بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.
عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 3/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.
تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-
مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.
الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.
ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4
حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية
ملاحظة: عربي.
ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.
ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).
ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).
ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).
ملاحظة:فهرس.
عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر
عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.
المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح
المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث
ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774
ص :1
ص :2
ص :3
ص :4
الخامسة :
في بيان أحكام مكان المصلّي اعلم:أنه يجوز أن يصلّى في كل مكان خال عن نجاسة متعدّية إلى المصلّي إذا كان مملوكا عينا و منفعة،أو منفعة خاصّة أو مأذونا فيه صريحا،كالكون أو الصلاة فيه،أو فحوى،كإدخال الضيف منزله مع عدم ما يدلّ على كراهة المضيف لصلاته من نحو المخالفة في الاعتقاد و هيئات الصلاة على وجه تشهد القرائن بكراهته لها على تلك الحال،إذ معه لا فحوى.
قالوا:أو بشاهد الحال (1)،كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره،كما في الصحاري و البساتين الخالية من أمارات الضرر و نهي المالك، فإن الصلاة فيها جائزة و إن لم يعلم مالكها،بشهادة الحال.و في حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف بها المصلّى،كالحمّامات و الخانات و الأرحية و غيرها.
و هو حسن إن أفادت الأمارة القطع بالإذن،و إلاّ فيشكل،لعدم دليل على جواز الاعتماد على الظنون في نحو المقامات.
و أضعف منه ما يقال من أن الأقرب جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه،و جرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله و إن فرضنا عدم العلم بالرضا،نعم لو ظهرت من المالك أمارة عدم الرضا لم تجز الصلاة فيه مطلقا (2).
ص:5
و ذلك فإن مناط جواز التصرف في ملك الغير إذنه لا عدم تضرّره بالتصرّف فيه،و لذا مع ظهور كراهته لم يجز قطعا،كما اعترف به.
و بالجملة:فالمتّجه اعتبار القطع بالرضا عادة،و لا يجوز الاعتماد على الظن إلاّ مع قيام دليل عليه،و الظاهر قيامه في الصلاة في نحو الصحاري و البساتين مع عدم العلم بكراهة المالك،فقد نفى عنه الخلاف على الإطلاق جماعة،و منهم شيخنا الشهيد في الذكرى و صاحب الذخيرة (1).لكن ظاهر الأوّل كون الإذن فيها بالفحوى،فيكون مقطوعا،و عليه فلا يظهر شمول دعواه نفي الخلاف لما أفاد شاهد الحال في هذه المواضع ظنّا،و كيف كان فالاحتياط يقتضي التورع عن الصلاة مع عدم القطع بالإذن عادة مطلقا.
و لا تصح الصلاة في المكان المغصوب و لو منفعة مع العلم بالغصبية حال الصلاة اختيارا،بإجماعنا الظاهر،المنقول في جملة من العبائر، كالناصريات و نهاية الإحكام و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و المدارك (2)،و في الذخيرة نفى الخلاف عنه بين الأصحاب (3)،و هو الحجة، مضافا إلى ما مرّ في بحث اللباس من القاعدة (4).
و في وصية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل:«يا كميل،انظر فيما تصلّي و على ما تصلّي،إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول»رويت في الوسائل و غيره (5).
ص:6
و ظاهر ما حكاه في الكافي-في باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة و بين المطلّقة إذا خرجت و هي في عدّتها أو أخرجها زوجها-عن الفضل الصحة (1).
و لكنه شاذ،قيل:و يحتمل كلامه الإلزام (2).
و لا فرق بين الفريضة و النافلة،كما صرّح به جماعة (3)،و يقتضيه إطلاق الفتوى و الرواية،و كثير من الإجماعات المحكية،بل و القاعدة.
خلافا للمحكي عن الماتن،فقال بصحة النافلة (4)،لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها،يعني أنها تصحّ ماشيا موميا للركوع و السجود،فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به.
و فيه-بعد تسليمه-أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك،لا إن قام و ركع و سجد،فإن هذه الأفعال و إن لم تتعيّن عليه فيها،لكنها أحد أفراد الواجب فيها.
و عن المرتضى و أبي الفتح الكراجكي (5)وجه بالصحة في الصحاري المغصوبة،استصحابا لما كانت الحال تشهد به من الإذن.
و ليس فيه مخالفة لما ذكرنا من البطلان مع العلم بالغصبيّة و عدم الإذن
ص:7
للمصلّي حال الصلاة،بل مرجعه إلى دعوى حصوله و لو استصحابا.و هو من السيد غريب،لعدم مصيره إلى حجّيته .
و عن المبسوط أنه قال:فإن صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه،و لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة فيه،لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (1).
و ليس فيه أيضا مخالفة لما ذكرنا من(الصحة مع الإذن) (2)لاحتمال كون المراد من الآذن هو الغاصب لا المالك،كما فهمه الفاضل في كتبه (3)،و إن استبعده الشهيد و قرّب العكس-وفاقا للماتن (4)-قال:لأنه لا يذهب الوهم إلى احتماله،و لأن التعليل لا يطابقه.و فيه منع.
و وجّهه بأن المالك لما لم يكن متمكّنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة،كما لو باعه،فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.و احتمل أن يريد الإذن المستند إلى شاهد الحال،لأن طريان الغصب يمنع من استصحابه،كما صرّح به الحلّي،قال:و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى،و تعليل الشيخ مشعر بهذا (5)،انتهى.
أقول-وفاقا لبعض المحققين (6)-:و الظاهر اختلاف الأمكنة و الملاّك و المصلّين و الأحوال و الأوقات في منع الغصب من استصحاب الإذن الذي شهدت به الحال.
ص:8
و يلحق بالعلم بالغصبيّة جاهل حكمها.أما ناسيها و جاهلها فلا،كما مضى في بحث اللباس (1)،و على الأخير هنا الإجماع في المنتهى (2).و في ناسي الحكم ما مضى (3).
و في جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلّي أو أمامه مع عدم الحائل بينهما و لا التباعد عشرة أذرع قولان مشهوران:
أحدهما:المنع،سواء صلّت بصلاته أو منفردة،محرما له كانت أو أجنبيّة ذهب إليه أكثر القدماء (4)،بل ادعى عليه في الخلاف و الغنية (5)الإجماع.
و لعله الحجة لهم،مضافا إلى النصوص المستفيضة،ففي الصحيح:
عن المرأة تزامل الرجل في المحمل،يصليان جميعا؟فقال:«لا،و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة» (6)و نحوه الخبر (7).
و في آخر:«و إن كانت تصلّي-يعني المرأة بجنبه-فلا» (8).
و في الموثق عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟
ص:9
فقال:«إن كانت المرأة قاعدة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (1).
و نحوه غيره في إثبات البأس في المحاذاة و الامام (2).
و هو و إن كان أعم من التحريم،إلاّ أنه محمول عليه بقرينة النهي في الأخبار السابقة الظاهر فيه،مضافا إلى الإجماعين المصرّحين به،و الصحيح المصرّح بالفساد:عن إمام في الظهر قامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنها العصر،هل يفسد ذلك على القوم؟و ما حال المرأة في صلاتها و قد كانت صلت الظهر؟فقال عليه السّلام:«لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة» (3).
و أكثر هذه النصوص و إن شملت بإطلاقها صورتي وجود الحائل و التباعد بعشرة أذرع المرتفع فيهما المنع كراهة و تحريما إجماعا كما يأتي (4)،إلاّ أنها مقيّدة بغيرهما،لذلك،مضافا إلى الموثق:عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟قال:«لا يصلّي حتى يجعل ما بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع،و إن كانت عن يمينه و يساره جعل بينه [و بينها] مثل ذلك،فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه» (5).و نحوه آخر (6).
و في هذا الموثق أيضا دلالة على المنع،بل هو العمدة في دليلهم عليه،
ص:10
كما يظهر من الحلي (1).
و القول الآخر:الجواز على كراهية ذهب إليه المرتضى و الحلي (2)،و يحتمله كلام الشيخ في الاستبصار،حيث حمل بعض الأخبار المانعة على الاستحباب (3)،و تبعهما عامة المتأخرين عدا الماتن هنا،فظاهرة التردّد،كالصيمري،و الفاضل المقداد (4)،حيث اقتصروا على نقل القولين من غير ترجيح،و لكن جعل الأخير الكراهة أحوط.و هو غريب،فإن الاحتياط في القول بالحرمة،و إن كان في تعيّنه نظر.
للأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة المصرّحة بعدم المنع،إمّا مطلقا،كما في الصحيح:«لا بأس أن تصلّي المرأة بحيال الرجل و هو يصلّي» (5)الخبر،و نحوه المرسل لراويه (6).
و أصرح منهما الخبر:عن امرأة صلّت مع الرجال و خلفها صفوف و قدّامها صفوف،قال:«مضت صلاتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد» (7).
