ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 4/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة المقصد الثاني في بقية الصلوات

تتمة الصلوات الواجبة

صلاة الكسوف
اشارة

و منها:صلاة الكسوف و في نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب و تجوّز،و لو عنونها بصلاة الآيات كما صنعه الشهيد و غيره (1)كان أولى.

و النظر هنا يقع في بيان سببها و كيفيتها و أحكامها.

في سببها

و سببها الموجب لها كسوف الشمس أو خسوف القمر أو الزلزلة أي الرجفة،بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة،بل على الأولين الإجماع حقيقة،و حكي أيضا في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (2)؛ و هو الحجّة فيهما.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:«صلاة الكسوف فريضة» (3).

و في رواية:«إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا» (4).

ص:5


1- الشهيد في اللمعة(الروضة 1):311؛و انظر نهاية الإحكام 2:71.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:164،و الشهيد في الذكرى:243،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:464.
3- الوسائل 7:483 أبواب صلاة الكسوف ب 1.
4- الكافي 3:7/208،التهذيب 3:329/154،الوسائل 7:485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

و على الأخير الإجماع في ظاهر المعتبر و المنتهى و غيرهما (1)، و صريح الخلاف و التذكرة (2)؛و هو الحجّة،مضافا إلى ما سيأتي إليه الإشارة.

و في رواية بل روايات صحيحة أنّها تجب لأخاويف السماء.

منها:«كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن» (3).

و منها:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة» (4).

و قريب منهما غيرهما:عن الريح و الظلمة تكون في السماء و الكسوف،فقال عليه السلام:«صلاتها سواء» (5)و ظاهره التسوية في كل شيء حتى الوجوب.

و في الصحيح:«إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات اللّه» الحديث (6).و مفهوم التعليل حجّة.

و في الرضوي:«إذا هبّت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها

ص:6


1- المعتبر 2:328،المنتهى 1:349؛و انظر شرح جمل العلم و العمل للقاضي ابن البراج:135.
2- الخلاف 1:678،التذكرة 1:163.
3- الكافي 3:3/464،الفقيه 1:1529/346،التهذيب 3:330/155،الوسائل 7:486،أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.
4- الفقيه 1:1530/346،الوسائل 7:491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.
5- الفقيه 1:1512/341،الوسائل 7:486 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.
6- الفقيه 1:1513/342،علل الشرائع:269،الوسائل 7:496 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 11.

صلاة الكسوف،و كذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف» (1).

و في دعائم الإسلام،عن جعفر بن محمّد عليهما السلام:«تصلّي في الرجفة و الزلزلة و الريح العظيمة و الظلمة و الآية تحدث و ما كان مثل ذلك كما تصلّي في صلاة كسوف الشمس و القمر سواء» (2).

و على هذه الروايات عمل عامة المتأخرين، وفاقا لأكثر المتقدمين بل عامّتهم أيضا عدا نادر ممّن لم يتعرض لغير الكسوفين،و هو غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة؛و لعلّه لذا ادعى الشيخ في الخلاف على الرواية إجماع الطائفة (3)،و لم ينقل فيها في المنتهى خلاف عن أحد من الطائفة (4).

و عليه فلا وجه للتردد المستفاد من العبارة؛إذ لا معارض للرواية، مع ما هي عليه من الصحة و الاستفاضة و الاعتضاد بعمل الطائفة،عدا أصالة البراءة اللازم تخصيصها بالرواية،فإنها بالإضافة إليها خاصة،فلتكن عليها مقدمة.

و اعلم أنّ ضابط الأخاويف ما يحصل به لمعظم الناس،كما صرّح به جماعة (5)،و يظهر من بعض نصوص المسألة.

و نسبتها إلى السماء لعلّه باعتبار كون بعضها فيها،أو أريد بالسماء مطلق

ص:7


1- فقه الرضا(عليه السّلام):135،المستدرك 6:165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.
2- دعائم الإسلام 1:202،المستدرك 6:165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.
3- الخلاف 1:682.
4- المنتهى 1:349.
5- منهم:صاحب المدارك 4:128،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:30.

العلو،أو المنسوبة إلى خالق السماء و نحوه لإطلاق نسبته إلى اللّه تعالى كثيرا.

و وقتها أي صلاة الكسوف،و يدخل فيها صلاة الخسوف من الابتداء فيه إجماعا فتوى و نصا،ففي الصحيح:«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها» (1).

إلى الأخذ في الانجلاء في المشهور بين أصحابنا،قيل للصحيح (2):ذكروا انكساف الشمس و ما يلقى الناس من شدته،فقال عليه السلام:«إذا انجلى منه شيء فقد انجلى» (3).

و ردّ باحتمال أن يكون المراد تساوي الحالين في زوال الشدّة لا بيان الوقت،فلا يمكن الخروج به عن مقتضى الأصل و إطلاق النصوص بإيجاب الصلاة بالكسوف الصادق في المفروض،و خصوص المعتبرة الظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء كالصحيح:«صلّى رسول صلّى اللّه عليه و آله في كسوف الشمس،ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» (4)و لو كان يخرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه سيّما من النبي صلّى اللّه عليه و آله قطعا.

و الصحيح:«إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (5)و لو كان الوقت قد خرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة لا وجوبا و لا استحبابا إجماعا.

ص:8


1- الكافي 3:4/464،التهذيب 3:886/293،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
2- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:303.
3- الفقيه 1:1535/347،التهذيب 3:877/291،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 3،و في المصادر:انكساف القمر.
4- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 4.
5- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.

و نحوه الكلام في الموثق:«إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإن ذلك أفضل» (1)و الذهاب إنما يكون بالانجلاء التام.

و لذا ذهب الفاضلان في المعتبر و الشرائع و المنتهى و الشهيد في الدروس و الذكرى و جماعة من متأخري المتأخرين (2)إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء،وفاقا لجماعة من القدماء كالعماني و الديلمي و الحلبي و المرتضى (3)، و لعلّه الأقوى.

و تظهر الفائدة فيما جعل وقتا،فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها، فلو قصر عنها سقطت،لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها،إلاّ إذا أريد القضاء فيما لو أدرك ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنه يجب الشروع فيها،لا أقلّ من ذلك.

و اعلم أنّ الماتن لم يتعرض لوقت هذه الصلاة في سائر الآيات، و المشهور أنه في الزلزلة تمام العمر،فإنها سبب لوجوبها لا وقت،لقصورها عنها غالبا فهي أداء و إن سكنت.

و عن نهاية الاحكام احتمال أن يكون ابتداؤها وقتا لابتداء الصلاة فتجب المبادرة إليها،و يمتدّ الوقت مقدار الصلاة،ثمَّ تصير قضاء (4).و يؤيده أنّ شرع

ص:9


1- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.
2- المعتبر 2:330،الشرائع 1:130،المنتهى 1:352،الدروس 1:195،الذكرى:244؛ و انظر الذخيرة:324،و كشف الغطاء:257.
3- نقله عن العماني في المنتهى 1:352،الحلبي في الكافي:156،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):46.و أما الديلمي فقد صرّح في المراسم:80 بأن نهاية وقتها ابتداء الانجلاء فلاحظ.
4- نهاية الإحكام 2:77.
الصلاة لاستدفاع العذاب

.

و فيما عداها:مدّتها لا إلى الشروع في الانجلاء كما في الكسوفين على الأقوى،و لا مدة العمر؛لأصلي الامتداد إلى الانجلاء من غير معارض هنا،و البراءة بعده،بناء على عدم ما يدلّ على كونها من الأسباب تجب صلاتها مطلقا كالزلزلة،سوى الإطلاقات كالصحيح:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن تذهب وقت فريضة» (1).

و يجب تقييدها بما يدل على التوقيت فيها،كالصحيح:«كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» (2).

فإنّ«حتى»هنا إما لانتهاء الغاية أو للتعليل،و على كل منهما يثبت التوقيت،نصّا على الأوّل و فحوى على الثاني.

و مثله و إن جرى في الزلزلة لكن قصورها عن مقدار أداء الصلاة غالبا كما مضى يعيّن المصير إلى عدم كونها موقّتة؛لاستلزامه التكليف بفعل في زمان يقصر عنه،و هو باطل إجماعا و اعتبارا،إلاّ أنّ يخصّ فائدته بالابتداء فتجب فورا،و هو قوي كما مضى.

و ممّا ذكرنا ظهر وجه إطباق الأصحاب على التوقيت في الكسوفين، مضافا إلى الصحيحة السابقة في بيان ابتداء وقتهما و النصوص الآتية في القضاء نفيا و إثباتا؛لصراحتها في التوقيت مبدأ و منتهى فيهما على الأول،و ظهورها كذلك على الثاني.

فما يقال فيهما-من أنّ الظاهر أنّ الأدلة غير دالّة على التوقيت،بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة-فيه ما فيه،سيّما مع مخالفته لظاهر إطباق الأصحاب.

ص:10


1- تقدّم مصدره في ص 6.
2- تقدّم مصدره في ص 6.

و قريب منه القول بإلحاق ما عدا الكسوفين بالزلزلة في التوقيت بمدة العمر كما عن المنتهى و التحرير (1).

و لا يجب قضاء صلاة الكسوفين مع الفوات بشرطين أشار إليهما و هما عدم العلم بالسبب و احتراق بعض القرص على الأظهر الأشهر في الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة ممّن تأخر (2)،و عن ظاهر التذكرة عدم الخلاف فيه إلاّ من المفيد (3)،و فيه إشعار بدعوى الإجماع، و حكي التصريح به عن القاضي (4).

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم و علمت بعد ذلك فعليك القضاء،و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء» (5).

و فيه:أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم و إذا أمسى فعلم؟ قال:«إذا كان القرصان احترقا[كلّهما قضيت]و إن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاء» (6)و نحوه الخبر (7).

و قريب منهما الموثق،عن مولانا الباقر عليه السلام قال:«انكسفت

ص:11


1- المنتهى 1:352،التحرير 1:47.
2- منهم:المحقق في المعتبر 2:331،و العلامة في التذكرة 1:164،و فخر المحققين في الإيضاح 1:131.
3- التذكرة 1:164.
4- المهذّب 1:124.
5- الكافي 3:6/465،التهذيب 3:339/157،الاستبصار 1:1759/454، الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.
6- الفقيه 1:1532/346،الوسائل 7:499 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1،بدل ما بين المعقوفين في النسخ:كلاهما قضيتا،و ما أثبتناه من المصادر.
7- التهذيب 3:336/157،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 4.

الشمس و أنا في الحمّام فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض» (1)و هو محمول على صورة عدم الاحتراق؛للإجماع على لزوم القضاء فيه على الإطلاق.

خلافا للصدوقين و المفيد و الإسكافي و الحلبي و الانتصار و الخلاف (2)فيجب القضاء،و في ظاهر الكتابين دعوى الإجماع عليه؛و لعلّه الحجّة لهم، مضافا إلى العمومات الآمرة بقضاء الفوائت (3)،و خصوص الرضوي:«و إن انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت،فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل و صلّ،و إن لم يحترق القرص فاقضها و لا تغتسل» (4).

و في الجميع نظر؛لعدم صراحة الأوّل حيث حكي على وجوب قضاء هذه الصلاة على الإطلاق المحتمل قريبا اختصاصه بصورة العلم أو الاحتراق، لمصير أحد الناقلين في جملة من كتبه كالجمل و المسائل المصرية (5)إلى المختار،مع أنه معارض بأجود منه و أصرح.

و العموم بحيث يشمل المقام ممنوع؛لاختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بفوائت اليومية كما صرّح به جماعة (6)،و لو سلّم فهو كالإجماعين يحتمل التخصيص و التقييد بصريح ما قدّمناه من الأدلة،المعتضدة بالأصل و الشهرة

ص:12


1- التهذيب 3:883/292،الاستبصار 1:1755/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 8.
2- نقله عن الصدوقين في المختلف:114،المفيد في المقنعة:211،نقله عن الإسكافي في المختلف:116،الحلبي في الكافي:156،الانتصار:58،الخلاف 1:678.
3- الوسائل 8:253 أبواب قضاء الصلوات ب 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:174 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.
5- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):46،نقله عن المسائل المصرية في المختلف:116.
6- منهم:صاحب المدارك 4:136،و السبزواري في الذخيرة:325.

العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما يفهم عن التذكرة (1).

و بمثله يجاب عن الرضوي،فإنّ موضع الدلالة فيه إطلاق صدره المحتمل للتقييد بذلك،و أما ذيله فهو و ان تضمّن الأمر بالقضاء مع عدم الاحتراق لكنه يحتمل الاختصاص بصورة العلم و تعمد الترك،كما يقتضيه السياق،و ما فيه قبل ذلك:«فإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت،و إن أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثمَّ علمت بعد ذلك فلا شيء عليك و لا قضاء»و هو كالنصّ،بل نصّ في المذهب المختار،و إن لزم تقييد إطلاقه بصورة عدم الاحتراق بالنصّ و الإجماع.

و يعضده-مضافا إلى ما مرّ-إطلاق النصوص النافية للقضاء بعد الفوت في هذه الصلاة على الإطلاق،منها الصحيح:«إذا فاتتك فليس عليك قضاء» (2).

و في الخبر:«ليس فيها قضاء،و قد كان في أيدينا أنها تقضى» (3).

لكنها شاذة محتملة للحمل على التقية كما يفهم من الانتصار و الخلاف (4)؛حيث جعلا أصل قضاء هذه الصلاة من متفردات الإمامية و قالا:

إنه لم يوافقنا على ذلك أحد من فقهاء العامة،و ربما أشعر بذلك الرواية الأخيرة،فتدبّر.

ص:13


1- التذكرة 1:164.
2- التهذيب 3:884/292،الاستبصار 1:1756/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 7.
3- التهذيب 3:338/157،الاستبصار 1:1757/453،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 9.
4- الانتصار:58،الخلاف 1:678.

و تقضى هذه الصلاة لو علم بالسبب و أهمل أو نسي أن يصلّيها و كذا تقضى لو احترق القرصان كلّهما على التقديرات كلّها أي سواء لم يعلم بالسبب أو علم و أهمل أو نسي.

بلا خلاف في الأخير على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (1)،و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (2)،كما يستفاد من إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف (3)،و به صرّح في المنتهى لكن في صورة العلم خاصة (4)؛و هو الحجّة،مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتقدمة.و أمّا إطلاق النصوص الأخيرة فقد عرفت الجواب عنها مع احتمالها الحمل على صورة عدم العلم و احتراق البعض خاصة.

و على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر فيما عداه مطلقا،و قد نفى الخلاف عنه و عن عدم وجوب الغسل في صورة العمد منه في السرائر (5)، و يشمله مطلقا إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف المنقول فيهما الإجماع؛و هو الحجّة.

مضافا إلى صريح المرسل:«إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء،و إن لم يعلم فلا قضاء عليه،هذا إذا لم يحترق كلّه» (6)و هو و إن اختص بالنسيان إلاّ أنه يلحق به العمد بالفحوى مع عدم قائل بالفرق بينهما.

ص:14


1- منهم الشيخ في المبسوط 1:172،المحقق في الشرائع 1:103،العلامة في المنتهى 1: 353.
2- التذكرة 1،:164.
3- الانتصار:58،الخلاف 1:678.
4- المنتهى 1:354.
5- السرائر 1:321.
6- الكافي 3:/465ذيل الحديث 6،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 3.

و إطلاق الموثق:«و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فعليك قضاؤها» (1).

و المرسل كالصحيح:«إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة،و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء» (2).

و إطلاقهما يقرب من النصّ؛لندرة الاحتراق و غلبة انكساف البعض فيحمل عليه.

نعم ربما يشعر سياق الأخير بكون مورده خصوص صورة الاحتراق؛للأمر بالغسل في صورة التعمد،و نفيه و إثبات القضاء في صورة الجهل،و شيء منهما لم يوافق مذهب الأكثر مع عدم الاحتراق،إلاّ أن يحمل على الاستحباب.

و كيف كان،ففيما عداه كفاية إن شاء اللّه تعالى و إن قصر السند أو ضعف؛للانجبار بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماعات المتقدمة؛مضافا إلى التأيد بعمومات ما دلّ على قضاء الفريضة أو إطلاقاته لو لم نقل بكونها حجّة مستقلّة كما يظهر من جماعة (3).

و من هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب القضاء مطلقا كما عن مصباح المرتضى (4)،أو في النسيان خاصة كما عن المبسوط و النهاية و القاضي و ابن

ص:15


1- التهذيب 3:876/291،الاستبصار 1:1760/454،الوسائل 7:501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 10.
2- التهذيب 3:337/157،الاستبصار 1:1758/453،الوسائل 7:500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 5.
3- منهم:الحلي في السرائر 1:321،و المحقق في المعتبر 2:331،و العلامة في المختلف: 117.
4- نقله عنه في المعتبر 2:331.

حمزة (1)،سيّما مع عدم دليل عليه مطلقا إلاّ الأصل المخصّص بما مرّ، و النصوص النافية للقضاء مطلقا،و قد عرفت الجواب عنها،مع عدم انطباقها إلاّ على مذهب المرتضى و إلاّ فالتفصيل لا يظهر منها،بل و لا من الأصل أيضا.

هذا كلّه في قضاء صلاة الكسوفين.و أمّا سائر الآيات ما عدا الزلزلة فالمشهور عدم وجوب القضاء مع الجهل بها مطلقا،و وجوبه مع العلم كذلك، بل قيل في الأول:إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (2).

و يدلّ على الحكم فيه-بعد الأصل،و اختصاص النصوص الآمرة بقضاء الفوائت بحكم التبادر باليومية منها كما مضى-فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين؛لكون وجوب صلاتهما أقوى،فعدم وجوب قضائهما يستلزم عدم وجوب قضاء صلاة سائر الآيات بطريق أولى.

و لا أعلم لهم دليلا على الحكم في الثاني،سوى عموم نصوص قضاء الفوائت،و فيه ما مضى،مع جريانه في الأوّل أيضا و لم يقولوا بمقتضاه فيه، فينبغي القول بعدم الوجوب هنا أيضا،لكن لم أجد به قائلا.

ثمَّ إنّ هذا كلّه على المختار من التوقيت في صلاة الآيات،و يأتي على غيره من جعلها من الأسباب لزوم أدائها على كل حال و لا تكون قضاء.

في كيفيتها

و كيفيتها أن ينوي فيكبّر تكبيرة الافتتاح و يقرأ الحمد و سورة أو بعضها،ثمَّ يركع،فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا و سورة أو بعضها إن كان أتم السورة في الركعة الاولى،و إلاّ يكن أتمها فيها قرأ من حيث قطع و لا يقرأ الحمد ثانيا،و هكذا يفعل إلى أن يكمل خمس ركوعات فإذا أكملها خمسا سجد اثنتين،ثمَّ قام بغير تكبير للقيام فقرأ الحمد

ص:16


1- المبسوط 1:172،النهاية:137،القاضي في المهذّب 1:124،ابن حمزة في الوسيلة: 112.
2- المدارك 4:134.

و سورة أو بعضها و ركع فإذا انتصب قرأ الحمد ثانيا و سورة إن كان أتمها في الأولى،و إلاّ قرأ من حيث قطع،و بالجملة يكون معتمدا و مراعيا في هذه الركعة ترتيبه الأول الذي راعاه و فعله في الركعة الأولى إلى أن يكمل عدد الركوعات خمسا ثمَّ يسجد و يتشهّد و يسلّم.

بلا خلاف في شيء من ذلك أجده فتوى و نصا،إلاّ من الحلّي فلم يوجب الحمد زيادة على مرّة في كل من الركعة الأولى و الثانية مطلقا و لو أكمل السورة و أتمها في كل ركعة،بل استحبها (1).

و هو شاذّ على خلافه الإجماع في ظاهر عبائر جماعة (2)؛و هو الحجّة عليه،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،المتضمنة للأمر بها في الصورة المذكورة (3)،السليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا بعض الوجوه الاعتبارية و النصوص القاصرة سندا بل و دلالة.

و من (4)الخبرين الدالّ أحدهما على أنّ عليا عليه السلام صلّى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات و أربع ركعات (5).

و ثانيهما على أنّ مولانا الباقر عليه السلام صلّى في خسوف القمر ثماني ركعات كان (6)يصلي ركعة و سجدتين (7).

ص:17


1- انظر السرائر 1:324.
2- منهم الشيخ في الخلاف 1:679،المحقق في المعتبر 2:334،الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:241.
3- الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7.
4- عطف على قوله:من الحلي(منه رحمه اللّه).
5- التهذيب 3:879/291،الاستبصار 1:1753/452،الوسائل 7:493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 4.
6- في المصادر:كما.
7- التهذيب 3:880/292،الاستبصار 1:1754/453،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 5.

و هما-بعد الإغماض عن سندهما-موافقان للعامة كما صرّح به جماعة و منهم شيخ الطائفة (1)،و مع ذلك شاذان على خلافهما و ما في المتن من أنها ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات و سجدتان الإجماع في الناصرية و الانتصار و الخلاف و المعتبر و المنتهى (2)و غير ذلك من كتب الجماعة؛و هو الحجّة.

مضافا إلى النصوص المتقدم إليها الإشارة،و منها الصحيح:«هي عشر ركعات و أربع سجدات،تفتتح الصلاة بتكبيرة و تركع بتكبيرة و ترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها و تقول:سمع اللّه لمن حمده،و تقنت في كل ركعتين قبل الركوع و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع اللّه حتى ينجلي،و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي و اجهر بالقراءة»قال:قلت:كيف القراءة فيهما؟ فقال:«إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب»الحديث (3).

و يستفاد من إطلاقه جواز التفريق بأن يبعّض سورة واحدة في إحدى الركعتين و يقرأ في الأخرى خمسا،و الجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام و التبعيض بأن يتم سورة مثلا في القيام الأوّل و يبعّض سورة في الأربعة الباقية.

و على ذلك تدل جملة من المعتبرة،منها الصحيح المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع البزنطي،عن مولانا الرضا عليه السلام،و فيه:

ص:18


1- التهذيب 3:292.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):203،الانتصار:58،الخلاف 1:679،المعتبر 2:333، المنتهى 1:350.
3- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6

عن القراءة في صلاة الكسوف[و هل]تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب؟قال:

«إذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة،و لا تقل:سمع اللّه لمن حمده في شيء من ركوعك إلاّ الركعة التي تسجد فيها» (1).

و نحوه الآخر المروي عن علي بن جعفر في كتابه (2).

و الصحيح:«و إن شئت قرأت سورة في كل ركعة،و إن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة،فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب،و إن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلاّ في أول ركعة حتى تستأنف أخرى»الخبر (3).

و ظاهر هذه النصوص عدم لزوم الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة،أو تفريق سورة على الخمس،فلا وجه للاحتياط به كما قيل (4).

كما لا وجه للحكم بتحتّم ترك الفاتحة في صورة التبعيض،لمكان النهي عنها الذي هو حقيقة في التحريم.

و ذلك لاحتمال وروده مورد توهم الوجوب،كما يفصح عنه الصحيحة الأخيرة،لمكان قوله«أجزأك..»إلى آخره،فتدبر.

و لا لما ذكره الشهيدان من أنه متى ركع عن بعض سورة تخيّر في القيام بعده بين القراءة من موضع القطع،و بين القراءة من أيّ موضع شاء من السورة

ص:19


1- مستطرفات السرائر:54 ذيل الحديث 7،الوسائل 7:497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13. بدل ما بين المعقوفين في النسخ:قال،و ما أثبتناه من المصادر.
2- قرب الإسناد:(857/219.
3- الفقيه 1:1533/346،الوسائل 7:495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 7.
4- المدارك 4:140.

متقدما أو متأخرا،و بين رفضها و قراءة غيرها (1).

لمخالفته لما في الصحيحة الأولى من قوله:«فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت»فإنّ مقتضاه تعيّن القراءة من موضع القطع، فلا يكون العدول إلى غيره من السورة و غيرها جائزا،و بذلك صرّح جماعة (2)، و يستفاد أيضا من العبارة.

و يستحب فيها أي في هذه الصلاة مطلقا الجماعة بإجماعنا كما عن التذكرة و في غيرها (3)؛للعمومات،و التأسي ففي الصحيح:«صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس» (4)و أظهر منه غيره (5)؛ و للنص (6).

و لا فرق في المشهور بين احتراق القرص كلّه أو بعضه،أداء و قضاء؛ للعموم.

خلافا للصدوقين فنفياها عند احتراق البعض (7).

و للمفيد فنفاها في القضاء (8).

و مستندهم غير واضح،نعم في الخبر:«إذا انكسفت الشمس و القمر فانكسف كلّها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم،و أيّهما كسف

ص:20


1- الذكرى:245،الروضة البهيّة 1:312.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:173،و الشهيد في البيان:221،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:465.
3- التذكرة 1:164؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):562.
4- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
5- الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9.
6- الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12.
7- نقله عنهما في المختلف:118،المقنع و الهداية:44.
8- انظر المقنعة:211.

بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلّي وحده» (1).

و هو مع قصور سنده غير دالّ على المنع عنها في صورة احتراق البعض، و إنما غايته الدلالة على إجزائها فرادى،و هو لا ينافي استحباب الجماعة فيها.

و يفهم من بعض وجود قول بوجوبها مع الاحتراق (2)؛و لعلّه ظاهر عبارة الصدوقين المحكية في المختلف،و يستفاد منه قولهما بوجوبها مع الاحتراق، و المنع عنها مع عدمه.

و يردّه-مضافا إلى الأصل و الإجماع المتقدم-الإجماع المحكي في الخلاف على جوازها جماعة و فرادى،و في السفر و الحضر (3).

و في الذكرى:و ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا و عند أكثر العامة (4).

و في الموثق:عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟قال:«جماعة و غير جماعة» (5)و نحوه الخبر (6).

و الإطالة بقدر زمان الكسوف المعلوم،قيل:أو المظنون (7).

بإجماع العلماء كما عن المعتبر (8)،و في المنتهى لا نعرف فيه خلافا (9).

و لاستحباب الإطالة مطلقا.و للنصوص (10).

ص:21


1- التهذيب 3:881/292،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 2.
2- انظر الذكرى:246.
3- الخلاف 1:683.
4- الذكرى:246.
5- التهذيب 3:882/292،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 1.
6- التهذيب 3:889/294،الوسائل 7:503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 3.
7- قال به الشهيد الأول في البيان:211،الشهيد الثاني في روض الجنان:305.
8- المعتبر 2:336.
9- المنتهى 1:350.
10- الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9.

و يستفاد من جملة منها آتية إطلاق استحبابها حتى للإمام مطلقا،و لكن في الصحيح:«و كان يستحب أن يقرأ فيهما بالكهف و الحجر،إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» (1).

و هو مع صحة سنده أوفق بعموم النصوص الآتية في بحث الجماعة-إن شاء اللّه تعالى-الآمرة بالتخفيف و الإسراع مراعاة لحال المأمومين،فيمكن حمل أخبار الباب على صورة رغبة المأمومين في الإطالة.

و ظاهر الأصحاب مساواة الكسوفين في مقدار الإطالة،لكن في الصحيح:«إنّ صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر» (2).

و في آخر:و رووا«أن الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء،و أشدّها و أطولها كسوف الشمس» (3).

و إعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء للأمر بها في الصحيح (4) و ظاهره الوجوب كما عن جماعة من القدماء (5)،و حمله الأكثر على الاستحباب،جمعا بينه و بين الصحيح (6)و غيره (7)الآمرين بدل الإعادة بالجلوس و الدعاء حتى ينجلي.

و الجمع بينهما بالوجوب التخييري و إن أمكن،و ربما استفيد من الرضوي:«و إن صلّيت و بعد لم ينجل فعليك الإعادة أو الدعاء و الثناء على اللّه

ص:22


1- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
2- تقدّم مصدره في الهامش 1.
3- التهذيب 3:333/155،الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
4- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.
5- منهم الحلبي في الكافي في الفقه:156،و سلاّر في المراسم:81.
6- التهذيب 3:334/156،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.
7- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.

تعالى و أنت مستقبل القبلة» (1)..لكنه غير معروف القائل كما صرّح به في الذخيرة و المدارك (2)و مع ذلك الأول أوفق بالأصل،المؤيد بالشهرة و ظاهر بعض المعتبرة،كالموثق:«إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإن ذلك أفضل،و إن أحببت أن تصلي و تفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (3)فتدبّر.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما عليه الحلّي من إنكار الإعادة مطلقا (4)و إن حسن على أصله،لكون النص الدال عليه من الآحاد التي لا يعمل بها.و في التنقيح:إنّ ذلك منه عجيب مع حصول النص (5)و لا عجب منه،لما مرّ،بل التعجب منه عجيب.

و أن يكون ركوعه بقدر قراءته للمضمر:«و يكون ركوعك مثل قراءتك» (6)و في الخلاف و عن الغنية (7)الإجماع عليه.

و في الصحيح:«و تطيل القنوت على قدر القراءة و الركوع و السجود» (8).

و استدل به جماعة على المطلوب (9)،و هو يتم إن نصبنا الركوع و السجود،و هو غير متعين لو لم يتعين الخفض.

ص:23


1- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:173 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
2- الذخيرة:326،المدارك 4:143.
3- التهذيب 3:876/291،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.
4- السرائر 1:324.
5- التنقيح الرائع 1:243.
6- التهذيب 3:890/294،الوسائل 7:493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.
7- الخلاف 1:680،الغنية(الجوامع الفقهية):562.
8- الكافي 3:2/463،التهذيب 3:335/156،الوسائل 7:494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
9- منهم:المحقق في المعتبر 2:336،و العلامة في التذكرة 1:163،و نهاية الإحكام 2:75.

و فيه على تقدير النصب دلالة على انسحاب الحكم في السجود أيضا كما عليه جماعة (1)،بل القنوت أيضا كما في الذكرى و غيره (2).

و لا بأس به؛للتسامح في أدلة السنن،مع أنّ في المنتهى الإجماع على استحباب التطويل في كل من الركوع و السجود من أهل العلم في الأول، و منّا في الثاني (3).

و هو و إن لم يقدّر التطويل بقدر القراءة،لكنه استدل عليه في الأوّل بالصحيحة السابقة المتوقف دلالتها على النصب،و مقتضاه التقدير بقدر القراءة،و في الثاني بالمضمرة السابقة المتضمنة لقوله بعد ما مرّ:«و سجودك مثل ركوعك».

و عن المفيد تقدير الإطالة بقدر السورة (4)؛و لعلّ مراده بها ما يعمّ الفاتحة،فلا مخالفة.

و أن يقرأ السور الطوال إجماعا كما في الخلاف و المنتهى (5).

و هي مثل يس و النور كما في المضمر،و فيه:فمن لم يحسن يس و أشباهها،قال:«فليقرأ ستّين آية في كل ركعة».

و في المقنعة،عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف،فقرأ فيها الكهف و الأنبياء و ردّدها خمس مرّات،و أطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان معه و غشي على كثير منهم (6).

ص:24


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:336،و العلامة في التذكرة 1:163،و الشهيد في الذكرى: 245.
2- الذكرى:245؛و انظر نهاية الإحكام 2:75.
3- المنتهى 1:351.
4- المقنعة:209.
5- الخلاف 1:680،المنتهى 1:351.
6- المقنعة:210،الوسائل 7:499 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 3.

و نحوه المرسل المروي في صلاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله (1).

و مرّ في الصحيح استحباب خصوص الكهف و الحجر.

و قوله مع السعة متعلق بكل من تطويل الركوع و السورة جميعا،و وجه التقييد به واضح.

و أن يكبّر كلّما انتصب من الركوع في كل من العشر ركعات إلاّ في الخامس و العاشر فإنه يقول عند الانتصاب منهما سمع اللّه لمن حمده بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف و المنتهى (2)،و المعتبرة المستفيضة المتقدمة إلى بعضها الإشارة (3).

و في بعض الأخبار التسميع عند الانتصاب من ركوع تمت السورة قبله (4).

و أن يقنت بعد القراءة قبل الركوع من كل مزدوج من الركوعات حتى يقنت في الجميع خمس قنوتات بلا خلاف أجده؛للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعض منها (5).

قال الصدوق:و إن لم يقنت إلاّ في الخامسة و العاشرة فهو جائز؛لورود الخبر به (6).

و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الإصباح و الجامع و البيان (7)جواز

ص:25


1- التهذيب 3:885/293،الوسائل 7:498 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.
2- الخلاف 1:679،المنتهى 1:351.
3- راجع ص 18،19.
4- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه الشهيد-رحمه اللّه-في النفلية ص 37،قال:و روي نادرا عمومه-أي عموم التسميع-إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.
5- الوسائل 7:492 أبواب صلاة الكسوف ب 7.
6- الفقيه 1:347.
7- النهاية:137،المبسوط 1:173،الوسيلة:113،عن الإصباح في كشف اللثام 1:265، الجامع للشرائع:109،البيان:211.

الاقتصار عليه في العاشرة.

أحكامها

و الأحكام فيها اثنان:

الأول إذا اتفق في وقت حاضرة تخيّر في الإتيان بأيّهما شاء

الأول:إذا اتفق إحدى هذه الآيات في وقت صلاة حاضرة تخيّر المكلّف في الإتيان ب صلاة أيّهما شاء مع اتساع وقتهما على الأصح الأشهر على الظاهر،المنقول عن المعتبر (1)،و المصرّح به في كلام جمع ممن تأخر (2)؛للأصل،و التساوي في الوجوب و الاتساع؛مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز الفريضتين في وقتهما.

و فيه مع ذلك الجمع بين ما دلّ على الأمر بتقديم الفريضة على الكسوف من المعتبرة،كالصحيح:عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة،فقال:«ابدأ بالفريضة» (3).

و ما دلّ على العكس،كالصحيح:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة،فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف،فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت» (4).

خلافا للصدوق و غيره (5)فقال بالأول؛عملا بظاهر الأمر،المعتضد بصريح الرضوي:«و لا تصلّها في وقت الفريضة،فإذا كنت فيها و دخل عليك وقت الفريضة فاقطعها و صلّ الفريضة،ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة

ص:26


1- المعتبر 2:340.
2- كالمحقق السبزواري في الكفاية:22،و صاحب الحدائق 10:345.
3- الكافي 3:5/464،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.
4- الفقيه 1:1530/346،الوسائل 7:491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.
5- الصدوق في الفقيه 1:347؛و انظر نهاية الشيخ:137.

الكسوف» (1).

و يعارضان بالمثل،و قد عرفته في الأوّل،و هو في الثاني المروي عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال:فيمن وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة،قال:«يؤخرها و يمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت،فإن خاف فوت الوقت قطعها و صلّى الفريضة» (2).

و حيث لا ترجيح وجب التخيير.

و ربما يحمل وقت الفريضة في الثاني على وقت الفضيلة (3)؛فيجب تقديم الحاضرة مطلقا-كما عليه الصدوق رحمه اللّه-جمعا،و التفاتا إلى ظاهر الصحيحين،في أحدهما:عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس و يخشى فوات الفريضة،فقال:«اقطعوا و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم» (4).

و في الثاني:ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة،فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة،فقال:«إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثمَّ عد فيها»الحديث (5).

و فيه نظر؛لعدم ظهور الصحيحين فيما ذكر،و عدم شاهد على الجمع،مع أنه ليس بأولى من الجمع بالعكس بحمل وقت الفريضة في الأولى على آخر وقت الإجزاء،و يكون العمل على الرواية الأخيرة من تقديم صلاة الكسوف كما عليه بعض الجماعة (6).

ص:27


1- فقه الرضا(عليه السلام):135،المستدرك 6:167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 1.
2- دعائم الإسلام 1:201،المستدرك 6:167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
3- كما في الحدائق 10:348.
4- التهذيب 3:888/293،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 3.
5- التهذيب 3:332/155،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.
6- في«م»زيادة:و قال السيد المرتضى و ابن أبي عقيل:يصلي الكسوف ما لم يخش فوت الحاضرة (نقله عنهما في المختلف:117).

و حيث وقع التعارض بين هذين الجمعين و لا مرجح لأحدهما في البين تعيّن التخيير بين الأمرين،مع تأيده-زيادة على ما قدّمناه-بأنه لا معنى لتضيق وجوب أحدهما بمجرد معارضته للآخر مع كونه في أصل الشرع موسّعا.

و بالجملة:لا ريب في التخيير و إن كان تقديم الحاضرة أولى؛لأهميتها في نظر الشارع،مع كثرة ما يدل على لزوم تقديمها نصا و فتوى.

ما لم يتضيق وقت الحاضرة فيتعين الأداء إجماعا كما في المنتهى و المدارك و الذخيرة و غيرها (1)؛للنصوص المتقدمة الدالة عليه بظاهرها بل بصريحها؛مع استلزام تقديم الكسوف حينئذ الإخلال بالواجب لا لضرورة.

و منه يظهر الحكم بوجوب تقديم الكسوف لو انعكس الفرض بأن تضيّق وقتها و اتسع الحاضرة،و عليه الإجماع في الكتابين الأخيرين أيضا.

و إن تضيّق وقتهما معا قدّمت الحاضرة إجماعا كما في التنقيح (2)،و نفى عنه الخلاف في الذكرى (3)،و وجهه ظاهر ممّا قدّمنا.

و حيث قدّمها وجب عليه قضاء الكسوف إن فرّط في فعلها،و إلاّ فلا مطلقا و إن فرّط في الحاضرة،على قول (4)مستند إلى أن تأخيرها كان مباحا إلى ذلك الوقت،ثمَّ تعين عليه الفعل بسبب التضيق و اقتضى ذلك الفوات، و هو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف،فلا يجب الأداء لعدم التمكن،و لا القضاء لعدم الاستقرار.

و قيل:يجب القضاء مع التفريط فيها؛لاستناد إهمالها إلى ما تقدّم من

ص:28


1- المنتهى 1:353،المدارك 4:144،الذخيرة:326؛و انظر الحدائق 10:345.
2- التنقيح الرائع 1:244.
3- الذكرى:246.
4- انظر المعتبر 2:341،و الذخيرة:327.

تقصيره (1).

و في كل من القولين نظر،بل الوجه التفصيل بين ما لو علم المكلّف باستلزام تأخير الحاضرة فوات الكسوف عن وقتها كما يتفق أحيانا فالثاني،و إلاّ فالأوّل،فتدبّر.

و إذا دخل في صلاة الكسوف بظن سعة الحاضرة ثمَّ تبيّن له ضيقها في الأثناء قطعها و صلّى الحاضرة إجماعا،فتوى و نصا،ثمَّ بنى على ما قطع،وفاقا للأكثر،و في ظاهر المنتهى الإجماع عليه (2)؛لصريح الصحيحة الثانية و الرضوية المتقدمة؛و قريب منهما الصحيحة الأخيرة.

خلافا للمبسوط فليستأنف (3)،و اختاره في الذكرى (4)،لأمر اعتباري غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع كما عرفت حكايته.

و لو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى بالتقديم وجوبا بلا خلاف ظاهرا،و في المنتهى:إنّ عليه علماءنا أجمع (5).و يدل عليه-بعد الإجماع الظاهر منه-الاعتبار المعتضد بالصحيحين الواردين في خصوص تقديم الكسوف على نافلة الليل (6)،و لا قائل بالفرق،مضافا إلى تنقيح المناط القطعي

ص:29


1- انظر المنتهى 1:354،و الذكرى:247،و الروضة 1:314.
2- المنتهى 1:354.
3- المبسوط 1:172.
4- الذكرى:247.
5- المنتهى 1:354.
6- الأول: الكافي 3:5/464،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1. الثاني: التهذيب 3:332/155،الوسائل 7:490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

المستند إلى الاعتبار السابق،و هو أولوية الواجب بالتقديم على غيره.

و لا فرق فيها بين ما لو خرج وقت النافلة بتقديم الفريضة أو لم يخرج،و لا بين ما إذا اتّسع وقت صلاة الكسوف بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا؛لإطلاق النص و الفتوى المعتضد بعموم ما دلّ على المنع عن النافلة وقت الفريضة.

الثاني تصلّى هذه الصلاة على الراحلة و ماشيا

الثاني: يجوز أن تصلّى هذه الصلاة على الراحلة و ماشيا مع الضرورة إجماعا.و في جوازها على الراحلة اختيارا قولان،فعن الإسكافي الأول.لكن مع استحباب فعلها على الأرض (1).و حكاه في المنتهى عن الجمهور (2).

و في التنقيح عن الماتن في المعتبر نقله عن باقي الأصحاب (3).

و هو غريب فإنّ أحدا ممّن وصل إلينا كلامه لم ينقله عن أحد عدا الإسكافي،بل صرّح بعضهم بأنّ المشهور خلافه (4)،و هو المشار إليه بقوله:

و قيل و القائل الشيخ في النهاية (5)بالمنع مطلقا إلاّ مع العذر و الضرورة،و اختاره الماتن هنا و في الشرائع (6)بقوله و هو أشبه.

و تبعه عامة متأخري الأصحاب فيما أعرفه؛عملا بعموم ما دلّ على المنع عن الفريضة على الراحلة،مع سلامتها عن المعارض بالكلية.

عدا ما ربما يستدل للجواز من رواية ضعيفة السند بالجهالة و الكتابة،مع

ص:30


1- كما نقله عنه في المختلف:118.
2- المنتهى 1:354.
3- التنقيح الرائع 1:244.
4- المهذّب البارع 1:428.
5- النهاية:138.
6- الشرائع 1:104.

أنها غير واضحة الدلالة،فإن فيها:كتبت إلى الرضا عليه السلام:إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول،فكتب:«صلّ على مركبك الذي أنت عليه» (1).

و السؤال فيها مختص بحال الضرورة،و الجواب يتبعه؛للمطابقة، و لا عموم فيه لغة حتى يكون العبرة به لا بالمورد.و لو سلّم الدلالة نقول:إنّها محمولة على التقية،لما مرّ،و يشهد له كونها مكاتبة،هذا.

و في المنتهى قد استدل بها على المختار،و قال في تقريبه:و التعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا (2).

و هو كما ترى؛لمنع الاقتضاء أوّلا؛و تخصيصه ثانيا-على تقدير تسليمه- بما إذا وقع في كلام الإمام عليه السلام لا مطلقا،و مطابقة الجواب للسؤال تقتضي اختصاص الحكم الوارد فيه بمحلّ الوصف لا تخصيصه به بحيث ينفى عن غيره كما هو واضح.

صلاة الجنازة
اشارة

و منها:صلاة الجنازة هي واحدة الجنائز،قيل:هي بالكسر:الميت بسريره (3).و قيل:

بالكسر:السرير،و بالفتح:الميت يوضع عليه (4).

و النظر فيها يقع في أمور أربعة من يصلّى عليه،و المصلّي، و كيفيتها،و أحكامها.

فيمن يصلى عليه

فأما الأول:فاعلم أنّه تجب هذه الصلاة على كلّ مسلم إجماعا

ص:31


1- الكافي 3:7/465،الفقيه 1:1531/346،التهذيب 3:878/291،قرب الإسناد: 1377/393،الوسائل 7:502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.
2- المنتهى 1:354.
3- نقله في مجمع البحرين 4:10 عن النهاية،و لكن الموجود فيها(ج 1 ص 306):الجنازة بالفتح و الكسر..
4- نقله ابن الأثير في النهاية 1:306.

كما عن التذكرة (1)،و في المنتهى بلا خلاف (2).قال-كباقي متأخري الأصحاب-:إنّ المراد به هو كلّ مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين،كالقادحين في عليّ عليه السلام أو أحد الأئمة كالخوارج،أو من غلا فيه كالنصيريّة و السبأيّة و الخطابيّة،فهؤلاء لا تجب عليهم الصلاة-إلى أن قال-:و تجب الصلاة على غيرهم.

و ظاهره دعوى الإجماع على وجوب الصلاة على المخالفين الذين لم ينكروا شيئا من ضروري الدين،و هو أحد القولين في المسألة و أشهرهما؛ لعموم النبوي المشهور:«صلّوا على من قال:لا إله إلاّ اللّه» (3).

و الخبرين في أحدهما:«صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه تعالى» (4).

و في الثاني:«لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة» (5).

و ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة بين أصحابنا،مع اعتبار ما في سند أوّلهما.

خلافا لجماعة من القدماء،فمنعوا عن الصلاة عليهم جوازا أو وجوبا (6)؛ للنصوص المتواترة بكفرهم (7)المستلزم لذلك إجماعا كتابا و سنّة.

ص:32


1- التذكرة 1:45.
2- المنتهى 1:447.
3- سنن الدار قطني 2:3/56،4،5،الجامع الصغير للسيوطي 2:5030/98.
4- التهذيب 3:1025/328،الاستبصار 1:1809/468،الوسائل 3:133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.
5- الفقيه 1:480/103،التهذيب 3:1026/328،الاستبصار 1:1810/468،الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.
6- منهم:المفيد في المقنعة:229،و الحلبي في الكافي:157،و الحلّي في السرائر 1:356.
7- وردت جملة منها في الوسائل 28:339 أبواب حدّ المرتدّ ب 10.

و فيه:منع كلّية الكبرى،مع أنّ المستفاد منها ليس إلاّ إطلاق لفظ الكفر عليهم،و هو أعمّ من الحقيقة.

إلاّ أن يقال:إنه و لو مجازا كاف في إثبات هذا الحكم؛لكونه أحد وجوه الشبه و العلاقة بين الحقيقي و المجازي.

و هو حسن إن تساوت في التبادر و عدمه.و فيه منع؛لاختصاص الخلود بالنار و أمثاله منها بالتبادر.

و لو سلّم فهو معارض بما دلّ على إسلام مظهري الشهادتين.و لو سلّم فهو مخصّص بما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة.

لكن يمكن أن يقال:إن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،لعدم صراحتها في مخالفي الحق،فيحتمل الاختصاص أو التخصيص بمعتقديه.

و بالجملة:فكما يمكن وقوعها مخصّصة بالعموم السابق كذا يمكن العكس،بل هو أولى،لموافقته الأصل.و هو حسن لو لا الشهرة المرجّحة للأول مع ضعف عموم التشبيه بما مرّ.

لكن المسألة بعد محلّ شبهة و إن كان مراعاة المشهور أحوط؛لندرة القول بالحرمة،مع اختصاصها بحق من يعلم بها،و الفرض عدمه هنا،فتأمل جدا.

هذا مع عدم التقية،و أمّا معها فتجب قولا واحدا و لكن لا يدعو له في الرابعة بل عليه،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و يلحق بالمسلم من هو بحكمه ممّن بلغ ستّ سنين فصاعدا من طفل،أو مجنون،أو لقيط دار الإسلام،أو الكفر و فيها مسلم صالح للاستيلاد تغليبا للإسلام.

و يستوي في ذلك الذكر و الأنثى،و الحرّ و العبد للعموم و الإجماع.

ص:33

و تقييد الوجوب بالستّ هو المشهور،بل عليه عامة المتأخرين كما قيل (1).و عن المرتضى و في المنتهى (2):الإجماع عليه،و يشعر به عبارة الدروس،حيث نسب القولين المخالفين إلى الترك و الشذوذ (3)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الصحيح:متى تجب عليه الصلاة؟فقال:«إذا عقل الصلاة و كان ابن ستّ سنين» (4).

و قريب منه آخر:عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟فقال:«إذا عقل الصلاة»قلت:متى تجب الصلاة عليه؟قال:«إذا كان ابن ستّ سنين، و الصيام إذا أطاقه» (5).

و المراد بالوجوب فيه مطلق الثبوت،و المعنى أنّه:متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟فقال:«إذا كان..»إلى آخره،كما يفهم من الصحيح:

في الصبي متى يصلّي؟فقال:«إذا عقل الصلاة»قلت:متى يعقل الصلاة و تجب؟فقال:«لستّ سنين» (6).

و أما الصحيح:عن الصبي أ يصلّى عليه إذا مات و هو ابن خمس سنين؟ قال:«إذا عقل الصلاة صلّي عليه» (7)فلا ينافي ما ذكرنا بعد تعليقه الحكم في

ص:34


1- قال به المحقق السبزواري في الذخيرة:327.
2- المرتضى في الانتصار:59،المنتهى 1:448.
3- الدروس 1:112.
4- الفقيه 1:488/105،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 2.
5- الكافي 3:2/206،الفقيه 1:486/104،التهذيب 3:456/198،الاستبصار 1: 1855/479،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
6- التهذيب 2:1589/381،الاستبصار 1:1562/408،الوسائل 4:18 أبواب أعداد الفرائض ب 3 ح 2.
7- التهذيب 3:458/199،قرب الإسناد:855/218،الوسائل 3:96 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

الجواب على عقله الصلاة المحدود ببلوغ الستّ فيما مرّ من الأخبار.

خلافا للعماني فاشترط في الوجوب البلوغ (1)؛للأصل،و عدم احتياجه إليها قبله،و الموثق:أنّه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟قال:«لا،إنما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم» (2).

و في الجميع نظر؛لضعف الأوّل في مقابلة ما مرّ.

و منع الثاني،و انتقاضه بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله،مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بما مرّ.

و به يجاب عن الثالث،لعدم مقاومته له؛مع عدم صراحته و احتماله الحمل على ما يؤول إلى النص،بأن يراد بجري القلم فيه مطلق الخطاب الشرعي،و التمرين خطاب شرعي.

لكنه كما قيل:ربما ينافيه حصر الصلاة في الرجل و المرأة؛إذ لا يصدقان إلاّ على البالغ (3).

و فيه نظر:لأن ظهورهما في البالغ ليس بأظهر من ظهور جري القلم في الخطاب التكليفي،فكما جاز صرفه إلى خلاف ظاهره كذا يمكن صرفهما إلى خلاف ظاهرهما بإرادة المعنى الأعم الشامل للصبي،و مع الإمكان يتعيّن جمعا.

مع أنّ ظاهر قوله:«إذا جرى عليهما القلم»كونه شرطا لم يستفد من سابقة،و هو إنما يتم لو أريد منهما المعنى الأعم،و إلاّ لكان تأكيدا لا شرطا، إلاّ على تقدير اشتراط عقل الميت في الصلاة عليه،و هو باطل إجماعا،و معه

ص:35


1- نقله عنه في المختلف:119.
2- التهذيب 3:460/199،الاستبصار 1:1858/480،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.
3- الحدائق 10:373.

لا يبقى للشرطية وجه أصلا إلاّ كونه تأكيدا،و ما ذكرناه تأسيس،و هو منه أولى.

و للإسكافي،فلم يشترط شيئا و أوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلا (1)؛للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:«إذا استهلّ فصلّ عليه» (2).و نحوه الخبر (3).

و منها:الصحيح (4)و غيره (5):«يصلّى عليه على كلّ حال إلاّ أن يسقط لغير تمام».

و هي-مع ضعف سند ما عدا الصحيح منها و عدم مقاومتها أجمع لما مضى-محمولة على التقية،كما صرّح به جماعة (6)،و يشهد له جملة من المعتبرة،منها الصحيح:مات ابن لأبي جعفر عليه السلام،فأخبر بموته، فأمر به فغسل-إلى أن قال-:فقال عليه السلام:«أما إنه لم يكن يصلّى على مثل هذا-و كان ابن ثلاث سنين-كان علي عليه السلام يأمر به فيدفن و لا يصلّى عليه،و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله» (7)و نحوه غيره (8).

و يستفاد منها عدم الاستحباب أيضا كما هو ظاهر جماعة (9).

ص:36


1- نقله عنه في المختلف:119.
2- التهذيب 3:459/199،الاستبصار 1:1857/480،الوسائل 3:96 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.
3- التهذيب 3:1035/331،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.
4- التهذيب 3:1037/331،الاستبصار 1:1860/481،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.
5- التهذيب 3:1036/331،الاستبصار 1:1859/480،الوسائل 3:97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 4.
6- منهم:الشيخ في الاستبصار 1:481،و المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
7- الكافي 3:4/207،الوسائل 3:95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.
8- الفقيه 1:487/105،الوسائل 3:101 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 4.
9- منهم:الكليني في الكافي 3:206،و الصدوق في المقنع:21،و المفيد في المقنعة:231.

خلافا للأكثر-و منهم الماتن-فقالوا و تستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك أي الستّ سنين ممّن ولد حيّا مستهلا؛عملا بعموم النصوص المتقدمة للإسكافي سندا،و فيه ما مضى،إلاّ أن يذبّ عنه بالمسامحة في أدلة السنن و الكراهة،خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و رواية، و ليس فيه تشبّه بالعامة بعد الاختلاف في النية،و معه لا مشابهة و لا بأس به.

في المصلي

و أما الثاني:فاعلم أنه يجب أن يقوم بها أي بهذه الصلاة كسائر أحكام الميت كلّ مكلّف على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، و إن لم يقم به أحد استحقوا بأسرهم العقاب،بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،و قد نقل جماعة أيضا الإجماع عليه (2)؛لأن الغرض إدخالها في الوجود،و هو يحصل بالوجوب الكفائي.

و ربما ينافيه توجه الخطاب في النصوص بأكثر أحكامه إلى الولي؛إذ مقتضاه الوجوب العيني عليه،كذا قيل (3).

و فيه نظر:فإنّ الخطاب فيها و إن توجه إلى الولي إلاّ أن مقتضاه هنا ليس الوجوب العيني،لوقوع التصريح في جملة منها بجواز أمره غيره بها (4)، و هو خلاف ما يقتضيه الوجوب العيني من لزوم مباشرة المكلّف للمكلّف به بنفسه،فجواز أمر الغير به دليل على أن المقصود من تخصيص الولي بالخطاب إثبات أولويته به كما فهمه الأصحاب،حيث قالوا مع حكمهم بالوجوب الكفائي:

ص:37


1- المنتهى 1:443.
2- منهم:المحقق في المعتبر 1:264،و العلامة في النهاية 2:33،و المحقق السبزواري في الذخيرة:327.
3- الحدائق 10:387.
4- الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1،2.

و أحقّ الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه.

و إلى مثل هذا نظر جماعة من الأصحاب فقالوا:لا منافاة بين الوجوب كفاية و الإناطة برأي بعض المكلّفين،على معنى أنه إن قام بنفسه أو بنصب غيره و قام ذلك الغير سقط عن الغير،و إلاّ سقط اعتباره و انعقدت جماعة و فرادى بغير إذنه (1).

و الحكم بالأحقية المزبورة مقطوع به في كلامهم من غير خلاف بينهم أجده،و به صرّح جماعة مؤذنين بنقل الإجماع،كما صرّح به في الخلاف (2)، مستدلا عليه بعده كباقي الأصحاب بآية أولي الأرحام (3).

و يدل عليه أيضا المعتبرة و منها المرسل كالصحيح (4)،و الرضوي (5):

«يصلّي على الجنازة أولى الناس بها،أو يأمر من يحبّ».

و قصور الأسانيد و الدلالة مجبور بفهم الطائفة و عملهم بها كافّة،و لذلك وافق الأصحاب في الذخيرة (6)بعد أن ضعّف الأدلة عدا الإجماع-وفاقا للمدارك (7)-بما عرفته في المعتبرة،و بعدم عموم يشمل مفروض المسألة في الآية الكريمة.

و يمكن الذبّ عنه مع قطع النظر عن الجابر بحجيّة الخبرين المزبورين، لاعتبار سندهما،مع اعتضادهما بغيرهما.

ص:38


1- مدارك الأحكام 4:156،السبزواري في الذخيرة:334.
2- الخلاف 1:719.
3- الأنفال:75.
4- الكافي 3:1/177،التهذيب 3:483/204 الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
6- الذخيرة:334.
7- المدارك 4:155.

و ظهور عموم الآية بالاعتبار الذي يثبت به العموم في الإطلاقات؛و لذا يستدل بها في الأخبار و كلام الأصحاب على إثبات الإمامة و غيرها من دون تزلزل و لا ريبة.

و المعتبرة و إن لم تصرح بكون المراد بالأولى فيها المستحق للميراث إلاّ أنه ربما يفهم من تتبّع النصوص،ألا ترى إلى المرسل:في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام،قال:«يقضيه أولى الناس به» (1).

فقد أطلق فيه الأولى و لم يبيّن المراد به،مع أنّ متنه بعينه مروي في الصحيح سؤالا و جوابا إلى قوله:«أولى الناس به»مبدّلا لفظة«به»فيه «بميراثه» (2)فظهر شيوع إطلاق الأولى به على الأولى بميراثه.

مضافا إلى صحيحة يزيد الكناسي المشهورة الواردة بتفصيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله:«ابنك أولى بك من[ابن ابنك]و ابن ابنك أولى بك من أخيك» (3)فقد أطلق فيه الأولوية مع أنّ المراد بها بحسب الميراث قطعا.

و بالجملة:فلا إشكال فيما ذكره الأصحاب.

و إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقية الأولى بالميراث بالصلاة بين ما لو أوصى الميت بها إلى غيره أم لا،و لعلّه المشهور،بل عزاه في المختلف إلى علمائنا (4)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

خلافا للإسكافي في الأول فقدّم الغير (5)؛لحجج غير ناهضة،عدا عموم

ص:39


1- الوسائل 8:278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6،نقله عن كتاب غياث سلطان الورى (مخطوط).
2- الكافي 4:1/123،الوسائل 10:330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
3- الكافي 7:1/76،التهذيب 9:974/268،الوسائل 26:63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.بدل ما بين المعقوفين في النسخ:أمّك،و ما أثبتناه موافق للمصادر.
4- المختلف:120.
5- نقله عنه في المختلف:120.

الآية بالنهي عن تبديل الوصية (1)،و لكنه معارض بعموم الآية و المعتبرة المتقدمة.و الترجيح معها؛للشهرة،و إن كان تقديم الموصى إليه أحوط للورثة.

و اعلم أنّ المراد بأحقّية الأولى بالميراث أنه أولى بها ممّن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود أحد من الأولى.

و أمّا الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره الأصحاب بقولهم:

و الأب أولى من الابن بلا خلاف،بل قيل:اتفاقا (2).قيل:لاختصاصه بالشفقة،فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة (3).

و الولد و إن نزل أولى من الجدّ على المشهور،خلافا للإسكافي فجعله أولى منه و من الأب (4).و هو ضعيف؛لكون الولد أولى بالإرث.

قيل:و الجدّ للأب أولى من الأخ،و الأخ من الأبوين أولى ممّن يتقرب بأحدهما،و الأخ للأب أولى من الأخ للأم،و العمّ أولى من الخال،و العمّ للأبوين أولى من العمّ لأحدهما،كما أنّ العمّ للأب أولى من العمّ للام،و كذا القول في الخال،و المعتق من ضامن الجريرة،و هو من الحاكم،فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم،ثمَّ عدول المسلمين (5).

و هذا الترتيب بعضه مبني على أولوية الميراث،و بعضه-و هو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها-على كثرة الشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن،أو التولد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ،أو كثرة النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال.و العمل

ص:40


1- البقرة:181.
2- المدارك 4:157.
3- انظر المدارك 4:157.
4- حكاه عنه في المختلف:120.
5- انظر روض الجنان:311.

بهذا الوضع هو المشهور.

و الزوج مع وجوده أولى بالمرأة من الأخ بل مطلق الأقارب، بالنص (1)،و الإجماع.و ما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه من الصحيح و غيره (2)شاذّ لا عمل عليه،فليطرح أو يحمل على التقية كما ذكره شيخ الطائفة و غيره (3).

و ظاهر الأصل و اختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به دون الزوجة كما صرّح به جماعة (4).و فيه قول بإلحاقها به (5)؛لوجه تخريجي يدفعه ما عرفته.

قيل:و لا فرق بين الدائمة و المتمتع بها،و لا بين الحرّة و المملوكة؛ لإطلاق النص (6).و هو حسن،إلاّ في المتمتع بها؛فإنّ إطلاق الزوج بالإضافة إلى المتمتع بها حقيقة لا يخلو عن مناقشة.

ثمَّ إنّ إطلاق النص و العبارة يقتضي عدم الفرق بين الزوج الحرّ و العبد، لكن في المنتهى:إنّ الحرّ أولى من العبد و إن كان قريبا و الحرّ بعيدا،قال:

لأنّ العبد لا ولاية له على نفسه ففي غيره أولى،و لا نعلم فيه خلافا (7).

قيل:و لعلّ الزوج مستثنى عن الحكم المزبور؛للنص (8).

ص:41


1- الكافي 3:2/177 و 3،الفقيه 1:474/102،التهذيب 3:484/205،الاستبصار 1: 1883/486،الوسائل 3:115 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 1،2.
2- التهذيب 3:485/205،486،الاستبصار 1:1884/486،1885،الوسائل 3:116 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4،5.
3- الشيخ في الاستبصار 1:487؛و انظر الذخيرة:335.
4- منهم صاحب المدارك 4:159،المحقق السبزواري في الذخيرة:335.
5- نقله الشهيد الثاني عن بعض الأصحاب في روض الجنان:311.و وجهه شمول اسم الزوج لهما لغة.
6- قال به السبزواري في الذخيرة:335.
7- المنتهى 1:451.
8- قال به السبزواري في الذخيرة:335.

و فيه:أنه عام أيضا يمكن تخصيصه بالحرّ،لما ذكره في المنتهى.

و بالجملة:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تخصيص كلّ بالآخر،ففي الترجيح نظر.

و ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف أن الذكر من الأولياء أولى من الأنثى،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (1)،و أطلق كغيره.

و قيّده جماعة (2)بما إذا اجتمعا في طبقة واحدة،أو كان الذكر أقرب طبقة أو درجة،و إلاّ فالأنثى أولى؛للصحيح:المرأة تؤم النساء؟قال:«لا،إلاّ على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها» (3).

و لا يجوز أن يؤم أحد و لو كان وليا إلاّ من اجتمع فيه شرائط الإمامة حتى العدالة و إلاّ يجتمع فيه شرائط الإمامة استناب إن كان وليا،بلا خلاف أجده،و في المنتهى:إنه اتّفاق علمائنا (4)؛و هو الحجّة، المؤيدة بإطلاق ما دلّ على اعتبارها في إمام الجماعة،و إن كان في أخذه حجة من دونه مناقشة أشار إلى وجهها في الذخيرة فقال:لعموم النص،و عدم كونها صلاة حقيقة،فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقة (5).

و يجوز للوليّ الاستنابة مطلقا (6)؛إذ لا مانع منه،مع تصريح النصوص السابقة به.و لو وجد الأكمل استحب استنابته؛لأن كماله قد يكون سببا

ص:42


1- المنتهى 1:451.
2- منهم:الشهيد في الذّكرى:56.و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:123.
3- التهذيب 3:488/206،الاستبصار 1:1648/427،الوسائل 3:117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
4- المنتهى 1:451.
5- الذخيرة:335.
6- أي مع الصلاحية أيضا(منه رحمه اللّه).

لاستجابة دعائه.و يحتمل ترجيح الولي؛لاختصاصه بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة.

و يستحب للولي تقديم الهاشمي للرضوي (1).

و لا خلاف أجده إلاّ من المفيد فأوجبه (2).قيل:فإن أراد به إمام الأصل فهو حقّ،و إلاّ فهو ممنوع،بل الأولى للولي التقديم،أمّا الوجوب فلا،لعموم الآية (3).

أقول:و للمعتبرة المتقدمة أيضا،مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا رواية غير معلومة الصحة:«قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» (4)مع أنها أعم من المدّعى.

و بها استدل الماتن في المعتبر على الاستحباب (5)،و ردّه في الذكرى بما ذكرنا (6).و هو حسن إنّ قصد بالاستدلال إثبات الوجوب،و أما الاستحباب-كما هو المفروض-فيتسامح في أدلته بما لا يتسامح في غيره على الأشهر الأقوى، سيّما مع انجبار الضعف بما ذكر بالفتوى،فيمكن الاستدلال بها مطلقا.

و مع وجود الإمام أي إمام الأصل و حضوره فهو أولى بالتقديم قطعا؛و للخبرين المتفقين على كونه أولى،و إن اختلفا في الدلالة على توقفه على إذن الولي كما هو ظاهر أحدهما (7)،و عن المبسوط و في المنتهى (8)،مدّعيا

ص:43


1- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
2- المقنعة:232.
3- قال به العلامة في المختلف:120.
4- سنن البيهقي 3:121.
5- المعتبر 2:347.
6- الذكرى:57.
7- التهذيب 3:490/206،الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 4.
8- المبسوط 1:18،المنتهى 1:450.

في ظاهر كلامه الإجماع عليه؛أو العدم كما هو ظاهر إطلاق الثاني منهما (1)، و عن الحلبي و في الذكرى (2).

و لقد أحسن جماعة من الأصحاب فقالوا:إنّ البحث في ذلك تكلّف مستغنى عنه (3).

و يجوز أن تؤم المرأة النساء إمّا مطلقا كما هنا و في كثير من العبائر،أو بشرط عدم الرجال كما في السرائر (4)،و لعلّه وارد مورد الغالب فلا عبرة بمفهومه،و لا خلاف فيه هنا أجده،و به صرّح في الذخيرة (5)؛للصحيحة المتقدّمة (6).

و هي المستند أيضا فيما ذكروه من غير خلاف من أنها تقف في وسطهنّ و لا تبرز و لا تخرج عن الصف،ففيها بعد ما مرّ إليه الإشارة:«تقوم وسطهن معهنّ في الصف فتكبّر و يكبّرن».

و كذا العاري إذا صلّى بالعراة كما يأتي في بحث الجماعة إن شاء اللّه تعالى.

و ظاهر العبارة عدم اعتبار الجلوس هنا كما يعتبر في اليومية،و به صرّح جماعة (7)؛و لعلّ الفارق إنما هو النص الوارد باعتباره فيها دون المقام،لا ما قيل

ص:44


1- الكافي 3:4/177،التهذيب 3:489/206،الوسائل 3:114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 3.
2- الحلبي في الكافي:156،الذكرى:57.
3- منهم:المحقق السبزواري في الذخيرة:335،و صاحب الحدائق 10:395.
4- السرائر 1:358.
5- الذخيرة:335.
6- في ص 42 الهامش(3).
7- منهم:المحقق في المعتبر 2:347،و المحقق السبزواري في الذخيرة:335.

من احتياجها إلى الركوع و السجود (1)،لأن الواجب الإيماء.

و لا يجوز أن يؤمّ من لم يأذن له الوليّ سواء كان بشرائط الإمامة أم لا،إجماعا؛لما مضى.

و لو امتنع من الصلاة و الإذن ففي الذكرى:الأقرب جواز الجماعة، لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى الآن،و هو يدلّ على شدة الاهتمام،فلا يزول هذا المهمّ بترك إذنه،نعم لو كان هناك حاكم شرعي كان الأقرب اعتبار إذنه،لعموم ولايته في المناصب الشرعية (2).

و ربما يفهم منه و من العبارة و غيرها اختصاص اعتبار إذن الولي بالجماعة، و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة فقال:و اعلم أن ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنما يتوقف عليه الجماعة،لا أصل الصلاة،لوجوبها على الكفاية،فلا يناط برأي أحد من المكلّفين،فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ (3).

و تبعه في النسبة في الذخيرة (4)،لكن علّل الحكم بما ذكره في المدارك لنفي البأس عن المصير إليه من قوله:قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمَّ،و حملا للصلاة في قوله:«يصلّي على الجنازة أولى الناس بها» على الجماعة،لأنه المتبادر (5).و لكن لم يذكر الاقتصار على موضع الوفاق، بناء منه على ثبوت الأولوية بالنصوص و لو بمعونة فهم الأصحاب.

ص:45


1- كما في الذخيرة:335.
2- الذكرى:57.
3- روض الجنان:311.
4- الذخيرة:334.
5- المدارك 4:156.
في كيفيتها

و أما الثالث:

فاعلم أن هذه الصلاة هي خمس تكبيرات أوّلها تكبيرة الإحرام مقرونة بنية القربة،بإجماعنا،و الصحاح المستفيضة و غيرها المتواترة و لو معنى من طرقنا (1).

و الواردة بالأربع إما محمولة على التقية،لأنها مذهب جميع العامة كما صرّح به شيخ الطائفة (2).

أو متأوّلة تارة:بالحمل على الصلاة على المنافقين المتّهمين بالإسلام كما في الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبّر على قوم خمسا و على آخرين أربعا،فإذا كبّر على رجل أربعا اتّهم بالنفاق» (3).

و أصرح منه آخر:«فأما الذي كبّر عليه خمسا فحمد اللّه تعالى و مجّده في التكبيرة الأولى،و دعا في الثانية للنبي صلّى اللّه عليه و آله،و دعا في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات،و دعا في الرابعة للميت،و انصرف في الخامسة،و اما الذي كبّر عليه أربعا فحمد اللّه تعالى و مجّده في التكبيرة الأولى،و دعا لنفسه و لأهل بيته في الثانية،و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة،و انصرف في الرابعة و لم يدع له لأنه كان منافقا» (4).

و اخرى:بأنّ المراد بقوله:«أربعا»الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من

ص:46


1- الوسائل 3:72 أبواب صلاة الجنازة ب 5.
2- انظر التهذيب 3:316.
3- الكافي 3:2/181،التهذيب 3:454/197،الوسائل 3:72 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
4- التهذيب 3:983/317،الاستبصار 1:1840/475،الوسائل 3:64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 9.

الدعاء،لأن التكبيرة الخامسة ليس بعدها دعاء كما في الخبر:سأله عليه السلام رجل عن التكبير على الجنائز،فقال«خمس تكبيرات»ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة،فقال:«أربع صلوات»فقال الأول:جعلت فداك،سألتك فقلت:

خمسا،و سألك هذا فقلت:أربعا،فقال:«إنك سألتني عن التكبيرة و سألني هذا عن الصلاة»ثمَّ قال:«إنّها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات» (1).

و ظاهره كغيره وجوب أن يكون بينها أربعة أدعية كما هو خيرة الأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جملة ممّن تأخّر (2)،بل في ظاهر الخلاف و المنتهى و الذكرى (3)الإجماع عليه.

خلافا للماتن في صريح الشرائع (4)و ظاهر المتن؛لقوله و هو أي الدعاء المدلول عليه بالأدعية لا يتعين و لا يجب،بل يستحب.

و مستنده غير واضح،عدا الأصل اللازم تخصيصه بما مرّ،و ما قيل له من إطلاقات الروايات المتضمنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.

و يضعّف أوّلا:بأنّ الظاهر منها كون السؤال و الجواب فيها إنما هو بالقياس إلى خصوص التكبير و مقداره،لكونه المعركة العظمى بين الخاصة و العامة؛و لذا لم يذكر النية و القيام و الاستقبال و غيرها مع وجوبها إجماعا.

و ثانيا:بعد تسليمه فغايته الإطلاق،و يجب تقييده بما مرّ.

ص:47


1- التهذيب 3:986/318،الاستبصار 1:1842/476،الوسائل 3:75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.
2- منهم:صاحب المدارك 4:166،و المحقق السبزواري في الكفاية:22،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح 2:167.
3- الخلاف 1:724،المنتهى 1:451،الذكرى:58.
4- الشرائع 1:106.

و يحتمل أن يكون مراد الماتن بقوله:و هو لا يتعيّن،عدم تعيّنه في شيء مخصوص و إن وجب أصله،و هو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (1)،تبعا للإسكافي (2)؛للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقّت إلاّ أن تدعو بما بدا لك،و أحقّ الموتى أن يدعى له(المؤمن،و) (3)أن يبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و الموثق:«إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل» (5).

مضافا إلى الأصل،و اختلاف النصوص و عدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الأذكار مع كثرتها و استفاضتها.و هو قوي.

إلاّ أنّ المشهور و لا سيّما بين المتأخرين-كما ذكره جماعة (6)-هو تعيّن ما أشار إليه الماتن بقوله و أفضله أن يكبّر و يتشهد الشهادتين،ثمَّ يكبّر و يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ يكبّر و يدعو للمؤمنين،و في التكبيرة الرابعة أن يدعو للميت،و ينصرف بالخامسة حال كونه مستغفرا بما يأتي في الرضوي،أو بقوله:«اللّهم عفوك عفوك»كما صرّح به في المنتهى (7)،و يفهم من بعض النصوص لكن مع زيادة عليه (8).

ص:48


1- منهم:صاحب المدارك 4:167،و المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
2- نقله عنه في الذكرى:59.
3- ليس في«ح»،«ش»،«ل».
4- الكافي 3:1/185،التهذيب 3:442/193،الاستبصار 1:1843/476،الوسائل 3: 88 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 1.
5- الكافي 3:1/178،الفقيه 1:495/107،التهذيب 3:475/203،الوسائل 3:89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.
6- منهم:المحقق السبزواري في الكفاية:22،و الذخيرة:328.
7- المنتهى 1:454.
8- التهذيب 3:1034/330،الوسائل 3:65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.

و في الخلاف دعوى الإجماع عليه (1)؛و هو الحجّة،مضافا إلى بعض المعتبرة و لو بالشهرة،و فيه:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى على ميّت كبّر و تشهّد،ثمَّ كبّر و صلّى على الأنبياء و دعا،ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين،ثمَّ كبّر الرابعة و دعا للميت،ثمَّ كبّر خامسة و انصرف» (2).

و يؤيده بعض الصحاح المتقدمة (3)،و الرضوي:«و ارفع يديك بالتكبير الأول و قل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّ الموت حق،و الجنة حق،و النار حق،و البعث حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أنّ اللّه يبعث من في القبور.

ثمَّ كبّر الثانية:و قل:اللّهم صلّى على محمد و آل محمد،و بارك على محمد و آل محمد،و ارحم محمدا و آل محمد،أفضل ما صلّيت و باركت و رحمت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين،إنك حميد مجيد.

ثمَّ تكبّر الثالثة و تقول:اللّهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات،الأحياء منهم و الأموات،و تابع بيننا و بينهم بالخيرات، إنّك مجيب الدعوات و وليّ الحسنات،يا أرحم الراحمين.

ثمَّ تكبّر الرابعة و تقول:اللّهم إنّ هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بساحتك و أنت خير منزول به،اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلم به منّا، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه،و إن كان مسيئا فتجاوز عنه،و اغفر لنا و له،اللّهم احشره مع من يتولاّه و يحبّه،و أبعده ممّن يتبرأ و يبغضه،اللّهم ألحقه

ص:49


1- الخلاف 1:724.
2- الكافي 3:3/181،الفقيه 1:469/100،التهذيب 3:431/189،الوسائل 3:60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1 بتفاوت يسير.
3- في ص 46.

بنبيك و عرّف بينه و بينه،و ارحمنا إذا توفّيتنا يا إليه العالمين.

ثمَّ تكبّر الخامسة و تقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ [1] .و لا تسلّم و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال» (1).

لكنه في مواضع أخر تضمن أدعية أخر مختلفة الكيفية مع هذا الدعاء، و بعضها مع بعض.

و الصحيح السابق تضمّن في التكبير الأول بدل التشهد التحميد و التمجيد،و الرواية الأولى غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة حتى على القول بوجوب التأسي في العبادة؛إذ هو حيث لا يعارض الكيفية المنقولة من فعله صلّى اللّه عليه و آله كيفية أخرى مخالفة،مع أنها كما عرفت من الصحيحة منقولة.

فلم يبق إلاّ الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة.و في مقاومة الظن الحاصل منه للظن الحاصل من جميع الأخبار الواردة في المسألة مختلفة الكيفية مناقشة،سيّما مع تصريح ما مرّ من المعتبرة بأنه ليس فيها دعاء موقّت و لا قراءة،بل لعلّ الظن الحاصل منها أقوى و إن كان ما ذكره الجماعة أحوط و أولى خروجا عن شبهة الخلاف فتوى بل رواية،و تحصيلا للبراءة اليقينية مهما أمكن،و لعلّه الوجه فيما في المتن و غيره من الأفضلية.

و قيل في وجهها:دلالة الرواية المشهورة عليها؛لقوله:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفعل،فإنه يشعر بالدوام و المواظبة،و أقلّه الرجحان (2).و فيه ما عرفته.

ص:50


1- فقه الرضا(عليه السلام):177،المستدرك 2:247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
2- المدارك 4:168.

و العماني و الجعفي (1)جعلا الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة،و إن اختلف عبارتهما في تأدية كيفية الأدعية.

قال الفاضل:و كلاهما جائز (2).

و في الذكرى:قلت:لاشتمال ذلك على الواجب،و الزيادة غير منافية، مع ورود الروايات بها،و إن كان العمل بالمشهور أولى.و ينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم عليهم السلام (3).انتهى.و هو حسن.

و قيل:الأولى العمل بما في الصحاح من تكرار الدعاء له عقيب كل تكبيرة،بل تكرار التشهد و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله أيضا كما في أكثرها (4).

و لعلّه لصحة السند،إلاّ أنّ الأفضل ما قدّمنا؛فإنّ دفع الشبهة و موافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى.

ثمَّ إنّ هذا كلّه في المؤمن،و أمّا غيره فسيأتي الكلام في الدعاء له أو عليه.

و ليست الطهارة من الحدث من شرطها بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و الروضة (5)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (6).

ص:51


1- نقله عنهم في الذكرى:59.
2- انظر المختلف:119.
3- الذكرى:59.
4- المفاتيح 2:168.
5- الخلاف 1:724،التذكرة 1:49،المنتهى 1:455،الذكرى:60،روض الجنان:309، الروضة 1:141.
6- الوسائل 3:110 أبواب صلاة الجنازة ب 21.

و علّل في الموثق منها بأنه:«إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تسبح و تكبر في بيتك على غير وضوء» (1).

و في الرضوي:«لأنه ليس بالصلاة،إنما هو التكبير،و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود» (2).

و ربما يفهم منهما عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضا كما صرّح به بعض الأصحاب (3)-و إن تردّد فيه الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (4)-و يعضده إطلاق المعتبرة المستفيضة بجواز صلاة الحائض (5)مع عدم طهارتها عن الخبث غالبا.

و هي أي الطهارة من فضلها للنص:«تكون على طهر أحبّ إليّ» (6).

و لا يجوز أن يتباعد المصلّي عن الجنازة بما يخرج به عن كونه مصلّيا عليها أو عندها في العادة للتأسي،و عدم تيقّن الخروج عن العهدة من دونه.

و لا يصلّى على الميت إلاّ بعد تغسيله و تكفينه إلاّ أن يكون شهيدا، و لا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى (7).

و في المدارك:إنه قول العلماء كافة،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله هكذا

ص:52


1- تقدّم مصدره في ص 48.الهامش(5).
2- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
3- كصاحب المدارك 4:172.
4- الذكرى:61.
5- الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
6- الكافي 3:3/178،التهذيب 3:476/203،الوسائل 3:110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.
7- المنتهى 1:456.

فعل،و كذا الصحابة و التابعون،فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرّما (1).

و في التفريع على إطلاقه نظر.و الأولى تبديله بما في المنتهى و غيره (2)من قوله:فلو صلّى قبل ذلك لم يعتدّ بها،لأنه فعل غير مشروع فيبقى في العهدة.

هذا مع الإمكان،و إلاّ قام التيمم مقام الغسل في اعتبار الترتيب،فإن تعذّر سقط.

و لو كان الميت عاريا فاقد الكفن جعل في القبر بعد تغسيله، أو ما في حكمه و سترت عورته،ثمَّ يصلّى عليه بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في ظاهر المدارك و الذخيرة (3)؛للموثق (4)و غيره (5).

و ذكر الشهيدان أنه إن أمكن ستره بثوب صلّي عليه قبل الوضع في اللحد (6)؛و يدل عليه الخبر الأخير:«إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحضروا قبره و يضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب،ثمَّ يصلّون عليه،ثمَّ يوارونه في قبره».

و هو حسن إن أريد به الجواز،و إلاّ فالوجوب مشكل،لضعف السند،مع الأصل،و إطلاق الموثق.نعم هو لعلّه أحوط.

ص:53


1- المدارك 4:173.
2- المنتهى 1:456؛و انظر كشف اللثام 1:125.
3- المدارك 4:173،الذخيرة:333.
4- الكافي 3:4/214،الفقيه 1:482/104،التهذيب 3:406/179،الوسائل 3:131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
5- التهذيب 3:1023/328،المحاسن:12/303،الوسائل 3:132 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 2.
6- انظر الذكرى:53.

و سننها أمور:

منها وقوف الإمام أو المصلّي وحده عند وسط الرجل و صدر المرأة على الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (1)؛للخبرين (2).

خلافا للشيخ في الاستبصار،فيقف عند رأس المرأة و صدر الرجل (3)للخبر (4).

و فيه مع ضعف السند عدم المكافأة لما مرّ.

و له في الخلاف فعكس ما في الاستبصار،قال:للإجماع (5).

و وهنه ظاهر لكل ناظر،لعدم ظهور قائل به عدا والد الصدوق كما حكاه في المختلف (6)،و هو نادر.و حكى فيه عن المقنع إطلاق الوقوف عند الصدر، و مستنده غير واضح.

و ظاهر النصوص الوجوب،و لضعفها حملت على الاستحباب؛مضافا إلى الأصل،و الإجماع على عدمه فيما أعرفه،و في المنتهى هذه الكيفية

ص:54


1- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
2- الأول: الكافي 3:1/176،التهذيب 3:433/190،الاستبصار 1:1818/470،الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1. الثاني: الكافي 3:2/177،التهذيب 3:432/190،الاستبصار 1:1817/470،الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
3- الاستبصار 1:470.
4- التهذيب 3:432/190،الاستبصار 1:1817/470،الوسائل 3:119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
5- الخلاف 1:731.
6- المختلف:119.

مستحبة بلا خلاف عندنا (1).

و لو اتفقا جعل الرجل إلى ما يلي الإمام،و المرأة إلى القبلة بلا خلاف فيه أجده،و به صرّح جماعة (2)،بل عليه الإجماع في الخلاف و المنتهى و غيرهما (3)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:

عن الرجال و النساء كيف يصلّي عليهم؟فقال:«يجعل الرجل وراء المرأة و يكون الرجل ممّا يلي الإمام» (4).

و أما الواردة بالعكس (5)فمع قصور سندها بل ضعفها شاذة مطرحة أو محمولة على التقية،فقد حكاه في المنتهى عن بعض العامة (6)،مع احتمال بعضها الحمل على ما دلّت عليه المستفيضة.

