صدق المال على مثله عرفاً و إن كان مثله من الحقوق التي لا يجوز لأحد التصرف فيها إلّا بإذن صاحبه كحق السبق و نحوه ممّا هو حق و لا يسمّى ملكاً؛ فإنّ معاملة مثل ذلك كلّه سفه و لو فرض نفع نادر له؛ لأنّه كالعدم كما تقدّم.

و لو باع ما يملك و ما لم يملك كعبده و عبد غيره صفقة و في عقد واحد صحّ (2) البيع و لزم في عبده خاصّة و وقف في الآخر على الإجازة على المختار في الثاني،و لا خلاف في الأوّل،بل ظاهرهم الإجماع عليه،و صرّح به في الغنية (3)؛ للصحيح:في رجل باع قطاع أرضين..و عرّف حدود القرية الأربعة..و إنّما له في هذه القرية

ص:229


1- انظر المسالك 1:172.
2- في المطبوع:و لو جمع بين ما يملك و ما لا يملك في عقد واحد كعبده و عبد غيره صحّ.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):585.

قطاع أرضين،فهل يصلح للمشتري ذلك و إنّما له بعض هذه القرية و قد أقرّ له بكلّها؟فوقّع(عليه السّلام):« لا يجوز بيع ما لا يملك،و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» (1).

مضافاً إلى أنّ البائع مأمور بالوفاء بالعقد في ماله،و عدم إجازة المالك بعد ذلك لا يرفع الأمر المستقرّ في ذمّته قبل ظهوره،فاحتمال بعض من تأخّر البطلان رأساً (2)،ليس في محلّه.

و أمّا توهّم إيجاب تبعّض الصفقة الخيار له،فمع أنّه لا يوجب البطلان ليس في محلّه؛ لإقدامه على ضرره،نعم إن جهل أمكن ثبوت الخيار له.

ثم إنّه إن أجاز صحّ البيع و لا خيار،و إن ردّ تخيّر المشتري مع جهله بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع بين الفسخ و إمضائه؛ لتبعيض الصفقة،أو الشركة الموجبين للضرر،المنفي آية و رواية.

و ليس في النصّ ما يخالفه كما توهّم (3)و إن تضمّن لفظ الوجوب؛ لإضافته إلى البائع،و لا كلام فيه كما مرّ،و لكنّه غير الوجوب من المشتري، فقد يجامع ثبوت الخيار له الوجوب من البائع،كما في كثير من المواضع.

فإن فسخ رجع كلّ مال إلى مالكه،و إن رضي صحّ البيع في المملوك للبائع بحصّته من الثمن.و يعلم مقدارها بتقويمهما جميعاً ثم تقويم أحدهما منفرداً ثم نسبه قيمته إلى قيمة المجموع،فيخصّه من الثمن مثل

ص:230


1- الكافي 7:/402 4،الفقيه 3:/153 674،التهذيب 7:/150 667،الوسائل 17:339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1.
2- مجمع الفائدة 8:162.
3- انظر الحدائق 18:400.

تلك النسبة.

فإذا قُوّما جميعاً بعشرين و أحدهما بعشرة صحّ في المملوك بنصف الثمن كائناً ما كان زائداً أم ناقصاً،لو كان الثمن في المثال ستّة أُخذ لأحدهما منها نصفها ثلاثة،هذا في جهة النقيصة،و يعلم المثال في جهة الزيادة بزيادة الثمن على العشرين و لو بواحدة،و إنّما أُخذ بنسبة القيمة و لم يخصّه من الثمن قدر ما قُوّم،لاحتمال زيادتها عنه و نقصانها،فربما جمع في بعض الصور بين الثمن و المثمن على ذلك التقدير،كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة.

ثم إنّه إنّما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كلّ واحد كفرض العبارة.أمّا لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوّما مجتمعين؛ إذ لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلّا منفرداً،و حينئذٍ فيقوَّم كلّ منهما منفرداً و ينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة،دون أن ينسب إلى قيمتهما مجتمعين.فلو كان قيمتهما كذلك اثني عشر و منفردين تسعة و الثمن ستّة و قيمة أحدهما ثلاثة يؤخذ لكلّ منهما من الثمن بقدر نسبة قيمتهما إلى التسعة و هو الثلث اثنان، و لا يؤخذ بقدر نسبة قيمتهما إلى الاثني عشر و هو الربع واحد و نصف،كذا قيل (1).

و ربما يستشكل مع جهل المشتري بالحال و بذله الثمن في مقابلة المجموع من حيث المجموع،فالأخذ بالنسبة إلى المجموع قيمتهما منفردين ظلم على المشتري و حيف عليه (2).

ص:231


1- الروضة 3:239،المسالك 1:172،الحدائق 18:402.
2- انظر الروضة 3:240،المسالك 1:173.

و هو حسن،إلّا أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أُخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين،مع عدم تقصيرة و إتلافه شيئاً على المشتري، و إنّما أراد له شيئاً لم يسلم له،فإلحاقه بالغاصب حينئذٍ في ضمان الصفقة ليس في محلّه مع براءة ذمّته عنه،و المسألة لا تخلو عن ريبة و إن كان الأوّل لا يخلو عن قوة.

أما لو باع العبد و الحر،أو الشاة و الخنزير أو الخلّ و الخمر صحّ البيع فيما يملك و ثبت للمشتري الخيار مع الجهل؛ لما مرّ بطل في الآخر لعدم جواز تملّكه و النهي عن بيعه كما مرّ.بل ربّما احتمل البطلان مع العلم في الأوّل لوجه آخر،و هو إفضاؤه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع،لأنّه في قوّة أن يقول:بعتك العبد بما يخصّه من الألف إذا وزّعت عليه و على شيء آخر لا يعلم مقداره الآن.

و على تقدير الصحة يقوّمان جميعاً ثم يقوّم أحدهما منفرداً،ثم ينسب قيمته إلى قيمة المجموع و يسقط من الثمن بقدر ما قابل الفاسد بتلك النسبة،كما مرّ في المسألة السابقة.

و طريق التقويم في المملوك ظاهر.

و في الحرّ:بأن يقوّم لو كان عبداً على ما هو عليه من الأوصاف و الكيفيات.

و الخمر و الخنزير:بأن يقوّما بقيمتهما عند مستحلّيهما،إمّا بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب،و يحصل بقولهم العلم أو الظنّ المتاخم له،أو بإخبار عدلين من المسلمين يطّلعان على حاله عندهم،لا منهم مطلقاً،لاشتراط عدالة المقوّم كما قالوه.

الثاني الكيل أو الوزن أو العدّ

الثاني: يشترط فيهما المعلوميّة كلّاً أو بعضاً على ما يأتي،

ص:232

فلا يصحّ بيع المجهول و المبهم؛ حذراً من الغرر المنهي عنه إجماعاً،و قطعاً للنزاع.

و لكن المعلومية لكلّ شيء بحسبه في العادة،فما بيع ب الكيل أو الوزن أو العدّ يكون تعيينه بها،على الأظهر الأشهر بين أصحابنا.

فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعدّ لا كذلك بل جزافاً بطل لما تقدّم؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع الأُولى متواترة،ففي الصحاح:« ما سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة» (1).

و قرينة السؤال في أحدها مع نفي الصلاح الدالّ على الفساد و فهم الأصحاب قرينة على الدلالة.

و في الخبرين،أحدهما الصحيح:« لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر» (2).

و نحوه الثاني (3)مع قوّة في الدلالة؛ لتبديل« لا يصلح» ب« لا يحلّ» مع المنع فيه عن البيع بصاع البيت الذي يكون أصغر من صاع السوق.

و فيهما الدلالة على اعتبار صاع البلد و مكياله المشهور،كما هو عن الأصحاب منقول،فلا يجوز البيع بالكيل النادر،و عليه ينزّل إطلاق ما مرّ حملاً له على الأغلب و المتعارف.

و في الموثق كالصحيح:عن شراء الطعام أو ما يكال و يوزن،هل

ص:233


1- الكافي 5:/179 4،الفقيه 3:/131 570،التهذيب 7:/36 148،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2.
2- الكافي 5:/184 1،التهذيب 7:/40 169،الوسائل 17:377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 1.
3- الكافي 5:/184 2،التهذيب 7:/40 170،الوسائل 17:377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 2.

يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن؟فأجاب(عليه السّلام)بنفي البأس إذا كاله البائع و أخبر به المشتري (1).

و ظاهر البأس في مفهومه بحكم السياق و فهم الأصحاب التحريم.

و في المرسل كالصحيح على الصحيح:عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل؟فقال:(عليه السّلام):« إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه،و إمّا أن يكيل كلّه» (2).

و في الخبر خطاباً لقوم شكوا إليه(صلّى اللّه عليه و آله)سرعة نفاد طعامهم لأنّهم لا يكيلون:« كيلوا فإنّه أعظم للبركة» (3).

و يستفاد من سابقيه جواز الاعتماد في الكيل و الوزن على إخبار البائع،و لا خلاف فيه في الظاهر،و النصوص به معهما مستفيضة،منها الموثق:يقول الرجل أعطنيه بكيلك،قال:« إذا ائتمنك فلا بأس» (4).

و منها الخبر المعتبر بوجود جملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم في سنده،فلا يضرّ اشتراك راويه،مع قرب احتمال كونه الثقة،و فيه:اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله،فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال:« لا بأس» فقلت:يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟قال:

« لا،

ص:234


1- الكافي 5:/178 1،التهذيب 7:/37 158،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 7.
2- الكافي 5:/195 13،التهذيب 7:/125 545،الوسائل 17:344 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 3.
3- الكافي 5:/167 1،التهذيب 7:/163 722،الوسائل 17:439 أبواب آداب التجارة ب 34 ح 1.
4- الكافي 5:/179 6،التهذيب 7:/38 159،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 6.

أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله» (1)و نحوهما غيرهما (2).

و يستفاد من هذه الأخبار تقريراً،و ذيل الأخير كبعض ما مرّ صريحاً اشتراط الكيل في المكيل كما في أكثرها،و الوزن في الموزون كما في بعضها أيضاً.و يلحق بهما الأخير؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً،مضافاً إلى ثبوته كالمتقدّمين من القاعدة المتقدمة أيضاً،مع إمكان الاستدلال عليه بمعونة التقرير المستدل لأجله ببعض الأخبار المتقدمة على الأوّل بالصحيح:عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه،فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه،ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد،فقال:« لا بأس به» (3).

و يستفاد منه بمعونة عدم القائل بالفرق بين الجوز و غيره من المعدود و غيره،كما في المسالك و غيره (4)،أنّه لو تعذّر الوزن أو العدّ أو الكيل اعتبر مكيال واحد أو ميزان كذلك،و أُخذ بعد ذلك بحسابه الباقي.

و لا خلاف في الجواز،و إن اختلفوا في اشتراطه بالتعذّر،كما في المتن و غيره (5)،بل في الروضة التعبير به عن كثير من الأصحاب (6)؛ وقوفاً مع ظاهر النص.

ص:235


1- التهذيب 7:/37 157،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.
2- الفقيه 3:/131 571،الوسائل 17:346 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 8.
3- الكافي 5:/193 3،الفقيه 3:/140 617،التهذيب 7:/122 533،الوسائل 17:348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 7 ح 1.
4- المسالك 1:175؛ و أُنظر السرائر 2:321.
5- كالقواعد 1:126.
6- الروضة البهية 3:266.

أو التعسّر،كما قيل (1)؛ حملاً له عليه،جمعاً بينه و بين عموم ما يدل على نفيه.

أو عدم الاشتراط مطلقاً،كما عليه الشهيد الثاني و غيره (2)؛ لزوال الغرر،و حصول العلم،و اغتفار التفاوت هنا كما في غيره،و عدم المنافاة له في الصحيح،فإنّ القيد في كلام الراوي،و لم يظهر من الجواب اعتباره.

مع إطلاق الخبرين في غير المعدود،و فيهما:عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن يعيّره (3)ثم يأخذه على نحو ما فيه،قال:« لا بأس» (4).

و نحوهما آخر:فيمن اشترى مائة راوية من زيت،فاعترض راويه أو اثنتين و وزنهما،ثم أخذ سائره على قدر ذلك،قال:« لا بأس» (5).

و في زوال الغرر و حصول العلم إشكال،و اغتفار التفاوت هنا غير معلوم،و القياس على غيره حرام،و الاستقراء لو تمسك به لتصحيحه غير معلوم،و منافاة الصحيح له لأجل التقرير الذي هو العمدة في إثبات اعتبار العدّ في المعدود به ثابتة.

و الأخبار بحسب الأسانيد قاصرة،مع احتمال قصورها في الدلالة من حيث إنّها مطلقة،منصرفة إلى الصور المتعارفة التي ليس فيها العدول عن

ص:236


1- الدروس 3:198.
2- الشهيد الثاني في الروضة 3:266؛ و أُنظر الحدائق 18:474.
3- أي:يمتحنه،و في« ح» و الوسائل:بغيره.
4- الأول:الكافي 5:/193 4،التهذيب 7:/122 533،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 4.الثاني:التهذيب 7:/123 536،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ذيل الحديث 4.
5- الكافي 5:/194 7،الفقيه 3:/142 625،التهذيب 7:/123 539،الوسائل 17:343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 1.

الثلاثة إلى الاعتبار بالمكيال الواحد،كما في العبارة،إلّا مع التعذّر أو التعسّر.

مضافاً إلى تشويش في متن الأوّلين بحسب النسخة الموجب لخروجهما عن مفروض المسألة.

مع معارضتها بإطلاق النصوص المتقدّمة المعتبرة للكيل أو الوزن، و سيّما المرسل المتقدّم في الجصّ،و نحوه الصحيح:في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم،ثم إنّ صاحبه قال للمشتري:ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل،فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت،قال:

« لا يصلح إلّا أن يكيل» (1)الخبر.

و هما كالباقي و إن شملا صورتي التعذّر و التعسّر أيضاً،إلّا أنّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما مرّ التخصيص بغيرهما،مضافاً إلى فتوى الأصحاب.

[فإن الأجود ما في العبارة من اشتراط التعذر في العدول من العد و يحتمل قويا إلحاق التعسر] ثم إنّ المحكي عن الأصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع و لو لم يبع الآن كذلك (2).

و إثباته من النص مشكل،إلّا أنّ الأمر فيه هيّن بناءً على عدم معلوميّة مثله في زمانه لنا الآن إلّا في نحو الطعام و الزيت و الجصّ،و أمثالها الآن تباع كذلك،و إن غُيّر الكيل بالوزن في بعضها و انعكس في آخر.

و لا بأس بالأوّل في المشهور؛ لأضبطية الوزن من الكيل.و يحتاط في الثاني،و إن ألحقه بالأوّل جماعة (3)؛ للخبر:« لا بأس بالسلف ما يوزن فيما

ص:237


1- الكافي 5:/179 4،الفقيه 3:/131 570،التهذيب 7:/36 148،الوسائل 17:342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2.
2- مجمع الفائدة 8:177،الحدائق 18:471.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:53،و صاحب الحدائق 18:474.

يكال و ما يكال فيما يوزن» (1).

و فيه ضعف سنداً و قصور دلالةً،مضافاً إلى ما في السرائر من نفي الخلاف عن عدم جوازه (2).

و الأحوط المنع مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

و يتفرّع على اشتراط المعلوميّة بأحد الأُمور الثلاثة فيما يباع بها أنّه لا تكفي مشاهدة الصُّبرة المجهولة في صحّة المعاملة و لا المكيال المجهول كقصعة حاضرة إن و تراضيا به،و لا الوزن المجهول،كالاعتماد على صخرة معيّنة و إن عرفا قدرها تخميناً،أو كالاه أو وزناه بعد ذلك، و لا العدّ المجهول،بأن عوّلا على ملء اليد،أو آلة يجهل ما يشتمل عليه ثم اعتبر العدّ به.

خلافاً للإسكافي في الصُّبرة (3).و يدفعه مضافاً إلى ما مرّ دعوى الإجماع على خلافه في المختلف (4).

و يجوز ابتياع جزء مشاع معلوم بالنسبة كالنصف و الثلث من معلوم بالكيل أو الوزن أو المساحة مطلقاً و إن اختلف أجزاؤه قيمة كالجواهر و الحيوان،إجماعاً؛ للأصل،و فقد المانع من الغرر و غيره جدّاً،فيصحّ بيع نصف الصبرة المعلومة المقدار و الوصف و نصف الشاة المعلومة بالمشاهدة أو الوصف.

و اعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة،ذكر الماتن بعضها منطوقاً و بعضها

ص:238


1- الفقيه 3:/167 739،التهذيب 7:/44 192،الإستبصار 3:/79 265،الوسائل 18:296 أبواب السلف ب 7 ح 1.
2- السرائر 2:321.
3- نقله عنه في المختلف:386.
4- المختلف:386.

مفهوماً.

و جملتها:أنّها إمّا أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته،فإن كانت معلومة صحّ بيعها أجمع،و بيع جزء منها معلوم مشاع،و بيع مقدار معيّن علم اشتمالها عليه كقفيز،و بيعها كلّ قفيز بكذا،لا بيع كلّ قفيز منها بكذا.

و المجهول يبطل بيعها في الأقسام الخمسة إلّا في الثالث،بشرط العلم باشتمالها على المقدار،كما عن الأكثر (1)،أو مطلقاً على قول (2)، يجبر نقص المبيع فيه إذا تحقّق بالخيار بين الأخذ للموجود منها بحصّته من الثمن و بين الفسخ لتبعّض الصفقة.

و لا خلاف فيما عداه إلّا ما يحكى عن الطوسي من الحكم بالصحة في القسم الرابع مطلقاً و لو كان الصبرة مجهولة (3).

و هو مشكل يدفعه عدم تعيّن العوضين في هذه الصورة.

و احتمل العلّامة في المختلف فيها الصحة في القفيز الواحد لا الجميع،كما حكاه عن أبي حنيفة (4).

و المناقشة فيه واضحة،بل البطلان مطلقاً في غاية القوّة.

و هل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين على الإشاعة،أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة؟وجهان،أجودهما الثاني عند جماعة (5).

و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

ص:239


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:268،و صاحب الحدائق 18:479.
2- كما قال به الشيخ في المبسوط 2:152.
3- الخلاف 3:163.
4- المختلف:386.
5- منه:الشهيد الثاني في الروضة 3:268،و السبزواري في الكفاية:90.

و في الصحيح:رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طُنّ (1)في أنبار بعضه على بعض من أجَمَة واحدة،و الأنبار فيه ثلاثون ألف طُنّ،فقال البائع:قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طُنّ،فقال المشتري:قد قبلت و اشتريت و رضيت،فأعطاه من ثمنه ألف درهم،و وكّل المشتري من يقبضه،فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طن،فقال:« عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع» (2).

و هو ظاهر في الثاني،إلّا أنّ في صحة البيع الذي تضمّنه إشكالاً من حيث جهالة عين المبيع فيه،الموجبة للغرر المنفي،الموجب لفساد المعاملة،و صرّح به الأصحاب فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع، فقالوا:بطل و إن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه و تساوت أثمانها.

الثالث لا تباع العين الحاضرة إلّا مع

الثالث: لا تباع العين الحاضرة إلّا مع أحد الأُمور المعيِّنة لها (3)، الدافعة عن المعاملة بها ما يعدّ في العرف و العادة مجازفة من الكيل أو

ص:240


1- الطنّ بالضم-:الحُزمة من الحطب و القَصَب.لسان العرب 13:269.
2- التهذيب 7:/126 549،الوسائل 17:365 أبواب عقد البيع و شروطه ب 19 ح 1.
3- و اعلم أن تعيين المبيع مثلاً المعتبر في صحّة البيع تارة يكون من جهة المقدار و أُخرى من جهة الجنس و النوع و الشخص و الصفة و نحو ذلك،و التعيين المقداري مرَّ ذكره.و المراد يقول الماتن هنا:لا تباع العين الحاضرة..بيان اعتبار التعيين بالمعنى الثاني،و حينئذٍ فلا وجه لذكر التعيين المقداري هنا،كما لا يخفى،إلّا أن يكون المراد منه بيان أن التعيين الثاني غير معتبر في المبيع الذي لا يعتبر تعيينه به بل بالتعيين المقداري خاصة،فيكون تنبيهاً على أن التعيين الثاني لا يعتبر في مطلق بيع العين الحاضرة،بل قد يعتبر تعيينه به،و أما ما لا يعتبر تعيينه إلّا بالتعيين المقداري فهو كافٍ،و هو حسن،إلّا أنه فرع وجود مثل هذه العين التي لا تحتاج إلى التعيين الثاني،و لا أظنّه،فتدبّر.(منه(رحمه اللّه)).

الوزن أو العدّ فيما يباع بها،و كانت هي المطلوبة من بيعه عرفاً.

و المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما فيما عداه،و يكون الوصف في كلّ شيء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة بحيث يكون المعاملة بدونه فيها غرراً و مجازفة.

ففي الفرس بنحو الصغر و الكِبر دون مقدار اللحم،و في نحو الغنم المطلوب من شرائه مقداره به،و في نحو الفيل المطلوب به طوله و عرضه كما عند أهل الهند فيما حكي بمساحته،و في الثوب المطلوب به أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة دون نحو الذرع بها دونه،و به إن كان هو المطلوب بالمعاملة في العادة،و نحوه الأرض،فيجوز بيعهما مشاهدة في الصورة الأُولى كنحوهما ممّا يقصد بمعاملته في العادة الأوصاف المندفعة بمشاهدتها الغرر و الجهالة،لا مساحة في تلك الصورة و إن بيعا بها نادراً؛ لعدم صدق الغرر و المجازفة فيها مع المشاهدة عرفاً و عادةً.

و على هذه الصورة تنزل كلمة الأصحاب المصرّحة بجواز بيعهما مشاهدة من دون مساحة على الإطلاق،بلا خلاف يظهر منهم صريحاً،بل عن التذكرة الإجماع عليه (1).و هو حسن.

و لا يبعد حمل إيجاب الخلاف (2)المساحة في بيعهما على الصورة الثانية جمعاً بين الفتاوي و الأدلّة،و إلّا فيشكل الأوّل في هذه الصورة، لتحقق الغرر به و المجازفة كالثاني،بانتفائهما في الصورة المقابلة عرفاً و عادةً.

و من هذا التحقيق يتحقق أنّه لو كان المراد بيعها عادةً

ص:241


1- التذكرة 1:494.
2- الخلاف 3:164.

طعمها كالدبس أو ريحها كالمسك فلا بدّ من اختبارها بهما إذا لم تفسد به أي بالاختبار،أو وصفها،بلا خلاف،حتى في جواز البيع بالوصف و إن أهملته العبارة،بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الأصل،و اندفاع الغرر به،كاندفاعه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً،كظاهر الصبرة و أُنموذج المتماثل.

و ينجبر النقص بعد التحقق بالخيار،مع التأيّد بظواهر ما مرّ من النصوص من جواز الاكتفاء عن الكيل و الوزن بإخبار البائع (2).

و لو بيع مثلها و لمّا يختبر بالأمرين،و لم يوصف بهما،أو وصف وصفاً لم تزل معه الجهالة بناءً على أصالة الصحة عن العيب و الآفة فيما هي الأصل فيه فقولان،أشبههما:الجواز مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوام و اللون و غيرهما ممّا يختلف قيمته باختلافه.و عليه الأكثر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر.

و هو الأظهر؛ إحالةً على مقتضى الطبع،فإنّه أمر مضبوط عرفاً لا يتغيّر غالباً إلّا بعيب،فيجوز في دفعه الاعتماد على الأصل،لانتفاء الغرر حينئذٍ كانتفائه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً،كما تقدّم.

و ينجبر النقص بأن له الخيار لو خرج معيباً بين الردّ و الأرش إن لم يحدث فيه حدثاً زائداً على اختباره.

و يتعيّن الأرش بعد الإحداث فيه الزائد عنه كما في غيره من أنواع البيوع و إن كان المشتري المتصرّف أعمى؛ لتناول الأدلّة له.خلافاً لمن شذّ،فخيّره بين الأمرين و إن تصرّف (3).

ص:242


1- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
2- راجع ص:3778.
3- المراسم:180.

و القول الثاني بالعدم إلّا بالاختبار أو الوصف محكي عن الحلبي و القاضي (1)و الديلمي (2)،و ربما نسب إلى الشيخين و ابن حمزة (3)؛ للغرر.

و فيه ما مرّ.

قيل (4):و للخبر:عن رجل يشتري ما يذاق،أ يذوقه قبل أن يشتريه؟ قال:« نعم فليذقه،و لا يذوق ما لا يشتري» (5)بناءً على أنّ الأمر بالذوق يقتضي البطلان مع عدمه.

ص:243


1- فيه:أنّ عبارته المحكية ظاهرة بل صريحة في الصحة لكن مع الخيار كما هو المختار،فإنّه قال:لا يجوز بيعه إلّا بعد أن يختبر،فإن بيع شيء منه من غير الاختبار له كان المشتري مخيّراً في ردّه على البائع.و نحوه عبارة الشيخين فإنّهما قالا:لا يجوز بيعه بغير اختيار له،فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار،فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس.و لا يبعد أن يكون مراد غيرهم من عدم الصحة إلّا بالاختبار عدم اللزوم لا عدم الصحة بالمعنى المرادف للفساد،و ذلك فان استعمال الصحة و الجواز في اللزوم في عبائر القدماء غير عزيز كما عرفته من كلام الشيخين و القاضي،و نحو عبائرهم عبارة الحلي،و هي هكذا:قد روي أنه لا يجوز بيعه بغير اختيار،فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار،فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس(السرائر 2:331)و في عبارته هذه شهادة أُخرى من حيث نقله الرواية التي هي عين مضمون ما ذكره الشيخان و القاضي،و الظاهر استناد غيرهم ممن أطلق عدم الصحة إلّا بالاختبار إليها،و على هذا فارتفع الخلاف و ظهر حجة أُخرى للمختار،و هي الرواية التي أشار إليها،لكنّها مرسلة لا يصلح مثلها للحجية،إلّا أن يجبر ضعفها بالأُصول و الشهرة.منه(رحمه اللّه).
2- الحلبي في الكافي:354،القاضي في المهذّب 1:352،الديلمي في المراسم:180.
3- المفيد في المقنعة:609،الطوسي في النهاية:404،ابن حمزة في الوسيلة:246.
4- قال به صاحب الحدائق 18:483.
5- التهذيب 7:/230 1004،المحاسن:/450 361،الوسائل 17:375 أبواب عقد البيع و شروطه ب 25 ح 1.

و فيه نظر؛ لضعف السند،و قصور الأمر هنا عن إفادة الوجوب، لوروده في محل توهّم الحظر،كما يشعر به سياقه،فلم يفد سوى الإباحة على الأظهر،و به قال من علماء الأُصول جماعة.

و لو أدّى اختباره إلى إفساده كالجوز و البطيخ و شبهه جاز شراؤه مطلقاً بعد تعيينه بوجه آخر؛ لما مضى.بل الجواز هنا بطريق أولى؛ لاستلزام المنع عنه العسر و الحرج جدّاً،مع عدم نقل خلاف هنا.

بل ظاهرهم الاتفاق على الجواز و إن اختلفوا في إطلاقه (1)أو تقييده بشرط الصحة فقط،كما عن بعض (2)،أو البراءة كذلك من العيب و الآفة، كما عن آخر،أو بشرط أحدهما،كما عن جماعة (3).

و الأوّل أشهر و أقوى؛ لعموم الأدلّة،بل في المختلف أنّ مراد الجماعة جواز البيع بالشرطين لا اشتراطهما في صحته (4)،فارتفع الخلاف إلّا من القاضي حيث لم يجوّزه إلّا بهما (5).

ص:244


1- كالحلّي في السرائر 2:331،و العلّامة في المختلف:389،و ابن فهد في المقتصر:166.
2- كالمفيد في المقنعة:610،و الديلمي في المراسم:180.
3- كالشيخ في النهاية:404،و ابن حمزة في الوسيلة:247.
4- المختلف:389.
5- فإنّه قال:و أما ما لا يمكن اختباره إلّا بإفساده فلا يجوز بيعه إلّا بشرط الصحة و البراءة من العيوب،فإن باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحاً.و الفرق بين عبارته و عبائر من سبقه كالمفيد و الديلمي هو تصريح هذه العبارة بعدم الصحّة مع البيع بخلاف ذلك،بخلاف عبارتهما،لتصريحها بالصحة مع الأرش.و يمكن إرجاع هذه العبارة إليها،بأن يراد بعدم الصحة عدم اللزوم كما في الحاشية السابقة،و لعلّه لذا لم يستثنه الفاضل في المختلف بل أطلق التوجيه حتى في عبارته،لكنه هنا محل نظر؛ لظهور عبارة المفيد و الديلمي في الأرش خاصّة دون الخيار،بل ظاهرهما اللزوم مع الأرش،و على هذا يخالفهما القاضي على أي تقدير سواء حمل عدم الصحة في كلامه على عدم اللزوم أو على الفساد،أمّا على الثاني فواضح،و كذا على الأول،فإنّ عدم اللزوم ليس مذهب المفيد و الديلمي،بل ظاهرهما كما عرفت اللزوم.(منه(رحمه اللّه)).

و يثبت مع الصحة الأرش لو خرج معيباً لا الردّ للتصرف فيه و يرجع بالثمن كلّه إن لم تكن لمكسوره قيمة تبذل له عادة، كالبيض الفاسد و الجوز الفارغ مطلقاً،و لو اشترط البائع البراءة من العيب على الأقوى.

خلافاً لجماعة (1)مع الشرط،فنفوا الرجوع حينئذٍ.

و فيه نظر؛ لبطلان البيع حيث لا يقابل الثمن مال،فيكون أكل مال بالباطل،و يكون الشرط منافياً لمقتضى العقد حينئذٍ.

و دفعه بالتراضي فيكون كدفع مال بغير عوض،مندفع بمنعه مع هذا الشرط المشعر ببقاء ماليّة في المبيع،فإنّ العيب فرع بقائها فيه،و لا يجوز إطلاقه مع انتفائها رأساً.مع عدم تماميّته؛ للمنع عن الرجوع على تقدير تسليمه فيما لو بقي الثمن و كان البائع ممّن لم يلزم الهبة له،فإنّ الدفع حينئذٍ كهبة مال بغير عوض،فيجوز الرجوع فيه حينئذٍ،فتأمّل.

و هل يكون العقد مفسوخاً من أصله نظراً إلى عدم الماليّة من حين العقد فيقع باطلاً ابتداءً،أو يطرأ عليه الفسخ بعد الكسر،فيكون هو المفسد نظراً إلى الصحة قبل ظهور الفساد و الأصل بقاؤها؟ وجهان،بل قولان.و رجحان الأوّل أظهر،بل و أصحّ؛ لأنّ ظهور الفساد كشف عن عدم الماليّة حين البيع في نفس الأمر لا أنّه أحدث عدمها

ص:245


1- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:113،و الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:278.

حينه،و الصحة مبتنية على الظاهر و تنتفي بانكشاف الفساد،فيكون كابتياع الخمر على أنّه خلّ ثم انكشف خمريتها.

و منه يظهر ما في جزم الشهيد (1)بالثاني،مضافاً إلى جعله الأوّل ظاهر الجماعة،المشعر باتّفاق الطائفة.

و تظهر الفائدة في قول في مئونة النقل عن الموضع،فإنّها على البائع على الأوّل،و على المشتري على الثاني.

و في آخر فيما لو تبرّأ البائع من عيبه،فيتّجه كون تلفه على المشتري على الثاني دون الأوّل،و فيما لو رضي به المشتري بعد الكسر.

و في ثالث الحنث بمثله على الثاني دون الأوّل لو حلف أن لا يبتاع بيعاً صحيحاً.

و في الجميع نظر يظهر وجه الثاني ممّا مرّ (2).

و كذا يجوز بيع المسك في فأره و نافجته،و هي الجلدة المشتملة عليه و إن لم يُفتق فيختبر،بشرط العلم بمقداره.و نحوه ممّا يعتبر معرفته في معاملته،و تتفاوت قيمته بتفاوته،بلا خلاف،بل في بعض العبارات الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى ما مرّ من جواز البناء على أصل السلامة؛ لاندفاع الغرر به و الجهالة.فإن خرج معيباً تخيّر،دفعاً للضرر.و لكن فتقه بأن يدخل فيه خيط بإبرة ثم يخرج و يشمّ أحوط،ليرتفع الجهالة رأساً.

ص:246


1- الدروس 3:198.
2- في تحرير القول الثاني،فإنّ محصوله طروّ الفسخ بعد الكسر فإذاً يكون بعده مال البائع و إذا تلف حينئذٍ كان على البائع،فعلى التقديرين التلف على البائع.(منه(رحمه اللّه)).
3- الحدائق 18:485.

و لا يجوز بيع السمك في الآجام من دون ضميمة إذا لم يكن محصوراً مشاهداً لجهالته و لو بعضاً،بلا خلاف فيه،بل في الروضة الإجماع عليه (1).

قيل:و لا خلاف في الجواز مع الحصر و المشاهدة؛ لانتفاء الجهالة حينئذٍ (2).و هو كذلك،و إطلاق العبارة و غيرها يحمل على عدمهما كما هو الغالب.

و كذلك لم يجز إن ضمّ إليه القصب و نحوه على الأصحّ الأشهر.

و كذلك اللبن في الضرع بفتح الضاد،و هو الثدي لكل ذي خفّ أو ظلف،فلا يجوز بيعه و لو ضمّ إليه شيء أو ما يحتلب منه لأنّ ضميمة المجهول إلى المعلوم تصيّر المجموع مجهولاً.

خلافاً للنهاية و جماعة (3)،فالجواز فيهما،بل عليه في الأوّل الإجماع في الغنية (4)؛ لأخبار هي بحسب السند غير نقيّة،منها:« لا بأس بأن يشتري الأجمة إذا كان فيها قصب» (5).

و منها:في شرائها و ليس فيها قصب إنّما هي ماء،قال:« يصيد كفّاً من سمك فيقول:أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا

ص:247


1- الروضة 3:282.
2- الحدائق 18:487.
3- النهاية:400،الوسيلة:283،الكفاية:91،المفاتيح 3:56،الحدائق 18:490.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):586.
5- التهذيب 7:/126 550،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 5.

و كذا» (1).

و منها الموثق:عن اللبن يشترى و هو في الضرع،قال:« لا،إلّا أن يحلب إلى سُكُرُّجَة (2)فيقول:أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرّجة و ما في ضرعها بثمن مسمّى،فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرّجة» (3).

و في الإجماع وهن؛ لمصير الأكثر إلى الخلاف،مع عدم معارضته كبعض الصحاح (4)مع عدم وضوح دلالته،و الأخبار المزبورة لما دلّ على اشتراط تعيين المبيع،المعتضد أصله بالإجماع و فرعه هنا بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،مع إرسال الخبرين الأوّلين و إضمار الثالث و إن كان من الموثق،و عدم ارتباط الخبرين لموضوع المسألة،لورودهما في بيع الأجمة لا سمكها،فتأمّل جدّاً.

مع احتمال الجمع بينه و بين ما دلّ على المنع بما فصّل به جماعة (5)من الحكم بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم،و المجهول تابعاً، و البطلان مع العكس أو تساويهما في القصد الذاتي.

ص:248


1- التهذيب 7:/126 551،الوسائل 17:355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 6.
2- السكُرُّجَة:بضم السين و الكاف و الراء و التشديد،إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدْم،و هي فارسية..النهاية 2:384.
3- الكافي 5:/194 6،الفقيه 3:/141 620،التهذيب 7:/123 538،الإستبصار 3:/104 364،الوسائل 17:349 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 2.
4- الكافي 5:/193 5،التهذيب 7:/123 537،الإستبصار 3:/103 361،الوسائل 17:348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 1.
5- منهم:العلّامة في المختلف:387،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:110،و الشهيد الثاني في الروضة 3:282.

و لا ريب في حسنه؛ لانتفاء الغرر العرفي حينئذٍ،و هو الذي عليه المدار في الصحة و الفساد دون الجهالة،فإنّها بمجرّدها غير موجبة لفساد المعاملة بها،و لذا صحّت في نحو البناء و السكنى مع تحقّق الجهالة في حيطانها و أساسها،فتأمّل جدّاً.

و كذا القول في كلّ مجهول ضُمّ إلى معلوم ك أصواف الغنم على ظهرها مع ما في بطونها خاصّة دونها إن قلنا بمعلوميّتها، و إلّا فعدم الجواز فيها مطلقاً و لو كانت الضميمة بالأصالة مقصودة أقوى، لمجهوليّتها مع المنضمّ إليه على هذا التقدير جزماً.

خلافاً للطوسي و الحلبي و القاضي (1)،فجوّزوا بيعها مع الضميمة، استناداً إلى رواية ضعيفة:في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهماً،فقال:« لا بأس إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف» (2).

و يأتي فيها ما في سابقتها من وجوه الوهن،و احتمالها الجمع المتقدّم على التقدير الأوّل،و تكفي الوجوه المزبورة في ردّها على التقدير الثاني، مع استغرابٍ في مدلولها حينئذٍ من حيث إنّ ضمّ المجهول إلى المجهول لا يصيّر المجموع معلوماً،بل لا يزيد به إلّا جهالة و غروراً.

و من هنا يُقضي العجب من هؤلاء المشايخ المجوّزين لبيعهما منضمّاً مع منعهم عنه منفرداً للجهالة.و الرواية بالجواز لا تجعل الأصواف مع

ص:249


1- الطوسي في النهاية:400،الحلبي في الكافي:356،حكاه عن القاضي في المختلف:386.
2- الكافي 5:/194 8،الفقيه 3:/146 642،التهذيب 7:/45 196،الوسائل 17:351 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 1.

الضميمة معلومة و لا دلّت على معلوميّتها معها،فكيف يقال بالجواز هنا و المنع عنه منفرداً؟! و كذا لا يجوز بيع كل واحد منهما أي كل من الصوف و الأجنّة،و يحتمل إرجاعه إلى الضميمتين في المسائل الثلاث،لكنّه بعيد منفرداً للجهالة،و هو حسن إن لم تزل بما يوجب المعلوميّة، كالمشاهدة في نحو القصب و الأصواف و الأوبار و الشعر،فإنّها تؤثّر المعلوميّة فيها على الأشهر الأقوى،و إن كان كلّ من الأصواف و تالياتها موزوناً في الجملة؛ لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفاً دون ما إذا كانت على الظهر جدّاً،فإنّها حينئذٍ كالثمرة على الشجرة ليست بموزونة.

فيصحّ بيعها مع المشاهدة،وفاقاً للمفيد و الحلّي (1)و أكثر المتأخّرين (2)؛ للأصل،و فقد المانع.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة تبعاً للمشايخ الثلاثة.و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و قيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها مستجزّة بالغة أوانه (3).

قيل:و لا وجه لاعتباره؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحة،بل غايته مع تأخيره الامتزاج بمال البائع،و هو لا مقتضي بطلان البيع،كما لو امتزجت لَقَطة الخُضر بغيرها فيرجع إلى الصلح (4).و هو حسن.

و لو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة و تبعيّة المتجدّد لها في

ص:250


1- المفيد في المقنعة:594،الحلي في السرائر 2:322.
2- منهم العلّامة في المختلف:386،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:111،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:188.
3- الدروس 3:196.
4- الروضة 3:283.

البيع بنى على القاعدة السابقة،فإنّ كان المقصود بالذات هو الموجود صحّ و إلّا فلا.

و كذا لا يجوز بيع ما يلقح الفحل و هو ما تحمله الناقة، مفرداً إجماعاً؛ للجهالة،و للرواية المروية عن معاني الأخبار،المتضمّنة لنهيه(صلّى اللّه عليه و آله)عن الملاقيح و المضامين.و تفسير الأوّل بما في البطون و هي الأجنّة،و الثاني بما في أصلاب الفحول (1).

و في الصحيح:« لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل» (2).

و كذا ما يضرب الصيّاد بشبكته منفرداً؛ لما مرّ،و للخبر:« نهى أن يشتري شبكة الصيّاد يقول:اضرب بشبكتك فما خرج فهو من مالي بكذا» (3).

و كذا منضمّاً فيهما،إلّا أن تكون الضميمة مقصودة أصالةً فيجوز حينئذٍ؛ لما مضى.

الرابع الرابع تقدير الثمن و تعيين جنسه

الرابع: من الشرائط في صحة البيع تقدير الثمن و تعيينه و تعيين جنسه و وصفه، فلو اشتراه بحكم أحدهما أو أجنبي فالبيع باطل إجماعاً،كما في المختلف و التذكرة الروضة (4)؛ للغرر و الجهالة المنهي عنهما بالإجماع و الرواية المتّفق عليها بين العلماء كافّة،

ص:251


1- معاني الأخبار:278،الوسائل 17:352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 2.
2- الكافي 5:/191 5،التهذيب 7:/121 527،الوسائل 17:352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 3.
3- الكافي 5:/194 10،الوسائل 17:354 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 1.
4- المختلف:385،التذكرة 1:468،الروضة البهية 3:264.

فلا قاومها شيء من النصوص و إن كانت صحيحة،سيّما مع اعتضادها في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة،و الإجماعات المحكيّة.

و به يظهر الجواب عما دلّ عليه بعض المعتبرة (1)بعد تسليم كونه صحيحاً (2)من جواز تحكيم المشتري و لزوم الحكم عليه بالقيمة السوقية فما زاد،مع أنّه غير صريح في صحة المعاملة،محتمل لوجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.

و نحوه الكلام فيما لو اشتراه بثمن مجهول القدر و إن شوهد؛ لبقاء الجهالة و ثبوت الغرر المنفي معها.

خلافاً للشيخ (3)في الموزون مطلقاً،و للمرتضى في مال السلم خاصّة (4)،و للإسكافي في المجهول مطلقاً إذا كان المبيع صبرة مشاهدة مع اختلافهما جنساً،لزوال الغرر بالمشاهدة و الربا بالاختلاف (5).و هو كسابقيه

ص:252


1- الكافي 5:/209 4،الفقيه 3:/145 640،التهذيب 7:/69 297،الوسائل 17:364 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1.
2- إنّما لم يقطع بصحة السند لتطرق النظر إليها بأنها مروية في باب ابتياع الحيوان من التهذيب عن الحسن بن محبوب عن رفاعة النخاس،و هما و إن كانا ثقتين إلّا أن طريق الشيخ إلى الحسن في هذه الرواية غير معلوم،و إن ذكر في المشيخة أن ما يرويه عنه في كتبه و مصنفاته فطريقه إليه كذا و كذا،و هو صحيح،لكن لم يعلم أن هذا الحديث من الكتب و المصنفات،و ما ذكره في الخلاصة من أنه إن كان الحديث مأخوذاً من المصنفات فهو صحيح و إلّا فهو حسن بإبراهيم بن هاشم لا نعرف مأخذه،فإن كان من الفهرست فهو صحيح،كذا قيل،و لا يخلو عن نظر،و لذا لم يقدح و سلم(منه(رحمه اللّه)).
3- في المبسوط في كتاب الإجارات(3:223)و لكن منع عنه في الخلاف فقال:لا يكفي النظر إلى رأس مال السلم إلّا بعد العلم بمقداره سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً،و لا يجوز جزافاً(3:198).منه(رحمه اللّه).
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):217.
5- نقله عنه في المختلف:385.

شاذّ.

أو الصفة،كمائة درهم،و إن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدّد النقد الموجود.

أو الجنس و إن علم قدره.

لتحقق الجهالة في الجميع،فيكون الشراء فاسداً و إن اتّصل به القبض.و ليس كالمعاطاة؛ لأنّ شرطها اجتماع شرائط البيع سوى العقد الخاص بلا خلاف.

و حيث بطل البيع يضمن المشتري تلف المبيع مع قبضه و نُقصانَه بفتح النون،عطف على التلف،أي يضمن نقصانه إن تلف البعض عيناً و منفعة بالمثل إن كان مثليّا،و إلّا فبالقيمة يوم التلف،على الأشهر الأقرب؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند تعذّر دفع العين.

و قيل:يوم القبض (1).و قيل:الأعلى منه إليه (2).

و هو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة،إما باختلاف السوق فالأول لازم،فالإطلاق بعيد.

و أبعد منه القول الثاني؛ لعدم الدليل عليه بعد ما عرفت من أنّه قبل التلف كان مخاطباً بأداء العين خاصّة دون القيمة،و إنّما الانتقال إليها بعد تعذّر الوصول إلى المأمور به أوّلاً.

نعم في الصحيح الوارد في المكتري بغلة إلى حدّ تجاوز بها عنه بغير إذن الصاحب بعد سؤاله عن عطبها و ما يترتّب عليه من ضمانه بقوله:أ رأيت لو عطب البغل أو نفق (3)أ ليس كان يلزمني؟قال:« نعم قيمة البغل يوم

ص:253


1- كما اختاره المصنّف في الشرائع 2:17.
2- السرائر 2:326.
3- نفقت الدابة:هلكت و ماتت.مجمع البحرين 5:241.

خالفته» (1).

و هو كما ترى ظاهر في نصرة هذا القول،إلّا أنّ احتمال رجوع الظرف إلى لزوم القيمة لا إليها قائم،لكنّه بعيد،إلّا أنّ البُعد لا يوجب المصير إليه بعد معارضته بأقوى منه بالاعتبار و الاشتهار و أصالة البراءة عن الزائد لو كان في القيمة يوم القبض على يوم التلف،مع ظهور ذيله في خلافه و إن كان في النقص بالعيب كالكسر و الدَبَر و الغَمْز (2)،ففيه بعد السؤال عن ضمانه:« عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم تردّه» فتأمّل.

ثم الدليل على الضمان هنا و كذا في كلّ ابتياع فاسد و مأخوذ بالسوم الخبر المشهور:« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (3)و القاعدة المشهورة:كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و معناها أنّه كما يضمن المشتري مثلاً بصحيحه لو فات في يده، بمعنى أنّه يذهب من ماله و يلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع،كذلك يضمن بفاسده و يلزم عليه ردّ المبيع و إيصاله إلى البائع مع نمائه.

و لا ريب في صحتها مع علمه بالفساد و عدم جواز التصرّف و وجوب الحفظ و الردّ على المالك؛ لأنه حينئذٍ غاصب أو كالغاصب.

و كذا مع الجهل به،أو العلم مع عدم العلم بوجوب الردّ في الحال، بناءً على أنّ القبض تصرّف في ملك الغير بغير إذنه،مع حيث اختصاصه في محلّ الفرض بزعم صحة المعاملة،فإذا انتفت انتفى الإذن المترتّب على

ص:254


1- الكافي 5:/290 6،التهذيب 7:/215 943،الإستبصار 3:/134 483،الوسائل 19:119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.
2- الدَّبَر بالتحريك:الجرح الذي يكون في ظهر الدابّة.لسان العرب 4:274.غَمزَت الدابة:مالت من رجلها.القاموس 2:192.
3- عوالي اللئلئ 2:/345 10،مستدرك الحاكم 2:47.

زعمها،فيكون التصرّف في العين حينئذٍ و أكلها أكل مال بالباطل،لانحصار وجه الحلّ في كون المعاملة بيعاً أو تجارة عن تراض أو هبة أو غيرها من وجوه التراضي بأكل المال من غير عوض.و ليس الأوّلين بمقتضى الفرض، و كذا البواقي،للقطع من جهة الزعم المتقدّم بعدم الرضاء بالتصرّف مع عدم بذل شيء في المقابل،فالرضاء المتقدّم كالعدم،و ذلك واضح.

و احتمال الإلحاق بالمعاطاة في عدم لزوم قيمة الفائت و الاكتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا في المقابل،كما في عبارة بعض الأصحاب (1)غير جيّد،بناءً على عدم الدليل على الاكتفاء بالعوض و لزومه بمجرد الرضاء السابق،بل يترتّب على العقود الناقلة بشرائط الصحة و هي هنا مفقودة.

فإن تراضيا بالبدلين بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا كلام فيما ذكره،و إن انتفى فالاكتفاء بالرضاء السابق في لزومه يحتاج إلى التأمّل،سيما مع العلم بأنّ المنشأ زعم صحة المعاملة،فبعد كشف الفساد و عدم الرضاء بعده لم يكن هناك رضاء في الحقيقة،فلكلّ منهما الرجوع إلى المال أو بدله مع التلف،فإنّ:« الناس مسلّطون على أموالهم» (2).

و لا فرق في الأموال بين الموجودة و التالفة بمقتضى إطلاق النص و صريح الجماعة.

فالقاعدة على إطلاقها مع اشتهار العمل بها كذلك لا يكاد يختلجها ريبة و لا يدانيها شبهة،فالمناقشة فيها مطلقاً أو في الجملة فاسدة.

و لو لا الإجماع في مسألة المعاطاة على عدم الرجوع في العين التالفة

ص:255


1- الحدائق 18:467.
2- عوالي اللئلئ 1:/222 99.

لكان اللازم فيها الرجوع إلى هذه القاعدة،و لكن الإجماع مانع و فارق بينهما و بين المسألة،فقياسها بها مع بطلانه قياس مع الفارق.

و يجب على البائع أن يردّ عليه أي على المشتري ما زاد في المبيع بفعله مطلقاً،منفعة كانت الزيادة كتعليم الصنعة أو عيناً و هي المشار إليها ب الصبغ،على الأشبه الأشهر،وفاقاً للنهاية و المقنعة (1)؛ لأنّها أثر فعله غير متبرّع به فيكون له،مع استلزام عدم وجوب الردّ الضرر و الحيف و إضاعة عمله مع احترامه في الشريعة حيث لم يوجد ما يوجب إبطاله.

خلافاً للمبسوط،فلا يردّ مطلقاً،بل هو للبائع؛ لأنّه نماء ملكه (2).

و للحلّي:فالتفصيل بين الزيادتين فيجب الردّ في الثانية إن أمكن الفصل،و إلّا كان شريكاً بالنسبة من القيمة،و لا في الأولى،بل تكون تابعة للعين (3).

ثم على المختار ينبغي تقييده بجهل القابض بالفساد،و إلّا فتفصيل الحلّي عند جماعة [في المسألة] مستحسن.و لا بأس به؛ فإنّه حينئذٍ كالغاصب الذي ليس له الرجوع إلى المنفعة بالإجماع،كما في المهذّب (4).

و إذا أطلق النقد انصرف إلى نقد البلد لأنّه في حكم التعيين؛ إذ ليس معه غرر و لا جهالة عرفاً و عادةً.و ذلك واضح مع الوحدة،و كذا مع التعدّد و أغلبيّة البعض المنصرف إليه الإطلاق كالأوّل بالضرورة.و كذا معه

ص:256


1- النهاية:393،المقنعة:593.
2- المبسوط 3:95.
3- السرائر 2:481.
4- المهذب البارع 2:361.

و التساوي في القدر و القيمة و الماليّة،و إن اختلف الأفراد بحسب الرغبة على قول لا يخلو عن قوّة إن لم يؤدّ التفاوت فيها إلى الغرر و الجهالة أو النزاع و المشاجرة،و إلّا فهو محلّ مناقشة،فالأجود بطلان البيع فيه و إن كان من الفروض النادرة.و كذا في التعدّد و عدم التساوي في الأُمور الثلاثة، وفاقاً لإطلاق جماعة (1).

و إن عيّن نقداً لزم مطلقاً بلا إشكال؛ لكونه جزءاً من العقد المأمور بالوفاء به.

و لو اختلفا في قدر الثمن فادّعى البائع الأكثر و المشتري الأقلّ فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع قائماً بعينه و قول المشتري مع يمينه إن كان تالفاً على الأظهر الأشهر،بل عليه في الخلاف الإجماع (2)،و هو ظاهر الغنية،حيث نسبه إلى الأصحاب،مشعراً (3)به، و نسب خلافه في الدروس إلى الندور (4)،و فيه نوع إشعار به أيضاً؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المرسل كالموثق بابن أبي نصر الثقة الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،مع أنّه لم يرو إلّا عن الثقة كما في العُدّة (5):

في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري:هو بكذا و كذا بأقلّ ممّا قال البائع، قال:قال:« القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه» (6).

ص:257


1- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:534.
2- الخلاف 3:148.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):590.
4- الدروس 3:242.
5- عدة الأُصول 1:386.
6- الكافي 5:/174 1،الفقيه 3:/171 765،التهذيب 7:/26 109،الوسائل 18:59 أبواب أحكام العقود ب 11 ح 1.

و يستدلّ بمفهومه على الحكم الثاني،مع موافقته للأصل المجمع عليه نصّاً و فتوى من أنّ على المنكر اليمين بناءً على كون المشتري خاصّة منكراً و إن توهّم كونه مطلقاً أو في الجملة مدّعياً،لاندفاع التوهّم برجوع النزاع إلى الزائد عن الثمن لا إلى أصل الانتقال؛ لكونه بينهما مسّلماً.

و هذا الأصل و إن عمّ منطوق الخبر و لذا قيل به فيه أيضاً،كما عن التذكرة (1)،إلّا أنّ اعتبار السند بما مرّ مضافاً إلى روايته في الكتب الثلاثة و اعتضاده بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة،مع أخصّيته بالإضافة إلى الأصل و القاعدة أوجب تخصيصها به،سيّما مع تأيّده بإطلاق الصحيح:« إن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا» (2).

و ظاهر التتارك بقاء السلعة.

و في المسألة أقوال أُخر نادرة كادت تكون شاذّة،مع عدم قيام دليل صالح على أكثرها عدا القول المتقدّم،و هو تقديم قول المشتري مطلقاً.

و فيه زيادةً على ما مضى التأمّل في الإطلاق جدّاً؛ لرجوع الأمر في بعض الصور إلى التحالف،كأن يدّعي البائع البيع بألف درهم و المشتري البيع بغنم،فتأمّل.

و على المختار لو كانت العين قائمة لكنّها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً كالبيع و العتق ففي تنزيله منزلة التلف قولان.قيل:أجودهما العدم،لصدق القيام عليها و هو البقاء،و منع مساواته للتلف في العلّة

ص:258


1- التذكرة 1:575.
2- الكافي 5:/174 2،التهذيب 7:/26 110،الوسائل 18:59 أبواب أحكام العقود ب 11 ح 2.

الموجبة للحكم (1).

و يحتمل قويّاً الثاني؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقن من النص،و ليس إلّا إذا لم ينتقل العين عنه كذلك.

و لو تلف بعضه ففي تنزيله منزلة تلف الجميع،أو بقاء الجميع،أو إلحاق كلّ جزء بأصله أوجه.أوجهها الأوّل؛ لصدق عدم قيامها بعينه، الذي هو مناط تقديم قول البائع،مضافاً إلى الوجه المتقدّم في تقوية القول الثاني.

