ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 5/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين.

ص:5

ص:6

كتاب الزكاة

اشارة

«كتاب الزكاة» و هي لغةً:الزيادة و النموّ و الطهارة،و شرعاً:حقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب،قاله في المعتبر (1).

و نقض طرداً بخمس الكنز و الغوص،و عكساً بالصدقة المندوبة.

فالأجود أن يقال:إنها صدقة راجحة مقدّرة بأصل الشرع ابتداءً؛ و قريب منه ما ذكره الشهيد رحمه الله من أنّها صدقة متعلّقة بنصاب بالأصالة (2)،هذا،و الأمر في هذه التعاريف هيّن.

و وجوبها ثابت بالكتاب و السنة و إجماع الأُمّة،و النصوص في فضلها و عقاب تاركها متواترة بل لا تكاد تحصى.

و هي قسمان

ص:7


1- المعتبر 2:485.
2- كما في الدروس 1:228.

الأول زكاة الأموال

اشارة

الأول:زكاة الأموال.

و أركانها أربعة.

الأوّل من تجب عليه

الأوّل:من تجب عليه،و هو:كلّ بالغٍ عاقلٍ حرّ مالكٍ للنصاب متمكّنٍ من التصرف فهذه شروط خمسة.

و تفصيل الكلام فيها:أنّ البلوغ يعتبر في وجوبها في الذهب و الفضّة إجماعاً منّا ظاهراً،و حكاه جماعة مستفيضاً (1)،و لحديث رفع القلم (2)،مضافاً إلى الأصل و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

« ليس في مال اليتيم زكاة» (3)و خصوص ما سيأتي فحوًى بل صريحاً في بعضه.

نعم،لو اتّجر مَن إليه النظر في مال الطفل أي وليّه الشرعي أخرجها عنه استحباباً على الأشهر الأقوى،بل في المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و ظاهر الغنية (4)كما حكى:أنّ عليه إجماع علمائنا؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:« ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به» (5).

و ظاهرها و إن أفاد الوجوب كما هو ظاهر المقنعة (6)،إلّا أنّه محمول

ص:8


1- منهم:المحقق في الشرائع 1:140،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:298،و المنتهى 1:471،و الشهيد الأوّل في البيان:276،و الشهيد الثاني في الروضة 2:12.
2- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11،و قد رواه في عوالي اللآلي 1:/209 48،مسند أحمد 6:100.
3- الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1.
4- المعتبر 2:487،المنتهى 1:472،نهاية الإحكام 2:299،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
5- الوسائل 9:87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2.
6- المقنعة:138.

على الاستحباب؛ لما سيأتي في زكاة التجارة من عدم وجوبها على البالغ (1)،فهنا أولى،كما صرح به في التهذيب (2)مُؤَوّلاً به عبارة المقنعة، و استحسنه جماعة (3).

خلافاً للحلّي،فلا يستحبّ أيضاً (4)،و مال إليه بعض المتأخّرين (5)، و هو أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لاعتبار سند الروايات في أنفسها و إن ادّعي قصورها مضافاً إلى اعتضادها بشهرة الفتوى بها،و دعوى الإجماع عليه كما مضى.

و ليس فيها قصور دلالة كما ادّعاه أيضاً إلّا من جهة ظهورها في الوجوب بلفظة في بعضها،و ما في معناه من نحو لفظة« على».و قد عرفت الذبّ عنها بالحمل على تأكّد الاستحباب لما سيأتي في زكاة التجارة (6).

إلّا أنّ المستفاد من بعض النصوص النافية لوجوبها ثمّة أن حكمهم عليهم السلام بوجوبها في هذه النصوص و أمثالها للتقيّة،فلم يبق دليل للاستحباب إلّا الإجماع المنقول مع الشهرة العظيمة بين الأصحاب،و هو كافٍ في إثباته.

هذا إذا اتّجر الوليّ للطفل إرفاقاً له.

و لو ضمن الولي ماله،بأن نقله إلى ملكه بناقل شرعي كالقرض و نحوه و اتّجر لنفسه كان الربح له إن كان مليّاً بحيث يقدر على أداء

ص:9


1- انظر ص 2292.
2- التهذيب 4:27.
3- منهم الشهيد الأوّل في البيان:277،صاحب المدارك 5:18،السبزواري في الذخيرة:421.
4- السرائر 1:441.
5- كصاحب المدارك 5:18.
6- انظر 2292،2350،2351.

المال المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله و عليه الزكاة استحباباً بلا خلاف أجده إلّا من المنتهى (1)،فقد نَسَب ما في العبارة إلى الشيخ خاصّة من غير اعترافٍ به و لا ردّ له،مشعراً بنوع تردّدٍ له فيه.و لم أعرف وجهه و لا متعلّقه،أ هو استحباب الزكاة و هو يقول به في التجارة على الإطلاق؟ أو استحقاق الربح و لا يمكن التأمّل فيه بعد جواز ضمانه الموجب له، الثابت بلا خلاف إلّا من الحلّي (2)،و هو نادر؟ مضافاً إلى الخبر المنجبر قصوره أو ضعفه بالعمل:عن مال اليتيم يعمل به،فقال:« إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال،و إن كان لا مال لك و علمت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال» (3).

و قريب منه الصحيح:في رجل عنده مال اليتيم،فقال:« إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله،و إن هو اتّجر فالربح لليتيم و هو ضامن» (4)و نحوه غيره (5)،فتدبّر.

و هذه النصوص هي الحجة في اعتبار الملاءة،و إطلاقها كالعبارة و نحوها مما وقفت عليه من عبائر الفقهاء هنا يقتضي عدم الفرق في الولي

ص:10


1- المنتهى 1:472.
2- كما في السرائر 1:441.
3- التهذيب 4:/29 71،الإستبصار 2:/30 89،الوسائل 9:89 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 7.
4- الكافي 5:/131 3،التهذيب 6:/341 955،الوسائل 17:257 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 3،بتفاوت يسير.
5- الكافي 5:/131 1 و 4،التهذيب 6:341 و /342 954 و 957،الوسائل 17:257 و 258 أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 1 و 4.

بين الأب و الجدّ له و سائر الأولياء.

خلافاً للمحكي عن المتأخّرين كافّة في كلام جماعة (1)حدّ الاستفاضة،فقيّدوه بمن عدا الأوّلين.

و استشكله بعضهم (2)؛ و لعلّه لعدم وضوح المقيّد من النصّ إلّا ما قيل (3)من أنه ما ورد من أن الولد و ماله لأبيه (4).و في صلوحه للتقييد نظر، نعم يصلح للتأييد بعد وجود الدليل و ليس إلّا أن يكون إجماعاً،كما يفهم من المقدس الأردبيلي حيث قال:و كأنه لا خلاف فيه على ما يظهر (5).

و لا ريب أنّ اعتبار الملاءة مطلقاً أحوط،و إن كان في تعيّنه نظر لما مرّ،سيّما مع تأيّده بضعف الإطلاق بقوّة احتمال اختصاصه بحكم التبادر و السياق بغير الأب،فيرجع إلى عموم ما دلّ على ثبوت الولاية لهما على الإطلاق.

و لو لم يكن مليّاً و لا وليّاً ضمن مال الطفل مع التلف بمثله أو قيمته بلا خلاف إلّا من الحلّي (6)،و هو نادر؛ مضافاً إلى الأُصول و ما مرّ من النصوص،و إن اختصّت بصورة عدم الملاءة،إذ لا فرق في سبب الضمان بينه و بين عدم الولاية،فإنّ كلّا منهما موجب له بمقتضى عموم القاعدة،مع

ص:11


1- كصاحبي المدارك 5:19،و الذخيرة:422،و خالي المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول 16:73،و غيرهم.منه رحمه اللّه.
2- كصاحب المدارك 5:19.
3- قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:14،و صاحب الحدائق 12:25.
4- الكافي 5:/135 5،التهذيب 6:/343 961،الإستبصار 3:/48 157،الوسائل 17:262 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 1.
5- مجمع الفائدة 4:14.
6- السرائر 1:441.

عدم القائل بالفرق بينهما بين الطائفة،مضافاً إلى الأولوية (1).

و لا زكاة هنا على العامل قطعاً؛ للأصل،و الموثق:الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به،أ يضمنه؟قال:« نعم» قلت:فعليه الزكاة؟قال:

« لا،لعمري لا أجمع عليه خصلتين:الضمان و الزكاة» (2).

و لا على اليتيم على الأقوى،وفاقاً للفاضلين (3)؛ للأصل،مع فقد ما يدلّ على الاستحباب هنا عدا إطلاق الأخبار المتقدمة و نحوها.و في انصرافه إلى مفروض المسألة مناقشة،لاختصاصها بحكم التبادر بصورة كون الاتّجار لليتيم لا غيره،كما فيما نحن فيه.

هذا مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية،و انحصار دليل استحباب الزكاة في الإجماع و هو مفقود في محل النزاع.

خلافاً لجماعة (4)فيستحب،للعموم،و قد عرفت أنّه ممنوع.

و أطلق الماتن و كثير أن الربح لليتيم لإطلاق ما مرّ من النصوص.و قيّده جماعة (5)بصورة وقوع الشراء بالعين و كون المشتري وليّاً أو من أجازه،و إلّا كان الشراء باطلاً من أصله.و زاد بعضهم (6)فاشترط

ص:12


1- فإنّ عدم الملاءة إذا أوجب الضمان مع الولاية فلأن يوجب الضمان عدم الولاية بطريق أولى.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 4:/28 69،الإستبصار 2:/30 87،الوسائل 9:88 أبواب ما تجب عليه الزكاة ب 2 ح 5.
3- المحقق في الشرائع 1:140،و المعتبر 2:487،العلّامة في نهاية الإحكام 2:300،و التذكرة:201،و التحرير:57،و القواعد:51.
4- منهم:الشهيد ان في الدروس 1:229،و البيان:277،و الروضة 2:12،و صاحب المدارك 5:20.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:51،و صاحب المدارك 5:20،و السبزواري في الذخيرة:422.
6- كالشهيد الثاني في المسالك 1:51،و صاحب المدارك 5:20.

الغبطة.

و آخَر فقال:بل لا يبعد توقف الشراء على الإجازة (1)في صورة شراء الولي أيضاً،لأن الشراء لم يقع للطفل ابتداءً و إنما أوقعه المتصرّف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة،قال:و مع ذلك فيمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد و إن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة، لأنّه لم يقع للطفل ابتداءً مِن غير مَن إليه النظر في ماله،و إنّما وقع التصرف على وجه منهيّ عنه (2).و قيل:و لما ذكره وجه،إلّا أنّه يدفعه ظاهر النصّ (3).انتهى.و هو حسن.

و في وجوب الزكاة في غلّات الطفل روايتان،أحوطهما ما دلّ على الوجوب بلفظه،و هو صحيح (4)،و عليه الشيخان و أتباعهما كما في المعتبر و المنتهى (5)،و في الناصرية:أنه مذهب أكثر أصحابنا (6).

و ظاهر العبارة التردّد؛ و لعلّه لذلك،و للأصل مع اختصاص ما دلّ على الوجوب من العمومات كتاباً و سنّةً بالبالغ،لأنّه تكليف و ليس الطفل من أهله؛ مضافاً إلى الرواية الثانية:« ليس على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة،و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة،و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك،فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة،و كان عليه مثل ما على

ص:13


1- أي:من الطفل بعد بلوغه.منه رحمه اللّه.
2- انظر المدارك 5:20.
3- الذخيرة:422.
4- الكافي 3:/541 5،التهذيب 4:/29 72،الإستبصار 2:/31 90،الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.
5- المعتبر 2:487،المنتهى 1:472.
6- الجوامع الفقهية:205.

غيره من الناس» (1).

و هي موثّقة،و مع ذلك معتضدة بالأصل،و عموم رفع القلم، و خصوص ما استفاض من الصحاح و غيرها بنفي الزكاة عن مال اليتيم على الإطلاق (2)،مع دلالة بعضها على تلازم وجوب الصلاة و الزكاة نفياً و إثباتاً (3).

فهذه الرواية أولى،و عليها جملة من أعاظم القدماء (4)،و تبعهم المتأخّرون كافة على الظاهر المصرّح به في المدارك (5)،و عزاها في التحرير [السرائر] إلى أكثر علمائنا (6)،و ادّعى شهرتها غير واحد (7).

و بالجملة:فهذه الرواية أرجح من الاُولى و إن كانت صحيحةً،سيّما و قد عُزي القول بمضمونها في المنتهى إلى الجمهور كافة (8)،فيتّجه حملها على التقيّة،أو تأكّد الاستحباب،لعدم خلاف فيه،بل تأمّل جماعة (9)في دلالتها على الوجوب،و إن تضمّنت لفظه مع لفظة« على»،لكثرة استعمالها في الاستحباب المؤكّد.و فيه نظر،نعم هي موجبة لوهن الدلالة بالإضافة

ص:14


1- التهذيب 4:/29 73،الإستبصار 2:/31 91،الوسائل 9:86 أبواب ما تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11.
2- الوسائل 9:83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1.
3- الوسائل 9:85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5.
4- منهم:الشيخ الصدوق في المقنع:51،و ابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف:172،و ابن الجنيد حكاه عنه في المعتبر 2:488.
5- المدارك 5:22.
6- التحرير 1:57.
7- كالسبزواري في الكفاية:34.
8- المنتهى 1:472.
9- منهم:صاحب المدارك 5:22،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:193،و المحقق السبزواري في الذخيرة:421.

إلى الموثق،و لا ريب أنّه أصرح،فيترجّح أيضاً من هذا الوجه.

و ربما يرجّح الصحيحة باعتضادها بإطلاق ما دلّ على أنّ الصدقة في أربعة:في التمر و الزبيب و الشعير و الحنطة (1).

و يضعّف:بوروده لبيان حكم آخر غير محلّ الفرض،و هو يوهن دلالته بالإضافة إليه كما قرّر في محله.مع أنّه على تقدير تسليمه معارض بما مرّ من النصوص على أنه ليس في مال اليتيم زكاة،لأنّه أصرح دلالة.

و من هنا يظهر أنه لا وجه لما قيل من أن الزكاة تجب في مواشيهم أيضاً (2)لضعف الإطلاق الدالّ على وجوبها بما عرفته هنا، و اختصاص الصحيح الموجب لها في الغلّات بها،و لذا لم يحتَط الماتن هنا بالوجوب. و قطع بأنّه ليس بمعتمد و نحوه غيره من جملة من المتأخّرين عنه (3).

لكن ظاهر مَن عداهم من الأصحاب الموجبين و المستحبّين عدم الفرق بين المسألتين،حتى أنّ ابن حمزة الذي هو أحد الموجبين ادّعى الإجماع منهم عليه،كما حكاه في الإيضاح (4).فينبغي الاحتياط هنا أيضاً؛ للإجماع المنقول،كما احتيط للصحيح سابقاً،سيّما مع تأيّد الإجماع بعدم الخلاف إلّا من نحو الماتن ممّن هو معلوم النسب،الذين لا يضرّ خروجهم قطعاً،مضافاً إلى بُعد الفرق اعتباراً.

و لا تجب في مال المجنون صامتاً أي نقداً كان أو غيره من

ص:15


1- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلات ب 1.
2- القائل:المفيد في المقنعة:238،و الشيخ في النهاية:174.
3- كصاحب المدارك 5:22.
4- الإيضاح 1:167.

الغلّات و المواشي،وفاقاً لكلّ من مرّ.

و قيل:حكمه حكم الطفل فتجب في غلّاته و مواشيه أيضاً.

و القائل جميع من قال به فيه (1)،عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشيء أصلاً.

و الأوّل أصح و إن كان الوجوب أحوط،و إن لم يقم هنا عليه دليل صالح عدا الإطلاق و الصحيح المتقدم،المضعَّفين بما مضى؛ و ذلك لظهور عدم الفرق بين الطفل و المجنون فتوًى،حتى من المستحبّين،عدا الماتن و بعض من تأخّر عنه (2).مع أنّه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحاً هنا و لا سابقاً،و إنّما نفى الوجوب خاصّة،مع تأيّده بالاعتبار و الاستقراء، لاشتراكهما في الأحكام غالباً و منها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا اتّجر به،ففي الصحيح:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:امرأة مختلطة عليها زكاة؟ فقال:« إن كان عُمِل به فعليها زكاة،و إن لم يُعمَل به فلا» (3)و نحوه غيره (4).

و اعلم:أن الزكاة إنّما تسقط عن المجنون المطبق،أما ذو الأدوار ففي تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة،أم العدم إلّا أن يحول الحول حالتها قولان.

أجودهما الثاني،وفاقاً للتذكرة و النهاية (5)؛ للأصل،مع اختصاص ما

ص:16


1- راجع ص:2278.
2- انظر المدارك 5:23.
3- الكافي 3:/542 2،التهذيب 4:/30 75،الوسائل 9:90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1،بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:/542 3،التهذيب 4:/30 76،الوسائل 9:90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.
5- التذكرة 1:201،نهاية الإحكام 2:300.

دلّ على اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طُولَه بحيث يتمكن من التصرف فيه،كما هو المتبادر من إطلاقه،و المجنون للحجر عليه غير متمكّن منه اتّفاقاً.

و من هنا يظهر عدم وجوبها على الطفل أيضاً إلّا بعد حَوْل الحَول بعد بلوغه،مضافاً إلى عموم الموثق السابق (1):« و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» و هو عامّ لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيّام قليلة.

و أما قوله بعد ذلك:« و لا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جُعل معطوفاً على الجزاء كما هو الظاهر فلا بُدّ من حمل الإدراك على غير البلوغ لينتظم الكلام،فيكون المعنى:أنّه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أوّلاً حتى يدرك الحول،فإذا أدركه وجبت عليه.

و إن جُعل جملة مستقلّة مع بعده يكون المعنى:أنّه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه الحول حتى يحول و هو مدرك بالغ، فإذا حال عليه و هو كذلك وجبت عليه زكاة واحدة،فتدبّر.

و محصّل الكلام اعتبار الشرطين طول الحول؛ خلافاً لبعض المتأخّرين (2)،فاكتفى بحصولهما بعده،لمستند قد عرفت وهنه.

و الحرّية معتبرة في جميع الأجناس (3) بلا خلاف فيه من هذا الوجه (4)و إن كان يظهر من المعتبر و المنتهى (5)وقوعه في أصل

ص:17


1- في ص:2278.
2- انظر الذخيرة:421.
3- في النافع زيادة:كلّها.
4- أي:وجه تعميم الاشتراط إلى جميع الأجناس.منه رحمه اللّه.
5- المعتبر 2:489،المنتهى 1:473.

اعتبارها،بناءً على الاختلاف في تملّك العبد شيئاً أم لا.و صرّحا بالعدم (1)على الأوّل،مع أنّه صرّح في المنتهى أخيراً باعتبارها عليه أيضاً،معلِّلاً له بنقص ملكه و تزلزله (2)،كما صرّح به أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (3).

و عليه فيتوجّه اعتبارها مطلقاً،كما يشهد به الأُصول،و إطلاق ما ورد في نفي وجوب الزكاة على العبد من النصوص،و فيها الصحيح و غيره (4)، و عليه الإجماع في الخلاف و عن التذكرة (5).و لذا أنّ جملة من متأخّري المتأخّرين (6)مع قولهم بأنّ العبد يملك في الجملة أو مطلقاً،نفوا عنه وجوبها مطلقاً،معلِّلين بإطلاقها.

هذا،مع أن المختار أنّه لا يملك مطلقاً،و يتفرّع عليه وجوب الزكاة على السيّد،كما صرّح به جماعة من الأصحاب،و منهم الفاضل في المنتهى قال:و على غيره لا يجب على العبد لما مرّ،و لا على السيّد لأن المال لغيره (7).

و ربما يتوهّم تأيّد هذا القول بالصحيح:قلت له:مملوك في يده مال،أ عليه زكاة؟قال:« لا» قلت:فعلى سيّده؟فقال:« لا،إنّه لم يَصل إلى السيّد و ليس هو للمملوك» (8)مع أنّه بطرف الضدّ من التأييد،للتصريح

ص:18


1- أي:عدم اعتبار الحرية.منه رحمه اللّه.
2- المنتهى 1:473.
3- كما في الروضة 2:12.
4- الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4.
5- الخلاف 2:43،التذكرة 1:201.
6- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:16 19،و صاحب المدارك 5:24،و الفيض في المفاتيح 1:194.
7- المنتهى 1:473.
8- الفقيه 2:/19 63،الوسائل 9:92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.

فيه بعدم مالكيّة العبد لما في يده،و أنّه ليس له،و نفي الزكاة من السيّد لا ينافي ملكه،بل يحتمل استناده إلى عدم تمكّن السيّد من التصرّف فيه بجهله به مثلاً،كما يومئ به التعليل بأنّه لم يَصل إلى السيّد،و التعليل به دون عدم تملّك السيّد أو تزلزله ظاهر في تملّك السيّد لما في يد عبده، سيّما مع تعليل الحكم من جهة العبد بعدم ملكه.

و لا فرق بين القنّ و المدبّر و أُمّ الولد و المكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء،أمّا من تبعّضت رقّيته فتجب في نصيب الحرّية بشرطه.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان العبد مأذوناً من سيّده في التصرف في ماله أم لا.و يُحكى قول بتقييده بالثاني (1)،لزعم استناده إلى الحجر،و بالإذن يرتفع.و هو ضعيف لما مرّ.

نعم،في الخبر المروي عن قرب الإسناد:« ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه» (2)لكنّه قاصر السند،بل و الدلالة،لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد،لا التصرّف في المال الموجب لتعلّق الزكاة على العبد كما توهّم.

و كذا التمكن من التصرف معتبر فيها عند علمائنا أجمع،كما عن التذكرة و قريب منه في المنتهى (3)،و في الغنية الإجماع عليه صريحاً (4)، و كذا في الخلاف لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة،و لم ينقله على القاعدة كليةً (5)،و لكنّ الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد

ص:19


1- الحدائق 12:28.
2- قرب الإسناد:/228 893،الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 2.
3- التذكرة 1:201،المنتهى 1:475.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):567.
5- الخلاف 2:31.

للتمثيل لا للحصر،كم يفهم منه في موضع آخر (1).

و كيف كان فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه و لا وكيله متمكّناً منه إجماعاً،كما عرفته؛ و للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما.

و جملة منها صريحة في أنه لو عاد المال إليه و تمكّن من التصرّف اعتبر حَوْل الحول بعد عوده إليه و تمكّنه منه،ففي الصحيح:الرجل يكون له الوديعة و الدَّين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟قال:« إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكّي» (2).

و نحوه الموثّق و غيره:« لا،حتى يحول عليه الحول في يده» (3)كما في الأوّل،أو« و هو عنده» (4)كما في الثاني.

و قريب منها النصوص الدالّة على أنّه لا شيء فيما لم يحُل عليه الحول عند ربّه (5).و عليها يحمل إطلاق نحو الصحيح:« لا صدقة على الدَّين،و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» (6).

و لو مضت عليه أي على المال الغائب حين ما هو غائب

ص:20


1- الخلاف 2:111،حيث قال:لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون القارض،و أن مال الغائب إذا لم يتمكن منه لم تلزمه زكاته،و الرهن لا يتمكن منه،فتدبّر.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 4:/34 88،الإستبصار 2:/28 80،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.
3- التهذيب 4:/34 87،الإستبصار 2:/28 79،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
4- الكافي 3:/527 5،التهذيب 4:/34 89 بتفاوت يسير،الوسائل 9:94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3.
5- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
6- التهذيب 4:/31 78،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6.

أحوال زكّاه لسنة واحدة استحباباً لورود الأمر به في الصحيح (1)و الموثّق (2)و الحسن (3).و ظاهره و إن أفاد الوجوب إلّا أنّه محمول على الاستحباب على المشهور؛ للأصل،و إطلاق ما مرّ من النصوص بنفي الوجوب.و تقييدهما بالأمر و إن أمكن إلّا أنّ حمله على الاستحباب أظهر؛ لكونه أشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من بعض من نَدَر ممّن تأخّر.و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر،و منها عبارة المنتهى حيث قال:إنّه مذهب علمائنا،و نَسَب الوجوب إلى مالك (4)؛ و في المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (5).

و لا في الدَّين إذا لم يَقدر صاحبه على أخذه اتّفاقاً فتوًى و نصّاً، إلّا الصحيح:« يزكّيه و لا يزكّي ما عليه من الدَّين،إنّما الزكاة على صاحب المال» (6).

و هو محمول على التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعاً،أو التقيّة لمطابقته لمذهب أكثر العامّة،كما يفهم من المنتهى (7)و غيره (8)،و منهم

ص:21


1- الكافي 3:/519 2،التهذيب 4:/31 79،الإستبصار 2:/28 82،الوسائل 9:94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.
2- التهذيب 4:/31 77،الإستبصار 2:/28 81،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
3- الكافي 3:/524 1،الوسائل 9:93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.
4- المنتهى 1:475.
5- المدارك 5:37.
6- الكافي 3:/521 12،الوسائل 9:103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.
7- المنتهى 1:476.
8- الذخيرة:426.

أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة.

و في رواية بل روايات (1) إلّا أن يكون صاحبه هو الذي يؤخّره و عمل بها جماعة من القدماء كالشيخين و المرتضى (2).

خلافاً لآخرين منهم كالعماني و الإسكافي (3)،و الحلّي حاكياً له عن الشيخ في الاستبصار (4)،و تبعهم عامّة المتأخّرين،و منهم فخر الدين حاكياً له عن المرتضى (5)؛ للأصل،و ضعف سند الروايات،فلا تصلح لتخصيصه،و لا لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدّم و غيره من الموثقات،منها:قلت:ليس في الدين زكاة؟قال:

« لا» (6).و منها:« لا حتى يقبضه» قلت:فإذا قبضه أ يزكّيه؟قال:« لا حتى يحول عليه الحول في يده» (7)و نحوهما غيرهما (8).

و هذا أقوى،و إن كان الأوّل أحوط و أولى؛ لشبهة الخلاف فتوًى و روايةً،و منها الرضوي:« و إن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك و يحول عليه الحول و هو في يدك،إلّا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته» (9).

ص:22


1- الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
2- المفيد في المقنعة:239،الطوسي في الجمل و العقود:205،و الخلاف 2:80؛ المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):75.
3- حكاه عنهما في المختلف:174.
4- السرائر 1:444.
5- إيضاح الفوائد 1:168.
6- التهذيب 4:/32 80،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.
7- التهذيب 4:/34 87،الإستبصار 2:/28 79،الوسائل 9:96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
8- الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6.
9- فقه الرضا(عليه السلام):198،المستدرك 7:52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

و ربما استدلّ على القول الأوّل زيادةً على الرواية به،و بالموثّق:في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه،قال:« فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاه لعامٍ واحد،فإن كان يَدَعه متعمّداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (1)و بالصحيح المتقدم المثبت للزكاة في الدين على الإطلاق.

و هو ضعيف؛ لضعف الرواية بما عرفته،و الرضوي بقصور الدلالة بقوة احتمال اختصاصه بالمال الغائب كما فرض في صدره،و الأصل في الاستثناء يقتضي تعلّق ما بعده بما قبله،و حينئذٍ فنحن نقول بحكمه،و هو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على أخذه،و صرّح به الحلّي و العماني (2)و غيرهما (3)،بل لا خلاف فيه.و هو غير جارٍ فيما نحن فيه من الدين،فإنّه أمر كلي و لا يتشخّص ملكاً للمُدين إلّا بقبضه،و لا زكاة إلّا في الشخصي،و لا كذلك المال الغائب،فإنّه مملوك شخصي،و غاية الأمر أنّه ممنوع من التصرف فيه،فإذا ارتفع المنع وجبت الزكاة.

و منه ظهر دليل آخر على عدم الوجوب في الدين،و محصّله أنّه غير مملوك للمُدين فعلاً إلّا بعد قبضه له،و لا زكاة إلّا في الملك اتّفاقاً فتوًى و روايةً،و به استدلّ أيضاً جماعة (4).و هو في غاية المتانة،و منه يظهر الجواب عن الموثّقة فإنّها في المال الغائب واردة،لا في مفروض المسألة،

ص:23


1- التهذيب 4:/31 77،الإستبصار 2:/28 81،الوسائل 9:95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
2- الحلّي في السرائر 1:443،و حكاه عن العماني في المختلف:174.
3- كالشيخ في الخلف 2:111،و صاحب المدارك 5:35.
4- منهم:المفيد في المقنعة:239،و العلّامة في المختلف:174،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:299.

و أحدهما غير الآخر،كما عرفته.

و أمّا الصحيح فلا قائل بإطلاقه،و تقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله على الاستحباب،بل هو أولى،للأصل،و ضعف المقيِّد عن التقييد سنداً كما مضى.

و بالجملة: لا ريب في ضعف هذا الاستدلال،كالاستدلال للمختار بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض (1)،بتخيّل أنّه نوع من الدين مطلقاً حتى في المضمار؛ و ذلك لأنّ المفهوم منها أنّ محلّ السؤال فيها إنّما هو عن تلك العين المستقرضة،و محلّ البحث إنّما هو الدين المستقرّ في الذمة-،مع حلوله و تعيين فرد من أفراده ليدفع بدله،و لم يقبضه المُدين فراراً من الزكاة،أو مساهلةً،أو مطلقاً.

نعم،يمكن الاستدلال بما في جملة منها من التعليل بأن القرض ملك المقترض و نفعه له فخسارته عليه،و هو جارٍ في الدين إذا لم يقبضه مالكه،لأنّ شخصه ملك المديون فنفعه له و عليه خسارته.

و زكاة القرض على المقترض بلا خلاف أجده،و به صرّح في الخلاف و السرائر (2)،و عزاه في التنقيح إلى الأصحاب كافّة (3)،مؤذناً كسابقيه بالإجماع عليه،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة:

منها:على مَن الزكاة،على المُقرض أو على المستقرض؟فقال:

« على المستقرض،لأنّ له نفعه و عليه زكاته» (4).

ص:24


1- الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7.
2- الخلاف 2:109،السرائر 1:445.
3- التنقيح الرائع 1:229.
4- التهذيب 4:/33 84،الوسائل 9:102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5.

و منها:« ليس على الدافع شيء،لأنّه ليس في يده شيء،إنّما المال في يد الآخر،فمن كان المال في يده زكاه» إلى أن قال:« أ رأيت و ضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو و على من؟» قلت:للمقترض،قال:« فله الفضل و عليه النقصان،و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه» (1)الحديث.

و منها:في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول و هو عنده،قال:«إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه،و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (2).

و إطلاقها كالعبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط الزكاة على المُقرض أم لا،و به صرّح جماعة (3).

خلافاً لموضع من النهاية (4)،فأسقطها بالشرط و أوجبها على المُقرض،و احتجّ له بالرواية الأخيرة.

و يضعّف:بأنّه ليس فيها ذكر الشرط فضلاً عن لزومه.

و يحتمل التبرّع،و نحن نقول به،وفاقاً لجماعة (5)من غير خلاف فيه بينهم أجده،و إن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها،و عليه الفاضل في المختلف و التحرير و المنتهى (6)و غيره (7)؛ أو تقييده بما إذا أذن

ص:25


1- الكافي 3:/520 6،التهذيب 4:/33 85،الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.
2- الكافي 3:/520 5،التهذيب 4:/32 83،الوسائل 9:101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2.
3- منهم الطوسي في النهاية:176،و ابن إدريس في السرائر 1:445،و السبزواري في الذخيرة:426.
4- النهاية:312.
5- المدارك 5:38،الذخيرة:426،الحدائق 12:40.
6- المختلف:174،التحرير:58 59،المنتهى 1:477.
7- الفاضل المقداد في التنقيح 1:299،و السبزواري في الذخيرة:423،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:194.

له المقترض،و إلّا فلا،كما عليه الشهيد (1)و حملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على الصورة الأُخرى.

قيل:مع أن الزكاة تابعة للملك،و المقترض قد ملك،و الشرط غير لازم،لأنّه شرط للعبادة على غير من تجب عليه (2).

و يضعّف:بأنّ الزكاة و إن كانت من قبيل العبادة من جهةٍ،إلّا أنّها من قبيل الدَّين من اخرى،و لذا تبرأ ذمّة من تجب عليه إذا أُخرجت عنه تبرّعاً، و لو روعي فيها الجهة الأُولى لم تبرأ الذمة عنها مطلقاً (3)،و هو خلاف ما اتّفق عليه القائل و غيره،و دلّت عليه الرواية.

و إذا تمهّد هذا أمكن توجيه الاستدلال بها على مختار النهاية،بأنّ يقال:لا ريب في دلالتها على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته و لو تبرّعاً،و حيث جازت صحّ اشتراطها و لزم،لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط السائغة،و هذا منها كما عرفته.

هذا مضافاً إلى التأيّد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة، كالصحيح:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا و كذا ألف دينار،و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» (4)الحديث،و نحوه آخر (5).

و الرضوي:« فإن بعت شيئاً و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري

ص:26


1- الدروس 1:231.
2- قال به العلّامة في المختلف:174.
3- و لو تبرّعاً.
4- الكافي 3:/524 2،علل الشرائع:/375 2،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.
5- الكافي 3:/524 1،الوسائل 9:174 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 2.

زكاة سنةٍ أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك» (1).

و حكي الفتوى به عن الصدوقين (2)،و عليه فيقوّى القول بالسقوط.

اللّهُمَّ إلّا أن يقال (3):إنّ مقتضى الأدلة المزبورة لزومها على المشروط عليه من باب الشرط لا أصالةً،و هو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يَفِ المشروط عليه بالشرط.

توضيحه: أنّه لا ريب أنّ الزكاة إنّما تجب في العين و على مالكها، و مقتضاه لزوم إخراجها عليه دون غيره،لكن لما ثبت بالنصّ و الفتوى جواز الإخراج عنه تبرّعاً قلنا به و بجواز اشتراطه،لكنّ المشروط حينئذٍ تفريغ ذمّة المالك عن الزكاة لا تعلّقها بذمّة المشروط عليه بمجرّد الشرط ابتداءً، بحيث لم يكلّف الشارط بها أصلاً،حتى لو لم يَفِ المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلّفاً بها،كما توهمه عبارة النهاية و نحوها،و إن هو إلّا كاشتراط المديون أداء دينه لزيد على عمرو في معاملة له معه،و لا ريب أنّ بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف على الأداء،إن حصل برِئ و إلّا فلا.و فائدة الشرط إنّما هي [هو] تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا،و بعبارة أخرى:أنّ فائدة الشرط تعيّن الإبراء على المشروط لا براءة الشارط عنها ابتداءً.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الظاهر لزوم الشرط،لكن يتوقف براءة ذمّة المالك على الوفاء.فإن أراد الشيخ و مَن ضارعه من السقوط عن المستقرض و نحوه السقوط بهذا المعنى أي مراعى متزلزلاً إلى حين الوفاء فمرحباً،و إلّا فلم أعرف له مستنداً.

ص:27


1- فقه الرضا(عليه السلام):198،المستدرك 7:84 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 1.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:174،و الصدوق في المقنع:53.
3- كما في المسالك 1:55.

و اعلم:أنّ وجوب زكاة القرض على المقترض إنّما هو إن قبضه و تركه بحاله حولاً عنده و لو اتّجر به قبله استحب له زكاته، بناءً على استحبابها في مال التجارة.

الثاني فيما تجب فيه و ما تستحب

اشارة

الثاني:فيما تجب فيه الزكاة و ما تستحب أعلم:أنّها تجب في الأنعام الثلاثة و هي الإبل و البقر و الغنم، و في الذهب و الفضّة،و في الغلّات الأربع و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،و لا تجب فيما عداها أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافّة،كما في المنتهى (1)و عن التذكرة (2)،و قريب منهما الغنية (3)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة (4).

و أما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا،كما صرّح به جماعة من أصحابنا،كالناصرية و الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و غيرها (5)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا (6)،و ما يخالفها بظاهره محمول على الاستحباب قطعاً.

و تستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن من الحبوب كالسمْسِم و الأرُزّ و الدخْن و الحِمَّص و العدس و أشباهها عدا الخضر من

ص:28


1- المنتهى 1:473.
2- التذكرة 1:205.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
4- الوسائل 9:53 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه ب 8.
5- الناصرية(الجوامع الفقهية):241،الانتصار:75،الخلاف 2:54 و 61 و 77،الغنية(الجوامع الفقهية)566،المنتهى 1:473؛ و انظر الدروس 1:228.
6- الوسائل 9:61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9.

بقل و قِثّاء و بطّيخ وكل شيء يفسد من يومه،كما في المعتبرة المستفيضة (1).

و ظاهر جلّها أو كلّها و إن كان الوجوب كما عن يونس و الإسكافي (2)-، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب،كما عليه الأصحاب؛ جمعاً بينها و بين ما مرّ من الأدلّة على عدم الوجوب إلّا في التسعة.

و يمكن حمل هذه على التقيّة؛ لموافقتها لمذهب جمهور العامة،كما في الذخيرة (3)،و يومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار،و فيه بعد ذكره عليه السلام:« وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الزكاة في التسعة و عفا عمّا عداها»:فقال السائل:و الذرّة؟فغضب عليه السلام،ثم قال:« كان و اللّه على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله السماسم و الذرّة و الدخْن و جميع ذلك» فقال:إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و إنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك،فغضب و قال:« كذبوا،فهل يكون إلّا العفو عن شيء قد كان؟!لا و اللّه ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا،فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» (4).

و على هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الإجماع،كما في المدارك (5)،مضافاً إلى الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف.

ص:29


1- الوسائل 9:66 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11.
2- حكاه عن يونس في الكافي 3:509 ذيل الحديث 2،و عن الإسكافي في المختلف:180.
3- الذخيرة:430.
4- معاني الأخبار:/154 1،الوسائل 9:54 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 3.
5- المدارك 5:48.

و يدخل فيما تستحبّ فيه:السلت و العَلس على المشهور؛ للأصل، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير و الحنطة،كما يستفاد من المعتبرة (1)و فيها الصحيح و غيره (2).

خلافاً للشيخ (3)و جماعة (4)،فأوجبوا فيهما الزكاة،بدعوى أنّ الأوّل من نوع الأوّل و الثاني من الثاني،كما يستفاد من بعض أهل اللغة (5).

و فيها:أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغير،مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة (6).و لو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الإطلاق،و ينبغي الاقتصار فيه على المتبادر،و الرجوع في غيره إلى حكم الأصل و هو العدم.

و حكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلّات الأربع،في اعتبار النصاب و غيره من الشرائط،و تعيين المُخْرَج من العُشر و نصفه و نحو ذلك، بلا خلاف كما في المنتهى (7).

و في وجوبها في مال التجارة أو استحبابها مع استجماعه

ص:30


1- و هي و إن اختصّت بالسلت،إلّا أنه قد يلحق به العكس في المغايرة،لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاً لا وضعاً و لا حكماً.منه رحمه اللّه.
2- الوسائل 9:62 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 3،4.
3- الخلاف 2:65،المبسوط 1:217.
4- كالعلّامة في القواعد 1:55،و الشهيد الثاني في المسالك 1:56.
5- انظر الصحاح 1:253،و القاموس 1:156،و مجمع البحرين 2:205 و 4:88.
6- حكاه في مجمع البحرين فقال في العكس:و قيل هو مثل البُر إلّا أنه عسر الاستنقاء،و قيل هو العدس(4:88)و قال في السلت:و عن الأزهري أنه قال هو كالحنطة في ملاسته و كالشعير في طبعه و برودته فتدبر(2:205)منه رحمه اللّه.
7- المنتهى 1:510.

الشرائط المعتبرة فيه (1) قولان،أصحّهما الاستحباب وفاقاً للأكثر،بل عليه عامّة من تأخّر بل و من تقدّم عدا ظاهر الصدوقين (2)؛ لشبهة الأمر بهما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة هنا (3)و في مال اليتيم و المجنون و غيرهما (4).

و حمله الأصحاب على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين ما دلّ على نفي الزكاة صريحاً،و منه مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة على نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من النصوص و الأُصول و الإجماعات المحكية خصوص الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال عثمان:كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول،فقال أبو ذر:أما ما يتّجر به أو دير أو عُمل به فليس فيه زكاة،إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً،فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة.فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فقال:القول ما قاله أبو ذر» فقال أبو عبد اللّه لأبيه:« ما تريد إلّا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم و مساكينهم؟» فقال له أبوه:« إليك عنّي لا أجد منها بدّاً» (5).

ص:31


1- من بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين،و حَوْل الحول عليه،و إبقائه لطلب الربح أو رأس المال و بقاء عين السلعة،كما يستفاد من المعتبرة.منه رحمه اللّه.
2- حكاه عنهما في المختلف:179،و انظر الفقيه 2:11،و المقنع:52.
3- الوسائل 9:70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13.
4- الوسائل 9:87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2،3.
5- التهذيب 4:/70 192،الإستبصار 2:/9 27،الوسائل 9:74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 1.

و تحتمل الحمل على التقيّة كما صرّح به جماعة (1)،و يومئ إليه هذه الصحيحة.و ظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقاً حتى استحباباً،فيشكل الحكم به،إلّا أنّ الظاهر عدم خلاف فيه،مع أن الأدلّة على جواز المسامحة في أدلّة السنن و الكراهة تقتضيه،مضافاً إلى ما دلّ على رجحان الاحتياط في مثله،و فحوى ما دلّ على الاستحباب في مال اليتيم فهاهنا بطريق أولى.

و تستحبّ في الخيل الإناث السائمة إذا حال عليها الحول، بالنصّ و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (2).

و لا تستحبّ في غير ذلك كالبغال و الحمير و الرقيق للأصل، و المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما،ففي جملة منها:

« ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء» (3)يعني الإبل و البقر و الغنم،و هي و إن عمّت الخيل الإناث،لكنّها خرجت بما مرّ.

و في الصحيح:هل في البغال شيء؟فقال:« لا» فقلت:فكيف صار على الخيل و لم يَصِرْ على البغال؟فقال:« لأنّ البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن،و ليس على الخيل الذكور شيء» فقال،قلت:فما في الحمير؟ قال:« ليس فيها شيء» قال،قلت:هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟فقال:« لا،ليس على ما يعلف شيء،إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مَرْجها (4)عامها الذي يقتنيها فيه الرجل،فأما ما سوى

ص:32


1- كالفيض الكاشاني في الوافي 10:108،و صاحب الحدائق 12:150.
2- كالتذكرة 1:230،و المدارك 5:186،و المفاتيح 1:202.
3- التهذيب 4:/2 2،الإستبصار 2:/2 2،الوسائل 9:80 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 5.
4- المَرْج:الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدوابّ.مجمع البحرين 2:329.

ذلك فليس فيه شيء» (1).

و في آخر:عمّا في الرقيق،فقالا:« ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول» (2)و المراد بصاع التمر ما يخرج عنه في زكاة الفطرة.

و لنذكر ما يختصّ كلّ جنس إن شاء الله تعالى من الشرائط و الأحكام و لنبدأ ب:

القول في زكاة الأنعام
اشارة

القول في زكاة الأنعام الثلاثة.

و النظر فيه تارة يكون في الشرائط و اُخرى في اللواحق، فالشرائط أربعة:

.

الأوّل في النُّصُب

الأوّل:في النُّصُب،و هي في الإبل اثنا عشر نصاباً،خمسة منها كل واحد منها خمس من الإبل و في كل واحد من هذه النصب الخمسة شاة بمعنى أنّه لا يجب شيء فيما دون خمس،فإذا بلغت خمساً ففيها شاة،ثم لا يجب شيء في الزائد إلى أن تبلغ عشراً ففيها شاتان،ثم لا يجب شيء في الزائد إلى أن تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه،ثم في عشرين أربع،ثم في خمس و عشرين خمس.

و لا فرق فيها بين الذكر و الأُنثى على المشهور،بل في السرائر الإجماع عليه (3)،و تأنيثها هنا تبعاً للنصّ بتأويل الدابّة كما قيل (4)،و مثلها الغنم بتأويل الشاة.

فإذا بلغت ستّاً و عشرين ففيها بنت مخاص بفتح الميم،أي بنت

ص:33


1- الكافي 3:/530 2،التهذيب 4:/67 184 بتفاوت يسير،الوسائل 9:78 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 3.
2- الكافي 3:/530 4،الوسائل 9:79 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 1.
3- السرائر 1:448.
4- الشهيد في البيان:292.

ما من شأنها أن يكون ماخضاً أي حاملاً.

فإذا بلغت ستّاً و ثلاثين ففيها بنت لبون بفتح اللام،أي بنت ذات لبن و لو بالصلاحية.

فإذا بلغت ستّاً و أربعين ففيها حِقّة بكسر الحاء،أي ما استحقّت الحمل أو الفحل.

فإذا بلغت إحدى و ستّين ففيها جَذَعة بفتح الجيم و الذال، سمّيت بذلك لأنّها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه.

فإذا بلغت ستّاً و سبعين ففيها بنتا لبون.

فإذا بلغت إحدى و تسعين ففيها حِقّتان،ثم ليس في الزائد شيء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين،ففي كل خمسين حِقّة،و في كل أربعين بنت لبون دائماً أي بلغت ما بلغت؛ كذا في النصوص المستفيضة (1)، و فيها الصحاح و غيرها،و عليه كافّة علمائنا عدا القديمين،فإنّهما أوجبا بنت مخاض في النصاب الخامس (2)،و إن اختلفا في تعيّنها مطلقاً إلى السابع،كما عليه العماني،و يلزمه سقوط السادس؛ أو تعيّنه في السادس مطلقاً و في الخامس اختياراً،و مع العجز عنها فما عليه أصحابنا (3).

و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و الخلاف (4)و غيرها من كتب الجماعة (5)

ص:34


1- الوسائل 9:108 أبواب زكاة الأنعام ب 2.
2- حكاه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد في المختلف:175.
3- من خمس شياه.منه رحمه اللّه.
4- الانتصار:80،الغنية(الجوامع الفقهية):567،الخلاف 2:6.
5- كالمدارك 5:53،و الذخيرة:433،و المفاتيح 1:198،و الحدائق 12،43.

و الصحيحة الدالة على الأوّل (1)مؤوّلة،أو محمولة على التقيّة،لموافقتها لمذهب الجمهور،كما صرّح به جماعة (2)،و يفهم من بعض الأخبار الصحيحة (3)،لكن ربما ينافيه (4)سياقها،بناءً على تضمّنه ما لا يقول به أحد من العامة و لا من الخاصة،فيتعيّن التأويل بما ذكره شيخ الطائفة (5)،و إن كان بعيداً غايته،جمعاً بين الأدلّة؛ مع أنّها مرويّة في الوسائل عن معاني الأخبار بما يوافق المشهور،إلّا أنّه قال:على ما في بعض النسخ الصحيحة (6).

و الصدوقين،فبدّلا النصاب العاشر (7)بالإحدى و الثمانين (8)، و المرتضى رحمه الله في الانتصار،فبدّل النصاب الأخير فجعله مائة و ثلاثين، قال:فإذا بلغت ففيها حقّة واحدة و ابنتا لبون (9).

و مستندهما مع ندرتهما أيضاً و مخالفتهما لجميع ما مضى من الأدلّة

ص:35


1- الكافي 3:/531 1،التهذيب 4:/22 55،الإستبصار 2:/20 59،الوسائل 9:111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.
2- منهم:الشيخ في التهذيب 4:23،و العلّامة في التذكرة 1:206،و الفيض في المفاتيح 1:198.
3- الكافي 3:/532 2،التهذيب 4:/21 53،الإستبصار 2:/19 57،الوسائل 9:110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.
4- أي الحمل على التقية.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 4:23.قال:قوله عليه السلام:فإذا بلغت خمساً و عشرين ففيها ابنة مخاض،يحتمل أن يكون أراد:و زادت واحدة،و إنما لم يذكر في اللفظ لعلّه بفهم المخاطب ذلك.
6- معاني الأخبار:/327 1،الوسائل /9 112 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 7.
7- و هو الست و السبعون.منه رحمه اللّه.
8- الهداية:24،حكاه عن والده في المختلف:176.
9- الانتصار:81.

نصّاً و فتوى (1)غير واضح،عدا الرضوي للأوّل (2)،و الإجماع المحكي للثاني.

و هما كما ترى لا يقاومان شيئاً ممّا مضى،فضلاً عن جميعها،و لا سيّما الثاني،فقد ادّعى القائل به في الناصرية الإجماع على خلافه (3)، كالحلّي مصرّحاً (4)هو و الفاضل في المختلف (5)برجوعه فيها عما ذكره في انتصاره.

و هل التقدير بالأربعين و الخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقاً،كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى كما قيل (6)،أم إذا حصل الاستيعاب بكلّ منهما و إلّا فالواجب التقدير بالأكثر استيعاباً منهما حتى لو كان التقدير بهما معاً وجب،كما هو ظاهر المنتهى (7)و غيره (8)و صريح الشهيد الثاني و المحقق الثاني (9)؟وجهان،بل قولان:

ممّا عرفت للأول من إطلاق النصّ بل ظهور جملة منه صحيحة في جواز التقدير بالخمسين في المائة و العشرين و واحدة.

ص:36


1- أي الإجماعات المحكية.منه رحمه اللّه.
2- فقه الرضا(عليه السلام):197،و فيه ذكر النصاب العاشر بما يوافق المشهور،نعم،في الطبع الحجري منه(ص 22)بُدّل بالإحدى و الثمانين؛ المستدرك 7:59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
3- الجوامع الفقهية:241.
4- السرائر 1:449.
5- المختلف:176.
6- انظر جامع المقاصد 3:15،و المدارك 5:58.
7- المنتهى 1:480.
8- كالمحقق في المعتبر 2:501.
9- الشهيد الثاني في المسالك 1:52،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:15.

و من أنّ التقدير بها فيها يوجب حِقّتين مع أنهما واجبتان فيما دونها فلا فائدة في جعلها نصاباً آخر.و فيه نظر؛ لإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة،لا القيمة و التخيير بينهما،مضافاً إلى فائدة أُخرى في نصاب الغنم مشهورة (1)، فالقول الأوّل لعلّه أقوى و إن كان الثاني أحوط و أولى،سيّما مع ورود ما يناسبه في البقر نصّاً (2)و فتوى من غير إشكال فيه في شيء منهما.

ثم هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين جزء من النصاب،أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريطٍ شيء،كما لا يسقط في الزائد عنها مما ليس بجزء؟وجهان،بل قولان:من اعتبارها نصّاً الموجب للجزئيّة،و من إيجاب الفريضة في كل خمسين و أربعين الظاهر في خروجها و لعلّ هذا أقوى؛ لقوّة وجهه و ضعف مقابله،لأعمّية اعتبارها من كونها جزءاً أو شرطاً،فلا يعارض ما دلّ على الثاني خصوصاً.

و في البقر نصابان الأوّل ثلاثون و فيها تَبيع حَولي أو تبيعة و الثاني أربعون،و فيها مسنّة و لا يجزي المسنّ إجماعاً.

و هكذا أبداً يعتبر بالمطابق من العددين،و بهما مع مطابقتهما،كالستين بالثلاثين،و السبعين بهما معاً،و الثمانين بالأربعين،و يتخيّر في المائة و العشرين.

كلّ ذلك بالنصّ (3)و الإجماع الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (4)،إلّا التخيير بين التبيع و التبيعة،فلم يذكره العماني و لا الصدوقان،

ص:37


1- راجع ص 2300.
2- الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
3- الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4.
4- كالمنتهى 1:488،و نهاية الإحكام 2:328،و مفاتيح الشرائع 1:199،و الحدائق 12:54.

و إنّما ذكروا التبيع خاصة (1)،كما هو مورد نصوص المسألة،إلّا أنّ ظاهر باقي الأصحاب الإطباق على التخيير،حتى نحو الحلّي و ابن زهرة (2)ممّن لا يعمل إلّا بالأدلّة القاطعة.

مع أنّ جملة منهم لم يجعلوه محلّ خلاف مشعرين بالإجماع كما في محتمل الخلاف و الغنية (3)و صريح المنتهى (4)و غيرها من كتب الجماعة (5)، حيث ادّعوا الإجماع على مجموع ما في العبارة،فلا بأس بالمصير إليه، سيّما و عن المعتبر نقله لبعض نصوص المسألة مخيّراً بين التبيع و التبيعة (6)، مع إمكان إثباته بالأولوية،لأفضليّة التبيعة من التبيع منفعةً عرفاً و عادةً، فتأمّل.

و في الغنم خمسة نُصُب أو أربع على الاختلاف الذي سيذكر أربعون و فيها شاة،ثم مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان،ثم مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه بلا خلاف في شيء من هذه النُّصُب إلّا من الصدوق في الأوّل فجعله أربعين و واحدة (7)؛ للرضوي (8).

ص:38


1- نقله عنهم في المختلف:177.
2- السرائر 1:450،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
3- الخلاف 1:19،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- في المنتهى نفى الخلاف عنه في موضع آخر صريحاً فقال:لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين،للأحاديث و لأنها أفضل بالدرّ و النسل.منه رحمه اللّه.المنتهى 1:488.
5- كالعلّامة في التذكرة 1:209،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:199،و صاحب المدارك 5:58.
6- المعتبر 2:502.
7- كما في المقنع:50.
8- فقه الرضا(عليه السلام):196،المستدرك 7:63 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 3.

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر (1)، و الرضوي معارض بأجود منه سنداً و عدداً و عملاً.

فإذا بلغت ثلاثمائة و واحدة فروايتان صحيحتان (2)،و قولان أشهرهما كما هنا و في الشرائع و عن المعتبر و في الروضة (3)و غيرها (4) أنّ فيها أربع شياه،حتى يبلغ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة و ما نقص فعفو و هي مع ذلك مخالفة لما عليه أصحاب المذاهب الأربعة،كما عن التذكرة (5)و في غيرها من كتب الجماعة (6)،و قد ادّعى الإجماع عليه في صريح الخلاف و ظاهر الغنية (7).

و الرواية الثانية أنّ فيها ثلاث شياه،و عليه من القدماء جماعة (8).

و هي ليست بصريحة،فإنّ فيها بعد النصاب الثالث:فإنّ فيه ثلاثاً من الغنم إلى ثلاثمائة،فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة.و الكثرة و إن كانت تتحقق بالواحدة،إلّا أنّه يمكن تقييدها بما إذا بلغت أربعمائة،و يكون

ص:39


1- انظر الخلاف 2:21،و الغنية(الجوامع الفقهية):568،و المنتهى 1:489.
2- الاُولى:الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/25 58،الإستبصار 2:/22 61،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1.الثانية:التهذيب 4:/25 59،الإستبصار 2:/23 62،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.
3- الشرائع 1:143،المعتبر 2:503،الروضة 2:19.
4- انظر الكافي في الفقه:167.
5- التذكرة 1:210.
6- انظر الذخيرة:435،مرآة العقول 16:63،الحدائق 12:59.
7- الخلاف 2:21،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
8- منهم:المفيد في المقنعة:238،و أبو الصلاح في الكافي ف الفقه:167،و ابن البراج في المهذب 1:165،و ابن حمزة في الوسيلة:125.

النصاب الرابع مسكوتاً عنه.

و هو و إن بَعُد إلّا أنّه لا بأس به،جمعاً بين الأدلّة،و حذراً من اطراح تلك الصحيحة مع ما هي عليه من الرجحان بالمرجّحات المتقدمة،بخلاف هذه فإنّها بطرف الضد من تلك،و مع ذلك فقد حملها جماعة على التقيّة (1)،لما عرفته،و بنحو ذلك يجاب عن الرضوي الموافق لها هنا،مع تضمّن صدره في النصاب الأول ما يخالف الإجماع كما مرّ.و أما الأصل فلا حجيّة فيه بعد قيام الدليل على خلافه.و بما ذكرنا اندفع حجج القول الثاني.

و الثمرة في هذا الاختلاف واضحة،و هي وجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة على المختار،و ثلاث على غيره.

نعم هنا سؤال و جواب مشهوران،و هو:أنّه إذا وجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة فما الفائدة في جعلهما نصابين؟و ينسحب مثله في المائتين و واحدة و الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر.

و الجواب: أنّها تظهر في موضعين،الوجوب و الضمان.

أمّا الأوّل: فلأنّ محله في الأربعمائة مثلاً مجموعها،و في الثلاثمائة و واحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة و واحدة خاصّة،فهو عفو،فهذا أحد وجهي الفائدة.

و أما الثاني: فلأنّه لو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة،و لو كان محلّ الفريضة ناقصاً عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شيء ما دامت

ص:40


1- منهم صاحب الحدائق 12:61.و المدارك 5:63.

الثلاثمائة و واحدة باقية،لأنّ الزائد عفو.

و لا تخلوان عن مناقشة (1).

و اعلم أنّه تجب الفريضة في كلّ واحد من النُّصُب في الأنعام على حسب ما فصّل فيها و لا تتعلّق بما زاد لأنّ ذلك ممّا يتعلّق بتقدير النصب معنىً و فائدةً،و في الصحيح:و ليس على النيّف شيء (2).

و قد جرت العادة من الفقهاء بتسمية ما لا تتعلّق به الزكاة من الإبل شَنَقاً بفتح الشين المعجمة و النون و من البقر وَقَصاً بالتحريك و من الغنم عفواً و المستفاد من كلام أكثر أهل اللغة ترادف الأوّلين و كونهما بمعنى واحد،و هو ما بين الفرضين في الزكاة مطلقاً (3)،و في مجمع البحرين عن بعضهم ما عليه الفقهاء (4).

الشرط الثاني السوم

الشرط الثاني:السوم طول الحول،بالنصّ (5)و الإجماع فلا تجب الزكاة في المعلوفة و لو في بعض الحول إجماعاً إذا كان غالباً

ص:41


1- أما الاُولى:فلأن اختلاف المحل ممّا لا يترتب عليه حكم شرعي في هذا المحل عدا ما نذكر في الفائدة الثانية و هي على تقدير تماميتها فائدة أُخرى،و إذا لم يترتب عليه حكم شرعي كان مجرّد اختلاف عبارة و هي ليست بفائدة.و أما الثانية:فلما ذكره جماعة من المنع عن عدم سقوط شيء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة،لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين و إن كان الزائد على النصاب عفواً،إذ لا منافاة بينهما،كما لا يخفى على المتأمّل.منه رحمه اللّه.
2- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/22 55،الإستبصار 2:/20 59،الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
3- أي في الأنعام الثلاثة.منه رحمه اللّه.
4- مجمع البحرين 5:197.
5- الوسائل 9:118 أبواب زكاة الأنعام ب 7.

أو مساوياً.و في الأقلّ أقوال،أجودها:الإلحاق بغيره إن لم يصدق السوم طول الحول عرفاً،و بالسائم طوله حقيقةً إن صدق،وفاقاً لأكثر المتأخّرين (1)؛ لعدم النصّ،و وجوب الرجوع إلى العرف المحكّم في مثله.

خلافاً للشيخ،فأطلق إلحاق الأوّل بالثاني (2).و للماتن،فعكس (3).

و هما غير ظاهري الوجه،إلّا بعض الوجوه الاعتبارية التي هي مع معارضتها بعضاً مع بعض لا تصلح للحجيّة.

و لا فرق في العلف بين أن يكون لعذرٍ أو غيره،و لا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها أو بالمالك أو بغيره،من دون إذن المالك أو بإذنه،من مال المالك أو غيره؛ وفاقاً لجماعة (4).

خلافاً للمحكي عن التذكرة (5)و غيره (6)،فاستقرب وجوب الزكاة لو علّفها الغير من ماله لعدم المئونة.

و فيه:أن العلّة غير منصوصة،بل مستنبطة،فلا تصلح مقيِّدةً لإطلاق ما دلّ على نفي الزكاة في المعلوفة.

و لو اشترى مرعى فالظاهر أنه علف،بخلاف ما لو استأجر الأرض للرعي،أو صانع الظالم على الكلاء المباح بشيء،وفاقاً للشهيدين (7)

ص:42


1- كالعلّامة في التذكرة 1:205،و الشهيد الثاني في روضة البهية 2:22،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:196،و صاحب الحدائق 12:79.
2- كما في المبسوط 1:169،و الخلاف 2:53.
3- الشرائع 1:144.
4- منهم الشهيد الأوّل ف الدروس:59،و الشهيد الثاني في الروضة 2:22،و صاحب الحدائق 12:80.
5- التذكرة 1:205.
6- كالشهيد الثاني في المسالك 1:53.
7- الدروس:59،الروضة 2:22.

و غيرهما (1)في المقامين.

الشرط الثالث الحول

الشرط الثالث: الحول بالنصّ (2)و الإجماع و هو هنا اثنا عشر هلالاً فيتعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر و إن لم تكمل أيّامه إجماعاً،و للصحيح:« إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة» (3).

و هل يستقرّ الوجوب بذلك،حتى أنّه لو دفع الزكاة بعد دخوله ثم اختلّ أحد الشروط فيه لم يرجع،أم يتوقف على تمامه؟وجهان:

من ظاهر الصحيح و الفتاوى.

و من أنّ غايتهما إفادة الوجوب بدخوله و حول الحول به.و الأوّل أعمّ من المستقرّ و المتزلزل،و الثاني ليس نصّاً في الحول الحقيقي،فيحتمل المجازي للقرب من حصوله،و هو و إن كان مجازاً لا يُصار إليه إلّا بالقرينة، إلّا أنّ ارتكابه أسهل من حمل الحول المشترط في النصّ المتواتر و الفتوى مثله الذي هو حقيقة في اثني عشر شهراً كاملة عرفاً و لغةً على الاثني عشر هلالاً ناقصة.

و لو سلّم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين لا يمكن الترجيح بينهما،فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل،و هو عدم الاستقرار.

و الأوّل أحوط،بل لعلّه أظهر؛ لقوّة دليله مع ضعف ما مرّ في جوابه.

فالأوّل: بأن الظاهر من الوجوب حيثما يطلق بحكم التبادر هو

ص:43


1- كصاحب المدارك 5:70.
2- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
3- الكافي 3:/525 4،التهذيب 4:/35 92 و منهما عن أبي جعفر عليه السلام،الوسائل 9:163 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 2.

المستقرّ دون المتزلزل.و حمل الحول على ما مرّ مجاز،و الأصل الحقيقة.

و يمنع عن المعارضة بأنّ ذلك المجاز (1)لا بُدّ من ارتكابه و لو في الجملة (2)،إذ لا خلاف في الخروج عن حقيقة تلك النصوص و الفتاوى، و هو عدم وجوب شيء قبل حول الحول و تمامه،و هو مخالف للإجماع و الصحيح الماضي إن حمل الوجوب فيها على مطلقه،و إن حمل على المستقرّ فهو مجاز أيضاً و تقييد للعام و لو بزعم المخالف من غير دليل.

و مجرّد الجمع بينها و بين الصحيح هنا بحمل الوجوب فيه على المتزلزل ليس بدليل بعد خلوّه عن الشاهد،مع أنّه (3)ليس بأولى من حمل الحول فيها على الشرعي.

و بالجملة: لا ريب أن الصحيح هنا أخصّ من تلك النصوص و الفتاوى،و لذا خولف به ظاهرها و لو في الجملة إجماعاً،فارتكاب التجوّز المتقدم فيها أولى من ارتكابه فيه جدّاً،و لذا إنّ شيخنا الشهيد الثاني الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني اعترف بدلالة الصحيح على خلافه،إلّا أنّه ذبّ عنه بالتأمّل في سنده (4)؛ و ليس أيضاً في محلّه،كما قرّر في محله.

نعم ربما يستفاد من جملة من المعتبرة اعتبار كمال السنة، كالصحيح:« لمّا أُنزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها [1] (5) [و أُنزلت في شهر رمضان]أمَرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مناديه

ص:44


1- و هو حمل الحول في تلك النصوص و الفتاوي باشتراطه في الوجوب على الحول الشرعي و هو الدخول في الثاني عشر.منه رحمه اللّه.
2- أي بالنسبة إلى أصل تعلق الوجوب.منه رحمه اللّه.
3- أي تقييد الوجوب بالمستقر.منه رحمه اللّه.
4- كما في الروضة 2:23،و المسالك 1:53.
5- التوبة:103.

فنادى في الناس:أن اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة» إلى أن قال:« لم يتعرّض بشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا،فأمَرَ مناديه فنادى في الناس:أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» (1)الحديث.

و الموثق:السخْل متى تجب فيه الصدقة؟قال:« إذا أجذع» (2)أي دخل في السنة الثانية.

و الجواب عنهما و إن أمكن إلّا أنّه لا يخلو عن بُعدٍ.

و يستفاد من الرواية الأخيرة كغيرها من المعتبرة (3)،و فيها الصحيح، مضافاً إلى الإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (4)،و عموم ما دلّ على أنّ كل ما لم يَحُل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه (5)أنّه ليس حول الأُمّهات حول السخال،بل يعتبر فيها بانفرادها الحول كما يعتبر في الأُمّهات هذا إن كانت نصاباً مستقلا بعد نصابها،كما لو ولدت خمسٌ من الإبل خمساً،أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين.

أمّا لو كان غير مستقلّ ففي ابتداء حوله مطلقاً كما عن محتمل

ص:45


1- الكافي 3:/497 2،الفقيه 2:/8 26،الوسائل 9:9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1،و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 3:/535 4،الفقيه 2:/15 39،الوسائل 9:123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3؛ السخْلة:ولد الشاة من المعز و الضأن،ذكراً كان أو أُنثى،و الجمع:سَخْل و سِخال و سِخَلة.لسان العرب 11:332.
3- الوسائل 9:122 أبواب زكاة الأنعام ب 9.
4- كالخلاف 2:35،و المنتهى 1:491،و المدارك 5:76.
5- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

المعتبر (1)،أو مع إكماله للنصاب الذي بعده كما استقر به في المنتهى (2)أوّلا،أو عدم ابتدائه حتى يكمل الأوّل فيجزي الثاني لهما،أوجه و أقوال، أجودها الأخير،وفاقاً لجماعة من المتأخّرين (3).

فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شيء؛ للأصل،و عموم ما دلّ على أن الزائد عن النصاب عفو (4).

و على الأوّل فشاة عند تمام حولها؛ لعموم:« في أربعين شاة شاة» (5)و هو مع اختصاصه بالنصاب المبتدأ بحكم التبادر و فحوى الخطاب بل و الإجماع معارض بما مرّ من العموم المترجّح على هذا بعد تسليم تكافئهما بالأصل.

أو ثمانون فولدت اثنتين و أربعين فشاة للأُولى خاصة،ثم يستأنف حول الجميع بعد تمام الأوّل.

و على الأولين تجب اخرى عند تمام حول الثانية؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة في النصاب الثاني لو ملكه،و هو مخصّص بما دلّ على أنّه لا شيء في الصدقة،من الصحيح و غيره (6)،بناءً على وجوبها في الأُمّهات بعد حولها قطعاً،و للعمومات.

فإذا وجبت فيها (7)امتنع ضمّها إلى السخال في حولها؛ لما مضى،

ص:46


1- المعتبر 2:507.
2- المنتهى 1:490.
3- كالشهيد الأوّل في الدروس 1:232،و الشهيد الثاني في المسالك 1:52 و صاحب المدارك 5:77،و المحقق السبزواري في الذخيرة:432.
4- الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
5- الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
6- نهاية ابن الأثير 1:224،و روى مفاده في صحيحة زرارة،انظر الوسائل 9:100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.
7- أي في الأُمهات.منه رحمه اللّه.

و لذا رجع عما اختاره في المنتهى أخيراً (1).

و هل مبدأ حول السخال غناؤها بالرعي،ليتحقّق السوم المشترط في إطلاق النصّ و الفتوى كما مضى،أو نتاجها كما في المعتبرة و فيها الصحيح و غيره (2)،أم التفصيل بارتضاعها من معلوفة فالأوّل أو سائمة فالثاني،جمعاً بين الدليلين؟أقوال،خيرها أوسطها،وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ و الإسكافي و من تبعهما (3)،بل في المختلف و المسالك دعوى كونه مشهوراً (4)؛ لأنّ ما دلّ عليه أقوى دلالةً،فيخصّ به عموم الدليل الأوّل.و يندفع به الثالث؛ لأن الجمع به أقرب منه و بالأُصول أوفق،فتأمّل.

و اعلم:أنّ المعتبر حَوْل الحول على العين و هي مستجمعة للشرائط المتقدمة،فلو حال عليها و هي مسلوبة الشرائط أو بعضها كأن كانت دون النصاب لم تجب فيها.

و حينئذٍ لو تمّم ما نقص عن النصاب في أثناء الحول استأنف حوله من حين تمامه و كذا لو حصلت باقي الشرائط بعد فقدها يستأنف لها الحول بعد حصولها.

و لو ملك مالاً آخر كان له حول بانفراده إن كان نصاباً مستقلا بعد النصاب الأوّل،و إلّا ففيه الأوجه الماضية،و المختار منها ما عرفته.

و لو ثلم النصاب فتلف بعضه،أو اختلّ غيره من الشرائط (5)

ص:47


1- المنتهى 1:491.
2- الوسائل 9:122 أبواب زكاة الأنعام ب 9.
3- الخلاف 2:22،النهاية:183،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:175؛ و انظر الوسيلة:126.
4- المختلف:175،المسالك 1:52.
5- كأن عووض نفسها مطلقاً أو خرج عن الملك و نحو ذلك.منه رحمه اللّه.

قبل تمام الحول الشرعي أو اللغوي على الاختلاف الماضي سقط الوجوب يعني لا تجب الزكاة بعد حوله عليه كذلك (1)مطلقاً و إن قصد بالثلم الفرار من الزكاة.

و لو كان نحو الثلم بعد تمام الحول لم يسقط أمّا عدم السقوط حيث يكون الثلم بعد الحول فهو موضع نصّ و وفاق (2)،و كذلك السقوط به قبله مع عدم قصد الفرار.و أمّا مع قصده فمحلّ خلاف،و ما اختاره الماتن هو الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل لا خلاف فيه أجده إذا كان الثلم بالنقص،بل على السقوط حينئذٍ الإجماع في الخلاف (3).و يظهر منه و من غيره (4)اختصاص الخلاف بما إذا كان الثلم بتبديل النصاب أو بعضه بغيره،من جنسه أو غيره.

و سيأتي الكلام في هذه المسألة في بحث زكاة الذهب و الفضة (5).

ثم إنّ ما ذكرناه من الإجماع على السقوط بالثلم قبل الحول لا بقصد الفرار إنّما هو فيما إذا كان بالنقص أو التبديل بغير الجنس،و إلّا فقد خالف فيه الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،لكنّه شاذّ محجوج بالأصل،و عموم ما دلّ على أنّ ما لم يَحُل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه (7)،مع

ص:48


1- أي مثلوماً أو مختلّ الشرائط.منه رحمه اللّه.
2- ادّعاه جماعة من الأصحاب كالحلّي في السرائر(1:442)و الفاضل في جملة من كتبه(كالمنتهى 1:495)و غيرهما.منه رحمه اللّه.
3- الخلاف 2:56.
4- الخلاف 2:57:و انظر المنتهى 1:495.
5- في ص:2327.
6- المبسوط 1:206،الخلاف 2:57.
7- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

سلامتهما عما يصلح للمعارضة.

الشرط الرابع أن لا تكون عوامل

الشرط الرابع: أن لا تكون عوامل بالنصّ (1)و الإجماع.و ما يخالفه (2)فشاذّ محمول على الاستحباب أو التقية،لكونه مذهب بعض العامة (3).

و المعتبر فيه الصدق العرفي طول الحول،و لا يقدح النادر الغير المنافي له،كما مرّ في السوم.

اللواحق

و أما اللواحق فمسائل أربع:

الأُولى الشاة المأخوذة في الزكاة

الاُولى الشاة المأخوذة في الزكاة أقلّها الجذع مطلقاً (4) أقلّها الذي لا يجزي دونه الجَذَع بفتحتين من الضأن،أو الثنِيّ من المعز على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يعرف،و لا ينقل إلّا في الشرائع،فقد حكى فيه القول بكفاية ما يسمّى شاة (5)،و القائل به غير معروف و لا منقول،فهو نادر،بل على خلافه الإجماع في الغنية و الخلاف (6)؛ و هو الحجة.

مضافاً إلى النبوية المنجبرة سنداً و دلالةً بالشهرة،و فيها:« نُهينا أن نأخذ المراضع،و أُمِرنا أن نأخذ الجَذَعة و الثنِيّة» (7).

ص:49


1- الوسائل 9:118 أبواب زكاة الأنعام ب 7.
2- الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 8.
3- كما في مغني المحتاج 1:380.
4- أي في الإبل و الغنم.
5- الشرائع 1:147.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):568،الخلاف 2:24.
7- سنن النسائي 5:39 30،المغني 2:474 و فيهما بتفاوت و قد نقلها في المعتبر 2:512.

خلافاً لجماعة من أفاضل متأخّري المتأخرين (1)فوافقوا القائل المزبور؛ لإطلاق النصوص و ضعف الرواية و الإجماع المنقول.

و هما كما ترى:أمّا الثاني فلما مضى.و أمّا الأوّل فلعدم معلوميّة انصرافه إلى خلاف ما عليه المشهور،لو لم نقل بتعيّن انصرافه إليه،بل فصاعداً لحكم التبادر و غيره مما دلّ على تعلّق الزكاة في العين و وجوب حول الحول عليها،فلا يكون بعد ذلك إلّا وجوب شاة يكون سنّها سنة لا أقلّ منها،و لكن لما كان لا تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعاً فتوًى و نصّاً تعيّن ما يقرب منها سنّاً.

و اعلم:أنّه قد اختلف كلمة أهل اللغة في بيان سنّ الفريضتين على أقوال في الأُولى،و منها أنّها ما له سنة كاملة،و منها ستّة أشهر،و منها سبعة، و منها ثمانية،و منها عشرة.

و على قولين في الثانية،أحدهما:أنَّها ما دخلت في السّنة الثالثة، و الثاني:ما دخلت في الثانية.

لكن التفسير الأوّل في الفريضتين أشهر بينهم،كما صرّح به في الثانية جماعة (2)،و في الاُولى صاحب مجمع البحرين،بل ذكر أنّه الصحيح بين أصحابنا أيضاً (3).

أقول: بل المستفاد من كلمات مَن وقفت على كلماته في المسألة، كالشيخ في المبسوط،و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة،و الشهيد

ص:50


1- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:77،و السبزواري في الذخيرة 1:436،و صاحب الحدائق 12:66.
2- انظر الذخيرة:437،الحدائق 12:68.
3- مجمع البحرين 4:310.

الثاني في الروضة (1)،و غيرهم (2)،و هو المفهوم من الحلّي (3):أنّها ماله سبعة،و ربما يُحكى عن بعضهم أنّها ستة (4)،و ظاهر هؤلاء التفسير الثاني في الفريضة الثانية،و ادّعى الشهرة عليه جماعة (5).

و ما اختاروه رضوان اللّه عليهم في المقامين أوفق بأصالة البراءة، و لكن الأحوط ما عليه جمهور أهل اللغة تحصيلاً للبراءة اليقينية.

و يجزي الذكر و الأُنثى سواءً كان النصاب كلّه ذكراً أو أنثى أو ملفقاً منهما،إبلاً كان أو غنماً،كان الذكر حيثما ما يدفع في نصاب الغنم الإناث بجميعها بقيمة واحدة منها أم لا،وفاقاً لجماعة و منهم:الشيخ في المبسوط و الفاضل في جملة من كتبه (6)؛ للإطلاقات.

خلافاً للأوّل في الخلاف،فعيّن الأُنثى في الإناث من الغنم مطلقاً (7).

و للثاني في المختلف،ففصّل فيها فجوّز الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها، و منع في غيره (8).

و لعلّ وجهه تعلّق الزكاة بالعين،فلا بُدّ في دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة.

ص:51


1- المبسوط 1:199،التحرير:62،المنتهى 1:491،التذكرة 1:213،الروضة 2:27.
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:305.
3- السرائر 1:448.
4- كما في مفاتيح الشرائع 1:353.
5- الذخيرة:666،مفاتيح الشرائع 1:353،الحدائق 17:90.
6- المبسوط 1:200،و الفاضل في المنتهى 1:83،و التحرير 1:59،و الإرشاد 1:281.
7- الخلاف 2:25.
8- المختلف:192.

و لا يخلو عن مناقشة،فإنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلّا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها،و إلّا لما تصوّر تعلّقها بالإبل،بل و لا الغنم،حيث يجوز دفع الجذعة عنها كما مرّ.و حينئذٍ فننقل الكلام في الفريضة،و هي على ما وصلت إلينا من الشرع من جهة الإطلاق الشاة بقول مطلق،و هو يصدق على الذكر و الأُنثى لغةً و عرفاً.

و بالجملة فما ذكره الماتن و غيره أقوى،و إن كان ما في المختلف أحوط و أولى.

و بنت المخاض هي التي دخلت في السنة الثانية،و بنت اللبون هي التي دخلت في الثالثة،و الحِقّة هي التي دخلت في الرابعة،و الجَذَعة من الإبل هي التي دخلت في الخامسة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بين أصحابنا،و لا بين أهل اللغة.

و التبيع من البقر هو الذي يستكمل سنة و يدخل في الثانية، و المسنّة هي التي تدخل في الثالثة بلا خلاف أجده و لا أحد نقله،بل يفهم الإجماع عليه من جماعة (1)،و لكن الموجود في اللغة في تفسير الأوّل أنّه ما كان في السنة الأُولى (2)،و هو أعم من استكمالها،إلّا أنّه لا إشكال في اعتباره،للإجماع عليه فتوًى و نصّاً،ففي الصحيح:« في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي» (3).

و لا يجوز أن تؤخذ الربّى بضم الراء و تشديد الباء،في

ص:52


1- كالعلّامة في المنتهى 1:487.
2- كما في القاموس 3:8،و الصحاح 3:1190.
3- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/24 57،الوسائل 9:114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

مجمع البحرين:قيل:هي الشاة التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن، و قيل:هي الشاة القريبة العهد بالولادة،و قيل:هي الوالد ما بينها و بين خمسة عشر يوماً،و قيل:ما بينها و بين عشرين يوماً،و قيل:ما بينها و بين شهرين،و خصّها بعضهم بالمعز،و بعضهم بالضأن (1).

أقول: و المشهور بين الأصحاب من هذه التفاسير هو ما عدا الأوّل، و علّلوا المنع بعد اتّفاقهم عليه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (2)تارةً بأنّ فيه إضراراً بولدها،و أُخرى بأنّها مريضة كالنفساء (3).

و الأجود الاستدلال عليه بالموثّق:« و لا تؤخذ الأكولة» و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم« و لا والدة و لا الكبش الفحل» (4).

و قريب منه الصحيح:« ليس في الأكيلة و لا في الرُّبّى التي تربّي اثنين و لا شاة لبن و لا فَحل الغنم صدقة» (5)بناءً على حمله على عدم الأخذ لا عدم العدّ،للإجماع على عدّ الرُّبّى و شاة اللبن،كما في المدارك (6)و غيره (7)،لكن فيه تفسيرها بالتي تربّي اثنين،أو تقييد المنع بها خاصّة، و لا قائل بهما.

ص:53


1- مجمع البحرين 2:65.
2- الحدائق 12:70.
3- كما في المعتبر 2:514،و المنتهى 1:485،و المسالك 1:54.
4- الكافي 3:/535 2،الفقيه 2:/14 38،الوسائل 9:125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 2.
5- الكافي 3:/535 2،الفقيه 2:/14 37،السرائر 3:606،الوسائل 9:124 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 1.
6- المدارك 5:107.
7- مفاتيح الشرائع 1:200.

و هل يجوز أخذها مع رضا المالك بدفعها كما عليه الفاضلان (1)،أم لا كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (2)؟قولان،مبنيّان على الاختلاف في تعليل المنع بما مرّ،فمن علله بالأوّل قال بالأوّل،و من علله بالثاني قال بالثاني.و لا ريب أنّ هذا أحوط،سيّما مع تأيّده بظاهر إطلاق النصّ،لكن ربما يستفاد من المنتهى عدم الخلاف في الأوّل (3).

هذا إذا لم تكن المأخوذة منها جُمَع رُبّى،و إلّا فلم يكلّف غيرها قولاً واحداً.

و لا المريضة كيف كان و لا الهرمة المُسّنة عرفاً و لا ذات العوار مثلّثة العين،مطلق العيب،إجماعاً على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (4)؛ و للصحيح (5)و غيره (6)الواردين في الأخيرين،و يلحق بهما الأوّل،لعدم قائل بالفرق.

و فيهما:« إلّا أن يشاء المصدّق» و لم أَرَ مفتياً بهذا الاستثناء صريحاً.

هذا إذا وُجد في النصاب صحيحٌ في النصاب صحيحٌ مثلاً،فلو كان كلّه مريضاً لم يكلّف شراء صحيحة إجماعاً،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى (7).

و لا تعدّ في النصاب الأكولة بفتح الهمزة،و هي المعدّة

ص:54


1- المعتبر 2:514،التذكرة 1:215.
2- الروضة 2:27.
3- المنتهى 1:485.
4- كالمدارك 5:104،و الحدائق 12:65،و الذخيرة:437.
5- التهذيب 4:/25 59،الإستبصار 2:/23 62،الوسائل 9:116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.
6- التهذيب 4:/20 52،الإستبصار 2:/19 56،الوسائل 9:125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 3.
7- في ص 2317.

للأكل و لا فحل الضراب و هو المحتاج إليه لضرب الماشية عادة،فلو زاد كان كغيره في العدّ.

و الحكم بعدم عدّهما خيرة الماتن هنا،و الفاضل في الإرشاد (1)، و الشهيدين في اللمعة و شرحها (2)؛ لظاهر الصحيح الماضي في الرُّبّى.

خلافاً للأكثر،بل المشهور كما قيل (3)،فيعدّان؛ للإطلاقات،مع قصور الصحيح عن مكافأتها،لقصوره دلالةً بقوة احتمال كون المراد منه عدم الأخذ بقرينة ما مضى،مضافاً إلى التعبير به في الموثق (4)،فيهما و في الرُّبّى،و هو متّفق عليه بيننا،إلّا أن يرضى المالك فيعدّان بلا خلاف،كما في المنتهى (5).

و استقرب في البيان عدم عدّ الفحل (6)،إلّا أن يكون كلها فحولاً أو معظمها،فيعدّ؛ و مستنده غير واضح.

و خير هذه الأقوال أوسطها،مع كونه أحوط و أولى.

المسألة الثانية

الثانية: من وجب عليه سنّ من الإبل و ليست عنده و عنده أعلى منها بسنّ واحد دفعها و أخذ شاتين أو عشرين درهماً،و لو كان عنده الأدون منها بسنّ دفعها دفع و معها شاتين أو عشرين درهماً بلا خلاف أجده إلّا من الصدوقين (7)،فجعلا التفاوت بين بنت المخاض و بنت

ص:55


1- الإرشاد 1:281.
2- الروضة 2:27.
3- الحدائق 12:69.
4- المتقدم في ص:2311.
5- المنتهى 1:485.
6- البيان:292.
7- نقله عن والد الصدوق في المختلف:176،الصدوق في المقنع:49.

اللبون شاة يأخذها المصدّق أو يدفعها؛ للرضوي (1).و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر،كالمنتهى و التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (2)،مضافاً إلى المعتبرة،و فيها الصحيح المروي في الفقيه (3)و غيره (4).

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور،أم زائدة عليها،أم ناقصة،عنها.

و هو مشكل في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدّق لقيمة المدفوع إليه؛ لاختصاص الإطلاق بحكم التبادر و غيره بغيرها.مع أنّ العمل به فيها يوجب عدم وجوب الزكاة،لأنّ المؤدّي لها على هذا الوجه كأنّه لم يؤدّ شيئاً،فعدم الإجزاء فيها في غاية القوّة،كما عليه جماعة (5)حاكين له عن التذكرة.

و احترز بالإبل و السنّ الواحد عمّا عدا أسنان الإبل و السنّ و المتعدّد؛ لعدم الإجزاء،و وجوب القيمة السوقية فيهما.

بلا خلاف في الأوّل كما في التذكرة و غيرها (6)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الفريضة بعينها مع الإمكان و بدلها مع العدم و هو القيمة السوقية كائنة ما كانت على مورد النصّ و الفتوى،و هو سنّ الإبل

ص:56


1- فقه الرضا(عليه السلام):196،المستدرك 7:59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
2- المنتهى 1:483،التذكرة 1:208؛ و انظر مجمع الفائد 4:83،المدارك 5:83،مفاتيح الشرائع 1:201.
3- الفقيه 2:/12 33،الوسائل 9:127 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 1.
4- الكافي 3:/539 7،التهذيب 4:/95 273،الوسائل 9:128 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 2.
5- منهم:صاحب المدارك 5:84،و الحدائق 12:54.
6- التذكرة 1:208،و انظر مفاتيح الشرائع 1:201.

خاصّة.

و عليه أكثر المتأخّرين تبعاً للحلّي (1)في الثاني؛ لعين الدليل الماضي.

خلافاً للمبسوط و المختلف و الحلبي (2)،فيجزي؛ لأمر اعتباري لا يكاد يفرّق بينه و بين القياس الخفيّ،و إن زعم كونه من باب تنقيح المناط القطعي.و نحوه في الضعف القول بالاكتفاء بالجبر بشاة و عشرة دراهم،كما عن التذكرة (3)و شيخنا الشهيد الثاني (4).

و بالجملة: حيث كان الحكم في المسألة مخالفاً للأُصول لزم الاقتصار فيه على مورد الفتاوى و النصوص.

و يجزي ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير جبر مطلقاً (5)،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (6)،و عن التذكرة الإجماع عليه (7)؛ للنصوص المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها:« إن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر» (8).

و هل يجزي عنها مع وجودها الأظهر لا؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ و الفتوى،و هو الإجزاء بشرط عدمها،مع أنّه قضيّة الشرط فيها.

ص:57


1- السرائر 1:435،المعتبر 2:516،المدارك 5:85،الذخيرة:438.
2- المبسوط 1:195،المختلف:177،و الحلبي في الكافي:167.
3- التذكرة 1:208.
4- كما في المسالك 1:53.
5- أي:و إن أمكنه شراؤها.
6- مفاتيح الشرائع 1:200.
7- التذكرة 1:208.
8- الوسائل 9:127 أبواب زكاة الأنعام ب 13.

مع أنّا لم نقف على مصرّح الإجزاء مطلقاً عدا الفاضل المقداد في التنقيح،فقال:الفتوى على الإجزاء مطلقاً اختياراً و اضطراراً،لكونه أكبر منها سنّاً (1).

و فيه:أن الأكبرية سنّاً لا دليل على اعتبارها،و إنّما المعتبر الفريضة الشرعية أو ما يقوم مقامها في الشريعة،و هو هنا ابن اللبون مع فقدها خاصّة،أو مع وجودها أيضاً إن ساوى قيمته قيمتها،أو زادت عليها و جوّزنا إخراج القيمة مطلقاً و الأوّل خارج عن مفروضنا،و الثاني أخصّ من المدّعى (2).

و لو عدمهما معاً تخيّر في شراء أيّهما شاء،كما عليه الشيخ في الخلاف و الفاضلان (3)،معربين عن كونه موضع وفاق بين علمائنا و أكثر العامة العمياء.

خلافاً لبعضهم (4)،فعيّن شراء بنت مخاض،و ربما يظهر من بعضنا وقوع الخلاف فيه بيننا (5).

و لا ريب أن شراءها أحوط و أولى،و إن كان التخيير أظهر و أولى فتوًى،لما مضى،و لأنّه بشراء ابن اللبون يكون له واجداً فيكون عنها مجزياً.

و يجوز أن يدفع عما يجب في النصاب مطلقاً من النعم الثلاثة كان أو غيرها من النقدين و الغلّات من غير الجنس بالقيمة

ص:58


1- التنقيح الرائع 1:306.
2- لأنّ المدّعى جواز إخراج ابن اللبون الذكر عن الفريضة مطلقاً و لو كان قيمته أدون من قيمتها و منعنا عن إخراج القيمة في الأنعام.منه رحمه اللّه.
3- الخلاف 2:11،الفاضلان في الشرائع 1:146،و المنتهى 1:484.
4- المغني لابن قدامة 2:442،بداية المجتهد 1:261.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:53.

السوقية بلا خلاف أجده فيما عدا النعم،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة، و منهم الفاضل في التذكرة (1)؛ للصحيحين (2)و غيرهما (3).

و على الأقوى فيها أيضاً،و هو الأشهر بين أصحابنا،حتى أنّ الشيخ رحمه الله في الخلاف حكى عليه إجماعنا (4)؛ و هو الحجة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،و فتوى من لا يرى العمل إلّا بالأدلّة القطعيّة، كالمرتضى و الحلي (5)مدّعياً في ظاهر كلامه الإجماع عليه أيضاً؛ و بما استدلّ عليه جماعة من أنّ المقصود من الزكاة دفع الخلّة و سدّ الحاجة، و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالفريضة،و أنّ الزكاة إنّما شرّعت جبراً للفقراء و معونةً لهم،و ربما كانت القيمة أنفع في بعض الأزمنة،فكان التسويغ مقتضى الحكمية (6).

هذا مضافاً إلى عموم بعض النصوص،كالمروي في قرب الإسناد:

عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة،فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً،و أرى أنّ ذلك خير لهم،فقال:« لا بأس» (7).

ص:59


1- التذكرة 1:225.
2- الأوّل:الكافي 3:/559 1،الفقيه 2:/16 52،التهذيب 4:/95 271،الوسائل 9:167،أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 1.الثاني:3:/559 2،الفقيه 2:/16 51،التهذيب 4:/95 272،قرب الإسناد:/229 896،الوسائل 9:167 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 2.
3- الوسائل 9:167 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14.
4- الخلاف 2:50.
5- الانتصار:81،السرائر 1:446.
6- الاستدلال موجود في التذكرة 1:225،و المنتهى 1:504.
7- قرب الإسناد:/49 159،الوسائل 9:168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 4.

و الزكاة فيه مطلق يشمل المخرَجة من الأنعام و غيرها،و قد سوّغ عليه السلام إخراجها بالقيمة من غير استفصال،و هو يفيد العموم،كما مرّ في غير مقام،و قصور السند منجبر بما مرّ،مع أنّه موثّق،و هو حجّة على الأظهر.

خلافاً للمفيد،فعيّن الفريضة إلّا مع العجز عنها فالقيمة (1)؛ للأُصول المتقدمة،و هي بما قدّمناه من الأدلّة مخصّصة،هذا.

و لا ريب أن إخراج الجنس أفضل مطلقاً،كما صرّح به الحلّي و غيره (2)؛ لظاهر بعض الأخبار:قلت:أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟قال:« لا يعطيهم إلّا الدراهم،كما أَمَرَ اللّه تعالى» (3).

و في قوله:« كما أمَرَ اللّه تعالى» إشعار بأنّ الزكاة المسئول عن جواز إخراج قيمتها إنّما هو الدراهم،و إلّا فليس المأمور به من اللّه سبحانه في كل جنس إلّا ما يجانسه لا الدراهم مطلقاً،و عليه فقوله عليه السلام:« لا يعطيهم إلّا الدراهم» وارد على زكاتها،و يكون قوله:« كما أمر اللّه تعالى» مشعراً بل ظاهراً في عموم المنع و ثبوته مطلقاً،و ظاهره و إن أفاد المنع و الحرمة لكنّه محمول على الكراهة جمعاً بين الأدلّة.

و يتأكّد الإخراج من الجنس في النعم خروجاً عن شبهة الخلاف فيه فتوًى و نصّاً،و هي التي أوجبت التأكّد فيها،و لولاها لكان سبيل النعم في مرتبة الفضيلة سبيل غيرها.

ص:60


1- المقنعة:253.
2- السرائر 1:451؛ و انظر القواعد 1:54،و الحدائق 12:139.
3- الكافي 3:/559 3،الوسائل 9:168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 3.
الثالثة إذا كانت النعم مِراضاً لم يكلّف صحيحة

الثالثة:إذا كانت النعم كلّها مِراضاً لم يكلّف المالك بشراء صحيحة بإجماعنا الظاهر المحكي في صريح الخلاف و ظاهر المنتهى و غيره (1)؛ و هو الحجّة المعتضدة بالأصل،و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما مرّ من إطلاق ما دلّ على المنع عن أخذ نحو العوراء و الهرمة (2)،و هو مخصوص بحكم التبادر و الغلبة بغير مفروض المسألة، و هو ما إذا كان كلّها صحاحاً أو ملفقّةً منها و من المِراض.

و يجوز أن يدفع عن الشاة الواجبة في زكاة الإبل و الغنم من غير غنم البلد الذي وجب فيه الزكاة و لو كانت الشاة المدفوعة عن الفريضة أدون من غير فرق في ذلك بين زكاة الإبل و الغنم،على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الخلاف و غيرها (3)،و به صرّح بعض أصحابنا (4)؛ و لعله لعموم الأدلّة و إطلاقاتها.

خلافاً للشهيدين و غيرهما (5)،فقيّدوا ذلك بزكاة الإبل،و اشترطوا في غيرها أخذ الأجود أو الأدون بالقيمة،لا فريضة؛ و وجهه غير واضح،و إن كان أحوط و أولى.

الرابعة لا يجمع بين متفرّق في الملك

الرابعة: لا يجمع بين متفرّق في الملك فلا يضمّ مال إنسان بغيره و إن كانا في مكان واحد،بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد.

ص:61


1- الخلاف 2:15،المنتهى 1:485؛ و انظر المدارك 5:104،و الذخيرة 437،و الحدائق 12:66.
2- المتقدمة في ص:231.
3- الشرائع 1:149،الخلاف 2:17؛ و انظر التذكرة 1:213،و التحرير:59.
4- انظر المدارك 5:107.
5- الشهيد الأوّل في الدروس 1:235،و الشهيد الثاني في المسالك 1:54،و انظر المنتهى 1:504.

و لا يفرّق بين مجتمع فيه فلا يفرّق بين مالي مالك واحد و لو تباعد مكانهما.

و لا خلاف في الثاني بين العلماء ظاهراً،بل عليه الإجماع في المنتهى،و كذا في الأوّل إن لم يختلط المالان مطلقاً،و أمّا مع الاختلاط ففيه خلاف بينهم.و الذي عليه علماؤنا ظاهراً من غير خلاف بينهم أجده،بل عليه الإجماع في صريح الخلاف و غيره (1)،و ظاهر السرائر و المنتهى (2) و غيرهما (3):أنّه لا اعتبار بالخلطة مطلقاً سواء كان خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعةً،أو خلطة أوصاف،كالاتّحاد في المَرعى و المشرب و المراح مع تميّز المالين؛ للنبوي:« إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة» (4).

و في آخر:« مَن لم يكن له إلّا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة» (5)و نحوه المرتضوي الخاصّي (6).

و لا فرق بين مواردها و غيرها إجماعاً على الظاهر المحكي في ظاهر المنتهى (7).

و للمروي في العلل:قلت له:مأتي درهم بين خمسة أُناس أو عشرة

ص:62


1- الخلاف 2:35؛ مفاتيح الشرائع 1:195،و انظر التنقيح 1:307.
2- السرائر 1:451،المنتهى 1:504.
3- كالشهيد في البيان:293،و صاحب المدارك 5:66،و صاحب الحدائق 12:82.
4- سنن البيهقي 4:85.
5- سنن البيهقي 4:86.
6- الكافي 3:/539 7،التهذيب 4:/95 273،الوسائل 9:111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.
7- المنتهى 1:504.

حال عليها الحول و هي عندهم،أ تجب عليهم زكاتها؟قال:« لا،هي بمنزلة تلك» يعني جوابه في الحرث« ليس عليهم شيء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت:و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟قال:« نعم» (1).

و في جملة من المعتبرة العاميّة و الخاصّية و فيها الصحيح و غيره:

« لا يفرّق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق» (2).

و ظاهرها على ما عقله أصحابنا الدلالة على مطلوبنا،لا ما زعمته هؤلاء،كما صرّح به في السرائر (3)،و كذا في المنتهى،فقال بعد أن احتجّ لهم على اعتبار الخلطة بها-:الجواب أنّه حجّة لنا،لأن المراد أن لا يجمع بين متفرّق في الملك و لا يفرّق بين مجتمع فيه،و لا اعتبار بالمكان و إلّا لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرّق في الأمكنة،و هو منفيّ إجماعاً (4)، إلى آخر ما ذكره رحمه اللّه تعالى.

و لا ضير في قصور الأسانيد أو ضعفها حيث كان بعد الانجبار بعمل الأصحاب و الإجماعات المنقولة في كلمة الأعيان.

القول في زكاة الذهب و الفضّة

القول في زكاة الذهب و الفضّة.

و يشترط في الوجوب فيهما زيادةً على الشروط العامّة النصاب

ص:63


1- علل الشرائع:/374 1،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 2.
2- الوسائل 9:126 أبواب زكاة الأنعام ب 11،سنن ابن ماجة 1:/576 1801.
3- السرائر 1:451.
4- المنتهى 1:504.

و الحول بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،بل إجماعهم كما في المدارك في الثاني (2).و لا شبهة فيهما؛ لما مضى و يأتي.

و كونهما منقوشين بسكة المعاملة الخاصّة بكتابة و غيرها،بلا خلاف فيه بين علمائنا ظاهراً،بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار و المدارك و غيرهما (3)،و نصوصهم به مستفيضة جدّاً كما ستقف عليها إن شاء اللّه تعالى.

و صرّح جماعة (4)بأنّه لا يعتبر التعامل بهما فعلاً،بل متى تعومل بهما وقتاً ما تثبت الزكاة فيها و إن هجرت؛ و لم أَرَ فيه خلافاً.

و ربما يعضده بعض النصوص:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّي كنت في قرية من قُرى خراسان،فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة و ثلث مِسّاً و ثلث رصاصاً،و كانت تجوز عندهم،و كنت أعملها و أُنفقها،قال،فقال:

« لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم» قال،قلت:أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما تجب فيه الزكاة أُزكّيها؟قال:« نعم،إنّما هو مالك» قلت:فإنّي أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها،فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أُزكّيها؟قال:« إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة و دَعْ ما سوى ذلك من الخبث» قلت:و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة،قال:« فاسبكها حتى تخلص الفضة

ص:64


1- المنتهى 1:492.
2- المدارك 5:117.
3- الانتصار:80،المدارك 5:115،الذخيرة:439.
4- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:86،و صاحب المدارك 5:116،و السبزواري في الذخيرة:439.

و يحترق الخبث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة» (1).

و ضعف السند مجبور بالعمل،و الموافقة لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش (2).

مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على ثبوتها في الذهب و الفضة مطلقاً،خرج نحو السبائك و النقار ممّا لم ينقش أصلاً إجماعاً،فتوًى و نصّاً،و بقي غيره داخلاً،فتأمّل جدّاً.

مع أنّ في جملة من النصوص:« إنّما هي على الدنانير و الدراهم» (3)و هما عامّان يتناولان المفروض و لو لم يتبادر منهما.

و يستفاد من الرواية أنّه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصاباً،فتجب فيه خاصّة.و لا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهراً، و يفهم من الخلاف و المنتهى (4)،و صرّح به بعض متأخّرينا (5)،و بالوفاق غيرهما (6)؛ و هو الحجّة الجابرة لضعفها مضافةً إلى عموم الأدلّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصاباً و ثبوتها فيما بلغه منهما،و إن كان ربما يستشكل في هذا (7)؛ لكنّه ضعيف جدّاً.

ص:65


1- الكافي 3:/517 9،الوسائل 9:153 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 7 ح 1 بتفاوت.
2- الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8.
3- الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 3 و 5.
4- الخلاف 2:76،المنتهى 1:494.
5- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4:98،99.
6- كصاحب الحدائق 12:92.
7- بأنه إنَّما تجب فيهما إذا كانتا مسكوكتين دراهم و دنانير،و معلوم أن المسكوك ليس بدنانير و لا دراهم،و وجودهما في المسكوك منهما و من غيرهما غير معلوم كونه موجباً للزكاة.ذكر هذا الإشكال المقدس الأردبيلي رضى الله عنه(مجمع الفائدة 4:98)لكنه قال:إلّا أنَّ الظاهر أنه لا قائل بعدم الوجوب،قال:و يدلُّ عليه رواية زيد الصائغ،ثم ساقها كما قدمنا ثم قال:و لا يضرّ عدم صحة السند،للتأيد بالشهرة بل عدم الخلاف عندهم على الظاهر.منه عفي عنه و عن والديه.

و منه يظهر وجه ما في المنتهى و غيره:أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس و بلغ كلّ من الغشّ و المغشوش النصاب وجب الزكاة فيهما (1).

و يجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه إن علم،و إلّا توصّل إليه بالسبك إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة،وفاقاً للمحكي عن الشيخ و جماعة (2)؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية،و التفاتاً إلى ظاهر الرواية المتقدمة المنجبر ضعفها بالقاعدة.

خلافاً للفاضلين و جماعة ممّن تأخّر عنهما (3)،فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقّن اشتغال الذمّة و طرح المشكوك فيه؛ عملاً بأصالة البراءة،و بأنّ الزيادة كالأصل،و كما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب، فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصاباً آخر.

و في الدليلين نظر،أمّا الأوّل:فلعدم جريانه إلّا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلاً،أما ما يثبت فيه و لو مجملاً فلا،بل لا بُدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينية عملا بالاستصحاب.

و به يظهر ضعف الثاني،و أنّه قياس مع الفارق،و هو تيقّن التكليف و لو

ص:66


1- المنتهى 1:494.
2- حكاه عن الشيخ في المنتهى 1:494؛ و انظر المبسوط 1:21،و الشرائع 1:151،و البيان:301،و المسالك 1:55.
3- المحقق في المعتبر 2:525،و العلّامة في المنتهى 1:494،و التذكرة 1:216،و صاحب المدارك 5:122؛ و انظر مجمع الفائدة 4:98،100،و الذخيرة:440.

بالمجمل في الفرع [المصنوع] و عدمه مطلقاً في الأصل.

مع أنّه يمكن المناقشة في حكمه (1):بعدم دليل عليه غير ما يقال:

من أنّ بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله،فأصالة البراءة لم يعارضها شيء (2).

و فيه:أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب،و هو اسم لما كان نصاباً في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه،و حينئذٍ فيجب تحصيل العلم و التفحص عن ثبوته و عدمه في نفس الأمر و لو من باب المقدمة.

لكن ظاهر كلمة مَن وقفت عليه من الأصحاب الإطباق على عدم الوجوب هنا،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فالأحوط الاستعلام،أو إخراج ما تيقّن معه بعدم اشتغال الذمة،كما صرّح به بعض متأخّري المتأخرين (3)،و إن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة،لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه.

و اعلم:أنّ لكلّ من النقدين نصابين و في قدر النصاب الأوّل من الذهب بل الثاني منه أيضاً روايتان (4)أشهرهما أنّه عشرون ديناراً كما في جملة،أو عشرون مثقالاً كما في أُخرى،و المعنى واحد قطعاً، و يستفاد من بعضها أيضاً ففيها عشرة قراريط نصف دينار.

ثم كلّما زاد أربعة دنانير ففيها قيراطان عُشر الدينار ربع عُشرها مضافاً إلى ما في العشرين ديناراً من النصف.

ص:67


1- و هو عدم وجوب الزكاة.منه رحمه اللّه.
2- كما في التذكرة 1:216.
3- انظر مجمع الفائدة و البرهان 4:99،100،و الذخيرة:441.
4- الوسائل 9:137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

ثم على هذا الحساب في كلّ عشرين نصف دينار،و في كلّ أربعة بعدها قيراطان.

و ليس فيما نقص عن العرين،و عن كلّ أربعة زكاة و هي مع ذلك في الأوّل (1)مستفيضة بل متواترة،و فيها الصحاح و الموّثقات و غيرهما،و في الثاني جملة من المعتبرة.

ففي الصحيح:« ليس على الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً،فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال،إلى أن يبلغ أربعة و عشرين ففيه نصف دينار و عُشر دينار،ثم على هذا الحساب حتى زاد على عشرين أربعة أربعة،ففي كلّ أربعةٍ عُشر،إلى أن يبلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال» (2)الحديث.

و نحوه الموثق (3)و غيره،و فيه:« إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عُشر دينار» (4).

و في الخلاف دعوى الإجماع عليه مطلقاً (5)،و في السرائر من المسلمين في الأوّل منهما و لم ينقل خلافاً في الثاني (6)،كالمتن و المنتهى

ص:68


1- أي:مع الاشتهار في النصاب الأوّل.منه رحمه اللّه.
2- الفقيه 2:/8 26،ذكره في ذيل صحيحة ابن سنان،و الظاهر أنه ليس من تتمة الحديث بل من كلام الصدوق،و لعلّه لذا لم ينقله صاحب الوسائل.نعم،جعله العلّامة في المختلف:178 من تتمة الحديث.
3- الكافي 3:/515 3،التهذيب 4:/6 13،الإستبصار 2:/12 35،الوسائل 9:138 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 5.
4- الكافي 3:/516 4،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 6.
5- أي:ادّعى الإجماع على الرواية الاُولى في النصاب الأوّل و الثاني.الخلاف 2:84.
6- السرائر 1:447.

مدّعياً فيه كونه مذهب علمائنا (1)،و به صرّح أيضاً في المختلف و التنقيح (2)لكن مستثنى منهم والد الصدوق،قالا:فإنّه جعله أربعين مثقالاً،قال:

و ليس في النيّف شيء حتى يبلغ أربعين.

و ظاهر غيرهما كالمتن و غيره كما مرّ اختصاص خلافه بالنصاب الأوّل،حيث جعله أربعين استناداً إلى الرواية الثانية،و هي الموثقة:«في الذهب في أربعين مثقالاً مثقال» إلى أن قال:«و ليس في أقل من أربعين مثقالاً شيء» (3).

و هي لوحدتها و قصور سندها و شذوذها و مخالفتها الإجماع الآن قطعاً لا تصلح لمعارضة شيء ممّا قدّمنا،سيّما مع تأيّده بالإطلاقات كتاباً و سنّةً بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق،خرج منه ما نقص عن العشرين ديناراً بإجماع المسلمين كافّة،كما في المنتهى و غيره و الأخبار جملة،و تبقى هي فما فوقها تحتها مندرجة،فينبغي طرحها،أو تخصيص الشيء المنفي فيها بالدينار الكامل خاصّة،حملاً للعام على الخاص،أو حملها على التقية،لكونها مذهب جماعة من العامة و إن قلّوا (4)،جمعاً بين الأدلّة و تفادياً من الطرح بالكلية.

و ربما جعل (5)منها الصحيح:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهماً و تسعة و ثلاثون ديناراً،أ يزكيهما؟قال:

« ليس عليهما شيء من الزكاة في الدراهم،و لا في الدنانير حتى تتمّ

ص:69


1- المنتهى 1:493.
2- المختلف:178،التنقيح الرائع 1:309.
3- التهذيب 4:/11 29،الاستبصار 2:/13 39،و رواها في المقنع:50 مرسلة،الوسائل 9:141 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 13.
4- منهم ابن قدامة في المغني 2:599.
5- كما في مجمع الفائدة 4:94.

أربعين،و الدراهم مائتي درهم» (1).

و فيه:أنه مروي في التهذيب هكذا،و أما في الفقيه فمروي بمتن لا يخالف مختارنا،و هو تبديل تسعة و ثلاثون ديناراً في السؤال بتسعة عشر ديناراً،مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتمّ (2).

و هذه النسخة لو لم نقل برجحانها لأضبطيّة المروية فيها و موافقتها لأخبارنا،فلا ريب أنها ليست بمرجوحة بالإضافة إلى الأُولى،فغايتها التساوي،و هو قادح في الاستدلال جدّاً.

و نصاب الفضة الأوّل و هو صفة للنصاب،أي النصاب الأوّل للفضة: مائتا درهم ففيها خمسة دراهم ليس فيما نقص عنها شيء.

و الثاني: كلّما زاد على المائتين أربعين درهماً ففيها زيادة على الخمسة الدراهم مثلاً درهم و هكذا دائماً.

و ليس فيما نقص عن الأربعين زكاة بلا خلاف في شيء من ذلك نصّاً (3)و فتوى،حتى ادّعى في المنتهى و غيره على النصاب الأوّل إجماع المسلمين كافّة (4)،و جعل النصاب الثاني في الأوّل مذهب أصحابنا (5).

و الدرهم الذي قدّر به المقادير الشرعية هنا و في القطع و الديات و الجزية ستة دوانيق على ما صرّح به الأصحاب،من غير خلاف بينهم

ص:70


1- التهذيب 4:/92 267،الإستبصار 2:/38 119،الوسائل 9:141 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 14.
2- الفقيه 2:/11 32.
3- الوسائل 9:142 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2.
4- المنتهى 1:439؛ و انظر المعتبر 2:524،و التذكرة 1:215.
5- المنتهى 11:493.

أجده،بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصّة و العامة و علمائهم (1)،مؤذنين بكونه مجمعاً عليه بينهم،و صرّح به أيضاً جماعة من أهل اللغة (2) و الدانق بمقدار ثمان حبّات من أوساط حبّات الشعير فيما قطع به الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في المدارك (3)،بل متّفق عليه بينهم،و صرّح به علماء الفريقين كما في رسالة الخال العلّامة المجلسي رحمه الله في تحقيق الأوزان (4)و غيرهما؛ و نقلهم كافٍ في الحجة،و إن لم نقف لهم على حجّة،و به اعترف جماعة (5).