و ظاهرها و إن أفاد الوجوب إلاّ أنه محمول على الاستحباب؛لعدم الخلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7)،و في الغنية الإجماع عليه (8)؛و للصحيح:«لا بأس بأن يقدّم الرجل و تؤخّر المرأة و يؤخّر الرجل و تقدّم المرأة» (9).

ص:55


1- المنتهى 1:456.
2- منهم:الشهيد في الذكرى:62،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:126.
3- الخلاف 1:722،المنتهى 1:457؛نهاية الإحكام 2:265.
4- التهذيب 3:1006/323 و فيه:يجعل الرجل و المرأة،الاستبصار 1:1823/471،الوسائل 128/3 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.
5- التهذيب 3:1008/323،الاستبصار 1:1825/472،الوسائل 3:127 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 4،5،7،8.
6- المنتهى 1:457.
7- المنتهى 1:456.
8- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
9- الفقيه 1:493/106،التهذيب 3:1009/324،الاستبصار 1:1828/473،

و ينبغي أن يحاذي بصدرها وسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة منهما.

و ربما يستفاد من جملة من النصوص خلافه،ففي الموثق:«يقدّم الرجل قدّام المرأة قليلا،و توضع المرأة أسفل من ذلك عند رجليه،و يقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا» (1).

و في آخر:«يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل» (2).

و لو اجتمع معهما ثالث و كان طفلا ف الفضل أن يجعل من ورائها إلى القبلة إن لم يبلغ ستا،و إلاّ فقدّامها ممّا يلي الرجل،وفاقا لجماعة و منهم الشيخ في الخلاف (3)،تلويحا في الأول،و تصريحا في الثاني،مدّعيا الإجماع عليه؛و هو الحجة فيه،مضافا إلى المرسل كالموثق:في جنائز الرجال و الصبيان و النساء،قال:«توضع النساء ممّا يلي القبلة،و الصبيان دونهم، و الرجال دون ذلك،و يقوم الإمام ممّا يلي الرجال» (4).

و أما الأول فقد علّل بأمر اعتباري لا بأس به في إثبات الاستحباب،سيّما مع اعتضاده بما قدّمناه من التأمل في استحباب الصلاة على نحو هذا الصبي (5)، بل مقتضاه لزوم الترتيب حيث يستلزم عكسه البعد العرفي للإمام أو الميت الذي

ص:56


1- التهذيب 3:435/191،الوسائل 3:127،أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 8.
2- الكافي 3:2/174،التهذيب 3:1004/322،الاستبصار 1:1827/472،الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 2.
3- الخلاف 1:722؛المنتهى 1:457،جامع المقاصد 1:420.
4- الكافي 3:5/175،التهذيب 3:1007/323،الاستبصار 1:1824/472،الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.
5- راجع ص 36 و 37. الوسائل 3:126 أبواب صلاة الجنازة 32 ح 6.

يليه عن المرأة؛لما عرفت سابقا من وجوب فقده.

و ممّا ذكرناه ظهر ضعف إطلاق القول بجعله وراءها كما في ظاهر العبارة و غيرها و عن النهاية (1)،و بعكسه كما عن الصدوقين (2)،مع عدم وضوح مستندهما،عدا الثاني فله إطلاق المرسل المتقدم،و في شموله للصبي الذي لم يبلغ الستّ إشكال،سيّما بعد ظهور الأخبار-كما مضى-في عدم شرعية استحباب الصلاة عليه،فيمكن تنزيله على غيره،كما يمكن تنزيل إطلاق الصدوقين عليه،لما يظهر من الفقيه من قوله بمضمون تلك الأخبار (3).

و ربما ينزل إطلاق العبارة و غيرها على الصبي الذي لم يبلغ الستّ،و به نصّ الماتن في المعتبر و شيخنا في روض الجنان (4).

و على التنزيل فلا خلاف و لا بحث.لكن ظاهر المعتبر القول بما عليه الصدوقان حتى في غير البالغ ستا،استنادا إلى إطلاق الرواية،قال:و هي و إن كانت ضعيفة لكنها سليمة عن المعارض.

و في المدارك و غيره (5)بعد نقله:و لا بأس به.

و هي لما عرفته ضعيفة غايته.

و يستفاد من هذه الأخبار و ما في معناها و كلمة الأصحاب و الإجماع المنقول جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة،و في المنتهى:إنه لا نعرف فيه خلافا (6).

ص:57


1- النهاية:144.
2- الصدوق في المقنع 21،و حكاه عن أبيه في الفقيه 1:107.
3- الفقيه 1:104،105.
4- المعتبر 2:354،روض الجنان:309.
5- المدارك 4:176؛و انظر الذخيرة:332.
6- المنتهى 1:456.

لكن استشكل جماعة ذلك فيما إذا كان فيهم صبي لم تجب الصلاة عليه،لاختلاف الوجه (1).

و يندفع بالنص كما في تداخل الأغسال،هذا على القول باعتبار قصد الوجه و ثبوت استحباب الصلاة على هذا الصبي،و إلاّ-كما هو الأقوى-فلا إشكال من أصله.

و منها وقوف المأموم هنا وراء الإمام و لو كان واحدا و تفرد الحائض بصف،للنصوص (2).و النفساء كالحائض،لمساواتها لها في جميع الأحكام إلاّ ما استثني.

و منها أن يكون المصلّي متطهرا لما مضى.

حافيا كما هنا و عن القاضي،و في المعتبر و المنتهى (3)،قالا:لأنه موضع اتّعاظ فكان التذلل فيه أنسب بالخشوع،و لما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمه اللّه تعالى على النار» (4).

و عبّر الأكثر باستحباب نزع النعلين خاصة،و في المدارك:إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (5)،و نحوه في الذخيرة (6).

و قد صرّح جماعة بعدم البأس بالخف (7)،للنص:«لا يصلّى على الجنازة

ص:58


1- منهم:العلاّمة في التذكرة 1:50،و صاحب المدارك 4:176.
2- الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22.
3- القاضي في المهذّب 1:130،المعتبر 2:355،المنتهى 1:455.
4- مسند أحمد 5:226،سنن الترمذي 3:1682/92.
5- المدارك 4:178.
6- الذخيرة:332.
7- منهم:الشهيدان في الذكرى:61،و الروض:310.

بحذاء،و لا بأس بالخف» (1).

و هو مناف لما أطلقه الماتن،و به صرّح في الذكرى فقال:استحباب التحفّي يعطي استحباب نزع الخف،و الشيخ و ابن الجنيد و يحيى بن سعيد استثنوه،و الخبر ناطق به (2).

و في روض الجنان بعد ذكر ما في المتن قال:إنه غير مناف لنفي البأس عن الخف،لأنه مستثنى من المكروه،و لا يلزم منه عدم استحباب التحفي الذي هو مبحث المحقّق (3).

و في الرضوي:«و لا يصلّى على الجنازة بنعل حذو» (4).

و عن المقنع الفتوى بظاهره حتى في المنع،لكنه رواه بلفظ«لا يجوز»عن محمّد بن موسى الهمداني،و حكى عن شيخه تضعيفه برؤية،و ردّه بلزوم العمل بالخبر الضعيف إذا خلا عن المعارض كما نحن فيه (5).و هو ضعيف.

رافعا يديه بالتكبير كلّه أي بالتكبيرات الخمس أجمع،بلا خلاف في الأولى منها،بل عليه إجماع العلماء كافة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (6).

و على قول في البواقي أيضا،اختاره الماتن هنا و في المعتبر و الشرائع (7)، و الفاضل في المنتهى و الإرشاد،و غيرهما (8)،تبعا للشيخ في التهذيبين و والد

ص:59


1- الكافي 3:2/176،التهذيب 3:491/206،الوسائل 3:118 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.
2- الذكرى:62.
3- روض الجنان:310.
4- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
5- المقنع:106.
6- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):502،و المحقق في الشرائع 1:106،و العلاّمة في النهاية 2:265،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:426.
7- المعتبر 2:355،الشرائع 1:106.
8- المنتهى 1:455،الإرشاد 2:448،و انظر نهاية الإحكام 2:265.

الصدوق فيما حكي عنه (1)،و هو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين (2)،للصحيح (3)،و غيره (4).

خلافا للأكثر على ما حكاه جمع (5)فخصّوه بالأولى،للموثق (6)، و غيره (7)،و حملا في التهذيبين على التقية،و يشهد له الخبر:سألت الرضا عليه السلام قلت:جعلت فداك،إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى و لا يعرفون فيما بعد ذلك،فأقتصر في التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يديّ في كل تكبيرة؟فقال:ارفع يديك في كل تكبيرة» (8).

لكنه ضعيف السند مع عدم وضوح الجابر،و العامة مختلفة في المسألة كالخاصة و إن كان أكثرهم و منهم أبو حنيفة على المنع (9)،فإنّ غاية الكثرة إفادة المظنة،و في مقاومتها للظن الحاصل من الشهرة المرجحة مناقشة واضحة،بل

ص:60


1- التهذيب 3:194،الاستبصار 1:478،و حكاه عن والد الصدوق في التنقيح 1:248.
2- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:448،و صاحب المدارك 4:179، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:130.
3- التهذيب 3:445/194،الاستبصار 1:1851/478،الوسائل 3:92 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.
4- الكافي 3:5/184،التهذيب 3:446/195،الاستبصار 1:1852/478،الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
5- منهم الشهيد في الذكرى:63،و صاحب المدارك 4:178.و المحقق السبزواري في الذخيرة:333.
6- التهذيب 3:443/194،الاستبصار 1:1854/479،الوسائل 3:93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 4.
7- التهذيب 3:444/194،الاستبصار 1:1853/478،الوسائل 3:93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.
8- الكافي 3:5/184،التهذيب 3:446/195،الاستبصار 1:1852/478،الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
9- انظر المغني لابن قدامة 2:370.

هي أولى بالترجيح بمراتب عديدة،فيرجح بها الضعيفة-فضلا عن الموثقة- على الصحيحة الغير المعتضدة بها،سيّما و أنّ الشيخ القائل بها في الكتابين قد رجع عنها في المبسوط (1)إلى القول الآخر،فلعلّه الأظهر،سيّما و أنّ في صريح الغنية و السرائر و عن القاضي في شرح الجمل (2)الإجماع عليه،و إن كان ما في المتن أولى بقاعدة المسامحة في أدلة السنن،سيّما مع كونه مشهورا بين المتأخرين.

داعيا للميت المكلّف بما مضى و نحوه ممّا ورد في الصحاح و غيرها (3)في التكبيرة الرابعة أي بعدها إن كان مؤمنا.

و الأصح وجوبه كما مضى،و إنما جعله الماتن من السنن بناء على مختاره من استحباب أصل الدعاء.

و يحتمل كون المسنون هنا إيقاعه بعد الرابعة لا نفس الدعاء،و لكنه خلاف الظاهر،و لذا نسب الماتن في ظاهر المتن إلى القول باستحباب أصل الدعاء (4).

و عليه إن كان منافقا أي مخالفا للحق مطلقا،كما في ظاهر العبارة و غيرها (5)و الصحيح:«فإن كان جاحدا للحق فقل:اللّهم املأ جوفه نارا و قبره نارا،و سلّط عليه الحيّات و العقارب» (6).

ص:61


1- المبسوط 1:185.
2- الغنية(و الجوامع الفقهية):564،السرائر 1:356،شرح جمل العلم و العمل:158.
3- الوسائل 3:60 أبواب صلاة الجنازة ب 2.
4- نسبه إليه المحقق السبزواري في الذخيرة:328.
5- انظر الشرائع 1:106،و نهاية الإحكام 2:268،و المفاتيح 2:168.
6- الكافي 3:5/189،الوسائل 3:71 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

و فسّره بعضهم بالناصب (1).قيل:و به عبّر في المبسوط (2).و زاد في النهاية المعلن به (3)،و هو ظاهر مورد أكثر النصوص،منها الصحيح:«إذا صلّيت على عدوّ اللّه تعالى فقل:اللّهم إنّ فلانا لا نعلم إلاّ أنه عدوّ لك و لرسولك،اللّهم فاحش قبره نارا و احش جوفه نارا و عجّل به إلى النار،فإنه كان يتولّى أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك،اللّهم ضيّق عليه قبره، فإذا رفع فقل:اللّهم لا ترفعه و لا تزكّه» (4).

و قريب منه الآخر و غيره الواردان في صلاة الحسين عليه السلام على المنافق (5).

و ظاهر هذه النصوص و لا سيّما الأولين وجوب الدعاء هنا أيضا كما هو ظاهر جماعة،و منهم الشهيد في البيان و اللمعة (6).

خلافا له في الدروس و الذكرى (7)فلم يوجبه،قال:لأن التكبير عليه أربع،و بها يخرج عن الصلاة.

و يضعّف بأن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة.

و فيه نظر،لدعوى الشيخ الإجماع (8)،و دلالة النصوص على وجوب الدعاء للميت بعدها كما مرّ،و في بعض النصوص:«و تدعو في الرابعة

ص:62


1- ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:424.
2- المبسوط 1:185.
3- النهاية:145.
4- الكافي 3:4/189،الفقيه 1:491/105،الوسائل 3:69 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 1.
5- الكافي 3:188،2/189،3،الفقيه 1:490/105،التهذيب 3:453/197،قرب الإسناد: 190/9،الوسائل 3:70 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 2،6.
6- البيان:76،اللمعة(الروضة 1):139.
7- الدروس 1:113،الذكرى:60.
8- كما في الخلاف 1:724.

لميتك» (1)و لا قائل بالفرق.

و بالجملة:مبنى هذا القول على ذلك كما هو المشهور،فتأمل،هذا.

و في جملة من المعتبرة التصريح بعدم الدعاء له في الرابعة معلّلة بكونه منافقا،و منها-زيادة على الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة في أول بحث الكيفية (2)-الرواية التي هي مستند الأصحاب في وجوب الأدعية المخصوصة المتقدمة،و فيها بعد صدرها المتقدم ثمة:«فلمّا نهاه اللّه تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهّد،ثمَّ كبّر و صلّى على النبيين عليهم السلام،ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين،ثمَّ كبّر الرابعة و انصرف و لم يدع للميت» (3)و الجمع بينها و بين النصوص المتقدمة يقتضي حملها على الاستحباب، لأنّ هذه صريحة و تلك ظاهرة.

و أمّا ما يقال في الجمع بينها بحمل تلك على المخالف و هذه على المنافق،كما يقتضيه اعتبار سياقهما و موردهما و إن أطلق في جملة من تلك المنافق،لكون المقصود منه المخالف،لشيوع إطلاقه عليه في النصوص و الفتاوي.

فلعلّه إحداث قول،مع قوة احتمال عدم الفرق بينهما،فتأمل،و لا ريب أن ما ذكره أحوط.

و بدعاء المستضعفين و هو:«اللهم اغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم»كما في الصحاح و غيرها (4)إن كان مستضعفا و هو:

ص:63


1- التهذيب 3:440/193،الاستبصار 1:1844/477،الوسائل 3:64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 8.
2- راجع ص 46.
3- تقدّم مصدرها في ص 49 الهامش 2.
4- الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3.

من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب،و لا يبغض أهل الحق على اعتقادهم، كما عن الحلي (1).

و في الذكرى و الروضة:إنه الذي لا يعرف الحق و لا يعاند فيه و لا يوالي أحدا (2).

و فيها عن المفيد في العزّية:إنه الذي يعترف بالولاء و يتوقف عن البراءة (3).

و هذه التفاسير متقاربة،و به صرّح جماعة (4).

و قيل:إنه الذي لا يعرف الولاية و لا ينكر (5)،كما يفهم من الأخبار،و منها الصحيح الوارد في المضمار:«و إن كان واقفا مستضعفا فكبّر و قل:اللهم»إلى آخر الدعاء (6).

بناء على أنّ الظاهر أنّ المراد من الواقف المتحير في دينه لا الواقف بالمعنى المشهور.

و لكن في روض الجنان روى بدل«واقفا»:«منافقا»و قال بعد نقله:و في هذا الخبر دلالة على أنّ المنافق هو المخالف مطلقا،لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفا،فكيف يخصّ بالناصب،و على أنّ المستضعف لا بد أن يكون مخالفا،فيقرب حينئذ تفسير ابن إدريس،كما يسقط قول بعضهم إنّ المراد به

ص:64


1- السرائر 1:84.
2- الذكرى:59،الروضة 1:138.
3- نقله عن العزّية في الذكرى:59.
4- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:307،و المحقق السبزواري في الذخيرة:330.
5- الحدائق 10:443.
6- الكافي 3:2/187،التهذيب 3:450/196،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

من لا يعرف دلائل اعتقاد الحق و إن اعتقده،فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمنا و إن لم يعرف الدليل التفصيلي (1)انتهى.

و منه يظهر قول رابع في تفسيره و إن لم يشتهر،و لعلّه لضعفه كما ذكره و صرّح به في الذخيرة،فقال بعد نقله:و الظاهر أنه ليس بجيّد،لدخول هذا القسم في المؤمن على الظاهر،و يؤيده ما رواه الكليني في كتاب الإيمان و الكفر في باب المستضعف،عن إسماعيل الجعفي،عن أبي جعفر عليه السلام في جملة حديث قلت:فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟فقال:«لا إلاّ المستضعف»قلت:من هم؟قال:«نساؤكم و أولادكم»ثمَّ قال:«أرأيت أمّ أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة،و ما كانت تعرف ما أنتم عليه» (2).

و أورد الكليني في الباب المذكور و الذي قبله أخبارا نافعة في تحقيق معنى المستضعف،من أراد فليرجع إليه (3).

و بأن يحشره مع من يتولاّه و أحبّه إن جهل حاله و لم يعرف مذهبه كما يستفاد من بعض النصوص (4)،و في بعض الصحاح يدعو له بدعاء المستضعف (5).

و في آخر:«و إذا كنت لا تدري ما حاله فقل:اللّهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه» (6).

و ذكر جماعة (7)أنّ الظاهر أنّ معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله

ص:65


1- روض الجنان:307.
2- الكافي 2:6/405.
3- إلى هنا كلام الذخيرة:330.
4- الفقيه 1:489/105،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
5- الكافي 3:1/186،الوسائل 3:67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 2.
6- الكافي 3:3/187،الفقيه 1:491/105،الوسائل 3:68 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.
7- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:438،و الشهيد الثاني في روض الجنان:307،و المحقق السبزواري في الذخيرة:330.

كاف في إلحاقه بهم.

و يقول في الدعاء على الطفل المتولد من مؤمنين أو من مؤمن بقوله اللّهم اجعله لنا و لأبويه سلفا و فرطا و أجرا كما في الخبر (1).

و الفرط-بفتح الراء-في أصل الوضع:المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه ممّا يتعلق بالماء (2).

و الظاهر أن المراد بالطفل هنا من لم يبلغ الحلم و إن وجبت الصلاة عليه كما صرّح به في الروضة و روض الجنان (3)،و علّله فيه بعدم احتياج من كان كذلك إلى الدعاء له،و ليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر.

و منها:أن يقف المصلّي موقفه و لا يبرح عنه حتى ترفع الجنازة من بين يديه،للنصوص،و منها الرضوي (4).

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المصلّي إماما أو غيره،كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها أيضا،و به صرّح جماعة (5)،قالوا:نعم لو اتفق صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة.

و خصّه الشهيد-رحمه اللّه-بالإمام تبعا للإسكافي (6)،و مستنده مع إطلاق النص غير واضح.

و منها:إيقاع الصلاة في المواضع المعتادة لذلك،إمّا تبركا بها،

ص:66


1- التهذيب 3:449/195،الوسائل 3:94 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.
2- نهاية ابن الأثير 3:434.
3- الروضة 1:139،روض الجنان:308.
4- فقه الرضا(عليه السلام):187،المستدرك 2:247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
5- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:38،و المحقق السبزواري في الذخيرة:331،و صاحب الحدائق 10:442.
6- الذكرى:64،و نقله فيه عن الإسكافي،الدروس 1:113.

لكثرة من صلّى فيها،و إمّا لتكثير المصلّين عليه،فإنه أمر مطلوب،لرجاء مجاب الدعوة فيهم.

و في النبوي:«ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون باللّه شيئا إلاّ شفّعهم اللّه فيه» (1).

و في الصحيح:«إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا:اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلم به منّا،قال اللّه تبارك و تعالى:قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما أعلم ممّا لا تعلمون» (2).

و تكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين فصاعدا على المشهور كما في المختلف و غيره (3)،و في الغنية الإجماع عليه (4)،و كذا عن الخلاف في الجملة (5).

للخبرين:«إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله صلّى على جنازة،فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا:فاتتنا الصلاة عليها،فقال:إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرتين،ادعوا له و قولوا خيرا» (6).

و لضعف سندهما حملا على الكراهة،مضافا إلى الاتفاق على الجواز في الظاهر المصرّح به في المدارك (7)،مع تصريح الموثقين (8)و غيرهما

ص:67


1- مسند أحمد 1:277،صحيح مسلم 2:59/655.
2- الكافي 3:14/254،الفقيه 1:472/102،الوسائل 3:285 أبواب الدفن ب 90 ح 1.
3- المختلف:120،و انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:453.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
5- الخلاف 1:726.
6- التهذيب 3:1010/324،1040/332 الاستبصار 1:1878/484،1879/485، الوسائل 3:87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23،24.
7- المدارك 4:183.
8- التهذيب 3:1045/334،1046،الاستبصار 1:1874/484،1875،الوسائل 3:86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19،20.

بالجواز،و إن اختص ظاهر أحدهما و صريح الآخر بمن لم يدرك الصلاة عليها، لعدم القائل بالفرق.

و ليس في ظاهرهما الاستحباب حتى ينافي الخبرين،لردّ الأمر في أحدهما بالصلاة عليها ثانيا إلى المشيئة،و هو ظاهر في كونه للإباحة و الرخصة ردّا على من قال بالحرمة من العامة كمالك و أبي حنيفة (1)،و يجعل هذا قرينة على صرف الأمر في الآخر إلى ذلك.

ثمَّ إنّ إطلاق الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو صلّيت ثانيا جماعة أو فرادى.

خلافا للحلّي فخصه بالأولى،لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله فرادى (2).

و فيه:أنّ المستفاد من نصوصها كون المراد بها الدعاء لا التكبيرات المتخلل بينها الأدعية،و أنها وقعت من الأمير و أهل البيت خاصة.

و لا بين ما لو كان المصلّي صلّى أوّلا أم لا و إن وردا في الثاني،فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

خلافا للخلاف فخصّه بالأول (3).

و تدفعه مع ذلك النصوص الدالة على صلاة الأمير عليه السلام على سهل بن حنيف خمسا،و فيها الصحيح و غيره (4)،بل تدفع القول بالكراهة مطلقا،إلاّ

ص:68


1- راجع بدائع الصنائع 1:311.
2- السرائر 1:360،و انظر الوسائل 3 أبواب صلاة الجنازة ب 6 الأحاديث 2،9،10،11،16.
3- الخلاف 1:726.
4- الوسائل 3:أبواب صلاة الجنازة ب 6 الأحاديث 1،5،12،21.

أن يستثنى هذه الواقعة من قضية المنع بما يظهر من بعضها و من نهج البلاغة (1)من كون ذلك لخصوصية فيه،و إليه أشار في المختلف (2)فقال:إنّ حديث سهل بن حنيف مختص به إظهارا لفضله،كما خصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حمزة بسبعين تكبيرة (3).

و منه يظهر ضعف القول باستحباب التكرار على الإطلاق لها و إن احتمله الشيخ في الاستبصار (4).

و لا بين ما لو خيف على الجنازة أو نافى التعجيل أم لا.

خلافا لجماعة (5)،فقيّدوه بالخوف منهما أو من أحدهما على اختلافهم في التقييد.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم الإشكال في الكراهة مطلقا،مضافا إلى جواز التسامح في أدلتها.و القول بأنه يقتضي الاستحباب مدفوع:بعدم ظهور قائل به حتى الشيخ في الاستبصار،فإنه ذكره وجه جمع بين الأخبار لا فتوى،مع أنه جمع بينهما بالكراهة أوّلا،و أمّا باقي الأصحاب المقيدون للمنع بما تقدم من القيودات فظاهرهم اختصاص الكراهة بها و عدمها في غيرها،و هو لا يستلزم الاستحباب فيه،فتأمّل جدّا.

ص:69


1- لم نعثر في نهج البلاغة على ما يدلّ على كيفية صلاة الأمير عليه السلام على سهل بن حنيف، نعم،فيه ما يدلّ على مزيد فضل لحمزة و صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله على جنازته بسبعين تكبيرة.راجع نهج البلاغة(لصبحي صالح):386.
2- المختلف:120.
3- الكافي 3:2/211،الوسائل 3:81 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 3.
4- الاستبصار 1:300.
5- منهم:العلامة في التذكرة 1:51،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:131.
أحكامها

و أما أحكامها فهي أربعة :

الأول من أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي

الأول:من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات و فاته البعض دخل معه في الصلاة عليه،بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1)،و أتم ما بقي منها إجماعا كما في الخلاف (2)،للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:

«إذا أدرك الرجل التكبيرة و التكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي منها متتابعا» (3).

و هو المستند فيما ذكروه من الإتمام ولاء أي من غير دعاء بينها و إن اختلفوا في إطلاقه كما هو ظاهر النص و العبارة و غيرها،أو تقييده بصورة عدم التمكن منه باستلزامه المنافي من البعد و الانحراف عن الميت و القبلة،كما عليه الشهيدان في الذكرى و روض الجنان و الروضة (4)،تبعا للمحكي عن العلاّمة في بعض كتبه (5)،و عن خالي العلاّمة المجلسي إنه مذهب الأكثر (6).

و لعلّه الأظهر،عملا بعموم ما دلّ على وجوب الدعاء،خرج منه صورة الضرورة بالنص و الإجماع.

و ما يقال من أنّ الاتّفاق على الوجوب الكفائي ينفي شمول أدلة الوجوب لموضع النزاع (7)،حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة،

ص:70


1- المنتهى 1:455.
2- الخلاف 1:725.
3- الفقيه 1:471/102،التهذيب 3:463/20،الاستبصار 1:1865/482،الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.
4- الذكرى:63،روض الجنان:313،الروضة 1:141.
5- كما في القواعد 1:20،و نهاية الإحكام 2:270.
6- انظر بحار الأنوار 78:363.
7- الحدائق 10:465.

و ليس كذلك،بل المتعلق هو الصلاة،و ليس الكلام فيه،بل في وجوب الدعاء،و هو في حق من دخل في الصلاة عيني،للأمر به الذي هو حقيقة فيه، و لا إجماع على كفائيته.

نعم،يمكن أن يقال:إنّ عموم ما دلّ على وجوبه معارض بعموم الصحيح المتقدم الآمر بالتتابع،و كما يمكن تخصيصه بذلك كذا يمكن العكس؛فإنّ التعارض بينهما من قبيل تعارض العموم و الخصوص من وجه.

و يضعّف:بمنع العموم في الصحيح؛فإنّ غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكن من الدعاء خاصة كما هو الغالب،و لذا ورد في النص و الفتوى استحباب أن لا يبرح المصلّي عن موقفه إلى أن يرى الجنازة في أيدي الرجال.و مع ذلك فالاحتياط في العبادة يقتضيه.

و يؤيده إشعار بعض النصوص بذلك،فإنّ فيه:سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،فقال:«يتم التكبير و هو يمشي معها،فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر،فإن كان أدركهم و قد دفن كبّر على القبر» (1)إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة.

و لعلّ هذا مراد الشهيدين في بيان وجه الإشعار و إن قصرت عبارتهما عن إفادته،فإنهما قالا:إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن (2).

فإن أرادا به ما تلوناه و إلاّ فضعفه ظاهر،فإنّ معنى قوله عليه السلام:

«فإن كان قد أدركهم و قد دفن»أنه لم يدرك شيئا من التكبيرات مع الإمام،لا أنه أدرك البعض و لم يدرك الباقي حتى دفن.

ص:71


1- التهذيب 3:462/200،الاستبصار 1:1862/481،الوسائل 3:103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 5.
2- الذكرى:63،روض الجنان:313.

و لا يضر ضعف سنده بالجهالة و الإرسال؛لكونه مستند الأصحاب فيما ذكروه من قولهم و إن رفعت الجنازة أتم و لو على القبر فينجبر بذلك؛ مضافا إلى موافقته لباقي الأخبار،و إن كان من غير جهة الإشعار،و ينجبر من هذه الجهة بالموافقة لعموم ما دلّ على وجوب الأدعية كما عرفته.

و من هنا يظهر عدم سقوط الدعاء عن المأموم مطلقا كباقي الأذكار،عدا القراءة في الصلوات الخمس المفروضة.و الظاهر الإجماع عليه فيما إذا كان مع الإمام و لو مسبوقا،قال في المنتهى:إذا فاتته تكبيرة مثلا كبّر أولة و هي ثانية الإمام يتشهد هو و يصلّي الإمام،فإذا كبر الإمام الثالثة و دعا للمؤمنين كبّر هو الثانية و صلّى هو،فإذا كبر الإمام الرابعة و دعا للميت كبّر هو الثالثة و دعا للمؤمنين،و هكذا؛لأنّا قد بيّنا في الفرائض أنّ المسبوق يجعل ما يلحقه أول صلاته (1).انتهى،و لم ينقل فيه خلافا.

الثاني لو لم يصلّ على الميت صلّي على قبره

الثاني:لو لم يصلّ على الميت و دفن بغير صلاة صلّي على قبره وجوبا مطلقا وفاقا لجماعة (2).

لعموم:«لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة» (3)و نحوه،السالم عن المعارض بالكلية،عدا النصوص المستفيضة الناهية عن الصلاة عليه بعد دفنه (4).

و هي غير مصالحة للمعارضة-و إن تضمنت الموثقات و غيرها-أوّلا:

ص:72


1- المنتهى 1:456.
2- منهم العلامة في المختلف:120،و الشهيد في البيان:771،و المحقق السبزواري في الذخيرة:333.
3- التهذيب 3:1026/328،الاستبصار 1:1810/468،الوسائل 3:133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.
4- الوسائل 3 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19،20،و ب 18 ح 5،6،و ب 19 ح 1،و ب 36 ح 2.

بمعارضتها بأصح منها سندا و فيه:«لا بأس بأن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن» (1).

و نحوه نصوص أخر،منها:«إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» (2)و بمعناه الرضوي (3).

و آخر:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا فاتته الصلاة على الميت يصلّي على القبر» (4).

و هذه النصوص مع استفاضتها أيضا أوفق باستصحاب الجواز بل الوجوب حيث يثبت قبل الدفن،و لا قائل بالفرق.و عليه فهو دليل على الوجوب كاف في إثباته و لو لم يكن هناك عموم أو منع بدعوى اختصاصه بحكم التبادر بالميت قبل الدفن،مع أنها فاسدة في العمومات اللغوية.

و ثانيا:بضعف سند جملة منها،و قصورها أجمع عن إثبات المنع مطلقا حتى في محل الفرض،لأن غايتها الإطلاق الغير المنصرف إليه.

و ثالثا:بشذوذها،لدلالتها على المنع مطلقا مع أنّ الأصحاب أطبقوا ظاهرا-و يستفاد من الذكرى أيضا (5)-على الجواز في الجملة و إن اختلفوا في إطلاقه كما عن والد الصدوق و العماني (6)،أو تحديده بما إذا لم يتغير الصورة

ص:73


1- التهذيب 3:466/200،الاستبصار 1:1866/482،الوسائل 3:104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.
2- الفقيه 1:475/103،التهذيب 3:467/201،الاستبصار 1:1867/482،الوسائل 3:104 أبواب،صلاة الجنازة ب 18 ح 2.
3- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:274 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
4- التهذيب 3:468/201،الاستبصار 1:1868/482،الوسائل 3:105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3.
5- الذكرى:55.
6- نقله عنهما في المختلف:120.

كما عن الإسكافي (1)،أو بأيام ثلاثة كما عن الديلمي (2)،و جعله في الخلاف رواية (3)،أو يوما و ليلة حسب كما عن الشيخين و الحلّي و القاضي و ابني زهرة و حمزة (4)،و ادّعى عليه الشهيدان في الذكرى و الروضة (5)الشهرة.

و مع ذلك فهي محتملة للحمل على التقية،فقد حكاه جماعة عن أبي حنيفة (6)،و على فتاويه غالب العامة في جميع الأزمنة،فينبغي حينئذ طرحها، أو حملها على الكراهة فيما إذا صلّي على الميت قبل الدفن،كما هو المتبادر منها،و لعلّ الوجه فيها حينئذ كراهة تكرار الصلاة على الجنازة مرتين كما مضى.لكن ظاهر الأصحاب الجواز من غير كراهة قبل ما حدّدوه من المدة، حيث أطلقوه من غير إشارة إليها،إلاّ أنه يحتمل إحالتهم لها إلى المسألة التي أشرنا إليها،و قصدهم بتحديد المدة إثبات التحريم بعدها.

و على هذا التقريب يصير التحريم بعدها مشهورا كما عزاه إليهم جماعة (7)؛و لم أعرف مستندهم،عدا الأخبار الناهية،و هي-كما عرفت- بإطلاقها شاذة،و مع ذلك فلم يعلم منها و لا من غيرها شيء من التقديرات المذكورة في عبائر الجماعة،و بذلك اعترف الفاضلان في المعتبر و المنتهى و غيرهما (8)،و الجمع بين النصوص المختلفة في المنع و الجواز بذلك فرع

ص:74


1- نقله عنه في المختلف:120.
2- المراسم:80.
3- الخلاف 1:726.
4- المفيد في المقنعة:231،الطوسي في الخلاف 1:726،الحلي في السرائر 1:260، القاضي في المهذّب 1:132،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):564،ابن حمزة في الوسيلة:679.
5- الذكرى:55،لم يصرّح فيه بالشهرة،نعم تستفاد من مجموع كلامه،الرّوضة 1:142.
6- حكاه عنه الشيخ في الخلاف 1:726،و العلامة في المنتهى 1:449.
7- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح 1:251،و الشهيد الثاني في الروضة 1:142.
8- المعتبر 2:358،المنتهى 1:449؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:453.

شاهد عليه و حجة.

و نحوه الجمع بينها بحمل الأولة على ما إذا صلّي عليه فتحرم،و الثانية على ما إذا لم يصلّ عليه فتجب،كما في المختلف (1)؛إذ لا شاهد عليه أيضا، بل و لا وجه له،سيّما مع ظهور الأخبار المجوّزة بحكم التبادر أو غيره في الصورة الأولى التي منع عن الصلاة فيها،مع أنّ مقتضاها نفي البأس،فلا يستفاد منها الوجوب،فتأمل.

و أمّا الجمع بينها بحمل المانعة على الصلاة و المجوّزة على الدعاء خاصة،كما يدل عليه بعض الأخبار المانعة (2)،و فيه الصحيح المقطوع و غيره، فهو و إن حسن من حيث الشاهد عليه و القرينة إلاّ أنه لا قائل به من الطائفة كما عرفته،لأن مرجعه إلى حرمة الصلاة بعد الدفن مطلقا،و هو كما ترى.

و الأولى في الجمع ما ذكرنا؛فإنّ فيه إبقاء للنصوص مطلقا على مواردها المستفاد منها بحكم التبادر،و هو ما إذا صلّي على الميت قبل الدفن؛و صرفا للأخبار المانعة المرجوحة بالإضافة إلى المجوّزة إليها؛مع وضوح الشاهد عليه من الحكم بكراهة تكرار الصلاة على الميت كما قدّمناه.

الثالث يجوز أن تصلّى هذه في كل وقت

الثالث:يجوز أن تصلّى هذه الصلاة في كل وقت و لو كان أحد الأوقات الخمسة المكروهة من غير كراهة؛بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة كالخلاف و المنتهى و التذكرة و غيرها (3)؛و النصوص به مع ذلك بالخصوص مستفيضة و فيها الصحاح و غيرها (4)؛مضافا إلى أنها من ذوات

ص:75


1- المختلف:120.
2- الوسائل 3:104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5،6،7،8.
3- الخلاف 1:721،المنتهى 1:458،التذكرة 1:51؛و انظر المدارك 4:188،و الحدائق 10:474.
4- الوسائل 3:108 أبواب صلاة الجنازة ب 20.

الأسباب فتصلّي في كل وقت كما مرّ.

ما لم يتضيق وقت الحاضرة فتقدم هي لو لم يخف على الجنازة و لا يضيق وقت صلاتها،بلا خلاف فيه،و لا في وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.

و لو تضيّقا معا ففي وجوب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر إطلاق العبارة و صريح جماعة (1)،بل حكى عليه الشهرة خالي العلاّمة المجلسي (2)،أو صلاة الجنازة كما عن ظاهر المبسوط خاصة (3)،قولان،و لعلّ الأول لا يخلو عن قوة.

و لو اتّسعا فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرّح به جماعة (4)؛ للمعتبرة (5).

و في بعض النصوص العكس،و فيه:إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟فقال:«عجّل الميت إلى قبره إلاّ أن تخاف فوت وقت الفريضة» (6).

و هو و إن ضعف سنده إلاّ أنه معتضد بعموم ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز (7)،لكنه معارض بمثله بل بأجود منه كالنص،مع أني لم أر قائلا بمضمون هذا النص و إن حكي عن الماتن التخيير من دون ترجيح

ص:76


1- منهم:العلاّمة في المنتهى 1:458،و الشهيد في الدروس 1:114،و صاحب المدارك 4:189.
2- ملاذ الأخيار 5:614.
3- المبسوط 1:185.
4- منهم:الشيخ في النهاية:146،و الحلّي في السرائر 1:360،و الشهيد في الذكرى:62.
5- الوسائل 3:123 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1،3.
6- التهذيب 3:995/320،الاستبصار 1:1812/469،الوسائل 3:124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 2.
7- الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 47.

للتعارض (1)،فإنه غير القول به.

الرابع لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة تخيّر في الإتمام على الأولى و الاستيناف على الثانية،و في ابتداء الصلاة عليهما

الرابع:لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على اخرى تخيّر (2)المصلّي في الإتمام على الأولى و الاستيناف على الثانية،و في قطع الصلاة على الاولى و ابتداء الصلاة عليهما معا على الأشهر؛للرضوي:«و إن كنت تصلّي على الجنازة و جاءت الأخرى فصلّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات،و إن شئت استأنفت على الثانية» (3).

خلافا للإسكافي (4)،فما في الصحيح:«إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة،و إن شاؤوا رفعوا الاولى و أتموا التكبيرة على الأخيرة،كلّ ذلك لا بأس به» (5).

و مال إليه من المتأخرين جماعة (6)؛لصحة السند،و عدم و فوقهم على مستند الأول،مع مخالفته في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.

قال في الذكرى:نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثمَّ استأنف عليها؛لأنه قطع للضرورة (7).

و هو حسن لو لا ما مرّ من المستند المعتضد بالعمل،فيخصّص به عموم النهي،مع إمكان التأمل في شموله لنحو هذه العبادة،لما ورد في كثير من النصوص من أنها دعاء لا صلاة حقيقة،و قطعه جائز قطعا.

ص:77


1- كما في المعتبر 2:360.
2- في المختصر المطبوع:تخيّر الإمام.
3- فقه الرضا(عليه السلام):179،المستدرك 2:285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
4- كما نقله عنه في الذكرى:64.
5- الكافي 3:1/190،التهذيب 3:1020/327،الوسائل 3:129 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.
6- منهم الشهيد الثاني في الروضة 1:144،المحدث الكاشاني في المفاتيح 2:170.
7- الذكرى:64.

و لعلّه لذا استدل في المنتهى على المختار بأن مع كلّ من هذين الأمرين -و أشار بهما إلى شقّي التخيير-يحصل الصلاة عليهما،و هو المطلوب،ثمَّ قال:و يؤيده الصحيح و ساقه كما مرّ (1).

و ظاهره-كما ترى-أنّ عمدة الدليل هو التعليل لا الصحيح كما قيل (2)و هو إنما يتجه لو جاز القطع،و لا يكون ذلك إلاّ لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محلّ البحث.

ص:78


1- المنتهى 1:458.
2- جامع المقاصد 1:433،الحدائق 9:467.

الصلوات المندوبات

اشارة

و أما الصلوات المندوبات :

ف هي كثيرة جدا ذكر الماتن منها جملة يسيرة.

صلاة الاستسقاء

منها:صلاة الاستسقاء أي طلب السقيا من اللّه عند الحاجة إليها.

و هي مستحبة عند الجدب و غور الأنهار و فتور الأمطار؛بإجماعنا الظاهر،المحكي في التذكرة و غيره (1)،بل العلماء كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (2)؛و للتأسي،و النصوص المستفيضة.

و الكيفية هنا ك هي في صلاة العيدين بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في الخلاف و المنتهى (3)؛و للصحيح:عن صلاة الاستسقاء، قال:«مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما و تكبّر فيهما،يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة،و يبرز معه الناس،فيحمد اللّه تعالى و يمجّده و يثني عليه،و يجتهد في الدعاء،و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد،فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر،و الذي على المنكب الأيسر على الأيمن،فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كذلك فعل» (4).

و لا ريب في شمول المماثلة فيه المماثلة في عدد الركعات و القراءة المستحبة و الكبيرات الزائدة و القنوت بعد كل تكبيرة،إلاّ أنّه يقنت هنا

ص:79


1- التذكرة 1:167؛و انظر البيان:218،و مفاتيح الشرائع 1:35.
2- المنتهى 1:354.
3- الخلاف 1:685،المنتهى 1:354.
4- الكافي 3:2/462،التهذيب 3:323/149،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1.

بسؤال الرحمة و توفير المياه.

و لا يتعين فيه دعاء خاص بل يدعو بما يتيسّر له و أمكنه و إن كان أفضل ذلك الأدعية المأثورة عن أهل العصمة عليهم السلام،فإنهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.

و ظاهر الشهيدين و غيرهما (1)تعميم المماثلة للوقت،فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال،و عزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (2).

مع أنّ المحكي عن الفاضلين (3)التصريح بأنّ لا وقت لها،فأيّ وقت خرج جاز،و ادّعى في نهاية الإحكام و التذكرة (4)الإجماع عليه.

و هو الأوفق بالإطلاقات.و المتبادر من المماثلة المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة.

و لكن الأحوط ما ذكروه بلا شبهة و إن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد الفجر (5)،و عن التذكرة بما بعد الزوال،قال:لأنّ ما بعد العصر أشرف (6)؛ لضعفهما في الغاية.

و من سننها:صوم الناس ثلاثا و الخروج يوم الثالث للنص (7)؛المؤيد بما دلّ على استجابة دعاء الصائم (8).

ص:80


1- الشهيد الأول في الذكرى:251،الشهيد الثاني في الروضة 1:319؛و انظر الكافي في الفقه:162،و المختلف:126.
2- الذكرى:251.
3- المحقق في المعتبر 2:364،العلامة في نهاية الأحكام 2:104.
4- نهاية الأحكام 2:104،التذكرة 1:168.
5- حكاه عنه في المختلف:126.
6- التذكرة 1:168.
7- التهذيب 3:320/148،الوسائل 8:8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
8- الوسائل 10:310 أبواب أحكام شهر رمضان ب 18 ح 14.

و أن يكون الخروج يوم الاثنين أو الجمعة مخيرا بينهما كما هنا و في كلام جماعة (1)،أو مرتبا بتقديم الأول و إن لم يتيسر فالثاني كما في الشرائع و كلام آخرين (2).

و الأكثر لم يذكروا سوى الأول (3)؛للنص:قلت له:متى يخرج جعلت فداك؟قال:«يوم الاثنين» (4)و نحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن العسكري عليه السلام (5).

و عكس الحلبي فلم يذكر سوى الثاني (6).

قيل:و لعلّه نظر إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين و أنه يوم نحس لا يطلب فيه الحوائج،و أنّ بني أمية تتبرك به،و يتشاءم به آل محمد صلّى اللّه عليه و آله لقتل الحسين عليه السلام فيه،حتى ورد أنّ من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر مع بني أمية (7)،و أنّ هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين (8).

أقول:لكنهما معتضدان بعمل أكثر الأصحاب و إن اختلفوا في الجمود عليهما أو ضمّ الجمعة،مخيّرا أو مرتبا بينهما،جمعا بينهما و بين ما دلّ على

ص:81


1- منهم العلامة في التذكرة 1:167،و الشهيدان في اللمعة و الروضة 1:319،و المحقق السبزواري في الكفاية:23.
2- الشرائع 1:109؛و انظر التحرير 1:47،و الدروس 1:196،و البيان:218.
3- كالصدوق في المقنع:47،و الطوسي في النهاية:138،و ابن حمزة في الوسيلة:113.
4- الكافي 3:1/462،التهذيب 3:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
5- العيون 2:1/165،الوسائل 8:8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.
6- راجع الكافي في الفقه:162.
7- انظر الوسائل 10:460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3،و ج 11:357 أبواب آداب السفر ب 6 ح 3.
8- الحدائق 10:485.

شرف الجمعة و استجابة الدعاء فيه حتى ورد أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إليه (1).

و كلّ من ساوى بينه و بين الخبرين مكافاة قال بالأول.و من رجّحهما لفتوى الأصحاب-سيّما نحو القاضي و الحلّي (2)اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلاّ بعد قطعيتها-قال بالثاني،و لعلّه الأقوى.

و الإصحار بها إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (3)؛ و للتأسي،و النصوص،و فيها الصحيح و غيره،و فيه:«مضت السنّة أنه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء،و لا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة» (4).

و استثناء مكة مجمع عليه عندنا و عند أكثر أهل العلم كما في المنتهى (5).

و عن الإسكافي إلحاق مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بها (6).و هو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يدفعه بعض النصوص بظاهره (7).

نعم،ذكر الشهيدان أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف و شبهه.

ص:82


1- المقنعة:155،المحاسن:94/58،مصباح المتهجد:230،الوسائل 7:383 أبواب صلاة الجمعة ب 41 ح 1.
2- القاضي في المهذّب 1:144،الحلي في السرائر 1:325.
3- المعتبر 2:363،المنتهى 1:355،الذكرى:251.
4- التهذيب 3:325/150،قرب الإسناد:481/137،الوسائل 8:10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.
5- المنتهى 1:355.
6- نقله عنه في المختلف:126.
7- الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

صلّيت فيه بل في سائر المساجد (1).و لا بأس به.

و ليكن خروجهم إلى الصحراء في حال كونهم حفاة على سكينة و وقار كما يخرج في العيدين،و في الخبر«يمشي كما يمشي يوم العيدين» (2).

مضافا إلى الصحيح المتقدم المصرّح باستحباب الأخيرين.

و استصحاب الشيوخ و لا سيّما أبناء الثمانين و الأطفال و العجائز في المشهور بين الأصحاب،قالوا:لأنهم أقرب إلى الرحمة و أسرع إلى الإجابة.

و في النبوي:«لو لا أطفال رضّع و شيوخ ركّع و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا» (3).

و في آخر:«إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر» (4).

و في الرضوي في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا:«اللّهم ارحمنا بمشايخ ركّع و صبيان رضّع و بهائم رتّع و شبّان خضّع» (5).

و ليكونوا من المسلمين خاصة كما ذكره جماعة (6)،فيمنع من الحضور معهم أهل الذمة و جميع الكفّار.

و زاد الحلّي فقال:و المتظاهرين بالفسوق و المنكر و الخداعة من أهل

ص:83


1- الذكرى:251،روض الجنان:324.
2- الكافي 3:1/462،التهذيب 3:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
3- سنن البيهقي 3:345،الجامع الصغير(للسيوطي)2:443 بتفاوت يسير.
4- الذكرى:251،و انظر مسند احمد 2:89(و فيه:إذا بلغ الرجل التسعين).
5- فقه الرضا(عليه السلام):154،المستدرك 6:181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
6- منهم:العلامة في المنتهى 1:355،و الشهيد الثاني في روض الجنان:324.

الإسلام (1).

قال في المنتهى:لأنهم أعداء اللّه تعالى و مغضوب عليهم و قد بدّلوا نعمة اللّه تعالى كفرا فهم بعيدون من الإجابة،قال اللّه تعالى وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ [1] (2)ثمَّ ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل (3)، و رجّح عدم المنع (4).

قيل (5):و يعضده خروج المنافقين مع النبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ،و كذا خروج المخالفين مع الرضا عليه السلام كما تضمنه بعض النصوص (6)فإنهم الأكثر يومئذ.

و يعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ اللّه تعالى ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحبّ سماع صوته و تضرعه و إلحاحه،و عجّل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته (7).

على أنهم يطلبون ما ضمنه اللّه تعالى لهم من رزقهم و هو سبحانه لا يخلف الميعاد.

و التفريق بين الأطفال و أمهاتهم كما ذكره جماعة (8)،قالوا:

استجلابا للبكاء و الخشوع بين يدي اللّه تعالى،فربما أدركتهم الرحمة بلطفه.

و أن تصلّى جماعة للتأسي،و ظواهر النصوص.و تجوز فرادى

ص:84


1- السرائر 1:325.
2- الرعد:14.
3- الفقيه 1:1502/334.
4- المنتهى 1:355.
5- الحدائق 10:488.
6- العيون 2:1/165،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
7- الوسائل 7:61 أبواب الدعاء ب 21.
8- العلامة في التذكرة 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:325.

بإجماعنا،بل أهل العلم كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (1).

و تحويل الإمام الرداء بأن يجعل الذي على يمينه على يساره و بالعكس كما في الصحيح و غيره مستفيضا (2).

و ظاهرها-بعد حمل مطلقها على مقيدها-استحبابه من الإمام مرّة واحدة بعد الصلاة و صعود المنبر كما عليه الأكثر.

خلافا لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة (3)،و لآخر فأثبته للمأموم أيضا (4)،و لجماعة فاستحبّوه ثلاث مرات (5).و لم نعرف لشيء من ذلك مستندا واضحا.

و استقبال القبلة حال كونه مكبّرا مائة مرة رافعا بها صوته، و إلى اليمين مسبّحا،و إلى اليسار مهلّلا،و عند استقبال الناس حامدا (6)كل ذلك مائة مرة رافعا بها صوته،على المشهور المأثور في الخبرين (7).

خلافا للمفيد و جماعة (8)في ذكر اليسار و استقبال الناس،فيحمد في الأول و يستغفر في الثاني،كلا منهما مائة مرة.

ص:85


1- المنتهى 1:356.
2- الوسائل 8:9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3.
3- كالصدوق في الفقيه 1:334،و العلامة في التذكرة 1:168.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:135،و العلامة في التذكرة 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:325.
5- منهم:المفيد في المقنعة:208،و سلاّر في المراسم:83،و القاضي في المهذّب 1:144.
6- في المختصر المطبوع:داعيا.
7- الكافي 3:1/462 و ذيله،التهذيب 1:322/148،الوسائل 8:5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2 و ذيله.
8- المفيد في المقنعة:208؛و انظر المراسم:83،و المهذّب 1:144،و الغنية(الجوامع الفقهية):565.

و للصدوق فيهما أيضا فعكس ما عليه المشهور (1).

و لم نعرف مستندهما و لا مستند من قال باستحباب أن يتابعه الناس في ذلك،أي في الأذكار و رفع الصوت بها أيضا كما عن الحلبي و الصدوق و القاضي (2)،أو الأذكار خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي و الحلّي (3).و لكن لا بأس بالمتابعة؛للتسامح في أدلة السنن.

و الخطبة مرتين كما يفعل في العيدين بعد الصلاة بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (4)؛و النصوص المروية من طرق العامة و طرقنا عموما و خصوصا (5).و الموثق الدال على أنها قبل الصلاة (6)شاذ يحتمل الحمل على التقية،فقد حكي في المنتهى و غيره (7)عن جماعة من العامة.

و المبالغة في الدعاء،و المعاودة إن تأخرت الإجابة إجماعا منّا كما حكاه في المنتهى،قال:لأن اللّه تعالى يحبّ الملحّين في الدعاء،و لأن الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعا،و لأنها صلاة يستدفع بها أذى فكانت

ص:86


1- كما نقله عنه في المختلف 125،لكن في الفقيه 1:334،و المقنع:47 ذكر الكيفية وفق ما عن المشهور.
2- الحلبي في الكافي:163،الصدوق في المقنع:47،القاضي في المهذّب 1:144.
3- نقله عنه في المختلف:125،السرائر 1:326.
4- منها:ما ذكره الشيخ في الخلاف 1:687،و العلامة في التذكرة 1:168،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح 1:35.
5- الوسائل 8:5 و 11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.و نقل من طرق العامّة في التذكرة 1:168 عن أبي هريرة.
6- التهذيب 3:327/150،الاستبصار 1:1749/451،الوسائل 8:11 أبواب الاستسقاء ب 5 ح 2.
7- المنتهى 1:356؛و انظر المعتبر 2:365.

مشروعة كالأولى (1).

نافلة شهر رمضان

و منها:نافلة شهر رمضان و قد اختلفت الروايات في توظيفها و استحبابها،إلاّ أنّ أشهر الروايات و أكثرها و أظهرها بين الأصحاب،بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا،كما يستفاد من جملة من العبارات (2)،بل بانعقاده صرّح الحلّي و المرتضى و الفاضل في المختلف حاكيا له عن الديلمي (3)،و ربما احتمله عبارة الخلاف أيضا (4)،يدل على استحباب ألف ركعة،زيادة على النوافل المرتبة اليومية.

و قول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (5)شاذ، كالصحاح الدالة عليه (6)،و إن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا (7)،إذ لم نعرفهم و لا نقله غيره،غير أنه قيل:لأنه لم يتعرض لها والد الصدوق و لا العماني (8).و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في المخالفة.

مع أنّ ظاهر عبارة الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدل على نفي المشروعية،بل صريحها الجواز (9)؛و لذا نفى عنه الخلاف جماعة (10)

ص:87


1- المنتهى 1:356.
2- انظر المهذّب البارع 1:432،و مجمع الفائدة 3:25.
3- الحلّي في السرائر 1:310،المرتضى في الانتصار:56،المختلف:126.
4- الخلاف 1:530.
5- انظر الفقيه 2:89.
6- الوسائل 8:42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9.
7- الخلاف 1:531.
8- المختلف:126.
9- انظر من لا يحضره الفقيه 2:89.
10- منهم:صاحبا المدارك 4:200،و الحدائق 10:510.

قائلين أنّ غايتها نفي تأكد الفضيلة لا المشروعية.و هو حسن.

فما يقال من:أنّ المسألة من المشكلات (1)لا وجه له،غير صحة الأخبار المانعة،و هي معارضة بتلك الروايات المشهورة المتضمنة للموثق و غيره، المعتضدة بفتوى الأصحاب و الإجماعات المنقولة،و عموم ما دلّ على أن الصلاة خير موضوع (2)،مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن،بناء على الإجماع على الجواز كما عرفته.

و الصحاح-بعد القطع بشذوذها-لا تفيد الحرمة صريحا لينبغي الاحتياط عنها،مع انها معارضة-زيادة على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة- بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة بشرعية الزيادة و لو مطلقة،و مع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه الصحاح المتقدمة من أنه:ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزيادة قطّ، و لو كان خيرا لم يتركه (3).

ففي الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها»الخبر (4).

و نحوه آخر و غيره (5).

و حينئذ فينبغي طرحها،أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما

ص:88


1- الحدائق 10:514.
2- بحار الأنوار 79:307.
3- التهذيب 3:223/68،الاستبصار 1:1804/466،الوسائل 8:42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1.
4- الكافي 4:2/154،التهذيب 3:208/61،الاستبصار 1:1792/461،الوسائل 8:22 أبواب نافلة شهر رمضان ب 2 ح 1.
5- التهذيب 3:204/60،205،الاستبصار 1:1793/461،1795،الوسائل 8:22 أبواب نافلة شهر رمضان ب 2 ح 2،3.

في التهذيبين (1)،للصحيح (2).و لكن لا دلالة له عليه.

أو على نفي الزيادة في النوافل الراتبة،كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في المختلف (3).و هو أبعد.

أو على نفي كونها سنّة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية،بل إن كانت فهي من التطوعات التي من أحبها و قوي عليها كما يشعر به بعض النصوص المثبتة (4).و لكن فيه بعد.

أو على التقية كما عن بعض الأجلّة (5)حاكيا له عن ابن طاوس،مؤيدا له بأمور و منها ورد جملة من الأخبار بتكذيب راوي النفي و الدعاء عليه (6).لكنها معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس (7)،مع أنّ بعض الأصحاب حمل الأخبار المثبتة على التقية (8).

و كيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.

ص:89


1- التهذيب 3:69،الاستبصار 1:467.
2- الفقيه 2:394/87،التهذيب 3:226/69،الاستبصار 1:1807/467،الوسائل 8:45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
3- المختلف:126.
4- التهذيب 3:209/61،الاستبصار 1:1794/461،الوسائل 8:26 أبواب نافلة شهر رمضان ب 5 ح 1.
5- نقله صاحب الحدائق 10:514 عن بعض المحققين من متأخّري المتأخرين.
6- الكافي 4:6/155،التهذيب 3:221/68،222،الاستبصار 1:1799/463، الوسائل 8:34 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 8،10.
7- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه المحقق في المعتبر 2:366 عن الأصحاب عن محمد ابن مسلم،و متنه:سمعت إبراهيم بن هشام يقول:هذا شهر رمضان فرض اللّه صيامه و سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قيامه،فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقال:«كذب إبراهيم ابن هشام،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و ركعتان قبل الفجر في رمضان و غيره».
8- الوافي 11:438.

و قد اختلفوا في كيفية توزيع الألف ركعة على الشهر،فالمشهور أنه يصلّى في كل ليلة من العشرين الأوّلين عشرون ركعة موزّعة هكذا بعد المغرب ثماني ركعات،و بعد العشاء اثنتا عشرة ركعة،و في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ركعة موزّعة كما مرّ،بعد المغرب ثماني ركعات و الباقي بعد العتمة و في ليالي الأفراد المحتملة لليلة القدر في كل ليلة منها مائة ركعة مضافا إلى ما عيّن فيها من العشرين في الاولى و الستين في الأخيرتين.

للنصوص المستفيضة الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضمّ بعضها إلى بعض (1)،و هي متفقة الدلالة على كيفية توزيع العشرين و الثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب و الباقي بعد العشاء مطلقا.

خلافا للنهاية و الإسكافي (2)،فخيّرا في العشرين بين ذلك و بين عكسه فيصلي اثنتي عشرة ركعة بين المغرب و العتمة،و ثماني ركعات بعد العتمة كما في الموثقة (3)،جمعا بينها و بين المستفيضة.

و للقاضي و الحلبي (4)في الثلاثين،فيصلي ما بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة،و ثماني عشرة بعد العشاء كما في الخبر (5).

و ربما يقال هنا بالتخيير أيضا جمعا.و لا بأس به و إن كان المشهور أولى،

ص:90


1- الوسائل 8:28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.
2- النهاية:140،و نقله عن الإسكافي في المختلف:126.
3- الفقيه 2:397/88،التهذيب 3:214/63،الاستبصار 1:1797/462،الوسائل 8:30 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 3.
4- القاضي في المهذّب ب 1:145،الحلبي في الكافي في الفقه:159.
5- التهذيب 3:213/62،الاستبصار 1:1796/462،الوسائل 8:29 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 2.

لكثرة أخباره و اشتهاره بين الأصحاب،بل في الخلاف عليه الإجماع (1).

و فيه الإجماع أيضا على استحباب الثمانين ركعة في ليالي الأفراد زيادة على المئات.

و في رواية (2)يقتصر فيها عن الثمانين على المائة في كل منها و يصلّي الثمانين المتخلّفة و هي العشرون في التاسعة عشرة و الستون في الليلتين بعدها في الجمع الأربع أربعون موزّعة عليها،فيصلّي في كل يوم جمعة عشرا:

أربعا بصلاة علي عليه السلام يقرأ فيها بالحمد في كل ركعة و خمسين مرة قل هو اللّه أحد.

و أربعا بصلاة جعفر عليه السلام يقرأ في الركعة الأولى الحمد و إذا زلزلت،و في الثانية الحمد و العاديات،و في الثالثة الحمد و إذا جاء نصر اللّه،و في الرابعة الحمد و قل هو اللّه أحد.

و ركعتين بصلاة فاطمة عليها السلام يقرأ في الركعة الأولى بالحمد و إنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة،و في الثانية بالحمد و قل هو اللّه أحد مائة مرة.

و عشرون في آخر جمعة أي ليلة الجمعة الأخيرة بصلاة علي عليه السلام،و في عشيتها ليلة السبت عشرون بصلاة فاطمة عليها السلام.

و يوافقها في الاقتصار على المائة غيرها من الروايات (3)،و حكي القول بمضمونها عن كثير من القدماء كالمفيد و المرتضى و القاضي و الديلمي و ابن

ص:91


1- الخلاف 1:202.
2- التهذيب 3:218/66،الاستبصار 1:1802/466،المقنعة:168،الوسائل 8:28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.
3- الوسائل 8:32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6،8.

حمزة (1)،و عزاه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب (2)،و في الانتصار الإجماع عليه،و عليه رتّب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات (3).و التخيير غير بعيد كما هو ظاهر كثير.

صلاة ليلة الفطر

و منها:صلاة ليلة الفطر.

و هي ركعتان يقرأ في الأولى مرة بالحمد و بالإخلاص ألف مرة،و في الثانية الحمد و الإخلاص كلّ منهما مرة كما في الخبر المنجبر بقول الأصحاب كما في الذكرى (4)،مضافا إلى التسامح في أدلة السنن،و فيه:«من صلاّها لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلاّ أعطاه» (5).

و لها صلوات مذكورة في محالّها.

صلاة يوم الغدير

و منها:صلاة يوم الغدير.

و هو الثامن عشر من شهر ذي الحجّة قبل الزوال بنصف ساعة.

و هي ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد مرة،و كلا من التوحيد و آية الكرسي و القدر عشر مرّات،كما في الخبر،و فيه:أنها تعدل مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة،و من صلاّها لم يسأل اللّه تعالى حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيت له كائنة ما كانت الحاجة (6).

ص:92


1- المفيد في المقنعة:165،المرتضى في الانتصار:55،القاضي في المهذّب 1:146،الديلمي في المراسم:82،ابن حمزة في الوسيلة:117.
2- الذكرى:254.
3- كما في مصباح المتهجد:487.
4- الذكرى:254.
5- التهذيب 3:228/71،المقنعة:171،الوسائل 8:85 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 1 ح 1.
6- التهذيب 3:317/143،الوسائل 8:89 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 3 ح 1.

و ضعف السند منجبر بما عرفته،مضافا إلى أخبار أخر مؤيدة له (1).

فإنكار الصدوق له (2)ضعيف،كقول الحلبي باستحباب الجماعة فيها و الخطبتين و الخروج إلى الصحراء (3)،إذ لم نقف له على مستند،مع مخالفة الأول لعموم الأدلة بإنكار الجماعة في النافلة.

و الأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة،و عليه جماعة (4)،و قدّم آخرون القدر على آية الكرسي،و يظهر من الحلّي أنّ به رواية (5).

صلاة ليلة النصف من شعبان

و منها:صلاة ليلة النصف من شعبان.

و هي عديدة و بكل منها رواية،فمنها أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و التوحيد مائة مرّة ثمَّ يدعو بالمرسوم كما في المرفوع المروي في الكافي و غيره (6).

و نحوه الخبر المروي في المصباح،و لكن في العدد خاصة،و أما القراءة ففيه أنه«تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و التوحيد مائتين و خمسين مرة» (7).

و منها:ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد و في الثانية بعده التوحيد،و تقول بعد السلام:سبحان اللّه ثلاثا و ثلاثين مرة،و الحمد للّه كذلك، و اللّه أكبر أربعا و ثلاثين مرة،ثمَّ يدعو بالمروي،رواه في المصباح (8).و روي

ص:93


1- مصباح المتهجد:680،703،تفسير فرات الكوفي:123/117.
2- انظر الفقيه 1:55.
3- كما في الكافي في الفقه:160.
4- منهم الشيخ في مصباح المتهجد:691،و النهاية:141،و سلاّر في المراسم:81، و المحقق في المعتبر 2:373،و العلامة في التذكرة 1:71.
5- راجع السرائر 1:312.
6- الكافي 3:7/469،التهذيب 3:419/185،الوسائل 8:106 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 2.
7- مصباح المتهجد:769،الوسائل 8:108 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 7.
8- مصباح المتهجد:762،الوسائل 8:106 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 8 ح 3.

فيه غير ذلك.

صلاة ليلة المبعث و يومها

و منها:صلاة ليلة المبعث و يومها.

و هو السابع و العشرون من رجب.

و كيفية ذلك أي كل من هذه الصلوات و ما يقال فيه و بعده مذكور في كتب تخصّ به،و كذا سائر النوافل الغير المذكورة في الكتاب،من أرادها فليطلبها هناك.

ص:94

المقصد الثالث في التوابع

اشارة

المقصد الثالث:في التوابع و هي أمور خمسة :

الأول في الخلل الواقع في الصلاة

اشارة

الأول:في الخلل الواقع في الصلاة.

و هو يكون إما عن عمد و قصد أو سهو لعزوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه الإخلال أو شك و هو:تردّد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما على الآخر.

و المراد بالخلل الواقع عن عمد أو سهو ترك شيء من أفعالها مثلا، و الواقع بالشك النقص الحاصل للصلاة بنفس الشك،لا أنه كان سبب ترك كقسيميه.

الخلل العمدي

أما العمد:ف كلّ من أخلّ معه بواجب أبطل صلاته،شرطا كان ما أخلّ به كالطهارة،و الستر،و الوقت و القبلة أو جزءا و إن لم يكن ركنا كالقراءة،و أجزائها حتى الحرف الواحد أو كيفية كالطمأنينة،و الجهر و الإخفاف في القراءة،و ترتيب الواجبات بعضها على بعض.

و تعريف العامد بما مرّ يشمل ما لو كان جاهلا بالحكم الشرعي كالوجوب،أو الوضعي كالبطلان.

و الأصل في جميع ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا،فيبقى في عهدة التكليف.

و هذه الكلية ثابتة في جميع مواردها عدا الجهر و الإخفات،فإنّ الجهل فيهما عذر إجماعا كما مرّ في بحثهما.

و كذا تبطل لو فعل معه ما يجب تركه في الصلاة كالكلام بحرفين فصاعدا،و نحوه ممّا مرّ في قواطع الصلاة مع أدلتها.

و تبطل الصلاة في الثوب المغصوب،أو الموضع المغصوب و كذلك

ص:95

فيهما نجسين و السجود على الموضع النجس مع العلم مطلقا و إن جهل الحكم لا مع الجهل بالغصبية و النجاسة إذ لا إعادة في الأول مطلقا،و في الثاني مع خروج الوقت،و مع بقائه قولان تقدّما كسائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثها.

لكن لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا، و لا في شيء ممّا وقفت عليه من كتب الفقهاء،عدا شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان في بحث الصلاة في الثوب النجس فألحقه به و بالبدن في الأحكام (1)،و هو ظاهر غيره من الأصحاب،حيث أحالوا الحكم في المقام إلى ذلك البحث و بحث المكان،مع أنهم لم يذكروه في شيء منهما على الخصوص،و هو ظاهر فيما ذكرناه من الإلحاق.

و لا ريب فيه إن كان إجماعا،و إلاّ فللتوقف فيه مجال؛فإنّ مقتضى الأصول الإعادة في الوقت هنا،للشك في الامتثال،لإطلاق ما دلّ على اشتراط طهارة محل السجود من دون تقييد بصورة العلم و إن احتمل قريبا كطهارة الثوب و البدن،لكنه ليس بمتحقق كما تحقّق فيهما،فبمجرده لا يخرج عن إطلاق الأمر القطعي.

نعم لو خرج الوقت لم يعلم وجوب القضاء؛بناء على كونه فرضا مستأنفا،و لا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوائت،و هو فرع تحقق الفوت،و لم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر،و حينئذ فيدفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض.

الخلل السهوي
ما إذا كان عن ركن

و أما السهو:فإن كان عن ركن من الأركان الخمسة المتقدمة و كان محلّه باقيا بأن لا يكون دخل في ركن آخر أتى به ثمَّ بما بعده بلا خلاف

ص:96


1- روض الجنان:168.

بين أهل العلم كما في المنتهى (1)؛لإمكان الإتيان به على وجه لا يؤثر خللا و لا إخلالا بماهية الصلاة؛و لفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك في الجملة.

و إن كان دخل في ركن آخر أعاد الصلاة،و ذلك كمن أخلّ بالقيام حتى نوى،أو بالنية حتى افتتح الصلاة أو بالافتتاح حتى قرأ،أو بالركوع حتى سجد،أو بالسجدتين حتى ركع.

بلا خلاف فيما عدا الأخيرين و لا إشكال،إلاّ في الأول،فإنه يتوقف على ثبوت ركنية القيام حتى حال النية.و وجهه غير واضح،خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة،إلاّ أن يوجّه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام ركن فيه قطعا،و هي لا تتحقق إلاّ حالة القيام، فتدبر.

و وجه فساد الصلاة بالإخلال بالنية حتى كبّر على القول بجزئيتها واضح.

و كذا على غيره؛فإنّ التكبير جزء من الصلاة إجماعا فيعتبر فيه النية و غيرها من الشرائط،لأن شرط الكل شرط لجزئه،و يلزم من فوات الشرط فوات المشروط.

و على الأشهر الأقوى أيضا فيهما،بل عليه جمهور متأخري أصحابنا، بل عامّتهم في الأخير إذا كان السهو في الركعتين الأوليين أو الصبح أو المغرب؛و حجتهم عليه-بعد الإجماع ظاهرا-استلزام التدارك زيادة ركن، و عدمه نقصانه،و هما مبطلان،إجماعا في الثاني،و نصّا في الأول.

و هذه الحجة عامة للصور المزبورة و غيرها من السهو عن السجدتين إلى أن يركع في أخيرتي الرباعية،و عن الركوع إلى أن يسجد السجدتين،مضافة فيه إلى الصحيح:عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد و يقوم،قال:

ص:97


1- المنتهى 1:408.

«يستقبل» (1)و نحوه غيره (2).

و حيث لا قائل بالفرق بينه و بين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عمّ الحكم لهما؛مع اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت العهدة،و لا يتيقن الخروج عنها إلاّ باستيناف الصلاة من أوّلها؛ و إطلاق جملة من المعتبرة:

منها،الموثق:عن الرجل ينسى أن يركع،قال:«يستقبل حتى يضع كلّ شيء موضعه» (3).

و الخبر:عن رجل نسي أن يركع،قال:«عليه الإعادة» (4).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة و الموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في الموثقة أيضا بقوله:«حتى يضع كل شيء موضعه»فتعمّ غير موردها أيضا،و هو جملة الصور في المسألتين.

و قيل:إن كان السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر في الركعتين الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد و أتى بالفائت.

القائل بذلك الشيخ في المبسوط و كتابي الأخبار (5)،جمعا بين الأخبار المتقدمة و بين الصحيحين الدالّين على التلفيق مطلقا،كما حكاه عن بعض

ص:98


1- الكافي 3:2/348،التهذيب 2:581/148،الاستبصار 1:1344/355،الوسائل 6:312 أبواب الركوع ب 10 ح 1.
2- التهذيب 2:583/149،الاستبصار 1:1347/356،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.
3- التهذيب 2:587/149،الاستبصار 1:1343/355،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.
4- التهذيب 2:584/149،الاستبصار 1:1346/356،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 4.
5- المبسوط 1:109،التهذيب 2:149،الاستبصار 1:356.

الأصحاب (1)و عزاه إليه في المنتهى (2).

في أحدهما:رجل شكّ بعد ما سجد أنه لم يركع،فقال:«يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع،فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما و يبني صلاته على التمام،و إن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ و انصرف فليقم و ليصل ركعة و سجدتين و لا شيء عليه» (3).

و في الثاني:عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع،قال:«يقوم و يركع و يسجد سجدتي السهو» (4).

و فيه نظر؛فإنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ،و ليس،لرجحان الأخبار الأوّلة من وجوه عديدة دون الصحيحين،سيّما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم بل و لا أحد من:وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع.

و منه يظهر شذوذ الثاني رأسا،و عدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا.

و لو سلّم ذلك كلّه فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه،و لم نجده،عدا ما اشتهر عنه و عن المفيد من أنّ كل سهو يلحق الأوليين في الأعداد و الأفعال فهو موجب للإعادة دون الأخيرتين (5).و لم أتحققه،بل المتحقق خلافه.

و في الرضوي:«و إن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك،لأنه إذا لم تصحّ لك الأولى لم تصح صلاتك،و إن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين و اجعلها-أعني الثانية-الأولى،

ص:99


1- المبسوط 1:119.
2- المنتهى 1:408.
3- التهذيب 2:585/149،الاستبصار 1:1348/356،الوسائل 6:314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
4- التهذيب 2:586/149،الوسائل 6:315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.
5- نقله عنهما الشهيد في الذكرى:220،لاحظ المقنعة:145،و التهذيب 2:150.

و الثالثة ثانية،و الرابعة ثالثة» (1).

و هو-كما ترى-ظاهر في خلاف ما ذكراه،و هو وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة لا الركعتين معا.

و يؤيده بعض الأخبار المروية عن العلل و العيون عن مولانا الرضا عليه السلام قال:«إنما جعل أصل الصلاة ركعتين،و زيد على بعضها ركعة،و على بعضها ركعتين،و لم يزد على بعضها شيء،لأن أصل الصلاة هي ركعة واحدة، لأن أصل العدد واحد،فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة»الحديث (2).

و ما تضمنه الرضوي من الحكم في المسألة محكي عن والد الصدوق و الإسكافي (3)،و هو مع ندرته و قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة شاذ.

و اعلم:أنّ النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى كفتوى الشيخ في كتبه المتقدمة،فلا وجه لتعديته و إجزائه في الثانية كما حكي عنه في جمله و اقتصاده (4)؛و لذا وافق القوم هنا في موضع من المبسوط (5)لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين و اتحاد حكمهما (6)؛ و لعلّه الوجه في التعدية،كما احتجّ لهم في المختلف من أنّ السجدتين مساويتان للركوع في الحكم فانسحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع (7).

ص:100


1- فقه الرضا(عليه السلام):116،المستدرك 4:429 أبواب الركوع ب 9 ح 2.
2- عيون الأخبار 2:106،علل الشرائع:261،الوسائل 4:53 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 22.
3- نقله عنهما في المختلف:131.
4- الجمل و العقود(الرسائل العشر):186،الاقتصاد:265.
5- المبسوط 1:112.
6- المبسوط 1:120.
7- المختلف:130.

و ضعف هذا الاستدلال ظاهر.

و يعيد الصلاة لو زاد فيها ركوعا أو سجدتين مطلقا عمدا كانت الزيادة أو سهوا و كذا غيرهما من الأركان إلاّ ما استثني،بلا خلاف أجده،و به صرّح جماعة (1)؛لكونها كالنقيصة مغيّرة لهيئة العبادة التوقيفية موجبة لبقاء الذمة تحت العهدة؛و مع ذلك المعتبرة به مستفيضة،منها الصحيح:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها و استقبل الصلاة استقبالا» (2)و بمعناه الموثق و غيره (3).

و في الموثقين القريب أحدهما من الصحيح،بل صحيح:«لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» (4).

و مقابلة الركعة فيهما بالسجدة قرينة على أنّ المراد بالركعة الركوع،و لا قائل بالفرق بينه و بين السجدتين.

و خروج كثير من الأفراد من إطلاق الصحيح الأول و ما في معناه غير قادح و لو كانت أكثر؛إذ ليس كالعموم اللغوي لا يقبل التخصيص إلى أن يبقى الأقل.

فما يقال في الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب التخصيص البعيد ضعيف.

و أضعف منه التأمل في الدليل الأول مع عدم ظهور وجهه (5)،سيما و أنّ

ص:101


1- منهم السبزواري في الكفاية:25،و صاحب الحدائق 9:119.
2- الكافي 3:2/354،التهذيب 2:763/194،الاستبصار 1:1428/376،الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
3- التهذيب 2:764/194،الاستبصار 1:1429/376،الوسائل 8:231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2 و ذيله.
4- الفقيه 1:1009/228،التهذيب 2:610/156،611،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 2،3.
5- انظر الحدائق 9:119.

دأب العلماء حتى المتأمل التمسك به في إثبات كثير من الواجبات في العبادات،و بطلانها بالإخلال بها مطلقا.

و كما تبطل بزيادة أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر الأقوى؛لما مضى من الأدلة حتى القاعدة،بناء على المختار من وجوب التسليم و جزئيته مطلقا،و كذا على غيره لكن في الجملة.

مضافا إلى بعض الأخبار المنجبر ضعفها بالشهرة و المخالفة للعامة:في رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات،قال:«إن استيقن أنه صلّى خمسا أو ستا فليعد» (1).

خلافا للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهد (2)، و اختاره الفاضلان في المعتبر و التحرير و المختلف (3)؛للصحيحين (4)؛و لأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس بقدره فقد فصل بين الفرض و الزيادة.

و فيهما نظر؛لضعف الثاني بأن تحقّق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة.

و الخبرين:بأنّ الظاهر أنّ المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد:

التشهد؛لشيوع مثل هذا الإطلاق،و ندور تحقق الجلوس بقدره من دون الإتيان به.و لو سلّم ففي مكافاتهما لما مرّ من الأدلة مناقشة واضحة،سيّما بعد احتمالهما الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (5)حاكين القول بمضمونهما

ص:102


1- التهذيب 2:1461/352،الوسائل 8:232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 3.
2- نقله عنه في المختلف:135.
3- المعتبر 2:380،التحرير 1:49،المختلف:135.
4- الفقيه 1:1016/229،التهذيب 2:766/194،الاستبصار 1:1431/377، الوسائل 8:232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 4،6.
5- منهم الشيخ في الخلاف 1:451،و صاحب الحدائق 9:117.

عن أبي حنيفة المشهور رأيه في جميع الأزمنة و عليه أكثر العامة.

و قيل:إنّ تشهّد قبل الزيادة فلا إعادة (1)؛عملا بظاهر الصحيحين بالتقريب الذي عرفته،و لذا جعلا من أدلة استحباب التسليم لا التشهد.

و فيه ما عرفته من عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا؛مضافا إلى أدلة وجوب التسليم المتقدمة في بحثه.

و على هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية إن علّل زيادة على الصحيحين باستحباب التسليم و الخروج بالتشهد عن الصلاة،فتكون الزيادة بعدها.

و لو نقص من عدد ركعات الصلاة سهوا ثمَّ ذكر النقصان بعد التسليم أتم مطلقا و لو تكلّم على الأشهر الأظهر؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها (2)،مضافا إلى الإجماعات المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلّم ناسيا في بحث قواطع الصلاة،و تقدّم ثمة خلاف النهاية و قوله فيه بوجوب الإعادة مع ذكر ما يصلح له دليلا و الجواب عنه (3).

و يحكى هذا القول هنا عن جماعة من القدماء كالعماني و الحلبي (4).

و حكى الشيخ عن بعض الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية (5)،و لم نعرف مستنده.

و إطلاق العبارة-كغيرها و جملة من النصوص الصحيحة و غيرها-يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيرا بحيث يخرج عن كونه مصلّيا

ص:103


1- قال به الشيخ في الاستبصار 1:377؛و انظر الذكرى:219.
2- راجع ج 3 ص:280.
3- راجع ض 1816.
4- نقله عن العماني في المختلف:136،الحلبي في الكافي:120.
5- انظر المبسوط 1:121.

أم لا،و عزاه في التذكرة إلى ظاهر علمائنا (1).

خلافا لبعضهم ففرّق بينهما،فوافق الشيخ في الأول،و المشهور في الثاني (2).

و وجهه غير واضح،عدا الجمع بين النصوص و ما دلّ على البطلان بالفعل الكثير.و فيه نظر؛لاختصاص ما دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرّ في بحثه (3)؛مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه (4).

و مع ذلك يردّه ظاهر الحسن-لو لم نقل صريحه-:قلت:أجيء إلى الإمام و قد سبقني بركعة في الفجر،فلمّا سلّم وقع في قلبي أني أتممت،فلم أزل أذكر اللّه تعالى حتى طلعت الشمس،نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة،قال:«فإن كنت في مقامك فأتم بركعة،و إن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (5)فتدبّر.

نعم،الأحوط الإعادة كما ذكره (6)،بل مطلقا كما عليه الشيخ في النهاية و من تبعه،لكن بعد إتمام الصلاة (7)كما ذكرنا و تدارك ما يلزم السهو من سجدتيه.

و يعيد لو استدبر القبلة أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا كالحدث،على الأشهر الأقوى؛للمعتبرة المستفيضة في استدبار القبلة و منها

ص:104


1- التذكرة 1:135.
2- انظر التنقيح 1:259.
3- راجع ج 3 ص:285.
4- و هو صورة السهو و النسيان.منه رحمه اللّه.
5- التهذيب 2:731/183،الاستبصار 1:1400/367،الوسائل 8:209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.
6- أي:في صورة تخلّل الفعل الكثير.
7- أي:الاحتياط المذكور يجب أن يكون بعد الإتمام.منه رحمه اللّه.

الصحيح و الموثقان (1)،و غيرها الواردة في خصوص المسألة (2)،مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدمة في كونه قاطعا للصلاة مطلقا (3).و قد مرّ ثمة نقل خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة العمد خاصة مع مستندهم و الجواب عنه (4).

و أما هنا فلم ينقل الخلاف إلاّ من المقنع خاصة حيث قال:يتم صلاته و لو بلغ الصين (5)،و وافقه بعض متأخري المتأخرين (6)؛للصحاح المستفيضة إطلاقا في بعضها و تصريحا في جملة منها (7).