و منه يظهر الوجه في تقديم قول المشتري لو امتزج العين بغيره امتزاجاً لا يمكن تخليصه؛ لعدم صدق القيام عرفاً،فإنّ ظاهره أخصّ من الوجود،فتأمّل جدّاً.

و يجوز أن يوضع لظروف السمن و الزيت و نحوهما ما كان وضعه لها معتاداً لا زائداً عليه.

قال بعض الأفاضل:المراد أنّه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخميناً بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أنقص و لا أزيد،بل و إن تفاوت لا يكون إلّا بشيء يتساهل بمثله عادة؛ ثم يدفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع (2).

و يظهر من بعض العبارات عدم احتياج الإندار المحتمل للأمرين إلى المراضاة،و أنّ المحتاج إليها الثاني.و هما ظاهر الأصحاب،كالمتن و غيره، فيكون الإندار في الأول قهرياً.

و لعلّه للموثق:إنّا نشتري الزيت في أزقاقه و يحسب لنا فيه نقصان

ص:259


1- الروضة 3:537.
2- مجمع الفائدة 8:190.

لمكان الأزقاق،فقال(عليه السّلام)« إن كان يزيد و ينقص يعني يحتملهما،كما فهمه الأصحاب فلا بأس،و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه» (1).

بناءً على أنّ المراد نفي البأس على الإطلاق حصل المراضاة أم لا،من حيث اختصاص النهي عن الإندار للزائد بالصورة الثانية،لكون الجواز في الأول مقطوعاً به بين الأصحاب،فإن:« الناس مسلّطون على أموالهم» (2).

فظهر أنّ نفي البأس عن الإندار في الشقّ الأوّل إنّما هو في الصورة الثانية التي وقع النهي فيها عنه في الشق الثاني خاصة أو مطلقاً،إلّا أنّ في بعض النصوص القاصرة الأسانيد اشتراط التراضي في الشقّ الأوّل أيضاً.

ففي رواية أنّه يطرح لظروف السمن و الزيت لكلّ ظرف كذا و كذا رطلاً فربما زاد و ربما نقص،قال:« إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس» (3)، و نحوه في أُخرى مرويّة عن قرب الإسناد (4).

و مراعاتهما أحوط و إن كان في التعيّن نظر.

و يستفاد من الخبر الأوّل كالعبارة و نحوها جواز الإندار للناقص من دون توقّف على التراضي؛ و لعلّه لما يستفاد من كلمات الأصحاب و غيرها كون الإندار حقّا للمشتري و بيده،فله إسقاط ما يضرّ به،و ليس للبائع التسلّط عليه في منع عن ذلك،و هو واضح.

فما ذكره بعض الأصحاب من إلحاق ذلك بإندار الزائد في التوقّف

ص:260


1- الكافي 5:/183 4،التهذيب 7:/128 559،الوسائل 17:367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 4.
2- عوالي اللئالئ 1:/222 99.
3- التهذيب 7:/128 558،الوسائل 17:366 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 1.
4- قرب الإسناد:/261 1035،الوسائل 17:367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 3.

على المراضاة (1)،مشكل على إطلاقه،و إنما يصحّ فيما لو كان الإندار بيد البائع أو مشتركاً بينهما، و أما لو كان بيد المشتري كما هو ظاهرهم حتى الملحق فلا؛ لما مضى.

الخامس القدرة على تسليمه

الخامس من الشرائط في كلّ من الثمن و المثمن: القدرة على تسليمه بلا خلاف،بل عليه الإجماع في الغنية و عن التذكرة (2)و هو الحجّة،مضافاً إلى استلزام البيع مع عدمها الغرر و السفاهة.

فلو باع الحمام الطائر أو غيره من الطيور المملوكة لم يصحّ إلّا أن يقتضي العادة بعوده فيصحّ عند جماعة (3).

و لا يخلو عن قوّة،لعموم الأدلة؛ و انتفاء الموانع من الإجماع، للخلاف مع شهرة الجواز.و الغرر،و لانتفائه عرفاً بتنزيل اعتياد العود فيه منزلة التحقّق،فهو كالعبد المنفذ في الحوائج و الدابّة المرسلة.

خلافاً للفاضل في النهاية،فأحتمل بطلانه (4).

و لو باع المملوك الآبق المتعذّر تسليمه منفرداً لم يصحّ إجماعاً،نصّاً و فتوى،إلّا إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع فجائز حينئذٍ عند جماعة (5)،بل ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإمامية (6).

ص:261


1- جامع المقاصد 4:115.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):585،التذكرة 1:466.
3- منهم:الشهيدان في اللمعة(الروضة البهية 3):249،و صاحب الحدائق 18:434.
4- نهاية الإحكام 2:481.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:466،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:35،و الشهيد الثاني في الروضة 3:249.
6- الانتصار:209.

و هو كذلك؛ لعموم الأدلّة؛ و انتفاء الموانع من الإجماع،للخلاف.

و الغرر،لاندفاعه بالفرض.

خلافاً للشيخ و من تبعه (1)فكما لا يقدر؛ لإطلاق ما سيأتي من النص.و في شموله لمحلّ الفرض نظر.

و على المختار لو بيع مع الضميمة لم يلحقها أحكامها الآتية،فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض،و لا يتخيّر المشتري لو لم يعلم بإباقه،و لا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع، لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض،و غير ذلك من الأحكام (2).

ص:262


1- الشيخ في النهاية:409،و الخلاف 3:168،و الديلمي في المراسم:177،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):586.
2- أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:إن بيع الآبق الذي لا يقدر البائع على تسلمه على قسمين:الأوّل ما إذا لم يقدر المشتري على ذلك أيضاً،و حكمه فساد البيع مطلقاً،إلّا إذا انضمّ إليه ضميمة يمكن أن تكون طرفاً للمعاوضة منفردةً فيصح حينئذٍ.و لضميمة أحكام: منها:أنه لو لم يقدر على تسليمها البائع و لا المشتري كان البيع باطلاً من أصليه حتى في الضميمة،لعدم حصول الشرط الذي هو القدرة على التسليم و التسلم في المنضمّ و المنضمّ إليه،فلا يوزع الثمن عليهما،بل يردّ على المشتري كلا،و لا كذلك في القسم الثاني. و منها:أنه لو لم يعلم المشتري بإباقه ثم علم ثبت له الخيار بسبب عدم القدرة على تسلمه في فسخ أصل البيع حتى بالنسبة إلى الضميمة،إذا لو لم يثبت له الخيار كذلك و كان البيع بالإضافة إلى الضميمة لازماً لزم تبعض الصفقة،و لا كذلك في القسم الثاني،فإنّه لم يتّجه مطلقاً حتى في الضميمة من الجهة المزبورة أعني تبعّض الصفقة كما يأتي. و منها:أنه يشترط في الضميمة أن يكون مما يقبل المعاوضة منفردة حتى يصحّ ما في النصّ و الفتوى من أنه إذا لم يسلم له العبد كان الثمن بإزاء الضميمة،و لا كذلك الحكم في الضميمة في القسم الثاني. القسم الثاني:ما إذا قدر المشتري على تسلمه دون البائع،فإن قلنا بعدم تأثير قدرة المشتري في صحة البيع فسد،كما عليه الشيخ.و لو بيع مع الضميمة ترتّب عليها حكم الضميمة في المسألة السابقة.و إن قلنا بتأثيره في الصحّة كما هو المختار وفاقاً للمرتضى صحّ.و إذا بيع مع الضميمة لم يترتّب على هذه الضميمة الأحكام السابقة على الضميمة في المسألة السابقة. أما الأول منها و هو عدم توزيع الثمن عليها و على العبد إذا لم يقدر على تسليمها فلأنّه لفساد البيع بالإضافة إليهما معاً،لعدم الشرط من القدرة على التسليم و التسلّم.و لا كذلك الحكم هنا لو لم يدر على تسليم العبد و لا تسليمها،أو قدر عليها و لكن تلفت قبل القبض،فإنه يوزّع الثمن على العبد و على الضميمة،و يردّ على المشتري ما قابل الضميمة و يبقى ما قابل العبد لو لم يفسخ بالتبعّض،لأن العبد المزبور في حكم المقبوض،فلا وجه لإسقاط بعض ما قابله من الثمن،بخلاف الضميمة لعدم تبعّضها في كلتا الصورتين من عدم القدرة على تسليمه الضميمة و لا تسلمها و تلفها،كما هو واضح. و أما الحكم الثاني و هو خيار المشتري بالتبعّض فلأن الخيار به هناك ثابت لصدق التبعّض لفوات العبد بعد القدرة على تسليمه و تسلّمه.و لا كذلك هنا،فإن القدرة من المشتري تجعله من قبيل المقبوض،و الضميمة أيضاً مقبوضة بحكم الفرض،لعدم المانع المزبور من جهتها،و ليس المراد ثبوت الخيار من جهة إباق العبد،لأنّ الخيار به ليس من الأحكام المترتبة على الضميمة،فالخيار المنفي و إن كان مطلقاً المراد به ههنا من جهة التبعّض فإنه الذي من أحكام الضميمة. و أما الحكم الثالث و هو كون الضميمة ممّا يقبل المعاوضة منفردة فإنّ الضميمة هنا ليست ممّا يكون الثمن كلّها بإزائها خاصّة كما في المسألة السابقة،فلا يشترط فيها القابليّة المزبورة،بل الضميمة هنا جزء من المبيع المركّب منها و من العبد الآبق و يكفي قابليّة الثمن للتعويض عنهما،بناءً على أن العبد في حكم المقبوض نظراً إلى قدرة المشتري على تسليمه،و ذلك واضح. و ممّا أشرنا يظهر أنّ التعليل بقوله:لأنّ ذلك في حكم المقبوض راجع إلى الأحكام الثلاثة.(منه رحمه اللّه).

و يصحّ بيع الآبق الذي لم يقدر عليه كلّ منهما لو ضمّ إليه شيء يصحّ بيعه منفرداً،إجماعاً،كما في الانتصار و الغنية و التنقيح (1)؛ و هو الحجة المخصّصة للقاعدة.

ص:263


1- الانتصار:209،الغنية(الجوامع الفقهية):586،التنقيح الرائع 2:35.

مضافاً إلى المعتبرة كالصحيح:أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أُعطيهم الثمن فأطلبها انا؟قال:« لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً،فتقول لهم:أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا،فإنّ ذلك جائز» (1).

و الموثق:في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله،قال:

« لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر،و يقول:أشتري منك هذا الشيء و عبدك بكذا و كذا،فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» (2).

و يستفاد منه ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف من أنّه إن وجده المشتري و قدر على إثبات يده عليه،و إلّا كان الثمن بإزاء الضميمة، كان عدم القدرة للتلف أو غيره؛ مضافاً إلى إقدامه إلى كون الثمن بإزاء الجملة و إيقاعه العقد عليه فيجب عليه الوفاء به،و نزل الآبق حينئذٍ بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم،و لكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفارة و بيعه لغيره مع الضميمة،و أنّه لا خيار للمشتري بعدم القدرة على تسلّمه مع العلم بإباقه،مضافاً إلى قدومه على النقص فلا تسلّط له على البائع حينئذٍ.

و أما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً؛ دفعاً للضرر.و لا ينافيه الخبر؛ لكونه في العلم بالإباق ظاهر بل صريحاً.

ص:264


1- الكافي 5:/194 9،التهذيب 7:/124 541،الوسائل 17:353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.
2- الكافي 5:/209 3،الفقيه 3:/142 622،التهذيب 7:/124 540،الوسائل 17:353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

ثم إنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد و غير ذلك سوى القدرة على تسليمه؛ لعموم الأدلة.فلو ظهر تلفه حين البيع،أو استحقاقه لغير البائع،أو مخالفاً للوصف بطل لا بيع فيما يقابله من الثمن في الأوّلين،و تخيّر المشتري في الثالث على الظاهر.

و لا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد و الفرس العائر، على الأشهر الأقوى،بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق أيضاً؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المنصوص،فلا يجوز بيعه منفرداً و لا منضماً؛ إلّا أن تكون الضميمة بالذات مقصودة،كما مضي.

و أمّا الضالّ و المجحود من غير إباق فقيل:يصحّ بيعهما و يراعي بإمكان التسليم،فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به،أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم،لزم.و إن تعذّر فسخ المشتري إن شاء،و إن شاء التزم و بقي على ملكه ينتفع به بالعتق و نحو (1).

و يحتمل قوياً وفاقاً للروضة- (2)بطلان البيع؛ لفقد شرط الصحّة، و هو إمكان التسليم المستلزم للغرر و السفاهة عرفاً و عادةً،اللذين هما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله.

نعم،لو حصل العلم أو الظنّ المتاخم له بإمكان التسليم أمكن المصير إلى الأوّل.

الآداب

اشارة

و أمّا الآداب:

المستحب من الآداب

فالمستحب التفقّه فيه و لو بالتقليد للعارف الفقيه فيما يتولّاه بنفسه من التكسّب،ليعرف صحيح العقد من فاسده،و يسلم من الربا.

ص:265


1- قال به صاحب الحدائق 18:437.
2- الروضة 3:251.

و التسوية بين المبتاعين بتقديم الباء المنقطة تحتها نقطة على التاء بالنقطتين الفوقانيّتين،جمع مبتاع،في الإنصاف و حسن المعاملة،فلا يفرق بين المماكس و غيره،و لا بين الشريف و الوضيع.

نعم،لو فاوت بينهم بسبب فضيلة و ديانة فلا بأس،كم ذكره جماعة (1).

قيل:و لكن يكره للآخذ قبول ذلك،و لقد كان السلف يوكّلون في الشراء من لا يعرف،هرباً من ذلك (2).

و الإقالة و فسخ المعاملة لمن استقاله و طلبه إذا كان مؤمناً، مشترياً كان أو بائعاً.

و الشهادتان بالتوحيد و الرسالة و التكبير عند الابتياع أي بعده،قائلاً بعدهما:« اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً،اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقاً» كما في الصحيحين (3)،و فيهما« ثم أعد كلّ واحدة ثلاث مرّات» .و ظاهر الدعاء اختصاص استحبابه للشراء للتجارة لا مطلقاً،و مع ذلك ظاهرهما استحباب التكبير خاصة بهذه الكيفيّة لا مطلقاً،فإلحاق الشهادتين به و الحكم باستحبابهما من دونها كما في العبارة و غيرها لم أقف لهما من الأثر على الأدلة،و لعلّهما للميمنة و البركة و لا بأس بهما؛ للمسامحة في أدلّة السنن و الكراهة،مع انه ورد الأمر

ص:266


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:286،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:119،و صاحب الحدائق 18:23.
2- الروضة 3:286.
3- الأول:الكافي 5:/156 1،التهذيب 7:/9 33،الوسائل 17:410 أبواب آداب التجارة ب 20 ح 1.الثاني:الفقيه 3:545/125،الوسائل 17:411 أبواب آداب التجارة ب 20 ح 1.

بالشهادتين في خبرين،لكن مع دعاءين بعدهما مختلفي الكيفية،إحداهما فيمن دخل سوقاً أو مسجد جماعة (1)،كما في أحدهما،و ثانيتهما فيما إذا جلس التاجر مجلسه،كما في الآخر (2).

و أن يأخذ ناقصاً و يعطي راجحاً نقصاناً و رجحاناً لا يؤدّي إلى الجهالة،بأن يزيد كثيراً بحيث يجهل مقداره تقريباً.

و لو تنازعا في تحصيل الفضيلة قيل:قدّم من بيده الميزان و المكيال؛ لأنّه الفاعل المأمور بذلك زيادة على كونه معطياً و آخذاً (3).

و لا خلاف في شيء من ذلك،و النصوص بالجميع سوى ما تقدّمت إليه الإشارة مستفيضة،منها« الفقه ثم المتجر،و اللّه للربا في هذه الأُمّة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا» (4).

و منها:في المفاوت بين المماكس و غيره بإعطاء الزائد و عدمه:« لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس،فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه و كايسه و يمنعه ممّن لم يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعاً واحداً» (5).

و منها:« أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيع أقاله اللّه تعالى عثرته يوم القيامة» (6).

ص:267


1- الفقيه 3:/124 541،المحاسن:/40 48،الوسائل 17:408 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 3.
2- الكافي 5:/155 1،الفقيه 3:/124 542،الوسائل 17:406 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 1.
3- الروضة 3:291.
4- الكافي 5:/150 1،الفقيه 3:/121 519،التهذيب 7:/6 16،الوسائل 17:381 أبواب التجارة ب 1 ح 1.
5- الكافي 5:/152 10،التهذيب 7:/8 25،الوسائل 17:398 أبواب آداب التجارة ب 11 ح 1.
6- الكافي 5:/153 16،الفقيه 3:/122 526،التهذيب 7:/8 26،الوسائل 17:386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2.

و ليس فيه كالعبارة تقييد الإقالة بصورة الندامة،خلافاً لجماعة، فقيّدوها بها (1)؛ حملاً للإطلاق عليه،لأنّه الغالب في أفراده؛ و التفاتاً إلى ورود القيد في الخبر:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يأذن لحكيم بن حزان في تجارته حتى ضمن له إقالة النادم (2)،الحديث.

و في الموثق المروي عن الخصال:« أربعة ينظر اللّه تعالى إليهم يوم القيامة» و عدّ منهم« من أقال نادماً» (3).

و التحقيق:أنّه ليس فيهما كعبارة هؤلاء الجماعة نفي الاستحباب عمّا عدا محلّ القيد،فالإطلاق أولى،مع ما فيه من قضاء الحاجة،و إدخال المسرّة في قلب الأخ المؤمن،المندوب إليهم مطلقاً في الشريعة.

و منها:« لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان» (4)و الأخبار بمعناه كثيرة (5)،إلّا أنّ غاية ما يستفاد منها استحباب إعطاء الراجح.

و لم أقف على ما يدلّ على الحكم المقابل صريحاً،بل و لا ظاهراً، و إن كان في آية المطفّفين و بعض النصوص نوع اشعار به،ففي الخبر:« من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافياً لم يأخذ إلّا رجحاً،و من أعطى

ص:268


1- منهم:الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):286،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:119،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:19.
2- الكافي 5:/151 4،التهذيب 7:/5 15،الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 1.
3- الخصال:/224 55،الوسائل 17:387 أبواب التجارة ب 3 ح 5.
4- الكافي 5:/159 1،الفقيه 3:/123 535،تهذيب 7:/11 44،الوسائل 17:392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 3.
5- الوسائل 17:392 أبواب آداب التجارة ب 7.

فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلّا ناقصاً (1)فتأمل جدّاً.

المكروه من الآداب

و المكروه أُمور: مدح البائع سلعته و ذمّ المشتري لها و الحلف على البيع و الشراء؛ للمستفيضة منها:« من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال و إلّا فلا يشترِ و لا يبع:الربا،و الحلف،و كتمان العيب،و المدح إذا باع،و الذّم إذا اشترى» (2).

و منها:« ثلاثة لا ينظر اللّه تعالى إليهم:أحدهم رجل اتّخذ اللّه بضاعة،لا يشتري إلّا بيمين،و لا يبيع إلّا بيمين» (3).

و منها:« ويل للتاجر من لا و اللّه و بلى و اللّه» (4).

و موضع الأدب الحلف صادقاً،و أمّا الكاذب فعليه لعنة اللّه تعالى.

و البيع في موضع يستتر فيه العيب و من غير قصد إليه،و إلّا فيحرم؛ للصحيح:« إنّ البيع في الظلال غشّ،و الغشّ لا يحلّ» (5).

و التماس الربح على المؤمن ففي الخبر:« ربح المؤمن على المؤمن حرام (6)،إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت

ص:269


1- الكافي 5:/159 2،الفقيه 3:/123 534،التهذيب 7:/11 46،الوسائل 17:393 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5.
2- الكافي 5:/15 2،الفقيه 3:/120 515،تهذيب 7:/6 18،الخصال:/285 38،الوسائل 17:383 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2.
3- الكافي 5:/162 3،التهذيب 7:/13 56،الوسائل 17:419 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 2.
4- الفقيه 3:371/97،الوسائل 17:420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 5؛ بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:/160 6،الفقيه 3:/172 770،التهذيب 7:/13 54،الوسائل 17:466 أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.
6- في المصادر:ربا.

يومك،أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم» (1).

و ظاهره الحرمة،إلّا أنّ الأصل مع ضعف السند،و عموم أدلّة جواز المرابحة،و خصوص الخبر:« إن ولّيت أخاك أي بعته بالتولية و رأس المال فحسن،و إلّا فبع بيع البصير المداق» (2)أوجب الحمل على الكراهة،مع احتمال الإبقاء على الظاهر و التخصيص من وجه آخر،و هو الحمل على زمان قيام مولانا القائم عليه السلام،كما في الخبر حيث سئل فيه عن تفسيره (3).

قيل:و يستفاد من آخر وروده مورد التقيّة (4)و فيه نظر.

و كيف كان،فلا ريب في الكراهة مسامحة في أدلّتها،سيّما مع فتوى الأصحاب بها كافّة.

إلّا مع الضرورة فيأخذ منهم نفقة يوم له و لعياله موزّعة على المعاملين في ذلك اليوم مع انضباطهم،و إلّا ترك الربح على المعامل بعد تحصيل قوت يومه.

كلّ ذلك مع شرائهم للقوت،أمّا للتجارة فلا كراهة مع الرفق،كما دلّت عليه الرواية.

و التماسه أيضاً على من يعده بالإحسان بأن يقول له:هلمّ

ص:270


1- الكافي 5:/154 22،التهذيب 7:/7 23،الوسائل 17:396 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.
2- الكافي 5:/153 1،التهذيب 7:/7 24،الوسائل 17:397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.
3- التهذيب 7:/178 785،الإستبصار 3:/7 233،الوسائل 17:397،أبواب التجارة ب 10 ح 4.
4- الحدائق 18:26.

أُحسن إليك،فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه.

ففي الخبر:« إذا قال الرجل للرجل:هلمّ أُحسن بيعك،يحرم عليه الربح» (1).

و الجواب عن الحرمة بعين ما مرّ في الرواية السابقة.

و السوم و هو الاشتغال بالتجارة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لنهي النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عن كما في الخبرين (2)،مع أنّه وقت دعاء و مسألة من اللّه سبحانه لا وقت تجارة،و في الخبر:« إنّ الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (3).

و دخول السوق أوّلاً و الخروج آخراً،بل يبادر إلى قضاء حاجته و يخرج منه سريعاً؛ لأنّه مأوى الشياطين،كما أنّ المسجد مأوى الملائكة فيكون على العكس،ففي مرسل الفقيه:« شرّ بقاع الأرض الأسواق،و هي ميدان إبليس،يغدو برايته،و يضع كرسيّه،و يبثّ ذريّته،فبين مطفّف في قفيز،أو طايش في ميزان،أو سارق في ذرع،أو كاذب في سلعة،فيقول:

عليكم برجل مات أبوه و أبوكم حي فلا يزال مع ذلك أوّل داخل و آخر خارج،و خير البقاع المساجد،و أحبّ أهلهم إلى اللّه تعالى أوّلهم دخولاً و آخرهم خروجاً منها» (4).

ص:271


1- الكافي 5:/152 9،الفقيه 3:/173 774،التهذيب 7:/7 21،الوسائل 17:395 أبواب التجارة ب 9 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 5:/152 12،الفقيه 3:/122 529،التهذيب 7:/8 28،الوسائل 17:399 أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2.الثاني:اُنظر سنن ابن ماجه 2:/744 2206.
3- الخصال:616،الوسائل 6:461 أبواب التعقيب ب 18 ح 10.
4- الفقيه 3:/124 539،الوسائل 17:468 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1.

و نحوه المروي عن المجالس بزيادة« و أبغض أهل الأسواق أوّلهم دخولاً إليها و آخرهم خروجاً منها» (1).

و لا فرق في ذلك بين التاجر و غيره،و لا بين أهل السوق عادةً و غيرهم.

و مبايعة الأدنين قيل:و هم الذين يحاسبون على الشيء الدون، أو من لا يسرّه الإحسان و لا تسوؤه الإساءة،أو من لا يبالي بما قال و لا ما قيل له (2).و في الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار (3)،و لكن في تفسير السفلة.

و ذوي العاهات و النقص في أبدانهم،كالجنون و الجذام و البرص و العمى و العرج.

و الأكراد و هم معروفون.

و لا خلاف في الكراهة في شيء من الثلاثة،و النصوص بها مستفيضة،ففي عدّة منها:« لا تخالطوا و لا تعاملوا إلّا من نشأ في الخير» (4).

و في رواية:« إيّاكم و مخالطة السفلة،فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير» (5).

و في عدّة منها أيضاً:« لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شيء» (6).

ص:272


1- مجالس الشيخ:144،الوسائل 17:469 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 2.
2- المسالك 1:176.
3- الفقيه 3:100،ليس فيه التفسير الأوّل.
4- الفقيه 3:/100 388،علل الشرائع:/526 2،الوسائل 17:414 أبواب آداب التجارة ب 21 ح 4،6.
5- الفقيه 3:/100 392،علل الشرائع:/527 1،الوسائل 17:417 أبواب آداب التجارة ب 24 ح 2.
6- الوسائل 17:415 أبواب آداب التجارة ب 22.

و في الخبر:إنّ عندنا قوماً من الأكراد لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم و نبايعهم،فقال:« لا تخالطوهم،فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّه تعالى عنهم الغطاء،فلا تخالطوهم» (1).

و التعرّض ل مباشرة الكيل أو الوزن إذا لم يحسن شيئاً منهما؛ حذراً من الزيادة و النقصان المؤدّيين إلى المحرّم.

و في الروضة:و قيل:يحرم حينئذٍ؛ للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم،و حمل على الكراهة (2).انتهى.

و لم أقف على هذا النهي،نعم في المرسل قلت له:رجل من نيّته الوفاء و هو إذا كان لم يحسن الكيل،قال:« فما يقول الذين حوله؟» قلت:

يقولون:لا يوفي قال:« هذا لا ينبغي له أن يكيل» (3).

و هو مع إرساله و اختصاصه بالكيل غير ظاهر في التحريم،بل مشعر بالكراهة،كما ذكره الجماعة (4).

و الاستحطاط أي طلب الوضيعة من الثمن بعد الصفقة للخبرين،في أحدهما« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن الاستحطاط بعد الصفقة» (5)و في بعض النسخ بدل الصفقة« الضمنة» بالنون،أي لزوم البيع و ضمان كلّ منهما به ما صار إليه.

ص:273


1- الكافي 5:/158 2،التهذيب 7:/11 42،العلل:178،الوسائل 17:416 أبواب آداب التجارة ب 23 ح 1.
2- الروضة 3:294.
3- الكافي 5:/159 4،الفقيه 3:/123 533،التهذيب 7:/12 47،الوسائل 17:394 أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1.
4- في« ح»:جماعة.
5- الكافي 5:1/286،الفقيه 3:641/145،التهذيب 7:1017/333،الإستبصار 3:243/73،الوسائل 17:452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1.

و في الثاني:« الوضيعة بعد الصفقة حرام» (1).

و ظاهرهما التحريم،إلّا أنّ قصور السند مع الأصل،و شهرة الكراهة بل الإجماع عليها،أوجب الحمل على الكراهة،سيّما مع ورود الرخصة به في المستفيضة،منها:الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير أن يحمله على الكره،قال:« لا بأس» (2).

و منها:الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع،قال:« لا بأس» (3)، و نحوهما خبران آخران (4).

لكن الخبرين الأوّلين معتبرا السند؛ لوجود ابن أبي عمير في سند الأوّل،الجابر جهالة الراوي بعده،و وثاقة الرواة في الثاني في التهذيب و إن ضعف في الكافي،إلّا أنّ معارضتهما للمستفيضة المنجبرة بالأصل و الشهرة غير واضحة،سيّما مع اعتبار سند بعضها بوجود صفوان الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة،فمثله يوازي الرواية الأوّلة.

و أما الثانية و إن كانت صحيحة،إلّا أنّ ظاهر سياقها الذي تركناه الحرمة في الوضيعة مطلقاً و لو بدون الاستحطاط،و لم أقف على من قال به حرمة و لا كراهة،فتشذّ الرواية.

ص:274


1- الكافي 5:/286 2،الفقيه 3:646،التهذيب 7:/80 346،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 6.
2- الفقيه 3:/146 645،الوسائل 17:454 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7.
3- التهذيب 7:/333 1018،الإستبصار 3:/73 244،الوسائل 17:453 أبواب التجارة ب 44 ح 3.
4- الأوّل:التهذيب 7:/333 1019،الإستبصار 3:/74 245،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 4.الثاني:التهذيب 7:/38 159،الوسائل 17:453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 5.

و الزيادة في السلعة وقت النداء عليها من الدلاّل،بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد؛ للدلالة على الحرص على الدنيا المرغوب عنه، و للخبر:« إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد،و إنّما يحرّم الزيادة النداء و يحلّها السكوت» (1).

و دخوله في سوم أخيه المؤمن بيعاً أو شراءً،بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه و يبذل زيادة عنه ليقدّمه البائع،أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو و البائع؛ للنهي عنه في خبر المناهي المروي في الفقيه (2).

و هو و إن اقتضى التحريم،إلّا أنّ الأصل مع ضعف السند و شهرة الكراهة أوجب الحمل عليها،سيّما مع تضمّنه كثيراً من النواهي التي هي لها بإجماع الطائفة (3).

فالفتوى بالحرمة كما عن الطوسي و جماعة ضعيفة،و إن أيّدت بأنّ فيه كسر قلب المؤمن،و بأحاديث الحقوق المشهورة (4)؛ للشك في إفادة الأوّل الحرمة في نحو المسألة،و الأحاديث محمولة على الكراهة،و لهذا لم يقولوا بوجوب المساواة في الأموال و الشبع و الجوع.

و ما يقال من أنّ العمل بالأحاديث يلزم إلّا ما خرج بالإجماع،مدفوع باستلزامه خروج الأكثر عن العام،المقتضي لخروجه عن الحجية على

ص:275


1- الكافي 5:/305 8،الفقيه 3:/172 769 بتفاوت يسير،التهذيب 7:/227 994،الوسائل 17:458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 1.
2- الفقيه 4:/2 1،الوسائل 17:458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3.
3- الطوسي في النهاية:374؛ و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):587،و السرائر 2:234،و فقه القرآن 2:45.
4- الوسائل 15:172 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 3.

الأظهر الأشهر بين الطائفة،فلم يبق إلّا حملها على الكراهة.

و إنّما يكره أو يحرم بعد التراضي أو قريبه خاصّة.فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة و لا تحريم؛ للأصل،و عدم صدق الدخول في السوم حينئذٍ عادة،و ادّعى عليه الاتّفاق في المسالك (1).

و لو كان السوم بين اثنين سواء دخل أحدهما على النهي أم لا بأن ابتدءا فيه معاً قبل محلّ النهي لم يجعل نفسه بدلاً عن أحدهما؛ لصدق الدخول في السوم جدّاً.

و لا كراهة فيما يكون في الدلالة؛ لأنّها عرفاً موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها،فإذا حصل الاتفاق بين الدلّال و بين الغريم تعلّقت الكراهة،لأنّه لا يكون حينئذٍ في الدلالة و إن كان بيد الدلاّل.

و لا كراهة في طلب المشتري من بعض الطالبين الترك؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر،أو المتيقن من النصّ و هو الدخول في السوم بغير هذا النحو،إلّا أن يستلزم لجبر الوجه فيكره،لعدم الرضا في نفس الأمر،مع احتمال العدم،للأصل المتقدّم.

و كيف كان،لا كراهة في ترك الملتمس منه قطعاً،بل ربما يستحب؛ لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.

قيل:و يحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه؛ لإعانته له على فعل المكروه (2).

و فيه نظر؛ إذا لا دليل على الكلّية بعد تسليم موضوعها،و إنّما هو لو تمّ في الأمر المحرّم خاصّة،مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك و قد حصل

ص:276


1- المسالك 1:176.
2- الروضة 3:296.

من الطالب من دون توقف على إعانة الملتمس،فليس في إجابته له إعانة على الكراهة،فتأمل.

و أن يتوكّل في بيع المال حاضر لباد و هو الغريب الجالب للبلد و إن كان قروياً؛ للنصوص منها:« لا يبيع حاضر لباد،و المسلمون يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» (1)و في بعض النسخ:« ذروا المسلمين يرزق اللّه تعالى» (2).و نحوه المروي عن مجالس الشيخ (3).

و سئل عن تفسيره في بعضها فقال:« إنّ الفواكه و جميع أصناف الغلّات إذا حملت من القرى فلا يجوز أن يبيع لهم أهل السوق من الناس، ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى و السواد» .و ظاهره الاختصاص بالنوعين،لا كلّ ما يجلب كما هو ظاهر الأصحاب،و لذا اقتصر عليهما بعض المتأخّرين (4).و العموم أولى،تبعاً لهم؛ التفاتاً إلى عموم التعليل،و حملاً للمفسّر على الغالب.

و منه مضافاً الى التعليل يظهر الوجه في تعميم البادي للقروي.

و ظاهر النهي التحريم، و لذا قيل:يحرم كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الوسيلة (5)،إلّا أنّ الأصل مع ضعف الأسانيد أوجب المصير إلى الأوّل،وفاقاً للأكثر.

و في الصحيح:قلت له:الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم

ص:277


1- الكافي 5:/168 1،التهذيب 7:/158 697،الوسائل 17:444 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 1.
2- الفقيه 3:/174 778.
3- مجالس الشيخ:409،الوسائل 17:445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 3.
4- مفاتيح الشرائع 3:19.
5- الخلاف 3:172،المبسوط 2:160،السرائر 3:236،الوسيلة:260.

بالأجر،فيقولون له:أقرضنا دنانير إلى أن قال-:« لا بأس به» الحديث (1).

و فيه نوع تأييد للجواز،مع إمكانه بعموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس (2).

و ذكر للحكم كراهةً أو تحريماً شروط خمسة لا دليل على شيء منها سوى علم الحضري بالنهي؛ لإناطة التكليف على الإطلاق به.و جهل الغريب بسعر البلد،فلو علم لم يكره؛ لإشعار التعليل باشتراطه.

و لو باع مع النهي انعقد و إن قلنا باقتضائه الفساد على الإطلاق؛ لتعلّقه هنا بالخارج.

قيل:و لا بأس بشراء البلدي له (3)؛ للأصل،و اختصاص النصوص بالبيع.

و يضعّفان بعموم التعليل:« ذروا الناس يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» إلّا أنّي لم أقف على قائل به،فالتخصيص بالبيع أولى،و إن كانت الكراهة محتملة؛ لما مضى،للتسامح و الاكتفاء فيها بمثله جدّاً.

ثم إنّ المحرمين اختلفوا في إطلاق التحريم تبعاً لإطلاق النص كما في الأوّل،أو تقييده بما يضطرّ إليه كما في الثاني،أو بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه،أو أكرهه على البيع بغلبة الرأي كما في الثالث،أو بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر كما في الرابع.و لا دليل على شيء من ذلك.

ص:278


1- التهذيب 7:/157 695،الوسائل 18:356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 10.
2- الوسائل 18:74 أبواب أحكام العقود ب 20.
3- الروضة 3:297.

و تلّقي الركبان القاصدين إلى بلد البيع و الخروج إليهم للبيع عليهم و الشراء منهم؛ للمعتبرة،ففي الخبر:« لا تلقّ و لا تشتر ما تلقّى و لا تأكل منه» (1).

و في آخر:« لا تلقّ،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)نهى عن التلقّي» قلت و ما حدّ التلقّي؟قال:« ما دون غدوة أو روحة» قلت:و كم الغدوة و الروحة؟ قال:« أربعة فراسخ» (2).

و ظاهر النهي التحريم،و به قال الطوسي في المبسوط و الخلاف، و القاضي،و الحلّي في السرائر و العلّامة في المنتهى،و المحقق الشيخ علي (3)و هو ظاهر الدروس و غيره (4)؛ لاعتبار سند الخبرين بوجود ابن محبوب في الأوّل و ابن أبي عمير في الثاني،مع صحة السند إليهما،و هما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.

خلافاً لأكثر من تأخّر،فالكراهة (5)؛ للأصل و ضعف السند.

و يضعّفان بما مرّ.

فإذاً القول بالتحريم أظهر،سيّما مع اعتضاد الخبرين بوجه آخر،و هو

ص:279


1- الكافي 5:/168 2،التهذيب 7:/158 696،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.
2- الكافي 5:/169 4،التهذيب /158 669،الوسائل 17:442 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 1.
3- المبسوط 2:160،الخلاف 3:172،القاضي نقله عنه في المختلف:346،السرائر 2:238،المنتهى 2:1005،المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 4:38.
4- الدروس 3:179؛ و انظر الجامع للشرائع:257.
5- كالعلامة في التذكرة 1:585،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:39،و الشهيد الثاني في الروضة 3:297.

عمل الحلّي بهما مع اقتصاره في العمل بأخبار الآحاد على ما احتفّ منها بالقرائن القطعية جدّاً،مع دعوى الشيخ عليه الإجماع في الخلاف (1).

و حدّه عند الأصحاب بلا خلاف كما عن الخلاف و المنتهى (2) أربعة فراسخ فما دون.

و لكن النص المتقدّم لا يساعده؛ لظهوره في التحديد بما دونها،كما عن ابن حمزة (3).و لعلّ التحديد إليها في كلامهم بناءً على عدم انضباط الدون مع معارضة هذا النصّ بنصّ آخر مصرّح بالتحديد بالروحة (4)المفسّرة في النص المتقدّم بالأربعة فراسخ.و ليس في سنده سوى منهال القصّاب المنجبر جهالته بوجود ابن محبوب المتقدّم في سنده.و هذا أرحج و إن ماثله الأوّل في السند؛ لفتوى الأصحاب به دونه.

و كيف كان،فلا يكره ما زاد؛ لأنّه سفر للتجارة.

ثم إنّ مقتضى الأصل و اختصاص النص بحكم التبادر بصورتي القصد إلى الخروج و جهل الركب القادم بسعر المتاع في البلد:تخصيص الحكم تحريماً أو كراهة بهما.فلو اتّفق مصادفته الركب في خروجه لغرض لم يكن به بأس،و كذا لو خرج قاصداً مع الندامة و الرجوع عنه بعد الخروج على احتمال قوي.

و كذا لو علم الركب بالسعر لم يكره؛ لما مرّ.مضافاً إلى إشعار التعليل

ص:280


1- الخلاف 3:173.
2- الخلاف 3:172،المنتهى 2:1006.
3- الوسيلة:26.
4- الكافي 5:/168 3،التهذيب 7:/158 698،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 4.

به في الخبر:« لا يتلقى أحدكم تجارة خارجاً عن المصر،و المسلمون يرزق اللّه تعالى بعضهم من بعض» (1).

و منه يستفاد انتفاء الحكم في الشراء أو البيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد؛ لعدم صدق الخروج عن المصر حينئذٍ إلّا أنّ عموم التعليل فيه ربما يدل على المنع فيه أيضاً.

و على القولين يصحّ البيع؛ لتعلّق النهي بالخارج،إلّا أنّ النهي عن أكل ما تلقّى و شرائه في الخبر الأوّل ربّما أشعر بالفساد،كما عن الإسكافي (2).

و على الصحة يثبت الخيار للركب إن ثبت الغبن الفاحش على الأشهر الأظهر؛ إذا لا ضرر و لا ضرار في الشرع.

و هل هو على التراخي أم الفور؟قولان،و الاستصحاب يقتضي المصير إلى الأوّل،كما عن التحرير وفاقاً للطوسي (3)،إلّا أنّه قيّده بثلاثة أيّام،كما عن التحرير (4)أيضاً.

خلافاً للأكثر فالثاني،اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم البيع على أقلّ ما يندفع به الضرر الموجب لهذا الخيار من أصله.

و الزيادة في السلعة مواطاةً للبائع يعني لا يقدم على شيء لا يريده بما فوق ثمنه ترغيباً للمشتري؛ للمروي عن معاني الأخبار:« قال:

لا تناجشوا و لا تدابروا» قال:و معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد

ص:281


1- الكافي 5:/168 1،التهذيب 7:/158 697،الوسائل 17:443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 5.
2- على ما نقله عنه في المختلف:346.
3- التحرير 1:160،الطوسي في المبسوط 2:160.
4- التحرير 1:160،166.

شراء ليسمعه غيره فيزيد بزيادته،و الناجش خائن،و التدابر الهجران (1).

و الأصح التحريم وفاقاً للأكثر،كما حكي (2)،بل نفي عنه في المهذّب الخلاف (3)،و عن المنتهى و المحقق الثاني الإجماع عليه (4)و هو الحجة.

مضافاً إلى أنّه غشّ و هو المسمى النجش و لا يبطل به البيع و إن تخيّر المشتري مع الغبن،لنفي الضرر،وفاقاً للأكثر في الأول،بل نفي عنه الخلاف في الخلاف (5)،و للفاضل و غيره (6)في الثاني.خلافاً للإسكافي في الأوّل،فأبطله إن كان من فعل البائع (7).

و للخلاف في الثاني،ففي الخيار على الإطلاق؛ للأصل،و انحصار العيب الموجب له فيما كان في المبيع خاصّة (8)و يضعّفان بما مرّ.

و للقاضي،فأثبت الخيار مطلقاً؛ للتدليس (9)و ليس بشيء.

و الاحتكار و هو افتعال من الحُكرة بالضم و هو حبس الطعام،كما عن الجوهري (10)،أو مطلق الأقوات يتربّص به الغلاء؛ للنهي عنه في المستفيضة،منها الصحيح:« إياك أن تحتكر» (11).

ص:282


1- معاني الأخبار:284،الوسائل 17:459 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.
2- انظر المسالك 1:177،و مفاتيح الشرائع 3:19،و الحدائق 18:46.
3- المهذّب البارع 2:366.
4- المنتهى 2:1004،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:39.
5- الخلاف 3:171.
6- الفاضل في التحرير 1:159؛ و انظر المسالك 1:177.
7- حكاه عنه في المختلف:346.
8- الخلاف 3:171.
9- حكاه عنه في المختلف:346.
10- الصحاح 2:635.
11- الكافي 5:/165 4،الفقيه 3:/169 747،التهذيب 7:/160 707،الإستبصار 3:/115 410،الوسائل 17:428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 3.

و المعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ اشتراك راويه (1)بين الثقة و الضعيف،و على تقدير تعيّنه فقد ادّعى الطوسي الإجماع على قبول روايته (2)و لذا عد:موثّقاً،و ربما قيل بوثاقته (3)و فيه:« لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ» (4).

و لذا قيل يحرم كما عن المقنع و القاضي و الحلّي و أحد قولي الحلبي و المنتهى (5)،و به قال في المسالك و الروضة (6).

و لا يخلو عن قوّة،سيّما بملاحظة عمل الحلّي،و الأخبار الأُخر الصريحة في الحرمة،منها:« الجالب مرزوق،و المحتكر ملعون» (7).

و نحوه في لعنة غيره (8).

و منها الخبران المروي أحدهما عن المجالس:« أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع» (9).

ص:283


1- و هو إسماعيل بن أبي زياد.
2- عدّة الأُصول 1:380.
3- نقله الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل 30:318 عن المحقق في المسائل العزّية.
4- التهذيب 7:/159 701،الإستبصار 3:/114 403،الوسائل 7:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 12.
5- المقنع:125،القاضي في المهذّب 1:346،الحلي في السرائر 2:238،الحلبي في الكافي في الفقه:360،المنتهى 2:1006.
6- المسالك 1:177،الروضة 3:298.
7- الكافي 5:/165 6،الفقيه 3:/169 751،التهذيب 7:/159 702،الإستبصار 3:/114 404،الوسائل 17:424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 3.
8- الكافي 5:/165 7،الفقيه 3:/169 753،التهذيب 7:/159 703،الإستبصار 3:/114 405،الوسائل 17:423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.
9- المجالس:687،الوسائل 17:425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6.

و ثانيهما عن قرب الإسناد:« إنّ علياً(عليه السّلام)كان ينهى عن الحكرة في الأمصار و قال:ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن» (1).

و نحوهما في المنع خاصّة المروي عن نهج البلاغة عنه(عليه السّلام) (2).

و عن كتاب ورام بن أبي فراس عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عن جبرئيل(عليه السّلام)قال:

« اطّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي،فقلت:يا مالك لمن هذا؟ قال:لثلاثة:المحتكرين،و المدمنين للخمر،و القوّادين» (3).

مضافاً إلى التأيّد باستلزامه الضرر على المسلمين المنفي،و بإجبار المحتكر على البيع بالإجماع كما يأتي (4).

خلافاً للشيخين (5)،فيكره،و تبعهما المصنف و الفاضل في قوله الآخر (6)؛ للأصل،و عموم السلطنة على المال،و قصور الروايات الأخيرة سنداً و الأوّلة دلالة.أمّا الصحيح فلاحتمال اختصاص المنع بالمخاطب، و أمّا تاليه فلعدم معلوميّة استلزام الخطأ التحريم.

مضافاً إلى إشعار بعض الصحاح بالجواز على كراهية،و فيه:عن الرجل يحتكر الطعام و يتربّص به هل يجوز ذلك؟فقال:« إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس،و إن كان قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن

ص:284


1- قرب الإسناد:/135 472،الوسائل 17:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7.
2- نهج البلاغة 3:110،الوسائل 17:427 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 13.
3- انظر الوسائل 17:426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 11.
4- في ص:382.
5- المفيد في المقنعة:616،الطوسي في المبسوط 2:195.
6- المختلف:345.

يحتكر و يترك الناس ليس لهم طعام» (1).

و وجه الإشعار واضح إن قلنا بثبوت كون الكراهة حقيقة في المعنى المصطلح في ذلك الزمان،و كذا إن قلنا بالعدم و كونها فيه منه و من التحريم أعمّ،بناءً على وجود القرينة بإرادة الأوّل من حيث العدول عن« لا يجوز» الذي سل عنه الراوي إلى« يكره» .و المسألة محلّ تردّد.

و إنّما يكون الاحتكار الممنوع منه في خمسة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن على الأشهر؛ للموثق (2)،و نحوه الخبر الذي عن قرب الإسناد مرّ (3).

خلافاً للصدوق في المقنع و الخصال (4)،فزاد الزيت؛ لما رواه في الأخير عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:« الحكرة في ستّة أشياء» و عدّ الخمسة المتقدّمة معه.

و لا يخلو عن قوة،لا للرواية،لقصور السند،بل للموثّق المتقدّم، فإنّه كالرواية في الفقيه مروي (5)،مضافاً إلى مفهوم الصحيح:عن الزيت فقال:« إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» (6).

ص:285


1- الكافي 5:/165 5،التهذيب 7:/160 708،الإستبصار 3:/115 411،الوسائل 17:424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.
2- الكافي 5:/164 1،الفقيه 3:/168 744،التهذيب 7:/159 704،الإستبصار 3:/114 406،الوسائل 17:425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 4.
3- راجع ص:284.
4- المقنع:125،الخصال:329.
5- انظر الفقيه 3:/168 744.
6- الكافي 5:/164 3،التهذيب 7:/160 706،الإستبصار 3:/115 409،الوسائل 17:428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 2.

و قيل: كما عن المبسوط و ابن حمزة (1)،إنّه يكون في الملح أيضاً،و قوّاه في المسالك (2)،و أفتى به صريحاً في الروضة تبعاً للّمعة و القواعد (3).

و لعلّه لفحوى الأخبار المتقدّمة،لأنّ احتياج الناس إليه أشدّ،مع توقّف أغلب المآكل عليه.

و فيه مناقشة،مع استلزامه الزيادة على السبعة،فإنّ الأشياء المحتاج إليها الناس فيها غير منحصرة.و لكن لا بأس به على القول بالكراهة.

و إنّما يتحقق الكراهة إذا اشتراه و استبقاه لزيادة الثمن مع فقده في البلد و احتياج الناس إليه و لم يوجد بائع و لا باذل مطلقاً غيره فلو لم يشتره بل كان من غلّته لم يكره،كما عن العلّامة (4)؛ للصحيح:« الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره» (5).و نحوه الخبر المتقدّم عن المجالس (6).

لكنّه ضعيف السند،و مع ذلك الشرط فيه كالأوّل يحتمل الورود مورد الغالب:فالتعميم أجود،وفاقاً للمسالك (7)؛ عملاً بالإطلاق،و التفاتاً إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدّم« يكره أن يحتكر و يترك الناس ليس

ص:286


1- قال به في الحدائق 18:62،و هو في المبسوط 2:195،و الموسيلة:260.
2- المسالك 1:177.
3- اللمعة(الروضة البهية)3:299،القواعد 1:122.
4- المنتهى 2:1007.
5- الكافي 5:/164 3،الفقيه 3:/168 746،التهذيب 7:/160 706،الإستبصار 3:/115 409،الوسائل 17:427 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1.
6- في ص:3821.
7- المسالك 1:177.

لهم طعام» .و منه و من الصحيح هنا يظهر وجه التقييد بالفقد و عدم وجود الباذل.

و أمّا اشتراط استبقائه لزيادة الثمن فواضح إن أُريد نفي الحكرة إن استبقاه للقوت،و محل إشكال إن أُريد الظاهر و الإطلاق و لو لغير القوت.بل المنع فيه مع عدم احتياجه إليه محتمل؛ للإطلاقات،و إشعار التعليل المتقدّم به.

ثم إنّه ليس له حدّ و غاية غير ما قدّمناه من احتياج الناس إليه و عدم باذل لهم،و حيثما حصل ثبت الحكرة من دون اشتراط زمان آخر و مدّة، كما في الصحيحين،وفاقاً للمفيد و الفاضلين و جماعة (1)،بل ادّعي عليه الشهرة (2).

و قيل كما عن الطوسي و القاضي خاصّة (3):و يشترط زيادةً على ما مرّ من الشرائط إن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوماً و في الغلاء ثلاثة أيّام،فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين؛ لرواية ضعيفة (4)و عن المقاومة لما مرّ و تقييده قاصرة.

و يُجبر المحتكر على البيع مع الحاجة إجماعاً،كما في المهذب و التنقيح و كلام جماعة (5)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين،في أحدهما

ص:287


1- المفيد في المقنعة:616،المحقق في الشرائع 2:21،العلّامة في التحرير 1:160؛ و انظر التنقيح الرائع 2:42،و الروضة البهية 3:299.
2- كما في الحدائق 18:63.
3- نقله عنهما الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3:17.
4- الكافي 5:/165 7،الفقيه 3:/169 753،التهذيب 7:/159 703،الإستبصار 3:/114 405،الوسائل 17:423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.
5- المهذب البارع 2:370،و التنقيح 2:42؛ و انظر السرائر 2:239،و الحدائق 18:46.

أنّه(صلّى اللّه عليه و آله)بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج في بطون الأسواق و حيث ينطلق الناس إليها» (1).

و هل يسعّر الحاكم السعر عليه حينئذٍ؟ الأصحّ الأشهر لا مطلقاً،وفاقاً للطوسي و القاضي و الحلّي و الشهيد الثاني (2)؛ للأصل، و عموم السلطنة في المال،و خصوص الخبر:« لو قوّمتَ عليهم،فغضب(صلّى اللّه عليه و آله) حتى عرف الغضب في وجهه،فقال:أنا أُقوّم عليهم؟!إنّما السعر إلى اللّه تعالى،يرفعه إذا شاء و يضعه إذا شاء» (3).

خلافاً للمفيد و الديلمي (4)،فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة؛ لانتفاء فائدة الإجبار لا معه،لجواز الإجحاف في القيمة.

و فيه:منع انحصار الفائدة فيما ذكره،مع اندفاع الإجحاف بما يأتي.

و لابن حمزة و الفاضل و اللمعة (5)،فالتفصيل بين إجحاف المالك فالثاني،و عدمه فالأوّل؛ تحصيلاً لفائدة الإجبار،و دفعاً لضرر الإجحاف.

و فيهما نظر،فقد يحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف،و هو و إن كان في معنى التسعير إلّا أنّه لا يُحصَر في قدر خاصّ.

ص:288


1- الفقيه 3:/168 745،التهذيب 7:/161 713،الإستبصار 3:/114 408،الوسائل 17:403 أبواب آداب التجارة ب 30 ح 1.بتفاوت يسير.الخبر الثاني:الكافي 5:/164 2،التهذيب 7:/159 705،الإستبصار 3:/114 407،الوسائل 17:429 أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.
2- الطوسي في المبسوط 2:195،القاضي حكاه عنه في المختلف:346،الحلي في السرائر 2:239،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:299.
3- تقدّم مصدره في الهامش(6).
4- المفيد في المقنعة:616،الديلمي في المراسم:182.
5- ابن حمزة في الوسيلة:260،الفاضل في المختلف:346،اللمعة(الروضة البهية 3):299.

الفصل الثالث في الخيار

اشارة

الفصل الثالث في الخيار هو و الخبرة بمعنى المشيّة في ترجيح أحد الطرفين الجائزين،و شرعاً عبارة عن ملك إقرار العقد و إزالته بعد وقوع مدّة معلومة.

و النظر في أقسامه و أحكامه

أقسام الخيار

اشارة

و أقسامه على ما في الكتاب سبعة و في بعض العبارات خمسة (1)،و في آخر ثمانية (2)،و أنهاها في اللمعة أربعة عشر (3).

الأوّل خيار المجلس

الأوّل: خيار المجلس إضافة إلى الموضع مع كونه غير معتبر في ثبوته بالإجماع و إنّما المعتبر عدم التفرّق بالأبدان إمّا تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة،أو حقيقة عرفية.

و هو ثابت بعد العقد للمتبايعين أي طرفيه مطلقاً،كان العقد لهما أو لغيرهما أو على التفريق،على بعض الوجوه في الأخيرين، بالإجماع القطعي،و المستفيض الحكاية في كلام جماعة (4)؛ لقوله(صلّى اللّه عليه و آله):

« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (5)المستفيض النقل في الصحاح و غيرها من

ص:289


1- الشرائع 2:21.
2- الكفاية:91،انظر الحدائق 19:3.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):447.
4- منهم:الشيخ في الخلاف 3:8،و العلّامة في التذكرة 1:515،و صاحب الحدائق 19:5.
5- الوسائل 18:5 أبواب الخيار ب 1،عوالي اللئلئ 1:/133 21،و انظر مسند أحمد 2:9،73 و فيه بتفاوت يسير،و كذا في سنن ابن ماجة 2:/736 2182،2183.

المعتبرة الخاصيّة و العاميّة.

و ما في شواذّ أخبارنا مما دلّ على اللزوم على الإطلاق بعد الصفقة (1)و إن كان معتبر السند بالموثّقية مطروح،أو محمول على التقيّة عن رأي أبي حنيفة (2)،فإنّه القائل بمضمونه،و الرادّ بقوله هذا لقول سيّد البرية باعترافه و فتواه المنحوسة،و هو أحد مطاعنه المشهورة.