لكن في الخبر بعد الحكم بأنّه ستّة دوانيق:« و الدانق وزن ستّ حبّات،و الحبّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره و لا من كباره» (6).

و هو مخالف لما ذكروه في وزن الدانق،لكنّه ضعيف السند بالجهالة، فلا تصلح للحجية،سيّما و أن يعترض به مثل ما عرفته.

و أشار بقوله: يكون قدر العشرة دراهم سبعة مثاقيل إلى بيان قدر المثقال و ما به يحصل معرفة نسبة الدرهم،و يعلم منه أنّ المثقال

ص:71


1- كالشيخ في الخلاف 2:80،و صاحب المدارك 5:114،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:50،و السبزواري في الذخيرة:440.
2- راجع القاموس 3:241،و مجمع البحرين 6:62،و الصحاح 4:1477،و المصباح المنير:193.
3- المدارك 5:114.
4- رسالة المقادير الشرعيّة(مخطوط).
5- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:97،و صاحب المدارك 5:114،و السبزواري في الذخيرة:440.
6- الفقيه 1:/23 69،التهذيب 1:/135 374،الإستبصار 1:/121 410،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

درهم و ثلاثة أسباع درهم،و الدرهم نصف المثقال و خُمسه،فيكون العشرون مثقالاً في وزان ثمانية و عشرين درهماً و أربعة أسباع درهم، و المائتا درهم في وزان مائة و أربعين مثقالاً.

قال الخال العلّامة:و هذه النسب مما لا شك فيها و اتّفقت عليها العامّة و الخاصة،كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأُولى،انتهى (1).

و من جملة ما ذكره في النسب التي نفى الشك فيها نسبة المثقال الشرعي إلى الصيرفي،فقال:هي ثلاثة أرباع الصيرفي،فالصيرفي هو مثقال و ثلث من الشرعي.

أقول: و من هنا يعلم نصاب الفضّة بهذه المحمّديات الجارية في هذه الأزمان المتأخّرة،حيث إن المحمدية منها كما قيل (2)وزن الدينار مثقال شرعي،فيكون النصاب الأوّل منها مائة و أربعين محمديةً.

و لا زكاة في السبائك أي قِطَع الذهب الغير المضروبة،و في معناها قِطَع الفضة المعبّر عنها بالنُّقَر،و كذا التبْر المفسَّر تارةً بتراب الذهب قبل تصفيته،و أُخرى بما يرادف السبائك.

و لا في الحُليّ و إن كان محرّماً،بإجماعنا،و الصحاح المستفيضة و غيرها من أخبارنا.

ففي الصحيح:« كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء» قال، قالت:و ما الركاز؟قال:« الصامت المنقوش» ثم قال:« إذا أردت ذلك فاسبكه،فإنه ليس في سبائك الذهب و نِقار الفضة شيء من الزكاة» (3).

ص:72


1- رسالة المقادير الشرعيّة للعلّامة المجلسي(مخطوط).
2- قال به صاحب الحدائق 12:90.
3- الكافي 3:/518 8،التهذيب 4:/8 19،الإستبصار 2:/6 13،الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 2.

و فيه:« ليس في نُقَر الفضة زكاة» (1).

و فيه:عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب،قال:« تلزمه الزكاة إلّا أن يسبك» (2).

و في الخبرين:« ليس في التبر زكاة،إنّما هي على الدنانير و الدراهم» (3).

و في الصحاح و غيرها:عن الحُليّ فيه زكاة؟قال:« لا» و زيد في بعضها:« و لو بلغ مائة ألف» (4).

و أمّا ما في المرسل كالصحيح على الصحيح من أنّ: زكاته أي الحُليّ إعارته (5) فمحمول على الاستحباب بلا خلاف.

و يستفاد من الصحيحة الأُولى و قريب منها الثالثة أنه لو قصد بالسبك الفرار من الزكاة قبل الحلول لم تجب الزكاة أيضاً،كما لم تجب مع عدم القصد إجماعاً فتوًى و نصّاً،و عليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم،وفاقاً للمفيد و الحلّي (6)،و من العماني (7)و القاضي (8)،و المرتضى

ص:73


1- الفقيه 2:/9 27،الوسائل 9:154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 1.
2- الكافي 3:/518 5،التهذيب 4:/7 17،الإستبصار 2:/7 15،الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 4.
3- الأوّل:الكافي 3:/518 9،التهذيب 4:/7 16،الإستبصار 2:/6 14،الوسائل 9:155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/7 18،الإستبصار 2:/7 16،الوسائل 9:156 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 5.
4- الوسائل 9:156 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 9.
5- الكافي 3:/518 6،التهذيب 4:/8 22 بتفاوت يسير،الإستبصار 2:/7 19،الوسائل 9:158 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 10 ح 1 و 2.بتفاوت يسير.
6- المقنعة:235،السرائر 1:443.
7- فيما حكاه عنه في المختلف:173.و حكى عنه في موضع آخر منه:179،ما هو صريح في الخلاف و هو غريب.منه رحمه اللّه.
8- المهذب 1:159،شرح جمل العلم و العمل:246.

في بعض كتبه (1)،و الشيخ في النهاية و كتابي الحديث كما قيل (2)؛ لذلك، مضافاً إلى الأصل و إطلاق البواقي (3)،و خصوص المعتبرة المستفيضة الأُخر.

منها:الصحيح:قلت له عليه السلام:رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً،عليه فيه شيء؟قال:« لا،و لو جعله حُليّا أو نُقَراً فلا شيء عليه فيه،و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّه الذي يكون فيه» (4).

و الصحيح:في الذي جعل المال حُليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة،أ عليه الزكاة؟قال:« ليس على الحُليّ زكاة،و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة» (5).

و في جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن و العلل:« لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً من الزكاة،أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه،فلذلك لا تجب الزكاة» (6).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخّرة بل المطلقة كما حكاه جماعة (7)؛ مضافاً إلى الأصل و الإطلاقات المتقدمة،

ص:74


1- المسائل الطبريّة على ما حكي عنها في السرائر 1:442 و المنتهى 1:495.
2- النهاية:175،التهذيب 4:9،الاستبصار 2:8.
3- أي ما عدا الصحيحة الأُولى و الثالثة.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 3:/559 1،الفقيه 2:/17 53،الوسائل 9:159 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 1.
5- الكافي 3:/518 7،التهذيب 4:/9 26،الاستبصار 2:/8 23،علل الشرائع /370 2 بتفاوت يسير،الوسائل 9:160 أبواب زكاة الفضة ب 11 ح 4.
6- علل الشرائع:/370 3،المحاسن:/319 52،الوسائل 9:160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 2.
7- منهم السبزواري في الذخيرة:440،و المجلس في مرآة العقول 16:36 و الحدائق 12:96.

و عموم:« كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه» (1)فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير الجنس،إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى و غيره (2).

خلافاً لأكثر المتقدّمين على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر، فأوجبوها بالفرار،و منهم:السيّدان في الغنية و الانتصار و المسائل المصرية الثالثة،و الشيخ في الخلاف (3)مدّعين عليه الإجماع؛ لجملة من المعتبرة، و منها الموثّقان (4)،و القوي المروي في مستطرفات السرائر صحيحاً (5)و الرضوي (6).

و أجاب عنها المتأخّرون بقصور الإسناد،و الحمل على الاستحباب أو الفرار بعد الحول،كما في الصحيح في الكافي:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ أباك قال:« من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» فقال:« صدق أبي،عليه أن يؤدّي ما وجب عليه،و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه» ثم قال لي:

« أ رأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثم مات فذهب صلاته،أ كان عليه و قد

ص:75


1- الكافي 3:/534 1،التهذيب 4:/25 58،الإستبصار 2:/22 61،الوسائل 9:121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 1.
2- الانتصار:83،انظر السرائر 1:452،و القواعد 1:54.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):567،الانتصار:83،نقله عن المسائل المصريّة في مجمع الفائدة 4:46،الخلاف 2:77.
4- الأوّل:التهذيب 4:/94 270،الإستبصار 2:/40 122،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/9 24،الإستبصار 4:/8 21،الوسائل 9:162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 7.
5- التهذيب 4:25/9،الاستبصار 2:22/8،مستطرفات السرائر:2/21،الوسائل 9:162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 6.
6- فقه الرضا(عليه السلام):199،المستدرك 7:81 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 6 ح 1.

مات أن يؤدّيها؟» قلت:لا،قال:« إلّا أن يكون أفاق من يومه» ثم قال لي:

« أ رأيت لو أن رجلاً مرض في شهر رمضان ثم مات فيه،أ كان يصام عنه؟ » قلت:لا،قال:« و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما[حال]عليه» (1).

و في الحمل الأخير نظر؛ لعدم جريانه في نحو الصحيح (2):« إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة،و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» .فإنّه متى جعل المقسم بعد تمام الحول و وجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به،مع أنّه لا قائل به،بل الاتفاق على الوجوب.

و لا جائز أن يُحمل الفرار على ما بعد الحول و قصد التجمّل على ما قبله، لتهافت الكلام على تقديره،فيجلّ عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

مع أن هذا الحمل كالأوّل فرع رجحان الأخبار الأوّلة على الأخيرة.

و لا يخلو عن مناقشة،بعد قوة احتمال جبر قصور الإسناد بالشهرة القديمة المحققة و المحكيّة،سيّما و إن انضمّ إليها الإجماعات المزبورة في الكتب المسطورة،و المخالفة للعامّة.

و لذا احتمل المرتضى حمل ما خالفها على التقيّة،قال:لأن ذلك مذهب جميع المخالفين (3)،و حكى القول بمضمونها أيضاً في المنتهى عن الشافعي و أبي حنيفة (4)،و لا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك و أحمد،فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة أولى بالحمل على التقية.و ربما

ص:76


1- الكافي 3:/525 4،الوسائل 9:161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ذيل الحديث 5 بدل ما بين المعقوفين في النسخ:« حلّ» و ما أثبتناه من المصدر.
2- و هو المروي في مستطرفات السرائر المذكور آنفاً.
3- كما في الانتصار:83.
4- المنتهى 1:495.

أشعر به الصحيحة الأخيرة،لتضمّنه نحو القياسات العامية.

و على هذا فتبقى المسألة في قالب الإشكال،فالاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال،و إن كان قول المتأخّرين لا يخلو عن رجحان،لكثرة ما يدلّ عليه من الأُصول و النصوص عموماً و خصوصاً،مع كون الشهرة المرجّحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها،لقربها من الإجماع،بل يمكن أن يكون إجماعاً دونها.

و الإجماعات المحكية غير صريحة في نقله غير ما في الانتصار و المسائل المصرية،و ربما يوهنه كإجماع الخلاف على تقدير صراحته مصير مدّعيه إلى خلافه و لو في بعض كتبه (1).

و احتمال الحمل على التقية في الأخبار الأولة و إن كان أرجح بما عرفته،إلّا أنّه لا يبلغ المرجّحات المزبورة.

فقول المتأخّرين لا يخلو عن قوة،سيّما و أنّ الأصل بعد التردّد في التكليف و عدمه كما نحن فيه على تقديره براءة الذمة،مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

و لو كان فراره بعد الحول لم تسقط الزكاة إجماعاً فتوًى و نصّاً و استصحاباً.

و من خلّف لعياله نفقة قدر النصاب فزائداً لمدّة كسنة و سنتين فصاعداً و حال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهداً غير غائب و لم تجب لو كان غائباً للمعتبرة و فيها الموثق (2)و المرسل

ص:77


1- السيّد في المسائل الطبريّة،و الشيخ في النهاية،و قد أُشير إليهما في ص 2327.
2- الكافي 3:/544 3،الفقيه 2:/15 43،التهذيب 4:/99 280،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 3.

كالصحيح (1).

و بإطلاقها عمل الشيخان في المقنعة و النهاية و جماعة كالفاضلين و غيرهما (2)،حتى ادّعى عليه جماعة الشهرة (3)،فإن تمّ شهرة جابرة،و إلّا فهو محل مناقشة،لمعارضته بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكن من التصرف و عدمه مع عدمه (4).

و التعارض بينهما و إن كان تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ بالآخر،إلّا أنّ الأخير لكثرته و اعتضاده بالشهرة القطعية بل الإجماع من أصله أرجح،و لا كذلك الأوّل على ما ذكرناه من الفرض.

و عليه فينبغي إرجاعه إليه بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة التي هي محلّ النزاع و المشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصّة،كما عن الحلّي في السرائر و ربما يحكي عن جماعة (5).

و لكن المسألة بعد محلّ إشكال،و الاحتياط مطلوب على كلّ حال.

و على كلّ حال لا تجب الزكاة على العيال لو تركوه بحاله حولاً،لعدم الملك،فإنّ النفقة إنّما تجب يوماً فيوماً.

و لا يجبر جنس مما تجب فيه الزكاة بالجنس الآخر منه بإجماع العلماء فيما عدا الحبوب و الأثمان،و فيهما أيضاً بإجماعنا،صرّح

ص:78


1- الكافي 3:/544 2،الوسائل 9:173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 2.
2- المقنعة:258،النهاية:178،الشرائع 1:152،المعتبر 2:530،المنتهى 1:478،نهاية الإحكام 2:306؛ و انظر الدروس 1:230،و المسالك 1:55.
3- كما نقلها عن تخليص التلخيص في مفتاح الكرامة 3:25،و ادّعاها صاحب الحدائق 12:95.
4- الوسائل 9:93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5.
5- السرائر 1:447،و حكاه في مفتاح الكرامة 3:26 عن كشف الالتباس.

بهما في المنتهى (1)و بالثاني في غيره (2)أيضاً؛ للأصل،و عموم ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ جنس إذا لم يبلغ نصابه،و خصوص ما مرّ من بعض الصحاح (3).

و أما الخبر:قلت له:مائة و تسعون درهم و تسعة عشر ديناراً،أ عليها في الزكاة شيء؟فقال:« إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة» (4).

فمع قصور سنده بل ضعفه و شذوذه غير صريح في المخالفة؛ لاحتماله الحمل على محامل أقربها التقيّة،كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنّه مذهب العامة،و احتمل حمله على من جعل ماله أجناساً مختلفة كلّ واحد لا تجب فيه الزكاة فراراً من لزومها،قال:فإنّه متى فعل ذلك لزمته عقوبة (5)؛ للموثق:عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير،أ عليها زكاة؟ فقال:« إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» قلت:لم يفرّ بها،ورث مائة درهم و عشرة دنانير،قال:« ليس عليه الزكاة» قلت:فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟قال:

« لا» (6).قال في المدارك:هذا الحمل جيّد لو صحّ سند الخبرين،لكنّهما

ص:79


1- المنتهى 1:505.
2- التذكرة 1:226،المفاتيح 1:195.
3- راجع ص 2324 الرقم(3).
4- الكافي 3:/516 8،التهذيب 4:/93 269،الإستبصار 2:/39 121،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب الفضة ب 1 ح 7.
5- الاستبصار 2:40.
6- التهذيب 4:/94 270،الإستبصار 2:/40 122،الوسائل 9:151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.

ضعيفا السند،فيتعيّن المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقاً (1).

و فيه نظر،فإنّ صحة السند بمجرّدها غير كافية بعد وجود المعارض الصحيح الأقوى الدالّ على سقوط الزكاة بالفرار،كما مضى (2)،و به أفتى هو أيضاً حاكياً له عن أكثر أصحابنا،و صرّح ثمة بأنّه لو صحّ سند ما دلّ على عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على الاستحباب (3).

أقول: و على هذا فلا يتوجّه كلامه هنا.

القول في زكاة الغلّات

القول في زكاة الغلّات اعلم:انّه لا تجب الزكاة في شيء من الغلّات الأربع حتى يبلغ نصاباً و هو خمسة أوسق،و كلّ وَسْق ستّون صاعاً بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً،كالناصرية و الخلاف و الغنية و المنتهى (4)،بل فيه في أصل اشتراط النصاب:لا نعلم فيه خلافاً إلّا من مجاهد و أبي حنيفة،فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلّات و كثيرها،و باقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق،و الصحاح و غيرها (5)بالجميع مستفيضة من طرقنا.

ص:80


1- المدارك 5:129.
2- في ص:2327 و 2328.
3- المدارك 5:76.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):242،الخلاف 2:58،الغنية(الجوامع الفقهية):567،المنتهى 1:496.
5- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

و ما يخالفها في أصل النصاب بإيجاب الزكاة في قليلها و كثيرها (1)مع قصور سنده و ندوره مطروح،أو محمول على التقية،أو إرادة نفي النصاب بعد النصاب الأوّل كما يأتي.

و ما يخالفها في مقداره بأنّه وَسْق كما في رواية (2)أو وسقان كما في غيرها (3)،فمع ضعف أسانيدها جملةً حملها الشيخ على الاستحباب (4)و تبعه جماعة (5).و لا بأس به،مسامحةً في أدلّة السنن،و جمعاً بين الروايات المختلفة.

و اعلم:أنّه يكون مقدار النصاب ب الرطل العراقي ألفين و سبعمائة رطل بناءً على أنّ كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقي و ستّة بالمدني،كما في صريح الخبرين المنجبرين بالعمل (6)،و ظاهر الصحيحين (7)

ص:81


1- التهذيب 4:/17 42،الإستبصار 2:/16 45،الوسائل 9:181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 2.
2- التهذيب 4:/18 45،الإستبصار 2:/18 51،الوسائل 9:181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 4.
3- التهذيب 4:/17 43،الإستبصار 2:/17 49،الوسائل 9:180 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 1.
4- الاستبصار 2:18.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:534،و المجلسي في روضة المتقين 3:98،و الفيض الكاشاني في الوافي 10:85.
6- الأوّل:الكافي 4:/172 9،الفقيه 2:/115 493،التهذيب 4:/83 243،الإستبصار 2:/49 163،معاني الأخبار:/249 2،العيون 1:/241 73،الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.الثاني:الكافي 4:/172 8،التهذيب 4:/83 242،الإستبصار 2:/49 162،الوسائل 9:341 أبواب الفطرة ب 7 ح 1.
7- الأوّل:الكافي 4:/174 24،التهذيب 4:/91 265،الوسائل 9:346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 3.الثاني:التهذيب 1:/136 379،الإستبصار 1:/121 409،الوسائل 1:481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

الوارد أحدهما كالأوّلين في صاع الفطرة،و لا قائل بالفرق كما صرّح به في الناصرية (1)،و فيها و في الخلاف و الغنية الإجماع أيضاً على أنّ الصاع المطلق تسعة أرطال بالعراقي (2)،كما في صريح الأخيرين و ظاهر الأوّل، لأنّه عراقي،مع أنّه صرّح به في الانتصار مدّعياً أيضاً الإجماع (3).

و منه يظهر وجه حمل الرطل في الصحيح الماضي أيضاً على العراقي،لأنّ الراوي كما قيل (4)عراقي،و فيه:أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام:

و قد بعثت لك العام من كلّ رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال،فكتب جواباً محصوله التقرير على ذلك،و لا ريب أن الأرطال عبارة عن الصاع،لأنّه الواجب في الفطرة.

و في الثاني:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمُدّ و يغتسل بصاع،و المدّ رطل و نصف،و الصاع ستة أرطال» يعني أرطال المدينة،فيكون تسعة أرطال بالعراقي.

و يظهر من غير واحد أنّ التفسير من تتمة الرواية.

و هو غير بعيد،و إن احتمل كونه من كلام الشيخ الراوي له،لضعفه بما في الذخيرة (5)من أنّ الماتن نقله عن كتاب الحسين بن سعيد هكذا:

ص:82


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):242.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):242،الخلاف 2:59،الغنية(الجوامع الفقهية):567.
3- الانتصار:88.
4- المدارك 5:133.
5- الذخيرة:441.

و الصاع ستّة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي؛ و أنّ الفاضل في التذكرة نقل عن مولانا الصادق عليه السلام عين العبارة المذكورة (1).

هذا مع أنّي لم أجد خلافاً في المسألة إلّا من البزنطي،حيث جعل المدّ الذي هو ربع الصاع بإجماع العلماء،كما في صريح المعتبر و المنتهى و غيرهما (2)و الصحاح رطلاً و ربعاً (3)،فيكون الصاع عنده خمسة أرطال.

و هو نادر،و الموثّق الذي استدل به (4)لقصور سنده و إضماره غير معارض للصحيح الثاني،الصريح في خلافه،المعتضد زيادةً على الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع حقيقة كما صرّح به في الخلاف و الغنية (5)بالأصل،للشك في حصول شرط الوجوب إلّا مع التقدير الأعلى،فيكون الوجوب عند عدمه بالأصل منفيّاً،سيّما مع ضعفه دلالةً كما لا يخفى على من راجعه،و به صرّح الخال العلّامة عليه الرحمة في الرسالة (6).

و الأشهر في مقدار الرطل العراقي أنّه مائة و ثلاثون درهماً،أحد و تسعون مثقالاً.و هو الأظهر؛ للأصل،و للخبرين في أحدهما:«الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة بالعراقي» قال:و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً و مائة و سبعين وزنة (7).

ص:83


1- المعتبر 2:533،التذكرة 1:218.
2- المعتبر 2:533،المنتهى 1:497؛ و انظر المدارك 5:134.
3- نقله عن البزنطي في التحرير:62.
4- التهذيب 1:/136 376،الإستبصار 1:/121 411،الوسائل 1:482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.
5- الخلاف 2:59،الغنية(الجوامع الفقهية):567.
6- رسالة المقادير الشرعية للعلّامة المجلسي(مخطوط).
7- الكافي 4:/172 9،الفقيه 2:/115 493،التهذيب 4:/83 243،الإستبصار 2:/49 163،معاني الأحبار:/249 2،العيون 1:/241 73،الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

و المراد بالوزن الدرهم كما صرّح به الثاني،و فيه:« ستّة أرطال برطل المدينة،و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهماً،يكون الفطرة ألفاً و مائة و سبعين درهماً» (1).

خلافاً للفاضل في التحرير و موضع من المنتهى (2)،فوزنه مائة و ثمانية و عشرون درهماً و أربعة أسباع درهم،تسعون مثقالاً؛ و مستنده غير واضح.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ هذا التقدير تحقيق لا تقريب،و به صرّح جماعة و منهم الفاضل في التذكرة و المنتهى (3)،مشعراً بعدم خلاف فيه بيننا.

و فيهما الإجماع على أنّ النصاب المزبور إنّما يعتبر وقت الجفاف،قال:

و لو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطةً أو شعيراً فنقص فلا زكاة إجماعاً و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

و لا تقدير فيما زاد على النصاب بل تجب فيه أي في الزائد الزكاة و إن قلّ بلا خلاف فتوى و نصّاً،و في المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (4).

و من هنا يعلم أنّ للغلّات نصاباً واحداً و هو خمسة أوسق،و عفواً واحداً و هو ما نقص عنه.

و اعلم أنّه يتعلق به أي بكل واحد من الغلّات وجوب الزكاة عند تسميته حنطةً أو شعيراً أو زبيباً أو تمراً تسميةً حقيقيّة، و لا يكون إلّا عند الجفاف،و عليه الإسكافي فيما حكاه عنه الفاضل في جملة

ص:84


1- التهذيب 4:/79 226،الإستبصار 2:/44 140،الوسائل 9:342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.
2- التحرير:62،المنتهى 1:497.
3- التذكرة 1:218،المنتهى 1:497.
4- المنتهى 1:498.

من كتبه (1)،و ولده في الإيضاح (2)و غيرهما (3)،و عليه الماتن في كتبه الثلاثة كما حكاه عنه جماعة (4)،و حكاه في المنتهى عن والده أيضاً (5)،و مال إليه شيخنا في الروضة و صاحب الذخيرة (6).

للأصل،و حصر الزكاة في التسعة التي منها التمر و الزبيب و الشعير و الحنطة،فيكون المعتبر صدق الأسامي المزبورة،و لا يصدق حقيقة إلّا عند الجفاف كما عرفته.

و قيل و القائل المشهور كما حكاه كثير و منهم الشيخ و الحلّي (7):

يتعلّق به إذا احمرّ ثمر النخل أو اصفرّ أو انعقد الحبّ و الحِصْرِم و استدل عليه في المنتهى بتسمية الحبّ إذا اشتدّ حنطةً و شعيراً و البُسْر تمراً،قال:لتصريح أهل اللغة بأنّ البُسْر نوع من التمر و كذا الرطب (8)؛ و بورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيباً،و لعلّها الصحيح:« ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق،و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيباً» (9).

و فيهما نظر؛ لمنع التسمية على الحقيقة،فيحتمل مجازاً باعتبار ما

ص:85


1- حكاه عنه في المنتهى 1:499،و المختلف:178،و التحرير 1:63.
2- الإيضاح 1:175.
3- كالشهيد في البيان:297.
4- نقله عنه في البيان:297،و هو في الشرائع 1:153،و المعتبر 2:534.
5- المنتهى 1:499.
6- الروضة 2:33،الذخيرة:427.
7- المبسوط 1:214،السرائر 1:453.
8- المنتهى 1:499.
9- التهذيب 4:/14 36،الإستبصار 2:/15 42،الوسائل 9:178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

يؤول إليه،بل لعلّه متعيّن لصحة السلب أحياناً سيّما في نحو البسر.

و تصريح أهل اللغة بكونه تمراً غير معلوم،بل المعلوم من جماعة منهم كالجوهري و صاحبي المجمع و المصباح المنير و غيره (1)كما حكي خلافه،و أن التمرة لا تسمّى تمراً إلّا عند الجفاف،و حكى في المصباح عليه إجماع أهل اللغات.و لم يوجد في كلام غيرهم ما يخالفه عدا القاموس (2)،فإنّ فيه ما ربما يومئ إليه و يشعر به،و لكن فيه أيضاً ما يخالفه،و مع ذلك فغاية ما يستفاد منه الإطلاق،و هو أعمّ من الحقيقة، و يحتمل التجوّز،فيحمل عليه جمعاً و توفيقاً بينه و بين من عداه من أهل اللغة.

و على تقدير المعلوميّة فهو معارض بالعرف،لأنّ مقتضاه عدم الصدق حقيقةً إلّا بما عرفته،و به اعترف جماعة (3)،و هو مقدّم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة،سيّما هنا لظهور بعض المعتبرة في ظهور المعنى العرفي في زمن صاحب الشريعة.

و لو سلّمنا توافقهما في صدق التسمية قبل الجفاف حقيقة،لكنّ الأسامي المزبورة مطلقات،و هي إنّما تنصرف إلى الأفراد المتبادرة كسائر المطلقات،و إن كان غير المتبادر منها من أفراد الحقيقة.

ثم لو تمّ ما ذكر لثبت فيما عدا الزبيب،إذ لا خلاف في عدم إطلاقه على نحو الحِصْرِم،فلا يتمّ به المدّعى،و إتمامه بالإجماع المركب معارض

ص:86


1- الصحاح 2:589،مجمع البحرين 3:233،المصباح المنير:76؛ و انظر المغرب 1:38.
2- القاموس 1:385.
3- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 45:28،و الفاضل المقدار في التنقيح 1:312،و السبزواري في الذخيرة:427.

بالمثل،فتدبّر و تأمّل (1).

و أمّا الرواية فقد أجاب عنها في الذخيرة بأنّ لمفهومها احتمالين:

أحدهما:إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيباً.و ثانيهما:إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف.و الاستدلال بها إنّما يستقيم على ظهور الثاني و هو في معرض المنع.بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر،و لا يرجّح الثاني زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيباً،لأنّ مثله شائع إلى أن قال-:على أنّه يجوز أن يكون إسناد الحكم إلى العنب من قبيل المساهلة في التعبير باعتبار ما يؤول إليه،كما في الإسناد إلى النخل في الخبر الأوّل،فلا يبعد المصير إليه جمعاً بين الأدلّة،انتهى (2).و هو حسن.

و ممّا ذكره وجهاً لظهور المعنى الأوّل ينقدح وجهٌ للاستدلال للقول الأوّل بالنصوص الدالة على اعتبار النصاب في الغلّات،و أنّه لا شيء فيها حتى تكون و تبلغ خمسة أوساق.

و ذلك لأنّ مفادها أنّ مناط الوجوب حين البلوغ خمسة أوساق،و هو حقيقة في التحقيقي لا التقديري،كما ذكره،و قد مرّ أنّ بلوغ النصاب إنّما يعتبر عند الجفاف إجماعاً (3)،و ليس فيها ما في هذه الرواية مما توجب المعارضة و يحوج إلى الجمع،بل فيها ما يؤكّد الظهور من نحو لفظ التمر

ص:87


1- وجهه:أنّ ما دلّ على نفي الزكاة في الحِصْرِم إنّما هو الأصل و الحصر،و هما بالإضافة إلى ما دَلَّ على وجوبها في نحو البُسر عامان و هو خاص فيكون مقدماً عليهما،و بعبارة اخرى إنه يجب تقدم المثبِت على النافي حيثما تعارضا.منه رحمه اللّه.
2- الذخيرة:428.
3- في ص:2335.

بناءً على كونه حقيقة في اليابس كما عرفته.

فالقول المزبور لا يخلو عن قوّةٍ و إن كان في تعيّنه مناقشة،لأنّ هنا روايتين صحيحتين يمكن التمسك بهما للمشهور.

في إحداهما:عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،متى تجب على صاحبها؟قال:« إذا صُرِم و خُرِص» (1).

و في الثانية:هل على العنب زكاة أو إنّما تجب إذا صيّره زبيباً؟قال:

« نعم إذا خرصه أخرج زكاته» (2).

و ذلك لظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخَرْص،و هو على ما صرّح به الأصحاب و منهم الماتن في المعتبر (3)فيما حكي عنه إنّما يكون في حال كون الثمرة بسراً أو عنباً.

و من هنا ينقدح وجه الاستدلال على قولهم بكلّ ما دلّ على جواز الخَرْص في النخيل أو الكروم من الروايات (4)و الإجماع المنقول الذي حكاه الماتن في المعتبر بناءً على ما ذكره هو و غيره من الأصحاب في فائدته و صفته،من أنّه تقدير الثمرة لو صارت تمراً و العنب لو صار زبيباً،فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة،ثم يخيّرهم بين تركه أمانةً في أيديهم و بين تضمينهم حصّة الفقراء أو يضمن لهم حصّتهم،إلى آخر ما ذكروه (5).

ص:88


1- الكافي 3:/523 4،الوسائل 9:194 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 1.
2- الكافي 3:/514 5،الوسائل 9:195 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 2.
3- المعتبر 2:535.
4- منها ما رواه في المعتبر 2:535؛ و راجع سنن البيهقي 4:121 و سنن أبي داود 2:110.
5- المعتبر 2:536،الحدائق 12:133.

و كلّ هذا إنّما يتوجّه على المشهور،و إلّا فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك الوقت،و لا المنع عن التصرف إلّا بالتضمين؛ لجوازه من غير احتياج إليه على هذا التقدير،و هذا إحدى الثمرات المتفرّعة على الخلاف هنا.

لكن أجاب عن هذا في الذخيرة بأنّ على تقدير ثبوته يجوز أن يكون مختصّاً بما كان تمراً على النخل،أو يكون الغرض من ذلك أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمراً أو زبيباً،فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم (1).

و هو حسن،إلّا أنّ قوله:على تقدير ثبوته،مشعر بتردّد له فيه.

و ليس في محلّه؛ للروايات المعتضدة و المنجبرة بالشهرة و الإجماع المحكي.و كذا تجويزه الاختصاص بما إذا كان تمراً على النخل؛ لما عرفت من اعترافهم حتى الماتن الموافق له هنا بخلافه.

نعم يتوجّه الأخير،و به يجمع بين كلامي الماتن هنا و ثمة،أو يجعل كلامه ثمة تفريعاً على القول المشهور،و إلّا فالمنافاة بينهما واضحة.

و يمكن الجواب عن الرواية الأُولى:بقوّة احتمال كون وقت الخَرْص فيها هو وقت الصرام،لجعله فيها أيضاً وقت الوجوب،فإذا حمل وقته على ما هو المشهور لكان التعليق بوقت الصرام ملغىً،لما بين وقته و وقت الخرص بالمعنى المشهور من المدّة ما لا يخفى،إذ الخرص بهذا المعنى في حال البسريّة و العنبيّة،و الصرام إنّما يكون بعد صيرورته تمراً،فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكلّ منهما،بل إنّما يستقيم بحمل الخرص فيها على وقت كونه تمراً أو زبيباً،و المراد أنّ في ذلك الوقت يتعلّق به الوجوب

ص:89


1- الذخيرة:428.

سواءً صرمه أو خرصه على رؤوس الأشجار و النخيل و الزروع.

و على هذا فيسهل الجواب عن الثانية:بحمل الخَرْص فيها على ما حمل عليه في سابقتها،فإنّ أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها بعضاً،و لعلّه لذا لم يستدلّ بهما في المنتهى،و يبعد غاية البعد غفلته عنهما.

و بما ذكرنا يقوّى القول الأوّل جدّاً.

و لكنّ المسألة بعدُ محلّ تردّد،و لا ريب أنّ المشهور أحوط و أولى، سيّما مع مصير نحو الحلّي الذي لا يعمل إلّا بالقطعيات إليه (1)،و تصريح الفاضل المقداد في الشرح بأنّه لا يعلم للماتن قبله موافق (2).

و وقت الإخراج إذا صَفَت الغلّة و جُمِعت الثمرة بل إذا يَبست، إجماعاً كما صرّح به جماعة (3)،بل في المنتهى أنّ عليه اتفاق العلماء كافّة و نحوه عن التذكرة (4)؛ و للصحيحين المتقدمين (5)بالتقريب المتقدم إليه الإشارة.

و المراد بوقت الإخراج الوقت الذي يصير ضامناً بالتأخير،أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.و ليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه؛ لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي للمالك الثمرة قبل الجذاذ، و إجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار.

و لا تجب الزكاة في شيء من الغلّات إلّا إذا نَمَت في الملك أي ملكت قبل وقت الوجوب،بإجماع المسلمين كما عن

ص:90


1- السرائر 1:453.
2- التنقيح الرائع 1:311.
3- كصاحب المدارك 5:139،و السبزواري في الذخيرة:443.
4- المنتهى:499،التذكرة 1:219.
5- في ص:2338.

الماتن (1)،و في المنتهى أنّه قول العلماء كافة (2)؛ و الحجّة عليه واضحة.

ف لا تجب في ما يبتاع حبّا مثلاً أو يستوهب كذلك، بل تجب على البائع و الواهب مع الشرط،و إلّا فعلى من جمعه.

و ما يُسقى سَيْحاً أي بالماء الجاري على وجه الأرض،سواء كان قبل الزرع كالنيل أم بعده أو عِذياً بكسر العين،و هو أن يُسقى بالمطر أو بَعْلاً و هو شربه بعروقه القريبة من الماء ففيه العُشر.

و ما يُسقى بالنواضح و هو جمع ناضحة و هو البعير يستسقى عليه و الدوالي جمع دالية،و هي الناعورة التي يديرها البقر ففيه نصف العُشر بلا خلاف في الحكمين بين العلماء كما في التذكرة (3)،و في المعتبر و المنتهى أنّهما مذهبهم كافّة (4)؛ و الصحاح و غيرها بهما مع ذلك مستفيضة (5).

و يستفاد منها جملة أنّ الضابط في موضع الحكمين عدم توقّف ترقية الماء إلى الأرض على آلة من دولاب و نحوه و توقّفه على ذلك،فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر السواقي و الأنهار و إن كثرت مؤُنتها،لعدم اعتبار الشارع إيّاه.

و هنا سؤال و جواب مشهوران يأتيان (6)مبنيان على ما هو المشهور

ص:91


1- المعتبر 2:538.
2- المنتهى 1:497.
3- التذكرة 1:219.
4- المعتبر 2:539،المنتهى 1:498.
5- الوسائل 9:175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.
6- في ص 3348.

من عدم وجوب الزكاة في الغلّات إلّا بعد إخراج المؤن،و أما على غيره فالسؤال ساقط من أصله.

و لو اجتمع الأمران فسُقي بالسيْح مثلاً تارة و بمقابله اخرى حكم للأغلب منهما،فالعُشر إن كان هو الأوّل،و نصفه إن كان الثاني، بالنصّ الآتي،و الإجماع منّا و من أكثر العامّة كما صرّح به جماعة (1).

و في اعتبار الأغلبيّة بالأكثر عدداً كما هو المتبادر من نحو العبارة،أو زماناً كما ربما يستفاد من ظاهر إطلاق الرواية بل عمومها،أو نفعاً كما استقر به العلّامة و ولده (2)،أوجه و أقوال.

و لعلّ أوجهها الأوّل،سيّما و أنّ المئونة إنّما تكثر بسبب ذلك، و لعلّها الحكمة في اختلاف الواجب.و يمكن أن يرجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه في السقي إلى عدد أكثر،فتدبّر هذا،و الاحتياط لا يترك.

و لو تساويا أُخذ من نصفه العُشر و من نصفه نصف العُشر إجماعاً كما صرّح به جماعة (3)،و في المعتبر و المنتهى (4)أنّه إجماع العلماء؛ و للنصّ المعتبر المنجبر بالعمل هنا و فيما مرّ:« و فيما سَقَت السماء و الأنهار أو كان بَعْلاً العُشر،و أمّا ما سَقَت السواقي و الدوالي فنصف العشر» قلت له:

فالأرض تكون عندنا فتسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتُسقى سَيْحاً،قال:

« إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت:نعم،قال:« النصف و النصف،نصف

ص:92


1- كصاحب المدارك 5:148،و السبزواري في الذخيرة:443.
2- التذكرة 1:219،القواعد:55،الإيضاح 1:183.
3- منهم:الشيخ في الخلاف 2:67،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:201،و صاحب الحدائق 12:122.
4- المعتبر 2:539،المنتهى 1 498.

بنصف العُشر و نصف بالعُشر» فقلت:الأرض تُسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سَيْحاً،قال:« كم تُسقى السقية و السقيتين سيحاً؟ » قلت:في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مضت قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر،قال:« نصف العشر» (1).

و اعتبار التساوي بالمدة و العدد ظاهر،و أمّا بالنفع و النموّ فيرجع فيه إلى أهل الخبرة.

و إن اشتبه الحال و أشكل الأغلب ففي وجوب الأقلّ للأصل،أو العُشر للاحتياط،أو الإلحاق بالتساوي لتحقّق تأثيرهما و الأصل عدم التفاضل،أوجه،أحوطها الوسط إن لم يكن أجود.

و إنّما تجب الزكاة بعد إخراج المئونة و حصّة السلطان،بلا خلاف في الثاني أجده،بل بالإجماع عليه صرّح في الخلاف و المعتبر و المنتهى (2)،و عزاه فيهما إلى أكثر الجمهور أيضاً،و للنصوص.

منها الصحيح:« كل أرضٍ دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها،فعليك فيما أخرج اللّه تعالى منها الذي قاطعك عليه،و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العُشر،إنّما عليك العُشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك» (3).

و الصحيح:ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج و ما سار به أهل بيته،فقال:« ما أُخذ بالسيف فذاك إلى الإمام يقبّله الذي يرى،و قد قبّل

ص:93


1- الكافي 3:/514 6،التهذيب 4:/16 41،الإستبصار 2:/15 44،الوسائل 9:187 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.
2- الخلاف 2:67،المعتبر 2:541،المنتهى 1:500.
3- الكافي 3:/513 4،التهذيب 4:/36 93،الإستبصار 2:/25 70،الوسائل 9:188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 1.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العُشر و نصف العُشر» (1)و نحوه الخبر (2).

و على الأظهر في الأوّل أيضاً،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (3)،و في المختلف و غيره أنه المشهور (4)؛ للرضوي المعتبر في نفسه المعتضد زيادةً على الشهرة بما يأتي،و فيه:« و ليس في الحنطة و الشعير شيء إلى أن يبلغا خمسة أوساق،و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد،و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهماً و نصف،فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أُخرج منه العُشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بَعْلاً،و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر،و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير» (5).

و المراد بمئونة العمارة و القرية مئونة الزراعة قطعاً،و به صرّح جدّي المجلسي فيما حكاه عنه خالي العلّامة دام ظلّه (6)-،معترفاً بصحّته.

و للصحيح:« يترك للحارس يكون في الحائط العِذْق و العِذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه» (7).

ص:94


1- التهذيب 4:/119 342،الوسائل 9:189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 3.
2- الكافي 3:/512 2،التهذيب 4:/38 96،الإستبصار 2:/25 73،الوسائل 9:188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 2.
3- كالعلّامة في المنتهى 1:500،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:108،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:190.
4- المختلف:179،و حكى ادّعاء الشهرة صاحب المدارك 5:142 عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد.
5- فقه الرضا(عليه السلام):197،المستدرك 7:87 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 1.
6- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
7- الكافي 3:/565 2،الوسائل 9:191 أبواب زكاة الغلّات ب 8 ح 4.

و أخصّيتّه من المدّعى مجبورة بعموم التعليل،مع ضرورة عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيرها،كما صرّح به في المنتهى (1).

و لأنّ النصاب مشترك بين المالك و الفقراء فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه،كغيره من الأموال المشتركة.و لأنّ الزكاة في الغلّات إنّما تجب في النماء و الفائدة،و هو لا يتناول المئونة.

و ما يقال على أوّل هذين الدليلين أوّلاً:بأنّ الشركة هنا ليس على حدّ سائر الأموال المشتركة لتكون الخسارة على الجميع،و لهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب و التصرف فيه بمجرّد الضمان.و ثانياً:بأنّه إنّما يقتضي استثناء المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب بالنصاب،و المدّعى أعم من ذلك.

و على ثانيهما:بأنّ متعلق الزكاة ما يخرج من الأرض و هو شامل لما قابل المئونة و غيرها.

فضعيف بأنّ مقتضى الأصل في الشركة بمقتضى القاعدة المقررة المتّفق عليها فتوًى و روايةً هو الشركة في النفع و الخسارة و غيرها من الأحكام المترتبة على الشركة،و خروج بعضها مما ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي انفساخ قاعدة أصل الشركة،و إن هي إلّا كالعامّ المخصّص في الباقي حجة.مع أنّ الظاهر أنّ الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرّف و الإخراج من غير النصاب إنّما هو التخفيف على المالك و السهولة،و هو يقتضي استثناء المئونة،فإنّ في عدمه عسراً و حرجاً عظيماً منفيّاً في الشريعة.

ص:95


1- المنتهى 1:500.

و الأخصّية مدفوعة بعدم قائل بالفرق بين المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب و المتقدمة عليه.

و لو عورض بالمثل و هو اقتضاء الإطلاقات بوجوب العشر أو نصفه فيما خرج عدمَ استثناء المئونة المتقدمة،فكذا المتأخّرة لعدم القائل بالفرق.

لأجيب عنها بأنّها من باب تعارض العموم و الخصوص المطلق، و الخاصّ مقدم بالاتفاق.و لو سلّم كونها من باب التعارض من وجه،قلنا:

لزم الرجوع في مثله إلى الترجيح،و هو هنا مع ما دلّ على الاستثناء لمطابقته لمقتضى الأصل،فتدبّر.

و دعوى تعلّق الزكاة بمجموع ما يخرج من الأرض حتى ما قابل البذر ممنوعة،كيف لا؟!و إيجاب الزكاة فيه يستلزم تكرّر وجوب الزكاة في الغلّات،و قد أجمع المسلمون على خلافه،كما صرّح به في المنتهى (1) و غيره؛ و حيث ثبت استثناء البذر ثبت غره لعدم القائل بالفرق،فتأمّل.

خلافاً للخلاف و الجامع (2)مدّعيين عليه الإجماع إلّا من عطاء،على ما حكاه عنهما جماعة من الأصحاب (3)،و لم أَرَه في الخلاف،بل فيه مجرد الفتوى؛ و وافقتهما جماعة من متأخّري متأخّري الأصحاب (4)؛ للعمومات المتقدم إليها الإشارة،قيل:و أظهر منها الصحيحة الأُولى المستثنية لحصّة السلطان،إذ المقام فيها مقام البيان و استثناء ما عسى أن

ص:96


1- المنتهى 1:500.
2- الخلاف 2:66،الجامع للشرائع:134.
3- كالسبزواري في الذخيرة:442.
4- منهم صاحب المدارك 5:141،و السبزواري في الذخيرة:442.

يتوهم اندراجه في العموم (1).

و في الجميع نظر:

أمّا الإجماع فلوهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه،و منهم:

المفيد،و الشيخ في النهاية و الاستبصار،و الصدوق،و السيّدان في الجمل و الغنية،و الحلّي في السرائر (2)،فكيف يمكن الاعتماد على مثله،سيّما و أن يكون دعواه بلفظ إجماع المسلمين.و لا يبعد أن يكون المراد بوجوب المئونة على ربّ المال في عبارة ناقله غير المعنى المعروف في البحث و هو اختصاصه بخسارتها دون الفقراء،بل المراد تعلّق الوجوب بإخراجها أوّلاً به دون الفقراء،و هو لا ينافي احتسابها عليهم بمقدار حصّتهم بعد إخراجها، كذا ذكره بعض الأصحاب (3)جامعاً به بين عبارتي المبسوط (4)على ما وجدهما فيه دالّة إحداهما على ما في النهاية و الأُخرى على ما في الخلاف.

و أمّا العمومات فيجب تخصيصها بما مرّ،إن لم يناقش في دلالتها بورودها لبيان حكم آخر و هو التفصيل بين ما يجب فيه العشر و نصفه،و لذا لم تُستثنَ فيها جملة أو أكثرها ما وقع الاتفاق على استثنائه (5)،هذا.

و دعوى أظهريّة الصحيحة دلالةً (6)ممنوعة،فإنّها و إن اتّجهت من الوجه

ص:97


1- المدارك 5:141.
2- المقنعة:236.النهاية:178،الإستبصار 2:25،الفقيه 2:18،المقنع:48،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):78،الغنية(الجوامع الفقهية):567،السرائر 1:447.
3- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
4- المبسوط 1:214 و 217.
5- و هو العذق و العذقان للحارس،و حصّة السلطان.منه رحمه اللّه.
6- كما في المدارك 5:143.

الذي ذكره،إلّا أنّها تنعكس دلالةً بملاحظة قوله عليه السلام:« إنّما عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك» (1)بناءً على أنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلّا بعد إخراج المؤمن من نفس الزرع كما قيل (2)،و عليه فالحاصل في يده حينئذٍ ليس إلّا ما عدا المؤمن؛ و لعلّه لذا جعلها الشيخ في الاستبصار و غيره (3)دليلاً على المختار،و هو غير بعيد.

و ربما يستشهد لهذا القول بالنصوص الدالّة على لزوم العُشر فيما المئونة فيه أقلّ،و نصفه فيما المئونة فيه أكثر (4)؛ و لعلّه بناءً على السؤال المشهور من أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلّا بعد إخراج المؤمن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته و قلّت حتى وجب في أحدهما العُشر و في الآخر نصفه؟ و فيه نظر،لإمكان الاستشهاد بها أيضاً للقول الآخر بتقريب أنّ المئونة لو كانت على ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت فيه.

و الجواب بخروج هذه المئونة بالنصّ معارض بالمثل.و هذا هو الجواب المهور الموعود به و بسؤاله فيما سبق.

و بالجملة: الحقّ أنّه لا شهادة لهذه النصوص على شيء من القولين لكونها متّفقاً عليها بين الفريقين مخصَّصاً بها عموم أدلّة الطرفين.

قال شيخنا في الروضة:و المراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلّة من ابتداء العمل لأجلها و إن تقدّم على عامها إلى تمام التصفية و يبس

ص:98


1- راجع ص:2343.
2- الظاهر هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
3- الاستبصار 2:25؛ و انظر التهذيب 4:36.
4- الوسائل 9:182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

الثمرة،و منها البذر،و لو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.و يعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب،و ما تأخّر عنه يستثنى و لو من نفسه، و يزكّي الباقي و إن قلّ،و حصّة السلطان كالثاني.و لو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المئونة،و لو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما كما توزّع المئونة على الزكوي و غيره لو جمعهما،و يعتبر ما غرمه بعده و يسقط ما قبله،كما يسقط اعتبار المتبرّع و إن كان غلامه أو ولده،انتهى (1).

و هو حسن،إلّا أن ما اختاره في اعتبار استثناء المئونة من التفصيل بين ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب فتُستثنى من نفس الغلّة حتى لو لم يبق بعده نصاب لم يجب زكاة،و ما تأخّر عنه فتُستثنى من النصاب إن بلغته الغلّة و لو مع المئونة فتجب زكاة ما بقي منه بعد استثنائها و إن قلّ خلاف المشهور بين الأصحاب،و إن اختلفوا في اعتباره،فبين من جعله بعد النصاب مطلقاً (2)كالفاضل في التذكرة فيما حكاه عنه في المدارك و اختاره (3)،و بين من عكس كهو في المنتهى و التحرير،و الماتن في المعتبر في الخراج،و الحلّي و ابن زهرة و غيرهم (4)،و لعلّه المشهور،و دلّ عليه الرضوي المتقدّم (5)الذي هو الأصل في المسألة.

و لعلّه الأظهر و إن كان الأحوط ما في التذكرة ثم ما في الروضة، و أحوط من الكل عدم استثناء المئونة بالكليّة خروجاً عن شبهة الخلاف

ص:99


1- الروضة 2:36.
2- أي سواء كانت المئونة متقدمة على تعلّق الوجوب أو متأخرة عنه.منه رحمه اللّه.
3- التذكرة 1:220،المدارك 5:145.
4- المنتهى 1:500،التحرير:63،المعتبر 2:540،السرائر 1:434،الغنية(الجوامع الفقهية):567؛ و انظر المهذب 1:166،و الحدائق 12:130.
5- في ص:2344.

و من حذا حذوه.

القول في ما تستحب فيه الزكاة

القول في بيان شروط ما تستحب فيه الزكاة اعلم:أنّه يشترط في مال التجارة الحول (1) السابق.

و أن يطلب برأس المال أو الزيادة في الحول كلّه فلو طلب المتاع بأنقص منه و إن قلّ في بعض الحول فلا زكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب،و إذا طلبه به فصاعداً استأنف الحول.

و أن تكون قيمته تبلغ نصاباً (2) لأحد النقدين إن كان أصله عروضاً،و إلّا فنصاب أصله و إن نقص بالآخر.

فيخرج الزكاة حينئذٍ أي عند اجتماع هذه الشروط الثلاثة عن قيمته ربع العُشر دراهم أو دنانير و لا خلاف في شيء من هذه الشروط أجده،بل على ما عدا الثاني منها أنّه قول فقهاء الإسلام في المعتبر و المنتهى،و عليه فيهما أنّه مذهب علمائنا أجمع (3)،و فيهما أيضاً و عن التذكرة أنّ اعتبار بقاء النصاب طول الحول مذهبهم أيضاً (4)،و به صرّح في المدارك بزيادة قوله:و أكثر العامة (5).

و هذه العبارات كلها ظاهرة في الإجماع بل كالصريحة فيه،و به صرّح

ص:100


1- أي أحد عشر شهراً مع الدخول في الثاني عشر.منه رحمه اللّه.
2- في المختصر المطبوع زيادة:فصاعداً.
3- المعتبر 2:544،550،المنتهى 1:507،508.
4- المعتبر 2:550،المنتهى 1:507،التذكرة 1:227.
5- المدارك 5:167.

أيضاً في المدارك و غيره في الأوّل (1)،و الفاضل في النهاية في الأخير على ما حكاه عنه في الذخيرة (2)؛ و هو كافٍ في الحجة،مضافاً إلى الأصل و المعتبرة المستفيضة في الأوّلين.

ففي الصحيح:عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه،و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع،متى يزكّيه؟فقال:« إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة،و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال» قال:و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها،فقال:« إذا حلّ عليه الحول فليزكّها» (3).

و فيه:« إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنك لا تجد إلّا و ضيعة فليس عليه زكاة حتى يصير ذهباً أو فضّة،فإذا صار ذهباً أو فضّة تزكيه للسنة التي اتّجر فيها» (4).

و ما فيه و في الموثق (5)من الأمر بتزكيته لسنة واحدة مع النقيصة إذا مضت عليه سنتان أو سنون عديدة فمحمول على الاستحباب،كما صرّح به جماعة (6)،جمعاً بين الأدلّة؛ مع قصورهما سنداً بالإضمار في الأوّل، و عدم إيمان بعض رواة الثاني،فلا يقاومان إطلاق ما دلّ على نفي الزكاة مع

ص:101


1- المدارك 5:167؛ و انظر الذخيرة:449،و الحدائق 12:146.
2- الذخيرة:449،و هو في نهاية الإحكام 2:364.
3- الكافي 3:/528 2،التهذيب 4:/68 186،الإستبصار 2:/10 29،الوسائل 9:71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 3 بتفاوت يسير.
4- الكافي 3:/529 9،التهذيب 4:/69 187،الإستبصار 2:/10 30،الوسائل 9:70 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 1.
5- الكافي 3:/528 3،الوسائل 9:72 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 6.
6- منهم الشيخ في التهذيب 4:75،و الاستبصار 2:11،و العلّامة في نهاية الإحكام 2:365.

النقيصة من الفتوى و الرواية،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.

و أمّا تقدير النصاب هنا بنصاب أحد النقدين دون غيرهما فلم أجد من النصوص عليه دلالة،نعم ربما يستشعر ذلك من بعضها،بل في المدارك:أنّ ظاهر الروايات أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر نصابهما و يتساويان في قدر المخرَج (1)؛ و في الذخيرة بعد نقله عنه:

و للتأمّل فيه مجال و إن كان لما ذكره وجه (2)،انتهى.و هو حسن.

و كيف كان فالحكم ممّا لا إشكال فيه بعد عدم ظهور خلاف فيه،بل قيل:إنّه متفق عليه بين الخاصّة و العامّة (3).

و اعلم:أنّه يعتبر زيادةً على هذه الشروط ما مرّ من الشروط العامة.

و هل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في المال،أم لا فتثبت الزكاة و إن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان،ظاهر الأصل و النصوص هو الأوّل كما عن الصدوق و المفيد (4)،و عليه الماتن في الشرائع و غيره (5).

خلافاً للفاضل و ولده و من تأخّر عنهما (6)،كما في المدارك،قال:

و ادّعيا عليه في التذكرة و الشرح الإجماع (7).و هو ضعيف.

و ظاهر المتن تعلّق الزكاة بالقيمة لا بالسلعة،كما صرّح به في

ص:102


1- المدارك 5:167.
2- الذخيرة:449.
3- الحدائق 12:146.
4- المقنع:52،الفقيه 2:11،المقنعة:239.
5- الشرائع 1:157،المعتبر 2:547.
6- كما في التذكرة 1:229،الإيضاح 1:187،البيان:307،المسالك 1:58.
7- المدارك 5:172.

الشرائع (1)،و تبعه الفاضل في المنتهى و غيره (2)،و عزاه في المدارك إلى الشيخ و أتباعه (3)؛ و الحجّة عليه غير واضحة عدا أمر اعتباري ضعيف، و روايةٍ قاصرة الدلالة (4)،فلا يصلحان صارفاً لظواهر جملة من النصوص الدالة على تعلّقها بعين مال التجارة (5)؛ و لعلّه لذا جعل الماتن مدلولها في المعتبر مع جواز العدول إلى القيمة بدلاً عن الزكاة أنسب بالمذهب، و نفى عنه البأس في التذكرة،على ما نقله عنهما في المدارك و استحسنه (6).

و يشترط في زكاة الخيل حول الحول السابق عليها و السوم،و كونها إناثاً بإجماعنا الظاهر المصرّح به في التذكرة و المنتهى (7)،و قد مرّ الصحيح (8)المستفاد منه اعتبار الثلاثة في بحث عدم الزكاة مطلقاً فيما عدا الخيل و الحمول الثلاثة.

و حيث اجتمعت الشروط الثلاثة فيخرج عن العتيق الذي أبواه عربيان كريمان ديناران،و عن البِرْذَون الذي هو خلافه دينار واحد بلا خلاف؛ للصحيح:« وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين،و جعل على البراذين ديناراً» (9).

ص:103


1- الشرائع 1:157.
2- المنتهى 1:508؛ و انظر نهاية الإحكام 2:365.
3- المدارك 5:173.
4- الكافي 3:/516 8،التهذيب 4:/93 269،الإستبصار 2:/39 121،الوسائل 9:139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 7.
5- الوسائل 9:70 و 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 و 14.
6- المدارك 5:173،و هو في المعتبر 2:547،و التذكرة 1:228.
7- التذكرة 1:230،المنتهى 1:510.
8- في ص:2294.
9- الكافي 3:/15 1،التهذيب 4:/67 183،الإستبصار 2:/12 34،الوسائل 9:77 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 16 ح 1.

و كلّ ما يخرج من الأرض ممّا تستحب فيه الزكاة حكمه حكم الأجناس الأربعة في اعتبار السقي و المؤمن قدر النصاب و كمّية الواجب إخراجه منها،بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)، و في المدارك أنّه متّفق عليه بين الأصحاب (2)،بل قال في المنتهى:إنّه لا خلاف فيه بين العلماء (3)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة في اعتبار النصاب و السقي.

ففي الصحيح:إنّ لنا رطبة و أُرزاً،فما الذي علينا فيها؟فقال عليه السلام:

« أمّا الرطبة فليس عليك فيها شيء،و أمّا الأرز فما سَقَت السماء العُشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كِلت بالصاع» أو قال:« وكيل بالمكيال» (4).

و في آخر:« الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير،و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» (5).

و لا قائل بالفرق،مع أنّ في بعضها:« كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب» (6).

و عموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الشروط المزبورة.

ص:104


1- الذخيرة:451.
2- المدارك 5:159.
3- المنتهى 1:510.
4- الكافي 3:/511 5،الوسائل 9:62 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 2.
5- التهذيب 4:/65 177،الوسائل 9:64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 10.
6- الكافي 3:/511 4،الوسائل 9:61 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 1.

الركن الثالث في وقت الوجوب

الركن الثالث في بيان وقت الوجوب اعلم:أنّه فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات:التسمية أو الاحمرار و الاصفرار و الانعقاد على ما مرّ من الخلاف (1).

و أمّا ما يعتبر فيه فقد مرّ (2)أيضاً أنّه إذا أهلّ الشهر الثاني عشر وجبت الزكاة بلا خلاف،و إن اختلف في استقرار الوجوب به كما هو ظاهر النصّ و الفتاوى بالتقريب الماضي،أو تزلزله و عدم استقراره إلّا بتمام الحول اللغوي و العرفي كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (3)،و لكنّه نادر،حتى أن سبطه في المدارك قال:إنّه لم يعرف له من السلف موافق (4).

و يعتبر استكمال شرائط الوجوب من النصاب و إمكان التصرف و السوم في الماشية و كونها دراهم أو دنانير منقوشة في الأثمان فيه (5) أي في الحول المدلول عليه بالسياق لا الشهر الثاني عشر، بلا خلاف و لا إشكال.

و عند الوجوب و استقراره يتعيّن دفع الواجب مطلقاً حتى في الغلاّت إن جعلنا وقته فيها و وقت الإخراج واحداً و هو التسمية بأحدها

ص:105


1- في ص:2302.
2- في ص:2302.
3- كما في المسالك 1:53.
4- المدارك 5:73.
5- في النافع زيادة:كلّه.

عرفاً كما هو مختار الماتن (1)،و إلّا كما هو المشهور فالوقتان متغايران.

و يمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج لا وجوب الزكاة و إن خالف ظاهر العبارة ليناسب مذهب الكل،إذ على التفصيل يجوز التأخير عن أوّل وقت الوجوب إلى وقت الإخراج إجماعاً كما مضى،و به صرّح في الروضة هنا (2).

و أمّا بعد وقت الإخراج ف لا يجوز تأخيره مطلقاً إلّا لعذر كانتظار المستحق و شبهه من خوفٍ أو غيبة المال،فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف (3)و أمّا عدم الجواز لغير عذر فهو الأشهر بين أصحابنا،حتى أنّ الفاضل في المنتهى عزاه إلى علمائنا (4)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما هو ظاهر الغنية أيضاً (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة كما ادّعاه المفيد في المقنعة (6).

منها زيادةً على ما يأتي من الصحيح المشبِّه للزكاة بالصوم في عدم جواز التأخير عن وقته إلّا قضاءً و نحوه الرضوي الآتي (7)الصحيح:عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات،أ يؤخرّها حتى يدفعها في وقت واحد؟فقال:« متى حلّت أخرجها» (8).

ص:106


1- راجع ص:2336،و الشرائع 1:153،و المعتبر 2:534.
2- الروضة 2:38.
3- في« ح» زيادة:بل عليه الإجماع في المنتهى 1:511.
4- المنتهى 1:510.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
6- المقنعة:240.
7- في ص:2360.
8- الكافي 3:/523 4،الوسائل 9:306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.

و الخبر المروي في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسندٍ فيه ضعف بالجوهري،و لكنّه بالشهرة مجبور-:« و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» (1).

و قيل و القائل الشيخ في النهاية (2): إذا عزلها عن ماله جاز تأخيرها شهراً أو شهرين للصحيح:« لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» (3).

و إطلاقه و إن اقتضى جواز تأخيرها إلى الشهرين مطلقاً،لكنّه مقيّد بصورة العزل،للموثق:زكاتي تحلّ في شهر،أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني؟فقال:« إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشيء،ثم أعطها كيف شئت» قال،قلت:فإن أنا كتبتها و أثبتّها أ يستقيم لي؟قال:« نعم لا يضرّك» (4).

و إطلاقه بجواز التأخير مع العزل مقيّد بما إذا لم يتجاوز المدة، للصحيحة.و به تصرف المستفيضة المتقدّمة عن ظواهرها،بحمل الإخراج المستفاد منها لزومه فوراً على العزل لا الدفع،أو يحمل على الاستحباب.

و فيه:أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود في هذين الخبرين، لأرجحيّة ما ما قابلهما بالاستفاضة و الشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة؛ مع

ص:107


1- مستطرفات السرائر:/99 25،الوسائل 9:308 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 4.
2- النهاية:183.
3- التهذيب 4:/44 114،الإستبصار 2:/32 96،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.
4- الكافي 3:/522 3،التهذيب 4:/45 119،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

قوة احتمال ورود صحيحهما للتقية،فقد حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة و غيره من العامة (1)،و هما و إن أطلقا جواز التأخير ما لم يطلب فيعمّ ما لو تأخّر عن المدّة،لكن تحديد التأخير بها في الصحيح يحتمل التمثيل، لورود أخبار أُخر في التعجيل و التأخير بها و بزيادة من ثلاثة كما في بعضها (2)،أو أربعة كما في آخر (3)،أو خمسة كما في غيرها (4)،و ليس ذلك إلّا لعدم الحصر في مدّة،و يعضده خلوّ الموثقة عن التقييد بها بالكلية.

و لعلّه لذا افتى الشهيد في الدروس (5)بجواز التأخير مطلقاً لانتظار الأفضل،أو التعميم من غير تقييد بمدّة،و كذا في البيان (6)بزيادة التأخير لمعتاد الطلب بما لا يؤدّي إلى إهمال.

لكنّه محلّ نظر أيضاً،لتضمّن الموثق الأمر بالعزل،و هو لم يذكره أصلاً،و عمومه بجواز التأخير بعد العزل من غير تقييد بكونه لانتظار الأفضل و نحوه و هو قد قيّده به،هذا.

مع أنّ الخبرين قد تضمّنا ما لا يقول به الشيخ،لتضمّن الأوّل جواز تعجيل الزكاة،و الثاني جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الإثبات،و لم يذكره هو،إلّا أن يكون مراده بالعزل ما يعمّه،هذا.

ص:108


1- المنتهى 1:510.
2- الكافي 3:/523 7،التهذيب 4:/45 118،مستطرفات السرائر:/99 24،الوسائل 9:308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.
3- المقنعة:240،الوسائل 9:303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 13.
4- التهذيب 4:/44 115،الاستبصار 2:/32 97 بتفاوت فيهما،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
5- الدروس 1:245.
6- البيان:334.

و يمكن الجمع بينهما و بين المستفيضة بإبقائها على حالها و تقييدهما بحال العذر و الضرورة،و لا ريب أنّ هذا الجمع أقوى،لما مضى (1).

و ظاهر الحلّي جواز التأخير إيثاراً لبعض المستحقين،و إن ضمن مع التلف و لو بغير تفريط،و لا يأثم بغير خلاف،و ادّعى بعد ذلك أيضاً الإجماع صريحاً،قال:لأنّه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيراً دون فقير،و لا يكون مخلاًّ بواجب و لا فاعلاً لقبيح (2).

و في ثبوت الإجماع بمثل هذا التعليل ما ترى،مع أنّه موهون جدّاً بمصير الأكثر إلى خلافه كما مضى.

و لشيخنا الشهيد الثاني هنا قول آخر قد تبعه فيه سبطه و مَن عنهما تأخّر (3)،و هو جواز التأخير لشهرٍ و شهرين مطلقاً (4)؛ و لعلّه للصحيح الماضي سنداً للشيخ،و قد مرّ ما فيه.

و العجب ممّن تبعه في الاستدلال عليه بما دلّ على جواز التقديم و التأخير زيادة على الشهرين من ثلاثة أشهر أو أربعة،مع أنّهم لم يذكروها بالكليّة،اللّهم إلّا أن يكون ذكرهم الشهرين تمثيلاً لا حصراً كما مضى.

و كيف كان الأشبه أنّ جواز التأخير مشروط بالعذر فلا يتقدّر بغير زواله مطلقاً (5).

و لو أخّر الدفع مع إمكان التسليم ضمن بلا خلاف أجده

ص:109


1- من رجحان المستفيضة بما عرفته.منه رحمه اللّه.
2- السرائر 1:454.
3- الروضة 2:39،المدارك 5:289،الذخيرة:428.
4- من غير تقييد بعذر و لا بانتظار الأفضل و نحوه.منه رحمه اللّه.
5- أي لا شهرٍ و لا شهرين و لا مع مراعاة الأفضل و نحوه.منه رحمه اللّه.

حتى ممن جوّز التأخير لغير عذر،كالحلّي و غيره (1)،فقد صرّحا بهذا الحكم؛ للنصوص.

منها الصحيح:رجل بعث بزكاة ماله لتُقسم فضاعت،هل عليه ضمانها حتى تقسم؟قال:« إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها،و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعض بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،لأنّها قد خرجت من يده،و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه،فإن لم يجد فليس عليه ضمان» (2).

و نحوه الصحيح الآتي في الضمان بنقلها من البلد مع وجود المستحق،و غيره (3).

و في هذه النصوص تأييد لما قدّمناه من عدم جواز التأخير لغير عذر مطلقاً،لبُعد الضمان مع كون التأخير برخصة الشارع،بل الظاهر أنّه من حيث الإثم به و عدم رخصة من الشارع فيه.

و ما دلّ عليه الصحيح الأوّل من انسحاب الحكم في الوصي بالتفرقة لها قد صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده،و ألحقوا به الوكيل و الوصي بتفرقة غيرها،و صرّحوا بجواز التأخير لهما أيضاً مع خوف الضرر و لو مع وجود المستحق.و لا ريب فيه،لاتّحاد الدليل،و هو عموم نفي

ص:110


1- السرائر 1:454؛ و انظر الروضة 2:38.
2- الكافي 3:/553 1،الفقيه 2:/15 46،التهذيب 4:/47 125،الوسائل 9:285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.
3- في ص:2363.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:165،و العلّامة في التحرير 1:66،و الشهيد في الدروس 1:245.

الضرر.

و هل الحكم بالضمان بالتأخير مع التمكن من الدفع يعمّ ما لو كان لتعميمها لمستحق البلد مع كثرتهم و غيره كما هو ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى،أم يختص بالثاني؟وجهان:من الإطلاق،و قوّة احتمال اختصاصه بالثاني بحكم التبادر و غيره،فإنّ التأخير في الأوّل لا يسمّى تأخيراً عرفاً.

و لعلّ هذا هو الأقوى،وفاقاً لبعض المتأخّرين (1)خلافاً للفاضل فبقي على التردّد في التحرير و المنتهى (2).و ممّا ذكرنا يظهر جواز هذا التأخير كما قطع به في الكتابين أيضاً.

و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب بنيّتها على أشهر الروايتين و أظهرهما،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضاً،إلّا ما يُحكى عن ظاهر العماني و الديلمي (3)،و عبارته المحكيّة غير صريحة فيه و لا ظاهرة،بل و لا مشعرة و إن ادّعاه الفاضل في المختلف (4)، و على تقدير ثبوت المخالفة فهما نادران،بل على خلافهما الإجماع في الخلاف (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأُصول و النصوص.

منها الصحيح:الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟قال:« لا،و لكن حتى يحول عليه الحول و تحلّ عليه،إنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها،و كذلك الزكاة،و لا يصومنّ أحد شهر

ص:111


1- المدارك 5:291.
2- التحرير 1:66،المنتهى 1:511.
3- حكاه عن العماني في المختلف:188،الديلمي في المراسم:128.
4- المختلف:188.
5- الخلاف 2:43.

رمضان إلّا في شهره إلّا قضاءً،و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (1).

و الصحيح:أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟قال:

« لا،أ يصلّي الاُولى قبل الزوال؟! » (2)و الرواية الثانية كثيرة،لكنّها مع ندرتها و ضعف جملة منها مختلفة في تحديد مدّة التعجيل،فبين محدّدٍ لها بشهرٍ و شهرين خاصة،كالصحيح المتقدم إليه الإشارة (3)،أو ثلاثة بل و أربعة كالصحيح:إنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم،فيعجّلها في شهر رمضان؟قال:« لا بأس» (4)أو بخمسة كما في رواية (5)،أو من أوّل السنة كما في أُخرى (6)،غير مكافأة لما مرّ من الأدلّة.

فلتطرح،أو تحمل على التقية،فقد حكي جواز التعجيل في المعتبر و المنتهى عن أحمد و الشافعي و أبي حنيفة (7).

و لا ينافيه تحديد جملة منها التعجيل بمدّةٍ مع أنّه لم يُحكَ عنهم التحديد بها،لأنّ اختلافها فيها لعلّه كاشف عن كون التحديد بها تمثيلاً لا حصراً.

ص:112


1- الكافي 3:/523 8،التهذيب 4:/43 110،الإستبصار 2:/31 92،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.
2- الكافي 3:/524 9،التهذيب 4:/43 111،الإستبصار 2:/32 93،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.
3- في ص:2356.
4- التهذيب 4:/44 112،الإستبصار 2:/32 94،الوسائل 9:301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.
5- التهذيب 4:/44 115،الاستبصار 2:/32 97 بتفاوت في النص،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
6- التهذيب 4:/44 113،الإستبصار 2:/32 95،الوسائل 9:302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.
7- المعتبر 2:554،المنتهى 1:511.

أو على كون التعجيل قرضاً،لجوازه بل استحبابه اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً،كما سيأتي،و يشهد له الرضوي:« إنّي أروي عن أبي عليه السلام في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر (1)،إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك،و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلّا أن يكون قضاءً، و كذلك الزكاة،و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرج به عن مؤمن فاجعلها ديناً عليه،فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة،فإنّه يحسب لك من زكاة مالك و يكتب لك أجر القرض و الزكاة» (2).

و لا ينافيه أيضاً التحديد بالمدة لما عرفته.

و يجوز بل يستحب دفعها إلى المستحق بل مطلقاً قرضاً و احتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق الوجوب بدخول وقته مع حصول شرائطه و بقي القابض لها على صفة الاستحقاق أو حصلت؛ لما مرّ من الرضوي.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة، منها:إنّي رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشيء و ليس هو إبّان زكاتي،فقال عليه السلام له:« القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة،و ما ذا عليك إن كنت كما تقول موسراً أعطيته؟فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة،يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللّه عظيم» (3).

و منها:« قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير،إن أيسر أدّى و إن مات

ص:113


1- في المصدر زيادة:أو ستة أشهر.
2- فقه الرضا(عليه السلام):197،المستدرك 7:130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
3- الكافي 4:/34 4،الوسائل 9:300 أبواب المستحقين ب 49 ح 2 بتفاوت يسير.

احتسب من الزكاة» (1).

و فيها تأييد ما للمختار من المنع عن تقديمها زكاة كما لا يخفى.

و كما يجوز احتسابه عليه من الزكاة مع بقائه على صفة الاستحقاق كذا يجوز مطالبته بعوضه و دفعه إلى غيره،و دفع غيره إلى غيره؛ لأنّ حكمه حكم الديون مع عدم ظهور ما يخالفه من النصوص،إذ غايتها جواز الاحتساب عليه من الزكاة لا وجوبه،و بهذا الحكم صرّح جماعة من الأصحاب من غير خلاف (2).

و لو تغيّر حال المستحق عند تحقق الوجوب بأن صار غنيّاً مثلاً أو فُقِد فيه أحد شروط الاستحقاق استأنف المالك الإخراج بلا خلاف و لا إشكال على المختار من عدم جواز التعجيل إلّا قرضاً،و كذا على غيره، وفاقاً للمنتهى و غيره (3)،قالا:لأنّ الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقاً فكذا القابض.و فيه نظر.

نعم في الصحيح:رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة،فقال:« يعيد المعطي الزكاة» (4).

و لو عُدِم المستحق في بلده نقلها إلى غيره جوازاً بل وجوباً و لم يضمن لو تلف بغير تفريط و يضمن لو نقلها مع وجوده فيه، بغير خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح جماعة،مؤذنين بدعوى

ص:114


1- الكافي 3:/558 1،الفقيه 2:/32 127،الوسائل 9:299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:557،و العلّامة في المنتهى 1:512،و صاحب المدارك 5:297.
3- المنتهى 1:512؛ و انظر المدارك 5:296.
4- الكافي 3:/545 2،الفقيه 2:/15 44،التهذيب 4:/45 117،الإستبصار 2:/33 99،الوسائل 9:304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.

الإجماع عليه،كما في صريح الخلاف في الجميع (1)،و المنتهى في الثاني (2)؛ و هو الحجّة مضافاً إلى الأُصول و النصوص.

و منها:الصحيحان الماضي أحدهما قريباً (3)،و في الثاني:عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت،فقال:« ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:فإن لم يجد لها أهلاً ففسدت و تغيّرت،أ يضمنها؟قال:

«لا،و لكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» (4).

و عليهما ينزّل إطلاق ما دلّ على نفي الضمان كالموثق:الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق،فقال:« قد أجزأت عنه،و لو كنت أنا لأعدتها» (5)و الحسن:« ليس عليه شيء» (6)بحملهما على صورة النقل مع عدم المستحق.

و في جواز النقل في غير هذه الصورة (7)أم تحريمه قولان.

من الأصل،و استفاضة النصوص بالجواز على الإطلاق،و منها الصحيح:في الرجل يعطي الزكاة ليقسّمها،إله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيره؟قال:« لا بأس» (8).

ص:115


1- الخلاف 2:28.
2- المنتهى 1:529.
3- في ص:2358.
4- الكافي 3:/553 4،التهذيب /48 126،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.
5- الكافي 3:/554 9،الوسائل 9:287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.
6- الكافي 3:/554 5،التهذيب 4:/47 124،الوسائل 9:287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.
7- و هو صورة النقل مع وجود المستحق.منه رحمه اللّه.
8- الكافي 3:/554 7،الفقيه 2:/16 50،الوسائل 9:282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1.

و من أنّ فيه نوع خطر و تغرير بالزكاة و تعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى مستحقّها،فيكون حراماً،و أنّه مناف للفوريّة.

و على هذا الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (1)،كما هو ظاهر التذكرة حيث عزاه إلى علمائنا (2).فإن تمّ إجماعاً،و إلّا كما هو الظاهر لمصير الناقلين له إلى الجواز في جملة من كتبهما (3)،و عزاه في المنتهى إلى شيخنا المفيد و الشيخ في كتبه و اختاره (4)،و في المختلف إليه في المبسوط بشرط الضمان،و إلى ابن حمزة مع الكراهة و استقربه (5)فالأوّل أقوى؛ لما مضى،و ضعفِ الوجهين للمنع،فالأوّل باندفاعه بالضمان،و الثاني بمنعه، لأنّ النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافياً للفورية.

هذا إن قلنا بوجوبها (6)كما هو الأقوى،و إلّا فهو غير متوجّه من أصله جدّاً.

نعم الأحوط الثاني؛ لشبهة دعوى الإجماع المعتضدة بالشهرة المنقولة في عبارة بعض الأصحاب (7)،مضافاً إلى التأيّد بما دلّ على الضمان بناءً على ما قدّمنا من بُعد ثبوته مع كون النقل برخصة الشرع و تجويزه.

هذا مع ضعف أكثر النصوص المجوّزة أو بعضها،مع موافقتها

ص:116


1- الخلاف 2:28،و ح 4:229.
2- التذكرة 1:244.
3- المنتهى 1:529،المختلف:190،الاقتصاد:279.
4- المنتهى 1:529،المفيد في المقنعة:240،الشيخ في الاقتصاد:279.
5- المختلف:190،المبسوط 1:245،الوسيلة:130.
6- أي وجوب الفورية.
7- كصاحب الحدائق 12:239.

لمذهب أبي حنيفة كما حكاه عنه في المنتهى (1).

و في الصحيح:« لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب،و لا صدقة الأعراب للمهاجرين» (2).

و في آخر« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (3)و فيهما تأييد ما للمنع، و يفهم من الكافي كونهما من روايات المسألة،حيث نقلهما في بابها.

ثم على القولين لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء،عند علمائنا أجمع،كما في المنتهى و غيره (4)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.كما صرّح في المختلف (5)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل و صدق الامتثال،و في المنتهى:إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي وجد المستحق فيها، استحباب عندنا و وجوباً عند القائلين بتحريم النقل (6).و هو حسن.

و اعلم:أنّ نقل الواجب إنّما يتحقق مع عزله قبله بالنية،و إلّا فالذاهب من ماله كما عليه شيخنا الشهيد الثاني،قال:لعدم تعيّنه (7)؛ أو منه و من الزكاة على الشركة و إن ضمنها مع التلف كما هو الظاهر،و هو خيرة سبطه (8).

ص:117


1- المنتهى 1:529.
2- الكافي 3:/554 10،المقنعة:263،التهذيب 4:/108 309،الوسائل 9:284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.
3- الكافي 3:/554 8،الفقيه 2:/16 48،التهذيب 4:/103 292،الوسائل 9:284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.
4- المنتهى 1:529؛ و انظر التذكرة 1:244،و المدارك 5:269.
5- المختلف:190.
6- المنتهى 1:529.
7- كما في المسالك 1:62.
8- المدارك 5:267.

و لا فرق على القولين بين وجود المستحق و عدمه.

ثم إنّه لا ريب في جواز العزل مع عدم وجود المستحق،بل يستحب كما يأتي.

و في جوازه مع وجوده نظر لشيخنا الشهيد الثاني،قال:من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الإمكان.و استقرب في الدروس جواز العزل بالنية مطلقاً،و عليه تبنى المسألة هنا.و أمّا نقل قدر الحق بدون النيّة فهو كنقل شيء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقاً،فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر،من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال، و جوازِ كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد،و عليه يتفرّع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.انتهى (1).

و في كلّ من وجهي المنع في النظرين نظر،لمخالفتهما عموم ما دلّ على جواز العزل من النصوص،من غير تخصيص فيها بفقد المستحق،بل ظهور بعضها في جوازه مع وجوده،كما حكاه هو عن الدروس،و سبطه عنه و عن ظاهر المعتبر و صريح التذكرة (2)،و ما دلّ على جواز إخراج القيمة عن الزكاة من غير تخصيص ببلد المال،مع أنّ جواز كون الحكمة نفع المستحقين أمر مستنبط فلا يكون حجة من أصله فضلاً عن أن يعارض به النصّ،سيّما مع قيام الإجماع على خلافه في نفس الزكاة إذا نُقلت مع وجود المستحق و أُوصلت إلى الفقراء،فإنّها تجزي كما مضى.

ص:118


1- الروضة 2:40،و هو في الدروس:65.
2- حكاه عنه في المدارك 5:267،المعتبر 2:588،التذكرة 1:238.

ثم إنّ في كلّ من دعوى ابتناء المسألة (1)على جواز العزل بالنية مطلقاً و عدم شبهة في إطلاق جواز نقل قدر الحق بدون النية نظراً أيضاً:أمّا الأُولى فلإمكان تحقق الضمان بالنقل بتقدير وجود المستحق بعد العزل، فلا يتوقف على القول بإطلاق جواز العزل،و يتوجّه على القول بالمنع أيضاً مع وجود المستحق.

ثم إنّها على تقدير تسليمها لا يجامع النظر في جواز العزل مع وجود المستحق،لأنّ فيها اعترافاً باتفاق الأصحاب على جوازه،حيث فرضوا الضمان في المسألة،و هو لا يتم إلّا على تقدير صحة جواز العزل كما ذكره،فتدبّر.

و أمّا الثانية فلأنّ قدر الحق المنقول مشترك بينه و بين الزكاة،فيتوجّه المنع عن نقلها على القول به،إلّا أن يبنى هذا على ما اختاره سابقاً (2).

و النيّة معتبرة في إخراجها و عزلها بإجماع العلماء عدا الأوزاعي كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما (3).

و لا بُدّ فيها من مقارنتها للدفع إلى المستحق أو الإمام أو الساعي أو وكيل المستحق،على قول قويّ في الأخير للمبسوط و الفاضل في المختلف (4)،حيث جوّزا الدفع إليه لكونه توكيلاً في المباح فيجوز.

خلافاً للقاضي و الحلّي فلا يجوز (5)،و مال إليه في الذخيرة

ص:119


1- و هي ضمان الزكاة بالنقل مع وجود المستحق.منه رحمه اللّه.
2- من أن نقل الواجب مع عدم عزله بالنية قبله يوجب كون الذاهب من ماله.منه رحمه اللّه.
3- المعتبر 2:559،المنتهى 1:516؛ و انظر التذكرة 1:242،و المفاتيح 1:209.
4- المبسوط 1:233،المختلف:192.
5- نقله عن القاضي في السرائر 2:81،السرائر 2:81.

و المدارك (1)،قالا:لأنّ إقامة الوكيل مقام الموكّل في ذلك تحتاج إلى دليل و لم يثبت.

و يضعّف:بأنّ الدليل بالخصوص غير مشترط قطعاً،و العام ثابت، و هو ما قدّمنا.

و اعتبار المقارنة بمعنى عدم جواز التقديم متّفق عليه بيننا كما في المدارك و غيره (2)،و عزاه في الأوّل إلى أكثر العامة.

و في جواز التأخير مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الفاضلين (3)أو بشرط بقاء العين،أو علم القابض بكون المدفوع زكاة و إلّا فإشكال، إشكال،و الاحتياط يقتضي المصير إلى الثاني.

و لا بُدّ فيها أيضاً من التعيين و قصد القربة قطعاً،و الوجوب أو الندب على الأحوط كما في كل عبادة.و لا تفتقر إلى تعيين الجنس الذي يخرج منه إجماعاً كما في المنتهى (4)،و في غيره نفي الخلاف عنه (5).

ص:120


1- الذخيرة:468،المدارك 5:301.
2- المدارك 5:301؛ و انظر الذخيرة:468.
3- كما في الشرائع 1:168،و الإرشاد 1:289.
4- المنتهى 1:516.
5- المفاتيح 1:209.

الركن الرابع في المستحق

اشارة

الركن الرابع في بيان المستحق و ما يتعلق به و النظر في في أُمور ثلاثة:

الأصناف و الأوصاف المعتبرة فيهم و اللواحق

أمّا الأصناف فثمانية
اشارة

أمّا الأصناف فثمانية بنصّ الآية الكريمة،بناءً على تغاير الفقراء و المساكين كما هو المشهور لغةً و فتوى،حتى أنّ في المنتهى ادّعى الإجماع عليه و لو التزاماً،حيث قال بعد جعلهم ثمانية بالنصّ و الإجماع -:قال اللّه سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ [1] (1) إلى أن قال:و لا خلاف بين المسلمين في ذلك (2).

الصنف الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين

الفقراء و المساكين و لا تميّز بينهما مع الانفراد،بل العرب قد استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر،أما مع الجمع بينهما فلا بُدّ من المائز.

و قد اختلف العلماء في أنّ أيّهما أسوأ حالاً من الآخر، و هو كالصريح في الإجماع على التغاير،و على دخول كلّ منهما في الآخر إذا انفرد،كما يستفاد أيضاً من ظاهر التحرير و المختلف و غيرهما (3)،و به

ص:121


1- التوبة:60.
2- المنتهى 1:517.
3- التحرير:67،المختلف:180؛ و انظر نهاية الإحكام 2:379.

صرّح في الروضة،فقال بعد الإشارة إلى محل الخلاف-: و لا ثمرة مهمة في تحقيقه للإجماع على إرادة كلّ منهما من الآخر حيث يفرد، و على استحقاقهما من الزكاة،و لم يقعا مجتمعين إلّا فيها،و إنّما تظهر الفائدة في أُمور نادرة (1).

أقول: كما إذا نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالاً.

و قريب منه في المسالك.

فلا إشكال في التغاير سيّما مع تصريح الغنية بالإجماع على أنّ المسكين أسوأ حالاً،قال:و قد نصّ على ذلك الأكثر من أهل اللغة (2)؛ و نحوه في نسبته إلى أهل اللغة لكن من غير تقييد بالأكثر الفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في المسالك (3).

و يدلّ عليه الصحيح أيضاً:« الفقير الذي لا يسأل،و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل» (4)و نحوه الحسن،و فيه أن:« البائس أجهدهم» (5).

و كما أنّ في هذه الأدلّة دلالة على التغاير كذا فيها دلالة على أنّ المسكين أسوأ حالاً كما هو الأقوى،وفاقا لجمهور متأخّري أصحابنا،وفاقاً للنهاية و المفيد و الإسكافي و الديلمي (6)من القدماء.

ص:122


1- الروضة 2:42.
2- المسالك 1:59.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- التنقيح 1:317،المسالك 1:59.
5- الكافي 3:/502 18،الوسائل 9:201 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
6- الكافي 3:/501 16،التهذيب 4:/104 297،الوسائل 9:210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 3.

خلافاً للمبسوط،و عن الجمل و المرتضى و ابن حمزة و الحلّي (1)فالعكس؛ لوجوه مدخولة معارضة بمثلها و أقوى،و هو ما قدّمنا [قدمناه] . و الضابط الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة و نحوها هو:أن لا يكون آخذها غنيّاً بلا خلاف فتوًى و نصّاً،و إن اختلفا في تحديده ب من لا يملك مئونة سنة له و لعياله اللازمين له،أو من لا يملك نصاباً تجب فيه الزكاة.

و الأوّل أقوى،وفاقاً لجمهور أصحابنا بل عامّتهم،عدا نادر صار إلى الثاني،و هو غير معروف،و ربما يجعل الشيخ في الخلاف (2)مع أنّ المحكيّ عنه في التحرير خلافه و مصيره إلى المختار (3).

و كيف كان فلا ريب في ضعفه و شذوذه،حتى أنّ المرتضى في الناصرية ادّعى الإجماع على خلافه (4).و الحجة عليه بعده النصوص المستفيضة،و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأدلة:الخبران المروي أحدهما في المقنعة عن يونس بن عمار،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:« تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة،و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» (5)الخبر.

و ثانيهما:في العلل،و فيه:عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له أن يسأل،و إن اعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟قال:« يأخذ

ص:123


1- المبسوط 1:246،الجمل و العقود(الرسائل العشر):206،الوسيلة:128،السرائر 1:456.
2- الخلاف 2:146،حكاه عنه في المهذب البارع 1:529.
3- التحرير:68.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):206.
5- المقنعة:248 الوسائل 9:234 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 10.

و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة،لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» (1).

و قريب منهما الصحيح:« يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره» قلت:فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟قال:« زكاته صدقة على عياله،و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة،فهذا يأخذها» (2)الخبر.

و قصور السند أو ضعفه حيث كان منجبر بعمل الأصحاب.

و من الثانية:النصوص الآتية في جواز أخذ الزكاة لمن له سبعمائة إذا كانت تقصر عن استنماء الكفاية،بناءً على أنّ الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول السنة،مع أنّها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب خلافاً للقول الثاني،فتعيّن الأوّل،إذ لا قائل بالفرق.

و أمّا ما يحكي عن المبسوط (3)من اعتباره الكفاية على الدوام فغير مفهوم مراده،هل الدوام إلى سنة كما استظهره من عبارة الفاضل (4)،أو غيره؟و على هذا فلا يمكن جعله مخالفاً،سيّما و إنّ ظاهر جملة من الأصحاب و منهم الفاضل المقداد في التنقيح (5)انحصار القول هنا فيما ذكرناه من القولين،و حيث ثبت فساد الثاني قطعاً تعيّن الأوّل.

و لا يمنع عن الزكاة لو ملك الدار و الخادم و الدابة المحتاج

ص:124


1- علل الشرائع:/371 1،الوسائل 9:233 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7.
2- الكافي 3:/560 1،الوسائل 9:231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1.
3- المبسوط 1:256،و حكاه عنه في المهذب البارع 1:529.
4- كما في نهاية الإحكام 2:380.
5- التنقيح الرائع 1:317.

إليها بحسب حاله،بلا خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (1)،و عن التذكرة إلحاق ثياب التجمّل نافياً الخلاف عن أصل الحكم فيها و في الملحق به (2)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر:عن الزكاة أ يُعطاها من له الدابة؟قال:« نعم،و من له الدار و العبد،فإنّ الدار ليس يعدّها مال» (3).

و نحوه المرسل القريب منه سنداً:عن الرجل له دار و خادم أو عبد، أ يقبل الزكاة؟قال:« نعم،إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» (4).

و نحوهما الموثق (5)و الخبران (6)،معلّلاً فيها الحكم بنحو ما في سابقيها.

و يستفاد من التعليل عدم اختصاص الحكم بالمذكورات،بل يلحق بها كلّ ما يحتاج إليه من الآلات اللائقة بحاله و كتب العلم،لمسيس الحاجة إلى ذلك كله،مع عدم الخروج بملكه عن حدّ الفقر عرفاً،و به صرّح

ص:125


1- المفاتيح 1:205.
2- التذكرة 1:236.
3- مسائل علي بن جعفر:/142 165،الوسائل 9:237 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 5.و فيهما:« ليس نعدّها مالاً».
4- الكافي 3:/561 7،الفقيه 2:/17 56،التهذيب 4:/51 133،الوسائل 9:235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
5- الكافي 3:/560 4،الفقيه 2:/17 57،المقنعة:363،التهذيب 4:/48 127،الوسائل 9:235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.
6- الكافي 3:/562 10،التهذيب 4:/52 134،الوسائل 9:236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3 و 4.

جماعة من أصحابنا (1).

و إطلاق النصّ و الفتوى و إن اقتضى عموم الحكم في المذكورات و شموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة لمئونة السنة و أمكنه بيعها منفردةً،إلّا أنّ حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه الصورة مع عدم صدق الفقر في مثلها بلا شبهة،فتجب بيع الزيادة.

نعم،لو كان حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة فلا يبعد أن لا يكلّف بيعها و شراء الأدون منها قيمةً،للإطلاق،مع ما في تكليفه بذلك من العسر و المشقة،اللّهُمَّ إلّا أن تخرج عن مناسبة حاله كثيراً بحيث لا ينصرف إليها الإطلاقات عرفاً.

قيل:و لو فُقدت هذه المذكورات استثنى أثمانها مع الحاجة إليها، و لا يبعد إلحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك مع حاجته إليه (2).

و كذا لا يمنع مَن في يده ما يتّجر فيه ل يتعيّش به و لكن يعجز عن استنماء الكفاية له و لعياله طول السنة،بل يُعطى منها و لو كان ما بيده سبعمائة درهم و لا يكلّف إنفاقها.

و يمنع مَن يستنمي الكفاية منه و لو كان خمسين درهماً، بلا خلاف أجده فيها أيضاً؛ لصدق الغناء في الثاني و الفقر في الأوّل؛ و للمعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح:عن الرجل تكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها،أ يكبّ فيأكلها أو يأخذ

ص:126


1- منهم:الشيخ في المبسوط 1:256،و الشهيد في الروضة 2:44،و صاحب المدارك 5:200،و صاحب الحدائق 12:163.
2- المدارك 5:201.

الزكاة؟قال:« لا،بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله،و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرّف بهذه و لا ينفقها» (1).

و في الموثق:عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟قال:

« نعم،إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج من غلّتها ما يكفيه لنفسه و لعياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة،فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (2).

و أمّا الموثق:« لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهماً يحول عليه الحول عنده أن يأخذها،و إن أخذها أخذها حراماً» (3)فمع قصور سنده و شذوذه محمول على عدم احتياجه،كما يفهم من سياقه،أو على التقيّة لأنّه مذهب العامة.

و كذا يمنع عنها ذو الصنعة و الكسب إذا نهضت بحاجته على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا ما حكاه في الخلاف عن بعض الأصحاب (4)،و هو مع عدم معروفيّته نادر،و في الخلاف و الناصرية (5)الإجماع على خلافه؛ للنبوي:« لا حظّ فيها لغنيّ و لا ذي قوة مكتسب» (6)و نحوه مروي في جملة من أخبارنا،و فيها الصحيح و غيره (7).

و ما ورد في بعضها مما يوهم خلافه مطروح أو مؤوّل.

ص:127


1- الكافي 3:/561 6،الوسائل 9:238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.
2- تقدّم مصدره في ص:2371،الهامش(8).
3- التهذيب 4:/51 131،الوسائل 9:240 أبواب المستحقين ب 12 ح 5.
4- الخلاف 4:230.
5- الخلاف 4:231،الناصرية(الجوامع الفقهية):206.
6- سنن الدارقطني 2:7/119.
7- الوسائل 9:231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

و لا يمنع إذا قصرت عنها،بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،و عن التذكرة أنّه موضع وفاق بين العلماء (2)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى صدق الفقر عليه عرفاً و عادة.

و هل يتقدّر الأخذ بشيء و هو التتمّة خاصّة،كما حكاه قولاً جماعة (3)،و عُزي إلى الشهيد في البيان (4)،أم لا،بل يجوز الأخذ زائداً عليها،كما عليه الأكثر على الظاهر المصرّح به في عبائر جمع (5)،حتى أنّ في بعضها أنّه المشهور (6)؟ وجهان:من الأصل،و عموم ما دلّ على جواز إغناء الفقير (7)،و أنّ خير الصدقة ما أبقت غنى.

و من ظاهر الصحيح المتقدم في المسألة السابقة المتضمن لقوله عليه السلام:

« و يأخذ البقيّة» (8)و نحوه غيره (9)،إلّا أنّهما ليسا صريحين في المنع عن الزيادة،و مع ذلك فموردهما من كان معه مال يتّجر به و عجز عن استنماء الكفاية،لا ذو الكسب القاصر الذي هو مفروض المسألة،إلّا أن يعمّم الخلاف إلى المسألتين،كما يفهم من المنتهى (10)،و حينئذٍ يكفي في

ص:128


1- انظر الحدائق 12:160.
2- التذكرة 1:236.
3- حكاه عنهم في التذكرة 1:236.
4- البيان:311.
5- كما في المدارك 5:197.
6- الإيضاح 1:194،الحدائق 12:160.
7- الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
8- تقدّم في ص 2373.
9- التهذيب 4:/51 130،الوسائل 9:239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.
10- المنتهى 1:518.

الجواب عنهما قصور الدلالة،فلا يصلحان لتقييد الأخبار المطلقة المعتضدة بالأصل و الشهرة.

و لكن الأحوط ترك الزيادة عن التتمة،خروجاً عن الشبهة فتوًى و روايةً،لقوّة احتمال ظهورها دلالةً و إن لم تكن صريحة.

و لو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحق لها ارتجعت الزكاة بعينها مع بقائها،و مثلها أو قيمتها مع تلفها،اتّفاقاً إذا علم الآخذ كونها زكاةً؛ و كذا مع جهله به مطلقاً،كما عن التذكرة قال:

لفساد الدفع،و لأنّه أبصر بنيّته (1)؛ أو بشرط بقاء العين و انتفاء القرائن الدالة على كونها صدقة،كما في المدارك (2).

خلافاً للمعتبر و المنتهى (3)،فلا ترتجع مطلقاً؛ لأنّ الظاهر أنّها صدقة كما في الأوّل،أو لأنّ دفعه محتمل للوجوب و التطوّع كما في الثاني.

و هما كما ترى لا ينافيان جواز الارتجاع مع بقاء العين،لأنّ ظهور الصدقة و احتمال التطوّع إنّما هو بالنسبة إلى الآخذ،و إلّا فالدافع أبصر بنيّته، و إذا عرف عدمهما جاز له ارتجاعها مع بقائها،و لا مع تلفها لأنّه سلّطه على إتلافها و الأصل براءة ذمّته،فلا يستحق عوضها.

نعم يمكن أن يقال:إنّ للآخذ الامتناع عن الردّ بناء على ثبوت الملك له بالدفع في الظاهر،فعلى المرتجع إثبات خلافه،و لا يختلف في ذلك الحال بين بقاء العين و تلفها.

و أمّا القطع بجواز الارتجاع إذا كان المدفوع أولية ممن لا تلزم هبته

ص:129


1- التذكرة 1:245.
2- المدارك 5:205.
3- المعتبر 2:569،المنتهى 1:527.

فلعلّه خروج عن مفروض المسألة،و هو ما إذا قارن الدفع قصد القربة كما يومئ إليه تعليل الفاضلين المتقدم إليه الإشارة و لا يجوز معه الرجوع و لو في الهبة.

فإن تعذّر الارتجاع فلا ضمان على الدافع لوقوع الدفع مشروعاً فلا يستعقب ضماناً،لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

خلافاً للمحكي عن المفيد و الحلبي (1)فيضمن،قياساً على الدين، و هو كما ترى.

و للمرسل في رجلٍ يعطي زكاة ماله رجلاً و هو يرى أنّه معسر فوجده موسراً،قال:« لا تجزي عنه» (2).

و إرساله يمنع عن العمل به،و إن كان في سنده ابن أبي عمير،لأنّ المرسِل غيره و إن كان قبله،لأنّ الإلحاق بالصحيح بمثله و كذا بدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن ابن أبي عمير و أنّه لا يروي إلّا عن ثقة غير متّضح،فلا يخرج بمثله عن الأصل المقرّر،سيّما مع اعتضاده في المسألة بعمل الأكثر،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم بنفي الضمان كما عن جماعة و منهم الشيخ في المبسوط (3)،أو تقييده بصورة الدفع مع الاجتهاد و إلّا فيضمن كما في ظاهر العبارة و المنتهى و عن المعتبر (4).

و الأصح الأوّل؛ عملاً بعموم مقتضى الأصل مع عدم ظهور ما يصلح

ص:130


1- حكاه عنهما في المدارك 5:205،و هو في المقنعة:259،و الكافي في الفقه:172.
2- الكافي 3:/545 1،الفقيه 2:/15 45،التهذيب 4:/51 132،الوسائل 9:215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5.
3- المبسوط 1:261.
4- المنتهى 1:527،المعتبر 2:569.

لتخصيصه فيصحّ الثاني.

عدا ما قيل:من أن المالك أمين على الزكاة،فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مستحقّها،فبدونه تجب الإعادة (1).

و الصحيح:قلت له:رجل عارف ادّعى الزكاة إلى غير أهلها زماناً، هل عليه أن يؤدّيها ثانيةً إلى أهلها إذا علمهم؟قال:« نعم» قال،قلت:فإن لم يعرف لها أهلاً فلم يؤدّها أو لم يعلم أنّها عليه فعلم بعد ذلك؟قال:

« يؤدّها إلى أهلها لما مضى» قلت:فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟قال:

« ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أُخرى» (2).

و في رواية أُخرى مثلها غير أنّه قال:« إن اجتهد فقد برئ،و إن قصّر في الاجتهاد فلا» (3).

و يضعّف الأوّل:بأنّه إن أُريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لدفع الزكاة إليه و لو بدعواه الفقر فمرجع هذا التفصيل إلى المختار.و إن أُريد به الزائد على ذلك كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب عندهم بلا خلاف بينهم فيه أجده،و به صرّح جماعة (4)،حملاً لأفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة،كما يستفاد من التتبّع و الاستقراء لموارد كثيرة،مع استلزام وجوبه العسر و الحرج المنفيين في الشريعة،و كونه خلاف الطريقة

ص:131


1- قاله في المعتبر 2:569.
2- الكافي 3:/546 2،التهذيب 4:/102 290،الوسائل 9:214 أبواب المستحقين للزكاة ب ح 1.
3- الكافي 3:/546 ذيل حديث 2،التهذيب 4:/103 291،الوسائل 9:214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2.
4- منهم صاحب المدارك 5:206،و الذخيرة:464.

المستمرّة في الأزمنة السابقة و اللاحقة،و خلاف ما تدل عليه جملة من المعتبرة بتصديق الأئمّة لمدّعي الفقر و المسكنة من غير حلف و لا بيّنة (1).

و مع ذلك فقد نقل في المدارك الإجماع على عدم وجوب ذلك عن جماعة (2)،نعم ظهر من المبسوط (3)وقوع الخلاف في المسألة (4)،و لكن في المختلف (5):الظاهر أنّه من العامة.

نعم،له قول بعدم تصديق الفقير في دعواه الفقر إذا كان له مال فادّعى تلفه إلّا بالحلف أو البيّنة على اختلاف النقل عنه و الحكاية (6).

و هو و إن وافق الأصل و استصحاب الحالة السابقة إلّا أنّه لعلّه لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة و إن كان الأحوط مراعاته.

و الثاني و هو الروايتان:بأنّ موردهما غير محل النزاع،كما لا يخفى على المتدبّر فيهما.

ثم إنّ هذا إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء.و لو بان بالكفر و الفسق و نحوهما ففي الذخيرة:أن الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة،مؤذناً بعدم خلاف فيه بينهم،قال:و استدلّ عليه بأنّ الدفع واجب فيكتفى في شرطه بالظاهر تعليقاً للوجوب على الشرط الممكن،فلم يضمن،لعدم العدوان بالتسليم المشروع.انتهى (7).

ص:132


1- المدارك 5:201.
2- المدارك 5:206.
3- المبسوط 1:247.
4- أي:مسألة تصديق الفقير بمجرّد دعواه.
5- المختلف:85.
6- المنقول عن الشيخ في المعتبر 2:568 التكليف بالبيّنة.
7- الذخيرة:464.

و هذا الدليل يؤيّد ما قدّمنا،كما يؤيّده أيضاً ما ذكروه من عدم الضمان مع تعذّر الارتجاع إذا كان الدافع الإمام أو نائبه من غير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)،و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2)،لأنّ المالك خرج عن العهدة بالدفع إليهما،و هما خرجا عن العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر،و إيجاب الإعادة تكليف جديد منفيّ بالأصل.

الصنف الثالث العاملون

و الصنف الثالث: العاملون عليها و هم جُباة الصدقة و السعاة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدّوها إلى من يقسّمها،كما في المرسل (3).

و لا خلاف بين العلماء في استحقاقهم لها،كما في ظاهر المنتهى، و فيه:عندنا أنّه يستحقّ نصيباً من الزكاة و به قال الشافعي،و قال أبو حنيفة:

يعطي عوضاً و أُجرةً لا زكاةً (4)؛ و ما عزاه إلينا قد ادّعى في المدارك و غيره عليه الإجماع منّا و من أكثر العامة (5).

و لا ريب فيه؛ لظاهر الآية (6)،لاقتضاء العطف بالواو التسوية،و في الصحيح بعد السؤال عن الآية« إن الإمام يعطي هؤلاء جميعاً» (7).

ص:133


1- الذخيرة:463.
2- المنتهى 1:527.
3- التهذيب 4:/49 129،تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
4- المنتهى 1:519.
5- المدارك 5:208،الحدائق 12:173.
6- التوبة:60.
7- الكافي 3:/496 1،الفقيه 2:/2 4،التهذيب 4:/49 128،الوسائل 9:209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

و ذكر جماعة من غير خلاف بينهم أجده:أنّ الإمام بالخيار بين أن يقرّر لهم أُجرةً معلومةً عن مدة معيّنة،أو يجعل له جُعالة،أو يجعل له نصيباً من الصدقات.

و في الصحيح:ما يعطى المصدّق؟قال:« ما يرى الإمام،و لا يقدَّر له شيء» (1).

و لا يجوز أن يكونوا من بني هاشم كما في الصحيح (2)،قيل:إلّا إذا استؤجروا أو دفع إليهم الإمام من بيت المال (3).و لا بأس به.

و لا يعتبر فيهم الفقر؛ لأنّهم قسيمهم.

الصنف الرابع المؤلّفة قلوبهم

و الصنف الرابع: المؤلّفة قلوبهم بالكتاب و السنة و إجماع العلماء كما في عبائر جماعة و هم الذين يُستمالون إلى الجهاد بالإسهام لهم في الصدقة و إن كانوا كفّاراً ظاهر العبارة عدم إشكال في دخول المسلمين فيهم،حيث جعل الكفّار فيها الفرد الأخفى،مع أنّ ظاهر الأصحاب عكس ذلك،لاتّفاقهم على دخول الكفّار في الجملة و إن اختلف عبائرهم في التأدية عنهم بالمنافقين خاصّة كما عن الإسكافي (4)؛ أو بمطلقهم كما في عبائر غيره (5).

و إنّما اختلفوا في عمومهم للمسلمين كما عليه جماعة و منهم الحلّي،

ص:134


1- الكافي 3:/563 13،التهذيب 4:/108 311،المقنعة:264،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 4.
2- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
3- الحدائق 12:174.
4- حكاه عنه في المختلف:181.
5- المدارك 5:214.

قال:لأنّه يعضده ظاهر التنزيل و عموم الآية،فمن خصّها يحتاج إلى دليل (1).

و في المختلف:هو الأقرب،لنا:عموم كونهم مؤلّفة،و ما رواه زرارة و محمّد بن مسلم أقول:في الصحيح-:أنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السلام:

أ رأيت قول اللّه تعالى..إلى أن قال-:« سهم المؤلّفة و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص» (2)و إنّما يكون لو تناول القسمين (3).

أو اختصاصهم بالكفَرَة مطلقاً أو في الجملة كما عليه آخرون،و قيل:

إنّه المشهور (4)،و لعلّه كذلك،حتى أنّ الشيخ في المبسوط قال بأن المؤلّفة عندنا هم الكفار الذين يُستمالون بشيء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك،و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (5).

و مستندهم إن لم يكن إجماع غير واضح،عدا الإجماع على دخول الكفّار و وقوع الخلاف في المسلمين.

و يضعّف بما مرّ من الدليل فيهم أيضاً،بل ظاهر جملة من النصوص أنّهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتاً راسخاً،فأمَرَ اللّه تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و اشتدّ قلوبهم على البناء على هذا الدين.

ص:135


1- السرائر 1:458.
2- الكافي 3:/496 1،الفقيه 2:/2 4،التهذيب 4:/49 128،الوسائل 9:209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
3- المختلف:181.
4- قال به صاحب الحدائق 12:175.
5- المبسوط 1:249.

ففي الصحيح:« هم قوم وحّدوا اللّه تعالى و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتألّفهم و يعرّفهم و يعلّمهم كيما يعرفوا،فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا» (1)و نحوه آخر (2)و غيره (3).

و منها يظهر أيضاً أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين و الثابت عليه،لا لما ذكروه رضوان اللّه عليهم من الجهاد كفّاراً كانوا أم مسلمين، و أنّهم يتألّفون بهذا السهم لأجله،فلو لا أنّ ظاهرهم الإطباق على دخول من ذكروه في المؤلّفة و يستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة و نفي عنه الخلاف في الغنية (4)،لما كان معدل عن النصوص المزبورة.

هذا،و لا ثمرة مهمّة على القول بسقوط هذا السهم في زمن الغيبة، كما هو خيرة الماتن على ما سيأتي إليه الإشارة (5)،بل و لا على غيره أيضاً، كما أشار إليه شيخنا في الروضة فقال:و حيث لا توجِب البسط و نَجعل الآية لبيان المصرف كما هو المنصور تقلّ فائدة الخلاف،لجواز إعطاء الجميع عن الزكاة في الجملة.

و أشار بالجميع إلى الكفّار و المسلمين بأقسامهم الأربعة التي أشار إليها بقوله:و هم أربع فرق:قوم لهم نظراء من المشركين إذا اعطي

ص:136


1- التهذيب 4:/49 129،تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2- الكافي 2:/411 2.
3- تفسير العياشي 2:/91 70،المستدرك 7:102 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
5- في ص:2424.

المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام،و قوم نيّاتهم ضعيفة في الدين يُرجى بإعطائهم قوة نيّتهم،و قوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا منعوا الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام،و قوم جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جَبوها منهم و أغنوا عن عامل.

و وجه تجويز إعطاء الجميع منها ما أشار إليه فيها بقوله ردّا على من ألحق المسلمين بأقسامهم بالكفّار في الدخول في المؤلّفة ما هذا لفظه -:لعدم اقتضاء ذلك الاسم،إذ ربما يمكن ردّ ما عدا الأخير إلى سبيل اللّه و الأخير إلى العُمالة (1).

و يستفاد من كلامه هذا و كلام الدروس (2)أيضاً أنّ تعميم المؤلّفة للمسلمين بفرقهم الأربعة إنّما هو من جهة الصرف في المصلحة و العُمالة، مع أنّك عرفت أنّ الوجه فيه إنّما هو عموم الآية و الرواية.