أو إذا كان بينهما شبر،كما في الصحيحين (8)و غيرهما (9)،أو قدر ما
ص:11
لا يتخطى أو قدر عظم الذراع،كما في آخرين (1)،أو موضع رحل (2)،كما في مثلهما سندا (3)،أو بتقدمها بصدره،كما في الصحيح (4)،أو إذا كان سجودها مع ركوعه،كما في المرسلين (5).
و البأس المفهوم منها بغير هذه المقادير و إن احتمل التحريم،إلاّ أنه مندفع بالأصل و ضمّ بعضها إلى بعض،مضافا إلى الإجماع،و عدم قائل بالمنع تحريما بغيرها و الجواز معها إلاّ الجعفي،فقال بالمنع فيما دون عظم الذراع و الجواز معه (6).و لكن الدال عليه من النصوص قليل،و مع ذلك معارض بما يدل على ارتفاع المنع بشبر،و هو دون عظم الذراع بيقين،و مع ذلك فهو شاذ لم ينقله إلاّ قليل،بل ظاهر جمع الإجماع على خلافه،حيث ادّعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين،مؤذنين بدعوى الإجماع على فساد القول
ص:12
الثالث.
و بالجملة:فهذه النصوص-مع صحة أكثرها،و استفاضتها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخرّة القريبة من الإجماع،بل هي إجماع في الحقيقة- واضحة الدلالة على نفي الحرمة،و إثبات الكراهة و لو مختلفة المراتب ضعفا و قوة،و مع ذلك معتضدة بأصالة البراءة،و الإطلاقات،بل استدل بهما أيضا جلّ الطائفة.
و لا ريب أنها أرجح بالإضافة إلى الأدلّة السابقة،مع قصور أكثر أخبارها سندا و دلالة،و قبولها الحمل على الكراهة دون هذه الأدلّة،إذ لا تقبل أكثرها الحمل على شيء يجمع به بينها و بين تلك،مع مراعاة عدم القائل بالفرق بين الطائفة الظاهر،المصرح به في كلام جماعة كما عرفته،فالعمل بتلك يوجب ترك هذه بالمرّة،و لا كذلك العكس،لقبولها الحمل على الكراهة دون هذه.
نعم،يبقى الكلام في دعوى الإجماع على المنع،فإن تأويلها إلى الكراهة في غاية البعد،لنص الشيخ الناقل له ببطلان الصلاة،حيث منع عنها (1)،و هو لا يجتمع مع الكراهة.
لكن إطراحها أولى من إطراح هذه الأدلّة القويّة بما عرفته.
مضافا إلى الصحيحين المعبّرين عن المنع ب«لا ينبغي»كما في أحدهما (2)،مع الاكتفاء في رفعه فيه بشبر على إحدى النسختين (3)
ص:13
و الاحتمالين (1)،و ب«يكره»كما في الثاني المروي في العلل (2).
و دلالتهما على كل من التحريم و الكراهة و إن كان غير ظاهر ظهورا معتدا به،إلاّ أن الإشعار فيهما بالكراهة حاصل،سيّما في الأول،مضافا إلى ضمّ باقي الأخبار إليهما.فالقول بالجواز أقوى،و إن كان التجنّب أحوط بلا شبهة.
و يتفرع على القول بالحرمة فروعات جليلة لا فائدة لنا في ذكرها مهمة بعد اختيارنا الكراهة.
و لو كان بينهما حائل من نحو ستر دون ظلمة و فقد بصر على الأظهر أو تباعد عشرة أذرع فصاعدا بين موقفيهما كما هو المتبادر أو كانت متأخّرة عنه و لو بمسقط الجسد بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه،ارتفع المنع و صحّت صلاتهما إجماعا كما في المعتبر و المنتهى (3)و غيرهما (4).
و للمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى بعضها الإشارة.
بل ظاهر جملة من الصحاح المتقدمة انتفاء المنع مطلقا بالذراع و الشبر و نحوهما (5)كما عن الجامع (6)،و هو ظاهر الفاضلين في المعتبر و المنتهى،لكن في صورة تأخّرها لا مطلقا كما احتمله الشيخ في كتابي الحديث (7)،و به قال في الذخيرة أيضا (8).
ص:14
و لا بأس به لو لا الموثقة السابقة (1)الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخّر إلى أن تتأخّر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه.و الأخبار الصحيحة و إن ترجّحت عليها من وجوه عديدة،و لكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة،بناء على المسامحة في أدلّتها،مع اشتهار العمل بها أيضا،فلتحمل الصحاح على خفّة الكراهة لا انتفائها،و عليه تحمل الموثقة.
و هل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقا، كما هو المتبادر من النص و الفتوى؟ أم يكفي مطلقا و لو لم يكن ستيرا،كما في الصحيح:عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى (2)كله قبلته و جانباه،و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال:«لا بأس» (3)؟ وجهان،و الأوّل أنسب بمقام الكراهة .
و يرتفع المنع أيضا مطلقا مع الضرورة،كما صرّح به جماعة (4)،اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص و الفتوى،لاختصاصهما بحكم التبادر و غيره بحال الاختيار.
مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.
و في الصحيح المروي في العلل:«إنما سمّيت مكّة بكّة لأنها يبتكّ (5)بها الرجال و النساء،و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك،و لا
ص:15
بأس بذلك،و إنما يكره في سائر البلدان» (1).
و عليه ف لو كان كل منهما في مكان لا يمكن فيه التباعد و لا الحائل،و لا يقدران على غيره و ضاق الوقت ارتفع المنع مطلقا.و مع عدم الضيق صلّى الرجل أوّلا ثمَّ المرأة استحبابا،للأمر به في بعض الصحاح المتقدمة (2)المحمول عليه عندنا قطعا،و كذا عند جملة من القائلين بالمنع،إذ هو لا يقتضي تعين تقدم الرجل،بل تقدم أحدهما،كما في ظاهر الموثق كالصحيح:أصلّي و المرأة إلى جنبي تصلّي؟فقال:«لا،إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت» (3).
خلافا للمحكي عن الشيخ (4)،فعيّن تقديم الرجل.
و لعله لظاهر الأمر في الصحيح،و عدم وضوح الصحيح الآخر في إرادة التقديم الفعلي،لاحتماله المكاني،بل فهمه منه صاحبا المدارك و الذخيرة (5)، فاستدلاّ به على جواز تقديم المرأة مكانا من غير حرمة.
و لكنه بعيد،لظهور الاحتمال الأول،للإجماع على ثبوت المنع و لو كراهة في تقدّم المرأة مكانا بعد توافقهما فعلا،فهو أقوى قرينة على تعيّن الاحتمال الأوّل،فيصرف به الأمر في الصحيح الأول عن ظاهره إلى الاستحباب.
ثمَّ إنّ هذا إذا لم يختص المكان بها عينا أو منفعة،بل تساويا فيه ملكا أو إباحة.و إن اختصّ بها دونه فلا أولوية للرجل في تقديمه إلاّ أن تأذن له فيه.
ص:16
و هل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟كل محتمل،و بالأوّل صرّح جمع (1)،و لا بأس به.
و لا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعدّ نجاسته إلى المصلّي أو محمولة الذي يشترط طهارته على وجه يمنع من الصلاة و لا طهارة مواقع المساجد السبعة عدا موقع الجبهة فيعتبر طهارة القدر المعتبر منه في السجود مطلقا،إجماعا فيه كما يأتي.
و عدم اعتبار الطهارة فيما عداه مطلقا مشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (2)،بل لا يكاد يعرف فيه خلاف إلاّ من المرتضى و الحلبي (3)،فاعتبرا طهارة مكان المصلّي مطلقا،و إن اختلفا في تفسيره بالمساجد السبعة خاصة،كما عليه الثاني،أو مطلق مكان المصلّي،كما عليه المرتضى.
و لا حجّة لهما يعتدّ بها عدا ما يستدلّ لهما من الموثقين المانع أحدهما عن الصلاة على الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس (4)،و ثانيهما عن الصلاة على الشاذكونة (5)التي يصيبها الاحتلام (6).
ص:17
و من قوله تعالى وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [1] (1)و لا هجر إذا صلّى عليه.
و وجوب تجنيب المساجد النجاسة (2)،و إنما هو لكونها مواضع الصلاة.
و النهي عنها في المزابل و الحمامات (3)،و هي مواطن النجاسة.
و في الجميع نظر،لضعف الخبرين بمعارضتهما بالمعتبرة المستفيضة المجوّزة للصلاة في كل من الموضعين الممنوع عن الصلاة عليهما في الخبرين،ففي الصحيح:عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول،و يغتسل فيهما من الجنابة،أ يصلى فيهما إذا جفّا؟قال:«نعم» (4)و نحوه غيره من الصحيح (5)و غيره (6)و هو كثير.
و في الصحيح:عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة،أ يصلّي عليها في المحمل؟فقال:«لا بأس» (7)و نحوه الخبر بدون قوله:«في المحمل» (8).
و هي-مع كثرتها،و صحة جملة منها،و استفاضتها،و اعتضادها بالأصل و الإطلاقات و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي إجماع ظاهرا -تترجح على الخبرين،فليطرحا،أو يحملا على الكراهة،أو النجاسة
ص:18
المتعدّية،أو موضع الجبهة خاصة.