و هي غير مكافئة لما مرّ من الأدلة؛مع احتمالها الحمل على التقية كما صرّح به بعض الأجلة (8).و مع ذلك فقول الصدوق-رحمه اللّه-بها غير معلوم و إن اشتهرت حكايته عنه،لما ذكره خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-بأنّه لم يجده فيما عنده من نسخة المقنع (9)،و قد مرّ في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه الأكثر من كون الاستدبار من القواطع مطلقا،و بالجملة فالقول المزبور ضعيف.

و أضعف منه القول بالتخيير بينه و بين المختار مع أفضليته،كما اتّفق

ص:105


1- الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9.
2- الوسائل 8:198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3.
3- راجع ج 3 ص:276 و 277.
4- راجع ج 3 ص:278.
5- نقله عنه في المختلف:136،و الموجود في المقنع:31:و إن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة و لا تبن على ركعتين.
6- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:175.
7- الوسائل 8:204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19،20؛و ص 210 ب 6 ح 3.
8- العلامة المجلسي في البحار 88:200،و صاحب الحدائق 9:130.
9- بحار الأنوار 88:199.

لصاحبي المدارك و الذخيرة (1)؛للجمع بين الأخبار.

لفقد التكافؤ،مع عدم وضوح الشاهد عليه،و قوة احتمال كونه إحداث قول غير جائز.

و حيث ثبت الإعادة بالاستدبار ثبت بغيره؛لعدم قائل بالفرق،مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.

السهو عن غير ركن

و إن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا و هو الإتيان به بعد فواته و منه ما يقتصر معه على التدارك خاصة و منه ما يتدارك مع سجود السهو بعد التسليم.

لأول ما لا يوجب تداركا

فالأول كمن نسي القراءة كلا أو بعضا حتى ركع،بلا خلاف أجده إلاّ من ابن حمزة القائل بركنيتها (2).و هو شاذّ كالصحيح الدالّ عليه (3)؛و لعلّه لذا نفى الخلاف عن خلافه هنا جماعة (4)،معربين عن دعوى الإجماع عليه، كما تقدّم نقله عن الشيخ-رحمه اللّه-في بحث القراءة مع تزييف هذا القول (5).و نقول هنا:إن المعتبرة على ردّه زيادة على ما مرّ مستفيضة (6)،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها،معتضدة بالأصل و عمل الأصحاب.

أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما مطلقا؛لإطلاق الصحيحين الماضيين في بحثهما بأنه لا شيء عليه إن أخلّ بهما ساهيا،من دون تقييد له بالتذكر لهما في الركوع كما قيد به في القراءة على ما عرفته و ستعرفه.

ص:106


1- المدارك 4:228،الذخيرة:360.
2- نقله عنه الفاضل المقداد في التنقيح 1:197،و لكنه قال في الوسيلة:93 بعدم ركنيتها.
3- التهذيب 2:573/146،الاستبصار 1:1339/354،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 4.
4- منهم:صاحب المدارك 4:231،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
5- انظر الخلاف 1:335،409.
6- الوسائل 6:90 أبواب القراءة في الصلاة ب 29.

أو الذكر في الركوع،أو الطمأنينة فيه حتى رفع الرأس أو رفع الرأس منه،أو الطمأنينة في الرفع بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ-رحمه اللّه- في الطمأنينتين فقال بركنيتهما مدّعيا عليها الإجماع (1).و هو شاذ،و لعله لذا نفى عن خلافه الخلاف هنا جماعة (2)معربين عن دعوى الإجماع؛و هو الحجة.

مضافا إلى الخبر:عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا،قال:«تمّت صلاته» (3)و نحوه آخر سيذكر.

و هما دالاّن على الحكم في الذكر،ففي طمأنينته أولى،و لا قائل بالفرق بينه و بين الطمأنينة الأخرى،و كذا الرفع أيضا.

و ضعف السند مجبور بالعمل؛مضافا إلى التأيّد بالصحيح:«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،الركوع،و السجود» (4).

و الذكر في السجود،أو السجود على أحد الأعضاء السبعة ما عدا الجبهة،فإنّ نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن المبطل،و في الواحدة يقتضي فواتها الموجب لإلحاقه بالقسم الثالث.

و إنما لم يستثنها الماتن لدلالة السياق عليه،بناء على أنّ السجود لا يتحقق بدون وضعها و إن وضعت باقي الأعضاء،و عليه فيدخل عدم وضعها في كلية ترك السجدة التي سيتعرض لها في القسم الثالث.

أو الطمأنينة فيه أي في السجود أو إكمال رفع الرأس منه،أو الطمأنينة في الرفع من الأولى،أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد بلا خلاف في شيء من ذلك.

ص:107


1- الخلاف 1:348.
2- منهم:صاحب المدارك 4:232،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
3- التهذيب 2:612/157،الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15 ح 1.
4- الفقيه 1:991/225،التهذيب 2:597/152،الوسائل 6:313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

للخبر:عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده،قال:«لا بأس بذلك» (1).

و التقريب ما مرّ حتى في التأيّد بالصحيح و الجواب عن ضعف السند.

الثاني ما يقتصر معه على التدارك

الثاني:من ذكر أنه لم يقرأ الحمد و هو أخذ في السورة أو تممها و لم يركع قرأ الحمد و أعادها أي تلك السورة أو غيرها من السور وجوبا إن قلنا بوجوبها،و إلاّ فاستحبابا؛بلا خلاف يظهر،بل بالإجماع صرّح بعض من تأخر (2).

و للخبرين أحدهما الموثق:عن الرجل يقوم فينسى فاتحة الكتاب،قال:

«فليقل:أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إنّ اللّه هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع» (3).

و إنما يجب إعادة السورة محافظة على الترتيب بينها و بين الفاتحة، الواجب اتفاقا فتوى و رواية.

و من ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام منتصبا مطلقا،و قيل:إن نسيه حال القيام،و إلاّ فمنحنيا إلى حدّ الراكع إن نسيه بعد الوصول إليه (4)،و فيه نظر فركع بلا خلاف،بل بالإجماع صرّح جمع (5)؛لإطلاق الأمر و بقاء المحل؛مضافا إلى فحوى ما دلّ عليه في صورة الشك.

و في الصحيح:«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا

ص:108


1- التهذيب 2:614/157،الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15 ح 2.
2- المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:131.
3- التهذيب 2:574/147،الاستبصار 1:1340/354،الوسائل 6:89 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2. و الخبر الثاني:الكافي 3:2/347،الوسائل 6:88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.
4- قال به صاحب المدارك 4:234.
5- منهم:صاحب المدارك 4:234،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:138.

فاقض الذي فاتك» (1)و حمل على صورة التذكر قبل فوات المحل بقرينة الإجماع على عدم قضاء الأركان بعده مطلقا.

و كذا من ترك السجود أو التشهد و ذكر ذلك قبل ركوعه قعد فتداركه بلا خلاف في التشهد و السجدة الواحدة،بل بالإجماع فيهما صرّح جماعة (2)؛و هو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة،منها:عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها و هو قائم،قال:«يسجدها إذا ذكرها و لم يركع،و إن كان قد ركع فليمض على صلاته،فإذا انصرف قضاها وحدها و ليس عليه سهو» (3).

و منها:عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما،فقال:

«إذا ذكر و هو قائم في الثالثة فليجلس،و إن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين و هو جالس قبل أن يتكلم» (4).

و أما نسيان السجدتين فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع (5)،بل عليه عامة من تأخر كما صرّح به بعض (6)؛لبقاء المحل بدلالة تدارك السجدة الواحدة؛مضافا إلى أصالة بقاء الصحة المؤيدة-زيادة على الشهرة العظيمة-بالصحيحة السابقة المتضمنة لأنه لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة.

ص:109


1- الفقيه 1:1007/228،التهذيب 2:1450/350،الوسائل 8:238 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 7.
2- منهم:الشيخ الطوسي في الخلاف 1:454،و صاحب المدارك 4:235.
3- الفقيه 1:1008/228،التهذيب 2:598/152،الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 4.
4- الفقيه 1:1026/231،الوسائل 6:402 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
5- لم نعثر عليه،و قد نسب إلى الشهرة في الروض:344،و الحدائق 9:136.
6- المحقق السبزواري في الذخيرة:371.

و قيل:و بالصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (1)،فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى (2).

و هو حسن إن قلنا بحكم الأصل،و إلاّ-كما هو الأقوى و قد مضى-فلا.

خلافا لجماعة من القدماء فأبطلوا الصلاة بنسيانهما مطلقا (3)،و لم نعرف لهم مستندا.

و على المختار لو عاد إليهما لم يجب الجلوس قبلهما.أما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى و اطمأنّ(سواء كان) (4)بنية الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيته،لم يجب الجلوس قبلها أيضا، لحصوله من قبل،و إن لم يكن جلس كذلك أو لم يطمئن وجب،لأنه من أفعال الصلاة و لم يأت به مع إمكان تداركه.

خلافا للمحكي عن المبسوط فجوّز تركه؛لتحقق الفصل بين السجدتين بالقيام (5).

و يضعف بأن الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل لا مطلق الفصل.

و لو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل و جلس و إن كان حالة الشك قد انتقل عن المحل؛لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في

ص:110


1- الفقيه 1:1006/228،التهذيب 2:585/149،الاستبصار 1:1348/356،الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
2- قال به صاحب المدارك 4:236.
3- منهم الشيخ في النهاية:88،الحلبي في الكافي:119.و ابن إدريس في السرائر 1:245.
4- أثبتناه من«ح».
5- المبسوط 1:120.

المحل.

و متى تدارك المنسي قام و أتى بالأذكار الواجبة بعده،و لا يعتدّ بما أتى به قبله؛لوقوعه في غير محلّه،فيكون كالعدم،و لا يضر زيادته،لعدم كونه ركنا.

و اعلم:أنّه لم يتعرض الماتن لحكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة و التشهد الأخير.و الأجود تدارك الجميع مع الذكر قبل التسليم و إن قلنا باستحبابه؛لإطلاق الأمر بفعلهما و بقاء محلّهما،كذا قيل (1)،و فيه نظر.نعم، هو على القول بوجوب التسليم و دخوله في الصلاة كما هو المختار حسن.

و ينبغي إعادة التشهد بعد تدارك السجدة المنسية مراعاة للترتيب،و به صرّح في الذكرى (2).

و لو لم يذكر إلاّ بعد التسليم فإن كان المنسي التشهد قضاه بعده؛لعدم الفرق بينه و بين التشهد الأول الذي حكمه ذلك-كما يأتي-عند الجماعة فيما أجده،و به صرّح جماعة و منهم الشهيد في الذكرى (3).

و لإطلاق الصحيح بل ظاهره كما قيل (4):في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته،فقال:«إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد،و إلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه» (5).

و يعضده إطلاق غيره من الأخبار،منها الصحيح على الظاهر:في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك،قال:«يقضي ذلك

ص:111


1- المدارك 4:237.
2- الذكرى:221.
3- الذكرى:221،المدارك 4:237،و الحدائق 9:141.
4- الحدائق 9:141.
5- التهذيب 2:617/157،الوسائل 6:401 أبواب التشهد ب 7 ح 2.

بعينه»،قلت:أ يعيد الصلاة؟قال:«لا» (1)و نحوه آخر (2).

و إطلاقها كالصحيح يقتضي عدم الفرق بين ما لو تخلّل الحدث بينه و بين الصلاة أم لا،و به صرّح جماعة (3).

خلافا للحلّي في الأول فيعيد الصلاة؛لأنه أحدث فيها،لوقوع التسليم في غير محلّه (4).

و هو حسن على أصله من استحباب التسليم و انحصار المخرج عن الصلاة في التشهد و لم يقع،فيكون قد أحدث قبل خروجه منها،فتبطل صلاته.

و لا يتوجه ذلك على المختار فيه من وجوبه؛لوقوعه مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا،و التشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة الصلاة؛مضافا إلى إطلاق ما مرّ من الأخبار،و لذا قال بالمختار هنا من لا يوافقنا في التسليم و يقول باستحبابه (5)كما عليه الحلّي (6)،فتأمل.

و إن كان السجدة الواحدة قضاها خاصة على الأقوى، وفاقا للذكرى (7)، أو مع التشهد مرتبا بينهما على احتمال ضعيف ذكر فيها؛لإطلاق الخبرين

ص:112


1- التهذيب 2:588/150،الاستبصار 1:1350/357،الوسائل 6:314 أبواب الركوع ب 11 ح 1.
2- الظاهر هو رواية الحلبي المنقولة في الذكرى:220،و لم نعثر عليها في المجامع الحديثيّة و متنها:«إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل أن تسلّم أو بعد ما تسلّم أو تكلّمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه».
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:386،و الشهيد الثاني في روض الجنان:346،و المحقق السبزواري في الذخيرة:374.
4- السرائر 1:259.
5- كصاحب المدارك 3:430،4:238،و المحقق السبزواري في الذّخيرة:289،374.
6- السرائر 1:241.
7- الذكرى:222.

المتقدمين و نحوهما،و الصحيح:«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا» (1).

و شموله الأركان و غيرها ممّا لا يجب قضاؤه مع خروجها بالإجماع و غيره غير قادح؛إذ غايته كونه مقيدا للإطلاق،و هو لا يوجب خروج الباقي عن الحجية،فتأمل.

هذا مع أني لم أجد في الحكم خلافا،و به صرّح بعض الأصحاب أيضا (2).

و إن كان السجدتين بطل الصلاة؛لفوات الركن،مع عدم التدارك، للخروج من الصلاة بالتسليم.

و اعلم أن ذكر حكم السهو عن الركن هنا استطرادي و إلا فلا يرتبط بمفروض العبادة و من ذكر أنه لم يصلّ على النبي و آله عليهم السلام في التشهد بعد أن سلّم قضاهما على المشهور على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).

خلافا للحلّي فردّ شرعية القضاء؛لعدم النص (4).

و ردّ بأن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه؛تسوية بين الجزء و الكل (5).

و منع التسوية جماعة (6)،معللين بأن الصلاة تقضى و لا يقتضي جميع أجزائها،و كذا مجموع السجدة الواحدة و واجباتها من الذكر و الطمأنينة تقضى و لا تقضى واجباتها منفردة.

و يمكن أن يقال:إنّ الأصل يقتضي التسوية؛فإنّ فوات الجزء يستلزم

ص:113


1- التهذيب 2:1450/350،الوسائل 8:238 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 7.
2- كصاحب الحدائق 9:142.
3- روض الجنان:346.
4- السرائر 1:257.
5- انظر المختلف:139،و الذكرى:221.
6- منهم:الشهيد في الروضة 1:325،و المحقق السبزواري في الذخيرة:372،و صاحب الحدائق 9:145.

فوات الكل الموجب للقضاء بالنص؛مضافا إلى أن الإخلال بالجزء يستلزم الإخلال بالأمور به على وجهه،فيبقى إطلاق الأمر به بحاله،و فوات المحل لا يقتضي الصحة،بل مقتضاه الفساد كما في كل جزء،و ثبوت الصحة في موارد من دون تدارك لا يستلزم ثبوتها في غيرها كذلك إلاّ بدليل،و ليس هنا إلاّ الإجماع، و لا يستفاد منه سوى الصحة بمعنى الخروج عن شغل الذمة مع التدارك خاصة، و أمّا من دونه فلا،فقاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية تقتضي لزوم التدارك كما ذكره الجماعة.

هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار المتقدمة بقضاء ما أخلّ به في الصلاة من سجدة أو ركعة أو نحوها من الأجزاء المنسية.و خروج كثير من الأفراد منها غير قادح كما عرفته و لو كان الخارج أكثر؛لأن منعه عن حجية الباقي يختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي،لاختصاص وجه المنع به دونه،للاتفاق على قبوله التقييد إلى واحد.

هذا إن ذكرها بعد التسليم،و لو ذكرها قبله و كانت من التشهد الأخير أتى بها قبله ثمَّ به.

و إن كانت من التشهد الأول و ذكرها بعد الركوع فكما لو ذكرها بعد التسليم بلا خلاف كما في المنتهى (1)،قال:و هل يجب سجود السهو؟فيه تردّد أقربه الوجوب.

و إن ذكرها قبل الركوع قال فيه:فالوجه وجوب العود و الجلوس للصلاة، و هل تجب إعادة التشهد؟الوجه:لا (2).انتهى.و هو حسن.

و اعلم:أنّ عدم وجوب سجدتي السهو في هذه المسائل-كما يقتضيه درجها في هذا القسم-ليس متفقا عليه؛لوقوع الخلاف فيه كما يأتي.

ص:114


1- المنتهى 1:415.
2- المنتهى 1:415.
الثالث ما يتدارك مع سجود السهو

الثالث:من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى ذلك بعد التسليم و سجد سجدتين للسهو على الأظهر الأشهر،بل على وجوب قضاء التشهد و لزوم الإتيان بسجدتي السهو له بعده الإجماع في الخلاف (1)؛ و هو الحجّة فيهما؛مضافا إلى الصحاح الصحاح المستفيضة و غيرها في الثاني و في وجوب قضاء السجدة المنسية أيضا،و قد تقدّم إلى جملة منها الإشارة.

و فيها الحجّة على من أفسد الصلاة بترك السجدة مطلقا كما عن العماني (2)؛للخبر (3).

أو إذا كانت من الركعتين الأوليين خاصة كما عن المفيد و التهذيب (4)؛ للصحيح (5).

و على من أوجب قضاء السجدة قبل التسليم بعد ركوع الثانية إذا كانت من الأولى،و إذا كانت من الثانية فبعد ركوع الثالثة،و إذا كانت منها فبعد الرابعة،و إذا كانت منها فبعد التسليم،كما عن والد الصدوق (6)؛للرضوي (7).

و قريب منه عن المفيد في العزّية و الإسكافي (8).

و على من لم يوجب سجدتي السهو للتشهد كما عن العماني و الشيخ في

ص:115


1- الخلاف 1:453.
2- نقله عنه في المختلف:131.
3- التهذيب 2:606/154،الاستبصار 1:1363/359،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 5.
4- المفيد في المقنعة:145،التهذيب 2:154.
5- الكافي 3:3/349،التهذيب 2:605/154،الاستبصار 1:1364/360، الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
6- نقله عنه في المختلف:131.
7- فقه الرضا(عليه السلام):116،117،المستدرك 4:461 أبواب السجود ب 12 ح 1.
8- كما نقله عنهما في المختلف:131.

جملة من كتبه (1)؛للخبر (2).

لضعف هذه الأخبار عن المقاومة لتلك من وجوه عديدة،مع ضعف ما عدا الصحيح منها أو قصوره سندا،و ضعفه دلالة بل الأخير أيضا كما لا يخفى على من راجعهما،لتضمن الأول ما يدل على وروده في صورة الشك لا السهو فلا ينطبق على المدّعى،و كذا الخبر،لتضمنه لفظ الرجوع الظاهر في تدارك التشهد قبل الركوع.

هذا،و يعارض الصحيح خصوص بعض النصوص:عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها،فقال:«إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة و تضع وجهك مرة واحدة و ليس عليك سهو» (3)و نحوه آخر (4)،فتأمّل.

و أما الصحيح:«إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (5).

فليس فيه دلالة على ما ذهب إليه والد الصدوق و متابعاه كما زعم في المختلف (6)،بل هو على القول بوجوب التسليم و دخوله في الصلاة-كما هو

ص:116


1- نقله عن العماني في المختلف:140،الشيخ في الاقتصاد:267،الجمل و العقود(الرسائل العشر):189.
2- التهذيب 2:622/158،الاستبصار 1:1376/363،الوسائل 4:406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.
3- التهذيب 2:607/155،الاستبصار 1:1365/360،الوسائل 6:366 أبواب السجود ب 14 ح 6.
4- الفقيه 1:1008/228،التهذيب 2:598/152،الوسائل 6:365 أبواب السجود ب 14 ح 4.
5- التهذيب 2:609/156،الاستبصار 1:1366/360،الوسائل 6:370 أبواب السجود ب 16 ح 1.
6- المختلف:131.

المختار-شاذّ مطروح،أو محمول على كون المراد من التسليم فيه التسليم المستحب بعد الواجب و هو:السلام عليكم،و إطلاقه عليه شائع في الأخبار.

و أما على القول باستحبابه فليس فيه منافاة لأخبار المسألة،و به صرّح جماعة كصاحبي المدارك و الذخيرة (1).

و يدل على قضاء التشهد-مضافا إلى ما مرّ (2)-ما مرّ من عموم الأخبار بقضاء ما أخلّ به في الصلاة،و خصوص الصحيح الوارد فيه مطلقا (3)،و الخبر في التشهد الأول:«إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد،و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت،فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما،ثمَّ تشهد التشهد الذي فاتك» (4).

و القدح في الأوّل بما مرّ،ضعفه قد ظهر.

و في الصحيح بظهوره في التشهد الأخير،وجهه غير معلوم بعد إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال،مع عدم ظهور قائل بهذا التفصيل كما قيل (5).

و في الأخير بضعف السند،بل الدلالة،لاحتمال التشهد فيه التشهد الذي في سجدتي السهو كما يشعر به العطف بثمّ،و يفهم من أخبار أخر و منها

ص:117


1- المدارك 4:243،الذخيرة:374.
2- من الإجماع المنقول في الخلاف.(منه رحمه اللّه).
3- المتقدم في ص 111 الهامش 5.
4- الكافي 3:7/357،التهذيب 2:1430/344،الوسائل 8:244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.
5- قال به السبزواري في الذخيرة:373.

الموثقان (1)و الرضوي (2).

ضعيف،لانجبار الضعف بموافقة الأكثر.

و ضعف الإشعار،سيّما مع معارضته بتقييد التشهد بالذي فات،و التشهد في سجدتي السجود خفيف-كما يأتي-و هو خلاف التشهد المنسي.

و ظهور الموثقين غير واضح.

و الرضوي لما قدّمناه غير مقاوم،فترجيحه-سيّما مع اشتهار خلافه و اعتضاده بالاحتياط اللازم المراعاة-مشكل و إن اعتضد بظواهر الصحاح الواردة بسجدتي السهو من دون بيان لقضاء التشهد فيها و لا إشارة؛فإنّ الظاهر لا يعارض النص،و لا سيّما الإجماع المنقول،مع ندرة القول بالرضوي،إذ لم يحك إلاّ عن الصدوقين و المفيد في بعض فتاويه،مع أنه وافق في المقنعة المشهور (3)،فانحصر المخالف في الأولين و هما نادران،فتأمل.

و على وجوب سجدتي السهو:الإجماع المحكي في الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة (4)؛مضافا إلى عموم بعض المعتبرة:«تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (5).

ص:118


1- الأول: التهذيب 2:621/158،الوسائل 6:403 أبواب التشهد ب 7 ح 6. الثاني: الكافي 3:22/448،التهذيب 2:1387/336،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):118،المستدرك 5:12 أبواب التشهد ب 5 ح 1.
3- المقنعة:147.
4- الخلاف 1:459،الغنية(الجوامع الفقهية):566،المنتهى 1:417،التذكرة 1:138.
5- التهذيب 2:608/155،الاستبصار 1:1367/361،الوسائل 8:251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

لكنه-مع قصور سنده بل ضعفه بالجهالة-معارض بظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة خاصة من دون بيان لسجدتي السهو و لا إشارة (1)؛مضافا إلى تصريح جملة من النصوص بنفيهما فيها (2)،و فيها الصحيح و غيره،و قد تقدّما (3).

فانحصر الدليل في الإجماع.و في التمسك به في مقابلة هذه النصوص إشكال،سيّما مع احتمال وهنه بنقل الماتن في المعتبر الخلاف في ذلك عن رؤساء الأصحاب كالصدوقين و المفيد في الرسالة و العماني (4)،و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (5)،و لا يخلو عن قوة،و لكن العمل على المشهور.

و أما الشك: اعلم أنّ من شك في عدد ركعات الفريضة الثنائية كالصبح و الجمعة و العيدين و الكسوف أو الثلاثية كالمغرب أعاد الصلاة.

و كذا يعيدها من لم يدر كم صلّى ركعة أم ركعتين أم ثلاثا أم أربعا و هكذا أو لم يحصّل الأوليين من الرباعيّة و لم يتيقنهما بأن شك فيما فيه أنه الثانية أم الأولى؛إجماعا ممّن عدا الصدوق مطلقا كما في المنتهى (6)،و كذا في الذكرى لكن في الصورة الأخيرة خاصة (7)،و بالإجماع مطلقا من غير استثناء صرّح جماعة من القدماء كالشيخ و الحلّي و المرتضى (8)رحمهم اللّه.

ص:119


1- الوسائل 6:364 أبواب السجود ب 14.
2- الوسائل 6:368 أبواب السجود ب 15.
3- في ص 116.
4- لم نعثر عليه في المعتبر،و قد حكاه عنهم في المختلف:140.
5- منهم:صاحب المدارك 4:241،و المحقق السبزواري في الذخيرة:373،و صاحب الحدائق 9:151.
6- المنتهى 1:410.
7- الذكرى:224.
8- الشيخ في الخلاف 1:444،الحلّي في السرائر 1:248،المرتضى في الانتصار:48.

و هم كالفاضل في المنتهى و إن لم يصرّحوا به في الصورة الثالثة،لكن تصريحهم به في الأخيرة يستلزمه فيها؛لدخولها في الأخيرة.

و عدم استثناء الصدوق هو الأقوى و إن اشتهر الاستثناء بين أصحابنا؛لما بيّنته في الشرح مستوفى،و من جملته أنه وافق الأصحاب فيما وصل إلينا من كتبه كالفقيه و المقنع و الأمالي (1)مدّعيا في الأخير كونه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه و على فساد ما نسبوا إليه من التخيير بينه و بين البناء على الأقل.

و على تقدير تسليم مخالفته فلا ريب في شذوذه،كبعض ما يحكى عن والده في بعض الصور (2)،مع معلومية نسبهما،فلا يقدح في الإجماع خروجهما؛ و هو الأصل في المسألة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة في كل من الصور الثلاث المزبورة (3)،مع سلامتها عن المعارض بالكلية،عدا أخبار نادرة دالّة على البناء على الأقل (4)-لا التخيير بينه و بين الإعادة-و هو ليس مذهب أحد حتى الصدوقين.

و تنزيلها على التخيير جمعا بين النصوص-كما قيل (5)في تقوية الصدوق -فرع التكافؤ المفقود هنا؛لرجحان أخبار المشهور بمرجحات شتّى كالاستفاضة و الموافقة لطريقة الخاصة و المخالفة للعامة،بخلاف تلك،فإنها في طرف الضد من المرجحات المزبورة.

ص:120


1- الفقيه 1:225،المقنع:30،الأمالي:513.
2- نقله عن والد الصدوق في المختلف:133.
3- الوسائل 8:187،193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 و 2.
4- الوسائل 8:192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 الأحاديث 20،22،23.
5- قال به المحقق السبزواري في الذخيرة:362.

و أقرب الأجوبة عنها الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (1)،و أماراته في جملة منها و غيرها لائحة؛مع أنّ ما ذكرنا مجمع على جوازه،فيجب أن يكون العمل عليه،تحصيلا للبراءة اليقينية في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

و بالجملة:فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و اعلم:أنه لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بالإعادة بالشك في الصورة الأولى و الثانية بين تعلقه بالنقيصة أو الزيادة،و بها صرّح بعض الروايات في المغرب:«إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك» (2).

خلاف للمقنع (3)فيها إذا تعلق بالزيادة فيضيف ركعة أخرى.و هو مع عدم وضوح مستنده نادر كما في الذكرى (4)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما هو الظاهر.

و الشك المبطل للكسوف إنما هو إذا تعلّق بعدد ركعاتها.أما إذا تعلّق بالركوعات فإنه يجب البناء على الأقل؛لأصالة عدم فعله،مع وقوع الشك في محلّه،إلاّ أن يستلزم الشك في الركعات،كما لو شك بين الخامس و السادس و علم أنه لو كان في الخامس فهو في الأولى،أو في السادس ففي الثانية فتبطل؛لتعلقه بعدد الثنائية.

و احترزنا بالفريضة عن النافلة،لأن الشك فيها لا يبطلها،كما ستأتي إليه الإشارة.

و لو شك في فعل من أفعالها فإن كان في موضعه كما لو شك في

ص:121


1- منهم صاحب الحدائق 9:195.
2- التهذيب 2:719/179،الاستبصار 1:1407/370،الوسائل 8:195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 9.
3- المقنع:30.
4- الذكرى:225.

النية قبل التكبيرة،و فيها قبل القراءة،و فيها قبل الركوع،و فيه قبل السجود أو الهوي إليه على الاختلاف فيه،و هكذا أتى به و أتم الصلاة بلا خلاف فيه في الجملة؛لأصالة عدم فعله،و بقاء محل استدراكه.

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1)،و هي،و إن اختصت بالشاك في الركوع و هو قائم،و في السجود و لم يستو جالسا أو قائما،إلاّ أنه لا قائل بالفرق على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)،فلا ضير.

مضافا إلى عموم مفهوم بعض الصحاح بل جملة منها-كما يأتي-بلزوم التدارك للشيء قبل فوات محله،و به يقيد إطلاق جملة من هذه الصحاح، منها:عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين،قال:«يسجد اخرى» (3)و منها:في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع،قال:«يركع» (4).

و أما الموثق كالصحيح:استتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا،قال:«بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان» (5)فمع قصور سنده شاذّ محمول على محامل أقربها الحمل على كثير الشك أو الظان لفعل الركوع كما يفهمان من السياق.

و لو ذكر بعد الإتيان بالمشكوك فيه أنه كان قد فعله استأنف صلاته إن كان ركنا لأن زيادته مبطلة كما مضى.

ص:122


1- الوسائل 6:315 أبواب الركوع ب 12.و ص 368 أبواب السجود ب 15.
2- المحقق السبزواري في الذخيرة:374.
3- الكافي 3:1/349،التهذيب 2:599/152 الاستبصار 1:1368/361،الوسائل 6 368 أبواب السجود ب 15 ح 1.
4- التهذيب 2:591/150،الاستبصار 1:1353/357،الوسائل 6:316 أبواب الركوع ب 12 ح 4.
5- التهذيب 2:592/151،الاستبصار 1:1354/357،الوسائل 6:317 أبواب الركوع ب 13. ح 3.

و قيل في الركوع إذا ذكر بعد الإتيان به حال الشك أنه فعله و هو راكع أي ذكر ذلك و هو في حالة ركوعه قبل أن يقوم عنه أرسل نفسه إلى السجود و لا يرفع رأسه فتفسد صلاته إجماعا كما لو ذكره بعد رفعه،و القائل جماعة من أعيان القدماء كالكليني و الشيخ و الحلّي و الحلبي و المرتضى (1)(2)و قوّاه جماعة من المتأخرين و منهم:الشهيد-رحمه اللّه-في الدروس و الذكرى (3)؛ و لعلّ لهم عليه رواية و إلاّ فما اعتذر لهم جماعة (4)من الأمور الاعتبارية لا يفيدنا حجة كما بيّنته في الشرح،من أراد التحقيق فليطلبه ثمة (5).

و اختلف هؤلاء في تعميم الحكم لجميع الركوعات من جميع الصلوات كمن عدا الشيخ و منهم من خصّه ب الركوع من الأخيرتين في الرباعية كهو في النهاية (6)،بناء منه على ما قدّمناه عنه من أن كل سهو يلحق بالركعتين الأوليين يبطل الصلاة،سواء كان في أعدادها أو أفعالها،أركانا كانت أم غيرها، فوجه التخصيص عنده إنما هو نفس الشك في الركوع في الأوليين حتى لو حصل من دون أخذ في الركوع ثانيا لبطلت الصلاة أيضا،لا زيادته فيهما بالخصوص كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة.

و يتوجه عليه-مضافا إلى ما سبق-عدم دليل على صحة المبني عليه، عدا النصوص الدالة على أنّ من شك في الأوليين و لم يحفظهما أعاد

ص:123


1- الكليني في الكافي 3:348،الشيخ في الجمل و العقود(الرسائل العشر):188،الحلّي في السرائر 1:252،الحلبي في الكافي:118،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):36.
2- في«م»زيادة:و ابن زهرة.
3- الدروس 1:199،الذكرى:222.
4- منهم الشهيد في الذكرى:222.
5- في«م»زيادة:نعم في الغنية الإجماع عليه.
6- النهاية:92.

الصلاة (1).

و هي و إن كانت صحاحا و مستفيضة معتضدة بغيرها من المعتبرة لكنها قاصرة الدلالة،لاحتمال اختصاصها بصورة تعلق الشك بالعدد لا غيره.

مع أنّها معارضة بعموم الصحاح المستفيضة المتقدمة بصحة الصلاة مع تدارك المشكوك في محلّه.

و نحوها عموم الصحاح الآتية بها بعد التجاوز عنه،بل خصوص بعضها المصرّح بها في صورة الشك في التكبير و قد قرأ،أو في القراءة و قد ركع.

المؤيد بما مر من الخبرين في عدم فساد الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة و لو من الركعتين الأوليين (2)،و لا قائل بالفرق،مع ظهور ذيل أحدهما في الشك،مع أن ثبوت هذا الحكم في السهو ملازم لثبوته في الشك بطريق أولى،فتأمل.

و بموجب ذلك يترجح صحاح المسألة على عموم تلك فتقيد بها بلا شبهة،سيّما مع اعتضادها بالأصل و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل إجماعا،بل إجماع في الحقيقة.

و لا يمكن العكس فتقيّد هذه بتلك بتوهم رجحانها على صحاح المسألة بخصوص الصحيحة الماضية فيمن ترك سجدة من الركعة الاولى أن صلاته فاسدة (3)،و مع أنه لا قائل بالفرق كما سبق إليه الإشارة،مع ظهورها في الشك كما هو مورد المسألة.

و ذلك لقصورها عن المقاومة للأخبار الخاصة المتقدمة سيّما الصحيحة منها؛لتعدّدها و اشتهارها بالشهرة التي عرفتها.

ص:124


1- الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1.
2- راجع ص 116.
3- راجع ص 115 الهامش 5.

و بما ذكرناه هنا و سابقا ظهر أن الأشبه في عنوان المسألة،و هو حكم زيادة الركوع في الصلاة بعد الشك فيه البطلان مطلقا و لو لم يرفع رأسه منه و كان من الركعتين الأخيرتين.

و يفهم من العبارة عدم البطلان في غير الركن مطلقا،سجدة كان أم غيرها،و هو الأشهر الأقوى.

خلافا للعماني و الحلبي و المرتضى (1)-رحمهم اللّه-فيها فأبطلوا الصلاة بزيادتها.و هو حسن لو لا المعتبرة المصرّحة بعدم البطلان بزيادتها بالخصوص كالصحيح:عن رجل صلّى فذكر أنه زاد سجدة،فقال:«لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» (2)و نحوه الموثق (3).

و لو كان شكه في شيء من الأفعال بعد انتقاله عن موضعه و دخوله في غيره مضى في صلاته،ركنا كان المشكوك فيه أو غيره إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين،و كذلك إذا كان منهما على الأشهر الأقوى كما مضى.

للصحاح المستفيضة و غيرها،ففي الصحيح:رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في التكبير و قد قرأ،قال:«يمضي»، قلت:رجل شك في القراءة و قد ركع،قال:«يمضي»،قلت:رجل شك في الركوع و قد سجد،قال:«يمضي»،ثمَّ قال:«إذا خرجت من شيء ثمَّ دخلت

ص:125


1- نقله عن العماني في المختلف:131،الحلبي في الكافي في الفقه:119،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):36.
2- الفقيه 1:1009/228،التهذيب 2:610/156،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.
3- التهذيب 2:611/156،الوسائل 6:319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

في غيره فشكك ليس بشيء» (1).

و في صريحه كإطلاق البواقي بل عمومها حجة على الشيخ كما مرّ.و على الفاضل في التذكرة حيث وافقه إذا تعلق الشك بالركن دون غيره (2).و هو-مع عدم وضوح مستنده عدا أمر اعتباري-ضعيف.

و اعلم:أنّ المتبادر من«غيره»الذي حكم في الصحيح المتقدم و نحوه بالمضيّ بعد الدخول فيه:ما كان من أفعال الصلاة المفردة بالترتيب في كتب الفقهاء من النية و التكبير و القراءة و نحو ذلك من الأمور المعدودة فيها أيضا،لا ما كان من مقدمات تلك الأفعال كالهويّ للسجود و النهوض للقيام و نحوهما، فيعود للركوع في الأول و للسجود في الثاني،وفاقا للشهيدين و غيرهما (3)؛ لذلك.

مضافا إلى مفهوم الصحيح فيهما:«و إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض،و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض،كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» (4).

و خصوص الموثق كالصحيح في الثاني:«رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد،قال:«يسجد»، قلت:فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد،قال:«يسجد» (5).

ص:126


1- التهذيب 2:1459/352،الوسائل 8:237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.
2- التذكرة 1:136.
3- الشهيد الأول في الذكرى:224،الشهيد الثاني في روض الجنان:350،الروضة 1:323؛ و انظر الحدائق 9:179.
4- التهذيب 2:602/153،الوسائل 6:317 أبواب الركوع ب 13 ح 4.
5- التهذيب 2:603/153،الاستبصار 1:1371/361،الوسائل 6:369 أبواب السجود ب 15 ح 6.

خلافا لبعض المتأخرين في الأول فكما لو دخل في السجود فلا يعود للركوع (1)؛للموثق الآخر كالصحيح:رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع،قال:«قد ركع» (2).

و هو محمول على حصول الشك في السجود،و ليس فيه ما ينافيه بصريحه و لا بظاهره،لأنّ غايته إفادة وقوع الشك بعد الهوي إلى السجود،و هو أعم من وقوعه قبل الوصول إليه و بعده لو لم ندّع الأخير و ظهوره،نعم لو كان بدل«إلى السجود»:«للسجود»أمكن دعوى الأول و ظهوره.

و لو سلّم فهو معارض بما مرّ سيّما الصحيح في الثاني،فإنه بحسب الدلالة أظهر،و مورده و إن اختلف مع مورد الأول إلاّ أنهما من باب واحد، لاشتراكهما في كونهما من مقدمات أفعال الصلاة،فإن عمّمنا الغير لها دخلا و إلاّ خرجا.فالتفصيل بينهما و تخصيص كل منهما بحكمه لا يجتمع مع إطلاق النص و الفتوى بل عمومهما بأنه متى شك و قد دخل في غيره فلا يلتفت و إلاّ فإنه يرجع،لظهورهما في أن مناط الرجوع و عدمه إنما هو الدخول في ذلك الغير و عدمه،و الغير إمّا الأفعال خاصة أو ما يعمها و مقدّماتها،و على أيّ تقدير فلا وجه للتفصيل بين الموردين و العمل في كل منهما بما ورد في الصحيحين و إن اختاره بعض المتأخرين المتقدم (3).

فلا بدّ من الجمع بينهما بما يدفع تنافيهما،و هو ما ذكرنا من حمل ثانيهما على صورة وقوع الشك في حال السجود.و يحتمل الحمل على وقوعه كثيرا،

ص:127


1- الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:174،و صاحب المدارك 4:249،و المحقق السبزواري في الذخيرة:375.
2- التهذيب 2:596/151،الاستبصار 1:1358/358،الوسائل 6:318 أبواب الركوع ب 13 ح 6.
3- المدارك 4:250.

و لكن الأول أولى إن لم يكن منه ظاهرا كما ذكرنا.

ثمَّ إنّ إطلاق«غيره»يعمّ جميع أفعال الصلاة بل و أجزائها،فلو شك في السجود و هو يتشهد،أو فيه و قد قام فلا يلتفت،وفاقا للأكثر.

خلافا للنهاية فيهما،فيرجع ما لم يركع (1).و هو بعيد جدا،بل ادّعى الإجماع على خلافه في السرائر صريحا (2)،و حكاه عنه في سائر كتبه كالجمل و العقود و الاقتصاد و المبسوط (3).و يردّه مع ذلك الصحيح المتقدم:«إن شك في السجود بعد ما قام فليمض».

و للذكرى،فأوجب الرجوع في الأول (4)؛لعموم مفهوم هذا الصحيح، و منطوق الموثق بعده.

و فيه:أنّ المتبادر منهما وقوع الشك في السجود الذي لا تشهّد بعده كما يقتضيه عطف الشك على النهوض في الثاني بالفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة، و يلزمه عدم تخلل التشهد،كذا قيل (5)،و فيه نظر.

و الأولى إسناد ظهور عدم تخلل التشهد إلى تبادره من النهوض من السجود؛إذ مع تخلله لا يقال ذلك،بل يقال:من التشهد،فتأمل.

و لو شك في الحمد و هو في السورة لم يلتفت،وفاقا للحلّي و المفيد فيما حكاه عنه و الماتن في ظاهر المعتبر (6)،و هو خيرة كثير من أفاضل المتأخرين (7)؛

ص:128


1- النهاية:92.
2- السرائر 1:253.
3- الجمل و العقود(الرسائل العشر):188،الاقتصاد:266،المبسوط 1:122.
4- الذكرى:224.
5- قال به صاحب الحدائق 9:184.
6- الحلي في السرائر 1:248،المعتبر 2:390.
7- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:169،و المحقق السبزواري في الذخيرة:375،و كفاية الأحكام:26،و العلاّمة المجلسي في البحار 85:158.

لظهور الغيرية بينهما،بل و بين أجزاء كل منهما،فلو شك في بعضها و دخل في الأخرى قوي عدم الالتفات أيضا.

خلافا لجماعة (1)لحجة ضعيفة،بل واهية.و لكن الأحوط ما ذكروه، سيّما في الشك في أجزاء القراءة،لكن ربما يتردد فيه لو كانت من الفاتحة و كان شكه فيها بعد الفراغ من السورة،فإنّ الرجوع لتدارك الأجزاء يستلزم إعادتهما مراعاة للترتيب الواجب إجماعا،و فيها احتمال القران بين السورتين المنهي عنه إذا قرأ غير السورة الاولى بل يحتمل مطلقا،أو قراءة زيادة أكثر من سورة للنهي عنها أيضا مطلقا،فتأمل جدّا.

ثمَّ في شمول الغير لما استحبّ من أفعال الصلاة كالقنوت و التكبيرات و نحوهما وجهان،أجودهما ذلك؛للعموم المؤيد بذكر الأذان و الإقامة و تعدادهما من الأفعال المشكوك فيها المنتقل عنها إلى غيرها في الصحيح الأول الذي هو العمدة في هذا الأصل،فتأمل.

و قد ظهر ممّا مرّ حكم الشك في الأفعال و الأعداد من الفريضة مطلقا عدا أخيرتي الرباعية.و أما فيهما فقد أشار إليه بقوله:

فإن حصّل الأوليين من الرباعية عددا و تيقنهما و شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الزائد عليهما هل أتى به أم لا فإن غلب على ظنّه أحدهما بمعنى رجحانه و صيرورته عنده مظنونا بنى على ظنّه فيجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط:

فإن غلب الأقل بنى عليه و أكمل،و إن غلب الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع تشهّد و سلّم،و إن كان زيادة كما لو غلب على ظنّه الخمس

ص:129


1- منهم:الشهيد الأول في الذكرى:224،و الدروس 1:200،و الشهيد الثاني في روض الجنان:347،و صاحب المدارك 4:249.

صار كأنه زاد ركعة في آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا، و هكذا.

بلا خلاف هنا أجده،بل بالإجماع صرّح جماعة (1)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها-زيادة على ما ستأتي إليه الإشارة-الصحيح:«إن كنت لم تدر كم صلّيت و لم يقع و وهمك على شيء فأعد الصلاة» (2).

و المراد بالوهم فيه و غيره الظن لا المعنى المعروف.

و يستفاد من إطلاق مفهومه بل عمومه-كما قرّر في محلّه-جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا،بل الأفعال أيضا؛للفحوى.

و نحوه النبوي العامي:«إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه» (3).

و عليه أكثر علمائنا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4)؛بل قيل:إنّه إجماع (5)؛و هو دليل آخر،مضافا إلى ما مرّ،و أنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا،لليسر و دفعا للحرج و العسر.

و فيه نظر؛إذ لا عسر إلاّ مع الكثرة،و معها يرتفع حكم الشك.

و في الإجماع و هن؛لظهور عبارة الناقل في أنّ منشأ نقله هو عدم

ص:130


1- منهم الشيخ في الخلاف 1:445؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):565،و الذكرى:222 و البحار 85:210.
2- الكافي 3:1/358،التهذيب 2:744/187،الاستبصار 1:1419/373،الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1.
3- انظر بدائع الصنائع 1:165،و سنن النسائي 3:28.
4- كالشهيد الأول في الذكرى:222،و الشهيد الثاني في المسالك 1:42،و صاحب الحدائق 9:206.
5- مجمع الفائدة و البرهان 3:128.

الخلاف،مع أنه ظاهر الحلّي (1)،بل الشيخين أيضا في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف (2)،حيث ذكرا أن الشك في عدد الصبح و المغرب و عدد الركعات بحيث لا يدري كم صلّى يوجب الإعادة،من غير تفصيل بين صورة الظن و غيرها،ثمَّ ذكر أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصّلين بينهما،و كذا الفاضل في المنتهى (3)،و الماتن هنا.

و منه يظهر ما في نسبة الشهيد في الذكرى قول الأكثر إلى الأصحاب عدا الحلّي (4)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

و النبوي مع ضعف سنده لا عموم فيه،كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع (5).لكنه ضعيف،كالقدح بالضعف في النبوي،لانجباره سندا بالشهرة، و دلالة بها أيضا،و بما يرجع به الإطلاق إلى العموم العرفي ممّا قرّر في محلّه.

لكنهما معارضان بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح:«من شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين،و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم» (6).

و هي بإطلاقها و إن شملت الأعداد و الأفعال إلاّ أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى.

إلاّ أن يرجحا عليها بالشهرة و ما مرّ من الإجماع و الاعتبار و إن لم يكونا حجة مستقلة،لما مرّ.مع إمكان الذبّ عمّا يتعلق منه بالإجماع بعدم وضوح

ص:131


1- السرائر 1:245.
2- المقنعة:144،النهاية:90،المبسوط 1:121،الخلاف 1:447.
3- المنتهى 1:410.
4- الذكرى:225.
5- منهم:صاحب المدارك 4:263،و المحقق السبزواري في الذخيرة:368.
6- الفقيه 1:605/128،الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

مخالفة هؤلاء:

أمّا الحلّي فلأن بعض عباراته و إن أوهم ذلك (1)إلاّ أنّه ذكر ما يخالفه؛ و لذا لم ينسب إليه في المختلف و غيره (2)صريحا،و في غيرهما أصلا.

و أمّا من عداه كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما و إن اقتضى ذلك لكن تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح بالشك ربما دلّ على انحصاره فيه،و هو على ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه،و حكي التصريح به عن الزمخشري (3)، و صرّح به في الأصول.

و ربما يعضد إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند غلبة الظن بما ينسحب في الجميع (4).

و كذا الفاضل في المنتهى (5)؛لاستدلاله عليه بما مرّ من النبوي،و هو كما مرّ عام؛مع أنه أجاب عمّن أوجب اليقين فيهما أيضا مستدلا بالنبوي الآخر:«إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلق الشك و ليبن على اليقين» (6)بأنه غير متناول لصورة النزاع؛إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين،و الحديث يتناول الشك.

و هو كالصريح،بل صريح في أن الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا.لكنه ذكر في مسألة الشك في الأوليين (7)ما يعرب عن إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند

ص:132


1- السرائر 1:250.
2- المختلف:136؛و انظر المنتهى 1:410.
3- حكاه عنه في بحار الأنوار 85:210 و انظر الكشّاف 1:587.
4- المبسوط 1:120.
5- المنتهى 1:415.
6- سنن البيهقي 2:333،مسند أحمد 3:87،سنن الدار قطني 1:21/372.
7- المنتهى 1:415.

أهل اللغة،و هو ما قابل اليقين و شمل الظن،كما صرّح به جماعة (1)،و يستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة؛لتعبيرهم عليهم السلام عن الموضوع فيها بإذا لم يدر ركعة صلّى أم ثنتين،أو إذا لم يحفظهما،و نحوهما،و هي تشمل صورة الظن أيضا.

و تعليل الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط بما يعمّ لا يستلزم تلك الإرادة فيما عداه،سيّما المقنعة،بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا؛إذ التعليل بالأعم شائع سيّما في الشرعيات،فتأمل جدّا.

و أمّا الحلّي فإنه و ان ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب (2)لكن عبارته المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها من ذلك على الموافقة،هذا.

و عبارة الماتن ظاهرة فيها بلا شبهة؛لعدم ذكره نحو ما في المبسوط و المنتهى،بل عبّر عن الشك في الأوليين ب:لم يحصّلهما،العام لما إذا ظنّ فيهما أم لا.

و عليه فيقوى الخلاف في المسألة و لا ينبغي ترك الاحتياط فيها البتة بالبناء على الظن و الإتمام ثمَّ الإعادة مطلقا و لو حصل له فيها نحو الحالة الأولى.

خلافا لوالد الصدوق فيبني على الظن هنا لا أوّلا (3)،كما في الرضوي:

«و إن شككت في الركعة الاولى و الثانية فأعد صلاتك،و إن شككت مرة أخرى فيهما و كان أكثر و وهمك إلى الثانية فابن عليها و اجعلها ثانية،فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأمّ الكتاب،و إن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى

ص:133


1- انظر القاموس المحيط 3:319،و الصحاح 4:1594،و مجمع البحرين 5:276.
2- السرائر 1:245.
3- نقله عنه في المختلف:132.

و تشهّدت في كل ركعة،فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية و زدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء،لأن التشهد حائل بين الرابعة و الخامسة،و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعتين من قيام و إلاّ ركعتين و أنت جالس» (1).

و هو شاذ،و مع ذلك موافق للمحكي في المنتهى عن أبي حنيفة (2).

و نحوه في الشذوذ قوله الآخر في الشك بين الثنتين و الثلاث أنه يبني على الثلاث إذا ظنها و يتم و يصلّي صلاة الاحتياط ركعة قائما و يسجد سجدتي السهو (3).

و ليس في الموثق في الشك بين الثلاث و الأربع:«إن رأى أنه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه و بين نفسه،ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب» (4)دلالة عليه بوجه و إن ظنّ،مع شذوذه أيضا،كالصحيح الوارد في مورده:

«و إن كان أكثر و همه إلى الأربع تشهّد و سلّم،ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد،ثمَّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم» (5).

و نحوه آخر (6)لكن من غير ذكر لصلاة الاحتياط.

و بالجملة:هذه النصوص-كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو

ص:134


1- فقه الرضا(عليه السلام):117،المستدرك 6:401 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1،و في المصدر:إن شئت صليت ركعة من قيام و إلاّ ركعتين و أنت جالس.
2- المنتهى 1:415.
3- نقله عنه في المختلف:132.
4- الكافي 3:1/351،التهذيب 2:736/185،الوسائل 8:218 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 7.
5- الكافي 3:5/352،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4.
6- الكافي 3:8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5.

حيث يذهب و همه إلى التمام-لم أر عاملا بها،مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه-عدا من مرّ-من أنّ مع العمل بالظن لا شيء عليه كما هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في البناء (1)؛لخلوها عن ذلك كلّه مع ورودها في مقام البيان،و يمكن حملها على الاستحباب.

و اعلم:أنّ على المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا؛لما قدّمناه من الفحوى.

و أما على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين،لذلك.و فيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظنّ،و ربما يومئ إليه سياقها من حيث تضمنها تفريع:

لا يدري،عليه.

و إن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص بتساوي الطرفين فلا إشكال أصلا.قيل:و ظاهر الأصحاب الإطباق على هذا (2).

و يمكن دفع الاشكال بمنع إرادة المعنى الأول؛لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظن في الركعتين الأخيرتين مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشك في تلك النصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما،فكذا بالنسبة إلى غيرهما،لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين،فتأمل جدّا.

و إن تساوى الاحتمالان فصوره المشهورة الغالبة أربع:أن يشك بين الاثنين و الثلاث،أو بين الثلاث و الأربع،أو بين الاثنين و الأربع،أو بين

ص:135


1- الوسائل 8:211،212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7،8.
2- بحار الأنوار 85:210.

الاثنين و الثلاث و الأربع.

ففي القسم الأول من هذه الصور يبني على الأكثر و يتم الصلاة ثمَّ بعد الإتمام يحتاط بركعتين حال كونه فيهما جالسا،أو بركعة قائما.

أما وجوب البناء على الأكثر هنا-بل في جميع الصور-فهو مذهب الأكثر،بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر السرائر و غيره (1)، و عن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (2)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالإجماعات المنقولة،و فيها:

«أجمع لك السهو في كلمتين:متى ما شككت فخذ بالأكثر،فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد نقصت» (3).

و قصور السند مجبور بالعمل و الموافقة للصحاح المستفيضة و غيرها في باقي الصور،و خصوص الصحيح في هذه الصورة،و فيه:رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا،قال:«إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى و لا شيء عليه و يسلّم» (4).

و الإنصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية و إن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحا،لكنه غير خال عن شوب المناقشة،

ص:136


1- الانتصار:48،الخلاف 1:445،السرائر 1:254؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):566. و مجمع الفائدة 3:177،و روض الجنان:351.
2- أمالي الصدوق:513.
3- الفقيه 1:992/225،الوسائل 8:212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.
4- الكافي 3:3/350،التهذيب 2:759/192،الاستبصار 1:1423/375،الوسائل 8: 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.

و لا حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة،مضافا إلى ما يحكى عن العماني من تواتر الأخبار في المسألة (1).

و أما الصحيح:عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال:«يعيد»، قلت:أ ليس يقال:لا يعيد الصلاة فقيه؟!فقال:«إنما ذلك في الثلاث و الأربع» (2).

فشاذّ منقول على خلافه الإجماع عن الفاضلين (3)،و إن حكي الفتوى بمضمونه عن المقنع و الفقيه (4)،محمول على محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة (5)،معلّلين بوجوب المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.

و مقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة.خلافا لبعضهم،فاكتفى بكمالها و لو لم يرفع الرأس منها (6).و هو ضعيف.و أضعف منه الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولا (7).

و لا يختص هذا الحكم بما نحن فيه،بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين؛لما مرّ (8).

ص:137


1- حكاه عنه في الذكرى:226.
2- التهذيب 2:760/193،الاستبصار 1:1424/375،المقنع:31،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
3- المحقق في المعتبر 2:391،العلامة في المنتهى 1:415.
4- المقنع:31،الفقيه 1:225.
5- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:176؛و انظر الذكرى:227،و المدارك 4:257.
6- كالشهيد الأول في الذكرى:227،و الشهيد الثاني في روض الجنان:351
7- حكاه الشهيد في الذكرى:227.
8- من حكاية تصريح الأصحاب،مضافا إلى عموم تعليل جماعة.(منه رحمه اللّه).

و أمّا النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا (1)فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة و إن تضمنت الصحيح و الموثق و غير هما،سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد التقية كما صرّح به جماعة (2)،مع عدم صراحتها في الدلالة:

فإنّ غاية ما تضمنه الأوّلان هو البناء على اليقين،و هو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر،بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن قرب الإسناد و فيه:رجل صلّى ركعتين و شك في الثالثة، قال:«يبني على اليقين،فإذا فرغ تشهد و قام و صلّى ركعة بفاتحة القرآن» (3)فتدبر.

و وجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع و منهم المرتضى-رحمه اللّه-في الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع:و لأن الاحتياط أيضا فيه؛لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد،فيكون ما أتى به زيادة في صلاته.

ثمَّ قال:فإذا قيل:و إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من الجبران،لأنه منفصل من الصلاة و بعد التسليم.قلنا:ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال؛لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (4).

و قريب منه كلام الفاضلين في المعتبر و المنتهى (5)،و كلاهما-كغيرهما-

ص:138


1- الوسائل 8:187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1
2- منهم صاحب الحدائق 9:214.
3- فرب الإسناد:99/30،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.
4- الانتصار:49.
5- المعتبر 2:391،المنتهى 1:415.

كالصريح بل صريح في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.

و من هنا ينقدح فساد نسبة جماعة (1)القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى-رحمه اللّه-في الناصرية،لقوله فيها:إنّ من شك في الأخيرتين يبني على اليقين،قائلا:إنّ هذا مذهبنا،و هو الصحيح عندنا،و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك (2).و في قوله«هذا»إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا كما لا يخفى،فتأمل.

و أما غيرهما فهو و إن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء،فيحتمل كونه بعد السلام و الخروج عن الصلاة،كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى،زعما منه كون البناء في كلامه-رحمه اللّه-هو البناء على الأقل،قال في جملة كلام له:فقبل سلامه يبني على الأكثر،لأجل التسليم،و بعده يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلاّ ما تيقنه،و ما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته (3).

و بالجملة:فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة،و على تقديرها فهي لها غير مكافئة،لما عرفته.فلا وجه للقول بها،كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه اللّه.

و أضعف منهما حملها على التخيير،جمعا بينها و بين ما مضى؛لفقد التكافؤ أوّلا،و عدم شاهد على الجمع ثانيا،مع ندرة القائل به،إذ لم يحك إلاّ عن الصدوق (4)و قد مرّ دعواه الإجماع على البناء على الأكثر.

ص:139


1- منهم:صاحب المدارك 4:256،و الحدائق 9:210،و المحقق السبزواري في الذخيرة: 376
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):201.
3- السرائر 1:256.
4- المقنع:31.

هذا حكم البناء.

و أما وجوب الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّرا بينهما فلم نقف فيه على رواية بالخصوص،نعم وردت بذلك في الصورة الثانية، و قد أجرى هذه الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى (1)،بل عامتهم،كما يستفاد من روض الجنان (2)،و نقلا عن العماني تواتر الأخبار بذلك.

و بورود الرواية بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما (3)،و عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف (4)هنا و في الصورة الثانية،هو الأشهر الأقوى فيهما.

خلافا للمحكي عن المفيد و القاضي (5)فعيّنا الأخير مطلقا؛لظاهر البدلية في الموثقة (6)و غيرها.

و يردّه-مضافا إلى ما مرّ-خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في الصورة الثانية،فكذا في هذه الصورة،لعدم القول بالفرق بينهما منهما، بل و لا من أحد من الطائفة كا عرفته.

و عكس العماني و الجعفي (7)،فعيّنا الأول مطلقا،لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية،فكذا في هذه الصورة،لما عرفته.

و يردّه-مضافا إلى ما مرّ-خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل

ص:140


1- الذكرى:226.
2- روض الجنان:351.
3- السرائر 1:254.
4- الانتصار:49،الخلاف 1:446.
5- المفيد في المقنعة:146،القاضي في المهذّب 1:154.
6- المتقدمة في ص 136.
7- نقله عنهما في الذكرى:227.

المصرّح بالتخيير بين الأمرين،هذا.

و القول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي،عملا في كل منهما بظواهر الأخبار،و لو لا الإجماعات المنقولة،و الروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة، و شبهة عدم القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا،لكن بعدها لا تأمل في التخيير و لا شبهة.

و يفعل في الثاني منها [منهما] كذلك فيبني على الأكثر و يتم ثمَّ يحتاط بما مرّ؛لما مرّ،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة هنا،و فيها الصحاح و غيرها.

ففي الصحيح:«إذا كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا و لم يذهب و وهمك إلى شيء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب» الخبر (1).

و ظاهره كغيره و إن أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط،لكنه محمول على التخيير،جمعا بينها و بين ما مرّ.

و منه صريح المرسل:«إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء اللّه صلّى ركعة و هو قائم و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس» الخبر (2).

و الضعف بالإرسال و غيره منجبر بما مرّ.

و أما الصحيح الآمر بالبناء على الأقل (3)فيجاب عنه بما مرّ،مع شذوذ

ص:141


1- الكافي 3:8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5.
2- الكافي 3:9/353،التهذيب 2:734/184،الوسائل 8:216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.
3- الكافي 3:7/353،التهذيب 2:733/184،الوسائل 8:211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

ظاهره،إذ لم يحك عن أحد،بل قيل هنا:لا خلاف في جواز البناء على الأكثر (1).و الجمع بينه و بين ما مرّ بالتخيير-كما عن الصدوق و الإسكافي (2)ضعفه قد ظهر ممّا سبق.

و كذلك يفعل في الثالث لكن يحتاط بركعتين من قيام حتما إجماعا كما في الانتصار و الخلاف (3)؛للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (4).

و الصحيحة الدالة على الإعادة (5)شاذة و إن نقل القول بها عن المقنع (6)؛ لندوره،مع نقل الإجماع عن الفاضلين على خلافه (7)،فلتطرح أو تحمل على الشك في نحو المغرب،أو الرباعية مع وقوعه قبل إكمال السجدتين.

و يستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا (8)،مع أنّ في جملة منها بعد صلاة الاحتياط:«لا شيء عليه» (9)و لذا حمل على الاستحباب تارة،و على ما إذا تكلّم ناسيا اخرى.و هو أولى؛لورود الصحيح باشتراطه فيهما (10).و أمّا جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما بيّنّاه في

ص:142


1- المدارك 4:258.
2- نقله عنهما في المختلف:133.
3- الانتصار:48،49،الخلاف 1:445.
4- الوسائل 8:222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13.
5- التهذيب 2:760/193،الاستبصار 1:1424/375،الوسائل 8:215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
6- المقنع:31.
7- لم نعثر عليه في كتب المحقق و نقله عنه في الذخيرة:376،العلامة في التذكرة 1:139
8- التهذيب 2:738/185،الوسائل 8:221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
9- الوسائل 8:220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3،4،6
10- الكافي 3:4/352،التهذيب 2:739/186،الاستبصار 1:1415/372،الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

الشرح مستوفى،و على تقديره يحمل على التقية كما قدّمناه في نظائره.

و كذلك يفعل في الرابع لكنه يحتاط فيه بركعتين من قيام ثمَّ بركعتين من جلوس على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الانتصار (1)؛ للمرسل المنجبر بالعمل،مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر الصحيح:في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا،قال:«يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم،ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم» (2).

خلافا للصدوقين و الإسكافي (3)،فاكتفوا بركعة من قيام و اثنتين من جلوس؛للصحيح (4).

و في كل من سنده و متنه اضطراب بيّنت وجههما في الشرح.و ممّا يتعلق بالمتن وجود نسخة بركعتين من قيام،بدل ركعة من قيام،كما هو المشهور، و يمكن ترجيحها بالموافقة للرواية السابقة،مضافا إلى الشهرة العظيمة،إلاّ أنّ النسخة المشهورة ضبطا هي الاولى.

و يؤيدها الرضوي (5)المصرّح بعينها من غير نقل اختلاف فيها.لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة الرواية الأولى؛لشهرة الفتوى بها،سيّما من نحو الحلّي و المرتضى-رحمهما اللّه-اللذين لم يعملا إلاّ بالمجمع عليه و المتواترات و الآحاد المحفوفة بالقرائن قطعا.

ص:143


1- الانتصار:48،49.
2- الكافي 3:6/353،التهذيب 2:742/187،الوسائل 8:223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.
3- نقله عنهما في المختلف:133.
4- الفقيه 1:1021/230،الوسائل 8:222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):118،المستدرك 6:411 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.

و تقوية الشهيد في الذكرى (1)هذا القول من حيث الاعتبار منظور فيها كما بيّنته في الشرح مستوفى.

ثمَّ إنّ وجوب الوقوف على المنصوص يقتضي تعيّن الركعتين من جلوس بعد الركعتين من قيام كما هو المشهور،بل عزا الأول في الذكرى إلى الأصحاب (2)،فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقا،لا حتما كما عن المفيد في العزّية و الديلمي (3)،و لا تخييرا بينهما كما عن الفاضل و الشهيدين (4).

و لا تقديمهما على الركعتين من قيام مطلقا،لا حتما كما حكي قولا (5)، و لا تخييرا كما عن المرتضى في الانتصار و أكثر الأصحاب (6).

و في الحكاية عنهم نظر؛إذ ليس في عبارة نحو الانتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس عليهما من قيام بالواو (7)،المفيدة لمطلق الجمعية،دون«ثمَّ»المفيدة للترتيب.

و في الاكتفاء بمثل ذلك في النسبة مناقشة،سيّما مع عدم العلم بمذهبهم في الواو هل تفيد الترتيب أو مطلق الجمعية،مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب بلا شبهة؛و لذا أن في الروضة عزا الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا،قال:رواه ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام،

ص:144


1- الذكرى:226.
2- الذكرى:226.
3- نقله عن العزّية في الذكرى:226،المراسم:89.
4- الفاضل في المنتهى 1:416،الشهيد الأول في الذكرى:226،الشهيد الثاني في الروضة 1:330،و روض الجنان:351.
5- حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان:352.
6- نقله عنهم في الذكرى:226.
7- الانتصار:48.

عاطفا لركعتي الجلوس بثم كما ذكر هنا،فيجب الترتيب بينهما (1)،و في الدروس جعله أولى (2).

أقول:و نحو الرواية في العطف بثمّ الصحيحة المتقدمة.

و اعلم:أنه يجب أن يكون كلّ ذلك أي كل من هذه الصلوات الاحتياطية بعد التسليم بلا خلاف أجده؛للأمر به قبلها ثمَّ بها بعده في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة؛مع تضمن جملة منها-و فيها الصحيح و غيره-أنه إن كان ما صلاّه تماما كانت هذه نافلة،و لا يستقيم ذلك إلاّ بعد انفرادها عن الفريضة و خروجها عنها ليتوجه احتمال وقوعها نافلة،فتأمل جدّا.

و ما تضمّن الأمر ببعضها مطلقا من النصوص مقيدة بذلك جمعا.

و من هنا يظهر وجوب اعتبار النية فيها و الإحرام و التشهد و التسليم،بل جميع واجبات الصلاة،عدا القيام،إلاّ حيث يجب؛لأنها صلاة منفردة، مضافا إلى ورود الأمر بجملة منها في جملة منها.

و هل يتعين فيها قراءة الفاتحة خاصة،أم لا بل يتخير بينها و بين التسبيح؟ الأكثر على الأول.و هو الأظهر؛للأمر بها في نصوصها (3)؛مع تضمن جملة منها كما عرفت احتمال وقوعها نافلة،و لا صلاة إلاّ بفاتحة.

خلافا للمفيد و الحلّي (4)فالثاني؛للبدلية المستفادة من هذه؛مضافا إلى الموثقة العامة (5).و ضعفه ظاهر ممّا عرفته.

ص:145


1- الروضة 1:330.
2- الدروس 1:203.
3- في«ش»زيادة:كالسجدات و التشهد و التسليم.
4- المفيد في المقنعة:146،الحلي في السرائر 1:256.
5- المتقدمة في ص:136.

و هل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلل المنافي؟ظاهر الأكثر:نعم، بل جعله في الذكرى ظاهر النصوص و الفتاوي (1)،معربا عن الإجماع.

و عليه فتبطل بتخلله كما عن المفيد (2)،و عليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الذكرى (3)،مستدلّين عليه بما يرجع حاصله إلى أنّ شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة،فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون واقعا في الصلاة فيبطلها،حتى ورد سجود سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا.

و للأمر به فورا في الصحيح (4)،و تخلّل الحدث يوجب الإخلال به،و هو يوجب بقاء التكليف بحاله،و لا يخرج عنه إلاّ بإعادة الصلاة.

خلافا للحلّي و جماعة من المتأخرين (5)،فلا تبطل بتخلله؛لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم البدلية،و منع اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينها.

و هو ضعيف كما برهن في محلّه مستقصى،و لو سلّم فإيجاب سجدتي السهو لما مرّ قرينة على إرادته هنا.

و كذا الكلام في تخلله بين الصلاة و الأجزاء المنسية.بل الحكم بالبطلان به هنا أولى؛للقطع بجزئيتها.و خروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الإجماعية للضرورة لا يقتضي الخروج عنها بالكلية،هذا.

و لا ينبغي ترك الاحتياط في نحو المسألة،و يحصل بإتيان البدل بعد

ص:146


1- الذكرى:227.
2- نقله عنه في المختلف:139.
3- المختلف:139،الذكرى:227.
4- التهذيب 2:738/185،الوسائل 8:221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
5- الحلّي في السرائر 1:256؛و انظر إرشاد الأذهان 1:270،و روض الجنان:353،و المدارك. 4:267.

تخلّل الحدث،ثمَّ إعادة الصلاة من رأس.

و اعلم:أنّ ظاهر إطلاق النص و الفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد الاحتياط و إن تذكّر كونه متمما لها،بل به صرّح الموثق:«و إن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (1).

و عمومه كإطلاق البواقي يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة.

خلافا للشهيد في الذكرى فاستشكل الحكم في هذه الصورة،إلاّ أنه بعد ذلك قوّى الصحة،قال:لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء،و الإعادة خلاف الأصل،و لأنه لو اعتبر المطابقة لم يتم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه، لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح (2).انتهى.و هو حسن.

و لو ذكر في أثناء الاحتياط الاحتياج إليه ففي الإجزاء مطلقا،أو الإعادة كذلك،أو التفصيل بين ما طابق فالأول و إلاّ فالثاني أوجه.و لعلّ أوجهها الأول؛لاقتضاء امتثال الأمر الإجزاء،و جعله في الروضة (3)و السابق ظاهر الفتوى مشعرا بكونهما إجماعيا،و لكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

و لو ذكر عدم الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان،مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا،و قد مرّ الكلام فيه مستوفى.

و اعلم:أنه لا سهو و لا حكم له على من كثر سهوه بلا خلاف أجده،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح و غيره:«إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك» (4)و زيد في الأول:«فإنه يوشك أن يدعك

ص:147


1- التهذيب 2:1448/349،الوسائل 8:213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.
2- الذكرى:227.
3- الروضة 1:334.
4- الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.

الشيطان» (1).

و هل المراد بالسهو فيهما و في غيرهما من الفتاوي خصوص الشك،كما عن صريح المعتبر و ظاهر الفاضل في التذكرة و النهاية و المنتهى (2)؟ أو ما يعمّه و السهو بالمعنى المقابل له،كما في صريح الروضة و روض الجنان (3)،و عن ظاهر جماعة (4)؟ وجهان،بل قولان:

من عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلق السهو و موجبه،مع سلامته عن معارضة هذه النصوص؛لاختصاص جملة منها بالشك،و الاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها.و إرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي،و هو أمر مرغوب عنه عند المحققين.

و ارتكاب عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص،و لم نجدها،و الاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.

و بالجملة:الاتفاق على إرادة الشك في الجملة،أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم،فأمر غير معلوم،و احتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع،سيّما مع كونه مرجوحا،لاتفاق المعمّم صريحا بل مطلقا-كما قيل (5)-على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مطلقا،و وجوب تدارك

ص:148


1- الكافي 3:8/359،الفقيه 1:989/224،التهذيب 2:1424/343،الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.
2- المعتبر 2:393،التذكرة 1:136،نهاية الإحكام 1:533،المنتهى 1:411.
3- الروضة 1:339،روض الجنان:343.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:119،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):565،و ابن إدريس في السرائر 1:248.
5- قال به العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:277.

غيره فيها أو بعدها كذلك،فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح به أيضا،و ارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا، مع أنّ الموجود في الصحيح و غيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة،و هو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها،فكيف يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.

و من قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك،و له بالمعنى الأخص؛لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة؛ فهو الدليل عليه،و لا وجه لمنعه.

و الحكم بوجوب تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو؛إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه،و إنما السبب عموم أدلته،و سببية السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو،فلا يجب مع الكثرة و ليس فيه تخصيص بالمرة.

بالجملة:المراد من السهو المنفي موجبه،و ليس إلاّ خصوص سجود السهو،و إلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب أداء و تداركا إلاّ بعموم أدلة لزوم فعله،و كذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.

فهذا القول أقوى و إن كان الأول أحوط(و أولى) (1).

و حيث تعيّن الشك أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو؟أو ما يعمّه و غيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز المحل،أو في النافلة،أو مع رجحان الطرف في الأخيرتين أو مطلقا ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط؟ وجهان،بل قيل:قولان (2)،و لعل الأجود:الأول كما اخترناه في الشرح،

ص:149


1- ليست في«م».
2- انظر الأربعين للعلامة المجلسي:551.

اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص،و ليس إلاّ الشك الكثير الذي له حكم.

ثمَّ المراد بنفي الشك عدم الالتفات إليه و البناء على وقوع المشكوك فيه و إن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح،على ما صرّح به جمع (1)،من غير خلاف فيه بينهم يعرف،و به صرّح بعض (2).

و لعلّه لتبادر ذلك من النصوص،مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب،كالصحيح الوارد فيمن لم يدر كم صلّى أنه لا يعيد (3)،و الموثق الوارد في الشاك في الركوع و السجود أنه لا يعود إليهما و يمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا (4)،و لا قائل بالفرق.

و ظاهر النصوص بل الفتاوي أيضا كون ذلك حتما لا رخصة.و عليه فلو أتى بالمشكوك فيه فسد الصلاة قطعا إن كان ركنا،و كذا إن كان غيره على الأقوى كما بيّنته في الشرح مستوفى.

و لو كثر شكه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشك مطلقا فيبني مطلقا في غيره على فعله أيضا،أم يقتصر على ذلك؟ وجهان،أجودهما الأول،وفاقا لجمع (5)؛للإطلاق المؤيد بالتعليل الوارد

ص:150


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:339،و صاحب المدارك 4:271،و العلامة المجلسي في البحار 85:278،و صاحب الحدائق 9:295.
2- الحدائق 9:295.
3- الكافي 3:2/358،التهذيب 2:747/188،الاستبصار 1:1422/374،الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
4- التهذيب 2:604/153،الاستبصار 1:1372/362 الوسائل 8:229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 5.
5- منهم:الشهيد في الذكرى:223،و صاحب المدارك 4:272،و المحقق السبزواري في الذخيرة:371.

في النصوص بأن ذلك من الشيطان (1)،و هو عام.

و المرجع في الكثرة إلى العرف،وفاقا للأكثر؛لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع.

و تحديده في الصحيح بالسهو في كل ثلاث (2)مجمل؛لتعدد محتملاته و إن كان أظهرها كون المراد أنه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية،و لكن ليس فيه مخالفة للعرف،بل لعلّه بيان له و ليس حصرا.

خلافا لابن حمزة،فإن يسهو ثلاث مرات متوالية (3).

و للحلّي،فأن يسهو في شيء واحد أو فريضة ثلاث مرّات،فيسقط بعد ذلك حكمه،أو يسهو في أكثر الخمس أعني الثلاث منها فيسقط في الفريضة الرابعة (4).

و لم نعرف لشيء منها حجة،إلاّ أن يراد بيان المعنى العرفي لا التحديد الشرعي فلا نزاع،و إن كان يستشكل في مطابقة بعضها على الإطلاق للعرف.

و متى حكم بثبوت الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع،و يستمر إلى أن يخلو من السهو فرائض يتحقق بها الوصف،فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن حدّدناها بها،و يحتمل مطلقا كما في الذكرى (5)،و به قطع شيخنا في روض الجنان و الروضة (6).و هو حسن إن صدق زوال الكثرة عرفا بذلك،و إلاّ فلا يتعلق حكم السهو الطارئ إلاّ بزوال الشك غالبا بحيث يصدق في العرف أنه

ص:151


1- الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.
2- الفقيه 1:990/224،الوسائل 8:229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 7.
3- الوسيلة:102.
4- السرائر 1:248.
5- الذكرى:223.
6- روض الجنان:343،الروضة 1:340.

غير كثير الشك كما أفتى به في الذكرى أوّلا،و هو الأقوى و إن كان الأول محتملا.

و كذا لا حكم للسهو على من سها في سهو بلا خلاف؛ للصحيح:«ليس على الإمام سهو،و لا على من خلف الإمام سهو،و لا على السهو سهو،و لا على الإعادة إعادة» (1).

و لكن في العبارة إجمال؛لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة،أو الشك كذلك،أو الأول في الأول و الثاني في الثاني،أو بالعكس.

و على التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف،و حذفه من الموجب بالفتح،فالصور ثمان.

و ظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع (2).و هو مشكل؛لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها،و الخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.

هذا،مع ظهور سياق النص و العبارة-كغيرها-في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى الثاني،و ربما يظهر من الفاضل و غيره عدم الخلاف فيه،و أن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.

قال في المنتهى:و معنى قول الفقهاء:لا سهو في السهو،أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو،كمن شك بين الاثنتين و الأربع فإنه

ص:152


1- الكافي 3:7/359،التهذيب 2:1428/344،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
2- كما في الذخيرة:369.

يصلي ركعتين احتياطا،فلو سها فيهما و لم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك.و قيل:معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به و لا يجب عليه شيء،و الأول أقرب (1).

و أظهر منه كلام التنقيح،فإنه قال بعد نقل العبارة:و له تفسيران،الأول:

أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط و سجود السهو.الثاني:أن يشك هل شك أم لا،قال:و كلا هما لا حكم له،و يبني في الأول على الأكثر،لأنه فرضه (2).

و نقلهما في أمثال ذلك حجّة،و عليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا،لما مضى.و عليه فيندفع أكثر وجوه الإجمال و يبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.

و لا ريب في مطابقة الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص و إن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه.و إنما المحتاج إليه إنما هو الأول؛لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، و لا يتم إلاّ مع عدم الشك؛مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا،فتأمل.

و حيث إن النص يحتمله و الثاني،لا يمكن التمسك به لإثباته،إلاّ أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء،مع ظهوره من كلماتهم و استدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو،بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له،و ليس إلاّ على تقدير التفسير الأول.

مع اعتضاده بما في المعتبر و المنتهى و غير هما (3)من الاعتبار،و هو أنه لو

ص:153


1- المنتهى 1:411.
2- التنقيح الرائع 1:262.
3- المعتبر 1:394،المنتهى 1:411؛و انظر نهاية الإحكام 1:533.

تداركه أمكن أن يسهو ثانيا و لا يتخلص من ورطة السهو؛و لأنه حرج فيسقط اعتباره؛و لأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.

و ممّا ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين،كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم،و هو لازم لكل من اختار التفسير الأول،لموافقة الثاني للأصل.

و المتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد،و إلاّ فعلى المصحّح،كما مرّ في كثير الشك،و به صرّح جمع (1)؛لمقتضى التعليلات المتقدمة.

خلافا لنادر من متأخري المتأخرين (2)،فاحتمل البناء على الأقل،و هو ضعيف.

و اعلم:أن قوله عليه السلام في الصحيحة:«و لا على الإعادة إعادة» فسرّ بتفسيرين أظهر هما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثمَّ حصل أمر موجب لها فإنه لا يلتفت إليه،و يعضده الصحيح:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه،فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد» (3).

و الاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرّح به في الحيض.لكن في حصوله بهما عرفا تأمل و بعد،إلاّ أن يدفع بملاحظة الصحيحة و الرضوي الوارد في الشك في الأوليين أنه يعيد مطلقا،و يبني على المظنون لو شك ثانيا،و قد مرّ فتوى والد الصدوق به (4).لكنه كما عرفت شاذّ،فالمصير إليه مشكل.و كذا إلى

ص:154


1- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:341،و الروضة 1:339،و المحقق السبزواري في الذخيرة:369.
2- مجمع الفائدة 3:136.
3- الكافي 3:2/358،التهذيب 2:747/188،الاستبصار 1:1422/374.
4- راجع ص 133.

الصحيح؛لعدم وضوح القائل به كما صرّح به جمع (1)،مع ظهور الفتاوي في انحصار المقتضي لعدم الالتفات إلى الشك في أمور محصورة ليس ما في الصحيح شيئا منها بلا شبهة و إن جعل في الذكرى و غيره (2)من الشك الكثير، لضعفه (3)بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة،و به صرّح جماعة (4).

و ربما يوجّه بوروده مورد الغالب،و هو كثير الشك؛لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضا غالبا دون غيره،فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو للكثرة.

و فيه نظر؛لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه الصحيح أيضا.و حمله على الغالب يخرجه عن صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو و إن لم يكن هناك كثرة،كما هو الفرض في البحث السابق،و هو خلاف طريقة المستدلين به لذلك حتى الموجّه،مع أن دعوى الغلبة لا تخلو عن مناقشة،هذا.

و لا يبعد العمل بما في الصحيحة؛لحجيتها،و ظهور دلالتها،و اعتضادها بغيرها،و عدم القطع بشذوذها و إن لم يظهر قائل صريح بها،فإنّ ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافها.و لكن الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.

و اعلم:أنّ ما تضمنته الصحيحة من أنه لا سهو على المأموم،و لا على الإمام بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف،و به صرّح بعض (5)،و ذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب (6)،مؤذنين بدعوى الإجماع

ص:155


1- منهم:صاحب المدارك 4:274.
2- الذكرى:223،و انظر المدارك 4:274.
3- أي الجعل المذكور.منه رحمه اللّه.
4- منهم المحقّق السبزواري في الذخيرة:371.
5- كصاحب الحدائق 9:268.
6- منهم:صاحب المدارك 4:269،و المحقق السبزواري في الذخيرة:369.

عليه؛و هو حجة أخرى بعد الصحيحة.

مضافا إلى المعتبرة الأخر،منها الصحيح:عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى،هل عليه سهو؟قال:«لا» (1).

و المرسل:«ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان أو اتفاق منهم-على اختلاف النسخ-و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (2).

و ما فيه من اشتراط حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم،و لا ريب فيه؛لأنّ الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير مرجح،و به يقيد إطلاق باقي الأخبار.

و المتبادر من الحفظ و عدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع،كما يدل عليه لفظ الإيقان في بعض النسخ،فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل،و كذا الظان إلى المتيقن،و إن صرّح بهما جماعة (3)؛لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه،و التخصيص يحتاج إلى دليل،و ليس.

إلاّ أن يقال:إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام و المأموم في الفتاوي و النصوص يشمل الظن؛لأعميته لغة منه و من الشك بالمعنى المعروف،فنفيه بعنوان العموم يقتضي دخولهما فيه.