و كيف كان،بعد الاتّفاق على جواز الإعطاء في الجملة لا ثمرة للخلاف أيضاً من هذه الجهة.

و الصنف الخامس:ما نصّ عليه سبحانه بقوله

الصنف الخامس في الرقاب

وَ فِي الرِّقابِ [1] و الدليل عليه بعده الإجماع و السنة كما سيأتي إليهما الإشارة.

و هم المكاتبون بلا خلاف بين العلماء،كما في صريح المبسوط و السرائر و الغنية و غيرها (3)؛ للمرسل:عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها،قال:« يؤدّى عنه من مال الصدقة،إنّ اللّه تعالى يقول في

ص:137


1- الروضة 2:46.
2- الدروس:241.
3- المبسوط 1:250،السرائر 1:457،الغنية(الجوامع الفقهية):568،و انظر الذخيرة:455.

كتابه: وَ فِي الرِّقابِ [1] (1) و مورده و إن كان مَن عجز إلّا أنّه في كلام السائل،فلا يخصَّص به عموم الآية المستدلّ به في ذيل الرواية.لكن ظاهر الأصحاب على ما يُفهم من بعض العبائر (2)اشتراط أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته.و ظاهر بعض إطلاقاتهم جواز الإعطاء و إن قدر تحصيل مال الكتابة بالتكسّب، و اعتبر الشهيد ان في الروضة و البيان (3)قصور كسبه عن مال الكتابة.

و لا يشترط الشدّة هنا،كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف أصلاً (4).

و العبيد الذين تحت الشدة بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالمبسوط و الاقتصاد و السرائر و الغنية و المنتهى و غيرها (5)من كتب الجماعة؛ لعموم الآية و بعض المعتبرة و لو بالشهرة:عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و السبعمائة،يشتري منها نسمةً و يعتقها،قال:

« إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم» ثمّ مكث مليّاً ثم قال:« إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه و يعتقه» (6).

و ما فيه من اشتراط الضرورة هنا هو المشهور بين الأصحاب،بل

ص:138


1- الفقيه 3:/74 258،التهذيب 8:/275 1002،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.
2- الذخيرة:455.
3- الروضة 2:47،البيان:313.
4- المنتهى 1:520.
5- المبسوط 1:250،الاقتصاد:282،السرائر 1:457،الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:520؛ و انظر المدارك 5:216.
6- الكافي 3:/557 2،التهذيب 4:/100 282،الوسائل 9:291 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1 بتفاوت يسير.

ظاهر نقلة الإجماع و لا سيّما المنتهى كونه مجمعاً عليه عندنا،فلا إشكال فيه.

خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (1)تبعاً للمحكي عن المفيد و الحلّي (2)،فلم يشترطوها؛ لعموم الآية و الخبرين.

أحدهما:الصحيح المروي في العلل:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه،أشتريه من الزكاة و أُعتقه؟فقال:« اشتره و أعتقه» قلت:و إن هو مات و ترك مالاً؟قال،فقال:« ميراثه لأهل الزكاة، لأنّه اشتري بمالهم» (3).

و الثاني:الخبر المروي في الكافي في باب نادر:عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله،قال:« اشترى خير رقبة،لا بأس بذلك» (4).

و هو حسن لولا الرواية المتقدمة المصرّحة بالاشتراط،المنجبر ضعف سندها بالشهرة و الإجماعات المنقولة،و أمّا معها فلا،لوجوب تخصيص عموم الكتاب و الخبرين مع إرسال ثانيهما بها.

فالمشهور أقوى،مع أنّه أحوط و أولى.

و من وجبت عليه كفارة و لم يجد ما يعتق على رواية رواها أصحابنا فيما صرّح به في المبسوط (5)،و لعلّها ما رواه القمي في تفسيره مرسلاً عن العالم قال:« وَ فِي الرِّقابِ [1] قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم،و ليس عندهم ما

ص:139


1- كصاحبي المدارك 5:216،و الذخيرة:455،و الحدائق 12:183.
2- حكاه عنهما في المختلف:181،و هو في المقنعة:241،السرائر 1:457.
3- علل الشرائع:/372 15،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
4- الكافي 3:/552 1،الوسائل 9:251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1.
5- المبسوط 1:250.

يكفّرون به و هم مؤمنون،فجعل اللّه تعالى لهم سهماً في الدقات ليكفر عنهم» (1).

و ظاهره كما ترى أعمّ من العتق و غيره،و إن قيل:كونه تفسيراً للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق (2)،فإنّه غير مفهوم لي؛ و مع ذلك فمستنده ضعيف لا يمكن التعويل عليه؛ و لعلّه لذلك تردّد فيه الماتن في المعتبر و قال:عندي أنّ ذلك أشبه بالغارم،لأنّ القصد إبراء ذمة المكفّر عمّا في عهدته،قال:و يمكن أن يعطى من سهم الرقاب،لأنّ القصد به إعتاق الرقبة (3)؛ و في المبسوط:الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو و يعتق عن نفسه (4).

و لو لم يجد المزكّي مستحقاً للزكاة جاز له ابتياع العبد و يعتق مطلقاً؛ للموثّق:عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم،فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه،فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيد،فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه،هل يجوز ذلك؟قال:

« نعم لا بأس بذلك» (5)الخبر.

و عزاه الفاضلان إلى الأصحاب كما في المنتهى (6)،أو فقهائهم كما في المعتبر (7)،مؤذنَين بدعوى الإجماع عليه؛ فلا إشكال فيه،سيّما مع عموم

ص:140


1- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
2- الذخيرة:455.
3- المعتبر 2:574.
4- المبسوط 1:250.
5- الكافي 3:/557 3،التهذيب 4:/100 281،المحاسن:/305 15،الوسائل 9:292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
6- المنتهى 1:520.
7- المعتبر 2:575.

الآية الكريمة.

الصنف السادس الغارمون

و الصنف السادس: الغارمون لعين ما مرّ من الأدلّة و هم المَدينون في غير معصية،دون مَن صرفه في المعصية بإجماعنا الظاهر المحكي في ظاهر الغنية و المنتهى و التذكرة (1)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها:في المَدين المُعسر:« ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين،إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ،فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام» (2).

و منها:« أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك ديناً لم يكن في فساد و لا إسراف،فعلى الإمام أن يقضيه،و إن لم يقضه فعليه إثم ذلك،إنّ اللّه تعالى يقول: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ [1] الآية،فهو من سهم الغارمين» (3).

و منها:في تفسيرهم:« هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه تعالى من غير إسراف،فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات» (4).و قريب منها المروي عن قرب الإسناد (5).

و في الصحيح:عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك ديناً لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة،هل يقضى عنه من الزكاة الألف

ص:141


1- الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:526،التذكرة 1:233.
2- تفسير العياشي 1:/155 520،المستدرك 7:129 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.
3- تفسير العياشي 2:/94 78،المستدرك 7:127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1.
4- تفسير القمي 1:299،الوسائل 9:211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
5- قرب الإسناد:/109 374،الوسائل 9:261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.

و الألفان؟قال:« نعم» (1).

و ضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة،بل إجماع المسلمين كافّة في المَدين في غير معصية كما في صريح المنتهى و ظاهر المبسوط و المعتبر و التذكرة (2).

و أمّا المَدين فيها فلم يخالف فيه إلّا الماتن في المعتبر و بعض من تأخّر (3)،فجوّزا الدفع إليه بعد التوبة؛ لعموم الآية بناءً على أنّ الغارم مطلق المَدين اتّفاقاً عرفاً و لغةً،و لا مخصّص له عدا النصوص المزبورة و هي ضعيفة،و أمر اعتباري ضعيف غير صالح للحجيّة فضلاً عن أن يخصَّص به عموم نحو الآية.

و هو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته،مضافاً إلى الإجماعات المحكية و الاحتياط المطلوب في العبادة.

و اعلم:أنّ الأصحاب قسّموا الغارم قسمين:المديون لمصلحة نفسه،و الغارم لإصلاح ذات البين،و اعتبروا الفقر في الأوّل دون الثاني، و منهم:الشيخ في المبسوط و الحلّي و ابن حمزة،و الفاضلان في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،على ما حكاه عنهم في الذخيرة (5)،و في ظاهر الأخير الإجماع على اعتبار الفقر في الأوّل.

ص:142


1- الكافي 3:/549 2،التهذيب 4:/102 288،الوسائل 9:295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 1.
2- المنتهى 1:521،المبسوط 1:251،المعتبر 2:575،التذكرة 1:233.
3- المعتبر 2:575؛ و انظر المدارك 5:224.
4- المبسوط 1:251،الحلّي في السرائر 1:457،ابن حمزة في الوسيلة:129،المعتبر 2:575،المنتهى 1:526،التذكرة 1:233.
5- الذخيرة:455.

فإن تمّ و إلّا فهو مشكل؛ لمخالفته لظاهر الآية،لجعلها الغارمين قسيم الفقراء؛ مع عدم وضوح دليل عليه عدا ما دلّ على أنّها لا تحلّ لغني،و أنّها إنّما شُرّعت لسدّ الخلّة و رفع الحاجة،و هما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة بعد مخالفتهما لظاهر الآية،و تخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية،و هم:العاملون عليها،و الغزاة،و الغارمون لمصلحة ذات البين، و ابن السبيل المنشئ للسفر من بلده،و المؤلّفة،على ما صرّح به جماعة من هؤلاء،كالشيخ و ابن حمزة (1).

مع أنّه يحتملان ككلامهم الحمل على أنّ المراد اعتبار عدم تمكّنهم من الأداء،كما عبّر به جملة من المتأخّرين كالشهيدين و غيرهما (2).

و على هذا نبّه في المدارك فقال بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أنّ الغارم لا يعطى مع الغناء-:و الظاهر أنّ مراده بالغناء انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغناء الذي هو ملك قوت السنة،إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (3).انتهى.

و هو حسن.

و يشهد له أنّ الفاضل مع أنّه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية (4)جواز الدفع إلى المديون و إن كان عنده ما يفي بدينه،إذا كان بحيث لو دفعه صار فقيراً،لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة

ص:143


1- الشيخ في المبسوط 1:255،ابن حمزة في الوسيلة:129.
2- كما في الروضة 2:47؛ و انظر نهاية الإحكام 2:391.
3- المدارك 5:222.
4- نهاية الإحكام 2:391.

باعتبار الفقر،فتدبّر و تأمّل.

و لو جهل الأمران فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية قيل:

يمنع و القائل الشيخ في النهاية (1)؛ لاشتراط الدفع بالإنفاق في طاعة، و حيث جهل الشرط لم يثبت المشروط؛ و للخبر:قال،قلت:فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أو معصية،قال:يسعى في ماله و يردّه عليه و هو صاغر» (2).

و قيل:لا يمنع،و القائل الحلّي و الشيخ في المبسوط كما حكي (3)،و تبعهما الفاضلان و غيرهما من المتأخرين (4)فقالوا: و هو أشبه بالأُصول الدالّة على أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع،مع أنّ تتبع مصارف الأموال عسير،فلا يتوقف دفع الزكاة على اعتباره.

و أجابوا عن الرواية بضعف السند،و زاد بعضهم الضعف في الدلالة فلا يخرج بها عن مقتضى الأُصول.

و بها يضعّف الحجّة الأُولى قبل الرواية،فإنّ مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط.

إلّا أنّ يقال:إن الشرط هو الإنفاق في غير المعصية في نفس الأمر، و حمل تصرّف المسلم على الصحة لا يحصّله.

ص:144


1- النهاية:306.
2- الكافي 5:/93 5،التهذيب 6:/185 385،تفسير العياشي 1:/155 520 بسند آخر،الوسائل 18:336 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 3.
3- حكاه عن الحلي في المدارك 5:225،و هو في السرائر 2:35،المبسوط 1:251.
4- كما في المعتبر 2:576،و المختلف:181؛ و انظر المدارك 5:225.

و يمكن دفعه:بأنّ ذلك و إن كان مقتضى النصوص،إلّا أنّها لضعفها لا تصلح لإثبات ذلك،و الشهرة الجابرة لها يُدار مَدار حصولها و لم تحصل على اشتراط ذلك كذلك،بل المتحقّق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في معصية لا العلم بصرفه في غيرها،و هو حاصل هنا.

ثم لو سلّمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها كما هو مفاد النصوص و مقتضاها قلنا:إنّ كون الأصل في تصرّفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك بحكم التتبع و شهادة الاستقراء.

هذا،و رجوع الشيخ في المبسوط إلى المختار يقتضي كونه الآن إجماعيّاً،و لكن مختاره في النهاية لعلّه أحوط و أولى.

و يجوز للمزكّي مقاصّة المستحق للزكاة بدين له في ذمته بلا خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر (1)،بل في المدارك عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (2)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها زيادة على ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضاً (3)الصحيح:عن دَين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة،هل لي أن أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟قال:« نعم» (4).

و ظاهره كغيره أنّ المراد بالمقاصّة هي القصد إلى إسقاط ما في ذمّته

ص:145


1- النهاية:188،جامع المقاصد 3:32،الحدائق 12:195.
2- المدارك 5:226.
3- راجع ص 2361.
4- الكافي 3:/558 1،الوسائل 9:295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

من الدين على وجه الزكاة،و به صرّح جماعة (1)حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني خلافه و هو احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصّة من دينه (2).

و هو بعيد.

و إطلاق العبارة و جملة من النصوص المزبورة بل صريح بعضها المتقدم ثمّة:جواز الاحتساب بها عن الدين في الميّت أيضاً،و نفى عنه و عن جواز القضاء عنه أيضاً الخلاف في كلام جماعة (3)،بل في المدارك:

أنّه متّفق عليه بين علمائنا و أكثر العامة (4).

و هل يشترط في الأداء عنه قصور تركته عن الوفاى بالدين كما عن الشيخ و الإسكافي (5)،أم لا كما عليه الفاضلان (6)؟ وجهان،أحوطهما الأوّل إن لم يكن متعيّناً؛ للصحيح:رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين،أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟قال:« إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاءً عن جميع الميراث،و لم يقضه من زكاته،و إن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه،فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» (7).

ص:146


1- كصاحب المدارك 5:225،و المحقق و السبزواري في الكفاية:40،و صاحب الحدائق 12:196.
2- الروضة 2:48.
3- منهم الشيخ في النهاية:188،و المحقق في المعتبر 2:576،و العلّامة في المنتهى 1:521.
4- المدارك 5:227.
5- المبسوط 1:251،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:183.
6- المحقق في المعتبر 2:576،العلّامة في المختلف:183.
7- الكافي 3:/553 3،الوسائل 9:250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.

و به يضعف العموم المستدل به للثاني.

و أضعف منه الاستدلال عليه بأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً.و هو كما ترى؛ إذ لا انتقال إلّا بعد الدين،لقوله تعالى:

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [1] (1). و كذا لو كان الدين على من يجب على المزكّي الإنفاق عليه من أب و أُمّ و نحوهما جاز له القضاء عنه و كذا المقاصة حيّاً كان أ و ميّتاً بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح في الذخيرة (2)،و في المدارك و غيره (3):أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب و متّفق عليه بينهم، و فيه عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة:أنّه متفق عليه بين العلماء (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى العموم،و خصوص ما مرّ من الصحيح في الأب الميت،و لا قائل بالفرق،و الموثّق في الأب الحي (5).

و بهذه الأدلّة يحمل ما دلّ على أنّه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة على أنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة،كما يدلّ عليه تعليله بأنّهم عياله لازمون له،فإنّ قضاء الدين لا يلزم المكلّف بالإنفاق.

الصنف السابع في سبيل اللّه

و الصنف السابع: في سبيل اللّه بالأدلّة الثلاثة: و هو كلّ ما كان قربة أو مصلحة،كالجهاد و الحج و بناء المساجد القناطر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر على الظاهر المصرّح به في كلام

ص:147


1- النساء:11.
2- الذخيرة:465.
3- المدارك 5:228؛ و انظر الحدائق 12:198.
4- المعتبر 2:576،المنتهى 1:521،التذكرة 1:234.
5- الكافي 3:/553 2،الوسائل 9:250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.

جماعة (1)،وفاقاً للمبسوط و الخلاف و ابن حمزة و الحلّي (2)،و ابن زهرة (3)مدّعياً عليه إجماع الطائفة؛ و استدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة من أنّ سبيل اللّه هو الطريق إلى ثوابه،و ما أفاد التقرّب إليه،قال:و إذا كان كذلك جاز صرف الزكاة فيه.

و زادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم:« أنّهم قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون به،أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به،أو في جميع سبيل الخير» (4)و إرساله منجبر بالعمل.

و بأخبار أُخر فيها الصحيح و غيره تتضمّن جواز صرف الزكاة في الحج (5)،و لا قائل بالفرق بينه و بين سائر القرب.

و ظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحجّ أو يزور،كما عليه شيخنا في المسالك و الروضة (6)،و سبطه لكن مع تأمّل له فيه (7)، كالفاضل في التذكرة (8)؛ و زاد جدّه فاشترط الفقر.

و لم أعرف وجهه إن أراد به عدم تملّك مئونة السنة،لعموم الكتاب و السنّة بل ظاهرهما (9)،لما مضى قريباً في نظير المسألة.و ما دلّ على أنّها

ص:148


1- المدارك 5:230،الذخيرة:456،الحدائق 12:199.
2- المبسوط 1:252،الخلاف 4:236،ابن حمزة في الوسيلة:128،الحلّي في السرائر 1:456.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):568.
4- تقدّم مصدره في ص:2385 الهامش(7).
5- الوسائل 9:290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.
6- المسالك 1:60،الروضة 2:49.
7- المدارك 5:232.
8- التذكرة 1:234.
9- من حيث العطف المقتضي للتغاير.

لسدّ الخلّة و رفع الحاجة لا يفيد اشتراطه،بل اشتراط حاجةٍ ما مجامعةٍ لملك مئونة السنة،و هي هنا عدم تمكّن فاعل القرب منها بدونها مطلقاً و لو كان مالكاً لمئونة السنة بكمالها.

و بالجملة: الظاهر اشتراطه خاصّة لما عرفته،دون الفقر بالمعنى المشهور،فيعطى مالك قوت السنة ليحجّ أو يزور مثلاً إذا لم يتمكّن منها بدونها،و إن كان الترك أحوط و أولى.

و قيل:يختص هذا السهم بالمجاهدين و القائل المفيد و الديلمي و الشيخ في النهاية (1)؛ و لا وجه له بعد عموم الآية،و صريح المرسلة.

و دعوى اختصاص الآية بهم بحكم التبادر ممنوعة،كدعوى ضعف سند المرسلة،لانجبارها بالشهرة زيادة على ما عرفته من الأدلّة.

نعم،في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما اوصي به في سبيل اللّه فيهم (2).لكن لا دلالة فيه صريحة بل و لا ظاهرة،مع احتماله الحمل على التقيّة،فقد حكي القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة و منهم أبو حنيفة (3)،مع إشعار سياق الرواية به كما لا يخفى على من راجعه و تدبّره.

الصنف الثامن ابن السبيل

و الصنف الثامن: ابن السبيل بالأدلّة الثلاثة و هو المنقطع به في غير بلده،فيأخذ ما يبلغه بلده و إن كان غنيّاً في بلده إذا كان

ص:149


1- المقنعة:241،المراسم:133،النهاية:184.
2- الكافي 7:/14 4،الفقيه 4:/148 515،التهذيب 9:/202 805،الإستبصار 4:/128 485،الوسائل 19:341 كتاب الوصايا ب 33 ح 4.
3- حكاه عنهم في المعتبر 2:577.

بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع و نحوه على الأظهر وفاقاً للأكثر،أو مطلقاً كما عن الماتن في المعتبر (1)،و وافقه بعض من تأخّر (2)في الاستدانة فلم يعتبر العجز عنها خاصّة،عملاً بعموم الآية.

و يضعّف بما مرّ مراراً،و سلّمه في مواضع أيضاً من أنّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة و رفع الحاجة،و لا حاجة مع التمكن من الاستدانة.

و بنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة أو عمومها،حيث فسّرته بأبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه و يقطع عليهم و يذهب مالهم،فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات (3).

و ألحق به جماعة (4) الضيف و الإسكافي المنشئ للسفر الواجب أو الندب (5).

و لا ريب في ضعف الثاني،مع ندوره و مخالفته لظاهر اللفظ، و خصوص ما مرّ من المرسل المنجبر هنا بالعمل.

و أمّا الأوّل فحسن إن كان مسافراً محتاجاً إلى الضيافة،لأنّه حينئذٍ داخل في ابن السبيل،كما صرّح به الفاضل في المختلف و غيره (6)،و الفرق بينهما حينئذٍ ما نقل عن بعض الفضلاء أنّ الضيف نزيل عليك بخلاف ابن السبيل (7).

ص:150


1- المعتبر 2:578.
2- كصاحب المدارك 5:236.
3- تقدّم مصدرها في ص 2385 الهامش(7).
4- منهم المحقق في المعتبر 2:578،و العلّامة في المنتهى 1:522،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 4:165.
5- حكاه عنه في المنتهى 1:522.
6- المختلف:182؛ و انظر مجمع الفائدة و البرهان 4:166،و الذخيرة:457.
7- حكاه في التنقيح 1:322 أيضاً عن بعض الفضلاء.

و يشكل إن ابقي على إطلاقه،لعدم وضوح مأخذه عدا رواية مرسلة رواها من القدماء جماعة كالشيخين و ابن زهرة (1).

و إرسالها يمنع عن العمل بها،سيّما و أنّ ظاهر هؤلاء النقلة لها عدم العمل بها و تركها،و المفيد أرجعها إلى المختار،فقال بعد قوله:و قد جاءت أنّهم الأضياف يراد بهم من أُضيف لحاجته إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى أو يسار-:و ذلك راجع إلى ما قدّمناه؛ و أشار به إلى ما فسرّ به أوّلاً من أنّهم هم المنقطع بهم في الأسفار.

و لو كان سفرهما معصية مُنِعا من هذا السهم بلا خلاف بين العلماء كما قيل (2)؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم و العدوان،و للمرسلة المتقدمة.

لكن ظاهرها اعتبار كون السفر طاعة كما عن الإسكافي (3)،و باقي الأصحاب على خلافه فاكتفوا بالمباح،لعموم الآية،و ضعف سند المرسلة، مع عدم جابر لها في المسألة،مع أنّها ليست بتلك الصراحة،لشيوع استعمال الطاعة فيما قابل المعصية،بل ظاهر المختلف كون صدقها على المباح على الحقيقة (4)،لكنه ضعيف غايته كما صرّح به ممن تأخّر عنه جماعة (5).

الأوصاف المعتبرة في الفقراء و المساكين
اشارة

و أمّا الأوصاف المعتبرة في الفقراء و المساكين بل و غيرهم على

ص:151


1- المفيد في المقنعة:241،الطوسي في المبسوط 1:252،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568،الوسائل 9:213 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 9.
2- المدارك 5:236.
3- حكاه عنه في المختلف:182.
4- المختلف:182.
5- كصاحبي المدارك 5:236 و الذخيرة:457.

تفصيلٍ يأتي فأربعة.

الأوّل الإيمان

الأوّل: الإيمان بالمعنى الخاص و هو الإسلام مع المعرفة بالأئمة عليهم السلام الاثني عشر سلام اللّه تعالى عليهم.

و اعتباره فيمن عدا المؤلّفة مجمع عليه بين الطائفة على المقطوع به المصرّح في كلام جماعة حدّ الاستفاضة،كالإنتصار و الغنية و المنتهى و المدارك و غيرهما من كتب الجماعة (1)،و الصحاح به و غيرها مستفيضة بل متواترة،سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

فلا يعطى كافر و هو مجمع عليه بين العلماء كافّةً إلّا النادر من العامّة كما في المنتهى (2).

و لا مسلم غير محقّ في الإمامة،بإجماعنا و المتواتر من أخبارنا كما عرفته.

و في صرفها إلى المستضعفين من أهل الخلاف الذين لا يعاندون في الحق مع عدم العارف بالإمامة تردّد للماتن هنا أوّلاً.

و لعلّه من عموم الأدلّة المتقدمة بأنّها لأهل الولاية و منع غيرهم عنها (3)،حتى أنّ في بعضها:« إن لم تكن تُصِب لها أحداً أي من أهل الولاية فصُرّها صراراً و اطرحها في البحر،فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» .قال في المنتهى:و هذا نصّ في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق،

ص:152


1- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):566،المنتهى 1:522،المدارك 5:236؛ و انظر المفاتيح 1:208،و الذخيرة:457.
2- المنتهى 1:522.
3- الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3،وص 247 ب 16.

و أمّا الأمر بالطرح في البحر فيحتمل أن يكون مع التيقن بفقد المستحق دائماً و إنّما الأصل حفظها إلى أن يوجد المستحق (1).

و من ورود بعض النصوص بالجواز،و فيه:قلت له:الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟قال:« يضعها في إخوانه و أهل ولايته» فقلت:فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟قال:« يبعث بها إليهم» قلت:فإن لم يجد من يحملها إليهم؟قال:« يدفعها إلى من لا ينصب» قلت:فغيرهم؟فقال:« ما لغيرهم إلّا الحجر» (2).

و أجاب عنه في المعتبر بضعف السند (3)،و في المنتهى بالشذوذ (4)، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه و إن حكى القول به في عنوان المسألة، و مع ذلك فلم يُعرِب عن قائله أنّه من هو؟ و على هذا فلا ريب أنّ أشبهه المنع بل و لا وقع للتردّد في مثله، لعدم مقاومة دليل الجواز مع ما عليه مما عرفته لمقابله من وجوه عديدة، و إن تأيّد بما دلّ على الجواز في زكاة الفطرة من المعتبرة المستفيضة، لمعارضتها بمثلها بل و أجود،مضافاً إلى ما سيأتي فيها.

و كذا الكلام في زكاة الفطرة فلا تُعطى غير المؤمن مطلقاً على الأشهر الأقوى،بل عليه في الانتصار و الغنية إجماعنا (5)؛ لعموم الأدلّة المتقدمة،و صريح الصحيح:عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟

ص:153


1- المنتهى 1:523.
2- التهذيب 4:/46 121،الوسائل 9:223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
3- المعتبر 2:580.
4- المنتهى 1:523.
5- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568 569.

قال:« لا،و لا زكاة الفطرة» (1).

و في معناه خبران آخران روي أحدهما عن العيون و فيه:« لا يجوز دفعها إلّا إلى أهل الولاية» (2).

و في الآخر:« لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً» (3).

و أُشير بالزكاة فيهما إلى خصوص زكاة الفطرة المفروضة فيهما سؤالاً في أحدهما و جواباً في ثانيهما.

خلافاً للمحكي في المختلف عن الشيخ في النهاية و المبسوط و موضع من الخلاف خاصة (4)،فجوّز الدفع إلى المستضعف مع عدم وجود المؤمن المستحق،و عزاه في المدارك و الذخيرة إليه و من تبعه (5)،و لم أعرف وجهه،مع أنّه في المختلف حكى عنه المختار في الاقتصاد أيضاً (6)،فله قولان.

و يدلّ على قوله هذا:النصوص المستفيضة،و هي ما بين مطلقٍ في جواز إعطائهم كالصحيح:أ يصلح أن تُعطي الجيران و الظؤورة (7)ممن لا يعرف و لا ينصب؟فقال:« لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً» (8).

...

ص:154


1- الكافي 3:/547 6،التهذيب 4:/52 137،الوسائل 9:221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
2- العيون 2:/120 1،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
3- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4- المختلف:201، النهاية:192،المبسوط 1:242،لم نعثر عليه في الخلاف و حكاه عنه في المختلف:201.
5- المدارك 5:239،الذخيرة:470.
6- المختلف:201،الاقتصاد:285.
7- الظؤورة:جمع ظِئر و هي المرضعة.مجمع البحرين 3:386.
8- الفقيه 2:/118 507،الوسائل 9:361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 6.

و الموثّق (1)و غيره (2):أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ فقال:« نعم،الجيران أحقّ بها،لمكان الشهرة» .و المكاتبة المضمرة:« تقسم الفطرة على من حضر،و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً» (3).

و بين مقيّدٍ له بعدم وجود المؤمن كالموثّق:« هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم فلمن لا ينصب،و لا ينقل من أرض إلى أرض» (4).

و الخبر:« تعطيها المسلمين،فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً» (5).

و بهما يقيّد ما سبقهما.

و هو حسن إن صلح الجميع لمقاوَمة ما قدّمناه،و ليست بمقاومة لها من وجوه شتّى،منها:اعتضادها بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية، و الموافقة للعمومات الكثيرة القريبة من التواتر،بل المتواترة المعلّلة بعلل تجعلها كالصريحة.

و لا كذلك هذه،فإنّها بطرف الضدّ من المرجّحات المزبورة؛ مع أنّ المطلقة منها مع قصور سند أكثرها و ضعف جملة منها لا عمل على إطلاقها

ص:155


1- الكافي 4:/174 19،التهذيب 4:/88 259،الاستبصار 2:/51 172،علل الشرائع:/391 1،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2- التهذيب 4:/89 262،الإستبصار 2:/52 175،الوسائل 9:361 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 5.
3- التهذيب 4:/88 258،الإستبصار 2:/51 171،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.
4- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
5- الكافي 4:/173 18،التهذيب 4:/87 255،الوسائل 9:359 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 1.

إجماعاً.

و المقيّدة الضعيف منها سنداً ليس بحجّة،سيّما مع ضعف دلالته بعدم التصريح فيه بكون المستضعف فيه من العامّة فيحتمل المجانين و البُله من الشيعة،كما صرّح به في المختلف قال:لأنّه عليه السلام قال:و إن لم تجد مسلماً فمستضعفاً،و لا خلاف في أنّ غير المسلم لا يعطى سواءً كان مستضعفاً أم لا،فلا محمل للحديث سوى حمله على المجانين و البُله (1).

و الموثّق منها و إن كان حجّة على المختار إلّا أنّه لم يبلغ قوة المعارضة لما قدّمناه من الأدلّة،مضافاً إلى أنّ ظاهره المنع من نقلها من أرض مع عدم وجود المستحق،و هو خلاف الإجماع فتوًى و روايةً،بل ظاهرهما أنّ المتمكّن من بعثها من بلدة إلى أُخرى واجد لمستحقها،و حينئذٍ فيكون الموثق من جملة ما دلّ على جواز الدفع إلى المستضعف مع وجود المستحق و لو في الجملة.

هذا مع إمكان حملها على الاتّقاء،كما يستفاد من قرائن في جملة منها،كتضمّن بعضها قوله:« لمكان الشهرة» و كون بعضها مكاتبة،و راوي الصحيح منها علي بن يقطين الذي كان وزير الخليفة،و المروي عنه فيه مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام،و التقيّة كانت في زمانهما شديدة غاية الشدة.

و يجوز أن تُعطى أطفال المؤمنين بغير خلاف فيه بيننا أجده، و به صرّح جماعة (2)،و في المدارك:أنّه مجمع عليه بين علمائنا و أكثر العامة (3)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة (4).

ص:156


1- المختلف:201.
2- منهم المحقق السبزواري في الذخيرة:458،و صاحب الحدائق 12:207.
3- المدارك 5:240.
4- الوسائل 9:226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

و إطلاقها كالعبارة و نحوها يقتضي عدم الفرق فيهم بين ما لو كان آباؤهم فُسّاقاً أم لا،و به صرّح الحلّي في السرائر و الفاضل في المنتهى بعد أن حكاه عن الشيخ في التبيان و المرتضى (1)،و تبعهم المتأخّرون و منهم الشهيدان في اللمعة و شرحها (2)و فيه الإجماع عليه و على جواز الإعطاء.

فلا ريب فيه و إن اشترط العدالة في الآباء،مضافاً إلى الإطلاقات العامة،مع اختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء،و لا دليل على تبعيّتهم لهم هنا،و إنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان و الكفر لا غيرهما،و بذلك صرّح في المنتهى (3).

و من التبعية في الكفر يظهر عدم جواز إعطاء أطفال غير المؤمنين، كما هو ظاهر العبارة و غيرها،بلا خلاف فيه أيضاً أجده.

ثم ظاهر النصوص جواز الدفع إليهم من غير اشتراط وليّ،كما صرّح به من متأخّري المتأخّرين جماعة من الفضلاء (4)إذا كانوا بحيث يصرفوها في وجه يسوغ للولي صرفها فيه،و حكي عن الفاضل في المنتهى (5).

خلافاً له في التذكرة فمنع عن الدفع إليهم مطلقاً،مستدلاً عليه بأنّه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا،ثم قال:و لا فرق بين أن يكون يتيماً أو غيره،فإنّ الدفع إلى الولي،فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.انتهى (6).

ص:157


1- السرائر 1:460،المنتهى 1:523،و حكي فيهما عن التبيان و طبريّان المرتضى،و لم نعثر عليه فيهما.
2- الروضة 2:50.
3- المنتهى 1:523.
4- كصاحب المدارك 5:241،و المحقق السبزواري في الذخيرة:458.
5- المنتهى 1:526.
6- التذكرة 1:236.

و هو أحوط و أولى،خروجاً عن شبهة شمول عموم أدلّة الحجر عليهم لمسألتنا،و ضعف دلالة الإطلاقات الواردة فيها،بقوّة احتمال كون المراد من الدفع فيها هو صرفها فيهم بطريق شرعي،مع أنّه مراد منها بالإضافة إلى الصغار قطعاً،و ليس فيها التقييد بغيرهم أصلاً.

قيل:و حكم المجنون حكم الطفل،أما السفيه فإنّه يجوز الدفع إليه و إن تعلّق به الحجر بعده.انتهى (1).و لا بأس به.

و لو أعطى مخالف في الحق زكاته فريقه (2)ثم استبصر و صار محقّاً عارفاً أعاد ها إجماعاً فتوًى و نصّاً.

ففي الصحيح:« كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه تعالى عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة فإنّه يعيدها،لأنّه وضعها في غير موضعها،لأنّها لأهل الولاية» (3)و نحوه آخران (4).

الثاني العدالة

و الثاني: العدالة،و قد اعتبرها قوم من القدماء،كالمفيد و الشيخ و الحلبي و ابن حمزة و الحلّي و القاضي و السيدين مدّعيَين عليه إجماعنا (5)،

ص:158


1- المدارك 5:242.
2- في المختصر المطبوع:فريضة.
3- التهذيب 5:/9 23،الإستبصار 2:/145 472،الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.
4- الأوّل:الكافي 3:/545 1،التهذيب 4:/54 143،علل الشرائع:/373 1،الوسائل 9:216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.الثاني:الكافي 3:/546 5،الوسائل 9:217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.
5- المقنعة:242،الاقتصاد:282،المبسوط 1:251،الكافي في الفقه:172،الوسيلة:129،السرائر 1:458،المهذب 1:169،الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568.

و عزاه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا (1)،و هو مشعر به أو بالشهرة العظيمة بين القدماء.

و لا ريب فيها،بل لم نَرَ لهم مخالفاً لم يعتبر العدالة مطلقاً صريحاً بل و لا ظاهراً عدا ما يُحكى عن ظاهر الصدوقين و الديلمي (2)،حيث لم يذكروها في الشروط.

و هو كما ترى ليس فيه الظهور المعتدّ به،سيّما و أن يقدح به في الإجماع المنقول،فقد يحتمل اكتفاؤهم عنها بذكر الإيمان بناءً على احتمال اعتبار العمل فيه عندهم،كما يعزى إلى غيرهم من القدماء.

نعم أكثر المتأخّرين على عدم اعتبارها مطلقاً (3)،و حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامّة العمياء (4)؛ للأصل و العمومات كتاباً و سنّةً.

و هو كما ترى؛ لوجوب تخصيصهما بما مرّ من الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بين القدماء القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة في اعتبار مجانبة الكبائر،إذ لا خلاف بينهم أجده،و به تشعر العبارة هنا و في الشرائع (5)،حيث لم ينقل فيهما قولاً بعدم اعتبارها مطلقاً،بل اعتبارها في الجملة أو مطلقاً.

و كيف كان هو أي اعتبارها مطلقاً أحوط تحصيلاً

ص:159


1- الخلاف 4:224.
2- حكاه عنهم في المختلف:182.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:580،و العلّامة في المختلف:182،و صاحب المدارك 5:244.
4- الخلاف 4:224.
5- الشرائع 1:163.

للبراءة اليقينيّة،و خروجاً عن الشبهة،بل لا يبعد المصير إلى تعيّنه لما عرفته،و قد ذهب إليه من المتأخّرين الشهيد في اللمعة (1).

و الشهرة المتأخّرة ليست بتلك الشهرة التي تقوّي العمومات و تصونها عن قبولها التخصيص بما عرفته من الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة القديمة القطعيّة،بل إجماعهم و لو في الجملة كما عرفته.

هذا مضافاً إلى اعتضاده و لو في الجملة بالمضمر:عن شارب الخمر يُعطى من الزكاة شيئاً؟قال:

« لا» (2).و لو لا إضماره لكان حجّة مستقلّة و إن ضعف سنده بغيره و دلالته بأخصّيته من المدّعى،لاختصاصه بشارب الخمر فلا يكون عامّاً؛ لانجبار الأوّل بالشهرة و الإجماعات المنقولة،و الثاني بعدم قائل بالفرق بين هذه الكبيرة و غيرها من الكبائر،على الظاهر المصرّح به في المنتهى (3).

و لولا أنّه اقتصر آخرون كالإسكافي (4) على اعتبار مجانبة الكبائر خاصّة،لأمكن الاستدلال بالرواية على تمام ما اشتهر بين قدماء الطائفة،هذا.

و يمكن إرجاع هذا القول إلى مختارهم بما ذكره شيخنا في الروضة، حيث قال:الصغائر إن أصرّ عليها لحقت بالكبائر،و إلّا لم يوجب فسقاً، و المروّة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرّح به المصنف في شرح

ص:160


1- الروضة 2:50.
2- الكافي 3:/563 15،التهذيب 4:/52 138،المقنعة:242،الوسائل 9:249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.
3- المنتهى 1:523.
4- حكاه عنه في المختلف:182.

الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة (1).

و هو في غاية الجودة،و إن تأمّل فيه في الذخيرة (2)،و لعلّه لأنّ المتبادر من الكبائر في عبائرهم هو كلّ من الذنوب التي تكون بنفسه كبيرة لا باجتماع الصغائر،سيّما في عبائر النقلة لهذا القول كالمتن و الشرائع و المنتهى (3)،حيث جعلوه في مقابل القول باعتبار العدالة مطلقاً،فتأمّل جدّاً.

و كيف كان،فما عليه القدماء لعلّه أقوى؛ لما عرفت من الأدلّة المعتضدة بالرواية.

و لا يعارضها المرسل المروي عن العلل:قلت للرجل يعني أبا الحسن-:ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟قال:« يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ثم قال:« أو عشرة آلاف،و يعطى الفاجر بقدر،لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه،و الفاجر ينفقها في معصية اللّه» (4).

لأنّه مع ضعفه بالإرسال و غيره غير دالّ على الجواز مطلقاً،كما هو ظاهر القوم،بل على إعطائه بقدر،و لم يذكروا هذا الشرط،فتأمّل.

و مع ذلك فيحتمل قويّاً حمله على التقيّة،لكونه مذهب فقهاء العامّة كما تقدّم عن الخلاف (5)،و في المعتبر و المنتهى عزياه إلى فقهائهم الأربعة (6)،و ربما يعضده سياق الرواية،كما لا يخفى على من تدبّر (7).

ص:161


1- الروضة 2:51.
2- الذخيرة:458.
3- الشرائع 1:163،المنتهى 1:523.
4- علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.
5- في ص:24000.
6- المعتبر 2:580،المنتهى 1:523.
7- لكونها أولاً عن أبي الحسن عليه السلام،و التقية في زمانه كانت في غاية الشدَّة،و عدوله عليه السلام عن الجواب بما يوافق السؤال و يناسبه من تحديد المؤمن و حاله من فسق أو عدالة مثلاً إلى الجواب بتحديد مقدار ما يعطى من عشرة آلاف أو ثلاثة،فان في ذلك تنبيهات واضحة على ورود الحكم فيها للتقية كما لا يخفى على من أنصف و أعطى التأمّل فيها حقه(منه رحمه اللّه).

و اعلم:أن محل الخلاف إنّما هو من عدا المؤلفة و العاملين عليها، لاعتبار العدالة فيهم دون المؤلّفة إجماعاً،على الظاهر،المصرّح به في الدروس و الروضة و غيرهما (1)في الأوّل؛ و لتضمّن العُمالة الايتمان قطعاً، و للصحيح:« و لا توكّل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً» (2)و لا أمانة لغير العدل، فتأمّل.

و على ما صرّح به جماعة ممّن اعتبرها فيمن عداهما في الثاني، و منهم الشيخ في الجمل و الاقتصاد و ابنا حمزة و زهرة و الشهيدان في اللمعتين (3)،قال ثانيهما:لأنّ كفرهم مانع من العدالة و الغرض منهم يحصل بدونها.انتهى.و هو حسن،و منه يظهر اتّفاق الكل عليه أيضاً.

الثالث أن لا تكون ممّن تجب نفقته

الثالث: أن لا تكون ممّن تجب عليه نفقته شرعاً كالأبوين و إن عَلَوا و الأولاد و إن سفلوا (4)و الزوجة الدائمة الغير الناشزة و المملوك إجماعاً على الظاهر المصرّح به مستفيضاً (5)،بل هو قول كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى (6)؛ و النصوص به مع ذلك

ص:162


1- الدروس 1:242،الروضة 2:50؛ و انظر المفاتيح 1:208.
2- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:/96 274،المقنعة:256،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3- الرسائل العشر:206،الاقتصار:282،الوسيلة:129،الغنية(الجوامع الفقهية):568،الروضة 2:50.
4- في المختصر المطبوع:نزلوا.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):568،المدارك 5:245،المفاتيح 1:208.
6- المنتهى 1:523.

مستفيضة.

ففي الصحيح (1)و غيره المروي في العلل و غيره (2):« خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً:الأب،و الأُمّ،و الولد،و المملوك،و الزوجة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له» .و الخبران المخالفان لذلك (3)مع شذوذهما ضعيفان سنداً، محتملان لمحامل أقربها الحمل على صورة العجز عن كمال نفقتهم الواجبة،لجواز دفع التتمة منها حينئذٍ،كما صرّح به جماعة (4)من غير خلاف بينهم أجده؛ للأصل و انتفاء المانع،و خصوص جملة من المعتبرة.

بل قيل بجواز الدفع أيضاً للتوسعة (5)؛ لعدم وجوبها على المنفق، و لفحوى التعليل في الصحيحة،فإنّ مقتضاه أنّ المانع لزوم الإنفاق.

و ردّ باحتمال كون المقصود منه التنبيه على أنّهم لكونهم لازمين له بناءً على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء،فلا يجوز الدفع إليهم، فلا يقتضي التخصيص.

أقول: و يعضده ورود التعليل في غير الصحيح هكذا:« لأنّه يجبر على نفقتهم» فتدبّر.

ص:163


1- الكافي 3:/552 5،التهذيب 4:/56 150،الإستبصار 2:/33 101،الوسائل 9:240 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 1.
2- علل الشرائع:/371 1،الخصال:/288 45،الوسائل 9:241 أبواب المستحقّين للزكاة ب 13 ح 4.و فيها:« لأنّه يجبر على النفقة عليهم».
3- الكافي 3:/552 9 و 10،التهذيب 4:/56 152،الوسائل 9:243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 3 و 4.
4- منهم:الشيخ في التهذيب 4:57،و الاستبصار 2:34،و صاحب المدارك 5:246.
5- البيان:361،الذخيرة:459،الحدائق 12:211.

لكن يضعّفه اقتضاء التعليل المنعَ عن الدفع للتوسعة إذا كان من غير المُنفق عليهم أيضاً.و هو خلاف مختار المورد و جماعة (1)حيث صرّحوا بجوازه له؛ للعموم،و الصحيح:عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته،أ يأخذ من الزكاة شيئاً فيوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟قال:« لا بأس» (2).

فالجواز لعلّه أقوى و إن كان الأحوط الترك مطلقاً حتى في غير المنفق،وفاقاً للمحكي عن التذكرة (3)؛ لعموم:« لا يُعطون من الزكاة شيئاً» و احتمالِ كون مفاد التعليل ما ذكره المورد،و عدمِ صراحة الصحيح في التوسعة،لاحتماله الاختصاص بكمال النفقة و إن ذكر في صدره أنّه يكفونه مئونته؛ لاحتمال كون المراد الكفاية في الجملة بحيث لا ينافي القصور عن كمال النفقة.و هو و إن بَعُد غايته إلّا أنّه يقربه« لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه» في ذيل الرواية.

و يتأكّد الاحتياط في الزوجة،بل صرّح من هؤلاء بإخراجها (4)جملة، لأنّ نفقتها كالعوض،فتكون كذي العقار الذي يستعين بالأُجرة.

و لو امتنع المُنفق من الإنفاق جاز التناول للجميع قولاً واحداً،كما صرّح به جماعة (5).

ص:164


1- منهم:الشهيد الأوّل في الدروس 1:242،و صاحب المدارك 5:247.
2- الكافي 3:/561 5،التهذيب 4:/108 310،المقنعة:264،الوسائل 9:238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1.
3- التذكرة 1:231،234.
4- عن الحكم بإعطائها للتوسعة.منه رحمه اللّه.
5- منهم:صاحب المدارك 5:247،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 2:209،و المحقق السبزواري في السبزواري في الذخيرة:459.

و يجوز للزوجة إعطاؤها زوجها و إنفاقه عليها على الأشهر الأقوى؛ للأصل،و انتفاء المانع.

خلافاً للصدوق في الأوّل (1)،و الإسكافي في الثاني (2).و مستندهما غير واضح.

ثم إنّ هؤلاء إنّما يُمنعون من سهم الفقراء،و إلّا فيجوز الدفع إليهم من غيره،على المقطوع به بين الأصحاب كما في الذخيرة (3)،و في غيرها نفي الخلاف عنه (4).

و لا ريب فيه؛ للمعتبرة المتقدّمة المجوزة لقضاء دَين الأب منها و شرائه (5).

و احترز بالدائمة و غير الناشزة عنها و عن المتمتّع بها؛ لعدم وجوب الإنفاق عليهما اتّفاقاً.

و هل يجوز الدفع إليهما؟الأقوى لا في الناشزة؛ لفسقها،أو تمكّنها من النفقة في كل وقت أرادت الطاعة فتشبه الأغنياء،و في المعتبر عليه الإجماع (6).

و نعم في المتمتّع بها؛ للعموم،مع خروجها عن النصوص،لعدم تبادرها من لفظ الزوجة المطلق فيها فلا تدخل فيه،مع أنّها ليست بزوجة حقيقة على الأقوى،بل مستأجرة كما في رواية،مع فقد المناط للمنع فيها و العلّة،و هي كونها من واجبي النفقة.

ص:165


1- كما في المقنع:52.
2- حكاه عنه في المختلف:183.
3- الذخيرة:459.
4- انظر المفاتيح 1:209.
5- راجع ص:2390.
6- المعتبر 2:582.

و يجوز أن يعطى باقي الأقارب بلا خلاف؛ للأصل، و العموم،و النصوص المستفيضة.

بل الدفع إليهم أفضل؛ لعموم: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [1] (1)و صريح الموثق:قلت له:لي قرابة أُنفق على بعضهم و أُفضّل بعضهم على بعض،فيأتيني إبّان الزكاة أ فأُعطيهم منها؟قال:« مستحقّون لها؟» قلت:نعم،قال:« هم أفضل من غيرهم،أعطهم» (2).

و في الخبر:أيّ الصدقة أفضل؟فقال:« على ذي الرحم الكاشح» (3)و قريب منه غيره (4).

و يستفاد من الثّقة جواز الإعطاء و لو مع العيلولة.و هو كذلك حتى فيمن عدا الأقارب؛ للأصل،و العموم،و انتفاء المانع و هو وجوب النفقة على ما مرّ في الصحيحة،و عليه الإجماع في صريح المدارك و التذكرة على ما حكاه عنه في الذخيرة (5)،و نفى عنه الخلاف أيضاً بعض الأجلّة (6).

الرابع أن لا يكون هاشميّاً

الرابع: أن لا يكون هاشميّاً،فإنّ زكاة غير قبيله محرّمة عليه في الجملة،باتّفاق الخاصة و العامة،كما صرّح به جماعة (7)؛ و الصحاح به

ص:166


1- الأنفال:75.
2- الكافي 3:/551 1،التهذيب 4:/56 149،الإستبصار 2:/33 100،الوسائل 9:245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.
3- الكافي 4:/10 2،الفقيه 2:/38 165،التهذيب 4:/106 301،المقنعة:261،ثواب الأعمال:/173 18،الوسائل 9:411 أبواب الصدقة ب 20 ح 1.الكاشح:العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه أي باطنه.النهاية لابن الأثير 4:175.
4- الجعفريات:55،المستدرك 7:193 أبواب الصدقة ب 18 ح 1.
5- المدارك 5:248،التذكرة 1:234،الذخيرة:459.
6- الحدائق 12:214.
7- كالفاضلين في المعتبر 2:583،و التحرير 1:69،و المنتهى 1:524،و التذكرة 1:235،و صاحبي المدارك 5:250،و الحدائق 12:215.

و غيرها مستفيضة بل متواترة (1).

دون زكاة الهاشمي فإنّها لا تحرم عليه مطلقاً،بإجماعنا الظاهر، المحكي في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر المنتهى و غيرها (2)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً (3).

و كذا لو قصر الخمس عن كفايته جاز له أن يقبل الزكاة مطلقاً و لو كان من غير الهاشمي بإجماعنا الظاهر،المحكي أيضاً في صريح الانتصار و الغنية و ظاهر المنتهى و غيرها (4).

و للموثّق:« لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة،إنّ اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثم قال:« إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة،و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً فيكون ممّن تحلّ له الميتة» (5).

و عليه يحمل إطلاق أُخَر أو الخبر:« أعطوا من الزكاة بني هاشم مَن أرادها،فإنّها تحلّ لهم،و إنما تحرم على النبي صلى الله عليه و آله،و على الإمام الذي يكون بعده،و على الأئمة عليهم السلام» (6).

ص:167


1- الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
2- الانتصار:84،الغنية(الجوامع الفقهية):568،الخلاف 3:54،المنتهى 1:542؛ و انظر المدارك 5:252.
3- الوسائل 9:273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.
4- الانتصار:85،الغنية(الجوامع الفقهية):568،المنتهى 1:526؛ و انظر الحدائق 12:219.
5- التهذيب 4:/59 159،الإستبصار 2:/36 111،الوسائل 9:276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
6- الكافي 4:/59 6،الفقيه 2:/19 65،التهذيب 4:/60 161،الاستبصار 2:/36 110،المقنع:55،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.

و يكون وجه اختصاص الأئمة منهم بالذكر أنهم لا يضطرّون إلى أكل الزكوات و التقوّي بها،و غيرهم قد يضطرّون إليها.

و يحتمل الحمل على المندوبة أن حرّمناها على الأئمة كما احتمله في المنتهى (1)،لكن حكى خلافه عن أكثر علمائنا (2)؛ و يشهد لهم بعض الصحاح الآتية في جواز أخذهم من المندوبة (3).

أو على ما إذا كانوا عاملين عليها،بناءً على جواز أخذهم من سهم هؤلاء،كما عليه قوم على ما حكى عنهم في المبسوط و السرائر (4)،و لكن الظاهر على ما في المختلف أنّهم من العامة العمياء،قال:إذ لا أعرف في ذلك لعلمائنا قولاً و أكثرهم منع من إعطاء بني هاشم مطلقاً إلى أن قال -:و بالجملة فإن كان القوم الذين نقل الشيخ و ابن إدريس عنهم من علمائنا صارت المسألة خلافية،و إلّا فلا.انتهى (5).

هذا،و المعتمد عدم جواز أخذهم مطلقاً؛ لدعوى الشيخ بنفسه في الخلاف الإجماع عليه،و لم يَحك خلافاً فيه إلّا عن بعض أصحاب الشافعي (6)؛ و لإطلاق الأدلّة المانعة بل صريح بعضها كالصحيح:« إنّ أُناساً

ص:168


1- المنتهى 1:526.
2- المنتهى 1:525.
3- انظر ص:2410.
4- المبسوط 1:248،السرائر 1:460.
5- المختلف:184.
6- فإنه قال في كتاب قسمة الصدقات(الخلاف 4:231):لا يجوز لأحدٍ من ذوي القربى أن يكون عاملاً في الصدقات لأن الزكاة محرمة عليهم و به قال الشافعي و أكثر أصحابه،و في أصحابه من قال بجواز ذلك،لأن ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات دليلنا إجماع الفرقة،إلى آخر ما قاله(منه رحمه اللّه).

من بني هاشم أتَوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله،فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي،قالوا:يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به،فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:يا بني عبد المطّلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم،و لكنّي قد وعدت الشفاعة» (1)الخبر.

و ظاهر العبارة عدم تقدّر المأخوذ في الضرورة بقدرها،و هو ظاهر كلّ من أطلق الجواز من غير تقدير،كالسيّدين و غيرهما (2)،و جعله في المختلف أشهر و اختاره،قال:لأنّه أُبيح له الزكاة فلا تتقدّر بقدر،أمّا المقدمة الاُولى فلأنّ التقدير ذلك،و أمّا الثانية فلما رواه.. (3)ثم ساق بعض الروايات الدالة على جواز الإعطاء إلى أن يحصل الغنى.

و فيه:أن المتبادر منها غير مسألتنا،و مع ذلك فالموثّقة السابقة لعلّها ظاهرة في تقدّرها بقدر الضرورة كأكل الميتة.

و لعلّه لذا قيل: إنّه لا يتجاوز قدر الضرورة و حكاه في التنقيح عن الشيخ (4)،و استقر به الشهيدان في الدروس و الروضة (5)، و الفاضل في التحرير و المنتهى (6)،و جماعة من المتأخّرين منهم (7).و لا ريب أنّه أحوط و أولى.

ص:169


1- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
2- الانتصار:85،الغنية(الجوامع الفقهية):568 و انظر الحدائق 12:220.
3- المختلف:185.
4- التنقيح الرائع 1:325.
5- الدروس 1:234،الروضة 2:52.
6- التحرير:69،المنتهى 1:526.
7- كصاحب المدارك 5:254،و المحقق السبزواري في الذخيرة:461،و صاحب الحدائق 12:219.

و فُسّر قدر الضرورة بقدر قوت يوم و ليلة،و ما يفهم من الموثّقة أخصّ منه كما صرّح به جماعة (1).

و تحلّ الزكاة لمواليهم أي عتقائهم،كما صرّح به في التحرير و المنتهى (2)،قال:و عليه علماؤنا؛ للعموم،و خصوص النصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح و الحسن و غيرهما (3).

و أمّا الموثّق:« مواليهم منهم،و لا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم، و لا بأس بصدقات مواليهم عليهم» (4)فحمله الشيخ تارة على كونهم مماليك،و أُخرى على الكراهة (5)،كما حكاها في المختلف عن الإسكافي و اختارها (6).

و لا بأس بهما جمعاً بين الأدلّة.لكنّ الأوّل ربما ينافيه ذيل الرواية؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئاً يتصدق به.

أقول: و يحتمل الحمل على التقيّة،فقد حكى المنع في المنتهى عن بعض العامّة (7).

و اعلم أنّ الصدقة المندوبة لا تحرم على هاشمي و لا غيره بلا إشكال في الثاني.

ص:170


1- منهم:صاحبو المدارك 5:254،و الذخيرة:461،و الحدائق 12:219.
2- التحرير:69،المنتهى 1:525.
3- الوسائل 9:277 أبواب المستحقين للزكاة ب 34.
4- التهذيب 4:/59 159،الإستبصار 2:/37 115،الوسائل 9:278 أبواب المستحقين للزكاة ب 34 ح 5.
5- راجع التهذيب و الاستبصار ذيل الحديث.
6- المختلف:184.
7- المنتهى 1:525.

و أمّا الأوّل فهو المشهور بين الأصحاب حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا و أكثر العامة (1)،و كذا في المدارك (2)،و نفى عنه الخلاف في المفاتيح (3)،و قريب منه في الذخيرة كما ستعرفه (4)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه،كما صريح الخلاف (5)؛ و النصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح:« لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة،لأنّ كلّ ما بين مكة و المدينة فهو صدقة» (6).

و الخبر أو الصحيح كما قيل-:أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟قال:

« إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا،فأما غير ذلك فليس به بأس،و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة،هذه المياه عامّتها صدقة» (7).

و في آخَرَين:عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟فقال:

« الزكاة المفروضة» (8).

و يستفاد منهما جواز ما عدا الزكاة و لو كانت واجبة كالكفارة و الموصى بها و المنذورة،و به صرّح في المدارك (9)،و قوّاه في الذخيرة،

ص:171


1- المنتهى 1:525.
2- المدارك 5:255.
3- المفاتيح 1:232.
4- الذخيرة:461.
5- الخلاف 3:541.
6- التهذيب 4:/61 165،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1،و فيه« كلّ ماء» بدل« كلّ ما».
7- المدارك 5:255.
8- الكافي /59 3،التهذيب 4:/62 166،المقنعة:243،الوسائل 9:272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
9- المدارك 5:256.

قال:و احتمل المصنف المنع في التذكرة (1).

أقول: و لعلّه لعموم ما دلّ على منعهم من مطلق الصدقة من غير تقييد بالزكاة المفروضة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة سوى الخبرين المتقدم إليهما الإشارة.و هما لضعفهما سنداً لا يصلحان لتقييد الإطلاقات بل العمومات المتواترة من طرق الخاصة و العامة،و إنّما قيّدناها بهما بالإضافة إلى المندوبة لضرورة الإجماعات المحكية و الاعتضاد بالصحيحة و الشهرة العظيمة التي لا يكاد يوجد لها مخالف عدا ما يحكى أيضاً عن التذكرة.

قال فيها:و ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام:أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة،فقيل له أ تشرب من الصدقة؟فقال:« إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة» (2)مما تفرّد بروايته العامة (3).

و هو كما ترى في غاية الغرابة إن صحّت الحكاية عنه و النسبة، و يشبه أن تكون سهواً من الحاكي،و إلّا فلم يَحكِ عنه الخلاف أحد من علمائنا،بل في الذخيرة مع نقله عنه احتمال المنع عن الكفارة لم ينقل عنه الخلاف في المندوبة،بل قال:لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا (4).

و كيف كان،لا شبهة في ضعفه و إن شهدت له جملة من النصوص الظاهرة القريبة من الصراحة (5)،لعدم مكافأتها الأدلّة المتقدّمة،و إن تأيّدت بإطلاقات الأخبار المانعة.

ص:172


1- الذخيرة:461،التذكرة 1:235.
2- المغني و الشرح الكبير 2:520.
3- التذكرة 1:235.
4- الذخيرة:461.
5- انظر الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

و الذين تحرم عليهم الصدقة الواجبة وُلد عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف دون عمّه المطلب (1)،بلا خلاف ظاهر و لا محكي، إلّا عن شيخنا المفيد في الرسالة العزيّة و الإسكافي،فعمّما التحريم لوُلدهما (2)؛ للموثق المتقدم (3).

ص:173


1- و ذكر الفاضلان و غيرهما أن وُلد عبد المطّلب الآن أولاد أبي طالب و العباس و الحارث و أبي لهب. و ذكر الشيخ في النهاية(ص 186)أن بني هاشم هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه السلام و جعفر بن أبي طالب و عقيل بن أبي طالب و عباس بن عبد المطّلب. و قال ابن إدريس في السرائر بعد نقل كلامه:و هذا القول ليس بواضح،قال:و الصحيح أن قصيّ بن كلاب و اسمه زيد،و كان يسمّى مجمعاً لأنه جمع قبائل قريش و أنزلها مكة،و بنى دار الندوة وَلَد عبدَ مناف وعبد الدار و عبد العزّى.فأما عبد مناف فاسمه المغيرة فولد هاشماً و عبد الشمس و المطّلب و نوفلاً و أبا عمرو.فأما هاشم بن عبد مناف فولد عبدَ المطّلب و أسداً و غيرهما ممّن لم يعقب. فولد عبد المطلب عشرةً من الذكور و ستّ بنات،أسماؤهم:عبد اللّه و هو أبو النبي صلى الله عليه و آله،و الزبير،و أبو طالب و اسمه عبد مناف،و العباس،و المقوّم،و حمزة،و ضرار،و أبو لهب و اسمه عبد العزّى،و الحارث،و الغيداق و اسمه جَحْل،و الجحل:اليعسوب العظيم.و أسماء البنات:عاتكة،و أُميمة،و البيضاء،و برّة،و صفيّة،و أروى.و هؤلاء الذكور و الإناث لأُمّهات شتّى. فلم يعقب هاشم إلّا من عبد المطّلب عليه السلام،و لم يعقب عبد المطّلب من جميع أولاده الذكور إلّا من خمسة و هم:عبد اللّه،و أبو طالب،و العباس،و الحارث،و أبو لهب. فجميع هؤلاء و أولاد هؤلاء تحرم عليهم الزكاة الفريضة مع تمكنهم من أخماسهم و مستحقاتهم،و هؤلاء بأعيانهم أيضاً مستحقّو الخمس». و إلى ما حرّرناه و اخترناه يذهب شيخنا في مسائل خلافه،و إنما أورده إيراداً في نهايته للحديث الواحد،لا اعتقاداً.انتهى(السرائر 1:461).و ما ذكره من قوله:فولد عبد المطّلب عشرة من الذكور و ستّ بنات،حكاه في المدارك(5:257)عن جماعة من أهل النسب.(منه رحمه اللّه).
2- حكاه عنهما في المدارك 5:256،و المعتبر 2:585.
3- في ص:240.

و هو مع عدم صراحته نادر،كما أجاب به عنه الفاضلان في المعتبر و المنتهى (1)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه،فلا يخصّص بمثله عموم نحو الكتاب.

مضافاً إلى إشعار جملة من المستفيضة بالاختصاص ببني هاشم، حيث اقترت على ذكرهم خاصة من غير إشارة في شيء منها إلى غيرهم بالكلية.

بل قال في المنتهى:و تخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدل على نفيه عمّا عدا المخصوص،و ذلك في قوله:« لا يحلّ لوُلد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم» (2)و كذا في قول النبي صلى الله عليه و آله:« إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم يا بني عبد المطّلب» (3)و المراد بذلك كله شرف المنزلة و تعظيم آله عليهم السلام،فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكره،لأنّه في معرض التعظيم لنسبه (4).

اللواحق

اشارة

و أمّا اللواحق:فمسائل تسع:

الاُولى يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السلام إذا طلبها

الاُولى: يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السلام إذا طلبها قطعاً لوجوب إطاعته و تحريم مخالفته.

و يقبل قول المالك لو ادّعى الإخراج بنفسه و لا يكلّف يميناً و لا بيّنةً

ص:174


1- المعتبر 2:585،المنتهى 1:525.
2- التهذيب 4:/59 158،الإستبصار 2:/35 109،الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
3- الكافي 4:/58 1،التهذيب 4:/58 154،الوسائل 9:268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
4- المنتهى 1:525.

بغير خلاف أجده،قيل:لأنّ ذلك حقّ له كما هو عليه و لا يعلم إلّا من قِبَله، و جاز احتسابه من دَين و غيره مما يتعذّر الإشهاد عليه (1).

و يدلُّ عليه أيضاً جملة من النصوص الواردة في آداب المصدّق،ففي الصحيح و غيره خطاباً له:« قل:يا عباد اللّه،أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه تعالى في أموالكم،فهل للّه تعالى في أموالكم من حق فتؤدّوه إلى وليّه؟فإن قال لك قائل:لا،فلا تراجعه،و إن أنعم لك منعم فانطلق معه» (2)الحديث.

و كذا يقبل دعواه عدم الحول و تلف المال و ما ينقص النصاب ما لم يعلم كذبه،ذكر ذلك شيخنا في الروضة،قال:و لا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلّا مع الحصر،لأنّه نفي (3).

و لو بادر المالك بإخراجها إلى المستحق بنفسه أو وكيله قبل الدفع إلى الإمام أو نائبه حيث يجب عليه أجزأته كما هنا،و في الإرشاد و التذكرة (4)؛ لأنّه دفع المال إلى مستحقه،فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى من يستحقه.

خلافاً للشيخ و جماعة (5)،فلا تجزئ؛ لأنّه عبادة و لم يؤت بها على

ص:175


1- الروضة 2:54.
2- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:274،المقنعة:254،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
3- الروضة 2:54.قيل في تفسيره:أي لأنَّ دعواه تتضمن النفي،و الشهادة على النفي لا تكون إلّا على وجه الحصر،أو لأنَّ شهادتهم على نفي ما يدّعيه فيعتبر في الشهادة الحصر،و هذا أنسب(منه رحمه اللّه).
4- الإرشاد 1:288 التذكرة 1:241.
5- الشيخ في المبسوط 1:244 و الخلاف 4:225؛ و انظر الوسيلة:130،و الدروس 1:246،و الروضة 2:53،و المدارك 5:260،و الذخيرة:465.

وجهها المطلوب شرعاً،فلا يخرج عن العهدة المكلّف بها؛ و لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص،و النهي في العبادة مفسد لها.

و المسألة محل إشكال و توقف،كما في المنتهى و التحرير (1)، و غيرهما،و فيه:إلّا أنّ الأمر فيه هيّن،لاختصاص الحكم بطلب الإمام، و مع ظهوره عجل اللّه فرجه يتضح الأحكام كلّها إن شاء اللّه تعالى (2).

انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ دعواه اختصاص الحكم بطلبه عليه السلام لعلّها لا يخلو عن شيء،إلّا أن تُبنى على ما هو المشهور الآن،من عدم وجوب دفعها إلى الفقيه المأمون في هذا الزمان.

و هو خيرة الماتن لقوله: و يستحب دفعها إلى الإمام ابتداءً أي من غير أن يطلبها و مع فقده إلى الفقيه المأمون من الإمامية المفسر في كلام جماعة من المتأخرين كما في الذخيرة (3)بمن لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية.

و إنّما يستحب دفعها إليهما لأنّه أي كلا منهما أبصر بمواقعها و أخبر بمواضعها،و لما فيه من الخروج من شبهة خلاف من أوجب الدفع إليهما ابتداءً،كالمفيد و الحلبي و القاضي و ابن زهرة العلوي (4)،لكنّه و القاضي سوّغا تولّي المالك إخراجها مع غيبة الإمام كزماننا،مطلقاً كما في

ص:176


1- المنتهى 1:514،التحرير:67.
2- المدارك 5:260.
3- الذخيرة:465.
4- المفيد في المقنعة:252،الحلبي في الكافي في الفقه:172،القاضي في المهذب 1:171،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568.

عبارة المرتضى المنقولة في المختلف (1)،أو بشرط المعرفة و إلّا فيحمل إلى الفقيه المأمون من أهل الحق كما في الغنية؛ و لا شبهة فيه و لا ريب يعتريه،و عليه يحمل قطعاً إطلاق المرتضى و هما في المعنى الآن موافقان لنا،و إنّما المخالف الأوّلان.

و لم أقف على دليل يدل على أصل وجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام فضلاً عن نائبه.

و الاستدلال عليه بآية خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [1] (2)الآية،لا وجه له، كما صرّح به جماعة (3)،لأنّ غايتها وجوب الدفع مع المطالبة،و هو لا يستلزم وجوبه قبلها كما هو مفروض المسألة.

و الأصحّ الأوّل؛ للأصل و العمومات كتاباً و سنةً،و استفاضة الروايات بجواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله لإخراجها (4)،مع عدم وضوح مقيِّد لها، لما مضى،مع أنّ في ظاهر الغنية الإجماع عليه مع الغيبة و المعرفة (5)،كما هو مفروض المسألة،و هو صريح الخلاف في كتاب قسمة الصدقات (6)، و ظاهره عدم خلاف في ذلك في الأموال الباطنة بين العامة و الخاصة، و مورد عبارته و إن كان الإمام دون الفقيه،لكنّه هنا ملحق به بالأولوية،و ما استدلّ به من عموم الأدلة.

الثانية يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف

الثانية: يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف الثمانية.

ص:177


1- المختلف:187.
2- التوبة:103.
3- منهم:العلّامة في المختلف:187،و صاحبا المدارك 5:259،و الحدائق 12:222.
4- انظر الوسائل 9،أبواب المستحقين للزكاة ب 36،37،40.
5- أي:معرفة المالك لأهل الزكاة.
6- الخلاف 4:225.

بل و لو خصّ بها شخصاً واحداً جاز بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في التذكرة و غيرها (1)،و نفى عنه الخلاف من متأخّري المتأخّرين جماعة (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).

و بها تصرف الآية الكريمة عن ظاهرها بحملها على أُمور أجودها ما في المنتهى:من أنّها سيقت لبيان المصرف خاصة (4)؛ و لكن لعلّ مراعاة ظاهرها أحوط.

و لعلّه لذا يكون قسمتها على الأصناف أفضل مع ما فيه من عموم النفع و شمول الفائدة،أو لما فيه من التخلّص من الخلاف،و حصول الإجزاء يقيناً كما في المنتهى و التذكرة (5)،و كأنّه أراد بذلك خلاف العامة، لتصريحه بالإجماع على عدم وجوب البسط في التذكرة.

و إذا قبضها الإمام أو الساعي أو الفقيه برئت ذمّة المالك و لو تلفت بعد ذلك،بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (6)،و في المدارك:أنّه مما لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السهمان،فكان قبضهما جارياً مجرى قبض المستحق؛ و لفحوى الصحيح« إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (7)(8).

ص:178


1- التذكرة 2:244؛ و انظر المفاتيح 1:210.
2- كالسبزواري في الذخيرة:45،و صاحب الحدائق 12:224.
3- الوسائل 9:265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.
4- المنتهى 1:528.
5- المنتهى 1:528،التذكرة 1:244.
6- الذخيرة:467.
7- الكافي 3:/553 3،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.
8- المدارك 5:274.
الثالثة لو لم يوجد مستحق استحب عزلها

الثالثة: لو لم يوجد مستحق استحب للمالك عزلها بل عن التذكرة و المنتهى:استحبابه بعد الحول مطلقاً (1)،لوجوه اعتبارية يشكل التمسك بها في إثبات ما هو العمدة و المقصود من العزل من صيرورة نصيب المالك ملكاً للمستحقين قهراً حتى لا يشاركهم عند التلف أصلاً.

نعم،تدل عليه الصحيحة المتقدمة قريباً،و نحوها أخبار أُخر معتبرة منها الصحيح:« إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت،أو أرسل بها إليهم فضاعت،فلا شيء عليه» (2).

و الموثق:زكاتي تحلّ عليّ شهراً،أ فيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة؟قال:« إذا حال الحول فأخرجها من مالك،و لا تخلطها بشيء،و أعطها كيف شئت» قال،قلت:

فإن كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟قال:« نعم» (3).

و هي حجّة على مَن منع من صحة العزل مع وجود المستحق، كشيخنا الشهيد الثاني (4).

و الصحة مطلقاً خيرة الفاضلين (5)كما مضى و الشهيد في الدروس (6).

ص:179


1- التذكرة 1:238،المنتهى 1:511.
2- الكافي 3:/553 2،الفقيه 2:/16 47،التهذيب 4:/47 123،الوسائل 9:286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.
3- الكافي 3:/522 3،التهذيب 4:/45 119 بتفاوت يسير،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين ب 52 ح 2.
4- الروضة 2:60،المسالك 1:62.
5- المعتبر 2:553،التذكرة 1:238.
6- الدروس 1:247.

و لعلّه الأقوى،إلّا أن يحمل إطلاق النصوص على صورة فقد المستحق بدعوى تبادرها منها.لكنّها محلّ نظر،مع أنّ صدر الموثق ظاهر في خلافها.

و المراد بالعزل تعيينها في مال خاص،و صحّته تقتضي كونها أمانة في يده،لا يضمن عند التلف إلّا مع التفريط أو تأخير الدفع مع التمكن من الإيصال إلى المستحق.و لازم ذلك أنّه ليس للمالك إبدالها،لصيرورتها بالعزل كالمقسوم مال الفقراء.

لكن في صحيح الوارد في آداب الساعي:« اصدع المال صدعين» إلى أن قال:« حتى يبقى وفاء لحق اللّه في ماله فاقبض حقّ اللّه تعالى منه،و إن استقالك فأقله» (1)دلالة على جواز التبديل كما قيل (2).

و لعلّه لا يخلو عن نظر،و مع ذلك فعدم التبديل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن.

و النماء تابع لها مطلقاً (3)على الأقوى،وفاقاً للمدارك و غيره (4)؛ لما مضى (5)،و للخبر:عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أُؤدّيها، قال:« اعزلها،فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها و لها الربح» إلى أن قال:

« و إن لم تعزلها و اتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا

ص:180


1- الكافي 3:/536 1،التهذيب 4:/96 274،المقنعة:255،الوسائل 9:129 أبواب زكاة الأنعام ب 16 ح 1 بتفاوت يسير.
2- قال به في الذخيرة:468.
3- أي:متصلاً كان أو منفصلاً.
4- المدارك 5:275؛ و انظر الحدائق 12:242.
5- من صيرورتها بالعزل مال الفقراء.

و ضيعة عليها» (1).

خلافاً للدروس فللمالك (2)؛ و لم أعرف له مستنداً.

و يستحب الإيصاء بها إذا لم تحضره الوفاة؛ لئلّا يشتبه على الورثة لو مات فجأةً كما علّل به في المنتهى (3).فإذا حضرته وجب؛ لتوقّف الواجب عليه،و لعموم الأمر بالوصيّة.و أوجب الشهيد في الدروس العزل مع الوصيه أيضا (4)و هو أحوط.

و المعتبر فى الوصيه ما يحصل به الثبوت الشرعي،و في الصحيح:

رجل مات و عليه زكاة،و أوصى أن تُقضى عنه الزكاة،و ولده محاويج،إن دفعوها أضرّ بهم ضرراً شديداً،فقال:« يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم،و يخرجون منها شيئاً[فيدفع إلى غيرهم ]» (5).

الرابعة لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة

الرابعة: لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة و لا وارث له يختصّ به ورثه أرباب الزكاة كما في الصحيح (6)،و به عبّر أكثر الأصحاب،أو فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة كما في الموثق (7)،و به عبّر المفيد قال:لأنّه اشتري بحقهم من الزكاة (8)،و في المختلف:أن الظاهر أنّ مراده

ص:181


1- الكافي 4:/60 2،الوسائل 9:307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.
2- الدروس 1:247.
3- المنتهى 1:529.
4- الدروس 1:247.
5- الكافي 3:/542 5،الفقيه 2:/20 69،الوسائل 9:244 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 5.أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.
6- علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.
7- الكافي 3:/557 3،التهذيب 4:/100 281،الوسائل 9:292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
8- المقنعة:259.

ليس تخصيص الفقراء و المساكين،بل أرباب الزكاة،لأنّ التعليل يعطيه (1).

و في المدارك و الذخيرة:الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصّة،لأنّهم من أرباب الزكاة في حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممّن لا وارث له، فيكون الصرف إليهم مجزياً على التقديرين (2).انتهى.و لا بأس به.

و هذا الحكم من أصله مشهور بين الأصحاب،حتى أنّ في المعتبر و المنتهى عزياه إلى علمائنا أجمع كالمرتضى في الانتصار،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه (3)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى الخبرين المزبورين المتقدمين في بحث الرقاب (4).

و ذكر الفاضلان هنا و في الشرائع و المعتبر و المنتهى:أنّه فيه وجه آخر بكون إرثه للإمام عليه السلام،قالا:لأنّهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لأنّه أحد مصارفه،فيكون كالسائبة (5)،و لضعف الرواية،و أشارا بها إلى الموثّقة قالا:لأنّ في طريقها ابن فضال و هو فطحي،و ابن بكير و فيه ضعف،ثم قالا:غير أنّ القول بها أقوى،لمكان سلامتها عن المعارض و إطباق المحققين منّا على العمل بها.كذا في المعتبر و قريب منه في المنتهى (6).

و منه يظهر الوجه في كون هذا أي ما ذكره أوّلاً وفاقاً للأصحاب أجود و لكن ذهب الفاضل في الإرشاد و القواعد و ولده في الشرح إلى

ص:182


1- المختلف:191.
2- المدارك 5:278،الذخيرة:469.
3- المعتبر 2:589،المنتهى 1:531،الانتصار:85.
4- في ص:2383،2384.
5- السائبة:العبد يُعتق و لا يكون لمعتقه عليه وَلاء و لا عقل بينهما و لا ميراث،فيضع مالَه حيث شاء،صحاح اللغة 1:150،مجمع البحرين 3:84.
6- الشرائع 1:166،المعتبر 2:589،المنتهى 1:531.

الثاني (1).و هو ضعيف،كتوقّفه في المختلف (2).

و فصّل الشهيد (3)بين ما لو اشترى لعدم المستحق فالأوّل،لأنّه يكون مصروفاً عن حقّ الفقراء،و يحمل عليه الرواية المشعرة بذلك،و يكون تسلّط المكلّف على الشراء موجباً للولاء لهم؛ و بين ما لو اشترى من سهم الرقاب كالعبد تحت الشدّة فالإمام عليه السلام،لأنّه لم يشتر بمالهم،و قوّاه الفاضل المقداد في الشرح (4).

و هو اجتهاد في مقابل النصّ المعتبر بما مرّ.

و دعوى إشعار التعليل بالأوّل مضعّفة بأنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء لجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها،و لعلّ المقصود أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه في الفقراء،لا أنّه مالهم حقيقة،و الغرض منه توجيه الحكمة المقتضية للحكم.

الخامسة أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل

الخامسة: أقلّ ما يعطى الفقير الواحد ما يجب في النصاب الأوّل و هو نصف مثقال في الذهب و خمسة دراهم في الفضة،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع و منهم الفاضلان في المنتهى و الشرائع و المعتبر (5)؛ للصحيح (6)و غيره (7)المنجبر ضعفه بالشهرة بل

ص:183


1- الإرشاد 1:290،القواعد:59،الإيضاح 1:207.
2- المختلف:191.
3- الدروس 1:244.
4- التنقيح الرائع 1:327.
5- المنتهى 1:530،الشرائع 1:166،المعتبر 2:590.
6- الكافي 3:/548 1،التهذيب 4:/62 167،الإستبصار 2:/38 116،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2.
7- التهذيب 4:/62 168،الإستبصار 2:/38 117،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.

الإجماع كما في الانتصار و الغنية (1)،و هو بنفسه حجة اخرى مستقلّة.

و قيل: إنّه ما يجب في النصاب الثاني من درهم أو عُشر دينار،و القائل الإسكافي و الديلمي و غيرهما (2).

و مستندهما غير واضح عدا الإجماع المحكي من المرتضى في المسائل المصرية (3).و هو مع وهنه بمصير الأكثر إلى خلافه معارض بمثله المعتضد بمثله (4)و بالصحيح و غيره.

و عليه فيكون القول الأوّل أظهر و يظهر من العبارة و نحوها انحصار القول في المسألة فيهما،مع أنّ هنا قولاً ثالثاً للحلّي و المرتضى في الجمل (5)،فلم يقدَّر المدفوع بقدر، و اختاره جمع ممن تأخّر (6)؛ للأصل،و الإطلاقات كتاباً و سنةً،و الصحاح المستفيضة.

و هي ما بين مصرّحة بجواز دفع درهمين أو ثلاثة،كالصحيح:هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة،فقد اشتبه ذلك عليّ؟فكتب:« ذلك جائز» (7)و نحوه آخر

ص:184


1- الانتصار:82،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:186،المراسم:134،و السيّد المرتضى في المسائل الموصليات(رسائل المرتضى 1):225.
3- لم نعثر عليه في المسائل المصريات،و هو موجود في المسائل الموصليات(رسائل المرتضى 1):225.
4- أي:إجماع منقول آخر و هو ما نقله ابن زهرة.منه رحمه اللّه.
5- الحلّي في السرائر 1:464،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):79.
6- منهم:العلّامة في المختلف:186،و صاحب المدارك 5:279،و المحقق السبزواري في الذخيرة:467.
7- التهذيب 4:/63 169،الإستبصار 2:/38 118،الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.

لراويه (1)،فيحتملان الاتحاد.

و قائلةٍ بأنّه لا تقدير في المدفوع و أنّه بحسب ما يراه الإمام، كالصحيحين (2).

و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأوّلين بما مرّ،و قوة احتمال ورود الصحاح للتقيّة،فإنّ القول بعدم التقدير مذهب الجمهور كافّة،كما صرّح به جماعة (3)،و يشهد له كون الروايتين الأُوليين منها مكاتبة.

مع أنّهما لم يدلاّ على عدم اشتراط التقدير،بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين و الثلاثة في الجملة،و هو لا ينافي التقدير بما دونها، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

و مع ذلك فيحتملان التقييد بما إذا أدّى ما وجب في النصاب الأوّل، كما صرّح به جمع (4)،و كذلك الصحيحان الأخيران يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأوّل،يعني أنّه لا يقدر بشيء بعد ذلك التقدير.

مع أنّ التقدير المنفي في أحدهما يحتمل التقدير بحسب البسط على الأصناف و عدمه،لا المقدار،كما يشهد لهذا سياقه.

ص:185


1- الفقيه 2:/10 28،الوسائل 9:256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.
2- الأوّل:الكافي 3:/563 13،التهذيب 4:/108 311،الوسائل 9:257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.الثاني:الكافي 5:/26 1،التهذيب 6:/148 261،الوسائل 9:265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.
3- منهم:السيّد المرتضى في الانتصار:82،و المحقق في المعتبر 2:59،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:328.
4- منهم:الشيخ الطوسي في التهذيب 4:63،و المحقق في المعتبر 2:590،و العلّامة في المنتهى 1:530.

و كيف كان فلا ريب أنّ القول الأوّل مع كونه أقوى أحوط و أولى.

و هل هذا التقدير على الوجوب؟كما هو ظاهر أكثر العبارات،بل صريح جملة منها قد ادّعي فيها الإجماع (1)؛ تبعاً لظاهر النهي في الصحيح، و لفظة« لا يجوز» في غيره.أم الاستحباب؟كما صرّح به جمع من المتأخّرين،و منهم الفاضل في التذكرة (2)مدّعياً كونه إجماعيّاً.

إشكال،و لا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه أظهر.

ثم هل الحكم المذكور يختص بزكاة الفضّة لكونها مورد نصوص المنع في المسألة؟أم يعمّها و غيرها حتى الأنعام،فلا يجوز أن يدفع فيها أقلّ مما يجب في أوّل نصابها أو أوّل نصاب الفضة،كما يستفاد من فحواها،لتضمن بعضها تعليل المنع عن أداء الخمسة دراهم بأنّها أقلّ الزكاة؟ إشكال،و لكنّ التعميم أحوط و أولى.

و لو أعطى ما في الأوّل ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الثاني أخرج زكاته،و سقط اعتبار التقدير إذا لم يجتمع معه ما يبلغ الأوّل.

و لو كان له نصابان أول و ثانٍ،فالأحوط دفع الجميع لواحد.

خلافاً للشهيد و غيره،فجوّزوا دفع ما في الأوّل لواحد و ما في الثاني لغيره (3).

و يضعّف بإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة،و إمكان الامتثال بدفع الجميع لواحد.

ص:186


1- كما في الانتصار:82،و الغنية(الجوامع الفقهية):568؛ و انظر المدارك 5:281،و الذخيرة:467.
2- التذكرة 1:244،المختلف:186.
3- الشهيد في المسالك 1:62،و المحقق في المعتبر 2:590.

و لا حدّ للأكثر أي أكثر ما يعطى الفقير الواحد منه،فيجوز أن يعطى ما يغنيه و ما يزيد على غناه بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة،كالمنتهى و المدارك و الغنية (1)،و المعتبرة به مع ذلك من طرقنا مستفيضة (2).

مضافاً إلى النبوية المشهورة المشار إليها في العبارة بقوله فخير الصدقة ما أبقت غنى (3) لكن الدلالة لعلّها لا تخلو عن مناقشة أشار إلى وجها في الذخيرة، قال:لأنّ الظاهر أنّ المراد ما أبقت غنى لمُعطيها،أي لا يوجب فقره و احتياجه،فإنّ الإبقاء ظاهره ذلك (4).

السادسة يكره أن يَملك ما أخرجه في الصدقة اختياراً

السادسة: يكره أن يَملك دافع الزكاة بل مطلقاً ما أخرجه في الصدقة اختياراً إجماعاً كما في المدارك (5)،و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره،و لأنّه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها،و ربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها (6).

و ذهب بعض العامة إلى التحريم،و لا خلاف بيننا في عدمه،و عن جمع دعوى الإجماع عليه (7).

ص:187


1- المنتهى 1:528،المدارك 5:282،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- الوسائل 9:258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
3- مسند أحمد 3:434.
4- الذخيرة:466.
5- المدارك 5:285.
6- المنتهى 1:531.
7- المعتبر 2:591،المنتهى 1:530،المدارك 5:285.

و يدلُّ عليه بعده الأصل و العمومات كتاباً و سنة السليمة عن المعارض بالكليّة،حتى أنّه لولا الإجماع على الكراهة لكانت أيضاً محلّ مناقشة،لعدم دليل عليها عدا الوجوه المتقدمة،و هي لإثبات الحكم غير صالحة،نعم تصلح أن تكون وجهاً للحكمة.

و خصوصِ الخبر:« إذا أخرجها يعني الشاة فليقوّمها فيمن يزيد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها،و إن لم يُردها فليبعها» (1).

و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه كشراء الوكيل العام، و معنى نفي البأس أنّه يملكه و لا يستحب له إخراجه عن ملكه.

و الأصل فيه بعد الأصل و اختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض نفي الخلاف عنه في المنتهى (2)،قال:إلّا من الحسن بن حي و ابن عمر؛ و النبوي المروي فيه:إنّ رجلاً تصدّق على أبيه بصدقة ثم مات،فسأل النبي صلى الله عليه و آله فقال:« و قد قبل اللّه تعالى صدقتك و ردّها إليك بالميراث» (3).

و احترز بالاختيار عن فرضنا هذا،و عمّا لو احتاج إلى شرائها،بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك،أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره،فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ و يجوز الشراء إجماعاً،كما عن التذكرة و المنتهى (4).

السابعة إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها

السابعة: إذا قبض الإمام (5)الصدقة دعا لصاحبها و كذا الساعي،

ص:188


1- الكافي 3:/538 5،التهذيب 4:/96 276،الوسائل 9:131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.
2- المنتهى 1:531.
3- سنن البيهقي 4:151.
4- التذكرة 1:242،المنتهى 1:531.
5- في النافع زيادة:أو الفقيه.

إجماعاً كما في المنتهى (1)؛ و لقوله تعالى: وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [1] (2)و للنبوي:إذا اتي صلى الله عليه و آله بصدقة قال:« اللّهم صلّ على أبي فلان» .و يكون ذلك استحباباً على الأظهر وفاقاً للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة،و الماتن في المعتبر و الفاضل في الإرشاد و الشهيد في الدروس (3).

و قد رجعوا عنه إلى الاستحباب في الكتاب و كتاب قسمة الصدقات من الخلاف و المبسوط و المختلف و اللمعة (4)؛ و لعلّه للأصل،و عدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة و بعد قبضها،بل لا يبعد دعوى عدم ظهورها فيه أيضاً؛ و الرواية بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على الوجوب كما لا يخفى،هذا.

و ينبغي القطع بعدم الوجوب بالنسبة إلى الفقيه و الفقير،أمّا الثاني:

لدعوى الإجماع على عدم الوجوب فيه صريحاً في الروضة و غيرها (5).

و أمّا الأوّل:فللأصل،و اختصاص أدلّة الوجوب كتاباً و سنّةً على تقدير تسليمها بالنبيّ صلى الله عليه و آله خاصّة،أو الإمام عليه السلام على احتمال،فلا وجه للمنع فيه جدّاً،و بذلك صرّح جملة من متأخّري متأخّري أصحابنا (6).

الثامنة يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة و المؤلّفة

الثامنة: يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة و المؤلّفة بلا خلاف

ص:189


1- المنتهى 1:531.
2- التوبة:103.
3- الخلاف 2:125،المعتبر 2:592،الإرشاد 2:289،الدروس 1:246.
4- الخلاف 4:226،المبسوط 1:244،المختلف:188،الروضة 2:56.
5- الروضة 2:57؛ و انظر المسالك 1:62.
6- المدارك 5:284،الذخيرة:467،الحدائق 12:250.

و لا إشكال حيث لا يحتاج إليهما،كما في زماننا هذا و ما ضاهاه غالباً.

و يشكل فيما لو احتيج إليهما،كما إذا تمكّن الفقيه النائب عنه عليه السلام من نصب السعاة،أودَهم المسلمين عدوّ يخاف منه العياذ باللّه تعالى منه بحيث يجب عليهم الجهاد و يحتاج إلى التأليف،فإنّ الظاهر عدم السقوط هنا،وفاقاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين و جماعة من متأخّري المتأخّرين (1)؛ للعمومات السليمة عن المعارض.

و من هنا يظهر ما في القول بسقوط سهم المؤلّفة بعد النبي صلى الله عليه و آله كما عن الصدوق (2)و بعض العامة (3)بطريق أولى،مع أنّ المحكي من دليلهما في غاية الضعف جدّاً (4).

و قيل:يسقط معها سهم السبيل أيضاً (5)،بناءً على اختصاصه عنده بالجهاد المفقود في هذا الزمان.

و فيه ما قدّمناه من إمكانه فيه أيضاً،فلا يستقيم الحكم بالسقوط مطلقاً، و مع ذلك ف على ما اخترناه من عدم اختصاص هذا السهم بالجهاد لا يسقط مطلقاً.

التاسعة: ينبغي أن تعطى زكاة الذهب و الفضة و الثمار و الزروع أهل الفقر و المسكنة،و زكاة النعم أهل التجمّل كما في النص،

ص:190


1- الدروس 1:248،الروضة 2:57،و صاحب المدارك 5:284،و السبزواري في الذخيرة:454.
2- كما في الفقيه 2:3.
3- انظر بدائع الصنائع 2:45،و المغني و الشرح الكبير 2:693.
4- و هو كما حكاه في المدارك 5:215-:إنّ اللّه سبحانه أعزّ الدين و قوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف.
5- قال به في النهاية:185.

معلّلاً بأنّ أهل التجمّل يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عندهم (1).

و التوصّل إلى المواصلة بها مَن يستحيي من قبولها للنص (2)، فيوصل إليه هدية،و يحتسب عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله مع بقاء عينها.

ص:191


1- الكافي 3:/55 3،التهذيب 4:/101 286،علل الشرائع:/371 1،المحاسن:/304 13،الوسائل 9:263 أبواب المستحقين للزكاة ب 26 ح 1.
2- الوسائل 9:314 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.

القسم الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

القسم الثاني:

في زكاة الفطرة و تُطلق على الخلقة و على الإسلام،و المراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل الأموال،و على الثاني زكاة الدين و الإسلام.

الأوّل في من تجب عليه

و أركانها أربعة:

الأوّل:في بيان من تجب عليه:

اعلم:أنّه إنّما تجب على الحرّ البالغ العاقل الغني فلا تجب على الصبي و لا المجنون إجماعاً،كما في المعتبر و التحرير و المنتهى (1)؛ لحديث رفع القلم (2)و للصحيح في الأوّل:الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟فكتب:« لا زكاة على يتيم» (3).

و لا على المملوك إجماعاً أيضاً،كما في صريح الخلاف و السرائر و غيرهما،و ظاهر المنتهى بل صريحه أيضاً (4).

و لا شبهة فيه على القول بأنّه لا يملك شيئاً.و كذا على القول الآخر؛ للإجماع المنقول،و عموم الصحيح:« ليس في مال المملوك شيء» (5).

ص:192


1- المعتبر 2:593،التحرير:70،المنتهى 1:531.
2- عوالي اللآلي 1:/209 48،مسند أحمد 6:100.
3- الكافي 3:/541 8،الفقيه 2:/115 495،التهذيب 4:/30 74،المنتهى 9:84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.
4- الخلاف 2:130،السرائر 1:466؛ و انظر المدارك 5:307،المنتهى 1:532.
5- الكافي 3:/542 1،الوسائل 9:91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

و في الصحيح:قلت له:مملوك بيده مال،أ عليه زكاة؟قال:«لا» قلت:

فعلى سيّده؟فقال:« لا،إنّه لم يصل إلى سيّده و ليس هو للمملوك» (1)فتدبّر.

و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين القنّ و المدبّر و المكاتب، إلّا إذا تحرّر بعض المطلق فتجب عليه بحسابه،على المشهور.

خلافاً للصدوق،فتجب على المكاتب (2)؛ للصحيح (3).

و يعارض بالمرفوع المعمول به:« يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه» (4).و حمله على صورة العيلولة ليس بأولى من حمل المعارض على المبعّض بالنسبة إلى الحريّة.بل هو أولى،للشهرة.

و للمبسوط في المبعّض،فنفاها عنه رأساً (5).و هو نادر محجوج بالعموم المؤيّد بكثرة النظائر.

و لا على الفقير على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في المعتبر و المنتهى:أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا الإسكافي (6)،فأوجب عليه إذا فضل عن مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع.

و هو نادر،و إن نقله في الخلاف عن كثير من الأصحاب (7)،محجوج

ص:193


1- الكافي 3:/542 5،الفقيه 2:/19 63،علل الشرائع:/372 1،الوسائل 9:92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.
2- كما في الفقيه 2:117.
3- الفقيه 2:/117 502،التهذيب 4:/332 1040،الوسائل 9:365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.
4- الكافي 4:/174 20،التهذيب 4:/72 195 بتفاوت يسير،الوسائل 9:364 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 2.
5- المبسوط 1:239.
6- المعتبر 2:593،المنتهى 1:532.
7- الخلاف 2:147.

بالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره،الدالة على أنّ الفقير و من أخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه (1).

و هي أصرح دلالةً على عدم الوجوب من إطلاق الكتاب و السنة، و خصوص ما ورد بإيجابها عليه من المعتبرة،كالصحيح:الفقير الذي يتصدّق عليه هل تجب عليه صدقة الفطرة؟قال:« نعم،يعطي ممّا يتصدّق به عليه» (2)بتقييد الإطلاق بمن عداه،و صرف الموجب إلى الاستحباب،أو تقييده أيضاً بما إذا حصل له الغنى بما يتصدّق عليه.

و ربما يشير إلى هذا:الموثق و غيره:أعلى مَن قَبِل الزكاة زكاة؟قال:

« أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة،و ليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة» (3)بناءً على أنّه لا قائل بهذا التفضيل إلّا على تقدير حمل الوجوب على مَن قَبل الزكاة على ما إذا حصل له بها الغنى،و عدمه على مَن قَبل الفطرة على غيره.

و ضابطه على الأظهر الأشهر:من ملك مئونة سنة له و لعياله فعلاً أو قوّةً،لأنّ من عداه تحلّ له الزكاة على ما مرّ في بحثها،فلا تجب عليه الفطرة،كما دلّت عليه نصوص المسألة التي منها الصحيح:رجل أخذ من الزكاة،عليه صدقة الفطرة؟قال:

« لا» (4).

ص:194


1- الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2.
2- الكافي 4:11/172،التهذيب 4:208/74،الإستبصار 2:132/41،الوسائل 9:324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2.
3- التهذيب 4:/73 204،الإستبصار 2:/41 128،المقنعة:248،الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
4- التهذيب 4:/73 201،الإستبصار 2:/40 125،الوسائل 9:321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.

و في الخبر:« من أخذ الزكاة فليس عليه فطرة» (1)و بمعناه آخر (2).

و في ثالث:قلت له:لمن تحلّ الفطرة؟قال:« لمن لا يجد،و من حلّت له لم تحلّ عليه،و من حلّت عليه لم تحلّ له» (3).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة.

خلافاً لجماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم،فعبّروا عن الغنى بمن ملك أحد النُّصُب الزكوية (4)،مشعرين بكونه المعيار لوجوب الفطرة مطلقاً (5)إثباتاً و نفياً،و لذا جعلهما محل الخلاف في المختلف (6).

و لكنّه في الثاني بعيد في الغاية،بل الظاهر أنّ مرادهم الأوّل،أي الوجوب بملك النصاب و إن لم تُملك مئونة السنة،لذلك (7)،و لدلالة عبارة بعضهم عليه كالشيخ في الاستبصار،،حيث قال في جملة كلام له:لأنّ الفرض يتعلّق بمن كان غنيّاً،و أقلّ أحواله إذا ملك مقدار ما تجب فيه الزكاة (8).

و لم نقف لهم على حجّة يعتدّ بها عدا دعوى الإجماع عليه في

ص:195


1- التهذيب 4:/73 202،الإستبصار 2:/40 126،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 7.
2- التهذيب 4:/73 ذ ج 202،الاستبصار 2:/41 ذ ج 126،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 8.
3- التهذيب 4:/73 203،الإستبصار 2:/41 127،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.
4- كالشيخ في الخلاف 2:146،و القاضي في المهذب 1:174.
5- أي سواء ملك مئونة السنة أم لا.
6- المختلف:193.
7- أي:للبُعد.
8- الاستبصار 2:42.

السرائر و الغنية (1)،و هي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مضافاً إلى أصالة البراءة.

و مع الشروط يجب عليه أن يخرجها عن نفسه و عياله من مسلم و كافر و حرّ و عبد و صغير و كبير و لو عال تبرّعاً كالضيف إجماعاً،على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (2)،بل في المنتهى أنّ عليه الإجماع ممن عدا أبي حنيفة (3).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة؟قال:« نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى،صغير أو كبير،حرّ أو مملوك» (4).

و في رواية:« كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (5).

و أمّا ما في الصحيح:عن رجل يُنفق على رجل ليس من عياله، إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته،أ يكون عليه فطرته؟قال:« لا إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه» و قال:« العيال:الولد،و المملوك،و الزوجة،

ص:196


1- السرائر 1:465،الغنية(الجوامع الفقهية):568.
2- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:215،و صاحب المدارك 5:315.
3- المنتهى 1:533.
4- الكافي 4:/173 16،الفقيه 2:/116 497،التهذيب 4:/332 1041،الوسائل 9:327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.
5- الكافي 4:/17 1،التهذيب 4:/71 193،الوسائل 9:329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8.

و أُمّ الولد» (1)فمعناه أنّه لم يضمّه إلى عياله،بل يتصدّق عليه بالنفقة و الكسوة.

و في تفسير الضيف المُعال سبعة أقوال:الضيافة طول الشهر،أو النصف الأخير منه،أو العشر الأخير منه،أو ليلتين من آخره،أو ليلة واحدة،أو جزء منه بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته و إن لم يأكل،أو صدق العيلولة عرفاً.

و لم نجد لشيء منها دليلاً يعتدّ به عدا الإجماع المنقول في الانتصار و الخلاف على الأوّل (2)،و ظواهر النصوص المتقدمة على الأخير،فإنّ مقتضاها أنّ الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة،و لا لتكلّف التصدّق بها عليه،و لا الضيافة المحضة من دون عيلولة.

و هو المعتمد،و عليه العمل،لوهن الإجماع المنقول بشدّة هذا الاختلاف و التشاجر بين الأصحاب.هذا على تقدير تخالفهما،و إلّا فيرجع إلى شيء واحد مآلهما.

و المشهور وجوبها عن الزوجة و المملوك مطلقاً و لو لم يكونا في عياله،بل ظاهر المنتهى و صريح السرائر دعوى الإجماع عليه (3)؛ و لعلّه لإطلاق نحو الموثق:« الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أُمّك و ولدك و خادمك و امرأتك» (4)مضافاً إلى الصحيح السابق.

و فيهما نظر؛ لقوّة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول

ص:197


1- الفقيه 2:509/118،الوسائل 9:328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.
2- الانتصار:88،الخلاف 2:133.
3- المنتهى 1:533،السرائر 1:466.
4- الفقيه 2:/118 510،الوسائل 9:328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.

العيلولة الفعليّة،مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة و المملوك و الاكتفاء بوجوب الإنفاق فيهما (1)،و الروايتان لا تصلحان دليلاً على هذا التفصيل.و حيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب بقي غيره مندرجاً تحت الأصل المعتضد بفحوى الأخبار السابقة،المقتضية لدوران وجوب الفطرة مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.

و إجماع المنتهى غير واضح الدلالة على الوجوب من غير عيلولة فعليّة في الزوجة.

و إجماع السرائر و إن كان صريحاً،إلّا أنّه على جعل السبب نفس الزوجيّة حتى مع النشوز و الانقطاع الذين لا يجب معهما النفقة إجماعاً، و هو كذلك نادر،بل عن المعتبر و في المنتهى أنّه متفرّد بذلك (2)،فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال.نعم هو أحوط،سيّما في العبد؛ لصراحة عبارة المنتهى في دعوى الإجماع عليه منّا و من أكثر العلماء (3).

و تعتبر النية أي الخلوص و القربة،و قصد كونها فطرة لا صدقة في أدائها أي عنده؛ لعموم ما دلّ على وجوبها في كلّ عبادة.

و تسقط عن الكافر لو أسلم بعد الهلال،بالنصّ عموماً و خصوصاً،كما يأتي،و الإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (4).

و هذه الشروط إنّما تعتبر عند هلال شوال أي قبله،بأن يكون قبل غروب الشمس ليلة الفطرة و لو بلحظة فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي

ص:198


1- الروضة 2:58،المدارك 5:317،الحدائق 12:268.
2- المعتبر 2:602،المنتهى 1:533.
3- المنتهى 1:534.
4- كما في المنتهى 1:532،و المدارك 5:320.

أو ملك الفقير القدر قبل الهلال وجبت الزكاة،و لو كان بعده لم تجب، و كذا لو ولد له أو ملك عبداً قبله وجبت عليه،و إلّا فلا،إجماعاً،على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1).

للخبرين،أحدهما الصحيح:عن مولود وُلد ليلة الفطر،عليه الفطرة؟قال:« لا،قد خرج الشهر» و عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟قال:« لا» (2)و نحوه الثاني (3).

و أخصّية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الإجماع،و ما في الأوّل من قوله عليه السلام:« قد خرج الشهر» و في الثاني من قوله:« ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» المفيدين للعموم.

و تستحب لو كان ذلك أي استجماع هذه الشروط ما بين الهلال و صلاة العيد بلا خلاف ظاهر و لا محكي إلّا من ظاهر الصدوق، فأمر بها في المقنع (4)،كما في الخبرين (5)؛ قيل:و الظاهر أنّ مراده به الاستحباب (6)،لتصريحه به في الفقيه (7)؛ و إنّما حملهما الأصحاب على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الخبرين السابقين الصريحين في عدم

ص:199


1- المدارك 5:320،مفاتيح الشرائع 1:216،الذخيرة:473.
2- الكافي:/172 12،التهذيب 4:/72 197،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
3- الفقيه 2:/166 500،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
4- المقنع:67.
5- الأوّل:الفقيه 2:/118 511،الوسائل 9:329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.الثاني:فقه الرضا(عليه السلام):210،مستدرك الوسائل 7:146 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح.
6- قال به في المدارك 5:322.
7- الفقيه 2:116.

الوجوب،مضافاً إلى الأصل.

و الفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه و عن عياله و إن قبلها،و مع الحاجة يدير على عياله صاعاً ثم يتصدق به على غيرهم أمّا الأوّل:فلما مرّ في تحقيق معنى الغنى (1)،و في المنتهى:أنّ عليه علماءنا أجمع إلّا من شذّ (2)،و لعلّه الإسكافي القائل بالوجوب كما مرّ (3).

و أمّا الثاني:فللموثّق:الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها،يعطيه غريباً،أو يأكل هو و عياله؟قال:« يعطي بعض عياله،ثم يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها،فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» (4).

و ليس فيه دلالة على أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي،كما في صريح العبارة هنا و في السرائر و القواعد بل التحرير و الشرائع و عن البيان (5)؛ و لعلّهم أخذوه من عموم ما دلّ على كراهية الصدقة،مع أنّ في قوله عليه السلام:« يكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» إشعاراً بذلك.

و مورد النصّ كون العيال بأجمعهم مكلّفين،فيشكل التعدي إلى غيرهم.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (6)و ظاهر العبارة،فيتولّى الولي ذلك عن

ص:200


1- راجع ص 2369.
2- المنتهى 1:536.
3- في ص:2427.
4- الكافي 4:/172 10،الفقيه 2:/155 496،التهذيب 4:/74 209،الإستبصار 2:/42 133،الوسائل 9:325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.
5- السرائر 1:467،القواعد:60،التحرير:72،الشرائع 1:171،البيان:332.
6- كما في المسالك 1:64.

الصغير.

و يشكل بإخراج ما صار ملكه إلى غيره،مع عدم دليل عليه إلّا ما ادّعى من إطلاق النص،و قد عرفت ما فيه،و من ثبوت مثله في الزكاة، و هو على تقديره قياس لا نقول به.

الثاني:في قدرها و جنسها

الثاني:في بيان قدرها و جنسها اعلم:أنّ الضابط في الجنس ما كان قوتاً غالباً،كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن وفاقاً للشيخين و السيدين و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم (1)،و في الدروس الأكثر (2)،و في غيره الأشهر (3)،و في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا (4)،و كذا عن الشهيد و الماتن في المعتبر (5).

و هو الأظهر؛ للنصوص منها الصحيح:« الفطرة على كلّ قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره» (6).

و المرسل:« الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً،فعليه أن يؤدّي من ذلك

ص:201


1- المفيد في المقنعة:250،الطوسي في المبسوط 1:241،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):80،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568،المحلّي في السرائر 1:468،المحقق في الشرائع 1:174،العلّامة في المنتهى 1:536،الشهيد الأوّل في اللمعة(الروضة البهية 2):59،الشهيد الثاني في المسالك 1:65؛ و انظر الحدائق 12:282.
2- الدروس 1:251.
3- كما في الحدائق 12:282.
4- المنتهى 1:536.
5- حكاه عن الشهيد في الحدائق 12:279،المعتبر 2:605.
6- التهذيب 4:/78 221،الإستبصار 2:/43 137،الوسائل 9:343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1.

القوت» (1).

و ضعف السند مجبور بالعمل و الاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة و غيرها في ذكر الأجناس المزبورة نقيصة و زيادة،ففي الصحيحين (2)و غيرهما (3)الاقتصار على الأربعة الزكوية،و في الصحيح الاقتصار على ما عدا الشعير منها (4)،و في آخَر على ما عدا الحنطة مبدلاً عنها بالذرّة (5)،و في آخَرين على ما عدا الزبيب (6)،و في آخر على ما عدا الحنطة منها و تبديلها بالأقط (7)،و في الصحيح:« يعطي أصحاب الإبل و البقر و الغنم في الفطرة من الأقط صاعاً» (8).

ص:202


1- الكافي 4:/173 14،التهذيب 4:/78 220،الإستبصار 2:/42 136،الوسائل 9:344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.
2- الأوّل:الكافي 4:5/171،الفقيه 2:492/115،التهذيب 4:227/8،الإستبصار 2:148/46،الوسائل 9:332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.الثاني:التهذيب 4:210/75،الإستبصار 2:134/42،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
3- التهذيب 4:/83 241،الاستبصار 2:/49 161،علل الشرائع:/391 4،الوسائل 9:334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5.
4- الكافي 4:/171 2،الفقيه 2:/114 491،التهذيب 4:/71 194،الإستبصار 2:/46 149،الوسائل 9:227 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.
5- التهذيب 4:/82 238،الاستبصار 2:/48 158،علل الشرائع:/39 1،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.
6- الأوّل:التهذيب 4:/76 215،الإستبصار 2:/45 147،الوسائل 9:337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14.الثاني:التهذيب /85 246،الوسائل 9:337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 15.
7- التهذيب 4:/75 211،الإستبصار 2:/42 135،الوسائل 9:330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.
8- التهذيب 4:/80 230،الإستبصار 2:/46 151،الوسائل 9:333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2.

و في الخبر:« صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سُلت» (1)إلى غير ذلك من الاختلافات، و ليس ذلك إلّا لورودها باختلاف العادات.

و يومئ إليه زيادةً على ما مرّ:الخبر:« صاع من قوت بلدك،على أهل مكة و اليمن و الطائف تمر» إلى أن قال:« و على أهل طبرستان الأرز» (2).

و قول القاضي بتعيّن ما فيه (3)ضعيف؛ لضعف سنده،و قوة احتمال كون المراد به التمثيل أو الفضيلة.

و هو نصّ في كون المعتبر غالب قوت القُطر و البلد لا المُخِرج،كما هو ظاهر الأصحاب حتى الحلّي،فإنّ صدر عبارته و إنّ أوهم اعتبار الغلبة في المُخرِج كما عَزا إليه في المفاتيح (4)،إلا انّ ذيلها كالصريح في خلافه، لقوله:و من عدم الأقوات الغالبة على بلده أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة القوت ذهباً أو فضة لم يكن به بأس (5).