و على أحد هذه يحمل النهي في الرواية الأخيرة على تقدير تسليمها،مع أن النهي فيها بالإضافة إلى الحمام للكراهة،فليحمل بالإضافة إلى الباقي عليها،جمعا بين الأدلة.
و لا دليل على أن المراد بالرجز النجاسة،فلعلّ المراد به العذاب و الغضب.
و دعوى كون وجوب تجنيب المساجد لكونها مواضع الصلاة ممنوعة،مع احتمال المساجد في أخباره مواضع السجود،و أن العلّة صلاحيتها للسجود على أيّ موضع أريد منها.
ثمَّ إن كل ذا إذا صلّى على نفس الموضع النجس من غير أن يستره بطاهر يصلي عليه،و إلاّ صحّت صلاته قولا واحدا،و عليه نبّه في الذكرى (1)،و في التحرير الإجماع عليه (2)،و هو الحجة.
مضافا إلى النصوص الكثيرة الناطقة بجواز اتخاذ الحشّ (3)مسجدا إذا القي عليه من التراب ما يواريه،ففي الصحيح:عن المكان يكون حشّا زمانا فينظف و يتّخذ مسجدا،فقال:«ألق عليه من التراب حتى يتوارى،فإن ذلك يطهّره إن شاء اللّه تعالى» (4).
و يستحب صلاة الفريضة المكتوبة في المسجد بالإجماع،بل الضرورة،و النصوص المستفيضة بل المتواترة إلاّ العيدين بغير مكة،كما
ص:19
سيأتي إليه الإشارة (1)،و كذا الفريضة في جوف الكعبة فيكره،أو يحرم،على الخلاف المتقدم إليه الإشارة في بحث القبلة (2).
و أما النافلة ف في المنزل أفضل،كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع،و في الشرائع و الإرشاد و القواعد و شرحه للمحقق الثاني و روض الجنان (3)و بالجملة المشهور على الظاهر،المصرح به في الذخيرة (4)، بل فيها عن المعتبر و المنتهى أنه فتوى علمائنا (5)،و حكى عن غيرهما أيضا، و هو ظاهر في الإجماع عليه.
و استدلّ عليه بعده بأنها فيه أقرب إلى الإخلاص و أبعد عن الوسواس (6)، و لذا كان الإسرار بالصدقات المندوبة أفضل.
و النصوص النبوية منها:«أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة» (7).
و منها:أمر صلّى اللّه عليه و آله أن يصلّوا النوافل في بيوتهم (8).
و منها:في وصيته لأبي ذر المروية في مجالس الشيخ:«يا أبا ذر،أيّما رجل تطوّع في يوم باثني عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة.يا أبا ذر،صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من
ص:20
المساجد إلاّ المسجد الحرام،و صلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره،و أفضل من هذا كله صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلاّ اللّه عز و جل يطلب بها وجه اللّه تعالى.يا أبا ذر،إن الصلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة» (1).
و قال في الذخيرة-بعد نقل جملة من هذه الأدلّة-:و في الكل ضعف، و القول الأخير حسن (2).
و أشار به إلى ما حكاه عن الشهيد الثاني أنه رجّح في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة،قال بعد الاستحسان:و قد مرّ أخبار كثيرة دالّة عليه في المسألة المتقدمة،كصحيحة ابن أبي عمير (3)،و صحيحة معاوية ابن عمار (4)،و رواية هارون بن خارجة (5)،و رواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (6)، و رواية أبي حمزة (7)،و رواية نجم بن حطيم (8)،و رواية الأصبغ (9)و العمومات
ص:21
الكثيرة،و قد مرّ-عند شرح قول المصنف:و كلّما قرب من الفجر كان أفضل- خبر صحيح (1)دلّ على أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي صلاة الليل في المسجد (2).
أقول:و لعلّه ظاهر الكافي لأبي الصلاح،حيث قال في فصل صلاة الجمعة منه:يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل و تغيير الثياب و مسّ النساء و الطيب و قصّ الشارب و الأظافير،فإن اختلّ شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضها،و كان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل و فرضي الظهر و العصر مندوبا إليه (3)(4).
و عن السرائر:أن صلاة نافلة الليل خاصة في البيت أفضل (5).
و لعله للنصوص الدالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام:اتخذ مسجدا في داره،فكان إذا أراد أن يصلّي في آخر الليل أخذ معه صبيّا لا يحتشم منه،ثمَّ يذهب إلى ذلك البيت فيصلّي (6).
و للشهيد الثاني (7)و غيره (8)قول آخر،فقال:و لو رجا بصلاة النافلة في الملإ اقتداء الناس به و رغبتهم في الخير،و أمن على نفسه الرياء و نحوه مما يفسد العبادة لم يبعد زوال الكراهة،كما في الصدقة المندوبة،و يؤيّده ما رواه
ص:22
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:«لا بأس أن تحدّث أخاك(إذا تعين بالعمل) (1)إذا رجوت أن ينفعه و يحثه،و إذا سألك هل قمت الليلة أو صمت فحدّثه بذلك إن كنت فعلته،قل:رزق اللّه تعالى ذلك،و لا تقل:لا، فإن ذلك كذب» (2).
ثمَّ إن إطلاق العبارة-كغيرها من الفتوى و الرواية-يقتضي عدم الفرق في استحباب المكتوبة في المسجد بين ما لو كان المصلّي رجلا أو امرأة.
و في الفقيه:و روي أن خير مساجد النساء البيوت،و صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها،و صلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها،و صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها (3).
و لم أقف على مفت بها من الأصحاب عدا قليل.و لكن في الذخيرة نسبها إلى الأصحاب،فقال:و أما النساء فذكر الأصحاب أن المستحب لهنّ أن لا يحضرن المساجد،لكون ذلك أقرب إلى الاستتار المطلوب منهن،و عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«خير مساجد نسائكم البيوت» (4)رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان (5).
أقول:رواه في التهذيب في أوائل باب فضل المساجد.
و تكره الصلاة في بيت الحمام دون المسلخ و سطحه و في بيوت الغائط أي المواضع المعدّة له و مبارك الإبل،و مساكن النمل،و
ص:23
في مرابط الخيل و البغال و الحمير،و بطون الأودية و مجرى المياه و في أرض السبخة و الثلج،إذا لم تتمكّن الجبهة من السجود عليهما كمال التمكّن.
للنهي عن جميع ذلك في النصوص المستفيضة (1)المحمولة على الكراهة بلا خلاف إلاّ من الحلبي،فقال:لا يحلّ للمصلّي الوقوف في معاطن الإبل، و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر،و مرابض الغنم،و بيوت النار،و المزابل، و مذابح الأنعام،و الحمامات،و على البسط المصوّرة،و في البيت المصور، قال:و لنا في فسادها في هذه المحالّ نظر (2).انتهى.
و هو شاذ،كقول المقنعة:لا يجوز في بيوت الغائط و السبخة (3).و كذا الصدوق في العلل في الأخير (4).
بل على خلافهم الإجماع،على الظاهر،المحكي في الخلاف في بيت الحمام و معاطن الإبل (5).و عن الغنية في الجميع عدا بطون الأودية و الثلج (6).
و هو الحجة الصارفة للنهي إلى الكراهة،مضافا إلى شهادة سياق جملة منها بناء على تضمنها النهي عنها فيما ليست بحرام فيه إجماعا،و لا يجوز استعماله في المعنى الحقيقي و المجازي على الأشهر الأقوى.
مع كونها وجه جمع بينها و بين جملة من المعتبرة المصرّحة بالجواز في بيت الحمام و معاطن الإبل،ففي الصحيح:عن الصلاة في بيت الحمام،
ص:24
فقال:«إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس» (1)و نحوه الموثق (2).
و في مثله:عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم، فقال:«إن نضحته بالماء و كان يابسا فلا بأس» (3)هذا.
و ربما حمل كلام المفيد على إرادته من:لا يجوز،الكراهة،كما شاع استعماله فيها في عبائره،و لا بأس به.
و عليه فلا خلاف إلاّ من التقي،و لا ريب في ندرته و ضعف قوله.
و أضعف منه تردّده في الفساد،مع كونه مقتضى النهي المتعلق في النصوص بالصلاة التي هي من العبادات.
و أما ما يقال:من عدم نهي في بطون الأودية،فمحل مناقشة،ففي المروي في الفقيه في جملة المناهي المنقولة عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه«نهى أن يصلّي الرجل في المقابر،و الطرق،و الأرحية،و الأودية،و مرابض الإبل، و على ظهر الكعبة» (4).
و يستفاد من هذه الرواية،حيث تضمنت النهي عنها في مرابض الإبل التي هي مطلق مباركها ،صحة ما في العبارة-و عليه الفقهاء،كما في السرائر و التحرير و المنتهى (5)-من تعميم معاطن الإبل الوارد في النصوص إلى مطلق المبارك،مع اختصاصها عند أكثر أهل اللغة بمبرك (6)الإبل حول الماء لتشرب
ص:25
علاّ بعد نهل (1).مع إشعار تعليل المنع الوارد في النبوي:«بأنها جن خلقت من الجن» (2)به.