و بما ذكر من الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب و السنة في لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة،فلا شبهة في المسألة.

فلهما الخيار في كل بيع ما لم يشترطا فيه أي في العقد سقوطه فلو اشترطاه أو أحدهما سقط بحسب الشرط،بلا خلاف يعرف،كما في كلام جماعة (3)،بل عليه الإجماع في الغنية (4)؛و هو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة،مع أنّ شمولها لمحلّ الفرض محلّ مناقشة،بل ظاهرها بحكم التبادر الاختصاص بغيره.

و ما ربما يتوهّم من مخالفة هذا الشرط لمقتضى العقد بناءً على اقتضائه ثبوت الخيار على الإطلاق فيفسد مدفوع أولاً:بعدم تسليم الاقتضاء في المقام،و ثانياً:باستلزامه عدم صحة شيء من الشروط في العقود،لأنّ مقتضاها لزوم الوفاء بها مطلقاً،فتخصيصها بالشروط مخالَفَة لمقتضاها.

ص:290


1- التهذيب 7:/20 87،الإستبصار 3:/73 242،الوسائل 18:7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 4:69،المجموع 9:184.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:448،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:386،و صاحب الحدائق 19:7.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

فالتحقيق أنّ ثبوت الخيار مقتضى العقد المطلق لا المشروط بإسقاطه،فإنّ مقتضاه حينئذٍ السقوط،فيلزم؛ لأنّ الشرط على هذا جزء من العقد.

ثم ظاهر العبارة و غيرها اختصاص الشرط المسقط بالمذكور في متن العقد،فلو اشترط قبله لم يلزم؛ و لعلّه لإطلاق النصّ المثبت للخيار، و النصوص المستفيضة الواردة في النكاح،الدالّة على هدمه الشروط قبله (1)،الشاملة للمقام عموماً أو فحوًى.و لا يخلو عن قوة إلّا إذا أوقعا العقد على الشرط المتقدّم؛ فإنّه حينئذٍ كالجزء.

خلافاً للشيخ،فأسقط به الخيار على الإطلاق (2).و هو غير بعيد لولا نصوص النكاح؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد،و اختصاص النصّ المثبت للخيار بحكم التبادر بغير محلّ الفرض.

و نحو الاشتراط في إسقاط الخيار عند الأصحاب أمران،أحدهما إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بقولهما:أسقطنا الخيار،أو أوجبنا البيع،أو اخترناه،أو ما أدّى ذلك،إجماعاً،كما في الغنية و عن التذكرة (3)؛ و هو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة المثبتة للخيار في المسألة.

مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة الواردة في خيار الحيوان،و فيه:

« فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له» (4).

ص:291


1- انظر الوسائل 21:275 أبواب المهور ب 20.
2- كما في الخلاف 3:22.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:517.
4- الكافي 5:/169 2،التهذيب 7:/24 102،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

و منه يظهر الوجه فيما ذكروه من المسقط الثاني،و هو التصرف.و لا ريب فيه إن تحقّق من كلّ من المتبايعين في مال الآخر،كما يستفاد من مفهوم الخبر بل منطوقه.

و أمّا السقوط بتصرّف كلّ في ماله كما ذكروه فوجهه بعد لم يظهر، سوى ما قيل من دلالته على الفسخ (1).

و لا ريب فيه إن تمّت الدلالة و لو بمعونة قرينة،و إلّا فهو محلّ مناقشة؛ لمنع الدلالة مع أعمّية التصرّف من الفسخ و غيره،فيحتمل السهو و الغفلة،فإن تمّ إجماع على الإطلاق،و إلّا فالمسألة محلّ ريبة،لأصالة بقاء صحّة المعاملة و لزومها و الخيار فيها بالضرورة.

و جملة ما ذكر من المسقطات ثلاثة،و مع عدم شيء منها يثبت الخيار ما لم يفترقا بأبدانهما،فلو افترقا أو أحدهما عن صاحبه و لو بخطوة لزم البيع بلا خلاف،كما يستفاد من المعتبرة،منها الصحيح قال:سمعت أبا جعفر(عليه السّلام)يقول:« بايعت رجلاً،فلمّا بعته قمت فمشيت خُطىً،ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا» (2)و نحوه غيره (3).

و لولاها لا شكل إثبات اللزوم و سقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم الأخبار المتقدّمة؛ لاختصاصها بحكم التبادر بالافتراق المعتدّ به،الغير الصادق على الافتراق بنحو الخطوة عرفاً و عادةً.

ثم إنّ ظاهر العبارة كالجماعة و نصوص المسألة اعتبار المباشرة و ارتفاع الكراهة في الفرقة و عدم اختيار الفسخ،فلو أُكرها أو أحدهما عليها

ص:292


1- الحدائق 19:19.
2- الكافي 5:/171 8،الوسائل 18:8 أبواب الخيار ب 2 ح 3.
3- الفقيه 3:/127 557،التهذيب 7:/20 84،الإستبصار 3:/72 239،الوسائل 18:8 أبواب الخيار ب 2 ح 2.

لم يسقط مع منعهما من التخاير،فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال،و لو لم يمنعا من التخاير لزم العقد.

و اعلم أنّه لو التزم بالعقد أحدهما بموجب الالتزام كائناً ما كان من الثلاثة سقط خياره خاصّة؛ إذ لا ارتباط لحقّ أحدهما بالآخر.و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر قدّم الفاسخ و إن كان فسخه عن الإجازة تأخّر؛ لأنّ إثبات الخيار إنّما قُصِد به التمكّن من الفسخ دون الإجازة؛ لأنّها ثابتة بالأصالة،فإنّ العقد اقتضى الوقوع و الأصل بقاؤه إلى تحقق الرافع، فالحاصل في العقد عين ما تضمّنته الإجازة.

و منه يظهر الوجه في تعميم ذلك في كلّ خيار مشترك.

و لو خيّره فسكت بقي خيار الساكت إجماعاً؛ إذ لم يحصل منه ما يدلّ على إسقاطه.و كذا الخيِّر على الأصحّ الأشهر؛ للأصل،و الإطلاق، و انتفاء المانع،لأعمّية التخيير من الإسقاط.

خلافاً للشيخ (1)،فأسقطه؛ للخبر:« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا،أو يقل أحدهما لصاحبه:اختر» (2).

و ظاهر الجماعة كونه من طريق العامة فليس فيه حجّة،سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

الثاني خيار الحيوان

الثاني: خيار الحيوان،و هو ثلاثة أيّام مطلقاً رقيقاً كان أو غيره، مبدؤها من حين العقد للمشتري خاصّة دون البائع على الأصح الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (3)،و عليه عامة من تأخّر،وفاقاً

ص:293


1- كما في الخلاف 3:21.
2- درر اللئلئ 1:336،المستدرك 13:299 أبواب الخيار ب 2 ح 3.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

للإسكافي و الصدوق و الشيخين و الديلمي و القاضي و الحلي (1)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل و عمومات الكتاب و السنّة الدالّة على لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة على المجمع عليه بين الطائفة،و هو في المشتري خاصّة،كما حكاه جماعة (2).

و التفاتاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و هي ما بين ظاهره في النفي عن البائع و صريحه،فمن الأوّل الصحاح و غيرها:« الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري» (3)لظهور اللام في الاختصاص،مع كون مثل هذا المفهوم للقيد.

أ لا ترى إلى الصحيح:قلت له:ما الشرط في الحيوان؟فقال:« ثلاثة أيّام للمشتري» قلت:و ما الشرط في غير الحيوان؟قال:« البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (4).

فإنّه كالنص في الاختصاص،و إلّا لاتّجه للراوي سؤال الفرق بين الشرطين المخصّص كلّ منهما فيه بكلّ من الشقّين،و أخبارهم(عليهم السّلام) يكشف بعضها عن بعض.

و نحو هذه النصوص في الظهور الصحيحان:« البيّعان بالخيار حتى

ص:294


1- نقله عن الإسكافي في المختلف:350،الصدوق في المقنع:122،المفيد في المقنعة:599،الطوسي في المبسوط 2:78،الديلمي في المراسم:173،القاضي في المهذب 1:353،الحلي في السرائر 2:241.
2- منهم:ابن إدريس في السرائر 2:244،و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:457،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:44.
3- الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3.
4- الكافي 5:/170 6،التهذيب 7:/20 85،الإستبصار 3:/72 240،الوسائل 18:11 أبواب الخيار ب 3 ح 5.

يفترقا،و صاحب الحيوان ثلاثة أيام» (1)و هما بحسب السياق ظاهران في حصر خيار الحيوان في أحدهما،و هو مخالف للإجماع إن أُريد به البائع، لعدم الانحصار فيه،فتعيّن مَن هو الصاحب الآن أي بعد العقد و هو المشتري،مضافاً إلى تقييده به في الموثق كالصحيح:« صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام» (2).

و قريب منها في ذلك كثير من النصوص،منها الصحيح:على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟قال:« على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري» (3).

و المرسل كالصحيح:« إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع» (4)بناءً على أنّ التلف إنّما هو ممّن لا خيار له،فتأمّل.

و من الثاني:الصحيح المروي في قرب الإسناد عن رجل اشترى جارية لمن الخيار،للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما؟فقال:« الخيار لمن اشترى نظره ثلاثة أيام،فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» (5).

خلافاً للمرتضى (6)خاصّة،فأثبته للبائع أيضاً؛ للصحيح:« المتبايعان

ص:295


1- الأول 5:/170 5،الوسائل 18:5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.الثاني:5:/170 4،التهذيب 7:/24 100،الوسائل 18:11 أبواب الخيار ب 3 ح 6.
2- التهذيب 7:/67 287،الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3 ح 2.
3- الكافي 5:/169 3،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2.
4- الفقيه 3:/127 555،التهذيب 7:/67 288،الوسائل 18:15 أبواب الخيار ب 5 ح 5.
5- قرب الإسناد:/167 611،الوسائل 18:12 أبواب الخيار ب 3 ح 9.
6- انظر الانتصار:210.

بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان،و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (1).

و هو لقصوره عدداً و اشتهاراً لا يقاوم ما مرّ جدّاً؛ لصحتها، و استفاضتها،و وضوح دلالتها ظهوراً في بعض و صراحةً في آخر،مع اشتهار العمل بها بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون العمل به الآن مجمعاً عليه بيننا،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (2).

و العجب منه-(رضى اللّه عنه) الركون إلى العمل به مع أنّه من الآحاد الغير المعمول بها عنده،بل و عندنا أيضاً؛ لما مضى.فيحتمل ككلامه الحمل على أنّ الخيار للمشتري و على البائع،فهو بالنسبة إليهما مدّة ثلاثة أيّام،أو على أنّ الخيار للمجموع من حيث المجموع فلا يدلّ على ثبوته في الأفراد،أو على ما لو باع حيواناً بحيوان.

و هذه الوجوه و إن بَعُدت،إلّا أنّها للجمع بين النصوص و الفتاوى قد حسنت.

و ظاهر الوجه الأخير الموافقة للمرتضى فيما إذا كان كلّ من العوضين حيواناً،و به صرّح جماعة (3)؛ جمعاً بين النصوص المختلفة،و التفاتاً إلى اتّحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشتري خاصّة،و هو خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذا الخيار.

و فيه إشكال،فإنّ الجمع على تقدير تكافؤ المتعارضين المفقود في البين لا حجّة فيه بمجرّده إن لم يقم شاهد منهما أو من الخارج على

ص:296


1- التهذيب 7:/23 99،الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.
2- راجع ص 2831.
3- منهم:العلّامة في التذكرة 1:519،و الشهيد الثاني في المسالك 1:178،و المحقّق الأردبيلي 8:395.

صحّته،كما فيما نحن فيه.

و الحكمة مستنبطة،فيشكل التعلّق بها و إن حصل الظنّ القويّ غاية القوّة بصحّتها،لإطلاق المنع عن العمل بها في شريعتنا.

نعم،إذا كانت منصوصة أو معلومة علماً قطعيّاً لا يختلجه شائبة شكّ و ريبة كانت حجة،و ليست في المقام إحداهما بالضرورة.

نعم،يمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحين المثبتين للخيار ثلاثة أيّام لصاحب الحيوان (1)،بناءً على أنّ المراد به من انتقل إليه لا صاحبه الأصلي،فيشمل المقام و عكس الأوّل كما إذا باع الدراهم مثلاً بالحيوان.

و هو غير بعيد،إلّا أنّ تقييده بالمشتري في الموثّق المتقدّم (2)كإطلاق النصوص باختصاص الخيار بالمشتري له يوهن الإطلاق.

و الذبّ عنه باحتمال ورود القيد و الإطلاق مورد الغالب مشترك الورود،فإنّ الغالب في صاحب الحيوان هو المشتري له خاصّة،إلّا أن عمومه اللغوي من حيث الإضافة مع عدم سبق معهود مع اعتضاده بالحكمة العامة المشار إليها ينافي الحمل على الغالب،فلا يخلو القول بذلك عن قوّة،و إن كان بعدُ في قالب الشبهة من حيث إمكان دعوى سبق المعهود الخارجي و هو الغالب،فلا يفيد الإضافة العموم اللغوي،مع اختصاصه بإضافة المصدر لا مطلق المضاف.

و الحكمة يرد على التمسك بها الإيراد الماضي و للحلبي و ابن زهرة العلوي (3)في المدّة:فجعلاها في الأمة مدّة

ص:297


1- المتقدمين في ص:295.
2- في ص:295.
3- الحلبي في الكافي في الفقه:353،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.

استبرائها دون الثلاثة،مدّعياً الثاني عليه إجماع الطائفة.

و هو مع عدم وضوح مستنده عدا الإجماع المزبور الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه يدفعه إطلاق النصوص،بل عموم بعضها المتضمّن للفظ الكل (1)،و خصوص الصحيح المتقدّم عن قرب الإسناد (2)،و قريب منه الصحيح الآخر:« عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيّام إن كان بها[خَبل (3)]أو برص أو نحو هذه» (4)الحديث،و نحوهما الصحيح الآتي:فتدبّر.

و للطوسي (5)في مبدئها،فجعله من حين التفرّق،بناءً على حصول الملك به عنده.و ظواهر النصوص بحكم التبادر و السياق في بعض تدفعه.

و يسقط هذا الخيار لو شرط البائع في العقد سقوطه أو أسقطه المشتري بعد العقد لما مضى (6) أو تصرف فيه المشتري بعده سواء كان تصرّفاً ناقلاً مطلقاً لازماً كان كالبيع و نحوه أو غير لازم،كالوصيّة و الهبة قبل القبض أو غير ناقل ممّا يسمّى تصرّفاً و حدثاً عرفاً.و الأصل في السقوط به و إن خالف الأصل الإجماع في الظاهر، و المحكي عن التذكرة (7)،و الصحاح،منها:« فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيّام فذلك رضاً منه و لا شرط له» قيل له:و ما

ص:298


1- الوسائل 18:10 أبواب الخيار ب 3.
2- في ص:3833.
3- أثبتناه من الكافي و التهذيب،و في النسخ و الوسائل:الحبل.و الخَبل:فساد الأعضاء و الفالج.(القاموس 3:376).
4- الكافي 5:/172 13،التهذيب 7:/25 105،الوسائل 18:12 أبواب الخيار ب 3 ح 7.
5- كما في النهاية:385.
6- راجع ص:3827.
7- التذكرة 1:519.

الحدث؟قال:« أن لامس أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء» (1)و نحوه الصحيح المروي عن قرب الإسناد (2).

و لا إجمال في الحدث بعد وضوح معناه بالرجوع إلى العرف،و هو عامّ لما مثّل به فيهما من اللمس و النظر و غيرهما،و الظاهر كونهما بعنوان المَثَل لا إرادة الحصر،لعدم تقييد اللفظ بخصوصيّة المحلّ،فيشمل الحدثين و غيرهما في الجارية و غيرها.

مع استفادة العموم في كلّ من الأمرين من الصحيح الثالث:في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ له أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟فوقّع(عليه السّلام):« إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّه تعالى» (3).

و بما ذكرنا اندفع أوهام بعض الأعلام في المقام (4).

نعم،الظاهر من الصحيح الأوّل المفرّع على الحكم بسقوط الخيار بالحدث قوله:« فذلك رضاً منه» الذي هو بمكان التعليل للحكم المفرّع عليه كون المناط في السقوط بالحدث حصول الرضا بسببه بلزوم العقد، فلو علم انتفاءه و أنّ قصده بالحدث في المبيع اختياره أو غيره بقي خياره.

و لعلّه إلى هذا نظر بعض المحققين في تقييد التصرّف المسقط بما إذا

ص:299


1- الكافي 5:/169 2،التهذيب 7:/24 102،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.
2- قرب الإسناد:/168 611،الوسائل 18:13 أبواب الخيار ب 4 ح 3.
3- التهذيب 7:/75 320،الوسائل 18 ك 13 أبواب الخيار ب 4 ح 2.
4- مجمع الفائدة و البرهان 8:397،398.

لم يكن للاختبار و نحوه (1).

و يؤيّده الأصل و الإطلاقات،و بعض النصوص،كالخبرين (2)، أحدهما الصحيح:عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثم ردّها؟قال:

« إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد،و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء» فتأمّل.

الثالث خيار الشرط

الثالث: خيار الشرط الثابت به و هو بحسب ما يشترط لأحدهما،أو لكلّ منهما،أو لأجنبيٍّ عنهما،أو عن أحدهما،أو له مع أحدهما عنه و عن الآخر،أو له معهما،بلا خلاف كما في كلام جماعة (3)، بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و عن التذكرة (4)؛ و هو الحجة بعد عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود بسيطة كان أو مركّبة،و كذا الشروط، و اشتراط الأجنبي تحكيم لا توكيل عمن جعل عنه،فلا خيار له معه.

و كما يجوز اشتراط الخيار له كذا يجوز اشتراط مؤامرته و الرجوع إلى أمره،و يلزم العقد من جهة المتبايعين في المقامين و يتوقّف على خياره في الأوّل،و أمره في الثاني.فإن أمَر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ، و لا يتعيّن عليه؛ لأنّ الشرط مجرّد استئماره لا التزام قوله.و ليس كذلك لو أمرّ بالالتزام،فإنّه ليس له الفسخ حينئذٍ و إن كان الفسخ أصلح؛ عملاً

ص:300


1- جامع المقاصد 4:291.
2- الأول:الكافي 5:174 سطر 1،الوسائل 18:26 أبواب الخيار ب 13 ذيل الحديث 1.الثاني:الكافي 5:/173 1،التهذيب 7:/25 107،الوسائل 17:26 أبواب الخيار ب 13 ح 1.
3- منهم:السبزواري في الكفاية:91،و البحراني في الحدائق 19:38.
4- الخلاف 3:9،الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:521.

بالشرط،و لأنّه لم يجعل لنفسه خياراً.فالحاصل أنّ الفسخ يتوقّف على أمره؛ لأنّه خلاف مقتضى العقد فيرجع إلى الشرط،و أمّا الالتزام بالعقد فلا يتوقّف على الأمر،لأنّه مقتضى العقد.

و الفرق بين مؤامرة الأجنبي و جعل الخيار له ظاهر؛ لأنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره لا جعل الخيار له،بخلاف من جعل الخيار له.

و لا بدّ أن تكون مدّته أي الخيار و كذا الاستيمار مضبوطة غير محتملة للزيادة و النقيصة،متّصلة بالعقد كانت أم منفصلة،و يصير العقد على الثاني جائزاً بعد لزومه مع تأخّره عن المجلس.

فلو شرطا خياراً و أطلقا من دون بيان المدّة بطل الشرط على الأشهر بين من تأخّر،وفاقاً للمرتضى و المبسوط (1)؛ للجهالة و الغرر المنهي عنهما في الشرع،الموجبين لجهالة الثمن أو المثمن،فإنّ للشرط قسطاً من العوض.

خلافاً للمفيد،فيصحّ و كان الخيار إلى ثلاثة أيّام (2)،و تبعه جماعة كالخلاف و الانتصار و القاضي و الحلبي و ابن زهرة العلوي (3)،مدّعياً هو في الظاهر كالأوّلين صريحاً عليه الإجماع،و حجّيته مع اعتضاده بالكثرة و الشهرة القديمة تقتضي المصير إليه و تخصيص ما مضى به من الأدلّة؛ و علّله السيدان بأن الثلاثة هي المدّة المعهودة في الشريعة لضرب الخيار، و الكلام إذا أُطلق حُمِل على المعهود.و فيه مناقشة.

ص:301


1- حكاه عن المرتضى في المختلف:350،المبسوط 2:78.
2- المقنعة:592.
3- الخلاف 3:20،الانتصار:210،القاضي في المهذب 1:353،الحلبي في الكافي في الفقه:353،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.

كلّ ذا إذا شرطاه و لم يذكرا المدّة و أمّا لو ذكراها مبهمة بحيث كانت للزيادة و النقيصة محتملة لم يجز قولاً واحداً،و هي كقدوم الغزاة و إدراك الثمرات و نحو ذلك.

و في فساد العقد بفساد الشرط قولان،الأشهر الأظهر ذلك.

و يجوز اشتراط مدّة معينة يردّ فيها البائع الثمن و يرتجع المبيع لما مرّ،و إنّما أفرده.بالذكر لامتيازه عن السابق باشتراط الفسخ فيه بردّ الثمن دونه،و لورود النصوص فيه بالخصوص،و هي مستفيضة،منها الموثق:رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه،فقال له:أبيعك داري هذه على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ؟ قال:« لا بأس بهذا،إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه» قلت:فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلة؟فقال:« الغلّة للمشتري،أ لا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله» (1)و قريب منه الصحيح (2)و غيره (3).

و منه مضافاً إلى لزوم العمل بالشرط يظهر المستند في قوله: فلو انقضت المدّة و لمّا يردّ الثمن لزم البيع،و لو تلف في المدّة كان من المشتري،و كذا لو حصل له نماء كان له.

و ظاهر النصّ و العبارة انفساخ المعاملة بردّ الثمن خاصّة،من دون إيماء إلى اشتراط فسخها قبله.

ص:302


1- الكافي 5:/171 10،الفقيه 3:/128 559،التهذيب 7:/23 96،الوسائل 18:19 أبواب الخيار ب 8 ح 1.
2- التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 2.
3- التهذيب 7:/176 780،الوسائل 18:20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.

خلافاً لظاهر الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة (1)،فاشترطوا الفسخ قبله؛ و لعلّه لأصالة بقاء الصحة،مع عدم دلالة ردّ الثمن بمجرّده على الفساد من دون ضمّ قرينة من عرف أو عادة.

و النصّ كالعبارة وارد مورد الغلبة؛ فإنّ العادة قاضية بكون مثل هذا الرد فسخاً للمعاملة،فتكون دلالةً بقرينة،و هي غير منافية لما ذكره الأصحاب البتة،و من المقطوع عدم دخول ردّ الثمن لأجل الأمانة في مورد النص و العبارة،و عدم إيجابه لفساد المعاملة بالضرورة،اللّهمّ إلّا أن يريدوا به التصريح بلفظ الفسخ،فالمنافاة ثابتة،و لكن لا دليل على اعتباره.

و يسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة إجماعاً،كما في الغنية (2)؛ و للرواية الآتية (3)في سقوطه بالتصرّف.

الرابع خيار الغبن

الرابع: خيار الغبن بسكون الباء،واصلة الخديعة،و المراد به هنا البيع و الشراء بغير القيمة و من ثبوته وقت العقد باعتراف الغابن،أو البيّنة بما لا يتغابن و لا يتسامح فيه غالباً و المرجع فيه إلى العادة:

لعدم تقديره في الشريعة و ثبوت جهالة المغبون بالغبن،و يكون بأحد الأمرين،بلا خلاف فيه و في عدم الثبوت بقوله و لو مع يمينه مع عدم إمكانها في حقّه.

و في ثبوتها بذلك مع الإمكان قولان،من أصالة عدم العلم،و كونه كالجهل من الأُمور التي تخفى غالباً فلا يطّلع عليه إلّا من قِبَل مَن هي به، و من أصالة لزوم العقد و وجوب الوفاء به فيستصحب إلى ثبوت المُزيل.

ص:303


1- الحدائق 19:35.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- في ص:3853.

و كيف كان،إذا ثبت الأمران يثبت له أي المغبون كائناً من كان الخيار في الفسخ و الإمضاء في المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في الغنية و التذكرة (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى نفي الضرر و الضرار في الشريعة،و النهي عن أكل مال الغير إلّا أن يكون تجارة عن تراضٍ في الكتاب (2)و السنّة (3).

و في النصوص:« غبن المسترسل حرام» كما في أحدها (4)،أو المؤمن،كما في ثانيها (5).و في ثالثها:« لا يغبن المسترسل فإنّ غبنه لا يحلّ» (6).

و في مجمع البحرين:الاسترسال:الاستيناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة فيما يحدّثه (7).انتهى.

و بالجملة لا شبهة في المسألة و إن نقل عن الماتن في درسه إنكار هذا الخيار (8).

و ظاهر العبارة كصريح الجماعة أنّه لا أرش مع الإمضاء،بل عليه

ص:304


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587،التذكرة 1:522.
2- النساء:29.
3- انظر الوسائل 5:120 أبواب مكان المصلي ب 3.
4- لم نجد رواية بهذا النص.نعم وجدنا روايات تنص على أن غبن المسترسل سحت،و غبن المسترسل ربا،كما في الوسائل 17:395 أبواب آداب التجارة ب 9 الأحاديث 2،4،5.
5- الكافي 5:/153 15،التهذيب 7:/7 22،الوسائل 17:395 أبواب آداب التجارة ب 9 ح 3.
6- فتح الأبواب:160،الوسائل 17:385 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 7.
7- مجمع البحرين 5:383.
8- الدروس 3:275،المسالك:179.

الإجماع في التذكرة (1)،و هو الحجة،مضافاً إلى أصالة البراءة،و اندفاع الضرر بالخيار بالضرورة،فلا موجب له بالمرّة.

و في سقوط الخيار ببذل الغابن التفاوت قولان،للأول:الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه و المتحقق به الضرر،و ليس منهما محلّ الفرض،أمّا الأوّل فللخلاف،و أمّا الثاني فلاندفاع الضرر بالبذل.

و للثاني و هو الأشهر-:الاستصحاب لما ثبت،و هو الأظهر إن كان الإجماع في إثبات أصل هذا الخيار هو المستند،و لا ينافيه وقوع الخلاف في محلّ الفرض،لأنه غير محلّ الإجماع،و ثبوت الحكم فيه به يقتضي انسحابه في محلّ الخلاف بالاستصحاب.و لا كذلك لو كان المستند للإثبات أدلّة نفي الضرر خاصّة؛ لدوران الحكم معه حيث دار،فيندفع بالبذل،فتأمّل و حيث إنّ الاعتماد فيه على الأوّل أيضاً كان القول الثاني متّجهاً.

و المشهور أنّه لا يسقط بالتصرّف مطلقاً سواء كان المتصرّف الغابن أو المغبون،و سواء خرج به عن الملك كالبيع،أو منع مانع من الردّ كالاستيلاد،أم لا؛ للأصل.إلّا أن يكون المغبون المشتري و قد أخرجه عن ملكه،أو عرض له مانع عن ردّه و إن لم يخرج عن ملكه،فيسقط خياره؛ إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن.

خلافاً لجماعة (2)،فتنظّروا في إطلاق الاستثناء؛ للضرر على المشتري

ص:305


1- التذكرة 1:523.
2- منهم:الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 3):465،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:404،و انظر الحدائق 19:24.

مع تصرّفه فيه على وجه يمنع من ردّه لو قلنا بسقوط خياره به مع الجهل بالغبن أو الخيار؛ لبقاء الضرر المثبت للخيار،و حينئذٍ فيمكن الفسخ مع تصرّفه كذلك،و إلزامه بالقيمة إن كان قيميّاً أو المثل إن كان مثلياً،جمعاً بين الحقّين.

و كذا لو تلفت العين أو استولد الأمة،كما يثبت ذلك لو كان المتصرّف المشتري و المغبون البائع،فإنّه إذا فسخ فلم يجد العين يرجع إلى المثل أو القيمة.

الخامس خيار التأخير

الخامس: خيار التأخير،أي تأخير إقباض الثمن و المثمن عن ثلاثة أيّام،ف من باع و لم يقبض الثمن و لا قبّض بتشديد الباء المبيع و لا اشترط التأخير فيهما احترز به عن النسيئة و السلف- فالبيع لازم على المتعين إلى ثلاثة أيّام،و مع انقضائها يثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء للبائع خاصّة،بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة، كالإنتصار و الغنية و التنقيح و التذكرة (1)،و غيرها من كتب الجماعة (2)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح:عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن،قال:« الأجل بينهما ثلاثة أيّام،فإن قبضه بيعه و إلّا فلا بيع بينهما» (3).

ص:306


1- الانتصار:210،الغنية(الجوامع الفقهية):587،التنقيح الرائع 2:48،التذكرة 1:523.
2- انظر جامع المقاصد 4:297،و المسالك 1:180؛ مجمع الفائدة 8:405،الحدائق 19:44.
3- التهذيب 7:/22 92،الإستبصار 3:/78 259،الوسائل 18:22 أبواب الخيار ب 9 ح 3؛ بتفاوت يسير.

و في آخر:الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده،فيقول:

حتى آتيك بثمنه،قال:« إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام،و إلّا فلا بيع له» (1).

و في الموثق:« من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام و لم يجيء فلا بيع له» (2).

و ليس فيها كغيرها اشتراط عدم إقباض المبيع،بل إطلاقها يشمل صورتي إقباضه و عدمه.بل ربما كان ظاهراً في الصورة الاُولى إن قلنا بأنّ القبض في نحو المتاع هو الأخذ باليد؛ لغلبة تحقّقه بعد عقد البيع.

نعم،لو قلنا بأنّ القبض فيه هو النقل لم يكن للإطلاق ظهور في ذلك،بل ظاهر السياق عدم تحقّقه،فتدبّر.

و لعلّ استناد الأصحاب إلى هذه الأخبار مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبنيّ على كون القبض عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرّد القبض باليد،و سيأتي الكلام فيه (3).

إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاشتراط،بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به،و ربما كان في الصحيح الأوّل إشعار به،بل دلالة عليه،فتأمّل،فلا مندوحة عنه،مع لزوم الاقتصار في الخيار المخالف للأصل على القدر المتيقّن من الإطلاق،مع أنّ في الغنية نسب ذلك إلى

ص:307


1- الكافي 5:/171 11،التهذيب 7:/21 88،الإستبصار 3:/77 258،الوسائل 18:21 أبواب الخيار ب 9 ح 1.
2- الفقيه 3:/126 552،التهذيب 7:/22 91،الإستبصار 3:/78 260،الوسائل 18:22 أبواب الخيار ب 9 ح 4.
3- راجع ص:3895.

رواية الأصحاب (1).

نعم،عن الشيخ القول بجواز الفسخ مع تعذّر قبض الثمن (2)،و قوّاه في الدروس (3)؛ لخبر نفي الضرر،لا لما مرّ من النص،لعدم التقييد فيه بقيد تعذّر قبض الثمن.و الرجوع فيه إلى أدلّة لزوم العقد أولى؛ لاندفاع الضرر بأخذ العين مقاصّة إن أمكنت،و إلّا فليس للفسخ فائدة.

و ظاهر النصوص كما ترى بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار، كما عن الإسكافي و أحد قولي الطوسي (4)،إلّا أنّ الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة مع أصالة بقاء الصحة أوجبت المصير إلى حمل البيع المنفي بعد تعذّر الحمل على الحقيقة على البيع اللازم خاصّة،و إن كان أقرب المجازات نفي الصحة.

مع إمكان المناقشة في ظهور الدلالة بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة،فلا يفيد سوى نفيه،و هو يجامع بقاء الصحة المستفاد من الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى إشعار ما عدا الخبر الأولّ بذلك،من حيث تخصيص النفي فيه بالمشتري فقال:« لا بيع له» و هو ظاهر في الثبوت للبائع.

و لا ينافيه نفيه فيما بينهما في الخبر الأوّل؛ لكون المتعلّق المركّب الصادق نفيه بانتفاء البيع عن أحدهما،فلا إشكال بحمد اللّه تعالى.

ثم إنّه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدّة الخيار بين الجارية و غيرها

ص:308


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- كما في النهاية:385.
3- الدروس 3:274.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:351،الطوسي في المبسوط 2:87.

في إطلاق أكثر النصوص و الفتاوى،خلافاً للمقنع و محتمل الاستبصار (1)، فجعلا مدّة الخيار فيها إلى شهر؛ للصحيح (2).و هو أحوط،و إن كان الأوّل أجود؛ لتعاضد أدلّته بالكثرة و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة،و الإجماعات المحكية.

و اعلم أنّ قبض البعض كلا قبض؛ لصدق عدم قبض الثمن و إقباض المثمن مجتمعاً و منفرداً،و لظاهر بعض النصوص المثبتة للخيار لمن باع محملاً و قبض بعض الثمن (3)،فتأمّل.

و شرط القبض المانع كونه بإذن المالك،فلا أثر لما يقع بدونه،كما لو ظهر الثمن مستحقاً أو بعضه.

و لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة و إن كانت قرينة الرضا بالعقد؛ عملاً بالاستصحاب،على إشكال مع القرينة،لمفهوم بعض ما مرّ من الأخبار في خيار الحيوان (4).

و لو بذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ سقوط الخيار وجهان،منشأهما زوال الضرر و الاستصحاب.و الثاني أظهر؛ لكون دليل الأوّل مناطاً مستنبطاً.

و حيث يثبت الخيار بشرائطه فإن تلف المبيع بعد بانقضاء

ص:309


1- لم نجده في نسختنا من المقنع،و قد نقله عنه في المختلف:351،الاستبصار 3:78.
2- التهذيب 7:/80 342،الإستبصار 3:/78 261،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 9 ح 6.
3- الكافي 5:/172 16،التهذيب 7:/21 90،الوسائل 18:21 أبواب الخيار ب 9 ح 2.
4- راجع ص:3836.

الثلاثة كان من البائع إجماعاً تواتر نقله جدّاً.و إن تلف فيها ف قال المفيد و كثير ممّن تبعه (1)،بل ادّعى عليه الإجماع في الانتصار و الغنية (2) يتلف في الثلاثة من المشتري،و بعدها من البائع لأنّ العقد ثبت بينهما عن تراضٍ منهما،بخلاف ما بعد الثلاثة،لأنّ البائع أحقّ به.

و في نكت الإرشاد للشهيد-(رحمه اللّه)-:الظاهر أنّ مراده أنّه لمّا ثبت العقد الناقل للملك و لا خيرة للبائع فيه،بل هو ممنوع منه لحقّ المشتري صار كالمودع عنده،بخلاف ما بعدها،فإنّ إمساكه لنفسه لثبوت الخيار له حينئذٍ عند جماعة،أو لبطلان البيع،كظاهر كلام ابن الجنيد و الشيخ.انتهى.

و هو بملاحظة ردّه الرواية الآتية بعدم الصراحة في المتنازع،و عدم عموم لها يشمله مشعر،بل ظاهر في الميل إلى هذا القول.

و هو غير بعيد؛ للإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين،مع كون النماء له فيكون التلف عليه،لتلازم الأمرين،كما يستفاد من بعض أخبار خيار الشرط (3).

و النقض بالتلف بما بعد الثلاثة كما في السرائر (4)مدفوع بالإجماع ثمّة دون المسألة،مضافاً إلى الحجّة المتقدّمة.

و لكن استقرّ رأي المتأخّرين كافّة بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً على أنّ الوجه تلفه من البائع في الحالين؛ لأنّ التقدير أنّه لم يقبض و قد قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال

ص:310


1- المفيد في المقنعة:592،و انظر المراسم:172،و الكافي في الفقه:353.
2- الانتصار:210،الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- راجع ص:3840.
4- السرائر 2:277.

بائعه» (1).

و في الخبر في رجل اشترى متاعاً من رجل و أوجب له غير أنّه ترك المتاع و لم يقبضه،و قال:آتيك غداً إن شاء اللّه تعالى،فسرق المتاع،من مال مَن يكون؟قال:« من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى المتاع و يخرجه من بيته،فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله» (2).

و المسألة محلّ تردّد،و إن كان ما صار إليه المتأخّرون لا يخلو عن قوّة،سيّما مع دعوى الخلاف عليه الإجماع (3).

و أمّا التفصيل بين التلف بعد عرض السلعة على المشتري فلم يقبله فالأوّل،و قبله فالثاني كما عن ابن حمزة و الحلبي (4)فلا مستند له،فهو ضعيف غايته،و إن مال إليه في المختلف (5).

و لو اشترى ما يفسد من يومه و لو بنقص الوصف و فوات الرغبة،كما في الخضروات و اللحم و العنب و كثير من الفواكه ففي رواية مرسلة عمل بها الأصحاب كافّة كما في المهذّب (6)،بل عليه الإجماع في الغنية (7)أنّه يلزم البيع إلى الليل،فإن لم يأت المشتري

ص:311


1- عوالي اللئلئ 3:/212 59،المستدرك 13:303 أبواب الخيار ب 9 ح 1.
2- الكافي 5:/171 12،التهذيب 7:/21 89،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.
3- الخلاف 3:20.
4- ابن حمزة في الوسيلة:239،الحلبي في الكافي في الفقه:353.
5- المختلف:351.
6- المهذب البارع 2:383.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

بالثمن فلا بيع له (1).

و في نسبة الحكم إلى الرواية نوع إشعار بالتردّد في المسألة،و ليس لقصور السند،للانجبار بالعمل،و نحوه حجّة عند الماتن،و لا لقصور الدلالة من حيث ظهورها في بطلان المعاملة لا ثبوت الخيار كما ذكره الجماعة،لما مرّت إليه الإشارة،بل لأنّ الظاهر أنّ هذا الخيار شُرّع لدفع الضرر،و إذا توقّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل من يومه كما فرض في الخبر لا يندفع الضرر،و إنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد،و لذا فرضه شيخنا في الدروس خيار ما يفسده المبيت (2).

و هو حسن،و إن كان فيه خروج من ظاهر النص؛ لتلافيه بخبر الضرار،مع أنّ حمله عليه بإرادة الليلة أيضاً من اليوم ممكن.

و الأقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه و لا يتقيد بالليل،وفاقاً للدروس و الروضة (3).فعلى هذا لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه،و لا يضرّ خروجه عن مورد النص، فإنّ خبر الضرار يفيده في الجميع.

و في إلحاق فوات السوق بخوف الفساد وجهان،و لكن الأصل مع عدم تيقّن الضرر يقتضي المصير إلى الثاني،مع كونه في الجملة أحوط.

و ظاهر الماتن و غيره (4)،و صريح جماعة (5)كالغنية مدّعياً الإجماع

ص:312


1- الكافي 5:/172 15،التهذيب 7:/25 108،الإستبصار 3:/78 262،الوسائل 18:24 أبواب الخيار ب 11 ح 1.
2- الدروس 3:274.
3- الدروس 3:274،الروضة 3:460.
4- انظر التذكرة 1:523.
5- منهم:المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:408،و صاحب الحدائق 19:54.

عليه (1):كون هذا الخيار من جملة أفراد خيار التأخير،فيشترط فيه ما يشترط فيه من الأُمور الثلاثة.

السادس خيار الرؤية

السادس: خيار الرؤية،و هو إنّما يثبت في بيع الأعيان الحاضرة أي المشخّصة الموجودة في الخارج إذا كان بالوصف من غير مشاهدة مع عدم المطابقة.

و كذا لو بيعت برؤية قديمة لو ظهرت بخلاف ما رآه،إلّا أنّه ليس من أفراد هذا القسم،بقرينة قوله: و لا يصحّ البيع في مثلها حتى يذكر الجنس و الوصف الرافعين للجهالة،و يشير إلى معيّن،و ذلك لأنّ ما ذكر من الشرط مقصور على ما لم ير أصلاً؛ إذ لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته.

و يتفرّع على الشرط أنّه لو انتفى بطل،و لو انتفت الإشارة كان البيع كلّياً لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع،بل عليه الإبدال.

و حيث وقع البيع على المشار إليه الموصوف فإنّ كان موافقاً للوصف من دون زيادة و نقيصة لزم البيع.

و إلّا يوافق بأن نقص عنه كان للمشتري الردّ إذا كان هو الموصوف له دون البائع،بلا خلاف؛ للصحيح:عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها أو يخرج منها،فلمّا أن نقد المال و صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يُقِله،فقال(عليه السّلام):« لو أنّه قلب منها أو نظر إلى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية» (2)

ص:313


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- الفقيه 3:/171 766،التهذيب 7:/26 112،الوسائل 18:28 أبواب الخيار ب 15 ح 1.

مضافاً إلى حديث نفي الضرر (1).

و منها يظهر المستند في قوله: و كذا لو لم يرد البائع و باعه و اشترى المشتري منه بالوصف متعلّق بالبائع،أي باعه من دون أن يراه،بل بالوصف،سواء كان من المشتري أو ثالث كان الخيار للبائع خاصّة لو كان بخلاف الصفة إذا كان الوصف من المشتري، و له أيضاً إذا كان من ثالث و زاد و نقص باعتبارين،و يقدّم الفاسخ منهما كما مضى (2).

و لو رأى البعض و وصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة، و ليس له الاقتصار على فسخ ما لم يره؛ لدخول الضرر بتبعّض الصفقة، و يمكن الاستناد له إلى الصحيحة السابقة إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة.و لا ينافيه لو عكس الإشارة؛ فإنّ غايتها إثبات الخيار له في تلك القطعة،و هو لا يدلّ على جواز الاقتصار بفسخها خاصّة.

و هل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟وجهان.

أشهرهما الأوّل؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر المثبت لأصل هذا الخيار.

و أجودهما الثاني؛ لإطلاق النص و الاستصحاب،إلّا إذا استلزام الضرر فيلزم بالاختيار.

و سيأتي خيار العيب إن شاء اللّه تعالى و هو السابع،و لم يذكره هنا لكثرة مباحثه و تشعّب مسائله،فحسن جعله فصلاً برأسه.

ص:314


1- انظر الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 3،4،5.
2- راجع ص:3830.

أما الأحكام أما الأحكام فمسائل

اشارة

و أما الأحكام المتعلّقة بالخيار فمسائل:

الأُولى خيار المجلس يختصّ بالبيع

الاُولى: خيار المجلس يختصّ بالبيع و يجري في جميع أنواعه؛ لعموم الأدلّة،و عليه الإجماع في الغنية (1) دون غيره من عقود المعارضات لازمة كانت أم جائزة،إجماعاً،كما في الخلاف و المسالك و الغنية (2)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على موارد الأدلّة،و ليست إلّا البيع خاصّة.

الثانية التصرّف يُسقِط خيار الشرط

الثانية: التصرّف ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه بالعقد يُسقِط خيار الشرط بالنسبة إليه،كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد إذا كان بشرائط الصحة،كأن يكون بعد ردّ الثمن أو المبيع إذا اشترط استرجاعهما؛ لأنّ منه في الأوّل إجازة للزوم العقد و التزام به،و في الثاني فسخ له و أمارة الرضاء بعدمه،على الأشهر،بل بلا خلاف كما في الغنية (3).

و يدلّ على الأوّل في الجملة بعض المعتبرة:في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار،فعرض له ربح فأراد بيعه،قال:« ليشهد أنّه رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء،و إن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه» (4).

و ليس في سنده سوى السكوني المجمع على قبول رواياته،كما عن الطوسي (5).

ص:315


1- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
2- الخلاف 3:13،المسالك 1:180،الغنية(الجوامع الفقهية):587.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587.
4- الكافي 5:/173 17،التهذيب 7:/23 98،الوسائل 18:25 أبواب الخيار ب 12 ح 1.
5- انظر عدة الأُصول 1:380.

مضافاً إلى ما مرّ من النصّ في بيع الحيوان (1)،الدالّ بظاهره على أنّ تصرّف المشتري فيه أمارة الالتزام بالعقد و الرضاء به،المشعر بأنّه المعيار في سقوط الخيار على الإطلاق و لو في نحو المضمار.

إلّا أنّ ظاهرهما الاختصاص بالتصرّف المقصود به التملّك،و هو ظاهر الغنية حيث علّل سقوط الخيار بالتصرّف بأنّه من المشتري إجازة (2).

و لا ريب في السقوط بمثله،أمّا السقوط بمطلق التصرّف حتى الظاهر في عدم قصد التملّك و الالتزام بالعقد،إمّا لوقوعه بعنوان الغفلة و السهو،أو مراعاة للمبيع بالضبط و الحفظ فمحلّ نظر؛ للزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر المتيقّن من النص.

و منه يظهر الوجه في قوّة احتمال عدم السقوط بالتصرّف الذي ليس مورد النص،كتصرّف المتبايعين في الثمن،أو البائع في المبيع مع ثبوت الخيار للمتصرّف،إلّا إذا دلّ على إسقاط الخيار أو فسخ البيع،فيلزمان حينئذٍ،لما مرّ في الخبر.

و أمّا إذا لم يدلّ عليه،بل دلّ على الخلاف فالظاهر عدم سقوط الخيار و لا انفساخ البيع؛ للأصل،و ظاهر ما مرّ من النصّ المثبت لهذا الخيار،لدلالته في الظاهر على تصرّف البائع ذي الخيار في الثمن،و مع ذلك حكم بثبوت خياره،و ليس إلّا لعدم دلالة التصرّف في مثل هذا الخيار على الإسقاط،و أن ليس المبطل له سوى انقضاء المدّة أو ردّ الثمن إذا كان الخيار للبائع،أو المبيع إذا كان بالعكس.

و بالجملة المدار في إسقاط التصرّف للخيار و إيجابه البيع هو ما دلّ

ص:316


1- راجع ص:3836.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):587.

منه عليهما،لا مطلقاً كما في العبارة و غيرها من كلمات أصحابنا (1).

و يمكن أن يكون مرادهم من الإطلاق كون الأصل في التصرّف الدلالة على الرضاء بأحد الأمرين إلّا أن يظهر من الخارج ما يخالفها،كأن ينضمّ إليه ما يدلّ على عدم القصد إلى أحد الأمرين.

و هو و إن خالف الأصل إلّا أنّ استفادته من النص في خيار الحيوان ممكن،حيث جعل التصرّف فيه بمجرّده أمارة الرضاء،لكن ليس فيه دلالة على لزوم أحد الأمرين بمطلق التصرّف،حتى ما اقترن منه بما يدلّ على عدم الرضاء بأحدهما من عادة أو غيرها،فيجب في مثله الرجوع إلى الأصل،و هو بقاء الخيار و لزوم البيع.

و بذلك يجمع بين إطلاق الفتاوي بلزوم أحدهما بالتصرّف و النص المثبت لهذا الخيار الظاهر في عدم سقوطه بتصرّف البائع في الثمن،بحمل الأوّل على ما لم يعلم فيه عدم رضاء المتصرّف بأحد الأمرين،و الثاني على ما علم فيه ذلك،و غالب ما يقع من التصرّفات في بيع الشرط في أمثال الزمان من هذا القبيل،فلا يوجب السقوط و لا الفسخ،فتدبّر.

ثم إنّ ظاهر العبارة اختصاص السقوط بالتصرّف بهذا الخيار،و قد مرّ ثبوت السقوط به في غيره كخيار المجلس (2)،فلا وجه للتخصيص به.

الثالثة الخيار يورث

الثالثة: الخيار بأنواعه يورث،مشروطاً كان أو لازماً بالأصل أي بأصل الشرع،بلا خلاف،بل ظاهرهم الإجماع عليه،و حكي صريحاً (3)؛

ص:317


1- كالحلّي في السرائر 2:247،و العلّامة في التذكرة 1:528،و الشهيد في الدروس 3:270.
2- راجع ص:3829.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:536.

للنبوي العام،المنجبر بعمل العلماء الأعلام:« ما ترك الميت من حقّ فهو لوارثه» (1)و المؤيّد بعمومات الإرث كتاباً و سنّة،فلا شبهة و لا خلاف في المسألة إلّا في خيار المجلس،فوجهان (2)،و قولان،و ظاهر السرائر دعوى الإجماع على أنّه يورث (3)،كما هو أيضاً مقتضى الأصل.

و كيف كان،فإن كان الخيار خيار الشرط مثلاً يثبت للوارث بقيّة المدّة المضروبة،فلو كان غائباً أو حاضراً و لم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره بانقضائها كالمورّث.

و لو تعدّدت الورثة و اختلفوا في الفسخ و الإجازة قيل:قدّم الفسخ (4).

و فيه نظر.

و على تقديره ففي انفساخ الجميع أو في حصّته ثم يتخيّر الآخر لتبعض الصفقة وجهان.

و لو جُنّ قام وليّه مقامه.

الرابعة المبيع يملك بالعقد

الرابعة: المبيع يملك بالعقد على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل ظاهر المحكي عن السرائر الإجماع عليه (5).

ص:318


1- سنن ابن ماجة 2:914،2738،مسند أحمد 2:453؛ بتفاوت.
2- من ظهور أدلّته في اختصاصه بالمتبايعين بناءً على جعل غاية مدّته افتراقهما بالأبدان،و هو حاصل بافتراقهما بالأرواح،لأولويته على الأول،و من عدم صدق التفرق بالأبدان الذي هو المعيار في انقضاء الخيار.و الأصل يقتضي بقاء الخيار،فلو كان الوارث حاضراً في المجلس انتقل إليه،للعموم،و لا ينافيه اختصاص الخيار بالمتبايعين و أن ثبوته ابتداءً و بالذات مختص بهما و هو ينافي الانتقال إلى الوارث ثانياً و بالعرض.(منه(رحمه اللّه)).
3- السرائر 2:249.
4- قال به العلامة في التذكرة 1:518.
5- السرائر 2:248.

قيل (1):لتعليق إباحة التصرّف بالتجارة في الكتاب و السنّة على المراضاة و المبايعة،فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليها.

و أنّ الصحة في المعاملة عبارة عن ترتّب الأثر،فحال وقوع العقد إن وصف بها ثبت المطلوب،و إلّا فلا خيار،لترتّبه على العقد الصحيح و الفرض عدمه.

و أنّ المقتضي للملك و هو العقد موجود؛ لأنّه السبب الشرعي لنقل العين هنا،و لذا عرّفوه بأنّه انتقال عين أو تمليك عين.و المانع مفقود؛ إذ ليس إلّا ثبوت الخيار،و هو غير منافٍ للملك كخيار العيب،فيكون الملك حاصلاً.

و أنّه لو لم ينتقل بالعقد إلى المشتري لكان موقوفاً،و حينئذٍ لم يكن فرق بين بيع المالك و الفضولي،و استحالة اللازم ظاهرة.

و الأجود الاستدلال عليه أوّلاً بإطلاق كثير من النصوص الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقاً،كما في بعض (2)،و من البائع،كما في آخر (3)،و أنّ مال العبد للمشتري مطلقاً أو مع علم البائع،كما في ثالث (4)، و مفهوم النصوص الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (5)،من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار.

و ثانياً:بخصوص ما مرّ من المعتبرة في خيار الشرط الصريحة في أنّ

ص:319


1- التنقيح الرائع 2:50.
2- الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16.
3- الوسائل 18:41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3،4.
4- الوسائل 18:353 أبواب بيع الحيوان ب 7 ح 2،3.
5- 1

كلّاً من النماء و التلف في مدّة الخيار من مال المشتري (1)،و هي و إن اختصّت بنوع من الخيار إلّا أنّه يتعدّى عنه إلى باقي الأقسام بمعونة عدم القائل بالفرق.

و قيل كما عن الإسكافي و الطوسي:يملك به و بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ،إمّا مطلقاً،كما عن الأوّل (2)،أو بشرط كون الخيار للبائع أو لهما و إلّا فكالأوّل،كما عن الثاني في نقل (3)،أو يخرج عن ملك البائع خاصّة و إن لم يدخل في ملك المشتري،كما في آخر (4).

و لا مستند للثاني،سيّما على النقل الأخير،مع اندفاعه بالنصّ الماضي و الآتي.

و للإسكافي الأصل،و النصوص المستفيضة في خيار الحيوان، الظاهرة في كون التلف من البائع قبل انقضاء مدّته و استمراره إلى أن يصير المبيع بانقضاء الخيار للمشتري،و مرّ بعضها في بحثه (5).

و يذبّ عن الإيراد بالأخصّية بما يذبّ به عنه في الأخبار السابقة، و حينئذٍ فيحصل التدافع بين هذه و تلك.

و مقتضى وجوه التراجيح العدول عن هذه إليها؛ لأرجحيّتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة؛ و تأيّدها بما مرّ من الأدلّة السابقة؛ مضافاً إلى صراحة الدلالة،و المخالفة لما عليه العامّة كافّة،كما حكاه بعض الأجلّة.

ص:320


1- 2
2- 3
3- 4
4- 5
5- 6

بخلاف هذه؛ لمرجوحيّتها بالإضافة إليها في كلّ من الأُمور الأربعة، لشذوذها،و عدم معاضد لها سوى الأصل المعارض بأصالة براءة الذمّة من المنافع المتلفة عند المشتري مثلاً،و عدم صراحتها،و احتمالها الحمل على محامل أجودها التقيّة.هذا.

مع أنّ العمل بها مجمع عليه بين الأصحاب كافّة،من حيث كون التلف فيها ممّن لا خيار له،فيكون هذه مستثناة من القاعدة بالنص و الإجماع،كما أنّ التلف قبل القبض من مالكه الأوّل مطلقاً كان الخيار لغيره أم لا مستثنى منها بهما أيضاً.

و منه يظهر فساد ما مرّ من الذبّ من الأخصّية في هذه المستفيضة، فتدبّر.

و يكون المراد بنفيها صيرورة المبيع قبل انقضاء الخيار للمشتري نفيها بعنوان اللزوم و الاستقرار.

و على القول الثاني هل الانقضاء مع عدم الفسخ ناقل كما عن الأوّل، أو كاشف كما عن الثاني؟أظهرهما الثاني.

و تظهر ثمرة الخلاف في صور:

منها في النماء المنفصل كاللبن و الحمل و الثمرة المتجددة في زمن الخيار فللمشتري على الأشهر،و كذا على الكشف إن لم يفسخ،و للبائع على القول الآخر.

و منها في الأخذ بالشفعة في زمن الخيار،و في جريانه في حول الزكاة لو كان كلّ منهما زكويّاً.