و صرّح جماعة من المتأخّرين بإجزاء الأجناس السبعة و إن لم يغلب على قوت المُخرج،و منهم الفاضل في المنتهى نافياً الخلاف عنه بين علمائنا (6)،و في الخلاف الإجماع على إجزائها بقول مطلق (7)،فيشمل ما

ص:203


1- التهذيب 4:/82 236،الإستبصار 2:/43 139،الوسائل 9:338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17.
2- التهذيب 4:/79 226،الإستبصار 2:/44 140،الوسائل 9:343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.
3- كما في المهذب 1:174.
4- المفاتيح 1:217.
5- السرائر 1:468.
6- المنتهى 1:536.
7- الخلاف 2:150.

نحن فيه.

و عليه فلا إشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة على قوت المُخرج عن ظاهره،بحملهما على الغالب من توافق غالب قوت المُخرِج مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة،كما يأتي.

ثم في الخلاف:لا دليل على إجزاء ما عدا السبعة.و فيه ما عرفته، فهو ضعيف.

و أضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة،كما عن الصدوقين و العماني (1)،أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين (2)،و يميل إليه آخر منهم لكن بزيادة الذرّة (3)،لصحة الرواية المتضمنة له.

و فيه:أنّ الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة،بل الضعيفة حجّة أيضاً بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة و المحكية،مضافاً إلى الإجماعات المنقولة.

هذا،مع أنّه يشبه أن يكون قولهما خرقاً للإجماع المركب بل البسيط،إذ الظاهر أنّ مراد مَن عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل،و لعلّه لذا يظهر من المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين،حيث قال:فإن أراد بذلك الحصر فهو ممنوع (4).

و أفضل ما يخرج:التمر،ثم الزبيب،و يليه ما يغلب على قوت بلده وفاقاً لكثير،و منهم الشيخان و الحلّي و القاضي في الكامل (5)،لكن لم

ص:204


1- نقله عنهم في المختلف:197؛ و انظر المقنع:66.
2- المدارك 5:333.
3- الذخيرة:470.
4- المختلف:197.
5- المفيد في المقنعة:251،الطوسي في المبسوط 21:242،الحلّي في السرائر 1:468،نقله عن القاضي في المختلف:197.

يذكروا الأخير.

و لم أقف لهم على مستند على هذا الترتيب،و لعلّهم أخذوه من الجمع بين النصوص المستفيضة الدالة على أفضليّة التمر و منها الصحيح، معلّلاً بأنّه أسرع منفعة،و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكله (1)؛ و بين الرواية الأخيرة المتقدمة المعيّنة على أهل كلّ قُطر ما يقتاتونه،المحمولة على الاستحباب دون الوجوب بالإجماع،كما في المدارك (2)،بحملها على تفاوت مراتب الفضيلة.

و إنّما جعلوا التمر أفضل لكثرة النصوص الدالة عليه المعتضدة بالشهرة العظيمة،التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية،عدا الديلمي، فجعل الأفضل من الأجناس أعلاها قيمة و جعل أفضليّة التمر رواية (3)؛ و الخلاف،فجعل الغالب على قوت البلد مستحبّاً (4).

و هما مع عدم معلوميّة مخالفتهما لا دليل على أولهما،و الرواية المتقدمة التي هي المستند لثانيهما ظاهراً لا تكافئ النصوص المعارضة من وجوه شتّى؛ و لعلّ هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب و أدناها.

و إنّما جعلوا الزبيب بين المرتبتين لأضعفيّته من التمر،لعدم استفاضة النصوص به،بل و عدم ورود نصّ صريح فيه.و كونه أقوى من تاليه لاستفادته من العلّة في الصحيح الماضي دون تاليه،لضعف النصّ الوارد به،مع شذوذه بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به.

ص:205


1- الكافي 4:/171 3،الفقيه 2:/117 505،التهذيب 4:/85 248،علل الشرائع:/390 1،الوسائل 9:351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.
2- المدارك 5:338.
3- المراسم:135.
4- الخلاف 2:150.

و اقتصر جماعة (1)على التمر اقتصاراً على المستفيضة (2).و هو ضعيف،لاستفادة الزبيب من الصحيح منها،و ظاهره و إن أفهم التساوي كما عن القاضي في المهذب (3)،إلّا أنّ ما قدمناه لعلّه كافٍ لإثبات مرجوحيّته.

هذا ما يتعلّق بجنس الفطرة.

و أمّا قدرها ف هي من جميع الأجناس صاع،و هو تسعة أرطال بالعراقي بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (4)؛ و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (5)كغيرها من المعتبرة.

و ما دلّ منها على نصف صاع من الحنطة (6)فمع شذوذها محمولة على التقية،كما صرّح به جماعة (7)،و دلّت عليه المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره،و في جملة منها أنّه من بِدَع عثمان (8)،و في اخرى معاوية (9).

ص:206


1- حكاه عن ابني بابويه و ابن أبي عقيل في المختلف:197؛ و راجع المقنع:66.
2- الوسائل 9:349 أبواب زكاة الفطرة ب 10.
3- المهذب 1:175.
4- كالشيخ في الخلاف 2:156،و الفيض في المفاتيح 1:281،و صاحب المدارك 5:340.
5- الوسائل 9:340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.
6- التهذيب 4:/75 210،الإستبصار 2:/42 134،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
7- منهم الشيخ في الاستبصار 2:48،و العلّامة في المنتهى 1:537،و صاحب المدارك 5:340.
8- التهذيب 4:/82 237،الإستبصار 2:/48 157،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.
9- التهذيب 4:/82 238،الاستبصار 2:/48 158،علل الشرائع:/390 1،الوسائل 9:335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

و يجزي من اللبن أربعة أرطال كما هنا و في الشرائع و القواعد و السرائر (1)،و حكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و ابن حمزة (2)،و عزاه ولده في الإيضاح إلى الشيخ و الحلّي و كثير من الأصحاب (3)؛ للخبر:عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة،قال:

« يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» (4).

و ضعف سنده يمنع عن العمل به،فلا يعارض به استصحاب شغل الذمّة المعتضد بعموم جملة من النصوص الدالة على أنّ الفطرة صاع مطلقاً، كالخبر:« يخرج عن كلّ شيء التمر و البرّ و غيره صاع» قال الراوي:و ليس عندنا بعد جوابه عليّاً (5)في ذلك اختلاف (6).

و في آخر:« تخرج عن نفسك صاعاً النبي صلى الله عليه و آله و عن عيالك أيضاً» (7).

و فحوى الصحيح المتقدم (8)و نحوه المتضمّن للصاع في الأقط،فإنّ اعتباره فيه مع زيادة جوهريّة يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى،لكثرة

ص:207


1- الشرائع 1:174،القواعد:61،السرائر 1:469.
2- المختلف:198،النهاية:191،التهذيب 4:84،الاستبصار 2:49،ابن حمزة في الوسيلة:131.
3- الإيضاح 1:214.
4- الكافي 3:/173 15،التهذيب 4:/84 245،الإستبصار 2:/5 165،الوسائل 9:341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 3.
5- يعني ابن مهزيار.
6- التهذيب 4:/81 232،الإستبصار 2:/47 153،الوسائل 9:333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4.
7- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6.
8- في ص 2433.

مائيّته.و بهذه الأولوية صرّح الفاضل في المختلف و غيره (1)،مع أنّ الظاهر من الشيخ في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.

هذا،مع أن الرواية في الرطل مطلقة و قد فسّره قوم من هؤلاء بالمدني كالشيخ و الحلّي و ابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (2)،و عزاه في المدارك إلى الشيخ و من تبعه (3).

و لا دليل لهم عليه مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار و غيره إلى العراقي و لذا في القواعد أفتى به (4).

نعم،في الصحيح:كتبت إلى الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدّي؟ فقال:« أربعة أرطال بالمدني» (5).

لكنّه بإطلاقه شاذّ لم يقولوا به،و لعلّه لذا ضعّفه الماتن في المعتبر (6)،و أشار إليه في المدارك فقال بعد نقله:فكأنّ الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها،و إلّا فهي معتبرة الإسناد.انتهى (7).

و احتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على أنّ المراد أربعة أمداد،فوقع التصحيف من الراوي (8).

ص:208


1- المختلف:198.
2- الشيخ في المبسوط 1:241،الحلّي في السرائر 1:469،و حكي عن ابن حمزة في الإيضاح 1:214.
3- المدارك 5:342.
4- القواعد:61.
5- التهذيب 4:/84 244،الإستبصار 2:/49 164،الوسائل 9:342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 5.
6- المعتبر 2:608.
7- المدارك 5:343.
8- التهذيب 4:84.

أقول:و هذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً.و يحتمل فيه زيادة عليه الحمل على الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده،على ما في المختلف و غيره (1).

و لا بأس به في مقام الجمع،و إلّا فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية،و هو غير عدم التمكّن من جهة الفقر و الفاقة.

و كيف كان،فالظاهر ضعف هذا القول و مساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه،وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء،كالمفيد و المرتضى و الإسكافي و القاضي و الحلبي و الشيخ في الخلاف و ابن زهرة العلوي (2)، و به صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد، و قد رجع عنه في المختلف (3)،و لعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ (4).

و لا يخلو عن مناقشة؛ لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه، و سيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلّا بعد قطعيّته،و قد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير،و مع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (5)، بل يحتمل كونها من كلامه،و رواها أيضاً في الخلاف (6)بسند لا بأس به

ص:209


1- المختلف:198؛ و انظر الحدائق 12:295.
2- المفيد في المقنعة:250،المرتضى في الجمل(رسائل المرتضى 3):80،حكاه عن الإسكافي في المختلف:198،القاضي في المهذب 1:175،الحلبي في الكافي في الفقه:172،الشيخ في الخلاف 2:150،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):568.
3- القواعد:61،المختلف:198.
4- المفاتيح 1:219.
5- النهاية:191.
6- الخلاف 2:150.

غير الرفع الممكن جبره بما مرّ،مضافاً إلى الأصل السالم عن المعارض عدا ما مرّ من العموم و الفحوى،و هي لا تخلو عن مناقشة،و الأوّل في سند ما دلّ عليه قصور (1).

فلولا الشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع في الحقيقة الجابرة له المعتضدة بالفحوى المتقدمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوة،سيّما و مخالفة مَن مرّ من القدماء صريحاً غير معلومةٍ،سيّما و نحو ابن زهرة لم يذكر اللبن في الغنية.

و كيف كان،لا ريب أنّ خيرة المتأخّرين أقرب إلى الاحتياط و لزوم تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة،فلا معدل عنه و لا مندوحة.

و اعلم:أنّه تجزي القيمة من الأجناس المزبورة و لو مع وجودها، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر،و منها صريح الغنية و ظاهر السرائر (2)؛ و للصحاح المستفيضة،و في أكثرها بلفظ الدرهم و الفضة (3)،و في الموثق:« إنّ ذلك أنفع له،يشتري ما يريد» (4).

و صرّح الشيخ في المبسوط و غيره (5)بجواز غيره حتى الثياب و السلعة،كما هو ظاهر إطلاق الموثق،بل الصحيح:« لا بأس بالقيمة في الفطرة» (6)و نحوه الإجماع المنقول.

ص:210


1- بالإضمار في أحدهما و الجهالة في الثاني.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569،السرائر 1:469.
3- الوسائل 9:345 أبواب زكاة الفطرة ب 9.
4- التهذيب 4:/86 251،الإستبصار 2:/50 166،الوسائل 9:347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6.
5- المبسوط 1:242؛ و انظر الخلاف 2:50.
6- التهذيب 4:/86 252،الإستبصار 2:/50 167،الوسائل 9:348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9.

و الأحوط الأوّل؛ لتبادر النقد من الإطلاق مطلقاً،فيشكل الصرف إلى غيره.

و لا تقدير في عوض الواجب بل يرجع إلى القيمة السوقية وقت الدفع،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (1)،و عليه عامة المتأخّرين.

و تقديرها بدرهم كما في رواية (2)،أو أربعة دوانيق كما في أُخرى (3)، منزّل على اختلاف الأسعار،و مع ذلك مجهول القائل،كما في المختلف و المسالك و غيرهما (4).

لكن الأوّل عُزي في التنقيح إلى الشيخ في النهاية (5)،و في غيره إليه في الاستبصار (6).

و لا ريب في ضعفه كتاليه؛ لضعف المستند سنداً و دلالةً،و عدم مقاومته لإطلاق ما مضى من الأدلّة.

الثالث:في وقتها

الثالث:في بيان وقتها و اعلم أنّه تجب بهلال شوّال مع حصول الشرائط المتقدمة قبله،وفاقاً للشيخ في الجمل و الاقتصاد و ابن حمزة و الحلّي (7)،و عليه أكثر

ص:211


1- كصاحب المدارك 5:343،و المحقق السبزواري في الذخيرة:475،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:218.
2- التهذيب 4:/79 225،الإستبصار 2:/50 168،الوسائل 9:348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11.
3- المقنعة:250،الوسائل 9:349 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 14.
4- المختلف:198،المسالك 1:65؛ و انظر مفاتيح الشرائع 1:218.
5- التنقيح 1:333،النهاية:191.
6- الاستبصار 2:50.
7- الجمل(الرسائل العشر):209،الاقتصار:284،ابن حمزة في الوسيلة:131،الحلّي في السرائر 1:469.

المتأخّرين؛ لنحو ما مرّ من الصحيح:مولود ولد ليلة الفطر،أ عليه فطرة؟ قال:« لا،قد خرج الشهر» (1).

خلافاً له في النهاية و المبسوط و الخلاف،و للمفيد و الإسكافي و السيدين و القاضي و الحلبي (2)،فبطلوع الفجر من يوم العيد؛ لنحو الصحيح:عن الفطرة متى هي؟فقال:« قبل الصلاة يوم الفطر» قلت:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟قال:« لا بأس،نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه» (3).

و فيه نظر؛ لأنّ قبل الصلاة كما يعمّ عند طلوع الفجر بلا فصل كذا يعمّ قُبيله القريب منه كذلك،و لا قائل بالفرق؛ مع أنّ المتبادر من السياق أنّ المراد من القبلية إنّما هو بالمعنى المقابل لما بعد الصلاة لا المتبادر إلى الذهن منها حقيقة،و هو ما قرب من الصلاة،مع أنّه لا قائل به منّا هنا، للاتّفاق على كون ما بعد الفجر بغير فصل وقتاً مع أنّه غير متبادر منه جدّاً.

و ما يجاب عن رواية المختار:بأنّها إنّما تدلّ على وجوب الإخراج عمّن أدرك الشهر لا على أنّ أوّل وقت الإخراج الغروب،و أحدهما غير الآخر؛ فمنظور فيه،لأنّها و إن لم تدلّ على ذلك صريحاً إلّا أنّها دالّة عليه

ص:212


1- الكافي 4:/172 12،التهذيب 4:/72 197،الوسائل 9:352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.
2- النهاية:191،المبسوط 1:242،الخلاف 2:155،المفيد في المقنعة:249 نقله عن الإسكافي في المختلف:199،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):80،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،القاضي في المهذب 1:176،الحلبي في الكافي:169.
3- التهذيب 4:/75 212،الإستبصار 2:/44 141،الوسائل 9:354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

بالإطلاق،و هو كاف،حيث لم يقم على التأقيت بالطلوع دليل كما هو الفرض،لما مرّ من عدم وضوح دلالة الرواية الأخيرة على التقييد،هذا.

و ما يستفاد منه (1)من عدم خلاف في تعلّق الوجوب بالغروب،و أنّه إنّما هو في وقت الإخراج؛ فهو خلاف ما يستفاد من كلام جماعة.

و كيف كان،فالتحقيق أنّه إن كان محلّ النزاع وقت تعلّق الوجوب و اشتغال الذمة به فينبغي القطع بصحة القول الأوّل،و إن كان وقت الإخراج فالظاهر صحته أيضاً،و إن كان التأخير إلى طلوع الفجر أحوط،أخذاً بالمتّفق عليه،مع تصريح جمع ممّن اختار الأوّل بأنّه أفضل (2).

و يتضيّق عند صلاة العيد بل إذا بقي للزوال من يومه بمقدار أدائها.

و يجوز تقديمها زكاة في شهر رمضان و لو من أوّله[أداءً (3)] وفاقاً لجماعة من القدماء و المتأخّرين،بل عُزي في التنقيح إلى كثير (4)، و في المنتهى إلى الأكثر (5)،و في الدروس و المسالك إلى المشهور (6)،و هو خيرة الماتن هنا و في المعتبر (7).

للصحيح:« يعطي يوم الفطر فهو أفضل،و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره،فإن أعطى تمراً فصاع لكلّ

ص:213


1- أي:من الجواب.
2- التنقيح 1:333،المدارك 5:347،كفاية الأحكام:42.
3- أضفناه من المختصر المطبوع.
4- التنقيح 1:333.
5- المنتهى 1:540.
6- الدروس 1:250،المسالك 1:65.
7- المعتبر 2:613.

رأس،و إن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير» (1).

و الرضوي:« لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره،و هي زكاة إلى أن يصلّي صلاة العيد،فإنّ أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة،و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» (2).

خلافاً لآخرين،فلم يجوّزوه إلّا قرضاً،و منهم الماتن في الشرائع و كثير (3)،حتى أنّ في كلام جماعة من متأخّري المتأخّرين دعوى الشهرة (4)؛ التفاتاً إلى أنّه لا معنى لتأدية الفرض قبل وجوبه،كما يشهد له الاعتبار و نبّه عليه في الصحاح الواردة في الماليّة بقوله عليه السلام:« أ يصلّي الاُولى قبل الزوال» (5).

و الصحيح السابق مقدوح باشتماله على ما يخالف إجماع المسلمين، من إجزاء نصف الصاع من الشعير.

و يمكن الجواب عنه،بأنه لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتمل عليه،فلعلّ بعض مدلوله جارٍ على تأويل و مصلحة،و هو بالإضافة إلى مقابله خاصّ،فيكون مخصّصاً به.

و لكن المسألة مع ذلك محلّ تردّد،و الاحتياط واضح.

ص:214


1- التهذيب 4:/76 215،الإستبصار 2:/45 147،الوسائل 9:354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.
2- فقه الرضا(عليه السلام):210،مستدرك الوسائل 7:147 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 3.
3- الشرائع 1:175؛ و المفيد في المقنعة:249،الحلبي في الكافي:173،الحلّي في السرائر 1:469.
4- كصاحب المدارك 5:345،و الذخيرة:475،و الحدائق 12:304.
5- الكافي 3:/524 9،التهذيب 4:/43 111 و فيه:أ تصلي،الإستبصار 2:/32 93،الوسائل 9:305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.

و لا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلّا لعذر أو انتظار المستحق بعد العزل،بلا خلاف في حكم المستثنى فتوًى و نصّاً،و في المعتبر و التحرير:

إجماعاً (1)،و على الأشهر في حكم المستثنى منه،و في صريح الغنية و ظاهر التذكرة و المنتهى:دعوى الإجماع عليه (2).

لكن الأخير قرّب بعد ذلك بأسطر قليلة جواز التأخير عن الصلاة (3) كما هو ظاهر خيرة الحلّي (4)و تحريمه عن العيد،مستدلاً عليه بذيل الصحيح المتقدم (5)،المتضمن لقوله:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟ فقال:« لا بأس،نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه» .و تبعه في المدارك (6)،مستدلاً عليه بقوله عليه السلام في الصحيح المتقدم، المتضمّن لقوله:« يعطي يوم الفطر فهو أفضل» .و يضعّف الأوّل:بدلالة صدره على قول الأكثر،و قوة احتمال ذيله الحمل على صورة العزل،كما يشير إليه قوله عليه السلام:« نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى» إلى آخره،بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد به عزلها و إعطاؤها العيال ليدفعونه إلى المستحق.

و الثاني:بقوّة احتمال كون المفضّل عليه تقديمها أوّل الشهر لا التأخير عن الصلاة،و لذا لم يقابل الأفضل فيه إلّا بالأوّل (7).

ص:215


1- المعتبر 2:613،التحرير:72.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569،التذكرة 1:250،المنتهى 1:541.
3- المنتهى 1:541.
4- السرائر 1:469.
5- في ص:2441.
6- المدارك 5:344.
7- و هو قوله:« و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان».منه.

و يعضد هذا الحمل التصريح في الصحيح الآخر بأنّها بعد الصلاة صدقة،بعد التصريح فيه بأنّها قبلها أفضل (1).

و يحتمل الأفضل فيهما الحمل على ما لا مفضّل عليه له،كما هو شائع في الكتاب و السنة،و ارتكابه أولى من حمل الصدقة على الواجبة،إذ المقابلة بها للفطرة أوضح دليل على أنّ المراد بها المندوبة،و إلّا فالفطرة أيضاً صدقة واجبة،مع أنّه لا داعي لوجوبها بعد خروجها عن حقيقة الفطرة،لاختصاص ما دلّ على الوجوب بها دون الصدقة.

و على أحد هذين الحملين أيضاً يحمل لفظة« ينبغي» الواردة في المروي عن الإقبال،و فيه:روينا بإسنادنا إلى الصادق عليه السلام قال:« ينبغي أن يؤدّي قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة (2)،فإذا أدّاها بعد ما رجع فإنّما هي صدقة و ليست فطرة» (3).

و بما ذكر ظهر أنّ الأشهر أظهر،سيّما و في المختلف الإجماع على حصول الإثم بالتأخير عن الزوال (4)؛ و لعلّه فهم من لفظ الصلاة وقتها بناءً على كونه عندهم الزوال،و يعضده التحديد بالظهر في المروي عن الإقبال بقوله عليه السلام« إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة،و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك» (5).

مضافاً إلى أنّه قد لا يقع صلاة،و سقوط الفطرة حينئذٍ فاسد،فلا وقت

ص:216


1- الكافي 4:/170 10،التهذيب 4:/71 193،الوسائل 9:353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1.
2- الجَبّانة و الجَبّان:الصحراء.مجمع البحرين 6:224.
3- الإقبال:283،الوسائل 9:355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7.
4- المختلف:200.
5- الإقبال:274،الوسائل 9:331 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 16.

يتعيّن له لولا ما ذكر.و حيث ثبت التعيين إليه في هذه الصورة ثبت في غيرها، لعدم القائل بالفرق،فتأمّل.

و هي قبل صلاة العيد بل الزوال فطرة واجبة و بعدها صدقة مندوبة بمقتضى النصوص المتقدمة بالتقريب المتقدم إليه الإشارة، و نحوها نصوص أُخر ضعف أسانيدها أو قصورها منجبر بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (1)،و عليه الإجماع في الغنية (2).

و قيل:يجب القضاء و القائل الإسكافي و المفيد و الشيخ في الاقتصار و الديلمي (3)،لكنّهما لم يصرّحا بالوجوب،بل قالا:و إن أخّر كان قضاءً،و تبعهما جماعة من المتأخّرين (4).

و لم أقف له على دليل يعتدّ به،نعم هو أحوط تفصّياً عن شبهة الخلاف،و إن كان الأظهر ما تقدّم لما تقدّم.كلّ ذا إذا لم يعزلها.

و إذا عزلها وجبت مطلقاً بلا خلاف كما مضى،و المعتبرة به مستفيضة جدّاً،منها الموثق كالصحيح:« إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» (5).

و المرسل كالصحيح« إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها

ص:217


1- الذخيرة:476،الحدائق 12:303.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
3- حكاه عن الإسكافي في المختلف:200،المفيد في المقنعة:249،الاقتصار:285،الديلمي في المراسم:135،قال:و من أخرجها عمّا حدّدناه كان كافياً.و لكن المنقول عنه في المختلف 1:200:و لو أخّر عمّا حدّدناه كان قاضياً.
4- منهم العلّامة في المختلف:201،و ابن فهد في المهذب البارع 1:55.
5- الفقيه 2:/118 510،التهذيب 4:/77 218،الإستبصار 2:/45 146،الوسائل 9:357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4.

رجلاً فلا بأس» (1).

و منها:« إن لم تجد مَن تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» (2).

و في هذه النصوص إشعار بحرمة التأخير عن الصلاة اختياراً أيضاً كما اخترناه.

و لو أخّر التسليم لعذر بفقد المستحق أو انتظار رجل كما في المرسل المتقدم لم يضمن لو تلفت من غير تفريط.

و يضمن لو أخّرها مع إمكان التسليم لأنّها أمانة في يده فلا يضمنها إلّا بتعدّ أو تفريط،و منه تأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه، مضافاً إلى ما مرّ من المرسل.و به يقيّد نفي الضرر بعد العزل بقول مطلق في الموثق،و في الصحيح:رجل أخرج فطرته،فعزلها حتى يجد لها أهلاً، فقال:« إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ،و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها» (3).

قيل:و لعلّ المراد أنّه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها،بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف،لأنّها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك،و يحتمل رجوع الضمير في قوله:أخرجها،إلى مطلق الزكاة،و يكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها،و المراد أنّه إذا

ص:218


1- التهذيب 4:/77 217،الإستبصار 2:/45 145،الوسائل 9:357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 5.
2- التهذيب 4:/78 256،الإستبصار 2:/50 169،الوسائل 9:356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 1.
3- التهذيب 4:/77 219،الوسائل 9:356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.

عزلها فقد برئ مما عليه من التكليف بالعزل،و إلّا فهو ضامن لها مكلّف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها،و كأنّ المعنى الأوّل أقرب.انتهى (1)و هل الدفع بعد الصلاة مع العزل قبلها أداء أو قضاء؟وجهان،بل قيل:قولان (2).و ليس في النصوص ما يدلّ على شيء منهما،فالأُولى ترك التعرض لهما،أو الترديد بينهما.

و لا يجوز نقلها بعد العزل مع وجود المستحق،و لو نقلها ضمن،و يجوز مع عدمه و لا يضمن بلا خلاف في شيء من ذلك،بل على الثالث الإجماع في المنتهى (3).

و لا إشكال إلّا في الحكم بعدم جواز النقل مع وجود المستحق،ففيه الخلاف المتقدم في زكاة المال (4).و بتفرّع الخلاف هنا على الخلاف ثمّة صرّح جماعة و منهم:الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف،و المحقق المقداد في شرح الكتاب (5).

و وجهه عموم الأدلّة من الطرفين،كما لا يخفى على الناظر فيها، إلّا أنّ هنا ما يدلّ على المنع صريحاً،كالمكاتبة الصحيحة:« تقسّم الفطرة على من حضر،و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً» (6).

و الموثق:« هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم،فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب،

ص:219


1- قاله في الذخيرة:476،انظر الحدائق 12:307.
2- انظر الدروس 1:250،و الذخيرة:476.
3- المنتهى 1:541.
4- راجع ص 2363.
5- التحرير:72،المنتهى 1:541،المختلف:202،التنقيح 1:335.
6- التهذيب 4:/88 258،الإستبصار 2:/51 171،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.

و لا تُنقل من أرض إلى أرض» (1).فهو أحوط و أولى.

الرابع في مصرفها

الرابع: في بيان مصرفها.

و هو مصرف زكاة المال و هو الأصناف الثمانية؛ لآية: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ.. [1] (2)و في المدارك:أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (3)،و فيه و في غيره عن ظاهر المفيد في المقنعة اختصاصها بالمساكين (4).و هو أحوط.

و في الصحيح:« عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (5).

و في رواية:لمن تحلّ الفطرة؟فقال:« لمن لا يجد» (6).

و في اخرى:« أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة،و ليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة» (7).

و جوّز جماعة دفعها إلى المستضعف الذي لا يعرف و لا ينصب،مع عدم المؤمن (8)؛ و في النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه،و قد مرّ قريباً بعضها.و ربما

ص:220


1- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.
2- التوبة:61.
3- المدارك 5:353.
4- المدارك 5:353؛ و انظر الحدائق 12:311،المقنعة:252.
5- التهذيب 4:/75 210،الإستبصار 2:/42 134،الوسائل 9:336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.
6- التهذيب 4:/73 203،الإستبصار 2:/41 127،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.
7- التهذيب 4:/73 204،الإستبصار 2:/41 128،الوسائل 9:322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.
8- النهاية:192،الجامع للشرائع:140،الشرائع 1:163.

يحمل على التقية؛ لإشعار بعضها الموثق (1)به،و لمعارضتها المعتبرة،ففي الصحيح:عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟قال:«لا،و لا زكاة الفطرة» (2).

و في آخر:« لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً» (3).

و في رواية الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام المروية عن العيون -:« و لا يجوز لك دفعها إلّا إلى أهل الولاية» (4).

و هذه الروايات و إن احتملت الحمل على الاستحباب كما يومئ إليه الرواية الثانية مع كونه أولى من حمل تلك على التقية،لمنافاة التفصيل فيها له؛ و الموثقة المشعرة موردها الدفع إلى غير المؤمن على الإطلاق؛ إلّا أنّ الأخذ بها أحوط و أولى،فتأمّل جدّاً.

و يجوز أن يتولّى المالك إخراجها بلا خلاف أجده هنا،و به صرّح بعض أصحابنا (5)و في المعتبر و المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء كافة (6)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى ما مرّ في الزكاة المالية (7).

و صرفها إلى الإمام عليه السلام مع وجوده أو من نصبه أفضل،و مع

ص:221


1- لإسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:سألته عن الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟قال:نعم،الجيران أحق بها لمكان الشهرة(منه رحمه اللّه)،و هو في الكافي 4:/174 19،التهذيب 4:/88 259،الإستبصار 2:/51 172،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 2.
2- الكافي 3:/547 6،التهذيب 4:/52 137،المقنعة:242،الوسائل 9:221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
3- التهذيب 4:/87 257،الإستبصار 2:/51 170،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 2.
4- العيون 2:/120 1،الوسائل 9:358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 5.
5- مفاتيح الشرائع 1:222.
6- المعتبر 2:615،المنتهى 542.
7- في ص:2412.

التعذّر فإلى فقهاء الإماميّة كما مرّ في الزكاة المالية (1).

و في الخبر:« الإمام أعلم،يضعها حيث يشاء» (2)و في آخر:لمَن هي؟قال:« للإمام» (3).

و لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقلّ من صاع وفاقاً للأكثر،كما في كلام جماعة (4)،بل المشهور كما في كلام آخرين (5)،بل في المختلف:أنّه قول فقهائنا،و لم نقف له على مخالف،فوجب المصير إليه (6)،و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه (7)؛ للمرسل:« لا يعطى أحد أقلّ من رأس» (8).

و الإرسال منجبر بفتوى الأصحاب بحيث لا يوجد لهم مخالف من قدمائهم كما مرّ في المختلف،بل و لا متأخّريهم،عدا الفاضلين في المعتبر و التحرير و المنتهى،و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (9)،

ص:222


1- في ص:2413.
2- التهذيب 4:/88 260،الإستبصار 2:/51 173،الوسائل 9:360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3 و في الأخيرين:« الإمام يضعها حيث يشاء».
3- الكافي 4:/174 23،التهذيب /91 264،المقنعة:265،الوسائل 9:346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 2.
4- كالعلّامة في المختلف:202،و المنتهى 1:542،و الشهيد الثاني في المسالك 1:65.
5- منهم:صاحب المدارك 5:354،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:221،و صاحب الحدائق 12:311.
6- المختلف:202.
7- الانتصار:88،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
8- التهذيب 4:/89 261،الإستبصار 2:/52 174،الوسائل 9:362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 2.
9- المعتبر 2:616،التحرير:73،المنتهى 1:542،الدروس 1:251،المسالك 1:65،الروضة 2:61.

و جماعة من متأخّري المتأخّرين (1).

و الأوّلان مع اعترافهما بالشهرة بل و عدم الخلاف وافقا الأصحاب فيه في الشرائع و الكتاب و القواعد و المختلف و الإرشاد (2)،و حكي عن الشهيد الميل إليه في البيان (3).

و مع ذلك فلا حجّة لهم عدا إطلاقات السنة و الكتاب،و رواية (4)هي مع ضعف سندها غير واضحة الدلالة إلّا من حيث العموم أو الإطلاق القابلين كالإطلاقات للتقييد بمستند الأصحاب من النصّ و الإجماع،و هو أولى من حمله على الاستحباب حيثما حصل بينهما التعارض،كما عرفته في غير باب.

و مع ذلك إطلاق الرواية لا يخلو عن مناقشة بعد قوّة احتمال اختصاصها بما ربما يشعر به ذيلها من كون ذلك مع تعدّد الفطرة.

و مع ذلك محتملة للحمل على التقيّة؛ لكونها موافقة لمذهب جميع العامة على ما صرّح به جماعة،و منهم المرتضى و شيخ الطائفة (5).

و بالجملة: فما اختاره المتأخّرون ضعيف غايته إلّا أن يجتمع من لا تتّسع لهم الفطرة الواحدة،فيجوز التفريق حينئذٍ على ما صرّح به الشيخ و جماعة،قالوا:تعميماً للنفع و دفعاً لأذيّة المؤمن (6).

ص:223


1- كصاحب المدارك 5:354،و المحقق السبزواري في الذخيرة:477.
2- الشرائع 1:176،القواعد:61،المختلف:202،الإرشاد 1:291.
3- حكاه عنه في الروضة 2:61،و هو في البيان:337.
4- التهذيب 4:/89 262،الإستبصار 2:/52 175،الوسائل 9:362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 1.
5- المرتضى في الانتصار:88،الشيخ في الاستبصار 2:52؛ و المحقق في المعتبر 2:615،و العلّامة في المنتهى 1:542.
6- الشيخ في الاستبصار 2:52،و صاحب المدارك 5:355،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:221.

و لا بأس به،اقتصاراً فيما خالف الأصل و الإطلاقات على القدر المتيقن من الفتوى و الرواية،و به جمع أيضاً شيخ الطائفة بينها و بين الرواية المعارضة (1).

و يستحب أن يخصّ بها القرابة،ثم الجيران و ترجيح أهل الفضل و المعرفة مع الاستحقاق كما يستفاد من النصوص (2).و الحمد للّه سبحانه.

ص:224


1- كما في الاستبصار 2:52.
2- الوسائل 9:359 أبواب زكاة الفطرة ب 15.

كتاب الخمس

اشارة

كتاب الخمس

ص:225

ص:226

و هو حق مالي يثبت لبني هاشم عوض الزكاة بالكتاب و السنة و الإجماع،قال سبحانه: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ. [1]

. [2] (1).و أمّا السنّة فهي متواترة.

و أمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة،و إن اختلفوا فيما يجب فيه بعد اتّفاقهم على أنّه يجب في غنائم دار الحرب و الكنز لصريح الآية و السنة المتواترة في الأوّل،بناءً على أن الغنيمة فيهما حقيقة في مفروض المسألة قطعاً عرفاً و لغةً،و يقتضي إرادته سوق الآية جدّاً.

و زاد أصحابنا،كما في مجمع البيان و البحرين و كنز العرفان (2) المعادن معرِبين عن دعوى الإجماع عليه منّا،كما في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و غيرها و ظاهر المنتهى (3)؛ لعموم الغنية هنا لها،كما يظهر من جماعة و منهم الطبرسي في الكتاب و صاحب الكنز.

و يظهر منه عمومها لجميع ما في العبارة عند أصحابنا.و إثباته حقيقة لغةً أو عرفاً مشكل،بل ظاهر الأصحاب و جملة من الروايات العدم،حيث قوبل فيها و في كلامهم المعادن و نحوها بالغنيمة،بحيث يظهر المغايرة بحسب الحقيقة الوضعية،كما هي ظاهر جماعة من أهل اللغة بل عامّتهم، و العرف أيضاً،كما صرّح به بعض الأجلّة (4)،و في الكنز؛ أنّها مذهب

ص:227


1- الأنفال:41.
2- مجمع البيان 2:544،مجمع البحرين 6:129،كنز العرفان 1:249.
3- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،الخلاف 2:116،السرائر 1:485،المنتهى 1:545.
4- انظر الذخيرة:478.

أصحابنا و الشافعي (1).

و حينئذٍ فتعميم الأصحاب الغنيمة للجميع كما فيه لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة في الآية بكل فائدة،و ستأتي إليها الإشارة في الأرباح (2).

هذا،و الصحاح بالحكم فيها مع ذلك مستفيضة (3)كغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ هي مع السابق التواتر،بل لعلّها متواترة،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.

فلا إشكال في المسألة،و إنّما الإشكال في تحقيق المعدن،فقد اختلفت فيه كلمة أهل اللغة:فبين من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب و نحوه،كما في القاموس (4)؛ و من عمّمه له و لغيره مما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها مما له قيمة،كما في النهاية الأثيرية (5).

و الأوّل لعلّه المفهوم المتبادر منه عرفاً و عادةً،فيشكل المصير إلى الثاني مع نوع إجمال فيه،و مخالفته لبعض الصحاح الجاعل للملاحة مثل المعدن لا نفسه،لكنه في الفقيه (6)،و في التهذيب جعلت نفسه (7).

فيتقوّى الثاني،سيّما مع اعتضاده بالإجماع المحكي في ظاهر التذكرة على أنّ المعادن كلّ ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له

ص:228


1- كنز العرفان 1:249.
2- في ص:2454.
3- الوسائل 9:491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
4- القاموس المحيط 4:248.
5- النهاية 3:192.
6- الفقيه 2:/21 76،الوسائل 9:492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.
7- التهذيب 4:/122 349.

قيمة،قال:سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص و الصفر و النحاس و الحديد،أو مع غيره كالزئبق،أو لم يكن منطبعاً كالياقوت و الفيروزج و البَلَخْش (1)و العقيق و البلّور و السبَج (2)و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المَغرَة (3)و الملح،أو كان مائعاً كالقير و النفط و الكبريت (4).و قريب منه في المنتهى (5).و جزم الشهيدان باندراج المَغَرة و الجصّ و النورة و طين الغسل و حجارة الرحى (6).

و توقف فيه جماعة من متأخّري المتأخّرين (7)،قالوا:للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة،و انتفاء ما يدلّ على وجوب الخمس فيها على الخصوص.و هو في محلّه.

لكن ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها أجمع بناءً على عموم الغنيمة لكل فائدة،و الكل منها بلا شبهة،و وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من حيث المعدنيّة.

و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة،فتعتبر على جهة الفائدة و لا على المعدنية،و لعلّ هذا أحوط.

و زادوا أيضاً،كما في كتب التفسير المتقدمة ما يخرج من البحر

ص:229


1- البَلَخْش:لَعْل،ضرب من الياقوت.ملحقات لسان العرب:68.
2- السبَح:خَرَز أسود،دخيل معرّب و اصله:سَبَه.لسان العرب 2:294.
3- المَغرَة:طين أحمر يُصبغ به.لسان العرب 5:181.
4- التذكرة 1:251.
5- المنتهى 1:545.
6- كما في الدروس 1:260،و المسالك 1:66.
7- كصاحب المدارك 5:364،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:223،و المحقق السبزواري في الذخيرة:478.

ب الغوص و في صريح الانتصار و الغنية و ظاهر المنتهى و غيره:الإجماع عليه (1)؛ لعموم الآية بالتقريب المتقدم إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة.

ففي جملة منها مستفيضة:« الخمس من خمسة أشياء:من الكنوز، و المعادن،و الغوص،و المغنم الذي يقاتل عليه» و لم يحفظ الراوي في جملة منها الخامسة (2)،و جُعلت في أُخرى الملاحة (3).

و ضعف أسانيدها منجبر بفتوى الطائفة،و الموافقة لعموم الآية و لو في الجملة،و الإجماعات المحكية،و خصوص أخبار أُخر صحيحة.

منها:المروي في الخصال:« في ما يخرج من المعادن و البحر، و الغنيمة،و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه،و الكنوز الخمس» (4).

و في اخرى:عن المعتبر و غوص اللؤلؤ،قال:« عليه الخمس» (5).

و قصوره عن إفادة التعميم بما مرّ مجبور.

و زادوا أيضاً كما فيها (6) أرباح التجارات و الزراعات، و الصنائع،و جميع أنواع الاكتسابات،و فواضل الأقوات من الغلّات و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد.

ص:230


1- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،المنتهى 1:547؛ و انظر التذكرة 1:252.
2- الوسائل 9:489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11 و ب 3 ح 7.
3- الوسائل 9:487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4 و 9.
4- الخصال:/290 51،الوسائل 9:494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.
5- الكافي 1:/548 28،التهذيب 4:/121 346،الوسائل 9:498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
6- أي في كتب التفسير المتقدمة في ص:2451.

و في الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر المنتهى و عن التذكرة و الشهيد:عليه الإجماع (1).و لعلّه كذلك؛ لعدم وجود مخالف فيه ظاهر و لا محكي إلّا العماني و الإسكافي،حيث حكي عنهما القول بالعفو عن هذا النوع (2)؛ و في استفادته من كلامهما المحكي إشكال،نعم ربما يستفاد منهما التوقف فيه.

و لا وجه له،لاستفاضة الروايات بل تواترها كما عن التذكرة و المنتهى (3)بالوجوب،و لذا لم يتأمّل في أصل الوجوب أحد من المتأخّرين و لا متأخّريهم،و إنّما تأمّل جملة من متأخّري متأخّريهم (4)فيما هو ظاهر الأصحاب و جملة من الروايات بل كلّها كما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى (5)من أنّ مصرف خمس هذا النوع مصرف سائر الأخماس.

بل احتملوا قريباً اختصاصه بالإمام عليه السلام بدعوى دلالة جملة من الروايات عليه؛ لدلالة بعضها على تحليلهم عليهم السلام هذا النوع من الخمس، و لو لا اختصاصه بهم عليهم السلام لما ساغ لهم ذلك،لعدم جواز التصرف في مال الغير.

و تضمّن آخر منها إضافته إلى الإمام عليه السلام بمثل قول الراوي:حقّك، أو قوله:لك،أو قوله عليه السلام:لي الخمس،و أمثال ذلك،ففي الصحيح

ص:231


1- الانتصار:86،الغنية(الجوامع الفقهية):569،الخلاف 2:117،المنتهى:548،التذكرة 1:253،الشهيد في البيان:348.
2- حكاه عنهما في المنتهى 1:548،و البيان:348.
3- التذكرة 1:253،المنتهى 1:548.
4- كصاحب المدارك 5:384،و السبزواري في الكفاية:43،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:225.
5- في ص:2458.

قلت له:أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك،فأعلمت مواليك ذلك،فقال لي بعضهم:و أيّ شيء حقّه؟فلم أدر ما أُجيبه،فقال:« يجب عليهم الخمس» فقلت في أيّ شيء؟فقال:« في أمتعتهم و ضياعهم» قال:

« و التاجر و الصانع بيده،و ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (1).

و تصريح جملة منها بأنّه لهم خاصّةً،ففي الخبر:« على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام،و لمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على الناس،فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا،و حرم عليهم الصدقة،حتى الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق،إلّا من أحللناه لتطيب لهم به الولادة» (2).

و في الجميع نظر.

أمّا الأوّل:فبعد المعارضة و النقض جملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق (3)بحث يشمل هذا النوع و غيره،بل جملة منها صريحة في الثاني،و هم لا يقولون بالاختصاص فيه،فما هو الجواب عنها فهو الجواب عما نحن فيه منع عدم جواز تصرّفهم عليهم السلام في مال الغير مطلقاً،كيف لا؟!و هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فما ظنّك بأموالهم.

مع أنّ الذي يظهر من بعض الأخبار أنّ لهم تحليل سهام باقي الفرق الثلاث.

منها زيادةً على ما سبق إليه قريباً الإشارة الصحيح:كنت عند أبي

ص:232


1- التهذيب 4:/123 353،الإستبصار 2:/55 182،الوسائل 9:500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.
2- التهذيب 4:/122 348،الإستبصار 2:/55 180،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
3- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال ب 4.

جعفر عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل،و كان يتولّى له الوقف بقم،فقال:يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ،فقال:« أنت في حلّ» فلما خرج صالح قال عليه السلام:« أحدهم يَثِب على أموال آل محمّد صلى الله عليه و آله و يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذها،ثم يجيء فيقول:

اجعلني في حلّ،أ تراه ظنّ أنّي أقول:لا أفعل،و اللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً» (1).

و أمّا عن الثاني:فبأنّ المقصود بمثل قوله:حقّك،حقّ ينبغي أن يصل إليه و له ولاية التصرف فيه يضعه حيث شاء،أ لا ترى إلى عدوله عن قوله« حقي الخمس» إلى قوله:« يجب عليهم الخمس» .و لعلّ وجه الحصر في الأمتعة و الضياع و الكسب علمه بأنّ الجماعة المخصوصين من مواليه المأمورين بإخراج الحق لم يكونوا مغتنمين غنيمة من دار الحرب،و لا عاثرين على كنز و لا معدن،بل الغالب فيما عندهم مما يتعلّق الخمس فيه هذا النوع خاصة.

و يعضد ما ذكرنا من أنّ المراد بالإضافة ذلك استفاضة النصوص بتفسير الغنيمة في الآية الكريمة بهذا النوع خاصة،أو ما يعمّه و غيره،ففي الصحيح الطويل:« فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام،قال اللّه تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ [1] » و ساق الآية،إلى أن قال:« و الغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء،و الفائدة يفيدها،و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن،و مثل عدوّ يُصطلم فيؤخذ

ص:233


1- الكافي 1:/548 27،التهذيب 4:/140 397،الإستبصار 2:/60 197،المقنعة:285،الوسائل 9:537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 1.

ماله» (1)الحديث.

و في الرضوي بعد ذكر الآية:« و كلّ ما أفاده الناس غنيمة،لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص» إلى ان قال:« و ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و الموارث و غيرها،لأنّ الجميع غنيمة و فائدة» (2).

و في الخبر:عن الآية،فقال:« هي و اللّه الإفادة يوماً بيوم،إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ ليزكوا» (3).

و في الموثق:عن الخمس فقال:« في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (4).

و حيث دخلت في الغنيمة ثبت خمسها لجميع الأصناف المذكورة في الآية و السنة المتواترة،فإنّ ظاهرها بل صريحها إفادة التشريك في الاستحقاق في خمس كلّ غنيمة.و تخصيصها بما عدا الأرباح للنصوص المتقدمة مع بُعده في الغاية ليس بأولى من صرف النصوص المزبورة عن ظواهرها بما ذكرنا،بل هو أولى،لاعتضاده بفتوى الأصحاب قاطبةً،كما اعترف به من هؤلاء جماعة،أو متأخريهم خاصّة كما في الذخيرة (5).

ص:234


1- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198،الوسائل 9:501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
2- فقه الرضا(عليه السلام):293،مستدرك الوسائل 7:284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.
3- الكافي 1:/544 10،التهذيب 4:/121 344،الإستبصار 2:/54 179،الوسائل 9:546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8.
4- الكافي 1:/545 11،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
5- الذخيرة:481.

مضافاً إلى اعتضاده بأمر آخر و هو دلالة جملة من النصوص و كلمة الأصحاب على أنّ الخمس إنّما شرّع للسادة عوض الزكاة إكراماً و صيانةً لهم عن الأوساخ (1)،و من الواضح البيّن أنّ خمس ما عدا الأرباح قليلة التحقق في غالب الأزمان،و إنّما الغالب حصوله إنّما هو منها،فلو خصّ بالإمام عليه السلام لم يحصل لباقي السادة تلك الكرامة،و لبقوا في مضيق العسر و الشدة.

و هذا أوضح شاهد و أبين قرينة على أنّ ما ورد بإباحتهم الخمس بقول مطلق أو هذا النوع منه للشيعة ليس باقياً على ظاهره،من كونها على العموم و الكلية إلى يوم القيامة،بل ينبغي صرف التأويل إليه،بحمله على ما يختصّ بهم عليهم السلام أو ما يعمّه و غيره لكن في زمانهم خاصّة،و لهذا شواهد من روايات المسألة.

و من هنا يظهر الجواب عن الثالث،مع ضعف سند جملة،و متروكية متن الرواية المتقدمة منه لو أُريد منها الحصر الحقيقي،كيف لا؟!و ظاهرها الاختصاص بسيّدة النساء فاطمة عليها أفضل الصلاة و السلام و الحجج من ذريتها،و هو شيء لا يقول به أحد من المسلمين.

و مع ذلك فقد تضمّنت الغنيمة مع الاكتساب،و هؤلاء لم يقولوا باختصاصها بهم عليهم السلام،و حينئذٍ فيجب جعل الحصر إضافياً و جعل ذكرهم عليهم السلام دون غيرهم تغليباً.و في قوله عليه السلام:« يضعونه حيث شاؤوا» و كذا قوله:« و حرّم عليهم الصدقة» إشعار تامّ بذلك،كما لا يخفى.

و بالجملة: لا ريب للأحقر في أنّ مصرف هذا الخمس مصرف سائر الأخماس،و أمّا إباحتهم عليهم السلام إياه للشيعة فسيأتي الكلام فيه إنّ شاء اللّه

ص:235


1- الوسائل 9:269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2،7؛ وص 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

تعالى (1).

و زادوا أيضاً كما في الكتابين الأخيرين (2) أرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم و عزاه في المنتهى أيضاً إلى علمائنا،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما في الغنية (3).فلا إشكال فيه،و إن لم يذكره من القدماء كثير؛ للصحيح:« أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (4).

و إنّما الإشكال في مصرفه،و ظاهر الأصحاب أنّه كسائر الأخماس.

خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين (5)،فاحتملوا أن يكون المراد من الحديث تضعيف العُشر على الذميّ إذا كانت الأرض عُشرية،كما ذهب إليه بعض العامة (6)،لا أخذ الخمس منه للذرية.

و هو بعيد،مع عدم مصير أحد من الإمامية إليه،فإنّهم بين قائل بوجوب الخمس بالمعنى المصطلح فيها،و بين عدم ذاكر له أصلاً أو نافٍ له كذلك،و هو شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد،عملاً بالأصل، و تضعيفاً للرواية.و أمّا القول بوجوب الخمس بالمعنى المحتمل فلم نعرف قائله من الطائفة.

فهو ضعيف في الغاية،كدعوى ضعف الرواية،أو كونها موثقة كما

ص:236


1- انظر ص 2487.
2- كنز العرفان 1:249،مجمع البحرين 6:129.
3- المنتهى 1:549،الغنية(الجوامع الفقهية):569.
4- الفقيه 2:/22 81،التهذيب 4:/123 355،الوسائل 9:505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
5- كصاحب المدارك 5:386،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:226،و صاحب الذخيرة:484.
6- كابن قدامة في المغني 2:590.

في المختلف و الروضة (1)،فإنّ سندها على ما وجدناه في أعلى درجات الصحة،و به صرّح جماعة (2).

و لا فرق في إطلاق الرواية و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة بين أرض السكنى و الزراعة،و حكي التصريح به عن شيخنا الشهيد الثاني، قال:سواء كانت بياضاً أو مشغولة بغرس أو بناء (3)،لكن عن الماتن في المعتبر:أنّ الظاهر أنّ مراد الأصحاب الثانية خاصة (4)،و استجوده بعض متأخّري المتأخّرين،قال:لأنّه المتبادر (5).

و زادوا أيضاً كما فيهما (6)وجوبه في الحلال إذا اختلط بالحرام و لم يتميز أحدهما عن الآخر لا قدراً و لا صاحباً،و في الغنية الإجماع عليه (7)؛ و هو الحجة،مضافاً إلى ما مرّ في الغوص من الصحيحة الصريحة (8).و قريب منها نصوص أُخر مستفيضة.

منها الموثق:عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟قال:« لا،إلّا أن لا يقدر» إلى أن قال:« فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم السلام» (9).

ص:237


1- المختلف:203،الروضة 2:73.
2- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 4:319،و صاحب المدارك 5:386 و الحدائق 12:359.
3- المسالك 1:67.
4- المعتبر 2:624.
5- المدارك 5:386.
6- كنز العرفان 1:249،مجمع البحرين 6:129.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
8- في ص:2453.
9- التهذيب 6:/330 915،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2.

و القوي:« تصدّق بخمس مالك،فإنّ اللّه تعالى رضي من الأشياء بالخمس،و سائر المال لك حلال» (1)و نحوه الخبر مبدّلاً فيه لفظ تصدّق بإخراج الخمس (2).

و المرسل:« ايتني بخمسه» فأتاه بخمسه،فقال:« هو لك حلال،إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» (3).

و قصور السند أو ضعفه بالعمل منجبر،و كذا ضعف الدلالة أو قصورها إن سلّم،و إلّا فهي ظاهرة بعد الضمّ إلى الصحيحة الصريحة،فإنّ أخبارهم عليهم السلام،بعضها يكشف عن بعض.

مع ظهور لفظ الخمس فيها أجمع في المعنى المصطلح،سيّما المتضمن منها للتعليل بأنّه تعالى رضي من الأموال..إلى آخره،إذ لا خمس رضي به منها سبحانه إلّا ما يكون مصرفه الذرية،و قريب منها المرسلة المتضمنة للأمر بإتيان المال إليه عليه السلام ثم ردّه عليه،الظاهرَين في كونه له عليه السلام،فتدبّر.

هذا،مع أنّ لفظ الخمس فيها سبيله سبيل لفظه الوارد في نصوص باقي الأخماس،فكأنّه صار يومئذٍ حقيقة شرعية فيما هو المصطلح بيننا.

و لا ينافيه لفظ التصدّق في القوي؛ لشيوع استعماله في التخميس كما ورد في الصحيح (4)،مع احتمال أن يراد به مطلق الإخراج كما عبّر به

ص:238


1- الكافي 5:/125 5،الفقيه 3:/117 499،التهذيب 6:/368 1065،المحاسن:/32 59،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.
2- التهذيب 4:/124 358،الوسائل 9:505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.
3- الفقيه 2:/22 83،الوسائل 9:506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.
4- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

و بمعناه فيما بعده،و مع ذلك فصرفه إلى الذرية أحوط،كما صرّح به جماعة (1)،بناءً على اختصاص الصدقة المحرّمة عليهم بالزكاة المفروضة.

و مما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب الخمس فيه أصلاً،كما ربما يُعزى إلى جماعة من القدماء،حيث لم يذكروا هذا القسم أصلاً (2).

و إن علم الحرام قدراً و صاحباً فالأمر واضح.

و إن علم الأوّل دون الثاني قيل:يتصدّق به عن المالك مطلقاً و لو زاد عن الخمس (3)،و عن التذكرة و جماعة فيه إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد (4)؛ و وجهه غير واضح.

و إن انعكس صولح المالك بما يرضى ما لم يطلب زائداً عمّا يحصل به يقين البراءة،مع احتمال الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه،إلّا أنّ الأوّل أحوط و أولى.

و قيل:يدفع إليه الخمس لو أبى عن الصلح،لأنّ اللّه تعالى جعله مطهّراً للمال (5).و لا يخلو عن إشكال.

و حيثما خمّس أو تصدّق به عن المالك ثم ظهر فإن رضي بما فعل، و إلّا ففي الضمان و عدمه وجهان بل قولان،أحوطهما الأوّل،و إن كان الثاني أوفق بالأصل.

ص:239


1- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:67،و صاحب المدارك 5:389.و الحدائق 12:368.
2- نقله عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في المختلف:203.
3- المدارك 5:389.
4- التذكرة 1:253،السمالك 1:67،مفاتيح الشرائع 1:67،مفاتيح الشرائع 1:227،الحدائق 12:365.
5- قال به في التذكرة 1:253.

و اعلم:أنّه لا يجب الخمس في الكنز حتى تبلغ عينه أو قيمته ما يجب في مثله الزكاة من مأتي درهم أو عشرين ديناراً بإجماعنا الظاهر المنقول في كلام جماعة مستفيضاً (1)؛ للصحيح:عمّا يجب فيه الخمس من الكنز،فقال:« ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (2).

و نحوه المرسل (3)،بل أصرح،لتضمّنه السؤال عن المقدار لا ما المحتمل لإرادة النوع و إن بَعُد،لاتّفاق الأصحاب على فهم المقدار منه لا النوع،مع تصريح بعضهم (4)بوجوب الخمس في الكنز بأنواعه من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و النحاس و الأواني،و ظاهر المنتهى عدم خلاف بيننا (5)،و يعضده إطلاق النصوص و الفتاوى.

و إنّما عبّرنا عن النصاب بما ذكرنا وفاقاً للسرائر و الخلاف و المنتهى و الشهيدين في البيان و الروضة و غيرهما (6)،تبعاً لظاهر الخبرين الذين مضياً،مع احتمال فهم الإجماع عليه من الخلاف و المنتهى.

خلافاً لنحو العبارة فالعشرين ديناراً خاصة؛ و حجّته غير واضحة إن أُريد الحصر،و لا خلاف إن أُريد المثل كما هو الظاهر،و احتمله جمع (7).

و في المنتهى:أنّ المعتبر النصاب الأوّل،فما زاد عليه يجب فيه

ص:240


1- منهم:الشيخ في الخلاف 2:119،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،و العلّامة في المنتهى 1:549،و التذكرة 1:253.
2- الفقيه 2:/21 75،الوسائل 9:495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
3- المقنعة:283،الوسائل 9:497 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 6.
4- كالعلّامة في التحرير 1:73،و المنتهى 1:545.
5- المنتهى 1:547.
6- السرائر 1:485،الخلاف 1:116،المنتهى 1:549،البيان:345،الروضة 2:70؛ و انظر المسالك 1:66.
7- كالمحقق السبزواري في الذخيرة:479،و صاحب الحدائق 12:332.

الخمس قليلاً كان أو كثيراً (1).

و استشكل بظهور النص في مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل (2).

و لا يخلو عن نظر،لأنّ الظاهر كون المقصود من السؤال و الجواب فيه إنّما هو مبدأ تعلّق الخمس و المساواة مع الزكاة فيه.

و كذا يعتبر النصاب المزبور في المعدن على رواية البزنطي الصحيحة و فيها:« ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة، عشرين ديناراً» (3).

و عمل به الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة (4)و المتأخرون قاطبة.

خلافاً للخلاف و السرائر و القاضي فلا نصاب فيه أصلاً (5)،كما هو ظاهر كثير من القدماء،كالإسكافي و العماني و المفيد و الديلمي و ابن زهرة و المرتضى (6)،و ادّعى الأوّلان عليه إجماعنا؛ للعمومات كتاباً و سنةً.

و يخصّ بما مضى.

و يذبّ عن الإجماع بوهنه من الخلاف برجوعه في المبسوط إلى

ص:241


1- المنتهى 1:549.
2- المدارك 5:370.
3- التهذيب 4:/138 391،الوسائل 9:494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.
4- النهاية:197،المبسوط 1:237،ابن حمزة في الوسيلة:138.
5- الخلاف 2:119،السرائر:113،القاضي في المهذب 1:179.
6- حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف:203،المفيد في المقنعة:283،الديلمي في المراسم:139،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569،المرتضى في المسائل الموصليات الثالثة(رسائل المرتضى 1):227.

المختار كما مضى،و من السرائر بوقوع دعواه،بنحو لفظة لا خلاف،و لا ريب في ضعفه بعد وجود الخلاف من واحد فضلاً عن كثير كما هنا،نعم هذا القول أحوط و أولى.

و للحلبي،فاعتبر بلوغ قيمته ديناراً (1)،قيل:و رواه الصدوق في المقنع و الفقيه (2).

و هو ضعيف؛ لضعف الخبر الدال عليه (3)سنداً و مقاومة لما مضى، لصحته و اعتضاده بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة دون هذا،فليطرح،أو يحمل على الاستحباب،أو يصرف النصاب فيه إلى الغوص المسئول عن حكمه فيه أيضاً دون المعدن.

و لا يجب الخمس في الغوص أيضاً حتى تبلغ قيمته ديناراً على الأشهر الأقوى،بل لعلّه عليه عامة أصحابنا،عدا المفيد في الرسالة العزّية،فجعل النصاب عشرين ديناراً (4).و هو مع عدم وضوح مستنده نادر،بل على خلافه الاتّفاق في صريح التنقيح و ظاهر المنتهى و السرائر (5)،مضافاً إلى مخالفته عموم ما دلّ على وجوب الخمس فيه بقول مطلق،خرج منه ما نقص عن الدينار بالإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (6)و بقي الباقي.

ص:242


1- كما في الكافي في الفقه:170.
2- المقنع:53 و فيه ذكر الغوص دون المعدن،الفقيه 2:/21 72؛ حكاه عنهما في المهذب البارع 1:560.
3- التهذيب 4:/124 356،الوسائل 9:493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.
4- نقله عنه في المختلف:203.
5- التنقيح الرائع 1:338،المنتهى 1:550،السرائر 1:488.
6- كما نقله ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):569.

هذا مضافاً إلى النصّ السابق.و عمل الأصحاب هنا لضعف سنده جابر،مع كون الراوي (1)عن موجِبه ممّن لا يروي إلّا عن ثقة،كما عن شيخ الطائفة (2).

و يعتبر النصاب في الثلاثة بعد المئونة التي يغرمها على تحصيله من حفرٍ و سبكٍ في المعدن،و آلة غوص أو أرشها و أُجرة الغواص في الغوص، و أُجرة الحفر و نحوه في الكنز،كما صرّح به جماعة (3)من غير خلاف فيه بينهم و لا غيرهم أجده،بل الظاهر الإجماع عليه،كما يفهم من جمع،و به صرّح في الخلاف في الركاز و المعدن (4)،و في الروضة يعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب (5).

و في الصحيح:كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام:الخمس أُخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟فكتب:« بعد المئونة» (6).

و في اعتبار اتحاد الإخراج فيها مطلقاً (7)،أو العدم كذلك (8)،أو الفرق بين ما لو طال الزمان أو قصد الأعراض فالأوّل و غيره فالثاني (9)،أوجه،بل

ص:243


1- و هو البزنطي عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللّه.
2- حكاه عنه في الذخيرة:479.
3- كالعلّامة في المنتهى 1:549،و الشهيد في الروضة 2:71،و صاحب المدارك 5:392،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:227.
4- الخلاف 2:123.
5- الروضة 2:71.
6- الكافي 1:/545 13،الوسائل 9:508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1.
7- كما عليه الحلّي(السرائر 1:489).منه رحمه اللّه.
8- كما عليه شيخنا الشهيد الثاني(الروضة 2:71)،و سبطه(المدارك 5:392)،و غيرهما.منه رحمه اللّه.
9- كما عليه الفاضل في المنتهى:549.منه رحمه اللّه.

و أقوال،من إطلاق النصّ،و قوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر بالمتحد مطلقاً،أو على التفصيل.و لا ريب أنّ الأوّل أحوط،و إن كان التفصيل لا يخلو عن وجه.

ثم في اعتبار اتحاد النوع فيها،أو العدم،أو نَعَم في الكنز و المعدن دون غيرهما،أوجه،أوجهها الثاني،وفاقاً لجماعة (1).خلافاً للروضة فالثالث،قال:وفاقاً للعلّامة (2).

و لو اشترك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ نصاباً بعد مئونته.

و لا في أرباح التجارات إلّا فيما فضل منها عن مئونة السنة له و لعياله الواجبي النفقة و مندوبيها،و النذور،و الكفارات،و مأخوذ الظالم غصباً و مصانعةً،و الهدية و الصلة اللائقتين بحاله،و مئونة الحج الواجب عام الاكتساب،و ضروريات أسفار الطاعات،و نحوه.

بلا خلاف أجده في أصل اعتبار مئونة السنة له و لعياله و إن اختلفت عباراتهم في تفصيل المئونة بما ذكرناه وفاقاً لجماعة (3)،أو بغيره من تخصيص العيال بواجبي النفقة من غير إشارة إلى مندوبيها كما في السرائر و غيره (4).

لكن ما ذكرناه أقوى،لكونه المفهوم و المتبادر من لفظ المئونة الواردة في المعتبرة المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها (5)،التي هي المستند

ص:244


1- كصاحبي المدارك 5:367،و الذخيرة:478،في المعدن.منه رحمه اللّه.
2- الروضة 2:72.
3- منهم:الشهيد في الروضة 2:76،و صاحب المدارك 5:385،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:227،و صاحب الحدائق 12:353.
4- السرائر 1:489،التنقيح الرائع 1:339.
5- الوسائل 9:499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

في أصل اعتبارها،مضافاً إلى الإجماعات المحكية.و هي و إن كانت مجملة غير مبيّن كون المراد بها ما يتعلّق بالسنة،إلّا أنّ الأصحاب قاطعون بكونه المراد،من غير خلاف بينهم أجده،بل عليه الإجماع في صريح السرائر و ظاهر المنتهى و التذكرة (1)،و لعلّه المفهوم منها عند الإطلاق في مثل هذه الأخبار عرفاً و عادةً.

و لو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة بينهما.أوجه،أحوطها الأوّل ثم الثالث.

و لا يعتبر في الأموال الباقية مقدار و نصاب بلا خلاف أجده إلّا من المفيد فيما يحكى عنه في الغنيمة،فاعتبر في وجوب الخمس فيها بلوغها عشرين ديناراً (2).و هو مع ندوره لم نعثر على مستنده.

و كما لا يعتبر النصاب فيها كذا لا يعتبر الحول فيها و لا في غيرها مما مضى،بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و في المنتهى:

أنّه قول العلماء كافّة إلّا من شذّ من العامة (4)؛ للعمومات كتاباً و سنةً.

نعم يحتاط في الأرباح بالتأخير إلى كماله،لاحتمال تجدّد مئونته.

و لا خلاف فيه،بل يُعزى إلى الحلّي عدم مشروعية الإخراج قبله،و إن علم زيادته عن مئونة سنته (5).

و في استفادته من عبارته الموجودة في السرائر إشكال،بل ظاهر سياقها عدم وجوب الإخراج قبله فوراً،كما هو ظاهر باقي الأصحاب

ص:245


1- السرائر 1:489،المنتهى 1:550،التذكرة 1:253.
2- حكاه عنه في المختلف:203.
3- كالمدارك 5:390،و الذخيرة:484.
4- المنتهى 1:547.
5- نقله عنه في المدارك 5:391،و هو في السرائر 1:489.

أيضاً.

و مع ذلك فهو على تقديره ضعيف يدفعه ظاهر إطلاق الأدلّة،بل في بعض الأخبار:« الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق» (1)لكنّه مع قصور سنده بل ضعفه يجب تقييده بأدلّة استثناء مئونة السنة.

و يقسّم الخمس ستة أقسام على الأظهر الأشهر،ثلاثة منها للإمام سهمه و سهم اللّه و سهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله و ثلاثة منها(ل) لأصناف الثلاثة الباقية: لليتامى و المساكين و أبناء السبيل لظاهر الآية الكريمة (2)،و المعتبرة المستفيضة (3)،المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل إجماع في الحقيقة، لعدم ظهور قائل بخلافها منّا،و إن حكى الفاضلان في المعتبر و المنتهى تبعاً للشيخ عن بعض أصحابنا أنّه يقسّم خمسة أسهم:سهم له عليه السلام، و سهم لأقرباء الرسول صلى الله عليه و آله،و ثلاثة للثلاثة،كما عليه أكثر العامة و حكي عن الشافعي و أبي حنيفة (4)؛ لندوره،و عدم معروفية قائله،مع عدم وضوح مستنده عدا الصحيح الفعلي (5)،و هو مع عدم وضوح دلالته بعد كونه قضيّة في واقعة فلا تفيد الكليّة،و موافقته لأكثر العامة لا يكافئ ما مرّ من

ص:246


1- التهذيب 4:/122 348،الإستبصار 2:/55 180،الوسائل 9:503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
2- الأنفال:41.
3- الوسائل 9:509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
4- المعتبر 2:628،المنتهى 1:550،و الشيخ في الاستبصار 2:57 ذيل الحديث 186،و حكاه عن الشافعي في بداية المجتهد 1:390،و عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 7:124.
5- التهذيب 4:/128 365،الإستبصار 2:/56 186،الوسائل 9:510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

الأدلة.

و يشترط في الأصناف الثلاثة أن يكونوا ممن يُنسب إلى عبد المطلب و لو بالأب خاصة،على الأظهر الأشهر أيضاً،بل لا خلاف فيه يظهر جدّاً إلّا من الإسكافي،فلم يشترطه بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه (1).

و هو مع ندوره مستنده غير واضح عدا إطلاق الأدلّة المقيّد بالنصوص المستفيضة،المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة،بل الإجماع حقيقة كما في الانتصار (2).

و أمّا الاستدلال له بإطلاق الصحيح الماضي فغفلة واضحة،إذ الفعل لا عموم له كما عرفته.

و منه و من المفيد،فجوّزا دفعه إلى بني المطلب مطلقاً (3).و مرّ ضعفه في بحث الزكاة (4).

و في استحقاق من يُنسب إليه بالأُمّ خاصة قولان،أشبههما و أشهرهما أنّه لا يستحق بل عليه عامّة أصحابنا عدا المرتضى (5).و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا إطلاق الولد و نحوه عليه حقيقة.

و هو بعد تسليمه غير مُجدٍ فيما نحن فيه بعد معلومية عدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر إلى مثله،مع ورود النصّ المعمول عليه عند الأصحاب بحرمانه.

ص:247


1- حكاه عنه في المعتبر 2:630.
2- الانتصار:87.
3- حكاه عنهما في المعتبر 2:631.
4- في ص:2411.
5- نقله عنه في المختلف:205.

ففيه:« من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر القريش فإنّ الصدقة تحلّ له،و ليس له من الخمس شيء» (1).

و حمله على التقية بناءً على أنّه مذهب الجمهور كافّة يأباه سياقه و تضمّنه أحكاماً كثيرةً كلّها موافقة لمذهب الإمامية.

هذا،مع أنّ إدخاله في الهاشمي بناءً على الصدق الحقيقي معارض بمثله،و هو اندراجه تحت إطلاق القريشي مثلاً الذي يحرم عليه الخمس إجماعاً،فترجيح الإطلاق الأوّل على هذا ليس بأولى من عكسه، لو لم نقل بكونه الأولى،لكون جانب الأب أرجح قطعاً،زيادةً على ما مضى من ورود النصّ المنجبر بالعمل حتى من الحلّي الذي لا يعمل بالآحاد إلّا بعد كونها مقطوعاً بها،فتأمّل جدّاً.

و هل يجوز أن يخصّ به أي بالخمس طائفة من الثلاثة حتى الواحد منهم؟ فيه تردّد و اختلاف بين الأصحاب.

فبين موجِب للتعميم،كما يُحكى عن ظاهر المبسوط و الحلبي و التنقيح (2)؛ لظاهر الآية،فإنّ اللام للملك أو الاختصاص،و العطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.

و مجوّز للتخصيص،كالفاضلين و مَن تأخّر عنهما (3)؛ لظاهر الصحيح:أ رأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟فقال:« ذلك

ص:248


1- الكافي 1:/539 4،التهذيب 4:/128 366،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
2- المبسوط 1:262،الحلبي في الكافي في الفقه:173،التنقيح الرائع 1:341.
3- المعتبر 2:631،المختلف:205؛ و انظر المسالك 1:68،و المدارك 5:405.

إلى الإمام عليه السلام،أ رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف صنع،إنّما كان يعطي على ما يرى،و كذلك الإمام عليه السلام» (1).

و لأجله تُصرف الآية عن ظاهرها بالحمل على بيان المصرف كما في الزكاة مؤيّداً بثبوته فيها،فإنّ الخمس زكاة في المعنى،مضافاً إلى اشتهاره هنا بين متأخّري أصحابنا،كما صرّح به جماعة (2).

و لكن الأحوط بسطه عليهم و لو متفاوتا؛ لعدم صراحة الصحيحة في جواز التخصيص بطائفة،نعم هي صريحة في عدم وجوب استيعاب الثلاثة و جواز البسط عليهم متفاوتاً،و لا كلام فيه أصلاً،بل في المدارك و الذخيرة أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (3)،و نفى الخلاف عنه في غيرهما (4).

و حيث انتفت الصراحة أشكل صرف الآية عن ظاهرها،و إن سلّم ظهور الرواية أيضاً،لأنّ الصرف بظهورها فرع كونه أوضح من ظهور الآية و أقوى،و هو غير معلوم جدّاً.

فاحتياط تحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة،بل استيعابها أيضاً،إلّا أن يشقّ ذلك فيقتصر على مَن حضر البلد و يبسط عليهم مع الإمكان،كما هو ظاهر السرائر و الدروس (5)،و إن

ص:249


1- الكافي 1:/544 7،قرب الإسناد:/383 1351،الوسائل 9:519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
2- كصاحب المدارك 5:405،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و صاحب الحدائق 12:379.
3- المدارك 5:403،الذخيرة:488.
4- كما في المفاتيح 1:228.
5- السرائر 1:492،الدروس 1:262.

ضعّفه مَن تأخّر عنهما (1)معربين عن عدم خلاف في فساده،كما مضى.

فإنّ تمّ إجماعاً،و إلّا فما فيهما قويّ جدّاً،و إن كان خيرة المتأخّرين لعلّه أقوى،بل ربما يفهم من عبارة المبسوط المحكية كون البسط مطلقاً على الاستحباب.

و لا يحمل الخمس إلى غير بلده كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و التحرير و الدروس و المنتهى (2)،و فيه:لأنّ المستحق مطالِب من حيث الحاجة،فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة فيكون ضامناً.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني و سبطه و غيرهما (3)،فجوّزا النقل مع الضمان.و لعلّه أقوى كما في الزكاة قد مضى (4)،خصوصاً لطلب المساواة بين المستحقين و الأشدّ حاجة.

نعم،الأوّل أحوط و أولى إلّا مع عدم المستحق فيه فيجوز النقل حينئذٍ قولاً واحداً؛ لأنّه توصّل إلى إيصال الحق إلى مستحقه،فيكون جائزاً بل واجباً.

و يعتبر الفقر في اليتيم و هو الطفل الذي لا أب له،وفاقاً لجماعة (5)،بل في الروضة و غيرها أنّه المشهور (6)؛ لأنّ الخمس عوض

ص:250


1- كصاحبي المدارك 5:403،و الحدائق 12:282.
2- الشرائع 1:183،الإرشاد 1:293،التحرير:74،الدروس 1:262،المنتهى 1:552.
3- كما في المسالك 1:68،و المدارك 5:410،و الذخيرة:489.
4- في ص:2447.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:632،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4:331.
6- الروضة 2:82؛ و انظر الحدائق 12:385.

الزكاة،و مصرفها الفقراء في غير من نصّ على عدم اعتبار فقره،فكذا العوض.

و لأنّ الإمام عليه السلام يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم و الفاضل له و المُعوَز عليه كما يأتي (1)،و إذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.

و لأنّه لو كان له أب لم يستحق شيئاً قطعاً،فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى،إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب،هذا.

و في بعض المعتبرة:« و ليس في مال الخمس زكاة،لأنّ فقراء الناس جُعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم،فلم يبق منهم أحد، و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس،فأغناهم به عن صدقات الناس،فلم يبق فقير من فقراء الناس،و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا و قد استغنى،فلا فقير» (2)الحديث.و هو كالصريح في اعتبار الفقر.

خلافاً للمبسوط و السرائر،فلا يعتبر (3)؛ لعموم الآية.و يخصّص بما مرّ من الأدلّة.

و لأنّه لو اعتبر الفقر لم يكن قسماً برأسه.

و يضعّف:باحتمال كون ذلك لمزيد التأكيد،كالأمر بالمحافظة على الصلاة و الصلاة الوسطى مع اندراجها في الصلاة المذكورة قبلها،مع أنّ مثل ذلك وارد في آية الزكاة مع الاتّفاق على اعتبار الفقر في مستحقيها جميعاً إلّا

ص:251


1- في ص:2485.
2- الكافي 1:/539 4،يب 4:/128 366،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
3- المبسوط 1:262،السرائر 1:496.

مَن خرج بالنصّ و الفتوى،فما هو الجواب عنه هناك فهو الجواب هنا؛ و الدليل الصارف عن الظاهر موجود هنا أيضاً،هذا.

و المسألة مع ذلك لا تخلو عن تردّد،كما هو ظاهر جماعة،إلّا أنّ مقتضاه وجوب الأخذ بجادّة الاحتياط بتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقيناً،و مرجعه إلى اعتبار الفقر.

و لا يعتبر الفقر في ابن السبيل إجماعاً كما في المنتهى، و فيه:نعم يشترط فيه الحاجة في السفر (1)؛ و البحث فيه قد تقدّم (2)،و بمثله صرّح جملة من الأصحاب (3)،بل في الروضة:و ظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه،و إلّا كان دليل اليتيم آتياً فيه (4).

و فيه:أنّ ظاهر العبارة هنا و في السرائر (5)المخالفة،حيث أُطلق فيهما عدم اعتبار الفقر بحيث يشمل بلد التسليم،بل في السرائر استدل على عدم اعتباره هنا و في اليتيم بظاهر الآية،و هو مؤيّد لاحتمال المخالفة و إن احتمل حمل إطلاق عبارتهما هنا على عدم اعتباره في الجملة،يعني في بلده لا بلد المسافر كما في الذخيرة (6)،لكنّه بعيد في عبارة السرائر في الغاية.

و كيف كان،فلا ريب في اعتباره أيضاً في بلد التسليم؛ لما مرّ إليه الإشارة،مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما يفهم من

ص:252


1- المنتهى 1:552.
2- في ص:2392.
3- كصاحب المدارك 5:236،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:207،و صاحب الحدائق 12:385.
4- الروضة 2:83.
5- السرائر 1:496.
6- الذخيرة:489.

الروضة بل و غيرها (1)،بل في الإرشاد:و يعتبر في ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده (2).

و لا تعتبر العدالة هنا بلا خلاف أجده؛ لإطلاق الأدلّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة،نعم ربما يظهر من الشرائع وجود مخالف في المسألة (3)،و في المدارك:انّه مجهول (4).

أقول: و لعلّه المرتضى،فإنّه و إن لم يصرّح باعتبارها هنا لكنّه اعتبرها في الزكاة،مستدلاً بما يجري هنا،و هو:كلّ ظاهر من قرآن أو سنّة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معاونة الفساق و العصاة (5).فتأمّل جدّاً.

و في اعتبار الإيمان تردّد من إطلاق الأدلّة،و من أنّ الخمس عوض الزكاة،و هو معتبر فيها إجماعاً،فتوًى و روايةً،و أنّ غير المؤمن محادّ للّه بكفره،فلا يُفعل معه ما يؤذن بالمودّة،للنهي عنها في الآية الكريمة (6) و لا ريب أن اعتباره أحوط خروجاً عن الشبهة،و تحصيلاً للبراءة اليقينية.و جزم باعتباره جماعة (7)من غير مخالف صريح لهم أجده، قال المحقق الثاني:و من العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أُميّة

ص:253


1- الروضة 2:83.
2- الإرشاد 1:293.
3- الشرائع 1:183.
4- المدارك 5:411.
5- الانتصار:82.
6- المجادلة:22،الممتحنة:1.
7- منهم:الشهيد في الدروس 1:262،و الشهيد الثاني في الروضة 2:83،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:228،و صاحب الحدائق 12:389.

لعنهم اللّه فيشترط الإيمان لا محالة (1).

يلحق بهذا الباب مسائل

اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل ثلاث:

الاُولى ما يختصّ به الإمام من الأنفال

الأُولى:

ما يختصّ به الإمام و يزيد به عن فريقه من الأنفال جمع نَفل بسكون الفاء و فتحها،و هو الزيادة،و منه سمّيت النافلة لزيادتها على الفريضة.

و هو:ما مُلك من الأرض بغير قتال أو أرض سلّمها أهلها للمسلمين طوعاً من غير قتال مع بقائهم فيها أو انجلوا عنها و تركوها.

و الأرض الموات التي باد و هلك أهلها مسلمين كانوا أو كفّاراً أو مطلق الأرض التي لم يكن لها أهل معروف.

و رءوس الجبال و بطون الأودية و المرجع فيهما إلى العرف و العادة.

و الآجام بكسر الهمزة و فتحها مع المدّ،جمع أجَمَة بالتحريك، و هي الأرض المملوّة من القَصَب و نحوه في غير الأرض المملوكة.

و ما يخصّ به ملوك أهل الحرب من الصوافي و القطائع و ضابطه:

كلّ ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه و اختصّ به من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالأوّل،و غيرها كالأراضي المعبّر عنها بالثاني غير المغصوبة من مسلم أو مسالم.

و ميراث من لا وارث له ممّن عدا الإمام عليه السلام،و إلّا فهو عليه السلام

ص:254


1- لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عندنا،و حكاه عنه في المدارك 5:411.

وارث مَن يكون كذلك كما هو الفرض.

و ما يصطفيه من الغنية لنفسه،من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده غير ما سيأتي إليه الإشارة،بل عَزا الأخيرين في المنتهى إلى علمائنا أجمع (1)،مؤذناً بدعوى إجماعهم عليهما،و لم ينقل خلافاً في سابقتهما مشعراً بكونها ممّا لا خلاف فيه بين العلماء.

و المعتبرة بالجميع مستفيضة جدّاً،بل كادت تكون متواترة (2).

و إطلاق جملة ما يتعلّق منها برؤوس الجبال و تالييها يشمل ما لو كانت الثلاثة في الأراضي المملوكة له عليه السلام أم غيرها،و نحوها كلمة أكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي،فقيّدها بما كانت في الأُولى خاصة (3).

و ردّه الشهيد في البيان بأنّه يفضي إلى التداخل و عدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين (4).

و قيل:هو جيّد لو كانت الأخبار المتضمّنة لاختصاصه بها على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم،لكنّها ضعيفة السند،فيتّجه المصير إلى ما ذكره الحلّي،قصراً لما خالف الأصل على موضع الوفاق؛ انتهى (5).

و هو حسن لولا انجبار الضعف بإطلاق فتوى الأكثر،مع أنّ في جملة

ص:255


1- المنتهى 1:553.
2- الوسائل 9:523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.
3- السرائر 1:498.
4- البيان:352.
5- قال به صاحب المدارك 5:409.

أخبار حسنة بإبراهيم بل صحيحة (1)عُدّ بطون الأودية،و يلحق الآخران بها بعدم قائل بالفرق بين الطائفة.

فإذاً:المتّجه الإطلاق كما عليه الجماعة،سيّما مع كثرة الروايات بعدّ الثلاثة.

و في اختصاصه عليه السلام بالمعادن الظاهرة و الباطنة في غير أرضه تردّد و اختلاف:

فبين قائلٍ به،كما هو إطلاق الشيخين على ما في التنقيح (2)،و زاد في المختلف الديلمي و القاضي و غيره (3)،و القمي في تفسيره، و الكليني (4)؛ للمروي في التفسير موثّقاً،و فيه:عن الأنفال،فقال:« هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله،و ما كان للملوك فهو للإمام عليه السلام،و ما كان في أرض خربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و كلّ أرض لا ربّ لها،و المعادن منها،و من مات و ليس له مولىً فماله من الأنفال» (5).

و في الوسائل:عن العياشي في تفسيره،عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السلام قال:« لنا الأنفال» قال،قلت:و ما الأنفال؟قال:« منها المعادن، و الآجام،و كلّ أرض لا ربّ لها،و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» (6).

ص:256


1- الوسائل 9:523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 1،وص 526 ح 10.
2- التنقيح 1:343،و هو في المقنعة:278،و في المبسوط 1:263.
3- المختلف:206،الديلمي في المراسم:140،القاضي في المهذب 1:183؛ و انظر الكافي في الفقه:170.
4- تفسير القمي 1:254،الكافي 1:538.
5- تفسير القمي 1:254،الوسائل 9:531 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 20.
6- تفسير العياشي 2:/48 11،الوسائل 9:533 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 28.

و عن داود بن سرحان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال،قلت:

و ما الأنفال؟قال:« بطون الأودية،و رؤوس الجبال،و الآجام،و المعادن، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و كلّ أرضٍ ميتة قد جلا أهلها،و قطائع الملوك» (1).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الجماعة،و لذا قال به أيضاً في الذخيرة (2).

و قائلٍ بأنّ أشبهه أنّ الناس فيها شَرَع سواء،كالحلّي و الماتن هنا و في المعتبر،و الفاضل في التحرير،و الشهيدين في اللمعتين (3)،و ادّعى أوّلهما عليه الشهرة في المعادن الظاهرة (4).

و لعلّه للأصل،و عدم وضوح سند الروايات إلّا الأُولى منها،و هي و إن كانت من الموثّقة،لكن متنها مختلف النسخة،فبدل« منها» في بعض النسخ« فيها» و عليه فلا دلالة لها إلّا على المعادن في أرضه عليه السلام،و نحن نقول به.

بل على تقدير تعيّن نسخة« منها» كما هي الأكثر الدلالة أيضاً غير واضحة،لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا الأنفال،سيّما مع قرب المرجع،و استلزام الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف،سيّما مع كونه مغنياً عن قوله:« منها» كما لا يخفى،فزيادته دليل

ص:257


1- تفسير العياشي 2:/49 21،الوسائل 9:534 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 32 و فيهما:داود بن فرقد بدل داود بن سرحان.
2- الذخيرة:490.
3- السرائر 1:498،المعتبر 2:635،التحرير:75،الروضة 2:85.
4- الدروس 1:264.

على ما قلنا.

و في بلوغ عمل الجماعة الشهرة الجابرة لما عدا الموثّقة مناقشة، سيّما و أنّ الشهرة على الخلاف كما في الدروس (1)،فلا يخرج به عن مقتضى الأصل المقطوع،سيّما مع تأيّده بخلوّ الأخبار الكثيرة المعتبرة البالغة حدّ التواتر عن عدّ المعادن،و بالأخبار الكثيرة القريبة من التواتر بل المتواترة الدالة على أنّ المعادن مما يجب فيه الخمس (2)،و هو منافٍ لكونها من الأنفال،إذ لا معنى لوجوبه في ماله عليه السلام على الغير.

لكن أجاب عن هذا في الذخيرة:بأنّه يجوز أن يكون الحكم في المعادن أنّ من أخرجه بإذنه عليه السلام يكون خمسه له و الباقي له (3)،كما صرّح به الكليني و سلّار (4)،و معنى كونه مالكاً للمجموع أنّ له التصرف في المجموع بالإذن و المنع،فمعنى تلك الأخبار أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس،و هو إنّما يكون مع إذنه عليه السلام.

و لا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يتمشّى على تقدير ثبوت كونها له فيرتكب جمعاً،و إلّا فلا ريب أنّه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن عند فقد الدليل من تلك الأخبار.

و قيل:إذا غَزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له و القائل الثلاثة و أتباعهم كما صرّح به جماعة (5)؛ للخبر:« إذا غَزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت

ص:258


1- الدروس 1:264.
2- الوسائل 9:491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
3- الذخيرة:490.
4- كما في الكافي 1:538،و المراسم:140.
5- صرَّح به في المعتبر 2:635،و التنقيح 1:343،و المدارك 5:417،و هو في المقنعة:279،و النهاية:200،و المهذب 1:186.

الغنيمة كلّها للإمام،و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (1).

و هذه الرواية و إن كانت مقطوعة أي مرسلة ضعيفة، إلّا أنّها منجبرة بالشهرة العظيمة المقطوع بها،المحكية في التنقيح و المسالك و الروضة و غيرها من كتب الجماعة (2)،بل في الأوّل:أنّ عليها عمل الأصحاب،و في الأخير:أنّه لا قائل بخلافها،و عن الخلاف و الحلّي دعوى الإجماع (3)؛ و هو حجّة أُخرى.مضافاً إلى التأيّد برواية صحيحة مروية في الكافي في كتاب الجهاد في أوّل باب قسمة الغنيمة،و فيها:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم،كيف تقسّم؟قال:

« إن قاتلوا عليها مع أميرٍ أمّره الإمام عليهم،أُخرج منها الخمس للّه تعالى و الرسول و قسّم بينهم ثلاثة (4)أخماس،و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ» (5).

و بجميع ذلك يقيّد إطلاق الآية الكريمة بما إذا كان بالإذن،كما هو المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها،و لا بُعد في جعل ذلك أيضاً دليلاً على ضعف إطلاقها.

و أمّا الصحيح:في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة،قال:« يؤدّي خمسها و تطيب له» (6)فلندوره و عدم مقاومته

ص:259


1- التهذيب 4:/135 378،الوسائل 9:529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.
2- التنقيح 1:343،المسالك 1:68،الروضة 2:85؛ و انظر الحدائق 12:478.
3- الخلاف 4:190،السرائر 1:497.
4- كذا في النسخ،و في المصدر:«أربعة».
5- الكافي 5:/43 1،الوسائل 15:84 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 41 ح.
6- التهذيب 4:/124 357،الوسائل 9:488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

لمقابله يحتمل الحمل على تحليله عليه السلام لذلك الرجل بخصوصه حيث إنّه من الشيعة حقّه من ذلك،فما استجوده بعض المتأخّرين:من العمل بظاهره وفاقاً لمقوّى المنتهى (1)فيه ما فيه.

الثانية لا يجوز التصرف فيما يختصّ به مع وجوده

الثانية :.لا يجوز التصرف فيما يختصّ به مطلقاً مع وجوده و عدم غيبته إلّا بإذنه بالكتاب و السنة المستفيضة،قال اللّه سبحانه: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [1] (2)الآية،و قال عليه السلام:« لا يحلّ مال أمر مسلمٍ إلّا عن طيب نفسه» (3).

و استدل عليه في المنتهى (4)بالنصوص المتضمّنة لتأكيدهم عليهم السلام في إخراج الخمس،و عدم إباحتهم له مطلقاً.

ففي الصحيح:يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها،فقال:« أنت في حلّ» فلمّا خرج قال عليه السلام:« أحدهم يَثِب على أموال آل محمّد صلى الله عليه و آله و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها،ثم يجيء فيقول:اجعلني في حلّ،أ تراه ظنّ أنّي أقول:لا أفعل، و اللّه ليسألنّهم اللّه تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثا» (5).

و في الخبر:كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس،فكتب:« بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،إنّ

ص:260


1- المنتهى 1:554،المدارك 5:418.
2- النساء:29.
3- عوالي اللآلي 2:/113 309.
4- المنتهى 1:554.
5- أُصول الكافي 1:/548 27،التهذيب 4:/140 397،الإستبصار 2:/60 197،الوسائل 9:537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 1.

اللّه واسع كريم،ضمن على العمل الثواب،و على الخلاف العقاب،لا يحلّ مال إلّا من وجهٍ أحلّه اللّه تعالى،إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على أموالنا و ما نبذل و ما نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته،فلا تَزووه عنّا،و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه،فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم،و ما تمهّدون لأنفسكم في يوم فاقتكم، و المسلم من يفي اللّه تعالى بما عاهد عليه،و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب،و السلام» (1).

و في آخر:قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس،فقال:« ما أمحل هذا!تمحضونا المودة بألسنتكم و تَزوون عنّا حقّا جعله اللّه تعالى لنا و جعل لنا الخمس، لا نجعل أحداً منكم في حلّ» (2).

أقول: و نحوها كثير من الأخبار،منها:الصحيح لعلي بن مهزيار، و هو طويل و في آخره:« و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلى أن قال:« فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي،و من كان نائياً بعيد الشقَّة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين،فإنّ نية المؤمن خير من عمله» (3).

ص:261


1- أُصول الكافي 1:/547 25،التهذيب 4:/139 395،الإستبصار 2:/59 195،الوسائل 9:538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2 بتفاوت يسير.
2- أُصول الكافي 1:/548 26،التهذيب 4:/140 396،الإستبصار 2:/60 196،الوسائل 9:539 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 3 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/141 398،الإستبصار 2:/60 198،الوسائل 9:501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 بتفاوت يسير.

و الخبر:قلت له عليه السلام:ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟قال:« من أكل من مال اليتيم درهماً و نحن اليتيم» (1).

و في آخر:« من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللّه تعالى،اشترى ما لا يحل له» (2)و نحوه آخر لا يحل لاحد ان يشترى من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا و نحوها التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه،المروي عن إكمال الدين و إتمام النعمة،و فيه اللعن على من استحلّ التصرف فيه من غير الإذن (3).

و لا يضرّ قصور سند جملة من هذه الأخبار بعد انجبارها بموافقة الكتاب العزيز،و السنة المطهّرة،و الاعتبار،و موافقة ما عداها من الصحاح.

و في حال الغيبة لا بأس بالمناكح للشيعة خاصّة،على الأشهر بين الطائفة،كما صرّح به جماعة (4)،بل في ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (5)كما يأتي.

و هو الأظهر،سواء فسّرت بالجواري المسبية من دار الحرب مطلقاً، أو بمَهر الزوجة و ثمن السراري من أرباح التجارات خاصّة؛ لدخولها بالمعنى الثاني في المؤن المستثناة،و التنصيص على إباحتها بالمعنى الأوّل في المعتبرة المستفيضة،و هي ما بين صريحة فيه أو ظاهرة،ففي الحسن

ص:262


1- الفقيه 2:/22 78،الوسائل 9:483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 1.
2- التهذيب 4:/136 381،الوسائل 9:484 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 5.
3- أُصول الكافي 1:/545 14،الوسائل 9:484 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1 ح 4.
4- الذخيرة:491،الكفاية:45،الحدائق 12:481.
5- المنتهى 1:555.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:« أحلّي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا لتطيبوا» ثم قال:« إنّا أحللنا أُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (1).

و المروي عن تفسير مولانا العسكري،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله:« قد علمتُ أنّه سيكون بعدك مَلِك عَضوض و جبر مستولى على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه،و لا يحلّ لمشتريه،لأنّ نصيبي فيه،و قد وهبت نصيبي منه لكلّ من طلب شيئاً من ذلك من شيعتي،ليحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب،و لتطيب مواليدهم، و لا يكون أولادهم أولاد حرام،فقال:ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في فعلك،أُحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي،و لا أُحلّها أنا و لا أنت لغيرهم» (2).

و في الصحيح:قال أمير المؤمنين عليه السلام:« هلك الناس في بطونهم و فروجهم لا يُؤدّون إلينا حقّنا،ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و أبناءهم في حلّ» (3).

و في آخر:قلت له:إنّ لنا أموالاً و تجارات و نحو ذلك،و قد علمت أنّ لك فيها حقّا،قال:« فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم،و كلّ من

ص:263


1- التهذيب 4:/143 401،الوسائل 9:547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 10.
2- تفسير العسكري:86،الوسائل 9:552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 20.
3- التهذيب 4:/137 386،الإستبصار 2:/58 191،المقنعة:279،علل الشرائع:/377 2،الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1 بتفاوت يسير.

و إلى آبائي فهم في حلّ مما في أيديهم من حقّنا،فليبلغ الشاهد الغائب» (1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثير المتضمنة للحكم مع العلّة المسطورة في هذه الروايات.

و لأجلها خصّ المفيد و الماتن و مَن تبعهما ما أباحوه للشيعة بالمناكح خاصة (2)،مع ما فيه من الجمع بين النصوص المختلفة في هذا الباب، المبيحة للخمس على الإطلاق،و المؤكّدة في إخراجه على أيّ حال.

و خلاف الحلبي هنا و فيما يأتي بعدم التحليل (3)نادر لا وجه له،عدا العمومات كتاباً و سنة بوجوب الخمس،المخصَّصة بما مرّ،و كذا خلاف الإسكافي (4)،كما يأتي.

و ألحق الشيخ في النهاية و غيرها،و الحلّي في السرائر (5) المساكن و المتاجر و تبعهما جماعة من المتأخّرين (6).

و لا بأس به في الأوّل مطلقاً،سواء فسّر بما يختص به عليه السلام من الأرض أو من الأرباح،بمعنى أنّه يستثنى منها مسكن فما زاد مع الحاجة؛ لرجوع الأوّل إلى الأراضي المباحة في زمن الغيبة،كما يأتي إليه الإشارة في

ص:264


1- التهذيب 4:/143 399،الوسائل 9:547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 9.
2- كما في المقنعة:285؛ و راجع المنتهى 1:555،الدروس 1:263.
3- الكافي في الفقه:174.
4- نقله عنه في المنتهى 1:555.
5- النهاية:200،و المبسوط 1:263،السرائر 1:498.
6- منهم:المحقق في الشرائع 1:184،و العلّامة في التذكرة 1:255،و الشهيد في الروضة 2:80.

كتاب إحياء الموات،و الثاني إلى المؤن المستثناة من الأرباح.

و في الثاني إن فسّر بما يشترى من الغنيمة المأخوذة من أهل الحرب في حال الغيبة،أو بشراء متعلّق الخمس ممن لا يخمس،فلا يجب على المشتري إخراجه إلّا أن يتّجر فيه و يربح؛ لرواية مولانا العسكري المتقدمة و غيرها،المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة (1)،مع استلزام عدم الإباحة لمثله العسر و الحرج المنفيين في الشريعة،آيةً و روايةً.

و بذلك أشار الفاضل المقداد في التنقيح،فقال:و لا شكّ أنّ العمل بهذا القول أخذ باليسر و رفع للحرج اللازم،و جمع بين الروايات (2).

هذا مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالة على إباحة الأئمة عليهم السلام الخمس كلّه للشيعة (3)،خرج ما عدا الثلاثة بالإجماع ممّن عدا الديلمي و بعض المتأخرين (4)،فتبقى هي تحتها مندرجة.

و لا فرق في ظاهر أكثر الأدلّة بل و الفتاوى ما عدا العبارة بين حالتي الحضور و الغيبة،و به صرّح في المنتهى،فقال:و قد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور الإمام و غيبته،و عليه علماؤنا أجمع،لأنّه مصلحة لا يتمّ التخلّص من المآثم بدونها،فوجب في نظرهم عليهم السلام فعلها،و الإذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقّهم منه،لا على أنّ الواطئ يطأ الحصّة بالإباحة،إذ قد ثبت أنّه يجوز إخراج الخمس بالقيمة،فكان الثابت قبل الإباحة في الذمة إخراج خمس العين من الجارية

ص:265


1- الروضة 2:80،الحدائق 12:444.
2- التنقيح 1:345.
3- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.
4- الديلمي في المراسم:140؛ و انظر المدارك 5:419.

أو قيمته،و بعد الإباحة ملكها الواطئ ملكاً تامّاً،فاستباح وطؤها بالملك التامّ.

إلى أن قال:و ألحق الشيخ به المساكن و المتاجر؛ و الدليل على الإباحة:ما رواه الشيخ عن أبي خديجة سالم بن مكرم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قال،قال له رجل و أنا حاضر:حلّل لي الفروج،ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال رجل:ليس يسألك أن يعترض الطريق،إنّما يسألك خادماً يشتريها،أو امرأة يتزوّجها،أو ميراثاً يصيبه،أو تجارةً أو شيئاً أعطاه، فقال:« هذا لشيعتنا حلال،الشاهد و الغائب،و الميت منهم و الحي و ما يولد منهم إلى يوم القيامة،فهو لهم حلال» الحديث (1)،إلى آخر ما ذكره رحمه الله (2).

و كلماته هذه كما ترى كالصريحة في الثلاثة بجميعها بعدم اختصاصها بزمن الغيبة.

و ما ذكره في المناكح من أنّ إباحتها تمليك لا تحليل،قد صرّح به في الدروس أيضاً (3)،و ارتضاه جماعة (4).و هو كذلك،لظواهر النصوص المتقدمة.

ثم إنّ دعواه الإجماع على إباحة المناكح في حالتي الظهور و الغيبة منافية لما حكاه هو تبعاً للماتن (5)عن الإسكافي،حيث قال:و كما يسوغ له أن يحلّل في زمانه فكذلك يسوغ له أن يحلّل بعده،و قال ابن

ص:266


1- التهذيب 4:/137 384،الإستبصار 2:/58 189،الوسائل 9:544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
2- المنتهى 1:555.
3- الدروس 1:263.
4- كصاحبي المدارك 5:420،و الحدائق 12:444.
5- المعتبر 2:637.

الجنيد:لا يصحّ التحليل إلّا لصاحب الحق في زمانه،إذ لا يسوغ تحليل ما يملكه غيره.و هو ضعيف؛ لأنّهم عليهم السلام قد أباحوا و جعلوا الغاية قيام القائم في أكثر الأحاديث (1)،و الإمام لا يحلّ إلّا ما يعلم أنّ له الولاية في إباحته، و إلّا لاقتصر على زمانه و لم يقض فيه بالدوام؛ و يؤيّده ما رواه أبو خالد الكابلي قال،قال:« إن رأيت صاحب هذا الأمر يُعطي كلّ ما في بيت المال رجلاً واحداً فلا يدخلنّ في قلبك شيء،فإنّه إنّما يعمل بأمر اللّه» (2)(3).و كذا حكى الخلاف عن الحلبي في المختلف في أصل التحليل، فنفاه مطلقاً (4)؛ و لعلّه لندورهما لم يعتدّ بهما.

و كيف كان،فلا ريب في ضعفهما لتواتر الأخبار بالتحليل و لو في الجملة،و عليها عمل الأصحاب كافّة،و إن اختلفوا في العمل بها مطلقاً،أو في الثلاثة المتقدمة خاصة،أو المناكح منها خاصة،أو غير ذلك على أقوال،سيأتي في المتن إليها الإشارة،فبها يقيّد عموم الكتاب و السنة و نحوهما مما يوجب الخمس مطلقاً.

هذا مضافاً إلى الإجماع المنقول زيادةً على ما في المنتهى في البيان للشهيد على ما حكاه عنه في الروضة (5)،و لأجله اختار التحليل في الثلاثة.

الثالثة يصرف الخمس إليه مع وجوده

الثالثة:

. يصرف الخمس إليه مع وجوده عليه السلام وجوباً بالإضافة إلى حصّته

ص:267


1- الوسائل 9:548 أبواب الأنفال ب 4 ح 12،13،16.
2- التهذيب 4:/148 412،الوسائل 9:520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.
3- المنتهى 1:555.
4- الكافي في الفقه:174،المختلف:207.
5- المنتهى 1:555،البيان:351،الروضة 2:80.

قطعاً،و كذا بالإضافة إلى حصص الباقين احتياطاً،كما يستفاد من النصوص قولاً و فعلاً.

و له ما يفضل عن كفاية الأصناف الثلاثة من نصيبهم،و عليه الإتمام لو أعوز كما في مرسلة حمّاد بن عيسى،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه (1)،و نحوه اخرى مقطوعة (2).

و عليهما فتوى الشيخين و جماعة كما في المعتبر و المنتهى (3)،بل يفهم منهما كونهما مجمعاً عليهما بين قدماء أصحابنا،و لذا عملا بهما، و في المختلف و المسالك و غيرهما دعوى اشتهارهما (4)،و لا ريب فيه، فيجبر به ضعف سندهما،مع اعتبار الأوّل منهما في الجملة،بل قال بحجّية مثله جماعة،فالقول بهما متعيّن.

خلافاً للحلّي،فلا يجوز له الأخذ و لا عليه إتمام المُعوِز (5)،لوجوه لا بأس بها لولا الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة بين أصحابنا.

و في شرح القواعد للمحقق الثاني بعد اختياره المختار قال:و يتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم،و عدم جواز إعطاء زائد على مئونة السنة (6).و هو ظاهر غيره أيضاً (7)،إلّا أنّه يشكل بأنّه قد توقّف

ص:268


1- الكافي 1:/539 4،الوسائل 9:520 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.
2- التهذيب 4:/126 364،الوسائل 9:521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.
3- المفيد في المقنعة:278،الطوسي في المبسوط 1:262،المعتبر 2:638،المنتهى 1:554.
4- المختلف:206،المسالك 1:68؛ و انظر الحدائق 12:382.
5- السرائر 1:492.
6- جامع المقاصد 3:54.
7- انظر المعتبر 2:638،مجمع الفائدة و البرهان 4:357.

جماعة في المسألة،و مع ذلك فذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتمة،كالفاضل في التحرير و المختلف و صاحب الذخيرة (1).و مع ذلك فالمتفرع على المختار الوجوب لا الجواز،إلّا أن يراد به المعنى الأعم الشامل له.

و مع غيبته يصرف إلى الأصناف الثلاثة مستحقهم على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل لا خلاف فيه أجده،إلّا من نادر من القدماء،حكى الشيخان و غيرهما (2)عنه القول بإباحة الخمس مطلقاً،و تبعه صاحب الذخيرة (3).

و هو ضعيف في الغاية،لإطلاق الكتاب و السنة مما مضى في بحث القسمة،و ظهورها في اختصاص النصف بالأصناف،و اعتضادها بالنصوص المتواترة الظاهرة في وجوب الأخماس و بقائه إلى يوم القيامة،سيّما و إنّ في بعضها المنجبر سنده بالفتاوى و الاعتبار تعويضهم بل مطلق الذرية بها عن الزكاة صيانةً لهم عن أوساخ أيدي الناس،مع سلامتها عن المعارض، عدا أخبار التحليل من الصحاح و غيرها.

و فيها مع ضعف جملة منها سنداً،و اختصاص بعضها ببعضهم عليهم السلام صريحاً،كالصحيح:« من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ» و معارضتها بمثلها ممّا قد دلّ على مطالبتهم إيّاها في زمانهم،مصرّحاً بعدم التحليل في بعضها،و بأنّه« ليسألنّهم اللّه يوم القيامة سؤالاً حثيثاً» (4)-:أنّه ليس في شيء

ص:269


1- التحرير:75،المختلف:206،الذخيرة:488.
2- المقنعة:285،المبسوط 1:264؛ و انظر السرائر:498.
3- الذخيرة:492.
4- الفقيه 2:/23 88،التهذيب /143 400،الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و يختص بالإمام ب 4 ح 2.

منها التصريح بإباحة الأخماس كلّها،بل و لا مما يتعلّق بالأئمة جميعاً،و إنّما غايتها إفادة إباحة بعضهم شيئاً منها أو للخمس مطلقاً،لكن كونه ما يتعلّق بالجميع أو به خاصّة فلا،مع أنّ مقتضى الأُصول تعيّن الأخير.

فليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة و التصريح بدوامها و إسنادها بصيغة الجمع في جملةٍ،دلالةٌ على تحليل ما يتعلّق بالأصناف الثلاثة،بل و لا ما يتعلّق بمَن عدا المحلِّل مِن باقي الأئمة عليهم السلام،لظهور أن ليس المقصود من الأوّل تطيّبها من كلّ محرّم،و إلّا لاستبيح بذلك أموال الناس كافّة،و هو مخالف للضرورة،فيحتمل طيبها من مال المحلِّل خاصّة،أو ما يتعلّق بجميعهم عليهم السلام من الأُمور الثلاثة المتقدمة،كما نزّلها عليه جمهور الأصحاب،و إرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام و الإباحة بصيغة الجمع، فلا دلالة في شيء منهما على عموم التحليل و الكليّة.

مع أنّ« أحللنا» بالإضافة إلى مَن يأتي مجاز قطعاً،و كما يمكن ذلك يمكن التعبير بها عن المحلِّل أو مع من سبقه خاصّة،و الترجيح لا بُدّ له من دليل،و ليس إن لم نقل بقيامه على الأخير.

و لذا أنّ في المدارك لم يجعل هذه القرائن أمارة على إباحة الأخماس مطلقاً (1)،و إنّما استند إليها لإثباتها بالإضافة إلى حقوقهم عليهم السلام خاصّة، و لكن فيه أيضاً ما عرفته.

و بالجملة فالخروج عن ظاهر الآية و السنة من اختصاص النصف بالأصناف الثلاثة و الباقي بالأئمّة عليهم السلام بمثل ذلك لا وجه له.

و أمّا الذبّ في الذخيرة (2)عن الآية:باختصاصها بالغنائم المختصة

ص:270


1- المدارك 5:419.
2- الذخيرة:492.

بحال الحضور دون الغيبة،مع أنّها من الخطابات الشفاهية المتوجّهة إلى الحاضرين خاصّة،و التعدية إلى الغيبة بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط،و هو ممنوع في محلّ البحث،فلا تنهض حجّة في زمان الغيبة، و لو سلّم فلا بُدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها إما بالجمل على بيان المصرف أو بالتخصيص،جمعاً بينها و بين الأخبار الدالة على الإباحة.

و عن السنة:بضعف أسانيدها جملةً،مع أنّها غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مطلقاً،بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك،فيجوز أن يكون هذا واجباً عليه من غير أن يكون شيء من الخمس ملكاً لهم أو مختصّاً بهم،سلّمنا،لكنّها تدل على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقاً،فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة،سلّمنا،لكن لا بُدّ من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها،جمعاً بين الأدلّة (1).

فضعيف في الغاية؛ لما عرفت من عموم الغنيمة لكلّ فائدة إجماعاً منّا كما مضى،و فُسّرت بها في المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،و منها يظهر عموم الحكم في الآية لمن غاب عن زمن الرسول صلى الله عليه و آله،حيث اتي بها فيها لثبوته في زمانهم عليهم السلام،و هو متأخّر عن زمانه صلى الله عليه و آله،مع أنّ أخبار التحليل للخمس مؤبّداً إلى يوم القيامة كاشف عن بقاء الحكم كذلك،و إلّا فلا معنى للتحليل بالكليّة.

هذا،مع أنّ الإجماع ثابت على الشركة في الحكم،و الآية المفيدة له بالإضافة إلى شرط الحضور مطلقة،فالتقييد يحتاج إلى دلالة هي في المقام

ص:271


1- الذخيرة:492.

مفقودة.

مع أنّ دعوى اشتراط الحضور مما كاد أن يحصل القطع بفسادها،بل فسادة و مخالفة للإجماع و الضرورة،لأنّ المبيح في زمن الغيبة مع ندرته يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل.

و صرف الآية عن ظاهرها جمعاً يتوقف على المعارض الأقوى، و ليس،لما مضى من عدم وضوح دلالة أخبار التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.

و مع ذلك فظهور الآية أرجح،بالاعتضاد بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،بحيث كاد أن يكون المخالف لهم نادراً،بل نادر جدّاً،و بإطلاق السنة المتواترة بإيجاب الأخماس كما عرفته.