و قريب منه الصحيح:عن الصلاة في مرابض الغنم،فقال:«صلّ فيها و لا تصلّ في أعطان الإبل،إلاّ أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه و رشّه بالماء و صلّ» (3)فتدبّر.مع أن المحكي عن العين و المقاييس (4)ما يوافق هذا.
و بين المقابر على الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،و في ظاهر المنتهى و عن الغنية الإجماع عليه (5).
للنهي عنه في النصوص المستفيضة (6)المحمول على الكراهة،جمعا بينها و بين غيرها من المعتبرة،ففي الصحيحين:عن الصلاة [هل يصلح] بين القبور،قال:
«لا بأس» (7).
خلافا للمحكي عن الديلمي،فأفسد أخذا بظاهر النهي (8).
ص:26
و فيه نظر،لضعف سند المشتمل عليه عدا الموثّق:عن الرجل يصلّي بين القبور،قال:«لا يجوز ذلك،إلاّ أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه،و عشرة أذرع من خلفه،و عشرة أذرع عن يمينه،و عشرة أذرع عن يساره،ثمَّ يصلّي إن شاء» (1).
و هو معارض بما هو أصحّ منه سندا و أشهر بين الأصحاب،و لذلك لا يمكن أن يقيّد به إطلاقهما،بأن يحملا على أنه لا بأس مع التباعد بعشرة أذرع،كما في الموثق.
و للصدوق و المفيد و الحلبي،فلم يجوّزوا الصلاة إليها (2).قيل (3):
للموثق:«لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة» (4).
و الصحيح:قلت له:الصلاة بين القبور،قال:«صلّ بين خلالها، و لا تتّخذ شيئا منها قبلة» (5)و نحوهما غيرهما (6).
و قوّاه بعض المعاصرين،قال:لأن الصحيحين السابقين النافيين للبأس عامّان و هذان خاصان فليقدما عليهما (7).
و هو حسن،لو لا رجحان الصحيحين على هذين سندا،و اشتهار
ص:27
عمومهما بين الأصحاب اشتهارا كاد أن يكون إجماعا،بل إجماع من المتأخرين حقيقة،و قد مرّ نقله عن الغنية صريحا و المنتهى ظاهرا.
مع قصور هذين دلالة،فإن التوجه إلى القبر أعم من اتّخاذه قبلة ،كما أن البأس المفهوم من أوّلهما أعم من التحريم،فلا يصلح شيء منهما لإثباته جدّا.
مع معارضتهما-زيادة على ما مر-بالنصوص الكثيرة الدالة على جواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام،بل استحبابها،كما يستفاد من بعضها بالنسبة إلى الحسين عليه السلام:منها:الصحيح المروي في التهذيب:عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أو يقوم عند رأسه و رجليه؟و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟فأجاب عليه السلام-و قرأت التوقيع،و منه نسخت-:«أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة،بل يضع خدّه الأيمن على القبر،و أما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،لأن الإمام لا يتقدّم،و يصلّي عن يمينه و شماله» (1).
و منها:ما أسنده ابن قولويه في مزاره عن هشام:أن مولانا الصادق عليه السلام سئل:هل يزار والدك؟قال:«نعم،و يصلّى عنده»و قال:«يصلّى خلفه و لا يتقدم عليه» (2).
و ما أسنده عن محمد البصري،عنه،عن أبيه عليه السلام،في حديث
ص:28
زيارة الحسين عليه السلام،قال:«من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه تعالى لقي اللّه يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه» (1).
و ما أسنده عن الحسن بن عطية،عنه عليه السلام قال:«إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد اللّه عليه السلام تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدا لك» (2).
و هي-مع كثرتها،و صحّة بعضها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة،و حكاية الإجماع المتقدمة،و الأخبار المتقدمة-واضحة الدلالة،سيما الرواية الأخيرة، فإن جعل القبر بين يديه في غاية الظهور في وقوعه في القبلة.
و لذا إن المعاصر اعترف بدلالة هذه الأخبار على الجواز،و جعلها مستثناة من الأخبار المانعة قائلا:إنه لا حرمة في الصلاة إلى قبور الأئمة عليهم السلام مستندا إلى الروايات المزبورة (3).
و هو إحداث قول ثالث،لم يقل به القائلون بالحرمة سيما المفيد،فإنه بعد المنع قال:و قد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام.و الأصل ما قدمناه (4).
و أعجب من ذلك أنه قال بالكراهة إلى قبورهم عليهم السلام مطلقا،مع أن بعض الروايات صرّحت بالاستحباب خلف قبر أبي عبد اللّه عليه السلام.
و اعلم أنه يستفاد من الصحيحة:المنع من الصلاة بين يدي الإمام (5)،
ص:29
و ظاهر الإطلاقات،و صريح جماعة الكراهة (1)،بل لم أجد قائلا به عدا جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).
و هو غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،لصحتها،و اعتضادها بغيرها مما مضى،لكنه قاصر السند،و الأوّل أجاب عنه الماتن في المعتبر- انتصارا للمفيد في المنع عن الصلاة إلى القبر (3)-بضعفة،و شذوذه،و اضطراب لفظه (4).
قيل:و لعلّ الضعف لأن الشيخ-رحمه اللّه-رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن الحميري،و لم يبيّن طريقه إليه،و رواه صاحب الاحتجاج مرسلا، و الاضطراب لأنها في التهذيب كما سمعت،و في الاحتجاج:«و لا يجوز أن يصلّي بين يديه،و لا عن يمينه،و لا عن يساره،لأن الإمام لا يتقدّم و لا يساوى» (5)و لأنه في التهذيب:مكتوب إلى الفقيه،و في الاحتجاج:إلى صاحب الأمر عليه السلام،و الحق أنه ليس شيء منهما من الاضطراب في شيء.انتهى (6).
و هو حسن،و لم يجب عن شبهة ضعف السند في التهذيب مؤذنا بالإذعان له.
و فيه نظر،فإن الشيخ-رحمه اللّه-و إن لم يبيّن طريقه في كتاب الحديث،لكن قال في الفهرست في ترجمته:أخبرنا بكتبه و رواياته جماعة،
ص:30
منهم محمد بن محمد بن النعمان،و الحسين بن عبيد اللّه،و أحمد بن عبدون كلهم (1).
و هو ظاهر في صحة طريقه إليه مطلقا،و لذا نصّ بصحته جماعة من أصحابنا (2).
نعم،رواية الطبرسي ضعيفة،فلا يمكن الاستناد إليها للمنع عن الصلاة محاذيا للإمام عليه السلام،سيّما مع تصريح الصحيحة بجوازها.
مضافا إلى نصوص كثيرة بجوازها في زيارة الحسين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام (3)بل صرّح بعضها بأنها أفضل من الصلاة خلفه عليه السلام (4)،مع أنه لا قائل بالمنع أجده بين الأصحاب عدا نادر من متأخري المتأخرين،و ظاهرهم الإطباق على خلافه،و لكنه أحوط.
إلاّ مع حائل أو بعد عشرة أذرع،فيرتفع المنع مطلقا،للموثق المصرّح به في الثاني (5).
و أما ارتفاعه مع الأول فهو و إن لم نجد عليه من النص أثرا،إلاّ أن معه يخرج عن مفهوم ألفاظ النصوص و الفتاوى،و إلاّ لزمت الكراهة و إن حالت جدران.
مع أنه لا خلاف في زوال المنع في المقامين،و إن اختلفت العبارات في
ص:31
التعبير عنهما بالإطلاق،كما هنا و في الجامع في الأول (1)،و في الشرائع (2)و غيره (3)في الثاني.
أو تعميم الأوّل لكل حائل و لو عنزة،كما في الشرائع و القواعد و النهاية، و زيد فيها:ما أشبهها (4)،و المقنعة،و زيد فيها:قدر لبنة أو ثوب موضوع (5).
قيل:لعموم نصوص الحيلولة بها (6).و لم أجده.
و تعميم الثاني للبعد بالمقدار المزبور من كل جانب،كما في الموثق (7)، و عن المقنعة و النزهة (8)،أو ما سوى الخلف،كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و الجامع و الإصباح و نهاية الإحكام و التذكرة (9).
و في بيوت المجوس و النيران و الخمور على المشهور،بل لا خلاف فيها بين المتأخرين،و عن الغنية الإجماع على الثاني (10).
و هو الحجة فيه،كالموثق في الأخير:«لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» (11).
ص:32
و صريح الخبر أو فحواه في الأول:«لا تصلّ في بيت فيه مجوسي، و لا بأس أن تصلّي و فيه يهودي أو نصراني» (1).
و ربما يشعر بالكراهة فيه النصوص المتضمنة للصحيح الآمرة برشّ بيت المجوسي ثمَّ الصلاة فيه (2).