و غير ذلك من الصور التي منها ما إذا كان الخيار للمشتري أو البائع،ف جاز له التصرّف في المبيع،و للبائع في الثمن و إن لم

ص:321

يوجب كلّ منهما البيع على نفسه قبل التصرّف على القول الأوّل، فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم،و توقّف على الإيجاب أو انقضاء مدّة الخيار على الثاني،لعدم حصول الملك الموجب للتسلّط حينئذٍ.

و لا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة.

و أمّا إذا كان للآخر دونه،أو لهما فلا يجوز إذا كانت ناقلة كالبيع و الوقف و الهبة إلّا بإذن الآخر؛ لمنافاتها خياره.

نعم،له الاستخدام و المنافع و الوطء على إشكال فيه،فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة قيمة الأمة مع فسخ البائع،وفاقاً للفاضل و الحلّي (1)،و خلافاً للطوسي و القاضي (2)،فيرجع بقيمة الولد و العقر على المشتري،بناءً على عدم الانتقال الموجب لعدم الاستيلاد.

الخامسة إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه فهو من مال بائعه

الخامسة:إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة من اللّه سبحانه لا بجناية جانٍ فهو من مال بائعه إجماعاً،كما عن الغنية و الروضة (3)،و هو ظاهر جماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين،أحدهما النبوي:« كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» و نحوه الثاني المتقدّم هو كالأوّل في تلف المبيع في خيار التأخير (5).

و قصورهما سنداً منجبر بعمل الكلّ جدّاً،فهما بعد الإجماع مخرجان

ص:322


1- العلّامة في التذكرة 1:534،الحلّي في السرائر 2:247.
2- الطوسي في الخلاف 3:24،القاضي في المهذب 1:358.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،الروضة 3:459.
4- منهم:المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4:308،و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:418،و السبزواري في الكفاية:93.
5- راجع ص:3848.

للحكم هنا عن مقتضى القاعدة المتقدّمة،القائلة بحصول الملكيّة بمجرّد العقد،المستلزم لكون التلف من المشتري.

لكن ظاهرهما بحكم التبادر و فتوى الجماعة اختصاص الحكم بالتلف بآفة منه سبحانه،كما قيّدنا بع العبارة،فلو تلف بغيرها لزم فيه الرجوع إلى مقتضى القاعدة (1).

و قيل:يتخيّر المشتري بين الرجوع بالثمن و بين مطالبة التالف بالمثل أو القيمة لو كان التلف من أجنبي أو من البائع.و لو كان منه و لو بتفريطه فهو بمنزلة القبض؛ لأنّه ملكه قد أتلفه بنفسه (2).و فيه نظر.

و هل النماء بعد العقد قبل التلف بالآفة للمشتري أو البائع؟وجهان مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من حينه أو من أصله؟ ظاهر المسالك و غيره الأوّل (3)،مشعراً بدعوى الوفاق عليه،و هو مقتضى القاعدة و استصحاب الحالة السابقة.

لكن ينافيه ظاهر النص و العبارة كعبارات الجماعة،فيحتاج إلى تقدير دخوله في ملك البائع آناً ما و يكون التلف كاشفاً عنه،مثل دخول الدية في ملك الميت،و العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.

ص:323


1- و هو أن المتلِف إن كان هو المشتري فذاك قبض منه فتلف من ماله و لا ضمان على البائع،فإن لم يكن له خيار أخذ الثمن،و إن كان له خيار أو لأجنبي له أو لهما فله الرضا و أخذ الثمن و الفسخ و أخذ القيمة أو المثل،و إن كان أي التلف من البائع أو الأجنبي فإن لم يكن للمشتري و لا الأجنبي له خيار أخذ المشتري من المتلف المثل أو القيمة،و كذا لو كان له خيار و اختار البيع.و لو اختار الفسخ أخذ الثمن من البائع و رجع هو على الأجنبي بالمثل أو القيمة.(منه(رحمه اللّه)).
2- الروضة البهية 3:526،المسالك 1:182.
3- المسالك 1:181؛ و الكفاية:93،و انظر الحدائق 19:75.

و حكي الثاني في التذكرة وجهاً (1).

ثم إنّ مقتضى الأصل و اختصاص ظاهر الفتاوي و النص بالمبيع:كون الحكم في تلف الثمن تلفه من مال البائع؛ لأنّه صار بالعقد ماله فيجب أن يكون التلف منه.إلّا أنّ ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأوّل (2)،مشعراً بدعوى الوفاق عليه و على إرادته من المبيع و إرادة المشتري من البائع، التفاتاً إلى صدقهما عليهما لغةً،فإن تمّا،و إلّا فالمسألة محلّ إشكال.

لكن ظاهر الخبر الثاني (3)العموم،فلا بأس به،فيكون التلف قبل القبض من المشتري،كما أنّ تلف المبيع من البائع قبل القبض.

و كذا لو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهيّة بعد قبضه و قبل انقضاء خيار المشتري أو البائع،فإنّ التلف مدّة الخيار ممّن لا خيار له، بلا خلاف أجده؛ لما مرّ في كلّ من خياري الشرط و الحيوان من المعتبرة المستفيضة (4).و أخصّيتها من المدّعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنّة على حدةٍ في بعض صور المسألة،و هو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض و الخيار للبائع و بالعكس؛ لكون المتلَف مال من لا خيار له، المنتقل إليه بمجرّد العقد،فيكون الحكم في الصورتين موافقاً للقاعدة مع تأيّد أُولاهما بأخبار خيار الشرط.

ص:324


1- التذكرة 1:535.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:418.
3- المتقدم في ص:3848.
4- راجع ص:3832،3840.

و إنّما المحتاج إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده و الخيار للمشتري و بالعكس؛ لمخالفة الحكم فيهما للقاعدة المتقدّمة جدّاً،و لا إشكال فيه أصلاً بعد قيام النص و الفتوى بإثباته فيهما،فيكون كلّ منهما بهما عن القاعدة مستثنى.

كما أنّ الحكم في الصورتين الأخيرتين موافق لمقتضى القاعدة على القول بعدم الملكية بمجرّد الصيغة،مع تأيّد أولاهما بأخبار خيار الحيوان، فلا يحتاج إلى دلالة،و إنّما المحتاج إليها عليه الحكم في الصورتين السابقتين،و لعلّها عند القائل به الإجماع و أخبار خيار الشرط،دون النصوص الواردة في خيار الحيوان،لاختصاصها مع الضميمة بالصورتين الأخيرتين اللتين لا يحتاج على هذا القول فيهما إلى دلالة.

ثم كلّ ذا مع التلف في صورة اختصاص الخيار بأحدهما،و أمّا التلف في الخيار المشترك فهو من المشتري إن كان التالف المبيع،و من البائع إن كان الثمن،على الأشهر،و به صرّح جمع (1)،من دون خلاف يعرف،و به صرّح بعض (2).

و هو كذلك بناءً على الأشهر الأظهر من حصول التملّك بمجرّد العقد،و يشكل على القول الآخر؛ فإنّ اللازم عليه كونه بعكس الأوّل، عملاً بقاعدته،مضافاً إلى ورود النص به،كما قيل (3).

و لو تلف كلّ من المبيع أو الثمن بعد ذلك أي انقضاء الخيار كان لهما أو لأحدهما كان التلف من المشتري في الأوّل،و من

ص:325


1- منهم:العلّامة في القواعد 1:144،و الشهيد الثاني في الروضة 3:525،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8:420،و البحراني في الحدائق 19:37.
2- الكفاية:93.
3- انظر الحدائق 19:75.

البائع في الثاني،إجماعاً،فتوى و دليلاً.

السادسة لو اشترى ضيعة رأى بعضها و وُصِفَ له سائرها،كان له الخيار فيها أجمع

السادسة: لو اشترى ضيعة رأى بعضها و وُصِفَ له سائرها،كان له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف الذي وقع عليه العقد،و لا يجوز له الفسخ في البعض،بلا خلاف،بل ربما احتمل الإجماع؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما قدّمناه في خيار الرؤية من الأدلّة (1)،فلا وجه لمناقشة بعض الأجلّة في ثبوت أصل الخيار في المسألة.

و كذا له الخيار لو اشتراها على أنّها جُرْبانٌ معيّنة فظهرت ناقصة،بلا خلاف،إلّا إذا كان للبائع بجنبها ما يتمّها،فلا خيار حينئذٍ عند الشيخ (2)؛ للخبر:في رجل باع أرضاً على أنّها عشرة أجربة،فاشترى المشتري منه بحدوده و نقد الثمن و وقّع صفقة البيع و افترقا،فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة،قال:« إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض،و إن شاء ردّ المبيع و أخذ ماله كلّه،إلّا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فلتؤخذ و يكون البيع لازماً،و عليه الوفاء بتمام البيع» (3)الحديث.

خلافاً للأكثر،فأطلقوا الخيار؛ للأصل،و قصور سند الخبر.

و مقتضاه ثبوت الخيار بين الردّ و أخذ تمام الثمن أو الإمضاء و الاسترداد منه بقدر الفائت،و هو أشهر،خلافاً للمبسوط (4)،فنفى الاسترداد و أثبت الخيار بين الردّ و الإمضاء بتمام الثمن،و هو طرح للخبر المعتبر عنده.و لا ريب أنّ ما ذكره في المقامين أحوط للمشتري،فلا يتركه مهما أمكن.

ص:326


1- راجع ص:3851.
2- كما في النهاية:420.
3- الفقيه 3:/151 663،التهذيب 7:/153 675 و فيهما بتفاوت يسير،الوسائل 18:27 أبواب الخيار ب 14 ح 1.
4- المبسوط 2:76.

الفصل الرابع في لواحق البيع

اشارة

الفصل الرابع:

في لواحق البيع،و هي خمسة

الأوّل النقد و النسيئة

اشارة

الأوّل: النقد و النسيئة أي البيع الحالّ و المؤجّل.يسمّى الأوّل نقداً باعتبار كون ثمنه منقوداً و لو بالقوّة،و الثاني مأخوذ من النسيء و هو تأخير الشيء،تقول:أنسأت الشيء إنساءً إذا أخّرته،و النسيئة اسمٌ وضع موضع المصدر.

و اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن و المثمن و تأخيرهما و التفريق بتعجيل الأوّل و تأخير الثاني و بالعكس أربعة أقسام.فالأوّل:النقد،و الثاني:

بيع الكالي بالكالي بالهمزة اسم فاعل أو مفعول بمعنى المراقبة،لمراقبة كلّ واحد منهما صاحبه لأجل دينه،و الثالث:السلف و السلم،و الرابع:النسيئة.

و كلّها صحيحة عدا الثاني،فقد ورد النهي عنه و انعقد الإجماع على فساده، كما في الغنية و الروضة و غيرهما (1).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ من ابتاع شيئاً مطلقاً من دون اشتراط تأجيل في أحد العوضين فالثمن و كذا المبيع حالّ،كما لو شرط فيهما تعجيله فيجب التسليم في الحال،بلا خلاف؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً.

قيل (2):و للموثق:في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثم

ص:327


1- الغنية(الجوامع الفقهية):589،الروضة 3:513؛ و انظر المسالك 1:182،و الحدائق 19:118.
2- الحدائق 19:119.

افترقا،قال:« وجب البيع،و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد» (1).

ثم اشتراط التعجيل إن كان من دون تعيين زمان أفاد التأكيد خاصّة في المشهور.و إن كان معه بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلاً تخيّر المشروط له لو لم يحصل الشرط في الوقت المعيّن بين الفسخ و الإمضاء،وفاقاً للشهيدين (2)،بل استحسن ثانيهما ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً لو أخلّ به عن أوّل وقته؛ للإخلال بالشرط.

و لو شرط التأجيل في الثمن مع تعيين المدّة في الأجل صحّ إجماعاً في الظاهر،و حكي عن التذكرة صريحاً (3)،و أخبار الباب به كما سيأتيك إن شاء اللّه تعالى مستفيضة جدّاً.

و لا فرق فيها بين القصيرة و الطويلة حتى مثل ألف سنة ممّا يعلم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادةً،بلا خلاف يعلم منّا في ذلك،إلّا ما حكي عن الإسكافي من منعه التأجيل زيادة على ثلاث سنين (4).و الأصل و العمومات و خصوص إطلاقات أخبار الباب يدفعه،مع عدم وضوح مستنده.

نعم،في الخبرين المروي أحدهما في الكافي و الثاني عن قرب الإسناد:إنّا إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح،قال:« بعهم بتأخير سنة» فقلت:فتأخير سنتين؟قال:« نعم» قلت:بثلاث؟قال:

« لا» (5).و قصور سندهما مع عدم مكافأتهما لما مضى يمنع من العمل بهما،

ص:328


1- الكافي 5:/474 10،الوسائل 18:36 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 2.
2- الشهيد الأول في الدروس 3:202،الشهيد الثاني في الروضة 3:513.
3- التذكرة 1:546.
4- حكاه عنه في المختلف:364.
5- الكافي 5:/207 1،قرب الإسناد:/372 1326،الوسائل 18:35 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 1،3.

مع احتمال ورودهما مورد التقيّة عن رأي بعض العامّة،كما يفهم من عبارة بعض الأجلّة (1)؛ مضافاً إلى عدم انطباقهما على مذهبه بالضرورة.

و ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف،و به صرّح بعض (2)أنّه لو لم يعيّن المدّة بطل المعاملة؛ للغرر،و الجهالة فيها، المستلزم ذلك جريانهما في الثمن جدّاً،بناءً على أنّ للأجل قسطاً من الثمن عادةً و عرفاً.

و كذا تبطل لو عيّن أجلاً محتملاً للزيادة و النقيصة كقدوم الغزاة و إدراك الثمرات،أو مشتركاً بينهما و إن كان في الجملة معيّناً، كنفرهم من منى و شهر ربيع أو يوم جمعة أو خمسين مثلاً؛ لعين ما مرّ سابقاً.

و قيل في الأخير:يصحّ و يحمل على الأوّل؛ لتعليقه الأجل على اسم معيّن و هو يتحقّق بالأوّل،لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد،ليتوجّه قصدهما إلى أجل مضبوط،فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به،و مع القصد لا إشكال في الصحة و إن لم يكن الإطلاق محمولاً عليه (3).

قيل:و يحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك،قصداه أم لا؛ نظراً إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً،و إطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية (4).

و هو كما ترى؛ لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقاً،بل إنّما ذلك

ص:329


1- مجمع الفائدة و البرهان 8:327.
2- السبزواري في الكفاية:94.
3- الروضة 3:514.
4- الروضة 3:514.

بالإضافة إلى إطلاق متصدّعها خاصّة،لعدم دليل عامّ يدلّ على التعدّي أصلاً،و ثبوته في بعض المواضع لا يوجبه كلّياً إلّا بالقياس المحرّم عندنا، أو الاستقرار الغير الثابت ظاهراً،فتأمّل جدّاً.

و كذا تبطل لو قال: بعتك هذه السلعة بكذا و كذا نقداً و بكذا و كذا نسيئة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر، وفاقاً للإسكافي و المفيد و السيّد و ابن حمزة و المبسوط و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابن زهرة العلوي و الحلي (1)؛ لعين ما مرّ.

مضافاً إلى النهي عن بيعين في صفقة واحدة،المروي من طريق الخاصّة و العامّة المفسَّر بذلك في كلام جماعة كالإسكافي و ابن زهرة و العلّامة (2).

ففي الخبرين أحدهما الموثق:« فانههم عن بيع ما لم يقبض،و عن شرطين في بيع،و عن ربح مال يضمن» (3).

و في الثاني:« نهى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عن سلف و بيع،و عن بيعين في بيع واحد،و عن بيع ما ليس عندك،و عن ربح ما لم يضمن» (4).

و هما مع اعتبار سندهما بالشهرة،و حجّية الأوّل بالموثقية واضحا

ص:330


1- حكاه عن الإسكافي في المختلف:361،المفيد في المقنعة:595،السيد في المسائل الناصرية:216،ابن حمزة في الوسيلة:241،المبسوط 2:159،الديلمي في المراسم:174،الحلبي في الكافي:357،نقل عن القاضي في المختلف:361،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،الحلّي في السرائر 2 287.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:361،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589،العلامة في التحرير 1:173.
3- التهذيب 7:/230 1006،الوسائل 18:58 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 6.
4- التهذيب 7:/230 1005،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

الدلالة،إمّا لما مرّ من ظهورهما في ذلك كما فهم الجماعة،أو لإطلاقهما الشامل له و لما قيل في معناهما أيضاً من أن يقول:بعتك هذا بألف بأن تبيعني دارك هذه بألف مثلاً (1).

مع تأيّدهما بالقاعدة المتقدّمة،و قاعدة أُخرى هي أنّ مقتضى العقد الانتقال من حينه كما مضى،و لا يقبله الثمن المتردّد جدّاً.

مع أنّه ليس لهما التخيير بين الثمنين إلى الأجلين إجماعاً،بل لا بدّ إمّا من البطلان،أو لزوم أقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين،و الثاني غير منطبق على القواعد القطعية المستفادة من الكتاب و السنة و إجماع الأُمّة من حرمة أكل مال الغير إلّا برضاء منه بنحو من الهبة و المراضاة و التجارة،و ليس شيء من ذلك هنا بالبديهة،لوقوع المراضاة على أحد الثمنين بما يناسبه من الأجلين لا بما يضادّه كما في البين.

و بهذا يبطل ما في رواية النوفلي عن السكوني من أنّ له أقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين (2)،يعني نسيئة مضافاً إلى قصور سندها،و عدم مكافأتها لما مضى،و شذوذ القائل بها و ندرته،و هو الشيخ في نهايته (3)مع رجوعه عنه في مبسوطه (4).

ثم على المختار هل لهذا البيع حكم البيع الفاسد،فيرجع من تلف المبيع إلى المثل أو القيمة،أم لا،بل يرجع البائع معه إلى ما في هذه الرواية من أقلّ الثمنين إلى أبعد المدّة؟قولان.أشهرهما بين المتأخّرين

ص:331


1- انظر المبسوط 2:159.
2- التهذيب 7:/53 230،الوسائل 18:37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 2.
3- النهاية:388.
4- المبسوط 2:159.

الأوّل،عملاً بالأصل في البيع الفاسد،و بين المتقدّمين المتقدّم ذكر جمع منهم،كالمفيد و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة في الغنية (1)مدّعياً الإجماع عليه:الثاني؛ و لعلّه للصحيح:« من باع سلعة فقال:« إنّ ثمنها كذا و كذا يداً بيد،و كذا و كذا نظرة،فخذ بأيّ ثمن شئت،و جعل صفقتهما واحدة،فليس له إلّا أقلّهما و إن كان نظرة» (2).

و لا بأس به؛ لاعتضاده مع صحّة سنده(بمصير كثير من القدماء إلى العمل به) (3).

و أمّا الاستدلال بهذه الرواية للقول بما في الرواية السابقة فمحلّ مناقشة؛ لعدم ظهورها في وقوع البيع و الصفقة،بتلك المعاملة،بل غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصّة،و لعلّه يكون الحكم المذكور مترتّباً على فساد المعاملة،كما فهمه الجماعة.

مع ما في ذيلها من تتمّة مروية في الكافي و التهذيب تنافي الاستدلال المتقدّم بالضرورة،و هي هذه:« من ساوم بثمنين أحدهما عاجل و الآخر نظرة فليبيّن أحدهما قبل الصفقة» (4)بناءً على أنّ الظاهر منه ما ذكره جماعة (5)و هو المتبادر بالبديهة أنّه لا يجوز هذا الترديد،بل لا بدّ من

ص:332


1- المفيد في المقنعة:595،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:361،نقله عن القاضي في المختلف:361،ابن حمزة في الوسيلة:241،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- الكافي 5:/206 1،الفقيه 3:/179 812،التهذيب 7:/47 201،الوسائل 18:36 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 1.
3- بدل ما بين القوسين في« ح»:و مصير كثير من القدماء إلى العمل به بالإجماع المحكي.
4- في الكافي و التهذيب بدل« فليبيّن»:« فليسمِّ».
5- منهم:الطوسي في المبسوط 2:159،و الفاضل المقدار في التنقيح 2:54،و الشهيد الثاني في الروضة 3:514.

تعيين أحدهما قبل العقد،و أن يوقعه عليه،لا تعيين مقدار الثمنين أو الثمن و الأجل.

و اعلم أنّ ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة و بطلاناً بين ما تقدّم و بين ما لو كان المبيع المتردّد ثمنه إلى أجلين كشهر بدينار،و شهرين بدينارين.

فإن كان إجماع،و إلّا كما يقتضيه قوله: بطل من دون إشارة إلى خلاف من فتوى أو رواية كان المختار هنا أقوى منه فيما مضى؛ لفقد المعارض فيه،لاختصاص النصّ مطلقاً بالصورة السابقة،و عدم ثبوت الإجماع كما هو الفرض.

و يصحّ أن يبتاع البائع ما باعه من المشتري نسيئة قبل الأجل بزيادة من الثمن الذي باعه به و نقصان،بجنس الثمن و غيره، حالّا و مؤجّلاً بلا خلاف فتوى و نصّاً،عموماً و خصوصاً،ففي الصحيح:

عن الرجل يبيع المتاع نسيئة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه،قال:

« نعم،لا بأس به» (1)الحديث.

و في آخر:رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه،فقال له المطلوب:أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي،فرضي،قال:« لا بأس بذلك» (2)و نحوه غيره ممّا سيأتي.

ص:333


1- الكافي 5:/208 4،الفقيه 3:/134 585،التهذيب 7:/47 204،الوسائل 18:41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3.
2- الفقيه 3:/165 727،التهذيب 7:/43 181،الوسائل 18:40 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 1.

و يستفاد من بعض الصحاح المنع عن ابتياعه نسيئة،و فيه:عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك،فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئاً،فقال:« لا يبيعه نسيّاً،و أمّا نقداً فليبعه بما شاء» (1).

إلّا أنّ فيه إجمالاً،مع احتماله الحمل على الكراهة جدّاً جمعاً بينه و بين ما تقدّم؛ لعدم مكافأته له قطعاً.

و كيف كان،فالجواز عند الأصحاب مطلقاً مشروط بما إذا لم يشترط البائع في البيع الأوّل ذلك أي بيعه منه ثانياً،و لا خلاف فيه.

و يدلّ عليه ظاهر المروي عن قرب الإسناد و عن كتاب علي بن جعفر عنه عن أخيه(عليه السّلام):عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم،ثم اشتراه بخمسة دراهم أ يحلّ؟قال:« إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس» (2).

و ربما علّل تارة باستلزامه الدور؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه.

و أُخرى بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع حقيقة.

و ضعّف الأوّل:بأنّ المتوقّف على حصول الشرط هو لزوم البيع لا انتقاله إليه،غايته أنّ تملّك البائع موقوف على تملّك المشتري،و أمّا أنّ تملّك المشتري موقوف على تملّك البائع فلا؛ و لأنّه وارد في باقي الشروط كشرط العتق،و خصوصاً شرط بيعه للغير،مع صحّته إجماعاً.و أوضح لملك المشتري ما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل؛ لتخلّل ملك

ص:334


1- التهذيب 7:/48 207،الوسائل 18:45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.
2- قرب الإسناد:/267 1062،مسائل علي بن جعفر:/127 100 بتفاوت،الوسائل 18:42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

المشتري فيه.

و الثاني:بأنّ الفرض حصول القصد إلى ملك المشتري و إنّما رتّب عليه نقله ثانياً،بل شرط النقل ثانياً يستلزم القصد إلى النقل الأول،لتوقّفه عليه،و لاتّفاقهم على أنّهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صحّ و إن كان من قصدهما ردّه،مع أنّ العقد يتبع القصد،و المصحّح له ما ذكرناه من أنّ قصد ردّه بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع بوجه،و إنّما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلاً،بحيث لا يترتّب عليه حكم الملك و هو حسن.

و لو حلّ الأجل فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن أو بجنسه من غير زيادة و لا نقصان صحّ بلا خلاف يظهر؛ لبعض ما مرّ.

و لو زاد عن الثمن الذي باع به أوّلاً أو نقص عنه ففيه قولان و روايتان،أشبههما و أشهرهما الجواز و هي:الصحاح المستفيضة المعتضدة بالأصل و العمومات،منها ما مرّ،و في آخر:عن رجل باع طعاماً بمائة درهم إلى أجل،فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه فقال:

ليس لي دراهم خذ منّي طعاماً،فقال:« لا بأس به،فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» (1)و نحوه في رابع (2)و غيره (3).

و الثانية:الخبر:عن رجل بعته طعاماً بتأخير إلى أجل مسمّى،فلمّا

ص:335


1- الكافي 5:/186 8،الفقيه 3:/166 734،التهذيب 7:/33 136،الإستبصار 3:/77 256،الوسائل 18:307 أبواب السلف ب 11 ح 10.
2- التهذيب 6:/205 469،و ج 7:/44 191،الوسائل 18:308 أبواب السلف ب 11 ح 11.
3- الكافي 5:/187 12،التهذيب 7:/30 128،الإستبصار 3:/75 253،الوسائل 18:306 أبواب السلف ب 11 ح 8.

جاء الأجل أخذته بدراهمي،فقال:ليس عندي دراهم،و لكن عندي طعام اشتراه منّي،فقال:« لا تشتره منه فإنّه لا خير فيه» (1).

و عمل بها الشيخ في النهاية و كتابي الحديث (2)،مستدلاً بها فيهما على ما ذكره من البطلان في الصورة المذكورة في العبارة خاصّة.

و لا دلالة لها عليه بالمرّة،كما لا دلالة لما استدلّ به في الاستبصار (3)بياناً لما اختاره من رواية أُخرى في المسألة،و فيها:أبيع الطعام من الرجل إلى أجل،فأجيء و قد تغيّر الطعام من سعره،فيقول:ليس لك عندي دراهم،قال:« خذ منه بسعر يومه» (4)الحديث.

هذا مع ضعف سندهما،و قصورهما عن المكافأة لما مضى جدّاً، فليُحملا على الكراهة.

و ربما قيل بهما مخصّصين بموردهما من الطعام (5).و لا وجه له،مع أنّه لا شاهد عليه.

و لا يجب على المشتري دفع الثمن قبل حلوله و إن طلب البائع إجماعاً؛ تمسّكاً بالأصل،و التفاتاً إلى لزوم العمل بمقتضى الشرط.

و منهما يظهر الوجه في أنّه لو تبرّع المشتري بالدفع حينئذٍ لم يجب على أن البائع القبض منه،مضافاً إلى الإجماع

ص:336


1- التهذيب 7:/33 137،الإستبصار 3:/76 255،الوسائل 18:311 أبواب السلف ب 12 ح 3.
2- النهاية:389،الاستبصار 3:77،التهذيب 7:33.
3- الاستبصار 3:77.
4- الفقيه 3:/13 566،التهذيب 7:/34 145،الإستبصار 3:/77 257،الوسائل 18:312 أبواب السلف ب 12 ح 5.
5- الحدائق 19:129.

عليه كالأوّل.

و تخيّل الوجوب هنا بناءً على أنّ فائدة التأجيل الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب الأخذ على البائع قبله بعد الدفع إليه ضعيف أوّلاً:

بمنع استلزام انحصار فائدته في ذلك بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع،مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النصّ و الإجماع، لاختصاصه بغير صورة الفرض.

و ثانياً:بمنع الانحصار؛ لجواز تعلّق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل،فإن الأغراض لا تنضبط.

و أمّا لو حلّ الأجل أو كان الثمن غير مؤجّل مطلقاً،في الذمّة كان أو معيّناً فدفع وجب على البائع القبض إجماعاً.

و لو امتنع البائع منه في المقامين فهلك من غير تفريط من الباذل فيه تلف من البائع مطلقاً،وفاقاً للنهاية و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن حمزة (1).

خلافاً للمبسوط و الحلّي و جماعة (2)،فخصّوه بصورة عدم التمكّن من الحاكم ليدفع إليه؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كلّياً إلّا بقبضه أو قبض من بحكمه على محلّ الوفاق،و التفاتاً إلى اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم،فلو قصّر كان كالمفرّط في المال من حيث تمكّنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه

ص:337


1- النهاية:388،المفيد في المقنعة:595،الديلمي في المراسم:174،نقله عن القاضي في المختلف:362،ابن حمزة في الوسيلة:257.
2- المبسوط 2:190،الحلّي في السرائر 2:288؛ و انظر اللمعة(الروضة البهية 3):520،و التنقيح الرائع 2:55.

فيكون من ماله.

و لا يخلو عن قوّة،بل ادّعى عليه الشهرة بعض الأجلّة (1).لكنّه غير ملازم لوجوب الدفع الى الحاكم بعد امتناع البائع أوّل مرّة؛ لعدم الدليل عليه من إجماع أو رواية،لاختصاصه بصورة الدفع إلى المالك خاصّة.

و حينئذٍ فله التصرّف فيه و التأخير بدفعه حيث يكون الثمن كليّاً إلى أن يطالبه المالك أو من يقوم مقامه به،إلّا أنّ الإيصال إليه مهما أمكن أحوط، مسارعةً إلى إبراء الذمّة يقيناً،و تفصّياً عن فتوى جماعة.

و كذا الكلام فيما مرّ من الأحكام في طرف البائع لو باع سلماً فلا يجب عليه الدفع قبل الأجل و يجب بعده،و على المشتري قبوله،و مع عدمه فالتلف منه مطلقاً،أو على التفصيل المتقدّم،و كذا الحكم في كلّ حق واجب امتنع مستحقه عن قبضه.

و اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى الخيار بالثمن و عدمه أربعة أقسام؛ لأنّه إمّا أن يخبر به،أولا،و الثاني المساومة،و الأوّل إما أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادة عليه،أو بنقصان عنه،و الأوّل التولية،و الثاني المرابحة،و الثالث المواضعة.

و الدليل على جواز الجميع بعد الإجماع عليه كما حكاه بعض الأجلّة (2)عمومات الكتاب و السنة،و خصوص المعتبرة،و يستفاد منها أنّ الأوّل أفضلها (3)،و يساعده الاعتبار جدّاً.و يجب فيما عداه ذكر رأس المال من غير زيادة و لا نقيصة،و إلّا كان خيانة و خديعة منهيّاً عنهما في الشريعة،

ص:338


1- الحدائق 19:132.
2- كالعلامة في التذكرة 1:541.
3- انظر الوسائل 18:61 أبواب أحكام العقود ب 14.

و الأجل و إن لم يكن جزءاً من الثمن لكنّه كالجزء،لاختلاف الأغراض باختلافه في زيادة الثمن و نقصه.

و من ابتاع بأجل و باع مرابحةً أو مواضعةً أو توليةً فليُخْبِر المشتري بالأجل و لو لم يخبر به صحّ البيع،بلا خلاف ظاهراً،و حكي في الخلاف و الغنية (1)صريحاً؛ لعموم الكتاب و السنّة،و خصوص ما يأتي من المعتبرة.

و لكن كان للمشتري الخيار بين الردّ و الإمساك بالثمن حالاً و لم يكن له من الأجل المذكور شيء أصلاً،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و السرائر و الغنية (2)،و هو الأشهر بين الطائفة،سيّما متأخّريهم،بل ظاهرهم الاتّفاق عليه كافّة إلّا مَن تأتي إليه الإشارة.

و كذا الحكم فيما لو ظهر كذبه في الإخبار بقدر الثمن أو جنسه أو وصفه،أو غلطه فيه،ببيّنة أو إقرار؛ لغروره الموجب لخياره.

و لكن في رواية بل روايات معتبرة الأسانيد،عمل بها النهاية و القاضي و ابن حمزة (3)أنّ للمشتري من الأجل مثله ففي الصحيح:في الرجل يشتري المتاع إلى أجل،فقال:« ليس له أن يبيع مرابحةً إلّا إلى الأجل الذي اشتراه إليه،و إن باعه مرابحةً و لم يخبره كان للذي اشتراه مثل ذلك» (4).

ص:339


1- الخلاف 3:135،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- المبسوط 2:142،الخلاف 2:135،السرائر 2 ك 291،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
3- النهاية:389،حكاه عن القاضي في المختلف:369،ابن حمزة في الوسيلة:243.
4- الكافي 5:/208 3،التهذيب 7:/47 203،الوسائل 18:83 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 2.

و نحوه خبران آخران،في سندهما جهالة،إلّا أنّ في أحدهما صفوان (1)، و في ثانيهما الحسن بن محبوب (2)،اللذين قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة،فالقول بها مع صحّة أُولاها لا يخلو عن قوّة.

إلّا أنّ في مقاومتها للقاعدة التي استند إليها الأوّلون من أنّه عقد على مبيع بثمن معلوم حالّ مقرون ذلك برضاهما فيكون صحيحاً فيملك البائع جملة الثمن بذلك،و إخفاء الأجل لا يوجب أن يكون للمشتري مثله،غاية ما في الباب إيجابه الخيار،كالعيب إذا لم يعلم به نوع مناقشة،سيّما مع اعتضاد القاعدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً من متأخّرين الطائفة،مع رجوع الشيخ عن العمل بهذه المعتبرة في النهاية في كتابيه المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة،و لعلّه لهذا توقّف شيخنا الشهيد-(رحمه اللّه) في النكت (3)،و هو في محلّه.

و ربّما فصّل بين البيع بشرط النقد و الحلول فالأوّل،و عدمه بل يبيع بمثل ما ابتاعه فالثاني،و عليه حمل إطلاق الأخبار (4).

و لا شاهد عليه،مع منافاته القاعدة المقرّرة من اقتضاء العقد بمجرّده النقد و الحلول الموجب عند القائل للمصير إلى الأوّل (5)،و لعلّه لذا استشكله المفصّل بعد ذكره،و هو في محلّة.

ص:340


1- الكافي 5:/198 7،الفقيه 3:/134 583،التهذيب 7:/56 245 و فيه و في الكافي بتفاوت،الوسائل 18:82 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 1.
2- التهذيب 7:/59 254،الوسائل 18:83 أبواب أحكام العقود ب 25 ح 3.
3- غاية المراد(مخطوط).
4- كما في المختلف:369.
5- بل يحتمل البطلان لو قصد المشتري البيع بمثل ما ابتاعه من جميع الوجوه حتى في الحلول و التأجيل؛ لجهالة الثمن على هذا بناءً على أن الأجل له قسط من الثمن،و لذا يجب تعيينه في كل من بيعي النسيئة و السلف إجماعاً،و الأجل هنا مجهول الأصل و المقدار جدّاً(منه(رحمه اللّه)).

و هنا

مسألتان
اشارة

مسألتان:

الأُولى إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة

الأُولى: إذا باع مرابحة فلينسب الربح إلى السلعة و هو كما ذكره الأصحاب كأن يقول:بعتك هذه بكذا و ربح كذا؛ لخلوّه عن شبهة الحرمة و الكراهة فتوًى و روايةً.

و لا كذلك لو نسبه إلى المال و هو كما قالوه كأن يقول:

بعتك بمائة و ربح المائة عشرة ف إنّه فيه قولان،أصحّهما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل لعلّه عليه عامّتهم الجوار مع الكراهة وفاقاً للمبسوط و الخلاف و السرائر (1)،استناداً في الثاني إلى الشبهة الناشئة عن اختلاف الفتوى و الرواية،و في الأوّل إلى الأصل و العمومات المبيحة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول:أبيعك بده دوازده،أو ده يازده،فقال:« لا بأس به،إنّما هذه المراوضة،فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» (2).

و في الاستدلال به كما فعله الأكثر نظر؛ لذيله الآمر بجعل البيع جملة واحدة،الظاهر في أنّ المراد أن يقول:بعتك هذه السلعة بدوازده أو يازده بعين ما فعله مولانا الباقر(عليه السّلام)،كما في الصحيح الآتي،المستدلّ به في كلامهم للقول الثاني.و ليس في صدره ما ينافيه؛ لاحتمال توجّه نفي البأس إليه بشرط العمل بما في الذيل،أو إذا كان ذلك قبل البيع.

نعم،في الصحيح أو الموثق الصحيح:« إنّي أكره بيع عشرة أحد

ص:341


1- المبسوط 2:141،الخلاف 3:134،السرائر 2:291.
2- التهذيب 7:/54 235،قرب الإسناد:/29 96 بتفاوت يسير،الوسائل 18:63 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 5.

عشر و عشرة اثني عشر،و نحو ذلك من البيع،و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة» (1).

و نحوه الخبر:« أكره بيع ده يازده و ده دوازده،و لكن أبيعك بكذا و كذا» (2).

و ليسا نصّاً في الجواز؛ لأعمّية الكراهة في زمان الصدور منها بالمعنى المصطلح و من الحرمة،فلم يبق إلّا الأصل و العمومات،و فيهما مناقشة بعد ما مرّ في الصحيحة الاُولى من الأمر بنسبة الربح إلى السلعة،و الجمع بين الربح و الثمن جملة.

و لعلّه لهذا ذهب من القدماء إلى القول الثاني جماعة،كالنهاية و المفيد و القاضي و التقي و الديلمي (3).

و يؤيّده الصحيح عن مولانا الصادق(عليه السّلام)،قال:« قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاماً و دعا له التجار،فقالوا:نأخذه منك بده دوازده،فقال(عليه السّلام):

و كم يكون ذلك؟فقالوا:في كلّ عشرة آلاف ألفين،فقال:إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفاً» (4).

و هو و إن لم يكن ظاهراً ظهوراً تامّاً إلّا أنّ في عدو له(عليه السّلام)عن إجراء

ص:342


1- الكافي 5:/197 4،التهذيب 7:/54 236 بتفاوت يسير،الوسائل 18:63 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 4.
2- الكافي 5:/197 3،التهذيب 7 ك /55 237،الوسائل 18:62 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 2.
3- النهاية:389،المفيد في المقنعة:605،و القاضي في الكامل حكاه عنه في المختلف:368،التقي في الكافي في الفقه:359،الديلمي في المراسم:175.
4- الكافي 5 ك /197 2،الفقيه 3:/135 589،التهذيب 7:/54 234،الوسائل 18:61 أبواب أحكام العقود ب 14 ح 1.

الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره نوع إيماء و إشارة إلى بأس فيما ذكروه، و هو كالكراهة في الخبرين المتقدمين و إن كان أعمّ من الحرمة إلّا أنّ الأمر بما فعله(عليه السّلام)هنا في الصحيحة السابقة قرينة واضحة على الحرمة، و أخبارهم(عليهم السّلام)بعضها يكشف عن بعض كما في الرواية.

إلّا أنّ في تعيّن المصير إليها نوع مناقشة بعد اعتضاد الأصل و العمومات كتاباً و سنّة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مع رجوع الشيخ القائل بالحرمة في النهاية إلى الكراهة في الكتابين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة،مع دعواه الإجماع في الخلاف (1)على الكراهة.

مضافاً إلى التأيّد بالخبرين المتضمّنين للكراهة المشعرين بها بالمعنى المصطلح من حيث بُعد المسامحة في التعبير عن الحرمة بلفظ الكراهة.

مضافاً إلى إشعار الصحيحة منهما بها من وجه آخر مستفاد من تتمة لها هي هذه:و قال لي:« أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم عليّ،فبعته مساومة» .و لا ريب أنّ المنع أحوط،هذا.

و قد ذكر بعض الأجلّة أنّ الظاهر من المعتبرة هنا كراهة المرابحة و أولوية المساومة،لا الكراهة في موضع المسألة (2).

و هو كذلك لولا المخالفة لفهم الطائفة،و لذا بعد الحكم بالكراهة في الصحيحة المتقدّمة،قال:« و لكن أبيعك كذا و كذا مساومة» فتأمّل.

الثانية من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة

الثانية: من اشترى أمتعة صفقة أي في عقد واحد،و سمّي بذلك

ص:343


1- الخلاف 3:134.
2- الحدائق 19:206.

اعتباراً بما كانوا يصنعونه من وضع أحدهما يده في يد صاحبه حال البيع، أو أنه يصفق أحدهما على يد الآخر عند انتهاء العقد لم يجز بيع بعضها مرابحةً،سواء قوّمها أو بسط الثمن عليها و باع خيارها بلا خلاف فيما إذا كانت متفاضلة.

و كذا إذا كانت متساوية،على الأشهر الأقوى،بل عليه المتأخّرون كافّة؛ لأنّ المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد،و إن تقسّط الثمن عليها في بعض الموارد،كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقّاً.

و لإطلاق الصحيحين:في الرجل يشتري المتاع جميعاً ثم يقوّم كل ثوب بما يسوى حتى يقع رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟قال:

« لا،حتى يبيّن أنّه إنّما قوّمه» (1).

خلافاً للإسكافي (2)فجوّزه حينئذٍ.و هو ضعيف.

و لو أخبر بذلك أي ببيعه الأوّل و تقويمه المبيع بما يقابله من الثمن جاز مطلقاً،بلا خلاف،و لكن يخرج بذلك عن وضع المرابحة لأنّها لا بدّ فيها من الإخبار برأس المال،و هو هنا غير حاصل؛ لأنّه لم يشتر تلك السلعة وحدها بشيء حتى يخبر به،إلّا أنّ ظاهر الخبرين كونه مرابحة،و لعلّها مجرّد تسمية.

و مما ذكرنا يظهر الوجه في قوله: و لو قوّم التاجر على الدلّال متاعاً بقيمة معينة و لم يواجبه البيع بإجزاء الصيغة و جعل له الزائد عنها أو شاركه فيه،أو جعل لنفسه منه قسطاً و شيئاً معيّناً

ص:344


1- الكافي 5:/197 1،الفقيه 3:/136 590،التهذيب 7:/55 239،الوسائل 18:77 أبواب أحكام العقود ب 21 ح 1،5.
2- نقله عنه في المختلف:368.

و للدلّال الزائد عليه لم يجز للدلّال بيع ذلك المتاع مرابحة بلا خلاف؛ لأنّه كاذب في إخباره،إذ مجرّد التقويم لا يوجبه.

و للخبر:عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا عليه قيمة، و يقولون:بع فما ازددت فلك،فقال:« لا بأس بذلك،و لكن لا يبيعه مرابحة» (1).

و يجوز لو أخبر بالصورة إلّا أنّه خارج عن وضع المرابحة كما قلناه في الأوّل.

و لو باع زائداً يكون للدلاّل الأُجرة أُجرة المثل؛ لأنّه عمل عملاً له اجرة عادةً،فإذا فات المشروط له شرعاً كما سيأتي رجع إليها.

و تكون الفائدة و الزيادة المشترطة له للتاجر مطلقاً، على الأشهر،سيّما بين من تأخّر؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه،مع عدم ما يوجبه للدلّال سوى الشرط السابق و ليس بموجب سواء كان التاجر دعاه أوّلاً، كأن قال له:بع هذا بكذا و لك ما زاد أو كان ابتدأه الدلّال فقال له:

خبّرني بثمن هذا المتاع و اربح عليّ فيه شيئاً لأبيعه،ففعل ذلك التاجر.

و من الأصحاب كالشيخين و القاضي و المختلف (2) من فرّق بين الصورتين،فوافق الأكثر في الثانية و خالفهم في الأُولى؛ استناداً إلى المعتبرة المستفيضة:

منها زيادة على ما مرّ من الخبر الصحيح:في رجل قال لرجل:بع

ص:345


1- الفقيه 3:/135 588،التهذيب 7:/54 233،الوسائل 7:/54 233،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 3.
2- المفيد في المقنعة:605،الطوسي في النهاية:390،حكاه عن القاضي في المختلف:369.

ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك،فقال:« ليس به بأس» (1)و نحوه الآخر (2)،و الموثق (3).

و قد حملها جملة من الأصحاب جمعاً بينها و بين القاعدة على صورة الجعالة،و ردّوا ما يترتّب عليها من الجهالة بأنّ المنع عنها فيها إنّما هو لأدائها إلى المنازعة،و هي هنا منتفية؛ إذ الواسطة إن زاد في الثمن مهما زاد كانت له الزيادة و إلّا فلا شيء له بالمرّة؛ لأنّهما تراضيا على ذلك، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدّية إلى المنازعة.

و فيه مناقشة؛ لمنع انحصار العلّة في المنع عنها في الجعالة فيما مرّ، فقد تكون شيئاً آخر كالغرر الممكن هنا،لجواز توهّم الدلّال قدراً يزيد على ذلك و لم يحصل له،فيقع في الغرر المنهي عنه.

و المسألة محلّ إشكال،فإنّ اطراح الأخبار الصحيحة من دون معارض صريح مشكل،و مخالفة القاعدة المعتضدة بالشهرة العظيمة أشكل.إلّا أنّ في دلالتها نوع مناقشة؛ فإنّ غايتها نفي البأس مع المراضاة، و لعلّه لا كلام فيه،و إنّما الكلام في عدمها برجوع ربّ المال عمّا قال،و لا دلالة فيها على لزوم ما قال بحال.

الثاني فيما يدخل في المبيع

الثاني:فيما يدخل في المبيع عند إطلاق لفظه.

ذكر جماعة من الأصحاب كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم (4)من غير

ص:346


1- الكافي 5:/195 2،التهذيب 7:/53 231،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:/54 232،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 2.
3- التهذيب 7:/235 1026،الوسائل 18:57 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 4.
4- المحقق في الشرائع 2:27،العلامة في القواعد 1:148،و التذكرة 1:570،و التحرير 1:173،الشهيد الأول في الدروس 3:205،الشهيد الثاني في الروضة 3:530،و المسالك 1:183؛ و انظر التنقيح الرائع 2:62،و جامع المقاصد 4:366،و الكفاية:95،و الحدائق 19:143.

خلاف يعرف أنّ الضابط أنّه يراعى فيه اللغة و العرف العام أو الخاص.

و زاد شيخنا الشهيد الثاني فقال:و كذا يراعى الشرع بطريق أولى،بل هو مقدّم عليهما،و قال:ثم إن اتّفقت،و إلّا قُدّم الشرعي،ثم العرفي،ثم اللغوي (1).

و اعترضه وحيد عصره و زمانه و فريد دهره و أوانه خالي العلّامة أدام اللّه تعالى بقاءه (2)بأنّ البائع ما باع إلّا ما هو مقصوده و المشتري ما اشترى إلّا كذلك،و مقصودهما من المطلق ليس إلّا ما هو باصطلاحهما،بل لو صرف إلى اصطلاح الشارع يلزم بطلان العقد من جهة أُخرى،و هو مجهولية المبيع حال العقد،نعم إذا عرفا اصطلاح الشارع و أوقعا العقد عليه يكون هو المرجع،لكن لا من جهة تقديمه على اصطلاحهما،بل من جهة تعيينهما،كما إذا أوقعاه على اصطلاح طائفة أُخرى.انتهى.

و هو و إن اختصّ بالاعتراض عليه في تقديمه الحقيقة الشرعية على العرف و اللغة،إلّا أنّه ينسحب في تقديمهما على عرف المتبايعين.

و لعلّه لهذا عدل بعض متأخّرين الأصحاب عن تلك الضابطة إلى أُخرى،و هي الرجوع إلى العرف العام،و أنّه لو اختصّ أهل بلد أو قرية بعرف خاص ظاهر شائع بينهم حمل كلامهم في بلدهم على ذلك،و هذا أمر يختلف بحسب البلاد المختلفة في الأزمان المختلفة (3).

ص:347


1- كما في الروضة البهية 3:530.
2- هو الوحيد البهبهاني،و لم نجد الاعتراض في كتبه الموجودة لدينا.
3- كفاية الأحكام:95.

و هي في غاية الجودة إلّا أنّ الذي يخطر بالفهم العليل و الفكر الكليل عدم الخلاف في ذلك من الجماعة،و أنّ الظاهر أنّ مرادهم من تلك الضابطة إنّما هو حيث لا يعرف للمتبايعين حقيقة عرفية و اختلفوا في المبيع،أو لم يمكن الرجوع إليهما في معرفتها بموت و نحوه، فالضابط حينئذ ما ذكروه،و إلّا فمع معلوميّة عرفهما لا يمكن الرجوع إلى غيره،و عدم إرادتهم انسحاب تلك الضابطة إلى هذه الصورة مما يقطع بتعيّنه.

و وجه الضابطة في غيرها ظاهر إلّا في تقديم الحقيقة الشرعية حيث علمت على العرفية و اللغوية إن اختلفت،فإنّ الظاهر بل المقطوع به عدم إرادة المتبايعين غالباً إيّاها،بل إنّما أرادا أحد الأمرين البتة،و لعلّه لهذا لم يذكرها عدا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة (1).

و أمّا ما ربما يستأنس به له،ممّا ورد في المعتبرة في النذر و الوقف و الوصية من الرجوع في الألفاظ إلى المعاني الشرعية المستعملة فيها تلك الألفاظ في الكتاب و السنة،فمع أنّها مختصّة بموارد مخصوصة،و مع ذلك ليست بأجمعها متّفقاً عليها بين الطائفة،و التعدية من دون دلالة حرام البتّة، محلّ مناقشة؛ فإنّها وردت في الألفاظ الخاصّة التي لا يعلم لها معانٍ معينة في العرف و اللغة،بل تكون مجملة أو مبهمة،فالتعدية إلى نحو المسألة ممّا تعرف فيه تلك المعاني فيهما مشخّصة غير واضحة.

و مما ذكرنا تحقق أنّ الضابطة الرجوع إلى عرف المتبايعين إن عُلِمَ، و إلّا فإلى العرف العامّ إن كان،و إلّا فإلى اللغة،فتأمّل.

ص:348


1- المسالك 1:183،الروضة 3:530.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ من باع أرضاً مقتصراً على لفظها لم يدخل نخلها و لا شجرها بلا خلاف،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة بعد الأصل و عدم المخرج عنه من اللفظ الدال عليه بإحدى الدلالات الثلاث في اللغة و العرف.

إلّا أن يشترط الدخول،فيدخل إجماعاً؛ عملاً بمقتضى الشرط.

أو يقول:بحقوقها،فكذلك عند الشيخ و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة و الحلّي (2)؛ بناءً على توهّم شمول الحقوق لهما.و فيه منع.

و التفاتاً إلى ما في رواية صحيحة من قوله(عليه السّلام)في رجل اشترى أرضاً بحدودها الأربعة و فيها زرع و نحل،و غيرهما من الشجر،و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه،و ذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة و الخارجة فيها،أ يدخل النخل و الأشجار و الزرع في حقوق الأرض أم لا؟فوقّع(عليه السّلام):« إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما أُغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء اللّه تعالى» (3).

و هي مع أنّها مكاتبة غير صالحة للخروج عمّا اقتضته الحجّة المتقدّمة،المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة غير واضحة الدلالة،بل هي على خلافه واضحة المقالة،من حيث تعليق الدخول فيها على ذكر ما أُغلق عليه بابها،الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدم ذكره،و المنطوق لا

ص:349


1- التنقيح الرائع 2:62.
2- الشيخ في المبسوط 2:105،و الخلاف 3:82،القاضي في المهذب 1:376،ابن حمزة في الوسيلة:240،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):590،الحلي في السرائر 2:379.
3- التهذيب 7:/138 613،/155 685،الوسائل 18:90 أبواب أحكام العقود ب 29 ح 1.

خلاف فيه،كما في التنقيح (1)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى شهادة العرف بالدخول مع ذكره.

و منها بمعونة ما ذكرنا يظهر الوجه في عدم دخول الزرع في بيع الأرض مطلقاً،كان مجزوراً أم لا،و هو أشهر و أقوى.خلافاً للمبسوط في الثاني إذا كان ظاهراً،فالجزّة الأُولى للبائع و الباقي للمشتري (2).

و لو ابتاع داراً دخل في مفهومها العرصة،و الحيطان،و الأبواب، و الأغلاق المنصوبة،و الأخشاب المستدخلة،و السلّم المثبت و المفتاح على قول،و البيت الأعلى و الأسفل لاقتضاء العرف ذلك كلّه، إلّا أنّ يتغير أو تشهد العادة للأعلى بالانفراد كما في بعض البلاد،فتخرج حينئذٍ،و عليه يحمل ظاهر إطلاق المكاتبة الصحيحة:في رجل اشترى من رجل بيتاً في دار له بجميع حقوقه و فوقه بيت آخر،هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟فوقّع(عليه السّلام):« ليس له إلّا ما اشتراه باسمه و موضعه إن شاء اللّه» (3)الحديث.و ذيله قريب من صدره،مع أنّها في البيت لا في الدار (4).

و لو باع نخلاً مؤبّراً بتشقيق طلع الإناث و ذرّ طلع الذكور فيه ليجيء ثمره أصلح فالثمرة للبائع على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المعتبرة،في اثنين منها:« من باع نخلاً قد لقّح» كما في

ص:350


1- التنقيح الرائع 2:62.
2- المبسوط 2:103.
3- الفقيه 3:/153 672،التهذيب 7:/150 664،الوسائل 18:91 أبواب أحكام العقود ب 31 ح 1.
4- التهذيب 7:/150 665،الوسائل 18:92 أبواب أحكام العقود ب 31 ح 2.

أحدهما،أو« أُبِرّ» كما في الثاني« فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع» (1).

و في الثالث:« إنّ ثمرة النخل للذي أبرّها،إلّا أن يشترط المبتاع» (2).

خلافاً لابن حمزة،فجعلها للمبتاع مع عدم بدوّ الصلاح (3).

و هو شاذّ،و مستنده مع ذلك غير واضح،و الإجماعات المستفيضة على خلافه محكيّة،فهو ضعيف غايته.

إلّا أن يشترط كونها للمتاع،فيدخل كما قاله،بل مطلقاً و لو بدا الصلاح،بلا خلاف،عملاً بصريح تلك المعتبرة،و التفاتاً إلى مقتضى الشرطيّة.

و مقتضى الأصل،و اختصاص الانتقال إلى المبتاع مع عدم التأبير في الحجج السابقة بصورة البيع خاصّة صريحاً في بعض و ظهوراً في آخر:

عدمه فيما عداها من صور وجوه الانتقالات،كالإرث و الوقف و الهبة و غيرها من الأُمور الناقلة،إلّا أن يقتضي عرف الناقل الدخول،فيدخل البتة،و بما ذكرناه صرّح جماعة مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (4).

خلافاً للمبسوط و القاضي فعمّماه إلى الصور المزبورة (5).و لا دليل لهما سوى القياس بالبيع،كما صرّح به في السرائر (6)،و هو كما ترى.

ص:351


1- الكافي 5:/177 12،14،التهذيب 7:/87 369،370،الوسائل 18:93 أبواب أحكام العقود ب 32 ح 2،3.
2- الكافي 5:/178 17،التهذيب 7:/87 371،الوسائل 18:92 أبواب أحكام العقود ب 32 ح 1.
3- الوسيلة:250.
4- انظر المسالك 1:184.
5- المبسوط 2:100،المهذب 1:374.
6- السرائر 2:364.