و مع ذلك فالجمع غير منحصر فيما ذكره،لإمكانه بوجوه،و منها:

ما عليه جمهور أصحابنا من تخصيص أخبار التحليل بالمناكح و أُختيها خاصّة، و لا وجه لأولوية الأوّل على هذا إن لم يكن هذا أولى،كما هو ذلك جدّاً.

و ضعف أسانيد السنة قد عرفت انجبارها بعمل الأصحاب في بحث القسمة،و به اعترف (1)ثمة؛ مضافاً إلى اشتهار ما دلّت عليه من الاختصاص بالخصوص في المسألة،و مع ذلك معتضدة بظاهر الكتاب.

و إنكار دلالتها على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مكابرة صرفة،لتضمّن بعضها بعد ذكر الخمس و أنّه يقسّم ستة قوله:« و النصف له،و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلى الله عليه و آله،الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة،عوّضهم اللّه تعالى مكان

ص:272


1- الذخيرة:485.

ذلك بالخمس» (1).

و لا ريب أنّ اللام هنا للملك أو الاختصاص،و قد اعترف هو به في الآية في بعض كلماته،و يؤكّده ذكر التعويض لهم عن الصدقة.

و نحوه في آخر منه،و فيه:« و إنّما جعل اللّه تعالى هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم،عوضاً لهم عن صدقات الناس، تنزيهاً من اللّه تعالى لهم،لقرابتهم من رسول اللّه،و كرامةً من اللّه تعالى لهم عن أوساخ الناس،فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ و المسكنة» إلى أن قال أيضاً:« و جعل لفقراء رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصف الخمس،فأغناهم به عن صدقات الناس،فلم يبق فقير من فقراء الناس،و لم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول إلّا و قد استغنى،فلا فقير» (2)الحديث و أيّ دلالة تريد أوضح من هذا.

و بها يجاب عن احتمال اختصاص التملك و الاستحقاق بزمن الحضور،لصراحة التعويض عن الصدقة،و قوله عليه السلام بعده:« فلا فقير» في خلاف ذلك.و في تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعاً ما مضى حرفاً بحرف.

و بالجملة: لا ريب في فساد أمثال هذه المناقشات.فإذاً:المعتمد ما عليه جمهور الأصحاب،من لزوم صرف مستحق الأصناف الثلاثة إليهم على الإطلاق،إلّا ما أباحه بعضهم عليهم السلام في حال حضوره،و لعلّه لجبره ذلك من عنده.و ظاهر سياق المتن أنّه لا خلاف في ذلك.

ص:273


1- التهذيب 4:/126 364،الوسائل 9:514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
2- الكافي 1:/539 4،التهذيب 4:/128 366،الاستبصار 2:/56 185 و فيه صدر الحديث،الوسائل 9:513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

و في مستحقه عليهم السلام أقوال منتشرة،و لكن الذي استقرّ عليه رأي المتأخّرين كافّة على الظاهر،المصرّح به في المدارك (1)،و في كلام جماعة (2)دعوى الشهرة تبعاً للمفيد في العزّية،و حكاه في المختلف عن جماعة (3):أنّ أشبهها جواز دفعه إلى مَن يعجز حاصلهم من الخمس عن قدر كفايتهم عن مئونة السنة على وجه التتمة لا غير لما مرّ من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته مع حضوره (4)،فكذا مع غيبته، لأنّ الحق الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقه.

مؤيّداً بأنّ مثل هذا التصرف لا ضرر فيه على المالك بوجه،فينتفي المانع منه،بل ربما يعلم رضاه به إذا كان المدفوع إليه عن أهل الاضطرار و التقوى،و كان المال معرضاً للتلف مع التأخير،كما هو الغالب في مثل هذا الزمان،فيكون الدفع إلى من ذكرناه إحساناً محضاً،و ما على المحسنين من سبيل،و لا ريب في كونه أحوط للمالك كما صرّح به جماعة من متأخّري المتأخّرين (5).

و ربما يستشكل في إلزامه بذلك،للأخبار المتضمّنة لتحليلهم عليهم السلام لشيعتهم من ذلك (6).

و فيه ما مرّ من أنّ المتيقّن منها ليس إلّا تحليل مَن عدا صاحب الزمان

ص:274


1- المدارك 5:426.
2- كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة 2:79 و خالي العلّامة المجلسي عليه الرحمة في زاد المعاد:584.منه رحمه اللّه.
3- المختلف:209 و 210.
4- راجع ص:2485.
5- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و المدارك 5:427.
6- الوسائل 9:543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4.

لحقّه في زمانه،أو مطلق حقّهم مما يتعلق بالمناكح و أُختيها بالمعنى الذي قدّمناه خاصّة،و أمّا ما عدا ذلك فلم يثبت،فالأصل بقاؤه على حاله.

نعم،في الوسائل و الذخيرة و غيرهما عن الصدوق في كما الدين و تمام النعمة رواية متضمنه لتوقيعه عليه السلام إلى محمّد بن عثمان العمري، و فيه:« أمّا ما سألت عنه» إلى أن قال:« و أمّا المتلبّسون بأموالنا ممّن يستحلّ شيئاً منها فأكله فإنّما يأكل النيران،و أمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا و جُعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» (1).

لكنّها مع قصور سندها لتضمنه جملةً من الجهلاء،و مع نوع تأمّل في دلالتها،للتعبير بصيغة المجهول معارض بما في الكتب المزبورة عن الصدوق أيضاً في الكتاب المزبور من توقيع آخر بسند غير واضح كالسابق، و فيه: « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً» (2).

و بمعناه توقيع آخر مروي في الذخيرة عنه في الكتاب المزبور،بسند لا يخلو عن اعتبار،كما صرّح به فيها،و فيه:« من استحلّ ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا ملعون،و نحن خصماؤه يوم القيامة» إلى أن قال:« و من أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً و سيصلى سعيراً» (3).

ص:275


1- كمال الدين:/483 4،الوسائل 9:550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 16.
2- كمال الدين:/522 51،الاحتجاج:469 471،الوسائل 9:540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.
3- كمال الدين:/520 49،الاحتجاج:479،الوسائل 9:540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.

و أمّا ما أجاب عنه به في الذخيرة:من أنّ المستفاد منه توجّه الذمّ إلى من تصرّف في شيء من أموالهم بغير أمرهم و إذنهم،و هو لا ينافي جواز التصرّف للشيعة في الخمس أو مطلق حقوقهم بإذنهم،كما يستفاد من الأخبار (1).

فحسن إن ثبت منها الإذن عموماً،و فيه ما مضى،هذا.

و في الوسائل روى عن كتاب الخرائج و الجرائح حديثاً بطريق غير واضح عنه،و فيه:« يا حسين،كم تَرزَأ (2)على الناحية؟و لِمَ تمنع أصحابي من خمس مالك»؟ثم قال:« و إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده فدخلته عفواً و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه» قال،فقلت:السمع و الطاعة،ثم ذكر في آخره أنّ العمري أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان (3).

و هل الدفع إليهم على الوجوب كما هو ظاهر المفيد (4)و الدليل؟أم الجواز المخيّر بينه و بين الحفظ و الإيصاء كما هو ظاهر كثير (5)؟ و لا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن،و به صرّح من متأخّري المتأخّرين جمع (6).

ص:276


1- الذخيرة:483.
2- الخرائج و الجرائح 1:/472 17،الوسائل 9:541 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 9.
3- رَزَأ الشيء:نقصه.القاموس المحيط 1:17.
4- المقنعة:278.
5- كالعلّامة في المختلف:209،و الشهيد في الدروس 1:262.
6- منهم:ابن فهد في المهذّب البارع 1:571،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:229،و صاحب المدارك 5:426،و في الذخيرة عن شيخنا الشهيد الثاني أنه نقل اتفاق القائلين بوجوب صرفه في الأصناف على ذلك(منه رحمه اللّه).

ثم هل يشترط مباشرة الفقيه المأمون له كما هو ظاهر المتأخّرين،بل صرّح جملة منهم بضمان المباشر غيره (1)؟أم لا،بل يجوز لغيره كما هو ظاهر إطلاق المفيد؟ و لا ريب أنّ الأوّل أوفق بالأُصول،إلّا أن يكون مباشرة الغير بإذن الفقيه فيجوز،كما في الدروس (2)،و عليه الخال العلّامة أدام اللّه سبحانه ظلاله (3).

و هل يجوز دفعه إلى الموالي كالذريّة،كما استحسنه ابن حمزة، و نفى عنه البعد المفيد في غير العزّية (4)،أم لا؟و الوجه:التفصيل بين وجود المستحق من الذريّة فلا،و فقده فلا بأس به،لما مرّ من الاعتبار العقلي،و أنه إحسان محض ليس شيء على فاعله.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.

ص:277


1- كالعلّامة في الإرشاد 1:294،و الشهيد في الروضة 2:79،و السبزواري في الذخيرة:492.
2- الدروس 1:262.
3- الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).
4- الوسيلة:137،المقنعة:286.

ص:278

كتاب الصوم

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي و عليه توكّلي الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله أجمعين.

ص:279

ص:280

« كتاب الصوم» و هو يستدعي بيان أُمور

ص:281

ص:282

الأمر الأول الصوم هو الكفّ عن المفطرات مع النيّة

الأول الصوم لغةً: هو الإمساك بقولٍ مطلق،على ما صرّح به جمع (1).

و شرعاً: الكفّ عن المفطرات مع النيّة بلا خلافٍ في اعتبارها، فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّة.

و لا فائدة تترتّب على الاختلاف في كونها شرطاً أو ركناً.

كما لا فائدة مهمّة في الاختلافات الكثيرة في تعريف الصوم بما هنا و غيره؛ لابتنائها على اختلاف الآراء و الأنظار في تصحيحه عن توجّه النقض عليه طرداً و عكساً أو نحوهما،ممّا لا تترتّب على الذبّ عنه فائدة عملية (2)،إلّا ما يتعلّق بعدد المفطرات،و التعرّض لها فيما بعد مُغنٍ عن تكلّف التعرّض لها هنا.

و لقد أحسن و أجاد جماعة من الأصحاب،حيث عرّفوه:بأنّه الإمساك عن أشياء مخصوصة،في زمانٍ مخصوص،على وجهٍ مخصوص (3).

أو ما يقرب منه،أخصره ما في المنتهى:أنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه (4).

و تكفي في شهر رمضان:نيّة القربة فلا يحتاج إلى نيّة أنّه من

ص:283


1- منهم:صاحب المدارك 6:6،السبزواري في الذخيرة:495،صاحب الحدائق 13:2.
2- في« ح»:علمية..
3- الوسيلة:139،السرائر 1:364،المهذب البارع 2:5.
4- المنتهى 2:556.

رمضان،على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل لا خلاف فيه أجده،إلّا من نادرٍ حكاه في الذخيرة،من غير أن يذكر اسمه (1).و لا ريب في ضعفه؛ لنقل الإجماع في الغنية و التنقيح على خلافه (2)،مضافاً إلى الأصل،و عدم دليلٍ على اعتبار نيّة التعيين يعتدّ به.

نعم،لو نوى به غيره أمكن بطلان الصوم من أصله عند جماعة (3)، و صحّته عنه دون غيره عند آخرين (4).

و المسألة محلّ إشكال،فالأحوط ترك نيّة غيره و القضاء معها.

هذا مع العلم برمضان.

و أمّا مع الجهل به كمن صامه عن شعبان فيقع عنه دونه (5)قولاً واحداً،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى (6)،و بالاتّفاق عليه هنا صرّح في المدارك (7).

و في غيره يفتقر إلى نيّة التعيين و هو القصد إلى الصوم المخصوص كالقضاء،و الكفّارة،و النافلة لأنّه زمان لا يتعيّن فيه صوم مخصوص،فلا يتعيّن إلّا بالنيّة.

قال في المعتبر:و على ذلك فتوى الأصحاب (8)،مشعراً بدعوى

ص:284


1- الذخيرة:513.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):571،التنقيح الرائع 1:348.
3- منهم:الحلّي في السرائر 1:37،الكركي في جامع المقاصد 1:152،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:155.
4- كالشيخ في النهاية:152،المحقق في المعتبر 2:644،صاحب المدارك 6:31.
5- اي:من رمضان دون شعبان.
6- في ص 257.
7- المدارك 6:31.
8- المعتبر 2:644.

الإجماع،كما في ظاهر المنتهى و التنقيح و صريح التحرير (1).

و استثنى الشهيد في البيان فيما حكي عنه الندب المعيّن،كأيّام البيض،فألحقه بالصوم المعيّن في عدم افتقاره إلى التعيين (2).

بل عنه في بعض تحقيقاته:أنّه ألحق المندوب مطلقاً بالمعيّن؛ لتعيّنه شرعاً في جميع الأيّام إلّا ما استثني (3).

و استحسنه جماعة (4)،و لا بأس به.

و في افتقار النذر المعيّن إليه تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين من قال بالافتقار،كالشيخ (5)و جماعة (6)،و منهم:الفاضل في المختلف،قال:لأنّه زمان لم يعيّنه الشارع في الأصل للصوم،فافتقر إلى التعيين،كالنذر المطلق؛ و أنّ الأصل وجوب التعيين،إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة ترك ذلك في شهر رمضان،لأنّه زمان لا يقع فيه غيره،فيبقى الباقي على أصالته (7).

و بين من قال بالعدم،كالمرتضى،و الحلّي (8)،و جماعة من محقّقي المتأخّرين و متأخّريهم عنهما (9).

ص:285


1- المنتهى 1:557،التنقيح الرائع 2:349،التحرير 1:76.
2- البيان:357.
3- حكاه عنه في الروضة 2:108.
4- كالشهيد الثاني في الروضة 2:109،السبزواري في الذخيرة:513.
5- المبسوط 1:278.
6- منهم الشهيد في البيان:357،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:350،و الشهيد الثاني في الروضة 2:108.
7- المختلف:211.
8- المسائل الطرابلسيات(رسائل المرتضى 1):441،الحلّي في السرائر 1:370.
9- منهم العلّامة في المنتهى 2:557،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:13،و صاحب المدارك 6:18،و السبزواري في الذخيرة:513،و المحقق الخوانساري في المشارق:352.

و لعلّه الأقوى؛ لأنّه زمان تعيّن بالنذر للصوم،فكان كشهر رمضان.

و اختلافهما بأصالة التعيين و عَرَضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.

و يضعّف الدليلان المتقدّمان:

فالأول:بأنّه مصادرة على المطلوب،و إلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق.

و الثاني:بمنع أصالة الوجوب مع أنّ الوجه الذي لأجله تُرِكَ العمل بالأصل المذكور في صوم شهر رمضان،آتٍ فيما نحن فيه،فإن أُريد بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلاً كان منتفياً فيهما،و إن أُريد امتناعه شرعاً كان ثابتاً كذلك.

و وقتها ليلاً أي في الليل،و لو في الجزء الأخير منه،على الأشهر الأقوى،بل لا أعرف فيه خلافاً ظاهراً و لا محكيّاً،إلّا من ظاهر العماني،كما في المدارك (1)و غيره (2)،أو جماعة كما في الروضة فقالوا بتحتّم إيقاعها ليلاً (3).

و عبارتهم مع عدم صراحتها في المخالفة يحتمل أن يكون التعبير فيها بذلك إنّما هو لتعذّر المقارنة،فإنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد الوقوع،فتقع النيّة بعده،و ذلك غير المقارنة المعتبرة فيها.

لا لتحتّم التبييت؛ إذ لا وجه له عدا الإجماع الظاهر،المصرّح به في

ص:286


1- المدارك 6:21.
2- كالذخيرة:513.
3- الروضة 1:106.

الخلاف و المنتهى و الروضة (1)،و هو على الجواز لا التحتّم.

و النصّ:« لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (2).و يجري فيه ما ذكرناه في عبارتهم.

و حيث انتفى النصّ و الإجماع على عدم جواز المقارنة،كان اعتبارها لو اتّفقت أوفق بالأصل في النيّة،و هو:لزوم مقارنتها للعبادة المنويّة.

و يجوز تجديدها في نحو شهر رمضان من الصوم المعيّن إلى الزوال إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد و الناسي،بل مطلق المعذور.

و لا خلاف في الثاني إلّا من العماني،حيث أطلق وجوب تبييت النيّة (3).

و هو مع عدم معلومية مخالفته نادر،بل على خلافه الإجماع عن ظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،و به صرّح في الغنية (5)؛ و هو الحجّة المعتضدة بفحوى ما سيأتي من الأدلّة على ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن،ففيه أولى.فتأمّل جدّاً.

مضافاً إلى التأيّد بما ذكره جماعة على ذلك حجّة (6)

ص:287


1- الخلاف 2:166،المنتهى 2:558،الروضة 2:106.
2- عوالي اللئالئ 3:/132 5،مستدرك الوسائل 7:316 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 1.
3- حكاه عنه في المختلف:212.
4- المعتبر 2:646،المنتهى 2:558،التذكرة 1:256.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):570.
6- منهم العلامة في المختلف:212،و السبزواري في الذخيرة:513،و المحقق الخوانساري في المشارق:348.

من حديث:« رفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان» (1).

و ما روي عنه صلى الله عليه و آله:« إنّ ليلة الشكّ أصبح الناس،فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال،فأمر صلى الله عليه و آله منادياً ينادي:من لم يأكل فليصم،و من أكل فليمسك» (2).

و فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض و المسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال (3).

و أصالة عدم تبييت النيّة.

بل يمكن جعل الوسطين حجّةً مستقلّة و إن ضعف السند في أولهما و الدلالة فيهما؛ لاختصاصهما (4)بمن عدا الناسي،مع عدم وضوح الأول في التحديد إلى الزوال.

و ذلك لانجبار ضعف السند بالعمل،و الدلالة بعدم قائل بالفرق بين الطائفة؛ إذ إطلاق العماني بوجوب تبييت النيّة يشمل موردهما و غيره،فإذا رُدّ بهما إطلاقه تعيّن ما عليه الجماعة.

و التحديد إنّما جاء ممّا يأتي من الأدلّة على أنّه إذا زالت فات وقت النيّة.

و أمّا الأول (5)فهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب،بل عامّتهم،عدا المرتضى رضي اللّه تعالى عنه،حيث أطلق:أنّ وقت النيّة في الصيام

ص:288


1- الخصال:/417 9،الوسائل 8:349 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2- لم نعثر عليه في مصادر الحديث،نعم وجدناه في المعتبر 2:646.
3- سيأتي بحثه في ص 2606.
4- و إنّما قال لاختصاصهما مع أنّ الثاني هو الفحوى و هو نصٌّ في المقام تنبيهاً على ضعف الفحوى و عدم كونه دليلاً يُطمأنّ إليه هنا،و لذا جُعل مؤيّداً لا حجّة.فتأمّل.(منه رحمه اللّه).
5- أي العامد.

الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل الزوال (1).

و هو نادر،مع عدم ظهور عبارته في المخالفة،بعد قوّة احتمال كون المراد بها ما يتناول وقت الاختيار و الاضطرار،بل حملها عليه جماعة (2).

و يمكن أن تُحمَل عليه العبارة،بل جريانه فيها أولى؛ لإشعار سياقها به،حيث قال أولاً:و وقتها ليلاً.و لو جاز تأخيرها إلى الزوال عمداً لما كان لجعل الليل وقتاً لها معنى.

و كذا حال النيّة في القضاء و النذر المطلق،فوقتها ليلاً، و يجوز تجديدها نهاراً إلى الزوال إذا لم يفعل منافياً،فيما قطع به الأصحاب على الظاهر،و المصرّح به في جملة من العبائر (3)،مشعرة بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر غيرها (4)،و الصحاح و غيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً:

منها:الصحيح:عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم و يقتضيه من رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل، قال:« نعم،يصومه و يعتدّ به إذا لم يكن يحدث شيئاً» (5).

و الخبر:قلت له:رجل جعل اللّه تعالى عليه صيام شهر،فيصبح و هو ينوي الصوم،ثم يبدو له فيفطر،و يصبح و هو لا ينوي الصوم،فيبدو له فيصوم،فقال:« هذا كلّه جائز» (6).

ص:289


1- جمل العلم و العمل(الرسائل المرتضى 3):53.
2- المدارك 6:21،الكفاية:48،الحدائق 13:19.
3- المدارك 6:22،الكفاية:49،الذخيرة:514.
4- المعتبر 2:646،المنتهى 1:558،التذكرة 1:256.
5- الكافي 4:/122 4،التهذيب 4:/186 522،الوسائل 10:10 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 2؛ بتفاوتٍ يسير.
6- التهذيب 4:/187 523،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 4.

و إطلاقها كإطلاق عبائر الأصحاب،بل ظواهرها يقتضي عدم الفرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار،حتى لو تعمّد الإخلال بالنيّة ليلاً فبدا له في الصوم قبل الزوال جاز.

و به صرّح في السرائر،فقال:فأمّا الصوم الغير المعيّن فمحلّ النيّة فيه هو ليله و نهاره إلى قبل زوال الشمس من يومه،سواء تركها سهواً أو عمداً أو ناسياً،فهذا الفرق بين ضربي الصوم الواجب (1).

ثم إنّ إطلاق جملة منها و إن اقتضى جواز التجديد بعد الزوال أيضاً إلّا أنّ ظاهر جملة أُخرى منها أنّ بالزوال يفوت وقتها منها:الصحيح:« إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه،و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» (2).

و أظهر منه الموثّق:في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها،متى ينوي الصيام؛ قال:« هو بالخيار إلى زوال الشمس،فإذا زالت،فإن كان قد نوى الصوم فليصم،و إن كان نوى الإفطار فليفطر» سُئل:فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال:

« لا» (3).و لا ينافي ذلك دلالة الصحيح على احتساب الصوم له من الوقت الذي نوى؛ لأنّ ذلك كناية عن فساده بذلك،إذ نيّة الصوم نهاراً تقتضي كونه من أوله صائماً،بالإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (4).

ص:290


1- السرائر 1:373.
2- التهذيب 4:/188 528،الوسائل 10:12 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 8.
3- التهذيب 4:/280 847،الإستبصار 2:/121 394،الوسائل 10:13 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 10؛ بتفاوتٍ يسير.
4- الخلاف 2:167.

لكن بإزاء هذه الأخبار ما يدلّ على امتداد وقتها إلى بعد الزوال، كالصحيح:عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوماً،و كان عليه يوم من شهر رمضان،إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ قال:« نعم،له أن يصوم و يعتدّ به من شهر رمضان» (1).

و أظهر منه المرسل:قلت له:الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و يصبح فلا يأكل إلى العصر،أ يجوز أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟قال:« نعم» (2).

و عليهما الإسكافي (3)،و لا يخلو عن قوّة؛ لاعتضادهما مع صحّة أولهما بإطلاق ما عداهما من المستفيضة.

إلّا أنّ ظاهر من عداه من الأصحاب بل صريحهم العمل بالأخبار الأوّلة،حتى أنّ ظاهر الانتصار و المنتهى دعوى إجماعنا عليه.

حيث قال في الأول:صوم الفرض لا يجزي عندنا إلّا بنيّة قبل الزوال (4).

و قال في الثاني في الجواب عن المرسل-:فإنّه مع أنّه شاذّ لا تعرّض فيه بالنيّة (5).

و حينئذٍ فلا بدّ من طرحه كالصحيح قبله،أو حملهما على ما يؤولان

ص:291


1- التهذيب 4:/187 526،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 6.
2- التهذيب 4:/188 529،الإستبصار 2:/118 385،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 9.
3- حكاه عنه في المختلف:212.
4- الانتصار:60.
5- المنتهى 2:559،و فيه:فإنّه مع إرساله لا تعرّض..

إلى المختار،بحمل عامّة النهار على ما بين الفجر إلى الزوال،و لو على المجاز،على ما ذكره جماعة من الأصحاب (1).

و زاد بعضهم،فجعله على الحقيقة،فقال:على أنّ ما بين طلوع الفجر و الزوال أكثر من نصف النهار (2).

و حمل المرسل على أنّ المراد أول وقت العصر،و هو عند زوال الشمس،كما ذكره الشيخ (3)،أو على من نوى صوماً فصرفه إلى القضاء عند العصر،كما في المختلف (4).

و فيها بُعد،لكن الخطب بعد ضعف السند و عدم الجابر،مضافاً إلى عدم التكافؤ،لما مرّ سهل.

و في استمرار وقتها للمندوب إلى قريب الغروب بمقدار ما يكون بعدها صائماً إليه روايتان،أصحّهما عند الماتن هنا تبعاً للمحكي عن العماني (5)،و ظاهر الخلاف (6)،و جعلها في الشرائع أشهرهما (7)،و تبعه على دعوى الشهرة جملة ممّن تأخّر عنه من علمائنا،كشيخنا الشهيد الثاني،و سبطه (8)،و غيرهما (9) مساواته للواجب في فوات وقتها

ص:292


1- منهم العلّامة في المختلف:212،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:19.
2- الحرّ العاملي في الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ذيل الحديث 6.
3- الإستبصار 2:119.
4- المختلف:212.
5- حكاه عنه في المختلف:212.
6- الخلاف 2:167.
7- الشرائع 1:187.
8- الشهيد الثاني في المسالك 1:69،الروضة 2:107،سبطه في المدارك 6:24.
9- الذخيرة:514.

بالزوال.

و هذه الرواية لم نقف عليها،و لعلّها الصحيحة المتقدّمة،المقيّدة هي و الموثّقة بعدها- (1)للنصوص المتقدّمة عليها،كما يظهر من التعبير على ما حكاه عنه في التنقيح (2).

و هي غير صريحة في النافلة،فيحتمل الاختصاص بالفريضة،كما هي مورد المرسلة،و مع ذلك غير صريحة في الفوات بالزوال،بل و لا ظاهرة إلّا بالتقريب الذي سبقت إليه الإشارة.

و في جريان وجهه (3)في النافلة نوع مناقشة.

و الرواية الثانية عمل بها أكثر القدماء،بل مطلقاً كما في المنتهى (4)، و منهم:السيّدان،و الحلّي،مدّعين عليه إجماعنا في الانتصار و الغنية و السرائر (5).

و هي مع ذلك ما بين ظاهرة في الحكم إطلاقاً أو عموماً و هي جملة من الصحاح و غيرها و صريحة،كالموثّق:عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة،قال:« هو بالخيار ما بينه و بين العصر،و إن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم و لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» (6).

ص:293


1- تقدمتا في ص 2500.
2- التنقيح الرائع 1:351.
3- و هو الإجماع المنقول في الخلاف.منه(رحمه الله).
4- المنتهى 2:559.
5- الانتصار:60،الغنية(الجوامع الفقهية):570،السرائر 1:373.
6- الكافي 4:/122 2،الفقيه 2:/55 242،التهذيب 4:/186 521،الوسائل 10:14 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 3 ح 1.

و قريبٌ منه الصحيح:« إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً،ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً و لم يفطر،فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر» (1).

و حينئذٍ فلا تعارضها الصحيحة السابقة،سيّما مع ما هي عليه ممّا عرفته،فالعمل بها أولى.

و ذهب إليه من المتأخّرين:الفاضل في التحرير و المنتهى،و قوّاه في المختلف أخيراً،و الشهيدان في الدروس و الروضة (2)،و جماعة ممّن تأخّر عنهما (3).

و هو أوفق بقاعدة التسامح في أدلّة السنن أيضاً،كما لا يخفى.

و يظهر من المعتبر (4)كون الرواية الثانية:الصحيح المتضمّن لأنّ علياً عليه السلام كان يدخل أهله فيقول:هل عندكم شيء؟فإن كان عندهم شيء أتوه به و إلّا صام (5)،و روى الجمهور نحوه عن النبي صلى الله عليه و آله (6).

و هو كما ترى؛ لأنّ الفعل لا عموم فيه،فلا يشمل بعد الزوال، لاحتمال اختصاص فعلهما بما قبله،كما هو الغالب،بل و المستحبّ شرعاً

ص:294


1- التهذيب 4:/187 525،الوسائل 10:11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 5.
2- التحرير 1:76،المنتهى 2:559،المختلف:212،الدروس:70،الروضة 2:107.
3- كالأردبيلي في مجمع الفائدة 5:24،الكاشاني في المفاتيح 1:244،الحدائق 13:26.
4- المعتبر 2:648.
5- التهذيب 4:/188 531،الوسائل 10:12 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 7.
6- سنن الدارقطني 2:/175 18.

لمن أراد البقاء و لا بقاء.

نعم،هو دليل صريح على جواز النيّة نهاراً،كما هو المجمع عليه بيننا.

و اعلم:أنّ مقتضى الأصل اشتراط مقارنة النيّة للمنوي،خرج منه تقديمها للصوم من الليل،للضرورة و الإجماع،و بقي الباقي،فلا يجوز التقديم عليه مطلقاً و لو في شهر رمضان،و عليه عامّة المتأخّرين،و يدلّ عليه أيضاً حديث:« لا صيام لمن لم يبيّت الصيام» إلى آخره (1).

و قيل:يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال و القائل به:الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (2)،و عزاه فيه إلى الأصحاب،مشعراً بالإجماع.

فإن تمّ،و إلّا كما هو الظاهر،إذ لم يُرَ و لم ينقل له من القدماء و لا من المتأخّرين موافق،فهو مشكل؛ لمخالفته الأصل،مع عدم وضوح الدليل عدا ما قيل له:من أنّ مقارنة النيّة ليست شرطاً في الصوم،و كما جاز أن تتقدّم من أول ليلة الصوم و إن يتعقّبها النوم و الأكل و الشرب و الجماع جاز أن تتقدّم على تلك الليلة بالزمان المتقارب،كاليومين و الثلاثة (3).

و هو كما ترى قياس مع الفارق.

و هل الحكم بجواز التقديم على القول به مطلق،كما يفيده إطلاق عبارة الخلاف (4)؟

ص:295


1- تقدم في ص 2497.
2- النهاية:151،المبسوط 1:276،الخلاف 2:166.
3- المعتبر 2:649.
4- الخلاف 2:196.

أم يختصّ بالناسي بمعنى:أنّه لو نسي عند دخوله،فصام من دون نيّة،كانت الأُولى كافية،بخلاف العامد العالم بالدخول،فإنّه يجب على تجديد النيّة كما عن صريح المبسوط و النهاية (1)؟ احتمالان،إلّا أنّ ظاهر الدليل:الأول،و الأصحاب:الثاني،بل عليه الإجماع في المختلف (2)،و عن الشهيد في البيان،فقال:و لو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولاً واحداً (3).

و تجزي فيه أي في شهر رمضان نيّة واحدة من أوله.

ظاهر العبارة:أنّ هذا الكلام عطف على ما قبله،أي:و قيل:تجزي، و القائل:الثلاثة،و الديلمي،و الحلبي،و الحلّي،و ابن زهرة العلوي مدّعياً عليه الإجماع (4)،كالمرتضى في الرسّية و الانتصار و الشيخ في الخلاف (5)، و عزاه في المنتهى إلى الأصحاب من غير نقل خلاف (6).

و علّله في الانتصار بعده (7):بأنّ النيّة تؤثّر في الشهر كلّه؛ لأنّ حرمته حرمة واحدة،كما أثّرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه (8).

ص:296


1- المبسوط 1:277،النهاية:151.
2- المختلف:213.
3- البيان:361.
4- المفيد في المقنعة:302،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):53،الطوسي في النهاية:151،الديلمي في المراسم:96،الحلبي في الكافي في الفقه:181،الحلّي في السرائر 1:371،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571.
5- المسائل الرسّية(رسائل المرتضى 2):355،الانتصار:61،الخلاف 2:163.
6- المنتهى 2:560.
7- أي بعد ادّعائه الإجماع عليه.
8- الانتصار:65.

و يضعّف:بمنع كونه عبادة واحدة؛ فإنّ صوم كلّ يومٍ مستقلٌّ بنفسه، لا تعلّق له بما قبله و ما بعده،و لذلك تتعدّد الكفّارة بتعدّد الأيّام،و لا يبطل الشهر كلّه ببطلان صوم بعض أيّامه،بخلاف الصلاة الواحدة،فإنّ بطلان بعض أجزائها يقتضي بطلانها رأساً،و الحمل إنّما يتمّ على تقدير عدم الفرق،و قد أوضحناه.

فإذاً:المتّجه عدم الإجزاء،كما عليه الفاضل في جملةٍ من كتبه (1)، و الماتن في ظاهر الكتاب و المعتبر إلّا أنّ فيه بعد تضعيف ما مرّ بأنّه قياس محض،فلا يتمشّى على أُصولنا-:لكن عدم الهدى ادّعى على ذلك الإجماع،و كذلك الشيخ أبو جعفر،و الأولى تجديد النيّة لكلّ يومٍ في ليلته، لأنّا لا نعلم ما ادّعياه من الإجماع (2).

و ظاهره كما ترى الميل إلى ما عليه القدماء.

و لا ينافيه دفعه ما ادّعياه من الإجماع؛ إذ المراد منه الدفع بحسب الاطّلاع عليه من غير جهة النقل،و إلّا فهو حاصل،و دفعه من جهته غير متوجّه إلّا على القول بعدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الآحاد،و لكنّه خلاف التحقيق،سيّما إذا احتفّ بالقرائن،مثل الشهرة العظيمة القديمة، التي لم يوجد معها مخالف بالكلّية،و هي من أعظم القرائن على صحّة الرواية.

نعم،الأولى التجديد في كلّ ليلة؛ خروجاً عن شبهة الأُصول و القاعدة،بل و الفتوى بالنسبة إلينا،لحصولها به (3)في كتب من عرفته،بل

ص:297


1- التحرير 1:6،المختلف:213،الإرشاد 1:299.
2- المعتبر 2:649.
3- أي:لحصول الفتوى بالتجديد.

ادّعى عليها الشهرة المتأخّرة جماعة (1)،و لكنّها موهونة.

و ذلك بناءً على ما ظاهرهم الاتّفاق عليه و عدم الخلاف فيه كما في الغنية و المنتهى من جواز تفريق النيّة هنا (2)،و إن قلنا بكون صوم الشهر كلّه عبادة واحدة،و منعنا عن تفريقها[عليها (3)]كما هو خيرة جماعة (4).

فما في الروضة (5)من المنع عن التفريق بناءً على القول به- (6)لا وجه له في المسألة.

و يستحبّ أن يصام يوم الثلاثين من شعبان الذي يشكّ فيه أنّه منه أو من رمضان بنيّة الندب مطلقاً،بلا خلافٍ فيه بيننا،إلّا من المفيد فيما حكي عنه (7)،فكرهه على بعض الوجوه (8).

و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف (9)،و ظاهر غيرها،كالتنقيح و الروضة (10).

ص:298


1- منهم:السبزواري في الكفاية:49،و الذخيرة:514،صاحب الحدائق 13:27.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):571،المنتهى 2:560.
3- أي:و إن منعنا عن تفريق النية على عبادة واحدة في غير المقام.و في النسختين:عليه،و الظاهر هو سهو.
4- انظر نهاية الإحكام 1:34،إيضاح الفوائد 1:38،جامع المقاصد 1:39،كشف اللثام 1:65.
5- الروضة 2:107.
6- أي:بالمنع.
7- حكاه عنه في التحرير 1:76،البيان:361.
8- مع أنّ المحكي من عبارته في المنتهى و المعتبر هو الاستحباب كما هو الأظهر،قال:و إنما يكره مع الصحو و ارتفاع الموانع،إلّا لمن كان صائماً قبله،انتهى.و هو نصٌّ في أنّ الكراهة في غير يوم الشك،بل يوم الثلاثين من شعبان في صورة ارتفاع المانع من الرؤية،فلا خلاف منه في استحباب صوم يوم الشك.(منه رحمه الله).
9- الانتصار:62،الغنية(الجوامع الفقهية):570،الخلاف 2:170.
10- التنقيح الرائع 1:354،الروضة 2:109.

و النهي عن صيامه في بعض النصوص (1)محمولٌ:

إمّا على التقيّة،فإنّه مذهب جماعة من العامّة (2)،و يشهد له بعض المعتبرة:عن اليوم الذي يشكّ فيه،فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان،فقال:« كذبوا،إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له،و إن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» (3).

أو:على صومه بنيّة الفرض،كما تشهد له جملة من المعتبرة،منها الموثّق:« إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان،و لا يصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ،و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان،فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه عزّ و جلّ،و بما قد وسع على عباده،و لو لا ذلك لهلك الناس» (4)و بمعناه الرضوي (5)و حديث الزهري (6) و ما يستفاد من هذه النصوص من أنّه لو اتّفق ذلك اليوم من رمضان أجزأ عنه مجمعٌ عليه بين الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (7)،و النصوص به مع ذلك

ص:299


1- الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 2،3.
2- انظر بداية المجتهد 1:310.
3- الكافي 4:/83 8،التهذيب 4:/181 502،الإستبصار 2:/77 234،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 7.
4- الكافي 4:/82 6،التهذيب 4:/182 508،الإستبصار 2:/79 240،الوسائل 10:21 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 4.
5- فقه الرضا(عليه السلام):201،المستدرك 7:318 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ذيل الحديث 1.
6- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 895،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 8.
7- كما في المدارك 6:35،و المفاتيح 1:246،و الكفاية:49.

زيادةً على ما مرّ مستفيضة،متضمّنة للصحيح و غيره (1).

و ألحقَ به الشهيدان كلّ واجب معيّن فُعِلَ بنيّة الندب مع عدم العلم (2).

و لا بأس به،و في حديث الزهري دلالة عليه؛ لتضمّنه تعليل الإجزاء عن رمضان،بأنّ الفرض وقع على اليوم بعينه،و هو جارٍ في الملحق به.

و لو صام يوم الشكّ بنيّة الواجب من رمضان لم يجزِه عنه و لا عن شعبان،على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و عزاه في المبسوط إلى الأصحاب (3)،مشعراً بدعوى الإجماع.

للنهي عن صومه كذلك فيما مرّ من المستفيضة،و النهي مفسدٌ للعبادة إذا تعلّق بها و لو من جهة شرطها،كما هو الواقع في المستفيضة كما ترى.

مع أنّ في بعضها التصريح بالقضاء،و هو الصحيح:في يوم الشكّ:

« من صامه قضاه و إن كان كذلك» يعني:من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوماً من شهر رمضان؛ لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان،و من خالفها كان عليه القضاء (4).

و قريب منه الصحيح الآخر:في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان،فقال:« عليه قضاؤه و إن كان كذلك» (5).

ص:300


1- الوسائل 10:20 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:267،الشهيد الثاني في الروضة 2:139.
3- المبسوط 1:277.
4- التهذيب 4:/162 457،الوسائل 10:27 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 5.
5- التهذيب 4:/182 507،الإستبصار 2:/78 239،الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 6 ح 1.

بناءً إمّا على ظهور المراد منه من الصحيح السابق.

أو على رجوع الجارّ (1)إلى قوله:« يصوم» دون:« يشكّ» فيكون المراد:صومه بنيّة رمضان،كما ذكره في المنتهى في الصحيح السابق،قال:

و يدلّ عليه قوله:« و إن كان كذلك» ؛ لأنّ التشبيه إنّما هو للنيّة (2).

أو على أنّ هذا الصوم إن وقع بنيّة أنّه من رمضان فهو المطلوب،و إن وقع بنيّة أنّه من شعبان فهو متروك العمل به إجماعاً.و حمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكلّية،كما في المختلف (3).

و لكن الإنصاف أنّ في جملة هذه الأبنية نظراً.

أمّا الأول:فلابتنائه على كون التفسير في الصحيح السابق بقوله:

« يعني» إلى آخره من الإمام عليه السلام دون الراوي،و هو غير معلوم،و لا حجّة فيه على الثاني،فلا دلالة في هذا الصحيح فضلاً عن الثاني.

و أمّا الثاني:فلاحتمال الرجوع إلى الفعل الثاني،بل قوّته لقربه، و لا دلالة لقوله:« و إن كان كذلك» على مقابله (4).

و أمّا الثالث:فلعدم دليل يعتدّ به على أنّ أولوية حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة،و لو سلّم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الرواية غير منحصر فيما ذكره،بعد احتمال الورود مورد التقيّة.و هو معنى جيّد يصحّ أن تحمل عليه أخبار أهل العصمة عليهم السلام.

هذا،مع أنّ الاستدلال بنحو هذه الرواية على تقدير تسليم الدلالة -

ص:301


1- و هو قوله:« من رمضان»(منه رحمه الله).
2- المنتهى 2:561.
3- المختلف:214.
4- أي الاحتمال المقابل لهذا الاحتمال.(منه رحمه الله).

معارَضٌ برواياتٍ أُخر معتبرة.

منها:الصحيح:الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك،فقال:« هو شيءٌ وفّق له» (1).

و أظهر منه دلالةً الموثّق:عن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان،لا يدري أ هو من شعبان أو من رمضان،فصامه من شهر رمضان،قال:« هو يوم وفّق له و لا قضاء عليه» (2).

و لعلّهما مستند العماني و الإسكافي (3)في حكمهما بالإجزاء عن رمضان بشرطه (4).

لكنّهما لا يعارضان ما مرّ،مضافاً إلى قصور سند الثاني و اختلاف متنه،بل ضعفه،فحكاه الشيخ،كما مرّ عن الكليني،مع أنّه رواه في الكافي هكذا:« فصامه فكان من شهر رمضان» .فلا دلالة فيه على ما نحن فيه إلّا بحسب الإطلاق أو العموم،لترك الاستفصال،و هو مقيّدٌ أو مخصّصٌ بالصوم عن شعبان جمعاً.

و نحوه الجواب عن دلالة الأول،بعد تسليم احتمال رجوع الجارّ إلى الفعل الثاني،أو ظهوره،لكن يلزم من هذا عدم إمكان الاستدلال على المختار بما ماثله في التعبير ممّا سبق من الأخبار.

و لا ضير فيه بعد ثبوته من القاعدة (5)في النهي عن العبادة،الوارد في

ص:302


1- الكافي 4:/82 3،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 5.
2- الكافي 4:/81 2،التهذيب 4:/181 503،الإستبصار 2:/78 235،الوسائل 10:22 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 6 وردت في الكافي بتفاوت يسير.
3- حكاه عنهما في المختلف:214.
4- و هو ظهور كونه منه.(منه رحمه الله).
5- أي:و لا ضير في عدم الإمكان بعد ثبوت المختار من القاعدة.

المستفيضة،المعتضدة بالشهرة العظيمة القديمة و الحديثة،القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة،كما يستشعر من المبسوط،على ما سبقت إليه الإشارة (1).

و أمّا دعوى الشيخ الإجماع على ما عليه القديمان في الخلاف فيما يحكى عنه (2)،فمع أنّا لم نقف عليها فيما عندنا من نسخته،موهونةٌ بلا شبهة،مع أنّ المحكي عنه في صريح التحرير و محتمل المختلف:التوقّف في المسألة (3).

هذا و المختار فيها مع ذلك أحوط و أولى.

و كذا لو ردّد نيّته بين الوجوب إن كان من شهر رمضان،و الندب إن كان من شعبان،لم يجزِ عنهما،وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ في أكثر كتبه، و الحلّي (4)،و أكثر المتأخّرين (5).

لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب،على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ،ففعله على خلاف ذلك لا يتحقّق به الامتثال.

و للشيخ قولٌ آخر بالإجزاء،حكي عنه في المبسوط و الخلاف، و عن العماني،و ابن حمزة،و تبعهم الفاضل في المختلف،و الشهيد في جملة من كتبه (6)؛ لأنّه نوى الواقع،فوجب أن يجزيه؛ و أنّه نوى العبادة على وجهها،فوجب أن يخرج عن العهدة؛ و أنّ نية القربة كافية،و قد نواها.

ص:303


1- في ص:2508.
2- حكاه عنه في المختلف:214.
3- التحرير:76،المختلف:214.
4- كما حكاه عنه في المختلف:215،و الحلي في السرائر 1:384.
5- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:246،و السبزواري في الذخيرة:516.
6- المبسوط 1:277،الخلاف 2:179،حكاه عن العماني في المختلف:215،ابن حمزة في الوسيلة:140،المختلف:215،الشهيد في البيان:359،و اللمعة(الروضة 2):140،و الدروس 1:267.

و يضعّف الأولان:بالمنع عنهما،فإنّ الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصّة بمقتضى الحصر الوارد في الرواية،و لا ينافيه فرض كون ذلك اليوم من رمضان،فإنّ الوجوب إنّما يتحقّق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه، و الوجوب في نفس الأمر لا معنى له.

و الثالث:بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنيّة القربة الصحّة،مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به،بل على الوجه المنهيّ عنه.و أيضاً:فإنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم.

و لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار فبان من شهر رمضان جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس و أجزأه إذا لم يكن أفسد صومه؛ لما مرّ في بحث تجديد النيّة إلى الزوال من بقاء وقتها إليه (1).

و لو كان بعد الزوال أمسك واجباً،و قضاه أمّا وجوب القضاء فلفوات الصوم بفوات وقت نيّته أما لزوال على الأقوى،كما مضى ثمّة مفصّلاً.

و أمّا وجوب الإمساك بقية النهار فلعلّه لا خلاف فيه،بل ظاهر المنتهى أنّه لم يخالف فيه أحدٌ من العلماء إلّا النادر من العامّة (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3)؛ و لعلّه لعموم:« الميسور لا يسقط بالمعسور» (4)بناءً على أنّ المأخوذ عليه في هذا الصوم مع النيّة،فإذا فاتت لم يفت هو،فتأمّل.

ص:304


1- راجع ص:2498.
2- المنتهى 2:561.
3- الخلاف 2:178.
4- غوالي اللئالئ 4:/58 205.

الثاني في ما يمسك عنه و فيه مقصدان

اشارة

الثاني في بيان ما يمسك عنه و فيه مقصدان:

الأول يجب الإمساك عن تسعة

الأول: جب الإمساك عن تسعة أشياء:

عن الأكل و الشرب المعتاد كالخبز و الفاكهة و نحوهما و غيره كالحصاة و الحجر و التراب و نحوها.

بالكتاب (1)،و السنّة (2)،و الإجماع المحقّق المقطوع به في الأول (3)، و المحكي في صريح الناصرية و الخلاف و الغنية و السرائر (4)،و ظاهر المنتهى (5)و غيره (6)في الثاني،بل ظاهر الأولَين أنّه مجمع عليه بين العلماء إلاّ النادر ممّن خالفنا؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على وجوب الإمساك عن الغبار الغليظ و نحوه (7)،مؤيّداً بإطلاق ما دلّ على وجوب الإمساك عنهما،بل ربّما جعله حجّة مستقلّة جملة من علمائنا (8)،إلّا أنّه لا يخلو عن إشكال،لعدم تبادر

ص:305


1- البقرة:187.
2- الوسائل 10:31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.
3- أي المعتاد.منه رحمه الله.
4- الناصرية(الجوامع الفقهية):206،الخلاف 2:177،الغنية(الجوامع الفقهية):571،السرائر 1:377.
5- المنتهى 2:562.
6- كصاحبي المدارك 6:43،و الحدائق 13:56.
7- الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22.
8- منهم صاحب المدارك 6:51،و الحدائق 13:72.

غير المعتاد منه عرفاً.

و لعلّه لذا اقتصر على المعتاد الإسكافي و المرتضى،فلم يبطلا الصوم بغيره فيما حكي عنهما (1).

و لكنّهما نادران قطعاً،محجوجان بما مضى.

و عن الجماع قبلاً و دبراً و لو لم ينزل،إجماعاً في الأول، كتاباً (2)،و سنّةً (3)،و فتوى.

و على الأشهر الأقوى في الثاني،بل لم أجد فيه مخالفاً إلّا المبسوط،حيث جعله أحوط (4)،مشعراً بتردّده فيه،كما في المختلف (5)، مع أنّه جعله فيه الظاهر من المذهب،مشعراً بالإجماع،كما يفهم منه في التهذيب،حيث قال بعد الرواية الآتية-:إنّها غير معمول عليها (6).و به (7)صرّح في الخلاف،و كذا ابن حمزة في الوسيلة (8).

و جعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب،قال:لإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة،خرج من ذلك ما عدا الوطء في القبل و الدبر،فيبقى الباقي مندرجاً في الإطلاق،و متى ثبت التحريم كان مفسداً للصوم بالإجماع المركّب.

ص:306


1- نقله عنهما في المختلف:216.
2- البقرة:187.
3- الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4.
4- المبسوط 1:270.
5- المختلف:216.
6- التهذيب 4:320.
7- أي:بالإجماع.
8- الخلاف 2:190،الوسيلة:124.

و لا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحكم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:« إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها و ليس عليها غسل» (1).

لأنّا نجيب عنه بالطعن في السند بالإرسال (2).انتهى.و هو حسن.

و في فساد الصوم بوطء الغلام تردّد و إن حرم ينشأ من التردّد في وجوب الغسل به و عدمه؛ بناءً على التلازم بين المسألتين،كما يظهر من الفاضلين (3)و غيرهما (4)،قالا:و حيث أوجبنا الغسل وجب الاجتناب.

أقول:و عليه (5)أكثر الأصحاب،و في الذخيرة:أنّه المشهور بينهم (6)، و في الخلاف الإجماع (7)؛ و هو الحجّة المعتضدة بفحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة،و إطلاق الصحيح:عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني،قال:« عليه من الكفّارة مثل ما على المجامع» (8)و نحوه المرسل (9).

و التقريب:أنّ الواطئ مجامع.و فيهما نظر.

ص:307


1- التهذيب 4:/319 977،الوسائل 2:200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
2- المدارك 6:45.
3- المحقق في المعتبر 2:654،و العلامة في المنتهى 2:564.
4- كصاحب المدارك 6:46.
5- أي على وجوب الاجتناب.(منه رحمه الله).
6- الذخيرة:496.
7- الخلاف 2:197.
8- الكافي 4:/102 4،التهذيب 4:/206 597،الإستبصار 2:/81 247،الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.
9- الكافي 4:/103 7،التهذيب 4:/321 983،الوسائل 10:39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.

فإذاً:العمدة هو نقل الإجماع،مؤيّداً بالشهرة بين الأصحاب،و ما دلّ على وجوب الغسل إن صحّ ما مرّ من البناء.

و عليه فيتّجه القول بالفساد بوطء البهيمة أيضاً؛ لما مرّ من إيجابه الغسل،و في الخلاف نفى الخلاف عنه (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع.

و لا ينافيها تصريحه قبلها بأنّه لم يجد فيه لأصحابنا نصّاً؛ لاحتمال أن يكون مراده من النصّ:النصّ الصادر عن المعصوم عليه السلام.

و بالجملة:فالمتّجه في المسألتين:الفساد،وفاقاً لأكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي في الثانية (2)،و للمبسوط في الأُولى (3)،فجعلها كالوطء في دبر المرأة.

و لا دليل لهما سوى الأصل المخصّص بما مرّ،كعموم:« لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال:الطعام،و الشراب،و النساء،و الارتماس في الماء» (4).

هذا،و خلاف المبسوط هنا و فيما مرّ غير معلوم،بل و لا ظاهر إلّا من جهة التعبير بلفظ« الاحتياط»،و هو غير صريح في الاستحباب بل و لا ظاهر في كلمة القدماء؛ لاستدلالهم به على كثيرٍ من الواجبات،مضافاً إلى تصريحه قبله بالوجوب،جاعلاً له مقتضى المذهب،كما مرّ.

و كذا الموطوء فإنّ البحث فيه كالبحث في الواطئ،فيجب على الموطوء في دبره الغسل،و يكون مفطراً إذا كان مطاوعاً،و كذا المرأة

ص:308


1- الخلاف 2:191.
2- السرائر 1:380.
3- المبسوط 1:270.
4- الفقيه 2:/67 276،التهذيب 4:/202 584،الإستبصار 2:/80 244،الوسائل 10:31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.

الموطوءة في دبرها أو قبلها،بلا خلاف ظاهراً،بل ظاهر المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (1)،حيث لم ينقل عن أحدٍ منهم فيه خلافاً.

و عن الاستمناء و إنزال الماء و لو بالملاعبة و القبلة و الملامسة، مع العمد (2)،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و التذكرة و المنتهى (3)و غيرها (4)،بل ظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بين العلماء.

للمعتبرة المستفيضة،منها:الصحيح عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني،قال:« عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» (5).

و الموثّق:عن رجل لزق بأهله فأنزل،قال:« عليه إطعام ستّين مسكيناً،مدّ لكلّ مسكين» (6)و بمعناه الخبر (7)و الرضوي (8).

و إطلاقها بل عموم أكثرها الناشئ عن ترك الاستفصال يستلزم عموم الحكم المذكور فيها للإمناء الحاصل عقيب الملامسة و لو لم يقصد الإنزال،و في المختلف و المهذّب (9)و غيرهما (10):أنّه المشهور بين

ص:309


1- المنتهى 2:564.
2- أي تعمُّد الإنزال.(منه رحمه الله).
3- الانتصار:64،الغنية(الجوامع الفقهية):571،التذكرة 1:259،المنتهى 2:571.
4- الوسيلة:142،المدارك 6:61.
5- تقدم مصدره في ص:2514.
6- التهذيب 4:/320 980،الوسائل 10:40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.
7- التهذيب 4:/320 981،الوسائل 10:40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.
8- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:324 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 3.
9- المختلف:224،المهذب البارع 2:43.
10- كالمقتصر لابن فهد:115.

الأصحاب،و عن المعتبر:الإجماع عليه (1)،و قريب منه الخلاف (2)، حيث ادّعى الإجماع على لزوم القضاء و الكفّارة بذلك على الإطلاق.

خلافاً للإسكافي،فأوجب به القضاء خاصّة (3).

و هو مع ندوره لم نقف له على حجّة.

و لبعض المتأخّرين،فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئاً (4)؛ للأصل، و ضعف ما يدلّ عليه من النصوص سنداً.

و هو كما ترى؛ لدلالة الصحيح و الموثّق عليه أيضاً،مع أنّ ضعف ما عداهما منجبرٌ بما عرفته من الشهرة المحكيّة بل الظاهرة و الإجماع المتقدّم إليه الإشارة.

نعم،في المرسل المروي عن المقنع:« لو أنّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شيء» (5).

و هو و إن دلّ بإطلاقه على ما ذكره إلّا أنّه مع إرساله و شذوذ إطلاقه محمول على التقيّة؛ لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامّة،كما في الانتصار (6).

و عن إيصال الغبار إلى الحلق بلا خلاف يظهر من كلّ من عمّم المأكول لغير المعتاد،إلّا من الماتن في المعتبر،فتردّد فيه (7)؛ لضعف

ص:310


1- المعتبر 2:670.
2- الخلاف 2:198.
3- حكاه عنه في المختلف:224.
4- انظر المدارك 6:61.
5- المقنع:60،الوسائل 10:98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ذ.ح 5.
6- الانتصار:64.
7- المعتبر 2:670.

سند ما سيذكر من الخبر،مع كون الغبار ليس كابتلاع الحصى و البَرَد (1).

و هو نادر،بل أفتى بخلافه في الكتاب و الشرائع (2).

و مع ذلك،فظاهر الغنية و التنقيح و صريح السرائر و نهج الحقّ فيما حكي عنه:الإجماع على خلافه (3)؛ و هو الحجّة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف إلّا في إيجابه القضاء خاصّةً أو مع الكفّارة،و هو شيء آخر سيذكر.

و بالخبر:سمعته يقول:« إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان،أو استنشق متعمّداً،أو شمّ رائحةً غليظة،أو كنس بيتاً،فدخل في أنفه و حلقه غبار،فعليه صوم شهرين متتابعين،فإنّ ذلك مفطرٌ مثل الأكل و الشرب و النكاح» (4).

و لا بأس بضعف السند و الاشتمال لما لا يقول به أحد،بعد الانجبار بالعمل،و جواز تقييد ما لا يقول بإطلاقه أحد بما يقول به كلّهم أو بعضهم، فيكون كالعامّ المخصّص حجّةً في الباقي،مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يستلزم خروجها جملة.

نعم،في الموثّق:عن الصائم يدخّن بعودٍ أو بغير ذلك،فتدخل الدخنة في حلقه،قال:« لا بأس» و عن الصائم يدخل الغبار في حلقه،

ص:311


1- البَرَد:شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى،و يسمى حبّ الغمام و حبّ المزن.قيل:و إنّما سمّي بَرَداً لأنه يبرد وجه الأرض مجمع البحرين 3:11.
2- الشرائع 1:189.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571،التنقيح 1:358،السرائر 1:374،نهج الحق:461.
4- التهذيب 4:/214 621،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

قال:« لا بأس» (1).

و هو صريح في الخلاف،مؤيَّد بالصحيح الحاصر ما يضرّ الصائم (2)فيما ليس منه المقام،مضافاً إلى الأصل،و لذا مال جملة من متأخّري المتأخّرين إليه (3).

لكنّه ضعيف؛ لوجوب تخصيص الأخيرين بما مرّ،مع احتمال دخول الغبار في بعض أفراد الحصر المعدودة في الصحيح،و موافقة الموثّقة للعامّة،كما صرّح به جماعة (4)،مع عدم مكافأتها لما مرّ من الأدلّة من وجوهٍ عديدة.

و يمكن الجمع بينها و بين الرواية السابقة بحملها على الغليظ خاصّة، و هذه على غيره،كما عليه جماعة (5)،و ربّما ادّعي عليه الشهرة.

و لا يخلو عن قوّة؛ لا للجمع،لعدم شاهد عليه؛ بل لعدم دليل على الإبطال على الإطلاق،سوى الرواية و هي لقطعها،و عدم معلومية المسئول عنه فيها لا تصلح للحجّية و إن حصلت معها الشهرة؛ لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

و لا إجماع على الإطلاق؛ لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ،مع شهرة

ص:312


1- التهذيب 4:/324 1003،الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2 بتفاوت يسير فيهما.
2- المتقدم في ص:2514.
3- منهم:الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:248،و السبزواري في الذخيرة:499،و صاحب الحدائق 13:72.
4- انظر الخلاف 2:177،و المعتبر 2:654،و المنتهى 2:565.
5- منهم:العلامة في المختلف:119،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:358،و الحرّ العاملي في الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ذيل الحديث 2.

التقييد به،كما عرفته.

و عن البقاء على الجنابة متعمّداً حتى يطلع الفجر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و الوسيلة و ظاهر المحكيّ عن التذكرة و المنتهى (1):الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة.

منها الصحيح:في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله،ثم نام متعمّداً في شهر رمضان حتى أصبح،قال:« يتمّ صومه ذلك،ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه» (3).

خلافاً لظاهر الصدوق في المقنع،حيث أرسل فيه عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجامع نساءه من أول الليل،و يؤخّر الغسل حتى يطلع الفجر» الخبر (4).

بناءً على ما قيل من أنّ عادته في الكتاب الإفتاء بمضمون الأخبار و نقل متونها (5)،و يميل إليه بعض متأخّري المتأخّرين (6)؛ لإطلاق الآية أو

ص:313


1- قال في المنتهى:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل حتى أصبح صحّ صومه،و لو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا،خلافاً للجمهور(منه رحمه الله)و لكن الموجود في المنتهى هكذا:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا،خلافاً للجمهور.أنظر ج 2:566.
2- الانتصار:63،الخلاف 2:176،الغنية(الجوامع الفقهية):571،السرائر 1:374،الوسيلة:142،التذكرة 1:257،المنتهى 2:566.
3- الكافي 4:/105 1،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.
4- المقنع:60،الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 3.
5- قال به صاحب الحدائق 13:113.
6- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:35.

عمومها (1)،و صريح جملة من الصحاح و غيرها (2).

و يضعّف الأول:بلزوم التقييد أو التخصيص بما مضى.

و الثاني:بالحمل على التقيّة،كما ذكره جماعة (3)،و يشهد له إسناد نقل ما مرّ في المرسل إلى عائشة في بعض الروايات (4)،بل جملة.

و ربّما حُمِلَت على محامل أُخر لا بأس بها في مقام الجمع بين الأدلّة و إن بعدت غايته.و هي أولى من حمل تلك على الفضيلة؛ لرجحانها على هذه من وجوهٍ شتّى،أعظمها الاعتضاد بالشهرة العظيمة،القريبة من الإجماع،بل إجماع المتأخّرين حقيقةً،مضافاً إلى الإجماعات المنقولة حدّ الاستفاضة و المخالفة للعامّة.

و لا كذلك هذه،فإنّها في طرف الضدّ من المرجّحات المزبورة.

و هل يختصّ هذا الحكم بشهر رمضان،أم يعمّه و غيره؟ تردّد فيه في المنتهى،قال:من تنصيص الأحاديث برمضان دون غيره من الصيام،و من تعميم الأصحاب و إدراجه في المفطرات (5).

و مال الماتن في المعتبر إلى الأول (6).و هو الأظهر،وفاقاً لجملةٍ ممّن تأخّر (7)؛ لما مرّ،مع عدم بلوغ فتوى الأصحاب بالإطلاق الإجماع،سيّما

ص:314


1- البقرة:187.
2- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
3- منهم:صاحب المدارك 6:55،و السبزواري في الذخيرة:497،و صاحب الحدائق 13:119.
4- التهذيب 4:/213 619،الإستبصار 2:/88 275،الوسائل 10:59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.
5- المنتهى 2:566.
6- المعتبر 2:656.
7- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:46؛ و انظر الحدائق 13:122.

مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان،كابن زهرة، و الشيخ في الخلاف (1)،و غيرهما (2).

مضافاً إلى جملة من المعتبرة المصرّحة بالعدم في التطوّع،و فيها:

الصحيح و الموثّق و غيرهما (3)،و يلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مرّ من الدليل.

و يستثنى منه (4)قضاء رمضان؛ للصحيح:عن الرجل يقضي شهر رمضان،فيجنب من أول الليل،و لا يغتسل حتى يجيء آخر الليل،و هو يرى أنّ الفجر قد طلع،قال:« لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» (5)و بمعناه آخر (6)،و الموثّق (7).

هذا،و في الصحيح الأول من الصحاح المستفيضة ربّما كان إشعار بتخصيص الحكم برمضان و اشتراطه فيه،فتأمّل.

و قريب منه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها به،فإنّ فيه نوع إشعار بذلك،كما لا يخفى على المتأمّل.

ثم هل يختصّ الحكم بالجنابة،أم يعمّها و الحيض و النفاس و الاستحاضة الكثيرة؟

ص:315


1- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:174.
2- كالجامع للشرائع:156.
3- الوسائل 10:68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20.
4- أي:و يستثنى ممّا عدا صوم التطوّع..
5- الفقيه 2:/75 324،التهذيب 4:/277 837،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.
6- الكافي 4:/105 4،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 2.
7- التهذيب 4:/211 611،الإستبصار 2:/86 267،الوسائل 10:67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.

الأجود:الثاني،وفاقاً لجماعة (1)؛ للموثّق في الأول (2)،و الصحيح في الثاني (3).

و لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب،و لا كونه مكاتبة،كما لا يقدح قصور سند الأول؛ لما تقرّر في محلّه من حجّية الموثّق و المكاتبة، و عدم خروج الرواية باشتمالها على ما لا يقول به أحد عن الحجّية،و أنّها كالعامّ المخصَّص في الباقي حجّة.

مضافاً إلى انجبار جميع ذلك بالشهرة على ما ادّعاها بعض الأجلّة، بل قال في الاستحاضة:إنّ الحكم فيها ممّا لا خلاف فيه أجده إلّا من المعتبر و المبسوط،فتوقّفا فيه (4).

و في المسالك:الإجماع عليه و على وجوب القضاء مع الإخلال بالأغسال،قال:و كذا الحائض و النفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر.

انتهى (5).

و ظاهر الخبرين وجوب القضاء خاصّة،حيث لم يذكر فيهما الكفّارة،مع ورودهما في بيان الحاجة،فتكون بالأصل مدفوعة.

و حكاه في المختلف عن العماني في الحيض و النفاس (6)،و اختار هو

ص:316


1- منهم:العماني كما نقله عنه في المختلف:220،و العلامة في المنتهى 2:566،و صاحب الحدائق 13:123.
2- أي الحيض و النفاس.التهذيب 4:/393 1213،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.
3- أي الاستحاضة.الفقيه 2:/94 419،علل الشرائع:/293 1،الوسائل 10:66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.
4- الحدائق 13:125.
5- المسالك 1:75.
6- المختلف:220.

فيه و في التحرير كونهما كالجنابة،فإن أوجبنا القضاء و الكفّارة فيها أوجبناهما فيهما،و إلّا فالقضاء خاصّة (1)؛ لحجّةٍ لا تصلح مخصّصة لأصالة البراءة.

و لكنّ الأحوط ما ذكره.

و عن معاودة النوم جنباً لئلّا يستمرّ به النوم إلى الفجر، فيجب عليه القضاء مطلقاً (2)،بلا خلافٍ أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح:الرجل يجنب من أول الليل،ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان،قال:« ليس عليه شيء» قلت:فإن استيقظ ثم نام حتى أصبح،قال:« فليقض ذلك اليوم عقوبة» (4)و نحوه آخر مروي في الفقيه (5)،و الرضوي الآتي (6).

و صريحها عدم وجوب الإمساك عن النومة الأُولى،و عدم ترتّب شيء عليها أصلاً،و عليه فتوى أصحابنا على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7).

ص:317


1- المختلف:220،التحرير 1:78.
2- أي سواء نام ناوياً للغسل أم لا.(منه رحمه الله).
3- الخلاف 2:222،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
4- التهذيب 4:/212 615،الإستبصار 2:/87 271،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.
5- الفقيه 2:/86 269،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
7- المنتهى 2:566.

إلّا إذا صادفت العزم على ترك الاغتسال،فإنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقاً.

و كذا إذا صادقت عدم العزم عليه و على الاغتسال عند جماعة (1).

و حجّتهم غير واضحة،عدا إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق،كالصحيح:عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان،ثم ينام قبل أن يغتسل،قال:« يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم، إلّا أن يستيقظ قبل الفجر،فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» (2)و نحوه آخر (3)،و الموثّق (4).

و هي مع معارضتها بأكثر منها مستفيضة دالّة على عدم شيء بمطلق النوم فيها (5)أنّها كمعارِضها مطلقة تحتمل التقييد بالنومة الثانية، كالمعارِض بالأُولى،بشهادة الصحيح المفصِّل بينهما بالقضاء في الثانية و عدم شيء في الأُولى.

و هذا الحكم فيها و إن كان مطلقاً يشمل ما لو كان النوم مصادفاً للعزم على ترك الاغتسال الموجب لفساد الصوم اتّفاقاً إلّا أنّه بعد تسليم انصراف الإطلاق إلى هذه الصورة مع ندرتها مقيّد بغيرها؛ لما مضى من وجوب

ص:318


1- منهم العلامة في المنتهى 2:573،و الفيض في المفاتيح 1:248.
2- التهذيب 4:/211 613،الإستبصار 2:/86 270،الوسائل 10:62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/210 610،الإستبصار 2:/85 266،الوسائل 10:61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14 ح 2.
4- التهذيب 4:/211 611،الإستبصار 2:/86 267،الوسائل 10:62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 5.
5- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.

الإمساك عن تعمّد البقاء،الذي منه أو بمعناه هذه الصورة.

كما أنّ النصوص المزبورة المطلقة للزوم القضاء بالنوم المشتملة لذلك لِما إذا صادف العزم على الاغتسال،مع أنّه غير موجب للقضاء اتّفاقاً،مقيّدة بغيره.

و بالجملة:لم أجد للقول المزبور حجّة،عدا إطلاق الصحيح و الموثّقة و ما في معناهما،و مقتضى الأُصول المقرّرة تقييده بما في الصحيح،أو حملها على الاستحباب إن كانت ظاهرةً في النومة الأُولى،كما هو الظاهر من سياقها؛ لأنّه أصرح دلالةً منها،سيّما مع ضعف إطلاقها بالتقييد بما إذا لم يصادف العزم على الاغتسال.

و على تقدير تسليم التكافؤ دلالةً،فكما يمكن الجمع بينهما بما ذكروه،كذا يمكن بما ذكرنا.و لا ريب أنّه أولى؛ لاعتضاده بالأصل.

نعم،في الرضوي:« إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّداً و في نيّتك أن تقوم و تغتسل قبل الفجر،فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شيء،إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت، و توانيت[و لم تغتسل]و كسلت،فعليك صوم ذلك اليوم و إعادة يوم آخر مكانه،و إن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم و الكفّارة» (1).

و هو بمفهومه الأول ربّما دلّ على ما ذكروه،فيكون أحوط،و إن أمكن المناقشة فيه،بأنّه:لعلّ المراد من مفهوم قوله:« و في نيّتك أن تقوم..» تعمّد الترك،كما ربّما يفصح قوله في الذيل:« و إن تعمّدت

ص:319


1- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 و 10 و 11 ح 1 و 1 و 2؛ و ما بين المعقوفين من المصدرين.

النوم» و المتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة،و يكون حكم المفروض و هو النوم ذاهلاً عن العزم على الغسل و تركه مسكوتاً عنه،و لعلّه لندرته كما مرّ.

و سيأتي للمسألة مزيد تحقيق إن شاء اللّه سبحانه.

و عن الكذب على اللّه سبحانه و الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام بلا خلافٍ فيه،و لا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب،بل مطلق المحرّمات،و إنّما الخلاف في إيجابه الفساد و الإفطار الموجب للقضاء و الكفّارة.

و سيأتي الكلام في تحقيق المسألة بعون اللّه سبحانه.

و عن الارتماس في الماء على الأشهر الأقوى؛ للنهي عنه في الصحاح و غيرها (1).

و قيل و القائل المرتضى في أحد قوليه،و الحلّي (2)،و غيرهما (3)، أنّه يكره و لا يجب الإمساك عنه؛ للأصل المضعّف بما مرّ.

و للخبر (4)القاصر سنداً و دلالةً و تكافؤاً لما مضى من وجوهٍ شتّى،مع احتماله الحمل على التقيّة،لموافقته لمذهب جماعة من العامّة،كما ذكره جماعة (5).

ص:320


1- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
2- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:656،السرائر 1:376.
3- كابن أبي عقيل،حكاه عنه في المختلف:218.
4- التهذيب 4:/209 606،الاستبصار 2:/84 262 بتفاوت يسير،الوسائل 10:38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.
5- منهم:صاحب المدارك 6:55،و السبزواري في الذخيرة:498،و صاحب الحدائق 13:119.

و هل يجب به القضاء خاصّة،أو مع الكفّارة،أو لا يجب به شيء أصلاً؟ فيه أقوال ثلاثة،ستأتي إليها الإشارة بعون اللّه سبحانه.

و في وجوب الإمساك عن السعوط في الأنف،مع إيجابه القضاء و الكفّارة،كما عن المفيد،و الديلمي،و حكاه المرتضى عن قومٍ من أصحابنا (1).

أم القضاء خاصّة،كما عن الحلبي،و القاضي،و ابن زهرة (2).

أم الجواز من غير كراهة،كما عن ظاهر الإسكافي و المقنع (3).

أم معها،كما عن الشيخ في الخلاف و الجمل و النهاية و المبسوط (4)، و إن اختلفت عباراته في هذه الكتب في التأدية عن السعوط بقولٍ مطلق، كما في الثلاثة الأُول،أو تقييده بغير المتعدّي منه إلى الحلق،و إلّا فيوجب القضاء،كما في الأخير،و عليه الفاضل في المختلف،مُضيفاً الكفّارة، و مشترطاً تعمّد التعدية (5).

و عن مضغ العِلك ذي الطعم،مع إيجابه القضاء،كما عن الإسكافي و النهاية (6)،لكن ليس فيها سوى المنع خاصّة.

أو جوازه مع الكراهة،كما عن المبسوط (7).

ص:321


1- المقنعة:344 و فيه:و يفسده أيضاً الحقنة و السعوط،المراسم:98،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.
2- الكافي في الفقه:183،المهذّب 1:192،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
3- نقله عن الإسكافي في المختلف:221،المقنع:60.
4- الخلاف 2:215،الجمل و العقود(الرسائل العشر):214،النهاية:156،المبسوط 1:272.
5- المختلف:221.
6- حكاه عن الإسكافي في المختلف:222،النهاية:157.
7- المبسوط 1:273.

تردّد للماتن،لم يظهر وجهه في طرف المنع عنهما.

عدا ما قيل في الأول:من وصوله إلى الدماغ (1)،و هو مفطر.

و فيه منع ظاهر.

و في الثاني:من وصول طعمه إلى الحلق،و ليس ذلك إلّا بسبب وصول بعض أجزائه المتخلّلة؛ لامتناع انتقال الأعراض (2).

و هو في المنع كالسابق.

و فيهما مع ذلك أنّهما اجتهاد في مقابلة ما سيأتي من النص.

فإذ أشبهه بل و أشهره،كما في المنتهى في الثاني (3)،و في المدارك و الذخيرة في الأول (4) الكراهة في المقامين؛ استناداً إلى وجه الجواز فيهما و هو الأصل و حصر ما يضرّ الصائم في معدودٍ ليسا منها.

مضافاً في الأول إلى فحوى ما دلّ على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق (5).

و عموم التعليل في جملةٍ من النصوص الدالّة على جواز الاكتحال بقولٍ مطلق بأنّه ليس بطعامٍ و لا شراب (6).

نعم،يكره؛ للشبهة،و التعبير بلفظ الكراهة في جملةٍ من النصوص (7)،

ص:322


1- التنقيح 1:359.
2- انظر المختلف:222،و التنقيح 1:360.
3- المنتهى 2:568.
4- المدارك 6:128،الذخيرة:504.
5- الكافي 4:/111 3،التهذيب 4:/259 770،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.
6- الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25.
7- الوسائل 10:43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7.

بل في الرضوي التصريح ب« لا» أو« لا يجوز» (1)و هو محمول على الكراهة جمعاً.

و في الثاني:إلى الصحيح (2)و غيره (3)،الصريحين في الجواز.

و أمّا الصحيح الآخر الناهي عنه (4)فمحمول على الكراهة؛ لما عرفته.

و في جواز الحقنة كما عليه المرتضى في الجمل (5)، و عدمه،كما عليه الأكثر: قولان مطلقان،غير مفصّلين بين الجامد منه و المائع.

أشبههما الثاني،و هو التحريم لكن بالمائع خاصّة، و الكراهة في الجامد،وفاقاً للشيخ في جملةٍ من كتبه،و الحلّي (6)، و جماعة (7).

استناداً في الأول إلى الصحيح:« الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (8).

ص:323


1- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:333 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
2- الكافي 4:/114 2،الوسائل 10:104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.
3- التهذيب 4:/324 1002،الوسائل 10:105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.
4- الكافي 4:/114 1،الوسائل 10:105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.
6- الشيخ في النهاية:156،و الاقتصار:288،الحلي في السرائر:387.
7- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:156،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:124،و صاحب المدارك 6:64.
8- التهذيب 4:/204 589،الإستبصار 2:/83 256،الوسائل 10:42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

و الرضوي:« و لا يجوز للصائم أن يقطّر في اذنه شيئاً،و لا يسعط، و لا يحتقن» (1).

و في الثاني إلى الأصل و الحصر السابقين،مع اختصاص الخبرين بحكم التبادر بالمائع،و تصريح الصحيح بجواز استدخال الدواء (2)الشامل للجامد،بل الظاهر فيه بحكم التبادر،و لذا لا يصرف به ظاهر الصحيح السابق إلى الكراهة.

مضافاً إلى صريح الموثّق ما تقول في[التلطّف بالأشياف ] (3)يستدخله الإنسان و هو صائم؟فكتب:« لا بأس بالجامد» (4).

هذا،و لو لا اشتهار القول بتحريم المائع بل عدم الخلاف فيه إلّا من المرتضى،حتى أنّه سيأتي من الناصرية و الغنية دعوى الإجماع على إيجابه الإفطار و القضاء (5)لكان القول بمقالته من الجواز مطلقاً غير بعيد من الصواب؛ لما مرّ في السعوط من الأدلّة.

مع قوّة احتمال الجمع بين أخبار المسألة،بحمل المانعة على الكراهة،سيّما الرضوي منها،المتضمّن للنهي عن السعوط أيضاً بكلمة:

« لا يجوز» الداخلة على كليهما،و هي بالإضافة إلى السعوط للكراهة كما

ص:324


1- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:325 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.
2- الكافي 4:/110 5،التهذيب 4:/325 1005،قرب الإسناد:102،الوسائل 10:41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.
3- في النسختين:اللطيف من الأشياء.و ما أثبتناه موافق للتهذيب.و التلطّف:إدخال الشيء في الفرج مطلقا.مجمع البحرين 5:121.
4- الكافي 4:/110 6،التهذيب 4:/204 590،الاستبصار 2:/83 257 بتفاوت يسير،الوسائل 10:41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2.
5- انظر ص:2571.

مضى فلتكن بالإضافة إلى الاحتقان لها أيضاً،لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي و المجازي،الممنوع منه على الأقوى.

و اعلم أنّ الذي يبطل الصوم كائناً ما كان إنّما يبطله إذا صدر من الصائم عمداً و اختياراً مطلقاً،واجباً كان الصوم أو ندباً.

فليس على الناسي شيء في شيء من أنواع الصيام،و لا في شيء من المفطرات،بغير خلاف أجده،بل نفى الخلاف عنه جماعة (1)،معرِبين عن دعوى الإجماع عليه،كما صرّح به بعضهم (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي جملةٍ منها صحيحة:« لا يفطر، إنّما هو شيء رزقه اللّه تعالى» (3).

و أخصّيتها من المدّعى باختصاصها بالأكل و الشرب و الجماع غير قادح بعد عدم قائل بالفرق بينها و بين سائر المفطرات.

و لا على المؤجر في حلقه،بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في جملة من العبائر (4).

و لا على المكره بأنواعه عند الأكثر؛ للأصل،مع عدم عموم فيما دلّ على وجوب القضاء،لاختصاصه نصّاً و فتوى بحكم التبادر بغيره.

مضافاً إلى التأيّد بحديث ما استكرهوا عليه (5).و إن أشكل الاستدلال

ص:325


1- منهم العلامة في المنتهى 2:577،و السبزواري في الذخيرة:507.
2- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:62،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:252.
3- الكافي 4:/101 1،الفقيه 2:/74 318،التهذيب 4:/277 838،الوسائل 10:50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.
4- كالذخيرة:508،و المفاتيح 1:252.
5- الوسائل 15:369 أبواب جهاد النفس ب 56.

به،كما اتّفق لبعض (1)؛ لأنّ المتبادر منه نفي المؤاخذة لا ارتفاع الأحكام جملةً.

خلافاً للمبسوط؛ لأنّه يفعل باختياره (2).

و هو قوي؛ لضعف المنع عمّا يدلّ على كلّية الكبرى،كما مضى.

إمّا بناءً على ثبوت الكلّية من تتبّع نفس النصوص،و لا سيّما الواردة منها في المتسحّر في رمضان بعد الفجر قبل المراعاة و غيره (3)؛ لغاية وضوحها في التنافي بين نحو الأكل و الصوم،بحيث لم يجتمعا و إن كان الأكل جائزاً شرعاً،و لذا أمر المتسحّر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاءً عن رمضان مطلقاً،و لو كان للفجر مراعياً.

أو لأنّ حقيقة الصوم ليس إلّا عبارة عن الإمساك عن المفطرات،و هو في المقام لم يتحقّق قطعاً،لا لغةً و لا عرفاً و لا شرعاً.

أمّا الأولان:فظاهران.

و أمّا الثالث:فلأنّ معناه الحقيقي ليس إلّا ما هو المتبادر عند المتشرّعة،و لا ريب أنّه الإمساك و عدم وقوع المفطر باختيار المكلّف أصلاً،و لا ريب أنّه منتفٍ هنا،و لذا يصحّ سلب الصوم و الإمساك فيه جدّاً، فيقال:إنّه ما صام و ما أمسك و لو اضطراراً،و يعضده إطلاق لفظ الإفطار فيما سيأتي من الأخبار،مع تضمّن بعضها القضاء.

و هو أوضح شاهدٍ على عدم الإتيان بماهية الصوم المأمور بها،و هو عين معنى الفساد،و إذا ثبت ثبت وجوب القضاء؛ لعدم قائل بالفرق بينهما.

ص:326


1- كالشهيد في المسالك 1:71،و صاحب الحدائق 13:69.
2- المبسوط 1:273.
3- الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44.

و بالجملة:غير خفي متانة هذا القول و قوّته إن لم يكن خلافُه إجماعاً.و كيف كان فلا ريب أنّه أحوط و أولى.

و في حكمه المفطر في يوم يجب صومه تقيّةً،كما في النصوص، منها:« و اللّه أُفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي» (1).

و في آخر:« إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يُضرَب عنقي و لا يعبد اللّه» (2).

و يستفاد منه ثبوت القضاء،بل وجوبه كما قيل- (3)به،و هو أحوط،بل و أولى؛ لما مضى،و به يجبر ضعف السند هنا.

و الظاهر الاكتفاء في التقيّة المبيحة للإفطار بمجرّد ظنّ خوف الضرر، كما هو المعلوم من الأخبار.

خلافاً للمحكي عن الدروس،فاعتبر خوف التلف على النفس (4)، كما ربّما يتوهّم من الخبرين المتقدّمين.

و فيه نظر،مضافاً إلى ضعفهما بالإرسال،فلا تخصَّص بهما ظواهر تلك الأخبار المؤيّدة بالاعتبار.

و لا على الجاهل بالحكم إلّا الإثم في تركه تحصيل المعرفة، لا القضاء و الكفّارة،كما عليه الحلّي،و الشيخ في موضعٍ من التهذيب (5)، و احتمله في المنتهى (6).

ص:327


1- الكافي 4:/83 9،الوسائل 10:131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4.
2- الكافي 4:/82 7،الوسائل 10:132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.
3- الشهيد الثاني في المسالك 1:71،و صاحب الحدائق 13:69.
4- الدروس 1:276.
5- الحلي في السرائر 1:386،التهذيب 4:208.
6- المنتهى 2:570.

للموثق:عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان،أو أتى أهله و هو محرم،و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له،قال:« ليس عليه شيء» (1).

و فيه:أنّ التعارض بينه و بين ما دلّ على وجوب القضاء تعارضُ العموم من وجه؛ لأنّه و إن كان صريحاً في الجاهل إلّا أنّه عامّ بالنسبة إلى القضاء،و ما دلّ على وجوبه و إن كان عامّاً بالنسبة إلى الجاهل إلّا أنّه صريح بالنسبة إلى القضاء،فكما يمكن تخصيص هذا بالموثّق كذا يمكن العكس.

بل هو أولى من جوهٍ شتى؛ لأرجحية ما دلّ على القضاء عدداً و سنداً و اشتهاراً و غيرها،و حينئذٍ فيقيّد بهذه الموثّق،و يحمل على نفي الكفّارة، كما في المنتهى (2).

خلافاً لأكثر المتأخّرين (3)،فكالعامد يقضي و يكفّر؛ لعموم أخبارهما (4).

و في انصراف ما دلّ على الكفّارة منها إلى الجاهل سيّما المتضمّن منها للمتعمّد نظر واضح،مع أنّها محتملة للتقييد بالموثّقة؛ لكونها حجّة.

و لجماعة (5)،فعليه القضاء؛ لعموم الأمر به عند عروض أحد أسبابه.

دون الكفّارة (6)؛ للأصل،و لتعلّق الحكم بها في النصوص على تعمّد الإفطار لا تعمّد الفعل،بل قيّد في بعضها بغير العذر،و الجهل بالحكم من أقوى

ص:328


1- التهذيب 4:603/208،الوسائل 10:53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 12.
2- المنتهى 2:569.
3- كالعلامة في التذكرة 1:262،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:126،و حكاه في المدارك 6:66 و الكفاية:48 عن الأكثر.
4- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
5- منهم المحقق في المعتبر 2:662،و العلامة في المنتهى 2:569.
6- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.

الأعذار،كما يستفاد من المعتبرة،منها:« أيّ رجلٍ ارتكب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (1)مضافاً إلى الموثّق المتقدّم.

و هذا القول أقوى:

بهذا و لا ريب أنّ القضاء و الكفّارة معاً أحوط و أولى،سيّما مع عموم جملة من الأخبار بترك الاستفصال الشامل لمفروضنا.

و لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم،و مضغ الطعام للصبي،و زقّ الطائر و ذوق المرق،و نحو ذلك.

و ضابطه ما لا يتعدّى الحلق للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة (2)،مضافاً إلى الأصل و الحصر،المتقدّمة إليهما الإشارة.

مع أنّه لا خلاف في شيء منها أجده إلّا من الشيخ في التهذيب في الأخير في غير الضرورة (3)؛ للصحيح المانع عنه على الإطلاق (4)،بحمله على تلك الصورة،جمعاً بينه و بين الصحاح المرخّصة و لو على الإطلاق، بحملها على غيرها.

و فيه:أنّ هذا التفصيل غير موجود في شيء منها،فالترجيح متعيّن، و هو في جانب الرخصة،للتعدّد،موافقة الأصل و الحصر،فيحمل النهي في

ص:329


1- التهذيب 5:239/72،الوسائل 8:248 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 1.
2- الوسائل 10:105،108،109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37،38،40.
3- التهذيب 4:312.
4- التهذيب 4:/312 943،الإستبصار 2:/95 309،الوسائل 10:106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.

المعارض على الكراهة،كما ذكره جماعة (1)،أو توجيهه إلى الازدراد بتقديره،كما ذكره بعض.و لا بأس به.

و لا يفسد أيضاً باستنقاع الرجل في الماء بلا خلاف؛ لجملةٍ ممّا مرّ،مضافاً إلى النصوص و فيها الصحيح و غيره-:عن الصائم يستنقع في الماء،قال:« لا بأس» (2).

و السواك في الصوم مستحبّ و لو بالرطب على الأشهر،بل في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا العماني،فإنّه كرهه بالرطب (3).

و يفهم منه عدم الخلاف بيننا في أصل الجواز مطلقاً،مع أنّه حكى في المختلف عن العماني المنع عن الرطب (4)،الظاهر في التحريم.

و لا ريب في ضعفه؛ للأصل و الحصر المتقدّمين،و العمومات، و خصوص إطلاق الصحاح و غيرها من المعتبرة المستفيضة:« يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار شاء» (5).

و في الصحيح:أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال:« لا بأس به» (6).

و النهي عن الرطب منه في المعتبرة المستفيضة- (7)محمول إمّا على

ص:330


1- منهم:صاحب المدارك 6:72،و صاحب الذخيرة:506،و صاحب الحدائق 13:76.
2- الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6 و ذيله.
3- المنتهى 2:568.
4- المختلف:223.
5- الوسائل 10:82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28.
6- التهذيب 4:/262 782،الإستبصار 2:/91 291،الوسائل 10:83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.
7- الوسائل 10:84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7 و 8 و 10 و 11 و 12.

الكراهة،كما حكاها عنه في المنتهى (1)،و تبعه الشهيد في الدروس،فقال بعد الحكم بنفي البأس عن السواك بقولٍ مطلق في أول النهار و آخره -:و كرهه الشيخ و الحسن بالرطب (2).

أقول:و وافقهما في الكراهة ابن زهرة في الغنية (3)،و اختارها من متأخّري المتأخّرين جماعة (4).

أو على التقية عن مذهب بعض العامّة (5)،و ربّما يناسبه ظاهر بعض الروايات،كالمروي عن قرب الإسناد:قال عليّ عليه السلام:« لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار و آخره» فقيل لعليّ عليه السلام في رطوبة السواك،فقال:« المضمضة بالماء أرطب منه» فقال علي عليه السلام:« فإن قال قائل:لا بدّ من المضمضة،لسنّة الوضوء،قيل:فإنّه لا بدّ من السواك،للسنّة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام» (6)و نحوه آخر مروي في التهذيب (7).

و ضعفهما مجبور بالعمل و ما فيهما من التعليل.

فالقول بالجواز من غير كراهة،بل الاستحباب كما عليه الأصحاب أوجه،و إن كانت الكراهة لقاعدة التسامح في أدلّتها لعلّها أنسب،فتدبّر و تأمّل.

ص:331


1- المنتهى 2:568.
2- الدروس 1:279،و المراد بالحسن:ابن أبي عقيل العماني.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
4- كالفيض في المفاتيح 1:250،و الحر العاملي في الوسائل 10:82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 عنوان الباب،و المحقق الخوانساري في المشارق:438.
5- انظر المغني لابن قدامة 3:45.
6- قرب الإسناد:/89 297،الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15.
7- التهذيب 4:/263 788،الإستبصار 2:/92 295،الوسائل 10:83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 4.

و تكره مباشرة النساء تقبيلاً و لمساً و ملاعبة مع ظنّ عدم الإمناء لمن تحرّك شهوته بذلك،إجماعاً كما في الخلاف و المنتهى (1)؛ للصحاح و غيرها (2).و ظاهرها اختصاص الكراهة بمن ذكرنا،كما عليه الشيخ في الخلاف،و الفاضلان،و الشهيدان (3)،و جملة ممّن تأخّر عنهما (4).

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة هنا و في السرائر (5)و غيرهما (6)،فمطلقاً؛ لإطلاق جملة من النصوص (7).و يحتمل كإطلاقات كلامهم التقييد بمن ذكرنا؛ لكونه الأغلب من أفرادها.

و الاكتحال بما فيه مسك أو طعم يصل إلى الحلق؛ للنهي عنه في الصحيحين و غيرهما (8)،المحمول على الكراهة إجماعاً،و للأصل و الحصر السابقين،و خصوص الصحيحين (9)و غيرهما (10)،المرخّصين له على

ص:332


1- الخلاف 2:196،المنتهى 2:581.
2- الوسائل 10:97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33.
3- الخلاف 2:396،المحقق في الشرائع 1:195،العلامة في التحرير 1:78،الشهيد الأول في الدروس 1:279،الشهيد الثاني في المسالك 1:74.
4- كصاحبي المدارك 6:124،و الذخيرة:504،و الحدائق 13:150.
5- السرائر 1:389.
6- كالإرشاد 1:297.
7- الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25.
8- الأول:الكافي 4:/111 2،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 3.الثاني:التهذيب 4:/259 769،الإستبصار 2:/89 282،الوسائل 10:76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 9.و انظر:التهذيب 4:/259 768،الوسائل 10:76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 8.
9- الكافي 4:/111 1،التهذيب 4:/258 765،الإستبصار 2:/89 278،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
10- التهذيب 4:/258 766،الإستبصار 2:/89 279،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

الإطلاق؛ معلّلين بأنّه ليس بطعامٍ يؤكل.

و الكحل في كلٍّ من هذه النصوص و إن كان مطلقاً يشمل ما اختصّت به العبارة و غيره،إلّا أنّها محمولة على التفصيل الموجود فيها،فالمانعة مقيّدة بما في العبارة،و المرخّصة بما عداه.

لمفهوم المعتبر كالصحيح:عن المرأة تكتحل و هي صائمة،فقال:

« إذا لم يكن كحلاً تجد له طعماً في حلقها فلا بأس» (1).

و الموثّق:« إذا كان كحلاً ليس فيه مسك و لا طعم في الحلق فليس به بأس» (2).

و الرضوي:« و لا بأس بالكحل إذا لم يكن مُمَسَّكاً» (3).

و على هذا التفصيل أكثر الأصحاب،خلافاً لبعضهم،فاحتمل الإطلاق (4)،و عليه فيجمع بين الأخبار،بحمل المرخّصة منها على الجواز المطلق،و المانعة على الكراهة،و المفصّلة على شدّتها.

و إخراج الدم المضعف،و دخول الحمّام كذلك و نحوهما؛ للصحاح المستفيضة،منها:عن الصائم أ يحتجم؟فقال:« لا بأس،إلّا أن يتخوّف على نفسه الضعف» (5).

ص:333


1- التهذيب 4:/259 771،الإستبصار 2:/90 284،الوسائل 10:75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 5.
2- الكافي 4:/111 3،التهذيب 4:/259 770،الإستبصار 2:/90 283،الوسائل 10:74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2 بتفاوت يسير.
3- فقه الرضا(عليه السلام):212،المستدرك 7:334 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.
4- كصاحب المدارك 6:125.
5- التهذيب 4:/260 774،الإستبصار 2:/90 287،الوسائل 10:80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 10.

و نحوه آخران (1).

و لا يضرّ اختصاصها بالاحتجام؛ لاستفادة العموم من السياق.

و منها:عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم،فقال:« لا بأس،ما لم يخش ضعفاً» (2).

و شمّ الرياحين هو جمع ريحان،و هو:ما طاب ريحه من النبات بنصّ أهل اللغة (3).

و يتأكّد في النرجس بغير خلافٍ في شيء من ذلك أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)،مشعراً بدعوى الإجماع عليه،كما يظهر من المنتهى، حيث عزاهما إلى علمائنا (5).

للنهي عنهما في النصوص المستفيضة (6)،المحمول على الكراهة، جمعاً بينها و بين ما هو على الجواز أصرح دلالةً منه على الحرمة، كالصحيح:عن الصائم يشمّ الريحان،أم لا ترى ذلك له؟فقال:« لا بأس به» (7).

ص:334


1- الكافي 4:/109 1،الفقيه 2:/68 287،التهذيب 4:260 و /261 776 و 777،الاستبصار 2:/91 289 و 290،الوسائل 10:77 و 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 1 و 12.
2- الكافي 4:/109 3،الفقيه 2:/70 296،التهذيب 4:/261 779،الوسائل 10:81 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 27 ح 2.
3- انظر القاموس 1:232.
4- الذخيرة:505.
5- المنتهى 2:583.
6- الوسائل 10:91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32.
7- التهذيب 4:/266 802،الإستبصار 2:/93 297،الوسائل 10:93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 8.

و الصحيح:الصائم يشمّ الريحان و الطيب؟قال:« لا بأس به» (1)و نحوهما غيرهما (2)،و هي كثيرة.

بحمل هذه على الجواز المطلق،و تلك على الكراهة،مع إشعار جملة منها بها؛ لتضمّنها تعليل النهي بكراهة التلذّذ للصائم،و هو ليس للتحريم قطعاً.

و قريب منه تعليل النهي عن النرجس في بعض الأخبار بأنّه ريحان الأعاجم (3).

و ما ورد من أنّ« الطيب تحفة الصائم» (4)محمول على ما عدا الرياحين جمعاً،و لعدم خلاف في استحبابه للصائم على ما صرّح به جماعة (5)،إلّا المسك،فقد ألحقه الفاضل في جملةٍ من كتبه تبعاً للحلّي، و ابن زهرة بالرياحين (6)،و زاد هو فألحقه بالنرجس في تأكّد الكراهة (7)؛ للرواية:« إنّ عليّاً عليه السلام كره المسك أن يتطيّب به الصائم» (8).

ص:335


1- الكافي 4:4/113،التهذيب 4:800/266،الإستبصار 2:296/92،الوسائل 10:91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.
2- الكافي 4:/113 3،الفقيه 2:/70 295،التهذيب 4:/265 799،الوسائل 10:92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 3.
3- الكافي 4:/112 2،الفقيه 2:/71 301،التهذيب 4:/266 804،الإستبصار 2:/94 302،الوسائل 10:92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 4.
4- تقدّم مصدره في ص 2533 الهامش(13).
5- منهم:صاحبو المدارك 6:131،و الذخيرة:505،و الحدائق 13:160.
6- الفاضل في المنتهى 2:583،و التحرير 1:79،الحلي في السرائر 1:388،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571.
7- التحرير 1:79،المنتهى 2:583،التذكرة 1:266.
8- الكافي 4:/112 1،التهذيب 4:/266 801،الوسائل 10:93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 6.

و هي و إن كانت ضعيفة السند،بل و الدلالة على ما ذكره العلّامة؛ لعدم ظهور التأكّد منها،بل و لا من الرواية الواردة في النرجس،و إن استدلّ بهما عليه فيهما (1)؛ إذ غايتهما النهي الوارد فيما سواهما من الرياحين أيضاً.

إلّا أنّ المسامحة في أدلّة السنن تقتضي ذلك،سيّما مع التأيّد بفتوى الأصحاب كافّة بالتأكّد في النرجس،و جماعة منهم في المسك بالكراهة المطلقة أو المؤكّدة،كما عرفته.

و الاحتقان بالجامد ؛ لما مرّ (2).

و بلّ الثوب على الجسد بلا خلاف ظاهر؛ للنهي عنه في النصوص (3)،المحمول لضعفها على الكراهة.

مضافاً إلى الأصل و الحصر السابقين،و الصحيح:« الصائم يستنقع في الماء،و يصبّ على رأسه،و يتبرّد بالثوب،و ينضح بالمروحة،و ينضح البوريا تحته و لا يغمس رأسه في الماء» (4).

و ما فيه من جواز الاستنقاع في الماء قد دلّ عليه بعض النصوص السابقة (5)،مع تضمّنه النهي عن بلّ الثوب،و لمّا أن سُئل عليه السلام عن وجه الفرق قال:« أول من قاس إبليس» (6).

و لا خلاف فيه أجده للرجل.و أمّا المرأة فالمشهور بين المتأخّرين

ص:336


1- أي:و إن استدل بالروايتين على تأكّد الكراهة في النرجس و المسك.
2- في ص:2525.
3- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
4- الكافي 4:/106 3،التهذيب 4:/262 785،الإستبصار 2:/84 260،الوسائل 10:36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.
5- في ص:2530.
6- الكافي 4:/113 5،التهذيب 4:/267 807،الإستبصار 2:/93 301،الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 5.

الكراهة،و إليه أشار الماتن بقوله: و جلوس المرأة في الماء خلافاً للقاضي،و ابن زهرة،و الحلبي،فيجب عليها به القضاء (1)، و زاد الأولان فأوجبا به الكفّارة أيضاً،و ادّعى عليه الثاني إجماعنا.

فإن تمّ و إلّا كما هو الظاهر لندرة القول بهما،بل شذوذهما كما قيل - (2)فالظاهر الأول؛ للأصل و الحصر،مع عدم دليل على شيءٍ من الأمرين.

نعم،في الموثّق:عن الصائم يستنقع في الماء،قال:« لا بأس، و لكن لا يغمس رأسه،و المرأة لا تستنقع،لأنّها تحمله بقبلها» (3).

و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في شيء منهما،و إنّما غايته النهي المفيد للحرمة،و هي أعمّ من ثبوتهما،إلّا أن يتمّ بعدم قائل بها من غير قضاء،فيكون ثابتاً.

و هو حسنٌ إن قاوم الخبرُ الأصلَ و الحصر النافيين لها.و هو محلّ نظر،بعد اشتهارهما بالشهرة العظيمة المتأخّرة،التي كادت تكون لنا إجماعاً،مع قصوره سنداً.

فالأولى حمله على الكراهة،و إن كان الأحوط الاجتناب بلا شبهة.

بل لا يبعد القول بالتحريم؛ لاعتبار السند بالموثّقية،المؤيّد مع ذلك بإجماع ابن زهرة،فلا يعارضه الأصل و الحصر و إن اعتضدا بالشهرة؛ لكونها متأخّرة،فيخصّص به عمومهما،سيّما مع اختصاص الثاني بحكم السياق بالرجل جدّاً،مع وهن عمومه بلزوم تخصيصه في مواضع.

ص:337


1- القاضي في المهذّب 1:192،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الحلبي في الكافي في الفقه:183.
2- الروضة 2:133،مفاتيح الشرائع 1:250.
3- الكافي 4:/106 5،الفقيه 2:/71 307،التهذيب 4:/263 789،الوسائل 10:37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.

المقصد الثاني في بيان ما يجب به القضاء و الكفّارة،أو القضاء خاصّة و فيه مسائل

اشارة

المقصد الثاني في بيان ما يجب به القضاء و الكفّارة،أو القضاء خاصّة، و سائر ما يتعلّق بهما و فيه مسائل سبع:

المسألة الأُولى

الأُولى:تجب الكفّارة و القضاء معاً بتعمّد الأكل و الشرب المعتادين،بإجماع العلماء،كما صرّح به جماعة مستفيضاً (1).

و كذا غير المعتاد منهما على الأقوى؛ بناءً على ما مرّ من حصول الفطر به (2)،فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما،كالصحيح:في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوماً واحداً من غير عذر،قال:« يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكيناً،فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (3).

و يأتي على قول المرتضى عدم إيجابه لشيء منهما (4).

و أمّا ما حكاه عن بعض أصحابنا من إيجابه القضاء خاصّة- (5)فلم نعرف قائله و لا مستنده،مع أنّ ما قدّمناه من الأدلّة على خلافه حجّة واضحة.

ص:338


1- منهم الشيخ في الخلاف 2:193،و العلامة في المنتهى 2:572،و صاحب المدارك 6:75.
2- راجع ص 2512.
3- الكافي 4:/101 1،الفقيه 2:/72 308،التهذيب 4:/321 984،الإستبصار 2:/95 310،الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.
4- راجع ص 2512.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):55.

و الجماع قبلاً إجماعاً من المسلمين قاطبةً،كما صرّح به جماعة (1)،و النصوص به عموماً (2)و خصوصاً مستفيضة (3).

و كذا دبراً على الأظهر الأشهر؛ بناءً على ما مرّ من حصول الفطر به (4)،فيدخل في عموم نحو الصحيح الماضي.

و الإمناء بالملاعبة و الملامسة ؛ لما مرّت إليه الإشارة (5)،مع نقل الخلاف فيما لو لم يتعمّده عن الإسكافي،بإيجابه القضاء خاصّة (6)، و عن غيره بنفيه له أيضاً (7).

و إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق (8) على الأظهر الأشهر،و في ظاهر الغنية و عن صريح نهج الحقّ:الإجماع عليه (9)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى ما مرّ من الخبر الصريح (10)المنجبر ضعفه سنداً و متناً بما مضى و من تحقّق الإفطار به،فتجب به الكفّارة،لعموم نحو الصحيح الماضي.

ص:339


1- كصاحبي المدارك 6:75،و الذخيرة:496.
2- المراد بالعموم نحو قوله عليه السلام فيما مرّ من الصحيح:من أفطر متعمداً فعليه كذا.(منه رحمه الله).
3- الوسائل 10:39 و 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 و 8.
4- في ص:2513.
5- راجع ص:2515.
6- راجع ص:2515.
7- راجع ص:2516.
8- ذهب إليه الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المبسوط و الخلاف،و الفاضلات هنا و في الشرائع و المنتهى و الإرشاد و القواعد و المختلف،و فيه عن المفيد:أنّه ينقض الصوم،فيلزمه هذا القول لو عمل بنحو الصحيح العام لوجوب الكفارة لكل مفطر،و هو خيرة التنقيح أيضاً.(منه رحمه الله).
9- الغنية(الجوامع الفقهية):571،نهج الحق:461.
10- المتقدّم في ص:2516.

خلافاً للتقي و الحلّي،فيجب به القضاء خاصّة (1)،اقتصاراً على المجمع عليه.

و هو حسن إن لم يوجد دليل آخر،و قد وجد كما ظهر.

و من هنا يظهر الإجماع على وجوب القضاء.

نعم،مرّ عن السيّد أنّه يلزمه في أحد قوليه عدمُ وجوبه أيضاً.و هو نادر و إن مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

و في وجوبهما بتعمّد الكذب على اللّه تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام،و الارتماس،قولان أولهما للشيخين و القاضي و التقي في الأول (3)،و الصدوق في الثاني (4)،و السيّدين في الإنتصار و الغنية مدّعيين عليه فيهما إجماع الإمامية (5)،و عزاه في الخلاف إلى أكثر الأصحاب (6)،و في الدروس إلى المشهور (7).

و لعلّه المنصور؛ للإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة القديمة،بل المطلقة المحكيّة،مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأول بإفطاره للصائم،و وجوب القضاء به.

ص:340


1- كما في الكافي في الفقه:183،و السرائر 1:377.
2- منهم السبزواري في الكفاية:46،و الفيض في المفاتيح 1:248،و صاحب الحدائق 13:72.
3- المفيد في المقنعة:344،الطوسي في الاقتصاد:287،و النهاية:153،القاضي في المهذّب 1:192،التقي(الحلبي)في الكافي في الفقه:182.
4- الفقيه 1:67.
5- الانتصار:62،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
6- الخلاف 2:221.
7- الدروس 1:274.

كالموثّق:عن رجل كذب في رمضان،قال:« قد أفطر و عليه قضاؤه» قلت:و ما كذبته؟قال:« يكذب على اللّه تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله» (1).

و الخبر أو الموثّق:« إنّ الكذب على اللّه تعالى و على رسوله و على الأئمّة عليهم السلام يفطر الصائم» (2).

و في جملة منها:أنّه ينقض الوضوء و يفطر الصائم (3).

و الخبرين فيهما بإيجابهما ذلك،أحدهما الرضوي:« و اتّق في صومك خمسة أشياء تفطرك:الأكل،و الشرب،و الجماع،و الارتماس في الماء،و الكذب على اللّه و على رسوله صلى الله عليه و آله و على الأئمّة عليهم السلام» (4)و نحوه الثاني المرفوع المروي في الخصال (5).

و إذا ثبت إيجابهما الإفطار تعيّن القول بوجوب القضاء و الكفّارة معاً؛ لعموم نحو الصحيح الذي مضى،مع تصريح جملة منها بوجوب القضاء (6).

و كلّ مَن أوجبه بالأول (7)أوجب الكفّارة أيضاً،إلاّ الفاضل في القواعد،فأوجبه احتمالاً و لم يوجبها قطعاً (8)،و نحوه الماتن هنا.

ص:341


1- التهذيب 4:/189 536،الوسائل 10:33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
2- الفقيه 2:/67 277،الوسائل 10:34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.
3- الوسائل 10:23 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2 و 3 و 5 و 7.
4- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:321 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
5- الخصال:/286 39،الوسائل 10:34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.
6- من أنه يجب القضاء بالمفطر.(منه رحمه الله)،راجع ص:2536.
7- الوسائل 10:33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2.
8- أي الكذب.القواعد 1:64.

و لعلّه للأصل،و خلوّ النصوص عنها،سيّما ما تضمّن منها لإيجابه القضاء،لورودها في مقام الحاجة،مع عدم دليل عليها،عدا عموم الصحيح بإيجاب المفطر لها،و المتبادر منه نحو الأكل و الشرب و الجماع، دون نحو المقام،و لا يخلو عن وجهٍ ما.لكنّه نادر جدّاً،مع أنّ عبارته موهمة لما ذكرنا،و إلّا فعند التحقيق يظهر خلافه،و هو:أنّ عدم إيجابه الكفّارة فيه إنّما هو لعدم وجوب القضاء به.

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة القديمة،بل مطلقاً،مضافاً إلى الإجماعات المحكية،فيخصّص بها الأصل المعارض لها في المقامين، و الصحيح الحاصر (1)المعارض لها في الأول.

و يستدلّ به على الحكم في الثاني،بناءً على أنّ المتبادر من إضراره بالصائم المفهوم منه إنّما هو الإضرار بحسب الإفساد،و ربّما أشعر به السياق،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (2).

و لئن تنزّلنا فلا ريب في صلوحه للتأييد،كالنهي الوارد عنه في الصحاح و غيرها (3)،بناءً على أنّ الظاهر أنّه إنّما هو من حيث ما يترتّب عليه من بطلان الصوم،لا التعبّد أو الاحتياط عن دخول الماء في الجوف.

و ثانيهما (4)للمرتضى في الجمل،و العماني،و الحلّي (5)،و أكثر

ص:342


1- المتقدّم في ص:2514.
2- المدارك 6:50،الحدائق 13:136.
3- الوسائل 10:35 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3.
4- أي ثاني القولين و قد تقدم أولهما في ص:2537.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،حكاه عنه في المختلف:218،السرائر 1:377.

المتأخّرين (1)،فلم يوجبوهما في المقامين.

للأصل فيهما،و عموم الصحيح الحاصر في الأول،مع سلامتهما عن المعارض،عدا الإجماع الموهون في محلّ النزاع.

و النصوصِ المتقدّمة المشتركة في ضعف السند أو قصوره في الأول، مع تضمّن جملة منها ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء به أيضاً.

و إشعارِ الصحيح الحاصر في الثاني.و هو ضعيف،و غاية ما يستفاد منه التحريم،و نحن نقول به.

و جواب جميع ذلك يعلم ممّا سبق إلّا وهن الإجماع في محلّ النزاع، و تضمّن جملة من الأحاديث ما لا يقول به أحد.

و في الأول منع،سيّما مع الاعتضاد بالشهرة القديمة الظاهرة؛ لعدم انطباقه على أُصول الإمامية و ما قرروه في الإجماع من وجه الحجّية،و هو الكشف عن قول الحجّة،و أنّه لا ينافيه خروج معلوم النسب و لو كان مائة.

و الثاني غير قادح،فإنّه كالعامّ المخصّص حجّةٌ في الباقي،مع أنّ الحجّة غير منحصرة في تلك النصوص،لوجود غيرها ممّا لا يتضمّن ذلك،و فيه كفاية.

و في الثاني (2)قول ثالث،و هو:وجوب القضاء خاصَّة،للحلبي صريحاً (3)،و الفاضل في القواعد احتمالاً (4).

و ربّما يميل إليه كلام الماتن هنا،حيث إنّه بعد نقل القولين

ص:343


1- الشرائع 1:189،المدارك 6:46،مفاتيح الشرائع 1:248.
2- أي الارتماس.
3- كما في الكافي في الفقه:183.
4- القواعد 1:64.

بوجوب القضاء و الكفّارة معاً،كما يقتضيه سياق العبارة قال: أشبههما:

أنّه لا كفّارة و لم ينف القضاء،لكنّه غير صريح،بل و لا ظاهر في إثباته، سيّما و لم يذكره في المسألة الخامسة فيما يوجب القضاء خاصّة (1)،و ربّما يقال:إنّه لتردّده فيه.