خلافا للمحكي عن جماعة كالديلمي و المقنعة و النهاية (3)،فمنعوا عن الصلاة فيها أجمع،بل صرّح الأول بالفساد فيما عدا الثاني.و عن المقنع، فمنع عنها في الأخير،لكن قال:روي أنها تجوز (4)،و بالمنع صرّح في الفقيه (5)من دون نقل رواية.
و هذه الأقوال-مع ندرتها الآن-حجّتها ضعيفة،عدا الموثق في الأخير، فإنه بحسب السند معتبر.لكنه معارض بالرواية المرسلة في المقنع،المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،فتترجّح عليه، مضافا إلى اعتضادها بالأصل و العمومات.
فالقول بالمنع ضعيف،و لا سيّما في بيوت النيران،لعدم ورود نص فيها بالكلية.
و إنما علّل المنع فيها بأن الصلاة فيا تشبّها بعبّادها.و هو كما ترى لا يفيد المنع قطعا،بل الكراهة أيضا،كما هو ظاهر صاحبي المدارك و الذخيرة (6)،بل
ص:33
صريحهما،حيث إنهما بعد تضعيف التعليل احتملا اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران،لأنها ليست موضع رحمة،فلا تصلح لعبادة اللّه سبحانه،بل قطع به في المدارك.
و ذكر جماعة (1)أن المراد ببيوت النيران المواضع المعدّة لإضرامها فيها، كالأتون و الفرن (2)،لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداده لها،كالمسكن إذا أوقدت فيه و إن كثر.
و في جوادّ الطرق أي العظمى منها،و هي التي يكثر سلوكها،كما ذكره جماعة (3)،للنهي عنها في الصحيحين (4)و غيرهما (5).و أخذ بظاهره الصدوق و الشيخان (6)فيما حكي عنهم.
خلافا للسرائر (7)،و عامة المتأخّرين،فحملوه على الكراهة،جمعا بينها و بين الأصل و العمومات،المؤيّدين بالمعتبرين،أحدهما الصحيح:«لا بأس أن تصلّي بين الظواهر،و هي جوادّ الطرق،و يكره أن تصلّي في الجواد» (8)و في
ص:34
غيره:«لا ينبغي» (1)لظهورهما في الكراهة.و لا بأس به،سيّما مع دعوى المنتهى في ظاهر كلامه:أن عليه إجماعنا (2).
و يستفاد من جملة من النصوص (3)،و فيها الموثق،كراهة الصلاة في مطلق الطرق الموطوءة،و به صرّح جماعة (4).و لا بأس به أيضا،للمسامحة، سيّما مع اعتبار سند الموثقة (5).لكنها معارضة بالنصوص المتضمنة لنفي البأس عن الصلاة في الظواهر التي بين الجواد،و فيها الصحيح و غيره (6)،و هو الأوفق بفتوى الأكثر،إلاّ أن عموم الكراهة و لو مختلفة المراتب طريق الجمع،و أنسب بباب الكراهة،بناء على المسامحة.
هذا كله في الطرق النافذة،و أما المرفوعة فلعلّها كذلك مع إذن أربابها، و إلاّ فيحرم قطعا.
و أن يكون بين يديه نار مضرمة مشتعلة،بل مطلقا أو مصحف مفتوح،أو حائط ينزّ من بالوعة البول و الغائط،بلا خلاف إلاّ من الحلبي (7)، فحرم مع التردّد في الفساد،أخذا بظاهر النهي في النصوص المحمول عند الأكثر-بل عامّة من تأخّر-على الكراهة،جمعا بينها و بين الأصل و العمومات.
و خصوص بعض النصوص المصرّحة بالجواز في الأول،إما مطلقا، كالمرسل:«لا بأس أن يصلّي الرجل و النار و السراج و الصورة بين يديه،إن
ص:35
الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (1).
أو لمن لم يكن من أولاده عبدة الأصنام و النيران،كما في المرسل الآخر المروي في الاحتجاج،و فيه:«و لا يجوز ذلك لمن كان من عبدة الأوثان و النيران» (2).
و لكنه-مع ضعف سنده-شاذّ غير معروف القائل،و يمكن حمله على تفاوت مراتب الكراهة.
و الخبر المروي عن قرب الإسناد في الثاني:عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في خاتمه كأنه يريد قراءته،أو في مصحف،أو في كتاب في القبلة؟ فقال:«ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها» (3).
و ضعف الأسانيد مجبور بالشهرة،بل الإجماع.
و يستفاد من هذه الرواية إلحاق كل مكتوب و منقوش،كما ذكره جماعة (4)،معلّلين بحصول التشاغل المرغوب عنه في الصلاة.
و لا بأس بالبيع و الكنائس و مرابض الغنم أن يصلّى فيها،على المشهور،لنفي البأس عنها في النصوص المستفيضة (5)،و فيها الصحاح و غيرها،و في ظاهر المنتهى الإجماع عليه في الأوّلين (6).
خلافا للمحكي عن المراسم و المهذب و الغنية و السرائر و الإصباح
ص:36
و الإشارة و النزهة (1)،فكرهوها فيهما،و هو خيرة الدروس أيضا (2).
و لم أظفر بمستند لهم سوى توهّم النجاسة.و التشبّه بأهلها،و عن الغنية الإجماع عليه (3).و لا بأس به مسامحة في أدلّة السنن.
و في الصحيح:«رشّ و صلّ» (4).و ظاهره استحباب الرشّ،و به صرّح في المنتهى (5).
و للحلبي في الأخير،فحرّم متردّدا في الفساد (6)،كما حكي عنه في التحرير و المنتهى (7)،للموثق:عن الصلاة في أعطان الإبل و مرابض البقر و الغنم،فقال:«إن نحته بالماء و كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها،و أما مرابط الخيل و البغال فلا» (8).
و هو معارض بما هو أكثر عددا،و أصحّ سندا،و اعتضادا بفتوى الفقهاء و الأصل و العموم المتقدمين مرارا.
و قيل:يكره الصلاة إلى باب مفتوح،أو إنسان مواجه و القائل الحلبي،كما حكاه عنه الأصحاب (9)،مؤذنين بعدم الوقوف له على مستند،إلاّ
ص:37
أن بعضهم (1)استدل له في الأوّل:باستفاضة الأخبار باستحباب السترة ممّن يمرّ بين يديه و لو بعود،أو عنزة،أو قصبة،أو قلنسوة،أو كومة من تراب (2).
و في الثاني:بالخبر المروي في قرب الإسناد:عن الرجل يكون في صلاته،هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟قال:«يدرؤها عنه» (3).
و في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام:أنه كره أن يصلي الرجل و رجل بين يديه قائم (4).
و الاستدلال الأول غير مفهوم .
و الثاني معارض بالأخبار الكثيرة النافية للبأس عن أن تكون المرأة بحذاء المصلّي قائمة و جالسة و مضطجعة (5)،إلاّ أن يخصّ البأس المنفي فيها بالحرمة جمعا،و لكنه فرع التكافؤ المفقود هنا،إلاّ أن يكون في مقام الكراهة مغتفر.
ص:38
السادسة:
في بيان ما يجوز أن يسجد عليه و ما لا يجوز.
اعلم أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض و لا ما أنبتته كالجلود و الصوف و الشعر و لا ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن من نحو الذهب،و الفضة،و الملح،و العقيق،و نحو ذلك،بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا،مضافا إلى النصوص المستفيضة،بل المتواترة من أخبارنا.
ففي الصحيح و غيره:«لا يجوز السجود إلاّ على الأرض،أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس» (1)الحديث.و قريب منه آخر (2).
و في ثالث:أسجد على الزفت-أي القير-؟قال:«لا،و لا على الثوب الكرسف،و لا على الصوف،و لا على شيء من الحيوان،و لا على طعام،و لا على شيء من ثمار الأرض،و لا على شيء من الرياش» (3).
و في رابع:«لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض،و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (4).
و في الخبر:«لا تسجد على الذهب و الفضة» (5).
ص:39
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الآتي إلى جملة منها الإشارة.
و يستفاد منها أنه يجوز السجود على الأرض و ما ينبت منها ما لم يكن مأكولا و لا ملبوسا بالعادة مضافا إلى الإجماع عليه،بل الضرورة.
فلا إشكال في شيء من أحكام المسألة،و إنما الإشكال في الأراضي المستحيلة بالحرق و غيره عن مسمّى الأرض،كالجصّ،و النورة،و الخزف، فإنّ في جواز السجود عليها قولين.
فالأكثر على الجواز،بل ربما أشعر عبارة الفاضلين (1)و غيرهما (2) بالإجماع في الخزف.فإن تمَّ،و إلاّ فالأحوط،بل الأظهر المنع،وفاقا لجمع (3)، إما لعدم صدق الأرض عليها،أو للشك،فإنه كاف في المنع،لتعارض استصحاب بقاء الأرضية مع استصحاب بقاء شغل الذمة،فيتساقطان،فيبقى الأوامر عن المعارض سليمة،فتأمّل .