ص:156


1- التهذيب 2:1453/350،الوسائل 8:239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.
2- الكافي 3:5/358،الفقيه 1:1028/231،التهذيب 3:187/54،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 8.
3- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:342،و الروضة 1:341،و صاحب المدارك 4:270،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:179.

مع أن في الخبر:«الإمام يحفظ أوهام من خلفه» (1)و يدخل في الأوهام الظن؛لإطلاقه عليه في الشرع.

و حفظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه:أنه يترك و همه و يرجع إلى يقين الإمام.و إذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس؛لعدم تعقل الفرق، مع عدم ظهور قائل به.

بل و لا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا،و الشاك إلى الظان كذلك،لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.

و ما قيل في توجيهه من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين (2)فضعيف؛ لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان،كيف لا و هو أول الكلام،و تسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعا،فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظنا،و إلاّ فالرجوع متعين، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده ظنا أقوى مطلقا و إن قلنا بالمنع فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى،لكنه خروج عن محل البحث،و هو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا و لو لم يفده ظنا، كما يقتضيه إطلاق النصوص و الفتاوي.

و عليه فلا يشترط عدالة المأموم و لا تعدده،فيرجع إليه الإمام و لو كان واحدا فاسقا،و لا يتعدى إلى غيره و إن كان عدلا،نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.

و لو اشتركا في الشك و اتّحد محلّه لزمهما حكمه،كما أنهما لو اتّفاقا على الظن و اختلف المحل تعيّن الانفراد،و إن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه و تركا ما

ص:157


1- الكافي 3:3/347،الفقيه 1:1205/264،التهذيب 2:563/144،الوسائل 6:14، 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 6،12 و في الجميع:يحمل،بدل:يحفظ،و رواها في التهذيب 3:812/277 بلفظة:يتحمل.
2- مجمع الفائدة و البرهان 3:139.

انفرد كلّ به،و إن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد و لزم كلا منهما حكم شك نفسه.

و لو تعدّد المأموم و اختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة و الانفراد بدونها.

و لو اشترك الشك بين الإمام و بعضهم قيل:يرجع الإمام إلى الذاكر منهم و إن اتحد،و باقي المأمومين إلى الإمام (1).

و فيه نظر،بل ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين،سيّما على النسخة المبدل فيها الإيقان بالاتفاق،و لا يضرّ الإرسال بعد الانجبار بالأصل و عمل الأصحاب،و هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع و غيره (2)من الأصحاب، و صريح بعضهم (3).و لعلّه الأقوى.

و لا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام (4)؛ لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام.

و لو حصل الظن بقول الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.

و كلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه و لا يلزم الآخر متابعته فيهما،على الأشهر بين المتأخرين و الأقوى؛للأصول و العمومات،و خصوص ما سيأتي من الروايات.

خلافا للمرتضى و الخلاف (5)،فنفياهما عن المأموم مطلقا و إن عرض له

ص:158


1- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:343 و مسالك الافهام 1:42.
2- الشرائع 1:118؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:141.
3- كصاحب المدارك 4:270.
4- الكافي 3:7/359،التهذيب 2:1428/344،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
5- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41،الخلاف 1:463.

السبب،و ادعى الثاني عليه الإجماع.

و استدل له تارة بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو.

و هي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب،و يشهد له السياق بقرينة قولهم عليهم السلام:و ليس على الإمام سهو،مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها،فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها،لما مضى مرارا،إلاّ أن يوجّه بما مضى أيضا.

و اخرى بالموثقين،في أحدهما:عن الرجل ينسى و هو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع،أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا،فقال:

«ليس عليه شيء» (1).

و في الثاني:عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة و لم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتى يسلّم،فقال:«قد جازت صلاته،و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو،لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه» (2).

و لا دلالة للأول على المطلوب؛للقول بالموجب كما سيظهر.

و الثاني معارض بأجود منه سندا،كالصحيح:عن الرجل يتكلم في الصلاة،يقول:أقيموا صفوفكم،قال:«تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (3)و الظاهر كون الرجل مأموما.

ص:159


1- الفقيه 1:1202/263،التهذيب 3:816/278،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 4.
2- الفقيه 1:1204/264،التهذيب 3:817/278،الوسائل 8:240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 5.
3- الكافي 3:4/356،التهذيب 2:755/191،الاستبصار 1:1433/378،الوسائل 8:206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

و أظهر منه الخبر:أسهو في الصلاة و أنا خلف الإمام،فقال:«إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو» (1).

و مع ذلك محتمل للحمل على التقية؛لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلاّ مكحولا كما صرّح به جماعة (2)؛مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه لا يضمنها إما مطلقا كما في الصحيح (3)و غيره (4)،أو ما عدا القراءة منها كما في غيرهما (5).

و للمبسوط،فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما و إن لم يعرض له السبب، وفاقا للجمهور؛لما دلّ على وجوب المتابعة (6).

و يضعّف بمنع وجوبها إلاّ في نفس الصلاة،و سجدة السهو خارجة عنها.

نعم،في الموثق:عن الرجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام،كيف يصنع؟فقال عليه السلام:«إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه،و إذا قام و بنى على صلاته و أتمها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو» (7).

و فيه موافقة للشيخ-رحمه اللّه-إلاّ أنه يمكن حمله على التقية،أو على

ص:160


1- التهذيب 2:1464/353،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.
2- منهم:الشيخ في الخلاف 1:463،و المحقق في المعتبر 2:394،و العلامة في المنتهى 1: 412،و المحقق السبزواري في الذخيرة:370.
3- الفقيه 1:1206/264،التهذيب 3:819/279،الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 2.
4- الكافي 3:5/377،التهذيب 3:769/269،الوسائل 8:354 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.
5- التهذيب 3:820/279،الاستبصار 1:1694/440،الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.
6- المبسوط 1:124.
7- التهذيب 2:1466/353،الوسائل 8:241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

اشتراكهما في السهو،فإنّ الحكم فيه ذلك،سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.

و قد ذكرنا جملة من صورهما و جملة من الصور المتعلقة بشك الإمام و المأموم مع حفظ الآخر أو لا في الشرح مستوفى.

و لو سها في النافلة فشك في عددها تخيّر في البناء على الأقل أو الأكثر،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (1).

و الأمر بالبناء على الأقل في المرسل (2)محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر،بل ظاهر جمع كونه مجمعا عليه (3)،و علّل زيادة عليه بأنه المتيقن.

و الأصل في البناء على الأكثر-بعد الإجماع الذي مرّ-نفي السهو فيها في الصحيح (4)و غيره (5).

و عمومه فيهما سيّما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضا مطلقا،أركانا كانت أو غيرها،كان الشك قبل تجاوز محلّها أو بعده.

خلافا للروض و المدارك (6)،فخصّاه بالأعداد،و لا وجه له بعد عموم اللفظ،مع إمكان استفادة الحكم فيها من الحكم بنفي الشك في العدد بطريق أولى،فالعموم أقوى إن لم يكن للإجماع مخالفا.

و إن عمّمنا السهو المنفي لمعناه المعروف-كما هو الأقوى على ما قدّمناه

ص:161


1- كالصدوق في الأمالي:513،و الطوسي في التهذيب 2:178،و المحقق في المعتبر 2:396،و العلامة في التذكرة 1:138.
2- الكافي 3:/359ذيل الحديث 9،الوسائل 8:230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2.
3- انظر التذكرة 1:138،و المدارك 4:274.
4- الكافي 3:6/359،التهذيب 2:1422/343،الوسائل 8:230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.
5- المقنع:33،المستدرك 6:414 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
6- روض الجنان:355،المدارك 4:274.

في بحث كثير الشك-أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضا،كما صرّح به في المدارك (1)،تبعا لظاهر الخلاف و صريح المنتهى (2)،و ظاهر هما بل صريح الأول عدم خلاف فيه بيننا.خلافا للروض فجعل النافلة هنا كالفريضة (3).

و هل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقا حتى لو استلزم فساد النافلة،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها؟أو إذا لم يستلزم فسادها،و إلاّ فالبناء على الأقل يكون متعينا؟ وجهان،أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النص و الفتاوي، و إلاّ فهو أظهر هما،سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختيارا.

و اعلم:أنه تجب سجدتا السهو زيادة على من مرّ (4)على من تكلّم ناسيا أو ظانا لخروجه من الصلاة و من شكّ بين الأربع و الخمس و هو جالس و من سلّم قبل إكمال الركعات على الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع على الجميع (5)،و في المنتهى و غيره (6)الاتّفاق على الأخير و الأول،و حكي عن ظاهر الماتن أيضا في الثالث (7).

للصحيح في الأول:عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول:أقيموا صفوفكم،قال:«يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين»الخبر (8).

و نحوه صحيح آخر وارد في الشك بين الثنتين و الأربع و فيه:«و إن تكلّم

ص:162


1- المدارك 4:274.
2- الخلاف 1:465،المنتهى 1:417.
3- روض الجنان:353.
4- أي:ناسي التشهد و السجدة الواحدة.منه رحمه اللّه.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):566.
6- المنتهى 1:417؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:170،176.
7- راجع المعتبر 2:397.
8- تقدّم مصدره في ص:159.

فليسجد سجدتي السهو» (1).

و في ثالث وارد في تسليم النبي صلّى اللّه عليه و آله على الركعتين في الرباعية و تكلّمه مع ذي الشمالين أنه سجد سجدتين لمكان الكلام (2).و ظاهره كونهما للكلام دون السلام،و لكنهما من باب واحد كما صرّح به من الأصحاب غير واحد (3)مستدلّين به على وجوبهما في الثالث.

و للمعتبرين فيه،أحدهما الصحيح:عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع،قال:«يقوم فيركع و يسجد سجدتين» (4).

و الثاني الموثق:عن رجل صلّى ثلاث ركعات و ظنّ أنها أربع فسلّم ثمَّ ذكر أنها ثلاث،قال:«يبني على صلاته و يصلّي ركعة و يتشهد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو» (5)و هو أظهر دلالة من الأول.

و للصحاح المستفيضة في الثاني (6).

خلافا لظاهر الصدوقين في الجميع (7)،و مال إليه بعض من تأخر فيما عدا الثاني (8)؛للصحاح المستفيضة و غيرها:«لا شيء عليه» (9)و حمل الأخبار

ص:163


1- الكافي 3:4/352،التهذيب 2:739/186،الاستبصار 1:1415/372،الوسائل 8:219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
2- الكافي 3:6/357،التهذيب 2:1433/345،الوسائل 8:203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
3- كالعلامة في المنتهى 1:417.
4- التهذيب 2:1451/350،الوسائل 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 8.
5- التهذيب 2:1466/353،الوسائل 8:203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.
6- الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.
7- نقله عن والد الصدوق في المختلف:140،الصدوق في الأمالي:513.
8- المحقق السبزواري في الذخيرة:379.
9- الوسائل 7:235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9،و ج 8:200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5،9.

السابقة على الاستحباب جمعا.

و هو ضعيف جدا؛لفقد التكافؤ بينهما،لقوة تلك بالشهرة العظيمة،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته،و يعضده موافقة الصدوق في الأول للأكثر في موضع آخر (1).

و أما عدم ذكر العماني-ككثير من القدماء-الثالث فغير ظاهر في المخالفة للأكثر بعد ذكرهم الكلام من جملة ما يوجبهما؛لما قدّمناه (2).

مع أنّ الجمع بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشيء المنفي في هذه المستفيضة بالإثم و الإعادة،و الترجيح لا بد له من دليل، و ليس،سوى الأصل الغير المعارض لما دلّ على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،فالجمع الثاني أقوى.

و للمفيد و الخلاف و الديلمي و الحلبي (3)في الثاني،فلم يذكروهما فيه، بل ظاهر الأولين نفيهما؛و لم أجد لهم عليه مستندا مع استفاضة الصحاح المتقدمة بخلافه و اشتهاره بين أصحابنا،فهو ضعيف جدّا.

و أضعف منه القول بوجوب إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى (4)؛لندرته،و دعوى شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية الإجماع على خلافه.

و قريب منهما في الضعف ما عن المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط

ص:164


1- كما في المقنع:32.
2- من أن الكلام و التسليم في غير المحلّ من باب واحد.منه رحمه اللّه.
3- المفيد في المقنعة:148،الخلاف 1:202،الديلمي في المراسم:90،الحلبي في الكافي: 149.
4- المنتهى 1:417.

بركعتين من جلوس (1)،للرضوي (2)؛لقصوره عن المقاومة للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.

ثمَّ إنّ الموجود في جملة منها إنما هو أن من لم يدر أربعا صلّى أو خمسا فليسجد سجدتي السهو،و مقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة الجلوس كما قلنا،و صرّح به جماعة من أصحابنا (3).

و عليه فيشكل الحكم بوجوبهما في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما عدا المتقدمة،إذ منها وقوع الشك بينهما قبل الركوع،و يجب فيها هدم الركعة مطلقا و إتمام الصلاة و الاحتياط بركعتين من جلوس؛لرجوعه إلى الشك بين الثلاث و الأربع،و ليس فيه سجود السهو على الأصح،نعم إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس اتجه،لكنه ليس من جهة الشك بين الخمس و الأربع.

و ما عدا هذه الصورة يشكل الحكم بصحة الصلاة فيها مطلقا،سيّما ما كان الشك فيه قبل السجدتين،فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه (4)الحكم بالبطلان هنا،لتردده بين محذورين:الإكمال المعرّض للزيادة،و الهدم المعرّض للنقيصة.

و في الذكرى احتمال البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين؛لعدم الإكمال

ص:165


1- المقنع:31،و فيه:الشك بين الاثنتين و الخمس،و لكن المنقول عنه في المختلف:134 هو الشك بين الأربع و الخمس.
2- فقه الرضا(عليه السلام):120،المستدرك 6:412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:397،و العلامة في المنتهى 1:417،و صاحب المدارك 4:277.
4- انظر التذكرة 1:140،و القواعد 1:43،و المختلف:134.

و تجويز الزيادة (1).

و هو جار في باقي الصور،و مع الإشكال في الصحة كيف يمكن الحكم بوجوب السجدة فإنه فرعها؟!و لو سلّمناها كما حكي عن الماتن القطع بها- لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصل من عدم الزيادة،و لأن تجويزها لو أثّر لأثّر في جميع الصور (2)-كان الحكم بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه،بعد ما عرفت من اختصاص النصوص الموجبة لها بفرد خاص قد مرّ.لكن في جملة أخرى منها غير ما قدّمنا متنها إيجابها للشك في مطلق الزيادة و النقصان، فيشمل المقام،إلاّ أنّ في الاستناد إليها كلاما يأتي.

و هل تجبان في غير ما ذكر؟ قيل :نعم لكل زيادة و نقصان،و للقعود في موضع القيام،و القيام في موضع القعود.

و القائل الصدوق (3)صريحا في الثاني،كأبيه و المرتضى و الديلمي و الحلّي و القاضي و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة (4)مدعيا عليه إجماع الإمامية، و غيرهم من المتأخرين (5).

و ظاهرا في الأول؛حيث أوجبهما على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص،كما في جملة من المعتبرة كالصحيح و الموثق:«من حفظ سهوه فأتمه

ص:166


1- الذكرى:227.
2- حكاه عنه في الذكرى:227.
3- كما في الأمالي:513،و الفقيه 1:225.
4- نقله عن والد الصدوق في المختلف:140،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):37،الديلمي في المراسم:90،الحلّي في السرائر 1:257،القاضي في المهذّب 1:156،ابن حمزة في الوسيلة:102،الحلبي في الكافي:148،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):566.
5- منهم الشهيدان في اللمعة(الروضة 1):327،و روض الجنان:353.

فليس عليه سجدتا السهو،و إنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها» (1).

و الصحيح:«إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس» (2).

و ذلك فإن وجوبهما هنا يستلزم وجوبهما مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرّح به جماعة من أصحابنا (3)؛و لعلّه لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل زيادة و نقيصة إلى الصدوق (4).

هذا إن قلنا إنّ المراد من قوله:من لم يدر زاد في صلاته أم نقص، الشك في الزيادة و عدمها،و في النقيصة و عدمها،كما فهمه الجماعة،و لعلّه المتبادر منه عرفا و عادة.

أما لو كان المراد منه معناه الحقيقي لغة و هو الشك في خصوص الزيادة أو النقيصة بعد القطع بإحداهما فيكون نصا في وجوب السجدتين بإحداهما مطلقا،إلاّ أن يخصّ متعلقهما بالركعة خاصة دون غيرها مطلقا؛و لعلّه لذا لم ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى الصدوق و لا غيره-مع أنه حكى عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة و النقيصة،و عن المفيد الموافقة له،لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة و نقصها أو الركوع كذلك-بل قال:نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة و نقصان،و لم نظفر بقائله و لا بمأخذه إلاّ رواية الحلبي السابقة،و أشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة،قال:و ليست

ص:167


1- الكافي 3:4/355،الفقيه 1:1018/230،الوسائل 8:225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6؛و ص 239 ب 23 ح 8.
2- الكافي 3:1/354،الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.
3- منهم ابن فهد في المهذّب البارع 1:446.
4- الروضة 1:327.

صريحة في ذلك؛لاحتمالها الشك في زيادة الركعات و نقصانها،أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه و ذلك غير المدّعى،إلاّ أن يقال بأولوية المدّعى على المنصوص (1).انتهى.

لكنه بعيد و إن احتمله،و يشهد له عدم نفيه الظهور بل الصراحة.

و على هذا فيتقوى القول المزبور؛لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية؛مع اعتضادها ببعض المعتبرة:«تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (2).

لكن المشهور عدم وجوبهما فيهما؛و لعلّه لقصور سند الرواية الأخيرة بالجهالة،مع معارضتها-كالمعتبرة-بجملة من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع و الجهر و الإخفات و القراءة و نحوها (3)الظاهرة في عدم الوجوب؛لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك الأمور المزبورة من دون إشارة في شيء منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام الحاجة.

مع أنّ في جملة منها صحيحة التصريح ب«لا شيء عليه»الشامل للسجدة.و تخصيصها بما عداها من الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة و إن أمكن،لأنها أظهر دلالة،إلاّ أنه يمكن العكس،فتقيّد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة،و هذا أرجح؛للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة.

هذا مع تصريح بعض الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب

ص:168


1- الدروس 1:207.
2- التهذيب 2:608/155،الاستبصار 1:1367/361،الوسائل 8:251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.
3- الوسائل 6:320 أبواب الركوع ب 15،و ص 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26،27،29.

السجدتين فيها (1)،و يتم الباقي بعدم القائل بالفرق أصلا،فالعدم أقوى و إن كان الوجوب أحوط و أولى هنا.

و كذا في الموضع الثاني أيضا؛لدلالة جملة من المعتبرة عليه،و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (2)،و إن كان العدم هنا أيضا أقوى؛لمعارضة الصحيح و الموثق بمثلهما المتقدم (3)الدال على عدم الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا.

مع أنهما-كغير هما-معارضان بالصحاح المستفيضة و غيرهما من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة و التشهد قبل تجاوز المحل و بعده (4)،الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في المستفيضة السابقة.و تخصيصها بهذه المعتبرة و إن أمكن إلاّ أنه يمكن حمل هذه المعتبرة على التقية؛لكونها موافقة لمذهب الشافعي و أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (5).و مع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة.و هي أولى بالترجيح؛للأصل،و مخالفة العامة،و موافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة.و لكن الاحتياط قد عرفته.

و عن الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث و الأربع إذا توهّم الرابعة (6)؛للصحيحين (7)و غيرهما (8).

ص:169


1- راجع ص 116.
2- الوسائل 8:250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32.
3- في ص 166 و 167.
4- الوسائل 6:364 أبواب السجود ب 14،و ص 405 أبواب التشهّد ب 9.
5- المنتهى 1:418.
6- كما نقله عنه في الدروس 1:206.
7- الكافي 3:5/352 و 8/353،الوسائل 8:217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4، 5.
8- الوسائل 8:216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.

و في الدروس إنه نادر (1).

و لعلّه كذلك،فينبغي حمل النصوص على الاستحباب،مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا و دلالة،مع إشعاره بوروده تقية.و الصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على المظنون خصوصا و عموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا مع ورودها في بيان الحاجة.و هي بالترجيح أولى؛ لاعتضادها بالأصل و الشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا، و لكن فعلهما لعلّه أحوط و أولى.

و هما أي السجدتان بعد التسليم مطلقا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،و في صريح الناصرية و الخلاف و الأمالي أن عليه إجماعنا (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).

و قيل:إن كانتا للنقصان فقبل و إلاّ فبعد (4)؛للصحيح (5).

و حمل على التقية (6)،و يعضده مصير الإسكافي إليه،حكاه عنه جماعة (7)و إن أنكره في الذكرى،لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه و إن لم تكن فيه صريحة،هذا،و قال بعد الإنكار:نعم هو مذهب أبي حنيفة (8).

ص:170


1- الدروس 1:207.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):201،الخلاف 1:448،الأمالي:513.
3- الوسائل 8:207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5.
4- قال به ابن جنيد كما في المختلف:142.
5- التهذيب 2:769/195،الاستبصار 1:1439/380،الوسائل 8:208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.
6- كما في التهذيب 2:195،و مجمع الفائدة و البرهان 3:161.
7- منهم:العلامة في المختلف:142،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:264،و صاحب المدارك 4:282.
8- الذكرى:229.

و هو أيضا من المعاضدات القوية إلاّ أنّ المنسوب إليه في المعتبر و المنتهى هو الموافقة لأصحابنا (1)،و كيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.

و أضعف منه القول المحكي في الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقا (2)؛ لضعف ما دلّ عليه من الأخبار (3)سندا و مكافاة-كالصحيح المتقدم-لما تقدّم من وجوه شتّى.و حمل هذا على التقية أيضا (4)،و لا بأس به جمعا بين الأدلة.

و يجب عقيبهما تشهد خفيف و تسليم على الأشهر الأقوى،و في ظاهر المعتبر و المنتهى أنّ عليهما إجماعنا (5)؛و هو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في الأول،منها الصحيح:«و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا» (6).

و نحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهد تشهدا خفيفا (7)،فتأمل.

و بها يقيّد ما أطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد (8).

ص:171


1- المعتبر 2:399،المنتهى 1:418.
2- الشرائع 1:119.
3- انظر الوسائل 8:208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4،5.
4- كما في التهذيب 2:195.
5- المعتبر 2:400،المنتهى 1:418.
6- الفقيه 1:1019/230،التهذيب 2:772/196،الاستبصار 1:1441/380،الوسائل 8:224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
7- الأول: التهذيب 2:745/187،الاستبصار 1:1420/374،الوسائل 8:227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6. الثاني: الفقيه 1:1023/230،الوسائل 8:223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.
8- الأول: التهذيب 2:621/158،الوسائل 6:403 أبواب التشهد ب 7 ح 6. الثاني: الكافي 3:22/448،التهذيب 2:1387/336،الوسائل 6:404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.

و الصحيح في الثاني الوارد فيمن صلّى أربعا أو خمسا،و فيه:«فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعد هما» (1).

خلافا للمختلف فلا يجبان (2)؛للأصل،و الموثق:عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟فقال:«لا،إنما هما سجدتان فقط،فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها،و ليس عليه أن يسبح فيهما و لا فيهما تشهد بعد السجدتين» (3).

و هو نصّ في نفي التشهد،و لا قائل بالفرق بينه و بين نفي التسليم،مع استفادته من الحصر في الصدر.

و يضعف الأصل بما مر،و يضعف عن مقاومته الموثق.

و لو لا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة؛لاعتبار سندها،و صراحتها،و اعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشيء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهرا؛مضافا إلى مخالفتها لما عليه أكثر العامة العمياء و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (4).

ص:172


1- الكافي 3:3/355،التهذيب 2:767/195،الوسائل 8:207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 2.
2- المختلف:143.
3- الفقيه 1:996/226،التهذيب 2:771/196،الاستبصار 1:1442/381،الوسائل 8:235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.
4- المنتهى 1:418.

و بموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين و ما في معناهما على التقية، و يحتمل الاستحباب على بعد،لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.

و صريح الموثقة كظاهر العبارة و غيرها عدم وجوب شيء آخر.و هو الأقوى؛للأصل أيضا،فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور.خلافا للمبسوط فأمر به (1)،و لا دليل على الوجوب إن أراده،و الاستحباب لا بأس به.

و لا ذكر فيهما (2)كما عليه الفاضلان في المعتبر و المختلف و المنتهى (3)،و قوّاه جماعة من متأخري متأخرينا (4).

خلافا للأكثر فأوجبوه و عينوا ما في رواية الحلبي الصحيحة أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول فيهما:«بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آله».

و في بعض النسخ:«اللّهم صلّ»..إلى آخره.

و سمعه مرة أخرى يقول:«بسم اللّه و باللّه،السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» (5).

و في بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام.و الكل حسن كما صرّح به

ص:173


1- المبسوط 1:125.
2- في المختصر المطبوع:و لا يجب فيهما ذكر.
3- المعتبر 2:400،المختلف:143،المنتهى 1:418.
4- منهم:الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:162،و صاحب المدارك 4:285 و المحقق السبزواري في الكفاية:27،و الذخيرة:381،و العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:221.
5- الكافي 3:5/356،الفقيه 1:997/226،التهذيب 2:773/196،الوسائل 8:234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

جمع (1).

و استضعفها الماتن أولا:بأن الحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة بل مطلقا،بناء على فهمه منها أنه عليه السلام سها فقال ما ذكر فيهما.و ثانيا:باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (2).

و يضعّف الأول:بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها.و الثاني:بأن اللزوم هو المتبادر،كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق الطلب.

نعم،يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل و إطلاق كثير من النصوص،لكن الأحوط،بل اللازم عدم الترك.

و يجب فيهما-مضافا إلى ما مرّ-النية؛لأنها عبادة.و رفع الرأس بينهما،بل و الجلوس بينهما مطمئنا تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى و الرواية.و السجود على الأعضاء السبعة،و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه،و الطهارة، و الستر،و استقبال القبلة.

كل ذلك احتياطا للعبادة،و تحصيلا للبراءة اليقينية،و أخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة،مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية و كثير ممّا بعدها.

و هل المراد بالتشهد الخفيف ما اشتمل على مجرد الشهادتين و الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليه و آله،أم التشهد المعهود في الصلاة و يكون

ص:174


1- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:328،و روض الجنان:354،و المحقق السبزواري في الذخيرة:381،و صاحب الحدائق 9:334.
2- انظر المعتبر 2:401.

المراد بالخفة تخفيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة؟ وجهان،و لعلّ الأظهر الأول كما صرّح به جمع،و منهم خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-في البحار عازيا له إلى الأصحاب،مشعرا بدعوى الإجماع (1).

ثمَّ إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة؟كلّ محتمل،و لكن الأحوط الأول،تبعا لظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه،و إن احتمل عدمه بتخيّل احتمال ورود الأمر مورد توهم وجوب ضده.

و المراد بالسلام ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين،دون السلام عليك أيها النبي (2).

خلافا للحلبي فينصرف به (3)،و لم أقف على مستنده،و الاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا و تحتمه.و اللّه سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.

ص:175


1- البحار 85:221.
2- في«ح»زيادة:و رحمة اللّه و بركاته.
3- الكافي في الفقه:148.

الثاني في القضاء

اشارة

الثاني:في بيان أحكام القضاء.

من أخلّ بالصلاة وجب عليه القضاء

اعلم:أنّ من أخلّ بالصلاة الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها عمدا كان الإخلال بها أو سهوا،أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه و عقله و إسلامه و سلامته عن الحيض و شبهه و قدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري وجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في الذكرى و غيرها (1)،بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضا.

ففي النبوي المشهور:«من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها» (2).

و الصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا،و منها:«يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» (3).

عدا ما استثني من صلاة الجمعة و العيدين كما مضى في بحثهما.

و احترز بقوله:مع بلوغه إلى آخره عما لو فاتته و هو صغير أو مجنون أو كافر أصلي،فإنه لا يجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى

ص:176


1- الذكرى:134؛و انظر المدارك 4:290.
2- المسائل الرسية(رسائل الشريف المرتضى 2):346،و فيه بتفاوت يسير.
3- الكافي 3:3/292،التهذيب 2:685/172،الاستبصار 1:1046/286،الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

و غيره (1)مستفيضا،بل يجعل من الدين ضرورة؛لحديثي رفع القلم (2)و جبّ الإسلام (3).

و كذا الحائض و النفساء بالنص و الإجماع الماضيين في بحثهما.

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا،و لا بين كونه على خلاف العادة و عدمه.

خلافا للذكرى،فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء،قال:و قد نبّه عليه في المبسوط (4).

و في الذخيرة:إنّ الحجة على ما ذكره غير واضحة (5).

أقول:لعلّها الأصل،و عدم دليل على وجوب القضاء هنا؛ لاختصاص النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه،لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند الإطلاق،و لا إجماع،لمكان الخلاف.

و عموم من فاتته غير معلوم الشمول لمفروض المسألة،بل مطلق النوم و الأحوال التي لم يصحّ فيها التكليف بالأداء إجماعا،لأن موضوعه من صدق عليه الفوت،و ليس إلاّ من طولب بالأداء،و هذا غير مطالب به أصلا،و معه فلا يصدق الفوت جدّا،كما لا يصدق على الصغير و المجنون و نحو هما.

و هذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء بالإغماء و نحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في المنتهى و الشهيدين في الروضة

ص:177


1- المنتهى 1:419-420؛و انظر المدارك 4:289/287،و الحدائق 11:2.
2- الخصال:40/93،الوسائل 1:45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
3- عوالي اللئالي 2:38/224،مسند أحمد 4:199.
4- الذكرى:135.
5- الذخيرة:383.

و الذكرى (1)،و هو و إن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم و نحوه مطلقا إلاّ أنه خرج عنه الفرد العادي منه اتفاقا فتوى و نصا،و يبقى ما عداه تحته باقيا.

و منه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله (2)،فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء.بل جريانه هنا أولى؛لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع،إذ لا إطلاق فيه نصا يتوهم شموله له قطعا؛هذا مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء الجاري هنا أيضا.

و المراد بالكافر الأصلي:من خرج عن فرق المسلمين؛لأنه المتبادر من إطلاق النص و الفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه؛فالمسلم يقضي ما تركه و إن حكم بكفره كالناصبي و إن استبصر،و كذا ما صلاّه فاسدا عنده؛لعموم النص بقضاء الفوائت،خرج منه الكافر الأصلي و بقي الباقي.

نعم،لا تجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال و إن كان الحق بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة (3)؛لمثلها من المعتبرة و فيها الصحاح و غيرها (4)،و هو تفضّل من اللّه تعالى.

و لا قضاء واجبا مع الإغماء المستوعب للوقت،إلاّ أن يدرك مقدار الطهارة و الصلاة و لو ركعة فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو

ص:178


1- المنتهى 1:420،الروضة 1:343،الذكرى:134.
2- كما في الذكرى:135،و روض الجنان:355،و الروضة 1:343.
3- الوسائل 1:118 أبواب مقدّمة العبادات ب 29.
4- الوسائل 1:125 أبواب مقدمة العبادات ب 31.

قضاء أو ملفقا على الاختلاف المتقدم في بحث الحيض،و قضاؤها في الخارج إجماعا؛لما مضى ثمة من الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة؛مضافا إلى ما ورد فيها من الصحاح المستفيضة التي ستأتي إليها الإشارة.

أما عدم القضاء في غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر،بل في الغنية الإجماع عليه (1)،و عليه عامة من تأخر.بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر كالصدوق في المقنع (2)؛للصحاح المستفيضة،منها:عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟قال:«يقضيها كلّها،إنّ أمر الصلاة شديد» (3).

و غيره المحكي عنه في روض الجنان و غيره (4):أنّه يقضي آخر يوم إفاقته إن أفاق نهارا و آخر ليلته إن أفاق ليلا؛للمستفيضة:«لا يقضي إلاّ صلاة اليوم الذي أفاق فيه و الليلة التي أفاق فيها» (5)كما في بعضها.

و في جملة منها:«يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه» (6).

و هما نادران،كالنصوص الواردة بقضاء ثلاثة أيام (7)،بل صرّح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس (8)،مشعرا بدعوى الإجماع على

ص:179


1- الغنية(الجوامع الفقهية):562.
2- المقنع:37.
3- التهذيب 3:938/305،الاستبصار 1:1785/459،الوسائل 8:265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 4.
4- روض الجنان:355؛و انظر الذكرى:134.
5- المقنع:37،الوسائل 8:260 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 10.
6- قرب الإسناد:836/213،الوسائل 8:264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 25.
7- الوسائل 8:265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 الأحاديث 5،7،11.
8- الدروس 1:145.

المشهور،كالفاضل في المنتهى و غيره (1)،حيث لم ينقل فيهما خلافا منّا، فلا عبرة بشيء منها،سيّما مع استفاضة الصحاح الصراح كغيرها بعدم القضاء مطلقا معلّلة له بأنّ كلّ ما غلب اللّه تعالى عليه فهو أحق بالعذر و أولى (2).

و لأجله لا يمكن تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني،سيّما مع ضعف أسانيد أكثرها،و قصور دلالتها كلّها،بل ضعفها،لقوة احتمال أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق فيهما أفاق فيها لا مطلقا،كما يستفاد من الصحاح المستفيضة،منها:«لا يقضي إلاّ الصلاة التي أفاق فيها» (3).

و في جملة منها:«يقضي الصلاة التي أدرك وقتها» (4).

مع احتمال حملها كما عداها على التقية؛لوجود القول بمضامينها بين العامة (5).

أو على الاستحباب،كما صرّح به المتأخرون كافة،تبعا للصدوق في الفقيه و الشيخ في كتابي الحديث (6).و لا بأس به جميعا بين الأدلّة،و يحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة،فأعلاها الجميع،ثمَّ الشهر خاصة

ص:180


1- المنتى 1:420؛و انظر التحرير 1:50.
2- الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
3- الفقيه 1:1040/236،التهذيب 3:933/304،الاستبصار 1:1780/459، الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.
4- الكافي 3:4/412،التهذيب 3:932/304،الاستبصار 1:1779/459، الوسائل 8:262 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 17.
5- انظر المجموع 3:7.
6- الفقيه 1:237،التهذيب 3:304 و ج 4:244،الاستبصار 1:458.

كما حكاه في السرائر رواية (1)،ثمَّ الأيام الثلاثة،ثمَّ صلاة يوم الإفاقة.

و للحمل على الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح من أرادها فليراجعها ثمة.

و اعلم:أنّ مقتضى إطلاق النصوص-كالعبارة و نحوها-عدم الفرق بين كون الإغماء بفعل المكلّف أم لا.

خلافا للشهيدين و غيرهما (2)فقيدوه بالثاني،و أوجبوا القضاء في الأوّل،و عزاه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

و لعلّه لانصراف الإطلاقات-بحكم التبادر و غيره كالتعليل في جملة من الصحاح بأن ما غلب اللّه تعالى فهو أولى بالعذر-إليه،دون الأوّل، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على قضاء الفوائت.و هو حسن إن سلّم العموم،و لكنه كما عرفت سابقا ممنوع؛إذ هو حيث يصدق الفوت، و لا يصدق هنا،لعدم التكليف بالأداء حال الإغماء مطلقا إجماعا،و الأصل براءة الذمة،و هو كاف في إثبات عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص و إن لم تشمله هنا لما مضى.فالقول بعدم وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعا كما يفهم من الذكرى،بل و غيرها أيضا (3).

و في وجوب قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به من ماء و تراب و ما في معناه تردّد قولان:

من عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت.

ص:181


1- السرائر 1:276.
2- الشهيد الأوّل في الذكرى:135،الشهيد الثاني في روض الجنان:355؛و انظر جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):38،و السرائر 276/1.
3- كما في الغنية(الجوامع الفقهية):562.

و ممّا قدّمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوما و إن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما هو الأقوى،و لا أداء هنا على الأشهر الأقوى،بل في روض الجنان و غيره (1)أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

و ظاهر هما كونه إجماعا.و لعلّه كذلك و إن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي و يعيد (2)؛لندرته،و عدم معروفية قائلة.

نعم،حكى المرتضى في الناصرية عن جدّه وجوب الأداء دون القضاء (3)،و هو كسابقه نادر محجوج بعموم:«لا صلاة إلاّ بطهور» (4)مع سلامته عن المعارض.

و حيث لم يثبت الأداء لم يثبت القضاء؛لما مضى.و هذا أقوى،وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده و الفاضلين و غيرهما (5).

خلافا للمرتضى في الناصرية و الشيخ في المبسوط و الحلّي فيما حكي عنهما و الشهيدين و غيرهما (6)فالأول.

و جعلته في الشرح أقوى،بتخيّل صدق الفوت،بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء و إن لم يكن واجبا،فإنّ عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم

ص:182


1- روض الجنان:128؛و انظر المدارك 2:242.
2- الشرائع 1:49.
3- الناصرية(الجوامع الفقهية):190.
4- الفقيه 1:67/22،التهذيب 1:144/49،الاستبصار 1:160/55،الوسائل 1:365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1،6.
5- المختلف:149،المحقق في الشرائع 1:120،العلامة في التذكرة 1:81،و القواعد 1:23؛ و انظر جامع المقاصد 1:486.
6- الناصرية(الجوامع الفقهية):190،المبسوط 1:31،الحلي في السرائر 1:138،الشهيدان في الذكرى:23،و الروضة البهية 1:350؛و انظر المنتهى 1:143،و المدارك 2:243.

مطلوبيته،بعد ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية الصلاة و محبوبيتها،و إلاّ لزم أن يكون الطهور شرطا لوجوبها لا لوجودها،و هو باطل إجماعا.

و هو كما ترى؛لتوقف صحته بوجود عموم يدل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها،و لم نجد له أثرا،عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها،و هي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على وجوبها،فلا تكون من العموم المدّعى في شيء أصلا.

و عموم:«الصلاة خير موضوع من شاء استقل و من شاء استكثر» (1)مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق،و مع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة، و لا تكون صلاة إلاّ بشرطها و شروطها،و إلاّ ففعلها من دونها يكون مبغوضا فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها؟! و بالجملة:فإنّ انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجبا لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطا لوجوبها،بل من حيث إنّ انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط و لو شرعا،و هي شرط في الوجوب إجماعا،و لذا اتّفق على عدم الوجوب هنا،فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعا،بل و مطلوبيته أيضا،حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضا كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.

و حيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء و لا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.

و لكن أحوطه القضاء خروجا عن الشبهة فتوى،بل و دليلا،لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه حقيقة لغة،بل و عرفا،لعدم صدق السلب فيه

ص:183


1- معاني الأخبار:1/332،الخصال:13/523،أمالي الطوسي:551،الوسائل 5:247 أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1.

ظاهرا،فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين:إنه ما فاتته،كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو نسيان أو نحو هما ذلك،بل يقال و يطلق الفوت عليه حقيقة، كما وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم و نحوه كثيرا،بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم.

و حينئذ فيتقوى شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا،سيّما و قد اشتهر بين الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقة حصول سبب وجوب الأداء-كدخول الوقت مثلا-و إن لم تجب فعلا،و لعلّ وجهه ما ذكرنا.

و بموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح،لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة،بل لما ذكر هنا.

لكن يؤيد ما اخترناه هنا أوّلا-بعد الأصل-فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن كلّ ما غلب اللّه تعالى فهو بالعذر أولى (1)؛لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء، و هو حاصل هنا كما قدّمناه.و خروج نحو النائم غير ضائر؛لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مرارا.

تترتب الفوائت كالحواضر

و تترتب الفوائت بعضها على بعض كالحواضر بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و المعتبر و المنتهى و التنقيح (2)؛لعموم النبوي:«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (3).

و نحوه الصحيح الآتي في مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في

ص:184


1- الوسائل 8:258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
2- الخلاف 1:382،المعتبر 2:406،المنتهى 1:421،التنقيح 1:267.
3- عوالي اللئالي 2:143/54.

كل من القصر و الإتمام (1).

و ضعف سند الأول مجبور بالعمل.و الدلالة واضحة؛لأن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه الشبه و لو بتبادر أو غلبة أو شيوع و نحوها-كما فيما نحن فيه-المشاركة في جميع وجوه الشبه،كما حقّق في الأصول مستقصى، و منها الترتيب هنا.

و ورود الصحيح في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب و عدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

و للصحيح:«إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك[قضاء] صلوات فابدأ بأولاهنّ،فأذّن و أقم لها ثمَّ صلّها،ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة» (2)و قريب منه آخر (3).

و الأمر للوجوب و إن كان في أخبار الأئمة عليهم السلام كما قرّر في الأصول،سيّما بعد اعتضاده بفتوى المشهور و الإجماع المنقول.

و بهما يذبّ عن المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود،مع أنّ بعضها مردود من غير جهتيهما أيضا كما بيّنته هنا،و أمّا باقي المناقشات الأخر فقد أوردناها في الشرح مستوفى.

و إطلاق العبارة و النصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين العلم به و الجهل.و هو في الأول-كما عرفت-لا ريب فيه و إن حكى في الذكرى القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب (4)،لكنه شاذّ و إن مال إليه

ص:185


1- انظر ص 195.
2- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 8:254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4،ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- التهذيب 3:342/159،الوسائل 8:254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.
4- الذكرى:136.

بعض متأخري متأخري الأصحاب (1).

و أما في الثاني فهو محل خلاف.و الأكثر على العدم؛لعدم ظهور تبادره من الإطلاق،بل ظهور عدمه،كما صرّح به جملة من الأصحاب (2)؛ فيدفع وجوب التكرار المحصّل له بالأصل و امتناع التكليف بالمحال و الحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه،و لا قائل بالفرق،كما صرّح به جملة من الأصحاب (3)،و هذا القول أنسب بالملة السهلة،سيّما و أنه اشتهر بين الطائفة.

و آخرون على وجوبه إما مطلقا كما هو خيرة الفاضل في الإرشاد و غيره (4)، أو مع ظنه أو و همه كما في الدروس (5)،أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى (6)، و لا ريب أن هذا القول أحوط و أولى.

و عليه فيصلّي من فاته الظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة،و لو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب و بعدها،أو عشاء معها فعل السبع قبلها و بعدها،أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها و بعدها،و هكذا.

و الضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات، و هي اثنان في الأول،و ستّ في الثاني،و أربعة و عشرون في الثالث،و مائة و عشرون في الرابع،حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة.و لو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة و عشرين،

ص:186


1- كصاحب الذخيرة:385.
2- منهم:صاحب المدارك 4:296.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:345،و المحقق السبزواري في الذخيرة:385. و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:233.
4- الإرشاد 1:271،التذكرة 1:82.
5- الدروس 1:145.
6- الذكرى:136.

فتأمل (1).و صحته على الأول (2)من ثلاث و ستين فريضة،و هكذا.

و يمكن صحتها من دون ذلك بأن يصلّي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحدة ثمَّ يختمه بما بدأ به منها،فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في الثالث،و إحدى و عشرين في الرابع،و إحدى و ثلاثين في الخامس،و يمكن فيه بخمسة أيام ولاء و الختم بالفريضة الزائدة.

و تترتب الفائتة الواحدة مطلقا على الحاضرة وجوبا أيضا ما لم يتضيق وقتها فتقدم إجماعا فيه.

و أما الأول فهو الأشهر الأقوى،بل عليه عامة قدماء أصحابنا إلاّ الصدوقين (3)،و هما نادران،بل على خلافهما و وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقا إجماع أصحابنا،كما حكاه جماعة مستفيضا، كالشيخ في الخلاف،و المفيد في بعض رسائله،و الحلّي في السرائر في بحث مواقيت الصلاة،و ابن زهرة في الغنية على ما حكاه عنه في الذخيرة (4).

و هو ظاهر المرتضى في بعض مسائله،حيث إنه بعد أن سأله السائل عن حكم المسألة و ما يتفرع عليه قاطعا بالإجماع عليه قائلا:إذا كان إجماعنا مستقرا بوجوب تقديم الفائت من فرائض الصلوات على الحاضر منها إلى أن

ص:187


1- وجهه ما قيل من أنّ الظاهر أن الاحتمالات في هذه الصورة لا تزيد على ثلاثمائة و ستين،لأنّ السادسة إحدى الخمس و ترتيبها على مثلها لا تزيد احتمالا.و توضيحه:أنّ الفائت إذا كان ظهرين و عصرا فالاحتمالات لا تزيد على ثلاثة،فإذا أضيف إليها مغرب صارت اثنتي عشرة حاصلة من ضرب عدد الأربع في الثلاثة،و بإضافة العشاء إليها تصير الاحتمالات ستين.منه رحمه اللّه.
2- أي صحة هذا الفرض الأخير على هذا الضابط الذي هو أول بالنسبة إلى الضابط الآتي.
3- نقله عن والد الصدوق في المختلف:144،الصدوق في المقنع:33.
4- الخلاف 1:383،السرائر 1:203،الغنية(الجوامع الفقهية):562،الذخيرة:211.

يبقى[من] (1)وقته مقدار فعله،فما القول فيمن صلّى حاضرا؟.إلى آخر ما سأل (2)،لم ينبهه-رحمه اللّه-بفساد قطعه و عدم الإجماع،بل أقرّه على ذلك و أجابه بما أجاب.

و ناهيك هذه الإجماعات في إثبات حكم المسألة،سيّما بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة بين قدماء الطائفة،بل مطلقا كما صرّح به جماعة (3).

و ظاهر إطلاقاتها عدم الفرق بين الفائتة الواحدة و المتعددة،ليومه أم لا، كما هو مقتضى إطلاق أكثر الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتابا و سنّة،قال سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [1] (4)و هو في الفائتة كما في الذكرى و غيرها (5).

و دلّت عليه جملة من المعتبرة،منها الصحيح:«من نسي شيئا من الصلوات فليصلّ إذا ذكرها،فإنّ اللّه عزّ و جل يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [2] » (6).

و هو-كما ترى-ظاهر في العموم،كالنبوي:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (7).

و الصحيح:عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها،فقال:«يقضيها إذا ذكرها من ليل أو نهار،فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت،و هذه أحق بوقتها فليصلّها،فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى،و لا يتطوع بركعة

ص:188


1- في النسخ:إلى،و ما أثبتناه من المصدر.
2- المسائل الرسية الاولى(رسائل الشريف المرتضى 2):363.
3- منهم:الشهيد الثاني في الروض:188،و الصيمري في كشف الالتباس على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3:391.
4- طه:14.
5- الذكرى:132؛و انظر المدارك 4:300،و الحدائق 6:338.
6- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
7- الرسالة السهوية للشيخ المفيد:11،المستدرك 3:160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.

حتى تقضى الفريضة كلّها» (1)و هذا صريح في العموم.

و أصرح منه الصحيح الآخر الطويل المشهور،فإنّ في آخره:«و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة،ابدأ بالمغرب ثمَّ بالعشاء،فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلِّ العشاء،و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء،ابدأ باولاهما لأنهما جميعا قضاء،فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس»،قال:قلت:لم ذلك؟قال:

«لأنك لست تخاف فوتها» (2).

و قريب منها إطلاق كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها- كبعض ما سبقها-بالشهرة و الإجماعات المستفيضة و الاحتياط للعبادة.

فقول الماتن بوجوب تقديم الواحدة دون المتعددة،لقوله و في وجوب ترتب الفوائت المتعددة على الحاضرة تردّد يظهر وجهه ممّا مرّ و سيأتي أشبهه الاستحباب لا وجه له،عدا ما في المدارك (3)حيث تبعه من الاستناد في الأول إلى الصحيح:عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر،فقال:«إذا كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوت المغرب بدأ بها، و إلاّ صلّى المغرب أوّلا ثمَّ صلاّها» (4)و نحوه صحيح آخر (5).

ص:189


1- الكافي 3:3/292،التهذيب 3:341/159،الاستبصار 1:1046/286،الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.
2- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
3- المدارك 4:299.
4- الكافي 3:6/293،التهذيب 2:1073/269،الوسائل 4:289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.
5- الكافي 3:2/292،التهذيب 2:1069/268،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 62 ح 8.

و في الثاني إلى الصحيح:«إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» (1).

و نحوه الخبر بزيادة:«فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» (2).

و للصحيح:عن الرجل تفوته صلاة النهار،قال:«يصلّيها إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» (3).

قال:و يؤيده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان و الإقامة في قضاء الفوائت (4)،و الروايات المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة،كالصحيح:

«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد،فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس،ثمَّ استيقظ فركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح،فقال:يا بلال ما لك؟ قال:أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّه،قال:و كره المقام و قال:نمتم بوادي الشيطان» (5).

قال:و الظاهر أنّ الركعتين اللتين صلاّهما أوّلا ركعتا الفجر كما في

ص:190


1- التهذيب 2:1076/270،الاستبصار 1:1053/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
2- التهذيب 2:1077/270،الاستبصار 1:1054/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3.
3- الكافي 3:7/452،التهذيب 2:640/163،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.
4- الوسائل 8:270 أبواب قضاء الصلوات ب 8.
5- التهذيب 2:1058/265،الاستبصار 1:1049/286،الوسائل 4:283 أبواب المواقيت ب 61 ح 1.

الصحيح (1).

و هو كما ترى:فإنّ الصحيح الأول نقول بمضمونه.

و الثاني معارض بمثله بل و أمثاله ممّا مضى،فهي أرجح منه بمراتب شتّى، و منها تضمنه-كالخبر بعده مع ضعف سنده-ما هو مذهب العامة من توقيت العشاءين إلى الفجر (2)،و المنع عن الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث المواقيت قد مضى،فتكون بالترجيح أولى و إن تضمّن بعضها الأخير و غيره ممّا لا قائل به،و هو العدول عن الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها معلّلا بأنها أربع مكان أربع،لانجباره بالشهرة و الإجماعات المستفيضة و الاحتياط.

و لا كذلك هذه الصحيحة و ما في معناها؛لعدم جابر لها مطلقا،عدا الأصل المعارض بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات،و الإطلاقات كتابا و سنّة بتوسعة أوقات الصلوات الخمس اليومية،و هي عامة،و ما ذكرناه من الأدلة خاصة،فلتكن عليها مقدمة،مع أنّ في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها؛مع أنّ ظاهر الأمر فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين (3)،و أقلّه الاستحباب كما يعزى إليهما (4)،و لا يقول به الماتن و من تبعه.

و بنحوه يجاب عن الصحيحة بعدهما؛لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي الفردين المخيّر بينهما إباحة و رجحانا،و لا يقولان به أيضا.

مضافا إلى أنّ صلاة النهار فيها مطلقة تشمل النافلة و الفريضة الواحدة و المتعددة،و تخصيصها بأحد هذه الأفراد جمعا بين الأدلة و إن أمكن،إلاّ أنه

ص:191


1- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
2- المغني لابن قدامة 1:427.
3- راجع ص 187.
4- نقله عنهما في المعتبر 2:405،و الذكرى:132.

يمكن حملها على التقية أو النافلة إن جوّزناها في وقت الفريضة،و الترجيح لهذا،لما مضى.

مع أنّ إطلاقها معارض بالإطلاقات المتقدمة كتابا و سنة،و هي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما عرفت.

و أما المؤيدات فهي بمكان من الضعف:

أمّا الأول منها و هو استحباب الأذان و الإقامة:فلكونهما من توابع الصلاة و مستحباتها،فيكون التأخير بمقدار هما خارجا عن محل نزاعنا،سيّما مع كونه إجماعيا،و لذا يقول به الماتن (1)و نحوه ممّن جعل تقديم الفائتة أولى،و إلاّ لتناقض حكمهم هذا و تصريحهم باستحبابهما للفائتة أيضا.

و أما الثاني فهو حسن إن قلنا به،و إلاّ-كما هو الأشهر الأقوى-فلا تأييد فيه أصلا،بل ينبغي حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعا سيّما مع تضمن بعضها ما لا يقول به أصحابنا،هذا.

و لو صحّ هذا المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقا حتى في الواحدة،لجريانه فيها أيضا.بل الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة الواحدة،و هو ينافي التضييق الذي قالا به فيها،فتأمل جدّا.

و ممّا ذكرناه يظهر ما في القول بالمواسعة مطلقا مع رجحان تقديم الحاضرة وجوبا كما هو ظاهر الصدوقين،أو استحبابا كما عزي إليهما،أو بالعكس مطلقا كما هو خيرة الشهيدين و غيرهما (2)،أو في غير يوم الفوات و أما فيه فالوجوب كما عليه العلامة (3).

و يضعّف هذا-زيادة على ما مضى-عدم شاهد عليه أصلا مع مخالفته

ص:192


1- كما في المعتبر 2:135.
2- الشهيد الأول في الروضة 1:360،الشهيد الثاني في المسالك 1:43.
3- في المختلف:144.

كمختار الماتن لإجماع القدماء،بل و المتأخرين أيضا.

و أما ما يورد على أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها و في جملة ما يتعلق بالمسألة في الشرح بما لا مزيد عليه،من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعته ثمة.

و اعلم:أنّ في صحة الحاضرة لو قدّمت على الفائتة حيث يجب تقديمها قولان،أكثر القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم،و منهم المرتضى-رحمه اللّه-و الحلّي (1)،و زادا فمنعا من أكل ما يفضل ممّا يمسك الرمق و من نوم يزيد على ما يحفظ الحياة،و من الاشتغال بجميع المباحات و المندوبات و الواجبات الموسّعة قبل القضاء.

و هو حسن إن قلنا بإفادة الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص،و إلاّ كما هو الأقوى و عليه أكثر متأخري أصحابنا فلا.

نعم،يشكل الحكم بصحة الضد لو كان عبادة؛إذا المقتضي لصحتها ليس إلاّ الأمر،و هو لا يجامع الأمر بالقضاء المضيّق الثابت قطعا،لتضادّهما، و إذا انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى،لفقد مقتضيها؛مضافا إلى ظاهر النبوي المتقدم:«لا صلاة لمن عليه صلاة».

فما ذكروه من بطلان الحاضرة لعلّه أقوى،كما عليه الماتن في الشرائع (2)،و هنا أيضا،لقوله و لو قدّم الحاضرة على الفائتة مع سعة وقتها حال كونه ذاكرا للفائتة أعاد الحاضرة بعد أداء الفائتة،و يظهر من المدارك عدم الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث فرّعه عليه،قال:و إلاّ فلا إعادة (3).

ص:193


1- المسائل الرسية(رسائل الشريف المرتضى 2):364،الحلّي في السرائر 1:272.
2- الشرائع 1:121.
3- المدارك 4:304.

و لا يعيد ها لو سها عن الفائتة قولا واحدا؛للصحيح الآتي قريبا.

و يعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر ها بعد التلبس بالحاضرة؛للصحيح:

«إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى فإنما هي أربع،و إن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى و صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر،و إن كنت ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب،و إن كنت قد صلّيت المغرب فصلّ العصر،و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها بركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب،و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة،و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة،و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة»الحديث (1).

و لا خلاف فيه أيضا إلاّ من القائلين بالمواسعة فاستحبوا العدول و لم يوجبوه،و ظاهر الأمر يردّهم.

و إنما يعدل إلى الفائتة مع الإمكان،و هو حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.

و ظاهر الصحيحة جواز العدول مع الفراغ من الفريضة،و لا قائل به أجده،و حملها الشيخ في الخلاف على أن المراد بالفراغ ما قاربه (2).و لا بأس

ص:194


1- الكافي 3:1/291،التهذيب 3:340/158،الوسائل 4:290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
2- الخلاف 1:386.

به؛حذرا من مخالفة الإجماع،و عملا بما دلّ على أن الصلاة على ما افتتحت عليه (1)،خرج ما خرج بالنص و الإجماع،و بقي الباقي.

و منه يظهر أنه لو سها ف تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر أن عليه فريضة فائتة أو حاضرة أبطلها أي النافلة و استأنف الفريضة و لم يجز له العدول.

و أما وجوب الإبطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة،كما هو الأشهر الأقوى،و قد مضى في بحث المواقيت مفصّلا،و يأتي على القول الآخر عدم الوجوب،لكن في جواز الإبطال حينئذ و عدمه وجهان مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا،و قد تقدّم الكلام في هذا أيضا مستوفى.

يقضي ما فات سفرا قصرا و لو كان حاضرا،و ما فات حضرا تماما و لو كان مسافرا

و يجب أن يقضي ما فات سفرا قصرا مطلقا و لو كان حال القضاء حاضرا،و يقضي ما فات حضرا تماما و لو كان مسافرا فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء؛إجماعا،و للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:

«يقضي ما فاته كما فاته،إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها،و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (2).

و لو اختلف الفرض في أول الوقت و آخره،بأن كان حاضرا ثمَّ سافر،أو مسافرا فحضر و فاتته الصلاة،ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان، أظهر هما-و عليه الأكثر-الثاني،و سيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء اللّه تعالى.

و كما أن الاعتبار في القصر و الإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله

ص:195


1- انظر عوالي اللئالي 1:34/205.
2- الكافي 3:7/435،التهذيب 3:350/162،الوسائل 8:268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

في كل من الجهر و الإخفات،فيقضي الجهرية جاهرا فيها و لو نهارا،و الإخفاتية مخفتا فيها و لو ليلا؛كلّ ذلك لعموم التشبيه المتقدم و الإجماع المحكي في الخلاف (1).

و الاعتبار في الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت،فيقضي ما فاته و هو قادر على القيام فيه بأيّ نحو قدر و لو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا،و بالعكس، و الوجه فيهما واضح كما بيّنته في الشرح.

و يقضي المرتد مطلقا إذا أسلم كلّ ما فاتته زمان ردّته إجماعا؛ لعموم وجوب قضاء الفوائت،مع سلامته عن المعارض،عدا حديث جبّ الإسلام (2).و هو لإطلاقه و عدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه إلى الأذهان.

و من فاتته فريضة حضرا من يوم و لم يعلمها بعينها صلّى اثنتين و ثلاثا معيّنتين للصبح و المغرب و أربعا مطلقة بين الرباعيات الثلاث، ناويا بها عمّا في ذمته،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا، و في الخلاف و السرائر (3)الإجماع عليه.

للخبرين (4)المروي أحدهما في المحاسن عن مولانا الصادق عليه السلام،و فيه:عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي،قال:

«يصلّي ثلاثا و أربعا و ركعتين،فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى

ص:196


1- الخلاف 1:387.
2- عوالي اللئالي 2:38/224،مسند أحمد 4:199.
3- الخلاف 1:309،السرائر 1:274.
4- الأول: المحاسن:68/325،الوسائل 8:276 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 2. الثاني: التهذيب 2:774/197،الوسائل 8:275 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1.

أربعا،و إن كانت المغرب و الغداة فقد صلّى»و إرسالهما مجبور بالفتاوي.

خلافا للحلبي و ابن حمزة (1)،فأوجبا قضاء الخمس؛تحصيلا لنية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان كما هنا،و للجهر و الإخفات أن أوجبناهما، كما هو الأقوى.و هو متين لو لا ما قدّمناه من الخبرين المنجبرين بما قدّمنا.

و على المختار يتخير بين الجهر و الإخفات؛لاستحالة التكليف بهما؛ و عدم إمكان الجمع بينهما،و حيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما.

و كذا بين تقديم أيتها شاء مطلقا.

و لو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء و القضاء إن أوجبنا نيتهما أو احتيط بها،و إلاّ فلا احتياج إليها و كفى قصد القربة مطلقا.

و يستفاد من فحوى الرواية انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا،و عليه جماعة (2)،فيصلّي مغربا و ثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق.

خلافا للحلي فأوجب هنا قضاء الخمس (3).و هو أحوط؛اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص المنجبر بالعمل.و ظهور الرواية في العموم مسلّم لكن لم يظهر لها في محل البحث جابر؛لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره،اللهم إلاّ أن تجبر بالاعتبار و فتوى هؤلاء الجماعة،و لا يخلو عن قوة.

و لو فاته من الفرائض ما لم يحصه عددا قضى حتى يغلب على ظنه الوفاء على المشهور،بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك (4)،مشعرا بالإجماع.فإن تمَّ و إلاّ كان الرجوع إلى الأصول لازما،

ص:197


1- الحلبي في الكافي:150،لم يعثر عليه في الوسيلة،قال في مفتاح الكرامة 3:404:و في الرياض نقل وجوب قضاء الخمس عن ابن حمزة و لم أجده في الوسيلة.
2- منهم:العلامة في القواعد 1:45،و الشهيد الأول في الدروس 1:146،و الشهيد الثاني في روض الجنان:358.
3- انظر السرائر 1:274.
4- المدارك 4:306.

و مقتضاها القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء،تحصيلا للبراءة اليقينية عمّا تيقن ثبوته في الذمة مجملا،و به أفتى شيخنا في روض الجنان في بعض الصور، وفاقا للذكرى (1).

خلافا لسبطه في المدارك،فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا،وفاقا لمحتمل التذكرة (2)،قال:لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات (3).

و يؤيده الحسن:«متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلّها صلّيتها،و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شيء حتى تستيقن،و إن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال» (4).

و فيه نظر؛لابتناء الأول على عدم حجية الاستصحاب،و هو خلاف الصواب.

و المتبادر من الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة و عدمه، و نحن نقول بحكمه الذي فيه،و لكنه غير ما نحن فيه،و هو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمة و اشتغالها به مجملا،و الفرق بينهما واضح لا يخفى.

يستحب قضاء النوافل الموقتة

و يستحب قضاء النوافل الموقتة استحبابا مؤكدا؛بإجماعنا المصرّح به في الخلاف و روض الجنان و المنتهى و غيرها (5)؛و للصحاح و غيرها،منها:«إنّ

ص:198


1- روض الجنان:359،الذكرى:137.
2- التذكرة 1:83.
3- المدارك 4:307.
4- الكافي 3:10/294،التهذيب 2:1098/276،الوسائل 4:282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.
5- الخلاف 1:425،روض الجنان:361،المنتهى 1:423؛و انظر التذكرة 1:83.

العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب ملائكته منه و يقول:يا ملائكتي،عبدي يقضي ما لم افترض عليه» (1).

و منها:عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟قال:«فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك»،ثمَّ قال:قلت له:فإنه لا يقدر على القضاء،فقال:

«إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء،و إلاّ لقي اللّه تعالى و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»، قال:قلت:فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق،فسكت مليا ثمَّ قال:«فليتصدق بصدقة»،قلت:فما يتصدّق؟قال:«بقدر طوله،و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كل صلاة»،قلت:و كم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكل مسكين؟قال:«لكلّ ركعتين من صلاة الليل و لكل ركعتين من صلاة النهار مدّ»،قلت:لا يقدر،فقال:«مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار» (2)قلت:لا يقال،قال:«فمدّ إذا لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار،و الصلاة أفضل، و الصلاة أفضل،و الصلاة أفضل» (3).

و لو فات بمرض لم يتأكد القضاء للصحيح:«ليس عليك قضاء،إنّ المريض ليس كالصحيح،كلّ ما غلب اللّه تعالى فهو أولى بالعذر فيه» (4).

ص:199


1- الكافي 3:8/488،التهذيب 2:646/164،الوسائل 4:75 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 18 ح 1،في النسخ:فيعجب الرب و ملائكته منه.
2- جملة من صلاة النهار،ليست في الكافي.و في الوسائل زيادة«مدّ لكل أربع ركعات من صلاة الليل».
3- الكافي 3:13/453،الفقيه 1:1577/359،التهذيب 2:25/11،المحاسن: 33/315،الوسائل 4:75 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 18 ح 2.
4- الكافي 3:4/451،الفقيه 1:1434/316،التهذيب 2:779/199،الوسائل 4:80 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 20 ح 2.

و يستفاد من التعليل عموم الحكم لكل معذور من غير اختصاص بالمريض،و لا بأس به و إن لم أجد من الأصحاب مصرّحا به.

و تستحب الصدقة مع العجز عن القضاء عن كل ركعتين بمدّ،فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ للصحيح المتقدم،إلاّ أنه غير منطبق على ما في العبارة و نحوها،و العمل عليه أحوط و أولى.

ص:200

الثالث في صلاة الجماعة

اشارة

الثالث:في بيان أحكام صلاة الجماعة و النظر فيه في أطراف:.

الأوّل الجماعة مستحبة في الفرائض متأكدة في الخمس
اشارة

الأوّل:الجماعة مستحبة في الفرائض كلّها حتى المنذورة و صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف،أداء و قضاء،على ما يقتضيه عموم العبارة و نحوها،و الصحيح:«الصلاة فريضة،و ليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها،و لكنّها سنّة،من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (1).

و بالتعميم إلى المنذورة و الأداء و القضاء صرّح الشهيدان في روض الجنان و الذكرى (2)،بل فيها ما يفهم كونه إجماعا بيننا.فإن تمَّ و إلاّ كان التعميم بالإضافة إلى ما عدا الأداء و القضاء محلّ نظر،سيّما صلاتي الاحتياط و الطواف؛لما بيّنته في الشرح مستوفى،و لا ريب أن الأحوط تركها فيهما.

و هي متأكدة في الخمس اليومية بالضرورة من الدين و بالكتاب (3)و السّنّة المتواترة العامة و الخاصة،العامية و الخاصية،ففي الصحيح:«الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ-أي الفرد-بأربع و عشرين درجة،تكون

ص:201


1- الكافي 3:6/372،التهذيب 3:83/24،الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.
2- روض الجنان:363،الذكرى:265.
3- البقرة:43 وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ .

خمسة و عشرين صلاة» (1).

و بمعناه أخبار مستفيضة،بل في بعضها:تفضل بخمس و عشرين (2)، و في آخر:بسبع و عشرين (3)،و في غيرهما:بتسع و عشرين (4).

و فيه:قال صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا،و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه،و إذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره،فإن حضر جماعة المسلمين و إلاّ أحرق عليه بيته» (5).

و تقييد المنع عن تركها بالرغبة عنها ظاهر في عدمه مع عدمها،كما يدل عليه أيضا إطلاق أخبار الأفضلية المتقدمة.و عليها يحمل الأخبار الكثيرة الظاهرة في المنع عن الترك من غير تقييد بالرغبة (6)،جمعا بين الأدلة و التفاتا إلى مخالفتها لإجماع الطائفة على أنها لا تجب إلاّ في صلاة الجمعة و العيدين مع الشرائط المتقدمة لوجوبها في بحثها،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (7).

ص:202


1- التهذيب 3:85/25،الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.
2- الكافي 3:1/371،التهذيب 3:82/24،الوسائل 8:286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.
3- الروضة البهية 1:377،الوسائل 8:286 أبواب صلاة الجماعة 1 ح 16.
4- لم نعثر عليه في الكتب الحديثية.
5- التهذيب 6:596/241،الاستبصار 3:33/12،الوسائل 27:392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.
6- الوسائل 8:291 أبواب صلاة الجماعة ب 2.
7- منهم:المحقق في المعتبر 2:414،و العلامة في التذكرة 1:170،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.

و هذا الجمع أولى من حمل الموجبة على هذه الصلوات التي تجب فيها الجماعة؛لأن من جملتها ما أوجبها في الفجر و العشاء،و مع ذلك فهو بعيد جدا،و هنا محامل أخر ذكرناها في الشرح.

و يدلّ على عدم الوجوب صريحا الصحيحة المتقدمة المصرّحة بأنها سنّة.و لا يمكن أن يراد بالسنّة فيها ما يقابل الفرض الإلهي فيشمل الواجب النبوي فتنتفي الدلالة باحتمال كونه المراد بها؛لضعفه بورود الأمر الإلهي بها في قوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ [1] (1)فانحصر كون المراد بها المعنى المعروف بين أصحابنا و هي السنّة في مقابل مطلق الواجب،فتأمل جدّا.

و لا يجوز أن تجمع في نافلة بإجماعنا الظاهر المنقول في ظاهر المنتهى و التذكرة و كنز العرفان (2)،و للنصوص المستفيضة به من طرقنا:

منها:المروي في الخصال عن مولانا الصادق عليه السلام:«و لا يصلّى التطوع في جماعة؛لأن ذلك بدعة،و كلّ بدعة ضلالة،و كلّ ضلالة في النار» (3).

و نحوه المروي في العيون عن مولانا الرضا عليه السلام (4).

و منها:«لا جماعة في نافلة» (5).

و منها:المرتضوي المروي في الكافي أنه عليه السلام قال في خطبته:

«و أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة،و أعلمتهم أنّ

ص:203


1- البقرة:43.
2- المنتهى 1:364،التذكرة 1:170،كنز العرفان 1:194.
3- الخصال:606(ضمن حديث شرائع الدين)،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.
4- العيون 2:122،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 6.
5- التهذيب 3:217/64،الاستبصار 1:1801/464،إقبال الأعمال:12،الوسائل 8:32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.

اجتماعهم في النوافل بدعة»الخبر (1).

و قصور الأسانيد مجبور بعمل الأصحاب،و باستفاضة النصوص-و فيها الصحيح و غيره-بالمنع عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان و انه بدعة (2).

و لا قائل بالفرق بين الطائفة،فإن من منع عنه منع مطلقا.

عدا ما استثني من الاستسقاء إجماعا،و صلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب على المشهور،و الغدير على قول للحلبي و الشهيد في اللمعة و المحقّق الثاني فيما حكي (3).

و من حكي عنه الجواز حكي عنه مطلقا،فتخصيص المنع بنوافل شهر رمضان إحداث قول لا يجوز قطعا.

هذا،مع مخالفة الجماعة للأصول و القواعد المقررة،من حيث تضمنها نحو سقوط القراءة و وجوب المتابعة ممّا الأصل عدمه بلا شبهة،خرج عنها الصلاة المفروضة بما مرّ من الأدلة المقطوعة،و بقي النافلة تحتها مندرجة.

و إطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة (4)من دون تقييد بالفريضة غير معلوم الشمول للنافلة بعد اختصاصه بحكم التبادر و الغلبة بالفريضة،مع أنه منساق لإثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى تشخيص كونها في فريضة أو نافلة،فيكون بالنسبة إليهما كالقضية المهملة يكفي في صدقها هنا الثبوت في الفريضة.

ص:204


1- الكافي 8:21/58،الوسائل 8:46 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 4.
2- الوسائل 8:45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10.
3- الحلبي في الكافي:160،اللمعة(الروضة 1):377،جامع المقاصد 2:485.
4- الوسائل 8:285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 الأحاديث 1،3،5.

نعم ربما يتوهم من الصحاح الجواز،منها:«صلّ بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة» (1).

و منها:عن المرأة تؤم النساء؟فقال:«تؤمّهنّ في النافلة،فأما في المكتوبة فلا» (2)و نحوه آخر (3).

لكنها غير ظاهرة الدلالة و لا واضحة؛لعدم تصريح في الأول منها بالجماعة،لاحتمال كون المراد بالصلاة بالأهل الصلاة في الأهل بمعنى في البيت،يعني لا في الخارج.

و لا في الأخيرين بالمراد بالنافلة،فتحتمل-لإطلاقها-النافلة المشروع فيها الجماعة لا مطلق النافلة.

و لو سلّم فهي محمولة على التقية،فميل جماعة من متأخري المتأخرين إلى الجواز (4)-لهذه الصحاح،مع القدح فيما مرّ من الأخبار بضعف،سند ما دلّ منها على العموم،و أخصّية صحيحها من المدّعى-ضعيف،سيّما مع ورود الأخصية التي اعترضوا بها على الصحيح على صحاحهم كما لا يخفى،و الذبّ عنها بالإجماع المركب و إن أمكن إلاّ أنه مشترك.

و الترجيح لذلك الطرف؛للشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته، و اعتضاد الصحيحة المانعة عن الاجتماع في شهر رمضان بتلك المستفيضة الموافقة لها في الدلالة.

ص:205


1- التهذيب 3:762/267،الوسائل 8:337 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.
2- الفقيه 1:1176/259،التهذيب 3:487/205،الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
3- الكافي 3:2/376،التهذيب 3:768/269،الاستبصار 1:1646/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
4- منهم صاحب المدارك 4:315،و المحقق السبزواري في الذخيرة:389،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.

و لا كذلك الصحيحة الاولى من هذه الصحاح،فإنّها بالنسبة إليها مرجوحة؛لأنها بطرف الضد من المرجحات المزبورة،سيّما مع موافقتها للعامة كما تشهد بها الروايات المسطورة،و حكى في المنتهى القول بالجواز مطلقا عن جماعة من العامة (1)،و لأجله حملنا الصحاح بجملتها على التقية.

و أما حكاية استثناء الحلبي و مشاركيه-و منهم المفيد كما حكي (2)-صلاة الغدير فإنما هي لرواية على ما حكي التصريح به عن التذكرة (3)،و علّله في الروضة بثبوت الشرعية في صلاة العيد و أنه عيد (4)،و لا دخل له بجوازها في أصل النافلة.

و حيث إن تعليل الروضة عليل،و الرواية لم نقف عليها كان عدم استثنائها أقوى،وفاقا لأكثر أصحابنا.

و لا يمكن الحكم به من باب التسامح؛لأنه حيث لا يحتمل التحريم، و هو قائم هنا.

يدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع

و يدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع اتفاقا فتوى و نصا و بإدراكه أي إدراك الإمام المدلول عليه بالمقام في حال كونه راكعا أي في الركوع على الأشهر الأقوى كما مضى بيانه و بيان وجه تردّد الماتن في بحث الجمعة مفصّلا.

و أقلّ ما تنعقد به الجماعة بالإمام و مؤتم واحد و لو كان صبيا أو امرأة كما في المعتبرة (5).

ص:206


1- المنتهى 1:364.
2- الذكرى:265.
3- التذكرة 1:73.
4- الروضة 1:377.
5- الوسائل 8:298 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 7،8.

و لا خلاف في أصل الحكم أجده،و به صرّح جماعة (1)،و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،بل يستفاد من بعضها أنّ المؤمن وحده جماعة (2)،لكنه-مع ضعف سنده-محمول على أن المراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها و لم يجدها،تفضّلا من اللّه تعالى و معاملة له على قدر نيته، فإنها خير من عمله.

و أما ما في الفقيه من أن الواحد جماعة،لأنه إذا دخل المسجد و أذّن و أقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة،و متى أقام و لم يؤذّن صلّى خلفه صفّ واحد (3).

فلعلّه محمول على شدة استحباب الأذان و الإقامة لا أنه جماعة حقيقة.

و لا تصح الجماعة و الحال أن بين الإمام و المأموم ما يمنع المشاهدة،و كذا لو كان بين الصفوف فتفسد صلاة من وراء الحائل، بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (4).

للصحيح:«إن صلّى قوم بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام،و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطّى فليس ذلك لهم بصلاة،فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان حيال الباب،قال:و هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس و إنما أحدثها الجبّارون،و ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» (5).

ص:207


1- منهم العلامة في المنتهى 1:364،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:159.
2- الفقيه 1:1096/246،الوسائل 8:297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 5.
3- الفقيه 1:246.
4- منها:المعتبر 2:416،و التذكرة 1:173.
5- الكافي 3:4/385،الفقيه 1:1144/253،التهذيب 3:182/52،الوسائل 8:410 أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2 و في الجميع بتفاوت.

و احترز بقوله:يمنع المشاهدة،عمّا لا يمنع عنها و لو حال القيام خاصة، كالحائل القصير و الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة،فإنه تصح صلاة من خلفها مقتديا بمن فيها كما هو المشهور.

خلافا للخلاف في الشبابيك،مستدلا عليه بالإجماع و الصحيح المتقدم،قال:و هو صريح بالمنع (1).

و هو غريب؛لعدم وضوح وجه الدلالة فيه بعد،و لذا اختلف فيه:فبين من جعله النهي فيه عن الصلاة خلف المقاصير،بناء على أن الغالب فيها كونها مشبكة.

و أجاب عنه في المختلف بجواز كون المقاصير المشار إليها فيه غير مخرّمة (2).

و يعضده ذكر حكم المقاصير التي أحدثها الجبّارون بعد اشتراط عدم حيلولة سترة أو جدار بنحو يفهم منه دفع إيراد يحتمل الورود على الاشتراط، و لو كانت المقاصير المشار إليها مخرّمة لما كان سترة و لا جدارا حتى يحتاج إلى دفع إيراد يرد على الاشتراط،فتأمل.

و بين من جعله ما تضمن صدره من قوله عليه السلام:«و إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»فإنّ مالا يتخطى يتناول الحائط و الشباك مطلقا و غيرهما (3).

و هذا بعيد جدّا؛لأن المراد بما لا يتخطى عدم التخطي بواسطة البعد لا باعتبار الحائل،كما هو المتبادر المدلول عليه بذيل الصحيح بعد التدبر

ص:208


1- الخلاف 1:558.
2- المختلف:159.
3- كما في المختلف:159،و نهاية الإحكام 2:122.

الصحيح،هذا.

و لا ريب أن ما ذكره الشيخ أحوط،سيّما مع دعواه الإجماع عليه.

و اعلم:أنّ مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده و إن تعدّد كاف في صحة الجماعة،و إلاّ لم تحصل للصفوف المتعددة،مع أنه خلاف الإجماع،بل الضرورة فتوى و رواية.

و هل يكفي المشاهدة مطلقا،فيصح ما في المنتهى و غيره (1)من أنه لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب و هو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو بعض المأمومين صحّت صلاته و صلاة من على يمينه و على يساره و ورائه؟ أم يشترط فقد الحائل بينه و بين الإمام أو الصف السابق،و إلاّ صحّ صلاة من فقده و من بعده من الصفوف إذا شاهدوه دون غيره؟ وجهان،أحوطهما الثاني،سيّما مع قوة احتمال ظهوره من الصحيح الماضي،إلاّ أن الأول أشهر،بل لا يكاد خلاف فيه يعرف إلاّ من بعض من تأخّر، حيث إنّه بعد نقل ما في المنتهى عن الشيخ و من تبعه استشكله.

فقال:و هو متّجه إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا،و إلاّ كان في الحكم المذكور إشكال،نظرا إلى قوله عليه السلام:«إلاّ من كان بحيال الباب»فإنّ ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال الباب،و جعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب و يساره،و فيه عدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل (2).

انتهى.و هو حسن.

و يجوز الحيلولة بما يمنع المشاهدة في المرأة أي بينها و بين

ص:209


1- المنتهى 1:365؛و انظر المدارك 4:318.
2- الذخيرة:394.

إمامها إذا كان رجلا،و عرفت انتقال الإمام من القيام إلى السجود و منه إليه مثلا، بلا خلاف يظهر إلاّ من الحلّي،فجعلها كالرجل؛لعموم الدليل (1).

و هو مخصّص بصريح الموثق:عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء،هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟قال:«نعم،إن كان الإمام أسفل منهن» قلت:فإن بينهن و بينه حائطا أو طريقا،قال:«لا بأس» (2).

و قصور السند مجبور بالعمل،بل بالإجماع كما في التذكرة (3).

نعم،ما ذكره أحوط.

و لا يجوز أن يأتم المصلّي بمن هو أعلى منه موقفا بما يعتدّ به كالأبنية على رواية عمّار الموثقة:عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي فيه،فقال:«إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم يجز صلاتهم» (4).

و هي كما ترى صريحة في الحرمة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لا خلاف فيها أجده،إلاّ من الخلاف فصرّح بالكراهة،مدّعيا عليها أخبار و إجماع الطائفة (5).

لكنه شاذ،و إجماعه موهون إن أراد بالكراهة المعنى المعروف.و إن أراد بها الحرمة-كما صرّح به الفاضل في المختلف (6)،و ربما يشهد له سياق عبارة

ص:210


1- السرائر 1:289.
2- التهذيب 3:183/53،الوسائل 8:409 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.
3- التذكرة 1:174.
4- الكافي 3:9/386،الفقيه 1:1146/253،التهذيب 3:185/53،الوسائل 8:411 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1.
5- الخلاف 1:556.
6- المختلف:160.

الخلاف-فلا خلاف له في المسألة و إن حكاه عنه جماعة مائلين إليه (1)؛ للأصل؛و عموم أدلة صحة القدوة من غير إشارة في شيء منها إلى هذا الشرط بالمرّة؛و ضعف الرواية سندا و متنا.

و هو كما ترى؛لوجوب الخروج عن الأولين-على تقدير جريانهما في المقام-بالرواية،لأنها من الموثق و هو حجة،و على تقدير الضعف فهو منجبر بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة كما عرفته.

و أما المتن فلا ضعف فيه إلاّ من حيث التهافت و اختلاف النسخة،و هما لا تعلّق لهما بالحكم الذي يتعلق بأصل المسألة،و إنما هما في بيان البعد الممنوع عنه و المرخّص فيه،و هو غير أصل المسألة،و ضرر هما إنما هو فيه لا فيها؛و لذا لم يستند الأكثر في بيان البعد إلى الرواية و إنما عوّلوا فيه على العرف و العادة.

و قدّره في الدروس بما لا يتخطى كالفاضل في التذكرة (2).و قيل:بشبر، بزعم استفادته من الرواية (3)،و ادّعى الفاضل الإجماع على اغتفاره في التذكرة (4).

و يعضد الرواية في أصل المسألة نصوص أخر جملة منها صريحة (5)، و هي و إن كان الظاهر أنها عامية إلاّ أنها منجبرة بما عرفته.

و يجوز الائتمام بالأعلى لو كانا على أرض منحدرة بلا خلاف فيه

ص:211


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:419،و الشهيد في الذكرى:273،و صاحب المدارك 4:320.
2- الدروس 1:220،التذكرة 1:174.
3- الذكرى:273.
4- التذكرة 1:174.
5- انظر سنن البيهقي 3:108،109.