و كذا لو باع شجرة مثمرة فيها ثمرتها لم تدخل في مفهومها مطلقاً،بلا خلاف هنا كما يفهم عن بعض أصحابنا (1)،إلّا أنّ المحكي عن الشيخين المتقدّمين المخالفة في نحو القطن بعد خروج جوزقه (2)و قبل التشقّق،و في الورد قبل تفتّحه،فحكما بالدخول حينئذٍ (3).و يمنعهما الأصل الذي قدّمناه؛ لعدم دخول الثمرتين في مفهوم الأصل مطلقاً.

و منه يظهر الوجه في قوله: أو باع دابّة حاملاً لم يدخل فيها حملها على الأظهر الأقوى،و عليه أكثر أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المقنعة و القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن زهرة و الحلّي (4)،مدّعياً الإجماع عليه.

خلافاً للمبسوط و القاضي في المهذب،و الجواهر (5)،فيدخل.

و مستندهما غير واضح عدا دعواهما كونه كالجزء.و فيه منع،و لذا يصحّ الوصية له و به و كذلك الإقرار،دون الجزء؛ إذا لا يصحّ شيء من ذلك فيه.فالخروج عن مقتضى الأصل القطعي المعتضد بالشهرة العظيمة به مجازفة.

نعم ربما يستأنس له ببعض المعتبرة في عتق الأمة:عن رجل أعتق أمة و هي حبلى،فاستثنى ما في بطنها،قال:« الأمة حرّة،و ما في بطنها

ص:352


1- التنقيح 2:64،المهذب البارع 2:396.
2- جَوْزَقٌ:فَوْعَل استعمله الفقهاء في كِمام القطن.المصباح المنير:99.
3- المبسوط 2:102 و 103،المهذب 1:374 و 375.
4- النهاية:409،المقنعة:600 القاضي في الكامل كما في المهذب البارع 2:397،الحلبي في الكافي:356،الديلمي في المراسم:176،لم نعثر عليه في الغنية حكاه عنه في التنقيح 2:74،الحلّي في السرائر 2:343.
5- المبسوط 2:156،لم نعثر عليه في المهذب حكاه عنه في المختلف:379،جواهر الفقه:238.

[حرّ (1)]،لأنّ ما في بطنها منها» (2).

لكنه قاصر السند،غير معمول عليه عند الأكثر،معارض بأجود منه من المعتبرة المعتضدة بالشهرة في محلّها و في المسألة،كالموثق:عن امرأة دبّرت جارية لها،فولدت الجارية جارية نفيسة،فلم تدر المرأة حال المولود هي مدبّرة أو غير مدبّرة،فقال:« متى كان الحمل بالمدبّرة؟أقبل ما دبّرت أم بعد؟» فقلت:لست أدري،و لكن أجبني فيهما جميعاً،فقال:

« إن كانت المرأة دبّرت و بها حبل و لم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة، و الولد رقّ،و إن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير امّه،لأنّ الحمل إنّما حدث بعد التدبير» (3).

و في الحسن:عن رجل دبّر جارية و هي حبلى،فقال:« إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها،و إن كان لا يعلم فما في بطنها رقّ» (4).

و على الدخول فهل يجوز الاستثناء للبائع؟قولان؛ للعدم كما عمّن تقدم أنّه كالجزء،فكما لا يجوز استثناؤه فكذلك شبهه.و للجواز كما عن الإسكافي و ابن حمزة (5)الأصل،و منع المشابهة.و لا يخلو عن قوّة.

و على المختار جاز اشتراط الدخول بلا خلاف،كما قيل (6)؛ للأصل،

ص:353


1- أثبتناه من المصادر.
2- الفقيه 3:/85 309،التهذيب 8:/236 851،الوسائل 23:106 أبواب العتق ب 69 ح 1.
3- الكافي 6:/184 5،الفقيه 3:/71 246،التهذيب 8:/250 947،الاستبصار 4:/31 109،بتفاوت،الوسائل 23:122 أبواب التدبير ب 5 ح 2.
4- الكافي 6:/184 4،الفقيه 3:/71 247،التهذيب 8:/260 946،الإستبصار 4:/31 108،الوسائل 23:123 أبواب التدبير ب 5 ح 3.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:379،ابن حمزة في الوسيلة:248.
6- قال الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:245:و مع التقييد بكونه للمشتري يصحّ البيع و يكون الولد للمشتري بلا نزاع.

و اندفاع الجهالة بالضميمة.

و لا فرق في الاشتراط بين أن يقول:بعتك الجارية و حملها أو شرطت لك حملها،أو بعتك هذه الأمة بكذا و حملها،بلا خلاف،فيما عدا الصورة الأُولى،و على قول جماعة (1)فيها أيضاً؛ لقاعدة الضميمة.

خلافاً للتذكرة (2)فيبطل؛ للجهالة.

و لو لم تؤبّر النخلة فالطلع للمشتري بلا خلاف،بل عليه الإجماع في كلام جماعة،كشيخنا في الخلاف،و العلّامة في المختلف و التذكرة،و ظاهر الماتن في الشرائع،و الفاضلين المقداد (3)و الصيمري في شرحيهما على الكتاب و الكتاب المتقدّم؛ و هو الحجة،مضافاً إلى مفهوم القيد الذي هو حجّة في أكثر المعتبرة المتقدّمة (4).

و بهما يخصّ الأصل الدالّ على استصحاب كونه للبائع،بناءً على عدم دخوله في مفهوم النخل لغة،بل و عرفاً،لكن مع تأمّل فيه على إطلاقه.

الثالث في القبض

الثالث في القبض و أحكامه.

اعلم أنّ إطلاق العقد و تجريده عن شرط تأخير أحد العوضين، أو تأخيرهما إذا كانا عينين،أو أحدهما يقتضي وجوب تسليم المبيع

ص:354


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 3:309،الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:245،و صاحب الحدائق 19:393.
2- التذكرة 1:498.
3- الخلاف 3:79،المختلف:377،التذكرة 1:573،الشرائع 2:27،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:64.
4- راجع ص:3889.

و الثمن على المتبايعين فوراً،فيتقابضان معاً لو تمانعا من التقدّم سواء كان الثمن عيناً أو ديناً،و إنّما لم يكن أحدهما أولى بالتقدّم لتساوي الحقّين في وجوب تسليم كلّ واحد منهما إلى مالكه.و عليه الأكثر،بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر،وفاقاً للإسكافي (1).

خلافاً للمبسوط و الخلاف و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (2)، فحكموا بإجبار الحاكم البائع على الإقباض أوّلاً بعد التمانع؛ لأنّ الثمن تابع للمبيع.

و يضعف باستواء العقد في إفادة الملك لهما،فإن امتنعا أجبرهما الحاكم معاً مع إمكانه،كما يجبر الممتنع من قبض ماله.

و يجوز اشتراط تأخير إقباض أحد العوضين مدّة معيّنة و الانتفاع به منفعة معينة؛ لأنه شرط سائغ،فيدخل تحت العموم.

و لا يجب على المشروط له فوريّة الإقباض،بل له التأخير إلى الأجل.و لا كذلك غيره،فإنّه يجب الإقباض عليه فوراً؛ للأصل، و اختصاص المخرج عنه بمن له الشرط.

و حيث إنّ القبض من الأُمور المعتبرة شرعاً لما يترتّب عليه من الأحكام بالنسبة إلى الوصيّة و الرهن و الهبة،فإنّ للقبض فيها مدخلاً باعتبار شرطيّته للصحة أو اللزوم،و كذا بالنسبة إلى البيع،إذ من أحكامه فيه انتقال ضمان المبيع مثلاً إلى المشتري بعده مع عدم الخيار له، و كونه على البائع قبله،و جواز بيع ما اشتراه بعده مطلقاً،و تحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه،و جواز فسخ البائع مع تأخير الثمن و عدم

ص:355


1- نقله عنه في المختلف:395.
2- المبسوط 2:148،الخلاف 3:151،حكاه عن القاضي في المختلف:395،الحلّي في السرائر 2:306،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589.

قبض المبيع بعد ثلاثة أيّام،و غير ذلك احتيج إلى تعريفه،و حيث لم يرد فيه نصّ كلّي يتضمّنه وجب الرجوع فيه إلى العرف.

و قد اختلف فيه الأصحاب بعد اتّفاقهم على أنّه هو التخلية بينه و بينه بعد رفع اليد عنه فيما لا ينقل خاصّة كالعقار و نحوه على أقوال،أحدها ما اختاره الماتن في الشرائع (1)،و إليه أشار هنا بقوله:

و كذا هو التخلية فيما ينقل محتجّاً بأنّه استعمل في التخلية إجماعاً فيما لا ينقل و لا يحوّل،فيجب أن يكون كذلك في غيره،و يكون حقيقة في المعنى المشترك،إذ لو استعمل في المنقول بمعنى آخر لكان إما حقيقة فيهما فيلزم الاشتراك،أو مجازاً في الآخر فيلزم المجاز،و كلاهما على خلاف الأصل.

و فيه نظر؛ لوجوب المصير إلى أحدهما بعد قيام الدليل عليه،كما يأتي،مع أنّ استعمال القبض في التخلية في المنقول خلاف المفهوم و المتبادر منه في العرف و اللغة،بل المتبادر منه عرفاً عند الإطلاق هو القبض باليد،و به صرّح جماعة من أهل اللغة (2)،فاللازم الاقتصار عليه، إلّا ما قام الإجماع على إرادة الخلية منه،و هو إنّما يكون في غير المنقول خاصّة.

و كذا لا يجب اعتبار شيء زائد عليه من النقل إلّا ما قام الدليل على اعتباره،فيعتبر إن تمّ،فتأمّل جدّاً.

و مع ذلك تردّه المعتبرة الآتية ظاهراً،فلا وجه لهذا القول أصلاً.

ص:356


1- الشرائع 2:29.
2- منهم:الفيروزآبادي في القاموس 2:354،و ابن الأثير في النهاية 4:6،و الفيومي في المصباح المنير:488،و الطريحي في مجمع البحرين 4:226.

و قيل: إنّه في القماش و نحوه ممّا يتناول باليد،كالدراهم و الدنانير و الجواهر هو الإمساك باليد،و في الحيوان كالعبد و البهيمة هو نقله و إن اختلف فيهما،ففي الأوّل بأن يقيمه المشتري إلى مكان آخر،و في الثاني بأن يمشي به إلى مكان آخر،و في المكيل و الموزون الكيل و الوزن،تحقيقاً أو تقديراً،كأن يخبر بهما مع تصديق المشتري له بهما مثلاً مع رفع اليد عنه،على قول.

صرّح بهذا القول شيخنا في المبسوط،و تبعه ابن البراج و ابنا حمزة و زهرة (1)،مدّعياً عليه الإجماع،إلّا أنّه جعله في المنقول مطلقاً هو النقل خاصّة؛ و هو الحجة في الجملة.

مع اعتضاده كذلك بالشهرة المحكيّة في كلام جماعة،كالمهذب (2)و ابن المفلح،و بفتوى كثير من متأخّرين الطائفة،كالشهيدين في اللمعتين و شراح الكتاب و غيرهم (3)،و يعضده العرف أيضاً في الجملة،كما صرّح به جماعة (4)،و يشهد له في الجملة بعض المعتبرة،كالصحيح:عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه،فقال:« ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن تولّيه الذي قام عليه» (5).

ص:357


1- المبسوط 2:120،ابن البراج في المهذب 1:385،ابن حمزة في الوسيلة:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):589.
2- انظر المهذب البارع 2:398.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):523،المهذب البارع 2:398،المقتصر:173،التنقيح 2:66.
4- منهم:العلامة في المختلف:393،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:66،و السبزواري في الكفاية:96.
5- التهذيب 7:/35 146،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 11.

و الخبر الذي قصور سنده من جميع الوجوه بالشهرة منجبر:في رجل اشترى متاعاً من آخر و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه،و قال:

آتيك إن شاء اللّه تعالى،فسرق المتاع،من مال مَن يكون؟قال:« من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته،فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه» (1).

و المناقشة فيهما بضعف الدلالة،من حيث إنّ ظاهر الاُولى أنّ البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن،و ذلك لا يدلّ على كون القبض ذلك بضمّ السؤال؛ إذ يصحّ جواب السائل هل يجوز قبل القبض؟بأنّه لا يجوز قبله بدون أحد الأمرين.و الثانية أنّه يعتبر في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري نقل المتاع و إخراجه من بيته،و ليس فيه تفسير القبض بكونه عبارة عمّا ذا،مع أنّ ظاهرها أنّه يعتبر في انتقال الضمان الإخراج من بيت البائع،و لا قائل به.

مدفوعة،بظهور الاُولى في ارتفاع المنع تحريماً أو كراهة بأحد الأمرين،فليكونا قبضاً،للإجماع على عدم ارتفاعه إلّا به،فالإجماع شاهد عليه،و لعلّه مراد شيخنا في المختلف من قوله بعد نقلها:فجعل(عليه السّلام) الكيل و الوزن هو القبض،للإجماع على تسويغ بيع الطعام بعد قبضه (2).

و بنحوه يجاب عن الثانية،و به صرّح في المهذب،فقال في تقريب جعل النقل فيها هو القبض لتعليله زوال الضمان به:و لا خلاف في أنه معلّل بالقبض (3).و به يندفع ما أُورد عليها من الاعتراض الآخر.

ص:358


1- الكافي 5:/171 12،التهذيب 7:/21 89،الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.
2- المختلف:393.
3- المهذب البارع 2:399.

و هنا أقوال أُخر،منها:ما اختاره شيخنا في الدروس من أنّه في الحيوان نقله،و فيما يعتبر باعتبار مخصوص لدفع الجهالة كيله أو وزنه أو عدّه أو نقله،و في الثوب وضعه في اليد (1)؛ استناداً في الكيل و الوزن إلى الصحيح المتقدّم،و في النقل إلى ما مرّ من الخبر.

و هو حسن؛ لما ظهر،إلّا أنّ إلحاق المعدود بالمكيل و الموزون قياس،و الفرق بين الحيوان و غيره ضعيف.

و منها:الاكتفاء بالتخلية مطلقاً بالنسبة إلى نقل الضمان لا زوال التحريم و الكراهة عن البيع قبل القبض (2).و العرف يأباه و الأخبار تدفعه.

و منها:ما في المختلف من أن المبيع إن كان منقولاً فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد،و إن كان مكيلاً أو موزوناً فقبضه هو ذلك أو الكيل و الوزن (3).

و الفرق بينه و بين المشهور من وجهين الاكتفاء عليه في المنقول بقبض اليد من دون احتياج إلى النقل،و في المكيل و الموزون بهما من دون احتياج إلى الكيل و الوزن،و لا يكتفى في المقامين بشيء من ذلك على المشهور،بل لا بدّ من النقل في الأوّل،و أحد الأمرين في الثاني،فلو قبض باليد فيهما لم يحصل القبض مطلقاً،و العرف كما ترى يأباه و يوجب المصير إلى هذا القول جدّاً،لموافقته له ظاهراً.فالقول به لا يخلو عن قوّة لولا ما قدّمناه من الأدلّة،لكنها للتنزيل على هذا القول قابلة،و لذا أيّده القائل به بما قدّمناه من المعتبرة.

ص:359


1- الدورس 3:213.
2- قال به في الدروس 3:213.
3- المختلف:393.

فهذا القول أقر،و إن كان المصير إلى المشهور في بعض الأحيان أحوط.

و حيث اعتبرنا الكيل و الوزن في القبض ففي الافتقار إلى اعتباره ثانياً لأجله،أو الاكتفاء بالاعتبار السابق،وجهان،من إطلاع توقّف الحكم على الكيل أو الوزن و قد حصلا.و قوله(عليه السّلام):« لا تبعه حتى تكيله أو تزنه» (1)لا يدلّ على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع.

و من كون الظاهر أنّ ذلك لأجل القبض لا لأجل صحّة البيع،فلا بدّ من اعتبار جديد بعد العقد،و به صرّح العلّامة و الشهيدان و جماعة (2).

و لا يخلو عن قوّة؛ لقوله(عليه السّلام)في الصحيح المتقدّم:« إلّا أن توليه» فإنّ الكيل السابق شرط لصحة البيع أو ما قام مقامه،فلا بدّ منه في التولية و غيرها،و مقتضى قوله(عليه السّلام)المشار إليه أنّه معها لا يتوقّف على كيل أو وزن،فدلّ ذلك على أنّهما لأجل القبض لا لأجل صحة البيع.و من هنا يظهر الوجه في الاكتفاء عنهما تحقيقاً بالإخبار،فنعم على الأوّل،و لا على الثاني.و نحوه الكلام في العدّ إن اعتبرناه.

و يجب عند الإقباض تسليم المبيع مفرّغاً من أمتعة البائع و غيرها مما لا يدخل في المبيع فلو كان فيه متاع فعلى البائع إزالته فوراً،و لو كان مشغولاً بزرع لم يبلغ وجب الصبر إلى أوانه إن اختاره البائع.

ثم إن كان المشتري عالماً بالحال،و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر إن

ص:360


1- تقدّم مصدره في ص:3896.
2- قال العلّامة في القواعد 1:..فحينئذٍ لو اشترى مكابلة و باع مكابلة،لا بدّ لكل بيع من كيلٍ جديد ليتمّ القبض،و قال الشهيد في الدروس 3:213،و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض،الشهيد الثاني في المسالك 1:185.

احتاج إلى مضيّ زمان يفوت فيه شيء من النفع المعتدّ به،دفعاً للضرر.

و لو كان فيه ما لا يخرج إلّا بهدم وجب أرشه على البائع.

ثم إنّ التفريغ و إن كان واجباً إلّا أنّ الظاهر عدم توقّف القبض عليه، بل لو رضي المشتري بتسلّمه مشغولاً تمّ و وجب التفريغ بعده.

و لا بأس ببيع المشتري ما لم يقبض إذا لم يكن مكيلاً و لا موزوناً،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في بعض العبارات (1)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الجواز في المسألة الآتية،عموماً في بعض و فحوى في الباقي.

و صريح الصحيحين في أحدهما:« فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه» (2).

و في الثاني:عن قوم اشتروا بزاً (3)فاشتركوا فيه جميعاً و لم يقسّموه، أ يصلح لأحد منهم أن يبيع بزّه قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟قال:« لا بأس به،لأنّ هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال» (4).

و مفهوم الآخر:عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه،فقال:« ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن تولّيه» (5)و نحوه غيره ممّا يأتي.

و يكره فيما يكال أو يوزن،و تتأكّد الكراهة في الطعام وفاقاً

ص:361


1- التحرير 1:176.
2- الفقيه 3:/129 560،التهذيب 7:/35 147،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 12.
3- البَزّ:الثياب و بائعه بزّاز.مجمع البحرين 4:8.
4- الفقيه 3:/136 594،التهذيب 7:/55 240،الوسائل 18:67 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 10.
5- تقدّم مصدره في ص:357.

للمفيد و النهاية و القاضي في الكامل (1)،و اختاره من المتأخّرين جماعة، كالشهيد في الدروس اللمعة،و المختلف،و الفاضل المقداد و الصيمري و الماتن هنا و في الشرائع (2)،و غيرهم (3)،بل ادّعى عليه بعض الأجلّة الشهرة المتأخّرة (4).

و لا يخلو عن قوّة؛ جمعاً بين ما دلّ على الجواز من الأصل، و العمومات،و ظاهر عموم التعليل في الصحيحين،في أحدهما:في رجل أمر رجلاً يشتري متاعاً فيشتريه منه،قال:« لا بأس بذلك إنّما البيع بعد ما يشتريه» (5)و نحوه الثاني:« لا بأس،إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (6).

و ظاهر عموم الصحيحين (7)الناشئ من ترك الاستفصال،في أحدهما:عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها،قال:« لا بأس به،إن وجد ربحاً فليبع» و لا ريب أنّ الثمرة مكيل في الجملة،بل طعام في بعض الإطلاقات.

ص:362


1- المفيد في المقنعة:596،النهاية:398،و حكاه عن كامل القاضي في المختلف:393.
2- الدروس 3:211،اللمعة(الروضة البهية 3):528،المختلف:393،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:68،الشرائع 2:31.
3- انظر كشف الرموز 1:473 و كفاية الأحكام:96.
4- الحدائق 19:168.
5- التهذيب 7:/50 218،الوسائل 18:50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 6؛ بتفاوت يسير.
6- التهذيب 7:/51 220،الوسائل 18:51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8؛ بتفاوت يسير.
7- الأول:الفقيه 3:/132 576،التهذيب 7:/88 376،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 2.الثاني:التهذيب 7:/89 377،الوسائل 18:47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.

و خصوص الخبر الذي قصور سنده بالشهرة المحكية و ما قدّمناه من أدلّة الإباحة منجبر:في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه،قال:

« لا بأس» (1).

و بين ما دلّ على النهي عنه،و نفي الصلاحية،و ثبوت البأس به من الصحاح المستفيضة،منها مضافاً إلى ما مرّ:« إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلّا أن تولّيه» (2).

و منها:« من احتكر طعاماً..و أراد أن يبيعه فلا يبعه حتى يقبضه و يكتاله» (3).

و منها:في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله،قال:

« لا يصلح له ذلك» (4)و نحوه آخر (5).

و نحوها غيرها من المعتبرة كالموثقين كالصحيح،في أحدهما:عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل و لا وزن،إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟فقال:« لا بأس بذلك ما لم يكن فيه كيل و لا وزن» (6)الخبر.

و في الثاني:اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله فصدّقناه و أخذنا بكيله،فقال:« لا بأس» فقلت:أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟

ص:363


1- الكافي 5:/179 3،التهذيب 7:/36 151،الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 6.
2- التهذيب 7:/35 147،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 12.
3- التهذيب 7:/37 155،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 17.
4- الكافي 5:/178 2،التهذيب 7:/36 149،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 13.
5- التهذيب 7:/36 150،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 14.
6- الفقيه 3:/136 593،التهذيب 7:/56 241،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 18.

قال:« لا،أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله» (1).

و الموثق:عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها،قال:« لا حتى يقبضها» (2).

و هذه النصوص و إن ترجّحت على أدلّة الإباحة بالكثرة و الصحة، و لعلّه لذا قيل:يحرم إمّا مطلقاً،طعاماً أو غيره،بتولية أو غيرها، كما عن العماني (3)،أو طعاماً خاصّة مطلقاً،كما عن الصدوق و القاضي في المهذب،و المبسوط و الغنية (4)،مدّعين فيهما الإجماع.

إلّا أنّها ما بين قاصرة بحسب الدلالة،و هي ما تضمّن ثبوت البأس أو نفي الصلاحية،لأعميّة الأوّل من الحرمة،و ظهور الثاني في الكراهة،سيّما بملاحظة الخبر:عن رجل اشترى طعاماً ثم باعه قبل أن يكيله،قال:

« لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه،إلّا أن يولّيه كما اشتراه» (5).

و شاذّةٍ،و هي ما استثنت من المنع صورة التولية،فإنّه لا قائل بهذا التفصيل من القائلين بالحرمة المتقدّم إلى ذكرهم الإشارة.

نعم،قد يوجد القول بها من بعض متأخّرين الطائفة،كما سيأتي في ذيل الرواية إلى ذكره الإشارة.

ص:364


1- التهذيب 7:/37 157،الوسائل 17:345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.
2- التهذيب 7:/36 152،الوسائل 18:68 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 15.
3- نقله عنه في المختلف:393.
4- الصدوق في المقنع:123،المهذب 1:385،المبسوط 2:119،الغنية(الجوامع الفقهية):585.
5- التهذيب 7:/37 154،الوسائل 18:69 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 16.

و بعدم مصير أحد إلى هذا القول صرّح بعض الأجلّة (1)،و مع ذلك فالقائل بهذه النصوص ليس إلّا العماني،حيث أطلق فيها المبيع و لم يخصّ بالطعام،و التخصيص إنّما هو في كلام الرواة و مع ذلك فليس قابلاً لتقييد الإطلاق،و حينئذٍ فتكون متروكة عن القائلين بالإباحة كافّة،و أكثر القائلين بالحرمة،و هذا من أكبر الشواهد على تعيين حملها على الكراهة.

نعم،يبقى الكلام فيما دلّ منها على المنع عن خصوص الطعام؛ لاعتضادها بفتوى جماعة،و بالإجماعات المحكية.إلّا أنّها ما بين ضعيفةٍ دلالةً بالتضمّن لنفي الصلاحيّة أو ثبوت البأس،المتقدّم إلى ما في دلالتها على الحرمة من المناقشة،و متضمّنةٍ لما لا يقول به هؤلاء الجماعة،من اعتبار الحكرة و استثناء التولية.

و الإجماعات المحكية هنا موهونة؛ إذ لم يوجد القائل بها إلّا هؤلاء الجماعة القليلة بالإضافة إلى القائلين بالحرمة على الإطلاق أو الكراهة كذلك.

و لكن شبهة القول بالحرمة هنا قويّة أقوى منها في المسألة السابقة، و لذا حكم في العبارة بتأكّد الكراهة هنا.

و تخفّ لو باع توليةً؛ لما تقدّم من المعتبرة. و نحوها ما في رواية أُخرى صحيحة حاصلة قوله: لا تبعه حتى تقبضه إلّا أن تولّيه (2).

و سياق العبارة يشعر بعدم القائل بها.و هو كذلك قبل زمانه-(رحمه اللّه) كما مضى،و أمّا بعده فقد اختاره الفاضل في التحرير و الإرشاد،و الشهيد

ص:365


1- المهذّب البارع 2:401.
2- الفقيه 3:/129 560،الوسائل 18:65 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 1.

الثاني في المسالك و الروضة (1)،و بها جَمَعا بين الأخبار المختلفة.

و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

و عليه فهل يخصّ الحكم بالتولية أم يعمّ الوضيعة؟وجهان،من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاقات المنع على ما تضمّنته الرواية،و من مفهوم الصحيحة:« إذا ربح لم يصلح حتى يقبض» (2)و احتمال ورود الإطلاقات و استثناء التولية خاصّة مورد الغلبة،لكون المعاملة بالوضيعة نادرة،إلّا أنّه وارد في مفهوم الصحيحة،و مع ذلك يؤيّد الأوّل الخبر:

« لا بأس أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع» (3).

و لو قبض المشتري المكيل فادّعى نقصانه فإن حضر الاعتبار و شهده فالقول قول البائع مع يمينه بلا خلاف أجده؛ و هو الحجة، دون ما علّل به جماعة من العمل بالظاهر من أنّ صاحب الحق إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه و يأخذ مقدار حقّه.مع إمكان موافقة الأصل للظاهر باعتبار آخر،و هو أنّ المشتري لمّا قبض حقّه كان في قوّة المعترف بوصول حقّه إليه كملاً،فإذا ادّعى بعد ذلك نقصانه كان مدّعياً لما يخالف الأصل.

فإنّ فيه مناقشة؛ لمنع الظهور أوّلاً،باحتمال الاعتماد على البائع،أو الغفلة و السهر،أو حضور الاعتبار للغير،فتأمّل.

و منع معارضته للأصل و رحجانه عليه بعد تسليمه لولا الإجماع ثانياً.

و كذا دعوى الموافقة للأصل،فإنّ إقامة أخذ الحق مع حضور الاعتبار مقام الاعتراف ممنوعة،و إن هو إلّا قياس فاسد في الشريعة،فإذا العمدة

ص:366


1- التحرير 1:176،الإرشاد 1:382،المسالك 1:186،187،الروضة 3:528.
2- التهذيب 7:/36 153،مسائل علي بن جعفر:/124 84،/123 83،قرب الإسناد:/265 1052،الوسائل 18:67 أبواب أحكام العقود ب 16 ح 9.
3- تقدّم مصدره في ص:3903.

فتوى الجماعة.

هذا إذا ادّعى الغلط،و أمّا إذا ادّعى عدم وصول الحق فالحكم فيه كما في الصورة الثانية،المشار إليها بقوله: و إن لم يحضره فالقول قوله أي المشتري مع يمينه قولاً واحداً؛ تمسّكاً بالأصل السليم عن المعارض جدّاً.

و كذا القول بالتفصيل بين صورتي الحضور فالأوّل،و عدمه فالثاني في الموزون و المعدود و المذروع و إن خالف الأصل في الصورة الأُولى؛ لعين ما مرّ في المسألة السابقة.

الرابع في الشرائط

الرابع:في الشرائط المرسومة في متن العقد التي لم يعلّق عليها العقد،كأن يقول:بعتك هذا المتاع و شرطت عليك صباغة هذا الثوب، دون المذكورة في طرفيه و المعلّق عليها،كأن يقول:بعتك هذا المتاع إن جاء زيد؛ إذا لا أثر للأوّلة (1)في صحة العقد و لزومه أصلاً،و الثانية لا يصحّ

ص:367


1- المذكورة في طرفيه،و يصح العقد و يلزم من دونها؛ لفحوى ما دل على ذلك في عقد المتعة من النص و الفتوى بأنّ الشروط قبله و بعده لا تلزم أصلاً،و لا يؤثر فقدها في العقد فساداً و لا تزلزلاً،و يفسد العقد في المعلّق عليها من أصله؛ لمنافاة التعليق القصد إلى إيقاع مضمون البيع الذي هو الانتقال من حين العقد،مع أنه شرط في صحته إجماعاً،و وجه المنافاة واضح؛ إذ تعليق النقل على الشرط ليس عبارة إلّا عن عدمه إلّا بعد حصوله،و هو بعدُ لم يحصل كما هو مقتضى التعليق،إذ تعليق العقد على أمر حاصل شيء ليس له حاصل.و ليس كذلك الشروط المرسومة في متن العقد لا على جهة التعليق و لو بلفظ:أبيعك بشرط كذا،مع قيام القرينة على عدم قصدها التعليق كما هو الغالب،و ذلك لحصول القصد إلى النقل من الحين من دون توقف له على الشرط،و إنما فائدته انتفاء اللزوم بانتفائه،و نحن نقول به.و إنما جعل غايته ذلك دون عدم صحة العقد و فساده لأن ذلك من فوائد التعليق و قد فرض عدمه،مع أن العقد مطلق فلا يتقيد بالشرط المذكور في متنه.و تحصيل فائدة الشرط لتصحيح معناه يمكن بإرجاعها إلى اللزوم الذي هو من فوائد العقد و لوازمه،و معه فلا وجه لإرجاعها إلى نفس العقد و الحكم بانتفائه عند انتفائه،بل هو زيادة في التجوّز لا داعي لها،بل الأصل يردّها،فتأمّل جدّاً.ثم إنّ الفارق بين الشرط العليقي و غيره ممّا يرسم في العقد و متنه مع اشتراكهما في التعبير عنهما بما يؤدّي الشرطية و معناها وقوع الأول بلفظ:بعتك بشرط كذا أو ما أدى مؤدّاه،مع عدم قرينة تدل على عدم قصد التعليق،و وقوع الثاني بلفظ:بعتك و شرطت عليك كذا،أو بشرط كذا،مع القرينة على عدم قصد التعليق أصلاً كما يكون غالباً.(منه(رحمه اللّه)).

معها العقد جدّاً.

و يصحّ منها ما كان سائغاً لم يمنع عنه كتاب و لا سنّة.و يدخل فيه اشتراط أن لا تؤدّي إلى الجهالة؛ لاستلزامها حينئذٍ الغرر المنهي عنه في الشريعة،و داخلاً تحت القدرة للمشروط عليه كقصارة الثوب و نحوها،و غير منافٍ لمقتضى العقد مما اجمع على فساده،كاشتراط عدم انتقال أحد العوضين إلى المتبايعين.

و الأصل في الصحة بعد الإجماع الكتاب و السنّة المستفيضة،منها الصحيح:« المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز» (1).

و الصحيح:« من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه تعالى فلا يجوز على الذي اشترط عليه،و المسلمون عند شروطهم فيما يوافق كتاب اللّه عز و جل» (2)و نحوهما في الجملة الصحيحة الآتية (3)و غيرها من المعتبرة (4).

ص:368


1- الفقيه 3:/127 553،التهذيب 7:/22 93،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 2.
2- الكافي 5:/169 1،التهذيب 7:94/22،الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6 ح 1.
3- في ص:3914.
4- انظر الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6.

و المتبادر منها و من ظاهر الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لما الشرائط جزؤها وجوب الوفاء بها مطلقاً،سيّما بملاحظة الخبر:« من شرط لامرأته شرطاً فليَفِ به،فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» (1)و هو أقوى،وفاقاً لجماعة من أصحابنا (2)،و في الغنية و السرائر الإجماع عليه (3).

و قيل:لا يجب،و إنّما فائدته جعل البيع عرضة للزوال بالفسخ عند عدم سلامة الشرط،و لزومه عند الإتيان به؛ تمسّكاً بالأصل،و ضعف النصوص عن إفادة الوجوب (4).

و يضعّفان بما مرّ؛ مضافاً إلى عموم الأمر في الكتاب كما ظهر.

و قيل بالتفصيل و هو:أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به، كشرط الوكالة في العقد،و إن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم،بل يقلّب العقد اللازم جائزاً،و جعل السرّ فيه أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في الجواز و اللزوم،و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علّق عليه العقد،و المعلّق على الممكن ممكن،و هو معنى قبل اللازم جائزاً (5).

و هو كسابقه في الضعف،و إن كان أجود منه.

ص:369


1- التهذيب 7:1872،الوسائل 18:17 أبواب الخيار ب 6 ح 5.
2- منهم:العلامة في الإرشاد 1:359،و الشهيد الثاني في المسالك 1:190 و الروضة البهية 3:508،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:147.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):586،السرائر 2:326.
4- قال به الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهيّة 3):506.
5- حكاه في الروضة 3:507.

و كيف كان،يستفاد من النصوص مضافاً إلى الإجماع أنّه لا يجوز اشتراط غير السائع ممّا منعت عنه الكتاب و السنّة،كأن يحرّم حلالاً أو بالعكس،كما أفصحت عنه الرواية الأخيرة.

و لكن فيه إجمال فلا يدري هل المراد بالحلال و الحرام ما هو كذلك بأصل الشرع من دون توسّط العقد،أو ما يعمّ ذلك؟ و لكن الذي يقتضيه النظر من تتبّع الفتاوي و النصّ هو الأوّل؛ لاتّفاقهم على صحّة شرائط خاصة تكون منافيات لمقتضى العقد،كاشتراط عدم الانتفاع مدّة معينة،و سقوط خيار المجلس و الحيوان و ما شاكله،و لا ريب أنّ قبل الشرط بمقتضى العقد يحلّ الانتفاع مطلقاً و الردّ في زمان الخيار،و يحرم بعده جدّاً،فقد حرّمت الشروط ما كان حلالاً بتوسّط العقد.

و للنصوص الآتية (1)في بيع الأمة بشرط عدم البيع و الهبة،المجوّزة لذلك،المستلزمة لحرمتها بعد الشرط،مع أنّهما حلال بواسطة العقد قبله، و في استثناء اشتراط نفي الميراث من الجواز فيها إشعار بما ذكرنا (2).

و حينئذٍ فالضابط في الشروط التي لم تحرّم الحلال بأصل الشرع و بالعكس هو الجواز،إلّا أن يمنع عنه مانع من نصّ أو إجماع.

و يتفرّع على اشتراط الدخول تحت القدرة أنّه لا يجوز اشتراط غير المقدور،كبيع الزرع على أن يصيّره سنبلاً و الدابّة على أن

ص:370


1- في ص:3914.
2- و إن كان يتوهّم منه خلافه،من حيث إن الإرث المستثنى من الجواز اشتراط نفيه شيء يحلّ بنفس العقد لا بأصل الشرع،و ذلك لمنع إباحته بنفس العقد،بل إنما هو بالولاء المسبّب عن العقد،و لا دخل للعقد فيه إلّا بالسببية البعيدة،فيصدق معها كون إباحة الإرث بأصل الشريعة لا بأصل المبايعة؛ إذ الظاهر من الإباحة بأصلها حصولها منها من دون واسطة.(منه(رحمه اللّه)).

تصير حاملاً،و نحو ذلك،سواء شط أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل اللّه تعالى،لاشتراكهما في عدم المقدورية.

و لا بأس باشتراط تبقيته أي الزرع في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر إلى أوان السنبل؛ لأنّ ذلك مقدور له.و لا يعتبر تعيين مدّة البقاء،بل يحمل على المتعارف من البلوغ؛ لأنّه منضبط و يلزم البائع حينئذٍ التبقية إلى الغاية،كما أنّ مع إطلاق الابتياع من دون اشتراط التبقية يلزم البائع إبقاؤه إلى إدراكه،و كذا لو اشترى الثمرة عن الأُصول منفردة،مطلقاً،أو بشرط التبقية؛ عملاً في صورة الشرط بمقتضاه، و في غيرها بمقتضى العادة،فإنّه إن قطع الزرع و الثمرة قبل أوانهما لم يكن لهما قيمة في الأغلب،خصوصاً ثمرة النخل،فالعادة تقتضي إبقاءهما للمشتري في مفروض المسألة،و للبائع فيما إذا باع أصل الشجرة و كانت الثمرة مؤبّرة.

مضافاً إلى ظواهر النصوص المعتبرة الواردة في بيع الزرع،منها الصحيح:« لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلفه من قبل أن يسنبل و هو حشيش» (1)و نحوه غيره من الصحيح و غيره (2).

فلا إشكال في الحكم ما لم يشترط الإزالة كما لا إشكال فيه مع اشتراطها،عملاً بوجوب الوفاء بالشروط،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و يصحّ بيع الرقيق مع اشتراط العتق مطلقاً،أو عن

ص:371


1- الكافي 5:/274 1،التهذيب 7:/142 629،الإستبصار 3:/112 395،الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11 ح 1.
2- الوسائل 18:234 أبواب بيع الثمار ب 11.

المشتري،بلا خلاف،بل عليه الإجماع في المسالك (1)،أو عن البائع أيضاً كما عن التذكرة،و عزاه إلينا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه (2).

خلافاً للشهيدين فيه،فأبطلاه؛ استناداً إلى أنّه لا عتق إلّا في ملك (3).

و لقائل أن يقول بوقوعه في الملك في محلّ الفرض؛ لكون المعتِق و هو المشتري مالكاً له.نعم،المعتق عنه و هو البائع غير مالك،و لا دليل على اشتراط ملكيّة المعتق عنه في صحّته،فتأمّل.

و كيف كان،فالأصل في صحة هذا الشرط مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في الكتابين و المهذب (4)عموم ما قدّمناه من المستفيضة بلزوم الوفاء بالشروط التي لم يمنع عنها كتاب أو سنة.

و ما ربما يستشكل في الصحة بمنافاته لمقتضى العقد فتردّه القاعدة الكلّية المشهورة من فساد الشروط المنافية له.

مردود أوّلاً:بعدم ثبوتها كلّية؛ إذ لا دليل عليها من كتاب أو إجماع أو سنّة،لاختصاصها كما عرفت بشرائط خاصّة ليس محلّ الفرض منها بالضرورة،كيف لا و لا مانع عنه من الأمرين،بل هو أمر مرغّب إليه في الشريعة.و دعوى الإجماع على الكلّية ممنوعة؛ لاتّفاقهم على صحّة شروط تنافي مقتضاه،كما تقدّم إليه الإشارة (5).

و ثانياً:على تقدير تسليم الإجماع عليها فهي هنا بعدم الخلاف و دعوى الإجماع مخصّصة.

ص:372


1- المسالك 1:191.
2- التذكرة 1:492.
3- الدروس 3:216،المسالك 1:191.
4- المهذّب البارع 2:401.
5- راجع ص:3908.

و ممّا ذكرنا يظهر صحّة شرط التدبير و الكتابة فإن وفى بالشروط،و إلّا تخيّر البائع بين فسخ البيع و إمضائه،فإن فسخ استردّه و إن انتقل قبله عن ملك المشتري.

و كذا يتخيّر لو مات قبل العتق،فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف على الأصح؛ لأنه وقت الانتقال إليها،و كذا لو انعتق قهراً.

و لو اختار الإمضاء فهل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة،فإنّه يقتضي نقصاناً من الثمن،أم يلزم ما عيّن منه خاصة؟قولان.

للأوّل كما عن العلامة و جماعة (1)اقتضاء الشرط نقصاناً من الثمن،و لم يحصل.

و للثاني كما في الدروس (2)أنّ الشروط لا يوزّع عليها الأثمان.

و ردّ (3)بأنّ الثمن لا يوزّع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلاً له، و إنّما الشرط محسوب من الثمن،و قد حصل باعتباره نقص في القيمة، فطريق تداركه ما ذكر.

و طريق معرفة الشرط أن يقوّم العبد بدونه و يقوّم معه،و ينظر التفاوت بين القيمتين،و ينسب إلى القيمة التي هي مع الشرط،و تؤخذ من المشتري مضافاً إلى الثمن بمقدار تلك النسبة منه.

و كذا كلّ شرط لم يسلم لمشترطه،فإنّه يفيد تخييره بين فسخ العقد المشروط فيه و إمضائه.

ص:373


1- العلامة في القواعد 1:153،و التحرير 1:180؛ و انظر جامع المقاصد 4:423 و المسالك 1:192.
2- الدروس 3:216.
3- جامع المقاصد 4:423،و المسالك 1:192.

و لو اشترط أن لا يعتق أو لا يطأ الأمة بطل الشرط في المشهور، بناءً منهم على منافاته لمقتضى العقد فيبطل.و فيه ما مرّ.

و ربما علّل بمنافاته للكتاب و السنّة؛ لمنعه ما أباحاه (1).

و هو كما ترى،فإن كان إجماع،و إلّا فالأظهر الصحة،كما عن بعض الأصحاب (2)،تمسّكاً بعموم المعتبرة المتقدّمة،و ليس هو محرِّماً لما أباحه الكتاب و السنة من دون توسّط المعاملة،و إن حرّم ما أباحاه بتوسّطها،فإنّه لا حجر فيه،كما تقدّمت إليه الإشارة.

و على المشهور قيل:يبطل الشرط خاصّة دون البيع كما عن الإسكافي و الطوسي و القاضي و الحلّي و ابن زهرة العلوي (3)،مدعياً عليه الإجماع؛ لأصالة الصحة.و لا دليل عليها،بل أصالة عدم الانتقال تقتضي المصير إلى خلافها،و على تقديرها فتمنع بالأدلّة الآتية المقتضية خلافها.

و لعموم أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ [1] (4)و ليس بشامل للمقام،أمّا أوّلاً:

فلتقييده بالقصد المنفي فيه،بناءً على تعلّقه بمقارن الشرط لوقوع التراضي عليه دون غيره،فإذا انتفى انتفى،مع أنّه شرط في الصحة اتّفاقاً.

و ثانياً:بحصول المانع عن الصحة بالجهالة؛ لما ذكره جماعة (5)من

ص:374


1- الخلاف 3:157،التنقيح الرائع 2:73.
2- التنقيح الرائع 2:73.
3- حكاه عن الإسكافي المختلف:396،الطوسي في الخلاف 3:157،و المبسوط 2:149،حكاه عن القاضي في المختلف:396،قال في مفتاح الكرامة 4:732 و ربّما حكي عن الحلّي و لم أجده في السرائر.ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):587.
4- البقرة:275.
5- منهم العلّامة في المختلف:396،ابن فهد الحلّي في المهذب البارع 2:406.

أنّ الشرط له قسط من الثمن،فإنّه قد يزيد باعتباره و ينقص،فإذا بطل بطل ما بإزائه من الثمن،و هو غير معلوم،فتطرّق الجهالة إلى الثمن،فيبطل البيع.

و لأنّ لزوم الشرط فرع على صحة البيع،فلو كانت موقوفة على صحته لزم الدور.و هو كما ترى.

و لأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها و يكون ولاؤها لمولاها، فأجاز النبي(صلّى اللّه عليه و آله)البيع و أبطل الشرط (1).و ضعف سنده يمنع العمل به.

فإذاً الأقوى فساد البيع أيضاً،وفاقاً لأكثر أصحابنا،كالفاضلين و الشهيدين و شارحي الكتاب و غيرهم (2).و لكنّه بعد محلّ نظر،بل لعلّ الصحة أظهر (3).

ص:375


1- عوالي اللئالي 3:/217 79،سنن ابن ماجة 2:/842 2521.
2- المحقق في الشرائع 2:34،العلامة في التحرير 1:180،و القواعد 1:152،الشهيد الأول في الدروس 3:214،الشهيد الثاني في المسالك 1:191؛ و انظر المهذب البارع 2:407،و التنقيح الرائع 2:73،و جامع المقاصد 4:415،و الكفاية:97.
3- و ذلك لأن في جميع هذه الأجوبة ما عدا الثالث نظراً،للمنع من عدم دليل على أصالة الصحة التي ليست عبارة إلّا عن مجرّد الانتقال دون اللزوم،و هو عبارة عن البيع المحلّل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ فكأنّه تعالى قال:أحلّ اللّه الانتقال،و تحليله ليس عبارة إلّا عن الرضاء به،و إمضائه،و هذا عين معنى الصحة.و منعها على تقدير تسليمها بالأدلّة الآتية يتوقف على تماميّتها و ستعرف ما فيها. و منع شمول عموم أحلّ اللّه البيع للمقام بفقد التراضي المشترط في صحّته يتوقف على تسليم فقد التراضي،و هو ممنوع،لتوقفه على كون الشرط شرطاً تعليقياً يتوقّف نفس الانتقال عليه لا شرطاً ضمنياً لا يتوقف عليه الانتقال أصلاً بل اللزوم خاصة،و هو خلاف المفروض في أصل بحث الشروط،لأنها كما عرفت من القسم الثاني و يشير إليه هنا أيضاً أنه لو كان المراد من الشرط فيه ما يكون من القسم الأول لما كان للشرط من حيث فساده مدخل في فساد العقد،بل فساده ناشٍ من أصل تعليقه عليه،و لذا لو كان الشرط صحيحاً كان العقد فاسداً أيضاً.فتخصيص مفسد العقد سببه بفساد الشرط أوضح شاهد على عدم سبب آخر غيره،و ليس ذلك إلّا من حيث فرضهم الشرط من القسم الثاني أي الضمني دون التعليقي.و على هذا فالرضاء بمضمون العقد حاصل من دون توقف على الشرط المذكور في ضمنه،و إنّما غايته تزلزل اللزوم و انتفاؤه حيث لا يحصل شرطه،و هو لا يستلزم انتفاء صحّة العقد. و دعوى حصول الجهالة لما ذكره الجماعة ممنوعة،لمنع ما ذكروه بما عرفته من الدروس من عدم توزّع الأثمان على الشروط.و ما قيل في ردّه سابقاً غير جارٍ هنا بحيث يثبت فساد العقد،إذ غايته إثبات نقص من الثمن في مقابلة الشرط بعد ثبوت الخيار المتفرّع على صحّة البيع،و ثبوته هنا بذلك لا ينافيها بل يؤكّدها. و ردّ الرواية بضعف السند حسن إن لم يحصل له جابر،و هو فيه حاصل،لموافقتها الأصل الدالّ على الصحّة ممّا عرفته،مع أنها مرويّة في الفقيه(3:/79 284)بطريق صحيح و إن لم تكن بهذه الصراحة لكنّها في غاية الظهور،مضافاً إلى الإجماع المنقول في الغنية،كما سبق آنفاً.(منه(رحمه اللّه)).

و لو اشترط في الأمة المبتاعة أن لا تباع و لا توهب فالمروي في المستفيضة الجواز.

ففي الصحيحين:عن الشرط في الإماء أن لا تباع و لا تورث و لا توهب،قال:« يجوز ذلك غير الميراث،فإنّها تورّث،و كلّ شرط خالف كتاب اللّه تعالى فهو مردود» كما في أحدهما (1):أو:« باطل» كما في الثاني (2)،و نحوهما خبران آخران (3)،إلّا أنّ في سندهما ضعفاً،لكنّهما

ص:376


1- الكافي 5:/212 17،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 1.
2- التهذيب 7:/67 289،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 1.
3- أحدهما في التهذيب 7:/25 106،الوسائل 18:267 أبواب بيع الحيوان ب 15 ح 2. و الآخر في التهذيب 7:/373 1509.

كالأوّلين معتضدان بالأصل.

و المعتبرة المتقدّمة (1)الناصّة على صحة الشروط التي لم يمنع عنها الكتاب و السنّة و منها الشرط في محلّ الفرض،كما مضت إليه الإشارة، فتردّد الماتن كما تشعر به العبارة،كفتوى جماعة بفساد الشرط و البيع (2)، أو الأوّل خاصّة كما عن المبسوط (3)،لا وجه له سوى ما مرّ،و ضعفه قد ظهر.

و لو باع أرضاً مشاهدة أو موصوفة على كونها جرباناً معيّنة فنقصت فللمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء ب تمام الثمن وفاقاً للمبسوط و القاضي و القواعد و ولده (4)؛ لأنّ العقد وقع على جميع الثمن فلا يتبعّض عليه،بل يكون له الخيار بين الأمرين.

و هو قوي لولا ما في رواية معتبرة الإسناد في الجملة، عمل بها النهاية و الحلّي و المختلف و جماعة (5)،بل ادّعى عليه جماعة الشهرة،من أنّ له أن يفسخ أو يمضي البيع بحصّتها من الثمن فهي الحجة في هذا القول،لا ما يقال من التعليل من أنّه وجده ناقصاً فكان له أخذه بقسطه من الثمن،كما لو اشترى الصبرة على أنّها عشرة أقفزة فبانت

ص:377


1- في ص:3906.
2- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:74،و العلامة في المختلف:396،و الشهيد الأوّل في الدروس 3:214.
3- المبسوط 2:149.
4- المبسوط 2:154،حكاه عن القاضي في المختلف:390،القواعد 1:154،الإيضاح 1:515.
5- النهاية:420،الحلّي في السرائر 2:375،المختلف:390؛ و انظر الشرائع 2:35،و التبصرة:93.

تسعة،و كذا المعيب،له إمساكه و أخذ أرشه؛ فإنّه لا يخلو عن مناقشة.

و كيف كان فالأوّل أحوط.

و في هذه الرواية أنّه إن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها و به أفتى في النهاية (1).خلافاً للأكثر؛ لقصور السند،و مخالفة الأصل،لعدم تناول العقد لذلك.

و قد مضت الإشارة إلى الرواية مع المسألة في أحكام الخيار (2).

و يجوز أن يبيع مختلفين كثوب و حيوان و صبرة مكيلة أو موزونة في صفقة واحدة و أن يجمع بين سلف و بيع و نكاح و إجازة،كأن يقول:بعتك هذا الثوب و طغاراً من حنطة إلى سنة،و آجرتك هذه الدار إلى شهر و زوّجتك ابنتي بمائة،فقال:قبلت،صحّ عندنا،كما في المسالك و غيره (3)؛ للأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،عدا ما يتوهّم من الجهالة،و هي مدفوعة بأنّ الجميع بمنزلة عقد واحد،و العوض فيه معلوم بالإضافة إلى الجملة،و هو كافٍ في انتفاء الغرر و الجهالة،و إن كان عوض كلّ منهما بخصوصه غير معلوم حال العقد.

و كون كل واحد بخصوصه بيعاً في المعنى،أو بعضه إجارة أو غيرها،الموجب لعوض معلوم لا يقدح؛ لأنّ لهذا العقد جهتين،فبحسب الصورة هو عقد واحد،فيكفي العلم بالنسبة إليه.

ثم إن احتيج إلى التقسيط قسّط الثمن على قيمة المبيع و أُجرة المثل

ص:378


1- النهاية:420.
2- راجع ص:3863.
3- المسالك 1:192؛ و انظر الشرائع 2:35،و التنقيح الرائع 2:77،و انظر الدروس 3:218.

و ثمن المثل.

الخامس في العيوب

اشارة

الخامس:في العيوب المجوّزة للردّ.

و ضابطها ما كان زائداً عن الخلقة الأصلية و هي خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتاً و صفة أو ناقصاً عنها،عيناً كان الزائد و الناقص كالإصبع زائدة على الخمس أو ناقصة عنها،أو صفة كالحمى و لو يوماً،بأن يشتريه فيجده محموماً أو يحمّ قبل القبض و إن برئ ليومه،كما قيل (1).

و الأصل في هذا الضابط بعد الاتّفاق عليه في الظاهر حكم العرف بذلك.

مضافاً إلى الخبر:« كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (2).

و هل يعتبر مع ذلك كون الزيادة و النقصان موجبين لنقص المالية أم لا؟قولان،من إطلاق النص،و الاتفاق على أن الخصاء عيب مع إيجابه زيادة المالية،و كذا عدم الشعر على الركب و العانة،كما يدلّ عليه بعض المعتبرة،المنجبر قصور سنده بعمل الطائفة.

و من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن،مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً،فلا يدخل في إطلاق النصوص.

و على تقدير الدخول بها فالدليل فيها على العدم موجود،و هو الحكم فيها بالرجوع إلى الأرض الملازم لنقص القيمة في الأغلب.

و الاتّفاق على ما مرّ مع ما ظهر من ظاهر الخبر لم ينقدح به ضرر.

و إطلاق العقد يقتضي السلامة من العيوب في العوضين فلو ظهر عيب في المبيع سابق على العقد تخيّر المشتري بين الردّ

ص:379


1- 1
2- 2

و استرداد الثمن و الإمضاء مع أخذ الأرش و هذا هو السابع من أقسام الخيار المطوي ذكره مفصّلاً سابقاً، و الأصل فيه بعد خبر نفي الضرر (1)و الإجماع القطعي،و المحكي في الغنية (2)النصوص المعتبرة الآتي إلى جملة منها الإشارة،ففي المرسل كالصحيح بجميل:في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً،قال:

« إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن،و إن كان قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب» (3).

و ليس فيه كالباقي ذكر الإمضاء مع الأرض،بل ظاهرها الردّ خاصّة، و لكن الإجماع و لو في الجملة كافٍ في التعدية.

مضافاً إلى الرضوي:« إن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّ و إن شاء أخذ أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب» (4)و الظاهر كون همزة أو زائدة،كما صرّح به بعض الأجلة (5).

و لا خير للبائع في هذه الصورة،و إن كان له الخيار لو انعكست، كما لو خرج الثمن معيباً؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل،و اختصاص العيب الموجب للخيار بغيره،و في الثاني ببعض ما مرّ من خبر نفي الضرر.

و يسقط الردّ بأُمور خمسة: بالبراءة من العيب مطلقاً و لو إجمالاً كأن يقول:بعتك هذا بكل عيب،على الأشهر الأقوى،بل عليه

ص:380


1- الكافي 5:/293 6،الوسائل 18:32 أبواب الخيار ب 17 ح 4.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
3- الكافي 5:/207 2،الفقيه 3:/136 592،التهذيب 7:/60 258،الوسائل 18:30 أبواب الخيار ب 16 ح 3.
4- فقه الرضا(عليه السلام):253،المستدرك 13:306 أبواب الخيار 12 ذيل حديث 3.
5- الحدائق 19:64.