مضافا إلى التصريح به في الرضوي في الآجر-يعني المطبوخ-كما فيه (4).
نعم في الصحيح:عن الجصّ توقد عليه النار (5)و عظام الموتى يجصّص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب بخطّه:«إن الماء و النار قد
ص:40
طهراه» (1).
و فيه إشعار بالجواز،لكنه ليس بظاهر،و مع ذلك مكاتبة تحتمل التقية.
و احترز بقوله:بالعادة،عما أكل أو لبس نادرا،أو في مقام الضرورة، كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطرّد أكلها و لبسها عادة فإنه يجوز السجود عليها،لدخولها فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها،لانصرافه بحكم التبادر و الغلبة إلى المأكول و الملبوس العاديّين،لكونهما من الأفراد المتبادرة.
و في مثل الزنجبيل و الزعفران و الدارجيني و نحوها وجهان،أقربهما المنع،لاعتياد أكلها ظاهرا.
أما مثل عود الصندل و أصل الخطمي و ما ماثلهما فالظاهر الجواز،لعدم صدق الاعتياد.
و لو اعتيد أكله أو لبسه شائعا في قطر دون آخر فإشكال،كما لو كان له حالتان يؤكل و يلبس في إحداهما شائعا دون الأخرى،و الأحوط المنع.
ثمَّ إن الأظهر أنه لا يشترط في المأكول و الملبوس فعليّة الانتفاع بهما فيهما،بل يكفي القوة القريبة منه،للصدق العرفي،فإن مثل الحنطة و الشعير و القطن و الكتان يصدق عليها كونها مأكولة و ملبوسة عادة،مع توقفهما على أفعال كثيرة كالطحن،و الخبز،و الطبخ،و الإخراج من القشر،ثمَّ الحلج،ثمَّ الندف ثمَّ الغزل،ثمَّ الحياكة،ثمَّ الخياطة.
خلافا للفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام (2)،فيما
ص:41
حكي،فجوّز السجود على الحنطة و الشعير قبل الطحن،معلّلا له في الأول:
بكونهما حينئذ غير مأكولين عادة،و في الثاني:بأنّ القشر حائل بين المأكول و الجبهة.
و المناقشة فيهما-بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة-واضحة، مع أن في بعض الصحاح المتقدمة التصريح بالنهي عن السجود على الطعام (1)،و هو شامل للحنطة و الشعير قبل الطحن قطعا،لغة و عرفا و شرعا.
و في المرتضوي المروي في الخصال:«و لا يسجد الرجل على كدس (2)حنطة ،و لا شعير،و لا على لون ممّا يؤكل،و لا يسجد على الخبز» (3).
و له أيضا في النهاية فجوّز السجود على القطن و الكتان قبل الغزل و النسج،و توقّف بعد الغزل (4).
و ضعفه ظاهر ممّا مر،نعم في الصادقي المروي عن تحف العقول:«كل شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه، و لا السجود،إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا،فإذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال الضرورة» (5)و هو ظاهر فيما ذكره،إلاّ أن في الاستناد إليه-لقصور سنده-مناقشة.
و في جواز السجود على الكتان و القطن روايتان،أشهرهما المنع و هو أظهرهما،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،بل و قدمائهم أيضا،عدا
ص:42
المرتضى في بعض رسائله (1)،مع انه قد أفتى بالمنع أيضا في جملة من كتبه، مدعيا في بعضها الإجماع عليه (2)،كالشيخ في الخلاف (3)،و الفاضل في المختلف (4)،و هو ظاهر كل من ادعى الإجماع على اعتبار الأرضية أو ما ينبت منها،ما لم يكن مأكولا و ملبوسا.
و هو حجة أخرى،معاضدة للرواية،مع صحة أكثرها و استفاضتها عموما و خصوصا،و قد مضى شطر منها (5)،و منها-زيادة عليه-الرضوي:«كل شيء يكون غذاء الإنسان في المطعم و المشرب و الثمر و الكثر (6)،فلا تجوز الصلاة عليه،و لا على ثياب القطن،و الكتان،و الصوف،و الشعر،و الوبر،و على الجلد،إلاّ على شيء لا يصلح للّبس فقط و هو مما يخرج من الأرض،إلاّ أن يكون حال ضرورة» (7).
و الصادقي المروي عن الخصال:«لا تسجد إلاّ على الأرض،أو ما أنبتت الأرض،إلاّ المأكول،و القطن،و الكتان» (8).إلى غير ذلك من النصوص (9).
و أما الرواية الثانية فهي و إن كانت مستفيضة (10)،إلاّ أنها بحسب السند
ص:43
قاصرة،بل جملة منها ضعيفة،و مع ذلك نادرة غير مكافئة لشيء مما قدمناه من الأدلة،موافقة للعامة،فلتكن مطرحة،أو محمولة على الضرورة،أو التقية، و ان استدعى في بعضها الجواب عن السجود من غير تقية،إذ لا يلزم الإمام عليه السلام إلاّ الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقية أو غيرها،و إن ألحّ عليه في سؤال الحكم من غير تقية.
و أما الجمع بينها و بين الأخبار المانعة بحملها على الكراهة،كما استحسنه في المعتبر (1)،و تبعه بعض من تبعه (2)،فضعيف في الغاية،لكونه فرع التكافؤ،بل و رجحان الأخبار المرخّصة،مع أن الأمر بالعكس،كما عرفته.
مع أن المنع في جملة من الأخبار المانعة لا يمكن صرفه إلى الكراهة، لتعلّقه بجملة مما لا يجوز السجود عليه و يحرم بإجماع الطائفة بعبارة واحدة، و استعمال اللفظة الواحدة في معنييه الحقيقي و المجازي في استعمال واحد مرغوب عنه عند المحققين،كما تقرّر في محلّه،فتأمّل .
و بالجملة:القول بالجواز ضعيف في الغاية،كتردّد الماتن هنا فيما يستفاد من ظاهر العبارة،و في الشرائع (3)،و نحوه الفاضل في التحرير (4)،و الصيمري في شرح الشرائع،حيث اقتصروا على نقل الروايتين أو القولين،مع نسبة المنع إلى المشهور من غير ترجيح في البين.بل المقطوع به المنع إلاّ مع الضرورة بفقد ما يصح السجود عليه،أو عدم التمكّن منه لتقية و نحوها، فيصحّ السجود عليه حينئذ اتفاقا،فتوى و نصّا،و منه-زيادة على ما تقدم (5)-
ص:44
الصحيح:عن الرجل يسجد على المسح و البساط،فقال:لا بأس إذا كان في حال التقية» (1)و نحوه الموثق (2).
و الرضوي:«و إن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق،أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك،فلا بأس أن تسجد على كمّك،إذا كان من قطن أو كتان» (3).
و قريب منه كثير من النصوص الدالة على جواز السجود عليهما في شدة الحرّ و الرمضاء (4).
مضافا إلى الأدلّة الآتية الدالّة على جواز السجود على ما لا يصح عليه في حال الاختيار في حال الضرورة،منطوقا في بعض،و فحوى في أخرى (5).
و لا يجوز أن يسجد على شيء من بدنه اختيارا،إذا ليس أرضا و لا ما ينبت منها.
فإن منعه الحر أو البرد أو نحوهما من السجود عليهما و لم يتمكن من دفع المانع و لو بالتبريد مثلا سجد على ثوبه مطلقا،فإن لم يتمكن منه سجد على ظهر كفّه،بلا خلاف،للضرورة المبيحة لكلّ محظور،و للنصوص المستفيضة،بل المتواترة و لو معنى،و قد مضى شطر منها،و سيأتي جملة أخرى (6).
ص:45
و أما الترتيب بين الثوب و الكفّ بتقديم الأول على الثاني،فقد ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف (1)،و ربما يشعر به الخبران،في أحدهما:قلت له:أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي،كيف أصنع؟قال:«تسجد على بعض ثوبك»قلت له:ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله،قال:«اسجد على ظهر كفّك فإنها أحد المساجد» (2).
و في الثاني المروي عن علل الصدوق:عن الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق،فيبقى عريانا في سراويل،و لا يجد ما يسجد عليه،يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه،قال:«يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد» (3).
و لا دلالة فيهما على اعتبار الترتيب،بل و لا إشعار أيضا،فيشكل إثباته بهما،بل و بالقاعدة إذا كان الثوب من غير القطن و الكتان من نحو الشعر و الصوف،لعدم الفرق بينهما و بين الكفّ في عدم جواز السجود عليها اختيارا، و اشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطرارا.
نعم،لو كان من القطن و الكتان أمكن القول بأولويّة تقديمهما على اليد، بناء على الفرق بينها و بينهما في حالة الاختيار،بالإجماع على العدم فيها حينئذ و الخلاف فيهما نصا و فتوى،فتقديمهما عليها لعلّه أولى،فتأمّل جدّا .
و يجوز السجود على الثلج و القير و غيره من المعادن و نحوها مع
ص:46
عدم الأرض و ما ينبت منها،فإن لم يكن شيء من ذلك موجودا فعلى ظهر كفّه لعين ما مضى.