و كيف كان،فلا وجه لهذا القول غير ما قدّمناه للفاضل في إيجابه له خاصّةً في الأول،و لا يخلو عن وجه لولا الندرة،و دعوى الإجماعات على خلافه.

و في وجوبهما ب تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر أم القضاء خاصّة،كما عن العماني،و المرتضى في أحد قوليه (2)روايتان (3)، أشهرهما:الوجوب بل عليه الإجماع في صريح الغنية و الخلاف و السرائر و ظاهر الانتصار (4).

و هي مع ذلك عديدة،منها الموثّق:في رجلٍ أجنب في شهر رمضان بالليل،ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح،قال:« يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكيناً» الحديث (5).

و نحوه الخبران (6)،المنجبر ضعفهما سنداً كقصور الأول عن الصحّة -

ص:344


1- انظر ص:2550.
2- نقله عن العماني في المختلف:220،و حكاه عن المرتضى في المدارك 6:76.
3- في« ح» زيادة:أظهرهما و..
4- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:174،السرائر 1:377،الانتصار:63.
5- التهذيب 4:/212 616،الإستبصار 2:/87 272،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.
6- التهذيب 4:212 و /214 618 و 621،الاستبصار 2:/87 273 و 274،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3 و 4.

بالشهرة العظيمة القديمة و المتأخّرين،و الإجماع المستفيض النقل و الحكاية،و الرضوية المتقدّمة (1)،فيخصّص بها الأصل.

و تُصرَف الرواية الثانية المتضمّنة للأمر بالقضاء خاصّة،ثم إتباعه بالاستغفار،الظاهر في عدم لزوم كفّارةٍ غيره،و هي الصحيحة المتقدّمة في بحث وجوب الإمساك عن هذا (2)عن ظاهرها إلى ما يوافق الرواية الأُولى.

فإذاً:العمل عليها دون الثانية،و إن مال إليها في التحرير (3)،و أفتى بها بعض متأخّري المتأخّرين (4)،وفاقاً لمن عرفته.

و أمّا الرواية بعدم وجوب شيء منهما به،بل و لا إثم (5)،فقد عرفت الجواب عنها ثمّة.

و كذا لو نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر عند جماعةٍ (6)إن أُريد من العبارة ظاهرها،و هو النوم مع الذهول عن نيّة الاغتسال بعد النومة.

و لو أُريد بها النوم مع العزم على ترك الاغتسال،فهو إجماعي،كما مرّ البحث فيه و في سابقه هناك (7).

ص:345


1- في ص:2523.
2- راجع ص:2528.
3- التحرير 1:79.
4- الفيض في المفاتيح 1:247.
5- التهذيب 4:/210 610،الإستبصار 2:/85 266،الوسائل 10:59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.
6- منهم المحقق في الشرائع 1:191،و العلامة في المنتهى 2:573.
7- راجع ص:2521.

و سيأتي أيضاً ماله ارتباط بهذه المسألة في المسألة الرابعة.

الثانية في الكفّارة

الثانية: الكفّارة الواجبة هنا مخيّرة بين خصالٍ ثلاث،و هي:

عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا.

و في صريح الانتصار و ظاهر الغنية:أنّ عليه إجماعنا (1)؛ و هو الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة،المتضمّنة للصحيح و الموثّق و غيرهما (2)، و قد تقدّمت إلى جملةٍ منها الإشارة.

و قيل و القائل العماني و المرتضى في أحد قوليه (3) و هي مرتّبة كما في العبارة،و احتمله الشيخ في الخلاف (4)؛ و استدلّ لهم بأخبارٍ ليست بواضحة الدلالة،زيادة على ما هي عليه من ضعف السند و قصوره عن الصحّة.

نعم،في الصحيح المروي في الوسائل و غيره،عن عليّ بن جعفر في كتابه،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام،قال:سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان،ما عليه؟قال:« عليه القضاء و عتق رقبة،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،و إن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً،فإن لم يجد فليستغفر اللّه تعالى» (5).

ص:346


1- الانتصار:69،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
2- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- حكاه عن العماني في المختلف:225،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):55.
4- الخلاف 2:186.
5- علي بن جعفر:/116 47 الوسائل 10:48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

و هو ظاهرٌ بل صريحٌ في الترتيب،إلّا أنّه قاصر عن مقاومة ما مرّ، المعتضد زيادةً على ما هو عليه من الكثرة و الشهرة بأصالة البراءة، و المخالفة لما عليه أكثر العامّة،و منهم:أبو حنيفة،على ما حكاه جماعة (1)،فليحمل هذا على التقيّة أو الأفضلية.

و أمّا الموثّق الدالّ على أنّها كفّارة الجمع بين ما مرّ من الخصال (2)، فمع قصور سنده شاذّ مؤوّل،بحمل الواو فيه على« أو» ؛ لشيوعه.

أو على ما إذا أفطر على محرّم،كما أفتى به الصدوق في الفقيه،و ابن حمزة،على ما حكاه عنه فخر الإسلام و الفاضل المقداد في التنقيح و الإيضاح،تبعاً للفاضل في المختلف،مقوّيين له أيضاً،و الفاضل في صريح الإرشاد القواعد و ظاهر التحرير،و الشهيدين في الدروس و المسالك و اللمعتين (3)،و مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (4).

لروايةٍ مفصّلة،جامعة بين الأخبار المختلفة،أشار إليها الماتن بقوله:

و في رواية:أنّه تجب عن الإفطار بالمحرّم كفّارة الجمع رواها الصدوق رحمه الله عن عبد الواحد بن عبدوس،عن عليّ بن محمّد بن قتيبة،عن حمدان بن سليمان،عن عبد السلام بن صالح الهروي:قال:قلت للرضا عليه السلام:يا ابن رسول اللّه،قد روي عن آبائك عليهم السلام

ص:347


1- نقله عنه في الانتصار:69،و الخلاف 2:186،و قال به الشوكاني في نيل الأوطار 4:295.
2- التهذيب 4:/208 604،الإستبصار 2:/97 315،الوسائل 10:54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.
3- الفقيه 2:74،إيضاح الفوائد 1:233،التنقيح الرائع 1:365،المختلف:226،الإرشاد 1:298،القواعد:66،التحرير 2:110،الدروس 1:273،المسالك 1:71،الروضة 2:120.
4- منهم صاحب المدارك 6:82،و الحدائق 13:222.

في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه،ثلاث كفّارات،و روى عنهم أيضاً كفّارة واحدة،فبأيّ الخبرين نأخذ؟قال:« بهما جميعاً،فمتى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستّين مسكيناً،و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة» (1).

و قد حكم بصحّتها جماعة،كالفاضل في التحرير في بحث الكفّارات،و شيخنا في الروضة (2)،مع أنّ الأول في المختلف قال في حقّ الراوي الأول:إنّه لا يحضرني حاله،فإن كان ثقة فالرواية صحيحة (3).

و هو كما ترى ظاهر في جهالة حال الراوي عنده،و هو كذلك، فإنّه لم يُذكر في الرجال.

نعم،ذكر شيخنا في المسالك (4)و غيره (5):أنّه شيخ الصدوق،و هو قد عمل بها،فهو في قوّة الشهادة له بالثقة،و من البعيد أن يروي الصدوق عن غير الثقة بلا واسطة.

أقول:و في إفادة ذلك التوثيق بالمعنى المصطلح بين المتأخّرين مناقشة واضحة.

نعم،غايته إفادة القوّة،فلا وجه للحكم بالصحّة،و لو سلّم فإنّما يتّجه لو خلا السند عن غيره ممّن يقدح بسببه فيها.

ص:348


1- الفقيه 3:/238 1128،العيون 1:/244 88،الوسائل 10:54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1؛ بتفاوت يسير.
2- التحرير 2:110،الروضة 2:120.
3- المختلف:226.
4- المسالك 1:71.
5- كصاحب المدارك 6:84.

و ليس كذلك سند هذه الرواية؛ لاشتماله على عليّ بن محمد القتيبي،و عبد السلام بن صالح الهروي.

و لم يوثّق الأول،بل قيل:إنّه فاضل اعتمد عليه الكشّي (1).و غاية ذلك إفادة المدح على تقدير تسليمه،فلا يمكن الصحّة أيضاً من جهته.

و الثاني و إن وثّقه النجاشي و كثير (2)،إلّا أنّه ضعّفه الشيخ بأنّه عامّي (3)،و الجمع بينهما يقتضي كونه موثّقاً،فلا وجه للحكم بالصحّة.

و بالجملة: فلا ريب في قصور الرواية عن الصحّة،فيشكل الخروج بها عن الأدلّة المشهورة،سيّما و أنّ ظاهر جملة من القائلين بمضمونها الاستناد فيه إلى غيرها،كالصدوق نفسه في الفقيه،و فخر الدين.

فقد قال الأول بعد الفتوى-:لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي (4)رضي اللّه تعالى عنه فيما ورد عليه عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي اللّه تعالى عنه (5).

و قال الثاني:لأنّه أحوط (6).

و في الدليلين نظر؛ لقطع الخبر و إن كان الظاهر الاتّصال إلى مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه،لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور في الخروج عن أدلّة المشهور فتور.

ص:349


1- رجال العلّامة:94.
2- رجال النجاشي:/245 643؛ و انظر رجال الكشي 2:872،و رجال العلامة:117.
3- رجال الشيخ:/380 14.
4- الفقيه 2:/73 317،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 3.
5- الفقيه 2:74.
6- إيضاح الفوائد 1:233.

و الاحتياط إنّما يكون دليلاً شرعياً حيث لم يقم دليل على الخلاف، و قد مرّ قيامه.

إلّا أن يقال:إنّ غايته الإطلاق الغير المعلوم انصرافه كإطلاق فتوى الأصحاب بالكفّارة الواحدة إلى مفروض المسألة؛ لقوّة احتمال وروده على ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين من الصحّة،و هو هنا الإفطار بالحلال دون الحرام.

فلا يخلو ما ذكره عن القوّة،سيّما مع اعتضاده بالروايتين المتقدّمة إليهما الإشارة،بل لا يبعد جعلهما حجّة، لاعتبار سنديهما بلا شبهة.

و الحجّة غير منحصرة فيما اتّصف سنده بالصحّة،بل الحقّ حجّية الأخبار الموثّقة و الحسنة،سيّما مع التأيّد بفتوى من قدّمناه من الجماعة، الذين لا مخالف صريح لهم من الطائفة.

الثالثة لا تجب الكفّارة في شيء من الصيام،عدا شهر رمضان،و النذر المعيّن،و قضاء رمضان

الثالثة: لا تجب الكفّارة أي جنسها كائنةً ما كانت،بالإفطار في شيء من أقسام الصيام،عدا شهر رمضان،و النذر المعيّن، و قضاء رمضان إذا كان الإفطار فيه بعد الزوال،و الاعتكاف على وجه يأتي بيانه في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

فلا تجب في النذر المطلق،و صوم الكفّارة،و قضاء غير رمضان، و قضائه قبل الزوال،و المندوب كالأيّام المستحبّ صومها،و الاعتكاف المندوب،و إن فسد الصوم في ذلك كلّه.

بلا خلافٍ في ذلك أجده،و به صرّح في الذخيرة (1)،و في المدارك:

ص:350


1- الذخيرة:517.

أنّه موضع وفاق بين الأصحاب (1).بل قال في المنتهى:إنّه قول العلماء كافّة (2).

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل،و اختصاص الموجب لها بالأقسام الأربعة.

و أمّا الوجوب فيها فهو الأظهر الأشهر بين أصحابنا،بل في المنتهى:

أنّه مذهب علمائنا (3).و نفى عنه الخلاف في المدارك في ما عدا الأخير، و عزا الوجوب فيه إلى الأكثر،و عدمه إلى العماني (4).

و سيأتي الكلام فيه،بل فيما عدا الاعتكاف في بحث الكفّارات،و أمّا كفّارة صوم الاعتكاف فسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى في كتابه.

الرابعة من أجنب و نام ناوياً للغسل حتى طلع الفجر فلا قضاء

الرابعة: من أجنب ليلاً من رمضان و نام ناوياً للغسل قبل الفجر حتى طلع الفجر فلا قضاء عليه و لا كفّارة بلا خلاف أجده.

و في المنتهى:أنّه الصحيح عندي،و عمل الأصحاب عليه (5).و في المدارك:أنّه مذهب الأصحاب،لا أعلم فيه مخالفاً (6).و جعله في الذخيرة مشهوراً؛ لنقله الخلاف فيه بالفساد و وجوب القضاء عن الماتن في موضع من المعتبر (7).

ص:351


1- المدارك 6:80.
2- المنتهى 2:576.
3- المنتهى 2:576.
4- المدارك 6:78،و يظهر منه وجود الخلاف في الثالث و هو قضاء رمضان لا الأخير و هو صوم الاعتكاف.
5- المنتهى 2:566.
6- المدارك 6:60.
7- الذخيرة:498،المعتبر 2:655.

لكنّه في موضع آخر منه قال بمقالة الأصحاب (1)،كما في الشرائع (2)و الكتاب،و هو صريح في رجوعه عنه،و لعلّه لذا لم ينقل كثير هنا الخلاف.

و الأصل فيه بعد الأصل جملة من المعتبرة،المتقدّمة إليها الإشارة (3).

و الصحيحان منها و إن أطلق النوم فيهما بالنسبة إلى نيّة الاغتسال و عدمها،إلّا أنّ ظاهرهما بحكم لزوم حمل أفعال المسلمين على الصحّة هو النوم مع النيّة على الاغتسال لا عدمها.

مع أنّ فرداً منه و هو العزم على ترك الاغتسال عمدٌ جزماً،فيشمله عموم ما دلّ على إيجابه الكفّارة و القضاء (4).

و الفرد الآخر منه و هو عدم العزم على شيء لا حاجة بنا إلى إخراجه من الإطلاق؛ لعدم دليلٍ عليه،إلّا ما قدّمناه من إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق،و الرضوي (5).و قد عرفت الجواب عنهما،مع احتمال النصوص المزبورة للتقيّة أيضاً (6).

لكن ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (7)،و أنّه موجب للقضاء،

ص:352


1- المعتبر 2:674.
2- الشرائع 1:190.
3- راجع ص:2521.
4- الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16.
5- راجع ص:2520 و 2522.
6- أي زيادة على ما قدّمناه من التقييد أيضاً لها بالنومة الثانية و إن بعد عن ظاهرها أو الاستحباب.(منه رحمه الله).
7- أي على الإخراج من الإطلاق.(منه رحمه الله).

حيث قال:و لو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،ذهب إليه علماؤنا (1).

و يعضده تعبير كثير من غير خلاف يعرف بينهم بعين ما في المنتهى هنا،و منهم الماتن في المعتبر (2).

لكن الظاهر من استدلاله كالمنتهى أيضاً إرادتهما من النوم على غير نيّة الغسل:النوم مع العزم على تركه،حيث قالا في الاستدلال على ما ذكراه:لأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم،و يعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

و لو لا أنّ مرادهما من العبارة ما ذكرنا لما توجّه الاستدلال و ورد عليهما ما أورده بعض الأبدال،من أنّ عدم نيّة الغسل أعلى من العزم على ترك الاغتسال (3).

هذا،مع أنّ مورد الاستدلال هو الغالب من أفراد النوم على غير نيّة الغسل؛ لندور الذهول عن النيّة مطلقاً،و به صرّح في المدارك (4).

و عليه فيمكن تنزيل ما في إطلاقات عبائر القوم على الغالب من النوم على عزم ترك الاغتسال.

ص:353


1- المنتهى 2:573 قال:و لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء و الكفّارة.ثم استدلّ له بما سيجيء.و الظاهر أن المصنّف قد خلط بين تلك العبارة و العبارة الأُخرى منه في ص 566 حيث قال:إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه،و ذهب إليه علماؤنا..؛ و إن رجع عنه بعد أسطر و قال بصحة الصوم.
2- المعتبر 2:672.
3- انظر المدارك 6:59.
4- المدارك 6:60.

و كيف كان،فلا دليل يعتدّ به على وجوب القضاء هنا و إن كان أحوط.

و لو انتبه ثم نام ناوياً (1) للغسل حتى طلع الفجر فعليه القضاء خاصّة؛ لعين ما قدّمناه من الأدلّة في الصورة السابقة،حتى العبارات المشعرة بالإجماع،إلّا أنّ في المنتهى هنا بدل ما مرّ:ذهب إليه علماؤنا (2).

و عزى الحكم هنا في الذخيرة إلى المشهور أيضاً (3)،لكن لم ينقل مخالفاً.

و كيف كان،فلا إشكال في هذا الحكم أيضاً إلّا من جهة النصوص الدالّة على أنّه لا شيء في النوم على الجنابة بقولٍ مطلق (4)،لكن قد عرفت الجواب في ما مضى.

و لو انتبه من النومة الثانية ثم نام ثالثةً حتى طلع الفجر قال الشيخان في المقنعة و المبسوط و الخلاف و النهاية عليه القضاء و الكفّارة (5) و تبعهما جماعة،كالحلّي،و ابن زهرة،و الفاضل في القواعد و الإرشاد،و الشهيد في الدروس و اللمعة،و المحقّق الثاني في شرحيه على

ص:354


1- بدل« ناوياً» في المختصر المطبوع:« ثانياً»،و عليه تكون« ناوياً» من كلام الشارح.
2- المنتهى 2:577 و ليس فيه:ذهب إليه علماؤنا،و فيه كلام أيضاً بيّناه في التعليقة رقم 1.
3- الذخيرة:498.
4- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
5- المقنعة:347،المبسوط 1:271،الخلاف 2:222،النهاية:154.

القواعد و الشرائع (1)،و غيرهم من الجماعة (2).

و في الشرائع:أنّه قول مشهور (3).و أظهر منه في المسالك (4)،و في المدارك:أنّه قول الشيخين و أتباعهما (5).و في الغنية و الخلاف و الوسيلة و شرح القواعد للمحقّق الثاني:أنّ عليه الإجماع (6).

فإن تمّ و إلّا ففيه مناقشة؛ لمخالفته الأصل،مع عدم دليل واضح عليه من النصوص غير ما استدلّ به الشيخ في التهذيب من النصوص الدالّة على لزوم الكفّارة بالبقاء على الجنابة (7).

و هي مع قصور سندها بل ضعف أكثرها،و ظهور المعتبر منها سنداً في صورة تعمّد البقاء لا إشعار فيها بهذا التفصيل جدّاً،و حملها عليه ليس بأولى من حملها على صورة تعمّد البقاء،لو لم نقل أنّه لموافقته الأصل أولى.

و إلى هذا يميل جملة من متأخّري المتأخّرين من أصحابنا (8)،تبعاً

ص:355


1- الحلّي في السرائر 1:375،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،القواعد:65،الإرشاد 1:296،الدروس 1:271،الروضة 2:90،جامع المقاصد 1:153.
2- كصاحب الحدائق 13:121.
3- الشرائع 1:192.
4- المسالك 1:72.
5- المدارك 6:89.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:222،الوسيلة:142،جامع المقاصد 1:153.
7- التهذيب 4:/212 616 و 617 و 618،الوسائل 10:63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2 و 3 و 4.
8- كصاحب المدارك 6:90،و السبزواري في الذخيرة:499،و صاحب الحدائق 13:127.

للفاضلين في المعتبر و المنتهى (1).

و لكن الأول لعلّه أقوى؛ للإجماعات المحكية،المعتضدة بالشهرة الظاهرة،بل المحكية أيضاً،و مع ذلك فهو أحوط و أولى.و يحتمل التوقّف،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و التحرير (2)و غيرها (3).

الخامسة يجب القضاء دون الكفّارة في الصوم الواجب المعيّن بسبعة أشياء

الخامسة: يجب القضاء دون الكفّارة في الصوم الواجب المعيّن بسبعة أشياء فعل المفطر مطلقاً (4) و الفجر طالع حال كونه ظانّاً بقاء الليل كما في عبائر جماعة (5)،أو شاكّاً كما في عبائر آخرين (6).

و ما هنا أولى بالنسبة إلى ثبوت القضاء؛ لإطلاق النصّ أو اختصاصه به،و يستلزم ثبوته معه ثبوته مع الشكّ بطريقٍ أولى.

و أمّا بالنسبة إلى عدم وجوب الكفّارة فما ذكره هؤلاء أولى؛ لعدم دليل على ثبوتها مع فعله شاكّاً،كما ربّما يفهم من العبارة إن ارجع القيد فيها إلى هذا الحكم،بل مقتضى الأصل مع اختصاص ما دلّ على وجوبها بما إنا تعمّد المفطر العدم هنا.و لا وجه للتردّد في ثبوتها و عدمه أيضاً إن جُعِلَ هو المقصود من التقييد بالظنّ في العبارة.

ص:356


1- المعتبر 2:675،المنتهى 2:573.
2- الشرائع 1:192،التحرير 1:79.
3- كما في التنقيح الرائع 1:367،و المسالك 1:73،و مجمع الفائدة و البرهان 5:53.
4- أي أكلاً كان أو شرباً أو غيرهما.منه رحمه الله.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:142،و صاحب المدارك 6:91،و الفرض الكاشاني في المفاتيح 1:249.
6- منهم:العلامة في المنتهى 2:579،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:88.

و إنّما يجب القضاء إذا كان فعل المفطر مع القدرة على مراعاته أي الفجر،لا مطلقاً.

فلو عجز عنها كما قد يتّفق للمحبوس و الأعمى فلا يجب القضاء، بلا خلافٍ أجده؛ للأصل،مع اختصاص النصّ و الفتوى بحكم التبادر و غيره بصورة القدرة عليها،كما لا يخفى على من تدبّرهما.

و كذا يجب القضاء خاصّةً بفعله مع الإخلاد و الركون إلى إخبار المخبر ببقاء الليل،مع القدرة على المراعاة و الحال أنّ الفجر طالعٌ حين فعله المفطر.

و لا فرق في المخبر بين كونه واحداً أو كثيراً،كما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى،إلّا إذا كان عدلين،فاستوجه ثاني المحقّقين و ثاني الشهيدين (1)و غيرهما (2)سقوط القضاء حينئذ؛ لكونهما حجّة شرعية.

و زاد غيرهما،فأحتمل الاكتفاء بالعدل (3)؛ للأصل و اختصاص الصحيح الوارد هنا بالجارية (4)،و غيره (5)الوارد في غيره بغير مفروض المسألة (6).

و الأحوط الإطلاق،كما عليه إطلاق عبائر باقي الأصحاب؛ لتضمّن ذيل الصحيح ما يدلّ على العموم،و أنّ المسقط إنّما هو مراعاته له بنفسه.

و لا ينافيه اختصاص السؤال في الصدر بالجارية؛ فإنّ العبرة بعموم

ص:357


1- كما في جامع المقاصد 1:153،و المسالك 1:72.
2- كصاحب المدارك 6:93.
3- كالسبزواري في الذخيرة:501.
4- الكافي 4:/97 3،الفقيه 2:/83 368،التهذيب 4:/269 813،الوسائل 10:118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.
5- الوسائل 10:115 و 116 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 45.
6- و هو تناول المفطر من غير اعتماد على ثقة،بل مطلقا(منه رحمه الله).

الجواب لا خصوص السؤال،فيخصّص به الأصل،على تقدير تسليم جريانه في محلّ البحث.

و كذا يخصّص به عموم ما دلّ على حجّية العدلين على الإطلاق إن كان،و إلّا فلم نقف عليه كذلك (1)،فتأمّل.

و كذا يجب القضاء خاصّة لو ترك قول المخبر بالفجر،لظنّه كذبة،و يكون صادقاً و الحال في المخبر كما مضى.

خلافاً للشهيدين،و الفاضل في التحرير و المنتهى (2)،و غيرهم (3)، فاستقربوا وجوب الكفّارة بإخبار العدلين؛ لما مرّ (4).

و هو حسن إن تمّ،و إلّا فالعدم أحسن؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة على هذا التقدير (5).

و اعلم أنّه لا خلاف في الحكمين (6)في هذه الثلاثة غير ما مرّت إليه الإشارة،بل على الحكم الأول منهما الإجماع في الأولين في الغنية (7)، و يجري في الثالث بطريقٍ أولى،و في الأول منهما في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر المنتهى (8)و غيرها (9)،و في الثالث في ظاهر المدارك

ص:358


1- أي على الإطلاق.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:273،و الشهيد الثاني في المسالك 2:72،التحرير 1:80،المنتهى 2:578.
3- كصاحبي المدارك 6:94،و المشارق:407،و الحدائق 13:97.
4- من أنّهما حجّة شرعية(منه رحمه الله).
5- و هو عدم تمامية كونهما حجة شرعية(منه رحمه الله).
6- أي وجوب القضاء و عدم الكفارة(منه رحمه الله).
7- الغنية(الجوامع الفقهية):517.
8- الانتصار:65،الخلاف 2:174،المنتهى 2:577.
9- انظر مجمع الفائدة 5:88.

و الذخيرة (1).و غيرهما (2)و الصحاح و غيرها به فيها (3)مستفيضة جدّاً.

منها:عن رجلٍ تسحّر ثم خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن،قال:

« يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه،و إن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» الخبر (4).

و منها:أمرتُ الجارية لتنظر إلى الفجر،فتقول:لم يطلع بعد،فآكل، ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت،قال:« فاقضه،أما لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء» (5).

و منها:عن رجلٍ خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت،فنظر إلى الفجر فناداهم:أنّه قد طلع الفجر،فكفّ بعض و ظنّ بعض أنّه يسخر،فقال:« يتمّ صومه و يقضي» (6)و نحوه الرضوي (7).

و منها الموثّق:عن رجلٍ أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان،فقال:« إن قام فنظر فلم يرَ الفجر،فأكل،ثم عاد فرأى الفجر، فليتمّ صومه و لا إعادة عليه،و إن قام فأكل و شرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر مكانه؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل

ص:359


1- المدارك 6:93،الذخيرة:501.
2- الحدائق 13:97.
3- أي:بالقضاء في الثلاثة.
4- الكافي 4:/96 101،التهذيب /4 /269 812،الإستبصار 2:/116 379،الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1،وص 116 ب 45 ح 1.
5- المتقدم ذكر مصادرها في ص:2550.
6- الكافي 4:/97 4،الفقيه 2:/83 367،التهذيب 4:/170 814،الوسائل 10:118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.
7- فقه الرضا عليه السلام:208،المستدرك 7:347 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

النظر،فعليه الإعادة» (1).

و يستفاد منه و من الصحيح الثاني عدم وجوب القضاء مع مراعاته الفجر بنفسه،و لا خلاف فيه أيضاً،بل عليه الإجماع في صريح الإنتصار و ظاهر المنتهى (2)و غيرهما (3).

و هل يختصّ هذا الحكم (4)برمضان،أم يعمّه و الواجب المعيّن؟ وجهان.

من اختصاص الموثّق برمضان،و إطلاق الصحيح الأول بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.و نحوه الخبر:عن رجلٍ شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم في شهر رمضان،قال:« يصوم يومه ذلك و يقضي يوماً آخر،و إن كان قضاءً لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك و يقضي» (5).

و في الحسن كالموثّق:يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحاً،أُفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك يوماً آخر،أو أُتمّ على صوم ذلك اليوم و أقضي يوماً آخر؟فقال:« لا،بل تفطر ذلك اليوم،لأنّك أكلت مصبحاً،و تقضي يوماً آخر» (6).

و من إطلاق قوله عليه السلام فيما مرّ من الصحيح:لو كنت أنت الذي

ص:360


1- الكافي 4:/96 2،الفقيه 2:/82 366،التهذيب 4:/269 811،الإستبصار 2:/116 378،الوسائل 10:115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.
2- الانتصار:65،المنتهى 2:577.
3- كما في المدارك 6:91.
4- أي عدم وجوب القضاء مع المراعاة(منه رحمه الله).
5- الكافي 4:/97 6،الوسائل 10:117 أبوا ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.
6- الكافي 4:/97 5،الوسائل 10:117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.

نظرت لم يكن عليك شيء» .بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال،الشامل لما نحن فيه،بل و لغيره،المعتضد في محلّ البحث بعدم معلومية الفساد،لعدم معلومية حصول الإفطار الشرعي بمثله و إن فسد الصوم اللغوي و العرفي،لعدم التلازم بينه و بين الفساد الشرعي،فكم من صوم شرعي ليس بصوم لغوي و لا عرفي و بالعكس،كما إذا تناول ناسياً،فإنّه ليس بصوم لغوي و لا عرفي قطعاً،مع أنّه صوم شرعي إجماعاً.

فلعلّ ما نحن فيه من قبيله و إن لم نقطع به.فإذا لم يثبت الفساد شرعاً وجب عليه إمساكه؛ تحصيلاً لامتثال الأمر القطعي بصومه.

و لا يجب القضاء؛ لكونه بفرض جديد،و لم يثبت إلاّ بدليل مفقود فيما نحن فيه و أمثاله،ممّا يكون المكلّف فيه غير مقصّر في إفطاره بوجهٍ لاجتهاده،فيكون كالناسي.

فيبعد غاية البعد شمول ما دلّ على القضاء بتناول المفطرات لمثله، سيّما مع اختصاصه بصوم رمضان،فلا يعمّ ما نحن فيه.

و هذا الأصل يختصّ بالواجب المعيّن؛ لأنّه الذي يفرض فيه القضاء المتوقّف على أمر جديد منفيّ فيما نحن فيه.

و لا كذلك الواجب المطلق؛ لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق،فلا بدّ من اخرج من عهدته،و لا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته و فساده.

و من هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه (1).

و هذا الوجه (2)لعلّه أقوى،وفاقاً لجماعة من متأخّري متأخّري

ص:361


1- أي المطلق و المعيَّن(منه رحمه الله).
2- أي شمول الحكم بعدم وجوب القضاء مع المراعاة للواجب المعيّن أيضاً.

أصحابنا (1).

و يذبّ عن اختصاص الموثّق برمضان بعدم معارضته لعموم الدليل بعد وجوده.

و عن إطلاق الصحيح و تاليه مع ضعف سنده باختصاصه بحكم التبادر الموجب عن ملاحظة سياقهما بما إذا لم يراع،فلا يعارض عموم الصحيح المذكور في الوجه الثاني،المعتضد بالأصل الماضي (2).

و لا يعارضه الحسن بعدهما؛ لقصور سنده و إن اعتُبِر،مع وروده كالخبر التالي في قضاء رمضان.

و هل يجوز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر؟ قال في الخلاف (3):لا.و ربّما تشير اليه نصوص القضاء،مضافاً إلى تعلّق الأمر بإمساك النهار،الذي هو اسم لما هو نهار واقعاً،فيجب و لو من باب المقدّمة.

و هذا الدليل جارٍ فيما إذا حصل له الظنّ بالبقاء؛ لعدم اعتبارٍ به في نحو ما نحن فيه (4).

لكن في المدارك:لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظنّ الحاصل من استصحاب بقاء الليل،بل مع الشكّ في طلوع الفجر (5).

و يعضد مضافاً إلى الأصل (6)ظاهر الآية الكريمة: حَتّى يَتَبَيَّنَ [1]

ص:362


1- كصاحبي المدارك 6:93،و الذخيرة:501.
2- و هو عدم وجوب القضاء،و وجوب صوم ذلك اليوم؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية من أمره(منه رحمه الله).
3- الخلاف 2:174.
4- أي مما هو من موضوعات(منه رحمه الله).
5- المدارك 6:91.
6- أي أصالة إباحة الفعل(منه رحمه الله).

لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [1] (1).و الموثّق:عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما:هوذا، و قال الآخر:ما أرى شيئاً،قال:« فليأكل الذي لم يستبن له الفجر،و قد حرم على الذي زعم أنّه رأى الفجر،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ [2] الآية» (2).

و هذا أقوى،وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني أيضاً (3).

و دلالة لزوم القضاء على منع الفعل ضعيف جدّاً؛ لعدم التلازم بينهما.

و عليه فهل يكفي في وجوب الكفّ حصول الظنّ بالفجر،أم لا بدّ من حصول القطع به؟ الأوجه:الثاني؛ لأنّ الظنّ في الموضوعات لا عبرة به.

و لو تناول حينئذٍ (4)فصادف الفجر،فهل يجب القضاء به،أم لا؟يحتمل الثاني؛ للأصل،و الشكّ في انصراف ما دلّ على وجوبه إلى نحو ما نحن فيه،بعد وقوع الفعل برخصةٍ من الشارع و أمره.

و يحتمل الأول؛ لإطلاق ما دلّ على القضاء بتناول المفطر و فعله،مع عدم معلومية صلوح الشكّ بالمسبّب المذكور مقيّداً له.

و لعلّ هذا أقرب،سيّما مع تأيّده بما دلّ على وجوبه مع الظنّ ببقاء الليل،و عدم خروجه بإخبار المختبر مضافاً إلى استصحاب بقائه.

ص:363


1- البقرة:187.
2- الكافي 4:/97 7،الفقيه 2:/82 365،التهذيب 4:/317 967،الوسائل 10:119 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 48 ح 1.
3- كما في المسالك 1:72.
4- أي مع الظنّ بالفجر(منه رحمه الله).

و كذا يجب القضاء خاصّةً لو أخلد إليه أي إلى المخبر في دخول الليل فأفطر،و بان كذبه،مع القدرة على المراعاة بلا خلاف،إلّا من السيّد في المدارك،فاستشكل في إطلاق الحكمين،و خصّ وجوب القضاء بما إذا لم يَجُز للمفطر الإخلاد إليه،و إلّا فلم يجب أيضاً،و عدمَ وجوب الكفّارة بما إذا جاز،و إلّا وجبت أيضاً (1).

و لا مخالفة له مع الأصحاب في الأول،إلاّ مع فرض وجود مخبرٍ يجوز الإخلاد إليه في الإفطار،و لم يذكره الأصحاب،بل مقتضى أُصولهم العدم،إلّا إذا كان المخبر عدلين.

و مَنْ جوّز الإخلاد إليهما كالمحقّق الثاني (2)صرّح بما ذكره من انتفاء القضاء.و مَنْ لا،فلا وجه للتخصص عنده،بل يجب عنده القضاء مطلقاً.

و تدلّ عليه مضافةً إلى إطلاق ما دلّ على وجوبه بتناول المفطر و فعله [لعله] فحوى ما دلّ على وجوبه مع الإخلاد إليه في طلوع الفجر،فإنّه مع جواز المفطر يظنّ استصحاب بقاء الليل كما قلنا إذا وجب القضاء،فلئن يجب مع عدم جوازه بظنّ استصحاب بقاء النهار بطريقٍ أولى.

و في الغنية و الخلاف:الإجماع على وجوبه خاصّةً هنا إذا أفطر شاكّاً (3).

و إذا أُريد بالشكّ في عبارتهما ما قابل اليقين كما هو معناه لغةً، و يفهم من كثيرٍ من الأخبار الواردة في بحث الشكوك في الصلاة،بل

ص:364


1- المدارك 6:94.
2- انظر جامع المقاصد 1:153.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):571،الخلاف 2:175.

و فتاوى القدماء دلّ على وجوبه مع الظنّ أيضاً،فإنّه أحد أفراده،و لا فرق فيه بين المستفاد من خبر العدلين و غيرهما،كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى هنا أيضاً من غير خلاف إلّا ممّن قدّمنا.

و يمكن أن يكون التخصيص (1)لإخراج نحو الأعمى ممّن لا يتمكّن مع المراعاة لعدم وجوب القضاء عليه،كما يأتي بناءً على أنّ عبارة الشرائع مطلقة بالنسبة إليه أيضاً،حيث لم يقيّد فيها بصورة القدرة على المراعاة (2).

فمراده بالإطلاق هذا،فهو المخصَّص،لا إطلاق ما هنا (3)؛ لعدم فردٍ له يمكن إخراجه،حتّى العدلين عند السيّد،لتصريحه بانتفاء ما يدلّ على جواز التعويل عليهما على وجه العموم،خصوصاً في موضعٍ يجب فيه تحصيل اليقين كما هنا (4).

و حينئذٍ فإشكاله متوجّه،إلّا أنّ دخول نحو الأعمى في إطلاق عباراتهم غير معلوم،و لا سيّما عبارة الشرائع،كما لا يخفى على مَن تدبّرها،بل الظاهر المتبادر منها:مَن لا يسوغ له التقليد خاصّة.و لا مخالفة له على هذا التقدر أيضاً.

و لا في الثاني (5)،إلاّ على تقدير وجود دليلٍ يدلّ على وجوب

ص:365


1- أي:تخصيص صاحب المدارك وجوب القضاء بما إذا لم يجز للمفطر الإخلاد إلى المخبر.
2- الشرائع 1:192.
3- أي:مراد صاحب المدارك بالإطلاق الذي استشكل فيه،إطلاق الشرائع لا إطلاق النافع.
4- المدارك 6:95.
5- عطف على قوله:في الأول راجع ص 2556 أي،و لا مخالفة لصاحب المدارك مع الأصحاب.

الكفّارة بمطلق الإفطار من غير إذنٍ شرعي.

و لم نجده كذلك؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الفتوى و النصوص مع كثرتها بحكم التبادر و غيره بما إذا أفطر عامداً متعمّداً عالماً بكون الزمان الذي أفطر فيه نهاراً.

و ما نحن فيه لا ريب في عدم تبادره منها عند الإطلاق جدّاً،و اللازم حينئذٍ الرجوع في غير المتبادر (1)إلى مقتضى الأصل،و هو العدم كما ذكره الأصحاب،و قد صرّح السيّد بذلك في غير باب.

و لعلّه إلى هذا نظر صاحب الذخيرة في اعتراضه على السيّد بعد نقل تفصيله بقوله:و فيه تأمّل،فإنّ مقتضى كون المفطر ممّن لا يسوغ له التقليد ترتّب الإثم على الإفطار لا القضاء و الكفّارة.

ثم قال:و لا يبعد أن يقال:إن حصل الظنّ بإخبار المختبر اتّجه سقوط القضاء و الكفّارة؛ لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (2)، و لا يبعد انتفاء الإثم أيضاً.

و إلّا فالظاهر ترتّب الإثم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [1] فإنّ مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظنّ بالامتثال،و هو منتفٍ في الفرض المذكور.

و أمّا وجوب القضاء ففيه تأمّل؛ لعدم دليلِ دالّ عليه،و عدم الاستلزام بين حصول الإثم و وجوب القضاء (3).انتهى.

و هو حسن،إلّا أنّ ما ذكره من سقوط القضاء بالظنّ الحاصل من

ص:366


1- أي الإفطار إخلاداً إلى المخبر مع عدم الجواز(منه رحمه الله).
2- في ص:2562.
3- الذخيرة:502.

الخبر بدعوى دلالة الصحيحة عليه محلّ نظر،وجهه سيذكر.

و كذا ما ذكره من عدم دليلٍ دالّ على القضاء في صورة الشكّ؛ لأنّك قد عرفت الدليل الدالّ عليه هنا فيما مضى (1).

و احترز بالقدرة على المراعاة عمّن تناول كذلك (2)مع عدم إمكانها لغيم أو حبس أو عمى،حيث لا يجد من يقلّده،فإنّه لا يقضي.

و هو كذلك،لا لما قيل من أنّ المرء متعبّد بظنّه (3)؛ إذ لم أقف على دليل عليه على إطلاقه.

بل للأصل،و عدم دليل على وجوب القضاء حينئذٍ؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الأولوية و نحوها بما إذا أفطر قادراً على المراعاة،لا مطلقاً.

و الشكّ في عبارتي الخلاف و الغنية (4)ليس نصّاً في المعنى الأعم.

فيحتمل الأخصّ،الذي ليس منه محلّ الفرض؛ لحصول الظنّ بإخبار الغير غالباً.و لو فرض العدم اتّجه الوجوب؛ لعموم الإجماع المنقول.

هذا،و يؤيّد عدم وجوب القضاء في أصل الفرض (5)ما سيأتي من النصوص في المسألة الآتية (6).

و يفهم من العبارة و نحوها انتفاء القضاء إذا راعى.و لا ريب فيه مع اليقين بدخول الليل،و مع الظنّ به إشكال.مقتضى الأصل الانتفاء إذا جاز الاعتماد عليه شرعاً،و إلّا فالثبوت أقوى،عملاً بعموم ما دلّ على إيجاب

ص:367


1- من الفحوى و الإجماعين المحكيين(راجع ص 2557)(منه رحمه الله).
2- أي إخلاد إلى المخبر(منه رحمه الله).
3- أنظر المسالك 1:72،الروضة 2:93.
4- راجع ص:2556.
5- و هو الإفطار مع الإخلاد مع عدم القدرة على المراعاة(منه رحمه الله).
6- انظر ص:2562.

فعل المفطرات القضاء.

و يحتمل وجوب الكفّارة أيضاً هنا و في ما مضى،كما ذكره في المدارك وفاقاً لجدّه (1).

إمّا لصدق التعمّد عليه حقيقةً كما ذكراه،أو لعموم بعض النصوص الصحيحة بوجوبها بفعل المفطر مطلقاً (2)،من غير تقييدٍ بالتعمّد،و إنّما هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصّة،فلا يصلح مقيّداً لما أُطلق من أخبارها.

و حينئذٍ فالأصل وجوبها مطلقاً،إلّا ما قام الدليل على العدم فيه، و ليس منه ما نحن فيه.

و بعض الأخبار الدالّة على اشتراط التعمّد بالنسبة إليها بل و القضاء أيضاً (3)ضعيفة السند،بل و الدلالة،كما بيّنته في محلٍّ أليق به و أحرى (4).

اللّهُمَّ إلّا أن يقال بالاتّفاق على التقييد بالعمد فيها.

و فيه:أنّه لا يتمّ في محلّ النزاع.

و كيف كان لا ريب أنّها أحوط و أولى.

هذا هو الأمر الرابع.

و أمّا الخامس:فهو ما أشار إليه بقوله و الإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل بلا خلاف و لا إشكال في وجوب القضاء،إن أُريد بالوهم معناه

ص:368


1- المدارك 6:94،المسالك 1:72.
2- انظر الوسائل 10:744،أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- الوسائل 10:49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
4- في حاشيتي على الحدائق في بحث سقوط القضاء و الكفارة عن المفطر جاهلاً(منه رحمه الله).

المعروف و هو الطرف المرجوح أو الشكّ،المقابلان للظنّ،و انكشف فساد الوهم و بقاء النهار.

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد موجباته،مضافاً إلى ما مرّ من إجماع الغنية و الخلاف على وجوبه مع الشكّ (1)،فمع الوهم بالمعنى الأول أولى.

و يشكل الحكم بعدم وجوب الكفّارة حينئذٍ،بل قطع جماعة من متأخّري الأصحاب بوجوبها (2)،تبعاً للحلّي (3).

و لعلّه الأقوى؛ عملاً بعموم ما دلّ على وجوبها،إلّا ما أخرجه النصّ و الفتوى اتّفاقاً،و ليس منه ما نحن فيه جدّاً.

خلافاً للمختلف،فخطّأ الحلّي في ذلك،و قال:إنّه كلام من لا يحقّق شيئاً (4).

و لم أعرف له وجهاً.

نعم،لو تبيّن دخول الليل كان ما ذكره حقّا،كما لو استمرّ الاشتباه على الأقوى،وفاقاً للمنتهى (5)؛ للأصل،و اختصاص ما دلّ على القضاء بتناول المفطر بصورة العلم بوقوعه نهاراً.

و إن أُريد بالوهم الظنّ،بناءً على أنّه أحد معانيه أيضاً،و ربّما تومئ اليه المقابلة له بقوله: و لو غلب على ظنّه دخول الليل لم يقض.

ص:369


1- في ص:2557.
2- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد:65،و الشهيد الثاني في الروضة 20:94،و صاحب المدارك 6:97.
3- السرائر 1:374.
4- المختلف:224.
5- المنتهى 2:578.

كان وجوب القضاء محلّ إشكال؛ لاختلاف الأصحاب فيه على قولين بل أقوال بعد اتّفاقهم على عدم وجوب الكفّارة على الظاهر، المصرّح به في الروضة،و إن احتمل فيها وجوبها مع ظهور الخطأ،بل مع استمرار الاشتباه أيضاً (1).و لكنّه نادر جدّاً.

فالمشهور بين القدماء بل مطلقاً،كما في المختلف و الدروس (2)وجوبه مطلقاً،و منهم:المفيد،و الشيخ في المبسوط،و المرتضى، و الحلبي،و الديلمي،و غيرهم (3)،و هو صريح الفاضلين في المعتبر و التحرير و المنتهى (4)،و يميل الفاضل إليه في المختلف (5).

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد أسبابه،و للصحيح أو الموثّق:

في قومٍ صاموا شهر رمضان،فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنّه الليل،فأفطر بعضهم،ثم إنّ السحاب انجلى فاذا الشمس،فقال:

« على الذي أفطر صيام ذلك اليوم،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [1] فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً» (6).

خلافاً للشيخ في النهاية،و الصدوق،و القاضي فيما حكي،و الفاضل

ص:370


1- الروضة 2:94.
2- المختلف:244،الدروس 1:273.
3- المفيد في المقنعة:357،المبسوط 1:271،نقله عن المرتضى في المختلف:224،الحلبي في الكافي في الفقه:183،الديلمي في المراسم:98؛ و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:224.
4- المعتبر 2:677،التحرير 1:80،المنتهى 2:578.
5- المختلف:224.
6- الكافي 4:/100 2،التهذيب 4:/270 815،الإستبصار 2:/115 377،الوسائل 10:121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.

في الإرشاد و القواعد (1)،و جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:« وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً» (3)و نحوه الخبر (4).

و منها الصحيح أيضاً على الظاهر،كما قيل (5)-:عن رجلٍ صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة فأفطر،ثم إنّ السحاب قد انجلى فاذا الشمس لم تغب،فقال:« قد تمّ صومه و لا يقضيه» (6)و نحوه الخبر (7).

و منها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (8)-:في رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر،ثم أبصر الشمس بعد ذلك،قال:« ليس عليه قضاء» (9).

ص:371


1- النهاية:155،الصدوق في الفقيه 2:750،القاضي في المهذّب 1:192،الإرشاد 1:297،القواعد:64.
2- كصاحبي المدارك 6:95،و الذخيرة:502.
3- الفقيه 2:/75 327،التهذيب 4:/271 818،الإستبصار 2:/115 376،الوسائل 10:122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
4- الكافي 3:/219 5،التهذيب 2:/261 1039،الوسائل 10:122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
5- انظر روضة المتقين 3:333.
6- الفقيه 2:/75 326،التهذيب 4:/270 816،الإستبصار 2:/115 374،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3،و في الجميع:غيم بدل علة.
7- الفقيه 2:/75 328،التهذيب 4:/271 817،الإستبصار 23:/115 375،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.
8- انظر المدارك 6:95.
9- التهذيب 4:/318 968،الوسائل 10:123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 2.

و هذه النصوص مع استفاضتها،و صراحة ما عدا الصحيحة الأُولى منها و ظهورها أيضاً،و اعتبار أسانيد أكثرها و إن سلّمنا عدم صحّتها لا معارض لها عدا الإطلاقات،و اللازم على تقدير انصرافها إلى محلّ البحث تقييدها بهذه لأخصّيتها بالإضافة إليها.

و الصحيح المتقدّم سنداً للقدماء و هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على مطلوبهم؛ إذ ليس فيه إلّا الأمر بصيام ذلك اليوم،و المراد به إتمامه،دفعاً لتوهّم أنّ الإفطار في الأثناء يبيحه في الباقي.

و لا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة،بل يؤكّده؛ لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقاً،أكل في الأثناء أم لا.و كذا قوله تفريعاً عليها:

« فمن أكل» إلى آخره.

بل قوله في تعليل القضاء بأنّه« أكل متعمّداً» يؤكّد إرادة ما ذكرناه، و إلّا فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلاً متعمّداً،كما لا يخفى.

و لئن تنزلّنا،فلا أقلّ من احتمال ما ذكرناه احتمالاً متساوياً،فتكون به الرواية مجملةً لا تصلح للحجّية،فضلاً عن أن تُعارَض بها تلك الأخبار المستفيضة،التي في الدلالة هي ما بين صريحة و ظاهرة.

مع أنّها موافقة لما عليه الجمهور،كما صرّح به في المنتهى (1)، فينبغي حملها على التقيّة و إن سلمت عمّا قدّمناه من وجوه المناقشة.

فهذا القول في غاية القوّة،سيّما مع اعتضاده بأصالة البراءة.

و إن كان الأول أحوط؛ للشهرة العظيمة القريبة من الإجماع من القدماء لولا مخالفة الصدوق،لرجوع الشيخ في المبسوط عمّا في النهاية، و عدم معلومية مذهب القاضي في المسألة؛ لاختصاص عبارته المنقولة في

ص:372


1- المنتهى 2:578.

المختلف بصورة الشكّ،كعبارتي الخلاف و الغنية (1).

و يحتمل إرادتهم منهم معناه المعروف لغةً،المقابل لليقين،الشامل للظنّ أيضاً،فتكون فتواهم فيه الحكم بوجوب القضاء مع دعوى الإجماع عليه،كما مضى.

و أمّا الفاضل،فهو و إن اختار الثاني فيما مرّ من كتبه،لكنّه في المختلف الذي هو آخر مؤلّفاته قد رجع عنه و مال إلى الأول (2).

فيمكن ترجيح الإطلاقات على ما قابلها من النصوص؛ لقطعيّتها و شذوذه على ما فرضنا،سيّما مع قصور سند أكثره عن الصحّة،و عدم صراحة دلالة الصحيحة بما ذكره في المختلف،من أنّ مضيّ الصوم لا يستلزم عدم القضاء (3).

أقول:مع أنّها بإطلاقها شاذّة لا عامل بها؛ لشمولها لصور الوهم و الشكّ و الظنّ،مع العجز من تحصيل العلم بالمراعاة و عدمه.و لا قائل بها في الأُوليين منها قطعاً،و كذا في الأخيرة مع إمكان العلم.

خلافاً لصاحب الذخيرة فيها،فظاهره عدم وجوب القضاء (4)؛ لإطلاق هذه الصحيحة،بل جملة نصوص المسألة.

و فيه:أنّ سياق ما عداها ظاهر في الاختصاص بصورة عدم الإمكان كما لا يخفى.و أمّا هي فيمكن تخصيصها بهذه الصورة،توفيقاً بينها و بين الأُصول المقتضية لاعتبار تحصيل العلم بدخول الليل،المؤيّدة بجملة من

ص:373


1- المتقدمتين في ص:2557.
2- المختلف:224.
3- المختلف:224.
4- الذخيرة:502.

النصوص الدالة على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص أو الحمرة (1)، مع دلالة بعضها كما قيل (2)على أنّه مع عدم العذر لا بدّ في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

هذا،و ما أبعد ما بين هذا و بين ما يستفاد من كلام المفيد المحكي في المختلف في المسألة،من عدم جواز التعويل على الظنّ مع الضرورة، و لزوم التأخير إلى تيقّن الوقت،تحصيلاً للبراءة اليقينية (3).

و لا ريب أنّ هذا أوفق بالأُصول،بل يتعيّن العمل عليه،لولا فحوى ما دلّ على جواز التعويل على الظنّ بدخول الوقت في الصلاة (4)،فهنا أولى،أمّا معها فلا.

سيّما و في المدارك:لا خلاف بين علمائنا ظاهراً في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى العلم (5)و قريب منه عبارة الفاضل في المختلف (6).

لكن قد عرفت خلاف المفيد،مع أنّه يتوجّه عليه ما في الذخيرة

ص:374


1- الوسائل 10:124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 52.
2- الحدائق 13:102.
3- المختلف:224.
4- كالروايات الدالّة على التعويل في دخول الوقت على صياح الديك و أذان الثقة.انظر الوسائل 4:170 ب 14 أبواب المواقيت،و ج 5:378 ب 3 أبواب الأذان و الإقامة.
5- المدارك 6:95.
6- حيث قال في جملة كلام له(ص:224):و قول الشيخ:أنّه مكلّف بالظنّ،قلنا:ما لم يظهر الكذب فيه،و لهذا لو ظنّ الطهارة لوجبت عليه الصلاة،فلو انكشف فساد ظنّه وجبت عليه الإعادة،و هو كثير النظائر.فعلم أنّ مطلق الظن غير كافٍ في السقوط،بل ما لم يظهر فساده.انتهى.و هو كما ترى ظاهر أنه لا خلاف و لا إشكال في جواز الاعتماد على الظن و إلّا لمنعه و لو جدلاً،فتأمّل جدّاً.(منه رحمه الله).

من أنّ ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح،فإنّ أكثر عباراتهم خالٍ عن التصريح،و قال المصنّف في التذكرة:الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتّى تيقّن الغروب؛ لأصالة بقاء النهار،فيستصحب إلى تيقّن خلافه.و لو اجتهد و غلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل و ظاهره وجود الخلاف في الحكم المذكور،و ما قربه متّجه،لصحيحة زرارة (1).

أقول: و ممّن ظاهره المخالفة،و عدم جواز التعويل على الظنّ:

الحلّي في السرائر،لكن في الظنّ غير القوي،كما يستفاد من عبارته، حيث أوجب فيها القضاء مع الظنّ و نفاه مع غلبته،معلّلاً الثاني بصيرورة تكليفه في عبادته غلبة ظنّه (2).

و هو ظاهر بل صريح في أنّ تكليفه مع الظنّ غير الغالب الصبر و عدم جواز الاعتماد عليه.

و ما ذكره الحلّي من هذا التفصيل في أصل المسألة غير واضح المأخذ و الحجّة،بل إطلاق النصوص المتقدّمة يدفعه.مع أنّ مراتب الظنّ غير منضبطة؛ إذ ما من ظنٍّ إلّا و فوقه أقوى و دونه أدنى،لاختلاف الأمارات الموجبة له،فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقّق،بل و لا على ما فوقه.و بذلك ردّه من المتأخّرين جماعة (3).

و قد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:وجوب القضاء مطلقاً،و عدمه كذلك،و التفصيل بين ضعيف الظنّ فالأول،و قويّه فالثاني، و خيرها:أوسطها،لولا ما قدّمناه،و أحوطها:أولها قطعاً.

ص:375


1- الذخيرة:502،و تقدّمت صحيحة زرارة في ص 2562 الرقم(10).
2- السرائر 1:377.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:72،و صاحب المدارك 6:97.

و السادس: تعمّد القيء مع عدم رجوع شيء إلى حلقه اختياراً و إن ذَرَعَه (1)لم يقض بلا خلافٍ في الثاني،إلّا من الإسكافي،فيقضي من المحرّم،و يكفّر أيضاً لو استكره (2).

و هو مع ندوره،و مخالفته لما يأتي من النصوص دليله غير واضح،و في صريح المنتهى و غيره:الإجماع على خلافه (3).

و على الأظهر الأشهر في الأول،بل عليه عامّة من تأخّر،و في صريح الخلاف و محتمل الغنية بل ظاهره و ظاهر المنتهى-:الإجماع عليه (4).

و هو الحجّة،مضافاً إلى الأصل في الجملة،و المعتبرة المستفيضة:

منها:الصحيح المروي بطريقين كذلك:« إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» (5).

و الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر:« إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه،و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شيء» (6).

و الموثّق:« إن كان شيء يبدره فلا بأس،و إن كان شيء يكره نفسه

ص:376


1- ذَرَعَه القيء سَبَقَه و غلبه الصحاح 3:1210.
2- حكاه عنه في المختلف:222؛ و المحكي عنه في الجواهر 16:289:« استكثر» بدل:« استكره».
3- المنتهى 2:579،التذكرة 1:263.
4- الخلاف 2:178،الغنية(الجوامع الفقهية):571،المنتهى 2:579.
5- الكافي 4:/108 2،التهذيب 4:/264 790،الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.
6- مسائل علي بن جعفر:/177 55،الوسائل 10:89 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 10.

عليه أفطر و عليه القضاء» (1).

خلافاً للمرتضى و الحلّي،فلا قضاء به و إن حرم (2)؛ للأصل، و الصحيح الحاصر (3).و يخصّصان بما ذكر.

و للصحيح أو الموثّق كما قيل (4)-:« ثلاثة لا يفطرن الصائم:القيء، و الاحتلام،و الحجامة» (5).

و ليس فيه تصريح بالتعمّد،فيقدّ بغيره جمعاً،حَملَ المطلق على المقيّد.و هو أولى من حمل تلك الأدلّة على الاستحباب؛ لرجحانه في حدّ ذاته على الثاني،مضافاً إلى رجحانه في المسألة برجحان أدلّة القضاء بالكثرة و الشهرة.

مع أنّ الإجماع المنقول لا يقبل الحمل على الاستحباب كبعض النصوص:« من تقيّأ متعمّداً و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة،فإن شاء اللّه عذّبه،و إن شاء غفر له» (6)و لا بأس بقصور السند أو ضعفه بعد العمل.

و لبعض أصحابنا في ما حكاه عنه المرتضى-:أنّه يكفّر أيضاً (7).

ص:377


1- الفقيه 2:/69 291،التهذيب 4:/322 991،الوسائل 10:87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.
2- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،الحلي في السرائر 1:378.
3- المتقدّم في ص:251.
4- العلّامة المجلسي في ملاذ الأخبار 7:46.
5- التهذيب 4:/260 775،الإستبصار 2:/90 288،الوسائل 10:88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 8.
6- التهذيب 4:/264 792،الوسائل 10:88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.
7- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54.

و هو غير معروف،و مع ذلك مستنده غير واضح،عدا تضمّن جملة من النصوص أنّه مفطر (1)،فيدخل في عموم الأخبار الكثيرة:أنّ من تعمّده كان عليه الكفّارة (2).

و يضعفه بعد الأصل،و الإجماع على خلافه على الظاهر أنّ تلك النصوص كما تضمّنت ذلك دلّت هي كباقي الأخبار على عدم وجوبها، من حيث تضمّنها جملةً وجوب القضاء خاصّة،من غير إشارة إلى الكفّارة، مع أنّها واردة في مقام الحاجة.

مع أنّ المتبادر من الإفطار إفسادُ الصوم بالأكل و الشرب،فيجب الحمل عليه خاصّة؛ لأنّ اللفظ إنّما يحمل على الحقيقة.و إطلاق الوصف (3) عليه فيما مرّ من النصوص لا يستلزم كونه من أفرادها؛ لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة،و المجاز أولى من الاشتراك.

إلّا أن يقال:إنّ التجوّز يستلزم الشركة في وجوه الشبه،و منها هنا لزوم الكفّارة.

و هو حسن إن تساوت في التبادر و نحوه.و فيه مناقشة،بل المتبادر منها الإثم و لزوم القضاء خاصّة.

و السابع: إيصال الماء إلى الحلق متعدّياً لا للصلاة يعني:من أدخل فمه الماء،فابتلعه سهواً،فإن كان في غير المضمضة للطهارة كأن كان متبرّداً أو عابثاً فعليه القضاء خاصّة،و إن كان في المضمضة لها فلا قضاء أيضاً.

ص:378


1- الوسائل 10:86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.
2- الوسائل 10:44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3- أي المفطر(منه رحمه الله).

و لا خلاف في هذا التفصيل في الجملة بين علمائنا،بل عزاه في المنتهى إليهم،مشعراً بكونه إجماعاً (1)،كما هو [في] صريح الانتصار و الخلاف و الغنية أيضاً (2).

و إن اختلفت [اختلف] عبائرهم في التعبير عمّا لا يجب فيه القضاء بالتمضمض للطهارة و لو لنحو البقاء عليها و الطواف،كما في عبارة الانتصار و كثير (3)، و به صرّح في السرائر (4)،و لعلّه يفهم من الغنية و المنتهى.

أو به للصلاة خاصّةً،كما في عبارة الخلاف (5)و جماعة (6).

و جَعَلَ هذا محلَّ خلاف في السرائر،و جعل الأول (7)هو الصحيح، حاكياً له (8)عن الشيخ في الجمل و العقود و النهاية (9).

و عمّا يجب فيه القضاء بمطلق ما عدا الطهارة أو الصلاة،كما في عبارتي الأولين (10)،أو بالتبرّد خاصّةً من غير إشارة إلى غيره مطلقاً كما في عبارتي الأخيرين (11).

و يظهر من الإرشاد كون هذا أيضاً محلّ خلاف أيضاً،حيث ألحق

ص:379


1- المنتهى 2:79.5
2- الانتصار:64،الخلاف 2:215،الغنية(الجوامع الفقهية):571.
3- الانتصار:64،النهاية:154،الشرائع 1:192.
4- السرائر 1:378.
5- الخلاف 2:215.
6- كالعلامة في القواعد 1:64،و الشهيد في الدروس 1:274،و الفيض في المفاتيح 1:250،و صاحب الحدائق 13:90.
7- أي:إنّ المضمضة للطهارة مطلقاً لا توجب القضاء.
8- أي:للخلاف.
9- السرائر 1:375.
10- أي:المنتهى و الانتصار.
11- أي:الخلاف و الغنية.

المضمضة به للتداوي و العبث بها للصلاة،قائلاً بعده:على رأي (1).

و الأصحّ في المقامين ما في الانتصار و المنتهى؛ استناداً بعد الإجماع المنقول فيهما عليهما إلى فحوى الصحيح و غيره (2)،بل صريحهما في الجملة في الثاني (3).

و الموثّق فيهما:عن رجلٍ عبث بالماء يتمضمض به من عطشٍ فدخل حلقه،قال:« عليه القضاء،و إن كان في وضوءٍ فلا بأس» (4).

و منطوقه يعمّ الوضوء للصلاة و غيرها كما صرّح به الحلّي (5)و مفهومه العبث به و غيره.

و لكن ينبغي أن يستثني من هذا:ما إذا كان لإزالة النجاسة أو التداوي،وفاقاً للتذكرة و الدروس (6)و غيرهما (7)؛ للأمر بهما شرعاً، فلا يستعقبان شيئاً،مع بُعد انصراف الإطلاق إليهما جدّاً.

بل لولا النصّ و الإجماع لكان القول بعدم لزوم القضاء مطلقاً متوجّهاً؛ للصحيح الحاصر (8)،و لوقوع الفعل سهواً مع جوازه من أصله، بلا خلاف أجده،إلّا من الشيخ في كتابي الحديث،فمنع عنه للتبرّد في

ص:380


1- الإرشاد 1:297.
2- الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23.
3- أي في المقام الثاني،و هو عدم الاختصاص بالتبرّد(منه رحمه الله).
4- الفقيه 2:/69 290،التهذيب 4:/322 991،الوسائل 10:71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.
5- السرائر 1:378.
6- التذكرة 1:262،الدروس 1:274.
7- كالمدارك 6:101.
8- المتقدم في ص:2514.

الاستبصار (1)،و في التهذيب:إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفّارة و القضاء (2).

و لا دليل عليه،بل في المرسل كالصحيح:و في الصائم يتمضمض و يستنشق،قال:« نعم،و لا يبالغ» (3).

و في الموثّق:عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم،قال:« ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد ذلك» قلت:فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟قال:« ليس عليه شيء» قلت:فإن تمضمض الثالثة؟قال:فقال:« قد أساء،و ليس عليه شيء و لا قضاء» (4).

و في المنتهى:لو تمضمض لم يفطر،بلا خلافٍ بين العلماء كافّة، سواء كان في الطهارة أو غيرها.أمّا لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه، فإن تعمّد بابتلاع الماء وجب عليه القضاء و الكفّارة،و هو قول كلّ من أوجبهما بالأكل و الشرب و إن لم يقصده بل ابتلعه بغير اختياره فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه و لا كفّارة،و إن كان للتبرّد أو العبث وجب عليه القضاء خاصّة،و هو قول علمائنا (5).انتهى.

و النصّ الوارد بوجوب الأمرين بالتمضمض و الاستنشاق (6)لا قائل بإطلاقه؛ لشموله ما إذا لم يتعدّ الحق،فينبغي تقييده بما إذا تعمّد الازدراد

ص:381


1- الاستبصار 2:94.
2- التهذيب 4:214.
3- الكافي 4:/107 3،الوسائل 10:71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.
4- التهذيب 4:/323 996،الوسائل 10:72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.
5- المنتهى 2:579.
6- التهذيب 4:/214 621،الإستبصار 2:/94 305،الوسائل 10:69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

جمعاً.و تقييده بصورة التعدّي خاصّةً فيه اطراح لما مرّ من الأدلّة.

و بما ذكرنا ظهر وجه سقوط الكفّارة مطلقاً،حتّى في صورةٍ يجب فيها القضاء؛ لمخالفتهما الأصل،فيقتصر فيها على مورد النصّ و الفتوى، مضافاً إلى خلوّ النصوص الآمرة بالقضاء عن التعرّض لها أصلاً،مع ورودها في مقام الحاجة.

ثم إنّ ظاهر ما مرّ من الأدلّة عدم الفرق في الطهارة بين كونها الفريضة أو نافلة،و به صرّح جماعة (1)،و منهم:الشيخ في الخلاف،مع دعواه الإجماع (2).

لكن نُقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى الفرق بينهما،فيجب القضاء في الثانية،و أمّا الاُولى فلا (3).

و احتاط به المحقّق الثاني (4).و هو كذلك؛ للصحيح:« إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء،و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (5)و قريب منه المقطوع (6).

و في إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في إيجاب القضاء وجهان،بل قولان

ص:382


1- كالعلامة في المنتهى 2:579،و صاحب المدارك 6:101.
2- الخلاف 2:215.
3- كالشهيد الثاني في المسالك 1:73،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:250،و صاحب الحدائق 13:90.
4- جامع المقاصد 3:66.
5- الكافي 4:/107 1،التهذيب 4:/324 999،الوسائل 10:70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1 بتفاوت يسير.
6- الكافي 4:/107 4،التهذيب 4:/205 593،الوسائل 10:17 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

من الأصل،و اختصاص الموجب له بالمضمضة،فلا يتعدّى.

و من اتّحادهما في المعنى،و على هذا ابن زهرة في الغنية،مع دعواه الإجماع (1).و هو أحوط،إن لم نقل بكونه المتعيّن.

و على الأول السيّد في المدارك و صاحب الذخيرة (2)،و تردّد بينهما الفاضل في المنتهى (3).

و في إيجاب القضاء بالحقنة بالمائع قولان : أولهما للمرتضى في الناصريات نافياً الخلاف عنه،و الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المبسوط و الخلاف مدّعياً فيه عليه الإجماع،و ابن زهرة في الغنية مدّعياً له أيضاً في محتمل كلامه أو ظاهره،و القاضي،و الحلبي،و الماتن في موضع من الشرائع،و القواعد و التحرير و الإرشاد و المختلف و الدروس (4).

و لا دليل عليه سوى ما في المختلف من أنّه قد أوصل إلى جوفه، فأشبه ما لو ابتلعه،لاشتراكهما في الاغتذاء.

و الصحيح:« الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (5)؛ لأنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّية،فيكون بين الصوم و الاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة،و ثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر،و ذلك يوجب

ص:383


1- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
2- المدارك 6:100،الذخيرة:506.
3- المنتهى 2:579.
4- الناصريات(الجوامع الفقهية):242،جمل العقود(الرسائل العشر):213،الاقتصاد:288،المبسوط 1:272،الخلاف 2:213،الغنية(الجوامع الفقهية):571 القاضي في المهذب 1:192،الحلبي في الكافي:183،الشرائع 1:192،القواعد:64،التحرير:78،الإرشاد 1:296،المختلف:221،الدروس 1:275.
5- الكافي 4:/11 3،الفقيه 2:/69 292،التهذيب 4:/204 589،الإستبصار 2:/83 256،الوسائل 10:42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان،فوجب القضاء (1).

و يضعّف الأول:بأنّه قياس مع الفارق،فإنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة،و لا إلى موضع الاغتذاء،كما عن المعتبر (2).

و الثاني:بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه،و اللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه لا عند حصوله و إن كان محرّماً.

فلم يبق إلّا الإجماع المنقول.فإن تمّ،و إلّا كان أشبههما:أنّه لا قضاء وفاقاً للمرتضى في الجمل حاكياً له عن قوم و الحلّي،و الشيخ في النهاية و الاستبصار،و الفاضل في المنتهى،و شيخنا في المسالك، و سبطه في المدارك (3)،و جماعة ممّن تأخّر عنه (4).

و هو ظاهر العماني (5)حيث لم يذكرها في موجبات القضاء و الإسكافي حيث استحب تركها (6)و حكي عن المعتبر أيضا (7)للأصل و استصحاب بقاء صحة الصوم و النهي عن الاحتقان لا يقتضي فساده لاحتمال أن يكون حراما لا لكونه مفسدا كذا عن المعتبر (8)و سلمه منه جملة ممن تأخر عنه (9) و في الاحتمال بُعد،بل الظاهر خلافه،كما يشهد له التتبّع،فيمكن

ص:384


1- المختلف:221.
2- المعتبر 2:679.
3- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):554،الحلّي في السرائر 1:378،النهاية:156،الاستبصار 2:84،المنتهى 2:68،المسالك 1:71،المدارك 6:99.
4- كالسبزواري في الكفاية:46،و الفيض في المفاتيح 1:247.
5- حكاه عنه في المختلف:221.
6- حكاه عنه في المختلف:221.
7- المعتبر 2:679.
8- المعتبر 2:679.
9- كالسبزواري في الذخيرة:500.

أن يوجّه به الإفساد الموجب للقضاء،سيّما مع اعتضاده بنقل الإجماع عديداً،معتضداً بشهرة القدماء.

و كيف كان،لا ريب أنّه أحوط و أولى،إن لم نقل بكونه متعيّناً.

و كذا لا يجب القضاء على من نظر إلى امرأة و نحوها،أو أصغى إليهما فأمنى محلّلةً كانت أو محرّمة.

إلّا إذا كان معتاداً للإمناء عقيب النظر و قصد ذلك،فيجب القضاء و الكفّارة معاً،على أصحّ الأقوال و أظهرها.

استناداً في الأول إلى الأصل،مع عدم دليل على وجوب شيء بمجرّد النظر مطلقاً،و لو مع اعتياد الإمناء عقيبه من غير قصد إليه،مع أنّ في الناصرية و الخلاف الإجماع عليه (1).

و في الثاني إلى [إلا] أنّه بقصده النظر و اعتياده الإمناء عقيبه متعمّد له، فيشمله ما دلّ على وجوب القضاء و الكفّارة بالاستمناء عمداً.

و الذي أظنّه أنّ هذا ليس محلّ خلاف لأحد في إيجابه الأمرين معاً، و إنّما الخلاف في عدم وجوبهما في الأول مطلقاً،كما هو خيرة السيّدين، و القاضي،و الحلّي،و الفاضلين هنا و في المعتبر و الشرائع و الإرشاد، و شيخنا في المسالك،و سبطه في المدارك (2).

أو إذا لم يكن إلى محرّم،و إلّا فيجب القضاء مطلقاً،كما عن الشيخين،و الديلمي،و في التنقيح،و التحرير و المنتهى (3)،لكن فيهما

ص:385


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):243،الخلاف 2:198.
2- المرتضى في الانتصار:64،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،القاضي في المهذب 1:193،الحلّي في السرائر 1:/374 88،الناقلين في المعتبر 2:67،و الشرائع 1:192،و الإرشاد 1:296،المسالك 1:73،المدارك 6:102.
3- المفيد في المقنعة:345،الطوسي في المبسوط 1:272،الديلمي في المراسم:98،التنقيح الرائع 1:368،التحرير 1:77،المنتهى 2:564.

التقييد بشهوة،كما عن المبسوط أيضاً (1).

أو إذا لم يقصد الإنزال و لا كرّر النظر،و إلاّ فيجب بقصد الإنزال:

القضاء و الكفّارة معاً،و بالتكرار:الأول خاصّة،كما في المختلف (2).

و لبعض الأصحاب هنا تفصيل آخر (3)،و لم أعرف وجهه.

و المستفاد من الأُصول ما حرّرناه.

السادسة تتكرّر الكفّارة مع تغاير الأيّام

السادسة :تتكرّر الكفّارة مع فعل موجبها تغاير الأيّام و لو من رمضان و حد مطلقاً (4)؛ بإجماعنا على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة مستفيضاً (5).

و هل تتكرّر بتكرّر الوطء (6) خاصّةً دون غيره مطلقاً في المقامين؟كما رواه الصدوق في العيون و الخصال،عن مولانا الرضا عليه السلام (7)،و الفاضل في المختلف،عن العماني،عن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب،عنهم عليهم السلام (8).

أو بتكرّرهما مطلقاً،كما هو خيرة المرتضى،و ثاني المحققين،و إليه يميل ثاني الشهيدين (9).

ص:386


1- المبسوط 1:272.
2- المختلف:223.
3- حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:220،و انظر المهذب البارع 2:39.
4- أي:و إن لم يتخلّل التكفير،و اتّحد الجنس أو تغاير(منه رحمه الله).
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:68،و العلامة في المنتهى 2:580،و صاحب المدارك 6:110.
6- في المختصر المطبوع زيادة:في اليوم الواحد.
7- العيون 1:/198 3،الخصال:/450 54،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1.
8- المختلف:227،الوسائل 10:55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.
9- نقله عن المرتضى في المعتبر 2:680،جامع المقاصد 3:70،المسالك 1:73.

أو مع تخلّل التكفير،و إلاّ فلا مطلقاً،كما عن الإسكافي (1).

أو مع تغاير الجنس و إلّا فلا،إلّا مع تخلّل التكفير فتتكرّر؟كما عليه الفاضل في القواعد و المختلف و الإرشاد (2)،إلّا أنّ فيه تخصيص التكرّر بالاختلاف فقط.

أو بتكرّر الوطء مطلقاً،و غيره بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير، و إلّا فلا؟كما في الدروس و اللمعة (3).

أو لا تتكرّر مطلقاً؟كما عليه الشيخ في المبسوط و الخلاف (4)،و ابن حمزة في الوسيلة (5)،و الماتن في كتبه الثلاثة،و الفاضل في المنتهى (6).

قيل:نعم مطلقاً،أو في الجملة،على التفصيل الذي مضى لكلّ قائلٍ بحسب قوله.

و الأشبه:أنّها لا تتكرّر وفاقاً لمن مرّ،و تبعهم جملة ممّن تأخّر (7)؛ للأصل،و اختصاص أكثر ما دلّ على وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار،و هو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به المفطر و يفسد به الصوم،و هو الظاهر المتبادر من إطلاق باقيها،فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.

و الخبران الأولان غير واضحي السند،فيشكل الخروج بهما عن مقتضاه،مع ندورهما،لعدم ظهور قائل بما فيهما،لأنّ الأقوال التي وصلت إلينا

ص:387


1- حكاه عنه في المعتبر 2:68.
2- القواعد 1:65،المختلف:227،الإرشاد 1:298.
3- الدروس 1:275،الروضة 2:99.
4- المبسوط 1:274،الخلاف 2:189.
5- حيث قال:و بالتكرّر في يومٍ واحد لا تتكرّر،و في أكثر تتكرّر(منه رحمه الله)،انظر الوسيلة:146.
6- المعتبر 2:680،الشرائع 1:194،المنتهى 2:580.
7- كصاحبي المدارك 6:111،و الذخيرة:511.

هي ما قدّمنا،و ليس هو شيئاً منها،فيشكل المصير إليه و لو كان الخبر صحيحاً.

و لم نجد لشيء من الأقوال الأُخر حجّةً و دليلاً،عدا ما في المختلف من أمرٍ اعتباري ضعيف،مبني هو كما استدلّ به للقول الأول،من أنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات على دعوى عموم أخبار الكفّارة للمتكرّر من موجبها لغةً.و قد عرفت ضعفها.

و يعزَّر بما يراه الحاكم من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً لكن لا مستحلا بل معتقداً للعصيان مرّة.

و إن لم ينجع فيه ذلك،بل عاد ثانيةً غُزِّر أيضاً.

فإن لم ينجع فيه أيضاً و عاد ثالثةً قُتل فيها،وفاقاً للأكثر كما في المدارك و الذخيرة (1)،و في غيرهما:أنّه المشهور بين الأصحاب (2).

لموثّقة سماعة المضمرة عن رجلٍ أُخذ في شهر رمضان،و قد أفطر ثلاث مرّات،و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات،قال:« فليُقتَل في الثالثة» (3).

مضافاً إلى عموم الصحيح:« أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة» (4).

و قيل:يقتل في الرابعة (5)؛ لما رواه الشيخ عنهم عليهم السلام مرسلاً:« إنّ

ص:388


1- المدارك 6:111،الذخيرة:512.
2- كما في الحدائق 13:239.
3- الكافي 4:/103 6،الفقيه 2:/73 315،التهذيب 4:/207 598،الوسائل 10:249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2 بتفاوت يسير.
4- الكافي 7:/219 6،الفقيه 4:/51 182،التهذيب 10:/95 369،الإستبصار 4:/212 791،الوسائل 28:234 أبواب حد المسكر ب 11 ح 2 بتفاوت يسير.
5- قال به الشهيد في المسالك 1:74.

أصحاب الكبائر يقتلون فيها» (1).

و هو أحوط،و إن كان الأول أظهر؛ للتعدّد،و اعتبار السند،مضافاً إلى أخصّية الموثّق،و اعتضاده بالصحيحة و الشهرة.

و احترز بقوله"لا مستحلا" عمّا لو كان مستحلا،فإنّه مرتدّ إجماعاً إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام،و كان إفطاره بما علم تحريمه من دين الإسلام ضرورة،كالأكل،و الشرب المعتادين،و الجماع قبلاً.

و لا يكفّر المستحلّ بغيره.خلافاً للحلبي،فيكفّر (2)،و لا دليل له يظهر.

هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه،و إلّا دُرئ عنه الحدّ.

و في الصحيح:عن رجلٍ شهد عليه شهود أنّه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيّام،قال:« يُسأل:هل عليك في إفطارك إثم؟فإن قال:لا،فإن على الإمام أن يقتله،و إن قال:نعم،فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً» (3).

و اعلم:أنّه إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رُفع إلى الإمام و غُزِّر في كلٍّ مرّة،و إلّا فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة،كذا عن التذكرة (4)،و استحسنه جماعة (5).و هو كذلك؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى و الرواية.

السابعة من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان

السابعة :من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان،و يعزَّر هو

ص:389


1- المبسوط 1:129.
2- كما في الكافي في الفقه:183.
3- الكافي 4:/103 5،الفقيه 2:/73 314،الوسائل 10:248 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 1.
4- التذكرة 1:265.
5- كصاحبي المدارك 6:116،و الذخيرة:512.

بخمسين سوطاً،و لا شيء عليها حتّى القضاء.

بلا خلافٍ إلّا من العماني،فأوجبه عليها (1).

و هو مع ندوره،لم أعرف له مستنداً،بعد فرض كونها مكرهة؛ بناءً على ما مرّ من صحّة صوم المكره،و أنّه لا شيء عليه أصلاً (2).

و لو طاوعته و لو في الأثناء كان على كلّ واحدٍ منهما كفّارة عن نفسه،زيادةً على القضاء.

و يعزّران أي كلّ منهما بنصف ما مضى.

بلا خلاف و لا إشكال في هذا (3)؛ لإقدام كلّ منهما على الموجب اختياراً.

و إنّما هما (4)في اجتماع الكفّارتين على المكرِه لها؛ لمخالفته الأُصول؛ بناءً على أنّه لا كفّارة و لا قضاء على المكرَهة،لصحّة صومها، فلا وجه لتحمّل الكفّارة عنها.

و لذا نفي عنه العماني الكفّارة عنها،كما عزاه في المختلف إلى ظاهره (5)،و لكن باقي الأصحاب على خلافه.

و إيجابهما عليه للنصّ:في رجلٍ أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال:« إن استكرهها فعليه كفّارتان،و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة،و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ،و إن كانت طاوعته ضُرب خمسة و عشرين سوطاً و ضُربت خمسة و عشرين سوطاً» (6).

ص:390


1- نقله عنه في المختلف:223.
2- راجع ص:2527.
3- أي لزوم القضاء و الكفّارة على كلّ منهما(منه رحمه الله).
4- أي الخلاف و الإشكال.
5- المختلف:223.
6- الكافي 4:/103 9،الفقيه 2:/73 313،التهذيب 4:/215 625،المقنعة:348،الوسائل 10:56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

و ضعف السند مجبور بعمل الأكثر،بل الإجماع،كما في الخلاف و في المنتهى و التنقيح (1).

و عن المعتبر:أنّها و إن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على صحّة مضمونها،مع ظهور الفتوى بها،و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام،و إذا عُرِف ذلك لم يعتدّ بالناقلين؛ إذ يُعلَم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم و إن استندت في الأصل إلى الضعفاء (2).انتهى.و هو حسن.

و إطلاق الرواية بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق في المرأة بين كونها كونها زوجةً دائمة أو منقطعة،و به صرّح جماعة (3)،من غير خلاف بينهم أجده.

و في التحمّل عن الأمة و الأجنبية،و تحمّل المرأة لو أكرهته،و تحمّل الأجنبي لو أكرههما،و النائمة،اختلاف بين الأصحاب و إشكال.

و مقتضى الأصل:العدم،حتى في الأمة و الأجنبي؛ لمنع الأولوية في الأخير بعد قوّة احتمال مانعية عظم الذنب قبوله للتكفير،سيّما مع وجود النظير،و منع صدق المرأة مضافة إليه حقيقةً على الأمة عرفاً و عادة.

و لكن الأحوط:التحمّل في الجميع،و لا سيّما ما صرّحنا فيه بالعدم؛ لقوّة الشبهة فيه،خصوصاً الأمة،لتسميتها امرأة حقيقةً لغةً،و هو مقدّم على العرف و العادة على قول جماعة لا يخلو عن قوّة.

ص:391


1- الخلاف 2:182،المنتهى 2:581،التنقيح 1:37.
2- المعتبر 2:681.
3- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:74،و السبزواري في الذخيرة:512،و صاحب الحدائق 13:237.

الثالث في من يصحّ منه

الثالث في بيان من يصحّ منه الصوم.

و اعلم أنّه يعتبر في صحة صوم الرجل:العقل،و الإسلام و كذا يعتبران في صوم المرأة مع شرط زائد،و هو:

اعتبار الخلوّ من الحيض و النفاس فلا يصحّ من الكافر بأنواعه؛ لعدم تأتّي قصد القربة و امتثال الأمر به منه،لإنكاره له،مع أنّه شرط في الصحّة إجماعاً نصّاً و فتوى،فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط تحقيقاً للشرطية.

و إن وجب عليه عندنا؛ بناءً على أنّه مكلّف بالفروع،كما حُقّق في محلّه مستقصًى،و في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا (1)أجمع:

«و لا من المجنون» قال في المنتهى:لأنّ التكليف يستدعي العقل،لأنّ تكليف غير العاقل قبيح،و لقوله عليه السلام:« و عن المجنون حتى يُفيق» (2).

و لا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي به بلا خلاف؛ لأنّه غير مميّز، بخلاف الصبي فإنّه مميّز،فكان للتكليف في حقّه فائدة،بخلاف المجنون.

هذا إذا كان جنونه مطبقاً.أمّا لو أفاق وقتاً دون وقت،فإن كانت إفاقته يوماً كاملاً وجب عليه الصيام فيه؛ لوجود المقتضي بشرطه و هو العقل ذلك اليوم،و عدم المانع و هو عدم التعقّل؛ و لأنّ صوم كلّ يومٍ عبادة

ص:392


1- المنتهى 2:585.
2- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.

بانفراده،فلا يؤثّر فيه ما يزيل الحكم عن غيره (1).

و لا من المغمى عليه،و لو سبقت منه [عنه] النيّة،على الأشبه و عليه الأكثر،كما في المنتهى و غيره (2)،و في شرح الشرائع للصيمري و الذخيرة:أنّه المشهور بين الأصحاب (3).

قيل:لأنّ زوال العقل مسقط للتكليف،فلا يصحّ منه مع السقوط؛ و أنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه، كالجنون و الحيض؛ و أنّ سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم، و الأول ثابت على ما يأتي،فيثبت الثاني (4).

و أُجيب عن الأول:بمنع الكبرى مستنداً بالنائم.

و عن الثاني:بمنع كون الإغماء في جميع النهار مع سبق النيّة مفسداً للصوم،فإنّه أول البحث.

و عن الثالث:بمنع الاستلزام المذكور.

و هذه الأجوبة حسنة إلّا الأوّل؛ لابتنائه على عدم الفرق بين النوم و الإغماء،مع أنّ الفرق بينهما واضح،كما نبّه عليه جماعة،منهم شيخنا في المسالك،و قد أطنب الكلام فيه بما لا مزيد عليه (5).

أو أشار ب:« الأشبه» إلى خلاف المفيد و المرتضى،حيث صحّحا صومه مع سبق النيّة،و نفيا عنه القضاء حينئذ (6).

ص:393


1- المنتهى 2:585.
2- المنتهى 2:585،و انظر المدارك 6:331.
3- الذخيرة:525.
4- قال به العلامة في المنتهى 2:585.
5- المسالك 1:74.
6- المفيد في المقنعة:352،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):57.

و لا دليل عليه يعتدّ به.مع أنّه لا ثمرة بين القولين بالنسبة إلى القضاء؛ لاتّفاقهما على نفيه،بل سيأتي أنّ الأظهر الأشهر عدم وجوبه عليه مطلقاً،و لو لم تسبق منه النيّة (1).

نعم،تحصل الثمرة فيما لو أفطر عامداً في نهارٍ نوى صومه ثم أُغمي عليه في بعضه،فتجب الكفّارة عليه على الثاني دون الأول.و هو الأقرب، و يعضده زيادةً على ما دلّ على صحته الأصل.

و لا من الحائض و النفساء باتّفاق العلماء،كما عن المعتبر و في المنتهى،و النصوص به مستفيضة جدّاً (2).

و الحكم بذلك مطلق و لو في صورةٍ صادف ذلك أي الدم المدلول عليه بالمقام أول جزءٍ من النهار،أو آخر جزء منه و في المنتهى:أنّه لا خلاف فيه بين العلماء،قال:و يدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث.

لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:

« إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعةٍ أن تأكل و تشرب،و إن عرض لها بعد الزوال لتغتسل و لتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب» (3).

لأنّا نمنع صحّة سنده؛ إذ في طريقه عليّ بن فضّال،و هو فطحي.

قال الشيخ:هذا الحديث وهمٌ من الراوي،لأنّه إذا كان رؤية الدم هو

ص:394


1- راجع ص:2608.
2- الوسائل 10 أبواب من يصح منه الصوم ب 25،26.
3- التهذيب 1:/393 1216،الإستبصار 1:/146 500،الوسائل 10:232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 4.

المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ بذلك اليوم.و إنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال؛ لما رواه محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوةً أو ارتفاع النهار أو عند الزوال، قال:« تفطر،و إن كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها، و لتقض ذلك اليوم» (1)(2). و يصحّ الصوم من الصبي المميّز وفاقاً للشيخ (3)و جماعة، و منهم الفاضلان (4)،بل يظهر من ثانيهما في المنتهى عدم خلافٍ فيه بيننا.

فإنّه قال:و لا خلاف بين أهل العلم في شرعيّة ذلك؛ لأن النبيّ صلى الله عليه و آله أمر وليّ الصبي بذلك.

و من طرق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:« إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم،فإذا غلبهم العطش أفطروا» (5).

و لأنّ فيه تمريناً على الطاعة و منعاً عن الفساد،فكان شرعة ثابتاً في نظر الشرع.

إذا ثبت ذلك فإنّ صومه صحيح شرعي،و نيّته صحيحة شرعية،

ص:395


1- التهذيب 1:/393 1217،الإستبصار 1:/146 501،الوسائل 10:232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 3.
2- المنتهى 2:585.
3- المبسوط 1:278.
4- كما في الشرائع 1:197،و المنتهى 2:584 585.
5- الكافي 4:/124 1،الفقيه 1:/182 861،التهذيب 2:/38 1584،الإستبصار 1:/409 1564،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير.

و ينوي الندب،لأنّه الوجه الذي يقع عليه،فلا ينوي غيره.

و قال أبو حنيفة:إنّه ليس بشرعي،و إنّما هو إمساك عن المفطرات.

و فيه قوّة.

و كذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ و هو تسع أو الإنزال،أو الحيض على ما يأتي؛ لأنّ المقتضي في الصبي موجود فيها،فيثبت الأثر (1).انتهى.

لكنّه زيادةً على تقويته الخلاف هنا خالف صريحاً في المختلف، و وافق ما قوّاه،قال:لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ،و مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط (2).و هو خيرة ولده في الإيضاح (3)و غيره (4).

و هو غير بعيد؛ لقوّة دليله،و ضعف ما استدلّ به على خلافه.

أمّا الأول:فلعموم رفع القلم،الشامل للندب أيضاً.و ما يقال في الجواب:من اختصاصه بالوجوب و المحرّم (5)،فغير واضح الوجه.

و أمّا الثاني:فلأنّ أمر الولي بأمر الصبي بالصيام ليس أمراً له به، و على تقدير التسليم فالذي يظهر من جملة من النصوص أنّه أمرُ تأديب.

ففي رواية الزهري (6)و الفقه الرضوي (7):« و أمّا صوم التأديب:فإنّه

ص:396


1- المنتهى 2:584 585.
2- المختلف:216.
3- الإيضاح 1:243.
4- كالمحقق الثاني في المقاصد 3:82.
5- كما في الحدائق 13:54.
6- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 895،الخصال:/534 2،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 4 بتفاوت.
7- فقه الرضا عليه السلام:202،المستدرك 7:391 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديباً،و ليس ذلك بفرض» .و زاد في الأخير:« و إن لم يقدر إلّا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش،و كذلك من أفطر لعلّةٍ أول النهار ثم قوي بقيّة يومه أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً،و ليس بفرض،و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أُمر بقيّة يومه بالإمساك تأديباً،و ليس بفرض» و زاد في الأُولى:

« و كذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقيّة يومها» .و نحوهما في التصريح التأديب رواية أُخرى،مرويّة في الوسائل عن الخصال.

و ظاهرها سيّما بعد ضمّ الزيادات أنّه ليس بصوم حقيقي،بل هو إمساك بَحت.

و أمّا ما يستدلّ للصحّة بإطلاق الأمر فقد أجاب عنه في الذخيرة:بأنّه للإيجاب،و الظاهر عدم تعلّقه بالصبيان (1).

أقول:و لو أُريد به الأوامر المستحبّة ففيه أولاً:أنّها منساقة لبيان أصل الاستحباب،و أمّا مَن يستحبّ له فالمتضمّن لها بالنسبة إليه مجمل،مع أنّه يمكن أن يقال:إنّ المتبادر منها بالنسبة إليه مَن عدا الصبيان.

و يتفرّع على الخلاف.

فروع:

منها:ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير المبطل،فعلى الصحّة يجب الإتمام،و على عدمها فلا.

ص:397


1- الذخيرة:530.

و منها:ما لو وُقف للصائمين،فيعُطى الصبيان على الأول،دون الثاني.

و يصحّ من المستحاضة،مع فعل ما يجب عليها من الأغسال الثلاثة في الكثيرة،و الغسل الواحد في المتوسّطة،بلا خلاف و لا ريبة، فتوًى و رواية (1).

و يصحّ من المسافر في النذر المعيّن المشترط سفراً و حضراً أو سفراً خاصّة على قولٍ مشهور ذهب إليه الشيخان،و الأتباع (2)،على ما حكاه عنهم جماعة،من غير نقل مخالف لهم بالكلّية.

فإن تمّ إجماعاً،كما هو ظاهر المنتهى،حيث نفى الخلاف عنه (3)، و صريح غيره،حيث ادّعى اتّفاق الأصحاب عليه (4).

و إلّا ففيه إشكال؛ لعدم وضوح مستنده،عدا الموثّق:عن الرجل يجعل للّه تعالى عليه صوم يوم مسمّى،قال:« يصوم أبداً في السفر و الحضر» (5).

و المكاتبة الصحيحة:كتب إليه بندار مولى إدريس:يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت،و إن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب و قرأته:« لا تتركه إلّا من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلّا

ص:398


1- المفيد في المقنعة:350،الطوسي في النهاية:163،القاضي في المهذّب 1:194،الديلمي في المراسم:97،المحقق في المعتبر 2:684.
2- المفيد في المقنعة:350،الطوسي في النهاية:163،القاضي في المهذّب 1:194،الديلمي في المراسم:97،المحقق في المعتبر 2:684.
3- المنتهى 2:586.
4- الحدائق 13:191.
5- الكافي 4:/143 9،التهذيب 4:/235 688،الإستبصار 2:/101 330،الوسائل 10:198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7.

أن تكون نويت ذلك» (1) و فيهما نظر؛ لإطلاق الأول و شموله ما لم يقيّده بالسفر،و لم يقولوا به عدا المرتضى (2)،و هو نادر،و مع ذلك معارَض بأجود منه.

و إضمار الثاني،و اشتماله على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك.

و لعلّه لذا ضعّف الماتن الرواية في المعتبر،فقال:و لمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً (3).و إلّا فهي صحيحة السند.و لا تضرّ جهالة الكاتب؛ لأنّ مقتضى الرواية إخبار الثقة (4)بقراءة المكتوب.

و الأحوط عدم التعرّض لإيقاع مثل هذا النذر،و لو أُوقع فالعمل على المشهور،للإجماع المنقول،الجابر لضعف الرواية.

و يصحّ منه في ثلاثة أيّامٍ لدم المتعة،و في بدل البدنة و هو ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً كما سيأتي بيانهما مع المستند في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.

و لا يصحّ منه في واجبٍ غير ذلك على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر.

للمعتبرة المستفيضة،القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها (5)،و هي ما بين عامّة لجميع الواجبات،

ص:399


1- التهذيب 4:/235 689،الإستبصار 2:/102 331،الوسائل 10:195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1.
2- انظر جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56.
3- المعتبر 2:684.
4- و هو على بن مهزيار.
5- الوسائل 10 أبواب من يصح منه الصوم ب 1،11.

و خاصة بجملةٍ منها،كالنذر و غيره.

خلافاً للمرتضى في النذر المعيّن و إن لم يقيّد بالسفر (1)؛ لما مرّ.

و جوابه قد ظهر.

و للمفيد فيما حكاه عنه الفاضلان في المعتبر و المختلف (2)و غيرهما (3)في مطلق الواجب عدا رمضان.

و للصدوقين في جزاء الصيد (4).

و هذه الأقوال مع ندورها و متروكيتها،كما صرّح به في الدروس و المنتهى (5)لم أقف على دليلٍ على شيء منها،فلا إشكال في ضعفها.

إلّا أن يكون سفره أكثر من حضره،أو يعزم [بعزم] الإقامة عشرة أيّام فإنّه يصوم في المقامين و ما في المقامين و ما في حكمهما قطعاً،كما أنّه يتمّ الصلاة فيهما.

و أمّا المندوب:ففيه أقوال،ثالثها الكراهة،و عليها الأكثر،عملاً بالخبرين الصريحين في الجواز (6)،إلّا أنّهما ضعيفاً السند،غير معلومي الجابر حتى الشهرة،لكونها متأخّرة،و أمّا القديمة فهي على المنع مطلقاً، كما يستفاد من المفيد في المقنعة (7).

فيشكل الخروج بهما عن مقتضى إطلاق النصوص المستفيضة،

ص:400


1- حكاه عنه في المختلف:229.
2- المعتبر 2:685،المختلف:229.
3- كالمهذب البارع 2:51،و التنقيح الرائع 1:372.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:229،الصدوق في المقنع:63.
5- الدروس 1:27،المنتهى 2:586.
6- الكافي 4:/130 1 و 5،التهذيب 4:/236 692 و 693،الاستبصار 2:/102 334 و 335،الوسائل 10:203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4 و 5.
7- المقنعة:350.

و خصوص جملة:

كالصحيح:عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن في سفر،قال:

« فريضة؟» قلت:لا،و لكنّه تطوّع كما نتطوّع بالصلاة،فقال:« تقول اليوم و غداً؟» قلت:نعم،قال:« لا تصم» (1).

و الموثّق:« إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره،و الصوم في السفر معصية» (2).

لكن ربّما يقال:إنّ المفهوم من الصحيحة الفرق بين الصوم الفريضة و النافلة؛ لسؤاله عليه السلام في مقام الجواب عن كون صومه أيّهما،و لو لا الفرق لاتّجه الجواب ب:« لا تصم» مطلقاً من غير استفسار.

فهو أوضح شاهد على الفرق،و ليس إلّا كون النهي في النافلة للكراهة؛ إذ لا فارق آخر بينهما غيره إجماعاً.

فما عليه الأكثر لعلّه أظهر،سيّما مع تأيّده بصريح الخبرين، و الصحيح:سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول:« كان أبي يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف،و يأمر بظلّ مرتفع،فيضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» (3).

و إنْ ضعف دلالة هذا باحتمال كون صومه عليه عليه السلام لعدم بلوغ المسافة حدّا يجب فيه التقصير،فتدبّر.

ص:401


1- التهذيب 4:/235 690،الإستبصار 2:/102 332،الوسائل 10:202 من يصح منه الصوم ب 12 ح 2.
2- التهذيب 4:/328 1022،الوسائل 10:199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 8.
3- التهذيب 40:/298 901،الإستبصار 2:/133 433،الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3.

و كيف كان،فلا ريب أنّ المنع مطلقاً أحوط،إلّا ثلاثة أيّام الحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه و آله؛ للصحيح (1).

و ألحقَ المفيد مشاهد الأئمة عليهم السلام (2)،و الصدوقان و الحلّي الاعتكافَ في المساجد الأربعة (3).و لم أعرف دليلهما.

و الصبي المميّز و كذا الصبيّة فيما قطع به الأصحاب يؤخذ ب الصوم الواجب لسبع سنين استحباباً مع الطاقة وفاقاً لجماعة،و منهم:الشيخ في المبسوط،و الماتن في الشرائع، و الفاضل في المختلف و القواعد،و الشهيدان في الدروس و اللمعتين (4).

و لكن جعل جملة منهم السبع مبدأ التشديد،و مبدأ الأخذ قبله (5).

و مستندهم مطلقاً غير واضح،عدا الصحيح:« إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار و أكثر من ذلك و أقلّ،و إذا غلبهم العطش و الغَرَث (6)أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم و يطيقوه،فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام،فإذا غلبهم العطش أفطروا» (7).

ص:402


1- التهذيب 6:/16 35،الوسائل 14:350 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 1.
2- المقنعة:350.
3- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:230،الصدوق في المقنع:63،الحلي في السرائر 1:394.
4- المبسوط 1:266،الشرائع 1:198،المختلف:234،القواعد:68،الدروس 1:268،الروضة 2:105.
5- كالمحقّق في الشرائع 1:198،و العلامة في القواعد 1:68.
6- الغَرَث:الجوع مجمع البحرين 2:260.
7- الكافي 4:/124 1،الفقيه 1:/182 861،التهذيب 2:/380 1582،الإستبصار 1:/409 1564،الوسائل 1:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير.

و ظاهره اختصاص السبع بأولادهم عليهم السلام،و أنّ غيرهم إنّما يؤمرون لتسع،كما عليه الشيخ في النهاية،و الصدوقان (1)،و غيرهما.

و دلّت عليه أيضاً جملة من النصوص،كالرضوي (2)،و المرسل (3).

و لعلّه الأقوى.

و للمفيد قول بأنّه يؤخذ به إذا بلغ الحلم،أو قَدَر على صيام ثلاثة أيّامٍ تباعاً (4)؛ للقوي (5).

و في الصحيح:في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟قال:« ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة،فإن هو صام قبل ذلك فدعه» (6).

و في الموثّق:عن الصبي متى يصوم؟قال:« إذا قوي على الصيام» (7)و نحوه غيره (8).

و ربّما يقال:إنّ الذي يتلخّص من الجمع بين الأخبار بعد ضمّ

ص:403


1- النهاية:149،حكاه عن والد الصدوق في المختلف:234،الصدوق في المقنع:61.
2- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:393 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.
3- الفقيه 2:/76 329،الوسائل 10:236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 11.
4- المقنعة:367.
5- الكافي 4:/125 4،الفقيه 2:/76 330،التهذيب 4:/326 1013،الإستبصار 2:/123 499،الوسائل 10:235 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 5.
6- الكافي 4:/125 2،الفقيه 2:/76 332،التهذيب 4:/326 1012،الوسائل 10:233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 1.
7- الكافي 4:/125 3،الوسائل 10:234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 2.
8- التهذيب 4:/326 1014،الوسائل 10:236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 9.

بعضها إلى بعض هو:أنّ مراتب الأطفال في القوّة و الضعف و الإطاقة و عدمها متفاوتة،و بلوغ التسع أعلى المراتب،بمعنى إمكان ذلك و تيسّره من الجميع،و أمّا ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة،فبعض يُكلَّف قبل السبع، لإطاقته ذلك،و بعض بوصولها،و بعض بعدها.

و هو قريب من الصواب،و مرجعه إلى العمل بالموثّقة و ما في معناها من تحديد وقت الأخذ بالطاقة،و إرجاع ما تضمّن التحديد بسبعٍ أو تسعٍ إليها بحمله على الغالب من حصول الطاقة بهما،لا أنّهما حدّان لا يستحبّ التمرين قبلهما.

و ربّما يفهم هذا من المنتهى،فإنّه قال:و يؤخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه،ثم قال:قال الشيخ:و حدّه إذا بلغ تسع سنين،و يختلف حاله بحسب المكنة و الطاقة (1).

و يُلزَم به كلّ منهما عند البلوغ إجماعاً فتوًى و دليلاً.

و لا يصحّ الصوم من المريض مع التضرّر به و لو بخوف زيادة المرض بسببه،أو بطول (2)برئه،أو بحصول مشقّةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً،أو بحدوث مرضٍ آخر.

بالكتاب،و السنّة،و الإجماع،قال سبحانه: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ [1] (3).و في الصحيح:« الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» (4).

ص:404


1- المنتهى 2:584.
2- في« ح»:بُطء.
3- البقرة:184.
4- الكافي 4:/118 4،الفقيه 2:/84 373،الوسائل 10:218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

و قال عليه السلام:« كلّما أضر به الصوم فالإفطار له واجب» (1).

و يصحّ لو لم يتضرّر به بإجماعنا،و في المنتهى:أنّ عليه أكثر العلماء،و حكى عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر بكلّ مرض،سواء زاد في المرض أو لم يزد (2).

و الأصل عليه بعده عمومات وجوب الصوم على من شهد الشهر، مع اختصاص إطلاق ما دلّ على الفطر بالمرض بحكم التبادر الموجَب عن الغالب بالمضرّ منه لا مطلقاً.

مضافاً إلى فحاوي جملة من النصوص الواردة في المسألة و منها ما دلّ على أنه يرجع في ذلك أي المرض المبيح للإفطار و غيره إلى نفسه و هي مستفيضة،منها:الصحيح:« ذاك إليه،هو أعلم بنفسه،إذا قوي فليصم» (3).

و نحوه آخر بزيادة قوله « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» [1] (4)و الموثّق:« هو مؤتمن عليه،مفوّض إليه،فإن وجد ضعفاً فليفطر، و إن وجد قوّةً فليصمه كان المرض ما كان» (5).

ص:405


1- الفقيه 2:/84 374،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
2- المنتهى 2:596.
3- الكافي 4:/119 8،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
4- الكافي 4:/118 2،الفقيه 2:/83 369 باختلاف في السند،التهذيب 4:/256 758،الإستبصار 2:/114 371؛ المقنعة:355،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.
5- الكافي 4:/118 3،التهذيب 4:/256 759 مرسلاً،الإستبصار 2:/114 372،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4.

و في آخر:« إذا صدع صداعاً شديداً،و إذا حمّ حمّىً شديدة،و إذا رمدت عيناه رمداً شديداً،فقد حلّ له الإفطار» (1)إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة (2).

و المعتبر:القطع بالتضرّر أو الظنّ به،و في الاحتمال المساوي إشكال.

و عمومات نفي الحرج في الدين و إرادة اليسر دون العسر في الشرع المبين لعلّها ترجّح الإفطار به،كما رجّحه بعض المتأخّرين (3).

الرابع في أقسامه

اشارة

الرابع:في أقسامه أي أقسام مطلق الصوم المتناول للصحيح و الفاسد.

و هي أربعة:واجب،و ندب،و مكروه،و محظور على ما سيأتي بيانها.

الواجب ستّة

اشارة

فالواجب ستّة بحكم الاستقراء و تتبّع الأدلّة الشرعية:

صوم شهر رمضان،و صوم الكفّارات،و صوم دم المتعة،و صوم النذر،و ما في معناه من العهد و اليمين و صوم الاعتكاف على وجه يأتي بيانه في محلّه و قضاء الصوم الواجب المعيّن

أمّا شهر رمضان
اشارة

أمّا شهر رمضان،فالنظر فيه في أُمور ثلاثة:

في علامته،و شروطه،و أحكامه

علامته رؤية الهلال

أمّا علامته:فهي رؤية الهلال

ص:406


1- الكافي 4:/118 5،التهذيب 4:/256 760،الوسائل 10:220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 6.
2- الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20.
3- كصاحب المدارك 6:158.

ف اعلم أنّ من رآه وجب عليه صومه مطلقاً و لو انفرد بالرؤية إذا لم يشك.

بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملةٍ من العبائر مستفيضاً (1)،بل في التذكرة و المنتهى بعد نسبته إلينا-:أنّه مذهب أكثر العامّة (2).

و الأصل فيه بعده الكتاب (3)،و السنّة المتواترة.

ففي جملة منها صحيحة مستفيضة:عن الأهلّة،فقال:« هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم،و إذا رأيته فأفطر» (4).

و أظهر منها دلالةً الصحيح:عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وجده لا يبصره غيره،إله أن يصوم؟قال:« إذا لم يشكّ فيه فليصم،و إلّا فليصم مع الناس» (5).

و لو رُئي شائعاً بين جماعةٍ تأمن النفس من تواطئهم على الكذب،و يحصل بخبرهم العلم بوجوده،أو الظنّ المتاخم له على قول أو مضى من شعبان ثلاثون يوماً وجب الصوم عاما بإجماع المسلمين في الثاني،بل قيل:إنّه من ضروريات الدين (6).و في بعض الأخبار تصريح به (7).

ص:407


1- المدارك 6:164،الذخيرة:530،مشارق...:463،463.
2- التذكرة 1:268،المنتهى 2:588.
3- البقرة:185.
4- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
5- التهذيب 4:/317 964،قرب الإسناد:/231 904،الوسائل 10:260 أبواب أحكام شهر رمضان ب 4 ح 1.
6- المدارك 6:165.
7- التهذيب 4:/161 154،الوسائل 10:257 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 17.

و أمّا الأول:فلم نقف فيه على نصّ صريح.

نعم،ربّما يلوح الحكم فيه من جملة من الأخبار (1)،و لعلّه كافٍ في إثباته.

مضافاً إلى ما في المعتبر و التذكرة و المنتهى (2)و غيرها (3):من أنّه لا خلاف فيه بين العلماء.

و احتجّ عليه في الأخيرين بأنّه نوع تواترٍ يفيد العلم.

و لا ريب فيه مع العلم،و إنّما الإشكال مع الظنّ،فقد حكي عن الفاضل أنّه قوّي إلحاقه بالعلم،معلّلاً بأنّ الظن الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع.

و تبعه شيخنا الشهيد الثاني (4)،و حكى عنه سبطه في موضعٍ من المسالك اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين؛ ليتحقّق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة (5).

ثم اعترضه فقال:و يشكل بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلاً بإفادتهما الظنّ،ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك و يتحقّق به الأولوية المذكورة،و ليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل، و إنّما هو مستنبط فلا عبرة به.

مع أنّ اللّازم من اعتباره الاكتفاءُ بالظن الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل من شهادة العدلين،أو كان أقوى،و هو باطل إجماعاً.

ص:408


1- الوسائل 10:292 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12.
2- المعتبر 2:686،التذكرة 1:271،المنتهى 2:590.
3- كالفاضل المقداد في التنقيح 1:374.
4- المسالك 1:76.
5- المسالك 2:410.

و الأصحّ اعتبار العلم كما اختاره العلّامة في المنتهى،و صرّح به المصنّف في كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدلّ على اعتبار الشياع بدون ذلك،و على هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد.

و حيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد، و لا فرق في ذلك بين خبر المسلم و الكافر،و الصغير و الكبير،و الأُنثى و الذكر، كما قُرّر في حكم التواتر (1).انتهى.

و تبعه جماعة من متأخّري المتأخرين (2).و هو حسن.

و تزيد الحجّة على فساد اعتبار الظنّ مطلقاً استفاضةُ المعتبرة بأنّه ليس الهلال بالرأي و لا التظنّي،و أنّ اليقين لا يدخل فيه الشك،صُم للرؤية و أفطر للرؤية،و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما (3).فالقول باعتباره ضعيف جدّاً.

و لو لم يتّفق شيء من ذلك،قيل و القائل الديلمي يُقبَل الشاهد الواحد و استدلّ له بأنّ فيه احتياطاً للصوم و بالصحيح:« إذا رأيتم الهلال فأفطروا،أو شهد عدل من المسلمين» الحديث (4).

و يضعّف الأول:بأنّه على تقدير تسليمه ليس بدليل شرعي،مع أنّه إنّما يتمّ على القول بجواز صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان و إجزائه عنه إذا

ص:409


1- مدارك الأحكام 6:166.
2- منهم صاحب الذخيرة:530،و الحدائق 13:244.
3- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
4- الفقيه 2:/77 337،التهذيب 4:/158 440،الإستبصار 2:/73 222،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.

طابقه.