و لا في أنه لو كان المأموم أعلى منه أي من الإمام مطلقا صحّ الائتمام؛لما في ذيل الموثقة المتقدمة من قوله عليه السلام:«و إن كان أرضا مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلاّ أنهم في موضع منحدر فلا بأس»قال:

و سئل:فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه،قال:«لا بأس»و قال:

«و إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشيء كثير».

و قد عرفت الجواب عمّا يرد عليها،مع كون الحكم فيها هنا إجماعيا كما صرّح به في الأخير في المنتهى (1)،و يظهر من غيره أيضا (2)؛معتضدا بالأصل و العمومات أيضا؛و لذا لم ينسبه الماتن هنا إلى رواية عمّار مع كونه مذكورا فيها،و إنما نسب الحكم سابقا إليها إشعارا بالتردد فيه المعلوم وجهه و جوابه ممّا قدّمنا،و يحتمل كون المنسوب إليها في كلامه كون البعد الممنوع منه بما يعتدّ به كالدكان و شبهه لا المنع عن أصله،و لكنه بعيد جدّا،هذا.

و أما الخبر المنافي للحكم في الثاني (3)فمع ضعف سنده بالجهالة شاذّ محمول على الفضيلة.

و لا يجوز أن يتباعد المأموم عن الإمام أو الصف الذي يليه بما يخرج به عن العادة؛إلاّ مع اتصال الصفوف.

أما عدم جواز التباعد في غير صورة الاستثناء فهو مجمع عليه بيننا على

ص:212


1- المنتهى 1:366.
2- كالذخيرة:394.
3- التهذيب 3:835/282،الوسائل 8:412 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.

الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة من أصحابنا (1).

و اما تحديده بما في العبارة فهو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

استنادا في عدم جواز البعد العرفي الخارج عن العادة بحيث يسمى كثيرا إلى الأصل،مع عدم مصحّح للعبادة معه،عدا إطلاق النصوص بتبعّد المأموم عن الإمام مثلا و قيامه خلفه،و هو غير معلوم الانصراف إلى البعد بهذه الكيفية.

مع أنه لا قائل بالصحة معه منّا إلا ما ينقل من ظاهر المبسوط من حكمه بجواز التباعد ثلاثمائة ذراع (2).و عبارته المحكية غير صريحة في اختياره ذلك، بل و لا ظاهرة،بل أفتى أوّلا بما في العبارة ثمَّ حكى القول المحكي عنه عن قوم،و الظاهر أن المراد بهم من العامة،كما صرّح به في المختلف،قال:إذ لا قول لعلمائنا في ذلك (3).و عبارته هذه ظاهرة في دعوى الإجماع على فساد هذا القول،كما صرّح به الشيخ نفسه في الخلاف (4).

و إذا انتفى هذا القول بالإجماع ظهر انعقاده على عدم جواز البعد الكثير مطلقا؛إذ لا قائل بجوازه دون الثلاثمائة،إلاّ ما ربما يتوهم من الخلاف،من حيث تحديده البعد الممنوع عنه بما يمنع عن مشاهدة الإمام و الاقتداء بأفعاله (5)،الظاهر بحسب عموم المفهوم في جواز البعد بما لا يمنع عن المشاهدة مطلقا و إن كان كثيرا عادة.

و هو غير صريح،بل و لا ظاهر في المخالفة ظهورا يعتدّ به،سيّما و أن

ص:213


1- منهم:العلامة في التذكرة 1:173،و صاحب المدارك 4:322،و المحقق السبزواري في الذخيرة:394.
2- المبسوط 1:156.
3- المختلف:159.
4- الخلاف 1:556.
5- الخلاف 1:559.

غالب صور مفهوم العبارة هو البعد الذي لم يخرج به عن العادة،فيحمل عليه، و لعلّه لذا لم ينقل عنه في المختلف الخلاف في المسألة،و إنما نقل في مقابلة المشهور القول بما لا يتخطى و الثلاثمائة خاصة،مشعرا بأنهما المخالفان في المسألة.

و في الصحة مع عدم البعد الكثير العرفي و إن كان بما لا يتخطى إلى الإطلاق الذي مضى،المعتضد بالأصل و الشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا،بل على جواز البعد بنحو من الطريق و النهر الإجماع في الخلاف صريحا (1)،و الغالب في البعد بهما كونه بما لا يتخطى.

و منه يظهر جواز الاستناد إلى الموثق الذي مضى في جواز ائتمام المرأة خلف الرجل و إن كان المسافة بينهما حائطا أو طريقا.

خلافا للحلبي (2)و ابن زهرة (3)،فمنعا عن البعد بما لا يتخطى؛للصحيح الذي مضى المصرّح بأنه لا صلاة لمن بينه و بين الإمام أو الصف المتقدم عليه هذا (4).

و هو محمول على الفضيلة جمعا و التفاتا إلى ما في ذيله من قوله:

«و ينبغي أن يكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى»و هو ظاهر في الاستحباب،أظهر من ظهور:«لا صلاة»في الفساد،سيّما مع درج تواصل الصفوف و تماميتها معه في حيّز:«ينبغي»فإنه بالنسبة إليه للاستحباب قطعا،فكذا بالنسبة إلى مصحوبه المفسّر له ظاهرا.

ص:214


1- الخلاف 1:215.
2- في«م»:الحلي.
3- الحلبي في الكافي:144،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.
4- راجع ص 207.

و قريب منه رواية أخرى مروية عن دعائم الإسلام،إذ فيها:«و ينبغي للصفوف أن تكون متواصلة،و يكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد» (1).

و الظاهر أن جملة:«و يكون»معطوفة على جملة«تكون»الأولى،للقرب؛ و شهادة الصحيحة.و يمكن جعلها قرينة على كون العطف في هذه الرواية تفسيريا.

هذا مع أنّ فيها إجمالا من حيث عدم تعيينهما مبدأ ما يتخطى،أ هو من المسجد أم الموقف،فكما يحتمل الثاني يحتمل الأول أيضا،و عليه فلا مخالفة للمختار فيهما،فتأمل جدّا.

هذا مضافا إلى ما يرد على هذا القول ممّا ذكرناه في الشرح مستقصى.

و بالجملة:فالمشهور أقوى و إن كان ما ذكراه أحوط و أولى.

و هل اشتراط هذا الشرط مطلق كما عليه الشهيدان (2)؟أم مختص بابتداء الصلاة خاصة حتى لو فقد بخروج الصفوف المتخللة عن الاقتداء بنية الانفراد أو بلوغ الصلاة إلى الانتهاء لم تنفسخ القدوة كما عليه جماعة؟ (3).

وجهان،و الأصل-مع اختصاص ما دلّ على الاشتراط بحكم التبادر بالابتداء-مع الثاني.

و على الأول فهل تنفسخ القدوة مطلقا فينوي الانفراد للضرورة،أم إذا لم يمكن تجديدها بالتقرب إلى محل الصحة مع عدم حصول المنافي؟ وجهان،و الأحوط تجديدها ثمَّ الصلاة مرة أخرى.

ص:215


1- دعائم الإسلام 1:156،المستدرك 6:499 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
2- الشهيد الأول في البيان:235،الشهيد الثاني في روض الجنان:370.
3- منهم صاحب المدارك 4:323،و المحقق السبزواري في الذخيرة:394.

و اعلم:أن اغتفار البعد في صورة الاستثناء مجمع عليه،بل ضروري جدّا.

و هل يجب أن لا يحرم البعيد من الصفوف بالصلاة حتى يحرم بها قبله من المتقدم من يزول معه التباعد كما يتوهم من بعض العبارات (1)؟أم لا بل يكون مستحبا حيث لا يستلزم فوات القدوة و إلاّ فالعدم أولى؟ وجهان،و لعلّ الثاني أقوى.

تكره القراءة خلف الإمام

و تكره القراءة من المأموم الغير المسبوق خلف الإمام المرضي عنده في الصلوات الإخفاتية على الأظهر الأشهر بين الطائفة على ما حكاه الماتن هنا،و جماعة كالشهيدين في الدروس و روض الجنان (2)؛للنهي عنها في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).

و إنما حملت على الكراهة جمعا بينها و بين ما دلّ على الجواز من صريح المعتبرة،كالصحيح:عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام،يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟قال:«إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس» (4).

و الخبر المنجبر ضعف سنده بعمل الأكثر:«إذا كنت خلف إمام تولاّه و تثق به فإنه يجزيك قراءته،و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه،فإذا جهر فأنصت» (5).

و في الصحيح:يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنه يقرأ؟فقال:«لا ينبغي له أن يقرأ،يكله إلى الإمام» (6).

ص:216


1- راجع الحدائق 11:107.
2- الدروس 1:222،روض الجنان:372.
3- الوسائل 8:353 أبواب صلاة الجماعة ب 30.
4- التهذيب 2:1192/296،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.
5- التهذيب 3:120/33،الوسائل 8:359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 15.
6- التهذيب 3:119/33،الاستبصار 1:1654/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 8.

و هو ظاهر في الكراهة،أظهر من دلالة النهي على الحرمة،سيّما مع شيوع استعماله في الكراهة،مع قوة احتمال وروده هنا لدفع توهم وجوب القراءة كما زعمته جماعة من العامة (1)،فلا يفيد سوى إباحة الترك،لا الحرمة،بل و لا الكراهة،و هي في الجملة من خصائص الإمامية،و ادّعى إجماعهم عليها جماعة كالفاضلين في المعتبر و المنتهى و التذكرة (2).

و لعلّه لهذا قيل بعدم الكراهة هنا (3).و لكنه ضعيف؛لما عرفت من ظهور الصحيحة الأخيرة فيها؛مضافا إلى التسامح فيها و الاكتفاء في ثبوتها بفتوى فقيه واحد فضلا عن الشهرة،و باحتمال الحرمة،كما عليها هنا من القدماء جماعة (4)لظاهر النواهي،لكن قد عرفت جوابه.

و لصريح الصحيح:«من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة» (5).

و يمكن حمله على الكراهة-و إن بعد غايته-جمعا بينه و بين ما مرّ ممّا هو أصرح دلالة على الجواز منه على الحرمة.أو على ما عدا الإخفاتية.أو على ما إذا قرأ بقصد الوجوب كما عليه جماعة من العامة،فيكون المقصود به ردّهم لا إثبات إطلاق الحرمة.

و أما القول باستحباب القراءة لكن للحمد خاصة-كما عن الشيخ في

ص:217


1- منهم ابن قدامة في المغني 2:12،و ابن رشد في بداية المجتهد 1:154.
2- المعتبر 2:420،المنتهى 1:378،التذكرة 1:184.
3- اللمعة(الروضة البهية 1):381.
4- منهم الشيخ في النهاية:113،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.
5- الكافي 3:6/377،الفقيه 1:1155/255،التهذيب 3:770/269،الوسائل 8:356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 4.

المبسوط و النهاية و جماعة (1)-فلم أقف له على دلالة،فهو أضعف الأقوال في المسألة.

و كذا تكره في الصلوات الجهرية لو سمع القراءة و لو همهمة و هي الصوت الخفي من غير تفصيل الحروف،بلا خلاف في أصل المرجوحية،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة،كالفاضل المقداد في التنقيح و الشهيد الثاني في روض الجنان و الروضة (2)،و يشمله دعوى الفاضلين الإجماع على السقوط في كتبهما المتقدمة،كنفي الحلّي الخلاف في السرائر عن ضمان الإمام للقراءة (3).

و هل هي على الحرمة كما عليه من القدماء و المتأخرين جماعة (4)؟أم الكراهة كما عليه آخرون،و ادّعى عليها الشهيدان الشهرة في الدروس و الروضة (5)، بل في التنقيح نسب وجوب الإنصات المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة،ثمَّ قال:و الباقون سنّوه (6).و لعلّه ظاهر في دعوى الاتفاق؟إشكال:

من الأمر بالإنصات في الآية الكريمة (7)،و جملة من الصحاح،منها:

«و إن كنت خلف الإمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين و أنصت لقراءته،و لا تقرأ شيئا في الأخيرتين،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ [1] يعني في

ص:218


1- المبسوط 1:158،النهاية:113؛و انظر المهذّب 1:81،و الجامع للشرائع:100،و نهاية الإحكام 2:160.
2- التنقيح الرائع 1:272،روض الجنان:372،الروضة 1:381.
3- السرائر 1:284.
4- منهم:الشيخ في النهاية:113،و الحلبي في الكافي:144،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560 و العلامة في المختلف:158،و صاحب المدارك 4:323.
5- الدروس 1:222،الروضة 1:381.
6- التنقيح 1:272.
7- الأعراف:204.

الفريضة فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [1] و الأخيرتان تبع للأوليين» (1)و منها:«إنّ الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه،فإن سمعت فأنصت،و إن لم تسمع فاقرأ» (2).

و منها:«إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبّح» (3)و نحوها غيرها (4).

مضافا إلى النهي عنها في الصحاح المستفيضة عموما و خصوصا في المسألة (5)،و الأمر و النهي حقيقتان في الوجوب و الحرمة.

و من احتمال كونهما هنا للاستحباب و الكراهة كما يفهم من بعض المعتبرة،كالموثق:عن الرجل يؤم الناس فيستمعون صوته و لا يفهمون ما يقول،فقال:«إذا سمع صوته فهو يجزيه،و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه» (6).

فإنّ في التعبير بالإجزاء إشعارا بل ظهورا في عدم المنع عن القراءة أصلا،أو عدم كونه للحرمة.

هذا مضافا إلى الإجماع على ما حكاه بعض الأصحاب (7)على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق،كما هو ظاهر الآية،بل هو كذلك للاستحباب،فتعليل الأمر بالإنصات في النصوص بالأمر به فيها قرينة عليه،

ص:219


1- الفقيه 1:1160/256،الوسائل 8:355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3.
2- الكافي 3:1/377،التهذيب 3:114/32،الاستبصار 1:1649/427،الوسائل 8:356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.
3- الكافي 3:3/377،التهذيب 3:116/32،الاستبصار 1:1651/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.
4- تفسير العياشي 2:44،المستدرك 6:480 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
5- الوسائل 8:355 أبواب صلاة الجماعة ب 31.
6- التهذيب 3:123/34،الاستبصار 1:1656/429،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 10.
7- منهم المحقق الأردبيلي في زبدة البيان:130،و العلامة المجلسي في بحار الأنوار 85:21.

كما صرّح به الماتن (1).

و فيه نظر؛لتصريح الصحيحة باختصاص الآية بالفريضة،و لا إجماع على عدم الوجوب فيها؛و الإجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها،فهذا الاستدلال ضعيف.

و أضعف منه الاستدلال بنحو الصحيح:عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة،قال:«لا بأس إن صمت و إن قرأ» (2).

فإنه أخصّ من المدّعى؛لدلالته على جواز القراءة في صورة خاصة، و هي صورة عدم سماع القراءة،و قد أطبق الأكثر بل الكل-عدا الحلّي (3)-على الجواز هنا و إن اختلفت عبائرهم في كونه على الوجوب كما هو ظاهر الماتن هنا؛لقوله و لو لم يسمع قرأ لظهور الأمر فيه.

أو الاستحباب كما هو صريح جمع (4).

أو الإباحة كما هو ظاهر القاضي و غيره (5)،و يحتمله المتن و غيره،حتى النصوص الآمرة به كالصحيح:«فإن سمعت فأنصت،و إن لم تسمع فاقرأ» (6)لوروده في مقام توهم المنع،فلا يفيد سوى الإباحة،و يدفع الرجحان بالأصل و الصحيحة المتقدمة المجيزة الظاهرة في تساوي الطرفين في الرجحان و المرجوحية.

ص:220


1- انظر المعتبر 2:421.
2- التهذيب 3:122/34،الاستبصار 1:1657/429،الوسائل 8:358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.
3- السرائر 1:284.
4- الماتن في المعتبر 2:421؛و انظر المختلف:158،و الذكرى:277.
5- القاضي في المهذّب 1:81؛و انظر النهاية:113.
6- تقدّم مصدره في ص:219.

هذا إن لم نقل بالمسامحة في أدلة السنن و إلاّ فلا بأس بالاستحباب كما هو الأشهر الأقوى.

و أما القول بالوجوب فضعيف غايته،و أضعف منه القول بالحرمة.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النصوص جواز القراءة في هذه الصورة مطلقا و لو مع سماع الهمهمة؛لصدق عدم سماع القراءة معه،و نحوها إطلاق كثير من عبائر القدماء (1).

خلافا لصريح العبارة و جماعة (2)،فقيّدوه بصورة عدم سماع الهمهمة؛ للصحيح:«و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (3).

و هذا أقرب؛لوجوب حمل المطلق على المقيّد،سيّما و أنّ محل المقيد أظهر أفراد المطلق،فتأمل.

و اعلم:أنّ الأحوط للعبادة ترك القراءة فيما عدا هذه الصورة مطلقا، سيّما في الصلاة الجهرية،للإجماع على السقوط فتوى و دليلا كما مضى،مع سلامة الأدلة المانعة في الجهرية عمّا يصلح للمعارضة،سوى الموثقة المتقدمة.و في الاكتفاء بها للخروج عن ظواهر الكتاب و السنّة جرأة عظيمة، سيّما مع قصور دلالتها عن الظهور المعتد به،فضلا عن الصراحة التي هي المناط في الخروج عن ظواهر الأدلة.

ص:221


1- منهم:السيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):40،و ابن البراج في شرح الجمل:120،و المهذّب 1:81،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 560.
2- منهم:العلامة في القواعد 1:47،و الشهيد في الدروس 1:222،صاحب الحدائق 11:126.
3- الكافي 3:4/377،التهذيب 3:117/33،الاستبصار 1:1652/428،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.

و هل السقوط يختص بالركعتين الأوليين مطلقا،كما عليه الصدوق و الحلبي و ابن زهرة (1)،و جعله المرتضى أولى (2)؟أم يعمّهما و الأخيرتين كذلك، كما عليه الحلّي حتما و ابن حمزة جوازا (3)مع رجحان القراءة ثمَّ التسبيح،أو الأول في الإخفاتية دون الجهرية كما عليه الفاضل في المختلف (4)،أو بالعكس كما في الذخيرة (5)؟ أقوال،أجودها أوّلها؛للأصل،و عموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما؛مع اختصاص ما دلّ على سقوط القراءة بحكم التبادر-الموجب عن تتبع النصوص و الفتاوي-بالمتعينة منها لا مطلقا،و ليست إلاّ في الأوليين دون الأخيرتين؛فإنّ وظيفتهما القراءة المخيرة بينها و بين التسبيح مع أفضليته كما في بحثها قد مضى،و ليس المراد بالقراءة المحكوم بسقوطها ما يعمّ نحو التسبيح قطعا كما يستفاد من تتبع النصوص و الفتاوي أيضا؛و لذا لا يسقط القنوت و الأذكار و نحو هما.

مضافا إلى الصحيح:«إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوليين» و قال:«يجزيك التسبيح في الأخيرتين»قلت:أيّ شيء تقول أنت؟قال:«أقرأ فاتحة الكتاب» (6).

ص:222


1- الصدوق في المقنع:36،الحلبي في الكافي:144،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 560.
2- راجع جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41.
3- الحلي في السرائر 1:284،نقله عن ابن زهرة في الحدائق 11:124.
4- المختلف:158.
5- الذخيرة:397.
6- التهذيب 3:124/35،الوسائل 8:357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

و هو صريح في ردّ الحلّي و ظاهر في المختار.

و قريب منه الخبر:«إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين،و على الذين خلفك أن يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هم قيام،فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الأخيرتين» (1)فتأمل (2).

لكنهما-مع ضعف سند ثانيهما،و مخالفة ظاهره للإجماع،و ظهورهما في رجحان القراءة على التسبيح و لو في الجملة،مع أنه خلاف ما قدّمنا تحقيقه في بحث القراءة-معارضان ببعض الصحاح المتقدمة الناهي عن القراءة في أخيرتي الجهرية،معلّلا بأنهما تبع للأوليين اللتين يجب الإنصات فيهما.

و تعليله النهي عن القراءة بالإنصات المأمور به في الآية ظاهر في عمومها للتسبيح و القراءة.

و حكمه بالتبعية على الإطلاق ظاهر في عدم اختصاص النهي عن القراءة المزبورة بالجهرية و إن كانت مورده،لأنه لا يخصّص عموم الجواب كما مرّ غير مرّة،إلاّ أن يقال:إنه لا عموم له،و إنما غايته الإطلاق المحتمل للانصراف إلى المعهود.

و عليه فيتقوى القول بالسقوط مطلقا،أو في الجملة،لكن الخروج به عن مقتضى الأصل و العمومات مشكل،سيّما مع اعتضادهما بالخبرين المتقدمين، و صحيحين آخرين:

ص:223


1- التهذيب 3:800/275،الوسائل 8:362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.
2- ليست في«ش»و«م».

في أحدهما:عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين،فقال:

«الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح» (1).

و في الثاني:«إني أكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار»قال:قلت:يصنع ما ذا؟قال:«يسبّح» (2).

و هي و إن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية إلاّ أن قوله:«فيقوم كأنه حمار»ظاهر في كراهة السكوت مطلقا،و إنما لم يكره في أوليي الجهرية كما يفهم منها لقيام الإنصات مقام القراءة فيها،فكأنه غير ساكت أصلا.

و الكراهة فيها يمكن أن يراد بها المعنى الأعم من الحرمة و من المصطلح كما هو الأصل،مع عدم ثبوت كونها حقيقة في الثاني في الشرع،و عليه فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج،بالنسبة إلى الركعتين الأوليين فالمصطلح كما صرّح به جمع،و إلى الأخيرتين فالمنع عن السكوت كما يقتضيه العمومات و الأصل.هذا مع أنه أحوط؛لندرة القول بتحتم السقوط هنا،و إطباق من عدا القائل به على جواز التسبيح و القراءة مخيرا بينهما،و إن اختلف في جواز السكوت أيضا أم لا،و أفضلية التسبيح أو القراءة أو تساويهما.

و يمكن الاستدلال على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدمة الدالة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع الهمهمة،فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى؛و لعلّه لهذا لم يمنع في الذخيرة عن القراءة فيهما (3).و حيث ثبت جواز القراءة فيهما

ص:224


1- الكافي 3:1/319،التهذيب 2:1185/294،الوسائل 8:361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 5.
2- الفقيه 1:1161/256،التهذيب 3:806/276،الوسائل 8:360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.
3- الذخيرة:397.

أو استحبابها ثبت جواز التسبيح أيضا؛لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة بينهما.

و بالجملة:الأحوط،بل لعلّه المتعيّن عدم السقوط هنا مطلقا،أما الجهرية فلما عرفته،و كذا الإخفاتية،مضافا إلى جواز القراءة في أولييها كما مضى فكذا في الأخيرتين منها،بل بطريق أولى.

و لا ينافيه الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الأخيرتين تبع للأوليين أصلا،إمّا لاحتمال اختصاصها بالجهرية كما مضى،أو من حيث حكمها بالتبعية،و مقتضاها الجواز في أخيرتي الإخفاتية،بناء على ثبوته في أولييها كما عرفته لكن مع الكراهة.

و ينبغي القطع بعدمها فيهما؛لندرة القول بالمنع،و قوة أدلة الوجوب، فيكون مراعاة احتماله أولى من مراعاة الكراهة،و عليه فيقيّد إطلاق التبعية في أصل جواز القراءة و عدمه من غير ملاحظة نحو وصف الكراهة،فتأمل.

و إنما قيّدنا الإمام بالمرضي و المأموم بغير المسبوق؛لوجوب القراءة على المسبوق فيما سبق به،أو استحبابها،على الاختلاف كما يأتي؛و على من هو خلف من لا يقتدى به وجوبا بلا خلاف يعرف كما في السرائر و المنتهى (1)؛ لانتفاء القدوة،و للمعتبرة،منها:الصحيح:«إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه،سمعت قراءته أو لم تسمع» (2).

و لا ينافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات و الاستماع لقراءته في الجهرية (3)؛ لاحتمالها الحمل على حال التقية،فحينئذ ينصت و يقرأ فيما بينه و بين نفسه

ص:225


1- السرائر 1:284،المنتهى 1:378.
2- الكافي 3:4/373،التهذيب 3:125/35،الاستبصار 1:1658/429،الوسائل 8:366 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 9.
3- الوسائل 8:363 أبواب صلاة الجماعة ب 33.

سرّا.

و لا يجب الجهر بالقراءة،كما في الصحيح:عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته و الإمام يجهر بالقراءة،قال:«اقرأ لنفسك،و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» (1).

و المرسل:«يجزيك إذا كنت معهم في القراءة مثل حديث النفس» (2).

و يجزي الفاتحة وحدها مع تعذر السورة؛للضرورة،و المعتبرة.

و في الذخيرة:الظاهر أنه لا خلاف فيه،و نقل بعضهم الإجماع (3).

و لو ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة سقطت أيضا،كما قطع به الشيخ في التهذيب (4)؛للمعتبرة،منها:الصحيح:قلت:من لا يقتدى به في الصلاة؟قال:«افرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار،فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة و اركع معه» (5).

و هي حجة على من أوجب إتمامها في الركوع (6)،مع أني لا أعرف مستنده.

و يجب متابعة الإمام المرضي في الأفعال و تكبيرة الإحرام إجماعا، كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (7)؛للنبوي المشهور:«و إنما جعل الإمام

ص:226


1- التهذيب 3:129/36،الاستبصار 1:1663/430،الوسائل 8:363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.
2- التهذيب 3:128/36،الاستبصار 1:1662/430،الوسائل 8:364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.
3- الذخيرة:398.
4- التهذيب 3:37.
5- التهذيب 3:801/275،الوسائل 8:367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 1.
6- كالشهيد في الذكرى:275.
7- منهم:الشهيدان في الذكرى:274،و الروضة 1:384،و صاحب المدارك 4:326،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:162.

إماما ليؤتم به،فإذا كبّر فكبّروا،و إذا ركع فاركعوا،و إذا سجد فاسجدوا» (1).

و نحوه النصوص المتضمنة للإمامة و القدوة؛لعدم صدقهما إلاّ بالمتابعة فتجب و لو من باب المقدمة،فتأمل (2).

و في وجوبها في الأقوال عدا التكبيرة قولان،أحوطهما ذلك حيث لا توجب فوات القدوة،بل قيل بوجوبها مطلقا (3).خلافا للأكثر فلم يوجبوها فيها مطلقا.

و فسّرت في المشهور بأن لا يتقدمه،فيجوز المقارنة لكن مع انتفاء فضيلة الجماعة،كما عليه الصدوق و شيخنا في الروضة (4)،و اختار في روض الجنان نقصانها لا انتفاءها بالكلية (5)،و ظاهر الباقين ثبوتها تامة.

و هذا التفسير و إن كان خلاف ظواهر الأدلة،سيّما الرواية النبوية المتضمنة للفاء المفيدة للتعقيب المنافي للمقارنة،لكن عليه شواهد من المعتبرة،كالقويّة الواردة في مصلّيين قال كل منهما:كنت إماما أو مأموما، المصحّحة لصلاتهما في الصورة الأولى (6)،فلو لا جواز المقارنة لما تصورت فرض المسألة،فتأمل (7).

ص:227


1- عوالي اللئالي 2:42/225.
2- وجهه أن وجوب المتابعة المستدل عليه بهذه الإطلاقات إنما هو الوجوب الشرعي لا الشرطي المعبّر عنه بمن باب المقدمة كما ستعرفه.منه رحمه اللّه.
3- قال به الشهيد في الدروس 1:221.
4- حكاه عن الصدوق في الذكرى:279،الروضة 1:384.
5- روض الجنان:373.
6- الكافي 3:3/375،الفقيه 1:1123/250 رواها مرسلة،التهذيب 3:186/54،الوسائل 8:352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.
7- وجهه:احتمال فرضها في صورة التقية،كما إذا اقتديا بثالث غير مرضيّ،فاقتدى أحدهما بالآخر مع عدم تمكنهما من التأخر أفعالا و لا موقفا.منه رحمه اللّه.

و كالصحيح المروي عن قرب الإسناد:عن الرجل يصلّي،إله أن يكبّر قبل الإمام؟قال:«لا يكبّر إلاّ مع الإمام،فإن كبّر قبله أعاد التكبيرة» (1).

و ظاهر المعية المقارنة،سيّما مع تفريع التكبير قبله خاصة.و إذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها؛لعدم قائل بالفرق بينهما جوازا فيها و منعا في غيرها و إن وجد قائل به عكسا،كصاحبي المدارك و الذخيرة و غيرهما (2).

و نحوه في الدلالة على جواز المعية لكن في غير التكبيرة بعض الصحاح الآتية في المسألة،هذا.

و الأحوط تركها،سيّما في التكبيرة،فإن القائل بجوازها فيها لم أعرفه و إن حكاه في الذكرى (3)،و أشعر به عبائر جماعة (4)،لكن لم أعرف قائله منّا،نعم حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (5)و لأجله يمكن حمل الرواية السابقة على التقية،سيّما مع كون المروي عنه فيها مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام و حالها في زمانه معروفة.

و لئن تنزّلنا عن حملها عليها فهي لا تقاوم الرواية النبوية المنجبرة،بل المعتضدة بفتوى أصحابنا-و إن احتملت الحمل على التقية أيضا؛لكونها مذهب أكثر العامة كما يفهم من المنتهى (6)-مع أنها أحوط للعبادة التي لا ينبغي ترك الاحتياط فيها.

و اعلم:أنّ مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا،إذ

ص:228


1- قرب الإسناد:854/218،الوسائل 3:101 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
2- المدارك 4:327،الذخيرة:398؛و انظر الحدائق 11:139.
3- الذكرى:274.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:103،و الشهيد الأول في البيان:238،و الشهيد الثاني في المسالك 2:222،و المجلسي في بحار الأنوار 85:75.
5- المنتهى 1:379.
6- المنتهى 1:379.

معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة و إن احتمل كون الوجوب تعبديا لا شرطيا، لكنه غير كاف في نحو العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية، و ليست بحاصلة مع المخالفة،سيّما و أن يكون قد ترك القراءة أو أتى بها و قلنا إن المندوب لا يجزي عن الفرض أصلا،و لعلّه لذا قال الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط:من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته (1).و نحوه الصدوق (2).

خلافا للمشهور و قالوا لو رفع المأموم رأسه من الركوع و السجود أو أهوى إليهما قبله أي قبل الإمام ناسيا عاد إليهما و إلى القيام و لو كان عامدا أثم و استمر و بقي على حاله إلى أن يلحقه الإمام.

و هو في العمد مشكل مطلقا (3)؛لما قدّمنا،مع سلامته عما يصلح للمعارضة له أصلا عدا الموثق:عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه[معه]؟قال:«لا» (4).

و هو-مع كونه أخص مع المدّعى،مع عدم وضوح ما يدل على التعميم أصلا،و مع معارضته بما هو أصح منه سندا و أكثر عددا-لا إشعار فيه بصورة العمد أصلا لو لم نقل بظهوره في غيرها.

و تخصيصه بها-جمعا بينه و بين المعتبرة الآتية بحملها على صورة السهو خاصة،و حمله على صورة العمد كذلك-لا أعرف له وجها لا من فتوى و لا من رواية و لا غيرهما،إلاّ ما قيل من استلزام العود في العمد زيادة ركن من غير عذر،و لا كذلك النسيان،فإنه عذر (5).و هو كما ترى؛فإن زيادة الركن عندهم

ص:229


1- المبسوط 1:157.
2- نقله عنه في الذكرى:279.
3- أي في جميع صوره من الركوع و السجود عامدا أو رفع الرأس منهما كذلك.منه رحمه اللّه.
4- الكافي 3:14/384،التهذيب 3:164/47،الاستبصار 1:1689/438،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6،و ما بين المعقوفين أضفناها من المصادر.
5- نهاية الإحكام 2:136.

مبطلة مطلقا.

و بالجملة:فما ذكروه هنا مستنده غير واضح،إلاّ أن يكون إجماعا من المتأخرين كما يفهم من الذكرى (1)،أو مطلقا كما من غيرها (2).

و كيف كان الاحتياط بإتمام الصلاة-كما ذكروه-ثمَّ الإعادة ممّا لا ينبغي تركه جدّا.

و أما القول بوجوب العود هنا-كما في النسيان-لإطلاق المعتبرة الآتية، و ضعف الموثقة عن المقاومة.

فضعيف في الغاية؛لاختصاصه-كإطلاق المقنعة (3)-بحكم التبادر بصورة النسيان خاصة.

و كذا في الهوي إلى الركوعين نسيانا؛لعدم دليل عليه فيه أصلا، لاختصاص المعتبرة الحاكمة بما ذكروه بصورة الرفع منهما؛مع عدم وضوح ما يدلّ على التعميم حتى الإجماع؛لفتوى الفاضل في المنتهى بالاستمرار هنا و إن قوّى الرجوع أخيرا (4)،لإشعاره بعدم إجماع على ما قوّاه،و إلاّ لما أفتى بخلافه أوّلا.

و وافقه في التقوية في الذخيرة (5)؛للموثق:في رجل كان خلف إمام يأتم به،فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظن أن الإمام قد ركع،فلمّا رآه لم يركع فرفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام،أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك

ص:230


1- الذكرى:275.
2- المدارك 4:327.
3- لم نعثر عليه في المقنعة،بل وجدناه في التهذيب 3:47،48.
4- المنتهى 1:379.
5- الذخيرة:399.

الركعة؟فكتب:«يتم صلاته و لا يفسد لما صنع صلاته» (1).

و هو-مع أخصيته من المدّعى مع عدم وضوح معمّم أصلا-وارد في صورة المظنة،و هو غير مفروض المسألة.

و دعوى تنقيح المناط بحيث يوجب التعدية هنا و في باقي الفروض المتقدمة مشكلة،كدعوى الإجماع عليها كما عرفته.و لا ينبغي ترك الاحتياط هنا كما في المسألة السابقة.

و أمّا ما ذكروه في صورة الرفع من الركوعين نسيانا فممّا لا ريب فيه في الجملة؛للمعتبرة،ففي الصحيح:عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام،فقال:«يعيد ركوعه معه» (2).

و نحوه غيره،و فيه:عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به،فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود،قال:«فليسجد» (3).

و ظاهرها وجوب الرجوع كما هو المشهور.

خلافا للفاضل في النهاية و التذكرة (4)،فاستحبه،جمعا بينه و بين الموثقة السابقة الناهية عنه.

و هو ضعيف في الغاية؛لفقد المكافأة.و مع ذلك فالنهي ظاهر في الحرمة،و مع التنزل فالكراهة،و أين هما من الاستحباب كما ذكره،إلاّ أن يحمل النهي فيه على الإباحة دفعا لتوهم وجوب الرجوع،لكنه خلاف ما فهمه الجماعة.

ص:231


1- التهذيب 3:823/280،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.
2- التهذيب 3:810/277،الوسائل 8:391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.
3- الفقيه 1:1173/258،التهذيب 3:165/48،الوسائل 8:390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.
4- نهاية الإحكام 2:136،التذكرة 1:185.

و على الوجوب فلو ترك العود فالوجه فساد الصلاة؛لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.و فيه قول بالصحة ضعيف.و أولى بالفساد ما لو عاد العامد، لزيادة الركن عمدا المبطلة قطعا،هذا إن أوجنبا عليه الاستمرار،و إلاّ فالفساد ثابت بأول فعله.

و لا يجوز أن يقف المأموم قدّامه أي قدّام الإمام المرضي مطلقا،بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في المنتهى و الذكرى و المدارك و غيرها (1).

أما التساوي في الموقف فجائز مطلقا عند الأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الحلّي،فأوجب التقدم بقليل (2)،و هو شاذ،بل على خلافه الإجماع عن التذكرة (3)؛و هو الحجّة.

مضافا إلى الأصل،و إطلاق أدلة شرعية الجماعة،و القوية المتقدمة في المسألة السابقة (4).

و ظواهر خصوص (5)المعتبرة الآتية الآمرة بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام و المتعدّد خلفه (6).و ظاهر الأول المحاذاة و المساواة،و الثاني و إن كان صريحا في الأمر بالتأخر يوجب صرف الظاهر إليه،إلاّ أن هذا الأمر-كالأول من حيث تعلّقهما باليمين و الخلف-للاستحباب قطعا حتى عند الحلّي،

ص:232


1- المنتهى 1:365،الذكرى:272،المدارك 4:330؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:161، و الذخيرة:394.
2- السرائر 1:277.
3- التذكرة 1:171.
4- راجع ص 227 الهامش 6.
5- في«ش»زيادة:بعض.
6- الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23.

حيث صرّح بأنهما من سنن الموقف،و أنه لو وقف المأموم الواحد عن الخلف و الشمال و المتعدد عنه و عن اليمين جاز (1)و ادّعى الفاضل في المنتهى عليه الإجماع (2).و لعلّه كذلك؛إذ لا خلاف فيه إلاّ من الإسكافي (3)كما يأتي،و هو شاذّ و إن كان أحوط كخيرة الحلّي.

و اعلم:أنّ الظاهر أن المعتبر في التقدم و التساوي العرف و العادة؛لأنه المحكّم فيما لم يرد فيه نصّ في الشريعة.

خلافا لجماعة (4)فبالأعقاب خاصة،فلا يضر تقدم الأصابع أو الصدر أو الرأس مع تساويها،كما لا ينفع التأخر بأحد الأمور المزبورة مع عدم التساوي فيها و تأخر عقب الإمام عن أعقاب المأمومين.

و للفاضل في النهاية فبها و بالأصابع خاصة،و صرّح بأنه لا يقدح في التساوي تقدّم ما عداهما في بعض الأحوال (5).

و لا دليل على شيء منهما عدا الثاني فيساعده العرف في الجملة،بل مطلقا،لو لا التصريح الذي مضى،بل معه أيضا.و لكن الأحوط عدم التقدم بشيء من الأعضاء في شيء من الأحوال أصلا،بل الأحوط عدم التساوي مطلقا.

و لا بدّ من نية الائتمام بإمام معيّن بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه لشرائط الإمامة،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل

ص:233


1- السرائر 1:277.
2- المنتهى 1:376.
3- حكاه عنه في المختلف:160.
4- منهم:العلامة في التذكرة 1:171،و الشهيد الأوّل في البيان:234،و صاحب المدارك 4:331.
5- نهاية الإحكام 2:117.

في المنتهى و نهاية الإحكام و الذكرى (1)الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء،فلو لم ينوه،أو نوى الاقتداء بغير معيّن فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة.

و كذا لو نوى باثنين و لو توافقا فعلا؛لعدم دليل على الصحة في نحو هذه الصورة من فتوى أو رواية،لاختصاص مورد هما بغيرها.

و منه يظهر وجه ما ذكره الشهيدان في الذكرى و روض الجنان و الروضة من فسادها لو نوى الاقتداء بزيد فبان عمروا و إن كان أهلا للإمامة.أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ففي صحة الاقتداء ترجيحا للإشارة، و عدمها ترجيحا للاسم وجهان،أحوطهما العدم (2).

و ظاهر العبارة-كغيرها-عدم وجوب نية الإمامة،و لا خلاف فيه أجده، بل عليه الإجماع عن التذكرة (3).

و لا ريب فيه في الجماعة المندوبة بالإضافة إلى صحة الصلاة خاصة.

أمّا في الواجبة فواجبة،وفاقا للشهيدين و غيرهما (4)،و كذا في المندوبة بالإضافة إلى فضيلة الجماعة،إلاّ مع عدم العلم بالاقتداء،فلا يبعد ثبوتها له أيضا،نظرا إلى عموم كرمه سبحانه تعالى،سيّما بالنظر إلى ما ورد في فضيلتها من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين و لو مع عدم اطلاع الإمام و لا أحدهم به أصلا.

و لو صلّى اثنان و قال كل منهما: بعد الفراغ كنت مأموما لك أعادا،و لو قال:كنت إماما لم يعيدا للقوي (5)المنجبر قصور سنده بعمل

ص:234


1- المنتهى 1:365،نهاية الإحكام 1:125،الذكرى:271.
2- الذكرى:271،و روض الجنان:375،الروضة 1:382.
3- التذكرة 1:174.
4- الشهيد الأول في الذكرى:271،الشهيد الثاني في المسالك 1:44؛و انظر الجامع العباسي (للشيخ البهائي):93.
5- تقدّم مصدره في ص 227 الهامش 6.

الأصحاب كافة على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،مشعرين بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به في المنتهى في الثاني.

و لا شبهة فيه و لا في الأول أيضا إذا لم يظنّ كلّ منهما قيام الآخر بوظائف الصلاة التي منها القراءة و السبق بالتحريمة و لم يأت أيضا بالقراءة أو أتى بها و لم يجتزئ بها عن القراءة الواجبة.و يشكل في غير ذلك،لكنه مندفع بإطلاق النص المعتضد أو المنجبر بالعمل،بل الإجماع كما في نهاية الإحكام (2)،مع إمكان دفعه بما ذكرناه في الشرح،هذا.

و يظهر من المنتهى رواية أخرى بذلك لعمّار،قال:رواها الشيخ (3).

و لكني لم أرها و لا من أشار إليها غيره أصلا.

لا يشترط في الجماعة تساوي الفرضين

و لا يشترط في الجماعة تساوي الفرضين أي فرض الإمام و المأموم في العدد و لا في النوع و لا في الصنف بعد توافق نظمهما،فيجوز أن يقتدي كل من الحاضر و المسافر بصاحبه في فريضة و يقتدي المفترض بمثله و بالمتنفل نافلة يجوز فيها الجماعة كالمعادة في جماعة و المتنفل بمثله و بالمفترض و مصلّي إحدى الخمس اليومية بمصلّيها و غيرها.

بلا خلاف أجده إلاّ من والد الصدوق فمنع عن ائتمام المتمم بالمقصّر و بالعكس (4).

و منه فمنع عن ائتمام مصلّي العصر بمصلّي الظهر خاصة إلاّ أن يتوهمها العصر ثمَّ يعلم أنها كانت الظهر فتجزي عنه (5).

ص:235


1- منهم:العلامة في المنتهى 1:366،و الشهيد الثاني في المسالك 1:44؛و السبزواري في الذخيرة:399.
2- نهاية الإحكام 2:127.
3- المنتهى 1:366.
4- حكاه عنه في المختلف:155.
5- راجع الفقيه 1:233.

و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع كما صرّح به الفاضل في المنتهى في الثاني (1)،و حكي عنه و عن الماتن في الأول (2).

و مع ذلك مستند هما غير واضح،عدا الموثق (3)و غيره (4)للأول، و الصحيح (5)و أمر اعتباري في الثاني.

و الأوّلان مع قصور سندهما،بل و دلالتهما أيضا-لتصريحهما بالصحة مع المخالفة،فيكون قرينة على كون النهي في صدرهما للكراهة،لعدم اجتماع الصحة مع الحرمة،بناء على مذهب الإمامية (6)،و لعلّه لذا صرّح بأنهما صريحان في الكراهة بعض الأجلة (7)-محمولان على الكراهة،جمعا بينهما و بين الصحاح الصراح المستفيضة الآتية المعتضدة-زيادة على الشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفت نقله-بالأصل و العمومات كتابا و سنّة.

و الأخيران مع ضعفهما دلالة،بل دلالة أوّلهما على خلاف ما ذكره الصدوق في صورة الاستثناء كما لا يخفى على من راجعهما،معارضان بالصحاح الصراح أيضا.

و أما اقتداء المتنفل بالمفترض فلا خلاف فيه بين العلماء،كما لا خلاف في العكس عندنا،و قد صرّح بالإجماعين في المنتهى (8)،و في الخلاف

ص:236


1- المنتهى 1:367.
2- حكاه عنهما في الذخيرة:392.
3- التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
4- التهذيب 3:358/165،الاستبصار 1:1642/426،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 3.
5- التهذيب 3:173/49،الوسائل 8:399 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.
6- من عدم اجتماع الأمر و النهي في الشيء الواحد الشخصي و لو اختلفت الحيثيّة.منه رحمه اللّه.
7- كصاحب المدارك 4:364.
8- المنتهى 1:367.

بإجماعنا خاصة فيهما (1).و سيأتي من النصوص ما يدل عليهما قريبا إن شاء اللّه تعالى،مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة هنا عن المعارض أصلا.

كلّ هذا مع توافقهما نظما،و أما مع العدم فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا،فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة و الكسوفين و العيدين و لا العكس؛لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا و فتوى.

يستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام،و الجماعة خلفه

و يستحب أن يقف المأموم الواحد إذا كان رجلا عن يمين الإمام،و الجماعة و لو كانوا اثنين مطلقا خلفه بإجماعنا المقطوع المصرّح به في الخلاف و المنتهى و غير هما (2)،و المعتبرة مستفيضة بذلك جدّا:

ففي الصحيح:«الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه،و إن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (3).

و ظاهره كغيره و إن كان الوجوب كما عن الإسكافي (4)،إلاّ أنه نادر محكي في ظاهر الخلاف و صريح المنتهى الإجماع على خلافه فيه.

مضافا إلى الأصل و الإطلاقات،فيصرف الأمر و ما في معناه عن ظاهره، سيّما مع تأيده ببعض النصوص الدالة على الصحة مع المخالفة،و فيه:عن رجل صلّى إلى جنب رجل،فقام عن يساره و هو لا يعلم كيف يصنع ثمَّ علم و هو في الصلاة،قال:«يحوّله عن يمينه» (5)و نحوه غيره (6).

ص:237


1- الخلاف 1:546.
2- الخلاف 1:554،المنتهى 1:376؛و انظر المعتبر 2:426.
3- التهذيب 3:89/26،الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
4- نقله عنه في المختلف:160.
5- الكافي 3:10/387،الوسائل 8:344 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 1.
6- الفقيه 1:1174/258،التهذيب 3:90/26،الوسائل 8:345 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.

و هو كالصريح في عدم الشرطية و لو في الجملة.

و إذا ثبت الصحة بدونه سهل الأمر في احتمال الوجوب التعبدي؛ لإمكان الاكتفاء في دفعه بالأصل القطعي المعتضد بالشهرة زيادة على الإجماع المحكي،و لا كذلك الوجوب الشرطي،لعسر الاكتفاء في دفعه بمثله إن لم يكن إجماع محكي.

و أن لا يتقدم الإمام العاري أي فاقد الساتر أمام العراة، بل يجلسون و يجلس وسطهم بارزا ركبتيه كما في الصحيح (1).

و ظاهر إطلاقه-كالمتن و كثير-تعيّن الجلوس عليهم مطلقا.

خلافا للمحكي عن الماتن،فخصّه بصورة عدم الأمن من المطّلع، و أوجب القيام في غيرها (2).و هو ضعيف.

و الأصح وجوب الإيماء على الجميع،وفاقا للأكثر،بل عن الحلّي الإجماع عليه (3)،و قد مرّ الكلام فيه في بحث الساتر مستوفى.

و كذا لو أمّت المرأة النساء وقفن معها أي إلى جانبيها استحبابا (4)إلاّ أنه ينبغي هنا أن يكنّ صفا أي في صف واحد أو أزيد من غير أن تبرز بينهن مطلقا،بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها،بل عليه اتفاقهم كما عن المعتبر و المنتهى (5)؛و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها (6)،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة

ص:238


1- التهذيب 2:1513/365،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.
2- الشرائع 1:70.
3- السرائر 1:260.
4- ليست في«ش».
5- المعتبر 2:427،المنتهى 1:377.
6- الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

إن شاء اللّه تعالى.

و لو أمّهنّ الرجل وقفن خلفه وجوبا على القول بحرمة المحاذاة، و استحبابا على القول بكراهتها،كما هو الأقوى،و إن كان الأول أحوط و أولى مطلقا،خصوصا هنا،للأمر به في النصوص من غير معارض لها فيها،مع قوة دلالة بعض الصحاح فيما لو حاذت على فساد صلاتها،ففيه:عن إمام كان في الظهر،فقامت امرأته بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنها العصر،هل يفسد ذلك على القوم؟و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال:«لا يفسد ذلك على القوم،و تعيد المرأة صلاتها» (1).

و التقريب:أنّ وجه الإعادة إما المحاذاة أو اختلاف الفرض،لا سبيل إلى الثاني،لما مرّ،فتعيّن الأول.

و حمله على الاستحباب لإيقاع الفرض على الوجه الأكمل-كما في غير محل-يتوقف على وجود معارض،و ليس إلاّ أن يكون ما دلّ على جواز المحاذاة في غير الجماعة،لعدم قول بالفرق أجده بينه و بينها أصلا.و مع ذلك فترك المحاذاة أولى.

و كذا لو كانت واحدة إلاّ أنه ينبغي لها مع التأخر أن تقف عن يمين الإمام،كما في الصحيح:«الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه» (2)و نحوه غيره (3).

و إن كان مع المأموم الرجل الواحد امرأة وقف هو عن يمينه و هي خلفه، كما في الخبر (4).

ص:239


1- التهذيب 2:913/232،الوسائل 5:130 أبواب مكان المصلي ب 9 1.
2- الفقيه 1:/259ذيل الحديث 1178،الوسائل 5:125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 9.
3- التهذيب 3:758/267،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
4- التهذيب 3:763/268،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
يستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد جماعة إماما أو مأموما

و يستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّي جماعة، إماما كان فيها ذلك المنفرد أو مأموما إجماعا منّا على الظاهر المحكي مستفيضا (1)،و الصحاح به مستفيضة جدّا (2).

و قصور جملة منها دلالة على الاستحباب-لاحتمال ورود الأمر فيها للرخصة؛لوقوعه جوابا عن السؤال عنها فلا يفيد سوى الإباحة-مجبور بأن جملة أخرى منها فيها الأمر من غير تلك القرينة،و أقله الاستحباب،لانتفاء الوجوب بالإجماع،مع تصريح الموثق بالأفضلية (3).

و أما الصحيح المخيّر بين الإعادة و عدمها (4)فهو و إن أوهم الإباحة المحضة إلاّ أن تصريحه أخيرا بجعل المعادة سبحة أوضح قرينة على استحباب الإعادة.هذا مع أن الرخصة في الإعادة تستلزم كون المعادة سنّة؛لأنها عبادة، و هي لا تكون إلاّ بفضيلة.

و يستفاد من الصحيح و نحوه الرضوي (5)كون الوجه المنوي فيها الندب لا الفرض.و هو خيرة الأكثر (6)؛لخروجه بالأولى عن العهدة،فلا معنى لقصد الوجوب بالثانية.

خلافا للشهيدين فجوّزاه بنيته أيضا (7)؛للصحيحين الآمرين بجعلها

ص:240


1- حكاه صاحب المدارك 4:341،و المحقق السبزواري في الذخيرة:395،و صاحب الحدائق 11:162.
2- الوسائل 8:401 أبواب صلاة الجماعة ب 54.
3- التهذيب 3:175/50،الوسائل 8:403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 9.
4- الفقيه 1:1212/265،التهذيب 3:821/279،الوسائل 8:402 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.
5- فقه الرضا(عليه السلام):124.
6- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:291،صاحب المدارك 4:343،و المحقق السبزواري في الذخيرة:395.
7- الشهيد الأول في الذكرى:266،و الدروس 1:223،الشهيد الثاني في المسالك 1:44، و روض الجنان:371.

الفريضة (1).و الدلالة ليست واضحة؛لاحتمال الفريضة فيهما الفائتة دون التي تراد فيها الإعادة،أو كون المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة و الثانية المعادة الفريضة،كما ذكرهما شيخ الطائفة (2)،مستدلا عليهما ببعض المعتبرة.

و يحتمل فيهما غير ذلك ممّا ذكره جماعة (3)،فلا يمكن أخذ هما لما ذكراه حجة،سيّما مع مخالفتهما الأصول الشرعية.

و ظاهر العبارة-ككثير و صريح جماعة (4)-اختصاص استحباب الإعادة بالمنفرد دون الجامع.

خلافا للشهيدين فعمّماه لهما (5)؛للعموم.و فيه منع،إلاّ أن يدّعى استفادته من بعض الصحاح المتضمنة لترك الاستفصال،و هو غير بعيد،و لكنه لا يخلو عن نظر،و لا ريب أن الأول أحوط.

و نحوه الكلام في استحبابها لمصلّين فرادى،إلاّ أنّ الاحتياط فيه آكد و أولى.

و أن يخصّ بالصفّ الأول الفضلاء و أهل المزية الكاملة من علم أو

ص:241


1- الأول: الفقيه 1:1132/251،الوسائل 8:401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1. الثاني: الكافي 3:1/379،التهذيب 3:176/50،الوسائل 8:403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.
2- راجع التهذيب 3:50 ذيل الحديث 176.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:291،و الفيض الكاشاني في الوافي 8: 1247،و العلاّمة المجلسي في مرآة العقول 15:268.
4- منهم:صاحب المدارك 4:342،و صاحب الحدائق 11:163.
5- الدروس 1:223،روض الجنان:371.

عمل أو عقل،و بالصف الثاني من دونهم،و هكذا،كما في النصوص (1)،مضافا إلى الإجماع.

و إطلاقها-كالعبارة و نحوها-يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة و غيرها.

خلافا لجماعة في الأولى،فجعلوا أفضل الصفوف فيها أواخرها (2)، و ربما عزي إلى الأصحاب جملة (3)،و لا بأس به؛للمعتبرة المستفيضة (4)(5).

و لا بين جماعة الذكور أو النساء،خلافا لبعض النصوص العامية في الثانية،فجعل خير الصفوف فيها أواخرها،و شرّها أولها،عكس الاولى (6).

و ليكن يمين الصف لأفاضلهم؛لأنه أفضل كما في النصوص،منها:

«فضل ميامن الصفّ على مياسرها فضل الجماعة على صلاة الفرد» (7).

و في الذكرى:و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول؛لما روي أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم،ثمَّ إلي يسار الصف،ثمَّ إلى الباقي،و الأفضل

ص:242


1- الوسائل 8:305 أبواب صلاة الجماعة ب 7.
2- منهم الحلي في السرائر 1:282،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:120،و العلامة في المنتهى 1:458.
3- الحدائق 10:400.
4- الوسائل 3:121 أبواب صلاة الجنازة ب 29.
5- في«م»زيادة:منها:ما رواه خالي العلامة في البحار عن كتاب الإمامة و التبصرة لابن بابويه، عن هارون بن موسى،عن محمد بن علي،عن محمد بن الحسين،عن علي بن أسباط،عن فضالة،عن الصادق عليه السلام،عن آبائه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«الصف الأول في الصلاة أفضل،و الصف الأخير في الجنازة أفضل»و نحوها ما رواه السكوني و الفقه الرضوي.
6- مسند أحمد 2:340،سنن ابن ماجه 1:1000/319،سنن الترمذي 1:224/143.
7- الكافي 3:8/273،الوسائل 8:307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.

للأفضل (1).

و أن يسبّح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة للموثقين (2)، و في ثالث:«أمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه،فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» (3)و نحوه الرضوي في الصلاة خلف المخالف (4).

و إطلاق ما عداه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصلاة خلفه أو خلف المرضي المستحب خلفه القراءة فيما إذا كانت جهرية و لم يسمع الهمهمة.

قيل:و يحتمل الاختصاص بالأول؛لأنه المتبادر من النص (5).

و أن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل:قد قامت الصلاة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في الخلاف في أواسط كتاب الصلاة الإجماع عليه (6)؛الخبرين (7).

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف هنا فعند فراغ المؤذّن (8).و هو غير واضح المستند،كالقول الآخر المحكي في المختلف عن بعض

ص:243


1- الذكرى:273.
2- الكافي 3:3/373،التهذيب 3:134/38،الوسائل 8:370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 2،3.
3- الكافي 3:1/373،التهذيب 3:135/38،المحاسن:73/326،الوسائل 8:370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:484 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.
5- قال به صاحب المدارك 4:344.
6- الخلاف 1:317.
7- الأول:الفقيه 1:1137/252،التهذيب 2:1143/285،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1. الثاني:التهذيب 3:146/42،الوسائل 8:380،أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
8- المبسوط 1:157،الخلاف 1:564.

الأصحاب من أنه عند قول المقيم حيّ على الصلاة (1).

و بعض الأمور الاعتبارية-مع معارضته بالمثل-اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المنجبر بالعمل،هذا مع أن القول الأخير محكي عن أبي حنيفة (2)، و عن الشافعي ما قبله (3).

و يظهر عن الخلاف أن النزاع بينهما و بينه إنما هو في الجواز و المشروعية لا الاستحباب و الفضيلة،و هو خلاف مفروض المسألة في كلام الجماعة،و لذا أنه في الموضع الآخر من الخلاف ادعى الإجماع على المختار.

و يكره أن يقف المأموم وحده إلاّ مع العذر

و يكره أن يقف المأموم وحده خارج الصف إلاّ مع العذر كامتلاء الصفوف على المشهور؛للنهي عنه في النصوص المستفيضة (4).و إنما حمل على الكراهة مع ظهوره في الحرمة كما عليه الإسكافي (5)؛لضعفها سندا و مقاومة لما دلّ على الجواز و لو مطلقا،كالصحيح (6)و غيره (7):عن الرجل يقوم في الصفّ وحده،فقال:«لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد».

مضافا إلى الأصل،و الإطلاقات،و خصوص الإجماع المحكي في صريح المنتهى و ظاهر المدارك (8)على الجواز.

ص:244


1- المختلف:160.
2- حكاه عنه الشيخ في الخلاف 1:317،و نقله ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 1:538.
3- انظر المغني و الشرح الكبير 1:538.
4- الوسائل 8:405،407،422 أبواب صلاة الجماعة ب 57،58،70.
5- نقله عنه في الذكرى:274.
6- التهذيب 3:828/280،علل الشرائع:1/361،الوسائل 8:406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.
7- الفقيه 1:1147/254،الوسائل 8:406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 4.
8- المنتهى 1:377،المدارك 4:345.

و أن يصلّي نافلة بعد الأخذ في الإقامة كما في الصحيح (1).

و لا يحرم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛للأصل،مع إشعار الصحيح به،لتضمنه لفظة:«لا ينبغي».

خلافا للنهاية و ابن حمزة (2)فالحرمة.و الحجّة عليها غير واضحة،مع مخالفتها لما عرفته،مضافا إلى الاعتبار،لأن الجماعة مندوبة فلا تحرم لأجلها النافلة،إذ لا يحرم تركها،و هو أقلّ من التشاغل بالنفل رتبة،فيكون بالجواز أولى.

الطرف الثاني:يعتبر في الإمام العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و البلوغ
اشارة

الطرف الثاني:يعتبر في الإمام العقل حالة الإمامة و إن عرض له الجنون في غيرها.فيجوز لذي الأدوار لكن على كراهة على الأشهر،و بها قطع الفاضل في موضع من التذكرة (3)،و في آخر منها بالحرمة (4)،لحجة غير ناهضة.و لكنها أحوط؛خروجا عن الشبهة،و احتياطا للعبادة.

و الإيمان أي الاعتقاد بالأصول الخمسة بحيث يعدّ من الإمامية.

و العدالة و هي ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى التي هي القيام بالواجبات،و ترك المنهيات الكبيرة مطلقا،و الصغيرة مع الإصرار عليها، و ملازمة المروّة التي هي اتّباع محاسن العادات و اجتناب مساويها و ما ينفر عنه من المباحات و يؤذن بخسّة النفس و دناءة الهمّة،في المشهور بين أصحابنا.

و يأتي الكلام فيها و فيما يتعلق بها في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و طهارة المولد عن الزنا،و لا بأس بمن تناله الألسن و ولد الشبهة.

ص:245


1- الفقيه 1:1136/252 بتفاوت،التهذيب 3:841/283،الوسائل 5:452 أبواب الأذان و الإقامة ب 44 ح 1.
2- النهاية:119،ابن حمزة في الوسيلة:106.
3- التذكرة 1:176.
4- التذكرة 1:144.

و لا خلاف بيننا في اشتراط هذه الأمور الأربعة-كالبلوغ في الجملة-بل عليه دعوى الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)،و هي في العدالة كادت تبلغ التواتر،كالنصوص فيها،و أما فيما عداها فهي في جملة منه مستفيضة،و هي ما عدا الإيمان،و فيها الصحاح و غيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح:«لا يصلّينّ أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا» (2).

و في آخر:«خمسة لا يؤمّون الناس على حال»و عدّا منهم (3).

و أما هو فيدل على اعتباره-بعد فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة،بل صريحه إن قلنا بأن المخالف فاسق-الصحيح:في الصلاة خلف الواقفية، فقال:لا (4).

و قريب منه النصوص الواردة في الصلاة خلف المخالف و أمر المؤتم به بالقراءة خلفه (5).

و يشترط البلوغ مطلقا على الأظهر الأشهر،و عن المنتهى في كتاب الصوم نفي الخلاف عنه (6)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه؛للخبر (7)

ص:246


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:431،و العلامة في نهاية الإحكام 2:139،142،و الشهيد في الذكرى:267.
2- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 2.
3- الكافي 3:1/375،التهذيب 2:92/26،الاستبصار 1:1626/422،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 1.
4- الفقيه 1:1113/248،التهذيب 3:98/28،الوسائل 8:310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 5.
5- الوسائل 8:309 أبواب صلاة الجماعة ب 10.
6- المنتهى 1:596.
7- الفقيه 1:1169/258،التهذيب 3:103/29،الاستبصار 1:1632/423،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.

المنجبر ضعفه بعمل الأكثر؛و الأصل الدالّ على عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلاّ مع العلم بالمسقط،و على اعتبار العدالة و الإيمان المتفرعين على التكليف المفقود فيه بالنص و الإجماع؛مضافا إلى سائر ما ذكرته في الشرح.

خلافا للمبسوط و الخلاف (1)،فجوّز إمامة المراهق المميّز العاقل،مدّعيا عليه الإجماع.

و هو موهون بمصير الأكثر-على ما صرّح به جمع (2)بقول مطلق-إلى الخلاف،و منهم هو في التهذيبين و النهاية و الاقتصاد و القاضي (3)من القدماء، مع عدم ظهور موافق له عدا المرتضى فيما يحكى عنه في التنقيح (4).

و مع ذلك فهو معارض بالمثل المترجح عليه بما مرّ،فالاستدلال به للجواز ضعيف.كالاستدلال له بالنصوص المجوّزة لإمامته مطلقا،كما في الموثق (5)و غيره (6)،أو إذا كان له عشر سنين كما فيه (7)؛لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى،و منها قصور دلالتها،لأعميتها من المدّعى،لعدم تقييد فيها بشيء من القيود التي ذكرها،و التقييد بالعشر في بعضها لا يستلزمها.

و لا فرق في إطلاق الأدلة منعا و جوازا بين كونه سلطانا مستخلفا أو غيره؛

ص:247


1- المبسوط 1:154،الخلاف 1:553.
2- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:363،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:244،و المحقق السبزواري في الذخيرة:389.
3- التهذيب 3:30،الاستبصار 1:424،النهاية:113،القاضي في المهذّب 1:80،و لم نعثر عليه في الاقتصاد.
4- التنقيح الرائع 1:274.
5- الكافي 3:6/376،الوسائل 8:321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.
6- التهذيب 3:104/29،الاستبصار 1:1633/424،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8.
7- الفقيه 1:1571/358،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.

خلافا للإسكافي ففرّق،فقال في الثاني بالأول،و في الأول بالثاني (1).

و لا بين إمامته بالبالغين في الفرائض أو في النوافل أو بغيرهم مطلقا؛ خلافا للدروس ففرّق بين الأول فالأول،و غيره فالثاني (2).

و لا أعرف لهما حجة يعتد بها،سيّما في مقابلة الأدلة المتقدمة مطلقا.

و لا يجوز أن يؤم القاعد القائم إجماعا على الظاهر،المصرّح به في الخلاف و السرائر و التذكرة و غيرها (3)،و يظهر أيضا من المنتهى (4).

و للنبوية المشهورة المروية من طرق الخاصة و العامة:«لا يؤمّن أحد بعدي جالسا» (5).

و إطلاقه و إن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا،إلاّ أنه مقيد بما إذا أمّ قائما،كما ذكر الأصحاب،من غير خلاف يعرف بينهم،و في روض الجنان الإجماع عليه (6)؛و هو الحجة عليه،مضافا إلى الأصل و الإطلاقات و خصوص ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات (7)المعمول به بين الأصحاب.

قالوا:و كذا الكلام في جميع المراتب:لا يؤم الناقص الكامل،فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع،و يؤيده-بعد الأصل في العبادة-القوية:«لا يؤمّنّ

ص:248


1- نقله عنه في المختلف:153.
2- الدروس 1:219.
3- الخلاف 1:544،السرائر 1:281،التذكرة 1:177؛و انظر المعتبر 2:436،و المفاتيح 1:160.
4- المنتهى 1:371.
5- الفقيه 1:1119/249،الوسائل 8:345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1 و قد رواه البيهقي في سننه 3:80.
6- روض الجنان:364.
7- الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلّي ب 51.

المقيّد المطلقين،و لا صاحب الفالج الأصحّاء» (1).

و لا الأمي و هو هنا على ما ذكروه من غير خلاف يعرف بينهم:من لا يحسن قراءة الحمد و السورة أو أبعاضهما و لو حرفا أو تشديدا أو صفة القارئ الذي يحسن ذلك كلّه،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في الذكرى (2).

و احتجّ عليه جماعة (3)بالنبوي المشهور و غيره:«يؤمكم أقرؤكم» (4)و لا يخلو عن نظر.

و احترز بالقارئ عن مثله،فإنه يجوز بلا خلاف مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان المأموم،و عجزهما عن التعلّم لضيق الوقت،و عن الايتمام بقارئ أو أتم منهما.

و ذكر جماعة (5)أنه لو اختلفا فيه لم يجز و إن نقص قدر مجهول الإمام، إلاّ أن يقتدي جاهل الأول بجاهل الآخر ثمَّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه،كاقتداء محسن السورة خاصة بجاهلها،و لا يتعاكسان.

و لا المؤوف اللسان كالألثغ بالمثلثة،و هو الذي يبدّل حرفا بغيره مطلقا،كما عن المبسوط و في الروضة و غير هما (6)؛أو الراء بالغين أو اللام و السين بالثاء،كما عن الصحاح و في المجمع (7)؛أو الراء باللام خاصة،كما

ص:249


1- الكافي 3:2/375،الفقيه 1:1108/248،الوسائل 8:340 أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 1.
2- الذكرى:268.
3- منهم الشيخ في الخلاف 1:550،العلامة في المنتهى 1:371.
4- مسند أحمد 3:163.
5- منهم:العلامة في نهاية الإحكام 2:147،و الشهيد الثاني في الروضة 1:390،و صاحب المدارك 4:350.
6- المبسوط 1:153،الروضة 1:391؛و انظر نهاية الأحكام 2:148.
7- الصحاح 4:1325،مجمع البحرين 5:15.

عن الفراء (1)،و قيل فيه غير ذلك (2).

و الأليغ بالمثناة من تحت،و هو الذي لا يبين الكلام.

و التمتام و الفأفاء،و هو الذي لا يحسن تأدية الحرفين على أحد التفسيرين.

السليم لسانه عن ذلك كلّه،بلا خلاف فيه كالسابق؛لإخلاله بالقراءة،فتكون صلاته عنها خالية،و لا صلاة إلاّ بفاتحة،فكيف يضمن قراءة المأموم كما دلّت عليه المعتبرة؟!نعم قالوا:يجوز إمامته بمثله بالنهج الذي ذكر في سابقة.

و الأكثر على إلحاق اللاحن في قراءته به مطلقا؛لما ذكرنا،بناء على استلزام اللحن تغيير القرآن عمّا أنزل به.

خلافا للشيخ و الحلّي (3)فجوّزا إمامته للمتقن مطلقا،كما عليه الأول، و إذا لم يغيّر اللحن المعنى،كما عليه الثاني.و لم أعرف مستندهما لا من نصّ و لا من غيره.

و لا المرأة ذكرا و لا خنثى مشكلا لم يعرف ذكوريته عن أنوثيته.

و لا الخنثى مثله؛لجواز اختلافهما في الوصفين،و كون الإمام هو الأنثى.

خلافا لابن حمزة فقال بالجواز هنا (4)،و هو نادر.

و هو في حق الأنثى كالرجل في حقها.

و الأصل في أصل الحكم-المترتب عليه حكم الخنثى-بعد الإجماع

ص:250


1- نقله عنه في الذكرى:268.
2- انظر تهذيب اللغة للأزهري 8:92.
3- المبسوط 1:153،السرائر 1:281.
4- الوسيلة:105.

الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و روض الجنان و الذكرى و غيرها (1)،النبوي المشهور:«لا تؤمّ المرأة رجلا» (2).

و نحوه المرتضوي المروي عن الدعائم بزيادة:«و لا تؤمّ الخنثى الرجال، و لا الأخرس المتكلّمين،و لا المسافر المقيمين» (3).

و يستفاد من فحوى العبارة جواز إمامة المرأة بمثلها،و هو إجماع في النافلة التي يجوز الاجتماع فيها كالاستسقاء و نحوها،على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4).

و أما في الفريضة فقولان،أصحّهما نعم،وفاقا للأكثر،بل عليه عامة من تأخر،و في صريح الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه (5)؛ للمعتبرة المستفيضة،و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة.

فمن الأوّلة،النبوي:إنه صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّنا (6).

و الخاصي المروي في الفقيه:كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟قال:«يقمن جميعا في صف واحد و لا تتقدمهن امرأة»قيل:

ففي صلاة المكتوبة تؤمّ بعضهن بعضا؟قال:«نعم» (7).

ص:251


1- الخلاف 1:548،المعتبر 2:438،المنتهى 1:373،التذكرة 1:177،روض الجنان:365،الذكرى:267؛و انظر مفاتيح الشرائع 1:160.
2- سنن البيهقي 3:90.
3- دعائم الإسلام 1:151،المستدرك 6:466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.
4- انظر روض الجنان:367،و الحدائق 11:187.
5- الخلاف 1:562،التذكرة 1:177،المعتبر 2:427،المنتهى 1:368.
6- سنن البيهقي 3:130.
7- الفقيه 1:479/103،الوسائل 3:117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 2.

و من الأخيرة،الموثق (1)و المرسل (2)القريب منه:عن المرأة تؤمّ النساء،؟ قال:«نعم تقوم وسطا بينهن و لا تتقدمهن».

و في الصحيح:عن المرأة تؤمّ النساء،ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟قال:

«قدر ما تسمع» (3).

و نحوه غيره لرواية مروي في قرب الإسناد عن كتابه بزيادة قوله:و سألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟قال:«لا،إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء» (4).

و في هذه الزيادة تلويح،بل دلالة على العموم للفريضة زيادة على ما في هذين الخبرين كسابقيهما،من ترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال، سيّما مع كون الفريضة أظهر الأفراد فتدخل فيها حتما و لو كان دلالتها من باب الإطلاق،فتأمل.

و قصور الأسانيد أو ضعفها-حيث كان-مجبور بعمل الأصحاب، مضافا إلى الأصل و الإطلاقات.

خلافا للمرتضى و الجعفي و الإسكافي (5)فلا؛للصحاح:«تؤمّهنّ في النافلة،و أما في المكتوبة فلا» (6).

ص:252


1- التهذيب 3:111/31،الاستبصار 1:1644/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
2- التهذيب 3:112/31،الاستبصار 1:1645/426،الوسائل 8:336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.
3- الفقيه 1:1201/263،التهذيب 3:761/267،الوسائل 8:335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7.
4- قرب الإسناد:867/223،الوسائل 6:95 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.
5- حكاه عن السيد في السرائر 1:281،و عن الجعفي في الذكرى:265،و عن الإسكافي في المختلف:154.
6- الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1،12.

و أجيب عنها بالندرة في المعتبر و المنتهى (1)،بل صرّح في الأخير بعدم قائل بها منّا،مؤذنا بإجماعنا عليه كما قدّمنا.و لو سلّم عدم ندورها فهي غير مكافئة لما قدّمنا؛لاعتضاده بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع و الإجماعات المنقولة دونها.

مع ظهورها في جواز الجماعة في النافلة مطلقا،و هو غير مرضي عند أصحابنا كما قدّمنا،إلاّ أن تقيّد بنافلة تجوز فيها،لكن فيه صرف للمطلق إلى أندر أفراده،فهي نادرة من هذا الوجه أيضا،و لأجله يمكن حملها على التقية، سيّما و أن ما فيها من التفصيل مذهب جماعة من العامة كما حكاه في المنتهى (2)،مع أن المنع مطلقا كما ربما ينسب إلى الجعفي و المرتضى مذهب أكثرهم (3)و إن اختلفوا فيه كراهة و تحريما.

و على هذا فأخبارنا أبعد ممّا عليه أكثر هؤلاء-خذلهم اللّه-و أشهر بين أصحابنا،فتكون بالترجيح أولى،و لا بدّ من طرح ما خالفها و إن كان صحاحا، أو حملها على التقية،أو عدم تأكد الاستحباب كما في الذكرى (4)،لا على الكراهة،لثبوت الاستحباب عندنا،كما صرّح به في المنتهى (5)،مؤذنا بإجماعنا عليه،كما صرّح به في الخلاف (6)أيضا.

أو كون المراد من النافلة و المكتوبة الجماعة،لا الصلاة كما فهمه الجماعة،كما قيل (7)،و لا بأس به و إن بعد غايته،جمعا بين الأدلة.

ص:253


1- المعتبر 2:427،المنتهى 1:368.
2- المنتهى 1:368.
3- نقله عنهم في الحدائق 11:192؛و انظر المغني و الشرح الكبير 2:36.
4- الذكرى:265.
5- المنتهى 1:368.
6- الخلاف 1:562.
7- الحدائق 11:189.

و من أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا فعليه بمراجعة الشرح،فقد أشبعنا الكلام فيها ثمة.

صاحب المسجد و المنزل،و الإمارة أولى بها من غيره

و كلّ من صاحب المسجد و هو الإمام الراتب فيه و صاحب المنزل،و صاحب الإمارة من قبل العادل في إمارته مع اجتماع الشرائط المعتبرة في الإمامة أولى بها من غيره مطلقا و لو كان أفضل منهم،عدا إمام الأصل مع حضوره،فإنه أولى منهم و من غيرهم مطلقا،بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،و به صرّح الفاضل في المنتهى و غيره (1)في الجميع،و كذا غيره مستفيضا (2)،إلاّ أنهم لم يتعرضوا لنقله في أولوية الإمام على غيره مطلقا، و لكنهم قطعوا بها،مشعرين بعدم الخلاف فيها أيضا،بل كونه ضروريا.

و الأصل في جميع ذلك بعده النصوص المستفيضة،و هي فيما يتعلق بما عدا الأول مشهورة من طرق الخاصة (3)و العامة (4)،و فيما يتعلق به الرضوي في موضعين منه:«و صاحب المسجد أحقّ بمسجده» (5)،و نحوه الصادقي المروي في الدعائم (6).

و أظهر منهما النبوي المروي فيه:«و كلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلاّ أن يكون أمير حضر فإنه أحقّ بالإمامة» (7).

ص:254


1- المنتهى 1:374؛و انظر نهاية الإحكام 2:154-155،و التذكرة 1:180.
2- كابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،المحقق في المعتبر 2:438،الشهيد في الذكرى:270،الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:164،صاحب الحدائق 11:197.
3- الكافي 3:5/376،التهذيب 3:113/31،الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):124،143،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 5،4.
6- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 2.
7- دعائم الإسلام 1:152،المستدرك 6:474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

و في إطلاقه تأييد لما ذكره الشهيدان (1)من رجحان صاحب الإمارة على صاحبيه حيث اجتمعوا،إلاّ أن يحمل الأمير فيه على الأصلي كما هو الظاهر بحكم التبادر.و عليه فترجيحهما عليه لعلّه أولى كما صرّح به بعض أصحابنا (2)؛لإطلاق النص و الفتوى بأنهما في محلّهما أولى؛مع عدم معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو مفروضنا،فتأمل جدا.

و ذكر جماعة أن أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية،لا فضيلة ذاتية،فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة (3)،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (4).

قالوا:و لا يتوقف أولوية الراتب على حضوره،بل ينتظر لو تأخر و يراجع إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره.

مع أن المستفاد من جملة من النصوص خلافه،منها:«إذا قال المؤذّن:

قد قامت الصلاة،ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدّموا بعضهم و لا ينتظروا الإمام»قلت:فإن كان الإمام هو المؤذّن،قال:«و إن كان فلا ينتظرونه و يقدّموا» (5)و قريب منه آخر (6)،و النبوي (7).

إلاّ أن تقيّد بصورة خوف فوت وقت الفضيلة؛جمعا بينها و بين إطلاق ما دلّ على الأولوية من الفتوى و الرواية،لكنه فرع الشاهد عليه و ليس،مع

ص:255


1- الذكرى:270،الروضة 1:393.
2- كالشهيد الثاني في روض الجنان:366.
3- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:366،و الروضة 1:393،و انظر الذكرى:270.
4- المنتهى 1:374.
5- التهذيب 3:146/42،الوسائل 8:380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
6- الفقيه 1:1137/252،التهذيب 2:1143/285،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.
7- انظر صحيح مسلم 1:105/317.

اختصاص الإطلاق بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم التبادر.

و حكم في المنتهى بعدم الانتظار مطلقا؛معلّلا-بعد النصوص المشار إليها-بأن فيه تأخيرا للعبادة في أول وقتها،و ذلك شيء رغب عنه (1)،هذا.

و لعلّ ما ذكروه أحوط و أولى؛إذ ليس في النصوص مع قصور أسانيدها ما يدل على كون الإمام راتبا،فتأمل جدّا.

و لا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين و المنفعة و غيره كالمستعير،و لو اجتمعا قيل:فالمالك أولى (2)،و قيل:المستعير (3)،و لعلّه الأقوى.

و لو اجتمع مالك الأصل و المنفعة فالثاني أولى.

و كذا الهاشمي يقدّم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا الثلاثة لا مطلقا،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4).

و أولويته كذلك مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف (5)،أو متأخريهم خاصة كما في روض الجنان،قال:و أكثر المتقدمين لم يذكروه (6).

قال في الذكرى:و لم نره مذكورا في الأخبار إلاّ ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» (7)و هو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى،نعم هو مشهور

ص:256


1- المنتهى 1:383.
2- نهاية الإحكام 2:155.
3- مجمع الفائدة و البرهان 3:252.
4- منهم:الشيخ في المبسوط 1:154،و النهاية:111،و المحقق في الشرائع 1:125، و العلامة في التحرير 1:53.
5- المختلف:156.
6- روض الجنان:365.
7- انظر الجامع الصغير 2:6108/253،6109،6110.

في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه،نعم فيه إكرام للنبي صلّى اللّه عليه و آله؛إذ تقديمه لأجله نوع إكرام،و إكرام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تبجيله ممّا لا خفاء بأولويته (1).

أقول:و من بعض ما قدّمنا في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في بعض ما ذكره.

و إذا تشاحّ الأئمة فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة قدّم من يختاره المأموم مطلقا على ما ذكره جماعة،قالوا:لما فيه من اجتماع القلوب و حصول الإقبال المطلوب (2).

خلافا لكثير فلم يذكروه،و لعلّه لإطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير ذكر لهذا فيه و لا إشارة،مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له،سيّما و أنه لا يخلو عن إشكال،كما نبّه عليه في الذخيرة (3).

و منه يظهر وجه النظر في ترجيح مختار أكثر المأمومين مع اختلافهم ثمَّ التراجيح الآتية،كما عن التذكرة (4)،سيّما و قد أطلق أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع حدّ الاستفاضة و منهم الذكرى (5)،بل ظاهره أنه مذهب الأصحاب عدا التذكرة:أنه لو اختلفوا أي المأمومون قدّم الأقرأ منهم أي الأجود قراءة كما ذكره جماعة (6)،أو الأكثر كما قيل (7)،و نسبه

ص:257


1- الذكرى:270.
2- كما في الذكرى:270،و المدارك 4:358.
3- الذخيرة:391.
4- التذكرة 1:179.
5- الذكرى:270.
6- منهم:الشهيد الثاني في الروضة 1:391،و المسالك 1:45،و صاحب المدارك 4:358.
7- الذخيرة:391.

في البيان إلى رواية (1)،و لعلّها ما ورد في الأعمى أنه لا بأس بإمامته إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا (2).و قيل فيه غير ذلك (3).

فإن اتفقوا في القراءة جودة و كثرة فالأفقه في أحكام الصلاة،فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها،وفاقا لجماعة (4)،لإطلاق الرواية.

خلافا للذكرى فلم يعتبر الزيادة؛لخروجها عن كمال الصلاة (5).

و يضعّف:بعدم انحصار المرجح فيها،بل كثير منها كمال في نفسه، و هذا منها،مع شمول الرواية لها.

فإن تساووا في الفقه و القراءة فالأقدم هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام،كما هو الظاهر من الرواية (6)،و صرّح به جماعة منهم الفاضل في التذكرة،و لكن زاد:أو الأسبق إسلاما،أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته (7).

و في الروضة بعد ذكر التفسير الأول:هذا هو الأصل،و في زماننا قيل:

هو السبق إلى طلب العلم،و قيل:إلى سكنى الأمصار،مجازا عن الهجرة الحقيقة،لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة و الكمالات النفسية،بخلاف القرى و البادية (8).

ص:258


1- البيان:233.
2- الفقيه 1:1109/248،الوسائل 8:338 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.
3- انظر روضة المتقين(للمولى محمد تقي المجلسي)2:488.
4- منهم:الشهيد الثاني في المسالك 1:45،و روض الجنان:367،و المحقق السبزواري في الذخيرة:391.
5- الذكرى:270.
6- الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
7- التذكرة 1:180.
8- الروضة 1:392.

فإن تساووا في ذلك فالأسنّ مطلقا،كما هو المتبادر من الرواية،أو في الإسلام خاصة كما في الدروس و الذكرى (1).

فإن تساووا فيه فالأصبح وجها.

كلّ ذلك للرضوي المصرّح بهذا الترتيب من أوله إلى آخره (2).و نحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه (3)،و عليه جماعة (4).