مضافا إلى النصوص الأخر المستفيضة،ففي الخبر:«إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و إن لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه» (1).
و في الصحيح:عن الصلاة في السفينة-إلى أن قال-:«يصلّي على القير و القفر و يسجد عليه» (2).
و في آخر:عن السجود على القفر و القير،فقال:«لا بأس به» (3).
و يستفاد منه كغيره جواز السجود على القير مطلقا،و لكنها حملت على الضرورة،أو التقية،جمعا بينها و بين الأدلّة المانعة من الإجماعات المحكية (4)،و النصوص المستفيضة المانعة عن السجود عليه عموما و خصوصا (5).
و الجمع بينها-بحمل المانعة على الكراهة إن لم ينعقد الإجماع على الحرمة-لا وجه له،لكثرة الأدلّة المانعة،و مخالفتها العامة،و موافقتها الخاصة،فتكون هذه الروايات بالإضافة إليها مرجوحة لا يمكن الالتفات إليها بالكلية.
و لا بأس ب السجود على القرطاس بلا خلاف فيه في الجملة،بل
ص:47
عليه الإجماع في ظاهر جماعة (1)،و صريح المسالك و الروضة (2)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا؟فكتب:«يجوز» (3).
و عمومه من وجهين،كإطلاق البواقي و كلام الأصحاب،على الظاهر- المصرح به في كلام جماعة (4)-يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين القطن و غيره حتى الإبريسم.
خلافا للفاضل في جملة من كتبه (5)،و غيره (6)،فاعتبروا كونه مأخوذا من غير الإبريسم،لأنّه ليس بأرض و لا من نباتها.
و هو تقييد للنص و كلام الأصحاب من غير دليل،عدا مراعاة الجمع بينه و بين ما مضى من الأدلّة على اعتبار كون ما يسجد عليه أرضا أو ما أنبته (7)بحملها على ظاهرها،و إرجاع إطلاق النص و الفتاوى هنا إليها،بتقييده بما إذا كان من نبات الأرض لا مطلقا.و لا دليل عليه،مع عدم إمكانه،من حيث اشتمال القرطاس على النورة المستحيلة،فلا فرد له آخر يبقى بعد التقييد أو التخصيص،بل لا بد من طرحه،أو العمل به بإطلاقه،و الأوّل باطل اتفاقا، فتوى و نصا،فتعين الثاني.
ص:48
و لا يتوجه حينئذ أن يجعل إطلاق النص هنا مقيّدا لما مضى بالنسبة إلى النورة خاصة،و يعكس بالنسبة إلى غيرها،لأن هذا تخريج بحت لا يمكن المصير إليه قطعا،لعدم شاهد عليه أصلا.
ثمَّ إن كل ذا على تقدير صدق كونه من نبات الأرض عرفا إن اتخذ منه، و عدم خروجه و استحالته بصيرورته قرطاسا إلى حقيقة أخرى،و إلاّ فلا إشكال في كون إطلاق النص و الفتوى هنا مقيّدا للأدلّة المانعة عن السجود على ما ليس بأرض و لا نباتها،فإن التعارض بينهما حينئذ تعارض العموم و الخصوص مطلقا لا من وجه،و الجمع بينهما لا يكون إلاّ بتخصيص العام بالخاص قطعا.
مع أن على قولهم،لو شك في جنس المتّخذ منه-كما هو الأغلب-لم يصح السجود عليه،للشك في حصول شرط الصحة،و بهذا ينسدّ باب السجود عليه غالبا،و هو غير مسموع في مقابل النص و عمل الأصحاب.
و بالجملة فما ذكروه من التقييد ضعيف.
و أضعف منه توقّف الشهيد في أصل السجود عليه مطلقا،حيث قال:
و في النفس من القرطاس شيء،من حيث اشتماله على النورة المستحيلة عن اسم الأرض بالإحراق،قال:إلاّ أن نقول:الغالب جوهر القرطاس،أو نقول:
جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض (1).
فإن هذا الإيراد متوجّه لو لا خروج القرطاس بالنص الصحيح و عمل الأصحاب.
و ما دفع به الإشكال غير واضح،فإن أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره و انبثاث أجزائهما بحيث لا يتميّز.و كون جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض في غاية الضعف.
ص:49
و يكره منه ما فيه كتابة بلا خلاف،للصحيح:عليه أنه السلام كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (1).
و الكراهة فيه مراد بها المعنى الاصطلاحي بالإجماع و الصحيح الماضي (2).
هذا إن لاقى الجبهة ما يقع عليه اسم السجود خاليا من الكتابة،و إلاّ فلم يجز،كما أنه لا يكره إذا كانت الكتابة من طين و نحوه مما يصح السجود عليه،لأنه فرد نادر لا ينصرف إليه إطلاق النص و الفتوى.
و يراعى فيه أن يكون مملوكا للمصلّي و لو منفعة أو مأذونا فيه كما مضى (3)خاليا من النجاسة إجماعا محققا،و محكيا في كلام جماعة، كالغنية و المعتبر و المنتهى و المختلف و التذكرة و الذكرى و روض الجنان و شرح القواعد للمحقق الثاني (4)،و غيرهم (5).
و لظواهر المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:عن البول يكون على السطح و في المكان الذي يصلّى فيه،فقال:«إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (6).
و قريب منه الصحيح المتقدم المتضمن للسؤال عن السجود على الجصّ الموقد عليه النار و عظام الموتى،و الجواب عنه بقوله:«إن الماء و النار قد
ص:50
طهّراه» (1).
و قريب منهما النصوص الدالة على اشتراط جعل الكنيف مسجدا بتطهيره بالتراب (2)،و النبوي:«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (3).
و أما المعتبرة-الواردة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول و المني إذا كانت يابسة (4)-فغير واضحة المعارضة،بعد قوة احتمال اختصاصها بإرادة ما عدا موضع الجبهة،كما فهمه الأصحاب الذين لم يشترطوا طهارة ما عدا موضعها إذا لم تتعدّ النجاسة،حيث استدلوا بها في تلك المسألة (5).
و فيها أيضا ضعف دلالة من وجه آخر ،ليس لذكره كثير فائدة.
و أما ما ينقل عن الراوندي و صاحب الوسيلة:من المخالفة في المسألة (6)،فغير معلومة،كما بيّنته في شرح المفاتيح بما لا مزيد عليه.
ص:51
السابعة:
في الأذان و الإقامة و النظر هنا يقع في أمور أربعة المؤذّن،و ما يؤذّن له،و كيفية الأذان،و لواحقه.
أما المؤذّن فيعتبر فيه لصحة أذانه و الاعتداد به العقل حال الأذان، و كذا الإسلام إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى و روض الجنان (1)، لكن في الأخير خاصّة (2).
و هو الحجة،مضافا إلى الموثقة الآتية (3).
و أنه عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة، و ليس إلاّ إذا كان المؤذّن متّصفا بهذين الوصفين.
و لأنه أمين و ضامن،كما في النصوص من طرق الخاصة و العامة،منها:
«المؤذّن مؤتمن،و الإمام ضامن» (4)و منها في المؤذّنين:«إنهم الامناء» (5).
و الكافر و المجنون لا أمانة لهما،مع كون عبارة الأخير مسلوبة العبرة، فكأنه ما صدر منه أذان أصلا.و في حكمه الصبي الغير المميز.
ص:52
و في اشتراط الإيمان قولان،ظاهر الأكثر لا،للنصوص الظاهرة في جواز الاعتماد على أذان هؤلاء،منها الصحيح:«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء،فإنهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» (1).
و في الخبر:«إذا نقص المؤذّن الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (2).
و الأصح اشتراطه،وفاقا لجماعة (3)،لما مر من القاعدة،و لبطلان عبادة المخالف،كما في النصوص الكثيرة (4)،و خصوص النبوي:«يؤذّن لكم خياركم» (5)خرج منه المجمع على جوازه،فبقي الباقي.
و للموثق:عن الأذان،هل يجوز أن يكون من غير عارف؟قال:«لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف،فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته،و لا يقتدى به» (6).و المراد بالعارف الإمامي،كما يستفاد من تتبّع النصوص.
و في الصحيح:«إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه،و قد بقي على الإمام آية أو آيتان،فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل:قد قامت
ص:53
الصلاة،اللّه أكبر اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و ليدخل في الصلاة» (1).
و في الخبر:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (2).
و لا يعارضها الخبران السابقان (3)،و إن صحّ أوّلهما،و انجبر بالشهرة ثانيهما (4)،لقصور دلالتهما،فالأوّل باحتمال أن يكون المراد جواز الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت،حيث لا يمكن العلم بدخوله،بناء على حصول الظن منه به،لا ترك الأذان بسماع أذانه،فتأمّل .
و الثاني باحتمال اختصاص المؤذّن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول سهوا لا مطلقا.