في الغنية إجماعنا (1).

و لأنّ التبرّي الإجمالي يتناول كل عيب فيدخل تحته الجزئيات.

و لتبايعهما على شرط التبرّي من كل عيب،فيثبت لهما ما شرطاه؛ لعموم قوله(عليه السّلام):« المؤمنون عند شروطهم» (2).

و لإطلاق المعتبرين،في أحدهما:« أيّما رجل اشترى شيئاً فيه عيب أو عوار و لم يتبرّأ إليه منه و لم يبيّن له،فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و علم بذلك العيب و بذلك العوار،أنه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» (3).

و ضعف سنده بموسى بن بكر على الأشهر مجبور بعمل الأكثر، و برواية فضالة المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

و في الثاني:« المتاع بياع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي؛ فإذا نادى عليه تبرّأ من كل عيب فيه؛ فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلّا نقده الثمن فربما زهده،فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوباً أنّه لا يعلم بها،فيقول له المنادي:قد تبرّأت منها:فيقول المشتري:لم أسمع البراءة منها،أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن،أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟فكتب:« عليه الثمن» (4)فتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و القاضي (5)،فلا يكفي التبرّي إجمالاً؛

ص:381


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- عوالي اللئلئ 2:/257 7،و في الوسائل 18:16 أبواب الخيار ب 6:المسلمون عند شروطهم.
3- الكافي 5:/207 3،التهذيب 7:/60 257،الوسائل 18:30 أبواب الخيار ب 16 ح 2.
4- التهذيب 7:/66 285،الوسائل 18:111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.
5- حكاه عن الإسكافي في المختلف:371،القاضي في المهذب 1:392.

للجهالة.و المناقشة فيها بعد ما عرفت واضحة.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين علم البائع و المشتري بالعيوب و جهلهما و التفريق،و لا بين الحيوان و غيره،و لا بين العيوب الباطنة و[الظاهرة (1)]و عليه الإجماع في صريح الخلاف و الغنية و ظاهر المسالك (2).

و لا بين الموجودة حالة العقد و المتجدّدة بعده حيث تكون على البائع مضمونة،و عليه الإجماع في التذكرة (3)؛ و هو الحجة أيضاً مضافاً إلى العمومات،و أنّ الخيار بها ثابت بأصل العقد و إن كان السبب حينئذٍ غير مضمون،فلا يرد كون البراءة ممّا لا يجب،مع أنّه لا دليل على المنع عنها كلّية و لو في نحو المسألة،فتأمّل.

و بالعلم به ممّن لولاه لثبت الخيار له قبل العقد و بالرضا منه به بعده و أولى منه التصريح بإسقاطه.

بلا خلاف فيهما و في السقوط بتأخير الردّ مع العلم بالعيب كما في الغنية (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً في الأوّلين إلى الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من النص و الإجماع بغير محلّ الفرض،و مفهوم أوّل المعتبرين (5)في الأوّل.

إلّا أنّ ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة الخلاف في الثالث،فنفوا

ص:382


1- في النسخ:الحادثة،و ما أثبتناه أنسب.
2- الخلاف 3:127،الغنية(الجوامع الفقهية):588،المسالك 1:193.
3- التذكرة 1:525.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- راجع ص:3918.

الفوريّة عن هذا الخيار من غير خلاف يعرف،كما صرّح به جماعة (1)،بل ربما احتمله بعضهم إجماعاً (2).

و هو أقرب؛ للاستصحاب،و إطلاق النصوص،و خصوص بعضها كما (3)قيل.و حكاية الإجماع في الغنية (4)بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه موهونة.

و بحدوث عيب عنده مضمون عليه،سواء كان حدوثه من جهته أم لا.و احترزنا بالقيد عمّا لو كان حيواناً و حدث العيب فيه في الثلاثة من غير جهة المشتري،فإنّه حينئذٍ لا يمنع من الردّ و لا الأرض؛ لأنّه مضمون على البائع.

و لو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرض أو غير مجبور جاز.

و في حكمه ما لو اشترى صفقةً متعدّداً فظهر فيه عيب فتلف أحدهما،أو اشترى اثنان صفقةً و امتنع أحدهما من الردّ فإنّ الآخر يُمنع منه و له الأرش و إن أسقطه الآخر،سواء اتّحدث العين أم تعدّدت،اقتسماها أم لا؛ لما مرّ من الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع و النص بغير محلّ الفرض؛ مضافاً إلى حديث نفي الضرر،مع أنّه لا خلاف في ذلك سوى الأخير،كما يأتي (5).

و بإحداثه في المبيع حدثاً يعدّ في العرف تصرّفاً كركوب

ص:383


1- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:436،و السبزواري في كفاية الأحكام:94،و صاحب الحدائق 19:117.
2- كالشهيد الثاني في المسالك 1:196.
3- كفاية الأحكام:94.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- في ص:3923.

الدابة و لو في طريق الردّ،و نعلها،و حلب ما يحلب،و لبس الثوب و قصارته،و سكنى الدار،و نحو ذلك ممّا يعدّ تصرّفاً.

و ينبغي تقييده بعدم قصد الاختبار و نحوه ممّا دلّ على عدم الرضاء بالعقد و إمضائه،كما مضى في بحث الخيار (1).

و الأصل فيه بعد ما مرّ ثمة و عدم الخلاف فيه أوّل المعتبرين المتقدّمين (2)،و المرسل كالصحيح المتقدّم (3)،لكنّه في الجملة،كالصحاح المستفيضة الآتية في وطء الأمة (4).

و إطلاقها يشمل التصرّف الناقل كالبيع و نحوه و غيره، و المغيّر للعين و غيره،عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا. و لا فرق فيه بين ما لو كان قبل العلم بالعيب أو بعده.

خلافاً للمحكي عن الطوسي في التصرف قبل العلم،فلم يسقط به الخيار (5)؛ للأصل.و يندفع بما مرّ.

و للخبر الأوّل،حيث جعل فيه العلم بالعيب قبل الحدث شرطاً لمضيّ البيع عليه به.

و فيه نظر؛ لتوقّفه على اشتراط سبقه على الحدث في سقوط الخيار به.و ليس بمعلوم،فيحتمل أنّ المراد أنّه لو أحدث فيه شيئاً ثم علم به لم يكن له الخيار،لا أنّ الحدث إذا كان بعد العلم ينفي الخيار فيستدلّ بمفهومه على أنّ الحدث قبله لا ينفيه،فتدبّر.

ص:384


1- راجع ص:3853.
2- في ص:3918.
3- في ص:3917.
4- في ص:3924.
5- حكاه عنه في الدروس 3:283.

ثم كلّ ذا في سقوط الردّ خاصّة بالخمسة، و أمّا الأرش فيسقط بالثلاثة الأُول خاصّة،بلا خلاف دون الأخيرين على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في الغنية (1)؛ استناداً إلى ما مرّ في الأوّل،و إلى استصحاب بقاء الأرش مع عدم المانع عنه من الرضا بالعيب و غيره في الثاني.

خلافاً لابن حمزة في الثاني من الثاني،و هو التصرّف إذا كان بعد العلم بالعيب،فأسقط به الأرش أيضاً؛ تمسّكاً بدلالته على الرضا بالعيب (2).

و هو كما ترى،مع أنّ ما مضى من الأصل حجة عليه قطعاً.مضافاً إلى عموم النصوص بأخذ الأرش بالتصرّف،مع دون تقييد له بالواقع قبل العلم بالعيب (3).

و يجوز بيع المعيب و إن لم يذكر عيبه مع عدم الغش،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و فقد المانع،لاندفاع الضرر بالخيار و الأرش.

و لكن ذكره مفصّلاً أفضل تبعيداً عن احتمال الغشّ المنهي عنه،و احتمال الضرر بغفلة المشتري عن العيب حال البيع أو بعده.

و لو ابتاع شيئين فصاعداً صفقة واحدة فظهر العيب في البعض فليس له ردّ المعيب منفرداً و لكن له ردّ الجميع،أو أخذ الأرش خاصّة،بلا خلاف يظهر،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (4)؛ لما مرّ،و منه حصول الضرر بتبعيض الصفقة الذي يُعدّ ضرراً

ص:385


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- الوسيلة:257.
3- الوسائل 18:102 أبواب أحكام العيوب ب 4.
4- الخلاف 1:569،الغنية(الجوامع الفقهية):590.

عرفاً و عادةً.

و كذا لو اشترى اثنان مثلاً شيئاً مطلقاً من بائع كذلك في عقد واحد و صفقة واحدة فلهما الردّ معا بالعيب،أو أخذ الأرش و ليس لأحدهما الانفراد بالردّ دون الأرش على الأظهر الأشهر،وفاقاً للشيخين و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة (1)؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأصل،و اختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع و النص بحكم الخلاف و التبادر بغير محلّ الفرض،و الضرر بتبعيض الصفقة.

مضافاً إلى الضرر بالشركة فيما لو حدث عيب بالبعض بعد الصفقة فإنّه يمنع من الردّ بالإضافة إليه،فانفراد الآخر بالردّ يوجب الشركة بين البائع و المشتري الآخر.

خلافاً للإسكافي و الحلّي و القول الثاني للطوسي و القاضي (2)،فجوّزوا التفريق هنا؛ للعموم،و لجريانه مجرى عقدين بسبب تعدّد المشتري،فإنّ التعدّد في البيع يتحقّق تارة بتعدّد البائع،و أُخرى بتعدّد المشتري،و ثالثاً بتعدّد العقد؛ و لأنّ عيب التبعّض جاء من قبله حيث باع من اثنين،و هذا إنّما يتمّ مع علمه بالتعدّد.

و للتحرير و غيره (3)،فالتفصيل بين العلم به فالثاني،و عدمه فالأوّل؛ جمعاً.

ص:386


1- المفيد في المقنعة:600،الطوسي في المبسوط 2:127،الحلبي في الكافي:358،القاضي في المهذب 1:393،الديلمي في المراسم:176،ابن حمزة في الوسيلة:256.
2- نقله عن الإسكافي في المختلف:374،الحلّي في السرائر 2:345،الطوسي في المبسوط 2:351،حكاه عن القاضي في المختلف:374.
3- التحرير 1:374؛ و انظر جامع المقاصد 4:334 و مجمع الفائدة 8:436.

و فيهما نظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

و الوطء يمنع ردّ الأمّة المعيبة،بالإجماع،و الصحاح المستفيضة الآتية،و غيرها من المعتبرة؛ مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

إلّا من عيب الحبل فله ردّها،إمّا مطلقاً،كما عليه أكثر أصحابنا، بل في الانتصار و الغنية عليه إجماعنا (1).أو بشرط كونه من المولى،كما عن الإسكافي و النهاية و محتمل ابن حمزة (2)،و به صرّح في المختلف (3).

و لا يخلو عن قوّة؛ استناداً في جواز الردّ بل وجوبه في الصورة المزبورة إلى الإجماع،و الصحاح المستفيضة،في عدّة منها:لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها،و له أرش العيب،و تردّ الحبلى و يردّ معها نصف عشر قيمتها (4).

مضافاً إلى أنّها حينئذٍ أُمّ ولد لمولاها فاسد بيعها.

و في العدم في غيرها إلى أصالة لزوم العقد،و الدليل المتقدّم الدالّ على عدم جواز الردّ مع التصرّف،و إطلاق الصحاح المتقدّمة بإسقاط الوطء ردّ الأمة المعيبة،و اختصاص النصوص المتقدّمة بحكم التبادر و الغلبة بصورة كون الحبل من المولى خاصّة.

و لا ينافي ذلك اشتراط عدم الردّ فيها بالوطء خاصة؛ لوروده كالحبل مورد الغلبة،فإنّ أظهر تصرّفات المشتري و أغلبها في الأمة الوطء بالضرورة،فسقط بذلك حجج الأكثر.

ص:387


1- الانتصار:211،الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:373،النهاية:393،ابن حمزة في الوسيلة:256.
3- المختلف:373.
4- الوسائل 18:105 أبواب أحكام العيوب ب 5.

مع منافاة مذهبهم وجوب الردّ كما هو ظاهر النصوص المزبورة، و إلزام نصف العشر،كما في أكثرها،أو العشر،كما في بعضها؛ لمنافاتهما القاعدة،سيّما الثاني،فإنّ المنافع قبل الفسخ للمشتري،و ليس كذلك على المختار،فإنّها للبائع،لفساد البيع،فيلزمان المشتري؛ لمكان التصرّف مع عدم المسقط،و عليه يجب الردّ كما مرّ.

و لا فرق في التصرّف بين الوطء و غيره،كما صرّح به في النهاية و في المختلف شيخنا العلّامة (1).

و تلتئم القواعد و الأخبار المختلفة في التقديرين منها،بعضها مع بعض،بحمل ما دلّ منها على الأوّل على الأغلب و هو الثيوبة،و الثاني على البكارة.و عليهما يحمل بعض النصوص المجملة في التقدير بشيء،كما في الخبر (2)،أو بكسوتها،كما في الصحيح (3)،بإرادة نصف العشر أو العشر منهما فيما يناسبهما من الصورتين،فالتأمت القواعد و النصوص ظاهراً،و لا كذلك على المشهور جدّاً.

هنا مسائل
اشارة

و هنا مسائل:

الأُولى التصرية تدليس

الأُولى: التصرية و هي جمع لبن الشاة و ما في حكمها في ضرعها،بتركها بغير حلب و لا رضاع،فيظنّ الجاهل بحالها كثرة ما يحلبه، فيرغب في شرائها بزيادة تدليس محرّم،و غشّ منهي عنه،بالإجماع، و النص المستفيض النقل (4).

ص:388


1- النهاية:393،المختلف:373.
2- الكافي 5:/215 8،الفقيه 3:/139 608،التهذيب 7:/62 269،الإستبصار 3:/81 275،الوسائل 18:106 أبواب أحكام العيوب ب 5 ح 5.
3- الكافي 5:/215 9،الفقيه 3:/139 610،التهذيب 7:/62 270،الإستبصار 3:/81 276،الوسائل 18:107 أبواب أحكام العيوب ب 5 ح 6.
4- انظر الوسائل 17:279 أبواب ما يكتسب به ب 86.

و يثبت بها خيار للمشتري بين الردّ و الإمضاء بدون أرش؛ استناداً في الأوّل إلى الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة (1)،البالغة حدّ الاستفاضة،و النصوص العامية (2)المنجبرة به و بحديث نفي الضرر (3).و في الثاني إلى الأصل،و اندفاع الضرر بخيار الردّ.

و ليس عيباً كما عُدّ،فلا يثبت به أرش.

و يثبت إن لم يعترف بها البائع و لم تقم بها بيّنه باختبارها ثلاثة أيّام،فإن اتّفقت فيها الحلبات عادةً أو زادت اللاحقة فلا تصرية،و إن اختلفت في الثلاثة و كان بعضها ناقصاً عن الحلبة الأُولى نقصاناً خارجاً عن العادة و إن زاد بعدها في الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل،من غير تأخير،أو مطلقاً،على اختلاف الوجهين،بل القولين.

و لو ثبت بالاعتراف أو البينة جاز الفسخ من حين الثبوت مدّة الثلاثة ما لم يتصرّف بغير الاختبار،بشرط النقصان،فلو تساوت أو زادت هبةً من اللّه سبحانه فالأقوى زواله.خلافاً للخلاف (4)،فأثبت الخيار بالتصرية و إن لم ينقص اللبن؛ لظاهر النص.

و الفرق بين مدّة التصرية و خيار الحيوان على الأوّل ظاهر،فإنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها و في ثلاثة التصرية بعدها.

و كذا على الثاني إن قلنا بفوريّة هذا الخيار،فيسقط بالإخلال بها دون خيار الحيوان،و كذا إن لم نقل بها،لجواز تعدّد الأسباب.و تظهر الفائدة

ص:389


1- منهم:الشيخ في الخلاف 3:102،الشهيد الثاني في المسالك 1:194،و الروضة البهية 3:501.
2- انظر سنن البيهقي 5:318،319.
3- المتقدم في ص:3917.
4- الخلاف 3:107.

فيما لو أسقط أحدهما.

و كيف كان يردّ معها إن اختار ردّها لبنها الذي حلبه منها مع وجوده حين العقد،أو بدله،قولاً واحداً،لأنّه جزء من المبيع.و كذا المتجدّد بعده على قول،لإطلاق النص بالردّ الشامل له.

و يشكل بأنّه نماء المبيع الذي هو ملكه،و العقد إنّما ينفسخ من حينه،فالأقوى عدم لزوم ردّه،لما ذكر،مع ضعف النص و عدم جابر له في محلّ الفرض،مع عدم الصراحة،فيحتمل الفرض الأوّل.هذا إن عملنا به في الجملة و لو بمعونة العمل،و إلّا بأن اقتصرنا في هذا الخيار المخالف للأصل بمورد الإجماع اتّضح الجواب عنه من أصله،و تعيّن المصير إلى ما ذكر.

و لو لم يتلف اللبن الواجب الردّ،لكن تغيّر في ذاته أو صفته،بأن عمل جبناً أو مخيضاً أو نحوهما ففي ردّه بالأرش إن نقص،أو مجّاناً،أو الانتقال إلى البدل أوجه،أجودها و أشهرها الأوّل.

و إن تعذّر ردّه انتقل الضمان إلى مثل لبنها مع الإمكان أو قيمته مع التعذّر على الأشهر الأظهر،وفاقاً للمفيد و القاضي و الحلّي و كثير من المتأخّرين (1)؛ عملاً بقاعدة الضمان.

و قيل كما عن أحد قولي الطوسي (2) ضاع من برّ مطلقاً، و قوله الآخر (3)التمر كذلك بدل البرّ،و أفتى بهما في الغنية على التخيير،

ص:390


1- المفيد في المقنعة:598،القاضي في المهذب 1:392،الحلي في السرائر 2:300؛ و انظر الشرائع 2:37،و التحرير 1:185،و اللمعة(الروضة البهية 3):502.
2- الخلاف 3:105.
3- المبسوط 2:125.

مدّعياً الإجماع عليه (1)؛ جمعاً بين النبويين:« من اشترى شاة مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام،إن شاء أمسكها و إن شاء ردّها و صاعاً من تمر» كما في أحدهما (2)،أو:« بر» كما في الثاني (3).

و حملهما الأصحاب للضعف،و عدم الجابر في المحلّ،و المخالفة للقاعدة على صورة ما إذا(تعذّر ذلك و كان) (4)هو القيمة السوقية.و لا بأس به؛ جمعاً بين الأدلّة.

ثم مقتضى الأصل و اختصاص النص المشهور و الإجماع بالشاة عدم ثبوت التصرية في نحو الناقة و البقرة و الأمة.

خلافاً للأشهر،بل المجمع عليه كما عن الشيخ (5)في الأوّلين، فتثبت.

و هو أظهر؛ للإجماع المحكي،المعتضد بفتوى الأكثر،و العامي المروي عن الزمخشري في الفائق:« لا تُصَرِّ الإبل و الغنم،و من اشترى مصرّاة فهو بآخر النظرين،إن شاء ردّها و ردّ معها صاعاً من تمر» و روى:

« صاعاً من طعام» (6).

و نحوه المروي عن معاني الأخبار،و فيه زيادة على الحكم التعليل بأنّه خداع (7).

ص:391


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
2- سنن البيهقي 5:318.
3- سنن البيهقي 5:319.
4- بدل ما بين القوسين في« ق»:كان ذلك.
5- الخلاف 3:105.
6- الفائق 2:292،393.
7- معاني الأخبار:282،الوسائل 18:27 أبواب الخيار ب 13 ح 2.

و هو مضافاً إلى إطلاق المصرّاة كالنص في الشمول للبقرة،مع عدم القائل بالفرق بين الطائفة،و مضافاً إلى حديث نفي الضرر (1)،بناءً على أنّ المقصود الأعظم فيهما هو اللبن في الأغلب،فتصريتهما يوجب التدليس الموجب للخيار.و لا كذلك الأمة؛ إذ ليس المقصود الأعظم منها ذلك،فلا ضرر في الأغلب،فلا خيار بتصريتها عند الأكثر،لعدم الموجب له.خلافاً للإسكافي و الدروس و غيرهما (2).و الأوّل هو الأظهر.

الثانية الثيوبة ليست عيباً

الثانية: الثيوبة في الإماء ليست عيباً مطلقاً في المشهور بين الأصحاب؛ لأنّها فيهنّ بمنزلة الخلقة الأصلية و إن كانت عارضة،بناءً على غلبتها فيهنّ.

خلافاً لظاهر القاضي و مستوجه الشهيد الثاني (3)؛ لأنّ البكارة مقتضى الطبيعة،و فواتها نقص يحدث على الأمة،و يؤثّر في نقصان القيمة تأثيراً بيّناً،فيتخيّر بين الردّ و الأرش،خصوصاً في الصغيرة التي ليست محلّ الوطء،فإنّ أصل الخلقة و الغالب متطابقان في مثلها على البكارة،فتكون فواتها عيباً.

و هو في الصغيرة لا يخلو عن قوة،و نفى عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه عن بعض الشافعية (4).إلّا أنّ في الخروج عن مقتضى لزوم العقد الثابت بالأدلّة القاطعة فتوًى و آيةً و روايةً،مع اعتضاده في المسألة بالشهرة

ص:392


1- المتقدم في ص:3917.
2- نقله عن الإسكافي في التحرير 1:185،الدروس 3:277؛ و انظر مفاتيح الشرائع 3:70.
3- القاضي في المهذب 1:395،الشهيد الثاني في الروضة البهية 3:500.
4- التذكرة 1:539.

العظيمة،مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً و عادةً (1)،و قصور سند ما دلّ على أنّ العيب هو كلّ ما نقص عن الخلقة،مع عدم جابر له في المسألة و عدم وضوح الدلالة نوع مناقشة.

نعم لو شرط البكارة في متن العقد فثبت سبق الثيوبة بالبيّنة،أو إقرار البائع،أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع،بحيث لا يمكن فيه تجدّد الثيوبة بحسب العادة كان له الردّ على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لا لكونه عيباً،بل لقاعدة الشرطية.

و منه ينقدح الوجه في القول بعدم الأرش مع الإمضاء؛ لاختصاصه بالعيب،و الواقع ليس كذلك،بل فوات أمر زائد،و يأتي على القول السابق ثبوته،و ربما أشعر به الموثق الآتي.

خلافاً للقاضي في الكامل (2)،فنفى الأمرين،و ربما يستدل له بالموثق:عن رجل باع جارية على أنّها بكر فلم يجدها على ذلك،قال:

« لا تردّ عليه،و لا يجب عليه شيء،إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها» (3).

و هو مع الإضمار غير واضح الدلالة على ثبوت الحكم مع سبق الثيوبة،كما هو مفروض المسألة،بل ربما كان فيها على الخلاف و موافقة العبارة نظراً إلى التعليل نوع إشارة.

مع معارضته بالخبر:في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم

ص:393


1- بل في التحرير 1:(182):الثيوبة ليست عيباً و لا نعلم فيه خلافاً(منه(رحمه اللّه)).
2- حكاه عنه في المختلف:372 و التنقيح 2:82.
3- الكافي 5:/215 11،التهذيب 7:/65 279،الوسائل 18:108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 2.

يجدها عذراء،قال:« يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق» (1).

لكنّه مقطوع،و في سنده جهالة،و إطلاقه غير معمول به بين الطائفة من حيث إطلاق الحكم فيه بثبوت الأرش الشامل لصورة الجهل بسبق الثيوبة.

مع أنّه على تقدير العلم به لا أرش أيضاً،كما تقدّمت إليه الإشارة، و به قال جماعة (2)؛ للأصل المتقدّم،مع ضعف هذه الرواية بالوجوه المزبورة،إلّا أنّ في الدروس (3)نسب الأرش إلى الشهرة،و ربما أشعرت به الموثقة المتقدّمة،و لعلّه لذا توقّف فيه بعض الأجلّة (4).

و لو لم يثبت التقدّم فلا ردّ بلا خلاف؛ للأصل،و لأنّها قد تذهب ب العلّة و النزوة كما في الموثقة المتقدّمة،و هي حجّة أُخرى في المسألة،بل ربما حكي عن بعض الأصحاب (5)انسحاب الحكم في الصورة السابقة.و لا مستند له سوى الأصل المندفع بالقاعدة المتقدّمة إليها الإشارة،و ظاهر إطلاق صدر الموثقة المقيّد بما في ذيلها من العلّة المشعرة باختصاص الحكم بصورة الجهل بسبق الثيوبة لا مطلقاً.

الثالثة لا يردّ العبد بالإباق الحادث عند المشتري

الثالثة: لا يردّ العبد و لا الأمة بالإباق الحادث عند المشتري بلا خلاف؛ للأصل،و المعتبرين،أحدهما الصحيح:« ليس في إباق العبد

ص:394


1- الكافي 5:/216 14،التهذيب 7:/64 278،الوسائل 18:108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 1.
2- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:257،الشهيدان في اللمعة و الروضة البهية 3:498.
3- الدروس 3:276.
4- كالسبزواري في الكفاية:94،و صاحب الحدائق 19:99.
5- انظر كشف الرموز 1:480.

عهدة» (1).

و نحوه الثاني الموثق (2)،لكن بزيادة:« إلّا أن يشترط المبتاع» بحملهما عليه،جمعاً بينهما و بين الصحيح الصريح في أنّه يردّ بالإباق عند البائع،و فيه بعد الحكم بردّ المملوك من أحداث السنة:قال له محمد بن علي:فالإباق؟قال:« ليس الإباق من هذا إلّا أن يقيم بيّنة أنّه كان آبقاً عنده» (3).

و هو المستند في قوله: و يردّ ب الإباق السابق مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

و إطلاقه كالعبارة و غيرها و صريح جماعة (4)الاكتفاء بالإباق السابق و لو مرّة.

خلافاً لبعضهم (5)،فقيّده بالمعتاد و لو بمرّة ثانية.

و مستنده غير واضح عدا الأصل،و الشك في تسمية الإباق مرّة عيباً عادةً.

و يندفع الأوّل بما مرّ،و الثاني بأنّ الردّ لعلّ المستند فيه هو إطلاق النص،لا ثبوت كونه من العيب،فإذاً الإطلاق أظهر،وفاقاً للأكثر.

ص:395


1- التهذيب 6:/312 864،الوسائل 18:114 أبواب أحكام العيوب ب 10 ح 1.
2- التهذيب 7:/237 1034،الوسائل 18:114 أبواب أحكام العيوب ب 10 ح 2.
3- الكافي 5:/217 17،التهذيب 7:/63 273،الوسائل 18:98 أبواب أحكام العيوب ب 2 ح 2.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 2:131،و الحلّي في السرائر 2:303،و العلّامة في التحرير 1:184.
5- الروضة البهيّة 3:499.
الرابعة لو اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر فصاعداً و مثلها تحيض فله الردّ

الرابعة: لو اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر فصاعداً و مثلها تحيض،فله الردّ وفاقاً للنهاية و القاضي و ابن حمزة (1)و المتأخّرين كافّة.

للصحيح:عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهر و ليس بها حبل،قال:« إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه» (2).

و لأنّ ذلك لا يكون إلّا لعارض غير طبيعي فيكون عيباً خلافاً للحلّي (3)،فلا تردّ و هو شاذّ،و الدليلان سيّما الثاني عليه حجّة.

و مقتضاه بل الأوّل أيضاً كما قيل (4)،و لعلّه غير بعيد أنّه لا يعتبر في ثبوت عيب الحيض مضيّ ستّة أشهر،كما في العبارة و عبارة جماعة (5)، بل يثبت بمضيّ مدّة تحيض فيها ذوات أسنانها في تلك البلاد.

و منه ينقدح الوجه فيما ذكره بعض الأصحاب (6)من أنّ عدم تحيّض الحديثة البلوغ في المدّة المزبورة ليس عيباً يوجب الردّ بالبديهة،فإنّ أمثالها لم تحضن فيها غالباً في العادة،و يمكن أن ينزّل على ذلك عبارة المتن و الجماعة.

ص:396


1- النهاية:395،حكاه عن القاضي في المختلف:372،ابن حمزة في الوسيلة:256.
2- الكافي 5:/213 1،الفقيه 3:/285 1357،التهذيب 7:/65 281،الوسائل 18:101 أبواب أحكام العيوب ب 3 ح 1.
3- السرائر 2:305.
4- التنقيح الرائع 2:82.
5- منهم:الشيخ في النهاية:395،و العلامة في القواعد 1:145،و الإرشاد 1:377،و صاحب الحدائق 19:103.
6- انظر مجمع الفائدة 8:445.
الخامسة لا يردّ البزر و الزيت بما يوجد فيه من الثفل المعتاد

الخامسة: لا يردّ البزر بفتح الباء و كسرها،حبّ يؤخذ منه دهن يقال له:دهن الكتاب،كأنّه بتقدير مضاف أي دهن البزر،و يطلق على الدهن كما عن الصحاح (1) و الزيت بما يوجد فيه من الثفل المعتاد بضم المثلّثة،هو و الثافل ما استقرّ من كدرة تحت المائع.

و الأصل في الحكم بعد الإجماع على الظاهر الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض،إمّا بناءً على أنّ مثله ليس عيباً،أو لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالباً،فيجري مجرى علم المشتري بالعيب المسقط للردّ،كما مضى (2)و يأتي.

نعم لو خرج بالكثرة عن القدر الذي جرت به العادة جاز ردّه لكونه حينئذٍ عيباً بالضرورة عرفاً و عادةً،لكن الردّ مشروط بما إذا لم يعلم و أمّا معه فلا ردّ،بلا خلاف فيه و فيما مضى؛ استناداً فيهما إلى قواعد العيب المتقدّمة نفياً و إثباتاً.

و لا يشكل صحة البيع مع زيادته عن المعتاد بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه؛ لأنّ مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة،كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل.

و على التفصيل في العبارة يحمل بعض المعتبرة،كالحسن كالصحيح،بل الصحيح على الصحيح:« إن كان المشتري يعلم أنّ الدُّردي (3)يكون في الزيت فليس عليه ردّه،و إن لم يكن يعلم فله ردّه» (4).

ص:397


1- الصحاح 2:589.
2- راجع ص:3920.
3- الدُّردي من الزيت و غيره ما يبقى في أسفله مجمع البحرين 3:45.
4- الكافي 5:/229 1،الفقيه 3:/172 767،التهذيب 7:/66 283،الوسائل 18:109 أبواب أحكام العيوب ب 7 ح 1.
السادسة لو تنازعا في التبرّي من العيب فالقول قول منكره مع يمينه

السادسة: لو تنازعا في شيء من مسقطات الخيار ك التبرّي من العيب و نحوه،فقال:بعتك بالتبرّي مثلاً:فقال:لا فالقول قول منكره مع يمينه بلا خلاف يعرف؛ للأصل المجمع عليه فتوًى و روايةً:

« البيّنة على المدّعى،و اليمين على من أنكر» .و الخبر الوارد بخلافه (1)مع ضعفه بالكتابة،و عدم وضوح الدلالة، و قرب احتمال اجتماعه نظراً إلى السياق مع القواعد شاذّ لا يلتفت إليه البتّة.

السابعة لو ادّعى المشتري تقدّم العيب و لا بيّنة فالقول قول البائع مع يمينه

السابعة: لو ادّعى المشتري تقدّم العيب المتحقق و أنكره البائع و لا بيّنة للمشتري فالقول قول البائع مع يمينه على القطع بعدم العيب عنده مع اختباره المبيع قبل المبيع و اطّلاعه على خفايا أمره،قولاً واحداً،و على نفي العلم به مع العدم،وفاقاً للتذكرة (2)،وفاقاً للتذكرة،فعلى المشتري الإثبات بالبيّنة.

و قيل:على القطع بالعدم كالأوّل (3)؛ عملاً بأصالة العدم،و اعتماداً على ظاهر السلامة.

و الأصل فيه الأصل المتقدّم.

ما لم يكن هناك قرينة حال قطعيّة تشهد لأحدهما كزيادة الإصبع و اندمال الجرح،مع قصر زمان البيع بحيث لا يحتمل التأخّر في العادة،فيحكم للمشتري،أو طراوة الجرح مع تطاول زمان البيع،فيحكم للبائع من دون يمينه.

ص:398


1- التهذيب 7:/66 285،الوسائل 18:111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.
2- التذكرة 1:541.
3- الحدائق 19:102.
الثامنة يقوَّم المبيع صحيحاً و معيباً،و يرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك

الثامنة: في كيفيّة أخذ الأرش،و هو أن يقوَّم المبيع صحيحاً و معيباً،و يرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك التفاوت من الثمن لا نفس تفاوت المعيب و الصحيح؛ لأنّه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه،فيلزم أخذ العوض و المعوض،كما إذا اشتراه بخمسين و قوّم معيباً بها و صحيحاً بمائة أو أزيد،و على اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة و عشرين، و على هذا القياس.

و لو تعدّد القيم،بأن اختلف أهل الخبرة أو اختلفت قيمة أفراد ذلك النوع المساوية للمبيع،فإنّ ذلك قد يتّفق على الندرة،و الأكثر و منهم المصنف عبّروا عن ذلك باختلاف أهل الخبرة رجع إلى القيمة الوسطى المتساوية النسبة إلى الجميع المنتزعة منه،نسبتها إليه بالسوية، فمن القيمتين يؤخذ نصفها،و من الثلاث ثلثها،و من الأربع ربعها،و هكذا.

و ضابطه أخذ قيمة منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى تلك القيم،و ذلك لانتفاء الترجيح.

و طريقه أن تجمع القيم الصحيحة على حدةٍ و المعيبة كذلك،و تنسب إحداهما إلى الأُخرى،و تؤخذ بتلك النسبة.

و لا فرق بين اختلاف المقوّمين في قيمته صحيحاً و معيباً و في إحداهما.

و قيل:ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها،و يجمع قدر النسبة، و يؤخذ من المجتمع بنسبتها (1)و في الأكثر يتّحد الطريقان،و قد يختلفان في يسير.

ص:399


1- قد نسب هذا الطريق إلى الشهيد الأول و فخر المحققين،انظر الروضة البهية 3:478 و مفتاح الكرامة 4:633.
التاسعة لو حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشتري الردّ

التاسعة: لو حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشتري الردّ بلا خلاف فيه و في جواز أخذ الأرش بعد الإمضاء مع التراضي؛ استناداً في الأوّل إلى حديث نفي الضرر (1)،و في الثاني إلى كونه أكل مال بالتراضي.

و في ثبوت أخذ الأرش مع العدم كما في العيب السابق قولان، أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،وفاقاً للنهاية و التقي و القاضي (2) الثبوت لفحوى ما دلّ على كون تلف المبيع قبل القبض مع البائع (3)، فكون تلف الجزء أو الوصف قبله منه بطريق أولى.

و لإطلاق الصحيح،بل عمومه:في رجل اشترى من رجل عبداً أو دابّة و شرط يوماً أو يومين فمات العبد أو نفقت الدابة أو حدث فيه حدث، على مَن الضمان؟قال:« لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» (4).فإنّ إطلاق الحدث فيه بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل النقص في المبيع بجزء منه أو صفة،و قد نفى ضمانه عن المبتاع، و هو يستلزم الضمان على البائع،إذ لا واسطة.

خلافاً للمبسوط و الخلاف (5)،مدّعياً عليه الوفاق،و تبعه الحلّي (6)، فنفيا الثبوت،و اقتصرا على الردّ و الإمساك؛ للأصل النافي للأرش مع عدم

ص:400


1- المتقدم في ص:3917.
2- النهاية:395،التقي في الكافي في الفقه:355،القاضي في المهذب 1:397.
3- انظر الوسائل 18:23 أبواب الخيار ب 10.
4- الكافي 5:/169 3،الفقيه 3:/126 551،التهذيب 7:/24 103،الوسائل 18:14 أبواب الخيار ب 5 ح 2 في الجميع عدا الفقيه بتفاوت يسير.
5- المبسوط 2:138،الخلاف 2:561.
6- السرائر 2:247.

الموجب له سوى الضرر المندفع بخيار الردّ.

و يندفع الإجماع بالوهن،كيف و لم يوجد بما ادّعاه قائل سواه؟! و الأخيران بما مرّ من الدليلين.

و لكن قد يمنعان،فالأوّل:بمنعه،بناء على وجود الفارق بين المقيس و المقيس عليه من انتفاء الضرر على البائع في المقيس عليه؛ لأنّ التلف فيه موجب لبطلان البيع الموجب للتسلّط على استرداد الثمن خاصّة، و ثبوته في الثاني،لعدم رضاء البائع ببذل العين إلّا في مقابلة تمام الثمن، فأخذ المبيع منه ببعضه من غير رضاء منه تجارة عن غير تراضٍ محرّم بالكتاب و السنّة.

و لا ينتقض بأخذ الأرش في العيب السابق على العقد مع ورود دليل المنع فيه أيضاً؛ لمنع الورود على الإطلاق،لعدم تسليمه فيما إذا علم البائع بالعيب،فقد يكون الوجه في أخذ الأرش منه المقابَلَة له بمقتضى التغرير و إقدامه على الضرر،و لا كذلك محلّ الفرض،و يسلّم في صورة الجهل، و لكن يدفع النقض فيها بالإجماع،و هو كافٍ في ردّ دليل المنع؛ مضافاً إلى النصوص إن تمّت في الدلالة على جواز أخذ الأرش،فتأمّل.

و الثاني:أوّلاً:بمتروكيّة الظاهر عند المستدلّ من حيث الدلالة على عدم انتقال الملك بمجرّد العقد،و التوقّف على انقضاء الشرط،و هو متحاشٍ عنه باليقين.

و ثانياً:بضعف الدلالة،أوّلاً:بشهادة السياق بكون المراد من الحدث ما هو من قبيل الموت المترتّب عليه تلف الجملة.

و ثانياً:و هو العُمدة بعدم الدلالة على مشروطيّة تعلّق الضمان على البائع بكون الحدث قبل القبض،بل غايته الدلالة على تعلّقه عليه قبل

ص:401

انقضاء زمان الخيار،و هو أعمّ من الأوّل،فقد ينقضي الخيار قبله.بل مفهومه حينئذٍ كون الضمان على المبتاع في هذه الصورة،و هو ضدّ المطلب في الجملة،و إن دلّ عليه المنطوق كذلك.و إتمامه بالإجماع المركّب ليس بأولى من العكس في المفهوم.

فهذا القول لعلّه لا يخلو عن قوة،سيّما مع اعتضاده بالإجماع المتقدّم،و إن لم يكن بنفسه لما مرّ حجّة مستقلة،و لكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن شبهة،فالاحتياط فيه لا يترك البتّة.

و كذا لو قبض المشتري بعضاً من المبيع و حدث عيب في الباقي كان الحكم المتقدّم ثابتاً فيما لم يقبض منه،فله الخيار بين الردّ و الإمضاء مع أخذ الأرش.بلا إشكال في الثاني؛ للدليل المتقدّم بعد فرض التماميّة.

و كذا في الأوّل إن أراد بالمردود مجموع المبيع؛ للدليل المتقدّم.

و على إشكال فيه إن أراد به خصوص المعيب،كما هو ظاهر سياق العبارة؛ لاستلزام ردّه خاصّة تبعّض الصفقة،الموجب للضرر على البائع،المنفي في الشريعة فتوًى و روايةً.

فإذاً الأقوى عدم جواز ردّه خاصّة،بل إمّا الجميع،أو إمساكه بتمام الثمن،أو مع الأرش على اختلاف القولين.

ص:402

الفصل الخامس في الربا

اشارة

الفصل الخامس:

في الربوا و قد يقلب واوه ألفاً (1)،و هو في اللغة:الزيادة،قال اللّه سبحانه:

فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ [1] (2).

و شرعاً:بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع(عليه السّلام)أو في العادة بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً،أو إقراض أحدهما معها مطلقاً و إن لم يكونا مقدّرين بالأمرين،إذا لم يكن باذل الزيادة حربيّا،و لم يكن المتعاقدان والداً مع ولده،و لا زوجاً مع زوجته.

و ربما يبدل البيع بمطلق المعاوضة.و لا يخلو عن قوّة،وفاقاً للطوسي و القاضي و فخر الدّين و الشهيدين و المحقّق الشيخ علي و غيرهم (3)؛ لإطلاق الكتاب و السنّة،فمنها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« الحنطة و الشعير رأساً برأس لا يزداد واحد منهما

ص:403


1- الربوا كتب بالواو على لغة من يفخم،كما كتبت الصلاة و الزكاة،و زيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع،تفسير الكشاف 1:318.
2- الروم:39.
3- الطوسي في المبسوط 2:88،القاضي في المهذّب 1:364،فخر الدين في إيضاح الفوائد 2:104،الشهيد الأول في الدروس 3:328،الشهيد الثاني في المسالك 1:278،المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 5:411؛ و انظر الشرائع 3:240.

على الآخر» (1).

و فيه:« الدقيق بالحنطة،و السويق بالدقيق مثلاً بمثل لا بأس به» (2).

و نحوه آخر (3).

و فيه:« كان عليّ(عليه السّلام)يكره أن يستبدل وَسْقين من تمر المدينة بوَسْق من تمر خيبر» (4).

و فيه:عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بُسر مطبوخ بقوصرة فيهما مشقّق،فقال:« هذا مكروه» فقال أبو بصير:لِمَ يكره؟فقال:« كان عليّ بن أبي طالب(عليه السّلام)يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر،و لم يكن(عليه السّلام)يكره الحلال» (5).

إلى غير ذلك من النصوص المؤيّد إطلاقها بعموم بعضها الناشئ من ترك الاستفصال،كالأخير،و الموثق كالصحيح على الصحيح،بل ربما عدّ من الصحيح:أ يجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟قال:« لا يجوز إلّا مثلاً بمثل» (6).

و صريح الصحيح:عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام،فيقاطعه على

ص:404


1- الكافي 5:/187 2،الفقيه 3:/178 803،التهذيب 7:/95 402،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 3.
2- الفقيه 3:/178 802،التهذيب 7:/94 401،الوسائل 18:142 أبواب الربا ب 9 ح 4.
3- الكافي 5:/189 10،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 2.
4- التهذيب 7:/94 400،الوسائل 18:152 أبواب الربا ب 15 ح 3.
5- الكافي 5:/188 7،التهذيب 7:/96 ذيل حديث 412،الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.
6- الكافي 5:/188 5،التهذيب 7:/96 410،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 2.

أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً،فقال:« لا» فقلت:فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار و يضمن له لكل صاع أرطالاً مسمّاة؟قال:

« لا» (1).

خلافاً للحلّي،و الماتن في الشرائع في هذا الكتاب،و الفاضل في الإرشاد و القواعد فيه (2)،فخصّوه بالبيع؛ اقتصاراً فيما خلاف الأصل على المجمع عليه،و حملاً للإطلاق على الفرد المتبادر،و ليس إلّا البيع.

و ضعف الجميع بما ذكرناه ظاهر،مع رجوع الفاضلين عنه إلى المختار في كتاب الصلح (3)،و مع ذلك هو أحوط باليقين.

و تحريمه معلوم من الشرع المبين،قال اللّه سبحانه أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا [1] (4)و قال يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ [2] (5)و قال الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [3] (6).و النصوص به زيادة على ما مرّ مستفيضة،و هو من أعظم الكبائر حتى أن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية بذات المحرم،كما في الصحيح (7)،و فيه:« قال أمير المؤمنين(عليه السّلام):آكل الربا و مؤكله و كاتبه و شاهداه

ص:405


1- الكافي 5:/189 11،الفقيه 3:/147 649 بتفاوت،التهذيب 7:/96 411،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 3.
2- الحلي في السرائر 2:487،الشرائع 2:43،الإرشاد 1:377،القواعد 1:184.
3- المحقق في الشرائع 2:122،العلامة في الإرشاد 1:405.
4- البقرة:274.
5- البقرة:276.
6- البقرة:274.
7- مجمع البيان 2:390،تفسير القمي 1:93،الوسائل 18:123 أبواب الربا ب 1 ح 19.

فيه سواء» (1)و نحوه الخبر الآخر اللاعن لهؤلاء و زيادة المشتري و البائع (2).

و في الموثق كالصحيح في آكل الربا:« لأن أمكنني اللّه عزّ و جلّ لأضربنّ عنقه» (3).

و في الخبر:« أخبث المكاسب كسب الربا» (4).

و يثبت في كلّ مكيل أو موزون في زمان صاحب الشريعة إن عُرِفا فيه مطلقاً و إن لم يقدَّر بهما عندنا،بلا خلاف،كما في المبسوط (5).

و إن لم يُعرَفا فيه فالمتّجه دوران الحكم معهما حيث دارا نفياً و إثباتاً مطلقاً،وفاقاً للمبسوط و القاضي و المختلف (6)،بل كافّة المتأخّرين؛ التفاتاً إلى الأصل في الجملة،و أنّ كلّ بلد لهم عرف خاصّ،فينصرف إطلاق الخطاب إليه البتة.

خلافاً للنهاية و الديلمي (7)،فأدارا الحكم معهما إثباتاً خاصّة،بحيث لو كانا في بلد كان المقدّر بهما فيه ربويّاً مطلقاً،حتى في البلدان التي لم يقدّر بهما.

و للمفيد و الحلّي (8)،فالتفصيل بين تساوي البلدان المقدّرة بهما

ص:406


1- الكافي 5:/144 2،الفقيه 3:/174 783،الوسائل 18:126 أبواب الربا ب 4 ح 1.
2- الفقيه 3:/174 784،التهذيب 7:/15 64،الوسائل 18:127 أبواب الربا ب 4 ح 2.
3- الكافي 5:/147 11،الوسائل 18:125 أبواب الربا ب 2 ح 1.
4- الكافي 5:/147 12،الوسائل 18:118 أبواب الربا ب 1 ح 2.
5- المبسوط 2:90.
6- المبسوط 2:90،القاضي في المهذب 1:363،المختلف:356.
7- النهاية:378،الديلمي في المراسم:179.
8- المفيد في المقنعة:94،الحلي في السرائر 2:263.

و غيرها في الغلبة فالثاني،و تفاوتها بها فالأغلب.

و مستندهما غير واضح سوى الإطلاق في الأوّل.و يضعّف بما مرّ، مع معارضته بالإطلاق النافي للربا فيما لم يقدّر بهما،و الترجيح لا بدّ له من دليل قطعاً،و إلّا فاللازم الرجوع إلى حكم الأصل جدّاً،و الاحتياط لا يصلح دليلاً في نحو المقام أصلاً.

و كيف كان،فثبوت الحكم في كل مقدّر بهما تقديراً يشترط في بيعه مع اتّحاد الجنسيّة مجمع عليه بين أصحابنا،كما في الغنية و السرائر و القواعد (1)،و غيرهما من كتب الأصحاب.

مضافاً إلى إطلاقات السنّة و الكتاب،و خصوص المعتبرة المستفيضة الآتية في الباب،و هي ما بين مثبتة للربا في ذلك من دون تعرّض لنفيه عمّا دونه،و نافيه له عنه أيضاً،كالموثق كالصحيح:« لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن» (2).

و الموثق:« كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد،فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد» (3).

و يستفاد منه اشتراط اتّحاد الجنسية؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.و سيأتي تمام الكلام فيه في بيع العروض المختلفة فيها نسيئة (4).

و المراد بالجنسيّة هنا الحقيقة النوعيّة باصطلاح أهل المنطق،فإنّه

ص:407


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588،السرائر 2:253،القواعد 1:140.
2- التهذيب 7:/19 81،تفسير العياشي 1:/152 504،الوسائل 18:132 أبواب الربا ب 6 ح 1.
3- التهذيب 7:/119 517،الإستبصار 3:/101 351،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 3.
4- انظر ص:3951 3953.

يسمى جنساً بحسب اللغة.

و ضابط الجنس المستفاد من العرف و اللغة و الشرع بالإجماع ما يتناوله اسم خاصّ كالحنطة بالحنطة و الأرز بالأرز و يستثنى منه الشعير بناءً على اقتضاء الضابط عدم مجانسته مع الحنطة؛ لعدم تناول اسم أحدهما للآخر،فيعدّ هنا جنساً واحداً على الأشهر الأظهر،كما يأتي إليه و إلى الخلاف فيه الإشارة (1).

و مقتضى الضابط عدم دخول السلت (2)و العَلَس (3)في الحنطة و الشعير؛ لمغايرة الاسم،إلّا إذا ثبت الاتّحاد بنحو من اللغة و العرف أو الشرع،فيدخل كالشعير.

و ممّا مرّ يظهر أنّه يشترط في جواز بيع المثلين المتجانسين المقدّرين بأحد التقديرين التساوي في القدر و الحلول، فلو بيع بزيادة حرم نقداً و نسيئة إجماعاً فيه و في أنّه يصحّ متساوياً يداً بيد و أنّه يحرم نسيئة لأنّ للأجل قسطاً من الثمن عرفاً و شرعاً،إجماعاً،و في الصحيح:« لا تبع الحنطة بالشعير إلّا يداً بيد» (4).

و في الخبر:« إنّما الربا في النسيئة» (5).

نعم في المختلف حكى الخلاف عن الخلاف في الأخير،فقال بالكراهة،إلّا أنّه حملها على الحرمة معتذراً بغلبة إطلاقها عليها في كلامه،

ص:408


1- ص:3953.
2- السلت بالضم:ضرب من الشعير ليس له قشر،كأنه حنطة.الصحاح 1:253.
3- العَلَسُ أيضاً:ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر واحد،و هو طعام أهل صنعاء.الصحاح 3:952.و قال في المصباح المنير 2:425:و قيل هو العدس.
4- التهذيب 7:/95 408،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 8 ح 8.
5- عوالي اللئلئ 3:/220 84،سنن ابن ماجة 2:/758 2257.

و مع ذلك نفي الخلاف في عنوان البحث عن الحرمة عازياً لقول الخلاف إلى الشذوذ (1).و هو مشعر بالإجماع عليها كما ترى.

و لا يضرّ في الزيادة العينية نحو عقد التبن (2)و الزوان (3)اليسير الذي جرت به العادة في أحد العوضين دون الآخر،أو زيادة عنه؛ لأنّ ذلك لا يقدح في إطلاق المثليّة و المساواة قدراً عرفاً و عادةً.و لو خرج عن المعتاد ضرّ بالضرورة.

و يجب إعادة الربا على المالك مع العلم بالتحريم حين المعارضة بلا خلاف في الظاهر،و قد حكي (4)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى نصّ الآية وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ [1] (5)و غيرها من الآيات الأُخر (6)الناصّة هي كالروايات (7)بحرمة الربا التي هي الزيادة لغةً،الموجبة لعدم الملكيّة،فيلزم الردّ مع معرفتها قدراً و معرفة الصاحب بالضرورة،و النصوص الآتية مصرِّحةً بذلك أيضاً تنفع المقام نصّاً أو فحوًى،فتأمّل جدّاً.

فإن جهل صاحبه جهلاً أوجب اليأس عنه و عرف مقدار الربا مفصّلاً كالربع و الثلث كان له حكم المال المجهول المالك المشار إليه بقوله: تصدّق به عنه.

ص:409


1- المختلف:354.
2- التبْن:ساق الزرع بعد دياسه.المصباح المنير:72.
3- الزوان:حبّ يخالط البُرّ فيكسبه الرَّداءَة.المصباح المنير:260.
4- انظر الحدائق 19:216.
5- البقرة:279.
6- البقرة:276،278.
7- الوسائل 18:117 أبواب الربا ب 1.

و لو علم قدره جملةً لا تفصيلاً.قيل:فإن علم أنّه يزيد عن الخمس خمّسه و تصدّق بالزائد و لو ظنّاً،و يحتمل قويّاً كون الجميع صدقة،و لو علم نقصانه عنه اقتصر على ما تيقّن به البراءة،صدقةً على الظاهر و خمساً في وجه (1).و هو أحوط.

و إن انعكس ف عرفه و لو في جملة قوم منحصرين و جهل مقدار الربا أصلاً صالح الصاحب عليه و لا خمس هنا.

فإن أبى عن الصلح فعن التذكرة دفع إليه خمسه إن لم يعلم زيادته، أو ما يغلب على ظنّه إن علم زيادته أو نقصه؛ لأنّ هذا القدر جعله اللّه تعالى مطهِّراً للمال (2).

و فيه نظر،و الأحوط وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة.

قيل:و يحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه (3).و هو ضعيف.

و إن مزجه بالحلال و جهل المالك و القدر تصدّق بخمسه على السادة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المتقدّمة هي و البحث في المسألة في كتاب الخمس،فليطلب التحقيق ثمّة.

إلّا أنّ النصوص الآتية الواردة في بيان الحاجة خالية عن ذكر الخمس بالمرّة،بل ظاهرة في حلّ الجميع بالكلية من دون ريبة،و لكن لم يعمل بها إلّا نادر من الطائفة (4)،و مع ذلك فظاهر سياقها صورة الجهل بالحرمة خاصّة،فالعمل بالنصوص المتقدّمة في بحث الخمس العامّة لنحو المسألة

ص:410


1- المسالك 1:67.
2- التذكرة 1:253.
3- المدارك 5:388.
4- حكاه عن الصدوق في المختلف:352.

أقوى البتّة.

و لو جهل التحريم حين المعاوضة ثم علم به و تاب و استغفر ربّه كفاه الانتهاء عنه و التوبة،فلا يجب عليه شيء من الأُمور المزبورة في الصورة المذكورة،وفاقاً لجماعة،كالمقنع و النهاية (1)؛ للأصل،و اختصاص أدلّة حرمة الربا و الزيادة من الكتاب و السنّة بحكم التبادر و قاعدة التكليف و النصوص الآتية بالصورة السابقة.

مضافاً إلى انسحاب الحكم بعدم الوجوب في حالة الجهل إلى حال الانكشاف و المعرفة،عملاً باستصحاب الحالة السابقة.

و ظاهر قوله سبحانه فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ [1] (2)المفسّر به في ظاهر كلام الطبرسي بقوله:معناه ما أخذ و أكل من الربا قبل النهي،و لا يلزمه ردّه (3).فتأمّل.

و ظاهر النصوص،كالصحيح فيمن أراد الخروج عن الربا:« مخرجك من كتاب اللّه تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ [2] و الموعظة:التوبة» (4).

و أظهر منه الصحيح المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، و نحوه الرضوي:إنّ رجلاً أربى دهراً من الدهر،فخرج قاصداً إلى أبي جعفر(عليه السّلام) يعني الجواد فقال له:« مخرجك من كتاب اللّه تعالى يقول اللّه فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ [3] و الموعظة هي

ص:411


1- المقنع:125،النهاية:376.
2- البقرة:275.
3- مجمع البيان 1:390.
4- التهذيب 7:/15 68،تفسير العياشي 1:/152 506،الوسائل 18:130 أبواب الربا ب 5 ح 7.