و فيه أخبار أخر مختلفة و أقوال متشتتة،و كلّها متفقة على تقديم الأقرأ على الأفقه،و نسبه في المنتهى إلى علمائنا (5)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، كما هو الظاهر؛لاتفاق كلمة الأصحاب و النصوص على ذلك،إلاّ ما يحكى في التذكرة (6)عن نادر منّا من المصير إلى عكس ذلك،و اختاره في المختلف (7)،و تبعه جمع من متأخري المتأخرين (8)؛لأدلة قوية متينة من الاعتبار و الكتاب و السنّة بسطناها في الشرح،من أرادها فليطلبها ثمة،إلاّ أنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدّمنا من اتفاق الفتوى و الرواية بحيث يقطع بكونه إجماعا كما عرفت من المنتهى حكايته،فتخصّص به تلك الأدلة.

ص:259


1- الدروس 1:219،الذكرى:271.
2- فقه الرضا(عليه السلام):143،المستدرك 6:475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.
3- الكافي 3:5/376،التهذيب 3:113/31،علل الشرائع:2/326،الوسائل 8:351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
4- منهم:العلامة في نهاية الإحكام 1:111،و الشهيد في البيان:232،و اللمعة(الروضة 1):392،و المحقق السبزواري في الذخيرة:391.
5- المنتهى 1:375.
6- التذكرة 1:180.
7- المختلف:155.
8- منهم:صاحب المدارك 4:359،و الفيض في المفاتيح 1:164،و صاحب الحدائق 11:204.

و اعلم:أن هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط و إيجاب،فلو قدّم المفضول جاز بلا خلاف كما في التذكرة و المنتهى (1).و القول بالإيجاب كما عن ظاهر المبسوط و العماني و صريح الديلمي (2)شاذ محجوج بالأصل و الإطلاقات،مع قصور سند ما دلّ على وجوب الترتيب من الروايات.

يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين

و يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين للصحيحين (3)،بل مطلق القراءة و الأذكار التي يجوز الإجهار فيها ما لم يبلغ العلو المفرط،كما في الصحيح:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول» (4).

و يستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئا،كما في أحد الصحيحين المتقدمين أيضا.

و في الخبر:«لا تسمعنّ الإمام دعاءك خلفه» (5).

و لو أحدث الإمام،أو عرض له ضرورة من نحو دخوله في الصلاة من غير طهارة نسيانا،أو حصول رعاف مخرج له عنها،أو انتهاء صلاته بأن كان مسافرا قدّم من ينوبه في الصلاة بهم.

و لو لم يقدّم أو مات أو أغمي عليه قدّموا من يتمّ بهم الصلاة،

ص:260


1- التذكرة 1:180،المنتهى 1:375.
2- المبسوط 1:157،و نقله عن العماني في الذكرى:269،الديلمي في المراسم:87.
3- الأول: الكافي 3:5/337،الفقيه 1:1189/260،التهذيب 2:384/102،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1. الثاني: التهذيب 2:382/102،الوسائل 6:401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.
4- التهذيب 3:170/49،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
5- الفقيه 1:1187/260،الوسائل 8:396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 2.

بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا أجده،بل بالإجماع في جملة الأعذار المسطورة في العبارة عدا الإغماء صرّح جماعة (1)حدّ الاستفاضة،بل في الذكرى و غيرها (2)الإجماع في مطلق العذر،فيدخل ما ذكرناه أيضا و نحو الإغماء.و حكي الإجماع فيه و في الموت عن التذكرة (3)،و الصحاح و غيرها فيما عداه مستفيضة.

ففي الصحيح:عن الرجل يؤم القوم فيحدث و يقدّم رجلا قد سبق بركعة،كيف يصنع؟قال:«لا يقدّم رجلا قد سبق بركعة،و لكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه» (4).

و فيه:رجل أمّ قوما على غير وضوء،فانصرف و قدّم رجلا و لم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله،قال:«يذكره من خلفه» (5).

و فيه:عن رجل أمّ قوما فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات،قال:«يقدّمون رجلا آخر و يعتدّون بالركعة»الحديث (6).

و في الموثق الناهي عن إمامة المسافر بالحضري:«فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين،فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم»الحديث (7).

ص:261


1- منهم:العلامة في التذكرة 1:181،و صاحب المدارك 4:362،و الفيض في المفاتيح 1:168؛و انظر مجمع الفائدة 3:259،و الحدائق 11:213.
2- الذكرى:277؛و انظر المفاتيح 1:168.
3- التذكرة 1:181.
4- التهذيب 3:147/42،الاستبصار 1:1675/434،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
5- الفقيه 1:1194/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
6- الكافي 3:9/383،الفقيه 1:1197/262،التهذيب 3:148/43،الوسائل 8:380 أبواب صلاة الجماعة ب 43 ح 1.
7- الفقيه 1:1180/259،التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

و في الخبر:عن رجل أمّ قوما فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين، فقدّم رجلا ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان،قال:«يتم بهم الصلاة ثمَّ يقدّم رجلا فيسلّم بهم و يقوم هو فيتم صلاته» (1).

و ليست الاستنابة للوجوب،بل للاستحباب في ظاهر الأصحاب،و عن التذكرة عليه الإجماع (2)؛لفحوى ما سيأتي من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده فمع عدمه أولى.

و في الصحيح:عن رجل صلّى بقوم ركعتين،ثمَّ أخبرهم أنه ليس على وضوء،قال:«يتم القوم صلواتهم،لأنه ليس على الإمام ضمان» (3)و قد استدل به على عدم الوجوب،و في الدلالة نظر.

و أما الصحيح الآخر:عن إمام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحدا ما حال القوم؟قال:«لا صلاة لهم إلاّ بإمام،فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها و قد تمّت صلاتهم» (4).

فمحمول على نفي الكمال؛جمعا بينه و بين ما مرّ،و عليه فيجوز لهم الانفراد أجمع،و التبعيض بأن ينوي بعضهم الائتمام ببعض و غيره بغيره،و نفى عن جميع ذلك الخلاف في الذخيرة (5).

ص:262


1- التهذيب 3:145/41،الاستبصار 1:1673/433،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
2- التذكرة 1:181.
3- الكافي 3:3/378،الفقيه 1:1207/264،التهذيب 3:772/269،الاستبصار 1:1695/440،الوسائل 8:371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
4- الفقيه 1:1196/262،التهذيب 3:843/283،الوسائل 8:426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
5- الذخيرة:392.

و إطلاق الفتوى و الرواية يقتضي جواز استنابة المؤتم و غيره،و به صرّح في المنتهى و كذا في الذخيرة (1)؛لما مرّ،مضافا إلى صريح الخبر في الثاني (2).

و يكفي في الأول الإطلاق،سيّما مع كونه هو المتبادر،و لذا جعله في المدارك أحوط (3).

و إطلاقهما أيضا يقتضي وجوب الإتمام من موضع القطع مطلقا و لو حصل العارض في أثناء القراءة،و قيل:يجب الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها (4)،و جعله في المدارك أحوط أيضا (5).

يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر و بالعكس

و يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر و بالعكس؛للموثق:«لا يؤمّ الحضري المسافر و لا المسافر الحضري» (6).

و نحوه الرضوي مبدلا لفظة«لا»بلا يجوز (7).

و ظاهر هما و سيّما الثاني و إن كان هو التحريم كما مرّ نقله عن والد الصدوق،و حكي عنه أيضا في المقنع لكن في الثاني خاصة (8)،إلاّ أنهما محمولان على الكراهة،كما عليه من عداهما كافة،جمعا بينهما و بين الصحاح المستفيضة المصرّحة بالجواز و الصحة.

منها:عن المسافر يصلّي خلف المقيم،قال:«يصلّي ركعتين و يمضي

ص:263


1- المنتهى 1:381،الذخيرة:392.
2- التهذيب 3:784/272،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 4.
3- المدارك 4:363.
4- روض الجنان:368.
5- المدارك 4:363.
6- الفقيه 1:1180/259،التهذيب 3:355/164،الاستبصار 1:1643/426،الوسائل 8:330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
7- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 6:466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
8- نقله عنهما في المختلف:155.

حيث شاء» (1).و نحوه البواقي (2).

و هي صريحة في ردّ الصدوق و كذا والده في الثاني،بل الأول أيضا، لعدم القائل بالفرق،هذا مع تصريح الخبرين بعد ذلك بأنه:«فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم،و إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين و يسلّم».

و زاد في الأول:«و إن صلّى مع قوم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر».

و هذه التتمة كما ترى صريحة في الصحة مع المخالفة،و هو لا يلائم كون النهي للحرمة،لاقتضائها الفساد في العبادة عند الإمامية،و لعلّه لذا قال جماعة بأنهما صريحان في الكراهة (3).

و فيه مناقشة؛لاحتمال اختصاص الصحة بصورة الضرورة و التقية،كما هو مورد الخبرين و سيّما الثاني،إذ فيه زيادة على«و إن ابتلى»:«و لم يجد بدّا من أن يصلّي معهم»و هو كما ترى نصّ في اختصاص الحكم بالجواز و الصحة بحال الضرورة،و هو لا يستلزم ثبوته كلية،كما هو ظاهر الجماعة.

و لا ريب أن الترك أحوط؛لاعتبار سند الخبرين،و صلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحال الضرورة،إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة،و لا إشكال فيها كذلك،و إنما هو في كلّيتها و عمومها لحال الاختيار،و ليس فيها تصريح بها فيها،بل و لا إشارة،بل غايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة جمعا بين الأدلة.

ص:264


1- الكافي 3:1/439،التهذيب 3:357/165،الاستبصار 1:1641/425،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
2- الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:441،و العلامة في المنتهى 1:373،و صاحب المدارك 4:364.

مع أنه منساق لبيان حكم آخر غير الجواز،و هو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر و بالعكس لو اتّفق،ردّا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام،و هم الشافعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه،كما حكاه عنهم السيّد في الناصرية و الفاضل في المنتهى و التذكرة (1)مدّعيين على خلافهم إجماع الإمامية،و عليه فلا عبرة به فيما نحن فيه كما برهن عليه في محلّه.

و لو لا إطباق المتأخرين المعتضد بالإجماع المحكي كما عرفته لكان القول بما عليه الصدوقان في غاية القوة.

و ظاهر العبارة و جماعة (2)اختصاص الكراهة بالصورة الاولى؛و لم أعرف وجهه،عدا ما في المختلف من الأصل،و ضعف الرواية (3).

و لا وجه له بعد كونها موثقة،و هي حجة،سيّما مع اعتضادها بالرضوية التي هي كالقوية،فيخصّص بهما الأصل،سيّما في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها من الأحكام الشرعية على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛و لذا اختار الأكثر الكراهة مطلقا حتى في الثانية.

و ظاهر إطلاق العبارة و الرواية عدم الفرق في الحكم بين الفريضة المقصورة و غيرها،و به صرّح في الروضة (4).

خلافا لجماعة فقيّدوه بالمقصورة (5)،و لعلّه لكونها المتبادر من الإطلاق،

ص:265


1- الناصريات(الجوامع الفقهية):239،المنتهى 1:398،التذكرة 1:186.
2- منهم:الشيخ في المبسوط 1:154،و سلاّر في المراسم:86،و القاضي في المهذّب 1:471.
3- المختلف:155.
4- الروضة البهية 1:386.
5- منهم:المحقق في المعتبر 2:441،و العلامة في نهاية الإحكام 2:151،و صاحب المدارك 4:366.

إلاّ أن الأول أنسب بقاعدة المسامحة في أدلة السنن و الكراهة.

و أن يأتم المتطهر بالماء بالمتيمم على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في المنتهى الإجماع عليه (1)؛للنهي عنه في المعتبرين (2)المحمول على الكراهة،جمعا بينهما و بين المعتبرة المستفيضة المصرّحة بالجواز من غير كراهة،و فيها الصحيح (3)و الموثقان (4)و غير هما (5).

و لرجحانها عليهما سندا و دلالة احتمل بعض متأخري المتأخرين الجواز من غير كراهة (6).و هو ضعيف؛لما عرفته في المسألة السابقة.

و أضعف منه القول بالمنع المحكي في المختلف و الذكرى (7)عن ظاهر المرتضى،سيّما مع ندرته و عدم اشتهار نقل خلافه.

و أن يستناب المسبوق بركعة فصاعدا حيث يحتاج إليها؛للصحيح (8)و غيره (9).و النهي في الأول و إن كان ظاهرا في المنع إلاّ أن التعبير عنه في غيره

ص:266


1- المنتهى 1:373.
2- التهذيب 3:361/166،362،الاستبصار 1:1634/424،1635،الوسائل 8:328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5،6.
3- التهذيب 3:365/167،الاستبصار 1:1638/425،الوسائل 8:327 أبواب الجماعة ب 17 ح 1.
4- التهذيب 3:364/167،366،الاستبصار 1:1637/424،1639/425،الوسائل 8:327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2،3.
5- الوسائل 8:328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 4.
6- المدارك 4:372.
7- المختلف:154،الذكرى:268.
8- التهذيب 3:147/42،الاستبصار 1:1675/434،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
9- التهذيب 3:146/42،الاستبصار 1:1674/434،الوسائل 8:379 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 2.

ب«لا ينبغي»ظاهر في الكراهة،سيّما مع تضمنه الحكم بالصحة مع المخالفة، هذا مضافا إلى الصحاح الظاهرة بل الصريحة فيها،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة في المسألة التاسعة من المسائل الآتية.

و أن يؤمّ الأجذم و الأبرص بلا خلاف في المرجوحية،بل عليها الإجماع في الانتصار و الخلاف (1)؛للنهي في الصحاح و غيرها،منها:

«خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا،و الأعرابي» (2)و نحوه آخر بزيادة قوله:«حتى يهاجر،و المحدود» (3).

و منها:«لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا،و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين» (4).

و ظاهرها المنع مطلقا،كما عليه جماعة من القدماء كالشيخ في الخلاف و المرتضى (5)،قيل:و أتباعهما (6).

خلافا للفاضلين و الشهيدين و أتباعهم (7)،بل عامة المتأخرين-إلاّ النادر

ص:267


1- الانتصار 50،الخلاف 1:561.
2- الكافي 3:1/375،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
3- الفقيه 1:1105/247،الوسائل 8:324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
4- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5- الخلاف 1:561،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39.
6- كما قال به صاحب المدارك 1:368؛و انظر الغنية(الجوامع الفقهية):560،و إشارة السبق: 96،و المهذّب 1:80،و شرح جمل العلم و العمل لابن البراج:117.
7- المحقق في المعتبر 2:442،العلامة في المنتهى 1:374،و المختلف:154،و التحرير 1:53،الشهيد الأول في الدروس 1:219،و البيان:232،و الذكرى:269،الشهيد الثاني في روض الجنان:368،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:372،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:263.

منهم (1)-فاختاروا الجواز،جمعا بينها و بين ما دلّ على الجواز،كالخبر:عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟فقال:«نعم» (2)و نحوه آخر مروي عن المحاسن (3).

و هو حسن لو لا ضعف سندهما،إلاّ أن يجبر بالشهرة المتأخرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (4).

مع أن في الانتصار ادّعى الإجماع على الكراهة (5).لكنها في كلامه محتملة للحرمة،فقد أفتى بها في ولد الزنا،مدّعيا الإجماع عليها،ثمَّ قال:

و الظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزية،و الحجّة في ذلك الإجماع و طريقة براءة الذمة.

فما ينسب إليه من القول بالكراهة لا وجه له؛لإجمال العبارة،و مع ذلك معارض بإجماع الخلاف حيث ادّعاه على المنع.

بقي الكلام في الشهرة،و الظاهر أنها ليست بتلك الشهرة التي تصلح أن تكون للروايات الضعيفة جابرة،سيّما و أن يعترض بها نحو الصحاح المتقدمة الظاهرة الدلالة،بل الصريحة،من حيث تضمنها النهي عن جملة من لا يجوز إمامته بإجماع الإمامية.و حمله بالنسبة إلى من عداهم على الكراهة يوجب استعماله في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد،و هو مرغوب عنه عند المحقّقين،و حمله على المجاز العام بعيد.

ص:268


1- انظر المدارك 4:71،369.
2- التهذيب 3:93/27،الاستبصار 1:1627/422،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.
3- المحاسن:76/326،الوسائل 8:324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.
4- منهم الفيض في المفاتيح 1:160،و الشهيد الثاني في روض الجنان:368.
5- الانتصار:50.

و كيف كان:فالمسألة محل إشكال إلاّ أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة.

و هنا قولان آخران مفصّلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز،و بغيره فالمنع، كما في أحدهما (1)؛و إمامتهما في الجمعة فالثاني و غيرها فالأول،كما في ثانيهما (2).

و لم أعرف مستندهما،مع إطباق النصوص مطلقا و أكثر الفتاوي على خلافهما؛لإطلاقهما.

إلاّ أن يدّعى اختصاصه بحكم التبادر و غيره بإمامتهما بغير هما،فيرجع في إمامتهما بمثلهما إلى مقتضى الأصل و إطلاقات الأمر بالصلاة و شرعية الجماعة،إلاّ أن يمنع التمسك بمثلها في تصحيح العبادة،و لا يخلو عن مناقشة،فهذا التفضيل لا يخلو عن قوّة،سيّما و قد ادّعى عليه ابن زهرة إجماع الإمامية (3).

و كذا الكلام في إمامة المحدود بعد توبته فالمشهور بين المتأخرين الجواز على كراهة،و عند جماعة من القدماء الحرمة،إمّا مطلقا كما عليه جملة (4)،أو إلاّ بمثله كما عليه آخرون (5)،و منهم ابن زهرة مدّعيا عليه إجماع الإمامية،و عليه ينزل إطلاق النهي في بعض الصحاح المتقدمة كما عرفته.

ص:269


1- المبسوط 1:155،الغنية(الجوامع الفقهية):560،شرح الجمل للقاضي:117.
2- السرائر 1:280.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):560.
4- منهم:المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39،و الشيخ في النهاية:112،و القاضي في شرح جمل العلم و العمل:117.
5- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه:144،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560.

و لا معارض له و لا للإجماع المنقول عدا فحوى ما دلّ على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه و استجماعه شرائط الإمامة،و لا يخلو عن مناقشة،سيّما بعد ورود النهي في الصحيحة.

و الجمع بينهما و إن أمكن بحمله على الكراهة،إلاّ أن إبقاءه على ظاهره من الحرمة و صرف الأولوية عن ظاهرها و الخروج عنها-إن سلّمناها-أوفق بالقواعد الأصولية،سيّما بعد الاتفاق على صرفها بالإضافة إلى الكراهة، و اعتضاد المنع بإجماع ابن زهرة و أخبار أخر سيأتي إليها الإشارة.

مضافا إلى ما عرفته من أن حمل النهي فيها على الكراهة يوجب استعمال اللفظ الواحد في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد،و هو مرغوب عنه.

و به يعرف الجواب عن مفهوم الخمسة في جملة من الصحاح المتقدمة الدالة على الجواز فيمن عداهم حتى المحدود الذي لم يعدّ منهم لو تمسك به للكراهة؛لأن دلالته بالعموم،و الصحيحة و معاضدها بالخصوص،و هو مقدّم؛ لما عرفته.

و أن يؤمّ الأغلف غير المقصّر في الختان؛للنهي عنه في النصوص المروية في الخصال و غيره،منها:«ستة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس:ولد الزنا،و المرتد،و الأعرابي بعد الهجرة،و شارب الخمر،و المحدود، و الأغلف» (1).

و منها:«لا يؤمّ الناس المحدود،و ولد الزنا،و الأغلف،و الأعرابي،

ص:270


1- الخصال:29/330،مستطرفات السرائر:17/145،الوسائل 8:322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6.

و المجنون،و الأبرص،و العبد» (1).

و بظاهرهما من المنع أخذ المرتضى و التقي (2)،لكنه استثنى إمامته بمثله،و لعلّه لما قدّمنا.

و الأصح الكراهة مطلقا،وفاقا لعامة متأخري أصحابنا؛للأصل، و الإطلاقات،و عموم مفهوم جملة من الصحاح المتقدمة،مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة،لضعف سند الروايتين،مع قصور دلالة الأولى،فإنّ «لا ينبغي»لو لم نقل بظهوره في الكراهة فهو أعم منها و من الحرمة قطعا.

مع إشعار بعض النصوص المانعة المتضمنة للتعليل بقوله عليه السلام:

«لأنه ضيّع من السنّة أعظمها،و لا تقبل له شهادة،و لا يصلّى عليه،إلاّ أن يكون صنع ذلك خوفا على نفسه» (3)بالجواز،بل ظهوره فيه إن قلنا برجوع الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة إليها كلّها،لكنه خلاف التحقيق كما حقّق في محلّه مستقصى.

و أما الاستدلال به على المنع فيتوجه عليه زيادة على ما قدّمناه اختصاصه بصورة التفريط المنافي للعدالة المشترطة إجماعا.

و أن يؤمّ من يكرهه المأموم على المشهور؛للنصوص المستفيضة المروية في الفقيه (4)و الخصال (5)و الأمالي (6)و غيرها من الكتب

ص:271


1- كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي:76،المستدرك 6:464 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
2- جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):39،الكافي في الفقه:144.
3- الفقيه 1:1107/248،التهذيب 3:108/30،علل الشرائع:1/327،المقنع:35، الوسائل 8:320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
4- الفقيه 1:131/36،الوسائل 8:348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
5- الخصال:94/242،الوسائل 8:349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.
6- أمالي الطوسي:196،الوسائل 8:350 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.

المعتبرة.

خلافا للفاضل في المنتهى فلا يكره مطلقا،قال:إذ الإثم إنما يتعلق بمن يكرهه لا به (1).و هو اجتهاد في مقابله النص.

و له في التذكرة ففصّل بين كراهة المأمومين له لدينه فالثاني،و إلاّ فالأول (2).و لا بأس به؛للأصل،مع اختصاص النصوص بحكم التبادر و غيره بالثاني،و هو كراهتهم له لكونه إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه.

و ان يؤمّ الأعرابي و هو المنسوب إلى الأعراب و هم سكّان البادية بالمهاجرين و سكّان الأمصار المتمكنين من تحصيل شرائط الإمامة و معرفة الأحكام؛للنهي عنه في الصحاح المتقدمة و إن اختلفت في الإطلاق كما في جملة منها،و التقييد بالمهاجرين كما في غيرها،و عليه عامة أصحابنا إلاّ نادرا، و هو الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى (3).

و بظاهر النهي أخذ أكثر القدماء،حتى ادّعى عليه في الخلاف الإجماع (4)،بل لا خلاف أجده بينهم صريحا إلاّ من الحلّي فأفتى بالكراهة (5)، و تبعه الماتن و المتأخرون قاطبة.

و لعلّه لقوة احتمال اختصاص الأعرابي الوارد في الصحاح و كلمة المانع من قدماء الأصحاب بمن لا يعرف محاسن الإسلام و لا وصفها،و من يلزمه المهاجرة وجوبا،لأنه الغالب المتبادر منه عند إطلاقه يومئذ،بل مطلقا.و لا ريب في المنع عن إمامته حينئذ؛لعدم العدالة المشترطة في الصحة إجماعا،

ص:272


1- المنتهى 1:374.
2- التذكرة 1:179.
3- الذكرى:269.
4- الخلاف 1:561.
5- السرائر 1:281.

و عليه فلا يتوجه المنع مطلقا،هذا.

و يمكن أن يكون المراد بالأعرابي:الأعرابي بعد الهجرة،كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة في الأغلف،و يشعر به بعض الصحاح المتقدمة.

و التعرّب بعد الهجرة من الكبائر اتفاقا فتوى و رواية،و عليه فيتوجه المنع كما في سابقة،لما عرفته،و المنع فيه لا يستلزم المنع في الأعرابي بالمعنى الذي فسّرنا به العبارة.

لكن إرادة هذا (1)خلاف ما يظهر من الجماعة،بل صرّح بما ذكرناه في تفسيره أوّلا جملة (2)و يومئ إليه المرتضوي المروي عن بعض الكتب المعتبرة، قال:«و كره أن يؤمّ الأعرابي لجفائه عن الوضوء و الصلاة» (3).

و تقييد بعض الصحاح (4)-كسائر الأصحاب-المنع عن إمامته بما إذا كانت بالمهاجرين مشعر بل ظاهر باختصاصه به و جوازها بمثله،و هو لا يلائم ما قدّمناه من الاحتمال الأول أيضا،لعدم فرق عليه في المنع التحريمي بين اقتدائه بمثله و بغيره؛مع أن تخصيصه بالذكر في مقابلة الفاسق كالصريح في أن المنع من غير جهته،و إلاّ فالفسق فيه على تقديره أحد أقسامه،و لا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر و إفراده به.

و عليه فالمنع مطلقا (5)قوي،عملا بظاهر النهي المعتضد بالشهرة

ص:273


1- أي التفسير المستفاد من قوله:المراد.
2- منهم:العلامة في التذكرة 1:178،و الشهيد الثاني في المسالك 1:45،و انظر مجمع البيان 3:62،و الذخيرة:393.
3- قرب الإسناد:575/156،الوسائل 8:323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 9.
4- الكافي 3:4/375،الفقيه 1:1106/247 رواه مرسلا،الوسائل 8:325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
5- أي:و لو لم يكن فاسقا.منه رحمه اللّه.

القديمة و الإجماع المحكي.

و لا ينافيه الرواية السابقة المتضمنة للفظة الكراهة؛لعدم وضوح سندها؛ بل و لا دلالتها،لأعمية الكراهة فيها من المعنى المعروف الآن و المنع التحريمي؛مع ضعفها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى.

الطرف الثالث في الأحكام
اشارة

الطرف الثالث:في الأحكام و مسائله تسع :

الاولى لو علم فسق الإمام،أو كفره،أو حدثه بعد الصلاة لم يعد

الاولى:لو علم المأموم فسق الإمام،أو كفره،أو حدثه أو كونه على غير القبلة،أو إخلاله بالنية،أو نحو ذلك بعد الصلاة لم يعد ها مطلقا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا،عدا الإسكافي،فقد حكي عنه القول بالإعادة في الأمور المذكورة في العبارة مطلقا لها في أوّليها، و مقيّدا لها بالوقت في أخيرها (1).

و وافقه المرتضى في الجميع،غير أنه لم يقيد الأخير بالوقت خاصة (2).

و هما شاذّان على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (3)،مشعرين بدعوى الإجماع على خلافهما،كما صرّح به الشيخ-رحمه اللّه-في الخلاف (4)في الأمر الثاني.

و نحوهما في الشذوذ إيجاب الإعادة عليه في الوقت في الرابع أيضا،كما عليه الحلّي (5)حاكيا له عن الشيخ،مع احتمال اختصاص خلافهم هنا بما إذا

ص:274


1- حكاه عنه في المختلف:156.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):200.
3- منهم:ابن سعيد في الجامع للشرائع:98،و العلامة في المختلف:156،و المحقق السبزواري في الذخيرة:393.
4- الخلاف 1:551.
5- السرائر 1:289.

تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة،فيكون خارجا عن مفروض المسألة.

و بإجماع الخلاف يستدل على عدم الإعادة في البواقي بطريق الفحوى، مع أن الصحاح مستفيضة كغيرها من المعتبرة بعدم الإعادة في جميع ما ذكرنا عدا الفسق،لكنه ملحق بالكفر إجماعا و بطريق أولى كما مضى.

ففي المرسل كالصحيح:قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل،فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي،قال:«لا يعيدون» (1)و نحوه غيره (2).

و في الصحيح:عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو على غير طهر،أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟فقال:«لا إعادة عليهم تمّت صلاتهم و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم،هذا عنه موضوع» (3)و الصحاح كغيرها بمعناه مستفيضة.

و فيه:رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنه قد صلّى بهم إلى غير القبلة،قال:

«ليس عليهم إعادة شيء» (4)و نحوه آخر معلّلا بأنهم قد تحرّوا (5).

و في آخرين:رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم،أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو

ص:275


1- الكافي 3:4/378،التهذيب 3:141/40،الوسائل 8:374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.
2- الفقيه 1:1200/263،الوسائل 8:374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.
3- التهذيب 3:139/39،الاستبصار 1:1670/432،الوسائل 8:372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
4- التهذيب 3:142/40،الوسائل 8:375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.
5- الكافي 3:2/378،التهذيب 3:771/269،الوسائل 8:375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 2.

لا ينويها صلاة؟فقال:«لا ينبغي»إلى أن قال:«و قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» (1).

و هذه النصوص-مع ما هي عليه من الصحة و الاعتبار و الاستفاضة القريبة من التواتر،و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته-موافقة للقاعدة؛لامتثال المأمور به،و هو الصلاة خلف من يظن استجماعه لشرائط الإمامة،إذ تكليفه بتحصيل العلم بالاستجماع واقعا تكليف بما لا يطاق،و امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

و مع ذلك فهي سليمة عمّا يصلح للمعارضة،عدا أمر اعتباري،و هو- مع ضعفه في نفسه و معارضته بأقوى منه-اجتهاد في مقابله النصوص التي قدّمناها.

و معارضتها بنصوص أخر مانعة (2)ضعيفة غايته،بعد ضعف أسانيدها جملة،و موافقتها لجماعة من العامة،و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة (3)،و مع ذلك فقد تضمّن بعضها ما لا يوافق مذهب الإمامية في الإمامة من التلازم بينها و بين العصمة،مع أن الرواية في خلافها صريحة،و ما عداها مروية في كتب غير مشهورة،فلا تكافئ ما قدّمناه من وجوه عديدة.

و للصدوق في المقنع هنا قول ثالث حكاه عن جملة ممّن عاصره من المشايخ،و هو الفرق بين الجهرية فالأول،و السرّية فالثاني (4).و لا يعرف له وجه

ص:276


1- الكافي 3:8/382،الفقيه 1:1195/262،التهذيب 3:143/41،الوسائل 8:376 أبواب صلاة الجماعة ب 39 ح 1.
2- الوسائل 8:373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9،مستدرك الوسائل 6:485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2،3.
3- منهم ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 1:777،778،القرطبي في بداية المجتهد 1:156.
4- حكاه عن المقنع في المختلف:157،و لم نعثر عليه فيه،بل وجدناه في الفقيه 1:263 ذيل الحديث 1200.

بالكلية.

هذا إذا تبيّن الخلل بعد الصلاة.

أما في أثنائها،ففي جواز الانفراد،و لزوم الاستيناف،قولان مبنيّان على الخلاف المتقدم،فيأتي الأول على المختار،و غيره على غيره.

و يدل على خصوص المختار هنا جملة من النصوص،منها:ما مرّ في بحث ما لو عرض للإمام حدث من نحو الصحيح:عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبر هم أنه ليس على وضوء،قال:«يتم القوم صلاتهم،فإنه ليس على الإمام ضمان» (1)فتأمل.

و لو كان المأموم قبل الصلاة عالما بالخلل فائتمّ به أعاد ها قطعا؛لعدم الامتثال،إلاّ إذا اقتدى بمخالف تقية أو مطلقا،فظاهر جملة من النصوص (2)و الفتاوي (3)عدم الإعادة مطلقا،إلاّ أن الإعادة مع عدم التقية أحوط و أولى حيث يكون لشيء من الواجبات تاركا.

و قد استوفينا الكلام في هذه المسألة في الشرح في بحث استحباب الصلاة مع المخالفين،من أرادها فليطلبها من هناك.

و إنما لم يذكر الأصحاب هذا الاستثناء هنا بناء على أن الاقتداء بالمخالف ليس اقتداء حقيقة و إنما هو شبه اقتداء،و لما أن كان يوجب سقوط بعض الواجبات و أقلّه الجهر بالقراءة أحيانا ذكره العبد هنا.

الثانية خاف فوت الركوع عند دخوله فركع جاز له أن يمشي راكعا ليلتحق

الثانية: قد سبق أنّ الأشهر الأقوى إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام

ص:277


1- الكافي 3:3/378،الفقيه 1:1207/264،التهذيب 3:772/269،الاستبصار 1:1695/440،الوسائل 8:371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
2- الوسائل 8:367 أبواب صلاة الجماعة ب 34.
3- كما في النهاية:113،و نهاية الإحكام 2:156،و الذكرى:275.

راكعا (1)،و عليه ف إذا دخل موضعا يقام موضعا يقام فيه الجماعة و قد ركع الإمام و خاف بالتحاقه به فوت الركوع عند دخوله في الصلاة برفع الإمام رأسه ف نوى و كبّر في موضعه و ركع محافظة على إدراك الركعة جاز إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز له التباعد عنه به على ما نصّ به جماعة،كالفاضل المقداد و غيره (2)و له أن يمشي راكعا ليلتحق بالصف، بلا خلاف يعرف،و به صرّح بعض (3)،و ظاهر المنتهى الإجماع عليه (4)،و به صرّح في الخلاف (5).

للصحيح:عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة،فقال:

«يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتى يبلغهم،و يجوز له السجود في مكانه ثمَّ الالتحاق» (6).

و لآخر:«إذا دخلت المسجد و الإمام راكع،فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه،فكبّر و اركع،فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك،فإذا قام فالحق بالصف،و إن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف» (7).

و في ثالث:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما و قد دخل المسجد لصلاة العصر،فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده و سجد سجدتين،ثمَّ قام

ص:278


1- راجع ص 206.
2- التنقيح الرائع 1:277؛و انظر روض الجنان:376.
3- كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1:167.
4- المنتهى 1:382.
5- الخلاف 1:555.
6- الفقيه 1:1166/257،التهذيب 3:154/44،الاستبصار 1:1681/436،الوسائل 8:384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
7- الكافي 3:5/385،الفقيه 1:1148/254،التهذيب 3:155/44،الاستبصار 1:1682/436،الوسائل 8:385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

فمضى حتى لحق بالصف (1).

و عليه الإجماع أيضا أيضا في ظاهر المنتهى (2).

و إطلاق النص و العبارة يقتضي جواز المشي و لو حالة الذكر.خلافا لجماعة فقيّدوه بغيرها (3)؛محافظة على الطمأنينة الواجبة فيها اتفاقا،و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لأن تقييد الفتوى و النص هنا بأدلة الطمأنينة ليس بأولى من تقييدها بهما،إلاّ أن يرجح الأول بأن في الثاني تركا للواجب لإدراك أمر مستحب،و هو غير معقول،لكنه بترك القراءة و نحوها لأجل إدراكه منقوض.

و نحوه الكلام فيما مرّ ممّا ذكره الجماعة من المانع الشرعي،كيف و لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور،دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطى،مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا،فتأمل جدا.

و لا ريب أن ما ذكروه أحوط و اولى،كاعتبار عدم وقوع فعل كثير في مشيه و أن يجر رجليه حينئذ و لا يتخطى،كما قاله الصدوق و رواه (4).

الثالثة إذا كان الإمام في محراب داخل لم تصح صلاة من إلى

جانبيه في الصف الأول]

الثالثة:إذا كان الإمام في محراب داخل في الحائط أو المسجد على وجه يكون إذا كان وقف فيه لا يراه من على جانبيه لم تصح صلاة من إلى جانبيه في الصف الأول أي الصف الذي هو جملتهم؛لعدم المشاهدة

ص:279


1- الكافي 3:1/384،التهذيب 3:785/272،الوسائل 8:384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.
2- المنتهى 1:382.
3- منهم الشهيد الأول في الدروس 1:223،و الشهيد الثاني في روض الجنان:376، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:323.
4- الفقيه 1:254 ذيل الحديث 1148.

المشترطة في صحة الجماعة.

و احترز بالصف الأول عمن إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه،فإن صلاتهم صحيحة على ما صرّح به الشيخ فيما حكاه عنه في الذكرى (1)،مصرّحا هو به أيضا،وفاقا له و لصريح الفاضل في التذكرة و نهاية الإحكام و المنتهى (2)، و تبعهم في المدارك (3)من غير نقل خلاف فيه أصلا حتى من الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في التحرير (4)،بانيا على أن المراد من العبارة التي اتفقت عليه الكتب الثلاثة-و لو بتغيير ما لا يخلّ بمقصودنا-ما فهمناه،لا ما ربما يفهم منها من أن المراد بالصف الأول هو الصف المتأخر عن الإمام،فتدل على فساد صلاة من على يمين مقابل الإمام و يساره منه.

و وجه البناء هو أن المتبادر ممن إلى الجانب إنما هو الذي يحاذي يمين الإمام و يساره بحيث يحاذي منكبيه حقيقة،لا من يكون إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه،و لا وجه لفهم هذا منه إلاّ التقييد بقوله:في الصف الأول.

و ليس فيه منافاة لما ذكرناه بعد ظهور إطلاقه حقيقة على الصف الذي فيه الإمام قطعا،و إنما أتى به تأكيدا و دفعا لتوهم فهم من إلى جانبيه في الصف المتأخر منه،لغلبة إطلاق من إلى جانبيه عليه أيضا و لو مجازا.

و يشهد لما فهمنا-تبعا للمدارك-زيادة على ما ذكرنا:ملاحظة ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (5)و المحقّق الثاني في شرحهما لعبارة الشرائع،فإنّ عبارتهما صريحة في ذلك،و في فتواهما به مع عدم نقل مخالف مشعرين بعدم

ص:280


1- الذكرى:272.
2- التذكرة 1:173،نهاية الإحكام 2:122،المنتهى 1:364،365.
3- المدارك 4:376.
4- الشرائع 1:126،التحرير 1:51.
5- المسالك 1:45.

الخلاف.

و يعضده أيضا أنّ أحدا من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل الخلاف عنهما مع تصريح جملة منهم بالحكم كما ذكرنا،كالفاضل نفسه في التذكرة و المنتهى و النهاية من غير نقل خلاف أصلا.و صاحب الذخيرة (1)مع استشكاله فيه بما قدمناه في بحث الشروط لم ينسب الخلاف إلى أحد أصلا، بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ و من تبعه جملة،مشعرا بكونه بينهم إجماعيا،و قد صرّح بعدم الخلاف فيه في الكفاية (2).

و بالجملة:لم أر مخالفا فيه بالكلية،و الظاهر عدمه كما يفهم من عبائر المتعرضين للحكم في المسألة.

نعم،ربما يفهم من عبارة القواعد المخالفة،فإنه قال:لو صلّى الإمام في محراب داخل صحّت صلاة من يشاهده من الصفّ الأول خاصة،و تصح صلاة الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من يشاهده (3).انتهى.

و ذلك فإن فرض المشاهدة في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن الإمام،بناء على أن المحراب لا يسع غير الإمام و لا يكون مخروما غالبا،فلا يمكن فرض مشاهد له في صفه.

لكن يمكن الذب عنه بحمله على غيره،و التعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز،ألا ترى إلى الذكرى قد تعرّض له،فقال:و لو ولجها -أي المقصورة-الإمام و شاهده الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صحّ الائتمام،و إلاّ فلا،و أما الذين يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة،لانتهاء

ص:281


1- الذخيرة:393.
2- الكفاية:31.
3- القواعد 1:46.

مشاهدتهم إليه (1).

و ذلك فإن عبارته كالصريحة،بل صريحة في أن المراد بالجناحين من في صف الإمام عن يمينه و يساره،و مع ذلك فرض مشاهدتهما له،و لا تكون إلاّ بولوجهما معه في المقصورة،أو فرض كونها مخرومة.

و وجه صراحة هذه العبارة في حكم أصل المسألة-كما قدّمنا إليه الإشارة -هو تصريحها بالاكتفاء في الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد الإمام،فإن خصصناهما بمن في صف الإمام كما هو ظاهر العبارة بل صريحها كما عرفته فالدلالة واضحة،و كذا إن عمّمناهما لمن في الصف المتأخر عنه، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد الإمام إنما هو عن يمينهما و يسارهما لا قدّامهما،هذا.

و تعليله-كالفاضلين و غيرهما-صحة صلاة الصفوف المتأخرة عن الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام قرينة على حكمهم بالصحة في مفروض المسألة،حيث لم يقيّدوا المشاهدة بوقوعها ممّن في الخلف لقدّامه،بل تشمل ما لو وقعت عن الجانبين،فتعمّ الصحة لمن هو مفروض المسألة و لو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره،فإن العبرة بعمومه لا بخصوص مورده.

و ما يقال من أنه لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة و أخذها قاعدة كلية مطلقا حتى لو حصلت بواسطة أو وسائط لكانت كافية،فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه و لا العروج في مقام التحقيق عليه،لظهور إطباقهم عليها،بل قال في المنتهى:إنه لا نعرف فيها خلافا (2)،مؤذنا بكونها بين الخاصة و العامة مجمعا عليها.

ص:282


1- الذكرى:272.
2- المنتهى 1:365.

و بالجملة:لا أرى شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى.و أما من جهة النص فمشكل؛إذ لم أقف على ما يدل عليه منه عدا الصحيحة المتقدمة في بحث الشروط (1)،و دلالتها عليه غير واضحة،إلاّ أن يتمم بفهم الطائفة، مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة،هذا.

و في الصحيح:«لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا» (2).

و في آخر:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إني أصلي في الطاق يعني المحراب،فقال:«لا بأس إذا كنت تتوسع به» (3).

و في هذا إشعار،بل ظهور تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في المحراب،إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية،و إلاّ فلا تحصل من و لوجه في المحراب إلاّ التوسعة بنفس واحدة، و هي خلاف المتبادر منها كما عرفته،فتأمل.

الرابعة إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات

الرابعة:إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها أي قطع المأموم النافلة إن خشي الفوات تحصيلا للجماعة التي هي أهمّ من النافلة،على ما صرّح به الجماعة،و يستفاد من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة،إذ هو في معنى إبطال الفريضة،فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة لدركها أولى.

و للرضوي:«و إن كنت في صلاة نافلة و أقيمت الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام» (4).

ص:283


1- راجع ص 207.
2- الكافي 3:6/386،الفقيه 1:1141/253،التهذيب 3:180/52،الوسائل 8:408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.
3- التهذيب 3:181/52،الوسائل 8:409 أبواب صلاة الجماعة ب 61 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ذيل حديث 1.

و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين خوف الفوات و عدمه،كما هو ظاهر إطلاق الحلّي و المحكي في المختلف عن الشيخ و القاضي (1).

خلافا للأكثر فقيّدوه بالأول،قالوا:ليحوز الفضيلتين.و هو أحوط، سيّما على القول بمنع قطع النافلة اختيارا.

و عليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة،أو الصلاة جملة؟ وجهان،الظاهر الأول،لأوفقيته بظاهر الرضوي و النصوص الآتية على ما سيأتي.

و لو كان المأموم في فريضة و أحرم الإمام أو أذّن و أقام كما يستفاد من نصوص المقام نقل نيته من الفرض إلى النفل و أتم ركعتين بلا خلاف صريح،بل عليه في ظاهر التذكرة و غيرها (2)الإجماع؛للمعتبرة،منها الصحيح:عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة،فبينما هو قائم يصلّي إذا أذّن المؤذن و أقام الصلاة،قال:«فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام و لتكن الركعتان تطوعا» (3).

و بمعناه الموثق (4)و الرضوي (5)،بزيادة فيه،و هي:النهي عن قطع الفريضة و تعيين العدول إلى النافلة،و فيهما،و هي:تخصيصه بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به.

ص:284


1- الحلي في السرائر 1:289،المختلف:159.
2- التذكرة 1:184؛و انظر نهاية الإحكام 2:159.
3- الكافي 3:3/379،التهذيب 3:792/274،الوسائل 8:404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
4- الكافي 3:7/380،التهذيب 3:177/51،الوسائل 8:405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
5- فقه الرضا(عليه السلام):145،المستدرك 6:496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

و بالزيادة الأولى مضافا إلى عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة يضعّف ما في المختلف (1)عن الشيخ و القاضي من جواز القطع هنا مطلقا،و قوّاه الشهيد في الذكرى أيضا (2)،لكن مع خوف الفوات لا مطلقا،حاكيا له عن الشيخ في المبسوط أيضا.

ثمَّ إنّ هذا مع إمكان النقل،و أما مع عدمه كأن دخل في الثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها،أو قطع الفريضة من أصلها،أو لا ذاك و لا هذا، بل يبقى مستمرا أوجه،استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها (3)، و هو أقوى،اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم قطع الفريضة اختيارا على مورد النص و الفتوى،و ليس منه هذا.

إلاّ أن يستدل على الثاني بفحوى ما دلّ على جواز القطع لإدراك فضيلة الأذان و الإقامة،فجوازه لإدراك فضيلة الجماعة أولى.

و هو على تقدير تسليمه أخص من المدّعى؛لاختصاص الجواز في الأذان بصورة خاصة،دونه هنا،فإنه يعمّها و غيرها،إلاّ إن يتمّم بعدم القائل بالفرق،و لا يخلو عن نظر.

و اعلم:أنّ قوله استحبابا الظاهر رجوعه إلى المسألتين،و إلاّ فلم يقل أحد بوجوب القطع المستفاد من ظاهر العبارة في أولاهما،إلاّ أن يحمل الأمر فيها على الرخصة،لوروده مورد توهّم الحرمة،فلا يفيد سوى الإباحة، و هو لا يستلزم الندب و الفضيلة.

لكنه خلاف الظاهر،بل لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة و إن

ص:285


1- المختلف:159.
2- الذكرى:277.
3- انظر نهاية الإحكام 2:159،و التذكرة 1:184.

عبّر جملة منهم بالجواز المطلق،لكون الظاهر إرادتهم منه الاستحباب لا الإباحة.و كيف كان فلا ريب في ثبوته؛لورود الأمر به في الرضوي؛مضافا إلى التسامح في أدلة السنن حيثما لا يحتمل التحريم كما نحن فيه.

و لو كان المأموم قد دخل الفريضة و أحرم إمام الأصل قطعها استحبابا و استأنف الصلاة معه فيما ذكره الشيخ و الحلّي و جماعة (1).

و حجتهم عليه غير واضحة،عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة،و مع ذلك فالمسألة قليلة الجدوى و الثمرة.و تردّد فيها الفاضلان،بل قطع في المختلف و المنتهى بالحرمة (2).

و لو كان الإمام ممن لا يقتدى به استمر المأموم على حاله في المسألتين،فلا يقطع النافلة و لا يعدل إليها من الفريضة؛للأصل،مضافا إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي و الموثقة المتقدمة.

الخامسة:ما يدركه المأموم يكون أول صلاته،فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي

الخامسة:ما يدركه المأموم المسبوق بركعة فصاعدا مع الإمام من الركعات يكون أول صلاته،فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي عليه،بإجماعنا الظاهر،المنقول في ظاهر جملة من العبائر مستفيضا كالمعتبر و التذكرة و المنتهى(و نهاية الأحكام) (3)و روض الجنان و غيرها (4)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة جدا كغيرها،و في أكثرها الأمر بقراءة الحمد و السورة،أو الحمد

ص:286


1- الشيخ في النهاية:118،الحلي في السرائر 1:289؛و انظر الذكرى:277،و روض الجنان:377،378،و الذخيرة:401.
2- المحقق في المعتبر 2:445،العلامة في المختلف:159،المنتهى 1:383.
3- ما بين القوسين ليست في«ش»و«م».
4- المعتبر 2:446،التذكرة 1:181،المنتهى 1:383،نهاية الإحكام 2:134،روض الجنان:376؛و انظر المدارك 4:382.

خاصة مع الضرورة أو مطلقا،في الأوليين اللتين هما أخيرتا الإمام.

ففي الصحيح:«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة و فاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه،جعل أول ما أدرك أول صلاته،و إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين و فاتته الركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه بأمّ الكتاب و سورة،فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب،فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما»إلى أن قال:«و إن أدرك ركعة قرأ فيها فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة ثمَّ قعد فتشهد ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» (1).

و فيه:عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الأولى،كيف يصنع إذا جلس الإمام؟قال:«يتجافى و لا يتمكن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثمَّ يلحق الإمام»و عن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟فقال:«اقرأ فيهما فإنهما لك الأوليان،و لا تجعل أول صلاتك آخرها» (2).

و هل هذه القراءة على الوجوب أو الندب؟قولان:

من ظاهر الأوامر فيها،مضافا إلى عموم ما دلّ على وجوبها.

و من عموم ما دلّ على سقوطها خلف الإمام المرضي المخصّص به العموم المتقدم،و تحمل الأوامر على الندب جمعا،و لا سيّما مع انضمامها في

ص:287


1- الفقيه 1:1162/256،التهذيب 3:158/45،الاستبصار 1:1683/436،الوسائل 8:388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
2- الكافي 3:1/381،التهذيب 3:159/46،الاستبصار 1:1684/437،الوسائل 8:387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

بعض النصوص بما هو للندب أو الكراهة قطعا،مع أن في بعضها الأمر بالقراءة في النفس،و هو غير القراءة الحقيقية،فيكون هذا قرينة أخرى على الندب أيضا.

و الأول أقوى،وفاقا لأعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين و النهاية و الحلبي و المرتضى بل الكليني و الصدوق (1)أيضا؛لقوة أدلته،و ضعف معارضها:

فالأول:بمنع العموم،بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع.و لو سلّم فهو مخصّص بالأوامر هنا،و هو أولى من حملها على الندب،لأولوية التخصيص من المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.

و القرينة الأولى على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها،و هو تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعا،و بعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في الوجوب عن الصارف سليما.

و أما القرينة الثانية فممنوعة؛إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفاء بها، كما شاع التعبير بها عنه في الأخبار،و منها ما ورد في الصلاة خلف المخالف (2)مع الاتفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها،و لو سلّم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة ملفوظا بها قرينة على استحبابها،بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الإجماع قطعا،و هو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.

ص:288


1- التهذيب 3:45،46،الاستبصار 1:437،النهاية:115،الحلبي في الكافي في الفقه: 145،المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41،الكليني في الكافي 3:281 ح 4،الصدوق في المقنع:36.
2- الفقيه 1:1185/260،التهذيب 3:128/36،الاستبصار 1:1662/430،الوسائل 8:364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.

و بالجملة:فالقول الثاني-كما عليه الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه كالتذكرة و المختلف و المنتهى و غيرهما (1)-ضعيف جدا.

و هل الإخفات هنا و لو في الجهرية على الوجوب،كما هو ظاهر الصحيحة الاولى (2)و غيرها (3)،و صريح المرتضى (4)؟ أو الندب كما يقتضيه الأصل،و خلو باقي النصوص عنه،و قوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا؟ وجهان،أحوطهما الأول،إلاّ مع عدم المتابعة بأن خرج الإمام عن الصلاة و قام المأموم إلى الركعة التي يجب عليه الجهر فيها بالقراءة،فالأحوط الجهر و إن احتمل العدم ضعيفا بتخيل اختصاص ما دلّ على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا هذا،لكن لا وجه لرجحان الإخفات هنا.

ثمَّ إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما،و إلاّ فالحمد خاصة مع إمكانها بلا إشكال؛لتصريح الصحيحة به و غيرها كالرضوي و غيره (5).

و يشكل مع عدم التمكن منها أيضا،فهل يأتي بها و إن فاته الركوع فيقرؤها و يلحق الإمام في السجود،أم يتابعه في الركوع و يتركها؟ وجهان،أجودهما الثاني كما بيّنته في الشرح مستوفى.و لكن مراعاة

ص:289


1- الحلي في السرائر 1:286،التذكرة 1:182،المختلف:159،المنتهى 1:384؛و انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:326.
2- المتقدمة في ص:287.
3- دعائم الإسلام 1:191،192 المستدرك 6:489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1،4.
4- انظر جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):41.
5- فقه الرضا(عليه السلام):144،دعائم الإسلام 1:192،المستدرك 6:490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.

الأول أحوط و أولى بأن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيره للركوع إذا عرف عدم التمكن منها،و إن دخل قبل ذلك فليقرأ منها الممكن ثمَّ ليتابعه في الركوع و يعيد الصلاة احتياطا.

و إذا جلس الإمام للتشهد و ليس له محل للتشهد تجافى و لم يتمكن من القعود كما في الصحيح المتقدم و غيره (1).

و هل هو على الوجوب كما هو الظاهر منهما،و عليه الصدوق (2)؟ أم الندب،كما هو ظاهر الأكثر؛للأصل،و خلو كثير من النصوص عنه؛ مع الأمر بالقعود في الموثق:عن رجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهد،و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه قال:«لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل،و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته» (3)؟ وجهان،أحوطهما الأول إن لم نقل بكونه المتعين؛لقوة مستنده بالإضافة إلى مقابلة بالأخصّية و الصحة و التعدّد فيخص به الأصل و النص، و يحمل القعود على ما يقابل القيام في الموثق.

مع أنه لا بدّ فيه من ارتكاب خلاف ظاهر؛إذ لا قائل بوجوب القعود الحقيقي و لا استحبابه،فحمله عليه موجب لشذوذ الموثق و ندرته،أو صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة و الرخصة،و هو ليس بأولى من حمل

ص:290


1- معاني الأخبار:1/300،المستدرك 6:501 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
2- انظر الفقيه 1:256.
3- الكافي 3:7/386،التهذيب 3:788/272،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.

القعود فيه على ما ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى.و عليه فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح و غيره عن ظاهره بمجرده،مع اعتضاد هما بغيرهما كالصحيح:«من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى و أقعى إقعاء و لم يجلس متمكنا» (1).

و كيف كان لا ريب أن التجافي أولى.

و يأتي بالتشهد استحبابا؛لأنه بركة،كما في المعتبرين (2).

خلافا لجماعة فمنعوه عنه (3)،و أثبت بعضهم بدله التسبيح (4)،و لعلّه أحوط و إن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر الموظّف،بل قصد به الذكر المطلق.

و إذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ثمَّ يلحقه،كما مرّ في الصحيح.

و ينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في الموثق (5)،و يأتي بقنوت نفسه؛ للعموم.

السادسة إذا أدركه بعد انقضاء الركوع الأخير كبّر و سجد معه

السادسة :المأموم إذا أدركه أي الإمام بعد انقضاء الركوع الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه كبّر و سجد معه بغير ركوع

ص:291


1- الفقيه 1:1168/263،الوسائل 8:418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.
2- الأول:التهذيب 3:196/56،المحاسن:326،الوسائل 8:416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 1. الثاني:الكافي 3:3/381،التهذيب 3:779/270،الوسائل 8:416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 2.
3- منهم الشيخ في النهاية:115،الحلبي في الكافي:145،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،ابن سعيد في الجامع للشرائع:100.
4- كالشيخ في النهاية:115.
5- التهذيب 2:1287/315،الوسائل 6:287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.

فإذا سلّم الإمام استقبل المأموم الصلاة و استأنفها من أوّلها بلا خلاف،إلاّ من الفاضل في المختلف،فتوقف في استحباب الدخول (1)؛لورود النهي عنه في الصحيح (2).

و فيه-بعد تسليم العمل به مع أنه خلاف الأظهر الأشهر كما مرّ في بحثه- أنّ المراد به الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة،لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة،كما يفصح عنه تبديل النهي عن الدخول ب«لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»في الصحيح الآخر لراوي الأول (3)،مع تصريح ثالث له أيضا بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام و هو في السجدة الأخيرة (4)،و هو شامل للمسألة بالأولوية.

و ما ذكرناه من الأجوبة أولى ممّا في المدارك من حمل النهي على الكراهة (5)؛إذ ليس فيها منافاة لما ذكره العلاّمة من القدح في استحباب الدخول،كما عليه الجماعة حاكمين بأنه يدرك به فضيلة الجماعة،بل هو ضعيف.

و أضعف منه ميله إلى موافقة العلاّمة،معلّلا بعدم ثبوت التعبد بما عليه الجماعة؛لما عرفت من ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة،و في موردها بالصراحة،و قد اعترف هو بها في تلك المسألة.و نحوها ما سيأتي من المعتبرة.

ص:292


1- المختلف:158.
2- التهذيب 3:149/43،الاستبصار 1:1676/434،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
3- التهذيب 3:150/43،الاستبصار 1:1677/435،الوسائل 8:381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.
4- التهذيب 3:197/57،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
5- المدارك 4:385.

هذا مضافا إلى صريح الخبر في المسألة المنجبر ضعف سنده و قصر دلالته بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع في الحقيقة:«إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها» (1).

و من ظاهر الشيخ و الحلّي (2)؛فلم يوجبا الاستيناف؛قيل:لاغتفار الزيادة في المتابعة (3).

و هو حسن مع وجود الدليل عليه،و ليس لا من إجماع كما هو ظاهر،و لا من نصّ،إذ لم نقف عليه عدا ما مرّ،و ليس فيه عدا بيان إدراك فضيلة الجماعة،و هو لا يلازم اغتفار الزيادة.

إلاّ أن يجعل السكوت عن الأمر بالاستيناف دليلا على عدم لزومه؛لورود النصّ مورد الحاجة.

لكن في الخروج بمثله عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بالزيادة من الاعتبار و الرواية-كما عرفته غير مرّة-مناقشة،سيّما مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله:«و لا تعتدّ بها»في الرواية الأخيرة،لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة،فتوافق المختار من عدم الاغتفار،بل استدل بها عليه كما ذكره جماعة من الأصحاب (4).

لكنه ضعيف؛لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا،فلا ينافي ما عليه الشيخ و من تبعه؛مع أن هذا الاحتمال أولى،لكون المرجع عليه مذكورا قبل الضمير صريحا،بخلاف الأول،لعدم سبق ذكر له قبله إلاّ ضمنا.

ص:293


1- التهذيب 3:166/48،الوسائل 8:392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
2- الشيخ في النهاية:115،و المبسوط 1:159،الحلي في السرائر 1:286.
3- الذكرى:275،المدارك 4:385.
4- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3:334،و صاحب الحدائق 11:252.

و كذا الكلام فيما لو أدركه بعد السجود فيستحب له المتابعة له فيه و يستأنف الصلاة صلاة من أوّلها.

و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكمين بين الإدراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو قبله.

و لا إشكال في الحكم الأول على التقديرين،و لا خلاف فيه أيضا إلاّ ممّن سبق،و يضعّفه-زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرّح بدرك فضيلة الجماعة و الإمام في السجدة الأخيرة-القويّ المروي في الفقيه كما يأتي.

و الموثق:في الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهد و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه،قال:«لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل،و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته» (1).

و النبوي المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ:«إذا جئتم إلى الصلاة و نحن سجود فاسجدوا و لا تعتدّوها شيئا» (2).

و المقطوع:«إذا أتيت الإمام و هو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس فإذا قمت فكبّر» (3).

و الأمر بالمتابعة ليس إلاّ لإدراك فضيلة الجماعة كما صرّحت به الصحيحة السابقة و جماعة (4)،و قصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة.

و أما النصوص المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق:عن رجل أدرك الإمام

ص:294


1- تقدّم مصدره في ص 290.
2- أمالي الطوسي:399،الوسائل 8:394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.
3- الفقيه 1:1184/260.
4- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:378،و صاحب المدارك 4:386 و المحقق السبزواري في الذخيرة:402.

و هو جالس بعد الركعتين،قال:«يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتى يقوم» (1).

و الخبر:«إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه،و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت» (2).

فغير مكافئة لمقابلتها من وجوه عديدة،أعظمها اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة،بل الإجماع في الحقيقة؛لعدم عامل بهذه أجده إلاّ شيخنا الشهيد الثاني فعمل بها جامعا بينها و بين الأخبار السابقة بالتخيير، مفضّلا للعمل بها على هذه (3).

و هو حسن بعد المكافئة،و هي مفقودة،لرجحان تلك بما عرفته؛مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة و هو لا يقول بها،و تنزيلها على ما ذكره فرع حجة هي في المقام مفقودة.

و قريب منه في الضعف ما عن التذكرة و في غيرها (4)من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلاّ بإدراك السجدة الأخيرة؛لضعفه بما عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها،و قد مرّ أنه ليس إلاّ لإدراك الفضيلة.

مضافا إلى صريح القوية المروية في الفقيه في حديث قال:«و من أدرك الإمام و هو ساجد سجد معه و لم يعتدّ بها،و من أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة،و من أدرك و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة» (5).

ص:295


1- التهذيب 3:793/274،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.
2- الكافي 3:4/381،التهذيب 3:780/271،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 5.
3- انظر روض الجنان:278.
4- التذكرة 1:183؛و انظر المفاتيح 1:167.
5- الفقيه 1:1214/265،الوسائل 8:393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

و احتمال كون هذه العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة (1).

و بصريحها مضافا إلى ظواهر الروايات السابقة يعدل عمّا ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة من انحصار إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في السجدة الأخيرة.

و لا في الحكم الثاني (2)أيضا على التقدير الثاني (3)على المختار في المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة؛إذ لا فرق بين المسألتين إلاّ من حيث كون الزائد ثمّة ركنا و هنا غيره،و هو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد الزيادة؛فإنه مبطل مطلقا على ما تقتضيه القاعدة العقلية و النقلية كما عرفته غير مرّة،فما في الروضة (4)من الاغتفار هنا لا ثمة لا أعرف وجهه،و يأتي على قول الشيخ (5)الاغتفار هنا أيضا،بل بطريق أولى.

و يشكل على التقدير الأول (6)؛لعدم زيادة فيه مبطلة إلاّ التشهد،و هو بركة كما مرّ في المعتبرة.هذا إن حصل فيه المتابعة،و إلاّ فليس إلاّ القعود خاصة،و هو غير مبطل بلا شبهة،كما يفصح عنه الأمر به في المسبوق حيث لم يكن له محل للتشهد.

نعم،في المقطوعة السابقة الأمر بإعادة التكبيرة.و قطعها يمنع عن العمل بها في المسألة،مع أني لا أجد قائلا بها و لا أعرف،مع أنها معارضة بالموثقة الأولى المتقدمة،لظهورها،بل صراحتها في عدم لزوم الإتيان بالتكبيرة،

ص:296


1- منهم:الفيض الكاشاني في الوافي 8:1230.
2- و هو وجوب استيناف الصلاة.
3- و هو إدراك الإمام قبل رفع رأسه من السجدة الأخيرة.
4- الروضة 1:384.
5- راجع ص 293.
6- و هو:إدراك الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة.

لقوله:«فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته».

و بالجملة:فعدم الاستيناف هنا أقوى.

و يمكن أن يقيّد العبارة بصورة الإدراك في السجود لا بعده،أو يقيّد التشبيه بالحكم الأول و هو استحباب الدخول،لا الثاني و إن أو همته العبارة، و على هذا التنزيل فلا مخالفة.

السابعة يجوز أن يسلّم قبل الإمام مع العذر

السابعة:يجوز للمأموم أن يسلّم قبل الإمام مع العذر كنسيان أو عروض حاجة يخاف فوتها أو نية الانفراد بلا خلاف أجده،بل في المدارك و الذخيرة:أنه مقطوع به بين الأصحاب (1)،مؤذنين بالإجماع عليه،كما صرّح به المرتضى في الناصرية في التسليم قبله نسيانا (2)،و الفاضل في المنتهى في مطلق العذر مع نية الانفراد مطلقا (3)؛و هو الحجة.

مضافا إلى فحاوي الإجماعات الآتية و الصحاح الصراح،منها:في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام،قال:«ليس عليه بذلك بأس» (4).

و منها:في الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع،كيف يصنع؟قال:«يسلّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحب» (5).

و منها:عن الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع،كيف يصنع؟قال:«يسلّم و ينصرف و يدع الإمام» (6).

ص:297


1- المدارك 4:387،الذخيرة:402.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):201.
3- المنتهى 1:385.
4- التهذيب 3:189/55،الوسائل 8:414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
5- الفقيه 1:1163/257،التهذيب 2:1445/349،الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.
6- الفقيه 1:1191/261،التهذيب 2:1446/349،قرب الإسناد:803/207 الوسائل 8:413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

و إطلاق جملة منها يقتضي جواز المفارقة في ضرورة و غيرها،بنيّتها و عدمها،كما هو ظاهر الماتن في الشرائع و غيره (1)،بل في روض الجنان و الذخيرة (2)نسب إلى ظاهر الأصحاب و الجماعة مشعرين بدعوى الإجماع، و هو الأقوى.

خلافا لظاهر المتن و الذكرى (3)فاعتبرا نيتها.و لم أعرف له وجها،عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختيارا من غير نيتها،فكذا هنا،و هو كما ترى؛و وجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى (4)،لكنه خلاف الأشهر،بل الأقوى،فإني لم أقف على ما يدل عليه صريحا،بل و لا ظاهرا،مع إطلاق النصّ و الفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقا،فإنّ فيه تأييدا للعدم،كما نبّه عليه شيخنا في روض الجنان (5).

و في جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتّها من غير ضرورة قولان،أظهرهما نعم،وفاقا للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من المبسوط حيث أفسد الصلاة بالمفارقة لغير عذر (6)،و هو غير صريح في المخالفة،بل و لا ظاهر ظهورا يعتدّ به،لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.

و كذا كلام السيّد في الناصرية:إن تعمّد سبقه إلى التسليم بطلت

ص:298


1- الشرائع 1:126؛و انظر المعتبر 2:448.
2- روض الجنان:379،الذخيرة:402.
3- الذكرى:278.
4- الذكرى:274.
5- روض الجنان:379.
6- المبسوط 1:157.

صلاته (1)،يحتمل التقييد بذلك أيضا.

و عن الخلاف الإجماع على الجواز (2)،كالفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و النهاية (3).

و لا حاجة لنا-بعد هذه الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته-إلى الاستدلال بما ذكره جماعة من أمور لا تخلو عن مناقشة،كأدلة القول بالمنع،فإنها قاصرة،عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة،و يجاب عنها بحصولها بما عرفته.

و أما الاستدلال للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث ما لو أحدث الإمام قدّم من ينوبه (4)،من حيث الأمر فيها بالاستنابة،مع تصريح الصحيح منها بأنه:«لا صلاة لهم إلاّ بإمام» (5).

فغريب بعد ما عرفت ثمة من أن ذلك على جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب،مع دعوى التذكرة عليه الإجماع (6)،مع احتمال عدّ ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة.

و حيث جازت المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها،و لو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام،أو إعادة السورة التي فارق فيها،أو استيناف

ص:299


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):237.
2- الخلاف 1:552.
3- المنتهى 1:384،التذكرة 1:175،نهاية الإحكام 2:128.
4- راجع ص 261 و 262.
5- الفقيه 1:1196/262،التهذيب 3:843/283،الوسائل 8:426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.
6- التذكرة 1:181.

القراءة من أوّلها،أوجه،أوجهها الأول،وفاقا لروض الجنان (1)؛لأن قراءة الإمام كافية عنهما.و أولى بالإجزاء ما لو فارقه بعدها.

خلافا للذكرى فأوجب في الموضعين استينافها (2)،و هو أحوط و أولى.

و أحوط منه ترك الانفراد فيهما إن كان مختارا و إلاّ فما ذكرنا،و أحوط من جميع ذلك عدم مفارقة الإمام اختيارا مطلقا،و اضطرارا من غير نيّتها.

الثامنة النساء يقفن من وراء الرجال

الثامنة:النساء يقفن من وراء الرجال أو الإمام الذي يؤمّهنّ فلو جاء رجال آخرون تأخرن عنهم وجوبا إن لم يكن لهم موقف أمامهنّ بلا خلاف في أصل الرجحان،بل صريح الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى و التحرير (3)الوجوب،بمعنى توقف(صحة) (4)صلاة لرجل على تأخرهن،لا الوجوب بالمعنى المعروف؛لبعده على إطلاقه.

للأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح (5)، و المرسل كالموثق (6):عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟قال:«نعم تقوم وراءه».

و فيه:«المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوع و تأتمّ به» (7).

و فيه:أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟قال:«نعم،تكون على يمينك يكون

ص:300


1- روض الجنان:378.
2- الذكرى:272.
3- الشرائع 1:127،المنتهى 1:376،التحرير 1:53.
4- ليست في«ش»و«م».
5- الكافي 3:1/376،التهذيب 3:757/267،الوسائل 8:333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5؛و لا يخفى أن في سنده محمد بن سنان،و هو ضعيف على المشهور،و قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح:هذه الرواية صحيحة عندي.
6- التهذيب 3:112/31،الاستبصار 1:1645/426،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.
7- التهذيب 2:1579/379،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.

سجودها بحذاء قدميك» (1).

و في الخبر:عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد و معهما النساء؟قال:

«يقوم الرجل إلى جنب الرجل و يتخلّفن النساء خلفهما» (2).

و في الصحيح (3)و غيره (4):«إذا كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن و إن كانوا عبيدا».

خلافا لجماعة بل الأكثر،فلم يوجبوه (5)،بناء على ما اختاروه في مسألة محاذاة المرأة للرجل في الصلاة من الكراهة،مؤذنين بكونها هنا قول كلّ من قال بها ثمة.

فإن تمَّ إجماعا مركبا فلا محيص عمّا ذكروه،إلاّ أنه محل نظر،فإنّ الفاضلين في كتبهما المسطورة مع اختيارهم الكراهة ثمة صرّحا بالوجوب في المسألة (6)،و لذا اعترض الجماعة خالي العلاّمة-أدام اللّه سبحانه أيامه-فقال على بناء هذه المسألة على تلك:كون البناء على ذلك محل تأمل،لأن هيئة الجماعة وظيفة شرعية،و الظاهر من الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها،فتأمل (7).

أقول:لعلّ وجه التأمل هو قوة احتمال تحقّق الإجماع المركب.و لا ينافيه فتوى الفاضلين هنا بالوجوب مع تصريحهما ثمة بالكراهة،لاحتمال تغير رأيهما

ص:301


1- التهذيب 3:758/267،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
2- التهذيب 3:763/268،الوسائل 8:332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
3- الفقيه 1:1179/259،الوسائل 8:343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.
4- التهذيب 3:759/267،الوسائل 8:341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 3.
5- منهم:ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):560،و ابن إدريس في السرائر 1:267، و صاحب المدارك 3:221،و ج 4:376،و المحقق السبزواري في الذخيرة:495.
6- المحقق في الشرائع 1:126،العلامة في المنتهى 1:376.
7- الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المدارك الطبع الحجري):240.

هنا،كما هو الظاهر من المنتهى،حيث صرّح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضا،فإنه-بعد أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذتها في صلاة العصر لإمامها-قال ما لفظه:و وجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها،لكن لما بيّنّا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب (1).

و مع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية:«أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه تعالى» (2)مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها ليست من طرقنا فلا تعويل عليها.

و كلماته هذه كما ترى صريحة في تغير رأيه،لا القول بالفصل،فيحتمل قويا أن يكون بناؤه في غير الكتاب كذلك.

و كذا الماتن هنا و في الشرائع،مع أنه فيه كغيره صرّح في تحرير تلك المسألة بما يعمّ صورتي الانفراد و الجماعة،و قال بعد نقل القولين:أن الأشبه الكراهة.

و حيث تمَّ الإجماع المركب كان التأخر على الاستحباب؛لثبوته على المختار ثمة،و يحمل الأخبار هنا على الكراهة،كما حمل عليها نظيرها ثمة،أو على التقية؛لموافقتها سيّما الصحيحة الأخيرة لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى،و مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه،سيّما في المسألة.

التاسعة إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلّموا ثمَّ يتم

التاسعة:إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين جلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ بيده إليهم يمينا و شمالا ليسلّموا ثمَّ يتم هو ما بقي عليه،كما في الصحيحين (3).

ص:302


1- المنتهى 1:242،243.
2- انظر المغني و الشرح الكبير 2:37.
3- الأول:الفقيه 1:1193/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 1. الثاني:الكافي 3:7/382،الفقيه 1:1171/258،التهذيب 3:144/41،الاستبصار 1:1672/433،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.

فإن لم يدر ما صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه،كما في الصحيح (1).

و في رواية:إنه يقدّم رجلا منهم ليسلّم بهم (2).و حملها في المنتهى على الاستحباب (3).و جعلها الشيخ أحوط (4).و فيه إشكال؛لضعف السند،و عدم المقاومة لما مرّ.

و قريب منه القول بالتخيير كما قيل (5)،و تجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلّم بهم؛لعدم وضوح مستندهما،عدا الجمع بين النصوص للأول،و فيه ما مرّ،و القياس بصلاة الخوف للثاني،و لا حجة فيه.

ص:303


1- الفقيه 1:1194/262،الوسائل 8:377 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
2- التهذيب 3:145/41،الاستبصار 1:1673/433،الوسائل 8:378 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
3- المنتهى 1:381.
4- كما في التهذيب 3:41.
5- قال به صاحب الحدائق 11:220.
خاتمة في جملة من أحكام المساجد
اشارة

خاتمة :

في بيان جملة من أحكام المساجد و ذيّلت بها صلاة الجماعة لغلبة وقوعها فيها،فناسب ذكرها هنا و إن كان مبحث مكان المصلي-كما فعله جماعة (1)-أولى.

و فضل اتخاذها و الاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين،بل من ضروريات الدين منصوص به في الكتاب الكريم إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ [1] (2).

و في الصحيح:«من بنى مسجدا بنى اللّه تعالى بيتا له في الجنة» (3).

و في ذيله و غيره (4)الاكتفاء فيه بنحو مفحص قطاة أو تسوية أحجار.

و

يستحب أن تكون المساجد مكشوفة

يستحب أن تكون المساجد المتخذة مكشوفة غير مظلّلة على المشهور،كما في الصحيح:عن المساجد المظلّلة يكره المقام فيها؟ قال:«نعم،و لكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم،و لو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (5).

ص:304


1- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:231،و المحقق السبزواري في الذخيرة: 248،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:200.
2- التوبة:18.
3- الكافي 3:1/368،التهذيب 3:748/264،الوسائل 5:203 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 1.
4- الفقيه 1:704/152،الوسائل 5:204 أبواب أحكام المساجد ب 8 ح 2.
5- الكافي 3:4/368،التهذيب 3:695/253،الوسائل 5:207 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 2،بتفاوت.

و خصّ بعض المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش (1)؛ للصحيح الآخر المتضمن لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله له (2).و لا بأس به إن لم يفهم منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.

نعم في المرسل:«أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد،فيكسرها و يأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى» (3).

لكنه مع قصور سند يحتمل تقييد إطلاق الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقة،اللّهم إلاّ أن يمنع عموم الصحيح السابق لنحو العريش، بدعوى اختصاصه بحكم التبادر و العهد الخارجي بغيره،سيّما إذا لو حظ ذيله و ضمّ المرسل به،فالتخصيص غير بعيد إن لم يتسامح في المستحب و دليله،و إلاّ فالعموم أولى لاشتهاره.

و ربما يفهم من الحلّي التأمل في هذا الحكم من أصله،حيث نسبه إلى رواية و لم يفت به (4).

و أن تكون الميضاة و هي المطهرة للحدث و الخبث على أبوابها بلا خلاف؛للنبوي الخاصي:«و اجعلوا مطاهركم على أبواب

ص:305


1- كصاحب المدارك 4:391.
2- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205،أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
3- الفقيه 1:707/153،الوسائل 5:207 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 4.
4- السرائر 1:278.

مساجدكم» (1).

و في المنتهى و روض الجنان و غير هما (2):و لئلاّ يتأذى الناس برائحتها.

و في السرائر:و لا يجوز أن تكون داخلها (3).و هو حسن إن سبقت مسجدية محلّها،لا مطلقا،كما ذكره جماعة (4).

و يكره فيه الوضوء من البول و الغائط؛للصحيح (5).و ربما حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي،و لا وجه له بعد القول بثبوت الحقيقية الشرعية في أمثاله،مع فتوى الأكثر به.

و أن تكون المنارة مع حائطها على المشهور،و في النهاية:

لا يجوز في وسطها (6).و هو حسن إن تقدمت المسجدية على بنائها.

و في الخبر:«لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد» (7).

و استدل به في المنتهى على المطلب،و استحباب عدم تعليتها على الحائط (8)؛كما أفتى به الأكثر.

ص:306


1- التهذيب 3:702/254،الوسائل 5:231 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 3.
2- المنتهى 1:387،روض الجنان:234؛و انظر الذخيرة:249.
3- السرائر 1:279.
4- منهم:الشهيد في الذكرى:158،و المحقق السبزواري في الذخيرة:249.
5- الكافي 3:9/369،التهذيب 3:719/257،الوسائل 1:492 أبواب الوضوء ب 57 ح 1.
6- النهاية:109.
7- الفقيه 1:723/155،التهذيب 3:710/256،الوسائل 5:230 أبواب أحكام المساجد ب 25 ح 2.
8- المنتهى 1:387.

و في الدلالة على الأول نظر؛و لذا لم يستدل به عليه أحد،بل علّل بأن فيه التوسعة و رفع الحجاب بين المصلّين،و هو أيضا لا يخلو عن نظر.

و أن يقدّم الداخل يمينه و يخرج بيساره عكس المكان الخسيس كما قالوه؛للنص:«الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت و باليسرى إذا خرجت» (1).

و أن يتعاهد نعله و يستعلم حاله عند دخوله؛استظهارا للطهارة،و للمرتضوي:«تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم» (2).

و أن يدعو داخلا و خارجا بالمأثور في الموثق (3)و غيره (4).

و كنسها و خصوصا يوم الخميس و ليلة الجمعة؛للرواية:«من كنس المسجد يوم الخميس و ليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذرّ في العين غفر اللّه تعالى له» (5).

و الإسراج فيها ليلا؛للخبر:«من أسرج في مسجد من مساجد اللّه تعالى إسراجا لم يزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج» (6).

ص:307


1- الكافي 3:1/308،الوسائل 5:246 أبواب أحكام المساجد ب 40 ح 2.
2- التهذيب 3:709/255،الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 1.
3- التهذيب 3:744/263،الوسائل 5:245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 4.
4- التهذيب 3:745/263،الوسائل 5:245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 5.
5- الفقيه 1:701/152،التهذيب 3:703/254،ثواب الأعمال:31،أمالي الصدوق:15/405،الوسائل 5:238 أبواب أحكام المساجد ب 32 ح 1.
6- الفقيه 1:717/154،التهذيب 3:733/261،المقنع:27،المحاسن:88/57، الوسائل 5:241 أبواب أحكام المساجد ب 34 ح 1.

و لا يشترط تردّد المصلّين؛لإطلاق الفتوى و النص.

قيل:و لا يتوقف على إذن الناظر إذا كان من مال المسرّج،و إذا كان من مال المسجد اعتبر ذلك،و لو لم يكن ناظر استأذن الحاكم،فإن تعذّر جاز ذلك لآحاد المسلمين (1).

و إعادة ما استهدم بكسر الدال،و هو المشرف على الانهدام،فإنها في معنى عمارتها.

و يجوز نقض المستهدم خاصة

و يجوز نقض المستهدم منها خاصة ،بل قد يجب إذا خيف من ضرر الانهدام.

و لا يشترط في جوازه العزم على الإعادة؛لأن المقصود دفع الضرر، و إعادته مستحب آخر.

و يجوز النقض للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك و غيره (2)، لعموم ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [1] (3)و للصحيح المتضمن لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله به (4).

و تردّد فيه الشهيدان (5)،و ربما يفهم ميلهما إلى الجواز،قالا:و عليه فلا ينقض إلاّ مع الظن الغالب بوجود العمارة.

و كذا يجوز استعمال آلته من نحو الأحجار و الأخشاب في غيره

ص:308


1- المدارك 4:397.
2- المدارك 4:396؛و انظر المسالك 1:46.
3- التوبة:91.
4- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
5- الذكرى:157،روض الجنان:235.

من المساجد خاصة،إمّا مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة و نحوها،أو إذا استهدم و لم يتمكن من إعادته كما في السرائر و المنتهى (1)،لكن لم يذكر فيه الأخير قيدا.

و ذكر شيخنا في الروض و المسالك (2)جوازه مع استغنائه عنها،أو تعذر استعمالها فيه،أو كون الثاني أحوج،لكثرة المصلّين،حاكيا له عن الذكرى، قال:للمصلحة،و لأن المالك هو اللّه تعالى،و أولى بالجواز صرف غلّة وقفه على غيره بالشرط،و لا يجوز لغير ذلك.

و زاد في المسالك:و ليس كذلك المشهد،فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر،و لا صرف مال مسجد إليه مطلقا.

و التعليل الثاني مذكور في المنتهى،و هو كما ترى.

و في المدارك بعد نقله:إن للنظر في هذا الحكم من أصله مجالا، و المتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد؛لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين،فيجب الاقتصار عليه،نعم لو تعذر صرفه إليه أو علم استغناؤه عنه في الحال و المآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد و المشاهد،بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة،لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف،فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا، و ما على المحسنين من سبيل (3).انتهى.و وافقه في الذخيرة (4).

و هو حسن،إلاّ أن ما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما

ص:309


1- السرائر 1:279،المنتهى 1:389.
2- روض الجنان:235،المسالك 1:47.
3- المدارك 4:396.
4- الذخيرة:249.

يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعيّن محل نظر،بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله،مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف و نظره.

يحرم زخرفتها و نقشها بالصور

و يحرم زخرفتها أي نقشها بالذهب و نقشها بالصور مطلقا (1)، على ما ذكره الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و المنتهى و الشهيد في الذكرى (2)و علّلوه بأن ذلك لم يعهد في عهده صلّى اللّه عليه و آله و عهد الصحابة فيكون بدعة،و بالخبر:عن الصلاة في المساجد المصوّرة،فقال:«أكره ذلك و لكن لا يضرّكم اليوم،و لو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (3).

و هما كما ترى،لضعف الأول بما لا يخفى.و الثاني سندا،بل و دلالة، لأعمية الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده؛مع أن المنهي عنه فيه على تقدير تسليمه إنما هو الصلاة فيه،لا نفس التصوير،فتأمل.و مع ذلك فهو نصّ في نفي المنع الآن.

و بالجملة:فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى،نعم لا بأس بالكراهة مسامحة في أدلتها،و هو خيرة جماعة (4)،إلاّ أن نقول بحرمة التصوير في غير المساجد ففيها أولى.