و أمّا على القول بالعدم كما هو الأقرب على ما مرّ (1)فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيّته،و الصوم بنيّة شعبان ليس فيه عمل بشهادة الواحد، بل عدول عنها.

و الثاني أولاً:بمخالفته المطلوب؛ لوروده بالقبول في أول شوّال لا أول رمضان كما هو المطلوب.

و ثانياً:بأنّ لفظ العدل كما يطلق على الواحد كذا يطلق على الزائد، لأنّه مصدر يصدق على القليل و الكثير،تقول:رجل عدل،و رجلان عدل، و رجال عدل.

و ثالثاً:باختلاف النسخ،فبعض بما ذكر،و آخر مكان أو شهد عدل:

« و أشهدوا عليه عدولاً» (2)و ثالث مكانه:« أو يشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين» (3)و مع اختلاف النسخ لم تكن فيها حجّة.

و رابعاً:بعدم معارضته للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الآتية من وجوهٍ عديدة.

فإذاً:لا اعتماد عليه بالكلّية،سيّما و أنّ في الخلاف و الغنية على خلافه دعوى إجماع الإماميّة (4).

و اعلم أنّ قوله: خاصّةً يرجع إلى الصوم،بمعنى:أنّه إنّما يقبل بالإضافة إليه فقط دون غيره،فلا يثبت به أول ما عدا شهر رمضان،و لا أوله

ص:410


1- في ص:2508.
2- التهذيب 4:/177 491.
3- الاستبصار 2:/64 207 و فيه:أو تشهد عليه بيِّنة عدول..
4- الخلاف 2:172،الغنية(الجوامع الفقهية):570.

لو كان منتهى أجل دَينٍ أو عدّةٍ أو مدّة ظهارٍ و نحوه.

نعم،يثبت به هلال شوّال بمضيّ ثلاثين منه تبعاً و إن لم يثبت أصالةً بشهادته.

و قيل:لا يقبل مع الصحو إلّا خمسون نفساً عدد القسامة أو اثنان من خارج البلد و القائل به الصدوق في المقنع،و الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف،و القاضي،و الحلبي،و ابن حمزة،و ابن زهرة العلوي (1).

للخبرين،أحدهما:الصحيح:قلت له:كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال:« إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه تعالى،فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد:رأيته،و يقول الآخرون:لم نره،إذا رآه واحد رآه مائة،و إذا رآه مائة رآه ألف،لا يجوز في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين،و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (2)و نحوه الثاني (3).

و أُجيب عنهما تارةً في المعتبر:بأنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم،ثم لا يفيد اليقين،بل قوّة الظن،و هي تحصل

ص:411


1- المقنع:58،المبسوط 1:267،الخلاف 2:172،القاضي في المهذب 1:189،الحلبي في الكافي:181،ابن حمزة في الوسيلة:141،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):570.
2- التهذيب 4:/16 451،الوسائل 10:289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 4:/159 448،الإستبصار 2:/74 227،الوسائل 10:290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.

بشهادة العدلين،ثم قال:و بالجملة فإنّه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة،فكان ساقطاً (1).

و أُخرى في المنتهى:بالمنع عن صحّة السند (2).

و ثالثة في المختلف و الروضة (3)و غيرهما (4):بالحمل على حصول التهمة في أخبارهم.و هو الأقوى؛ لظهور سياقهما فيه،كما صرّح به في الروضة شيخنا.

و قيل: و القائل الإسكافي و المفيد و المرتضى و الحلّي (5) يقبل شاهدان عدلان كيف كان صحواً أو غيماً.

و هو أظهر و عليه الفضلان و الشهيدان (6)و غيرهما من المتأخّرين (7)،بل عليه عامّتهم،و ادّعى كونه مذهب الأكثر بقول مطلق جملة منهم (8).

لعموم ما دلّ على حجّية البيّنة الشرعية،مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

منها:« صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته،فإن شهد عندك شاهدان

ص:412


1- المعتبر 2:688.
2- المنتهى 2:589.
3- المختلف:235،الروضة 2:110.
4- كمشارق الشموس:464.
5- نقله عن الإسكافي في المختلف:234،المفيد في المقنعة:297،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):54،الحلي في السرائر 1:380.
6- المحقق في المعتبر 2:689،العلّامة في المنتهى 2:588،الشهيد الأول في الروضة 2:109،الشهيد الثاني في المسالك 1:76.
7- كصاحب المدارك 6:167.
8- كالمحقق في المعتبر 2:686،و صاحبي المدارك 6:167،و الحدائق 13:252.

عدلان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (1)و نحوه بعينه غيره (2).

و منها:« إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» (3)و نحوه غيره (4).

و ما يقال:من أنّ غاية ما تفيده هذه الأخبار قبول العدلين في الجملة،و لا تصريح فيها بالقبول في حالة الصحو،بخلاف الخبرين السابقين،فإنّ فيهما تصريحاً بالعدم فيه،و مقتضى الجمع بينهما تقييدها بهما.

مدفوع:بأنّه لا تصريح فيهما بعدم القبول مع الصحو مطلقاً،بل مع تعارض الشهادات و إنكار مَن عدا العدلين لما شهدا به،و هو عين التهمة.

و عدم القبول حينئذٍ مجمع عليه بالضرورة؛ إذ من شرائط العمل بالبيّنة ارتفاع التهمة،و مع ثبوتها كما هو مورد الخبرين فلا عمل بها بالضرورة.

فالتحقيق في المسألة:أنّ الأصل في شهادة العدلين الحجّية و لو في نحو المسألة كما هو مقتضى العموم،و خصوص إطلاق ما مرّ من المستفيضة.

إلّا مع حصول التهمة و لو بما في سياق الخبرين من استهلال جماعة سالمي الأبصار،فاقدي الموانع منه خارجاً و داخلاً،ثم دعوى بعضهم

ص:413


1- التهذيب 4:/157 436،الإستبصار 2:/63 205،الوسائل 10:287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4.
2- المقنعة:297،الوسائل 10:287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ذيل الحديث 4.
3- التهذيب 4:/180 499،الوسائل 10:288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.
4- الكافي 4:76،الفقيه 2:/77 338،التهذيب 4:/180 499،الوسائل 10:286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1.

الرؤية مع إنكار الباقين لها بحيث يوجب الظنّ بتوهّمهم مثلاً،فلا حجّة حينئذٍ فيها.

و غير بعيدٍ أن يكون مراد المانعين هذه الصورة خاصّةً،و الأكثر الاُولى،و عليه فلا نزاع أصلاً.

و كيف كان،فإن كان مراد الأولين ما ذكرنا،و إلاّ؟فلا أعرف لهم حجّة؛ لما عرفت من اختصاص الخبرين بالصورة التي لا نزاع فيها.

نعم،ربّما يبقى الإشكال في اعتبار الخمسين مع التهمة و عدم حصول القطع من شهادتهم:من إطلاق الخبرين بالاعتبار،و من احتمال وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين،و أنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيته فيه،كما ربّما يفهم من سياق الصحيح،حيث صرّح في صدره بالنهي عن التظنّي،كما وقع مثله في كثير من النصوص (1)،بل في بعضها التصريح بالنهي عن الخمسين مع عدم اليقين (2).و لعلّ هذا أجود.

فالمعتبر في صورة التهمة و تعارض الشهادة القطع دون الظنّ، إلّا على القول بكفايته في الشياع،و هو ضعيف،فحيثما حصل اعتُبِر و لو فيما دون العدد،و حيث لا فلا و لو فيه فصاعداً.

كلّ ذلك عملاً بالأُصول و النصوص الناهية في الرؤية عن الظنون.

و منها مضافاً إلى الحصر المستفاد من الظواهر يستفاد أنّه لا اعتبار في معرفة الشهر بالجدول و هو كما قيل (3)حساب

ص:414


1- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
2- التهذيب 4:/156 431،الإستبصار 2:/63 201،الوسائل 10:290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.
3- المدارك 6:175.

مخصوص،مأخوذ من سير القمر و اجتماعه مع الشمس.

و لا بالعدد بأيّ معنى فُسِّر،سواء بعدّ شعبان ناقصاً أبداً و رمضان تامّاً أبداً،أو بعدّ [يعد] شهر تامّاً و آخر ناقصاً مطلقاً،أو عدّ تسعة و خمسين من هلال رجب،أو غير ذلك.

و لا بالغيبوبة أي غيبوبة الهلال بعد الشفق.

و لا بالتطوّق بظهور النور في جرمه مستديراً.

و لا بعَدّ خمسة أيّام من هلال شهر رمضان السنة الماضية.

كما عليه أكثر الأصحاب بل عامّة المتأخّرين في أكثرها،و في ظاهر الغنية (1)و غيرها (2)الإجماع.

خلافاً للمحكي في الخلاف عن شاذٍّ منّا (3)،و في المنتهى عن بعض الجمهور في الأول (4)؛ لقوله تعالى: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [1] (5)و للرجوع إليه في القبلة.

و هما مجابان على أنّهم كما قيل (6)لا يثبتون أول الشهر بمعنى جواز الرؤية،بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس،مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية.

هذا،و في التنقيح (7):الإجماع منعقد على عدم اعتبار قول المنجّم

ص:415


1- الغنية(الجوامع الفقهية):569.
2- كالحدائق 13:291.
3- الخلاف 2:169.
4- المنتهى 2:590.
5- النحل:16.
6- المفاتيح 1:258.
7- التنقيح الرائع 1:376.

في الأحكام الشرعية،مع أنّه قال صلى الله عليه و آله و سلم:« من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما انزل على محمّد صلى الله عليه و آله» .و للمفيد فيما حكي عنه،و الصدوق في الثاني (1)،فاعتبراه بالتفسير الأول؛ لأخبارٍ كلّها ضعيفة (2)،غير مكافئةٍ لما مرّ من الأدلّة،معارضَة بالصحاح الصراح:

منها:« شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان» (3).

و منها:« إذا كانت علّة فأتمّ شعبان» (4).

و لصريح المقنع في الثالث (5)،و محتمل الفقيه أو ظاهره فيه و في الرابع (6)؛ للنصوص:

منها الخبر:« إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة،و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» (7)و نحوه آخر (8).

و منها الصحيح:« إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين،و إذا رأيت ظلّ رأسك

ص:416


1- حكاه عن المفيد في كشف الرموز 1:298،الصدوق في الفقه 2:78،الهداية:45.
2- الوسائل 10:268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 الأحاديث 24 إلى 37.
3- التهذيب 4:/160 452،الوسائل 10:262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 3.
4- التهذيب 4:/156 433،الإستبصار 2:/63 203،الوسائل 10:263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 5.
5- المقنع:58.
6- الفقيه 2:78.
7- الفقيه 2:/78 343،التهذيب 4:/178 494،الإستبصار 2:/75 228،الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.
8- الكافي 4:/77 7،الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ذيل ح 3.

فيه فهو لثلاث» (1).

و فيها أجمع قصور عن المقاومة لما مرّ،مضافاً إلى ضعف سند الأولين و معارضتهما زيادةً على ما مضى بظاهر خصوص بعض النصوص.

و فيه:كتب إليَّ أبو الحسن العسكري عليه السلام كتاباً أرّخه يوم الثلاثاء لليلةٍ بقيت من شعبان،و كان يوم الأربعاء يوم الشك،و صام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس،و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمانٍ طويل،قال:فاعتقدتُ أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا يوم الأربعاء،قال:فكتب إليَّ:« زادك اللّه توفيقاً،فقد صمتَ بصيامنا» قال:

ثم لقيته بعد ذلك،فسألته عمّا كتبت به إليه،فقال لي:« أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس و لا تصم إلّا للرؤية؟ » (2).فتدبّر في الدلالة و تأمّل فيها،فإنّها لعلّها لا تخلو عن نوع مناقشة، كما أشار إليه في الذخيرة (3)،لكنّها عند التحقيق ضعيفة.

مع احتمال هذه النصوص الحمل على التقية أو الأغلبية،كما في الوسائل (4)و غيره (5).

و أمّا الحمل على صورة الغيم كما ذكره الشيخ في كتابي الحديث (6)-

ص:417


1- الكافي 4:/78 11،الفقيه 2:/78 342،التهذيب 4:/178 495،الإستبصار 2:/75 229،الوسائل 10:281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2.
2- التهذيب 4:/167 475،الوسائل 10:281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.
3- الذخيرة:533.
4- الوسائل 10:282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ذيل ح 3.
5- كالحدائق 13:278.
6- التهذيب 4:178،الاستبصار 2:75 ذيل ح 229.

فلعلّه لمجرّد الجمع بين النصوص،و إلّا فلا شاهد عليه،مع أنّ الجمع بينها بذلك فرع المقاومة،و هي في المقام مفقودة كما عرفته.

و للمحكي في التنقيح عن الإسكافي في الأخيرة (1)؛ للنصوص المستفيضة (2)،و منها الرضوي (3).

و هي ما بين ضعيفة السند أو قاصره،فلا تعارض ما قدّمناه من الأدلّة،فلتكن مطرحة،أو محمولة على استحباب صوم الخامس بنيّة شعبان احتياطاً.

و هو أولى ممّا حملها عليه جماعة من التقييد بصورة ما إذا غمّت شهور السنة (4)؛ لعدم قبول بعضها له،و فيه:إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة،فأيّ يومٍ تصوم؟قال:« انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية،و صم يوم الخامس» (5).

مع عدم دليل عليه،عدا ما في المختلف من أنّ العادة قاضية بعدم كمال شهور السنة ثلاثين ثلاثين،فلا يجوز بناء السنة على ما يُعلَم انتفاؤه، و إنّما يُبنى على مجاري العادات،و العادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة (6).

و فيه:أنّ قضاء العادة بتفاوت هذا العدد في شهور السنة إن كان

ص:418


1- التنقيح الرائع 1:377.
2- الوسائل 10:283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10.
3- فقه الرضا عليه السلام:209،المستدرك 7:416 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.
4- كما في التهذيب 4:179.
5- الكافي 4:/80 1،التهذيب 4:/179 496،الإستبصار 2:/76 230،الوسائل 10:283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3،و رواها في المقنع:59(و في الجميع بتفاوت).
6- المختلف:236.

بعنوان المظنّة فغير كاف؛ لما عرفته غير مرّة (1).

و إن كان بعنوان القطع،فعلى تقدير تسليمه لا يستلزم صحّة هذا الحساب؛ لجواز الاختلاف (2).

و لو سُلِّم فلا وجه للفرق بين هذه الصورة و ما إذا لم تغمّ شهور السنة،مع أنّهم قد فرّقوا بينهما.

و في العمل لمعرفة حلال الشهر برؤيته قبل الزوال أم العدم تردّد للماتن هنا و في المعتبر (3)،قيل (4):ينشأ من الأصل و دلالة جملة من النصوص على الثاني.

كالصحيح:« إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه عدل من

ص:419


1- من عدم جواز الاعتماد على المظنة في معرفة الأهلَّة.(منه رحمه اللّه).
2- و إلى هذا يشير كلام الشيخ في الاستبصار في جملة كلام له في الرد على القول بالعدد فقال:و أما القول بأنَّ السنة ثلثمائة و أربعة و خمسون يوماً من قبل أن السموات و الأرض خلقن في ستة أيام اختزلت من ثلثمائة و ستين يوماً لا يفيد أن يكون شهر منها بعينه أبداً ثلاثين يوماً بل يقتضي أنّ الستة أيام تتفرق في الشهور كلها على غير تفصيل و تعيين لما يكون ناقصاً منها مما يتفق كونه على التمام بدلاً من كونه على النقصان. و أما القول بأنَّ شهور السنة تختلف في الكمال و النقصان فيكون منها شهر تام و شهر ناقص لا يوجب أيضاً دعوى الخصم في شهر رمضان ما ادّعاه و لا في شعبان ما حكم به من نقصانه على كل حال لأنّها قد تكون على ما تضمنه الوصف من الكمال و النقصان،لكنها لا تكون كذلك على الترتيب و النظام،بل لا ينكر أن يتفق فيها شهران متصلان على التمام و شهران متواليان على النقصان و ثلاثة أشهر أيضاً كما وصفناه،و يكون مع ما ذكرناه على وفاق القول بأنَّ فيها شهراً ناقصاً و شهراً تاماً؛ إذ ليس لي صريح ذلك الاتصال و لا الانفصال.(منه رحمه اللّه).انظر الاستبصار 2:71 72.
3- المعتبر 2:689.
4- التنقيح الرائع 1:378،و انظر المدارك 6:179.

المسلمين،فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا» (1).

و الخبر« من رأى هلال شوّال نهاراً في رمضان فليتمّ صيامه» (2).

و في آخر:كتبتُ إليه عليه السلام جعلتُ فداك ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان،فنرى من الغد الهلال قبل الزوال،و ربّما رأيناه بعد الزوال،أ فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟كيف تأمرني في ذلك؟فكتب عليه السلام:

« تتمّ إلى الليل،فإنّه إذا كان تامّاً رُئي قبل الزوال» (3).

و من إطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية (4)،الشامل لمفروض المسألة،مضافاً إلى دلالة جملة أُخرى من النصوص على الأول، كالصحيح (5)و الموثق (6):« إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» .و إلى هذا القول مال جملة من متأخّري المتأخّرين (7)،وفاقاً للمرتضى

ص:420


1- الفقيه 2:/77 337،التهذيب 4:/158 440،الإستبصار 2:/73 222،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1،بتفاوت.
2- التهذيب 4:/178 492،الإستبصار 2:/73 223،الوسائل 10:278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 2.
3- التهذيب 4:/177 490،الاستبصار 2:/73 221،بتفاوت،الوسائل 10:279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.
4- الوسائل 10:252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
5- الكافي 4:/78 10،التهذيب 4:/176 488،الإستبصار 2:/73 225،الوسائل 10:280 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 6.
6- التهذيب 4:/176 489،الإستبصار 2:/74 226،الوسائل 10:279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 5.
7- منهم صاحب المنتقى 2:479،و صاحب الذخيرة:533،و صاحب المفاتيح 1:257.

في الناصرية (1)؛ لصراحة النصوص الدالّة عليه،مع اعتبار أسانيدها، و اعتضادها بما مرّ من الإطلاقات،و مخالفتها لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (2)،مع دعوى المرتضى عليه الإجماع من الإمامية و الصحابة (3).

فيُخصَّص بها الأصل،و تُصرَف النصوص المتقدّمة عن ظواهرها، بحمل وسط النهار في الصحيح على ما بعد الزوال،بل قيل:هو الظاهر منه؛ لإشعار لفظة:« من» (4)به.

و تقييد الثاني به أيضاً،مع ضعف سنده كالثالث،و فيه زيادةً عليه أنّه مكاتبة محتملة للتقيّة عمّا عليه جمهور العامة،مع اختلاف نسخه، الموجب لاضطراب دلالته،ففي الإستبصار كما ذكر،و في التهذيب بدل:

غمّ الهلال في شهر رمضان:« غمّ هلال شهر رمضان» و على هذه النسخة فلا دلالة لو لم تكن منعكسة.

و لا يخلو عن قوّةٍ لولا شذوذ هذا القول على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالمنتهى و المسالك و الخلاف و الغنية (5)،بل فيها (6)الإجماع من الإمامية.و في الخلاف:روي ذلك عن عليّ عليه السلام و عمر و ابن عمر و أنس،فقالوا كلّهم للّيلة القابلة،و لا مخالف لهم،يدلّ على أنّه إجماع

ص:421


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):242.
2- منهم الشيخ في الخلاف 2:171،و صاحب الحدائق 13:290.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):242.
4- الوافي 11:122.
5- المنتهى 2:592،المسالك 1:77،الغنية(الجوامع الفقهية):570،الخلاف 2:172.
6- أي:في الغنية.

الصحابة.

و دعوى الشهرة على هذا القول مستفيضة (1)،بل مسلّمة،و حينئذٍ فتقوى الأدلّة الدالّة عليه و لو ضعفت دلالةً بالإضافة إلى النصوص المقابلة.

و الجمع بين الأدلّة و لو بالتقييد أو التخصيص فرع المقاومة،و هي مفقودة،لما عرفت من اعتضاد الأوّلة بالشهرة العظيمة المسلّمة،التي هي أقوى المرجّحات الشرعيّة،و استصحابِ الحالة السابقة،بل هي حجّة برأسها مستقلّة.مضافاً إلى أصالة البراءة عن وجوب الصوم و القضاء و الإفطار،و حكايةِ الإجماع المتقدّمة،و ما يقرب منها ممّا مرت إليه الإشارة (2)؛ و لا تعارضها حكاية الإجماع على الخلاف،للندرة الموهنة.

و بجميع ذلك يجبر ضعف سند الخبرين.و اختلاف النسخة في ثانيهما غير ضائر بعد شهادة السياق بأولهما كما لا يخفى.

و حينئذٍ فيجاب عن إطلاقات الصوم للرؤية:بالتقييد بالرؤية الليلية، حملَ المطلق على المقيّد.

هذا على تقدير تسليم شمولها للرؤية النهارية،و إلّا فالمتبادر منها و الغالب الأُولى خاصّة.

و عليه فتكون من أدلّة المختار،بناءً على الحصر المستفاد من ظواهرها،لرجوع حكم منطوقه إلى الفرد المتبادر،و يدخل النادر في مفهومه.

و لعلّه لهذا أجاب عن الخبرين المعارضين الشيخ في الكتابين،فقال بعد نقلهما: فهذان الخبران لا تُعارَضُ بهما الأخبار المتقدّمة؛ لأنّها موافقة

ص:422


1- كما ادّعاها السبزواري في الذخيرة:533،و صاحب الحدائق 13:284.
2- من دعوى الشذوذ.(منه رحمه اللّه).

لظاهر القرآن و الأخبار المتواترة التي ذكرناها،و هذا الخبران مخالفان لذلك، فلا يجوز العمل عليهما (1).و نحوه الفاضل في المنتهى (2).و لا بأس به.

و عن الخبرين:بقصور سند الثاني عن الصحّة،بل الأول أيضاً على المشهور،فإنّه عندهم حسن و لو بإبراهيم،فلا يعارضان الصحيح المتّفق على صحّته سنداً،و إن ترجّحا عليه دلالةً،فليطرحا أو يحملا على التقيّة و لو عن نادرٍ من العامّة،أو على ما ذكره الشيخ من صورة التغيُّم و نحوها، مع انضمام الشهود إلى الرؤية.

و لو لا موافقة القول المشهور لما عليه جمهور الجمهور لكان القول به مقطوعاً به من غير ريبة،إلّا أنّه لها ربّما لا تخلو المسألة عن تردّدٍ و شبهةٍ كما عليه الماتن.إلّا أنّ مقتضى الأُصول حينئذٍ تعيّن العمل بما عليه المشهور.

و للفاضل في المختلف قول آخر في المسألة،بالتفصيل بين يوم الشكّ من شعبان فخيرة المرتضى،و من رمضان فالمختار احتياطاً للصوم في المقامين (3).و هو ضعيف (4).

و من كان بحيث لا يعلم الأهلّة كالمحبوس توخّى أي تحرّى لصيام شهرٍ يغلب على ظنّه أنّه هو شهر رمضان،فيجب عليه صومه.

ص:423


1- التهذيب 4:177،الاستبصار 2:74 ذيل ح 226.
2- فإنّه قال:هذا القدح في سند الخبر الثاني،و مع ذلك فلا يصلحان لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية و مضي ثلاثين لا غير.(منه رحمه اللّه)انظر المنتهى 2:592.
3- المختلف:235.
4- و من أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا و رفع الشكوك التي أُوردت على أخبارها فعليه مراجعة حاشيتي على الوافي.(منه رحمه اللّه).

فإن استمرّ الاشتباه و لم تظهر له الشهور قطّ أجزأه ما فعله عن صوم رمضان.

و كذا إن صادف و وافقه أو كان بعده.و لو كان قبله استأنف الصوم عن رمضان أداءً أو قضاءً.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع عن المنتهى و صريح التذكرة (1)؛ للصحيح (2)و غيره (3).

قيل:و يلحق بما ظنّه حكم الشهر في وجوب الكفّارة في إفساد يوم منه،و وجوب متابعته و إكماله ثلاثين لو لم ير الهلال،و أحكام العيد بعده من الصلاة و الفطرة.و لو لم يظنّ شهراً تخيّر في كلّ سنةٍ شهراً،مراعياً للمطابقة بين الشهرين (4).

و وقت الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني،فيحلّ الأكل و الشرب مثلاً قبله حتى يتبيّن خيطه بالكتاب (5)و السنّة و الإجماع.

و الجماع حتى يبقى لطلوعه قدر الوقاع و الاغتسال بناءً على الأشهر الأظهر من بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة،و يأتي على القول الآخر جوازه إلى الفجر كالآخرين،و هو ضعيف كما مرّ (6).

ص:424


1- المنتهى 2:593،التذكرة 1:272.
2- الكافي 4:/18 1،الفقيه 2:/78 346،التهذيب 4:/310 935،الوسائل 1:276 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 1.
3- المقنعة:379،الوسائل 10:277 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.
4- قال به الشهيد الثاني في المسالك 1:77.
5- البقرة:187.
6- في ص:2518.

و وقت الإفطار ذهاب الحمرة المشرقية على الأظهر الأشهر،كما في بحث مواقيت الصلاة مفصّلاً قد مرّ.

و يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار،إلّا أن تنازعه نفسه،أو يكون هناك من يتوقّع إفطاره للمعتبرة المتضمنة للصحيح و غيره (1)، إلّا أنّه ليس في شيء منها باستثناء منازعة النفس.

نعم،رواه في المقنعة مرسلاً،إلّا أنّ فيها« غير أنّ ذلك مشروط بأن لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقتها» (2).

و هذا الشرط غير مذكور في العبارة و نحوها.

و الظاهر أنّ المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في النصّ و الفتوى هي:

الصلاة الأُولى وحدها محافظةً على وقت فضيلتها،فيكفي في تأدّي السنّة تقديمها خاصّة.

ص:425


1- الوسائل 10:149 أبواب آداب الصائم ب 7.
2- المقنعة:318،الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5.
أمّا شروطه فقسمان

و أمّا شروطه فقسمان:

الأول شرائط الوجوب

الأول شرائط الوجوب و هي ستة البلوغ،و كمال العقل فلو بلغ الصبي،أو أفاق المجنون،أو المغمى عليه،لم يجب على أحدهم لصوم مطلقاً،بلا خلاف إلاّ؟من الشيخ في الخلاف في الكتاب (1)،فأوجبه على الصبي إذا بيّت النية و بلغ قبل الزوال.

و هو مع مخالفته لما صرّح به في كتاب الصلاة من الخلاف (2)نادر،بل على خلافه الإجماع في صريح السرائر (3)؛ و هو الحجّة عليه، مضافاً إلى الأُصول،و فحوى النصوص المتضمّنة للسقوط عن الكافر و الحائض اللذين هو أعذر منهما،و هما أقرب منه إلى التكليف إذا زال عذرهما قبل الزوال.

ففي الصحيح المروي في الكتب الثلاثة:عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام،هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه،أو يومهم الذي أسلموا فيه؟فقال:« ليس عليهم قضاؤه و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (4).

و هو حجّة على قوله في المبسوط في الكافر بمقالته هنا من وجوب

ص:426


1- أي كتاب الصوم.انظر الخلاف 2:203.
2- الخلاف 1:306.
3- السرائر 1:403.
4- الكافي 4:/125 3،الفقيه 2:/80 357،التهذيب 4:/245 728 بتفاوت الإستبصار 2:/107 349،الوسائل 10:327 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.

الإتمام عليه إذا أسلم قبل الزوال (1).

مع أنّه لا حجّة له في المقامين عدا ما ذكره في المعتبر و لأجله مال إليه من أنّ الصوم ممكن في حقّهما،لأنّ وقت النية باق (2).

و هو على تقدير تسليمه لم يتوجّه عذراً للشيخ في الخلاف؛ لأنّ مقتضاه عدم الفرق بين الصبي و الكافر،مع أنّه فيه فرّق بينهما،فأسقطه عن الثاني دون الأول،و مع ذلك فاشترط فيه تبييت النيّة،و الدليل يقتضي عدم السقوط مطلقاً.

و لا له (3)بعد ورود النصّ الصحيح بخلافه،فلا يكون إلّا اجتهاداً صرفاً في مقابلته،سيّما مع اعتضاده زيادةً على الأُصول بالإجماع المنقول و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع،مع أنّه أفتى بخلافه في الكتاب و الشرائع (4).

و بالجملة:لا شبهة في عدم الوجوب عليهم إلّا ما أدرك وا فجره كاملاً فيجب صومه عليهم إجماعاً.

و الثالث و الرابع: الصحّة من المرض المضرّ و الإقامة أو حكمها ككثرة السفر،أو المعصية به،أو الإقامة عشراً،أو مضيّ ثلاثين متردّداً،فلا يجب على المريض،و لا على المسافر الذي يجب عليه تقصير الصلاة؛ بالكتاب،و السنّة،و الإجماع فيهما (5)

ص:427


1- المبسوط 1:286.
2- المعتبر 2:711.
3- عطف على الشيخ.أي:و لا يتوجّه الدليل المذكور و هو إمكان الصوم في حقّهما عذراً للمحقّق في المعتبر.
4- الشرائع 1:201.
5- أي في الشرطين.

و لو زال السبب مرضاً كان أو سفراً قبل الزوال،و لم يتناول المكلّف شيئاً من المفطرات،و لم يفعلها،نوى الصوم و أمسك واجباً و أجزأه عن رمضان،فلا يجب عليه القضاء،بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في المفاتيح في السببين (1)،و في الذخيرة في ثانيهما، و فيها في الأول عن بعضٍ الأصحاب نقل الإجماع عليه (2)؛ و هو الحجّة فيه،المؤيّدة بعدم الخلاف،و به يستدلّ على الحكم في الثاني.

مضافاً إلى ورود النصوص فيه،منها الموثّق:« إن قدم قبل الزوال فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به» (3).

لكنها معارضة بجملة من المعتبرة،الناصّة بالتخيير،منها الصحيح:« إذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم،و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه،و إن شاء صام» (4)و نحوه آخر (5).

و الخبر:« و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء» (6).

لكنّها شاذّة لا عامل بها،فينبغي طرحها،أو تنزيلها على أنّ المراد بها ما في الصحيح:عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوةً أو ارتفاع النهار،فقال:« إذا طلع الفجر و هو خارج

ص:428


1- المفاتيح 1:240.
2- الذخيرة:525 526.
3- التهذيب 4:/255 754،الوسائل 10:191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 6(و فيهما بتفاوت).
4- الكافي 4:/131 4،الفقيه 2:/92 413،التهذيب 4:/229 672 بتفاوت،الإستبصار 2:/99 322،الوسائل 10:189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 1.
5- الكافي 4:/132 6،التهذيب 4:/256 757،الوسائل 10:190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 3.
6- التهذيب 4:/327 1020،الوسائل 10:191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 7.

و لم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام،و إن شاء أفطر» (1).

أفتى جماعة من غير خلاف (2).

و لو كان زوال السبب كائناً ما كان بعد الزوال،أو قبله و الحال أنّه قد تناول شيئاً،أو فعل مفطراً،لم يجب عليه الصوم و أمسك ندباً،و عليه القضاء بلا خلافٍ في رجحان الإمساك و استحبابه في حقّ المتناول،و عليه في ظاهر المنتهى و الغنية و صريح الخلاف و المدارك الإجماع (3)،و به نصّ حديث الزهري (4)و الفقه الرضوي (5).

و إنّما اختلفوا في وجوبه في حقّ المسافر إذا لم يتناول،فعن الشيخ في النهاية الوجوب (6)،لكنّ كلامه غير صريحٍ في محلّ البحث،فيحتمل الاختصاص بقبل الزوال كما صرّح به في المبسوط (7)و مع ذلك فهو نادر، بل على خلافه الإجماع في صريح السرائر (8)و يردّه مفهوم الموثّق السابق،مضافاً إلى الأُصول،و عدم وضوح دليل و لا شاهد على ما يقول،و هو أوضح شاهد على أنّ المراد بما في النهاية هو ما في المبسوط.

ص:429


1- الكافي 4:/132 5،الفقيه 2:/93 414،التهذيب 4:/255 756،الوسائل 10:189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 2.
2- منهم صاحب المدارك 6:199،و الحدائق 13:400.
3- المنتهى 2:600،الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:202،المدارك 6:273.
4- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 208،التهذيب 4:/294 890،الوسائل 10:367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
5- فقه الرضا عليه السلام:201 203،المستدرك 7:487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
6- النهاية:160.
7- المبسوط 1:283.
8- السرائر 1:404.

و الخامس و السادس: الخلوّ من الحيض و النفاس فتفطر الحائض و النفساء و إن حصل العذر قُبيل الغروب،أو انقطع بُعيَد الفجر، بالنصّ (1)و الإجماع.

الثاني شرائط القضاء

الثاني: [في] شرائط القضاء و هي ثلاثة:البلوغ،و كمال العقل،و الإسلام فلا يقضي ما فاته لصغرٍ مميّزاً كان أم لا أو جنون مطبقاً أو أدوارياً،و قد فاته في غير حال إفاقته أو إغماءٍ استوعب يوم الفوات [الوفاة] أم لا،بيّت [يبيت] نيّة الصوم ليلاً أم لا أو كفرٍ أصليٍّ لا مطلقاً.

بلا خلاف في شيء من ذلك ما عدا الإغماء على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (2)،بل في المنتهى:أنّه مذهب علمائنا،بل نفى عنه الخلاف بين العلماء في بعض أقسام الأول و الأخير (3)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل و تبعية القضاء للأداء مفهوماً،فلا يشمل عموم أو إطلاق ما دلّ على وجوبه بعد تسليم وجوده لنحو المجنون و الصبي؛ لحديث رفع القلم و نحوه (4)،الدالّ على عدم وجوب الأداء في حقّهما،فلا معنى للقضاء.

و لعلّ هذا هو الوجه في استدلال جماعة على الحكم فيهما بحديث رفع القلم (5)،و إلّا فلا وجه له أصلاً،إذ هو في حال الصباوة و الجنون، فلا ينافي ثبوته بعد ارتفاعهما كما لا يخفى.

و هذا الدليل و إن لم يجر في الكافر،بناءً على عدم سقوط الأداء في

ص:430


1- الوسائل 10:227 أبواب من يصح منه الصوم ب 25.
2- انظر المدارك 6:201،و مشارق الشموس:365،و الحدائق 13:294 و 296.
3- المنتهى 2:600.
4- الخصال:/93 40،الوسائل 1:45 أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.
5- منهم صاحب المدارك 6:201،و الخوانساري في مشارق الشموس:365،و صاحب الحدائق 13:294.

حقّه عندنا،فيصدق في حقّه القضاء إن ورد في عموم،لكنّه مخصوص بحديث:« الإسلام يجبّ ما قبله» (1).

مضافاً إلى خصوص جملة من النصوص،منها زيادةً على الصحيحة المتقدّمة (2)الصحيح أيضاً:عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان، ما عليه من صيامه؟قال:« ليس عليه إلّا ما أسلم فيه» (3)و نحوه الخبر (4).

و أمّا ما في آخر:« ليقض ما فاته» (5)فمع ضعف سنده و شذوذه و عدم مقاومته لمعارضة بوجه،محتمل للحمل على الاستحباب،أو على كون الفوت بعد الإسلام.

و أمّا الإغماء فقد اختلف الأصحاب بعد اتّفاقهم على ثبوته (6)فيه في الجملة.و الأظهر ثبوته فيه مطلقاً؛ لفحوى ما مرّ في الصلاة من عدم وجوب قضائها عليه مطلقاً،فهنا أولى كما لا يخفى (7)،مع عدم قائل بالفرق بينهما كما صرّح به في المختلف (8).

مضافاً إلى خصوص ما ورد في المقام من النصوص،و فيها الصحاح

ص:431


1- غوالي اللئالئ 2:/224 38،مسند أحمد 4:199.
2- في ص:2605.
3- الكافي 4:/125 1،التهذيب 4:/245 727،الاستبصار 2:/107 348 بسند آخر،الوسائل 10:328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.
4- الفقيه 2:/80 356،المقنع:64،الوسائل 10:328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 3.
5- التهذيب 4:/246 730،الإستبصار 2:/107 351،الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.
6- أي الحكم بعدم وجوب القضاء.منه رحمه اللّه.
7- فإن الاهتمام بشأن الصلاة أكثر في الشرع.فإذا لم يجب قضاؤها فالصوم أولى(منه رحمه اللّه).
8- المختلف:228.

و غيرها (1).

و على هذا الشيخ في جملةٍ من كتبه و الحلّي و ابن حمزة (2)،و عامّة المتأخّرين على الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (3).

خلافاً للشيخين،و القاضي،و المرتضى،فيقضي إن لم يبيّت النيّة مطلقاً (4)؛ قيل (5):لعموم الآية بوجوب القضاء على المرضى،و خصوص ما مرّ في الصلاة من النصوص الآمرة بقضائها؛ بناءً على ما مضى من عدم القائل بالفرق بينهما.

و يضعّف الأول:بمنع الصغرى،و لئن سُلِّنت فالكبرى (6)،و سند المنع فيها ما تلوناه (7).

و الثاني:بالمعارضة بالمثل،بل الأولى،لوجوهٍ شتّى،و لذا حُمِلَت على الاستحباب كما ثمّة قد مضى.

و للمحكي في المختلف عن الإسكافي،فخصّ نفي القضاء بما إذا لم يكن أدخل على نفسه سبب الإغماء و كان لجميع النهار مستغرقاً،و إلّا فالقضاء (8).

و لم أعرف له على التفصيل مستنداً،إلّا على وجوب القضاء فيما لو أدخل على نفسه السبب،فيمكن توجيهه بما مرّ في الصلاة مع الجواب عنه.

ص:432


1- الوسائل 10:226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24.
2- الشيخ في النهاية:165،المبسوط 1:285،الحلي في السرائر 1:366،ابن حمزة في الوسيلة:150.
3- منهم صاحب المدارك 6:194،و الذخيرة:526.
4- المفيد في المقنعة:352 الطوسي في الخلاف 2:198،القاضي في المهذّب 1:296،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):57.
5- المختلف:228.
6- الصغرى:إن المغمى عليه مريض،و الكبرى:كل مريض يجب عليه القضاء.
7- من الأدلّة على عدم وجوب القضاء هنا.(منه رحمه اللّه).
8- المختلف:228.

و المرتدّ عم ملّةٍ أو فطرة يقضي ما فاته بلا خلافٍ فيه بين الأصحاب أجده،و به صرّح أيضاً في الذخيرة (1)؛ للعمومات أو الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا إطلاق ما مرّ من أنّ الإسلام ما قبله، و الكافر إذا أسلم لا يقضي ما فاته.و هو بحكم التبادر مختصّ بالكافر الأصلي دون مفروض المسألة.

و كذا كلّ تاركٍ للصوم يجب عليه قضاؤه عدا الأربعة يعني:

الصبي و المجنون،و المغمى عليه،و الكافر عامداً كان في تركه أو ناسياً إجماعاً؛ لما مضى (2).

أمّا أحكامه فمسائل

أمّا أحكامه فمسائل خمس:

الاُولى المريض إذا استمرّ به المرض إلى رمضان آخر سقط

الاُولى:المريض إذا استمرّ به المرض الذي أفطر معه في شهر رمضان إلى رمضان آخر سقط عنه القضاء على الأظهر،و تصدّق عمّا فات من شهر رمضان الماضي لكلّ يومٍ بُمدّ من طعام،و هو الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في الروضة عُزي غيره إلى الندرة (3)،مشعراً بدعوى الإجماع.

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر (4)،بل لعلّها متواترة مرويّة في الكتب الأربعة و غيرها من الكتب المعتبرة، كالعلل و العيون (5)و قرب الإسناد (6)و الفقه الرضوي (7)و تفسير العياشي (8).

ص:433


1- الذخيرة:526.
2- من العمومات.(منه رحمه اللّه).
3- الروضة:120.
4- الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.
5- علل الشرائع:/271 9،عيون أخبار الرضا(عليه السلام)2:/116 1،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.
6- قرب الإسناد:910/232،الوسائل 10:338 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9،10.
7- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:450 أبواب أحكام شهر رمضان ب 17 ح 1.
8- تفسير العياشي 1:178/79،الوسائل 10:339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.

و مع ذلك،كلّها صريحة،و جملة منها معلّلة و مخالفة لما عليه الجمهور كافّة كما في المنتهى (1).

فيقيّد بها إطلاق قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ [1] و نحوه من إطلاق السنّة و لو كانت مقطوعاً بها متواترة.مع إمكان المناقشة في أصل شمول نحو هذين الإطلاقين لزمان مؤخّر عن السنّة (2)؛ لكونها المتبادر منه خاصّة.مع أنّ الإطلاق الثاني وارد لبيان أحكام أُخر غير الوقت،فيمكن التأمّل في شموله أيضاً من هذا الوجه.

و يُحمَل (3)ما ظاهره المنافاة لها من الأخبار مع قصور سنده و إضماره،و عدم وضوح دلالته على التقيّة؛ لما عرفته.

أو على الاستحباب،كما هو ظاهر على ما قيل (4)و صريح الصحيح:« من أفطر شيئاً من رمضان في عذرٍ ثم أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدٍّ لكلّ يوم،و أمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت» (5).

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف القول بوجوب القضاء دون ما مرّ من الكفّارة،كما عليه العماني و الحلّي و الحلبي (6)،و قوّاه في المنتهى و التحرير (7).

ص:434


1- المنتهى 2:603.
2- أي سنة الفوات.(منه رحمه اللّه).
3- المفاتيح 1:289.
4- المفاتيح 1:289.
5- التهذيب 4:/252 848،الإستبصار 2:/112 367،الوسائل 10:336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.
6- نقله عن العماني في المختلف:239،الحلي في السرائر 1:395،الحلبي في الكافي:181.
7- المنتهى 2:603،التحرير:83.

و القول بالاحتياط بالجمع بينهما كما عن الإسكافي أيضاً (1)إن أريد بالاحتياط الوجوب،و إلّا فلا ضعف فيه،لرجحانه،خروجاً عن شبهة الخلاف،و عملاً بصريح ما مرّ من الصحيح.

و يستفاد منه تعدّي الحكم إلى ما فاته من الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر،و هو أحد القولين في المسألة (2).و القول الآخر:عدم التعدّي (3)؛ تمسّكاً بعموم الآية إلّا ما خرج بالدليل و حملاً للعذر في الصحيح على المرض،كما يشعر به قول:« و هو مريض» .و فيه نظر،بل لعلّ الأول أظهر،سيّما مع التأمّل في العموم كما مرّ.

مضافاً إلى صريح ما رواه الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان،عن مولانا الرضا عليه السلام في العيون و العلل،و فيه:« إذا مرض الرجل،أو سافر في شهر رمضان،فلم يخرج من سفره،أو لم يُفِق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر،وجب الفداء للأول و سقط القضاء،فإذا أفاق بينهما،أو أقام و لم يقضه،وجب عليه القضاء و الفداء» (4).

و لو برئ بينهما و كان في عزمه القضاء قبل الثاني و أخّره اعتماداً على سعة الوقت،فلما ضاق عرض له مانع عنه ف لم يقض،صام الحاضر و قضى الأول إجماعاً و لا كفّارة على الأشهر كما في الروضة (5)و غيرها (6)،و هو الأقوى.

ص:435


1- نقله عنه في المختلف:239.
2- كما يظهر من الخلاف 2:206.
3- انظر المختلف:241.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:/116 1،علل الشرائع:/271 9،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8 و فيه:أو لم يَقوِ،بدل:أو لم يُفِق.
5- الروضة 2:121.
6- كالذخيرة:527.

للأصل،مع عدم تقصيره في الفوات،لسعة الوقت ابتداءً و عروض العذر إضراراً،و معه يبعد التكفير جدّاً،إذ هو لستر الذنب غالباً،و النادر كالعدم.

و للصحيح:« إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه،و تصدق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين،و عليه قضاؤه» الحديث (1).

و نحوه خبران آخران،مرويّ أحدهما عن تفسير العيّاشي بزيادة التعليل بقوله:« من أجل أنّه ضيّع ذلك الصيام» (2)و بُدّل التواني بالتهاون في الثاني (3).

و قريب منها خبر ثالث (4)،لعلّه لا يخلو عن قصور في سند،و نوع إجمال في دلالة،و تقريبها فيما عداه واضح؛ لاشتراط التكفير فيها أجمع بالتهاون و التواني،و شيء منهما لا يصدق فيما نحن فيه.

خلافاً للمحكي عن الصدوقين و العماني،فأطلقوا التكفير بالتأخير (5)، بحيث يشمله و ما يأتي،و هو خيرة جماعةٍ من المتأخّرين (6)؛ لإطلاق الأمر

ص:436


1- الكافي 4:/119 1،التهذيب 4:/25 743،الإستبصار 2:/110 361،الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.
2- تفسير العياشي 1:/79 178،الوسائل 10:339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.
3- التهذيب 4:/251 746،الإستبصار 2:/111 364،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.
4- الكافي 4:/120 3،التهذيب 4:/251 745،الإستبصار 2:/111 363،الوسائل 10:336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3.
5- حكاه عنهم في المختلف:240؛ و انظر المقنع:64.
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:78،و صاحب المدارك 6:218 و الذخيرة:527.

به في نحو الصحيح:« إن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً و تصدّق عن الأول» (1).

و فيه نظر؛ لوجوب حمله على ما مرّ،حَملَ المطلق على المقيّد.

و لو ترك القضاء تهاوناً بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت،أو عزم فلمّا ضاق الوقت عزم على عدمه صام الحاضر و قضى الأول قطعاً.

و كفّر عن كلّ يوم منه بمُدّ وجوباً على الأشهر الأقوى،بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا و جملة من قدمائهم أيضاً (2).

عدا الحلّي،فلم يوجبه هنا و لا فيما مضى (3).

و هو مع ندوره الأخبارُ المتقدّمة مع استفاضتها و صحّة جملة منها و اشتهارها حجّة على خلافه.و الخبر المخالف لها (4)مع ضعفه سنداً مطروح،أو مؤوّل بما يؤول إليها جمعاً،و إن أمكن الجمع بحملها على الاستحباب.إلّا أنّ الأول أولى؛ لرجحانها بما مضى،فينبغي صرف التوجيه إلى هذا.

الثانية يقضي عن الميّت أكبر أولاده

الثانية:يقضي عن الميّت الذكر أكبر أولاده الذكر ما تركه من صيام،لمرضٍ و غيره من الأعذار الشرعية إذا كان ممّا تمكّن من

ص:437


1- الكافي 4:/119 2،الفقيه 2:/95 429،التهذيب 4:/250 744،الإستبصار 2:/111 362،الوسائل 10:335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:240،الصدوق في المقنع:514 و انظر النهاية:158.
3- السرائر 1:397.
4- التهذيب 4:/252 749،الإستبصار 2:/111 365،الوسائل 10:337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.

قضائه و لم يقضه بلا خلاف ظاهر إلّا من العماني،فأوجب الصدقة عنه (1)،و للمرتضى في الانتصار،فأوجبها إن خلّف مالاً،و إلّا فعلى وليّه القضاء (2).

و ادّعى الأول تواتر الأخبار بذلك،و شذوذ ما عليه الأصحاب قاطبةً عداهما.

و لا ريب في وهن هذه الدعوى بقسميها:

أمّا الثانية:فلما يظهر من تتبّع الفتاوي،حتى أنّ الشيخ في الخلاف و الحلّي في السرائر (3)ادّعيا الإجماع على القضاء (4)،و غزاه في المنتهى إلى علمائنا أيضاً (5)،من غير أن يذكر قوله من أحد من علمائنا أصلاً،مؤذناً بكون خلافه إجماعياً.و كذلك المرتضى في كتابه الذي مضى،لكن على التفصيل الذي قدّمناه عنه.

و كذلك الأُولى،فإنّ الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة مصرّحة بثبوت القضاء (6)و إن اختلفت في الدلالة على ثبوته و وجوبه في الجملة أو مطلقاً،و مع ذلك فهي مخالفة لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (7).

ص:438


1- كما حكاه عنه في المختلف:241.
2- الانتصار:70.
3- الخلاف 2:208،السرائر 1:395.
4- و كذا الفاضل في المختلف ص:305 في كتاب الحج في صيام بدل الهدي.(منه رحمه اللّه).
5- المنتهى 2:604.
6- الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
7- منهم الشيخ في الخلاف 2:208،و العلّامة في المنتهى 2:604.

و لا معارض لها عدا الصحيح المروي في التهذيبين،و فيه:« إن صحّ ثم مرض حتى يموت و كان له مال تصدّق عنه،فإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه» (1).

لكنّه مرويّ في الكافي و الفقيه بمتن مغاير،و هو قوله:« إن صحّ ثم مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ،فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» (2)و الطريق في الأول و إن ضعف إلّا أنّه في الثاني موثّق كالصحيح بأبان، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

و هذا المتن مغاير لما ذكره (3)و إن وافقه في الجملة،لكنّها غير كافية.

و كيف كان،فمثل هذه الرواية يشكل أن يعترض بها ما اشتهر بين الطائفة،المستند إلى الإجماعات المحكيّة،و جملة من الأخبار المعتبرة، الواضحة الدلالة على وجوب القضاء على الوليّ مطلقاً،من غير تفصيل بين ما إذا كان له مال أم لا.و تنزيلها عليه و إن أمكن بالخبر المتقدّم المروي في الكتابين الأخيرين،إلّا أنّه فرغ التكافؤ المفقود من وجوه شتّى.فطرحه،أو حمله على اشتباه في المتن،و أنّه المتن الأول و صحّف،ثمّ على التقيّة لما عرفته متعيّن.

و أمّا الصحيح:قلت له:رجل مات و عليه صوم،يصام عنه أو

ص:439


1- التهذيب 4:/248 735،الإستبصار 2:/109 356،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 8 بتفاوت.
2- الكافي 4:/123 3،الفقيه 2:/98 429،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.
3- من إطلاق التصدّق(منه رحمه اللّه).

يتصدّق؟قال:« يتصدّق عنه فإنّه أفضل» (1).

فمع عدم ظهور قائل به من التخيير و أفضلية الصدقة،فمحمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور،كما حمل عليه الفاضل في المختلف الرواية السابقة (2)،و لكنّه فيها بعيد غايته.

مع أنّ مقتضى هذه الرواية حصول البراءة بالقضاء أيضاً،فيكون أولى؛ تَفادياً من طرح ما عليه معظم العلماء،مع عدم خروج عنها.

و اعلم أنّ إطلاق جملة من النصوص المعتبرة و الفتوى يقتضي عدم الفرق في القضاء عنه بين ما فات عذراً أو عمداً.

خلافاً لجماعة،فخصّوه بالأول (3)؛ حملاً لها على الغالب من الترك، و هو ما كان على هذا الوجه.

و لا بأس به،سيّما مع قوّة احتمال ظهور سياقها في ذلك كما لا يخفى على المتدبّر فيها.و لكن الأحوط القضاء مطلقاً.

و لو مات في مرضه و لم يتمكّن من القضاء لا يجب أن يقضى عنه و إن استحبّ أمّا الأول:فبالنصّ المستفيض،المتضمّن للصحاح و غيرها (4)،مضافاً إلى الإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (5)،و قريب منه بعض العبائر (6).

ص:440


1- الفقيه 3:/236 1119،الوافي 11:/349 11010.
2- المختلف:242.
3- كالشيخ في النهاية:157،و الشهيد في الذكرى:138،و الخوانساري في المشارق:479.
4- الوسائل 10:329،أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
5- الخلاف 2:107.
6- كما في المنتهى 2:603.

و أمّا الثاني:فقد صرّح به جماعة (1)،و عزاه في المنتهى إلى أصحابنا، قال:لأنّه طاعة فعلت عن الميّت،فيصل إليه ثوابها (2).

و فيه نظر وفاقاً لجملة ممّن تأخّر (3)،إذ لا كلام في جواز التطوّع عنه، و إنّما الكلام في قضاء الفائت عنه،و الوظائف الشرعية إنّما تستفاد من النقل،و لم يرد التعبّد بذلك،بل ورد خلافه صرحياً في الخبر:عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوّال،و أوصتني أن أقضي عنها،قال:

« هل برئت من مرضها؟» قلت:لا،ماتت عليه،قال:« لا تقض عنها،فإن اللّه تعالى لم يجعله عليها» قلت:فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني، قال:« فكيف تقضي شيئاً لم يجعله اللّه تعالى عليها» (4)؟! لكنّه غير واضح السند و إن الحقَ بالموثّق؛ لعدم ظهور الوجه.

و ما تقدّمه من الاعتبار حسن إن لم نكتف في نحو المقام (5)بفتوى جماعةٍ فضلاً عن الجماعة كما هنا على ما قيل.

و أمّا معه (6)كما هو الأقوى فلا.إلّا أن يقال:إنّه (7)حيث لا يحتمل التحريم،و هو هنا يحتمل،لظاهر الخبر المؤيّد بالنهي أو النفي

ص:441


1- منهم:المحقّق في المعتبر 2:700،و العلّامة في المنتهى 2:603،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة:259،و صاحب الحدائق 13:308.
2- المنتهى 2:603.
3- كصاحبي المدارك 6:211،و الذخيرة:527.
4- الكافي 4:/137 8،التهذيب 4:/348 737،الاستبصار 2:/109 358،علل الشرائع:/382 4،الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
5- من الاستحباب(منه رحمه اللّه).
6- أي مع الاكتفاء(منه رحمه اللّه).
7- أي الاكتفاء و التسامح(منه رحمه اللّه).

الراجع إليه في كثيرٍ من الأخبار.

فالترك لعلّه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.

و روى القضاء عن المسافر مطلقاً و لو مات في ذلك السفر ففي الصحيح (1)و الموثّق (2):عن امرأةٍ مرضت أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان،هل يُقضى عنها؟قال:« أمّا الطمث و المرض فلا،و أمّا السفر فنعم» و نحوهما الخبر (3).

و في الموثّق الآخر:عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه،قال:« يقضيه أفضل أهل بيته» (4)و هي مع قصور أكثرها سنداً و ضعف بعضها دلالةً لم أرَ عاملاً بها صريحاً،بل و لا ظاهراً،عدا الشيخ في التهذيب (5)،مع أنّه رجع عنه في الخلاف إلى ما عليه الماتن و أكثر الأصحاب، و هو:أنّ الأولى مراعاة التمكّن،ليتحقّق الاستقرار مدّعياً عليه الإجماع (6).

و هو الأقوى؛ له،مضافاً إلى الأصل و شذوذ الروايات و معارضتها بما يدلّ على أنّ وجوب القضاء على الوليّ بل جوازه مشروط بوجوبه على

ص:442


1- الكافي 4:/137 9،الفقيه 2:/94 423،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.
2- التهذيب 4:/249 741،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16.
3- التهذيب 4:/249 740،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.
4- التهذيب 4:/325 1007،الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11.
5- التهذيب 4:249.
6- الخلاف 2:207.

الميّت من الروايات.

منها زيادةً على الخبر المتقدّم قريباً المرسل كالموثّق:« فإن مرض فلم يصم شهر رمضان،ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه،ثم مرض فمات، فعلى وليّه أن يقضي عنه،لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» (1).

و قصور السند أو ضعفه منجبر بالعمل و الموافقة لمقتضى الأصل.

و لشيخنا في المسالك و الروضة قول آخر بالتفصيل بين السفر الضروري فالثاني (2)،و غيره فالأول (3).

و لم أقف على مستنده،عدا أمر اعتباري استنبطه ممّا ذكره في الدروس توجيهاً للرواية،من أنّ السرّ فيها تمكّن المسافر من الأداء،و هو أبلغ من التمكّن من القضاء إذا كان ترك السفر سائغاً،و ما ذكره في ردّه بقوله:و هو ممنوع،لجواز كونه ضرورياً كالسفر الواجب،فالتفصيل أجود (4).

و هو كما ترى،فإنّه اجتهاد صرف لا دليل عليه أصلاً،فلا يمكن الاستناد إليه جدّاً.

و لو كان له وليّان قضيا بالحصص وفاقاً للشيخ (5)و جماعة (6).

ص:443


1- التهذيب 4:/249 739،الإستبصار 2:/110 360،الوسائل 10:303 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2- أي لا يجب القضاء(منه رحمه اللّه).
3- المسالك 1:78،الروضة 2:124.
4- الروضة 2:124.
5- انظر المبسوط 1:286.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:703،و العلّامة في المختلف:242،و الشهيد في الروضة 2:122،و صاحب المدارك 6:226.

لعموم نحو الصحيح:« يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (1)؛ لشموله بإطلاقه المتّحد و المتعدّد،و يتساوون،لامتناع الترجيح من غير مرجّح.

خلافاً للقاضي،فالتخيير،و مع الاختلاف فالقرعة (2).

و للحلّي،فلا يجب على أحدهم بالكلّية (3).

و لا حجّة لهما أجدها،عدا ما استدلّ للأول من عموم ما دلّ على أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

و هو بعد تسليم جريانه في نحو العبادات،مع أنّه قد أنكره الفاضل في المختلف (4)لا يتمّ بإثبات التخيير فتأمّل.

و للثاني من الأصل و اختصاص الموجب للقضاء بالولد الأكبر،و ليس هنا بمقتضى الفرض.

و ضعفه ظاهر إن سُلّم العموم المتقدّم.و لا يخلو عن نظر؛ لتبادر الواحد،مع ندرة المتعدد المتحدين بحسب السنّ لرجل واحد،بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر بشيء و لو من نحو دقيقة،بأن ينفصلا دفعةً واحدة.

فلما ذكره وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر؛ لعدم مخالف فيه عداه،و هو نادر.

مع أنّه يمكن أن يقال:بأنّ المعتبر اتّحاد السنّ العرفي لا اللغوي، و لا يشترط فيه ما مرّ (5)،بل لو انفصلا متعاقبين بينهما دقيقة بل دقائق كانا متّحدين سنّاً عرفاً،و الاتّحاد بهذا المعنى غير نادر.

ص:444


1- الكافي 4:/123 1،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
2- المهذب 1:196.
3- السرائر 1:399.
4- السرائر 1:399.
5- و هو الانفصال دفعة واحدة.

و لو تبرّع بعضهم فأتى بعضاً ممّا يجب على الآخر صحّ عند الشيخ (1)و مَن تبعه (2)،بل و القاضي.أيضاً على ما يقتضيه مذهبه من التخيير كما عرفته (3).

قيل:لأنّ المقصود براءة الذمّة و قد حصل (4).

خلافاً للحلّي،فمنع (5).و للمنتهى،فتردّد أولاً من الوجوب على الولي فلا يخرج عن العهدة بفعل المتبرّع،كالصلاة عنه حيّا-و من كون الحقّ على الميّت،فأسقط بفعل المتبرع عنه الوجوب،لكن استقرب أخيراً المنع فقال:و الأقرب في ذلك كلّه عدم الإجزاء عملاً بالأصل (6).و أشار ب:

« كلّه» إلى التبرّع بالإذن،أو الأمر أو الاستئجار.

و ينبغي القطع ببراءة ذمّة الميّت؛ لعموم ما دلّ على انتفاعه بما يرد عليه من العبادات،حتى أنّه ليكون في شدّةٍ فيوسّع عليه (7)».و يتعلّق الإشكال ببراءة الولي خاصّة،لكن الأقرب فيه البراءة أيضا،بناء على ما يستفاد من تتبّع الأخبار بل و الفتاوي أنّ المقصود من أمر الولي بالقضاء ليس إلاّ إبراء ذمّة ميّته.

بل ورد في جملة من الأخبار:«فليقض عنه أفضل أهل بيته» (8)أو« من

ص:445


1- كما في المبسوط 1:286.
2- كالمحقق في الشرائع 1:204،و الشهيد الأول في الدروس 1:289،و الشهيد الثاني في المسالك 1:78،و صاحب المدارك 6:227.
3- المهذب 1:196.
4- المسالك 1:78.
5- السرائر 1:399.
6- المنتهى 2:604.
7- الوسائل 2:443 أبواب الاحتضار ب 28؛ و ج 8:276 أبواب قضاء الصلوات ب 12.
8- التهذيب 4:1007/325؛الوسائل 10:332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11 بتفاوت.

شاء من أهل بيته» (1)فتأمّل.

و في النبوي:إنّ أُمّي ماتت و عليها صوم شهر،أ فأقضيه عنها؟قال صلى الله عليه و آله:

« لو كان على أُمّك دينٌ أ كنتَ تقضيه عنها؟» قال:نعم،قال:« فدَين اللّه تعالى أحقّ أن يُقضى» (2).

و في المختلف بعد نقله-:و هذا الحديث و إن أورده الجمهور في الصحيح إلّا أنّه مناسب للمعقول (3).

هذا،مضافاً إلى الشهرة،و عموم:« يقضيه أولى الناس بميراثه» (4)، بناءً على صدقه على المتعدّد.

و التزام التخصيص بينهم إنّما هو لدفع إلزام بعضهم بالتكليف من غير مرجّح،و إلّا فلو تكلّفه بعضهم صدق أنّه قضاه أولى الناس به.و لعلّه لهذا قال القاضي بالتخيير،و الشيخ و مَن تبعه بالصحّة مع التبرّع.

و كيف كان،فما اختاروه في غاية القوّة.

و يُقضى عن المرأة ما تركته من الصيام،على نحو ما يُقضى عن الرجل،بلا خلافٍ في جوازه.

و على تردّد في وجوبه على الولي:

من اشتراكها مع الرجل في الأحكام غالباً،و دلالة الصحيح و الموثّق صريحاً على أنّه يُقضى عنها ما فاتها سفراً (5)،و قريب منهما رواية أُخرى

ص:446


1- الفقيه 2:/98 440،الوسائل 10:329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
2- صحيح مسلم 2:/804 155.
3- المختلف:243.
4- الكافي 4:/123 1،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
5- راجع ص:442.

مضت كالخبرين قريباً (1).

و من الأصل،و ضعف الظنّ الحاصل من الاشتراك هنا،و قصور دلالة الروايات على الوجوب،و غايتها الجواز،و نحن نقول به،مع كونه مجمعاً عليه كما مضى.مع أنّ الخبرين الأولين لا يقول بمضمونهما الأكثر؛ لتضمّنهما ثبوت القضاء على الولي مع عدم تمكّن الميّت منه.

و هذا الوجه أقوى،وفاقاً للحلّي،و المحقّق الثاني فيما يحكى عنه، و شيخنا في المسالك (2)و غيرهم (3).

خلافاً للشيخ،و الفاضل في جملة من كتبه و منها:المختلف،حاكياً له فيه عن القاضي و الشهيد في الدروس،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (4)،و غيرهم (5)،فاختاروا الأول،و لا ريب أنّه أحوط.

الثالثة إذا كان الأكبر أُنثى فلا قضاء

الثالثة:إذا كان الأكبر أي أكبر أولاده أُنثى فلا قضاء عليها،على الأشهر الأقوى؛ للأصل،و صريح الصحيح (6)و المرسل (7):« يقضي عنه أولى الناس بميراثه» قلت:فإن كان أولى الناس به امرأة؟فقال:« لا،إلّا الرجل» .خلافاً للمفيد،و الصدوقين،و الإسكافي،و القاضي،فتقضي (8).

ص:447


1- راجع ص:2617 الرقم(7).
2- الحلي في السرائر 1:399،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:154،المسالك 1:78.
3- كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 1:241.
4- الشيخ في المبسوط 1:286،الفاضل في المنتهى 2:605؛ التذكرة 1:276،و المختلف:243،القاضي في المهذب 1:196،الدروس 1:289،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:384.
5- كصاحب المدارك 6:228.
6- المتقدم في ص:2618.
7- الكافي 4:/124 4،التهذيب 4:/246 731،الإستبصار 2:/1080 354،الوسائل 10:331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.
8- المفيد في المقنعة:353،نقله عن والد الصدوق في المختلف:242،المقنع:64،القاضي في المهذّب 1:195.

و لا حجّة لهم واضحة،عدا الإطلاقات بإثبات القضاء على الولي.

و الرضوي:« إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه،و إن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء» (1).

و فيهما نظر:

أمّا الأول:فلعدم معلوميّة حجّية مثله،بعد قوّة احتمال وروده لإثبات القضاء في الجملة على الولي،من غير نظر إلى تشخيصه.

و ربّما يستأنس له ملاحظة سياق الخبرين الماضيين،حيث إنّه أطلق في صدرهما الحكم بالقضاء عليه من غير تفصيل،ثم فصّل في ذيلهما بعد السؤال بمن عدا النساء.

و أمّا الثاني:فلعدم مقاومته للصحيح و غيره،سيّما بعد اعتضادهما بالأصل، و الشهرة المتأخّرة الظاهرة،و المحكيّة في المسالك (2)و غيره (3)،و فتوى:

جماعة من القدماء،كالشيخ في المبسوط و النهاية،و الحلّي،و ابن حمزة (4).

و مع ذلك فلا قائل بها فيه عدا الصدوقين،حتى المفيد،و الإسكافي، و القاضي.

لقول الأول:بأنّه أكبر الأولاد،و مع فقده فأكبر أهله من الذكور،فإن فقدوا فالنساء.

و الثاني:بأنّه أكبر أولاده الذكور،أو أقرب أوليائه.و كذلك القاضي.

و أقوالهم متّفقة على تقديم أكبر الأولاد على أكبر مَن عداهم من

ص:448


1- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.
2- المسالك 1:78.
3- كالمهذّب البارع 2:74.
4- المبسوط 1:286،النهاية:157،الحلي في السرائر 1:399.ابن حمزة في الوسيلة:150.

الرجال.

و لا كذلك الرضوي؛ لدلالته على تقديم أكبر الرجال مطلقاً،حتى لو اجتمع أبو الميّت و أكبر أولاده تحتّم على أبيه،و ينعكس على قول الباقين.

و على المختار،هل يجب مع فقد أكبر الأولاد الذكور على أكبر الرجال،كما يقتضيه إطلاق الصحيح و ما بعده؟! أم لا،كما يقتضيه الأصل،و عدم قائل به بعد نفي الوجوب عن أكبر النساء؟ وجهان،و لا ريب أنّ الثاني أقوى إن أفاد عدم القائل به بعد ذلك إجماعاً،و لعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى،و تشير إليه العبارة هنا،و في التنقيح (1)،و غيرهما (2)،كما لا يخفى على المتدبّر جدّاً،و لعله لذا اشتهر بين المتأخّرين أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصّة.

مضافاً إلى الأصل،مع إجمال في إطلاقات الولي كما عرفت،فينبغي الاقتصار فيما خالفه على المجمع عليه فتوًى و رواية.و لعلّه إلى هذا نظر من استدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة إلّا ما حصل الاتّفاق عليه (3)،فتدبّر.

ثم إنّ المراد بأكبر أولاده على ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (4)و غيره (5)هو:من ليس له أكبر منه،و إن لم يكن له ولد متعدّدون،مع بلوغه عند موته؛ و لعلّه لإطلاق لفظ الولي في أكثر الأخبار.

ص:449


1- التنقيح الرائع 1:384.
2- كالمختلف:242.
3- كما في المعتبر 2:702،و المختلف:242،و الروضة 2:123،و التنقيح 1:384.
4- المسالك 2:78.
5- كصاحب المدارك 6:225.

و وروده في بعضها بلفظ أفعل التفضيل (1)لا يقتضي التقييد؛ لوقوعه جواباً عن السؤال عن الوليّين.

و في وجوبه عليه عند بلوغه إذا كان صغيراً عند موته وجهان،بل قيل:قولان (2).

و كما لا قضاء كذا لا فداء على الأقوى،وفاقاً لجماعة (3)؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة.

و قيل:يتصدّق من التركة عن كلّ يومٍ بمد و القائل الشيخ (4)و جماعة (5)،بل المشهور،كما في المختلف و الدروس (6)؛ للصحيحة المتقدّمة في صدر المسألة الثانية (7).

و ليس لها عليه دلالة بالكلّية،و به صرّح أيضاً جماعة (8).

و لو كان عليه شهران متتابعان،جاز أن يقضي الولي شهراً، و يتصدّق عن شهر وفاقاً للشيخ (9)و جمع (10).

ص:450


1- الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2- كما في الروضة 2:122،المدارك 6:225،و الذخيرة:528.
3- منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:305،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:384،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:278.
4- المبسوط 1:286.
5- منهم:ابن حمزة في الوسيلة:150،و العلامة في الإرشاد 1:303.
6- المختلف:243،244،الدروس 1:288.
7- راجع ص 2615.
8- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:384،و صاحب المدارك 6:224؛ و انظر الحدائق 13:328.
9- الشيخ في النهاية:158.
10- كالقاضي في المهذب 1:196،و العلامة في القواعد 1:67،و اللمعة(الروضة البهية 2)125.

للخبر:« إذا مات رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علّةٍ فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول،و يقضي الشهر الثاني» (1).

و فيه ضعف سنداً.

خلافاً للحلّي،فأوجب قضاءهما،إلاّ؟أن يكونا من كفّارة مخيّرة،فيتخيّر بينه و بين العتق أو الإطعام من مال الميّت (2)و جماعة (3).

و لا يخلو عن قرب،استناداً في وجوب القضاء إلى عموم جملة من النصوص الواردة في أصل المسألة،و مورد أكثرها و إن كان قضاء رمضان خاصّةً إلّا أنّ في الجواب ما هو ظاهر في العموم،مع أنّه لا قائل بتخصيص الحكم بالمورد،بل يتعدّى عنه و لو في الجملة إجماعاً،فتأمّل.

و في التخيير بينه غيره إلى الأصل السلم عمّا يصلح للمعارضة، عدا الخبر السابق،و قد عرفت جوابه،مع عدم معلومية انصرافه إلى المخيّرة،بل ظاهره غيرها،كما صرّح به في الذخيرة (4).

و بمثله يجاب عن إطلاق النصوص الواردة في أصل المسألة،فإنّ أكثرها مختصّة بقضاء شهر رمضان،و بعضها ظاهر في الصوم المتعيّن لا المخيّر.

و من هنا يظهر ضعف القول بوجوب القضاء مطلقاً،كما اختاره بعض متأخّري أصحابنا (5).

ص:451


1- الكافي 4:/124 6،التهذيب 4:/249 742،الوسائل 10:334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1.
2- السرائر 1:398.
3- منهم صاحب المدارك 6:230،و انظر مجمع الفائدة 5:279.
4- الذخيرة:529.
5- كالشهيد الثاني في المسالك 1:78.

و لو لا ظهور اتّفاق الأصحاب على اشتغال ذمّة الولي بشيء ما هنا، لكان القول ببراءتها متعيّناً؛ لعدم دليل على شيء من الأقوال،حتى قول الحلّي،لعدم دليل عليه بالخصوص،و الأصل أيضاً ينفيه،لكن شبهة الإجماع دَعَتْنا إلى قبوله بعد ما ظهر فساد قول غيره بمخالفته بالأصل،مع ضعف الدليل الخاص المستدلّ به عليه.

ثم إنّ ظاهر العبارة التخيير بين القضاء و ما في الرواية؛ و ظاهرها تعيّن ما فيها.

الرابعة قاضي رمضان مخيّر حتى تزول الشمس

الرابعة:قاضي رمضان مخيّر :في الإفطار مع سعة الوقت حتى تزول الشمس على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل، و المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها.

منها:في الذي يقضي شهر رمضان« أنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار» (1).

خلافاً لظاهر العماني،و الحلبي،فلا خيار (2)؛ لعموم النهي عن إبطال العمل (3)،و يخصّص بما مرّ،للصحيح (4)و غيره (5)،و حُمِلا على الاستحباب أو على ضيق الوقت جمعاً (6).

ص:452


1- التهذيب 4:/280 849،الإستبصار 2:/122 396،الوسائل 10:16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.
2- نقله عن العماني في المختلف:247،الحلبي في الكافي:184.
3- محمد:33.
4- التهذيب 4:/186 522،الوسائل 10:17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 6.
5- التهذيب 4:/28 846،الإستبصار 2:/212 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
6- راجع الذخيرة:509.

ثم بعد الزوال يلزمه المضيّ به بلا خلاف فإن أفطر لغير عذر أثِمَ و أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ و لو عجز صام ثلاثة أيّام على الأظهر الأشهر؛ للخبر (1)المنجبر بالعمل،المؤيّد بالصحيح (2)القريب منه دلالةً.

خلافاً للحلبي،و ابن زهرة،فخيّرا بينهما (3).و للقاضي،فكفّارة يمين (4).

و لم أقف على حجّةٍ للقولين،عدا ما في الغنية من دعوى الإجماع على الأول،و وهنها ظاهر،مع قصوره عن مقاومة الخبر السابق.

و للصدوقين،فكفّارة شهر رمضان (5)؛ للموثّق (6)،و الرضوي (7).

و حُمِلا على الاستحباب (8).

و للعماني،فلا كفّارة أصلاً (9)؛ للموثّق (10).و هو محمول على التقيّة؛

ص:453


1- الكافي 4:/122 5،الفقيه 2:/96 430،التهذيب 4:/278 844،الإستبصار 2:/120 391،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1.
2- التهذيب 4:/279 845،الإستبصار 2:/12 392،الوسائل 10:347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.
3- الحلبي في الكافي:184،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
4- المهذب 1:200،203.
5- عن والد الصدوق في المختلف:246،المقنع:63.
6- التهذيب 4:/279 846،الإستبصار 2:/121 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
7- فقه الرضا(عليه السلام):213،المستدرك 7:454 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 1.
8- كما في المعتبر 2:705،و الذخيرة:509.
9- حكاه عنه في المختلف:247.
10- التهذيب 4:/280 747،الإستبصار 2:/121 394،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

لكونه مذهب الجمهور كافّة عدا قتادة،كما في المنتهى (1).

و سيأتي مزيد تحقيق للمسألة في كتاب الكفّارات مستقصًى.

و احترز بقضاء رمضان عن غيره في الحكم التكليفي،كقضاء النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته،فلا تحريم فيه مطلقاً،فضلاً عن الكفّارة.

و كذا كلّ واجبٍ غير معيّن،كالنذر المطلق و الكفّارة،و به صرّح جماعة (2).

خلافاً للحلبي (3)و غيره (4)،فيحرم،للنهي السابق (5)،مضافاً إلى الخبر:في قوله:« الصائم بالخيار إلى زوال الشمس» قال:« إنّ ذلك في الفريضة،فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس» (6).

و نحوه آخر:« صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت،و قضاء صوم الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (7).

و فيه قوّة،لا للخبرين،لضعف سندهما،و عدم صراحتهما في غير قضاء رمضان،بل يحتملان الاختصاص به،للغلبة،أو التبادر.

ص:454


1- المنتهى 2:605.
2- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:79،و صاحب المدارك 6:233،و المحقق السبزواري في الذخيرة:509.
3- الكافي في الفقيه:185،186.
4- حكاه في المختلف:247،عن الحسن بن أبي عقيل،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
5- عن إبطال العمل(منه رحمه اللّه).
6- الكافي 4:/122 3،الفقيه 2:/96 433،التهذيب 4:/278 843،الوسائل 10:17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.
7- التهذيب 4:/278 841،الإستبصار 2:/120 389،الوسائل 10:18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

بل لعموم النهي عن الإبطال،السالم هنا عن المعارض،عدا فحوى ما دلّ على جواز الإفطار في قضاء رمضان قبل الزوال (1)،ففي غيره أولى، لما في بعض الأخبار من أنّه عند اللّه تعالى من أيّام شهر رمضان (2)،مؤيّداً باتّفاق أكثر الفتاوي بحرمة إفطاره و لو في الجملة دون غيره،فهو آكد من غيره جدّاً،فيخصَّص بالإضافة إلى قبل الزوال،و يبقى ما بعده داخلاً في العموم،و يعضده الخبران حينئذ.

نعم،لا تجب الكفّارة قطعاً؛ لعدم دليل عليه هنا أصلاً.

الخامسة من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر،فالمروي قضاء الصلاة و الصوم

الخامسة:من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر،فالمروي في المعتبرة:أنّ عليه قضاء الصلاة و الصوم معاً.

ففي الصحيح:عن رجل أجنب في شهر رمضان،فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان،قال:« عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» (3).

و نحوه الخبران (4)،المنجبران بموافقة الصحيح،و عمل الأكثر، كالشيخ في النهاية و المبسوط،و الإسكافي (5)،و أكثر المتأخّرين،بل عامّتهم،حتى الماتن في المعتبر (6).

و لكنّه هنا قال:

الأشبه:قضاء الصلاة حسبُ لكونه مجمعاً عليه نصّاً و فتوى،

ص:455


1- الوسائل 10:15 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4.
2- التهذيب 4:/279 846،الإستبصار 2:/121 393،الوسائل 10:348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
3- التهذيب 4:/322 990،الوسائل 10:238 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 3.
4- الفقيه 2:/74 320،320،الوسائل 10:237 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 1،2.
5- النهاية:165،المبسوط 1:288؛ و نقله عن ابن الجنيد في المختلف:233.
6- المعتبر 2:705.

و بالإجماع عليه صرّح جماعة مستفيضاً (1)،دون قضاء الصوم،لعدم إجماع عليه.

و الأمر به في الصحيح و غيره و إن أوجبه إلّا أنّه معارَض بأجود منه، و هو:الصحاح المستفيضة،المتضمّنة لأنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاُولى فلا قضاء عليه (2).

و هي أيضاً مشهورة،معتضدة بأصالة البراءة،السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا دعوى اشتراط الصوم بالطهارة (3)،،و لا حجّة عليها بالكلّية.و لأجل هذا اختار الحلّي العدم أيضاً (4).

و الجمع بينهما بتقييد ما هنا بما إذا عرض النسيان في الليلة الأُولى، و انتبه قبل طلوع الفجر،على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكراً،أو أصبح في النومة الثانية،كما اتّفق لبعض المتأخّرين (5)و إن أمكن،إلّا أنّه فرغ وجود قائل بهذا التفصيل قبله،و لم نجده.

لكن فتوى المشهور بالمتعارضين في المقامين تستلزم الجمع بينهما بما ذكر،أو بحمل ما هنا على الناسي،و تخصيص ذلك بالنائم عالماً عازماً.

و في الروضة:أنّ هذا أوفق،قال:بل لا تخصيص فيه لأحد النصّين؛ لتصريح ذلك بالنوم عالماً عازماً،و هذا بالناسي.

ثم قال:و يمكن الجمع أيضاً،بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر،فيفرق بين اليوم و الجميع،عملاً بمنطوقهما،إلّا أنّه يشكل

ص:456


1- منهم الحلي في السرائر 1:407،و صاحب المدارك 6:2035،و انظر الحدائق 13:298.
2- الوسائل 10:57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
3- كما في المختلف:233.
4- السرائر 1:407.
5- المدارك 6:237.

بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض،لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى.انتهى (1).

و في بعض ما ذكره نظر لا يخفى.

و اعلم أنّ هذا الذي تقدّم إنّما هو بعض أقسام الصوم الواجب.

و أمّا بقيّة أقسام الصوم فسيأتي ذكرها في أماكنها إن شاء اللّه تعالى و فيها غنى عن ذكرها هنا.

ص:457


1- الروضة 2:117.

و الندب من الصوم

منه ما لا يختصّ وقتاً

و الندب من الصوم: أقسام أيضاً:

ف منه ما لا يختصّ وقتاً معيّناً،كصيام أيّام السنة عدا ما استُثني فإنّ الصوم جُنّة من النار كما في النبوي (1)،و فيه:« الصائم في عبادة و إن كان على فراشه،ما لم يغتب مسلماً» (2).

و في الحديث القدسي:« الصوم لي،و أنا أجزي به» (3).

و في الصادقي:«نوم الصائم عبادة،و صمته تسبيح،و عمله متقبل، و دعاؤه مستجاب» (4).

و فيه:« من صام للّه عزّ و جلّ يوماً في شدّة الحرّ،فأصابه ظمأ،وكّل اللّه تعالى به ألف ملك يمسحون وجهه،و يبشّرونه بالجنّة،حتى إذا أفطر قال اللّه جلّ جلاله:ما أطيب ريحك و روحك،يا ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له» (5).

و لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس

ص:458


1- الكافي 2:/18 5،الفقيه 2:/44 196،التهذيب 4:/151 418،الوسائل 10:173 أبوا من يصح منه الصوم ب 1 ح 1.
2- الفقيه 2:/44 197،التهذيب 4:/190 538،ثواب الأعمال:/79 1،الوسائل 10:137 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.
3- الكافي 4:/63 6،الوسائل 10:397 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 7 و فيهما:أجزي عليه.
4- الفقيه 2:206/46،ثواب الأعمال: 3/79،الوسائل 10:403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24.
5- الكافي 4:/65 27،الفقيه 2:/45 205،ثواب الأعمال:81،أمالي الصدوق:/470 8،الوسائل 10:409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1،و في الجميع لا توجد:بالجنَّة.

البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية،لكفى به فضلاً و منقبة.

و منه ما يختصّ وقتاً
المؤكّد منه أربعة عشر

و منه ما يختصّ وقتاً معيّناً،و هو كثير.

و لكن المؤكّد منه أربعة عشر صوما صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر: أول خميس من الشهر،و أول أربعاء من العشر الثاني منه و آخر خميس من العشر الأخير منه.

فقد كثر الحثّ عليه في السنّة المطهّرة:

ففي الصحيح:« يعدلن صوم الدهر،و يذهبن بوَحَر الصدر» قال الراوي:الوَحَر:الوسوسة،و فيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله قبض عليه (1).

و في الموثّق إنّه:« جميع ما جرت به السنّة» (2).

و في رواية:« لا يقضي شيئاً من صوم التطوّع إلّا الثلاثة الأيّام التي يصومها من كلّ شهر» (3).

و يسقط القضاء مع السفر،كما في الصحيح (4)و غيره (5).

و كذا المرض؛ لأنّ؛ لأنّ المريض أعذر،و للخبر:« المرض قد وضعه اللّه تعالى عنك،و السفر إن شئت فاقضه،و إن لم تقضه» (6).

ص:459


1- الكافي 4:/89 1،الفقيه 2:/49 210،التهذيب 4:/302 913،الاستبصار 2:/136 444،ثواب الأعمال:/108 6،المحاسن:/301 8،الوسائل 10:415 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1،بتفاوت.
2- الكافي 4:/93 9،الفقيه 2:/51 220،الوسائل 10:418 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6 بتفاوت.
3- الكافي 4:/142 8،التهذيب 4:/233 685،الإستبصار 2:/100 327،الوسائل 10:222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2.
4- الكافي 4:/130 3،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3.
5- الكافي 4:/130 4،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 4.
6- الكافي 4:/130 2،الوسائل 10:223 أبواب من يصح منه الصوم ب 27 ح 5،و منهما:و إن لم تقضه فلا جناح عليك.

لكنّه مع ضعف سنده،و مخالفته الصحيح في السفر معارَض بآخر:« إن كان من مرض،فإن برئ فليقضه،و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ» (1).

و العمل بهذا و بسابقه في إثبات القضاء في السفر أحوط؛ بناءً على المسامحة في أدلّة السنن،و بحمل الصحيح في السفر على نفي التأكّد أو الوجوب،كما يشعر به سياقه.

و يجوز تأخيرها مع المشقّة من الصيف إلى الشتاء و يكون مؤدّياً للسنّة،كما في النصوص المستفيضة (2)،بل يستفاد من إطلاقها جواز التأخير اختياراً،كما صرّح به جماعة (3).

و إن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام،أو بدرهم،كما في النصوص المستفيضة (4)،و فيها الصحيح و غيره.

ثم إنّ ما في العبارة من الكيفية في ترتيب الأيّام الثلاثة هو الأظهر الأشهر فتوًى و روايةً،كما صرّح به جماعة (5)،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6).

ص:460


1- التهذيب 4:/239 700،الوسائل 10:432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1.
2- الوسائل 10:430 أبواب الصوم المندوب ب 9.
3- منهم:المحقّق في الشرائع 1:207،و الفيض في المفاتيح 1:282،و صاحب الحدائق 13:353.
4- الوسائل 10:433 أبواب الصوم المندوب ب 11.
5- كالعلاّمة في المختلف:238،و الفيض في المفاتيح 1:281،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:183.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

خلافاً للشيخ،فخيّر بين صوم أربعاء بين خميسين،أو خميس بين أربعاءين (1)؛ للخبر (2).

و للإسكافي،فهكذا في شهر،و هكذا في آخر (3)؛ لآخر (4).

و ليس في الخبرين مقاومة لما مرّ بوجه.

و للعماني،فجعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني (5).و لم أعثر له على خبر،فضلاً عن أن يقاوم ما مرّ.

و للحلبي،فأطلق الخميس في العشر الأول،و الأربعاء من الثاني، و الخميس من الثالث؛ لإطلاق جملة من النصوص (6)،المقيّدة بما مرّ، حَملَ المطلق على المقيّد.

و صوم أيّام البيض بالإجماع كما في المختلف و الغنية (7)،و عن المنتهى و التذكرة أنّه مذهب العلماء كافّة (8)؛ لروايتي الزهري (9)و الفقه الرضوي (10)،و غيرهما المروي في الوسائل عن بعض الكتب (11).

ص:461


1- كما في الاستبصار 2:137 ذيل حديث 447.
2- التهذيب 4:/304 918،الإستبصار 2:/137 448،الوسائل 10:429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 1.
3- نقله عنه في المختلف:238.
4- التهذيب 4:/303 917،الإستبصار 2:/137 447،الوسائل 10:429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 2.
5- حكاه عنه في المختلف:238.
6- الوسائل 10:415 أبواب الصوم المندوب ب 7.
7- المختلف:238،الغنية(الجوامع الفقهية):573.
8- المنتهى 2:609،التذكرة 1:278.
9- الفقيه 2:/46 208،الوسائل 10:411 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 1.
10- فقه الرضا(عليه السلام):207،المستدرك 7:507 أبواب الصوم المندوب ب 4 ح 1.
11- الوسائل 10:436 أبواب الصوم المندوب ب 12.

و رواه أيضاً الصدوق في العلل،عن النبيّ صلى الله عليه و آله،مع علّته تسمية الأيّام بالبيض (1)،بما يرجع حاصله إلى أنّ آدم عليه السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فاُلهم صوم هذه الأيّام.

و فيه:أنّه الثالث عشر،و الرابع عشر،و الخامس عشر،من كلّ شهر، كما هو المشهور،بل قيل:إنّه مذهب العلماء كافّة.

و عن العماني:أنّها الثلاثة الأيّام من كلّ شهر المتقدّمة (2).و لا أعرف وجهه.

و المشهور في وجه التسمية خلاف ما في الرواية من أنّها إنّما سُمّيت بذلك لبياض لياليها جُمَع بضوء القمر.و على هذا الوجه يحتاج إلى حذف الموصوف في العبارة أي أيام الليالي البيض و على الوجه الآخر العبارة جارية على ظاهرها من غير حذف.

ثم إنّ الصدوق ذكر بعد نقل الرواية-:أنّه منسوخ بصوم الخميس و الأربعاء (3).و ربّما يشعر به بعض الصحاح (4)،لكنّه لما عرفت شاذ.

و يوم الغدير،و مولد النبيّ صلى الله عليه و آله،و مبعثه،و دحو الأرض و هذه الأيّام هي الأربعة التي يصام فيهنّ في السنة،كما في النصوص:

منها:عن الأيّام التي تصام في السنة،فقال:« اليوم السابع عشر من

ص:462


1- علل الشرائع:/379 1،الوسائل 10:436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.
2- نقله عنه في المختلف:238.
3- علل الشرائع:380.
4- الكافي 4:/90 2،الوسائل 10:423 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 16.

ربيع الأول،و هو اليوم الذي وُلد فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و اليوم السابع و العشرون من رجب،و هو اليوم الذي فيه بُعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة،و هو اليوم الذي دُحيَت فيه الأرض من تحت الكعبة» أقول:أي بُسطت« و اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة،و هو يوم الغدير» (1).

و النصوص بتأكّد استحباب صوم آحادها بالخصوص مستفيضة، و لا سيّما في الأول،فإنّها فيه كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة.

ففي جملة منها:« إنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة» (2).

و في بعضها:« كفّارة ستّين سنة» (3).

و في آخر:« يعدل عند اللّه عزّ و جلّ في كلّ عام مائة حجّة و مائة عمرة مبرورات متقبّلات،و هو عيد اللّه الأكبر» (4).

و ما في الرواية من تفسير الأيّام الأربعة بما فيها (5)ممّا لا خلاف فيه بيننا فتوًى و روايةً،إلّا من الكليني في مولد النبي صلى الله عليه و آله،فجعله الثاني عشر من الشهر (6)،كما صحّحه الجمهور،و مال إليه شيخنا الشهيد الثاني

ص:463


1- مصباح المتهجد:754،الخرائج و الجرائح 2:/759 78،الوسائل 10:455 أبواب الصوم المندوب ب 19 ح 3.
2- الموجود فيها هو صوم ستّين شهراً،و في بعضها:أفضل من عمل ستّين سنة،أنظر الوسائل 10:440 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 2،7،10.
3- الفقيه 2:/55 243،ثواب الأعمال:/102 3،الوسائل 10:442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 5.
4- التهذيب 3:/143 317،الوسائل 10:442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 4.
5- التهذيب 4:/305 922،الوسائل 10:441 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 3.
6- انظر الكافي 1:439.

في فوائد القواعد،كما في المدارك و الذخيرة (1)،و فيهما و في الروضة:إنّ الأول هو المشهور (2).

أقول:و به زيادة على ما مضى نصوص مذكورة في غير الكتب الأربعة (3)،و ضعف أسنادها بالشهرة فتوًى و عملاً مجبور.

و يوم عرفة،لمن لم يضعفه عن الدعاء المقصود له في ذلك اليوم كمّيةً و كيفيّةً مع تحقّق الهلال و عدم التباس فيه لغيم أو غيره؛ للمعتبرة المستفيضة،و فيها:الصحيح،و الموثّق،و غيرهما.

في بعضها:« إن صومه يعدل السنة» (4).

و في آخر:« إنّه كفّارة سنتين [ستين] » (5).و إنّما حُملت على صورة اجتماع الشرطين للمعتبرة الأُخر،الدالّة على الكراهة مع فقدهما أو أحدهما:

منها الصحيح:« من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء،فإنّه يوم دعاء و مسألة [فصمه و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه و منها أن يوم عرفة يوم دعاء و مسألة] ،فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء،و أكره أن أصومه، أتخوّفُ أن يكون يومُ عرفة يومَ أضحى و ليس يوم صوم» (6).

و عليهما [عليها] ينزَّل إطلاق بعض الأخبار المانعة (7)،بحمله على صورة فقد

ص:464


1- المدارك 6:264،الذخيرة:519.
2- الروضة 2:134.
3- الوسائل 10:454 أبواب الصوم المندوب 19 الأحاديث 2،3،4،5،6،7.
4- التهذيب 4:/298 900،الإستبصار 2:/133 432،الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب 23 ح 5.
5- الفقيه 2:/52 231،الوسائل 10:467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.
6- الفقيه 2:/53 235،التهذيب 4:903/299،الاستبصار 2:435/133،الوسائل 10:467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.
7- الكافي 4:/146 3،التهذيب 4:/300 909،الإستبصار 2:/134 440،الوسائل 10:462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6.

أحد الشرطين.

و ربّما يجمع بين النصوص جملةً،بحمل المرغّبة منها على التقيّة كما يفهم من بعضها من أنّه يومئذٍ مذهب العامّة (1)و الناهية على صومه بنيّة السنّة،كما هم عليه.و مرجعه إلى عدم خصوصية لهذا اليوم في الترغيب،و مساواته لسائر الأيّام في الاستحباب المطلق (2).

و ما ذكرناه أظهر؛ لوضوح الشاهد عليه من الفتوى و النصّ،مع أنّ في الغنية الإجماع عليه (3)،كما هو الظاهر.

هذا،مع أنّ المانع قاصر سنداً،لا يكافئ المرغّبة؛ لصحّة جملة منها،و انجبار باقيها بأدلّة التسامح في السنن و أدلّتها.

و أمّا ما ورد في جملة منها من أنّه لم يصمه النبيّ صلى الله عليه و آله منذ نزل شهر رمضان،و كذا الحسنان عليهما السلام حال إمامتهما فوجهه لئلّا يتأسّى الناس بهم،كما صرّح به في بعضها.

و خوفهم عليه السلام عن التأسّي لعلّه ليس لتوهّم الوجوب كما قيل (4)،بل لئلّا يحرم الضعفاء به عن الدعاء،الذي هو أفضل منه هنا،كما مضى.

و صوم يوم عاشوراء حزناً بمصاب آل محمّدٍ عليهم السلام،بغير خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (5).

ص:465


1- انظر الوسائل 10:465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6.
2- انظر الحدائق 13:367.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
4- قاله الحرّ العاملي في الوسائل 10:468 أبواب الصوم المندوب ب 23 ذيل الحديث 13.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

قالوا:جمعاً بين ما ورد في الأمر بصومه« و أنّه كفّارة سنة» (1)و ما ورد من أنّ:« من صامه كان حظّه من ذلك حظّ آل زياد و ابن مرجانة» (2)عليهم اللعنة.

و لا شاهد على هذا الجمع من رواية،بل في جملة من الأخبار المانعة ما يشيّد خلافه،و أنّ صومه مطلقاً بدعة ليس فيه رخصة.

منها:« إنّ الصوم لا يكون للمصيبة،و لا يكون إلّا شكراً للسلامة، و إنّ الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء،فإن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم، و إن كنت[شامتاً]ممّن سرّه سلامة بني أُميّة فصم شكراً للّه تعالى» (3).

لكنّها كغيرها غير نقيّة الأسانيد،فلا يمكن أن يثبت بها التحريم كما هو ظاهرها.

و مال إليه بل قال به لذلك بعض مَن عاصرناه،و حَمَل المعارضة على التقيّة (4)،كما يفهم من بعضها.

و هو ضعيف في الغاية؛ لما عرفته،مضافاً إلى شذوذ المنع مطلقاً و لو كراهةً،إذ لم نعثر على قائل به من الطائفة،بل كلّ من وصل إلينا كلامه مفتٍ بما في العبارة.

و عليه فلا يمكن أن تخصَّص العمومات القطعية باستحباب الصوم في نفسه و أنّه من النار جُنّة،و خصوص الأخبار المرغّبة و إن قصرت

ص:466


1- التهذيب 4:/300 907،الإستبصار 2:/134 439،الوسائل 10:457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.
2- الكافي 4:/147 6،التهذيب 4:/301 912،الإستبصار 2:/135 453،الوسائل 10:461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.
3- أمالي الطوسي:677،الوسائل 10:462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.
4- الحدائق 13:375.

أسانيدها جملةً؛ لانجبارها بعمل الأصحاب جملةً و لو في الجملة،حتى نحو الحلّي و ابن زهرة (1)،ممّن لم يعمل بأخبار الآحاد إلّا حيث تكون مخففةً بالإجماع و غيره من القرائن القطعية.

نعم يبقى الإشكال في الاستحباب من حيث الخصوصية،و لو في الجملة (2).و هو لم ينعقد عليه إجماع محلّ مناقشة؛ لعدم دليل عليها إلّا النصوص المرغبة،و هي مع قصور أسانيدها،و عدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلّية معارَضة بأكثر منها كثرة زائدة،تكاد تقرب التواتر.

و لأجلها لا يمكن العمل بتلك،و لو من باب المسامحة؛ إذ هي حيث لم تحتمل منعاً و لو كراهةً،و هي محتملة من جهة الأخبار المانعة.

إلّا أن يقال:إنّ أكثرها يقبل الحمل الذي ذكره الجماعة،و ما لا تقبله منها قليلة نادرة،لا يُعبأ بما فيها من احتمال حرمةٍ أو كراهةٍ في مقابلة الإجماع المنقول كما عرفته المعتضد بالشهرة العظيمة،على وجه الجمع الذي ذكره الجماعة.

و هو حسن،و إن كان في النفس بعد ذلك منه شيء،سيّما مع احتمال تفسير الصوم على وجه الحزن في العبائر بما ذكره جماعة،من استحباب الإمساك عن المفطرات إلى العصر (3)،كما في النصّ:« صمه من غير تبييت،و أفطره من غير تشميت،و لا تجعله يوم صوم كملاً،و ليكن إفطارك بعد العصر بساعة،على شربة من ماء،فإنّه في ذلك الوقت من

ص:467


1- الحلّي في السرائر 1:418،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573.
2- أي من جهة الحزن خاصة(منه رحمه اللّه).
3- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:80،و الفيض في المفاتيح 1:284،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 5:190،و الحدائق 13:376.

ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلى الله عليه و آله،و انكشفت الملحمة عنهم» .قالوا:و ينبغي أن يكون العمل على هذا الحديث،لاعتبار سنده (1).

انتهى.و هو حسن.

و يوم المباهلة في المشهور بين الطائفة،و لم أجد به رواية مسندة،و إنّما عُلّل بالشرافة (2).

نعم،رواها الخال العلّامة عليه الرحمة مرسلةً،و فيها كما قالوا -:« إنّه الرابع و العشرون من ذي الحجّة» (3).

و في المسالك:قيل إنّه الخامس و العشرون (4).و لم أجد قائله.

و ذكر الحلّي و الكفعمي (5):أنّ فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخامته في ركوعه،و نزلت فيه آية الولاية (6).

و كلّ خميسٍ و جمعة و قيل:لشرفهما (7).

و في روايةٍ عاميّة:« الاثنين و الخميس» (8).

و الإسكافي لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة،إلّا أن يصوم معه ما قبله أو

ص:468


1- كما في المدارك 6:268،و الحدائق 13:376.
2- كما في المنتهى 2:611.
3- زاد المعاد:359.
4- المسالك 1:80.
5- الحلّي في السرائر 1:418،مصباح الكفعمي:688.
6- إنَّما وليِّكم اللّه و رسوله..»،المائدة:55.
7- قال به صاحب المدارك 6:270.
8- سنن البيهقي 4:293،المغني لابن قدامة 3:/115 2140.

ما بعده،و به خبر عامّي (1)قال:و صوم الاثنين و الخميس منسوخ،و صيام السبت منهيّ عنه (2).و المشهور خلافه.

نعم،ورد من طرقنا ذمّ يوم الاثنين (3)،فالأولى ترك صيامه،بل ترك صيام الجمعة أيضاً.

للمكاتبة الصحيحة:رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر،أو أضحى،أو يوم جمعة،أو أيّام التشريق،أو سفر،أو مرض،هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه،أو كيف يصنع ذلك يا سيّدي؟فكتب إليه:« قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيّام كلّها،و يصوم يوماً بدل يومٍ إن شاء» (4).

و ليس في أُخرى قوله:« أو يوم جمعة» (5)و كأنّه الصحيح.

أقول:و تعضد هذه المكاتبة جملة من المعتبرة الواردة بالترغيب إلى الصوم فيها:

منها الصحيح:في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من الخير،مثل الصدقة،و الصوم،و نحو هذا،قال:« يستحبّ أن يكون ذلك اليوم الجمعة،فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف» (6).

و منها:رأيته عليه السلام صائماً يوم الجمعة،فقلت:جعلت فداك،إنّ

ص:469


1- رواه الشيخ في التهذيب 4:/315 958،الوسائل 10:413 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 6؛ و انظر المغني لابن قدامة 3:/105 2122،2123.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:237.
3- الوسائل 11:351 أبواب آداب السفر الى الحج و غيره ب 4.
4- الإستبصار 2:/101 328،الوسائل 10:196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
5- التهذيب 4:/234 686،الوسائل 10:514 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 6.
6- الخصال:/392 93،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 4.

الناس يزعمون أنّه يوم عيد،قال:« كلّا،إنّه يوم خفض و دعة» (1).

و منها النبوي المروي عن العيون:« من صام يوم الجمعة صبراً و احتساباً اعطي ثواب[صام]عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيّام الدنيا» (2).

و عليه فلتطرح المكاتبة الاُولى مع شذوذها،أو تحمل على التقية، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الرواية الثانية،مضافاً إلى كونها مكاتبة.

و الرواية الناهية عن إفرادها بالصوم عاميّة،و الخاصّية الموافقة لها فيه (3)لأجلها محتملة للحمل على التقيّة،مع أنّها ضعيفة السند أيضاً،غير مقاومة لإطلاق المعتبرة المستفيضة المتقدّمة،التي فيها الصحيحان و غيرهما،المعتضدة بفتوى أصحابنا،إلّا النادر منهم،المتقدم إليه الإشارة.

و أول ذي الحجّة و هو مولد إبراهيم الخليل على نبيّنا و آله و عليه السلام.

و صيامه يعدل صيام ستّين شهراً كما في الخبر (4)،بل ثمانين كما في آخر (5)،و فيه« فإن صام التسع كتب اللّه تعالى له صوم الدهر» (6).

و رجب كلّه،و شعبان كلّه أو ما تيسّر منهما،فقد استفاضت

ص:470


1- التهذيب 4:/316 959.الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.
2- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)2:/35 92،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 2،و ما بين المعقوفين من المصدرين.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:/73 346،الوسائل 10:412 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 3.
4- الكافي 4:/149 2،التهذيب 4:/304 919،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 1.
5- الفقيه 2:/52 230،ثواب الأعمال:74،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.
6- الفقيه 2:/52 230،ثواب الأعمال:74،الوسائل 10:453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.

النصوص،بل تواترت بذلك (1).

و ما ورد بخلافه في شعبان (2)مع ندوره،و إجماع الأصحاب على خلافه فيما أجده،و يستفاد أيضاً من الغنية (3)فقد أجاب عنه الكليني،فقال:

فأمّا الذي جاء في صوم شعبان:أنّه سأل عليه السلام عنه،فقال:« ما صامه رسول صلى الله عليه و آله،و لا أحد من آبائي» (4).

قال ذلك لأنّ قوماً قالوا:إنّ صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان، و وجوبه مثل وجوب شهر رمضان،و أنّ من أفطر يوماً منه فعليه من الكفّارة مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان.و إنّما قال العالم عليه السلام:

« ما صامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله،و لا أحد من آبائي» أي ما صاموه فرضاً واجباً؛ تكذيباً لقول من زعم أنّه فرض،و إنّما كلّفوا بصومه سنّة،فيها فضل، و ليس على من لم يصمه شيء (5).

و نحواً منه ذكر الشيخ،و ذكر:أنّ أبا الخطّاب لعنه اللّه تعالى و أصحابه يذهبون إلى أنّ صوم شعبان فريضة و ذكر:أنّ الأخبار التي تضمّنت الفصل بين شهر شعبان و شهر رمضان (6)فالمراد به النهي عن الوصال،الذي بيّنا فيما مضى أنّه محرّم (7).

ص:471


1- الوسائل 10:471 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.
2- التهذيب 4:309،الوسائل 10:491 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 17.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
4- الكافي 4:91 ذيل الحديث 6،الوسائل 10:487 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6.
5- الكافي 4:91 ذيل حديث 6 و ما بين المعقوفين من المصدر.
6- الوسائل 10:495 أبواب الصوم المندوب ب 29.
7- راجع التهذيب 4:309.
و يستحب الإمساك في سبعة مواطن

و يستحب الإمساك تشبها بالصائمين في سبعة مواطن المسافر قدم بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة فصاعدا بعد الزوال مطلقا أو قبله و قد كان تناول مفطرا و كذا المريض إذا برئ و كذا تُمسك الحائض،و النفساء،و الكافر،و الصبي، و المجنون،و المغمى عليه،إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار مطلقاً و لو قبل الزوال،و لم يتناولوا بالنصّ (1)و الإجماع في الجميع،إلّا الصبي و الكافر إذا زال،عذرهما قبل الزوال و لم يتناولا،فقيل بوجوب الصوم عليهما حينئذ.

و قد مضى الكلام فيه مفصّلاً (2).

و لا ينعقد صوم الضيف من غير إذن مُضيفه إذا كان ندباً،و لا المرأة من غير إذن الزوج،و لا الولد من غير إذن الوالد،و لا المملوك من غير إذن المولى.

للنهي عنه في الجميع في النصوص المستفيضة جدّاً (3)،إلّا أنّ ما يتعلّق منها بمن عدا المرأة غير نقيّة الأسانيد،مع قصور دلالة جملة منها على التحريم،بل ظهور بعضها في الكراهة،للتعبير عن المنع فيه ب:

« لا ينبغي» الظاهر فيها عرفاً،فكذا شرعاً،للأصل،و جعل النهي عن صوم هؤلاء في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم كما في رواية

ص:472


1- راجع الوسائل 10:أبواب من يصح منه الصوم الأبواب 7،23،28.
2- راجع ص:2605.
3- الوسائل 10:527 528،529 أبواب الصوم المحرم ب 8،9،10.

الزهري (1)،و الفقه الرضوي (2)،و غير ذلك من أمارات الكراهة.

و أمّا ما يتعلّق بالمرأة،فهو و إن صحّ سنده،إلّا أنّه معارَض بمثله، المروي في الوسائل،عن علي بن جعفر في كتابه،عن أخيه عليه السلام:عن المرأة تصوم تطوّعاً بغير إذن زوجها،قال:« لا بأس» (3).

و مقتضى الجمع بينهما الكراهة،كما عليه السيّدان في الجمل و الغنية (4)، و غيرهما (5)،و فيها:دعوى الإجماع عليها فيها (6)،و في صوم العبد بغير إذن مولاه،و الضيف بغير إذن مضيفه،لكن عبّر عن الكراهة باستحباب الترك.

و المشهور فيها و في المملوك:المنع تحريماً،بل عن المعتبر (7)و في غيره (8):دعوى الاتّفاق عليه في المرأة.و عن المنتهى (9)و في غيره (10):

دعواه في العبد.

و هذه الإجماعات المنقولة أقوى من إجماع الغنية،سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المتأخّرة،فترجّح بها الصحيحة المانعة على مقابلتها.

ص:473


1- الفقيه 2:/46 208،الوسائل 10:529 أبواب الصوم المحرم ب 10 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):202،المستدرك 7:556 أبواب المحرم ب 9 ح 1.
3- مسائل علي بن جعفر:/179 334،الوسائل 10:528 أبواب الصوم المحرم ب 8 ح 5.
4- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):59،لم نعثر عليه في الغنية.
5- المراسم:96،الوسيلة:147،و انظر الروضة 2:138.
6- أي:في الغنية دعوى الإجماع على الكراهة في المرأة.
7- المعتبر 2:712.
8- كما في المدارك 6:284.
9- المنتهى 2:614.
10- كما في المدارك 6:284.

اللّهمّ إلّا أن تخصَّص هذه الإجماعات بصورة نهي الزوج و المولى، كما يشعر به بعضها،و التحريم فيها مقطوع به جدّاً.و عليه فيكون النهي في غيرها للكراهة؛ جمعاً بين الصحيحين و إجماع الغنية.

و لا بأس به،و إن كان الأحوط:المنع مطلقاً؛ للشهرة العظيمة، و إطلاق بعض الإجماعات المنقولة.

هذا بالنسبة إلى صوم المرأة و المملوك.

و أمّا غيرهما،فالأصحّ الكراهة مطلقاً إلّا مع النهي في الولد،فيحرم قطعاً و عليها الأكثر على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)؛ لما مرّ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليها في الغنية في الضيف،و لا قائل بالفرق،فتدبّر.

و من صام ندباً،و دُعِيَ إلى طعام،فالأفضل له الإفطار للنصوص المستفيضة (2)،و فيها الصحيح و غيره:

و لا فرق في إطلاقها كالفتوى بين دعائه أول النهار أو آخره،و لا بين مهيّئ الطعام له و غيره،و لا بين من تشقّ عليه المخالفة و غيره.نعم، يشترط كونه مؤمناً.

و الحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن،و إدخال السرور عليه،و عدم ردّ قوله،لا مجرّد كونه أكلاً.

و ليس في العبارة و جملة من الروايات اشتراط عدم الإخبار بالصوم كما قيل (3)،بل هي مطلقة.نعم،في بعضها التقييد بذلك (4).و لعلّه محمول على اشتراطه في ترتّب الثواب المذكور فيه،و هو:أنّه يُكتَب له صوم سنة.

ص:474


1- كما في المدارك 6:277.
2- الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 8.
3- جامع المقاصد 3:87.
4- الوسائل 10:152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4،5.

و بذلك يجمع بينه و بين ما دلّ على أنّه يُكتَب له بذلك صوم عشرة أيّام (1)،بحمل هذا على من أخبر بصومه،و الأول على من لم يُخبر.

لكن في ثالث:« لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً،أو تسعين ضعفاً» (2).

و الأمر سهل.

ص:475


1- الكافي 4:/150 2،الوسائل 10:151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.
2- الكافي 4:/151 6،المحاسن:/411 145،الفقيه 2:/51 221،علل الشرائع:/387 2،الوسائل 10:153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 6.

و المحظور من الصوم

و المحظور من الصوم:

صوم العيدين مطلقاً؛ بإجماع العلماء،كما عن المعتبر و التذكرة (1)،بل قيل (2):بالضرورة من الدين،استفاضة النصوص (3).

و أيّام التشريق و هي:الثلاثة بعد العيد؛ بإجماعنا عليه في الجملة على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (4).

و لكن اختلفت العبارات في الإطلاق،أو التقييد ب: لمن كان بمنى و هذا أقوى؛ أخذاً بموضع الوفاق،و تمسّكاً في غيره بالأصل، و الصحيح:« أمّا بالأمصار فلا بأس» (5)و المطلق يحمل على المقيّد.

هذا،و في المختلف:إنّ من أطلق أراد به المقيّد (6).