التوبة،لجهله بتحريمه ثم معرفته به،فما مضى فحلال،و ما بقي فليتحفّظ» (1)خلافاً للحلّي و كثير من المتأخّرين (2)،فأوجبوا الردّ؛ عملاً بآية فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ [1] (3)و سياقها ظاهر في صورة العلم بالحرمة.

و حملاً للآية السابقة و الخبرين في أحدهما:« قد وضع ما مضى من الربا و حرم ما بقي،فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه» (4)و قريب منه الثاني (5)على العود إلى الذنب بمعنى سقوطه بالتوبة،أو ما كان من الربا في زمن الجاهلية.و هو ضعيف بعد ما مرّ من الأدلّة،و ما سيأتي إليه الإشارة من المعتبرة.

و للإسكافي،فإن كان معروفاً ردّه على صاحبه و تاب إلى اللّه تعالى، و إن اختلط بماله حتى لا يعرفه أو ورث مالاً يعلم أنّ صاحبه كان يربى و لا يعلم الربا بعينه فيعز له جاز له أكله و التصرف إذا لم يعلم الربا (6).

و لا يخلو عن قوّة؛ للمعتبرة،منها الصحيح في الذي قال:« إنّي ورثت مالاً و قد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى،و قد اعترف أنّ فيه رباً و استيقن ذلك،و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه،و قد

ص:412


1- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى:/161 413،الوسائل 18:131 أبواب الربا ب 5 ح 10،و لم نعثر عليه في فقه الرضا(عليه السّلام).
2- الحلي في السرائر 2:251،المختلف:353،و انظر البيان:217،و كفاية الأحكام:43.
3- البقرة:279.
4- الفقيه 3:/175 789،الوسائل 18:129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
5- الكافي 5:9/146،مستطرفات السرائر:44/90،الوسائل 18:130 أبواب الربا ب 5 ح 4.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:352.

سألت الفقهاء من أهل العراق و الحجاز فقالوا:لا يحلّ أكله من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر(عليه السّلام):إن كنت تعلم أنّ فيه مالاً معروفاً ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك،و إن كان مختلطاً فكله هنيئاً،فإنّ المال مالك،و اجتنب ما كان يصنع صاحبه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قد وضع ما مضى من الربا و حرّم عليهم ما بقي،فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من أكل الربا» (1).

و نحوه الصحيح الآخر،و فيه زيادة على ما مرّ:« و أيّما رجل أفاد مالاً كثيراً فيه الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه،فما مضى فله،و يدعه فيما يستأنف» (2)و نحوهما غيرهما (3).

إلّا أنّ سياقها كما ترى بالدلالة على المختار أولى،من حيث تعليل حلّ أكل الربا المختلط بوضع الرسول(صلّى اللّه عليه و آله)ما مضى منه،و هو كالصريح في أنّ المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل (4)،و منه يظهر صحة تفسير الآية بما قدّمناه،كما هو أيضاً ظاهرها.

و بالجملة الدلالة على الحلّ في غاية الوضوح جدّاً،فحمل الأمر بالردّ مع التمييز و العزل (5)على الاستحباب غير بعيد.

ص:413


1- الكافي 5:/145 5،التهذيب 7:/16 70،الوسائل 18:129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
2- الكافي 5:/144 3،الفقيه 3:/175 787،التهذيب 7:/16 69،الوسائل 18:128 أبواب الربا ب 5 ح 2.
3- انظر الوسائل 18:128 أبواب الربا ب 5.
4- في« ت» زيادة:لذلك،و في« ر»:مطلقاً،و في« ق»:مطلقاً لذلك.
5- في« ر» زيادة:لذلك،و في« ح»:مطلقاً لذلك.

و الجمع بجمل الأمر على ظاهره و تقييد الأدلّة المتقدمة الدالّة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط و إن أمكن،إلّا أنّ عدم التكافؤ بكثرتها، و اعتضادها بفتوى جماعة و ظهور سياق المعتبرة المتضمّنة للأمر المزبور في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز و المعرفة أوجب أولويّة صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب،و إن كان العمل بظاهره أحوط،و أحوط منه القول الثاني.

و إذا اختلفت أجناس العروض الربوية أي المكيلة و الموزونة فبيعت إحداهما بمخالفها منها في الجنسية جاز التفاضل إذا بيعت نقداً إجماعاً،كما في المختلف و الروضة و غيرهما من كتب الجماعة (1)؛ للأصل،و الأدلّة الآتية.

و في النسيئة قولان،أشبههما و أشهرهما بين المتأخّرين،بل مطلقاً كما في المسالك (2)،بل (3)لعلّه عليه عامّتهم الجواز مع الكراهة وفاقاً للمبسوط و الحلّي و النهاية و ابن حمزة و ابن زهرة (4)مدّعياً على الكراهة إجماع الطائفة.

استناداً في الأوّل الى الأصل،و العمومات،و النبوي المشهور (5):« إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم» (6)المعتضد بعد الشهرة بعموم كثير من

ص:414


1- المختلف:354،الروضة 3:446؛ و انظر كشف الرموز 1:486،و قال في الكفاية:98 و الحدائق 19:224:بلا خلافٍ.
2- المسالك 1:199.
3- بل في السرائر(2:253)نفي الخلاف عنه(منه(رحمه اللّه)).
4- المبسوط 2:89،الحلّي في السرائر 2:256،النهاية:317،ابن حمزة في الوسيلة:253،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588.
5- بل المجمع عليه كما في السرائر(2:253).(منه(رحمه اللّه)).
6- عوالي اللئلئ 3:/221 86،المستدرك 13:341 أبواب الربا ب 12 ح 4.

المعتبرة الدالّة عليه منطوقاً في بعض،كالمعتبرين،أحدهما الصحيح:

« يكره قفيز لوز بقفيزين،و قفيز تمر بقفيزين،و لكن صاع من حنطة بصاعين من تمر،و صاع من تمر بصاعين من زبيب (1).

و ثانيهما الموثق،عن الطعام و التمر و الزبيب،فقال:« لا يصلح شيء منها اثنان بواحد،إلّا أن تصرفه إلى نوع آخر،فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد و أكثر من ذلك» (2).

و مفهوماً في آخر،كالموثق الصحيح:« كلّ شيء يكال و يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد» (3).

خلافاً للإسكافي و العماني و المفيد و الديلمي و القاضي (4)(5)،فمنعوا عنها؛ للحديث المشهور:« إنّما الربا في النسيئة» (6).

و الصحيح:« ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يداً بيد،فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح» (7).

ص:415


1- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 3.
2- الفقيه 3:/178 804،التهذيب 7:/95 406،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 5.
3- التهذيب 7:/119 517،الإستبصار 3:/101 351،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 3.
4- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،المفيد في المقنعة:93،الديلمي في المراسم:179،القاضي في المهذب 1:365.
5- و الكيدري،و الفاضل في التحرير(1:170)منه(رحمه اللّه).
6- عوالي اللئلئ 3:/220 84،سنن ابن ماجه 2:/758 2257.
7- الكافي 5:/191 6،الفقيه 3:/176 796،التهذيب 7:/93 396،الوسائل 18:145 أبواب الربا ب 13 ح 2.

و نحوه خبران آخران (1)،في سندهما كالأوّل ضعف من وجوه،و كذا في دلالتهما كالصحيح قصور بعدم صراحة،بل و لا ظهور في المطلوب لو لم تكن بخلافه،و الدلالة على الكراهة ساطعة النور كما هو المشهور.

و تزيد الحجة على الحديث الأوّل زيادة على ما مرّ بمتروكيّة المتن، من حيث الدلالة على حصر الربا في النسيئة،و لا قائل به من الطائفة،و على تقديره فليس الربا فيه مطلق الزيادة،بل بشرائطها المعتبرة،و من جملتها عند علمائنا كما في المختلف (2)اتّحاد الجنس،و به صرّحت الصحيحة المتقدّمة،هذا مع احتمال وروده كالروايات الثلاثة الأخيرة مورد التقيّة؛ لكون المنع مذهب العامّة،كما يلوح من الغنية (3)،و يؤيّده مصير الإسكافي إليه.

و في الثاني إلى الشبهة الناشئة من أدلّة المنح المزبورة،سيّما مع صحة بعضها،و قوّة احتمال دلالة نفي الصلاحية على الحرمة إمّا من حيث الصيغة،كما ادّعاه بعض المشايخ الأجلّة (4)،أو من حيث غلبة التعبير به و بلفظ الكراهة عن الحرمة في أحاديث الربا بلا شبهة،و قد مضى إلى بعضها الإشارة (5)،مع التأيّد بفتوى من تقدّم من عظماء الطائفة.

إلّا أنّ المستفاد منها ليس سوى المنع عن خصوص الزيادة العينية، لا

ص:416


1- الأول:التهذيب 7:/118 514،الوسائل 18:159 أبواب الربا ب 17 ح 14.الثاني:الكافي 5:/191 6،التهذيب 7:/93 395،الوسائل 18:157 أبواب الربا ب 17 ح 9.
2- المختلف:354.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588.
4- كصاحب الحدائق 19:226.
5- راجع ص:3941 و 3942.

الحاصلة بمجرّد النسيئة و نحوها من الزيادات الحكميّة،فالفتوى بانسحاب المنع فيها لا وجه لها مطلقاً،حرمة كانت أو كراهة،إلّا أنّ المصير إلى الأخير بناءً على المسامحة في مثله غير بعيد.

ثم كلّ ذا إذا كنت الأجناس المختلفة الربوية عروضاً.فلو كانت أثماناً أو ملفّقاً منهما اختلف الحكم فيهما بالمنع عن النسيئة في الأوّل مطلقاً،كما يأتي،و بجوازها في الثاني كذلك،إجماعاً،كما في الغنية و المختلف و الإيضاح و الروضة و المهذب و غيرها من كتب الجماعة (1)؛ لأنّه إمّا سلف أو نسيئة قد قام بجوازهما مطلقاً مضافاً إلى ما مرّ الأدلّة القاطعة.

و الحنطة و الشعير جنس واحد في الربا و إن اختلفا في غيره،فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً،نسيئة كان أو عيناً،على الأشهر الأقوى،وفاقاً للصدوق و الشيخين و الديلمي و الحلبي و ابن حمزة و القاضي و ابن زهرة (2)،مدّعياً هو كالطوسي الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

مضافاً الى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،المعتضدة بعد الخلوّ عمّا يصلح للمعارضة بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.

و هي ما بين صريحةٍ في الحكم و اتّحاد الحقيقة،كالصحاح،منها:

ص:417


1- الغنية(الجوامع الفقهية):588،المختلف:354،إيضاح الفوائد 1:484،الروضة 3:445،المهذب البارع 2:421 و قال فيه..فيجوز التفاوت قدراً نقداً قطعاً و نسيئة كذلك.
2- الصدوق في الفقيه 3:178،المفيد في المقنعة:604،الطوسي في المبسوط 2:89،الديلمي في المراسم:179،الحلبي في الكافي في الفقه:357،ابن حمزة في الوسيلة:253،القاضي في المهذب 1:362،ابن زهرة في العتبة(الجوامع الفقهية):588.

عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلّا شعيراً،أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟قال:« لا،إنّما أصلهما واحد» (1).

و منها:« لا يصلح،لأن أصل الشعير من الحنطة» (2).

و منها:« لا يجوز إلّا مثلاً بمثل،إنّ الشعير من الحنطة» (3)و نحوها غيرها (4).

و في المرتضوي:« إنّ اللّه تعالى أمر آدم(عليه السّلام)أن ازرع ممّا اخترت لنفسك،و جاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة،فقبض آدم على قبضة و حوّاء على اخرى،فقال آدم(عليه السّلام)لحوّاء:لا تزرعي أنت،فلم تقبل أمر آدم، فكلّ ما زرع آدم جاء حنطة،و كل ما زرعت حوّاء جاء شعيراً» (5).

و ظاهرةٍ في الحكم خاصّة،و لكن تدلّ على الاتّحاد في الحقيقة بضميمة القاعدة المتّفق عليها فتوًى و روايةً أنّه لا ربا إلّا مع اتّحاد الجنسيّة، مضافاً الى الروايات السابقة،و هي مستفيضة،منها الصحيح:« الحنطة و الشعير رأساً برأس،لا يزداد واحد منهما على الآخر» (6).

خلافاً للإسكافي و العماني و الحلّي (7)،فجنسان،التفاتاً الى العرف

ص:418


1- الكافي 5:/187 3،التهذيب 7:/94 399،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 4.
2- الكافي 5:/187 1،التهذيب 7:/96 409،الوسائل 18:137 أبواب الربا ب 8 ح 1.
3- الكافي 5:/188 1،التهذيب 7:/96 410،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 2.
4- الوسائل 18:137 أبواب الربا ب 8.
5- علل الشرائع:/574 2،المستدرك 13:344 أبواب الربا ب 17 ح 2.
6- الفقيه 3:/178 803،التهذيب 7:/95 402،الوسائل 18:138 أبواب الربا ب 8 ح 3.
7- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،الحلّي في السرائر 2:255.

و اللغة،و الرواية العامية:« بيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب،و البرّ بالشعير و الشعير بالبرّ كيف شئتم يداً بيد» (1)و في السند ضعف.و في الدلالة قصور.

و الأوّل حسن لولا الأدلّة المتقدّمة،و لذا يعدّان جنسين في غير المقام كالزكاة،فلا يجعلان نصاباً مع نقص كلّ منهما عنه.إجماعاً.

و لا ينافيه الاتّحاد حقيقة،كما يستفاد من الأخبار المتقدّمة؛ فإنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسامي اللغوية و العرفية،دون الحقائق النفس الأمريّة،و إنّما خرج المقام عن هذه القاعدة تبعاً للآثار الصحيحة المعصومية،الحاكمة بحصول الربا فيه في الشريعة،مراعاةً للحقيقة النفس الأمريّة،و لا يجوز التعدّي إلى غيره بالضرورة.

و كذا ما يكون منهما،كالسويق و الدقيق و الخبز و الهريسة و نحوها جنس واحد،إجماعاً،كما عن التذكرة (2)؛ و هو الحجة المؤيّدة بعدم الخلاف بين الطائفة فيه و في أنّ ثمرة النخل بأنواعه و ما يعمل منها كالدبس و نحوه جنس واحد في الربا،فلا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً،لا نقداً و لا نسيئة و كذا ثمرة الكرم و ما يكون منه كالدبس و العصير و البختج و نحوها جنس واحد،لا يجوز فيه ما ذكر.

مضافاً الى المعتبرة المستفيضة،منها الصحاح في الحنطة بالدقيق، كما في أحدها و الموثق (3)،و السويق بالدقيق،كما في الثاني (4)بزيادة ما في

ص:419


1- ورد مؤداه في سنن ابن ماجه 2:/757 2254،و سنن البيهقي 5:282.
2- التذكرة 1:479.
3- الكافي 5:/189 10،الوسائل 18:141 أبواب الربا ب 9 ح 2.
4- الفقيه 3:/178 802،التهذيب 7:/94 401،الوسائل 18:142 أبواب الربا ب 9 ح 4.

الأوّل أيضاً،و البرّ بالسويق،كما في الثالث (1):« مثلاً بمثل لا بأس به» .و في الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة و وجودِ ابن محبوب الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة:« ما ترى في التمر و اليسر الأحمر مثلاً بمثل؟قال:« لا بأس به» قلت:فالبختج و العصير مثلاً بمثل؟ قال:« لا بأس به» (2).

و هي و إن اختصّت بموارد مخصوصة،إلّا أنّ أخبار اتّحاد الحنطة مع الشعير المتقدّمة (3)ظاهرة في التعدية و تأسيس ما عليه الأصحاب من القاعدة الكلّية،و هي:اتّحاد كلّ فرع مع أصله؛ نظراً الى تعليلها مع صحتها و استفاضتها،كما مضى المنح عن المفاضلة بينهما بأنّ أصل الشعير من الحنطة،الدالّ على أنّ كلّ فرع له حكم أصله من حرمة المفاضلة،فإنّ العلّة المنصوصة يتعدّى بها إلى ما عدا موردها و إن اختصّت به بالإضافة،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،كما حُقّق مستقصى في الكتب الأُصولية.

مضافاً الى التصريح بالكلّية في بعض المعتبرة،المنجبر قصوره بالقطع و الإرسال بالشهرة و ما مرّ من الأدلّة،و فيه:« ما كيل أو وزن ممّا أصله واحد فليس لبعضه فضلاً على بعض،كيلاً بكيل أو وزناً بوزن،فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد،و يكره نسيئة» إلى أن قال:

« و ما كان أصله واحداً و كان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال و لا

ص:420


1- الكافي 5:/189 9،التهذيب 7:/95 404،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 9 ح 1.
2- الكافي 5:/190 18،التهذيب 7:/97 408،الوسائل 18:150 أبواب الربا ب 14 ح 5.
3- في ص:3954.

يوزن فلا بأس به يداً بيد،و يكره نسيئة،و ذلك كالقطن و الكتاب،فأصله يوزن و غزله يوزن،و ثيابه لا توزن،فليس للقطن فضل على الغزل،واصلة واحد،فلا يصلح إلّا مثلاً بمثل،فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد، و الثياب لا بأس الثوبان بالثوب» (1)الحديث.

و بما حقّقناه في المقام ينقدح وجه القدح في المناقشة التي أوردها بعض الأجلّة على الأصحاب فيما ذكروه من القاعدة الكلّية،من حيث عدم انضباطها على القوانين،من حيث إنّه لا يصدق على الكلّ اسم خاصّ و أنّ له حقيقة واحدة،و لهذا لو حَلَفَ أحد أن لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر،فيحتمل أن يكونا جنسين،و جواز بيع أحدهما بالآخر يكون كذلك،و يكون الشرط للكراهة مع عدمه،كما مرّ في سائر المختلفات، و يمكن أن يقال:إنّ الضابط أحد الأمرين،إمّا الاتّفاق في الحقيقة أو الاتّحاد في الاسم،و هنا الأوّل تحقّق و لم يتحقّق الثاني،و فيه تأمّل (2).

و ذلك فإنّ مرجع المناقشة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتّحاده في الربا بين الربوبين هل هو الحقيقة الأصليّة خاصّة و إن اختلفت أسماء أفرادهما،أو أنّه لا بدّ من الاتّحاد في الاسم،بناءً على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة؟و لا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على إرادة المعنى الأوّل بلا شبهة،و تكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية،كما سلّمه هو في المسألة السابقة بتلك النصوص،الجارية هنا بمقتضى العلّة المنصوصة.

ص:421


1- الكافي 5:1/192،الوسائل 18:158 أبواب الربا ب 17 ح 12.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:468.

و لذا إنّ الحلّي المصرّ على إرادة المعنى الثاني في المسألة السابقة وافق الأصحاب في المسألة،مدّعياً في جملة من مواردها إجماع الطائفة (1)،فلا وجه للمناقشة من هذه الحيثيّة.

و كذا من الحيثية الأُخرى التي ذكرها أيضاً من قوله:إنّه لا شكّ أنّ الحنطة إذا جعلت دقيقاً تزيد،و هو ظاهر،و دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة،و انطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمّل،فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساوياً أيضاً؛ للزيادة،كما في اليابس من جنس بآخر رطباً،مثل الرُّطَب بالتمر و العنب بالزبيب،فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل و تغيير،مع أنّه معتبر عندهم في الرُّطَب و التمر (2).

و ذلك لاغتفار هذه الزيادة اتفاقاً فتوًى و روايةً،و لعلّ الوجه فيه ما أُشير إليه و إلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه،فإنّ فيه:ما تقول في البرّ بالسويق؟فقال:« مثلاً بمثل لا بأس به» قلت:إنّه يكون له رَيع فيه فضل،فقال:« أ ليس له مئونة؟» قلت:بلى،قال:« هذا بهذا» (3).

و حاصله أنّ اغتفار الزيادة إنّما هو لأجل مئونة الطحن،و ليس بيع الرُّطَب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة؛ إذ لا مئونة في يبس التمر،و هو فرق واضح بينهما لا يشوبه شوب المناقشة أصلاً.

ص:422


1- السرائر 2:261.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8:468،469.
3- الكافي 5:/189 9،التهذيب 7:/95 404،الوسائل 18:140 أبواب الربا ب 9 ح 1.

و بالجملة لا وقع لأمثال هذه المناقشات فيما أسّسته النصوص المعتبرة،و اتّفقت عليه كملة الطائفة،و تعدّدت فيه الإجماعات المحكية.

و اللحوم كالألبان تابعة للحيوان في الاختلاف فحلم الضأن، و المعز و كذا لبنهما جنس،لشمول الغنم لهما،و البقر و الجاموس و لبنهما جنس،و كذا العراب و البخاتيّ و لبنهما جنس واحد،و هكذا،بلا خلاف، بل في الغنية (1)و عن التذكرة الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً الى العرف و اللغة فيما عدا الثاني،و لولاه هنا و في بحث الزكاة لأمكن المناقشة فيه بالضرورة؛ لتغاير جنسهما عرفاً و إن تجانسا لغةً،كما حكي (3).

و منه يظهر الوجه في عدم تغاير الوحشي للأهلي،إلّا أنّ ظاهر الأصحاب ذلك،و في الغنية و التذكرة و غيرهما الإجماع عليه (4).

و ممّا قدّمناه من القاعدة الكلّية يظهر الوجه فيما ذكره من أنّ ما يستخرج من اللبن جنس واحد كالحليب و الكشك و الكامخ (5)و الزبد و السمن و الجبن،فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر بالتفاضل مع اتّحاد جنس الحيوان،و عليه بالخصوص الإجماع في الغنية و التذكرة (6).

ص:423


1- و كذا في شرح القواعد للمحقق الثاني في الكل(جامع المقاصد 4:268)و في المسالك(1:199)في البقر و الجاموس.(منه(رحمه اللّه)).
2- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:479.
3- المسالك 1:199 و الحدائق 19:247.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:478؛ و انظر جامع المقاصد 4:268.
5- الكامخ:الذي يؤتدم به؛ معرّب.مجمع البحرين 2:441.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):588،التذكرة 1:479.

و كذا الأدهان تتبع ما تستخرج منه فدهن الغنم مخالف لدهن البقر،فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل بالنقد و النسيئة،لكن في الأخير مع الكراهة،كما مرّت إليه الإشارة (1).

و كذا الخلّ تتبع أُصولها،فخلّ التمر مخالف لخلّ العنب.و الطيور عندهم أجناس،فالحمام كلّه جنس على قول (2).

و قيل:ما يختص من أنواعه باسم جنس مغاير (3).

و ما لا كيل و لا وزن و لا عدّ فيه فليس بربوي،كالثوب بالثوبين،و العبد بالعبدين و يمنع من التفاضل فيه نقداً،إجماعاً،كما في المختلف و غيره من كتب الجماعة (4)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات السليمة عن المعارض سوى إطلاقات الكتاب و السنة بحرمة الربا،و هي ليست باقية على ظواهرها من حرمة مطلق الزيادة،بل هي مقيّدة و لو في الجملة بإجماع الطائفة،و بالمقدّر بالتقديرين خاصّة بالمعتبرة الآتية المتّفق عليها في الصورة المفروضة.

و في النسيئة خلاف و شبهة و الأشبه فيها عند المتأخرين كافّة الجواز مع الكراهة وفاقاً للصدوقين و المبسوط و الحلّي و ظاهر الغنية (5)،بل عن التذكرة الإجماع عليه (6).

ص:424


1- راجع ص:3951.
2- كما في التذكرة 1:478 و الدروس 3:293.
3- الشرائع 2:45.
4- المختلف:354؛ و انظر الحدائق 19:226.
5- الصدوق في المقنع:125،و نقله عن والد الصدوق في المختلف:354،المبسوط 2:89،الحلّي في السرائر 2:256،الغنية(الجوامع الفقهية):588.
6- التذكرة 1:477.

استناداً في الأوّل إلى ما مرّ،و إطلاق تلك المعتبرة،و هي مستفيضة، فمنها مضافاً الى ما مضى في صدر الفصل من الموثقين النافي ثانيهما للبأس،قبل المتن منه المتقدّم (1)،عن البيضة بالبيضتين و الثوب بالثوبين و الفرس بالفرسين المعتبرة الأُخر المستفيضة:منها الموثق:« لا بأس بالثوب بالثوبين» (2).

و الخبران (3)،أحدهما الموثق:عن الشاة بالشاتين و البيضة بالبيضتين، قال:« لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً» .و نحوهما الرضوي،و زيد في آخره:« لو أنّ رجلاً باع ثوباً بثوبين أو حيواناً بحيوانين من أيّ جنس يكون،لا يكون ذلك من الربا» (4).

و هي مع اعتبار أسانيدها،و استفاضتها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مضافاً إلى إجماع التذكرة (5)ما بين ظاهرة بحسب الإطلاق،و كصريحة بحسب حصر الربويّ في المقدّر بالتقديرين.

و مع ذلك مخالفة لما عليه أكثر العامّة،بل عامّتهم،كما سيأتي إليه الإشارة،و مؤيّدة بفحوى الأدلّة المتقدّمة (6)الدالّة على جواز بيع أحد

ص:425


1- راجع ص:3944 الهامش(5).
2- التهذيب 7:/119 518،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 4.
3- الأول:الكافي 5:/191 8،التهذيب 7:/118 513،الوسائل 18:152 أبواب الربا ب 16 ح 1.الثاني:الفقيه 3:/178 807،الوسائل 18:155 أبواب الربا ب 17 ح 2.
4- فقه الرضا(عليه السّلام):258،المستدرك 13:342 أبواب الربا ب 14 ح 2.
5- التذكرة 1:477.
6- في ص:3945.

الربوبين بالآخر مطلقاً و لو نسيئة مع الاختلاف في الجنسية،و عليها يحمل استدلال الفاضل في المختلف (1)هنا بحديث:« إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم» (2)و إلّا فلا ربط له و لا مدخليّة إلّا على تقدير تعميم المنع فيها لبيع نحو العبد بالثوبين،و لا تساعده الفتوى و الرواية،لاختصاصهما بالمتجانسين خاصّة،بل صرّح بعض الصحاح الآتية بنفي البأس مع الاختلاف في الجنسية.

و كيف كان فالأقوى الكراهة.

خلافاً لجماعة،كالإسكافي و العماني و المفيد و الخلاف و النهاية (3)؛ لأخبار هي مع موافقتها للعامة،كما ذكره جماعة،و أشعر به بعضها،كما سيأتي إليه الإشارة ليست صريحة في المنع،بل و لا ظاهرة؛ لأنّها ما بين مشعرة بالبأس مفهوماً،كالصحيحين،في أحدهما:العبد بالعبدين،و العبد بالعبد و الدراهم،قال:« لا بأس بالحيوان كله يداً بيد» (4).

و في الثاني:« البعير بالبعيرين،و الدابّة بالدابّتين يداً بيد لا بأس به» (5).

و مصرِّحة بلفظ الكراهة،كالصحيح:عن الثوبين الرديئين بالثوب

ص:426


1- المختلف:354.
2- عوالي اللئلئ 3:/221 86،المستدرك 13:341 أبواب الربا ب 12 ح 4.
3- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:354،المفيد في المقنعة:604،الخلاف 1:525،النهاية:377.
4- الكافي 5:/191 3،الفقيه 3:/177 799،التهذيب 7:/118 512،الإستبصار 3:/100 348،الوسائل 18:156 أبواب الربا ب 17 ح 6.
5- الكافي 5:/190 1،التهذيب 7:/118 511،الإستبصار 3:/100 347،الوسائل 18:155 أبواب الربا ب 17 ح 4.

المرتفع،و البعير بالبعيرين،و الدابّة بالدابّتين،فقال:« كره ذلك علي(عليه السّلام) فنحن نكرهه إلّا أن يختلف الصنفان» (1).

و كلّ من البأس و الكراهة أعمّ من الحرمة،و مع ذلك السكوت عن النسيئة في الأوّلين لعلّه للتقيّة،و به يشعر بعض المعتبرة،كالصحيح:عن البعير بالبعيرين يداً بيد و نسيئة:« لا بأس به» ثم قال:« خطّ على النسيئة» (2)و في الفقيه بعد نقله زاد:« لأنّ الناس يقولون:لا،و إنّما فعل ذلك للتقيّة» (3).

و هذه الزيادة نصّ في ورود المنع على تقديره مورد التقيّة، كالسكوت و الضرب على النسيئة.و لا يقدح احتمال كونها من الصدوق؛ لكونه من أهل الاطّلاع و الخبرة بمذاهب العامّة،مسموعاً حكايته لمثله بالبديهة،سيّما بعد أن وافقه فيها من المتأخّرين جماعة (4).

و الثالث للإطلاق الشامل لصورة البيع نقداً متروك الظاهر جدّاً.

و في الثاني (5)إلى الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة،سيّما من هؤلاء الجماعة الذين هم عظماء الطائفة،و احتمال الذبّ عن ضعف الدلالة أوّلاً:بثبوت المسامحة في أخبار الربا بالتعبير عن الحرمة بلفظ البأس

ص:427


1- التهذيب 7:/12 521،الإستبصار 3:/101 352،الوسائل 18:154 أبواب الربا ب 16 ح 7.
2- الكافي 5:/191 4،التهذيب 7:/117 510،الإستبصار 3:/100 346،الوسائل 18:156 أبواب الربا ب 17 ح 7 و فيه و في الكافي بتفاوت.
3- الفقيه 3:/177 800،الوسائل 18:157 أبواب الربا ب 17 ح 8.
4- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 3:62،و صاحب الحدائق 19:229.
5- أي:استناداً في الثاني و هو كراهة النسيئة في غير المكيل و الموزون و المعدود إلى..

و الكراهة و نفي الصلاحية،كما مضت إليه الإشارة.

و ثانياً:بصراحة الكراهة في الصحيحة الثالثة من حيث نسيتها إلى علي(عليه السّلام) في الحرمة،بعد ملاحظة كثير من المعتبرة الدالّة على أنّه(عليه السّلام) ما كان يكره إلّا الحرام (1).

و الأصل و العمومات و إطلاق المعتبرة لا تبلغ قوّة المعارضة لمثل هذه الصحيحة الصريحة و لو بالضميمة،المعتضدة بسابقتيها من الصحيحتين الظاهرتي الدلالة بمعونة ما مرّ إليه الإشارة،مع احتمال كون المنع فيها عن النسيئة لأجلها من حيث هي هي كما في الصرف،لا من حيث الربا،فلا معارضة بينها و بين ما دلّ من تلك المعتبرة على حصر الربا في المكيل و الموزون،فتأمّل.

فلولا الشهرة العظيمة المتأخرة،المؤيّدة بإجماع التذكرة (2)و مخالفة العامّة و الفحوى المتقدّمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوّة، و لعلّه لما ذكرناه احتاط به في الغنية (3)،و هو في غاية الجودة.

و في ثبوت الربا في المعدود فيحرم التفاضل فيه مع التجانس مطلقاً نقداً و نسيئةً تردّد ينشأ من إطلاق الكتاب و السنّة بحرمة الربا، و هي في اللغة مطلق الزيادة،و النصوص المتقدّمة المانعة عن بيع العبد بالعبدين و الثوب بالثوبين.

و ممّا مرّ من الجواب عنهما،و المعارضة لهما بما هو أقوى منهما من الأصل،و العمومات،و الإجماعات المحكية الآتية،و المستفيضة،و منها

ص:428


1- انظر الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15.
2- راجع ص:3961.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):588.

زيادة على ما مرّ الصحيح:« لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلاً أو وزناً» (1).

و الرضوي:« الربا الذي لا يؤكل هو ما يكال أو يوزن» (2).

و صريح الخبر المنجبر إرساله و قطعه بالعمل،و الموافقة لما مرّ، و فيه:« من عُدّ عدّاً و لم يُكَلْ و لم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يداً بيد، و يكره نسيئة» (3).

و لا مكافأة لشيء من أدلّة المنع لهذه بالضرورة،سيّما أخبارها؛ لخروجها عمّا نح فيه ظاهراً،فإنّ مواردها ممّا لا يقال له في العرف إنّه يباع عدّاً،و لذا فرضها الأصحاب مسألة أُخرى غير المسألة،و إن ظهر من جماعة كبعض شرّاح الكتاب اتحادهما (4).و ليس كذلك قطعاً،مع أنّ جملة منها بل أكثرها مصرّحة بجواز التفاضل يداً بيد،و لا يقول به المانعون.

و كيف كان أشبهه أي الخلاف هنا و أشهره،بل عن الخلاف و السرائر و مجمع البيان الإجماع عليه (5) الانتفاء رأساً،فيجوز بيع أحد المعدودين بالآخر مع التجانس و الاختلاف مطلقاً،وفاقاً للعماني و الصدوقين و الشيخ و القاضي (6)و كافة المتأخّرين.خلافاً للمفيد و الإسكافي و الديلمي (7).

ص:429


1- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الوسائل 18:146 أبواب الربا ب 13 ح 3.
2- فقه الرضا(عليه السّلام):258،المستدرك 13:334 أبواب الربا ب 3 ح 1،و فيه صدر الحديث.
3- الكافي 5:/192 1،الوسائل 18:153 أبواب الربا ب 16 ح 2.
4- التنقيح 2:90.
5- الخلاف 1:526،السرائر 2:262،مجمع البيان 1:390.
6- حكاه عن العماني و والد الصدوق في المختلف:353،الصدوق في المقنع:125،الشيخ في النهاية:379،القاضي في المهذب 1:362.
7- المفيد في المقنعة:605،نقله عن الإسكافي في المختلف:353،الديلمي في المراسم:179.

و لو بيع شيء في بلد كيلاً أو وزناً و في بلد آخر جزافاً فلكلّ بلد دون أهله حكم نفسه من الربا إن بيع بأحدهما،و عدمه إن بيع بغيرهما مطلقاً،على الأشهر الأقوى.

و قيل:يغلب تحريم التفاضل إمّا مطلقا،كما عن النهاية و الديلمي (1)، أو إذا كان البيع بعهما غالباً أو مساوياً دون ما إذا كان نادراً،كما عن المفيد و الحلّي (2)،و الكلام في المقام في أوّل الفصل قد مضى مفصّلاً (3).

و في بيع الرُّطَب بالتمر مع التساوي روايتان،أشهرهما المستفيض النقل من طرق الخاصّة و العامّة المنع بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (4)،ففي النبوي بعد أن سئل عن بيع الرُّطب بالتمر،فقال:

« أ ينقص إذا جفّ؟» فقيل له:نعم،فقال:« لا إذا» (5).

و في الصحيح و غيره:« لا يصلح التمر اليابس بالرطَب،من أجل أنّ التمر يابس و الرطَب رَطْب،فإذا يبس نقص» (6).

خلافاً للإستبصار و موضع من المبسوط و الحلّي (7)؛ تمسّكاً بالأصل،

ص:430


1- النهاية:378،الديلمي في المراسم:179.
2- المفيد في المقنعة:604،الحلي في السرائر 2:263.
3- راجع ص:3943.
4- الخلاف 1:533،الغنية(الجوامع الفقهية):589.
5- عوالي اللئلئ 2:/254 28،المستدرك 13:342 أبواب الربا ب 13 ح 2.
6- الكافي 5:/189 12،التهذيب 7:/94 398،الإستبصار 3:/93 314،الوسائل 18:148 أبواب الربا ب 14 ح 1 و الآخر: التهذيب 7:/90 384،الإستبصار 3:/93 315،الوسائل 18:150 أبواب الربا ب 14 ح 6.
7- الاستبصار 3:/93 805،المبسوط 2:93،الحلي في السرائر 2:259.

و العمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،لاختصاص أدلّة حرمة الربا و الزيادة بالحاصلة وقت المبايعة،و هي هنا مفقودة،و لذا لم يتعدّ كثير من المانعين هنا إلى الغير في المسألة الآتية.

و قدحاً في النصوص المتقدّمة،أوّلاً:بركاكة النبوي متناً،و الصحيح و ما بعده دلالةً،لأعميّة عدم الصلاحية من الحرمة جدّاً،كما اعترف به المتأخّرون مكرّراً،مع احتمال حملها على المنع نسيئة،كما يستفاد من الصحيح تقييداً:« أنّ المؤمنين(عليه السّلام)كره أن يباع التمر بالرطَب عاجلاً بمثل كيله إلى أجل،من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله» (1)و لا كلام فيه أصلاً.

و ثانياً:بالمعارضة بالموثق المجوّز لذلك ظاهراً:عن العنب الزبيب، قال:« لا يصلح إلّا مثلاً بمثل» قلت:و الرطَب و التمر؟قال:« مثلاً بمثل» (2).

و حمل المماثلة على الوصف أي في الرطوبة و اليبوسة،فيكون كناية عن المنع،و حصر الجواز في العنب بالعنب و الزبيب بالزبيب،و هكذا في الأخيرين بعيد جدّاً،سيّما بعد تتبّع موارد استعمالها في أخبار الربا الكاشف عن أنّ المراد بها المماثلة في المقدار فعلاً قطعاً.

مضافاً الى تأيّده كباقي أدلّة الجواز بمفهوم الصحيح المتقدّم.

و لا يخلو عن قوّة لولا الشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدّمة،

ص:431


1- الفقيه 3:/178 805،التهذيب 7:/95 408،الوسائل 18:149 أبواب الربا ب 14 ح 2.
2- الكافي 5:/190 16،التهذيب 7:/97 417،الإستبصار 3:/92 313،الوسائل 18:139 أبواب الربا ب 14 ح 3.

و قوّة احتمال صحة دلالة نفي الصلاحية على الحرمة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة.و ضعف احتمال تقييد أخبار المنع بصورة النسيئة بمفهوم الصحيحة،بناءً على قصور دلالتها عليه؛ إذ غايتها الدلالة على منعها خاصّة،و هو غير ملازم للجواز في الصورة المقابلة،فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه،كما اشتهر في الألسنة و قامت عليه الأدلّة،مع أنّ مفهوم التعليل فيها صريح في العموم لصورتي النقد و النسيئة،و لو كان المنع مختصّاً بها لكان اللازم التعليل بها دون ما فيها من العلّة.

و ركاكة متن النبوي بمثل ما فيه غير معلومة،سيّما و أن يخرجه عن الحجية،و دلالته ظاهرة.

و المناقشة فيه و فيما عدا الصحيحة لضعف السند مدفوعة بانجباره بالشهرة العظيمة و الإجماع الذي هو حجة أُخرى مستقلّة.

فبجميع ما مرّ يتقوّى أدلّة المنع بالضرورة،فلا تقاومها أدلّة الجواز المتقدّمة حتى الموثّقة،لقصور السند،و عدم الصراحة باحتمالها لما تقدّم إليه الإشارة،و لو كان بعيداً غايته (1).

و هل تسري العلّة المنصوصة في تلك المعتبرة للحرمة في بيع الرطب بالتمر في غيره كالزبيب بالعنب و البُسر بالرطب بناءً على نقص العنب بالجفاف و البُسر بالرطب؟ الأشبه عند الماتن لا وفاقاً لجماعة من أصحابنا،كالنهاية و الخلاف و موضع من المبسوط و الغنية (2).

ص:432


1- مع إمكان حملها على التقية كما يلوح من الغنية(الجوامع الفقهية):589.(منه(رحمه اللّه)).
2- النهاية:379،الخلاف 1:533،المبسوط 2:93،الغنية(الجوامع الفقهية):589.

و خلافاً لآخرين،كالقديمين و ابن حمزة (1)،و مال إليه من المتأخّرين جماعة (2).

و مبنى الخلاف الاختلاف في التعدية بالعلّة المنصوصة إلى غير موردها بعد وجودها فيه،و حيث إنّ الأشهر الأقوى ذلك مطلقاً،كما حقّق في الأُصول مستقصى،كان القول بالسراية هنا قويّاً جدّاً.

و لا يثبت الربا بين الوالد و الولد،و لا بين الزوج و الزوجة،و لا بين المملوك المختص،لا مطلقاً كما في الخبر (3) و المالك و لا بين المسلم و الحربي بلا خلاف إلّا من الإسكافي (4)،حيث خصّ أخذ الزيادة بالوالد دون الولد،و اشترط أن لا يكون للولد وارث و لا عليه دين.

و هو شاذّ،و الإجماع على خلافه على الظاهر منعقد،بل في الانتصار و الغنية و غيرهما (5)مطلقاً،و في السرائر و غيره (6)في الأخير خاصّة مصرّح؛ و هو الحجة في جميع ذلك.

مضافاً إلى النصوص المنجبر قصور أسانيد أكثرها بعمل الطائفة و المخالفة لما عليه العامة،ففي الصحيح:عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدّي العبد كلّ شهر عشرة دراهم،أ يحلّ ذلك؟قال:

« لا

ص:433


1- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:355،ابن حمزة في الوسيلة:253.
2- منهم العلّامة في المختلف:356،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:92،الشهيد الثاني في الروضة 3:445.
3- الكافي 5:/147 3،الوسائل 18:135 أبواب الراب ب 7 ح 3.
4- على ما نقله عنه في المختلف:353.
5- الانتصار:212،الغنية(الجوامع الفقهية):589؛ و انظر المختلف:353،و التنقيح الرائع 2:94،و مفاتيح الشرائع 3:63.
6- السرائر 2:252؛ و انظر المسالك 1:200،و الحدائق 19:257.

بأس به» (1).

و في الخبرين:« ليس بين الرجل و ولده و لا بينه و بين مملوكه و لا بينه و بين أهله ربا» (2).

و في آخر:« ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا،نأخذ منهم ألف درهم بدرهم،نأخذ منهم و لا نعطيهم» (3).

و مقتضاه اختصاص النفي بصورة أخذ المسلم الزيادة دون العكس، و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر،بل في ظاهر السرائر و صريح الخلاف الإجماع عليه (4)؛ لذلك،و للاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم الربا على المتيقّن.

خلافاً للنهاية و جماعة،فأطلقوا الجواز (5).و هو ضعيف.

و في شمول الأولين لمن علا و من سفل،و الزوجة للمنقطعة، و المملوك للمكاتب بقسميه نظر،ينشأ من الإطلاق أو العموم،و من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على الفرد المتيقّن،بناءً على الشك في دخول ما عداه في الأمرين؛ لعدم التبادر.و هو أحوط،بل لعلّه أولى و أظهر.

ص:434


1- الفقيه 3:/178 806،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 6.
2- أحدهما تقدم في ص:3969.و الآخر في:التهذيب 7:17:75،الإستبصار 3:/71 236،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 4.
3- الكافي 5:/147 2،الفقيه 3:/176 790،الوسائل 18:135 أبواب الربا ب 7 ح 2.
4- السرائر 2:252،الخلاف 1:539.
5- النهاية:376؛ و انظر التذكرة 1:485،و التنقيح الرائع 2:94،و مفاتيح الشرائع 3:62.

خلافاً للأكثر في الثالث،فعمّموا الزوجة للمنقطع.و فيه مضافاً إلى ما سبق منع صدق الزوجة عليها حقيقة.

و هل يثبت بينه أي المسلم و بين الذمّي إذا كان بشرائط الذمّة؟ فيه روايتان،أشهرهما بين المتأخّرين كافّة،وفاقاً للإسكافي و القاضي و ابن حمزة و الحلّي (1) أنّه يثبت.

و لم أقف عليه بالخصوص،نعم يشمله إطلاق بعض النصوص:قلت:

فالمشركون بيني و بينهم ربا؟قال:«نعم» (2)و العامّ المخصص حجة في الباقي جدّاً،و ضعف السند منجبر بما تقدّم،و بعموم الكتاب و السنة بتحريم الربا.

خلافاً للصدوقين و المفيد و المرتضى (3)،فلا يثبت،بل ادّعى الأخير عليه الإجماع؛ للمرسل:« ليس بين المسلم و الذمّي ربا» (4).

و هو قاصر السند،ضعيف التكافؤ هو كالإجماع المحكي لما مرّ من الدليل القاطع،المعتضد في خصوص المقام بالشهرة.

فإذاً القول الأوّل مع كونه أحوط في الجملة لا يخلو عن قوة.

و حمل الأصحاب المرسلة على خروج الذمّي عن شرائط الذمّة.و لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة.

و يجوز أن يباع الثوب بالغزل مطلقاً و لو تفاضلاً للصحيح:عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة و الغزل أكثر وزناً من الثياب،

ص:435


1- حكاه عن الإسكافي و القاضي في المختلف:353،ابن حمزة في الوسيلة:254،الحلّي في السرائر 2:252.
2- راجع ص:3970 الهامش(2).
3- نقله عن والد الصدوق في المختلف:353،الصدوق في المقنع:126 حكاه عن المفيد في المختلف:353،المرتضى في الانتصار:212.
4- الفقيه 3:/176 792،الوسائل 18:136 أبواب الربا ب 7 ح 5.

قال:« لا بأس» (1).

و نحوه الخبر:« و ما كان أصله واحداً و كان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال و لا يوزن فلا بأس به يداً بيد،و يكره نسيئة،و ذلك كالقطن و الكتان فأصله يوزن و غزله يوزن،و ثيابه لا توزن،فليس للقطن فضل على الغزل،واصلة واحد فلا يصلح إلّا مثلاً بمثل،فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد،و الثياب لا بأس الثوبان بالثوب» (2).

و يستفاد منه مضافاً الى عموم الأدلّة فتوًى و روايةً باشتراط الكيل و الوزن في تحقق الربا بعد الاتحاد في الجنسيّة المتبادر منهما تحققهما بالفعل في المتعاوضين تعدية الحكم عن مفروض العبارة إلى كلّ فرع لم يوافق الأصل في التقديرين،و هو واضح بحمد اللّه سبحانه.

و يُكره بيع الحيوان باللحم المجانس له،كالشاة بلحمه مثلاً مطلقاً و لو تماثلاً في المقدار،نقداً أو نسيئة،حيّاً كان المبيع أو مذبوحاً،على ما يقتضيه إطلاق العبارة جدّاً.

و يحتمل أن يريد بالتماثل التجانس،و إنّما كان أخفى بناءً على اختصاص أكثر فتاوى المنع و الإجماع المحكي (3)به جدّاً،و كون توهّم الربا فيه أقوى.و وجه الكراهة في غيره إطلاق النص و بعض الفتاوى.

و اختيار الماتن الجواز مطلقاً ضعيف جدّاً،و إن اختاره الحلّي

ص:436


1- الكافي 5:/190 1،الفقيه 3:/137 596،التهذيب 7:/121 528،الوسائل 18:161 أبواب الربا ب 19 ح 1.
2- الكافي 5:/192 1،الوسائل 18:158 أبواب الربا ب 17 ح 12.
3- حكاه الشيخ في الخلاف 3:75،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588،و العلّامة في المختلف:355.

و الفاضل في الإرشاد و التحرير و شيخنا الشهيد الثاني و المحقق الشيخ علي (1)،إلّا أنّهما خصّا المسألة بالمجانس و الجواز بالحي،و اختارا الحرمة في غيره،جمعاً بين الأدلّة بحمل ما دلّ منها على الجواز من الأصل و العمومات كتاباً و سنةً على الصورة الأُولى خاصّة،و ما دلّ منها على حرمة الربا على الثانية،بجامع فقد شرطه من التقدير بالكيل أو الوزن في الأُولى دون الثانية.و اعتماداً في الكراهة إلى الشبهة الناشئة من إطلاق القول و الرواية بالحرمة.

خلافاً للأكثر و منهم الشيخان و الديلمي و القاضي و الإسكافي و ابن حمزة و ابن زهرة (2)،فأطلقوا الحرمة،و إن اختلفت عبائرهم في اختصاصها بالمجانس،أو العموم له و للغير.و لا يبعد إرادتهم الاختصاص،و يستفاد من الأخير و المحكي عن الخلاف (3)الإجماع عليه و على أصل المنع فيه (4)، و به تشعر عبارة المختلف و الدروس،حيث نسبا القول الأوّل إلى الشذوذ و الندرة (5).

و ينبغي القطع بها في المجانس في الصورة الثانية،و أمّا في الأُولى

ص:437


1- الحلّي في السرائر 2:258،الإرشاد 1:379،التحرير 1:170،الشهيد الثاني في الروضة 3:446،المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:279.
2- المفيد في المقنعة:604،الطوسي في المبسوط 2:100،الديلمي في المراسم:179،القاضي في المهذب 1:373،حكاه عن الإسكافي في المختلف:355،ابن حمزة في الوسيلة:254،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):588.
3- و كذا في التنقيح 2:69،حيث قال:بيع اللحم الحاضر بالحيوان المخالف له جنساً جائز إجماعاً،و بيعه بالحيوان المماثل له مختلف فيه(منه(رحمه اللّه)).
4- الخلاف 3:75.
5- المختلف:355،الدروس 3:295.

فلعلّها أيضاً لا يخلو فيها عن قوّة؛ لإطلاقات الإجماعات المحكيّة، المعتضدة بالشهرة العظيمة،و الموثقة:« أنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)كره اللحم بالحيوان» (1).

و بهما يقيّد إطلاق أدلّة حصر الربا في المقدّر بأحد التقديرين؛ لكونهما أقوى منها بمراتب.

و المناقشة في الرواية بقصور السند و الدلالة مدفوعة أوّلاً:

بانجبارها (2)بالشهرة،و ثانياً:بكون الموثّقة في نفسها حجة،و أنّ القرينة على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة فيها ظاهرة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة،من دلالة المعتبرة بأنّ أمير المؤمنين(عليه السّلام)لا يكره الحلال،كما في بعض (3)،أو إلّا الحرام،كما في آخر (4).

و مقتضى الرواية المنع عن مطلق المعاوضة،و لا كذلك عبائر الجماعة المحكيّة،فإنّها في البيع خاصّة،و إرجاع كلّ منهما إلى الآخر ممكن بحمل الأدلّة على المعاملة الغالبة،و هي المبايعة خاصّة،دون نحو الصلح،لندرته بالإضافة بالضرورة،و الثانية على إرادة التمثيل منها لا الحصر،إلّا أنّ مقتضى الأصل و لزوم الاقتصار في المخالف له على القدر المتيقّن منعه من الفتوى و النص هو الاختصاص بصورة البيع.

و لكن هذا إذا كان الحيوان حيّاً،و إلّا فالتعميم مطلقاً لعموم أدلّة

ص:438


1- الكافي 5:/191 7،الفقيه 3:/176 794،التهذيب 7:/120 525،الوسائل 18:143 أبواب الربا ب 11 ح 1.
2- في« ق» و« ر» و« ت»:انجبارهما.
3- الكافي 5:/188 7،التهذيب 7:/96 412،الوسائل 18:151 أبواب الربا ب 15 ح 1.
4- لم نعثر عليه في المجامع الحديثيّة.

حرمة الربا،بناءً على تحققه في المذبوح بوجود شرطه جدّاً أقوى.

و قد يتخلّص من الربا إن أُريد بيع أحد الربوبين بالآخر متفاضلاً بالضميمة بأن يجعل مع الناقص منهما،أو معهما إن اشتبه ناقصهما متاع من غير جنسه أي الناقص،فتكون الضميمة في مقابلة الزيادة مثل بيع درهم و مدٍّ من تمر بمدّين منه،أو درهمين،و أمداد و دراهم (1)،بلا خلاف بين الطائفة،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و المسالك و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات،و اختصاص أدلّة الحرمة بحكم التبادر و السياق بغير مفروض المسألة.

و مع ذلك المعتبرة و فيها الصحيح و غيرها به مستفيضة،بل كادت تكون متواترة،منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في بحث الصرف في بيع السيوف المحلّاة بالذهب و الفضّة- (3)المعتبرة المستفيضة،منها الصحيحان،في أحدهما:قلت له:أشتري ألف درهم و دينار بألفي درهم، فقال:« لا بأس بذلك،إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي،و كان يقول هذا،فيقولون:إنّما هذا الفرار،لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار،و كان يقول لهم:نِعْمَ الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال» (4).

ص:439


1- أي بيع درهم و مد من تمر بأمداد و دراهم،فتكون الأمداد في مقابل الدرهم و الدراهم في مقابل المدّ.
2- الخلاف 3:61،الغنية(الجوامع الفقهية):588،المسالك 1:200،التذكرة 1:481؛ و انظر نهاية الإحكام 2:548،و جامع المقاصد 4:275.
3- في ص:4000.
4- الكافي 5:/246 9،الفقيه 3:/185 834،التهذيب 7:/104 445،الوسائل 18:178 أبواب الصرف ب 6 ح 1.

و في الثاني:« لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم و دينارين إذا دخل فيهما ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به» (1).

و الخبر:عن الدراهم بالدراهم و عن فضل ما بينهما،فقال:« إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس به» (2).

و إطلاقها ككلام أكثر الأصحاب يقتضي إطلاق الجواز و لو مع عدم قصد صرف كلٍّ إلى ما يخالفه،و به صرّح في الدروس (3)،و أنّه لا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع في مقابل الزيادة.

و حصول التفاوت عند المقابلة و توزيع الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه غير قادح،لحصوله حينئذٍ بالتقسيط لا بالمعاوضة الجديدة،فإنّه إنّما وقع على المجموع بالمجموع،فالتقسيط غير معتبر و لا مفتقر إليه.

نعم لو عرض سبب يوجبه،كما لو تلف الدرهم المعيّن قبل القبض، أو ظهر مستحقاً و كان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا،كما لو باع درهماً معيّناً و مدّاً بمدّين و درهمين و تلف الدرهم:

ففي بطلان البيع من أصله بناءً على لزوم التفاوت في الجنس الواحد.

أو بالإضافة إلى مخالف التالف خاصّة،بناءً على أنّ كلّاً من الجنسين قد قوبل بمخالفه،فإذا بطل بطل ما قوبل به خاصة.

أو الصحة و التقسيط على وجه لا يلزم منه الرباء،بناءً على أنّ أجزاء المبيع لمّا قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط

ص:440


1- التهذيب 7:/106 456،الوسائل 18:180 أبواب الصرف ب 6 ح 4.
2- التهذيب 7:/98 422،الوسائل 18:181 أبواب الصرف ب 6 ح 7.
3- الدروس 3:298.

على وجه يلزم معه المحذور؛ صيانةً للعقد عن الفساد مهما أمكن.

احتمالات،أجودها:الأخير،بناءً على استصحاب الصحة،و عدم وضوح ما استشكل فيها من أنّ مقتضى التقسيط مقابلة كلّ من الجنسين بما قابلة على النسبة إلّا على تقدير وجود دليل على لزوم صرف كلّ جنس إلى ما خالفه،و هو غير واضح؛ لما عرفت من إطلاق النصوص و أكثر الفتاوي و صريح بعضها في الصحة،من دون إيماء فيها إلى التقييد بالقصد إلى ذلك أو أنّه المنشأ في الصحة و لا إشارة.