و أن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك لأن الوقف للتأبيد و قد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها و عليه ف يعاد لو أخذ و كذا لو أخذ ملكا أو جعل طريقا.و لا خلاف في المقامين يعرف،و يفهم من روض

ص:310


1- أي:بالذهب أو غيره،ذات روح كانت الصورة أو غيرها.
2- الشرائع 1:127،الإرشاد 1:250،المنتهى 1:388،الذكرى:156.
3- الكافي 3:6/369،التهذيب 3:726/259،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 1.
4- منهم:الشهيد في الدروس 1:156،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:156،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:104.

الجنان (1).

و إدخال النجاسة فيها،و غسلها فيها لو تلوثت بها،إجماعا على الظاهر،المحكي في ظاهر الذكرى،و فيها بعد الحكم:قاله الأصحاب؛لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله:«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (2)و لأن كراهية الوضوء من البول و الغائط يشعر به،و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي،و الظاهر أن المسألة إجماعية؛و لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير مكان البول (3)؛ و لظاهر قوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [1] (4)و للأمر بتعاهد النعل.نعم الأقرب عدم تحريم إدخال نجاسة غير ملوثة للمسجد و فرشه؛للإجماع على جواز دخول الصبيان و الحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا،و قد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح و السلس و المستحاضة مع أمن التلويث (5).

و على منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض،غير أنه لم يدّع الإجماع على أصل الحكم،و جعل ما استقربه من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر (6).

و لعلّه كذلك بين المتأخرين،بل لم أقف فيهم على مخالف،فلعلّه عليه عامتهم،كما صرّح به بعضهم (7)،مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه،فلا بأس به.

ص:311


1- روض الجنان:238.
2- الوسائل 5:229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
3- الملهوف على قتلى الطفوف:6،الوسائل 3:405 أبواب النجاسات ب 8 ح 5.
4- التوبة:28.
5- الذكرى:157.
6- روض الجنان:238.
7- مفاتيح الشرائع 1:105.

و إن كان المنع مطلقا أحوط؛لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي (1)،و قوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة و إن اختصت بالمشركين خاصة،لظهورها في أن علّة المنع هي النجاسة،و هي جارية في مفروض المسألة،و نحوها الرواية النبوية و إن كانت مرسلة،لأنها بموافقتها لها منجبرة،و هما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث و عدمه.

و ليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق فيها الإجماع و كانت محل النزاع؛لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية و الرواية.و تتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف و البحث،اللهم إلاّ أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها،و هو في غاية القوة.

مع إمكان المناقشة في دلالة الآية و الرواية:

أما الأولى فلعدم معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح،و لا يتم دلالتها إلاّ بالثاني،و هو غير معلوم،بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله،و تعيينه بتفريع«فلا يقربوا»عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين،فلا ينافيه،فتأمل.

و أما الثانية فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة،مع أنها ضعيفة السند،و الآية بعد المناقشة في دلالتها أيضا لا تصلح للجبر.

و حيث ضعف الاستناد إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع،و ليس في مفروضنا لا محقّقا و لا محكيا،عدا إجماع الحلّي.

و في الخروج بمجرده عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر،بل عامة من

ص:312


1- حكاه عنه في الذخيرة:250.

تأخر كما مرّ نظر،مع أنه معارض بنقل الشهرة في روض الجنان على خلافه بقول مطلق،و هي و إن لم تصلح للحجية إلاّ أنها موهنة للإجماع المحكي إذا كانت محققة فكذا إذا كانت منقولة،و سيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محقّقة،و بظن الاستقراء المتقدم إليه الإشارة،فمختار المتأخرين في غاية القوة.

و إخراج الحصى منها و يعاد إليها أو إلى غيرها من المساجد لو أخرج كما في الخبر:«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها أو في مسجد آخر،فإنها تسبّح» (1).

و ظاهره و إن أفاد وجوب الردّ المستلزم للمنع عن الإخراج فحوى،مع عدم القائل بالفرق،و عليه الفاضلان هنا و في الشرائع و الإرشاد و الشهيدان في اللمعة و روض الجنان (2)،إلاّ أنه ضعيف السند،فلا يمكن الخروج به عن الأصل.نعم،لا بأس بالكراهة،كما عليه جماعة منهم أكثر هؤلاء في المعتبر و التحرير و المنتهى و الدروس و الذكرى (3)،حاكيا لها عن الشيخ أيضا،مسامحة في أدلّتها.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين ما لو كان جزءا من المسجد أو آلاته أو قمامة.

خلافا لجماعة فقيّدوه بالأول (4)؛و لعلّه للجمع بين النصوص هنا و ما مرّ

ص:313


1- الفقيه 1:718/154،التهذيب 3:711/256،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:232 أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4.
2- الشرائع 1:128،الإرشاد 1:250،اللمعة(الروضة البهية 1):219،روض الجنان: 238.
3- المعتبر 2:452،التحرير 1:54،المنتهى 1:388،الدروس 1:156،الذكرى:156.
4- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:238،و صاحب المدارك 4:398،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:201.

في استحباب الكنس.و في تعيينه نظر؛لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى،فتأمل جدّا.

تكره تعليتها و أن تشرّف

و تكره تعليتها اتباعا لسنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله،فإنّ مسجده كان قامة،كما في الصحيح (1)و أن تشرّف أي يعمل لها شرف بضم الشين و فتح الراء،جمع شرفة بسكون الراء،و المراد بها ما يجعل في أعلى الجدران؛ للخبر:«إن المساجد لا تشرّف بل تبنى جمّا» (2).

أو تجعل محاريبها داخلة في الحائط كثيرا كما ذكره جماعة (3)،أو (4)في المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية:«كان عليه السلام يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد و يقول:كأنها مذابح اليهود» (5).

و ينبغي تقييدها بسبقها على المسجدية،و إلاّ حرمت،كما صرّح به في روض الجنان (6).

أو تجعل طرقا على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد و إلاّ فيحرم، و في حديث المناهي المروي في الفقيه:«لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلّوا فيها ركعتين» (7).

ص:314


1- الكافي 3:1/295،التهذيب 3:738/261،معاني الأخبار:1/159،الوسائل 5:205 أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1.
2- الفقيه 1:709/153،التهذيب 3:697/253،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:215 أبواب أحكام المساجد ب 15 ح 2.
3- منهم الشهيدان في الذكرى:156،و المسالك 1:47.
4- في غير«ح»:و.
5- الفقيه 1:708/153،التهذيب 3:696/253،علل الشرائع:1/320،الوسائل 5:237 أبواب أحكام المساجد ب 31 ح 1.
6- روض الجنان:236.
7- الفقيه 4:1/2،الوسائل 5:293 أبواب أحكام المساجد ب 67 ح 1.
يكره فيها البيع و الشراء،و تمكين المجانين و إنفاذ الأحكام و تعريف الضوالّ و إقامة الحدود

و يكره فيها أيضا البيع و الشراء،و تمكين المجانين و الصبيان و إنفاذ الأحكام و تعريف الضوالّ و إقامة الحدود و رفع الصوت؛للنهي عنها في المرسل (1)و غيره،و فيه بعد النهي عن رفع الصوت:إلاّ بذكر اللّه تعالى (2)، قيل:لحسن رفع الصوت بالأذان و التكبير و الخطب و المواعظ و إن كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه،و معه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة،فإن المشهور كراهة الرفع مطلقا و إن كان في القرآن،للأخبار المطلقة (3).

و ربما يقيّد الصبي بمن لا يوثق به،أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على التنزه عن النجاسات و أداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه،و ذكر هذا التقييد شيخنا في روض الجنان عن بعض الأصحاب ساكتا عليه،و لا بأس به.

و استدل فيه على كراهة إنفاذ الأحكام-زيادة على النص-بما فيه من الجدال و التخاصم و الدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان (4).

لكن ظاهره عدم الكراهة،كما صرّح به جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف و الحلّي و الفاضل في المختلف (5)،قالوا:لأن أمير المؤمنين عليه السلام حكم في مسجد الكوفة و قضى بين الناس بلا خلاف،و دكّة القضاء إلى

ص:315


1- التهذيب 3:682/249،الخصال:13/410،علل الشرائع:2/114،الوسائل 5:233 أبواب أحكام المساجد ب 27 ح 1.
2- المستدرك 3:381 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
3- قال به العلامة المجلسي في البحار 80:349.
4- انظر روض الجنان:236.
5- الخلاف 2:589،الحلي في السرائر 1:279،المختلف:690.

يومنا هذا معروفة،و لأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها،لأن وضعها للطاعة، و حملوا الرواية على وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.

و إنشاد الشعر و قراءته؛للنبوي الخاصي الناهي عنه الآمر بأن يقال للمنشد:فضّ اللّه فاه (1).

و روي نفي البأس عنه في الصحيح (2)،و يحمل على الرخصة جمعا.

قال في الذكرى:ليس ببعيد حمله على ما يقلّ منه و يكثر منفعته،كبيت حكمة،أو شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و شبههما؛لأنه من المعلوم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان ينشد بين يديه البيت و الأبيات من الشعر في المسجد و لم ينكر ذلك (3).

و ألحق بعض الأصحاب به ما كان منه موعظة أو مدحا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أو مرثية للحسين عليه السلام أو نحو ذلك؛لأنه عبادة و لا ينافي الغرض المقصود من المساجد (4).

و لا بأس بذلك كلّه وفاقا لجماعة من المتأخرين (5)؛لذلك،مع احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الإشعار يومئذ الخارجة عن هذه الأساليب، و للصحيح:عن إنشاد الشعر في الطواف،فقال:«ما كان من الشعر لا بأس به

ص:316


1- الكافي 3:5/369،التهذيب 3:725/259،الوسائل 5:213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
2- التهذيب 3:683/249،قرب الإسناد:1143/289،الوسائل 5:213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.
3- الذكرى:156.
4- جامع المقاصد 2:151.
5- منهم:صاحب المدارك 4:402،و العلامة المجلسي في البحار 80:364،و صاحب الحدائق 7:289.

فلا بأس به» (1).

و عمل الصنائع للصحيح الناهي عن سلّ السيف و بري النبل فيه، معلّلا بأنه بني لغير ذلك (2)،و نحوه في التعليل غيره (3)؛و هو دليل العموم و إن اختص المورد ببعض أفراده،مع أنه نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (4)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

و ذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف العبادة و إلاّ فالحرمة (5)، و هو كذلك.

و النوم فيها من غير ضرورة،قال في الذكرى:قاله الجماعة (6).

مشعرا بدعوى الإجماع،و تردّد فيه لولاه،و لعلّه لعدم دليل عليه،إلاّ ما قيل من رواية ضعيفة السند و الدلالة (7)،معارضة بأقوى منها سندا ناف للبأس عنه فيما عدا المسجدين (8)و لذا قيل بالكراهة فيهما خاصة (9)،مع أن في جملة من

ص:317


1- التهذيب 5:418/127،الاستبصار 2:784/227،الوسائل 13:402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.
2- الكافي 3:8/369،التهذيب 3:724/258،الوسائل 5:217 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 1.
3- علل الشرائع:1/319،الوسائل 5:218 أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 3.
4- الذكرى:157.
5- منهم:الشهيد الثاني في روض الجنان:237،و صاحب المدارك 4:403،و المحقق السبزواري في الذخيرة:250.
6- الذكرى:157.
7- الكافي 3:15/371،التهذيب 3:722/258،الوسائل 7:233 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 3.
8- الكافي 3:11/370،التهذيب 3:721/258،الوسائل 5:219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 2.
9- انظر المدارك 4:403.

النصوص نفيه فيهما أيضا (1)،فغير هما أولى،لكنها محتملة للاختصاص بحال الضرورة كما يشهد به سياقها.

و مع ذلك فالكراهة مطلقا أولى،بناء على التسامح في أدلتها،و الاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء،مع احتمال كونها إجماعا كما يفهم من الذكرى،و تحمل الروايات النافية للبأس على نفي الحرمة أو تأكد الكراهة،أو الضرورة كما عرفته.

هذه (2)في المطلق منها،و يحمل المفصّل منها بين المسجدين و غير هما على تفاوت مراتب الكراهة شدّة و ضعفا،كلّ ذلك جمعا.

و دخولها و في الفم رائحة مؤذية من نحو رائحة البصل أو الثوم أو الكراث؛للنصوص المستفيضة (3).

و يتأكد في الثوم حتى ورد:«أعد كلّ صلاة صلّيتها ما دمت تأكله» (4)و حمله الشيخ على الكراهة المغلّظة،قال:بدلالة الأخبار الأوّلة و الإجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب الإعادة (5).

و كشف العورة مع أمن المطّلع،قالوا:لمنافاته التعظيم.

و يكره أيضا كشف السرّة و الفخذ و الركبة،وفاقا لجماعة (6)،بل عن ظاهر النهاية القول بالحرمة (7)؛للنبوية القائلة إن كشفها فيه من العورة (8).

ص:318


1- الوسائل 5:219 أبواب أحكام المساجد ب 18 ح 1،4،5.
2- أي:هذه المحامل.
3- الوسائل 5:226 أبواب أحكام المساجد ب 22.
4- التهذيب 9:419/96،الاستبصار 4:352/92،الوسائل 25:216 أبواب الأطعمة المباحة ب 128 ح 8.
5- راجع الاستبصار 4:92.
6- منهم:العلامة في المختلف:160،و الشهيد الثاني في روض الجنان:237،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:155.
7- النهاية:16.
8- التهذيب 3:742/263،الوسائل 5:244 أبواب أحكام المساجد ب 37 ح 1.

و يمكن درج المذكورات في العبارة،بأن يراد من العورة فيها ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة،لأنه أحد معانيها.

و قتل القمل،بل ينبغي دفنه في التراب،كما في الصحيح (1)و غيره (2)، و هما و إن لم ينصّا على الكراهة بل على دفنه في التراب خاصة،إلاّ أنهما مشعران بها،مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا (3).

و البصاق و في معناه التنخم فإن فعله ستره بالتراب للخبر (4).

و في آخر:«من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه تعالى يوم القيامة ضاحكا و أعطاه كتابه بيمينه» (5).

و في ثالث:«من تنخع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداء في جوفه إلاّ أبرأته» (6).

و بمعناهما أخبار كثيرة (7).

الرابع:في صلاة الخوف و أحكامها

اشارة

الرابع:في صلاة الخوف و أحكامها و الأصل في شرعيتها مطلقا (8)-بعد إجماعنا و أكثر العامة-الكتاب و السنّة

ص:319


1- الكافي 3:4/367،الوسائل 7:275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 4.
2- الكافي 3:6/368،الوسائل 7:275 أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 5.
3- الذكرى:157.
4- المحاسن:58/320،الوسائل 5:224 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 4.
5- التهذيب 3:713/256،الاستبصار 1:1705/442،الوسائل 5:223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 2.
6- الفقيه 1:700/152،التهذيب 3:714/256،الاستبصار 1:1706/442،ثواب الأعمال:18،الوسائل 5:223 أبواب أحكام المساجد ب 20 ح 1.
7- الوسائل 5:221،223 أبواب أحكام المساجد ب 19،20.
8- أي حتى في حقّ غير النبي صلّى اللّه عليه و آله.منه رحمه اللّه.

المستفيضة،بل المتواترة،قال اللّه سبحانه وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [1] الآية (1)و هي مقصورة سفرا إذا كانت رباعية إجماعا و كذا حضرا مطلقا جماعة و فرادى على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا؛لإطلاق الآية المتقدمة في الجملة؛و قوله سبحانه؛ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ [2] (2)الآية.

لبناء التقصير فيه على و صفين:السفر و الخوف،فإمّا أن يكون كلّ منهما سببا مستقلا،أو لا،و عليه إمّا أن يكون المجموع هو السبب،أو أحد هما بشرط الآخر،لا سبيل إلى ما عدا الأول،لمخالفته بجميع شقوقه الإجماع،إلاّ اشتراط التقصير في الخوف بالسفر،و هو و إن لم يخالف الإجماع إلاّ أن تعيينه ترجيح من غير سبب،فتعيّن الأول،و عليه فيتم المطلب،كذا قيل (3)،و لا يخلو عن نظر.

و للصحيح:صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران جميعا؟قال:«نعم، و صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلة السفر الذي لا خوف فيه» (4).

و أظهر منه بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد آخر:«إذا جالت الخيل و تضطرب بالسيوف أجزأت التكبيرة» (5)لبعد الجماعة في هذه الحال.

ص:320


1- النساء:102.
2- النساء:101.
3- قال به الفاضل المقداد في التنقيح 1:280.
4- الفقيه 1:1342/294،التهذيب 3:921/302،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1 بتفاوت.
5- الكافي 3:1/457،التهذيب 3:913/300،الوسائل 8:445 أبواب صلاة الخوف ب 4 ح 7،و في الجميع:أجزأه تكبيرتان.

خلافا لنادر غير معروف-و إن حكاه الحلّي و الشيخ عن بعض الأصحاب في السرائر و الخلاف و المبسوط (1)-فلا تقصير إلاّ في السفر.

و للمبسوط و السرائر (2)،فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى.

و لا دليل على القولين عدا الأصل المخصّص بما مرّ،مع ندور هما، و لا سيّما الأول،و ربما أشعر بالإجماع على خلافه عبارة الخلاف و السرائر (3)، فلا شبهة في ضعفه كالثاني.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي جواز التقصير و إن تمكن من الصلاة بتمامها،و قيّده في الدروس بعدم التمكن (4)،و لعلّه لبعد انصراف الإطلاق بحكم التبادر و غيره إلى غيره،فيشكل الخروج بمجرّده عن الأصل المقطوع به، و لا بأس به.

و المشهور أن القصر هنا كما في السفر من ردّ الرباعيتن إلى الركعتين.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فالركعتين ينقص منهما واحدة (5)،كما في الصحيح (6)و غيره (7).

و هو نادر،و مستنده-مع عدم صراحته و احتماله الحمل على ما يؤول إلى الأول،أو التقية كما صرّح به جماعة (8)-عن المقاومة لما سيأتي من النصوص

ص:321


1- السرائر 1:346،الخلاف 1:637،المبسوط 1:163.
2- المبسوط 1:165،السرائر 1:348.
3- الخلاف 1:638،السرائر 1:346.
4- الدروس:1:214.
5- كما نقله عنه في المختلف:151.
6- الكافي 3:4/458،التهذيب 3:914/300،الوسائل 8:434 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 3.
7- الفقيه 1:1343/295،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 2.
8- منهم:صاحب المدارك 4:412،و المحقق السبزواري في الذخيرة:403،و صاحب الحدائق 11:268.

المستفيضة قاصر.

و إذا صلّيت هذه الصلاة جماعة و العدو في خلاف جهة القبلة و لا يؤمن هجومه أي العدو و أمكن أن يقاومه بعض و يصلّي مع الإمام الباقون جاز أن يصلّوا صلاة ذات الرقاع بلا خلاف.

في كيفيتها

و في كيفيتها روايتان مختلفتان أشهرهما رواية الحلبي الصحيحة عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال ما حاصله:

يصلّي الإمام في الثنائية بالأولى ركعة و يقوم في الثانية و يقومون معه فيمتثل (1)قائما حتى يتموا الركعة الثانية ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثمَّ تأتي الطائفة الأخرى فيقومون خلفه فيصلي بهم ركعة يعني الثانية ثمَّ يجلس و يطيل التشهد حتى يتم من خلفه ركعتهم الثانية ثمَّ يسلّم بهم و ينصرفون بتسليمة.

و في المغرب يصلّي بالأولى ركعة ثمَّ يقوم و يقومون و يقف في الثانية حتى يتموا الركعتين الباقيتين و يتشهدون و يسلّم بعضهم على بعض و ينصرفون و يقفون موقف أصحابهم ثمَّ يأتي الآخرون و يقفون موقف أصحابهم فيصلّي بهم ركعتين يقرأ فيهما و يجلس عقيب الثالثة و يتشهد حتى يتم من خلفه ثمَّ يسلّم (2).

و لا خلاف فيما تضمنته في الثنائية فتوى و رواية إلاّ ما سبق إليه الإشارة، و قد عرفت شذوذه،بل على خلافه الإجماع في عبائر جماعة كالخلاف و الناصرية

ص:322


1- في المصادر:«فيمثل»يقال:مثل بين يديه مثولا:أي:انتصب قائما بين يديه.مجمع البحرين 5:471.
2- الكافي 3:1/455،التهذيب 3:379/171،الاستبصار 1:1766/455،المقنع:39، الوسائل 8:436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 4.

و ظاهر المنتهى و غيره من كتب الجماعة (1)،و هو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين المشار إليهما في العبارة إن عمّمناهما فيها إليها،كما هو ظاهرها،و صرّح به في التنقيح أيضا (2)،لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة و هو الصلاة في جماعة،و على تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة،فيبعد التعميم في العبارة،و يكون المراد بالروايتين في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض الشارحين (3).

و الرواية الثانية فيها صحيحه أيضا متضمنة لعكس ما في الاولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الاولى و ركعة بالأخرى (4).

و لاختلافهما اختلف الأصحاب،فبين مقتصر على الاولى غير ذاكر للثانية أصلا و هم الأكثر على الظاهر،المصرّح به في الذكرى (5)(6)،و بين مخيّر بينهما كأكثر المتأخرين (7)،وفاقا لجماعة من القدماء (8).

و اختلف هؤلاء في الأفضل منهما،فالأكثر و منهم القدماء على أنّه الاولى،خلافا للتذكرة فالثانية (9)،وفاقا لبعض العامة العمياء (10).

ص:323


1- الخلاف 1:640 الناصرية(الجوامع الفقهية):203،المنتهى 1:401؛و انظر المدارك 4:415.
2- التنقيح الرائع 1:280.
3- التنقيح الرائع 1:281.
4- التهذيب 3:917/301،الاستبصار 1:1767/456،تفسير العياشي 1:257/272، الوسائل 8:436 أبواب صلاة الخوف ب 2 ح 2.
5- الذكرى:262.
6- في«م»زيادة:و المسالك(1:48).
7- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:347،صاحب المدارك 4:418.
8- منهم:الشيخ في المبسوط 1:164،و الحلبي في الكافي:146.
9- التذكرة 1:196.
10- انظر مغني المحتاج 1:303،و المغني لابن قدامة 2:262.

و الذي يقتضيه النظر تعيّن الاولى؛لكثرتها حتى ادعى العماني تواترها (1)،و صحة جملة منها،و اعتضادها بفتوى أكثر القدماء،مع كون جواز العمل بها مقطوعا به بين الفقهاء؛و لذا جعله الشيخ-رحمه اللّه-في الاقتصاد أحوط (2)،مع أنّ فى بعضها لراوي الثانية أيضا.

إلاّ أن ظاهر المنتهى (3)الإجماع على التخيير (4)،فلا يبعد المصير إليه جمعا،مع قيامه عليه شاهدا،إلاّ أن الاحتياط في العمل بالأولى،لحصول البراءة بها يقينا.

و احترز بقوله:و العدوّ في غير جهة القبلة،عمّا لو كان إلى جهتها.

و بقوله:لا يؤمن هجومه،عمّا لو أمن.

و بقوله:و أمكن أن يقاومه بعض إلى آخره،عمّا لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين.

فإنه لا يجوز هذه الصلاة في هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب،بل المقطوع به في كلامهم،على ما ذكره في المدارك في الأولى (5)،مشعرا بدعوى الإجماع،كما هو ظاهر المنتهى (6)،مع أنه حكى عن التذكرة الخلاف،لكنّه شاذ.

و لا ريب في الثانية؛لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها.

و كذا في الثالثة في الثنائية؛لتعذر التوزيع فيها،أما الثلاثية فقد قطع

ص:324


1- كما نقله عنه في المختلف:151.
2- الاقتصاد:270.
3- المنتهى 1:402.
4- في«م»زيادة:كما عن صريح الغنية(الجوامع الفقهية):561.
5- المدارك 4:414.
6- المنتهى 1:403.

الشهيدان بجواز هذه الصلاة بتفريق الطوائف ثلاث فرق و تخصيص كل فرقة بركعة (1).

و هو إنما يتم إذا جوّزنا الانفراد اختيارا،و إلاّ فالمتجه المنع؛لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم و ركعتين بالباقين،و بهذا التحقيق صرّح جماعة كصاحبي المدارك و الذخيرة (2).

و هل يجب على المصلّين أخذ السلاح و آلة الدفع من نحو السيف و الخنجر و السكّين،و ما يكنّ من نحو الدرع و الجوشن و المغفر؟ فيه تردّد و اختلاف بين الأصحاب،فبين من قال بالاستحباب كالإسكافي (3)،و نفى عنه البعد بعض المتأخرين (4)؛للأصل؛و قوة ورود الأمر به في الكتاب للإرشاد (5)،و بين من جعل أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض من ركوع أو سجود،و هم أكثر الأصحاب،بل عامتهم،عدا من مرّ؛عملا بظاهر الأمر؛و منع كونه للإرشاد بعدم عدم دليل عليه،و مجرد احتماله غير ضارّ.

و بفحواه يستدل على وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة،مضافا إلى توقف الحراسة الواجبة عليه،و هو خيرة الحلّي و غيره (6).

ص:325


1- الذكرى:263،المسالك 1:47.
2- المدارك 4:414،الذخيرة:402.
3- نقله عنه في المختلف:152.
4- كصاحب المدارك 4:420.
5- النساء:102.
6- الحلي في السرائر 1:347؛و انظر نهاية الإحكام 2:197.

و احترز بقوله:ما لم يمنع،عمّا لو منع فإنه لا يجب،بل لا يجوز إلاّ مع الضرورة فيجب.

هنا مسائل
اشارة

و هنا مسائل ثلاث:

الأولى إذا انتهى الحال إلى المسايفة أو المعانقة فالصلاة بحسب الإمكان

الأولى:إذا انتهى الحال في الخوف و القتال إلى المسايفة أو المعانقة أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف ف لا تسقط الصلاة بل تجب بحسب الإمكان واقفا أو ماشيا أو راكبا و يركع و يسجد مع الإمكان و لو على قربوس سرجه، و إلاّ يتمكن من شيء منهما أو أحد هما أتى بالممكن موميا.

و يستقبل في جميع صلاته القبلة ما أمكن و إلاّ فبحسب الإمكان في بعض الصلاة و إلاّ ف بتكبيرة الإحرام إن أمكن و إلاّ سقط الاستقبال.

و لو لم يتمكن من الإيماء للركوع و السجود اقتصر بعد نية الصلاة على تكبيرتين عن الصلاة الثنائية و على ثلاث تكبيرات عن الصلاة الثلاثية.

و بالجملة:اقتصر عن كل ركعة بما فيها من الأفعال و الأذكار بتكبيرة.

و صورتها أن يقول في كل واحدة:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر فإنه يجزى عن القراءة و الركوع و السجود بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1)، و الصحاح بها مستفيضة،مؤيدة بغيرها من المعتبرة،لكنها قاصرة عن إفادة التفضيل المذكور في عبائر الجماعة من وجوب الإتيان بالواجبات و الشروط بحسب الإمكان،و إلاّ فما دون،و إلاّ فالسقوط.إلاّ أنه جاء بعد الإجماع ممّا

ص:326


1- منهم ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):561،و صاحب المدارك 4:422، و المحقق السبزواري في الذخيرة:404،و صاحب الحدائق 11:288.

دلّ عيل أن:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1).

مع أن في الصحيح:«يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة» (2).

و هو صريح في وجوب الاستقبال في التكبيرة مع الإمكان،فكذا في غيرها،لعدم قائل بالفرق بينهما.و لا ينافيه تصريحه بعدم الوجوب في غيرها؛ لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم الإمكان فيه.

و بنحوه يجاب عن إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال و نحوه من الواجبات،بحملها على الغالب أيضا،كما يحمل الأمر بالاستقبال في التكبيرة فيه على صورة الإمكان بالاعتبار و الإجماع.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النصوص و أكثر الفتاوي إجزاء التكبيرة مع تعذر الإيماء عن الركعة بما فيها من الأفعال و الأذكار حتى تكبيرة الإحرام و التشهد و التسليم،خلافا لجماعة فاستثنوا الثلاثة (3)،و هو أحوط و إن لم يظهر له وجه، كما صرّح به جمع ممّن تأخر (4).

و اعلم:أن ما ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي عثرت عليها في المسألة،بل المستفاد من بعضها إجزاء مجردها (5)،و من آخر التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء (6)،و بذلك اعترف جماعة و منهم

ص:327


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- الكافي 3:6/459،الفقيه 1:1348/295،التهذيب 3:383/173،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
3- كالعلامة في القواعد 1:48،و التحرير 1:55،و الشهيدين في الذكرى:265،و الروض: 382.
4- منهم:صاحب المدارك 4:423،و المحقق السبزواري في الذخيرة:404.
5- التهذيب 3:916/300،الوسائل 8:446 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 4 ح 9.
6- الكافي 3:2/457،التهذيب 3:384/173،و في تفسير العياشي 1:257/272 عن زرارة و محمد بن مسلم،الوسائل 8:445 أبواب صلاة الخوف و المطارة ب 4 ح 8.

الشهيد في الذكرى (1)،لكن استجود تعيّن ما ذكروه،للإجماع على إجزائه، و عدم تيقن الخروج من العهدة بدونه.

و لا ريب أنه أحوط،بل متعيّن إن لم نكتف في إثبات صحة العبادة بالإطلاقات،و إلاّ فيقين البراءة لعلّه يحصل بها،إلاّ أن يشكك فيها بتظافر الفتاوي على تقييدها،مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان فيها بتظاهر الفتاوي على تقييدها،مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان كيفيتها،فلا عبرة بها فيها،سيّما مع ورود نظائر هذه النصوص في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية مع الإجماع على وجوب الكيفية المخصوصة هنا ثمة،فتأمل جدّا.

الثانية كل أسباب الخوف يجوز معها القصر

الثانية:كل أسباب الخوف يجوز معها القصر في العدد بردّ الرباعيات (2)إلى ركعتين و في الكيفية ب الانتقال من الركوع و السجود إلى الإيماء لهما مع الضيق و عدم التمكن من الإتيان بهما و الاقتصار على التسبيح بالنهج السابق إن خشي الضرر مع الإيماء و لو كان الخوف من لصّ أو سبع أو نحو هما على المشهور،بل في المعتبر:إن عليه فتوى علمائنا (3)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه؛و هو الحجة.

مضافا في الأول إلى إطلاق الصحيح،بل عمومه:قلت له:صلاة الخوف و صلاة السفر تقصيران جميعا؟قال:«نعم،و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه» (4)و في الأحقية التي نبّه عليها عليه

ص:328


1- الذكرى:264.
2- في غير«ح»:الرباعيتين.
3- المعتبر 2:461.
4- الفقيه 1:1342/294،التهذيب 3:921/302،الوسائل 8:433 أبواب صلاة الخوف ب 1 ح 1.

السلام مع ترك الاستفصال عن أسباب الخوف دلالة واضحة على ما ذكرنا.

و قريب منه الصحيح:«الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته» (1)و صلاة المواقفة قصر في الكمية و الكيفية،فكذا صلاة الخائف منهما،بل و من غيرهما أيضا؛لعدم القائل بالفرق بينهما، و قوله:«إيماء على دابته»لا يقتضي حصر الشركة فيه،فتدبر.

و قريب منهما آخر،أو موثق قريب منه سندا؛عن قوله اللّه عز و جل:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً [1] (2)كيف يصلّي،و ما يقول؟إن خاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟قال:«يكبّر و يومئ برأسه إيماء» (3)لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين حالا،فتأمل جدا.

و في الثاني إلى فحوى هذه الصحاح أو ظاهرها،بل صريح أخيرها، و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و في الثالث إلى الصحيح في الفقيه،قال:«و قد رخّص في صلاة الخوف من السبع إذا خشية الرجل على نفسه أن يكبّر و لا يومئ»رواه محمد بن مسلم عن أحد هما عليهما السلام (4).و أخصّيته كسابقيه من المدّعى تجبر بما مضى.

خلافا للمنتهى فتردّد في الأول بعد أن حكى المنع عنه عن بعض أصحابنا (5)،و لعلّه الحلّي في السرائر فقد صرّح بذلك فيه (6)،و مال إليه

ص:329


1- الفقيه 1:1348/295،التهذيب 3:383/173،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 8.
2- البقرة:239.
3- الكافي 3:6/457،التهذيب 3:912/299،الوسائل 8:439 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 1.
4- الفقيه 1:12348/295،الوسائل 8:441 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 5.
5- المنتهى 1:405.
6- السرائر 1:348.

جماعة من متأخري المتأخرين (1)؛اقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الإتمام على المتقين نصّا و فتوى،و ليس إلاّ قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون نحو السبع.

و يضعّف:بما ذكرنا من الإجماع المنقول،المعتضد بالصحاح و الشهرة العظيمة بين الأصحاب،و إن كان الإنصاف أن دلالة الصحاح لا تخلو عن شيء لا تطمئن معه النفس في الاستدلال بها لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة،بل عدم الخلاف إلاّ من نحو الحلّي،و هو شاذ؛مضافا إلى إشعار تعليق الحكم بالوصف في الآية و الرواية بالعلّية؛مع قوة ظهور الصحيحة الاولى بل الثانية أيضا.

الثالثة الموتحل و الغريق يصليان بحسب الإمكان

الثالثة:الموتحل و الغريق يصليان بحسب الإمكان فيصلّيان إيماء عن الركوع و السجود مع عم التمكن منهما و لا يقصر أحد هما عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف بلا خلاف في شيء من ذلك.

استنادا في الأول إلى الاستقراء الكاشف عن لزومه (2)حيثما يتعذر مبدله.

و في الثاني إلى الأصل الدال على لزوم التمام إلاّ ما خرج بالدليل، و ليس إلاّ صورة الخوف و السفر المنفيين في محل الفرض.

نعم،لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق و رجا عند قصر العدد السلامة و ضاق الوقت اتّجه القصر،كما استظهره في الذكرى (3)،و استحسنه في

ص:330


1- منهم:صاحب المدارك 4:425،و المحقق السبزواري في الذخيرة:405،و صاحب الحدائق 11:292.
2- أي:الإيماء.
3- الذكرى:264.

روض الجنان،قال:نظرا إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى،لكن في سقوط القضاء بذلك نظر،لعدم النص على جواز القصر هنا،و وجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مرّ،قال:و الحاصل أن علّية مطلق الخوف توجب تطرّق القصر إلى كل خائف،قال:و وجهه غير واضح،إذ لا دليل عليه، و الوقوف على المصوص عليه بالقصر أوضح (1).انتهى.

و اعترضه جملة من الفضلاء:بأن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب القضاء؛لأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء،و الحكم بوجوب القضاء إنما يكون عند عدم الأداء،و أيضا:الحكم بوجوب القصر محل تأمل، و ما علّل به ضعيف؛إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز فعلها مقصورة (2).

انتهى.

و هو حسن،إلاّ ظاهر هم الإذعان له فيما ذكره من عدم دليل على القصر في مطلق الخوف،مع أن الصحيحة الأولى في المسألة السابقة دليل عليه و لو عموما كما مضى،و كذلك عبائر الفقهاء و منها عبارة الماتن التي ادعى الإجماع فيها،فقوله:و الوقوف على المنصوص عليه بالقصر أوضح،ممنوع إن أراد به المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص،و مسلّم إنّ أراد بالمنصوص عليه ما يعمّ المنصوص و لو بالعموم؛لما عرفت من أنه موجود.

و اعلم:أن ظاهر الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر (3).

و هو حسن إن اعتبره في مطلق صلاة الخوف،و به صرّح الرضوي في صلاة الخائف من اللصّ و السبع (4)،و هو الأوفق بالأصول،و عليه المرتضى في

ص:331


1- روض الجنان:382.
2- المدارك 4:426،الذخيرة:405،و انظر مجمع الفائدة 3:353.
3- انظر الذكرى:266.
4- فقه الرضا(عليه السلام):148،المستدرك 6:519 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 2.

مطلق صلاة ذوي الأعذار (1).

و لكن المشهور عدمه مطلقا؛للإطلاقات،فتوى و نصا،كتابا و سنّة هنا، سيّما الصحيحة المتقدمة الدالّة على اتحاد صلاتي السفر و الخوف فحوى،مع الإجماع على عدم اشتراط الضيق في الاولى،و يشكل إن خصّه بالمقام،لعدم دليل عليه.

ص:332


1- نقله عنه صاحب الحدائق 11:293.

الخامس في صلاة المسافر

اشارة

الخامس من التوابع:

في بيان أحكام صلاة المسافر التي يجب قصرها كمية.

و النظر فيه تارة في الشروط،و اخرى في أحكام القصر.

الشروط خمسة
اشارة

أما الشروط ف هي خمسة.

الأول المسافة

الأول:المسافة بإجماع العلماء كافة،كما حكاه جماعة (1)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة،بل متواترة.

و هي أربعة و عشرون ميلا بإجماعنا و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة و إن اختلفت في التأدية،فبين مؤدّ بما في العبارة كالصحيحين (2)و الحسنين (3).

و ببريدين أو بياض يوم كالصحيح (4)،و مثله في ذكر الثاني أحد الصحيحين،و في ذكر الأول أحد الحسنين.

و بمسيرة يوم كالصحيح (5)،و الموثق،و فيه:«إن ذلك بريدان ثمانية

ص:333


1- منهم:العلاّمة في نهاية الإحكام:2:168،و المنتهى 1:389،و صاحبا المدارك 4:428 و الحدائق 11:298.
2- الأول:الفقيه:1:1266/278،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 4. الثاني:التهذيب 4:649/222،الوسائل 8:455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
3- الأول:الفقيه 1:1269/279،التهذيب 3:493/207،الاستبصار 1:787/223،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3. الثاني التهذيب 4:647/221،الاستبصار 1:788/223،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 14.
4- التهذيب 4:651/222،الاستبصار 1:789/223،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 11.
5- التهذيب 3:503/209،الاستبصار 1:799/225،الوسائل 8:455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

فراسخ» (1).

و بثمانية فراسخ كما فيه و في أحد الصحيحين،و[في] (2)غير هما القريب منهما سندا:«إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر؛ لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم» (3).

و يستفاد منها كغيرها أن الجميع واحد.

و أما ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم و ليلة كما في الصحيح (4)،أو ثلاثة برد كما في آخر (5)،أو مسيرة يومين كما في الخبر (6)،فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه شتى محمولة على التقية،فإن بكل منها قائلا من العامة كما حكاه بعض الأجلة (7).

و الميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور بين الناس و المتعارف بينهم،و عزاه الحلّي إلى بعض اللغويين (8)،و في القاموس دلالة عليه أيضا

ص:334


1- التهذيب 3:492/207،الاستبصار 1:786/222،الوسائل 8:453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
3- الفقيه 1:1320/290،علل الشرائع:9/266،عيون الأخبار 2:1/111،الوسائل 8:451 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
4- الفقيه 1:1305/287،الوسائل 8:452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 5.
5- التهذيب 3:504/209،الاستبصار 1:800/225،الوسائل 8:454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 10.
6- التهذيب 3:505/209،الاستبصار 1:801/225،الوسائل 8:453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 9.
7- صاحب الحدائق 11:300.
8- السرائر 1:328.

و عزاه إلى المحدّثين (1)،كالأزهري فيما حكي (2)،مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه،و في المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب (3)،و في غيره لا خلاف فيه بينهم يعرف (4).

أو قدر مدّ البصر من الأرض تعويلا على الوضع اللغوي المستفاد من الصحاح و غيره (5).

و ربما يفهم من العبارة و نحوها التردد في التفسير الأول حيث نسبه إلى الشهرة،و الثاني إلى أهل اللغة.

و يضعّف:بأن المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية و العادية،لا الفتوائية، حتى يفهم منها التردد في المسألة،و حينئذ فتقديمه على اللغة ذكرا يقتضي ترجيحه عليها،كما صرّح به في التنقيح،فقال:و المصنف ذكر التقديرين معا، و قدّم العرفي على اللغوي،لتقدمه عليه عند التعارض،كما تقرّر في الأصول (6).

و قال بعض مشايخنا:و إنما نسبه إلى الشهرة تنبيها على مأخذ الحكم، بناء على أن الرجوع إليها في موضوعات الأحكام و ألفاظها من المسلّمات.

أقول:و حيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه و إن ورد في النصوص ما يخالفه:من التقدير بألف و خمسمائة ذراع (7)،أو ثلاثة آلاف

ص:335


1- القاموس المحيط 4:54.
2- لم نعثر عليه في تهذيب اللغة؛نعم،قاله الفيّومي في المصباح المنير:588،و يحتمل وجود النسبة إلى الأزهري في بعض نسخ المصباح كما نبّه عليه صاحب الجواهر 14:199.
3- المدارك 4:430.
4- كما في الحدائق 11:301.
5- الصحاح 5:1823؛و انظر تهذيب اللغة 15:396.
6- التنقيح الرائع 1:285.
7- الفقيه 1:1303/286،الوسائل 8:461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

و خمسمائة ذراع (1)،مع ضعف سندهما و مهجوريتهما و لا سيّما الأول.

و قدّر في المشهور الذراع بأربع و عشرين إصبعا،و الإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر،و قيل:ستّ (2)،و لعل الاختلاف بسبب اختلافها.

و عرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

و ضبط مدّ البصر في الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.

و لو وافق أحد هذين التقديرين المسير في بياض اليوم المعتدل قدرا و زمانا و مكانا على الأقوى فذاك،و إلاّ ففي ترجيحهما عليه كما عليه الشهيد الأول في الذكرى (3)،أو العكس كما عليه الثاني في روض الجنان و غيره (4)،أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيّهما حصل أوّلا كما عليه سبطه (5)،أوجه و أقوال، و الاحتياط واضح.

و ذكر جماعة (6)أن مبدأ التقدير من آخر خطّة البلد في المعتدل،و آخر محلّته في المتسع.

و لا ريب في الأول؛لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى و النص.

و لعلّ الوجه في الثاني عدم تبادره من الإطلاق،فيرجع إلى المتبادر منه، كما يرجع في إطلاق الوجه مثلا غير مستوي الخلقة إلى مستويها،لكونه

ص:336


1- الكافي 3:3/432،الوسائل 8:460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.
2- المصباح المنير:588.
3- الذكرى:259.
4- روض الجنان:383؛و انظر الذخيرة:407.
5- المدارك 4:432.
6- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 1:482،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:366،و صاحبا المدارك 4:432،و الحدائق 11:305؛و انظر المسالك 1:49.

المتبادر دونه.لكن إطلاق التحديد بآخر المحلّة مشكل،بل ينبغي تقييده بما إذا وافق آخر البلد المعتدل تقديرا،فتأمل جدّا.

و ربما قيل بأن المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر (1).

و لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر،إلاّ إذا تراخى الزمان كثيرا بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفا،كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة فقد جزم في الذكرى بعدم الترخص (2).و لا بأس به؛عملا بالأصل،و اقتصارا فيما خالفه على المتبادر من إطلاق الفتوى و النص،و ليس إلاّ ما صدق معه السفر في العرف.

و البحر كالبرّ في جواز القصر مع بلوغ المسافة بالأذرع و إن قطعت في ساعة،كما صرّح به جماعة و منهم المنتهى قائلا إنه لا يعرف في ذلك خلافا (3).

و إنما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البيّنة،و مع الشك يتم بلا خلاف أعرف،و به صرّح في الذخيرة (4)؛عملا بالأصل،و في وجوب الاعتبار معه وجهان.

و لو صلّى قصرا حينئذ أعاد مطلقا و لو ظهر أنه مسافة؛لأن فرضه التمام و لم يأت به،و ما أتى به لم يؤمر به.

و لو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمَّ ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ و إن قصر الباقي عن مسافة.و لا يجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك؛لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.

و لو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم،و إن عكس

ص:337


1- انظر الذخيرة:407.
2- الذكرى:258.
3- المنتهى 1:390.
4- الذخيرة:407.

لعلّة غير الترخيص قصر إجماعا،كما في التذكرة و الذخيرة (1)،و كذا لعلّته على الأظهر الأشهر،بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه.

خلافا للقاضي فيتم؛لأنه كاللاهي بصيده (2).

و لا ريب في ضعفه؛لأن السفر بقصد الترخيص غير محرّم قطعا كما يقتضيه إطلاق النص و الفتوى،و القياس فاسد عندنا سيّما إذا كان مع الفارق كما هنا.

و لو كانت المسافة أربعة فراسخ فصاعدا دون الثمانية و أراد الرجوع ليومه أو لليلته أو الملفّق منهما،مع اتصال السير عرفا،دون الذهاب في أول أحد هما و العود في آخر الآخر،على ما صرّح به.جمع ممن تأخر (3)من غير خلاف بينهم و لا من غيرهم يظهر قصّر وجوبا على الأشهر الأقوى،و عن ظاهر الأمالي أنه من ديننا (4)،مشعرا بكونه إجماعا.

و به نصّ الرضوي:«فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصرت،لأن ذهابك و مجيئك بريدان»إلى أن قال:«فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار،فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت» (5).

و قريب منه النصوص المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،منها:عن

ص:338


1- التذكرة 1:188،الذخيرة:407.
2- المهذّب 1:107.
3- منهم:العلامة في المنتهى 1:390،و الفاضل المقداد في التنقيح 1:285،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:511،الشهيد في الذكرى:259.
4- أمالي الصدوق:514،510.
5- فقه الرضا(عليه السلام):159،المستدرك 6:528،529 أبواب صلاة المسافر ب 2،3 ح 1،2.

التقصير،فقال:«بريد ذاهبا و بريد جائيا،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا (1)قصر،لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» (2).

و هو كالنص في وجوب التقصير؛لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعا.

و نحوه الموثق المعلّل له بأنه إذا ذهب بريدا و آب بريدا فقد شغل يومه (3).

و بهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية و الصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة،بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية و الإيابية،و تقييد الأربعة بها لا مطلقا و إن كان (4)متبادرا منها،كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأوّلة،لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلّة.

خلافا للشهيدين و غيرهما من المتأخرين (5)،فلم يوجبوا القصر و خيروا بينه و بين التمام،وفاقا للتهذيب (6)؛جمعا بين أخبار الثمانية و الأربعة المطلقة و الملفقة،بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقا (7)،و تقييد الأربعة المطلقة بالملفقة،لأخبارها،أو من غير تقييدها،ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية.

و لا شاهد له عليه مع إمكان الجمع بما مرّ،مع كونه أظهر؛لوضوح

ص:339


1- ذباب:جبل قرب المدينة على نحو من بريد.مجمع البحرين 2:58.
2- الفقيه 1:1304/287،الوسائل 8:461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14،15.
3- التهذيب 4:658/224،الوسائل 8:459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
4- أي الإطلاق.
5- الشهيد الأول في الذكرى:256،الشهيد الثاني في روض الجنان:384؛و انظر المدارك 4:437.
6- التهذيب 3:208.
7- أي:في كل من ظاهر امتداد الثمانية و وجوب القصر.منه رحمه اللّه.

الشواهد عليه،مضافا إلى شهرته،و ندرة القول بخلافه في القديم،إذ ليس إلاّ الشيخ في التهذيب،و هو على تقدير تسليم مخالفته قد رجع عنه و وافق المشهور في جملة من كتبه (1).

لكن بعض أخبار الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقا (2)،كالصحيح:

إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام،فأتمّ الصلاة أو أقصّر؟قال:«قصّر في الطريق و أتمّ في الضيعة» (3).

لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع فليطرح،أو يحمل على التخيير- و سيأتي الكلام فيه-أو على التقية،بمعنى حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة عليها،لعدم كونها بنفسها من القواطع عندنا،و إنما هو مذهب جماعة من العامة (4)،كما سيأتي إليه الإشارة إن شاء اللّه تعالى،فيرتفع المانع عن الحمل على التلفيق،فتدبّر.

و لا بدّ في القصر من كون المسافة المشترطة مقصودة و لو تبعا كالزوجة و العبد و الأسير مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكّنوا منه،أو عدم احتمالهم له لعدم ظهور أماراته.

فلو قصد ما دونها ثمَّ قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد أصلا فلا قصر مطلقا و لو تمادى في السفر و قطع مسافات عديدة؛بالنص (5)

ص:340


1- كما في النهاية:122،و المبسوط 1:141.
2- لا في يومه و لا في غيره.منه رحمه اللّه.
3- التهذيب 3:509/210،الاستبصار 1:811/229،الوسائل 8:496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4- انظر المغني لا بن قدامة 2:135.
5- انظر الوسائل 8:468 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1،3.

و الإجماع.نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ مسافة إجماعا؛لحصول الشرط، و خصوص الموثق:عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر،فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ،كيف يصنع في صلاته؟قال:«يقصّر و لا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله» (1).

و المراد يقصّر في رجوعه قطعا،كما أن المراد بالموثق الآخر:عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها،ثمَّ يخرج منها [فيسير]خمسة فراسخ أخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك،ثمَّ ينزل في ذلك الموضع،قال:«لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة» (2)الإتمام في الذهاب خاصة؛لما مضى.

و هل يضمّ إلى الرجوع ما بقي من الذهاب ممّا هو أقل من المسافة؟ أوجه،ثالثها:نعم إن بلغ الرجوع وحده المسافة،و إلاّ فلا،وفاقا لجماعة (3)؛ لصدق قصدها،و التلفيق لا مانع منه هنا،إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو ما حصل به نفس المسافة لا مطلقا،و هي في المقام من دونه حاصلة لكن ظاهر الأكثر المحكي عليه الإجماع (4)العدم مطلقا.

و يعتبر في هذا الشرط استمراره إلى نهاية المسافة،بلا خلاف فيه أجده، بل قيل:إنه إجماع (5)،و يفهم من جملة؛للمعتبرة،منها:الصحيح في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهارا:«إن كنت سرت في يومك بريدا لكان عليك

ص:341


1- التهذيب 4:663/226،الاستبصار 1:807/227،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.
2- التهذيب 4:661/225،الاستبصار 1:805/226،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3- مفاتيح الشرائع 1:25،و انظر البحار 86:62.
4- انظر الحدائق 11:330.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 3:369،و الذخيرة:407.

حين رجعت أن تصلي بالقصر؛لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك،و إن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير» (1).

و الخبر في منتظري الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة:«إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم،أقاموا أم انصرفوا،و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة،أقاموا أم انصرفوا» (2).

و في آخر:«إذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا،و ذلك أربعة فراسخ،ثمَّ بلغ فرسخين و نيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر،و إن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام،و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة» (3).

و ضعف السند غير مانع،كتضمن الصحيح و الأخير ما لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البداء كما في الأول،و تحديد المسافة بستة أميال و أنها فرسخان و تصريح صدره بأن التقصير في أربعة فراسخ؛لانجبار الأول بالشهرة، و الثاني غير قادح في حجية ما بقي.

و بنحوه يجاب عن تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة، و الأخير الأمر بإعادة الصلاة المقصورة بعد تغيّر النية مع أنه لا يقول بهما الأكثر، مع أن الأول محمول على التخيير كما يأتي،و الثاني على الاستحباب، للصحيح:«تمّت صلاته و لا يعيد» (4).

ص:342


1- التهذيب 3:909/298،الوسائل 8:469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
2- الكافي 3:5/433،الوسائل 8:466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
3- التهذيب 4:664/226،الاستبصار 1:808/227،الوسائل 8:457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.
4- الفقيه 1:1272/281،التهذيب 3:593/230،الاستبصار 1:809/228،الوسائل 8:521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

و حمله على خروج الوقت-كما في الاستبصار-ليس بأولى ممّا ذكرنا.

بل هو أولى؛لاعتضاده بالأصل،و اقتضاء امتثال الأمر الإجزاء،مضافا إلى الشهرة،و ضعف سند المعارض،و خلوّ ما ذكره من الحمل عن الشاهد،مع مضادّته لظاهر الصحيح السابق،و مع ذلك فقد(رجع عنه) (1)في النهاية (2).

و على هذا الشرط ف لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان و محل الرخصة ثمَّ توقّع رفقة لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتمّ.و إن جزم أو بلغ المسافة قصّر ما بينه و بين مضيّ شهر ما لم ينو المقام عشرة أيام،فيتم بعد النية،كما يتمّ بعد مضيّ الشهر،بلا خلاف ظاهر إلاّ من الذكرى في الثاني،فتنظّر فيه (3)،و تبعه بعض المعاصرين (4)؛معلّلا بأن مورد النص التردّد في المصر (5).و فيه نظر؛لأنه كثير،و بعضها و إن اختص به،إلاّ أن بعضا آخر منها ورد في التردد في الأرض بقول مطلق (6)،كما سيظهر.

و لو كان توقّع الرفقة دون ذلك أي محل الرخصة أتم مطلقا؛ لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضا،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و اعلم:أن الظاهر أن المعتبر قصد المسافة النوعية،لا الشخصية،فلو قصد مسافة معيّنة فسلك بعضها ثمَّ رجع إلى موضع آخر بحيث يكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على التقصير؛للأصل،و صدق السفر إلى المسافة،

ص:343


1- في«م»:وافق المشهور.
2- النهاية:123.
3- الذكرى:257.
4- صاحب الحدائق 11:337.
5- انظر الوسائل 8:500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9،13،17،20.
6- انظر الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3،16.

مع اختصاص ما دلّ من النص و الفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها-بحكم التبادر و غيره-بغير محل البحث،و هو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا،أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

و بما ذكرنا صرّح في روض الجنان،إلاّ أنه احتمل في المثال عدم الترخيص،قال:لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها،و عدم بلوغ القصد الثاني مسافة (1).

و هو ضعيف؛إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها،لما عرفت من اختصاص النص و الفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلا،و عليه فيرجع إلى حكم الأصل،و هو استصحاب بقاء وجوب القصر.

و لعلّه لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقا (2)، مع أن مذهبه فيها إذا قصد في مبدإ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه،بل جوازه.

و وجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته و استصحاب وجوبه،بخلاف الأول،لثبوته فيه.و محصّله:حصول موجب القصر الاتفاقي،و هو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر في الأول،دون الثاني،إذ المسافة المقصودة فيه أوّلا إنما هو الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.

و الحاصل:أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر و قبل ثبوت القصر،و اكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد

ص:344


1- روض الجنان:385.
2- النهاية:122.

الثمانية الممتدة،و حينئذ فلا يبعد موافقة الشيخ هنا و إن خالفناه ثمّة،لاختلاف موضوع المسألتين،سيّما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريبا (1)على ما ذكره، مع سلامتها عن المعارض أصلا،فتدبّر و تأمل.

الثاني أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة

الثاني:أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة الشرعية في أثنائها،المتحققة بالوصول إلى الوطن مطلقا،أو نية الإقامة عشرا،بلا خلاف بيننا،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة في الثاني،و في الأول دونه (2)، و الصحاح بهما-كغيرها-مستفيضة قريبة من التواتر،بل متواترة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

و هي و إن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حصول القطع بهما بحيث يجب التمام في محل الإقامة و قبله و بعده إلى أن يستأنف مسافة أخرى جديدة، من غير كفاية ضمّ ما بقي بعد القاطع من المسافة إليها قبله،إلاّ أنها صريحة في وجوب التمام بهما،فيستصحب إلى تيقن القصر،و ليس إلاّ باستئناف مسافة أخرى؛إذ ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها،لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها.

هذا مضافا إلى الإجماعات المحكية،و تنزيل المقيم عشرا،أو المتردد ثلاثين يوما أو شهرا منزلة من هو في أهله في الصحيحين:«من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه التمام و هو بمنزلة أهل مكة» (3)كما في أحدهما.

و في الثاني:عن أهل مكة إذا زاروا،عليهم إتمام الصلاة؟قال:«نعم،

ص:345


1- سندا لاشتراط استمرار قصد المسافة.منه رحمه اللّه.
2- انظر التذكرة 1:190،روض الجنان:386،المدارك 4:441،المفاتيح 1:24.
3- التهذيب 5:1742/488،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 10.

و المقيم إلى شهر بمنزلتهم» (1)و عموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام،و لا يخصّصه خصوص المورد لو كان كما مرّ في غير مقام.

و كيف كان فلو عزم مسافة و له في أثنائها منزل مملوك له قد استوطنه ستّة أشهر فصاعدا و لو متفرقة على ما نصّ عليه الجماعة،و يعضده إطلاق الرواية (2)أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام أتم و سيأتي الكلام فيما يتعلق بالثاني.

و أمّا الأول فالحكم فيه مطلق و إن جزم على السفر قبل تخلّل العشرة.

و ظاهر العبارة الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية،و هو المشهور،بل عليه الإجماع في روض الجنان و التذكرة (3).فإن تمَّ،و إلاّ فالحجة عليه غير واضحة.

مع أن ظاهر الصحاح المستفيضة اعتبار فعليّة الاستيطان و بقائه على الدوام،كما هو ظاهر الشيخ و جملة ممّن تبعه (4)،بل ظاهر جماعة اعتبارها في كلّ سنة (5).

ففي جملة منها:«كل منزل لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل،فليس لك أن تتم» (6).

ص:346


1- التهذيب 5:1741/487،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 11.
2- الفقيه 1:1310/288،التهذيب 3:520/213،الاستبصار 1:821/231،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
3- روض الجنان:386،التذكرة 1:190.
4- الشيخ في النهاية:124؛و انظر المهذّب 1:106،و الوسيلة:109.
5- منهم:الصدوق في الفقيه 1:288،و صاحب المدارك 4:444،و المحقق السبزواري في الذخيرة:408.
6- التهذيب 3:515/212،الاستبصار 1:817/230،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6 بتفاوت يسير.

و منها:ما الاستيطان؟فقال:«أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر،فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها» (1).

و به يقيّد إطلاق سابقة،مع أن المتبادر منه ما يوافقه؛لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان الستّة عادة،فتأمل.

و كيف كان،فوجه ما ذكروه غير واضح،إلاّ أن يكون الصحيح:عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها،قال:«إن كان ممّا سكنه أتم فيه الصلاة،و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر» (2).

و قريب منه آخر:في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟قال:«يقصّر،إنما هو المنزل الذي توطّنه» (3).

و فيه:أنّ راوي الأول روى بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالة على اعتبار دوام الستّة منهما على الاكتفاء بها في الزمن الماضي و لو مرة.

و«توطّنه»في الثاني يحتمل كونه بصيغة المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة فيها إحدى التاءين.

فالمسألة قوية الإشكال و إن كان اعتبار فعليّة الاستيطان و دوامه لا يخلو عن رجحان.

ثمَّ إن ظاهر الصحاح المتقدمة و العبارة و نحوها من عبائر الجماعة-و منهم

ص:347


1- الفقيه 1:1310/288،التهذيب 3:520/213،الاستبصار 1:821/231،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
2- التهذيب 3:518/212،الاستبصار 1:819/230،الوسائل 8:494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.
3- التهذيب 3:517/212،الاستبصار 1:818/230،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8.

الصدوق و الشيخ و جملة ممّن تبعه و الشهيد في اللمعة (1)-إناطة الحكم بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك،و إن تضمّنت اللام لمجيئها للاختصاص،بل ظهورها فيه،كما قيل (2).

خلافا للفاضلين في جملة من كتبهما و من تأخر عنهما (3)،فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده و لو في غيره،حتى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة؛للموثق (4).

و فيه:انه كسائر الصحاح و غيرها المتضمنة للأمر بالإتمام بمجرّد الوصول إلى الملك من القرى و الضيعة لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة،و النصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة متضمنة للصحيح و غيره دالّة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة،ففي الصحيح:عن الرجل يقصر في ضيعته،قال:

«لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام،إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه»قلت:

ما الاستيطان؟..الحديث كما مرّ (5).

و هو كالصريح،بل صريح فيما ذكرنا من أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك،و إلاّ لعطفه على إقامة العشرة و لم يخصّه بالمنزل.

و مع ذلك فهي موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرّح به جماعة (6)،

ص:348


1- الصدوق في الفقيه 1:288،الشيخ في النهاية:124،و تبعه القاضي في المهذّب 1:106، و ابن حمزة في الوسيلة:109،و الحلبي في الكافي:117،اللمعة(الروضة 1):372.
2- راجع الحدائق 11:373.
3- المحقق في المعتبر 2:469،و الشرائع 1:133،العلامة في نهاية الإحكام 2:176، و المختلف:170؛و انظر الذكرى:258،و روض الجنان:386،و التنقيح الرائع 1:287.
4- التهذيب 3:512/211،الاستبصار 1:814/229،الوسائل 8:493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.
5- في ص 347.
6- منهم المجلسي في البحار 86:37؛و انظر الحدائق 11:368.

حاملين لها لذلك على التقية.

و مع ذلك فغايتها إفادة الإتمام في الملك مطلقا،كما هو ظاهر إطلاقها، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر،كما هو قضية الجمع بينها و بين غيرها،و هو لا يستلزم اشتراط الملك،حتى لو انتفى و حصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه،بل وجوب الإتمام فيه لا ينافيه و يجامعه.

و بالجملة:فما ذكروه لا وجه له،كما صرّح به من متأخري المتأخرين جماعة (1).

لكن يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناء على اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر و لو مرّة،من دون اشتراط الفعليّة،حتى لو هجره بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرّد الوصول إليه،و لذا اشترطوا دوام الملك أيضا،إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى و نصا في انقطاع السفر به مطلقا و لو لم يكن له فيه ملك و لا منزل مخصوص أصلا.

و على هذا فلا ريب في اعتباره؛لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته و دوامه أصلا،إذ النصوص الدالّة عليه ظاهرها اعتبار فعليّته،فلم يبق إلاّ الإجماع المحكي و الفتاوي،و هما مختصان بصورة وجود الملك و دوامه،فعلى تقدير العمل بهما ينبغي تخصيص الحكم بها.

و يرشد إلى ما ذكرنا (2)أنهم ألحقوا بالملك اتّخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام،معربين عن عدم اشتراط الملك فيه،و إن اختلفوا في اعتبار

ص:349


1- انظر الذخيرة:408،و الحدائق 11:365.
2- من اختصاص اعتبارهم الملك بصورة الاكتفاء في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر و لو مرّة.منه رحمه اللّه.

الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به،كما عليه الشهيد في الذكرى و جملة ممن تأخر عنه (1)،أو العدم كما عليه الفاضل (2)،و الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده،فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته.

و يتحصّل ممّا ذكرنا أنه لا أشكال و لا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدّة المزبورة كلّ سنة،و لا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة.و إنما الخلاف و الإشكال في كون مثل الوطن الأخير و لو مع الملك قاطعا،و لكن الأقوى فيه العدم كما تقدّم،و مرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي و انحصاره في العرفي،و هو قسمان:أصلي نشأ فيه أو اتّخذه،و طارئ يعتبر في قطعه السفر فعليّة الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.

و لو قصد مسافة فصاعدا و له على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور أي الستة أشهر المطلقة،أو الدائمة الفعلية،على الاختلاف المتقدم إليه الإشارة قصّر في طريقه لحصول الشرط فيه و أتم في منزله لأنه غير مسافر فيه،لحصول القطع به.

و الفرق بين هذه المسألة و ما سبق توسّط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل المسافة المشترطة،فلا قصر فيه بالكلية،ما لم يقصد مسافة أخرى جديدة، و وقوعه هنا في رأسها مثلا،فيثبت القصر قبله،و بالجملة:المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا،و لهما معا ثمة،و الحكم فيها يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة فلذ فرّعه عليها،دونه هنا،فإنه مذكور تبعا للأول للمناسبة بينهما.

و كذلك إقامة العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة،و هي التي تناسب

ص:350


1- الذكرى:258؛و انظر روضة البهية 1:372،و الذخيرة:408،و المدارك 4:445.
2- راجع نهاية الإحكام 2:178.

الشرطية و فرّع حكمه عليها،و أخرى تكون قاطعة للسفر دونها،و سيذكر حكمها إن شاء اللّه تعالى،فلا تكرار أصلا.

و إذا عزم مسافة و لم يعزم الإقامة في أثنائها ف قصّر ثمَّ نوى الإقامة في أثنائها عشرا لم يعد ما كان صلاّه قصرا؛لما مرّ في الشرط الأول.

و لو كان دخل في الصلاة بنية القصر ثمَّ عنّ له الإقامة في أثنائها أتمّ بلا خلاف فيه بيننا أجده،بل عليه إجماعنا في ظاهر التذكرة (1)،و قريب منها الخلاف و المنتهى (2)،حيث لم ينقلا الخلاف فيه إلاّ من بعض العامة؛ للعموم كما في الخلاف،و خصوص الصحيح (3)و غيره (4):عن الرجل يخرج في السفر ثمَّ يبدو له و هو في الصلاة،قال:«يتم إذا بدت له الإقامة».

و لو نوى إقامة بعد ما صلّى ركعة ثمَّ خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحوّل فرضه إلى الأربع.أما لو خرج قبل أن يصلّي ركعة ثمَّ نوى الإقامة فإنه لا يحوّل فرضه إلى الأربع في حين تلك الصلاة،لأنها فاتته قصرا،و به صرّح في المنتهى أيضا (5).

الثالث أن يكون السفر مباحا

الثالث:أن يكون السفر مباحا غير محرّم فلا يترخص العاصي بسفره كالمتّبع للجائر في جوره و اللاهي بصيده بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (6)،و المعتبرة به مع ذلك

ص:351


1- التذكرة 1:193.
2- الخلاف 1:583،المنتهى 1:398.
3- الكافي 3:8/435،الفقيه 1:1299/285،التهذيب 3:564/224،الوسائل 8:511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
4- التهذيب 3:565/224،الوسائل 8:511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.
5- المنتهى 1:398.
6- منهم:المحقق في المعتبر 2:470،و العلامة في المنتهى 1:392،و صاحب المدارك 4:445،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409.

مستفيضة.

ففي الصحيح:«من سافر قصّر و أفطر،إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد،أو في معصية،أو رسولا لمن يعصي اللّه تعالى،أو في طلب عدوّ،أو شحناء،أو سعاية،أو ضرر على قوم مسلمين» (1).

و في الموثق:عن الرجل يخرج إلى الصيد،أ يقصّر أو يتم؟قال:«يتم، لأنه ليس بمسير حق» (2).

و إطلاقهما-كغيرهما و أكثر الفتاوي و صريح جملة منها (3)-يقتضي عدم الفرق في السفر المحرّم بين ما كان غايته معصية،كالسفر لقطع الطريق،أو قتل مسلم،أو إضرار بقوم مسلمين؛أو كان بنفسه معصية،كالفرار (4)من الزحف،و الهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء.

خلافا لشيخنا الشهيد الثاني فخصّه بالأول،مدّعيا اختصاص النصوص به (5).و لا وجه له،كما صرّح به جماعة (6).

ثمَّ إطلاق الخبرين-كغيرهما-بعدم ترخّص الصائد محمول على الغالب في العادة فيما هو مورد لها،و هو:ما يقصد به اللهو دون الحاجة

ص:352


1- الكافي 4:3/129 بتفاوت،الفقيه 2:409/92،التهذيب 4:640/219،الوسائل 8:476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2- الكافي 3:8/438،التهذيب 3:537/217،الاستبصار 1:841/236،الوسائل 8:479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
3- كالمدارك 4:446.
4- في«ح»:كما يتضمّن الفرار..
5- انظر روض الجنان:388.
6- منهم:المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:384،و صاحب المدارك 4:447، و المحقق السبزواري في الذخيرة:409.

و التجارة،و به يشعر أيضا الموثقة.

و أظهر منها اخرى:عمّن يخرج من أهله بالصقور و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة،هل يقصّر من صلاته أو لا يقصّر؟قال:«إنما خرج في لهو لا يقصّر» (1).

و نحو هما الخبر:في المتصيد أ يقصّر الصلاة؟قال:«لا،فإنّ الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه» (2).

و آخر:«سبعة لا يقصّرون الصلاة»إلى أن قال:«و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا،و المحارب الذي يقطع السبيل» (3).

و أظهر من الجميع المرسل:قلت له:الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو يومين،أ يقصّر أو يتم؟فقال:«إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة» (4).

و الرضوي:«و إذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم» (5).

و هما نصّ في أنه يقصّر لو كان الصيد للحاجة كما أفتى به

ص:353


1- التهذيب 3:540/218،الاستبصار 1:842/236،الوسائل 8:478 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.
2- الكافي 3:4/437،التهذيب 3:536/217،الاستبصار 1:840/235،المحاسن: 129/371،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7.
3- الفقيه 1:1282/282،التهذيب 3:524/214،الاستبصار 1:826/232،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.
4- الكافي 3:10/438،الفقيه 1:1312/288،التهذيب 3:538/217،الاستبصار 1:845/236،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
5- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

الأصحاب كافة،من غير خلاف بينهم فيه أجده،و به صرّح جماعة (1)،بل عليه الإجماع في المنتهى و التذكرة (2).

و اختلفوا فيما لو كان للتجارة ف قيل:يقصّر صومه و يتم صلاته و القائل به أكثر القدماء (3)،و منهم الحلّي مدّعيا كونه إجماعيا و ورود رواية بذلك أيضا (4)،كما يفهم من المبسوط،حيث قال:روى أصحابنا (5).

و لم أر هذه الرواية،و لا نقلها أحد من أصحابنا،نعم في الرضوي:«و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و القصر في الصوم» (6).

و المشهور بين المتأخرين،بل عليه عامّتهم التقصير في الصلاة أيضا؛ للعمومات،و خصوص ما دلّ من الصحاح و غيرها على أنه إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت (7)،و الإجماع واقع على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (8)،فيثبت في الصلاة أيضا عملا بمقتضاها.

و هو حسن لو لا الإجماع المحكي،و الرواية المرسلة و الفقه الرضوي، المنجبر قصور سندهما بالشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع،بل لم

ص:354


1- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:288،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409، و العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 5:403.
2- المنتهى 1:392،التذكرة 1:192.
3- منهم الشيخ في النهاية:122،القاضي في المهذّب 1:106،و ابن سعيد في الجامع للشرائع:91.
4- السرائر 1:327.
5- المبسوط 1:136.
6- راجع الهامش(5)من الصحفة السابقة.
7- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
8- كما في المختلف:161،البيان:263،مجمع الفائدة و البرهان 3:386.

ينقل لها مخالف من القدماء عدا المرتضى،حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين (1)،لكن من غير تنصيص به في المسألة،و هو غير صريح في المخالفة،كالعمومات المتقدمة،لقبولها التخصيص بما مرّ من الرواية و إن لم تكن الآن مشهورة،لظهور عبارتي المبسوط السرائر في كونها يومئذ مشهورة، بل و مجمعا عليها كما عرفته،و الشهرة المتأخرة لم تتحقق إلاّ من زمن العلاّمة.

لكنه في التذكرة-كغيره-ادّعى الشهرة المطلقة على ما اختاره (2)،فيمكن أن يوهن بهذه الدعوى دعوى الإجماع المتقدمة.

و يجاب عن المرسلة:بضعف السند،و عدم وضوح الجابر إلاّ الشهرة القديمة،و هي معارضة بالشهرة المتأخرة القطعية،بل مطلقا كما عرفت حكايته في كلام جماعة،فلا يمكن أن يخصّص بها العمومات المتقدمة،كما لا يمكن تخصيصها بالرضوي و إن اعتبر سنده في الجملة،لقصوره عن المقاومة لها و المكافأة.

لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة،و الاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.

و كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة،فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ،و بالعكس،و يشترط حينئذ كون الباقي مسافة و لو بالعود قطعا.كما يشترط في الأول أيضا لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي؛للأصل (3)،و لا على آخر (4)؛لإطلاق الخبر:«إنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادة،فإذا عدل عن الجادة أتم،فإذا رجع إليها قصر» (5).

ص:355


1- انظر الانتصار:51.
2- لم نعثر فيها و غيرها على ادّعاء الشهرة المطلقة،راجع التذكرة 1:193.
3- أي:أصالة بقاء وجوب التمام.
4- راجع المنتهى 1:392.
5- التهذيب 3:543/218،الاستبصار 1:846/237،الوسائل 8:480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 6.

و فيه ضعف سندا،بل و دلالة،فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدّا،لكن الاحتياط بالجمع بين القولين أولى.

ثمَّ إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده مطلقا.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فإلى ثلاثة أيام (1)؛للمرسل (2).

و هو مع ضعفه نادر،و في المختلف:إنه لم يعتبره علماؤنا (3).

الرابع:أن لا يكون سفره أكثر من حضره

الرابع:أن لا يكون سفره أكثر من حضره،كالبدوي،و المكاري بضم الميم و تخفيف الياء،و هو:من يكري دابته بغيره و يذهب معها فلا يقيم ببلدة غالبا لإعداد نفسه لذلك و الملاّح و هو:صاحب السفينة و التاجر الذي يدور في تجارته و الأمير الذي يدور في إمارته و الراعي الذي يدور بماشيته و البريد المعدّ نفسه للرسالة،و أمين البيدر.

فإن هؤلاء يتمون في أسفارهم بلا خلاف إلاّ من العماني،فأطلق وجوب القصر على كل مسافر (4).و هو نادر،بل على خلافه انعقد الإجماع على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر،كالانتصار (5)و الخلاف و السرائر (6)؛ و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتم

ص:356


1- كما حكاه عنه في المختلف:162.
2- الفقيه 1:1313/288،التهذيب 3:542/218،الاستبصار 1:844/236،الوسائل 8:479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 3.
3- المختلف:162.
4- كما نقله عنه في المختلف:163.
5- في«م»زيادة:و الفقيه.
6- الانتصار:53،الخلاف 1:224،السرائر 1:338.

الصلاة و يصوم شهر رمضان» (1).

و فيه:«أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أم حضر:المكاري، و الكريّ (2)،و الراعي،و الأشتقان (3)،لأنه عملهم» (4).

و نحوه المرفوع القريب منه،لكن بزيادة الملاّح،و تفسير الأشتقان بالبريد،مع إسقاط لفظة«قد» (5).

و فيه:«ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير،و لا على المكارين، و لا على الجمّالين» (6).

و نحوه الموثق (7)و غيره (8)في الملاّحين و الأعراب،معلّلين بأن بيوتهم معهم.

و يستفاد منها أجمع-بعد ضمّ بعضها مع بعض-:أنّ وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم،لا لخصوصيّة فيهم،فلو فرض كثرة

ص:357


1- الكافي 4:1/128،التهذيب 4:634/218،الوسائل 8:484 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
2- الكريّ-بالفتح على فعيل-:المكتري،و إن جاء لمكري الدوابّ أيضا،كما يقتضيه ظاهر العطف و أصالة عدم الترادف.مجمع البحرين 1:358.
3- الأشتقان قيل:هو الأمير الّذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر.و قيل:البريد.مجمع البحرين 6:272.
4- الكافي 3:1/436،التهذيب 3:526/215،الاستبصار 1:828/232،الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
5- الخصال:77/302،الوسائل 8:487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.
6- التهذيب 3:525/214،الاستبصار 1:827/232،الوسائل 8:486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 8.
7- الكافي 3:2/437،الفقيه 1:1277/281،الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.
8- الكافي 3:437،5/438،9،التهذيب 3:527/215،الاستبصار 1:829/233، الوسائل 8:485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5،6.

السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام و إن لم يصدق وصف أحد هؤلاء، كما أنه لو صدق وصف أحدهم و لم يتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر.

خلافا للحلّي في الثاني،فحكم بالتمام فيه و لو بمجرد السفرة الأولى؛ لإطلاق الأدلة بوجوب التمام على هؤلاء (1).

و هو مع ضعفه بما مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع منها،و هو من تكرّر منه السفر مرارا،لا من يحصل منه في المرة الاولى.

و منه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقا (2).

و لجماعة فجعلوا المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله،و منهم الشهيد في الذكرى (3)،إلاّ أنه قال:إنّ ذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة،كما صرّح به الحلّي في متّخذ السفر عملا له.

و فيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عمله،فلا وجه لجعله مقابلا له.

ثمَّ دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرّد السفرة الثالثة ممنوع، كيف لا و قد يحصل السفر زائدا عليها و لا يصدق أحدهما؟!و ذلك حيث يتفق كثرة السفر مع عدم قصد إلى اتّخاذه عملا،و مثله يقصّر جدّا،كما صرّح به بعض متأخري أصحابنا،فقال بعد نقل ما قدّمناه من الأقوال:و إذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلّقا على الكثرة،بل على مثل المكاري و الجمّال

ص:358


1- السرائر 1:339.
2- المختلف:163.
3- الذكرى:259.

و من اتّخذ السفر عمله،وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفا،فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشر لم يتعلق حكم الإتمام (1).انتهى.

نعم،يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان،فلا إتمام فيما دونها و لو صدق؛لما مرّ من لزوم حمل المطلقات على المتبادر منها،و ليس إلاّ من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا،و يمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدّد ثلاثا هذا.

و بالجملة:المعتبر عدم اتّخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد اخرى، و معه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدّمنا.

و ظاهر إطلاق أكثرها و إن اقتضى وجوبه معه مطلقا إلاّ أن ظاهر جملة أخرى منها أن ضابطه أن لا يقيم في بلد عشرة أيام،و منها الصحيحة الأولى المقيدة للمكاري و نحوه بالذي يختلف و ليس له مقام.

و نحوها رواية أخرى (2).

و المراد بالمقام فيهما الإقامة عشرا إجماعا؛إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقا-كما فيهما-بإقامة دونها،مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص و الفتوى بشهادة التتبع و الاستقراء،مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر،لصدقها على إقامة نحو يوم بل و ساعة و ساعتين مثلا،و لا يخلو منها أحد منهم جدّا،و موجب التقييد على هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام إلاّ نادرا، بل مطلقا،و هو كما ترى.

هذا مضافا إلى المرسل:«عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتم،قال:

أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه

ص:359


1- الذخيرة:410.
2- التهذيب 4:636/218،الوسائل 8:478 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 10.

التمام و الصيام أبدا،و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار» (1).

و هو صريح في المدّعى،و ضعف سنده مجبور بالشهرة العظيمة بين أصحابنا حتى نحو الحلّي (2)الذي لا يعمل إلاّ بالقطعيات،بل صرّح جملة من المتأخرين (3)بأن الحكم به معروف بين الأصحاب،مقطوع به بينهم،مؤذنين بنفي الخلاف فيه بينهم،كالماتن في المعتبر (4)،حيث نفى الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من حضره مع الإقامة عشرا.

و اشتراط إقامة الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشرا.و لا ينافيه مفهوم الشرطية الأخرى؛لورودها على الغالب،لندرة الإقامة عشرا بحيث لا يزيد عليها،فلا عبرة بمفهومها،فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.

و قريب منها رواية أخرى سيأتي الإشارة إليها (5)،إلاّ أنها تضمّنت ما لا يقول به أحد أو الأكثر،و اختصّت بإقامة العشرة في غير البلد أو عمّتها و إقامتها فيه.

و كلاهما غير قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها و اعتضادها بفتوى أصحابنا.

ص:360


1- التهذيب 4:639/219،الاستبصار 1:837/234،الوسائل 8:488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.
2- انظر السرائر 1:340.
3- كالشهيد الأول في الذكرى:260،و الشهيد الثاني في المسالك 1:49،و المحقق السبزواري في الذخيرة:409،و صاحب المدارك 4:452.
4- المعتبر 2:472.
5- في ص:363 و 364.

أما الأول:فلأنها بالإضافة إليه كالعامّ المخصّص حجة في الباقي.

و أما الثاني:فلعدم منافاته الاستدلال باحتماليه؛لإمكانه بالأولوية على الاحتمال الأول،و العموم أو الإطلاق على الثاني،و نحن نقول به،وفاقا للمشهور بين المتأخرين و غيرهم،و منهم الماتن لقوله و لو أقام في بلده أو غير بلده ذلك أي مقدار عشرة أيام قصّر لصريح المرسلة المتقدمة المنجبرة هنا أيضا بالشهرة.

و إطلاقها-كالعبارة و الرواية الآتية-و إن اقتضى الاكتفاء في غير البلد بإقامة العشرة و لو من غير نية،إلاّ أن ظاهرهم تقييدها فيه بالنية،بل ادّعى عليه الإجماع جماعة،و منهم شيخنا في روض الجنان (1)،و خالي العلاّمة المجلسي -رحمه اللّه-فيما نقله عنه خالي المعاصر-أدام اللّه ظلّه-و أيّده قائلا:إنه ربما يظهر ذلك و يظنّ به من اتّفاق فتاويهم (2).

ثمَّ أيّد الحكم المزبور و إلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما- كما فعله جماعة منهم الشهيدان (3)-بقوله:مع أنه ظهر ممّا مرّ أن العشرة إذا صارت منويّة تصير بمنزلة الحضور،و إن لم تكن منويّة لا تصير كذلك إلاّ بعد مضيّ ثلاثين يوما،و ربما ظهر ممّا ذكرنا أن اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر،و العشرة الغير المنويّة سفر أيضا.

إلى أن قال-بعد نقل إلحاق العشرة بعد التردد ثلاثين يوما عن الشهيد-:

و لعلّه لعموم المنزلة التي ظهرت لك؛إذ بعد التردد ثلاثين يوما يصير بمنزلة الوطن،و إذا أقام في الوطن عشرة أيام صارت إقامته موجبة للقصر فكذا هنا، و مقتضى عموم المنزلة عدم اعتبار قصد الإقامة في هذه العشرة،و لذا أفتى به

ص:361


1- روض الجنان:391.
2- شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
3- الشهيد الأول في الدروس 1:212،الشهيد الثاني في روض الجنان:391.

كذلك.

ثمَّ قال:و ألحق بعض الأصحاب بإقامة العشرة إقامة ثلاثين يوما متردّدا، و لعلّه لكونه حينئذ حضريا و بمنزلته؛لعموم المنزلة التي عرفته.و فيه:أن هذا لا يوجب انقطاع كثرة السفر؛إذ أقصى ما يقتضي أن يكون بمنزلة من هو في وطنه كما عرفت،و بمجرد الكون في الوطن لا ينقطع الكثرة حتى يتمّ عشرة،كما هو مقتضى الروايات،بل ستعرف أن الخمسة لا تكفي للقصر في خصوص النهار فضلا أن تكون ملحقة بالعشرة،فما ظنّك بما نقص عن الخمسة (1).