و تبعه شيخنا في الروضة،بل زاد،فقال:و لا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعاً و إن أُطلق تحريمها في بعض العبارات كالمصنّف في الدروس،فهو مراد من قيّده.و ربّما لحظ المُطلِق أنّ جَمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة،و أيّام التشريق لا تكون ثلاثة إلّا بمنى،

ص:476


1- المعتبر 2:712.التذكرة 1:280.
2- مفاتيح الشرائع 1:285.
3- الوسائل 10:513 أبواب الصوم المحرم ب 1.
4- منهم:المحقّق المعتبر 2:713،و العلّامة في المنتهى 2:616،و الفيض في المفاتيح 1:285.
5- التهذيب 4:/297 897،الإستبصار 2:/132 429،الوسائل 10:516 أبواب الصوم المحرم ب 2 ح 1.
6- المختلف:238.

فإنّها في غيرها يومان لا غير،و هو لطيف (1).

ثم إنّ إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين الناسك بحجّ أو عمرة و غيره،و لا بين من يصومها عن كفّارة قتل و غيره.

خلافاً للفاضل في القواعد،فقيّده بالناسك (2).

و لعلّه ناظر إلى حمل الإطلاق على الغالب،و لا يخلو عن وجه، إلّا أنّه نادر.

و للشيخ،فقيّده بمن لم يصمها عن الكفّارة،و إلّا فهو جائز (3).

و إلى قوله أشار بقوله: و قيل:القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها،و إن دخل فيهما العيد و أيّام التشريق لرواية زرارة الصحيحة:قال:قلت للباقر عليه السلام:رجل قتل رجلاً في الحرم،قال: عليه دية و ثلث،و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، و يعتق رقبة،و يطعم ستّين مسكيناً قال:قلت:فيدخل في هذا شيء،قال:

« و ما يدخل»؟قلت:العيدان و أيّام التشريق،قال يصوم،فإنّه حقّ لزمه» (4).

و إليه يميل بعض متأخّري المتأخّرين (5)،زاعماً فتوى الشيخ بها في كتابي الحديث (6)،و انحصار جواب القوم عنها في ضعف الطريق لما اتّفق

ص:477


1- الروضة 2:138.
2- القواعد 1:68.
3- كما في المبسوط 1:281.
4- الكافي 4:/140 9،الوسائل 10:380 أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 2.
5- الشيخ حسن في منتقى الجمان 2:567.
6- التهذيب 4:297،الاستبصار 2:131.

في بعض طرقها،مع أنّه رواها الشيخ في كتاب الديات بطريق صحيح (1)، و كذلك رواها الصدوق في الفقيه (2).

و المشهور على الظاهر المصرّح به هنا و في المختلف (3)و غيرهما (4): عموم المنع لمورد الرواية و غيرها.

و لعلّه الأقوى،لندرة الرواية و شذوذها،كما أشار إليه في المختلف، فقال في الجواب عنها:إنّ العمومات المعلومة بالإجماع و بالأخبار المتواترة لا يجوز تخصيصها بمثل هذا الخبر الشاذّ النادر.

ثم قال:مع قصوره عن إفادة المطلوب؛ إذ ليس فيه أن يصوم العيد، و إنّما أمره بصوم أشهر الحرم،و ليس في ذلك دلالة على صوم العيد،و أيّام التشريق يجوز صومها في غير منى (5).

و منه يظهر فساد الزعم الثاني المتقدّم؛ حيث إنّ الفاضل لم يُجب عنه يضعف السند،بل بالندرة،مؤذناً بمخالفتها الإجماع.

و يمكن تطرّق النظر إلى الزعم الأول أيضاً؛ بناءً على ما يقال من عدم ظهور فتوى الشيخ في كتابي الحديث.نعم،في التنقيح:أنّه خيرته أيضاً في المبسوط (6).

و أمّا ما ذكره الفاضل في الجواب علاوة بصور الدلالة فهو بعيد غايته عن سياق الرواية،كما لا يخفى على من تدبّره.

ص:478


1- المختلف:238.
2- الفقيه 4:/81 256،257.
3- المختلف:238.
4- كما في المنتهى 2:616،و الحدائق 13:388.
5- المختلف:239.
6- التنقيح الرائع 1:390.

و صوم آخر شعبان الذي يشكّ فيه أنّه من رمضان بالغيم،أو تحدّث الناس برؤية الهلال فيه،أو شهادة من لا يثبت بقوله بنيّة الفرض المعهود،و هو رمضان،و إن ظهر كونه منه،بلا خلافٍ فيه أجده، و عليه الإجماع في الغنية (1)؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة (2).

و بعضها و إن كان مطلقاً إلّا أنّه محمول على ذلك،جمعاً بينه و بين ما دلّ على الجواز منها،و عملاً بما دلّ على التفصيل،كرواية الزهري،و الفقه الرضوي (3)،و غيرهما ممّا سبقت إليه الإشارة في بحث استحباب صومه بنيّة شعبان (4).

و أمّا ما لا يقبل الحمل على ذلك،كالموثّق:إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم،فقال:« لا تصم في السفر،و لا في العيدين و أيّام التشريق،و لا اليوم الذي يشك فيه» (5).

فمحمول على التقية؛ لكونه مذهب العامّة،كما صرّح به جماعة (6)، و استفيد من جملة من النصوص،منها زيادة على ما مرّ ثمّة -: الموثّق:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل صام يوماً،و لا يدري أمن رمضان هو أو من غيره،فجاء قوم فشهدوا أنّه كان من رمضان،فقال بعض

ص:479


1- الغنية(الجوامع الفقهية):573.
2- الوسائل 10:25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6.
3- المتقدمتان في ص:2641.
4- راجع ص:2506.
5- الكافي 4:/141 1 بتفاوت يسير،الوسائل 10:515 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 8.
6- منهم الصدوق في الفقيه 2:79،و المجلسيان في روضة المتقين 3:353،و مرآة العقول 16:350،و صاحب الحدائق 13:41.

الناس عندنا:لا يعتدّ به،فقال:« بلى» فقلت:إنّهم قالوا:صمت و أنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره،فقال:« بلى،فاعتدّ به،فإنّما هو شيء وفّقك اللّه تعالى له،إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان،و لا يصومه من شهر رمضان» الحديث (1).

هذا،مضافاً إلى إجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً كما مضى (2)على استحباب صومه بنيّة شعبان.

مؤيّداً بجملة من النصوص المستفيضة،الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له (3)،و المتضمّنة لقوله عليه السلام:« لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أُفطر يوماً من شهر رمضان» (4).

فإنّها ظاهرة غاية الظهور في استحباب صوم اليوم المزبور بالنهج المذكور (5).

فما يوجد في كلام بعض متأخّري المتأخّرين من أنّ الأولى ترك صومه مطلقاً،لإطلاق الموثّق المزبور (6)ففي غاية الضعف و القصور.

و صوم نذر المعصية بجعله شكراً على ترك الواجب أو فعل المحرّم،و زجراً على العكس.

ص:480


1- الكافي 4:/82 6،التهذيب 4:/182 508،الوسائل 10:21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4 و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- في ص:2506.
3- الوسائل 10:20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5.
4- الفقيه 2:/79 348،الوسائل 10:23 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 9.
5- على أنّه من شعبان(منه رحمه اللّه).
6- مفاتيح الشرائع 1:286.

و صوم الصمت بأن ينوي الصوم ساكتاً،فإنّه محرّم في شرعنا،لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً للصوم بالنيّة.

و صوم الوصال كذلك:

و هو عند الأكثر كما في المدارك و الذخيرة (1)بل المشهور كما في المسالك (2)-: أن يجعل عشاءه سحوره كما في الصحيحين (3)،و غيرهما (4).

و في السرائر و عن الاقتصاد و المعتبر:إنّه صوم يومين بليلة (5)؛ للخبر (6).و في سنده ضعف.

و في المسالك و الروضة (7)و غيرهما (8):حصوله بكلّ منهما.

و هو حسن إن أُريد من حيث التحريم؛ لعموم بعض الأدلّة،و هو كونه بدعة.

و إن أُريد من حيث حصول الوصال الشرعي،المنهي عنه بالخصوص في النصوص،حتى لو نذر أن لا يأتي به كفّر لو أتى به بالتفسير الثاني، فمشكل،لضعف ما دلّ عليه سنداً و عدداً و اشتهاراً،بالإضافة إلى ما دلّ على الأول.

ص:481


1- المدارك 6:283،الذخيرة:522.
2- الكافي 4:/95 2،43 الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7،9.
3- الفقيه 2:/112 477،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 5.
4- الفقيه 2:/112 477،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 5.
5- السرائر 1:420،الاقتصاد:293،المعتبر 2:714.
6- الكافي 4:/92 5،التهذيب 4:/307 927،الإستبصار 2:/138 452،الوسائل 10:496 أبواب الصوم المندوب ب 29 ح 3.
7- المسالك 1:81،الروضة 2:141.
8- كالحدائق 13:393.

و الأصل في تحريم الثلاثة بعد الإجماع الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1)-:الاعتبار المتقدّمة إليه الإشارة،و النصوص المستفيضة، المتكفّل جملة منها للجميع كرواية الزهري (2)،و الفقه الرضوي (3)و جملة منها لآحادها،و فيها الصحيح و غيره (4).

و في العامّة لها التصريح بحرمتها،و مقتضاها فسادها أيضاً،كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك و الذخيرة (5)و غيرهما (6).

و ربما احتمل صحّتها ما عدا الأول و إن حرمت؛ لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة،و توجّه النهي إلى خارج العبادة (7).

و هو ضعيف،بعد وجود النصّ المُضيف للتحريم إلى نفس الصوم، المنجبر ضعف سنده أو قصوره بفتوى الأصحاب.

مع أنّ الصوم عبادة تتوقّف صحّتها على قصد القربة،و هي في الصيام المزبورة غير حاصلة،فتفسد أيضاً من هذه الجهة.و لعلّه لذا ورد النهي عنها.

و بموجب ذلك يصحّ الصوم نهاراً صمتاً و وصلاً،حيث لم يحصلا في النيّة ابتداءً،و إن حصلا أخيراً اتّفاقاً،و بذلك صرّح بعض أصحابنا (8)،

ص:482


1- كصاحبي المدارك 6:282،و الذخيرة:522.
2- الكافي 4:/83 1،الفقيه 2:/46 206،التهذيب 4:/294 895،الوسائل 10:513 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 1.
3- فقه الرضا(عليه السلام):202،المستدرك 7:556 أبواب الصوم المحرم ب 9 ح 1.
4- انظر الرسائل 10:أبواب المحرم الأبواب 4،5،6.
5- المدارك 6:282،الذخيرة:522.
6- كما في الحدائق 13:391.
7- المدارك 6:283.
8- الشهيد الثاني في المسالك 1:81،و الروضة 2:142.

و عزاه في المدارك إلى الأصحاب،لكن قال:الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك،إذ المستفاد من الرواية تحقّق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقاً (1).

و أشار بالرواية إلى الصحيح:« الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره» (2).

و فيه نظر؛ إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي،يعني:

الذي يُقرَن بالقربة،لا مطلق الصيام.

و أظهر منه الصحيح الآخر في تعريفه:« يصوم يوماً و ليلة،و يفطر في السحر» (3)لمكان لفظ« الصوم» المضاف إلى الليلة،و ذكر الإفطار بعده، لصيرورته حقيقة شرعية أو متشرّعة في التناول بعد الإمساك الخاص،لا مطلق الإمساك،فتدبّر.

و صوم الواجب سفراً على وجه موجب للقصر عدا ما استثني ممّا مرّ من المنذور المقيّد به،و ثلاثة الهدي،و بدل البدنة.

و فُهِمَ من تقييده بالواجب جوازُ المندوب،و قد مرّ الكلام في الجميع مفصّلاً (4).

ص:483


1- المدارك 6:283.
2- الكافي 4:/95 2،التهذيب 4:/298 898،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7.
3- الكافي 4:/96 3،الوسائل 10:521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 9.
4- في ص:2584 2586.

الخامس في اللواحق

اشارة

الخامس في اللواحق و هي مسائل :

الأُولى المريض يلزمه الإفطار مع ظنّ الضرر

الاُولى:المريض المتضرّر بالصوم يلزمه الإفطار و لو مع ظنّ الضرر بلا خلافٍ يظهر،بل عليه الإجماع في كلام جمع (1)،و النصّ بجوازه مستفيض (2)،مضافاً إلى العقل،و الكتاب: فعدّةٌ من أيّامٍ أُخَر (3) فتدبّر.

و المرجع في الظنّ إلى ما يجده و لو بالتجربة في مثله سابقاً،أو بقول من يفيد قوله الظنّ و لو كان كافراً.

و لا فرق في الضرر بين كونه لزيادة و شدّة بحيث لا يتحمّل عادةً،أو لبُطء برئه.

و حيث يحصل الضرر لو تكلّفه لم يجزه إجماعاً؛ للنهي عنه المفسد للعبادة عندنا.

و هل الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يباح له الفطر؟ تردّد فيه في المنتهى،قال:من وجوب الصيام بالعموم و سلامته من

ص:484


1- منهم:العلامة في المنتهى 2:596،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:286،و السبزواري في الذخيرة:523،و صاحب الحدائق 13:169.
2- الوسائل 10:217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.
3- البقرة:184 185.

المرض،و من كون المرض إنّما أُبيح له الفطر لأجل التضرّر به،و هو حاصل هنا،لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته و تطاوله.انتهى (1).

و قيل (2):و يمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (3) و قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [2] (4) و قوله:عليه السلام في صحيحة حريز:« كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» (5).

أقول:بل في صدرها دلالة عليه أيضاً؛ حيث قال:« الصائم إذا خاف على عينيه الرمد أفطر» (6)و هو بإطلاقه يشمل صورة السلامة من الرمد، و لا قائل بالفرق.

ثم إنّ إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظنّ الضرر،بل احتمله احتمالاً متساوياً؛ لصدق الخوف عليه حقيقةً عرفاً و عادةً،و عليه فيتوجّه الإفطار حينئذ.

لكن ظاهر العبارة و نحوها اعتبار الظنّ،فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فلعلّ المتوجّه العدم و كفاية الاحتمال المتساوي.

ص:485


1- المنتهى 2:569.
2- الحدائق 13:171.
3- الحج:78.
4- البقرة:185.
5- الفقيه 2:/84 374،الوسائل 10:219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
6- الكافي 4:/118 4،الفقيه 2:/84 373،الوسائل 10:218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

الثانية المسافر يلزمه الإفطار

الثانية:المسافر حيث يجب عليه قصر الصلاة يلزمه الإفطار أيضاً:

و لو صام عالماً بوجوبه قضاه بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة به في جملة من العبائر،كالإنتصار و الخلاف و المنتهى و المدارك (1).

و فيه (2)و في غيره (3):الإجماع على أنّه لو كان جاهلاً بالحكم لم يقض كما هو الظاهر؛ و هو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى النهي المفسد للعبادة في الأول،و الصحاح المستفيضة فيه و في الثاني:

منها:« إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شيء عليه» (4).

و في إلحاق الناشي به أم بالعامد وجهان،بل قولان:

من تقصيره في التحفّظ.

و من فوات وقته،و منع تقصير الناسي،و لرفع الحكم عنه.

و الأحوط:الثاني؛ لإطلاق النصّ (5)الشامل لمحلّ الفرض،و إن احتمل اختصاصه بحكم التبادر بالعمد.و على هذا الشهيد في اللمعة، و يميل إلى الآخر شارحها (6).

ص:486


1- الانتصار:66،الخلاف 2:201،المنتهى 2:597،المدارك 6:285.
2- المدارك 6:285.
3- الحدائق 13:397.
4- الكافي 4:/128 1،الفقيه 2:/93 417،التهذيب 4:/22 643،الوسائل 10:179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.
5- الوسائل 10:179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 1،4.
6- الروضة 2:126.

و لو علم الجاهل و الناسي في أثناء النهار أفطرا،و قضيا قطعاً.

الثالثة الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم

الثالثة:الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم بلا خلاف أجده فتوًى و رواية،إلاّ ما سبقت إليه الإشارة في كتاب الصلاة.

و لكن يشترط في قصر الصوم تبييت النيّة للسفر من الليل، عند الماتن هنا و في الشرائع و المعتبر (1)،وفاقاً للشيخ في النهاية و الجمل و القاضي (2)في الجملة (3).

للنصوص المستفيضة،أظهرها سنداً الموثّق:في الرجل يسافر في شهر رمضان،أ يفطر في في منزله؟قال:« إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله،و إن لم يحدّث نفسه من الليل،ثم بدا له في السفر من يومه،أتمّ صومه» (4).

و نحوه المراسيل الثلاثة،أكثرها لجملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم،كصفوان و ابن مسكان،و هي بجملتها أو أكثرها ظاهرة في الخروج قبل الزوال.

فإنّ في بعضها:« فإن هو أصبح و لم ينو السفر قصّر و لم يفطر» (5).

ص:487


1- الشرائع 1:210،المعتبر 2:715.
2- النهاية:161،الجمل(الرسائل العشر):221،القاضي في المهذّب 1:194.
3- متعلق بقوله« وفاقاً» ؛ و ذلك لأن ظاهر المصنف جواز القصر،بل وجوبه مع التبييت أيّ وقتٍ سافر،و ظاهر الشيخ في النهاية أنه مع التبييت لو سافر بعد الزوال كان عليه الإمساك و القضاء،و كذلك في المبسوط،لكنه لم يذكر وجوب القضاء(منه رحمه الله).
4- التهذيب 4:/228 669،الإستبصار 2:/98 319،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5- التهذيب 4:/225 662،الإستبصار 1:/227 806،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.

و في آخر:« إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم،و اعتدّ به من شهر رمضان» (1).

و في الثالث:« إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل،فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر،و عليك قضاء ذلك اليوم» (2).

و عليها ينزّل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار، كالحسن أو الموثّق:عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح،قال:« يتمّ صومه ذلك» (3).

و الخبر:« إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم،إلاّ أن يدلج دُلْجَة» (4).

بحملها على ما إذا لم يبيّت،بل ظاهر الحسن ذلك،للفظ:« يتمّ صومه» الظاهر في نيّته من الليل،فتأمّل.

و على صورة التبييت يحمل ما دلّ على الإفطار،و لو مع السفر بعد الزوال.

ص:488


1- التهذيب 4:/228 670،الإستبصار 2:/98 320،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 12.
2- التهذيب 4:/229 673،الإستبصار 2:/99 323،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.
3- التهذيب 4:/228 668،الإستبصار 2:/98 318،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.
4- التهذيب 4:/227 667،الإستبصار 2:/98 317،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 6،و الدُّلْجَة:سير الليل،يقال أدْلَج بالتخفيف:إذا سار من أول الليل،و بالتشديد:إذا سار من آخره مجمع البحرين 2:300 302.

و هو حسن،لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصّلة بين السفر قبل الزوال فيفطر،و بعده فيتمّ،فإنّها لا تقبل الحمل على شيء من ذلك، إلاّ بتكلّف بعيد (1)لا وجه له،عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة، و هو غير منحصر في ذلك.

فيحتمل الجمع بوجه آخر،و هو:حمل نصوص هذا القول بجملتها مفصّلها و مطلقها،بعد التنزيل على التقية،فقد حكي القول بوجوب الصوم مع تبييت نيّته عن جماعة من العامّة،كالشافعي و مالك و الأوزاعي و أبي ثور و النخعي و أبي حنيفة (2).

بل هذا الجمع أولى؛ لرجحان المستفيضة الآتية سنداً و اعتضاداً بفتوى جماعة من أعيان القدماء و أكثر المتأخّرين،مع وضوح الشاهد عليه نصّاً (3)و اعتباراً.

و لذا قيل:الشرط خروجه قبل الزوال فيفطر معه مطلقاً (4)، و يصوم مع عدمه،كذلك.

و القائل:المفيد،و الإسكافي،و الحلبي لكنّه أوجب القضاء مطلقاً و الصدوق في ظاهر الفقيه،و المقنع،و الكليني في الكافي،و إليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه،و ولده،و الشهيدان (5)،و غيرهم من

ص:489


1- و هو حمل الإفطار قبل الزوال فيها على صورة التبييت،و الصوم بعده على صورة العدم(منه رحمه الله).
2- حكاه العلامة في المنتهى 2:599؛ و أنظر المغني لابن قدامة 3:90.
3- و هو قوله«خذ بما خالف العاقة»(منه رحمه الله)،أنظر الكافي 1:10/67،الفقيه 3:18/5،التهذيب 6:845/301،الوسائل 27:106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
4- سواء بيَّت نية السفر أم لا(منه رحمه الله).
5- المفيد في المقنعة:354،عن الإسكافي في المختلف:230،الحلبي في الكافي في الفقه:182،الفقيه 2:92،المقنع:62،الكافي 4:131،الفاضل في المنتهى 2:598 599،و المختلف:231،و التحرير 1:83،فخر المحققين في الإيضاح 1:244،الشهيدان في اللمعة و شرحها(الروضة 2:127).

المتأخّرين (1).

للمعتبرة المستفيضة،الراجحة على مقابلتها بما عرفته.

منها:الصحيح:عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، قال:فقال:« إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه» (2).

و الصحيح:في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟قال:

« إن خرج قبل الزوال فليفطر،و إن خرج بعد الزوال فليصم» فقال:« يعرف ذلك بقول علي عليه السلام:أصوم و أُفطر حتى إذا زالت الشمس عزم عليّ» يعني الصيام (3).

و نحوهما الموثّق (4)بابني فضّال و بكير،المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما.

و قريب منها الصحيح (5)الدال على الحكم الأول (6)بالمفهوم،و على الثاني بالمنطوق.

ص:490


1- كصاحب المدارك 6:287.
2- الكافي 4:/131 1،الفقيه 2:/92 412،التهذيب 4:/228 671،الإستبصار 2:/99 321،الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.
3- الكافي 4:/131 3،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.
4- الكافي 4:/131 2،الوسائل 10:186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.
5- الكافي 4:/131 4،الفقيه 2:/92 413،التهذيب 4:/229 672،الإستبصار 2:/99 322،الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.
6- هو الإفطار مع السفر قبل الزوال(منه رحمه الله).

و هذه النصوص مع ما هي عليه من الاستفاضة و اعتبار أسانيدها جملة،بالصحّة في أكثرها،و القرب منها في باقيها،و صراحة أكثرها معتضدة في الحكم الأول بعموم الكتاب و السنّة المتواترة بوجوب القصر على كلّ مسافر.

و خصوصِ المعتبرة و الإجماعات،القائلة على الكلّية:« إذا قصّرت أفطرت،و إذا أفطرت قصّرت» (1).

و نفيِ الخلاف عنه للمحكي في السرائر،لكن مع التبييت خاصّة (2).

و في الثاني إلى الإجماع المحكي في الخلاف عليه مطلقاً (3).

و قيل: يجب أن يقصّر في الصوم مطلقاً و لو خرج قبل الغروب و لم يبيّت نيّة السفر ليلاً.

و القائل بذلك:والد الصدوق في الرسالة و الحلّي في السرائر صريحاً (4)،و السيّدان و العماني و الفاضل في الإرشاد ظاهراً (5).

للعمومات،و خصوص الخبر:في الرجل يريد السفر في شهر رمضان،قال:« يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» (6).

ص:491


1- الفقيه 1:/28 1270،التهذيب 3:/220 551،الوسائل 10:184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1.
2- السرائر 1:392.
3- الخلاف 2:201.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:230،السرائر 1:392.
5- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):71 نقله عن العماني في المختلف:230،الإرشاد 1:302.
6- التهذيب 4:/229 674،الإستبصار 2:/99 324،الوسائل 10:188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.

و الرضوي:« فإن خرجت في سفر و عليك بقية يوم فأفطر» (1).

و العمومات مخصّصة بما عرفته.

و الخبر مقطوع،و مع ذلك في سنده ضعف بالجهالة.

و الرضوي مع قصوره عن الصحّة معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه،و هو قوله:« و إن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم،و ليس عليك القضاء،لأنه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافرة» (2).

و مع ذلك،فهو كسابقه قاصر عن مقاومة الأدلّة المتقدمة،فلا يمكن المصير إليهما بالكلّية.

و هنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ،عدا ما عن المبسوط من جعل الشرط التبييت و الخروج قبل الزوال معاً (3)،و ما في المختلف من التخيير بين الصوم و الإفطار بعد الزوال (4)،و تبعه جماعة من متأخّري المتأخّرين، لكن لم يقيّدوه ببَعد الزوال (5).

لإمكان استناد الأول إلى الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين، بتقييد إطلاق ما دلّ على الإفطار بما إذا خرج قبل الزوال،و ما دلّ عليه في صورة القيد بما إذا بيّت،لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،فيقيّد عموم كلٍّ منهما بخصوص الآخر،فإنّ الظاهر يحمل على

ص:492


1- فقه الرضا(عليه السلام):208،المستدرك 7:381 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.
2- فقه الرضا(عليه السلام):160.
3- المبسوط 1:284.
4- المختلف:232.
5- كما في المدارك 6:290،و الذخيرة:538.

النصّ.

و مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد،و هو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين كما في الوسائل (1)،فإنّه يحتاج إلى شاهد،و مع ذلك فهو كسابقه فرع التكافؤ بين المتعارضين،المفقود في البين؛ لرجحان ما دلّ على التحديد بالزوال بما عرفته.

و استنادِ الثاني إلى الصحيح:« إذا أصبح في بلده ثم خرج،فإن شاء صام،و إن شاء أفطر» (2).

و هو حسن إن وُجد به من القدماء قائل،و ليس.

و مع ذلك،فليس لنصوص المختار بمكافئ،فليطرح أو يحمل على أنّ المراد:صام بتأخير المسافرة إلى بعد الزوال و أفطر بتقديمها عليه.

هذا،مع أنّ العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى هذا الصحيح،فالأحوط الاقتصار عليه على كلّ حال،و أحوط منه عدم المسافرة إلّا قبل الزوال مع تبييت النية.

و على التقديرات و الأقوال لا يجوز أن يفطر،إلّا حيث تتوارى جدران البلد الذي خرج منه،أو يخفى أذانه اتّفاقاً،فتوًى و نصّاً،كما مضى.

الرابعة الشيخ و الشيخة إذا عجزا تصدقا عن كل يوم بمد

الرابعة: الشيخ و الشيخة إذا عجزا عن الصيام أصلاً،أو مع مشقّة شديدة،جاز لهما الإفطار إجماعاً،فتوًى و دليلاً،كتاباً (3)و سنّة (4)،

ص:493


1- الوسائل 10:185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 عنوان الباب.
2- التهذيب 4:/327 1019،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 7.
3- البقرة:184.
4- الوسائل 10:209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

و تصدّقا عن كلّ يوم بمدّ من الطعام أو مدّين على الخلاف.

بلا خلاف أجده في الصورة الثانية،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الكتاب (2)،و السنّة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:« الشيخ الكبير و الذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان،و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام،و لا قضاء عليهما،فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» (3).

و نحوه آخر لراويه أيضاً،إلّا أنّه بدّل المدّ فيه بالمدّين (4).

و حمله الأصحاب على الاستحباب و منهم الشيخ في الاستبصار (5)جمعاً بينه و بين سائر أخبار المسألة المتضمّنة للمدّ خاصّة،و منها الرواية الأُولى لراوي هذه الرواية كما عرفته.

و حمله في التهذيب على اختلاف مراتب الناس في القدرة (6).و لا شاهد له.

و فيه (7):عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان،قال

ص:494


1- منهم السيد المرتضى في الانتصار:68،و العلامة في المختلف:245.
2- البقرة:184.
3- الكافي 4:/116 4،الفقيه 2:/84 375،التهذيب 4:/238 697،الإستبصار 2:/104 338،الوسائل 10:209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
4- التهذيب 4:/238 698،الإستبصار 2:/104 339،الوسائل 10:210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
5- الإستبصار 2:104.
6- التهذيب 4:238 239.
7- أي في الصحيح(منه رحمه الله).

« يتصدّق في كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين» (1)و نحوه آخر (2).

و في مرسلة ابن بكير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في قول اللّه عزّ و جل: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [1] (3) قال:

« الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك،فعليهم لكلّ يوم مدّ» (4).

و في المروي في تفسير العيّاشي كما حكي في تفسيرها أنّه:« هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع،و المريض» (5).

و في المروي فيه أيضاً فيه أنّه:« المرأة تخاف على ولدها و الشيخ الكبير» (6).

و إطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأُولى،فتجب فيها الفدية أيضاً،كما عليه الشيخ في النهاية و الاقتصاد و المبسوط،و العماني، و الإسكافي،و ابنا بابويه،و القاضي،و الماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في الإرشاد و القواعد و المنتهى،و الشهيد في الدروس و اللمعة،و ابن فهد

ص:495


1- الكافي 4:/116 3،الوسائل 10:211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5.
2- التهذيب 4:/237 694،الإستبصار 2:/103 336،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 9.
3- البقرة:184.
4- الكافي 4:/116 5،الفقيه 2:/84 377،الوسائل 10:211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 6.
5- تفسير العياشي 1:/78 177،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 7.
6- تفسير العياشي 1:/79 180،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 8.

في المهذّب فيما حكي (1)،و غيرهم (2).

و قيل:لا تجب عليهما الفدية مع العجز،و أنّه إنّما يتصدّقان مع المشقّة خاصّة.

و القائل به:المفيد و المرتضى و ابن زهرة و الديلمي و الحلّي و الحلبي فيما حكي و الفاضل في المختلف و شيخنا في المسالك و الروضة و المحقق الثاني (3)،و كثير (4)،و عن التذكرة و المنتهى:أنّه مذهب الأكثر (5).

و لعلّه الأظهر؛ للأصل،و ظاهر الخبر المروي في الفقيه و التهذيب:

قلت له عليه السلام:رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء،و لا يمكنه الركوع و السجود،فقال:« ليومئ برأسه إيماءً)إلى أن قال:قلت له:فالصيام؟ قال:« إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه تعالى عنه،و إن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ،و إن لم يكن له يسار فلا شيء عليه» (6).

ص:496


1- النهاية:159،الاقتصاد:294،المبسوط 1:285،حكاه عن العماني و الإسكافي و ابن بابويه في المختلف:244،الصدوق في المقنع:61،القاضي في المهذب 1:196،الشرائع 1:210،الإرشاد 1:304،القواعد:67،المنتهى 2:618،الدروس 1:291،اللمعة(الروضة 2):127،المهذب البارع 2:86.
2- كصاحب المدارك 6:293،و انظر مجمع الفائدة 5:321.
3- المفيد في المقنعة:351،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):571،الديلمي في المراسم:97،الحلي في السرائر 1:400،الحلبي في الكافي في الفقه:182،المختلف:244،المسالك 1:81،الروضة 2:128،المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:154.
4- كالفيض في المفاتيح 1:242،و صاحب الحدائق 13:422.
5- التذكرة 1:280،المنتهى 2:618.
6- الفقيه 1:/238 1052،التهذيب 3:/307 951،الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 10،و فيها:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام.

و قريب منه الصحيحة الأُولى (1)،على احتمال (2)لا يخلو عن قرب.

و ضعف السند مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكية (3)،مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في الانتصار (4)،و نفي الخلاف عنه في الغنية (5)، و أقلّهما إن لم نقل بكونهما حجّة مستقلّة إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا شبهة،فيجبر بها مضافاً إلى ما مرّ ضعف الرواية.

و بهذا يقيّد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر بالصورة الثانية،و إلاّ كما هو ظاهر جماعة (6)فلا معارضة له لما قدّمناه من الحجّة.

نعم،ربّما كان ظاهر بعض الأخبار الإطلاق،بل خصوص الصورة المقابلة (7)،لكنه لضعف السند،و عدم المعارضة لا يصلح للحجّية.

هذا،و المسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة،و لذا تردّد فيها جماعة (8)، فالأحوط ما في العبارة،و إن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوّة.

ص:497


1- المتقدمة في ص:2656.
2- و هو كون المراد بما لا يقدر عليه:الصوم،لا الفدية.و وجه القرب إشعار لفظة:« لا حرج عليهما» بالقدرة في الجملة،و ممّا ذكرنا يظهر فساد دعوى كون هذه الصحيحة مطلقة شاملة للصورة الأولى أيضاً؛ إذ فإن تقدير تساوي الاحتمالين تكون الرواية بالنسبة إليها مجملة،محتملة لها و للصورة الأخرى خاصة.و دعوى ظهور الاحتمال المقابل بعيدة،بل لعلّها فاسدة.(منه رحمه الله).
3- انظر الحدائق 13:423.
4- الانتصار:67.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):571.
6- كالفيض في المفاتيح 1:242،و صاحب الحدائق 13:422.
7- الوسائل 10:212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 الأحاديث 7،11،12.
8- انظر المهذب البارع 2:86،و الذخيرة:536،و الكفاية:53.

و هل يجب عليهما القضاء مع القدرة؟ قيل:نعم (1)،و هو الأشهر على ما صرّح به جمع (2).

و قيل:لا (3)،كما هو ظاهر سياق العبارة،و حكي عن والد الصدوق أيضاً (4).

و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و إطلاق الصحيحة الأُولى (5)،و الرضوي (6).

و حملهما كالعبارة و نحوها على الغالب من عدم القدرة على القضاء،و إن كان متوجّهاً،إلّا أنّ ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلاً،لا خصوصاً و لا عموماً،لاختصاص نحو الكتاب: فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر (7) بالفائت مرضاً أو سفراً،و ليس محلّ الفرض منهما،فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعاً.

و ذو العُطاش بضمّ أوله،و هو:داء لا يَروى صاحبه،و لا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار يفطر إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالتحرير و التذكرة و المنتهى (8)،و غيرها (9)، و للكتاب (10)،و السنّة المستفيضة عموماً و خصوصاً،و منه الصحيح الذي

ص:498


1- انظر الشرائع 1:211،و المختلف:245.
2- الكفاية:53،المفاتيح 1:241،الحدائق 13:423.
3- المفاتيح 1:241.
4- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:245.
5- المتقدمة في ص:2656.
6- فقه الرضا(عليه السلام):211،المستدرك 7:387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
7- البقرة:184،185.
8- التحرير:85،التذكرة 1:281،المنتهى 2:619.
9- كالذخيرة:536.
10- البقرة:184،185.

مضى (1)،و الموثق (2)،و غيرها (3).

و يتصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ من طعام.

ثم إن بريء قضى بلا خلافٍ في وجوبه،كما في ظاهر المختلف (4)و غيره (5)و صريح الحلّي (6)؛ لأنّه مريض،فيشمله عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.

و نفيه على الإطلاق في الصحيح الماضي محمول على صورة العجز عنه باستمرار المرض و عدم برئه؛ جمعاً بينه و بين سابقه (7)،لرجحانه بشهرته و قطعيّته،دون الصحيح،لظنيّته.

و ليس التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص مطلقاً،فيكون الصحيح لخصوصيّته بالتقديم أولى؛ لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى خصوص المرض،و أمّا بالنسبة إلى انقطاعه و استمراره فعامّ.

كما أنّ سابقه بالإضافة إلى انقطاع المرض خاص،و بالإضافة إلى نفسه (8)عام (9).

فيمكن تخصيص كلّ منهما بصاحبه،فلا بدّ من الترجيح.و لا ريب

ص:499


1- في ص:2656.
2- الكافي 4:/117 6،الفقيه 2:/84 376،التهذيب 4:/240 702،الوسائل 10:214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.
3- الوسائل 10:210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3،6 و ب 16 ح 2.
4- المختلف:245.
5- المسالك 1:81.
6- السرائر 1:400.
7- أي:عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.
8- أي نفس المرض.
9- يشمل العطاش و غيره(منه رحمه الله).

أنّه مع العموم دون الصحيح؛ لقطعيّة متنه و اشتهاره،بل عدم ظهور خلاف فيه فيما نحن فيه،فينبغي تقييد الصحيح به،و حمله على صورة بقاء المرض و استمراره.

فمَيلُ بعض متأخّري المتأخّرين إلى العمل بإطلاق الصحيح و تخصيص العموم به (1)،فيه ما فيه.

و أمّا التصدّق،ففي وجوبه خلاف.و الأجود فيه وفاقاً لكثير، و منهم:الفاضل في جملة من كتبه،و المرتضى،و الحلّي (2)التفصيل بين استمرار المرض فيجب بدلاً عن القضاء،و عدمه فلا.

استناداً في الأول إلى الصحيح الماضي (3)،مضافاً إلى عموم ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى آخر،كما مرّ (4).

و في الثاني إلى الأصل،و عدم ظهور دليل على تخصيصه،عدا إطلاق الصحيح الماضي،و هو بعد تنزيله بالنسبة إلى القضاء على خصوص صورة الاستمرار غير معلوم الشمول لما نحن فيه،فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه أيضاً احتمالاً متساوياً إن لم يكن أولى.

خلافاً للشيخ (5)و جماعة (6)،فأوجبوه مطلقاً؛ و لم أقف لهم على

ص:500


1- الحدائق 13:426.
2- الفاضل في المنتهى 2:619،و المختلف:245،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):56.الحلي في السرائر 1:400.
3- المتقدم في ص:2656.
4- في ص:2611.
5- المبسوط 1:285،النهاية:159.
6- منهم الصدوق في المقنع:61،الأردبيلي في مجمع الفائدة 5:326.

حجّة تعتدّ بها.

و الحامل المقرب و هي التي قرب زمان وضعها و المرضع القليلة اللبن،يجوز لهما الإفطار إذا خافتا على ولدهما أو أنفسهما، بإجماع فقهاء الإسلام كما في المنتهى (1)؛ للضرورة المبيحة لكلّ محظور بالكتاب و السنّة و الإجماع و الاعتبار،و لخصوص ما سيأتي من النصوص.

و تتصدّقان لكلّ يوم بمدٍّ من طعام،بإجماعنا على الظاهر المصرّح به في المنتهى فيما إذا خافتا على ولدهما (2)،و في الخلاف مطلقاً (3)؛ و هو الحجّة على الإطلاق.

مضافاً إلى إطلاق الصحيح بل ظاهره-:« الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان،لأنّهما لا تطيقان الصوم،و عليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام،و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد» (4).

و على هذا الإطلاق جماعة من الأصحاب،كابن حمزة،و الفاضلين في ظاهر إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و الإرشاد،و صريح المعتبر و التحرير (5)و غيرهما (6)،بل ظاهر المعتبر كونه مجمعاً عليه بيننا،حيث عَزا

ص:501


1- المنتهى 2:619.
2- المنتهى 2:619.
3- الخلاف 2:196.
4- الكافي 4:/117 1،الفقيه 2:/84 378،التهذيب 4:/239 701،الوسائل 10:215 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1.
5- ابن حمزة في الوسيلة:190،الشرائع 1:211،الإرشاد 1:304،المعتبر 2:718،التحرير:85.
6- انظر مجمع الفائدة و البرهان 5:327،و الذخيرة:536.

التفصيل بين الخوف على الولد فيجب،و على النفس فلا إلى الشافعي خاصة (1).

خلافاً للفاضل في المنتهى،و ولده في الإيضاح،و ثاني المحققين، و ثاني الشهيدين،فالتفصيل (2)،و لا وجه له بعد إطلاق الصحيح بل ظاهره و الإجماع المحكي كما مضى.

نعم،في مستطرفات السرائر رواية صريحة في الخوف على النفس، و لم يذكر فيها الصدقة،بل الفطر و القضاء خاصة (3).

لكنّها مع ضعف سندها تقبل الإرجاع إلى الصحيح الذي هو أقوى منها سنداً،فيكون بالترجيح أولى،سيّما مع اعتضاده بإطلاق الخبر:قلت لأبي الحسن عليه السلام:إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين،فوضعت ولدها و أدركها الحبل،و لم تقوِ على الصوم،قال:« فلتصدّق [و ليتصدق] مكان كلّ يوم بمدٍّ على مسكين» (4).

و تقضيان ما فاتهما على الأشهر الأقوى،بل عليه إجماع أصحابنا مطلقاً كما في الخلاف (5)،أو من عدا سلّار كما في صريح المنتهى - (6)و ظاهر غيره.

ص:502


1- المعتبر 2:719.
2- المنتهى 2:619،إيضاح الفوائد 1:235،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:154،الشهيد الثاني في المسالك 1:82.
3- مستطرفات السرائر:/67 11،الوسائل 10:216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3.
4- الكافي 4:/137 11،الفقيه 2:/95 424،الوسائل 10:216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2.
5- الخلاف 2:196.
6- المنتهى 2:619.

و ظاهر المختلف و التنقيح (1)و غيرهما (2)عدم الخلاف فيه إلّا من والد الصدوق،و عزاه (3)في السرائر إلى الديلمي و الفقيه (4).

أقول:و لم يذكره المرتضى،فكأنّه مخالف أيضاً.

و كيف كان،فالخلاف ممّن كان ضعيف جدّاً،يدفعه الصحيح السابق و رواية السرائر صريحاً؛ و لم أجد للمخالف مستنداً،عدا الأصل المخصّص بما مرّ.

و الخبرِ الأخير الساكت عن الأمر به مع وروده في مقام الحاجة.و هو مع ضعفه و عدم جابر له فيما نحن فيه لا حجّة فيه،بعد ورود الأمر به في الصحيح و غيره،المعتضدين بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته.

و الرضوي (5)،و هو و إن كان قويّاً في سنده صريحاً في نفيه (6)،إلّا أنّه غير مقاوم لمقابله.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الاُمّ و غيرها،و لا بين المتبرّعة و المستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها.

أمّا لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل ضرر على الطفل أصلاً -

ص:503


1- المختلف:245،التنقيح الرائع 1:396.
2- كما في المفاتيح 1:242.
3- أي:الخلاف.
4- السرائر 1:400 و فيه:و قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا قضاء عليهما،و هو الفقيه سلاّر.انتهى.فنسبة الخلاف فيه إلى الفقيه سهو،مع أن ظاهر الفقيه 2:84 وجوب القضاء حيث أورد الصحيح الموجب له.
5- فقه الرضا(رحمه الله):211،المستدرك 7:387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
6- أي القضاء.

فالأجود عدم جواز الإفطار؛ لانتفاء الضرورة المسوّغة للفدية،و لرواية السرائر المتقدمة إليها الإشارة،فإنّ فيها:« إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر (1)استرضعت لولدها و أتمّت صيامها،و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها» .

الخامسة لا يجب صوم النافلة بالشروع فيه

الخامسة:لا يجب صوم النافلة ب مجرّد الشروع فيه بل يجوز الإفطار فيه إلى الغروب،كما في النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره (2)،و لا خلاف فيه أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (3).

و لكن يكره إفطاره بعد الزوال للنصّ المصرّح بوجوبه حينئذ (4)،المحمول على تأكّد الاستحباب جمعاً،و التفاتاً إلى قصوره عن الإيجاب سنداً و مقاومةً لمقابله من وجوه شتّى،و إن صرّح به متناً.

و يستثنى من الكراهة من دُعي إلى طعام؛ لما مرّت إليه الإشارة (5).

السادسة كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر

السادسة:كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في الأثناء لعذر كحيض و مرض و سفر ضروري بنى بعد زواله مطلقاً،كان قبل تجاوز النصف أو بعده،كان الصوم شهرين أم ثمانية عشر أم ثلاثة.

بلا خلاف أجده إلّا من الفاضل في القواعد،و الشهيد في الدروس،

ص:504


1- الأصل في الظئر:العطف..فسمّيت المرضعة ظِئراً لأنّها تعطف على الرضيع مجمع البحرين 3:386.
2- الوسائل 10:15 أبواب وجوب الصوم ب 4.
3- منهم العلامة في المنتهى 2:620،و صاحب المدارك 6:273.
4- التهذيب 4:/281 850،الإستبصار 2:/122 397،الوسائل 10:19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 11.
5- في ص:2642.

و شيخنا في المسالك و الروضة،و سبطه (1)،فجزموا بوجوب الاستئناف في كلّ ثلاثة يجب تتابعها،سواء كان لعذر أم لا،إلّا ثلاثة الهدي لمن صام يومين و كان الثالث العيد.

بل زاد الأخير،فاستجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين،و الاستئناف في غيره،قال:لأنّ الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه،فيبقى المكلّف تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال.انتهى.

و هو حسن إن لم يستفد من الاعتبار و النصوص الواردة في الشهرين ما يتعدّى به الحكم إلى غيرهما،و إلّا فلا.و ما نحن فيه من قبيل الثاني؛ لشهادة الاعتبار بالعموم،كجملة من الأخبار،و فيها الصحيح و غيره.

أمّا الأول فواضح.

و أمّا الثاني فلتضمنّه تعليل الحكم بأنّ اللّه تعالى حبسه،كما في الصحيح (2)،و أنّ هذا ممّا غلب اللّه تعالى و ليس على ما غلب اللّه تعالى شيء،كما في غيره (3).

و هو كما ترى عامّ يشمل محلّ النزاع و غيره.و اختصاص المورد بالشهرين غير قادح؛ فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوصه.

و من العجب أنّه استدلّ بهذا التعليل لتعميم العذر للمرض و نحوه (4)،

ص:505


1- القواعد 1:69،الدروس 1:296،المسالك 1:79،الروضة 2:131،المدارك 6:247.
2- الوسائل 10:371،أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
3- التهذيب 4:/284 859،الإستبصار 2:/124 402،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.
4- التهذيب 4:/284 858،الإستبصار 2:/124 402،الوسائل 10:374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.

مع أنّ المورد خصوص المرض،و قد وَرَد فيه (1)في الشهرين وجوب الاستئناف في الصحيح (2)و غيره (3)،و هو رحمه الله قد حملهما لذلك - (4)على الاستحباب،ناقلاً عن الشيخ حملهما على مرض لا يمنع الصوم (5).

و ذلك فإنّ التعليل كما صلح حجّة لمّا ذكره فكذا لما ذكرنا،بل بطريق أولى،لخلوّه عن المعارض الصريح،دون ما ذكره،لما عرفت من الصحيح و غيره الآمرين بالاستئناف.

و بالجملة:فما في العبارة و نحوها كعبارة الشرائع و الإرشاد و اللمعة، و صريح التحرير و السرائر و الغنية- (6)من التعميم أولى:سيّما و أنّ في الكتاب الأخير ادّعى عليه إجماعنا.

و أمّا الصحيح:« كلّ صوم يفرق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» (7).

فمحمول على أنّ المراد:أنّ بقيّة الكفّارات يجوز تفريقها في الجملة بعد تجاوز النصف لا مطلقاً،أو الحصر إضافي و إلّا فهو شاذّ لا نجد به قائلاً،حتى الشهيدين و سبط ثانيهما كما لا يخفى (8).

ص:506


1- المدارك 6:248.
2- أي في المرض.
3- الكافي 4:/138 1،التهذيب 4:/284 861،الإستبصار 2:/124 404،الوسائل 10:371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.
4- الكافي 4:/139 7،التهذيب 4:/285 862،الإستبصار 2:/125 405،الوسائل 10:372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.
5- أي لعموم التعليل(منه رحمه الله).
6- المدارك 6:249،و هو في الاستبصار 2:125 ذيل حديث 405.
7- الشرائع 1:205،الإرشاد 1:304،اللمعة(الروضة 2):131،التحرير:85،السرائر 1:411،الغنية(الجوامع الفقهية):572.
8- لعدم قولهم بحصر ما يجب فيه التتابع مطلقاً و لو مع العذر في كفارة اليمين،بل تعميمهم لكل ثلاثة(منه رحمه الله).

و لو أفطر لا لعذر استأنف قطعاً،و إجماعاً فتوًى و دليلاً إلّا ثلاثة مواضع : الأول: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين،فصام شهراً و من الثاني شيئاً و لو يوماً؛ بإجماعنا المحقّق المصرّح به في الغنية و التذكرة و المنتهى (1)و غيرها (2)،و أخبارنا المستفيضة جدّاً،و فيها الصحاح و غيرها (3).

و الثاني: من وجب عليه صوم شهر بنذر و شبهه فصام خمسة عشر يوماً على الأشهر الأقوى،بل ظاهر المختلف (4)و غيره (5):

أنّه لا خلاف فيه أصلاً.و سيأتي بيانه و بيان سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في كتاب الكفّارات مفصّلاً.

و الثالث: في صوم الثلاثة الأيّام بدلاً عن هدي التمتّع،إذا صام يومين منها و كان الثالث العيد،أفطر و أتمّ الثالث بعد أيّام التشريق إن كان بمنى بلا خلاف فيه أجده في الجملة،إلّا من بعض متأخّري متأخّري الطائفة،فتردّد فيه (6).و هو ضعيف،بل على خلافه الإجماع في المختلف (7)،و عن السرائر مطلقاً (8)،و في الغنية مع الضرورة (9).

ص:507


1- الغنية(الجوامع الفقهية):572،التذكرة 1:282،المنتهى 1:621.
2- إيضاح الفوائد 4:100.
3- الوسائل 10:371،أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
4- المختلف:248.
5- كالذخيرة:535.
6- المدارك 8:51.
7- المختلف:305.
8- السرائر 1:593.
9- الغنية(الجوامع الفقهية):572.

و قريب من الأول (1)المنتهى،فإنّ فيه:أجمع علماؤنا على إيجاب التتابع فيها،إلّا إذا فاته قبل يوم التروية،فإنّه يصوم التروية و يوم عرفة و يفطر العيد،ثم يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق و لو غيّر (2) هذه الأيّام وجب فيها التتابع ثلاثة (3).انتهى.

و هو الحجّة،مضافاً إلى جملة من المعتبرة و لو بالشهرة،مع أنّ فيها الصحيح كما قيل (4)،و لا يبعد،أو الموثق أو الحسن كما في الذخيرة (5):عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً و ليس له هدي،فصام يوم التروية و يوم عرفة،قال:« يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق» (6)و بمعناه

ص:508


1- أي من المختلف.
2- في« ح»:و لو كان غير،و في المنتهى:و لو صام غير.
3- المنتهى 2:743.
4- القائل السيد نعمة اللّه الجزائري في شرحه على التهذيب،حيث قال في الردّ على ضعّف هذا الحديث،فقال:إنّه ممنوع؛ و ذلك لأنّ يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الثقة الذي يروي عنه صفوان،و قد سبق التصريح به في باب الخروج الى الصفا،حيث قال:عن صفوان و علي بن النعمان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق،و الذي حمله على تصنيفه أنّ الصدوق روى الحديث في الفقيه عن يحيى الأزرق،و قال في مشيخته:و كلّ ما في هذا عن يحيى الأزرق فقد رويته عن فلان عن فلان عن أبان بن عثمان عن يحيى بن حسّان الأزرق.و[لم]يذكر طريقه إلى يحيى بن عبد الرحمن الأزرق أيضاً،فالتمييز مشكل،و هذا غير مناف لما قلنا من أنّ جماعة من محقّقي علماء الرجال حكموا باتحاد الرجلين،و هو غير بعيد.انتهى.أقول:و نحوه بعض من[بيّن]وصف أحاديث الاستبصار الموجود عندي،فكتب في الحاشية:صح،و كتب يحيى الأزرق:الظاهر أنّه يحيى بن عبد الرحمن الأزرق.(منه رحمه الله)و قد وصف الرواية بالصحة المحقق الأردبيلي أيضاً في مجموع الفائدة 7:295.
5- الذخيرة:672،و فيه:و عن يحيى الأزرق بإسناد لا ينبغي أن يعدّ موثقاً.
6- الفقيه 2:/304 1509،التهذيب 5:/231 781،الإستبصار 2:/279 992،الوسائل 14:196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.

غيره (1).

و هي بإطلاقها بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال تعمّ صورتي الاختيار و الضرورة،كما هو ظاهر العبارة هنا و في الشرائع، و التحرير و المنتهى و القواعد،و التهذيبين،و اللمعتين،و السرائر،و عن المبسوط و الجمل (2)،بل صريحها و صريح ابن حمزة على ما حكاه بعض الأجلّة (3)،قال:و خالف فيه القاضي و الحلبيّان و المحقّق الثاني،فاشترطوا الضرورة (4).

أقول:و ظاهر الغنية دعوى الإجماع.

و عليه فيمكن الجمع بين ما مرّ من المعتبرة و الصحاح المعارضة، منها:في متمتّع دخل يوم التروية و لا يجد هدياً:« فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة،و يتسحّر ليلة الحصبة (5)،فيصبح صائماً،و هو يوم النفر،

ص:509


1- التهذيب 5:/231 780،الإستبصار 2:/279 991،الوسائل 14:195 أبواب الذبح ب 52 ح 1.
2- الشرائع 1:262،التحرير:105،المنتهى 2:743،القواعد:88،التهذيب 5:231،الإستبصار 2:280،الروضة 2:132،السرائر 1:592،المبسوط 1:370،الجمل و العقود(الرسائل العشر):236.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363،و لم يعدّ فيه المحقق الثاني من جملة المخالفين،و لم نعثر على مخالفته في جامع المقاصد.
4- القاضي في المهذب 1:200،الحلبي في الكافي في الفقه:188،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572.
5- المُحَصَّب:موضع الجمار عند أهل اللغة،و المراد به هنا كما نَصَّ عليه بعض شرَّاح الحديث الأبطح،إذ المُحَصَّب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصباؤه،و الأبطح ميل واسع فيه دقاق الحصى،و هذا الموضع تارة يسمى بالأبطح و أخرى بالمحُحَصَّب،أيّ عند منقطع الشّعب من وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى عند أهل مكة بالمعلّى،و ليس المراد بالمخَصَّب موضع الجمار بمنى،و ذلك لأنّ السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار و أول وقته بعد الزوال و ليس له أن يلبث حتى يمسي،و قد صلى به النبي المغرب و العشاء الآخرة و قد رقد به رقدة،فعلمنا أن المراد من المحصّب ما ذكرناه.و« التَّحصيب» المستحب هو النزول في مسجد المحصبة و الاستلقاء فيه،و هو في الأبطح،و هذا الفعل مستحب تأسياً بالنبي(صلى الله عليه و آله)،و ليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان،فتتأدى لسنة بالنزول في الأبطح قليلاً ثم يدخل البيوتَ من غير أن ينام بالأبطح،و« ليلة الحَصْبة» بالفتح بعد أيام التشريق،و هو صريح بأن يوم الحَصْبة هو يوم الرابع عشر لا يوم النَّفْر،يؤيده ما روي عن أبي الحسن(عليه السلام)و قد سُئل عن متمتع لم يكن له هدي؟فأجاب:« يصوم أيام منى،فإن فاته ذلك صام صبيحة يوم الحَصبة و يومين بعد ذلك» مجمع البحرين 2:43 44.

و يصوم يومين بعده» (1).

بحمل الأوّلة على حال الضرورة،و هذه على الصورة المقابلة.

و لا ريب أنّ هذا التفصيل أحوط،و إن كان الجمع بينهما بحمل الأخيرة على الاستحباب لعلّه أظهر،للأصل،و شهرة الإطلاق،و العموم للصورتين،الموجب لوهن الإجماع،الذي هو الشاهد على الجمع الأول.

و منه يظهر ضعف ما يحكى عن بعض المتأخّرين من اشتراط الجهل بكون الثالث العيد (2).

و لا يجوز أن يبني لو كان الفاصل بينها غيره أي غير العيد مطلقاً،على الأشهر الأقوى؛ لعموم ما دلّ على وجوب التتابع فيها من النصّ (3)و الفتوى.

خلافاً للمحكي عن ابن حمزة،فاستثنى ما لو كان الفاصل يوم عرفة

ص:510


1- الكافي 4:/508 4،الوسائل 14:197 أبواب الذبح ب 52 ح 5.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363.
3- الوسائل 14:198 أبواب الذبح ب 53.

لمن يخاف بصومه الضعف عن الدعاء (1)،و نفى عنه البأس في المختلف،و البعد في المدارك (2).

استناداً إلى أنّ التشاغل فيه مطلوب للشارع،فجاز الإفطار.

و ضعفه ظاهر،فإنّ ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعاً،بل مع الإفطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها.

و أظهر من هذا ضعفاً ما يحكى عن المبسوط و الجمل من اغتفار التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقاً (3)؛ إذ لم أرَ له حجّةً يعتد بها،عدا ما في المختلف من أنّ تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع (4).و هو كما ترى.

و هل تجب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر؟وجهان:

من إطلاق النصوص (5)و أكثر الفتاوي.

و من وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة على قدرها.و هذا أحوط و أولى،و به أفتى صريحاً بعض أصحابنا (6)،حاكياً له عن ابن سعيد.

و الحمد للّه تعالى.

ص:511


1- حكاه عنه في المختلف:305.
2- المختلف:305،المدارك 8:54،لم ينف البعد عن قول ابن حمزة بل استبعده.
3- حكاه عنهما في المختلف:249.
4- المختلف:249.
5- انظر الوسائل 14:195 أبواب الذبح ب 52.
6- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:363.

ص:512

كتاب الاعتكاف

اشارة

كتاب الاعتكاف و هو لغةً:الاحتباس و اللبث الطويل.و شرعاً:اللبث المخصوص للعبادة.

و شرعيته ثابتة بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه سبحانه:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [1] (1).و قال عزّ و جل:

أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [2] (2).و في الصحيح:« كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبّة من شعر،و شمّر المئزر و طوى فراشه» الحديث (3).

ص:513


1- البقرة:187.
2- البقرة:125.
3- الكافي 4:/175 1،الفقيه 2:/120 517،الوسائل 10:533 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 1.

و يستفاد منه و من غيره من النصوص (1)أنّ أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان،حتى أنّ في بعضها« لا اعتكاف إلاّ في العشر الأواخر من شهر رمضان» كما في نسخة (2)،أو العشرين منه،كما في أُخرى (3).

و في الخبر:« اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين» (4).

و هو في الأصل مستحب،و إنّما يجب بالنذر و يمضي يومين فيجب الثالث،و كذا كل ثالث كالسادس و التاسع،على الخلاف الآتي.

و الكلام في هذا الكتاب يقع في أمور ثلاثة:

شروطه،و أقسامه،و أحكامه.

أمّا الشروط

اشارة

أمّا الشروط هي خمسة

الشرط الأول النية

: الأول:

النيّة بلا خلاف،كما في كلّ عبادة،و قد مضى تحقيقها في كتاب الطهارة.

الثاني الصوم

و الثاني:

الصوم بالإجماع،و المعتبرة المستفيضة و فيها الصحيح و غيره-:« لا اعتكاف إلّا بصوم» (5).

و في الصحيح:« تصوم ما دمت معتكفاً» (6)و نحوه في إيجاب الصوم

ص:514


1- الوسائل 10:533 أبواب الاعتكاف ب 1.
2- التهذيب 4:/290 884،الإستبصار 2:/126 411،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
3- الكافي 4:/176 2،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
4- الفقيه 2:/122 531،الوسائل 10:534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 3.
5- الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2.
6- الكافي 4:/176 3،الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2 ح 1.

حال الاعتكاف كثير (1).

و المراد بالوجوب فيها:الشرطي كما في سابقها لا الشرعي،و إلّا لزاد الشرط على مشروطه.

و إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندباً أو واجباً،لرمضان أو غيره،و محصّله:أنّه لا يعتبر وقوعه لأجله،بل يكفي حصوله على أيّ وجهٍ اتّفق،و به صرّح جماعة (2)،معربين عن عدم خلاف فيه كما صرّح به بعضهم (3)،و عن المعتبر:أنّ عليه فتوى علمائنا (4).

أقول:و يدلّ عليه بعد الإجماع و الإطلاقات صريح ما مرّ من النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان؛ بناءً على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان غيره إجماعاً (5).

و على هذا الشرط فلا يصحّ الاعتكاف إلّا في زمانٍ يصحّ صومه،ممّن يصحّ منه الصوم،فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين،و لا من الحائض و النفساء و المريض المتضرّر بالصوم.

الثالث العدد

و الثالث:

العدد،و هو ثلاثة أيّام فلا اعتكاف في أقلّ منها؛ بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (6)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً،ففي جملةٍ منها:« لا يكون اعتكاف أقلّ من

ص:515


1- الوسائل 10:535 أبواب الاعتكاف ب 2.
2- المدارك 6:315،مفاتيح الشرائع 1:276،الحدائق 13:45.
3- كالفيض في مفاتيح الشرائع 1:277.
4- المعتبر 2:726.
5- راجع ص:2495.
6- منهم:المحقق في المعتبر 2:728،و العلامة في التذكرة 1:284،و صاحب الحدائق 13:418،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:276.

ثلاثة أيّام» (1).

و لا خلاف في دخول ليلتي الثاني و الثالث ممّن عدا الشيخ في موضعٍ من الخلاف- (2)بل عليه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر،كالمعتبر و المنتهى (3)و غيرهما (4).

و قول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر،و منها الدروس (5).

و في دخول ليلة الأول خلاف،الأقرب الخروج،وفاقاً للمشهور،و منهم:الشيخ في موضع من الخلاف،و الفاضلان في المعتبر و التحرير،و الشهيدان في الروضة و الدروس،و الفاضل المقداد في التنقيح (6)،و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (7).

لأنّ المتبادر من لفظ« اليوم» الوارد في الفتوى و النصّ:إنّما هو من عند الفجر إلى الغروب.

و إنّما قلنا بدخول الليلتين لما مرّ من الإجماع المنقول على دخولهما بالخصوص.مضافاً إلى الإجماع على أن أقلّ الاعتكاف ثلاثة؛ إذ لو لم يدخلا لتحقّق الخروج منه بدخول الليل،فجاز فعل المنافي،فانقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره و يصير منفرداً،فحصل اعتكاف أقلّ من ثلاثة

ص:516


1- الوسائل 10:544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 2،4،5.
2- الخلاف 2:239.
3- المعتبر 2:728،المنتهى 2:630.
4- كالتذكرة 1:284،و الحدائق 13:459.
5- الدروس 1:298.
6- الخلاف 2:238،المعتبر 2:728،التحرير:86،الروضة 2:150،الدروس 1:298،التنقيح الرائع 1:400.
7- منهم صاحب المدارك 6:317،و الفيض في المفاتيح 1:276،و السبزواري في الذخيرة:540،و صاحب الحدائق 13:460.

أيّام،و هذا خلف.

و الحاصل:أنّ الليل لا يدخل في مسمّى اليوم إلّا بقرينة أو دليل من خارج،و هما مختصّان بالأخيرتين.

و أمّا دخول الليلة المستقبلة في مسمّاه كما نقل قولاً- (1)فلا وجه له.

و تتفرّع على الخلاف فروع جليلة لا يليق بهذا المختصر ذكرها جملة.

نعم،لا بأس بذكر ما يتعلّق منها بأمر النيّة،و هو ابتداء الاعتكاف الذي يجب مقارنتها له،و هو على المختار عند طلوع الفجر،و على غيره عند الغروب.

الرابع المكان

و الرابع:

المكان،و هو كلّ مسجد جامع جمع فيه إمام عدل،و لو غير إمام الأصل:

وفاقاً للمفيد،و عليه الماتن في كتبه،و الشهيدان (2)،و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (3).

لعموم الآية،و النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و الموثّق و غيرهما:« لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع» كما في بعضها (4)،أو« مسجد جماعة» كما في أُخرى (5).

ص:517


1- نقله صاحب المدارك 6:317.
2- المفيد في المقنعة:363،الماتن في المعتبر 2:732،و الشرائع 1:216،الشهيد الأول في الدروس 1:298،الشهيد الثاني في الروضة 2:150.
3- منهم:صاحب المدارك 6:323،و السبزواري في الذخيرة:539،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:277.
4- الفقيه 2:/119 516،الوسائل 10:538 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
5- التهذيب 4:/290 881،الإستبصار 2:/127 414،الوسائل 10:439 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 6.

و قيل:لا يصحّ إلّا في أحد المساجد الأربعة:مكّة،و المدينة،و جامع الكوفة و البصرة. و القائل:الشيخ،و السيّدان،و الحلبي،و القاضي،و ابن حمزة،و الحلّي،و الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى،و المحقّق المقداد في التنقيح (1)،و غيرهم (2).

و بالجملة:الأكثر كما في كلام جماعة (3)،بل المشهور كما في كلام آخرين (4)،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر السرائر (5)؛ و هو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه:ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟فقال:« لا يعتكف إلّا في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل جماعة،و لا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكّة» (6).

ص:518


1- الشيخ في المبسوط 1:289،المرتضى في الانتصار:72،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572،الحلبي في الكافي:186،القاضي في المهذب 1:204،ابن حمزة في الوسيلة:153،الحلّي في السرائر 1:421،قواعد الأحكام 1:70،الإرشاد 1:305،التحرير 1:87،المنتهى 2:632،التنقيح الرائع 1:401.
2- كسلّار في المراسم:99.
3- منهم:العلامة في التذكرة 1:284،و الشهيد الثاني في الروضة 2:150،و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:401.
4- كالعلامة في المنتهى 2:632.
5- الانتصار:72،الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:233،السرائر 1:421.
6- الكافي 4:/176 1،الفقيه 2:/120 519،التهذيب 4:/290 882،الإستبصار 2:/126 409،الوسائل 10:540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 8.

و ما يقال:من أنّ الإجماع ممنوع،و الحديث لا دلالة فيه،فإنّ الإمام العدل لا يختصّ بالمعصوم عليه السلام كالشاهد العدل،إلّا أن يُجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادته عليه السلام،فيحمل على نفي الفضيلة (1).

فمردود بعدم وجه لمنع الإجماع،عدا وجود الخلاف،و هو على أصلنا غير ضائر،فينبغي قبول دعواه،سيّما مع استفاضة نقله،و شهرة الفتوى به اشتهاراً محقّقاً و محكيّاً.

مع عدم ظهور مخالف يعتدّ به من القدماء،عدا العماني،حيث جوّز الاعتكاف في كلّ مسجد (2)؛ لعموم الآية،و الموثّق المروي في المعتبر و المنتهى:« لا اعتكاف إلّا بصوم،و في مسجد المصر الذي أنت فيه» (3).

و المفيد،حيث جوّزه في المسجد الأعظم (4)،المرجوع إلى الجامع، كما في كلام الماتن.

و الصدوقين،حيث جوّزه أولهما في المساجد الأربعة،مبدلاً البصرة منها بالمدائن (5)،و ثانيهما في الخمسة (6).

و لا ريب في ندرة الأول و شذوذه،و مخالفته الإجماع القطعي و النصّ المستفيض،المخصّص بهما عموم دليلَيه،على تقدير تسليمه.

و كذلك الصدوقان،مع عدم وضوح دليل لهما،عدا الرضوي لأولهما،

ص:519


1- كما في المدارك 6:325،و المفاتيح 1:277،و الذخيرة:540.
2- نقله عنه في المختلف:251.
3- المنتهى 2:633،المعتبر 2:733،الوسائل 10:541 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 11.
4- انظر المقنعة:363.
5- حكاه عن والد الصدوق في المختلف:251.
6- الصدوق في المقنع:66.

ففيه:« صوم الاعتكاف في المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلى الله عليه و آله،و مسجد الكوفة،و مسجد المدائن،و لا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة؛ و العلّة في هذه:أنّه لا يُعتكَف إلّا في مسجد جَمَع فيه إمام عدل،و جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة و المدينة،و أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد» (1).

و ما روي أنّ مولانا الحسن عليه السلام صلّى في مسجد المدائن جماعة (2)لثانيهما.

و هما مع قصور سنديهما،بل ضعفهما في مقابلة ما مضى لا مخالفة لهما لما عليه أصحابنا،من حيث اتّفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعة،كما عليه أكثرهم،و منهم جملة من نقلة الإجماع كالسيّدين و الحلّي (3)،أو جماعةً،كما هما عليه.

و لذا أنّ كثيراً من أصحابنا (4)ألحقوهما بالمشهور.

فلم يبق مخالف لهم سوى المفيد،و هو بالإضافة إليهم نادر و إن وافقه الماتن،لتأخّره عنهم.

و مع ذلك،لا مستند له حيث قيّد المسجد بالأعظم،إلّا إذا أُريد به الجامع يعني:الذي يجتمع فيه أهل البلد دون نحو مسجد القبيلة فتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (5)،لكن قد عرفت أنّ في جملة منها بدل

ص:520


1- فقه الرضا(عليه السلام):213،المستدرك 7:562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
2- المعتبر 2:732،و ليس فيه لفظة« جماعة»،إيضاح الفوائد 1:256،روضة المتقين 3:498،مرآة العقول 16:428.
3- المرتضى في الانتصار:72،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):572،الحلي في السرائر 1:421.
4- كصاحب الحدائق 13:464.
5- في ص:2672.

« الجامع» « مسجد جماعة» و لا ريب أنّه أعمّ من الجامع،لصدقه على مسجد القبيلة إذا صُلّي فيه جماعة،و لم يقولوا به.

و تقييده بالجامع على تقدير تسليم صحّته ليس بأولى من تقييدهما بما عليه أصحابنا من مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعةً أو جماعة.بل هو أولى؛ للإجماعات الكثيرة،و الشهرة القديمة العظيمة،و قاعدة توقيفيّة العبادة،و وجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ثبوته من الشريعة.مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (1).

و الجواب عنها بالحمل على الفضيلة بعد الاعتراف بالدلالة لا وجه له؛ لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين،لأرجحيّة هذه بالإضافة إلى المستفيضة بما عرفته من الشهرة و الإجماعات المحكيّة،و بمرجوحيّته بالإضافة إلى حمل المطلق على المقيّد (2).

هذا،مع احتمال ورود المستفيضة للتقيّة؛ لموافقتها لمذهب جماعة من العامّة،كأبي حنيفة و من تبعه (3).

و بالجملة:المشهور في غاية القوة،سيّما مع اعتضاده أيضاً بما رواه في المختلف عن الإسكافي،أنّه قال:روى ابن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام جوازه في كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدلٍ صلاة جماعة،و في المسجد الذي تصلّى فيه الجمعة بإمام و خطبة (4).فتأمّل.

الخامس الإقامة في موضع الاعتكاف

و الخامس: الإقامة في موضع الاعتكاف بإجماع العلماء

ص:521


1- في ص:2672.
2- أي:مرجوحيّة حمل الصحيحة على الفضيلة بالإضافة إلى حمل المطلق و هو المستفيضة على المقيّد.
3- انظر عمدة القارئ 11:142،بدائع الصنائع 2:113.
4- المختلف:251،الوسائل 10:542 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 14،بتفاوت.

كما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى (1)،و الصحاح و غيرها به مستفيضة من طرقنا.

ففي الصحيح:« ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط» (2).

و في آخرَين:« لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها،ثم لا يجلس حتّى يرجع،و المرأة مثل ذلك» (3).

و زيد في أحدهما:« و لا يخرج في شيء إلّا لجنازةٍ أو يعود مريضاً» (4).

و ما فيهما من أنّ المرأة مثل الرجل مجمع عليه بيننا،و به صرّح في الخلاف (5)و غيره (6)أيضاً.

و عليه فلو خرج كلّ منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه على الأقوى- أبطله و كذا لو صعد سطحه على قول (7)،و الأقوى:لا،وفاقاً للمحكي عن المنتهى،لأنّه من جملته (8).

نعم،الأحوط ترك هذا و سابقه إلّا لضرورة كتحصيل مأكول

ص:522


1- المعتبر 2:733،التذكرة 1:290،المنتهى 2:633.
2- الكافي 4:/178 1،الوسائل 10:550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 6.
3- الكافي 4:/176 2،الفقيه 2:/120 521،التهذيب 4:/290 884،الاستبصار 2:/126 411 بتفاوت يسير،الوسائل 10:549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1.
4- الكافي 4:/178 3،الفقيه 2:/122 529،التهذيب 4:/288 871،الوسائل 10:549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 2.
5- الخلاف 2:227.
6- المدارك 6:326،الحدائق 13:468.
7- انظر الدروس 1:300.
8- المنتهى 2:635.

و مشروب،و فعل الأول في غيره (1)لمن عليه فيه غضاضة،و قضاء حاجة من بول أو غائط،و اغتسال واجب لا يمكن فعله فيه،و نحو ذلك ممّا لا بدّ منه،و لا يمكن فعله في المسجد،و لا يتقدّر معها (2)بقدر إلّا زوالها.

نعم،لو خرج عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً،و كذا لو خرج مكرهاً أو ناسياً فطال،و إلّا رجع حيث ذكر،فإن أخّر بطل.

كلّ ذلك على الأظهر،وفاقاً لجمع (3).

خلافاً للمحكي عن المعتبر في المكره،فيبطل بقول مطلق؛ لمنافاته لماهيّة الاعتكاف (4).

و فيه على إطلاقه نظر،و الأصل يقتضي الصحّة،و النهي الموجب للفساد غير متوجّه في هذه الصورة،و لذا قال كالأكثر بعدم البطلان في الناسي (5)،و سؤال الفرق متوجّه.

أو طاعة،مثل تشييع جنازة مؤمن للصحيحين المتقدّمين،و ليس فيهما التقييد المؤمن.

أو عيادة مريض لفحواهما،مع التصريح به في أحدهما،و هو مطلق كالأول،فالتفصيل (6)غير ظاهر الوجه.

و على جواز الأمرين بقول مطلق الإجماع في الانتصار و الغنية و التذكرة (7).

ص:523


1- أي المسجد.
2- أي مع الضرورة.
3- المسالك 1:84،المدارك 6:331،الحدائق 13:472.
4- المعتبر 2:733.
5- المعتبر 2:736.
6- بتقييد الجنازة بالمؤمن و إبقاء المريض على إطلاقه(منه رحمه الله).
7- الانتصار:74،الغنية(الجوامع الفقهية):573،التذكرة 1:291.

أو شهادة تحمّلاً و إقامةً،إن لم يمكن بدون الخروج،سواء تعيّنت عليه أم لا.بلا خلاف و لا إشكال في الصورة الأُولى؛ لكونها من الحاجة المرخّص في الخروج لأجلها.

و يشكل في الثانية،و إن ذكر جواز الخروج فيها أيضاً جماعة،و منهم الفاضل في المنتهى،معلّلاً بكونها من الحاجة المرخّص لها (1).

و هو مشكل جدّاً،إلّا أن يتمسّك بفحوى الجواز للتشييع و عيادة المريض،لكونهما مستحبّاً،فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب و لو كفايةً بطريق أولى.

و لا يجوز أن يجلس لو خرج لشيء من الأُمور المذكورة و لا أن يمشي تحت الظلال اختياراً.

بلا خلاف في الأول في الجملة،و إن اختلف العبارات في الإطلاق كما في الصحيحين الماضيين (2)،أو التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (3)، لكنّه قاصر عن المقاومة لهما سنداً و دلالة،فإذاً الأول أظهر،مع أنه أحوط.

و على الثاني جماعة،و منهم:الشيخ في أكثر كتبه،و الحلّي،و الحلبي كما حكي،و المرتضى في الانتصار،مدّعياً عليه الإجماع (4)،كما هو ظاهر المحقّق الثاني،حيث عزاه إلى الشيخ و الجماعة (5).

ص:524


1- المنتهى 2:634.
2- المتقدمين في ص:2675.
3- الكافي 4:/178 2،الفقيه 2:/122 528،التهذيب 4:/287 870،الوسائل 10:550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3.
4- الشيخ في المبسوط 1:293،و النهاية:172،الحلّي في السرائر 1:425،الحلبي في الكافي:187،الانتصار:74.
5- جامع المقاصد 1:156.

فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلّا فالأصل يقتضي الجواز،كما في الغنية، و عن الشيخ في المبسوط،و المفيد،و الديلمي (1)،و أكثر المتأخّرين (2).

و لكن في النسبة مناقشة،فإنّ القدماء المحكي عنهم ذلك ليست عباراتهم المحكيّة صريحة في ذلك،و إنّما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال خاصّة،من غير تعرّض للمشي،و هو ليس بصريح في جواز المشي تحتها.

و أمّا المتأخّرون،فلم أقف على مصرّح به،سوى الماتن في المعتبر، و الفاضل في المختلف،و شيخنا في المسالك و الروضة (3)،و بعض من تأخّر عنهم (4)،و الأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما (5).و الشهيد في الدروس و إن كان ظاهره الميل إليه (6)إلّا أنّه في اللمعة وافق الجماعة (7).

و كيف كان،فلا ريب أنّ المنع أحوط،إن لم نقل بكونه أظهر.

و لا يجوز أن يصلّي خارج المسجد الذي اعتكف فيه،بلا خلاف؛ للصحيحين (8).

ص:525


1- الغنية(الجوامع الفقهية):573،المبسوط 1:293،المفيد في المقنعة:363،58 الديلمي في المراسم:99.
2- منهم صاحب المدارك 6:329،و الحدائق 13:472.
3- المعتبر 2:735،المختلف:255،المسالك 1:84،الروضة 2:152.
4- كصاحب المدارك 6:329،و السبزواري في الذخيرة:541،و صاحب الحدائق 13:472.
5- كما في الشرائع 1:217،و التذكرة 1:291،المنتهى 1:635.
6- الدروس 1:299.
7- اللمعة(الروضة 2):151.
8- الكافي 4:/177 5،الفقيه 2:/121 523،التهذيب 4:/293 892،891،الإستبصار 2:/128 417،416،الوسائل 10:551 أبواب الاعتكاف ب 8 ح 2،3.

فيرجع الخارج لضرورة إليه و إن كان في مسجد آخر أفضل منه إلّا مع الضرورة كضيق الوقت فيصلّيها حيث أمكن،مقدّماً للمسجد مع الإمكان احتياطاً.

و من الضرورة إلى الصلاة في غيره:إقامة الجمعة فيه دونه؛ و للصحيح الماضي (1)،فيخرج إليها.

و بدون الضرورة لا تصحّ الصلاة أيضاً للنهي.

إلّا بمكّة فيصلّي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء،و لا يختصّ بالمسجد،و لا خلاف في هذا أيضاً؛ للصحيحين المشار إليهما.

أمّا أقسامه فهو على قسمين

و أمّا أقسامه فهو على قسمين: واجب،و مندوب فالواجب:ما وجب بنذر و شبهه من عهد و يمين و بنيابةٍ حيث تجب.

و يشترط في النذر و ما في معناه:إطلاقه،فيحمل على ثلاثة،أو تقييده بها فصاعداً،أو بما لا ينافيها كنذر يوم لا أزيد.

و أمّا غيرهما،فبحسب الملتزم (2)،فإن قصر عن الثلاثة اشترط إكمالها في صحّته،و لو عن نفسه.

و هو أي الواجب يلزم بالشروع فيه،بلا إشكال مع تعيّن الزمان،و يستشكل فيه مع إطلاقه،لعدم ما يقتضيه.

و لذا قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضيّ فيه قبل

ص:526


1- المتقدم في ص:2675.
2- في« ص»:الملزم.

اليومين (1)؛ و هو بناءً على منع العموم الدالّ على حرمة إبطال الأعمال.

و لو قيل به إلّا ما أخرجه الدليل،و هو المندوب على الإطلاق،كما هو ظاهر الأصحاب لم يكن بعيداً من الصواب.

و نحو المتن في الحكم باللزوم بالشروع الشرائع و القواعد (2)، و ربّما عزي إلى المشهور (3)،و في التنقيح:أنّه لا خلاف فيه (4).

و المندوب: ما يتبرّع به من غير موجب.

و لا يجب بالشروع فيه،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل،و صريح الصحيحين الآتيين.

خلافاً للمحكي عن المبسوط و الحلبي،فيجب (5).

و لعلّه لعموم النهي عن إبطال العمل،كما في التنقيح (6).

أو لإطلاق نحو الصحيح:عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم،و هي معتكفة بإذن زوجها،فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الذي هي فيه،فتهيّأت لزوجها حتى واقعها،فقال:« إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة،و لم تكن اشترطت في اعتكافها،فإنّ عليها ما على المظاهر» (7).

ص:527


1- انظر المدارك 6:339.
2- الشرائع 1:218،القواعد 1:70.
3- الحدائق 13:479.
4- التنقيح الرائع 1:403.
5- المبسوط 1:293،الحلبي في الكافي في الفقه:186.
6- التنقيح الرائع 1:403.
7- الكافي 4:/177 1،الفقيه 2:/121 524،التهذيب 4:/289 877،الإستبصار 2:/130 422،الوسائل 10:548 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 6 بتفاوت.

و هما مقيّدان بما يأتي من صريح الصحيحين المعتضدين بالأصل و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

هذا،و في الناصرية و السرائر:أنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها (1).

و هو كما ترى ظاهر في انعقاد إجماعنا عليه (2)مطلقاً (3).

و يشهد لصحّة دعواه تتبّع كثير من المستحبّات المحكوم فيها عند الأصحاب بعدم وجوبها بالشروع فيها.

فإذا مضى يومان،ففي وجوب الثالث قولان بين الأصحاب.

و لكن المروي:أنّه يجب ففي الصحيح:« إذا اعتكف الرجل يوماً،و لم يكن اشترط،فله أن يخرج و أن يفسخ اعتكافه،و إن أقام يومين،و لم يكن اشترط،فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام» (4)و نحوه آخر سيذكر.

و عليه أكثر القدماء و المتأخّرين،و في التنقيح و اللمعتين و النكت:أنّه الأشهر (5).

خلافاً للمرتضى و الحلّي و الفاضلين في المعتبر و المختلف،فلا يجب (6)؛ للأصل،و بعض الأُمور الاعتباريّة،المخصّصين على تقدير

ص:528


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):207،السرائر 1:424.
2- أي على عدم الوجوب بالشروع(منه رحمه الله).
3- أي و لو في غير الاعتكاف(منه رحمه الله).
4- الكافي 4:/177 3،الفقيه 2:/121 526،الوسائل 10:543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 بتفاوت يسير.
5- التنقيح 1:404،الروضة 2:154.
6- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):207،الحلي في السرائر 1:424،المعتبر 2:737،المختلف:252.

تسليمهما بما مرّ من الصحيحين المعتضدين مضافاً إلى الشهرة بإطلاق نحو الصحيحة السابقة.

و الجواب عن الصحيحين بضعف السند كما في المختلف (1)،أو الدلالة كما في الذخيرة (2)،لا وجه له.

لاختصاص ضعف السند برواية الشيخ (3)،و إلّا فهما في الكافي و الفقيه مرويّان صحيحاً كما قلنا.

و مع ذلك،الضعف بابن فضّال،و هو موثّق،و هو حجّة على الأصح، سيّما إذا اعتضد بالشهرة الظاهرة و المحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة.

و أمّا ضعف الدلالة فلا وجه له بالكلّية،عدا احتمال إرادة الكراهة، و هو مرجوح في الغاية بالنسبة إلى لفظ:« ليس له» الوارد في الرواية، و ليس كلفظ النهي المحتمل لها قريناً أو متساوياً في أخبار الأئمّة عليهم السلام،كما عليه صاحب الذخيرة.

مع أنّه اختار ذلك في النهي حيث لم تنضمّ إليه الشهرة،و إلّا فهو قد جعل الشهرة دائماً قرينة على تعيّن الحرمة،و هي أيضاً في المسألة حاصلة.

فمناقشته في الدلالة على أيّ تقدير ضعيفة،بل واهية.

و قيل:لو اعتكف ثلاثاً فهو بالخيار في الزائد،فإن اعتكف يومين آخرين وجب الثالث للصحيح:« و من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار،إن شاء

ص:529


1- المختلف:252.
2- الذخيرة:539.
3- التهذيب 4:/288 872،و /289 879،الاستبصار 2:/129 420 و 421،الوسائل 10:543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1،3.

زاد ثلاثة أُخرى،و إن شاء خرج من المسجد،و إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يُتمّ ثلاثة أيّام أُخر» (1).

و القائل:الشيخ و الإسكافي و التقي (2)،بل في التنقيح:أنّه فرع القول بالوجوب بالثالث فيما سبق (3).و هو ظاهر في عدم القائل بالفرق.

لكن في الروضة ما يدلّ على وجوده،فإنّه قال:و على الأشهر يتعدّى إلى كلّ ثالث على الأقوى،كالسادس و التاسع لو اعتكف خمسةً و ثمانية، و قيل:يختصّ بالأول خاصّة،و قيل في المندوب،دون ما لو نذر خمسةً فلا يجب السادس،و مال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته (4).انتهى.

و لم أجد القائل الذي حكاه مؤذناً بعدم تفرّع هذه المسألة على سابقتها،كما هو ظاهر المتن أيضاً.

و كيف كان،فما قوّاه في محلّه؛ لصراحة الصحيح فيه و لو في الجملة،و تتمّ الكلّية بعدم القائل بالفرق بين مورده و غيره على الظاهر، المصرّح به في المدارك (5)و غيره.

أمّا أحكامه فمسائل

اشارة

و أمّا أحكامه فمسائل ثلاثة:

الأُولى يستحبّ للمعتكف أن يشترط

الاُولى: يستحبّ للمعتكف أن يشترط في ابتدائه الرجوع فيه

ص:530


1- الكافي 4:/177 4،الفقيه 2:/121 527،الوسائل 10:544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 3.
2- الشيخ في المبسوط 1:290،حكاه عن الإسكافي في المختلف:251،التقي في الكافي في الفقه:186.
3- التنقيح الرائع 1:404.
4- الروضة البهية 2:154.
5- المدارك 6:313.

عند العارض كالمُحرم بإجماع العلماء عدا مالك،كما عن التذكرة و المنتهى (1)،و النصوص به مستفيضة جدّاً (2).فيرجع عنده و إن مضى يومان.

و قيل:يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً و لو اقتراحاً فيرجع متى شاء و إن لم يكن لعارض (3).و لعلّه الأقوى،وفاقاً لجماعة و منهم الشهيد الأول- (4)عملاً بالصحيحين المتقدّمين (5)،الظاهرين في ذلك:

أحدهما:الوارد في المعتكفة بإذن زوجها،الخارجة من المسجد بعد أن بلغها قدومه؛ لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المرخّصة للخروج.

و ثانيهما:المتضمّن لقوله:« و إن أقام يومين،و لم يكن اشترط، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام» لظهور أنّ الفرق في جواز الرجوع بعد اليومين و عدمه بالاشتراط و عدمه إنّما يظهر مع عدم الضرورة المسوّغة للخروج بنفسها.

و حيث ثبت منهما جواز اشتراط الرجوع لغير ضرورة،ظهر أنّ المراد من التشبيه بالمُحرم فيما عداهما:التشبيه في أصل جواز الاشتراط،لا كيفيّته.

نعم،هما مجملان بالإضافة إلى مطلق العارض و الاقتراح.

و حيث إنّ المشهور بين الأصحاب انحصار القول بينهم في الاقتراح أو الضرورة المسوّغة خاصّة،أمكن تتميم دلالتهما على الأول بعدم القائل بينهم بالعارض المطلق،فيكون من قبيل التتميم بالإجماع المركّب.

ص:531


1- التذكرة 1:293،المنتهى 2:638.
2- الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9.
3- العلامة في القواعد 1:70.
4- كما في الدروس 1:301.
5- المتقدمين في ص:2679.

و هو و إن كان لا يخلو عن إشكال لعدم معلوميّة بلوغ ذلك مرتبة الإجماع،سيّما مع وجود قائل به كما يأتي إلّا أن التمسّك بالأصل لعلّه كافٍ في ذلك.

بيانه:أنّ الأصل عدم وجوب الاعتكاف بأحد موجباته،إلّا ما قام الدليل القاطع على خلافه،و مورده بحكم التبادر و غيره مختصّ بصورة عدم الاشتراط مطلقاً،أمّا معه و لو في الجملة فلا.

خلافاً لآخرين (1)و منهم شيخنا الشهيد الثاني- (2)فاختاروا الأول (3).

لتشبيهه بشرط المُحرم في الصحيح أو الموثّق:« و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (4).

و أظهر منه غيره:« و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك،أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض من علّة تنزل بك من أمر اللّه تعالى» (5).

و ليسا بمكافئين لما قدّمنا سنداً و دلالةً،فليحملا على أنّ المراد:

جواز اشتراط ذلك لا الحصر فيه،مع احتمال الأول كالعبارة و نحوها الحمل على جعل التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته.

و لبعض المتأخّرين هنا قول آخر،هو:التقييد بالعارض،مع تعميمه

ص:532


1- عطف على قوله:وفاقاً لجماعة،في ص 2682.
2- الروضة البهية 2:154 155،المسالك 1:85.
3- أي القول باشتراط الرجوع في الاعتكاف عند العارض.
4- الكافي 4:/177 2،الفقيه 2:/121 525،التهذيب 4:/289 876،الإستبصار 2:/128 418،الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 1.
5- التهذيب 4:/289 878،الإستبصار 2:/129 419،الوسائل 10:552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 2.

للعذر و غيره (1).

و هو ضعيف جدّاً؛ لما مضى.

و لا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب و غيره،لكن محلّه في الأول عند الأصحاب وقت النذر و أخويه،لا وقت الشروع.

بخلاف المندوب،فإنّه عنده،كما هو ظاهر النصوص.و إنّما خُصّت به دون المنذور مع إطلاقها لهما بناءً على أنّ إطلاق النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه و عدم سقوطه،فلا يؤثّر فيه الشرط الطارئ،سيّما مع تعيّن زمانه،و وجوبه في المطلق بمجرّد الشروع فيه عندهم،كما مرّ (2).

و أمّا جواز هذا الشرط حين النذر فلعلّه لا خلاف فيه في الجملة،بل يفهم من التنقيح دعوى الإجماع عليه (3)،كما يأتي.

و ينبغي تقييده هنا بالعارض لا اقتراحاً،لمنافاته لمقتضى النذر، صرّح بذلك المحقّق الثاني (4)و غيره (5).

و فائدة الشرط:ما أشار إليه بقوله: فإن شرط جاز له الرجوع مطلقاً،حتى في الواجب،و لو بدخول الثالث في المندوب على المشهور.

خلافاً للمبسوط،فخصّه فيه (6)باليومين و منعه في الثالث (7).و هو ضعيف.

ص:533


1- المدارك 6:342.
2- في ص:2678.
3- التنقيح الرائع 1:406.
4- جامع المقاصد 3:95.
5- كصاحب الحدائق 13:485.
6- أي الرجوع في المندوب.
7- المبسوط 1:289.

و لم يجب القضاء في المندوب مطلقاً (1)،و كذا الواجب المعيّن،إجماعاً كما في التنقيح (2).

أمّا المطلق فلعلّه ليس كذلك،كما قطع به جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني،حاكياً له عن الماتن- (3)لبقاء الوقت،مع عدم دليل على السقوط بالشرط،و إنّما الثابت به جواز الرجوع عن الاعتكاف حيث يجب، و لا تلازم بينه و بين سقوط الأمر الباقي وقته.

هذا،مضافاً إلى إطلاق الخبرين الآتيين،الشاملين لما نحن فيه أيضاً،بل للمندوب و الواجب المعيّن الوقت بنذرٍ و شبهه،لكنّهما خرجا منه بفحوى ما دلّ على عدم لزوم الأول من أصله ففرعه أولى،و الإجماع المنقول في الثاني كما مضى.

و إطلاقهما فيما نحن فيه يشمل صورتي اشتراط التتابع فيه حين الإيجاب (4)و عدمه،لكن أحدهما ظاهر في وجوب الإعادة من رأس، و الآخر يحتمل إعادة ما بقي.

و يمكن الجمع بينهما،بحمل الأول على ما إذا لم يتمّ أقلّ الاعتكاف،و الثاني على ما إذا أتى به فصاعداً و لمّا يُتمّ العدد الواجب.

و هذه صور أربع من الواجب بالنذر الذي يقترن بالشرط،يجب القضاء في المطلق منها مطلقاً (5)على التفصيل (6)،و لا في المعيّن منها

ص:534


1- مضى يومان أم لا(منه رحمه الله).
2- التنقيح الرائع 1:406.
3- الروضة البهية 2:155.
4- بالنذر و شبهه.
5- أي سواء اشترط فيه التتابع أم لا(منه رحمه الله).
6- بين ما إذا لم يأت بأقلّ الاعتكاف فيقضي المنذور تماماً،و ما إذا أتى به فصاعداً فيأتي بالباقي(منه رحمه الله).

مطلقاً (1).

و لو لم يشترط على ربّه ثم مضى يومان في المندوب وجب الإتمام،على الرواية السابقة و كذا إذا أتمّ الخامس وجب السادس،و هكذا،على الرواية الأُخرى،المعمول بهما كما مضى (2).

و لو عرض عارض ضروري من مرض و طمث و نحوهما خرج،فإذا زال العارض وجب القضاء كما في الصحيح:« إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته،ثم يعيد إذا برئ و يصوم» (3).

و في آخر أو الموثّق:في المعتكفة إذا طمثت،قال:« ترجع إلى بيتها،فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» (4).

و هما بإطلاقهما يشملان ما لو كان مندوباً فوجب،أو واجباً بالنذر و شبهه،معيّناً كان أو مطلقاً،مشروطاً فيه التتابع أم لا.و هو ظاهر العبارة أيضاً.

لكنّهما اختلفا من جهةٍ أُخرى،فدلّ الأول على وجوب الإعادة الظاهرة في الاستئناف مطلقاً،و الثاني على قضاء ما عليها كذلك،و هو مجمل يحتمل الأول و إعادة ما بقي خاصّة.

ص:535


1- أي سواء اشترط التتابع أم لا،أتى بأقلّ الاعتكاف أم لا(منه رحمه الله).
2- راجع ص:2679،2681.
3- الكافي 4:/179 1،الفقيه 2:/122 530،التهذيب 4:/294 893،الوسائل 10:554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 1.
4- الكافي 4:/179 2،الفقيه 2:/123 536،الوسائل 10:554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 3.

و لا ريب في تعيّن الأول حيث لم يُتمّ أقلّ الاعتكاف مطلقاً (1)، و يحتمله و الثاني لو أتى به فصاعداً و لمّا يُتمّ العدد الواجب،سواء تعيّن النذر أو أطلق،لم يشترط في شيء منهما التتابع أو شرط.

خلافاً للمبسوط في المعيّن المشروط،فيستأنف (2).

و للمختلف (3)و غيره (4)فيه أيضاً،فيبني.

و لبعضهم،فعيّن البناء فيما عداه مطلقاً (5)،إلّا إذا كان مطلقاً و اشترط فيه التتابع،فيستأنف.و لا يخلو عن وجه.

خلافاً للمحكي عن التذكرة في المستثنى،فاستشكل فيه بأنّه بالشروع فيه صار واجباً،فيكون كالمعيّن،فيبني على ما مضى كما في المعيّن (6).

هذا،و لا ريب أنّ الاستئناف في جميع الصور أحوط و أولى؛ عملاً بإطلاق الصحيح الراجح على مقابله سنداً و دلالة.

الثانية يحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء

الثانية: يحرم على المعتكف حيث يجب عليه الاستمتاع بالنساء لمساً و تقبيلاً و جماعاً،بلا خلاف في تحريم الثلاثة قيل (7):

لإطلاق الآية الكريمة- (8)و لا في البطلان بالأخير،بل عليه الإجماع في

ص:536


1- أي في جميع الصور الأربع التي سيشار إليها(منه رحمه الله).
2- المبسوط 1:291.
3- المختلف:253.
4- كالذخيرة:541.
5- في جميع الصور الثلاث الأُخر(منه رحمه الله).
6- حكاه في المهذب البارع 2:108،و هو في التذكرة 1:293.
7- قال به صاحب الحدائق 13:491.
8- و هو قوله تعالى «وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» البقرة:187.

عبائر جماعة (1).

و ألحق بها الاستمناء بأيّ شيء كان في الخلاف،مدّعياً الإجماع (2)؛ و لعلّه لأنّه أشدّ من اللمس و التقبيل بشهوة،فيستلزم تحريمهما تحريمه بالأولويّة.

و لا بأس به إن أُريد من حيث التحريم،سيّما مع تحريم أصله،إن لم يكن مع حلاله.

و يشكل إن أُريد من حيث البطلان و وجوب الكفّارة به،كما هو ظاهر الخلاف (3)،فإن تمّ إجماعه عليه،و إلّا فالأجود عدمهما فيه،بل و في الملحق بهما،للأصل،مع عدم دليل على شيء منهما.

و البيع،و الشراء،و شمّ الطيب على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف في شيء من ذلك يظهر،إلّا من المبسوط في الأخير،فلم يحرّمه (4)،و من اللمعتين في الأولَين،فلم يذكراهما (5).

و هما نادران ضعيفان،محجوجان بالصحيح:« المعتكف لا يشمّ الطيب،و لا يتلذّذ بالريحان،و لا يماري،و لا يشتري،و لا يبيع» (6).

مع أنّ في الخلاف الإجماع على حرمة استعمال الطيب بقول مطلق (7).

ص:537


1- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:406،فإنه قال:الجماع لا خلاف في تحريمه و إفساده.و كذا في المفاتيح 1:279(منه رحمه الله).
2- الخلاف 2:238.
3- الخلاف 2:238.
4- المبسوط 1:293.
5- انظر الروضة 2:155 156.
6- الكافي 4:/177 4،الفقيه 2:/121 527،التهذيب 4:/288 872،الإستبصار 2:/129 420،الوسائل 10:553 أبواب الاعتكاف ب 10 ح 1.
7- الخلاف 2:240.

و في الانتصار الإجماع على حرمة الأولَين،بل كلّ تجارة،بل فساد الاعتكاف بها (1)،و تقرب منه في دعوى الإجماع على تحريمهما عبارتا المدارك و الذخيرة (2).

فإن تمّ إجماع السيّد على الفساد بهما مع عدم وضوح دعواه فيه و إلّا فالمتّجه عدم الفساد بهما،بل و لا بشيء ممّا عدا الجماع،للأصل، و تعلّق النهي بالخارج،و به أفتى جماعة (3).

خلافاً لآخرين،فأفسدوه بهما (4)،و هو أحوط.

و قيل:يحرم عليه ما يحرم على المُحرم القائل به:الشيخ في الجمل (5)،و ربّما يحكى عن القاضي و ابن حمزة (6).

و لم يثبت ذلك من حجة و لا أمارة.

نعم،في التنقيح (7):جعله في المبسوط رواية،قال:و ذلك مخصوص بما قلناه،لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه،و كذا المخيط و تغطية الرأس (8).

ص:538


1- الانتصار:74.
2- المدارك 6:344،الذخيرة:542.
3- نقله العلامة في المختلف:255 عن المبسوط،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 5:392.
4- كالحلي في السرائر 1:426.
5- الجمل و العقود(الرسائل العشر):222.
6- حكاه عنهما في المختلف:253،و هو في المهذب 1:204،و الوسيلة:154.
7- التنقيح 1:406.
8- المبسوط 1:293.

و لا حجّة في مثل هذه الرواية؛ لكونها مرسلة،و مخالفة بعمومها للإجماع و لو في الجملة بلا شبهة.

و لذا قال في التذكرة:إنّ الشيخ لا يريد به العموم؛ لأنّه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعاً،و لا إزالة الشعر،و لا أكل الصيد،و لا عقد النكاح (1).

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،كالقول ببطلانه بكلّ ما يفعله المعتكف من القبائح و يتشاغل به من المعاصي و السيّئات،كما عليه الحلّي (2)؛ لعدم دليل عليه،عدا دعواه منافاتها لحقيقة الاعتكاف و ماهيّته.

و فيه ما فيه.

نعم،الأولى تركها،و ترك النظر في معايشه،و الخوض في المباح زيادةً على قدر الضرورة،و يجوز له معها البيع و الشراء اللذان مُنع عنهما، لكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به،حتى لو تمكّن من التوكيل فَعَل.

الثالثة يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم

الثالثة: يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم من حيث فوات الصوم،الذي هو شرط فيه بلا خلاف.

و تجب الكفّارة بالجماع فيه،مثل كفّارة من أفطر شهر رمضان،ليلاً كان الجماع فيه أو نهاراً بلا خلاف في أصل وجوب الكفّارة ليلاً أو نهاراً على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر (3)،و في الغنية الإجماع عليه (4)

ص:539


1- التذكرة 1:286،و قد نُسب فيها إلى بعض علمائنا لا إلى الشيخ،و لعلّ المصنف أخذ النسبة من الحدائق 13:495.
2- السرائر 1:426.
3- التنقيح الرائع 1:407.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

و المعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً:

ففي الصحيح:عن المعتكف يجامع،قال:« إذا فعل فعليه مثل ما على المظاهر» (1)و نحوه آخر قد مرّ (2).

و في الموثّق:« عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً:

عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكيناً» (3).

و في الخبر:عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلاً في شهر رمضان،قال:« عليه الكفّارة» قال:قلت:فإن وطئها نهاراً؟قال:« عليه كفّارتان» (4).

و ما دلّ عليه الموثّق من أنّ عليه كفّارة رمضان مخيّرة مشهور بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (5)، و عليه الإجماع في الغنية (6)،و عزاه في المختلف إلى الأصحاب فهو الأقوى،سيّما مع اعتضاده بالأصل.

خلافاً للمحكي عن ظاهر المقنع:فما دلّ عليه الصحيحان من أنّها

ص:540


1- الكافي 4:/179 1،الفقيه 2:/122 532،التهذيب 4:/291 887،الإستبصار 2:/130 424،الوسائل 10:546 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1.
2- في ص:2679.
3- التهذيب 4:/292 888،الإستبصار 2:/130 425،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 5.
4- الفقيه 2:/122 533،التهذيب 4:/292 889،الوسائل 10:547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 4.
5- كالتنقيح 1:408،و الروضة 2:157،و المدارك 6:244،و الذخيرة:542،و المفاتيح 1:261،و في المختلف:254،أنّ الموثقة أوضح عند الأصحاب..و فيه إشعار بقرب الشهرة من الإجماع(منه رحمه الله).
6- الغنية(الجوامع الفقهية):573.

كفّارة ظهار (1)،و اختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).

و لا يخلو عن قوّة،لولا الشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدّمة، المرجّحتين للموثّقة عليهما ترجيحاً قويّاً،مضافاً إلى صراحة دلالتها و قصور دلالتهما،باحتمالهما لإرادة التشريك مع المُظاهِر في أصل الكفّارة أو مقدارها،لا في ترتيبها.

و لعلّه لذا لم يجعل في المختلف مخالفة المقنع صريحةً،حيث إنّ عبارته عين عبارتهما.

و لو كان الجماع في نهار رمضان لزمته كفّارتان بلا خلاف كما في التنقيح (3)و غيره (4)،بل عليه الإجماع في الغنية و غيره (5)؛ للرواية المتقدّمة.

مضافاً إلى عموم ما ورد بإيجابها بالجماع في كلّ من نهار رمضان و الاعتكاف،بناءً على أنّ الأصل عدم التداخل،سيّما على القول باختلاف الكفّارتين،تخييراً لرمضان،و ترتيباً للاعتكاف.

و منه يظهر وجوبهما لو وقع في نهار غير رمضان إذا كان الاعتكاف واجباً معيّناً بالنذر و شبهه،أو صومه قضاءً عن رمضان و كان السبب بعد الزوال،إحداهما لمخالفته،و الأُخرى للاعتكاف و مخالفته،كما أفتى به الفاضل (6)و جماعة (7).

ص:541


1- حكاه عن المقنع في المختلف:254.
2- كصاحب المدارك 6:348،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:279.
3- التنقيح الرائع 1:407.
4- انظر الانتصار:73،الحدائق 13:497،الذخيرة:542.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573،و انظر الخلاف 3:238.
6- القواعد 1:71.
7- منهم صاحب المدارك 6:348،و السبزواري في الذخيرة:543.

و في التنقيح:أطلق الشيخ و باقي الأصحاب التكرار نهاراً (1).و في التذكرة:و الظاهر أنّ مرادهم رمضان (2).

و استقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق،قال:لأنّ في النهار صوماً و اعتكافاً (3).

و هو ضعيف؛ لأنّ مطلق الصوم لا تترتّب على إفساده كفّارة.

نعم،في الغنية و الخلاف الإجماع على هذا الإطلاق (4)؛ فهو الحجّة المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب.

مضافاً إلى ما في المقنع من وجود رواية بذلك،و عن الإسكافي:أنّه بذلك جاءت الروايات (5)،لكن يحتمل أن يكون مرادهما منها نحو الرواية السابقة،و يقرّبه ما في الفقيه،حيث إنّه بعد ذكره نحو ما في المقنع أشار إلى الرواية،و قال:روى ذلك،ثم ساق الرواية السابقة (6).

و لو كان الإفساد المدلول عليه بالسياق بغير الجماع،ممّا يوجب الكفّارة في شهر رمضان كالأكل و الشرب و نحوهما فإن وجب الاعتكاف بالنذر المعيّن أو كان صومه قضاءً عن رمضان و الإفساد بعد الزوال لزمت الكفّارة للسبب الموجب لها اتّفاقاً.

و إن لم يكن معيّناً،أو كان تبرّعاً و لم يكن الصوم فيهما قضاءً عن رمضان،أو كان الإفساد قبل الزوال فقد أطلق الشيخان و السيّدان

ص:542


1- التنقيح الرائع 1:407.
2- التذكرة 1:290،و فيه:و الظاهر أنّ مراد السيد المرتضى رمضان.
3- الدروس 1:302.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 2:238.
5- حكاه عنهما في المختلف:254.
6- الفقيه 2:122.

و الحلبي و الديلمي لزوم الكفّارة (1) بحيث يشمل جميع ذلك.

و لا حجّة لهم واضحة،عدا ما في الغنية من الإجماع،فإن تمّ كان هو الحجّة،و إلاّ فالنصوص المثبتة لها مختصّة بالجماع،و لا وجه للتعدية،مع أنّ الأصل البراءة.و لذا اختار الماتن في الشرائع (2)و جماعة من المتأخّرين بل أكثرهم كما في المدارك و الذخيرة- (3)عدم وجوبها،إلاّ بالجماع خاصّة.

ثم إنّ إطلاق عبارتهما كما يعمّ الصور بالإضافة إلى المفطر عدا الجماع،كذا يعمّها بالإضافة إليه أيضاً.

و نحوهما هنا زيادةً على من قدّمنا كلّ من اختصّت عبارته المنقولة في المختلف إلينا بالجماع خاصّة،كالشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد،و القاضي،و ابن حمزة،و الصدوق في المقنع،و الإسكافي، و الحلّي (4).

و بالجملة:الظاهر أنّه المشهور بين القدماء،بل لم يُرَ بينهم فيه خلاف،بل عليه في الغنية و الخلاف الإجماع (5)،و هو خيرة الفاضل في التحرير (6).

ص:543


1- المفيد في المقنعة:363،و الطوسي في المبسوط 1:293،جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):61،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):573،الحلبي في الكافي:187،الديلمي في المراسم:99.
2- الشرائع 1:220.
3- المدارك 6:349،الذخيرة:542.
4- النهاية:172،المبسوط 1:294،الخلاف 2:238،الاقتصاد:296،القاضي في المهذب 1:204،ابن حمزة في الوسيلة:153،نقل قوله العلامة في المختلف:254،حكاه عن الإسكافي في المختلف:254،الحلي في السرائر 1:426.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):573،الخلاف 1:238.
6- التحرير:88.

و لا يخلو عن قوّة؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة (1)،زيادةً على حكاية الإجماع المزبورة.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين (2)،تبعاً للماتن في المعتبر،حيث قال فيه بعد نقل الإطلاق عنهما- و لو خَصّا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما لأنّا بيّنا أنّ الشيخ ذكر في النهاية و الخلاف:أنّ للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه،و أنّه إذا اعتكفهما وجب الثالث،و إذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفّارة مع جواز الرجوع وجه،لكن يصحّ هذا على قول الشيخ في المبسوط،فإنّه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه (3).

و نفى عنه البعد في المدارك،قال:لأنّ الإطلاق لا عموم له،فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب (4).

و فيه نظر؛ للزوم إرجاع الإطلاق إلى العموم بالاتّفاق حيث تتساوى أفراده بالإضافة إلى ما يرجع إلى اللفظ من التبادر و نحوه،كما نحن فيه.مع أنّ إطلاقه بترك الاستفصال عموم.

هذا،و هو رحمه الله في بحث ما يجب على المعتكف اجتنابه قال:و هل تختصّ هذه المحرّمات بالاعتكاف الواجب،أو يتناول المندوب أيضاً؟ إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي الثاني،و تقدّم نظيره في التكفير في صلاة النافلة،و الارتماس في الصوم المندوب (5).انتهى.

ص:544


1- في ص:2688.
2- منهم صاحب المدارك 6:349،و السبزواري في الذخيرة:542.
3- المعتبر 2:743.
4- المدارك 6:349 350.
5- المدارك 6:347.

و هو كما ترى ظاهر في منافاته لما قدّمنا عنه سابقاً.

و ممّا ذكرنا عنه أخيراً يظهر الجواب عن استبعاد المحقّق وجوب التكفير في نحو المندوب،مع عدم وجوب أصله.

ثم دعواه (1)إطلاق كلام الأصحاب بالإضافة إلى المحرّمات،منظور فيه أيضاً؛ فإنّ من جملتهم جدّه في الروضة،و هو قد خالف فيه،فقيّدها بالاعتكاف الواجب،و صرّح في غيره بعدم التحريم،قال:و إن فسد في بعضها (2).

و الحمد للّه تعالى.

قد فرغت بعون اللّه سبحانه من تسويد هذه الجملة ليلة الاثنين، السادس و العشرين من شهر ربيع الأول من شهر سنة ستّ و تسعين بعد الألف و المائة من الهجرة النبوية،عليه و آله أفضل صلاةٍ و سلامٍ و تحية؛ و يتلوه إن شاء اللّه تعالى كتاب الحجّ،و أسأل اللّه سبحانه التوفيق و العصمة و الإعانة.

ص:545


1- أي صاحب المدارك.
2- الروضة 2:156.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.