أو يتخلّص منه ب أن بيع أحدهما سلعته لصاحبه بجنس غيرها و يشتري الأُخرى بذلك الثمن فيسقط اعتبار المساواة، و كذا لو وهبه سلعته ثم وهبه الآخر،أو أقرضه و تباريا،أو تبايعا و وهبه الزيادة،و لكن من غير شرط في الكلّ،لأنّ الشرط حينئذٍ زيادة في العوض المصاحب له.

و لا يقدح في ذلك كون هذه الأُمور غير مقصودة بالذات و العقود تابعة للقصود؛ لأنّ القصد إلى عقد صحيح و غاية صحيحة كافية في الصحة،و لا يشترط فيه قصد جميع الغايات المترتّبة عليه،فإنّ من أراد شراء دار مثلاً ليؤاجرها و يتكسّب بها فإنّ ذلك كافٍ في الصحة و إن كان له غايات أُخر أقوى من هذه و أظهر في نظر العقلاء كالسكنى و غيره.

و قد ورد في النصوص ما يدلّ على جواز الحيلة على نحو ذلك،منها زيادة على ما مرّ الصحيح:عن رجل يريد أن أُعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك،فيطلب منّي مالاً أزيده على مالي الذي عليه،أ يستقيم أن أزيده مالاً و أبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم فأقول له:أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أُؤخّرك بثمنها و بمالي عليك كذا و كذا

ص:441

شهراً؟قال:« لا بأس» (1).

و في الموثق:يكون لي على الرجل دراهم فيقول:أخّرني بها و أنا أُربحك،فأبيعه جبّةً (2)تقوّم عليّ بألف درهم،بعشرة آلاف درهم،أو قال:

بعشرين ألفاً و أُؤخّره بالمال،قال:« لا بأس» (3).

ص:442


1- الكافي 5:/206 12،التهذيب 7:/52 226،الوسائل 18:55 أبواب أحكام العقود ب 9 ح 5.
2- في« ق» و« ت» و بعض المصادر:حبّة.
3- الكافي 5:/205 11،التهذيب 7:/52 227،الوسائل 18:55 أبواب أحكام العقود ب 9 ح 4.

الكلام في الصرف

و من هذا الباب الكلام في الصرف و هو لغة الصوت،و شرعاً بيع الأثمان و هي الذهب و الفضّة مطلقا،مسكوكين كانا أم لا،تبعاً لإطلاق النص و الفتوى بالأثمان و إنّما سمّي بالصرف لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع و الشراء.

و سمّي الجنسان بالأثمان لوقوعهما عوضاً عن الأشياء،و مقارنتهما بباء العوض غالباً،بل عن الراوندي عن شيخه العلّامة الحلّي أنّهما ثمن مطلقا و إن اقترنت الباء بغيرهما حتى لو باعه ديناراً بحيوان ثبت الخيار للبائع،مدّعياً على ذلك الاتفاق (1).

يشترط في الصرف التقابض في المجلس

و يشترط فيه صحةً زيادة على ما يشترط في مطلق البيع و الربا التقابض في المجلس المراد به الأعمّ من مجلس العقد،كما يأتي، و لذا عبّر بالتقابض،قبل التفرق و يبطل لو افترقا قبله على الأظهر الأشهر بل لعلّه عليه عامة من تقدّم و تأخّر،عدا من شذّ و ندر (2)،و في الغنية و السرائر و المسالك و غيره (3)الإجماع عليه (4)،نصّاً في الأوّلين و ظاهراً في الباقي؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح

ص:443


1- حكاه عنه في المسالك 1:201 و الحدائق 19:277.
2- حكاه عن الصدوق في كشف الرموز 1:497 و التنقيح 2:97.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):587،السرائر 2:243،المسالك:177؛ و انظر كشف الرموز 1:497،مجمع الفائدة 8:304.
4- و في التحرير(1:171)بلا خلاف و في الدروس(3:305)أن رواية الجواز متروكة و نحوهما في التنقيح(2:97).(منه(رحمه اللّه)).

« إذا اشتريت ذهباً بفضّة أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه،و إن نزا حائطاً فانزل معه» (1).

و فيه:« لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلّا يداً بيد،و لا يبتاع ذهباً بفضة إلّا يداً بيد» (2).

و فيه:عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم فيزنها و ينقدها و يحسب ثمنها كم هو ديناراً،ثم يقول:أرسل غلامك معي حتى أُعطيه الدنانير، فقال:« ما أُحبّ أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير» فقلت:إنّما هم في دار واحدة و أمكنتهم قريبة بعضها من بعض،و هذا يشقّ عليهم،فقال:« إذا فرغ من وزنها و انتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه و يدفع إليه الورق و يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق» (3).

و في الخبر:عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلاً بمثلين،قال:

« لا بأس به يداً بيد» (4).

و المناقشة بقصور سنده كغيره (5)،و دلالتهما كالصحاح بعدم الدلالة على البطلان،بل غايتهما ثبوت البأس مع عدم التقابض،و هو كلا أُحبّ أعمّ من البطلان.و غاية الصحاح الأمر بالتقابض و النهي عن التفرق قبله،

ص:444


1- التهذيب 7:/99 427،الإستبصار 3:/93 319،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 8.
2- الكافي 5:/251 31،التهذيب 7:/99 426،الإستبصار 3:/93 318،الوسائل 18:168 أبواب الصرف ب 2 ح 3.
3- الكافي 5:/252 32،التهذيب 7:/99 429،الإستبصار 3:/94 320،الوسائل 18:167 أبواب الصرف ب 2 ح 1.
4- التهذيب 7:/98 424،الإستبصار 3:/93 317،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 7.
5- انظر المستدرك 13:348 أبواب الصرف ب 2.

اللذين مقتضاهما وجوبها شرعاً،و لم يقولوا به إلّا من شذّ منهم،كالفاضل في التذكرة و الشهيد في الدروس (1)،حيث أطلقا الوجوب عليه،مع احتمال كلامهما الشرطي دون الشرعي.و مع ذلك فالوجوب غايته الإثم بالمخالفة، لا بطلان المعاملة،بناءً على الأظهر الأشهر بين الطائفة من اختصاص اقتضاء النهي للفساد بالعبادة.

مدفوعة بانجبار الجميع بعمل الطائفة،و الإجماعات المحكية (2)، و هما أقوى قرينة و أمارة على صحة السند و بيان الدلالة،مع أنّ حمل الأمر و النهي على حقيقتهما غير ممكن،بناءً على تبادر الإرشاد منهما دون الوجوب و الحرمة في أمثال موارد الأخبار المزبورة،و لعلّه لذا قال بالوجوب الشرطي دون الشرعي معظم الطائفة،بل عامّتهم،كما احتمله جماعة،و لا وجه للإرشاد في الظاهر سيّما بمعونة ضمّ فهم الطائفة سوى بطلان المعاملة مع عدم التقابض قبل المفارقة،مع أنّ كلّ مَن أوجب التقابض و منع من دونه قال بالفساد مع عدم حصوله،و كلّ من قال بالصحة من دونه لم يوجب التقابض لا شرعاً و لا شرطاً.

و كيف كان فلا ريب في المسألة.

خلافاً للمحكي عن الصدوق خاصّة (3)،فلم يشترط الشرط المتقدّم إليه الإشارة؛ للمستفيضة،منها الموثق:عن الرجل يحلّ له أن يسلف دنانير كذا بكذا درهماً إلى أجل؟قال:« نعم،لا بأس به» و عن الرجل يحلّ له أن يشتري دنانير بالنسيئة؟قال:« نعم،إنّما الذهب و غيره في الشراء و البيع

ص:445


1- التذكرة 1:511،الدروس 3:267.
2- راجع ص:3979.
3- حكى عنه الآبي في كشف الرموز 1:497.

سواء» (1).

و هي مع ضعف أكثرها و قصور سند باقيها ضعيفة التكافؤ لما مضى من وجوه شتّى،فطرحها أو تأويلها بما ذكره الشيخ-(رحمه اللّه) في الكتابين (2)و غيره من أصحابنا (3)متعيّن جدّاً،و إن خالفت التقيّة،على ما ذكره بعض الأجلّة (4)؛ لعدم بلوغ هذا المرجّح المرجّحات المتقدّمة النصّية و الاعتباريّة.

ثم مقتضى الأصل و العمومات و اختصاص المثبت للشرط من النص و الفتوى بالبيع خاصّة عدمه فيما عداه من مطلق المعاوضة،و ليس كالربا في ظاهر الجماعة.

و ذكر الفاضلان و الشهيدان (5)أنّه لو قبض البعض خاصّة قبل التفرّق صحّ فيما قبض و بطل في الباقي،و تخيّرا معاً في إجازة ما يصحّ فيه و فسخه إذا لم يكن من أحدهما تفريط في تأخير القبض،و لو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما،و لو اختصّ به أحدهما سقط خياره خاصّة.

و هو كذلك؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل و العمومات،و وجود الشرط المصحّح لبيع الصرف فيه.

ص:446


1- التهذيب 7:/100 435،الإستبصار 3:/94 325،الوسائل 18:171 أبواب الصرف ب 2 ح 14.
2- التهذيب 7:101،الاستبصار 3:95.
3- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2:97.
4- الحدائق 19:282.
5- المحقق في الشرائع 2:48،العلّامة في التحرير 1:171،الشهيد الأول في الدروس 3:299 الشهيد الثاني في المسالك 1:201،و الروضة 3:377.

و في الثاني إلى فقده فيه الموجب لفساده.

و في الثالث إلى تبعّض الصفقة الذي هو عيب و موجب للخيار عند الجماعة،و ساعدته قضيّة نفي الضرر المتّفق عليها فتوًى و رواية.

و في الرابع بقسميه إلى استناد الضر الموجب للخيار إلى المفرّط، فيكون بالتفريط قادماً عليه،فلا موجب لخياره،مع اقتضاء الأصل و العمومات عدمه.

و أمّا ما ربما يستشكل به في الأوّل مما في الصحيح:في رجل يبتاع من رجل بدينار..هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقاً أو بيعاً و يترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذه منه ورقاً أو بيعاً؟قال:« ما أُحبّ أن أترك شيئاً حتى آخذه جميعاً،فلا تفعله» (1).

فليس بصحيح؛ لمنع الدلالة على المنع أوّلاً،و احتمال انصرافه على تقديره إلى صحة المجموع من حيث المجموع و لا كلام فيه،ثانياً.

و لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل العقد،بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل،و العمومات،و عدم استفادة شيء من أخبار الشرط عدا التقابض قبل التفرّق بالأبدان،كما في خيار المجلس،لا المجلس،ففي بعض الصحاح المتقدّمة:« لا تفارقه حتى تأخذ منه،و إن نزا حائطاً فانز معه» (2).

و لو وكّل أحدهما صاحبه أو أجنبياً في القبض فافترقا قبله بطل العقد؛ لعدم الشرط،و هو التقابض قبل تفارق المتعاقدين،و به وقع

ص:447


1- الكافي 5:/247 13،التهذيب 7:/99 430،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 9؛ بتفاوت يسير.
2- راجع ص:3979.

التصريح في بعض الصحاح المتقدّمة (1).

هذا إذا وكّله في القبض دون الصرف.و لو وكّله فيه خاصّة أو مع القبض فالمعتبر مفارقة الوكيل لمن وقع معه العقد دون المالك.و الضابط أنّ المعتبر التقابض قبل تفرّق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو وكيلين.

و لو اشترى منه دراهم بدنانير أو بالعكس ثم اشترى بها أي بتلك النقود المبتاعة قبل القبض لها من البائع دنانير أو دراهم لم يصحّ البيع الثاني مطلقاً،و كذا الأوّل إن تفرّقا قبل التقابض أيضاً، على الأشهر بين أصحابنا.

استناداً في الأوّل إلى أنّه باع ما لا يملك،بناءً على توقّف ملك العوض في الصرف على التقابض قبل التفرّق،الغير الحاصل فيه بحكم الغرض.

و في الثاني إلى عدم التقابض الذي هو شرط في صحّة بيع الصرف.

خلافاً لثاني المحققين و الشهيدين (2)في الأوّل،فصحّحاه مع التقابض قبل التفرّق،و ألحقاه بالفضولي حينئذٍ.

و للحلّي (3)،فالتفصيل بين ما إذا كان النقد المبتاع معيّناً و حصل التقابض في المجلس فالصحة،و إلّا،بأن كان النقد المبتاع في الذمّة،أو لم يحصل التقابض فيه فضدّها،لوجود موجبه في الثاني،و لزوم بيع الدين بالدين في الأوّل.

ص:448


1- في ص:3980.
2- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:182،الشهيد الثاني في المسالك 1:201.
3- كما في السرائر 2:267.

و منع عن الوجه الأخير المحققان المتقدّمان تبعاً للفاضل في المختلف و غيره (1)،بناءً منهم على منع كون مثل ذلك من بيع الدين بالدين المنهي عنه.

و لعلّه كذلك،و مختارها لا يخلو عن قوّة؛ لعموم دليل الفضولي بل فحواه.

و لو كان له أي لزيد مثلاً عليه أي على عمرو دنانير أو دراهم فأمره أن يحوّلها إلى الدراهم أو الدنانير في ذمّته، و ساعره على ذلك،بأن عيّن كلّاً من العوضين بإزاء الآخر فقبل عمرو صحّ البيع و إن لم يقبض النقود المبتاعة؛ للموثقين،بل ربّما عُدّا صحيحين، في أحدهما:عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول:حوّلها دنانير من غير أن أقبض شيئاً؟قال:« لا بأس به» قلت:و يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول:حوّلها لي دراهم و أثبتها عندك و لم أقبض منه شيئاً؟قال:

« لا بأس» (2).

و نحوه الثاني (3)بزيادة التعليل بما يرجع حاصله إلى قوله: لأنّ النقدين من شخص واحد.

و عمل بهما الإسكافي و الطوسي (4)،و تبعهما أكثر المتأخّرين،بل لعلّه

ص:449


1- المحقق الثاني في جامع المقاصد 4:182،الشهيد الثاني في المسالك 1:201،المختلف:385؛ و انظر الحدائق 19:283.
2- الكافي 5:/247 12،التهذيب 7:/103 442،الوسائل 18:175 أبواب الصرف ب 4 ح 2؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/245 2،الفقيه 3:/186 837،التهذيب 7:/102 441،الوسائل 18:174 أبواب الصرف ب 4 ح 1.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:385،الطوسي في النهاية:380.

عليه عامّتهم،و إن اختلفوا في التعبير بظاهرهما،كما عن الأوّلين و هنا،أو بما يوجب إرجاعهما إلى القاعدة،كما عليه جماعة (1)،بجعل الأمر بالتحويل فيهما كناية عن التوكيل في طرفي العقد،و بناؤه على صحته و صحة القبض إذا توقّف البيع عليه بمجرّد التوكيل في البيع؛ نظراً إلى أنّ التوكيل في شيء إذن في لوازمه التي يتوقّف عليها.و لا ريب فيه على هذا التعبير،و إن احتاج إلى عناية تطبيق ظاهر الخبرين عليه؛ لموافقته للقاعدة، لكن بشرط قبض عين العوضين بعد العقد،مع احتمال العدم،إمّا لما سيأتي من كون ما في الذمّة مقبوضاً،أو للخبرين الظاهرين فيه،مع اعتضادهما بفتوى الأكثر جدّاً،فيقيَّد بهما ما دلّ على اشتراط التقابض في النقدين من النصّ و الفتوى.

و لا بُعد فيه على الأوّل أيضاً بعد ورود النصّ المعتبر فيه؛ إذ لا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار اتّحاد مَن عليه الحق،فكان كالقابض،كما ذكره الفاضل في المختلف (2).

فخلاف الحلّي (3)و مصيره إلى البطلان مطلقاً مع ندرته،كما في الدروس (4)ضعيف،و إن كان الأحوط العمل عليه،و الخروج عن شبهته بالتوكيل في البيع و القبض الراجع الى التعبير الأخير لكن مع الشرط المتقدّم.

بل يكفي التوكيل في القبض خاصّة ظاهراً إن جرت بينهما صيغة

ص:450


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:511،و الشهيد الثاني في الروضة 3:376،و الفاضل المقداد في التنقيح 2:99.
2- المختلف:358.
3- السرائر 2:266.
4- الدروس 3:301.

المبايعة،بناءً على أنّ ما في ذمّة المديون من النقود المبتاعة بمنزلة المقبوض بيده،فإذا جعله وكيلاً في القبض صار كأنّه قابض لما في ذمّته، فصدق التقابض قبل التفرق،على إشكال فيه؛ لمخالفته لظاهر الخبرين، مع الشك في مقبوضيّة ما في الذمّة،و عدم مصحّح آخر له في البين.

و لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما بشيء منهما أو غيرهما،إجماعاً،فإنّه ربا محض استفاض بحرمته الكتاب و السنّة المتقدّم إليهما الإشارة.

مضافاً الى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« الفضّة بالفضّة مثلاً بمثل،ليس فيه زيادة و لا نقصان،الزائد و المستزيد في النار» (1).

و يجوز التفاضل في المختلف منهما جنساً،كذهب بفضّة و بالعكس،بشرط التقابض قبل التفرّق،بلا إشكال فيهما،لما مضى.

مضافاً إلى خصوص النصوص،منها الصحيحان (2):عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلاً بمثلين،قال:« لا بأس به يداً بيد» . و يستوي في اعتبار التماثل المشترط في صحّة بيع الربويات مطلقا الصحيح و المكسور و المصوغ و غيره،بلا خلاف،فإنّ جيّد كل جنس و رديئه واحد،فلا ربا مع التماثل في المقدار.

مضافاً الى خصوص النصوص في المضمار،منها الصحيح:عن

ص:451


1- الفقيه 3:/183 828،التهذيب 7:/98 419،الوسائل 18:165 أبواب الصرف ب 1 ح 1.
2- الأول:التهذيب 7:/98 424،الإستبصار 3:/93 317،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 7.الثاني:التهذيب 7:/99 425،الوسائل 18:169 أبواب الصرف ب 2 ح 6.

الرجل يستبدل الكوفيّة بالشاميّة وزناً بوزن فيقول الصيرفي:لا أُبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفيّة بغلّة وزناً بوزن،فقال:« لا بأس» فقلت:إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة على الغلّة،قال:« لا بأس به» (1).

و إذا كان في أحدهما غشّ لم يبع بجنسه الخالص،بلا خلاف، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (2)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الربا فيه،باحتمال مساواة الجنس الصافي للمغشوش في المقدار،فيلزم زيادة الغشّ فيه على الصافي،و هو الربا المحرّم،فلا يباع بالجنس إلّا أن يعلم زيادة الصافي و لو على فرض الندرة،أو مقدار ما فيه أي في المغشوش من الجوهر الخالص فيزاد الثمن عن قدر ذلك الجوهر و لو يسيراً لم يكن بقيمة الغشّ بعد أن يكون متمولاً في العرف و العادة،فيكون قد زيد حينئذ بما يقابل الغشّ.

و تقييد منع البيع بالجنس يقتضي الجواز بغيره على الإطلاق،و لو حالة الجهل بمقدار المغشوش.و هو كذلك؛ للأصل؛ و فقد المانع من احتمال الربا،بناءً على اختلاف الجنس.

و للصحيح:عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق و إذا خلصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة،قال:« لا يصلح إلّا بالذهب» و عن شراء الذهب فيه الفضّة و الزيبق و التراب بالدنانير و الورق،فقال:

« لا تصارفه إلّا بالورق» (3).

ص:452


1- الكافي 5:/247 11،التهذيب 7:/104 448،الوسائل 18:181 أبواب الصرف ب 7 ح 1.
2- الحدائق 19:291.
3- الكافي 5:/249 21 بتفاوت،التهذيب 7:/109 468،الوسائل 18:188 أبواب الصرف ب 11 ح 1.

و ما فيه من حصر بيع المغشوش بالمخالف مبنيّ على الغالب نقص الخالص عن المغشوش بحسب المقدار،فإنّ بناء البيع و الشراء على المماكسة و المغالبة،فالمشتري لا يبذل فضّة خالصة أو ذهباً كذلك في مقابل الغشّ و تعسر معرفة مقدار المغشوش،و إلّا فلو تحقق خلاف الغالب من زيادة الخالص على الغشّ،أو حصول معرفة المقدار جاز بلا إشكال و لا خلاف،كما مضى.

و يجوز بيع أحد المغشوشين المتجانسين بالآخر مطلقا،و لو كان مقدار الخالص منهما مجهولاً،بل و لو علم زيادة الخالص في أحدهما على الخالص الذي في الآخر بناءً على ما مضى من الحيلة في دفع الربا بضمّ الضميمة إلى أحدهما أو إليهما (1)،و لا ريب أنّ الغشّ ضميمة تصلح للربا و عدمه جدّاً،كما عرفت ممّا ذكره أصحابنا،و به صرّح في الدروس شيخنا (2).

و لا يباع تراب معدن الذهب بالذهب،و لا تراب معدن الفضّة بالفضّة أي ترابهما الخليط بهما بخالصهما مع جهالتهما أو أحدهما؛ لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر فيدخل فيه الربا.

و لو علم زيادة الثمن عمّا في التراب من جنسه لم يصحّ هنا،و إن صحّ في المغشوش جدّاً،بناءً على أنّ التراب لا قيمة له لتصلح في مقابل الزائد أصلاً.

و منه يعلم جواز بيع التراب بالخالص مع مساواة مقدار جوهريهما؛ لعدم الزيادة أصلاً و التراب لعدم قيمة له وجوده كعدمه.

ص:453


1- راجع ص:3975.
2- الدروس 3:301.

و يباع أحد الترابين بغيره أي بغير جنسه،نقداً كان أم لا مطلقا.

و لو جُمعا أي الترابان،بأن خلطا و مزجا،أو أُريد بيعهما في صفقة واحدة معاً جاز بيعه أي المجموع بهما أي بخالصهما معاً؛ لكونه من الضميمة المصحّحة لذلك قطعاً،و إن جهل مساواة مقدار الثمن و المثمن منهما للآخر.

و للمعتبرة،منها الخبر:عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضّة و صفر جميعاً،كيف نشتريه؟فقال:« تشتريه بالذهب و الفضّة» (1).

و يجوز بيعهما معاً أيضاً بأحدهما مع العلم بزيادة الثمن على مجانسه بما يصلح عوضاً عن الآخر.و أولى منهما بيعهما بغيرهما.

و يباع جوهر الرَّصاص بفتح الراء و النُّحاس بضم النون بالذهب و الفضّة و إن كان فيه يسير من ذلك مطلقاً،و إن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير،و لم يقبض قبل التفرّق ما يساويه،بلا خلاف في الظاهر؛ لأنّه لقلّته مضمحلّ،و تابع غير مقصود بالبيع.

و للنصوص،منها الصحيح و غيره:في الأُسرب (2)يشترى بالفضّة، فقال:« إن كان الغالب عليه الأُسرب فلا بأس» (3).

ص:454


1- الكافي 5:/249 22،التهذيب 7:/111 478،الوسائل 18:189 أبواب الصرف ب 11 ح 5.
2- الأُسرُب:كقُنفُذ،الآنُكُ بالمدِّ،هو الرّصَاص،و هو فارسي مُعرب.تاج العروس 3:55.
3- الكافي 5:/248 15،التهذيب 7:111481،الوسائل 18:203 أبواب الصرف ب 17 ح 1.

و مثله المنقوش منهما على الجدران و السقوف بحيث لا يحصل منهما شيء يعتدّ به على تقدير نزعه منهما.

و يجوز إخراج الدراهم و الدنانير المغشوشة بنحو من الصفر و الرصاص و نحوها،و المعاملة بها إذا كانت معلومة الصرف و الرواج بين الناس،بأن يعامل بها مطلقاً و إن جهل مقدار الخالص منهما،بجنسهما كان أو غيرهما،لكن بشرط في الأوّل قد مضى (1).

و لو لم تكن كذلك بأن لا يتعامل بها في العادة،و كانت مهجورة في المعاملة لم يجز إنفاقها إلّا بعد بيانها و إظهار غشّها إذا كان ممّا لا يتساهل به عادةً،بلا خلاف في المقامين،بل في المختلف الإجماع عليهما (2)؛ هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل،و العمومات في الأوّل،و لزوم الغشّ المحرّم بالنصّ و الإجماع في الثاني.

و بهما يجمع بين الأخبار المختلفة المجوّزة لإنفاقها مطلقاً، كالصحاح،في أحدها:عن الدراهم المحمول عليها،فقال:«لا بأس بإنفاقها» (3).

و نحوه الآخران،لكن بزيادة شرط فيهما و هو زيادة الفضّة عن الثلثين،كما في أحدهما (4)،أو كونها الغالب عليها،كما في الثاني (5)،

ص:455


1- راجع ص:3988.
2- المختلف:395.
3- التهذيب 7:/108 462،الإستبصار 3:/96 329،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 10 ح 1.
4- التهذيب 7:/108 463،الإستبصار 3:/96 330،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 3.
5- التهذيب 7:/108 464،الإستبصار 3:/96 331،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 4.

و لعلّه وارد بتبع العادة في ذلك الزمان من عدم المعاملة بها إلّا إذا كانت كذلك.

و المانعة له كذلك،كالخبر المنجبر ضعف سنده بوجود ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته فيه:قال:كنت عند أبي عبد اللّه(عليه السّلام) فأُلقي بين يديه دراهم،فألقى إليّ درهماً منها،فقال:« أيش هذا؟» فقلت:

ستوق،فقال:« و ما الستوق؟» فقلت:طبقتين من فضّة و طبقة من نحاس و طبقة من فضّة،فقال:« اكسر هذا فإنّه لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه» (1).

بحمل الأدلّة على الصورة الأُولى و الثانية على الثانية بشهادة ما مرّ من الأدلّة،و خصوص الصحيحين،في أحدهما:عندنا دراهم يقال لها الشاهية يحمل على الدراهم دانقين،فقال:« لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس» (2).

و في الثاني المروي في الكافي:الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها،قال:« إذا كان يجوز بين الناس فلا بأس» (3).

لكن رواه في التهذيب بإسقاط الناس و تبديله بلفظ ذلك،و قراءة البيّن بتشديد الياء فعلاً ماضياً لا ظرفاً،و ظاهره حينئذٍ المنع عن الإنفاق إلّا بعد البيان،فيكون من روايات المنع،لكن مقيّداً بعدم البيان،مصرّحاً بالجواز بعده (4).

و به مضافاً إلى الاتّفاق يقيّد إطلاق الرواية المتقدّمة بالمنع،بحملها

ص:456


1- التهذيب 7:/109 466،الإستبصار 3:/97 333،الوسائل 18:186 أبواب الصرف ب 10 ح 5.
2- الفقيه 3:/183 831،التهذيب 7:/108 465،الإستبصار 3:/96 332،الوسائل 18:187 أبواب الصرف ب 10 ح 6؛ بتفاوت يسير.
3- الكافي 5:/263 2،الوسائل 18:185 أبواب الصرف ب 10 ح 2.
4- التهذيب 7:/109 467.

على صورة عدم البيان إن صحّت النسخة.

و هنا

مسائل

اشارة

مسائل ستّ.

الأولى إذا دفع زيادة عمّا للبائع صحّ

الأولى: إذا ابتاع ديناراً مثلاً و دفع زيادة عمّا يجب عليه للبائع أو بالعكس صحّ المعاملة إذا وقعت على العوضين في الذّمة،و لا كذلك لو كانا معيّنين،من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية،و كذلك لو كان الزائد معيّناً و المطلق مخصوصاً بقدر ينقص عن المعيّن بحسب نوعه.

و حيث صحّت المعاملة تكون الزيادة أمانة في يد مَن وقعت في يده،بلا خلاف،إذا كان الدفع بطريق العمد و الاستيمان،بل في المسالك الاتّفاق عليه (1).

و كذا لو هجل الحال،بأن بأن فيه زيادة خارجة عن العادة لا تكون إلّا غلطاً أو تعمّداً لا مسامحة فشكّ في كونها على سبيل العمد،أو عرف كونها على نحو السهو على قول الأكثر؛ لأصالة البراءة من الضمان،الخالية عن المعارض من نحو القبض بسبب مضمون،كالسوم و الغصب و البيع الفاسد،فإنّه قبضها هنا بإذن المالك،فيكون كالودعي.

و القول الآخر أنّها تكون مضمونة؛ لأنّه قبضة على أنّه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة،فيكون مضموناً؛ نظراً إلى مقتضى العقد،و لأنّه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم،و لعموم:« على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (2).

ص:457


1- المسالك 1:202.
2- عوالي اللئلئ 1:/244 106؛ و انظر سنن البيهقي 6:95،و مسند أحمد 5:8،12،و مستدرك الحاكم 2:47.

و ضعّف بأنّ القبض على نيّة العوض غير قادح مع ظهور العدم، و العقد لا يقتضي ضمان غير العوض.

و كونه أقرب من المقبوض بالسوم إنّما يجري لو سلّم كون المقبوض بالسوم كذلك،و هو محلّ النزاع.

و عموم الخبر بحيث يشمل محلّ النزاع في حيّز المنع،فإنّ الثابت على الآخذ بمقتضى الخبر غير مبيّن،فجاز كون الواجب على اليد الحفظ أو نحوه إلى الأداء،و يرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد مع عدم الحكم بضمانها،و إنّما القدر المتّفق عليه وجوب الحفظ خاصّة.

و في الأخيرين نظر،فالأوّل بابتناء الفحوى على ثبوت الحكم في المقيس عليه و أنها على تقديره.

و الثاني أوّلاً:باستلزامه القدح في الاستناد الى الخبر لإثبات ضمان المأخوذ باليد على الآخذ،و عدم جوازه في شيء من مواضع الخلاف،بناءً على ما زعمه من الإجمال،و هو خلاف الوفاق.

و ثانياً:بأقربيّة الضمان من الحفظ إلى سياق الخبر بعد العرض على العرف،سيّما بعد ملاحظة فهم الأصحاب،مع أنّ إرادة الأمرين منه أظهر بالإضافة إلى الإطلاق،و تقييده بأحدهما سيّما الثاني؛ لمرجوحيّته كما ظهر لا بدّ له من داعٍ،و ليس،فاللازم العمل على الإطلاق،و هو كافٍ في الإثبات في الباب و غيره من الأبواب،فالقول الثاني أقرب إلى الصواب، وفاقاً للمحقق الثاني و غيره من الأصحاب (1)،مع أنّه أحوط بلا ارتياب.

ثم الأمانة حيث قلنا بها هل هي شرعيّة يجب ردّها على الفور و إعلام

ص:458


1- جامع المقاصد 4:198؛ و انظر إيضاح الفوائد 1:453.

المالك بها،أم مالكيّة لا يجب ردّها فوراً إلّا مع طلب المالك لها،و إن وجب عليه حفظها؟قولان،أحوطهما الأوّل.

و لو كانت الزيادة معتادة ممّا يتفاوت به الموازين و يتسامح بها عادةً لم يجب إعادته إجماعاً ظاهراً،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً،منها الصحيحان،في أحدهما و هو طويل:قلت:فأقول له:

اعزل منه خمسين كرّاً أو أقلّ أو أكثر بكيله،فيزيد و ينقص و أكثر ذلك ما يزيد،لمن هي؟قال:« هي لك» (1)الحديث.

و في الثاني:عن فضول الكيل و الموازين،فقال:« إذا لم يكن تعدّياً فلا بأس» (2).

و لكن يستحب الردّ؛ لما مرّ من استحباب أخذ الناقص،و إن استحبّ دفع الزائد للبائع،بل و ربما يتعيّن لو علم من عادته عدم الزيادة بمثلها إلّا سهواً،و إن كانت معتادة من غيره جدّاً،فيرجع إلى حكم المسألة المذكورة سابقاً.

الثانية يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم و يشترط صياغة خاتم

الثانية: يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم و يشترط عليه صياغة خاتم وفاقاً للنهاية و جماعة (3)؛ لرواية قاصرة السند بالجهالة،و المتن عن الدلالة،إذ فيها:عن الرجل يقول للصائغ:صغ لي هذا الخاتم و أبدّل لك

ص:459


1- الكافي 5:/182 3،الوسائل 18:86 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 1.
2- الكافي 5:/182 2،الفقيه 3:/131 572،التهذيب 7:/40 167،الوسائل 18:87 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 3.
3- النهاية:381؛ و انظر التذكرة 1:515،و التحرير 1:172،و الدروس 3:304،و الحدائق 19:306.

درهماً طازجياً بدرهم غلّة،قال:« لا بأس» (1).

و هو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب أصلاً،فأوّلاً:بتضمنهما جعل إبدال الدرهم بالدرهم شرطاً في الصياغة،لا بيعهما بشرطها، و أحدهما غير الآخر جدّاً.

و ثانياً:بتضمّنها إبدال درهم طازج بدرهم غلّة مع شرط الصياغة من جانب الغلّة،و قد ذكر جماعة من أهل اللغة (2)أنّ الطازج هو الخالص و الغِلّة غيره و هو المغشوش،و حينئذٍ فالزيادة الحكميّة و هي الصياغة في مقابلة الغشّ،و هذا لا مانع عنه مطلقا،لا في هذه المسألة و لا في غيرها، و لا في الحكميّة و لا في غيرها،و على هذا يصحّ الحكم و يتعدّى لكن لا في مطلق الدرهم،كما ذكروه،بل ما شابه موردها،هذا.

مع مخالفتها الأصل المطّرد من عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين مطلقا،حكميّة كانت أو عينيّة،فلا يجوز الاستناد فيما خالفه إلى مثلها مع ما هي عليه ممّا قدّمنا.

فلو بيع الدرهمان بل مطلق الربويات كذلك بطل،وفاقاً لجماعة، كالشهيدين و الفاضل في المختلف و المحقق الثاني في شرح القواعد و الصيمري في شرح الشرائع (3).

و على العمل بها كما فهموه لا يتعدّى الحكم إلى غير موردها؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المتيقّن من النص

ص:460


1- الكافي 5:/249 20،التهذيب 7:/110 471،الوسائل 18:195 أبواب الصرف ب 13 ح 1.
2- منهم ابن الأثير في نهايته 3:123،ابن منظور في لسان العرب 2:317.
3- الشهيد الأول في الدروس 3:304،الشهيد الثاني في الروضة 3:382،المختلف:358،جامع المقاصد 4:202.

و الفتوى.

خلافاً للمحكي عن جماعة (1)،فجوّزوا التعدية مطلقاً في الطرفين من الشرط و النقدين.و هو ضعيف جدّاً.

و يجوز أن يقرضه الدراهم أو الدنانير و يشترط أن ينقدها بأرض أُخرى للأصل،و العمومات،مع فقد المانع من نصّ أو إجماع؛ لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع،و ليس الإنقاد في بلد آخر منه جدّاً.

مضافاً إلى خصوص الصحيح:في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرض أُخرى و يشترط عليه ذلك،قال:« لا بأس» (2).

و لعلّ المراد من الإسلاف فيه القرض؛ لكثرة استعماله فيه (3).

و لم أقف على من تعرّض لهذا الحكم هنا و لا في بحث القرض بنفي و لا إثبات،عدا شيخنا في الدروس في القرض (4)و الفاضل في الإرشاد (5)هنا (6)،فصرّحا بما هنا.

و كان ذكره ثمّة كما فعله الأوّل أنسب و أولى،إلّا أن يكون المراد

ص:461


1- منهم:العلّامة في التذكرة 1:515،و الشهيد الثاني في المسالك 1:203،و صاحب الحدائق 19:306.
2- التهذيب 6:/203 459،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 14 ح 6.
3- في« ح» زيادة:و في الصحيح:يدفع إليّ الرجل الدراهم فأشترط عليه أن يدفعها بأرض أُخرى سود بوزنها،و أشترط ذلك عليه،قال:لا بأس» التهذيب 7:/110 473،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 14 ح 5.
4- الدروس 3:319.
5- كالشيخ في النهاية(382)و الحلّي في السرائر(2:64)على ما حكي عنهما(منه رحمه الله).
6- الإرشاد 1:369.

بذكره هنا بيان أنّ القرض ليس يجري فيه حكم الصرف فيشترط فيه التقابض قبل التفرق.

و هو حسن تقدّم وجهه،و يدلّ عليه الصحيح المتقدّم،و الخبر:عن الرجل يسلف الرجل الدراهم و ينقدها إيّاه بأرض أُخرى و الدراهم عدداً، قال:« لا بأس به» (1)فتأمّل.

الثالثة الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة

الثالثة: الضابط في جواز بيع الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة بأحدهما أن يكون في الثمن زيادة على ما في المصوغ من جنسه تقابل الجنس الآخر و إن قلّت بعد أن تكون متموّلة،مطلقا،سواء علم مقدار كلّ واحد منهما أم لا،و سواء أمكن تخليصهما أم لا،كان الثمن من جنس النقد الأقلّ في المصوغ أم من جنس الأكثر.

وفاقاً لأكثر من تأخّر،كالروضتين و المحقق الثاني و الفاضل في المختلف (2)؛ عملاً فيه بالقواعد المتقدّمة الدالّة عليه و على جواز بيعهما معاً بهما كذلك مطلقاً،علم مقدارهما أو أحدهما أم لا،أمكن تخصيصهما أم لا،و بغيرهما كذلك.

خلافاً للنهاية و جماعة (3)،فقالوا:إن كان كلّ واحد منهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادة و بغير الجنس،و إن زاد و إن لم يعلم أمكن تخلصهما لم يُبَع بأحدهما و بيعت بهما أو بغيرهما، و إن تعذّر التخليص و كان الأغلب أحدهما بيعت بالأقل منهما خاصّة، و إن

ص:462


1- التهذيب 7:/110 472،الوسائل 18:197 أبواب الصرف ب 4 ح 7.
2- اللمعة(الروضة البهية 3):383،جامع المقاصد 4:186،المختلف:359.
3- النهاية:383؛ و انظر الشرائع 2:50،و الحدائق 19:308.

تساويا مقداراً بيعت بهما أو بغيرهما.

و هذا التفصيل مع عدم وضوح مستنده يتوجّه النظر إليه من وجوه مذكورة في كلام بعض هؤلاء الجماعة المتقدّم ذكرهم،يسهل على المتدبّر المتأمّل استخراجها من القواعد المتقدّمة،و طريق إيرادها على كلام هؤلاء الجماعة.

و ربما كان مستندهم في عدم البيع بأحدهما مع إمكان التخليص بعض النصوص:في جام فيه ذهب و فضّة أشتريه بذهب أو فضّة؟ فقال:« إن كان تقدر على تخليصه فلا،و إن لم تقدر على تخليصه فلا بأس» (1).

و فيه قصور سنداً بجهالة جماعة من رواته جدّاً،و منافاة إطلاقه ذيلاً في الجواز مع عدم إمكان التخليص،و صدراً في العدم مع الإمكان لما فصّلوه قطعاً.

و مع ذلك غير مقاوم للقاعدة المسلّمة المتّفق عليها نصّاً و فتوى، و يمكن تطبيقه ككلام الجماعة بحذافيره عليها،كما فعله بعض أصحابنا (2).

و كيف كان فالأمر سهل بعد وضوح المطلب و المأخذ.

و هل يكفي غلبة الظنّ في زيادة الثمن على مجانسه من الجوهر،كما في اللمعة (3)،لعسر العلم اليقيني بقدره غالباً،و مشقّة التخليص الموجب له،أم يعتبر القطع بها؟قولان،أجودهما الثاني،وفاقاً للدروس و الشهيد الثاني (4)؛

ص:463


1- الكافي 5:/250 26،التهذيب 7:/122 484،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 5.
2- الحدائق 19:308.
3- اللمعة(الروضة البهية 3):384.
4- الدروس 3:301،الشهيد الثاني في الروضة 3:384.

لأنّه الأصل.

و تعسّره لا يوجب جواز الانتقال إلى غلبة الظن إلّا حيث لا يمكن التخلّص من ضرر عدم العلم إلّا به،و هنا ليس كذلك جدّاً،بل يتعيّن في مثله العدول إلى البيع بغير الجنس قطعاً.

نعم،لو لم يمكن و احتيج إلى البيع به أمكن ذلك؛ دفعاً لضرر ذي الحاجة،و مشقّة التخليص،المنفيّين إجماعاً،نصّاً و فتوى.

الرابعة المراكب و السيوف المحلّاة إن علم مقدار الحلية بيعت بالجنس

الرابعة: المراكب و السيوف و نحوها المحلّاة بأحد النقدين إن علم ما فيها من مقدار الحلية أو ظنّ،على اختلاف القولين بيعت بالجنس المحلّاة به،لكن مع زيادة تقابل المركب أو النصل و هو حديدة السيف،بلا خلاف يظهر،بل في الخلاف الإجماع عليه (1)؛ لما مرّ في المسألة السابقة (2).

مضافاً الى المعتبرين،أحدهما(بالموثقية و الثاني بها أيضاً) (3)مع انجبار الجهالة بعدها بالشهرة،و وجود صفوان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده:عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟قال:« إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس،و إن كان أكثر فلا يصلح» (4).

ص:464


1- الخلاف 3:71.
2- راجع ص:3998.
3- بدل ما بين القوسين في« ت»:بالصحّة و الثاني بالموثقية.
4- التهذيب 7:/113 488،الإستبصار 3:/98 338،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 7.الثاني:التهذيب 7:/113 489،الإستبصار 3:/98 339،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 8.

و نحوهما الموثق:عن السيف المحلّى و السيف الحديد المموّه بالفضة نبيعه بالدراهم؟فقال:« نعم» كما في الكافي،أو:« بع بالذهب» كما في التهذيب،و قال:« يكره أن تبيعه نسيئة» و قال:« إذا كان الثمن أكثر من الفضّة فلا بأس» (1).

و الخبر المنجبر قصور سنده بالإضمار و الجهالة ببعض ما مرّ إليه الإشارة،مع أنّه في الكافي صحيح:عن السيوف المحلّاة فيها الفضّة تباع بالذهب إلى أجل مسمّى؟فقال:« إنّ الناس لم يختلفوا في النسأ أنّه الربا، إنّما اختلفوا في اليد باليد» فقلت له:نبيعه بالدراهم بنقد؟فقال:« كان أبي يقول:يكون معه عَرَض أحبّ إليّ» فقلت:إنّه إذا كانت الدراهم التي تعطى أكثر من الفضّة التي فيه،فقال:« و كيف لهم بالاحتياط بذلك» فقلت:

يزعمون أنّهم يعرفون ذلك،فقال:« إن كانوا يعرفون ذلك فلا بأس،و إلّا فإنّهم يجعلون معه العرض أحبّ إليّ» (2).

و يستفاد منه اشتراط المعرفة في بيع المحلّى بجنس الحلية،و عدم الاكتفاء فيه بالمظنّة،كما تقدّم إليه الإشارة و حكاه عن الأكثر هنا في الروضة (3).

و كفاية الزيادة الحكميّة في تحقق الربا،كما عليه الأصحاب كافّة، إلّا ما مرّ عن الطوسي و حكي عن الحلّي من اشتراط العينية (4).

ص:465


1- الكافي 5:/250 25،التهذيب 7:/114 492،الإستبصار 3:/99 341،الوسائل 18:199 أبواب الصرف ب 15 ح 4.
2- الكافي 5:/251 29،التهذيب 7:/113 487،الإستبصار 3:/98 337،الوسائل 18:198 أبواب الصرف ب 15 ح 1.
3- الروضة 3:384.
4- الطوسي في النهاية:383،الحلي في السرائر 2:272.

و تردّه مضافاً إلى الرواية عمومات الأدلّة من الكتاب و السنّة بتحريم الربا و الزيادة التي هي أعمّ منها و من الحكميّة.

و قريب من هذه المعتبرة المستفيضة روايات أُخر معتبرة،منها الصحيح:عن بيع السيف المحلّى بالنقد،فقال:« لا بأس» (1)بحملها على البيع به بشرط الزيادة،كما دلّت عليه تلك المعتبرة.

و ينبغي أن يكون بيعها بالجنس نقداً،و لو بيعت نسيئة نقد من الثمن ما قابل الحلية بلا خلاف في الظاهر؛ لعموم الأدلّة بعدم جواز بيع النقدين أحدهما بالآخر نسيئة،الشامل لنحو المسألة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة،منها زيادة على ما مرّ من الرواية الرابعة المصرحة بحرمة النسيئة في المسألة الصحيحان،في أحدهما:

« لا بأس ببيع السيف المحلّى بالفضة بنسأ إذا نقد ثمن فضّته،و إلّا فاجعل ثمنه طعاماً،و لينسئه إن شاء» (2)و نحوه الثاني (3).

و قريب منهما الموثّق المتقدم (4)،بحمل الكراهة فيه على الحرمة؛ لغلبة استعمالها فيها في أحاديث الربا و نحوها كما مرّ إليه مراراً الإشارة.

و أمّا الخبر:عن السيف المحلّى بالفضة يباع نسيئة،قال:« ليس به بأس،لأنّ فيه الحديد و السير» (5)فهو مع قصور السند بالجهالة قابل

ص:466


1- الكافي 5:/249 23،التهذيب 7:/112 485،الإستبصار 3:/97 335،الوسائل 18:199 أبواب الصرف ب 15 ح 3.
2- التهذيب 7:/112 486،الإستبصار 3:/97 336،الوسائل 18:200 أبواب الصرف ب 15 ح 6.
3- المتقدم أعلاه في الهامش(1).
4- في ص:465.
5- التهذيب 7:/113 491،الإستبصار 3:/99 342،الوسائل /18 201 أبواب الصرف ب 15 ح 10.

للانطباق على الأخبار المتقدّمة،بحمله على النسيئة فيما عدا الحلية،كما فعله شيخ الطائفة (1).

و الظاهر انسحاب الحكم فيما شابه المسألة من الأواني المصوغة من الذهب و الفضّة،و ضابطه المنع عن بيع أحد النقدين بالآخر نسيئة مطلقا، ضمّ إليهما من غير جنسهما أم لا. و إن جهل مقدار الحلية بيعت بغير الجنس مطلقا،اتّفاقاً، فتوًى و نصّاً،و به أيضاً حالّا إذا علم زيادته عن الحلية،و إن جهل قدرها مفصّلاً،فقد يتّفق ذلك أحياناً.و الأصل فيه الأصل،و العمومات،مع فقد المانع من احتمال الربا و الزيادة بما فيه الحليّة؛ لاندفاعه بزيادة الثمن عنها فتقابل هذه بتلك،فال شبهة في المسألة.

و قيل كما عن النهاية (2):أنه إن أراد بيعها أي المراكب المحلاّة بالجنس المحلّاة به ضمّ إليها شيئاً آخر،و حيث إنّ ظاهره ضمّه إلى ما فيه الحلية أو إليها،نسبه الأصحاب كالعبارة إلى القيل المشعر بالتمريض،و ذلك من حيث زيادة المحذور فيه،فإنّ المحتاج إلى الضميمة إنّما هو الثمن خاصّة لتقابل ما زاد عن الحلية.

و مع ذلك لم نقف له على شاهد و لا رواية عدا ما في المسالك (3)من وجودها كعبارة النهاية،و لم نقف عليها في شيء من أخبار المسألة في الكتب الأربعة.

و ربما كان نظره إلى ما تقدّم من الرواية الرابعة،و قوله عليه السلام فيها« كان

ص:467


1- انظر الاستبصار 3:99.
2- النهاية:384.
3- المسالك 1:203.

أبي يقول:يكون معه عرض أحب إليّ» (1)بتوهّم رجوع الضمير إلى السيوف المحلّاة.

و هو مع منافاة المرجع له بحسب القاعدة،و إن كان يستأنس لدفعها بعبارة الراوي المتقدّمة عليه المذكّرة للضمير كما فيه يأبى عنه ذيل الرواية.

و كيف كان فهذا القول ضعيف غايته،كالمعتذر له في الدروس (2)بالضرورة.

الخامسة لا يجوز بيع شيء بدينار غير درهم

الخامسة: لا يجوز بيع شيء مطلقا،نقداً كان أو ثياباً بدينار مثلاً غير درهم فيقول:بعتك هذا بدينار إلّا درهماً،إذا لم يعرف نسبة الدرهم إلى الدينار،نقداً كان أم نسيئة،بلا خلاف لأنّه أي الثمن حينئذٍ مجهول.

و للمستفيضة،منها« يكره أن يشتري السلعة بدينار غير درهم،لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم» (3)و نحوه خبر آخر (4).

و في ثالث« ذكره أن يشتري الرجل بدينار إلّا درهماً و إلّا درهمين نسيئة،و لكن يجعل ذلك بدينار إلّا ثلثاً،و إلّا ربعاً،و إلّا سدساً،أو شيئاً يكون جزءاً من الدينار» (5).

و قصور الأسانيد منجبر بالفتاوى كضعف دلالة الكراهة على الحرمة، مع انجباره زيادة على ذلك بالتعليل في أكثرها،الصريح في الحرمة

ص:468


1- تقدّم مصدرها في ص:4001.
2- الدروس 3:302.
3- الكافي 5:/196 7،التهذيب 7:/57 248،الوسائل 18:80 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 1.
4- التهذيب 7:/116 504،الوسائل /18 81 أبواب أحكام العقود د 23 ح 4.
5- التهذيب 7:/116 503،الوسائل /18 81 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 3.

بملاحظة ما دلّ على حرمة بيع الغرر و المجازفة من الفتاوى و السنّة.

مضافاً إلى رواية أُخرى في الفساد صريحة:في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل،قال:« فاسد فلعلّ الدينار يصير بدرهم» (1).و لا يقدح اختصاصها كبعض ما مرّ بالمنع نسيئة؛ الإشعار التعليل فيها و في غيرها بالعموم البتّة.

السادسة ما يجمع من تراب الصياغة يباع بالذهب و الفضّة

السادسة: ما يجمع من تراب الصياغة من الذهب و الفضّة حكمه حكم تراب المعدن في جواز أن يباع مع اجتماعهما فيه بالذهب و الفضّة (2) معاً،و بأحدهما بشرط العلم بزيادة الثمن عن مجانسه،و مع الافراد بغير جنسه.و إطلاق الخبرين الآتيين بالبيع بالطعام لعلّه لمجرّد التسهيل و دفع كلفة مشقّة تحصيل العلم بمقدار الجوهرين ليزاد على أحدهما لو جعل هو الثمن خاصّة.

و يجب على الصائغ أن يتصدّق به عن مالكه مع الضمان، بلا خلاف في الأوّل لأنّ أربابه لا يتميّزون في الغالب،و لو بنحو من العلم بهم في محصورين،فلا يمكن التخلّص عن حقّهم إلّا بذلك، فوجب؛ و للنصوص الواردة بذلك في المال المجهول المالك.

و للخبرين في خصوص المقام،في أحدهما:عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟قال:« تصدّق به فإمّا لك و إمّا لأهله» قال:فإنّ فيه ذهباً و فضّة و حديداً فبأيّ شيء أبيعه؟قال:« بعه بطعام» قلت:إنّ لي قرابة محتاجاً أُعطيه منه؟قال:« نعم» (3).

ص:469


1- التهذيب 7:/116 502،الوسائل /18 80 أبواب أحكام المعقود ب 23 ح 2.
2- في المختصر المطبوع زيادة:أبو بجنس غيرهما.
3- الكافي 5:/250 24،التهذيب 7:/111 479،الوسائل 18:202 أبواب الصرف ب 16 ح 1.

و في الثاني:عن تراب الصائغين و إنّا نبيعه،قال:« أما تستطيع أن تحلّه من صاحبه؟» قال:قلت:لا،إذا أخبرته اتّهمني،قال:« بعه» قلت:

بأيّ شيء أبيعه؟قال:« بطعام» قلت:فأيّ شيء نصنع به؟قال:« تصدّق به إمّا لك و إمّا لأهله» قلت،إن كان لي قرابة محتاج فأصله؟قال:

« نعم» (1).

و قصور السند منجبر بالعمل.

و يستفاد من الأخير توقّف التصدّق على عدم إمكان الاستحلال من الصاحب،و به صرّح الأصحاب،حتى ذكروا أنّه لو علمه في محصورين وجب التخلّص منه و لو بالصلح مع الجهل بمقدار الحق،و لا فرق في ذلك بي ما إذا كان متعدّداً أو متّحداً.

لكن ظاهر الخير جواز التصدّق مع العلم بالمالك بمجرّد خوف التهمة.و هو مشكل،سيّما مع إمكان إيصال الحق المتصدّق به إليه،أو الاستحلال مه بوجه لا يوجب التهمة.

و على قول قويّ في الثاني (2)لو ظهر المالك و لم يرض به؛ لعموم الأدلّة الدالّة على ضمان ما أخذت اليد،خرج منه ما لو إذا رضي الصاحب أو استمرّ الاشتباه بالإجماع،فيبقى الباقي.

و القول الثاني العدم؛ لإذن الشارع له في الصدقة فلا يتعقّب الضمان.

و في التلازم نظر،مع إشعار الخبرين يقول:« إمّا لك و إمّا لأهله» بتعقّب الضمان إذا لم يرض المالك،بناءً على معناه على الظاهر المصرّح به

ص:470


1- التهذيب 6:/383 1131،الوسائل /18 202 أبواب الصرف ب 16 ح 2.
2- عطف على قوله:في الأول،في ص 4005،و المراد به الضمان.

في كلام جماعة (1)أنّ التصدّق لك إن لم يرض الصاحب،و له إن رضي.

و لا ريب أنّ الضمان أحوط.

و مصرف هذه الصدقة الفقراء و المساكين،كما ذكره الأصحاب؛ و لعلّه لانصراف الإطلاق إليه بحكم الاستقراء:

و يجوز الدفع إلى ذي قرابته إذا كانوا بصفتهم،بنصّ الخبري،و عدم خلاف بين الأصحاب فيه و في جواز الإعطاء للعيال إذا كانوا بصفة الاستحقاق؛ و لعلّه لفحوى الجواز في الزكاة.

و يستفاد منه جواز أخذه لنفسه مع الشرط المذكور إن قلنا بذلك ثمّة لو دفعت إليه للصرف في الفقراء و أهل المسكنة و هو بصفتهم،فتأمّل.

و يلحق بالصياغة ما شابهها من الصنائع الموجبة لتخلّف أثر المال، كالحدادة و الطحن و الخياطة و الخبازة.

كلّ ذا إذا لم يعلم إعراض المالك عنه،و إلّا قالوا:جاز التملك له و التصرّف من دون تصدّق عن الصاحب،فإن كان إجماع،و إلّا فللنظر فيه مجال،حيث لم ينهض حجّة على انتقال الملك و جواز التصرّف بمجرّد نيّة الإعراض،مضافاً إلى إطلاق الخبرين بالتصدّق،فتأمّل.

ص:471


1- منهم:صاحب الحدائق 19:312.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.