انتهى كلامه الذي يتعلق بالمقام،و إنما نقلناه بطوله لكثرة فوائده و جودة محصوله.

و أشار بعموم المنزلة إلى ما قدّمناه في صدر مسألة القواطع الذي تضمنته جملة من المعتبرة (2).

و بالجملة:لا ريب في المسألة بحمد اللّه تعالى،سيّما بعد ما عرفت من دعوى جماعة كونها مقطوعا بها بين الطائفة، و إن قيل: إنّ هذا الحكم يختصّ بالمكاري و المراد به المعنى اللغوي فيدخل فيه الملاّح و الأجير لندرة القائل به و شذوذه،حتى اعترف جماعة بمجهوليته (3)،و ربما احتمل كونه الماتن بنفسه (4).

و مع ذلك فلا وجه له غير اختصاص النصّ الوارد بالحكم به.

و لا ضير فيه بعد ما عرفت من ظهور النصوص في كون المناط في التمام

ص:362


1- شرح المفاتيح للوحيد للبهبهاني(مخطوط).
2- راجع ص 345.
3- منهم:الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1:289،و ابن فهد في المهذّب البارع 1:488، و صاحب المدارك 4:454.
4- انظر الذكرى:260،روض الجنان:391.

هو نفس اتّخاذ السفر عملا و كثرته من غير خصوصية للمكاري و نحوه،و إذا انقطع كثرة السفر التي هي المناط بإقامة العشرة في المكاري بمقتضى روايات المسألة انقطعت في غيره،و لعلّه لذا اتّفقت الفتاوي بعدم الفرق بينهما،مع تأيّده بالاعتبار،فتأمل جدّا.

ثمَّ على المختار من وجوب القصر بعد إقامة العشرة فهل يمتدّ إلى السفرة الثالثة فلا يتم في الثانية،أم إليها فيتم فيها و يختص وجوب القصر بالأولى؟ قولان.

و الثاني أقوى وفاقا للحلّي و جماعة (1)؛اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على وجوب التمام على هؤلاء على المتيقن من النص و الفتوى بلزوم القصر إذا أقام عشرا،و ليس إلاّ السفرة الأولى،دون الثانية فما فوقها؛مضافا إلى استصحاب بقاء وجوب التمام الثابت له في منزله أو ما في حكمه الذي هو منتهى سفرته الاولى إلى أن يثبت المزيل،و ليس ثابتا.

خلافا للشهيد فالأول؛لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدئ (2).و فيه نظر.

ثمَّ إن هذا إذا أقام عشرة و لو أقام خمسة قيل و القائل الشيخ في المبسوط و النهاية و القاضي و ابن حمزة (3)يقصّر صلاته نهارا و يتمّ ليلا،و يصوم شهر رمضان تعويلا على رواية عبد اللّه بن سنان المروية في الصحيح و غيره،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المكاري إذا لم يستقر في منزله إلاّ

ص:363


1- الحلي في السرائر 1:339؛و انظر المهذّب البارع 1:488،و المدارك 4:453،و الذخيرة: 410.
2- الذكرى:259.
3- المبسوط 1:141،النهاية:122،القاضي في المهذّب 1:106،ابن حمزة في الوسيلة: 108.

خمسة أيام أو أقل قصّر في سفره بالنهار و أتم بالليل و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر» (1).

هكذا في الصحيح،و كذا في غيره،لكن بدون قوله:«و ينصرف»إلى قوله:«أكثر» (2).

خلافا للحلّي (3)و عامة المتأخرين فيتم مطلقا،و صرّح في السرائر بكونه إجماعا.

تمسكا بإطلاق النصوص المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه التمام (4).

مضافا إلى عموم ما دلّ على تلازم القصر و الإفطار ثبوتا و عدما (5).

و الرواية متروكة الظاهر؛لتضمنها ثبوت الحكم في الأقل من الخمسة أيضا الصادق على نحو الثلاثة و الأربعة،و لم يقل به هؤلاء الجماعة،كما لا يقولون بما تضمّنته أيضا في الطريق الصحيح من اعتبار إقامة العشرة في المنزل و المكان الذي يذهب إليه معا،الظاهر في عدم الاكتفاء بها في أحد هما.

و شيء منهما و إن لم يكن قادحا في حجية الرواية من أصلها بعد صحة بعض طرقها؛لما مضى من كونها حينئذ كالعام المخصّص يكون في الباقي حجة،سيّما مع إمكان الذب عنهما بنحو من التوجيه القريب كما ذكره الخال

ص:364


1- الفقيه 1:1278/281،الوسائل 8:489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.
2- التهذيب 3:531/216،الاستبصار 1:836/234،الوسائل 8:490 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.
3- السرائر 1:341.
4- الوسائل 8:484 أبواب صلاة المسافر ب 11.
5- الوسائل 10:184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4.

العلاّمة أدام اللّه تعالى أيامه (1)،إلاّ أنهما قادحان في مقام المعارضة لنحو الأدلة المتقدمة الكثيرة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة المتحققة،بل مطلقا كما في (2)التذكرة (3)،سيّما الصريح منها،و هو الإجماع المنقول.

و بالجملة:فهذا القول في غاية القوة و إن كان الأولى مراعاة الاحتياط (4)في نحو المسألة،خروجا عن شبهة قول هؤلاء الجماعة و إن كان الظاهر ممّا ذكرنا ضعفه.

و أولى منه ضعفا ما يحكى عن الإسكافي من جعل الخمسة كالعشرة قاطعة لكثرة السفر مطلقا (5)؛لعدم دليل عليه مع ذلك (6)أصلا.

و ما في الصحيحين (7)من أن المكاري و الجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا (8)؛لإجمالهما،و عدم وضوح المراد من جدّ السير فيهما.

و لذا اختلف الأصحاب في تنزيلهما و حملهما على من يجعل المنزلين منزلا مع تخصيص التقصير بالطريق،كما عليه الكليني و الشيخ في التهذيب (9)،استنادا إلى رواية مع ضعف سندها لا دلالة لها على ما اعتبراه.

أو على ما إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما،كما عليه الشهيد في الذكرى،

ص:365


1- راجع شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
2- في«م»زيادة:النهاية و.(راجع نهاية الإحكام 2:179).
3- التذكرة 1:191.
4- بالجمع بين القصر و الإتمام نهارا.منه رحمه اللّه.
5- حكاه عنه في المختلف:164.
6- مع معارضته بالأدلة المتقدمة كلها حتى التي استدل بها الجماعة.منه رحمه اللّه.
7- عطف على:ما يحكى.
8- التهذيب 3:528/215،529،الاستبصار 1:830/233،831،الوسائل 8:490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1،2.
9- الكافي 3:437،التهذيب 3:215.

قال:و يكون المراد بجدّ السير أن يكون مسيرهما متصلا كالحج و الأسفار التي لا يصدق صنعته عليها (1).

أو على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصّرا،كما عليه الفاضل في المختلف (2).

أو على ما إذا قصدا المسافة قبل تحقق الكثرة،كما عليه في روض الجنان شيخنا (3).

أو على ما يصدق عليه جدّ السير عرفا،و هو السير العنيف الذي يستعقب مشقة شديدة،كما عليه جماعة من متأخري متأخرينا (4).

و لعلّه الأقوى،إلاّ أني لم أجد بهما على هذا التأويل قائلا صريحا و إن احتمله بل قواه هؤلاء،و بعضهم قوّى ما مرّ عن الذكرى أيضا (5).و لا وجه له، بل هو كسائر التأويلات في البعد-عدا الأخير-إلاّ أن يريد به تقوية أصل الحكم بوجوب القصر إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما كما صرّح به جماعة (6).

و هو أيضا مشكل؛لعدم دليل صالح عليه،إلاّ بعض التلويحات و الإشعارات المستخرجة من جملة من المعتبرة المعلّلة لوجوب التمام على كثير السفر بأنه عمله أو أنّ بيته معه،و بعض الصحاح الذي لم أفهم دلالته.و في الاعتماد عليها بمجردها إشكال يصعب معه الخروج عن مقتضى الأدلة العامة،

ص:366


1- الذكرى:259.
2- المختلف:163.
3- روض الجنان:390.
4- منهم:صاحب المدارك 4:456،و المحقق السبزواري في الذخيرة:410،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:24،و صاحب الحدائق 11:393.
5- قربه صاحب المدارك 4:456.
6- منهم:ابن فهد في المهذب البارع 1:488،و الشهيد في الذكرى:259،و صاحبا المدارك 4:456،و الحدائق 11:394.

و الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه في المسألة.

الخامس أن تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه،أو يخفى أذانه

الخامس:أن تتوارى عنه جدران البلد الذي يخرج منه،أو يخفى عنه أذانه بلا خلاف فيه في الجملة،إلاّ من والد الصدوق (1)،فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية،بل اكتفى بنفس الخروج من البلد؛للمرسل:«إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» (2)و نحوه بعينه الرضوي (3).

و في معناهما الموثق:«أفطر إذا خرج من منزله» (4).

و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في الخلاف (5)،و مع ذلك فمستنده- مع قصور سنده جملة،بل ضعف بعضها-غير صريحة الدلالة على المخالفة، ككلامه،لاحتماله التقييد بهذا الشرط،ألا ترى إلى الرضوي مع أنه أطلق القصر فيما إذا خرج-كما مرّ-قيّده به في موضع آخر فقال:«و إن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك» (6).

و على هذا فلا خلاف في المسألة من هذه الجهة و إن حصل من جهة أخرى،و هي التعبير عن هذا الشرط بخفاء أحد الأمرين مخيّرا بينهما،كما هو المشهور بين القدماء،أو خفائهما معا كما هو المشهور بين المتأخرين كما قيل (7)،أو الأول خاصة كما عن المقنع (8)،أو الثاني كذلك،إمّا مطلقا كما عن

ص:367


1- كما نقله عنه في المختلف:163.
2- الفقيه 1:1268/279،الوسائل 8:475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.
3- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:530 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
4- التهذيب 4:669/228،الاستبصار 2:319/98،الوسائل 10:187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5- الخلاف 1:222.
6- فقه الرضا(عليه السلام):159،المستدرك 6:529 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
7- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:392.
8- المقنع:37.

الديلمي (1)،أو المتوسط منه خاصة كما عن الحلّي (2).

و منشؤه اختلاف النصوص الواردة في المسألة،فبعض بخفاء الأول خاصة كالصحيح (3)،و بعض بالثاني كذلك،و هو مستفيض،منها زيادة على الرضوي المتقدم الصحيحان المروي أحد هما في المحاسن،و فيه:«إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» (4).

و الموثق:«أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟» (5).

فبناء القولين الأخيرين على ترجيح أحد المتعارضين و طرح الآخر في البين.و لا وجه له بعد اشتراكهما في استجماع شرائط الحجية،مع إمكان الجمع بينهما بالتخيير كما هو خيرة الأوّلين،أو تخصيص كل واحد منهما بالآخر كما هو المشهور بين المتأخرين.و هو الأقوى،أما لرجحانه على نحو الجمع الأول حيثما تعارضا،أو لأوفقيته لمقتضى الأصل و استصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص،و ليس بثابت بأحدهما بعد تساوي الجمعين و تكافئهما.

و أما ترجيح الجمع الأول على الثاني فهو ضعيف جدا.

هذا مع وجود الأمارتين و ظهور التفاوت بينهما،و إلاّ فالظاهر الاكتفاء

ص:368


1- المراسم:75.
2- السرائر 1:331.
3- الكافي 3:1/434،الفقيه 1:1267/279،التهذيب 2:27/12،الوسائل 8:470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
4- المحاسن:127/371،الوسائل 8:473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 7؛و الصحيح الآخر:التهذيب 4:675/230،الاستبصار 1:862/242،الوسائل 8:472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
5- المحاسن:29/312،الوسائل 8:466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.

بإحداهما،و لعلّ هذه الصورة هو الغالب المتبادر ممّا دلّ على إحداهما.

هذا،و الموجود فيما دلّ على الاولى تواري المسافر عن البيوت- لا تواريها عنه-كما فهمه منه جماعة من الفضلاء (1)،قالوا:فتتقارب الأمارتان إحداهما بالأخرى،لكنه خلاف ما عقله منه سائر أصحابنا.

و كيف كان ف بخفائهما معا يقصّر في صلاته و صومه قطعا،و كذا بخفاء أحد هما حيث لا يكون الآخر،و يحتاط فيما لو كان و لم يخف بتأخير القصر أو الجمع بينه و بين التمام إلى أن يخفى أيضا.

و المعتبر من كلّ من الجدران و الأذان و الحاسّتين الوسط منها و لو تقديرا، كالبلد المنخفض و المرتفع،و مختلف الأرض،و عادم الجدار و الأذان و السمع و البصر،لكونه المتبادر من الإطلاق.

و لعلّه الوجه فيما قالوه من أن المعتبر آخر البلد المتوسط فما دون، و محلّته في المتّسع.

قالوا:و لا عبرة بأعلام البلد كالمنائر و القباب المرتفعة،و لا بالبساتين و المزارع،فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدران،و الأذان؛و لعلّه لإناطة القصر في النصّ و الفتوى بتواري البيوت،و المذكورات غيرها.

و ذكر شيخنا الشهيد الثاني و غيره (2)أن المعتبر خفاء صورة الجدران و الأذان،لا الشبح و الكلام.و لا يخلو عن إشكال؛فإن المتبادر من النصّ و الفتوى خفاؤهما أصلا،لا صورتهما خاصة.

و الظاهر أن المراد بالأذان و الجدران المعتبر خفاؤهما ما كان في آخر البلد

ص:369


1- كما حكاه العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 5:418 عن الفاضل التستري،و اختاره صاحبا المدارك 4:457 و الحدائق 11:406.
2- الشهيد الثاني في روض الجنان:392،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:402.

الذي يخرج منه المسافر،كما يفهم من الذكرى و غيرها (1)،لا مطلقا كما توهمه العبارة و نحوها في الأذان،و ذلك فإن الأذان الواقع في الوسط قد يخفى عند الخروج من البلد و لو كان وسطا،فلو حدّ الترخص به لزم حصوله عنده حينئذ، و هو فاسد قطعا.

و اعلم:أنّ هذا الشرط إنما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا،دون نحو الهائم و العاصي بسفره،فإنهما يقصّران في أثناء سفرهما متى زال مانعهما؛للعمومات،مع اختصاص ما دلّ على هذا الشرط بمن ذكرناه؛مضافا إلى خصوص جملة من المعتبرة الواردة فيهما بأنهما يقصّران متى زال مانعهما.

و كما يعتبر هذا الشرط في بدء السفر كذا يعتبر في الآخر، فيقصّر في العود من السفر إلى أن ينتهي إلى ظهور أحد الأمرين فيتمّ و لو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخر إلاّ من ندر (2)،بل في الذكرى كاد أن يكون إجماعا (3).

للصحيح:«إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتمّ،و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصّر،و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» (4).

مضافا إلى إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان في الوطن، و اشتراط القصر بالسفر،و لا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحدّ،و هذا هو السرّ في اشتراط أصل هذا الشرط،و قد استدل عليه به جمع (5).

ص:370


1- الذكرى:260؛و انظر روض الجنان:392،و المدارك 4:458.
2- كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:26،و صاحب الحدائق 11:412.
3- الذكرى:259.
4- التهذيب 4:675/230،الوسائل 8:472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
5- منهم:العلامة في المختلف:164،و الشهيد في روض الجنان:392،و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح(مخطوط).

خلافا لوالد الصدوق فلا يعتبر كما مرّ (1)،و ضعفه قد ظهر.

و عن المرتضى و الإسكافي (2)الموافقة له هنا.

للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«لا يزال المسافر مقصّرا حتى يدخل بيته» (3).

و في آخر:«إن أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا،و إن لم يدخلوا منازلهم قصّروا» (4).

و نحوه آخر (5).

و في الموثق:عن الرجل يكون مسافرا ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة،أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتّى يدخل أهله؟قال:«لا بل يكون مقصّرا حتى يدخل أهله» (6).

و في آخر:عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل،فيمرّ بالكوفة و إنما هو مجتاز لا يريد المقام إلاّ بقدر ما يتجهز يوما أو يومين،قال:«يقيم في جانب المصر و يقصّر»قلت:فإن دخل؟قال:«عليه التمام» (7).

ص:371


1- في ص 367.
2- حكاه عن المرتضى في المعتبر 2:474،و عن الإسكافي في المختلف:164.
3- التهذيب 3:556/222،الاستبصار 1:864/242،الوسائل 8:475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4
4- الكافي 4:1/518،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1.
5- الكافي 4:2/518،الوسائل 8:465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
6- التهذيب 3:555/222،الاستبصار 1:863/242،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.مع تفاوت يسير في الجميع.
7- الكافي 3:2/435،التهذيب 3:550/220،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

و نحوه المروي عن قرب الإسناد صحيحا (1).

و لو لا الشهرة العظيمة المرجحة للأدلة الأوّلة لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوة؛لاستفاضة نصوصه،و صحة أكثرها،و ظهور دلالتها جملة،بل صراحة كثير منها،بل ما عدا الصحيحة الأولى،لبعد ما يقال في توجيهها جدّا و هو:أن المراد من البيت فيها و المنزل ما بحكمهما،و هو ما دون الترخص؛ لأن سياقها يأبى هذا ظاهرا و إن أمكن بعيدا،سيّما في الموثق الأول المتضمن لدخول البلد و الحكم فيه مع ذلك بالقصر،إلى دخول الأهل.

و حمله على أن الحكم به معه إنما هو لسعة الكوفة يومئذ،فلعلّ البيوت التي دخلها لم يبلغ حدّ الترخص المعتبر في مثلها،و هو آخر محلّته كما مضى.

يدفعه عموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال،مضافا إلى قوله بعد الحكم بالتقصير:«حتى يدخل أهله».

و تأويل جميع ذلك و إن أمكن إلاّ أنه بعيد جدا،مع أنّ مثله جار في أدلة المشهور،بتقييد العمومات بهذه؛لكونها بالنسبة إليها أظهر دلالة،بل صريحة كما عرفته.

و أما الصحيحة فبأن المقصود من تشبيه الإياب بالذهاب فيها تشبيهه به في وجوب القصر عند خفاء الأذان خاصة،لا عدمه عند ظهوره،سيّما و أن بعض النسخ ليس فيه ذكر هذا في الذهاب،فلا يشمله التشبيه صريحا،بل و لا ظهورا إلاّ ظهورا لا يمكن الاعتداد به جدّا.

و بالجملة:لو لا الشهرة لكان المصير إلى هذا القول متعيّنا بلا شبهة،بل معها أيضا لا تخلو المسألة عن شبهة،سيّما على النسخة المزبورة؛فإنّ الدلالة

ص:372


1- قرب الإسناد:630/172،الوسائل 8:474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

على تقديرها ضعيفة كما عرفته،و الإطلاقات غير معلومة الشمول لنحو المسألة،و الاحتياط يقتضي تأخير الصلاة إلى بلوغ الأهل،أو الجمع بين الإتمام و القصر.

و إن كان الاكتفاء بالتمام لعلّه أظهر كما مرّ؛لانجبار ما مرّ من قصور الدلالة بالشهرة العظيمة،سيّما و أن النسخة التي قدّمناها مشهورة،فتترجح على هذه المستفيضة.

مع إمكان القدح في دلالة ما عدا الموثّق منها بورودها جملة مورد الغالب،من أن المسافر إذا بلغ إلى حدّ الترخص يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة،كما هو المشاهد غالبا من العادة،فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث،فتدبّر.

و أما الموثّق فهو و إن لم يجر فيه ذلك،لكن الجواب عنه بعد الذبّ عمّا عداه سهل؛لقصور السند،و عدم المقاومة لأدلة الأكثر بوجوه لا يخفى على من تدبّر.

هذا مع احتماله كغيره الحمل على التقية،كما صرّح به في الوسائل، قال:لموافقتها لمذهب العامة (1).

و على المختار يعتبر خفاء الجدران هنا كالأذان أيضا بلا خلاف،إلاّ من بعض المتأخرين (2)،فاقتصر هنا على الأذان خاصة؛لاختصاص الصحيح به.

و هو ضعيف؛لعدم انحصار الدليل فيه،و وجود غيره الشامل له و للجدران؛و مع ذلك فالظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل (3)،و إن كان ربما

ص:373


1- الوسائل 8:477.
2- كصاحب المدارك 4:458.
3- حاشية المدارك للوحيد البهبهاني(مخطوط).

يتوهم من الفاضلين في الشرائع و التحرير (1)؛و لكنه ضعيف.

أحكام القصر
القصر عزيمة إلاّ في أحد المواطن الأربعة

و أما القصر و المراد به حذف أخيرتي الرباعية،و الإفطار في الصوم فهو عزيمة أي واجب لا رخصة،بالضرورة من مذهب الإمامية،و عليه أكثر العامة (2)،و النصوص به من طرقهم مستفيضة،بل متواترة (3).

إلاّ في أحد المواطن الأربعة المشهورة،و هي مكة،و المدينة، و جامع الكوفة،و الحائر على مشرّفه أفضل صلاة و سلام و تحية فإنه مخيّر فيها في الصلاة بين القصر و الإتمام و هو أفضل.

بلا خلاف يظهر إلاّ من صريح الصدوق-رحمه اللّه-فلا يتمّ إلاّ بعد نية إقامة العشرة (4).

و مقتضاه لزوم القصر كما في الصحاح المستفيضة و غيرها،منها:عن التقصير في الحرمين و التمام،قال:«لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيام» فقلت:إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام،فقال:«إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون و يأخذون نعالهم فيخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام» (5).

و نحوه آخر لراويه مروي في العلل،لكن فيه:روى عنك أصحابنا أنك قلت لهم:«أتمّوا بالمدينة لخمس»فقال:«إنّ أصحابكم..»إلى آخر

ص:374


1- الشرائع 1:134،التحرير 1:56.
2- انظر إرشاد الساري 2:294،و المجموع شرح المهذب 4:337،و بداية المجتهد 1:166.
3- راجع مسند أحمد 2:99،صحيح البخاري 2:54،سنن الترمذي 2:542/28،سنن النسائي 3:116.
4- الفقيه 1:283.
5- التهذيب 5:1485/428،الاستبصار 2:1181/332،الوسائل 8:534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34.

التعليل (1).

و منها:عن الصلاة بمكة و المدينة بتقصير أو إتمام؟قال:«تقصّر ما لم تعزم على مقام عشرة» (2).

و من ظاهر المرتضى و الإسكافي (3)فلزوم التمام؛للأمر به أو ما في معناه في المعتبرة المستفيضة فيها الصحاح و غيرها.

ففي الصحيح:عن التمام بمكة و المدينة،قال:«أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة» (4).

و نحوه الموثق (5)،و غيره،و منه الحسن:«إذا دخلت مكة فأتمّ يوم تدخل» (6).

و الخبر:أقدم مكّة أتمّ أم أقصّر؟قال:«أتمّ»قلت:أ مرّ على المدينة فأتمّ أو أقصّر؟قال:«أتمّ» (7).

و نحوه آخر مروي عن كامل الزيارة لابن قولويه:عن الصلاة في

ص:375


1- علل الشرائع:10/454،الوسائل 8:531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27.
2- التهذيب 5:1482/426،الاستبصار 2:1178/331،الوسائل 8:533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.
3- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):47،و نقله عن الإسكافي في المختلف:168.
4- التهذيب 5:1481/426،الاستبصار 2:1177/331،الوسائل 8:525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.
5- الكافي 4:2/524،التهذيب 5:1477/425،الاستبصار 2:1173/330،قرب الاسناد:118/300،الوسائل 8:529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17.
6- التهذيب 5:1480/426،الاستبصار 2:1176/331،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 7.
7- التهذيب 5:1479/426،الاستبصار 2:1175/330،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 9.

الحرمين،قال:«أتمّ و لو مررت به مارّا» (1).

و هما نادران،و لا سيّما الثاني،مع عدم صراحة كلام قائله في لزومه، و احتمال إرادته الاستحباب كما في السرائر عن المرتضى (2)،بل قد حكى على خلافهما الإجماع في صريح الخلاف و السرائر (3)،و ظاهر روض الجنان،حيث جعل التخيير من متفردات الأصحاب من غير نقل خلاف (4)،و كذا الذكرى، لكنه نقل الخلاف عن الصدوق خاصة (5).

و في الوسائل:إنه-مع أفضلية التمام-مذهب جميع الإمامية،قال:

و خلافه-أي الصدوق-شاذّ نادر (6).

و ظاهره أيضا الإجماع،و هو الحجّة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة هي مع السابقة من التواتر،بل لعلّها متواترة،فلا يضرّ قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها،سيّما مع الانجبار بالشهرة العظيمة،بل الإجماع كما عرفته من عبائر النقلة له.

و هي ما بين صريحة في ذلك و ظاهرة،ففي الصحيح:في الصلاة بمكة،قال:«من شاء أتمّ و من شاء قصّر» (7).

و في الخبر:أقصّر في المسجد الحرام أو أتم؟قال:«إن قصّرت فلك

ص:376


1- كامل الزيارات:250،الوسائل 8:532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.
2- السرائر 1:342.
3- الخلاف 1:576،السرائر 1:343.
4- روض الجنان:397.
5- الذكرى:255.
6- الوسائل 8:534.
7- التهذيب 5:1492/430،الاستبصار 2:1189/334،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.

و إن أتممت فهو خير،و زيادة الخير خير» (1)و نحوه آخر (2).

و في الصحيح:«أحبّ لك إذا دخلتهما-أي الحرمين-أن لا تقصّر و تكثر فيهما الصلاة»فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة:إني كتبت بكذا فأجبتني بكذا،فقال:«نعم»فقلت:فأيّ شيء تعني بالحرمين؟فقال:«مكة و المدينة» (3).

و نحوه الخبر،بل أظهر:عن التقصير بمكة،فقال:«أتمّ و ليس بواجب،إلاّ أني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي» (4).و نحوه آخر في المواطن الأربعة (5).

و في الصحيح:«إنّ من مخزون علم اللّه تعالى الإتمام في أربعة مواطن:

حرم اللّه تعالى،و حرم رسوله،و حرم أمير المؤمنين،و حرم الحسين عليهم السلام» (6).

و نحوه المرسل لكن معبّرا عن المواطن بمكة و المدينة و الحائر و مسجد

ص:377


1- التهذيب 5:1493/430،الاستبصار 2:1190/334،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.
2- التهذيب 5:1669/474،كامل الزيارات:250 بسند آخر.
3- التهذيب 5:1187/428،الاستبصار 2:1183/333،الوسائل 8:525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
4- الكافي 4:3/524،التهذيب 5:1488/429،الاستبصار 2:1184/333، الوسائل 8:529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 19.
5- التهذيب 5:1495/430،الاستبصار 2:1192/335،الوسائل 8:527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.
6- التهذيب 5:1494/430،الاستبصار 2:1191/334،الوسائل 8:524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.

الكوفة (1).و نحو هما الحسن (2)و غيره (3)،لكن في الحرمين خاصة.

و هذه النصوص بعد ضمّ بعضها مع بعض صريحة في المذهب المشهور،و بها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة الآمرة بالقصر أو الإتمام؛ بحمل الأمر الأول على الرخصة،و يكون المراد من النهي عن التمام فيها إلاّ بنية الإقامة النهي عنه بقصد الوجوب،يعني لا يكون واجبا إلاّ بها (4)؛و الأمر الثاني على الفضيلة.

و أما حمله على صورة قصد الإقامة،و كذا ما قدّمناه من النصوص على التخيير مع أفضلية التمام-كما عليه الصدوق-فبعيد في الغاية،سيّما فيما دلّ منها على الأمر بالتمام بمجرد المرور أو الدخول و لو صلاة واحدة،فإنها ناصّة في صورة غير قصد الإقامة.

و كذا حمله على التقية و إن أشعر به الصحيحان المتقدمان سندا للصدوق؛لأن إيجاب التمام-على ما هو مقتضى الأمر-ليس مذهبا لأحد من

ص:378


1- الفقيه 1:1284/283،الوسائل 8:531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
2- الكافي 4:7/524،التهذيب 5:1478/426،الاستبصار 2:1174/330، الوسائل 8:524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.
3- الكافي 4:5/524،التهذيب 5:1490/429،الاستبصار 2:1187/334،الوسائل 8:530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.
4- و وجه هذا الحمل:أنه لمّا اشتهر الأمر بالتمام في ذلك الزمان و كان مقتضاه الوجوب،احتمل فهم الرواة منه إيّاه،فردّوه عليهم بأنّه لا يجب التمام إلاّ بقصد المقام عشرة أيام.و مما يؤنس لهذا الحمل بعض الأخبار الواردة فيها المتضمنّة بعد الأمر بالتمام لقوله عليه السلام:«و ليس بواجب إلاّ أنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي»فتدبّر. و محصّل هذا الحمل:لمّا كان وجوب التمام متوهّما من الأوامر الواردة به في أخبارهم عليهم السلام كثيرا بحيث إنّ نحو المرتضى و الإسكافي حكما به و سألوا الرواة عنه نهوهم عنه، و مثل هذا النهي الوارد في توهّم الوجوب لا يفيد سوى رفعه لا حرمته،كما تقرّر في الأصول. منه رحمه اللّه.

العامة،لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقا،و هم أكثرهم،و منهم أبو حنيفة (1)؛ و مخيّر بينه و بين القصر كذلك،و هو الشافعي و غيره (2)(3).

و منه يظهر أن حمل أوامر التقصير على التقية أولى،كما صرّح به جماعة من أصحابنا (4)؛لاتّفاقهم على جواز القصر،مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما و حديثا،فتأمل.

و أما الصحيحان فالظاهر منهما بعد ضمّ أحد هما إلى الآخر أن الأمر بالإتمام إنما هو بعد مضيّ خمسة أيام لا مطلقا،و لا ريب أنه للتقية؛فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة هو مذهب الشافعي (5)،و هو لا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام و لو في يوم الورود من غير الإقامة.

و مع ذلك فهما معارضان بما دلّ على أن الأمر بالتمام ليس للتقية،و أنه مخالف للعامة،و هو الصحيح:قلت لأبي الحسن عليه السلام:إن هشاما

ص:379


1- راجع عمدة القارئ 7:117،122.
2- الشافعي في الأم 1:187،185؛و انظر المغني و الشرح الكبير 2:108.
3- ثمَّ لو سلّمنا جريان نحو هذه المحامل و اجتماع الأخبار بها بعض مع بعض نقول:إنها معارضة بما قدّمناه من المحامل،لاجتماعها بها أيضا.و حيث دار الأمر في الجمع بين الأخبار بين أحد الجمعين كان خيرة المشهور أرجح و أقوى من وجوه شتّى،لاعتضاده بالشهرة،و حكايات الإجماعات المتقدّمة،و كثرة الأخبار الدالّة على التمام الآمرة به على الإطلاق أو مخيّرة. بخلاف الجمع الّذي ذكره،فإنّه بطرف الضدّ من هذه المرجّحات المزبورة،و ليس مرجّح في طرفه إلاّ عمومات بل إطلاقات الكتاب و السنّة بلزوم القصر على كلّ مسافر،مضافا إلى إطلاق ما دلّ من الفتوى و المعتبرة بأنّه إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت،الظاهرة في تلازم الصلاة و الصوم قصرا و إتماما.و شيء منهما لا يعارضان المرجّحات المتقدّمة،فإنّ هذين المرجحين من باب العموم و الإطلاق و تلك من باب الخصوص،فهي مقدّمة عليهما كما لا يخفى.منه عفى عنه.
4- منهم:صاحب الوسائل 8:534،و الحدائق 11:442،و الوافي 7:187.
5- كما في الأم 1:186،و بدائع الصنائع 1:97.

روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين،و ذلك من أجل الناس،قال:«لا، كنت أنا و آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس» (1).

هذا،و لكن يستفاد من جملة من النصوص اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب،ففي الصحيح:كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:أن الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التقصير في الحرمين،فمنها:أن تتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة،و منها:أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام،و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا،فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام،فصرت إلى التقصير و قد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك،فكتب عليه السلام إليّ بخطّه:«قد علمت-يرحمك اللّه تعالى-فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما،فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر»إلى آخر ما مضى (2).

و في الخبر المروي عن كامل الزيارة،عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت عن أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد:مكة و المدينة و قبر الحسين عليه السلام و الكوفة،و الذي روي فيها،فقال:أنا أقصّر،و كان صفوان يقصّر،و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصّرون (3).

فالأحوط التزام القصر و إن كان في تعيّنه نظر؛لإمكان الذبّ عن الخبرين -مع قصور سند الثاني-بأن المقصود منهما الإشارة إلى جواز التقصير،و عدم تعيّن التمام كما يفهم من أوامره،لا تعيّنه.

ص:380


1- التهذيب 5:1486/428،الاستبصار 2:1182/332،الوسائل 8:526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 6.
2- في ص:374 الرقم 3.
3- كامل الزيارات:248،المستدرك 6:545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

مع تضمن الأول تحبيب التمام منه عليه السلام،و العبرة به لا بغيره؛مع ظهور صدره في رجحان التمام عند رواية.

و نحوه في هذا:الخبر:سألت الرضا عليه السلام فقلت:إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين،فبعضهم يقصّر،و بعضهم يتمّ،و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام،و ذكرت عبد اللّه بن جندب و أنه كان يتمّ،قال:

«رحم اللّه تعالى ابن جندب»ثمَّ قال لي:«لا يكون الإتمام إلاّ أن تجمع على إقامة عشرة أيام،و صلّ النوافل ما شئت»قال الراوي:و كان محبّتي أن يأمرني بالتمام (1).

و هو صريح في اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب،و أن عليها عمل جملة منهم،و إنما أمره عليه السلام بالقصر و لم يأمره بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.

و لو سلّم اشتهار تعيّن القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حدّ الإجماع، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعا ظاهرا، كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا؛لعدم وجود مخالف مطلقا،ظاهرا و لا محكيا،عدا الصدوق،و هو نادر جدّا،بل لم يتعرض لنقل خلافه جماعة كالحلّي و غيره.

و لا ريب أن مثل هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة،فالقول بالتخيير في غاية القوة و إن كان الأحوط القصر،تحصيلا للبراءة اليقينية.

و قد اختلف الأصحاب في التعبير عن المواطن الأربعة-لاختلاف النصوص فيه-على أقوال،إلاّ أن ما في العبارة مطلقا أشهرها و أظهرها

ص:381


1- التهذيب 5:1483/426،الاستبصار 2:1179/331،الوسائل 8:533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

و أحوطها،إلاّ بالنسبة إلى المواطنين الأوّلين،فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين،بل لا ينبغي أن يتعدّاهما،أخذا فيما خالف الأصل على المتيقن من النصّ و الفتوى.

ثمَّ إن مقتضى الأصول و اختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به في الصلاة في المواطن المزبورة:عدم التعدية به إلى الصوم،كما هو في الظاهر إجماع.

و لا إلى الصلاة في غير هذه المواطن و لو كان من المشاهد الشريفة.

و خلاف المرتضى و الإسكافي (1)فيها نادر،فلا يفيدهما التمسك ببعض التعليلات و الظواهر.

نعم في الرضوي:«إذا بلغت موضع قصدك من الحجّ و الزيارة و المشاهد و غير ذلك ممّا قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك التمام» (2).

لكن في الخروج به عن مقتضى الأصل و العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع مشكل،سيّما مع تضمّنه الحكم بوجوب التمام،لما مرّ من شذوذه،و مخالفته الإجماع و الأخبار المستفيضة بل المتواترة،إلاّ أن يحمل الوجوب على مطلق الثبوت.

و اعلم:أن وجوب القصر في غير محلّ الاستثناء و ثبوته فيه إنما هو بعد اجتماع شروطه،و إلاّ فالواجب التمام،إلاّ مع انتفاء الأول منها بقسميه (3)، فاختلف فيه الأصحاب.

ص:382


1- المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل الشريف المرتضى 3):47،و نقله عن الإسكافي في المختلف:168.
2- فقه الرضا(عليه السلام):160.
3- أي الشرط الأول و هو المسافة،و مراده بقسميه:الثمانية الذهابيّة،و الملفقة من الأربعة الذهابيّة و الإيابيّة.

و المشهور بين المتأخرين وجوبه أيضا مطلقا،وفاقا للمرتضى و القاضي و الحلّي (1)؛للأصل،و ظواهر ما مرّ من النصوص باعتبار الثمانية فراسخ،و حملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على ما إذا أريد الرجوع ليومه،عملا بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع.

و هي و إن قصرت عن الدلالة على اعتبار كونه ليومه،إلاّ أن بعضها مشعر به كالموثق:عن التقصير،قال:«في بريد»قال،قلت:بريد؟!قال:«إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه» (2).

و فيه نظر؛لضعف الإشعار،مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة بوجوب التقصير في الأربعة مع عدم إرادة الرجوع ليومه:

منها الصحيح:إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات،فقال:«ويحهم أو ويلهم و أيّ سفر أشدّ منه؟!لا تتمّ» (3).

و قريب منه الموثق:«ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟» (4).

و الخبر:في كم التقصير؟فقال:«في بريد، ويحهم كأنهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقصّروا» (5).

ص:383


1- جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):47،القاضي في المهذّب 1:106،الحلي في السرائر 1:329.
2- التهذيب 4:658/224،الوسائل 8:459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
3- الكافي 4:5/519،الفقيه 1:1302/286،التهذيب 3:507/210،الوسائل 8:463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
4- التهذيب 3:499/208،الاستبصار 1:795/224،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 5.
5- التهذيب 3:502/209،الاستبصار 1:798/225،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.

و حملها على إرادة الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّا؛لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا،كما وقع التصريح به في الخبر الأخير،و الصحيح:

«إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا،و إذا زاروا و رجعوا إلى منازلهم أتمّوا» (1).

و بالجملة:لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها،مع صحة جملة منها و استفاضتها:وجوب التقصير في الأربعة مطلقا و لو لم يرد الرجوع ليومه،كما عليه العماني (2)،و مال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (3)، و هو قوي متين.

و به يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية،و بالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك،و بالثمانية الملفقة من الأربعة،بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة و لو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية و الإيابية،كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.

لكن ربما يخدشه ندرة القول به و شذوذه بين القدماء و المتأخرين؛ لإطباقهم-عدا العماني-على عدم وجوب التقصير،و إن اختلفوا في جوازه و عدمه،و المشهور بين المتأخرين كما مرّ هو الثاني،و بين القدماء هو الأول مخيّرين بينه و بين التمام،و إلى قولهم أشار بقوله:

و قيل:من قصد أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر و الإتمام و القائل الصدوقان و الشيخان و الديلمي (4)،و غيرهم،بل عن الأمالي

ص:384


1- الكافي:2/518،الوسائل 8:465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
2- حكاه عنه في المختلف:162.
3- منهم:صاحب الوسائل 8:463،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:25،و المحقّق السبزواري في الذخيرة:406،و صاحب الحدائق 11:325.
4- الصدوق في الفقيه 1:280،و قد نقل عن والده و عن المفيد العلاّمة في المختلف:162، الطوسي في التهذيب 3:208،الديلمي في المراسم:75.

دعوى الإجماع عليه (1).

و على هذا فيشكل المصير إلى هذا القول (2)،سيّما مع ظهور دعوى الإجماع من السرائر و المختلف (3)على خلافه؛لتصريح الأول بالإجماع على جواز التمام،و حصول البراءة به بلا خلاف،و استدلال الثاني على لزوم التمام بأنه أحوط.و لا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على جواز التمام؛لأنه الأخذ بالأوثق،و لا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف.

و أظهر منهما عبارة شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله،فإنه قال في جملة كلام له:و لو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتّحاد حكم الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأول يخرج مقصّرا مع عدم العود ليومه،و هو باطل إجماعا (4).

و حينئذ فيدور الأمر بين مذهب المتأخرين و القدماء.لا سبيل إلى الأول؛ لأن فيه إطراحا للمعتبرة المستفيضة الظاهرة بل الناصّة في ثبوت القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه (5)،و هو من غير معارض صريح بل و لا ظاهر كما مرّ مشكل،فتعيّن الثاني.

لكن ربما ينافيه ظهور جملة من تلك المعتبرة في وجوب القصر- كظهورها فيما مرّ-لتضمنها النهي عن التمام،و الإنكار على فاعله بالويل و الويح الظاهر بل الصريح-كالأول-في حرمته،كما عليه العماني.

ص:385


1- أمالي الصدوق:514.
2- أي قول العماني.منه رحمه اللّه.
3- السرائر 1:329،المختلف:162.
4- رسائل الشهيد الثاني:172.
5- راجع ص 377 و 378.

إلاّ أن يذبّ عنه بصرف النهي و الإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه، كما عليه الناس يومئذ،و لا بأس به،لإمكانه،فيتعيّن ارتكابه.

و حينئذ فيقوّى القول بالتخيير،بل و يتعيّن؛لاجتماع النصوص عليه أيضا،مع وضوح الشاهد عليه من الإجماع المتقدم عن الأمالي؛مضافا إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله:«فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار،فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت» (1).

و ممّا ذكرنا ظهر ما في قول الماتن و لم يثبت إذ أيّ دليل أجود من الرضوي و إجماع الأمالي،المعتضدين بالشهرة القديمة،و خصوص ما ورد من أخبار عرفة،بناء على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر،و عدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه،لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.

فليس بعد ذلك إلاّ حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه،و يصرف الإنكار فيها عن التمام بالنهي و ما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه،كما قدّمناه،و سيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث (2).

و لذا اختار جماعة من المتأخرين-كشيخنا الشهيد الثاني و ولده و سبطه (3)-القول بالتخيير مع عدم وقوفهم على الرضوي و إجماع الأمالي.

و عليه فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر؟إشكال:من إجماع السرائر و المختلف و الأمالي و شيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول،مع

ص:386


1- راجع ص 338.
2- في مسألة اشتراط التوالي في نيّة الإقامة عشرة.منه رحمه اللّه.
3- الشهيد في روض الجنان:384،و ولده في منتقى الجمان 2:173،و سبطه في المدارك 4:437.

اعتضاده بالشهرة القديمة و المتأخرة القريبة من الإجماع،بل الإجماع حقيقة، لندرة العماني و شذوذه،و لذا لم ينقله الماتن و كثير و إنما نقلوا القول بوجوب التمام و التخيير.

و من ظاهر أخبار عرفة بوجوب التقصير.

و لعل الأول أجود،بل لعلّه المتعين.

و حيث جاز القصر فهل يعمّ الصلاة و الصوم،أم يختص بالأول؟ظاهر الأكثر،بل من عدا النهاية الأول؛لعموم الأدلة،و خصوص ما دلّ من تلازم القصرين من المعتبرة.

خلافا للنهاية فالثاني (1).

و اعلم:أن ظاهر إطلاق عبارة القدماء-عدا الديلمي (2)-بالتخيير في الأربعة ما لم يرد الرجوع ليومه يشمل ما لو لم يرد رجوعا أو أراده في غير يومه، انقطع سفره بأحد القواطع أم لا.

و لعلّ وجهه إطلاق الأدلة عدا أخبار عرفة،مع ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة مع التصريح فيه بالتمام بالوصول بعدها إلى الضيعة (3).

و لكن يمكن دعوى انصراف الإطلاق نصّا و فتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع،لأنه الغالب؛و لذا أنه عليه السلام في الموثقة المتقدمة بعد الحكم بأن المسافة بريد بقول مطلق و تعجّب الراوي عنه علّل بأنه إذا رجع شغل يومه (4)،و هو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع،فلا

ص:387


1- النهاية:161.
2- المراسم:75.
3- التهذيب 3:509/210،الاستبصار 1:811/229،الوسائل 8:496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4- راجع ص 383.

يمكن إثبات القصر فيها على الإطلاق.

و أما بعض الصحاح فيمكن الجواب عنه بما قدّمناه في ذيل البحث في الشرط الأول من حمله على التلفيق و لو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة؛ لإمكان حمله على التقية،كما عرفته ثمة (1).

نعم ربما يقال:إنه كباقي الإطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد القواطع فتعمّه و غيره،و دعوى اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا تخلو عن ريبة، و عليه فيؤول الأمر إلى كفاية الأربعة بقول مطلق.

و فيه نظر؛لظهور الموثقة المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع؛ لمكان التعجب و تقريره بالتعليل مشيرا به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير،و لا ريب أنها تنقطع بما مرّ من القواطع.

و نحوها الأخبار الأخر الدالة على اعتبار الإياب.

إلاّ أن يقال:المراد منها بيان المسافة المعتبرة في الوجوب دون الرخصة،كما يفهم من تعليل الموثقة و غيرها،فلا تكون هذه من أخبار المسألة.

لكن مثله يتوجّه في أخبار الأربعة أيضا؛لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه الإياب بحكم الغلبة و الموثقة،مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل التقصير و وجوبه،و ظاهرها و إن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع في وجوبه كما عليه العماني،إلاّ أنك عرفت انعقاد الإجماع ممّن عداه على خلافه،فكان هو السبب الأهمّ لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة له ب«من يومه» (2).

ص:388


1- راجع ص 340.
2- في«م»:من يريد الرجوع ليومه.

و على هذا فينحصر الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع لغير يومه في الرضوي و إجماع الأمالي،و لعلّهما كافيان في إثباته فيها،سيّما مع اعتضادهما بفتوى أعيان القدماء.

و حيث قد عرفت قوة احتمال انصراف إطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات التخيير فيها من غير إياب،فيتحتم فيها التمام،سيّما و في بعض عبارة الرضوي ممّا لم ننقله ما يدلّ عليه،و هو قوله عليه السلام بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه:«و إن عزمت على المقام و كان سفرك بريدا واحدا ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك فلا تقصّر»إلى أن قال:«و إن سافرت إلى موضع بمقدار أربعة فراسخ»إلى آخر ما مرّ (1).

و هو صريح في اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوبا إن وقع ليومه،و جوازا إن وقع في غيره،و أن مع عدمه أو تخلّل القاطع لا يجوز التقصير.

و هو يقوّي ما قدّمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع، لإبقائها على إطلاقها؛لأن الظاهر أنه المستند لهم في التخيير،و إن استند الشيخ له بالجمع بين النصوص،و يبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.

و كيف كان،فيتحصّل ممّا ذكرنا:عدم جواز القصر في الأربعة من غير إياب،و جوازه معه لغير يومه،و وجوبه معه ليومه،كما تضمّن جميع ذلك الرضوي،و على جملة منه إجماع الأمالي.

و لو أتم المقصّر عامدا أعاد

و لو أتم المقصّر المتحتم عليه التقصير عالما بوجوبه عامدا أعاد

ص:389


1- في ص 338.

وجوبا،وقتا و خارجا،إجماعا؛لعدم صدق الامتثال،و للصحيحين (1)و غيرهما المروي في الخصال،و فيه:«و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته،لأنه قد زاد في فرض اللّه تعالى» (2).

و لو كان جاهلا لم يعد مطلقا على الأشهر الأقوى،بل عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات؛للصحيح:في رجل صلّى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟قال:«إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاد،و إن لم تكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه» (3).

خلافا للمحكي عن الإسكافي و الحلبي،فيعيد في الوقت دون خارجه (4).و عن العماني فيعيد مطلقا (5).

و هما نادران و لا سيّما الثاني،مع عدم وضوح مستندهما عدا الأصول، و إطلاق ما مرّ من رواية الخصال للثاني،و إطلاق ما سيأتي من النصوص في الناسي للأول.

و تخصيصها أجمع بما هنا لازم؛لأخصّيته بالإضافة إلى الأصول و تاليها مطلقا،و بالإضافة إلى ما سيأتي من وجه،و هو التصريح فيه بالجاهل و إن شمل الإعادة فيه لغة للوقت و الخارج،فيقبل التقييد بالثاني؛لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي،و إن عمّ الجاهل و الناسي.

ص:390


1- الأول:التهذيب 2:33/14،الوسائل 8:507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.و الصحيح الثاني سيأتي مصدره في الهامش(3).
2- الخصال:9/603،الوسائل 8:508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.
3- الفقيه 1:1266/278،التهذيب 3:571/226،الوسائل 8:506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.
4- حكاه عن الإسكافي في المختلف:164،الحلبي في الكافي:116.
5- حكاه عنه في المختلف:164.

أما لزومه (1)بالإضافة إلى الأول فواضح؛لوجوب بناء العام على الخاص مطلقا حيثما تعارضا و حصل التكافؤ بينهما،كما هنا.

و أما لزومه بالإضافة إلى الثاني مع كون التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه-كما مرّ-يقبل كلّ منهما التخصيص بالآخر:فلرجحان ما هنا على مقابله بالأصل (2)و الشهرة العظيمة بين الأصحاب.

هذا إن قلنا بعموم لفظة الإعادة و شمولها لنحو القضاء،و أما على تقدير اختصاصه بما حصل في الوقت-كما هو المصطلح عليه بين الأصوليين-فهو بالإضافة إلى مقابله أخصّ مطلقا كسابقه،و لعلّه لذا جعل الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص مطلقا.

هذا مضافا إلى اعتضاده أيضا بصريح الرضوي:«و إن كنت صلّيت في السفر صلاة تامة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة،و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شيء عليك،و إن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شيء و لا إعادة عليك إلاّ أن تكون قد سمعت الحديث» (3).

و يستفاد منه أيضا حكم الناسي من أنه يعيد في الوقت لا مع خروجه كما هو الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في صريح الانتصار و الخلاف و السرائر و ظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه (4)،و زاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به.

و لم نقف على شيء منها يدل على الحكم صريحا،نعم في الصحيح:

عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة،قال:«إن كان في وقت فليعد،و إن

ص:391


1- أي:لزوم التخصيص.
2- و هو:أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.منه رحمه اللّه.
3- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 6:539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.
4- الانتصار:52،الخلاف 1:229،السرائر 1:328،التذكرة 1:193.

كان الوقت قد مضى فلا» (1).

و هو كما ترى غير صريح في الناسي،لكن بعمومه يشمله،و هو كاف، سيّما مع قيام الدليل على خروج العامد و الجاهل.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و المبسوط فيعيد مطلقا (2)؛لإطلاق الصحيح أو عمومه:صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر،قال:«أعد» (3).

و حمله الأصحاب على العامد.و الأولى حمله على الناسي مع تقييده بالوقت؛لما مرّ من حمل العام على الخاص،أو المطلق على المقيّد.

و للمقنع،فيعيد إن ذكر في يومه،فإن مضى اليوم فلا إعادة (4)؛للصحيح أو الخبر (5).و هو ككلامه مجمل؛لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط،فيحتمل الحمل عليه،بل و يتعيّن،للجمع،لأن ما مرّ أصرح،فيكون من أدلة المختار، و يجبر قصوره عن إفادة تمام المدّعى بعدم قائل بالفرق بين الظهر و العشاء مثلا،فتأمل جدّا.

لو دخل وقت الصلاة فسافر و الوقت باق قصّر

و لو دخل عليه وقت الصلاة حاضرا بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدّين فسافر و الوقت باق بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا قصّر على الأظهر الأشهر كما هنا،و في المعتبر و في السرائر عليه الإجماع (6)؛و هو الحجّة بعد العمومات القطعية كتابا و سنّة،

ص:392


1- الكافي 3:6/435،التهذيب 3:372/169،الاستبصار 1:860/241،الوسائل 8:505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
2- نقله عن والد الصدوق في المختلف:164،المبسوط 1:139.
3- التهذيب 2:33/14،الوسائل 8:507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.
4- المقنع:38.
5- الفقيه 1:1275/281،التهذيب 3:570/225،الاستبصار 1:861/241،الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
6- المعتبر 2:480،السرائر 1:334.

و خصوص المعتبرة.

منها الصحيح:قلت له عليه السلام:يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر،فلا أصلّي حتى أدخل أهلي،قال:«صلّ و أتمّ الصلاة»قلت:فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر،فلا أصلّي حتى أخرج،فقال:

«صلّ و قصّر،فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (1)و قريب منه آخر (2).

و منها:الرضوي:«فإن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة و لم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير،فإن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر و لم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام» (3).

خلافا لجماعة (4)فيتمّ؛للأصل المخصّص بما مرّ،و للصحيح (5)و غيره (6)المحتملين-و لا سيّما الأول-للحمل على ما يؤولان به إلى الأول كما يأتي، مع ضعف سند الثاني و احتماله الحمل على التقية،كسابقه.

و للصدوق و النهاية (7)(8)،فالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأول،

ص:393


1- التهذيب 3:353/163،الاستبصار 1:856/240،الوسائل 8:512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
2- الفقيه 1:1288/283،الوسائل 8:512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
3- فقه الرضا(عليه السلام):162،المستدرك 6:541 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
4- منهم:الصدوق في المقنع:37،و العلاّمة في المنتهى 1:395،و الشهيد الثاني في المسالك 1:50.
5- الفقيه 1:1289/284،التهذيب 3:557/222،الاستبصار 1:853/239،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.
6- الكافي 3:3/434،التهذيب 3:563/224،الاستبصار 1:855/240،الوسائل 8:515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.
7- الصدوق في الفقيه 1:284،النهاية:123.
8- في«ح»زيادة:و المبسوط.راجع المبسوط 1:141.

وسعته فالثاني؛جمعا،و للموثق (1)و غيره (2):في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف الفوت فليتمّ،و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر».

و فيهما نظر؛لإمكان الجمع أيضا بما مرّ،بل هو أظهر.و الخبران-مع ضعف سند ثانيهما و قصور الأول،و عدم ارتباطهما بمحل البحث،لكون موردهما صورة العكس-لا يقاومان ما مرّ من وجوه لا تخفى على من تدبّر.

مع احتمال كون المراد منهما ما في الصحيح:في الرجل يقدم من غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتمّ،و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصّر» (3).

فلا دلالة فيهما على المطلوب إن لم يكن لهما دلالة على خلافه.

و للخلاف فخيّر مع استحباب التمام (4)،و احتمله في كتابي الحديث؛ جمعا،و للصحيح:«إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصّر و إن شاء أتمّ،و إن أتمّ أحبّ إليّ» (5).

و يتوجه إليهما النظر بعين ما مرّ،غير القدح في السند،و يبدّل باحتماله الحمل على التقية-كما قيل (6)-لأنه مذهب بعض العامة.

ص:394


1- التهذيب 3:559/223،الاستبصار 1:857/240،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.
2- التهذيب 3:560/223،الاستبصار 1:858/241،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.
3- التهذيب 3:354/164،الوسائل 8:514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.
4- الخلاف 1:577.
5- التهذيب 3:561/223،الاستبصار 1:859/241،الوسائل 8:515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9 بتفاوت يسير.
6- قال به صاحب الوسائل 8:515.

و يزاد بعدم قبول بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع؛لتضمن الصحيح في الأول الحلف باللّه إن لم يفعله فقد خالف،و الخبر في الثاني للفظ الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي،و هما ينافيان التخيير.

و لبعض أفاضل متأخري المتأخرين فتوقّف بين القولين الأولين،قال:

لتعارض الصحيحين فيهما،و احتمال كل منهما الحمل على الآخر (1).

و فيه نظر؛لأن حمل الأخير على الأول أظهر،لكثرة العدد،و الموافقة للعمومات و الإجماع المنقول،مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير.

بخلاف الأوّل؛إذ الحمل المحتمل فيه هو صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضيّ مقدار الصلاة بالشرائط.و هو في غاية البعد عن السياق؛إذ الخروج إلى محل الترخص بعد دخول الوقت و هو في المنزل-كما هو نصّ المورد-يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا،بل و أكثر،و لا أقلّ من إحداهما قطعا،مع أنه عليه السلام أمر بالقصر من غير استفصال من مضيّ مقدارهما أو إحداهما.

مع أن قوله:«فلا أصلّي حتى أخرج»كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج.

مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقدير الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه،و هي دفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه،إذ هو ليس محلّ توهم لأحد في صورة الحمل،بل في صورة الظاهر.

و مع ذلك فقد اعترف هذا الفاضل بما ذكرنا،فقال:إن الصحيح الثاني أقبل للتأويل،بأن يكون المراد من قوله:«يدخل من سفره»قرب الدخول و المشارفة عليه،و كأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى،

ص:395


1- المحقق السبزواري في الذخيرة:415،و يظهر أيضا من الحدائق 11:480.

و كذا المراد من قوله:«خرج من سفره»قرب الخروج،و أراد به المقاربة من فعله،لا الخروج حقيقة.

و كذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت و لو بمقدار ركعة،على المشهور بين المتأخرين كما في روض الجنان و غيره (1)،حتى أن جملة منهم ممّن قال في المسألة الأولى بالقول الثاني وافق هنا كالشهيدين و الفاضل في كتبه (2)،و لم يتوقف المتوقف السابق.

لعين ما مرّ حتى الإجماع المحكي؛مضافا إلى الصحيح:عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر،ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها،قال:

«يصلّيها أربعا»و قال:«لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته» (3).

خلافا للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه فما مرّ من التفصيل (4).

و في الآخر-المحكي أيضا عن الإسكافي-فالتخيير (5).

و عن قائل غير معروف فإطلاق لزوم التقصير (6).

و مرّ مستند الجميع مع ما فيه.

و لو فاتت اعتبر في القضاء ب حال الفوات لا حال الوجوب فيقضي على المختار قصرا في المسألة الاولى،و تماما في الثانية؛لعموم قوله عليه السلام:«فليقض ما فاته كما فاته» (7).

ص:396


1- روض الجنان:398؛و انظر الذخيرة:415،و الحدائق 11:480.
2- الشهيد الأول في الدروس 1:212،الشهيد الثاني في الروضة 1:376،العلامة في المنتهى 1:396،و نهاية الإحكام 2:165.
3- التهذيب 3:352/162،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
4- المبسوط 1:141،التهذيب 3:163،223،الاستبصار 1:240.
5- حكاه عن الشيخ و الإسكافي في الذكرى:257.
6- نقله في روض الجنان:398.
7- عوالي اللئالي 3:150/107 بتفاوت.

و الصحيح:قلت له:رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر،قال:«يقضي ما فاته كما فاته،إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها،و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (1).

و على هذا الماتن هنا و في المعتبر (2)،و الفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (3)،لكن أوجب في المسألة الأولى التمام بناء على أصله.

خلافا للمرتضى و الشيخ و الإسكافي (4)،فحال الوجوب،و اختاره الحلّي،حاكيا له عن والد الصدوق في رسالته،و ادّعى لذلك عليه الإجماع و احتجّ عليه بعده بأمر اعتباري ضعيف (5).

لكن في الخبر:عن رجل دخل عليه وقت الصلاة و هو في السفر،فأخّر الصلاة حتى قدم،فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله،فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها،قال:«يصلّيها ركعتين،لأن الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» (6).

و هو صريح فيما ذكروه،إلاّ أن في السند ضعفا بموسى بن بكر،فلا يعارض ما مرّ،إلاّ أن يجبر بفتوى من مرّ،سيّما مع نقل الإجماع و وجود قرائن تدل على حسن حال الراوي،و لا يخلو عن نظر،لكنه يوجب التردد في

ص:397


1- الكافي 3:7/435،التهذيب 3:350/162،الوسائل 8:268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
2- المعتبر 2:480.
3- راجع المختلف:167،و المنتهى 1:396،و نهاية الإحكام 2:165،و إرشاد الأذهان 1:276،و القواعد 1:49،و التذكرة 1:185.
4- نقله عن المرتضى و الإسكافي في المعتبر 2:480،و يظهر من الشيخ في التهذيب 3:163.
5- السرائر 1:335.
6- التهذيب 3:351/162،الوسائل 8:513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.

المسألة،و به صرّح في الذخيرة (1)،فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالجمع بين القصر و الإتمام على حال.

إذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام أتم

و إذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام و لو ملفّقة من الحادي عشر بقدر ما فات من أوّلها على الأقوى أتمّ بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا و المتواتر من أخبارنا (2).

و لو نوى دون ذلك قصّر و لو كان خمسة أيام فصاعدا،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا كما في المنتهى (3)،مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر عبائر كثير (4).

لمفهوم الصحاح المستفيضة و غيرها،بل صريح جملة منها مستفيضة، ففي الصحيح في صيام المسافر،قال:«لا،حتى يجمع على مقام عشرة أيام» (5).

و في الخبر:«إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم و أتمّ،و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر،فإذا أتمّ الشهر فأتموا الصلاة و الصيام و إن قلت:أرتحل غدوة» (6).

خلافا للإسكافي فيتمّ في خمسة (7)؛للصحيح (8)،و هو مع قصوره

ص:398


1- الذخيرة:415.
2- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3- المنتهى 1:396.
4- منها:الخلاف 1:574،و المدارك 4:462،و شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني(مخطوط).
5- الكافي 4:2/133،الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
6- الكافي 4:1/133،الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.
7- كما نقله عنه في المختلف:164.
8- التهذيب 3:548/219،الاستبصار 1:849/238،الوسائل 8:501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

دلالة شاذّ محمول على التقية،كما ذكره جماعة (1)،أو على من كان بمكة و المدينة،كما ذكره شيخ الطائفة (2)،للصحيح الآخر لراويه (3)،و فيه نظر،مع أن المستفاد من بعض الصحاح المتقدمة في بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيهما للتقية (4).

و لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية،و لا بين العازم على السفر بعد المقام و غيره،على ما يقتضيه إطلاق النصّ و الفتوى،و به صرّح جماعة (5)،من غير خلاف بينهم فيه أجده.

و المراد بنية الإقامة تحقق المقام في نفسه،كما يقتضيه نحو الصحيح:

«إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة،و إن لم تدر ما مقامك بها تقول:غدا أخرج أو بعد غد،فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر،فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك» (6).

و عليه فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا،و من أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها.و مثله ما لو علّق النية على شرط،كلقاء رجل فلاقاه.

و هل يشترط التوالي في العشرة بمعنى أن لا يخرج من محل الإقامة إلى محل الرخصة مطلقا،كما عليه الشهيدان (7)،أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفا

ص:399


1- منهم:صاحب الوسائل 8:501،و الحدائق 11:350.
2- التهذيب 3:220.
3- التهذيب 3:594/220،الاستبصار 1:850/238،الوسائل 8:502 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 16.
4- راجع ص 374 و 375.
5- منهم الشهيد الأول في الذكرى:258،الشهيد الثاني في روض الجنان:386،صاحب المدارك 4:461.
6- الكافي 3:1/435،التهذيب 3:546/219،الاستبصار 1:747/237،الوسائل 8:500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.
7- الشهيد الأول في البيان:266،و الشهيد الثاني في رسائله:190.

و إلاّ فلا يشترط،كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا،أو لا يشترط مطلقا حتى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثر في نية إقامته،كما عن فخر المحققين (1)،و ربما يحكى أيضا عن والده (2)؟أوجه و أقوال.

خيرها أوسطها،وفاقا لجماعة من محققي متأخري المتأخرين (3)؛لعدم ورود نصّ شرعي في تحقيق معنى الإقامة،فيرجع فيه إلى ما يعدّ إقامة عرفا و عادة.

و اعتبار حدّ الرخصة في كل من الخروج و الدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة،مع أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي.و تقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا حقيقة شرعية لذلك اللفظ،لا شرطا شرعيا للحكم في بعض الموارد،كما نحن فيه؛فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما ذكرنا،لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الرخصة للفظها.

و بما ذكرنا ظهر ضعف الوجه الأول،و كذا الثالث؛لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في التمام معه.نعم،ربما يعضده بعض النصوص:استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام و التقصير،قال:«إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتمّ الصلاة»فقلت له:إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو

ص:400


1- حكاه عنه الشهيد في رسائله:191.
2- انظر المسائل المهنائية:132.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3:409،و صاحب المدارك 4:460، و المحقق السبزواري في الكفاية 33،و العلامة المجلسي في البحار 86:42،و صاحب الحدائق 11:346.

ثلاثة،قال:«انو مقام عشرة أيام و أتمّ الصلاة» (1).

و لا ريب أن القادم بيومين قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة،و لا يتمّ معه الحكم بالتمام إلاّ على هذا القول من أن المعتبر عدم الخروج إلى مسافة خاصة،و إلاّ فعلى القولين الأولين لا يصدق الإقامة من حين النية قطعا في الأول،و عرفا في الثاني،فكيف يتمّ مع ذلك الحكم بالتمام بنية الإقامة المزبورة؟! و قريب منه إطلاق الصحيح المتضمن لأن من توجّه إلى عرفات فعليه التقصير،و إذا رجع و زار البيت و رجع إلى منى فعليه الإتمام (2).

و في الآخر:«من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة،فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير،و إذا زار البيت أتمّ الصلاة،و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر» (3).

قال في الوافي:إنما يجب الإتمام لأنه لا بدّ له من إقامة عشرة حتى يحجّ،و إنما وجب القصر إذا خرج إلى منى لأنه يذهب إلى عرفات و يبلغ سفره بريدين،و إنما يتمّ إذا زار البيت لأن الإتمام بمكة أحبّ من التقصير،و إنما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى لأنه كان من عزمه الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج كما يكون في الأكثر،و منى من مكة أقلّ من بريد.

ثمَّ قال:و فيه نظر؛لأن سفره من عرفات هدم إقامته الاولى،و إقامته الثانية لم تحصل بعد،إلاّ أن يقال:إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة،

ص:401


1- التهذيب 5:1484/427،الاستبصار 2:1180/332،الوسائل 8:528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.
2- التهذيب 5:1487/428،الوسائل 8:537 أبواب صلاة المسافر ب 27 ح 3.
3- التهذيب 5:1742/488،الوسائل 8:464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

و عليه الاعتماد،و يأتي ما يؤيده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة (1).

و ذكر فيه الصحيحة المتقدمة.

و هو-كما ترى-ظاهر في موافقته لهذا القول،و أن قصد نحو عرفات مع الرجوع قبل العشرة قاطع للإقامة قطعا،و لعلّه لما ستعرفه من الاتفاق عليه.

و لعل هذا هو السرّ في تقييده التمام إذا رجع إلى منى بما إذا قصد إقامة ثانية.فما يقال عليه من أن في تقييده تأملا،إذ ليس منه عين و لا أثر و لا عادة، لا يخلو عن مناقشة،سيّما مع دعواه الأكثرية التي مرجعها إلى العادة.لكنها لعلّها لا تخلو عن مناقشة،لكن الظاهر أن ذكره هذه الدعوى إنما هو لبيان حكمة ترك التقييد و إن كان السبب فيه حقيقة هو ما ذكره من كون قصد نحو عرفات قاطعا للإقامة.

و على هذا فغاية ما يستفاد من هاتين الروايتين عدم انقطاع الإقامة بالخروج إلى نحو منى،و لعلّه لصدق الإقامة معه عرفا،و هو لا يستلزم عدم الانقطاع بالخروج إلى ما دون المسافة مطلقا.

إلاّ أن يقال في توجيه الاستدلال بهما لهذا القول على المختار بأن سفر عرفات ليس بمسافة القصر على الحتم كما مرّ،و مثله لا يهدم قصد إقامة العشرة،كما يظهر منهما من عدم نية إقامة مستأنفة،و كون الإتمام بعد الرجوع مترتبا على الإتمام السابق من جهة أنه صار بمنزلة أهل مكة.و فيهما شهادة على أن سفر عرفات سفر رخصة في القصر؛لعدم كونه سفرا تاما بسبب عدم الرجوع ليومه الذي هو شرط كما مرّ.

و لا يخلو عن نظر؛لإطلاق الأصحاب الحكم بانقطاع الإقامة بالخروج إلى مسافة،من دون تقييد كما سيظهر،حتى أن الشيخ-الذي هو

ص:402


1- الوافي 7:154.

أحد القائلين بجواز التقصير في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه-جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية الاولى-من حصول نية الإقامة عشرا مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها-من خصائص الحرمين اللذين هما موردهما (1).

و على هذا فتشذّ الروايات من هذا الوجه أيضا،زيادة على ما مرّ من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة على لزوم التقصير في الأربعة فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.

هذا،مع أن التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نيّة الإقامة إلى أن يصلّي تماما،لا مطلقا؛لما سيأتي من الاتفاق فتوى و نصّا على أنه متى نوى الإقامة عشرة أيام و صلّى صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصّر حتى يقصد مسافة جديدة،و لذا أن الشهيدين (2)اللذين هما العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في الإقامة صرّحا-كغيرهما (3)-بأنه يتمّ إذا خرج بعدها إلى ما دون المسافة.

و لا ينافيه تصريحهم بلزوم التقصير في العود مع عدم العزم على إقامة مستأنفة،و إلاّ فيتمّ مطلقا؛لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد المسافة ليجامع ما مرّ من اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر بعد الإقامة و إتمام صلاة واحدة،مع تصريحهم أيضا بكونها من قواطع السفر و منزّلة للمقيم منزلة المتوطّن.

و على هذا فتخرج الصحيحة الأخيرة-على تقدير سلامتها عمّا مرّ إليه الإشارة-عن مفروض المسألة،و هو اعتبار التوالي بالمعنى الأول أو العرفي عند

ص:403


1- راجع التهذيب 5:427.
2- البيان:266،روض الجنان:394.
3- المدارك 4:461.

نية الإقامة؛لأن موردها الخروج إلى ما دون المسافة بعد حصول الإقامة عشرة.

و الصحيحة الأولى تقبل التقييد بهذا دون مفروضنا.

و أما الرواية فيكفي في الجواب عنها زيادة على ما مرّ قصور السند.

و بالجملة فما اخترناه هو المعوّل عليه و المعتمد.

و لو تردّد في الإقامة عشرا قصّر ما بينه و بين ثلاثين يوما،ثمَّ أتمّ و لو صلاة واحدة،بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (2)و إن اختلفت كالفتاوي في التأدية عن العدد بالشهر كما في أكثرها،أو بالثلاثين كما في العبارة و غيرها (3).و لعلّه الأقوى؛ حملا للمطلق على المقيّد،أو المجمل على المبيّن؛مع كونه الأغلب من أفراد المطلق فتعيّن و لو لم يكن هنا مقيّد،اقتصارا فيما خالف الأصل-الدالّ على استصحاب بقاء القصر-على الفرد المتيقّن.فلا يرد أن المقيّد لا عبرة بمفهومه، لوروده أيضا مورد الأغلب؛إذ غاية ذلك سقوطه فيرجع في الفرد النادر إلى حكم الأصل.

و تظهر الثمرة ما لو حصل التردّد في أول الشهر فيكفي في الانتقال إلى التمام مضيّه و لو نقص،على الأول،و لا على الثاني بل لا بدّ من تمام العدد.

لو نوى الإقامة ثمَّ بدا له قصّر ما لم يصلّ على التمام

و لو نوى الإقامة عشرا ثمَّ بدا له فيها قصّر ما لم يصلّ على التمام و لو صلاة واحدة،بلا خلاف فيه أيضا أجده،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (4)؛للصحيح إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام

ص:404


1- منهم:الشيخ في الخلاف 1:574،و العلامة في المنتهى 1:397،و صاحب المدارك 4:463.
2- الوسائل 8:498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3- كالقواعد 1:50،و البيان:260،و مفاتيح الشرائع 1:23.
4- منهم:صاحب المدارك 4:463،و الفيض في مفاتيح الشرائع 1:25.

فأتمّ الصلاة،ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها،فما ترى لي،أتم أم أقصّر؟فقال:

«إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام،فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها؛و إن كنت حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم،فأنت في تلك الحال بالخيار،إن شئت فانو المقام عشرة أيام و أتمّ،و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين الشهر،فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (1).و بمعناه الرضوي (2).

و أما الخبر الدال على الأمر بالتقصير بالبداء عن الإقامة مع إتمام الصلاة (3)،فمع قصور سنده-بل ضعفه و شذوذه-غير صريح في المخالفة؛ لقوة احتمال كون الأمر به كناية عن الأمر بالسفر،دفعا لما توهّمه السائل من عدم جواز إبطال نية الإقامة.

و ظاهر الصحيح وجوب القصر بعد البداء و قبل فعل الصلاة تماما،سواء قصد مسافة أو تردّد في الإقامة و عدمها،و هو الأشهر الأقوى.

خلافا لجماعة فاحتملوا اختصاصه بالأول (4).

و الحكم بالإتمام وقع فيه معلّقا على من صلّى فرضا مقصورا تماما بعد نية الإقامة،فلا تكفي النافلة،و لا الفريضة الغير المقصورة،و لا المقصورة إذا تمّمت بغير نية الإقامة سهوا،أو لشرف البقاع الأربع،أو استقرت في الذمة تامة بخروج وقتها،و لا الصوم مطلقا.

ص:405


1- الفقيه 1:1271/280،التهذيب 3:553/221،الاستبصار 1:851/238،الوسائل 8:508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2- فقه الرضا(عليه السلام):161،المستدرك 6:540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
3- الفقيه 1:1286/283،التهذيب 3:554/221،الاستبصار 1:852/239،الوسائل 8:509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
4- منهم:الشهيد في روض الجنان:394،و المحقق السبزواري في الذخيرة:412.

كلّ ذلك على الأقوى،وفاقا لجماعة (1).خلافا لآخرين (2)،فاكتفوا بها جملة أو ببعضها على اختلاف لهم؛لوجوه اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

ثمَّ إنّ المتبادر من الخروج المعلّق عليه القصر بعد التمام في الخبر إنما هو الخروج إلى المسافة لا دونها،بشهادة السياق؛مضافا إلى ما مرّ من الاتفاق على جعل الإقامة عشرا من القواطع،و كون البلد بها بمنزلة الوطن.

و مقتضى ذلك أنه لو سافر لدون المسافة أتمّ مطلقا،سواء قصد العود إلى محل الإقامة و عزم على إقامة عشرة مستأنفة كما هو إجماع،أو لم يقصد العود إليه أصلا،أو قصده و لم يعزم على المقام عشرا ثانيا،سواء عزم على إقامة ما أم لا.

و لكن ظاهر الأصحاب-كما قيل (3)-في الصورة الأولى الاتفاق على القصر ذهابا و إيابا و إن اختلفوا في ثبوته بمجرّد الخروج أو بعد الوصول إلى حدّ الترخّص-كما هو الأقوى على تقدير ثبوت القصر بالإجماع المحكي-أو تقييده بما يأتي؛لعموم المنزلة المتقدمة.

و أما الصورة الثانية فظاهر المشهور فيها أيضا وجوب القصر و إن اختلفوا في إطلاقه بمجرد الخروج أو بعد بلوغ حدّ الترخّص،أو تقييده بحال الإياب خاصة.و على الأول الشيخ و الحلّي و العلاّمة (4)،و على الثاني الشهيدان

ص:406


1- منهم:صاحب المدارك 4:464،و المحقق السبزواري في الذخيرة:412؛و انظر الحدائق 11:421.
2- انظر:التذكرة 1:193،و نهاية الإحكام 2:185،و التنقيح 1:294،و روض الجنان:395.
3- الحدائق 11:484.
4- الشيخ في المبسوط 1:138،الحلّي في السرائر 1:345،العلامة في المنتهى 1:398.

و جماعة (1).

و حجّتهم على أصل التقصير هنا و في الصورة السابقة غير واضحة بعد فرض الخروج إلى دون المسافة،مع اتفاقهم-كما عرفت-على كون الإقامة من القواطع،و أنه لا بدّ في القصر بعدها من مسافة جديدة،إلاّ أن تقيّد عباراتهم بصورة قصدها و إن اختصّت بالخروج لدونها،و إلاّ فلا يمكن الجمع بين حكميهما في المسألتين،كما نبّه عليه جماعة،أوّلهم شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي أفردها لبيان أحكام صور المسألة (2).

و عليه فالمتجه ما عليه الشهيدان من اختصاص القصر بحال العود خاصة؛لما مرّ من نقل الإجماع على عدم ضمّ الذهاب إلى الإياب مطلقا.

و لكن في الاعتماد عليه هنا إشكال؛لوهنه بمصير الشيخ و من تبعه و لو في (3)المسألة على خلافه.

يستحب أن يقول عقيب الصلاة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ثلاثين مرة

و يستحب أن يقول عقيب الصلاة المقصورة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ثلاثين مرة،جبرا لما قصّر منها.

و ظاهر النص (4)المتضمن له الوجوب،إلاّ أنه لا قائل به مع ضعف سنده،فليحمل على مطلق الثبوت،أو تأكّد الاستحباب،و قد روي استحباب فعلها عقيب كل فريضة (5)،فاستحبابها هنا يكون آكد.

و هل يتداخل الجبر و التعقيب أم يستحب تكرارها؟وجهان.

ص:407


1- الشهيد الأول في الدروس 1:214،الشهيد الثاني في رسائله:186؛و انظر الحدائق 11:484.
2- رسالة نتائج الأفكار في حكم المقيم في الأسفار(رسائل الشهيد الثاني):168.
3- في«ل»و«ح»زيادة:غير.
4- التهذيب 3:594/230،الوسائل 8:523 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1
5- الوسائل 6:453 أبواب التعقيب ب 15.
لو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ و اقتصر على فرضه و سلّم منفردا

و لو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ و اقتصر على فرضه و سلّم منفردا مطلقا،سواء أدرك الصلاة جميعا أو ركعة أو أقل منها،بإجماعنا و أخبارنا (1)؛و قد مضى الكلام فيه في بحث الجماعة مستوفى.

و يجوز أن يجمع المسافر بين صلاتي الظهر و العصر و كذا بين صلاتي المغرب و العشاء كما هنا و في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و غيرها (2)،و في صريح الأول و ظاهر ما عدا الثاني كونه مجمعا عليه بيننا.

و لا ريب فيه؛لاستفاضة النصوص،بل تواترها به جدّا عموما،مثل ما دلّ على اشتراك الوقتين،و خصوصا كالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المتقدمة هي-كالسابقة-في مباحث أوقات الفرائض الخمس.

و إنما الإشكال في استحبابه أو جوازه بقول مطلق،كما هو ظاهر من مرّ، عدا الشهيد في الذكرى فظاهره الأول،و به صرّح هو في الدروس و المحقّق الثاني كما حكي (3)،قال:للنبوي:«كان عليه السلام إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة» (4).

و في دلالته على الاستحباب نظر.

و مقتضى عموم ما دلّ على أفضليّة أول الوقت (5)أفضليته و لو هنا،فيشكل الحكم باستحباب الجمع،و سيّما في المغرب و العشاء،فإنّ استحباب الجمع

ص:408


1- الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
2- الخلاف 1:588،السرائر 1:344،المنتهى 1:399،التذكرة 1:76،الذكرى:262؛ و انظر الجامع للشرائع:93،و المهذب البارع 1:495.
3- الدروس 1:214،و لم نعثر على قول المحقق الثاني.
4- الكافي 3:3/431،التهذيب 3:609/233،الوسائل 4:219 أبواب المواقيت ب 31 ح 3.
5- الوسائل 4:118 أبواب المواقيت ب 3.

بينهما يوجب الحكم باستحباب ترك نافلة المغرب،و هو باطل إجماعا،لثبوت استحبابها سفرا و حضرا،فالتعبير بالجواز المطلق كما في عبائر هؤلاء أولى.

لكن يتوجه على هذا أنه لا فائدة لتخصيص الحكم به بالسفر مع ثبوته في الحضر أيضا،بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف و الذكرى (1)و غيرهما،و تدل عليه أدلة اشتراك الوقتين أيضا.

و يمكن أن يقال:وجهه تأكّد استحباب التفريق في الحاضر إجماعا، كما في الذكرى،دون المسافر؛أو التنبيه على أن الجمع هنا جائز و لو بتأخير الأولى عن وقتها الأول إلى الثاني اتّفاقا،حتى من القائل بكونه للاضطرار لا الإجزاء؛لكون السفر من الأعذار المسوّغة للتأخير كما صرّح به الشيخ (2)رحمه اللّه،و لعلّ هذا أولى.

و يتخير في الجمع بين تقديم الثانية إلى الاولى و بين العكس،إلاّ أن الأول أولى؛لما مضى.

و في التذكرة:الأولى فعل ما هو أوفق به،فإن كان وقت الزوال في المنزل و يريد أن يرتحل قدّم العصر إلى الظهر حتى لا يحتاج إلى أن ينزل في الطريق، و إن كان وقت الزوال في الطريق و يريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر؛لحديث ابن عباس (3)،فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم (4).

لو سافر بعد الزوال و لم يصلّ النوافل قضاها سفرا و حضرا

و لو سافر بعد الزوال و لم يصلّ النوافل قضاها سفرا و حضرا للموثق:

«إذ زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر يبدأ بالزوال فيصلّيها،ثمَّ

ص:409


1- الخلاف 1:588،الذكرى:119.
2- المبسوط 1:72.
3- سنن البيهقي 3:163.
4- التذكرة 1:83.

يصلي الاولى بتقصير ركعتين،لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الاولى،و إن خرج بعد ما حضرت الاولى صلّى الأولى أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات»الخبر (1).

و في جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما:«يقتضي في السفر نوافل النهار بالليل» (2).

و حملها الشيخ على من فاتته في الحضر (3)،بأن يكون قد دخل عليه وقتها قبل أن يخرج و لم يصلّها فكان عليه قضاؤها فيما بعد،و استشهد عليه بما مرّ من الموثق،و لا بأس به.

تمَّ المجلد الأول و الثاني من رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل،على يد مؤلّفه المفتقر إلى اللّه الغني علي بن محمد علي الطباطبائي،في أواخر العشر الثاني من الشهر الثاني من السنة الرابعة من العشر الآخر من المائة الثانية من الألف الثاني من الهجرة النبوية،على صاحبها ألف سلام و ثناء و تحية.

ص:410


1- التهذيب 2:49/18،الاستبصار 1:785/222،الوسائل 4:85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1.
2- الوسائل 4:84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22.
3- التهذيب 2:17.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.