و لا يعتبر فيه البلوغ و لا الحرية فالصبي المميز يجوز أن يؤذّن و كذا العبد إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المنتهى و التذكرة فيهما معا (5)،و في الخلاف و المعتبر و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني في الأوّل خاصّة (6).
و هو الحجة،مضافا إلى العموم في الأخير،مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته (7)،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،و خصوص المعتبرة المستفيضة في الأول،و فيها الصحيح و غيره:«لا بأس أن يؤذن الذي لم يحتلم» (8).
ص:54
و بها-مضافا إلى الإجماع-يخصّ ما دلّ على اعتبار أمانة المؤذّن، و حديث:«يؤذّن لكم خياركم» (1).
و يشترط المذكورة أيضا في الاعتداد عند الأكثر،إلا أن تؤذّن المرأة للنساء أو المحارم خاصة لظاهر الموثق السابق:«لا يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف» (2)و إن لم يبق على عمومه،لجواز أذان الصبي،و أذانها لهنّ و للمحارم إذا لم يسمعها الأجانب،فإن العام المخصّص حجّة في الباقي.
قيل:و لأنها إن أسرّت لم يسمعوا،و لا اعتداد بما لا يسمع،و إن جهرت كان أذانا منهيا عنه،فيفسد للنهي،فكيف يعتدّ به (3).
و يضعف-بعد تسليم النهي-بأنه عن كيفيته،و هو لا يقتضي فساده.
و أيضا:فلا يتمّ فيما إذا جهرت و هي لا تعلم بسماع الأجانب،فاتفق أن سمعوه.
و أيضا:فاشتراط السماع في الاعتداد ممنوع،و إلاّ لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الاولى،كذا قيل (4).
و في جميعه نظر ،ما عدا الوجه الثاني،فإنه حسن،إلاّ أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن محلّ النزاع.
خلافا للمبسوط،فأطلق اعتداد الرجال بأذانها (5).
قيل:إن أراد الاعتداد مع الإسرار فهو بعيد،لأن المقصود بالأذان
ص:55
الإبلاغ،و عليه دلّ قوله صلّى اللّه عليه و آله:«القه على بلال،فإنه أندى (1)منك صوتا» (2).و إن أراد مع الجهر فأبعد،للنهي عن سماع صوت الأجنبية،إلاّ أن يقال:إنه-من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن-مستثنى،كما استثني الاستفتاء من الرجال،و تعلّمهن منهم و المحاورات الضرورية (3).
و الأجود في الجواب:عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر و غيره بغير أذانها،فيكون بالأصل مدفوعا،مضافا إلى ما قدّمناه للمشهور دليلا من الموثقة و غيرها.
و يستحب أن يكون عدلا بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (4)،فأوجبه.
و هو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في صريح المنتهى و ظاهر المحقق الثاني و الشهيد في الذكرى (5).
و هو الحجة عليه،مضافا إلى النصوص المتقدمة في الصبي (6)،لعدم تعقل اتصافه بالعدالة بناء على أنها من أوصاف المكلفين.
قيل:و يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت (7).و عليه فلا خلاف.
ص:56
صيّتا شديد الصوت كما عن جماعة من اللغويين (1)(2)،لما مرّ من قوله صلّى اللّه عليه و آله:«القه على بلال،فإنه أندى منك صوتا» (3).و لغيره من النصوص،و فيها الصحيح و غيره (4).و لأن إبلاغه أبلغ،و المنتفعين بصوته أكثر.
مبصرا،ليتمكن من معرفة الوقت.
بصيرا بالأوقات التي يؤذّن لها.
و لا خلاف في جواز أذان غيرهما،فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (5)،و الجاهل بالأوقات ليس أسوأ حالا من الأعمى،لكنهما إنما يجوز لهما أن يؤذّنا إذا سدّدا،و لا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت.
نعم،إذا علم الوقت و أذنّا اكتفي بأذانهما،للأصل،و العمومات.
متطهرا من الحدثين،إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة (6)،و غيرها (7).
و هو الحجّة،مضافا إلى النبوي المشهور:«حقّ و سنّة أن لا يؤذّن أحد إلاّ و هو طاهر» (8).
و ظاهره عدم الوجوب،كما في المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح
ص:57
و غيرها (1).
و فيها الدلالة على لزومه في الإقامة،كما عليه جماعة (2)،لسلامتها عن المعارض بالكلية،عدا الأصل،و يجب تخصيصه بها،فما عليه الأكثر من الاستحباب فيها أيضا غير ظاهر الوجه.
قائما إجماعا،كما في الكتب المتقدمة،و نهاية الإحكام للعلاّمة (3)، و للنص المحمول على الاستحباب (4)،للمعتبرة المستفيضة بجواز الترك،و فيها أيضا الصحاح و غيرها (5).
و ظاهرها اللزوم في الإقامة أيضا،كما هو ظاهر المفيد و النهاية (6)، و تبعهما جماعة (7).
خلافا للأكثر،فكما مر.نعم في بعض الأخبار الرخصة في الإقامة و هو ماش إلى الصلاة (8)،و عن المقنع:و إن كنت إماما فلا تؤذّن إلاّ من قيام (9).
و يستحب قيامه على موضع مرتفع بلا خلاف إلاّ من المبسوط، فقال:لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض (10).
ص:58
و الظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء أو الاستحباب،و إلاّ فإنه قال:
و يستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (1).و كيف كان فهو على تقدير المخالفة شاذ بل على خلافه في التذكرة و نهاية الإحكام الإجماع (2).
و هو الحجة،مضافا إلى الخبر-بل هو في المحاسن صحيح،كما قيل (3)- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنه كان يقول إذا دخل الوقت:يا بلال، اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان» (4).
مع أنه أبلغ في الإبلاغ المقصود من شرعيته.
مستقبل القبلة إجماعا،محققا و محكيا (5).و الكلام في وجوبه في الإقامة و عدمه كما تقدم في سابقة فتوى و دليلا.
و يتأكّد في الشهادتين،للصحيح:عن الرجل يؤذّن و هو يمشي،قال:
«نعم،إذا كان في التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (6).
رافعا به صوته للصحاح المستفيضة،منها-زيادة على ما مر-:
عن الأذان،فقال:«اجهر بصوتك،و إذا أقمت فدون ذلك» (7).
و منها:«كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، و كان أجرك في ذلك أعظم» (8).
ص:59
و منها:«إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك،فإن اللّه تعالى يأجرك مدّ صوتك فيه» (1).
و تسرّ به المرأة عن الأجانب،لأن صوتها عورة،يجب سترة أو يستحب.
و ظاهر العبارة استحباب السرّ أو وجوبه مطلقا (2)،و لا وجه له على التقدير الأخير.و لا بأس به على الأول،لأنه أنسب بالحياء المطلوب منها،كما يرشد إليه من النصوص ما مرّ في استحباب أن لا تحضر المساجد،و أن صلاتها في بيتها أفضل منها فيه (3).
و يكره الالتفات به يمينا و شمالا لمنافاته الاستقبال المأمور به،كما مضى،خلافا لبعض العامة العمياء (4).
و لو أخلّ بالأذان و الإقامة ساهيا (5)و صلّى تداركهما استحبابا ما لم يركع و استقبل صلاته.و لو تعمد الإخلال بهما لم يجز أن يرجع على الأظهر الأشهر،بل لعله عليه عامة من تأخر،للصحيح:«إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة،و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك (6).
و فيه الدلالة على حكمي النسيان و العمد منطوقا في الأول،و مفهوما في
ص:60
الثاني،و به صرح فخر المحققين (1).
و يعضد الثاني-زيادة عليه-عموم دليل تحريم إبطال العمل،مع اختصاص ما دلّ على جوازه هنا بالصورة الاولى.
و الأمر بالإعادة في الرواية في هذه الصورة محمول على الندب،بدلالة المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة،قال:«ليس عليه شيء» (2).
و نحوه آخر،بزيادة التعليل بقوله:«فإنما الأذان سنّة» (3).
و في الخبر:رجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبّر،قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (4).و نحوه غيره (5).
خلافا للنهاية و السرائر،فقالا بالعكس:يرجع إذا لم يركع مع تعمّد الإخلال،و يمضي مع النسيان (6).
و للمبسوط،فأطلق الرجوع ما لم يركع (7).
و حجة القولين غير واضحة،مع مخالفتهما الأصل المتقدّم في العمد، مضافا إلى مخالفتهما الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر.
ص:61
نعم يمكن الاستدلال-لما في النهاية لصورة النسيان-بالمستفيضة المتقدمة،الدالة على عدم الإعادة فيها،و حيث لا إعادة حرم،للأصل المتقدم بتحريم إبطال العمل.
و لصورة العمد بالخبر:عن رجل نسي أن يؤذّن و يقيم حتى كبّر و دخل في الصلاة،قال:«إن كان دخل المسجد و من نيّته أن يؤذّن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف» (1).
فإن مفهومه عدم الإمضاء في الصلاة إذا لم يكن من نيّته الأذان،و هو عام شامل لصورة العمد.
و في الجميع نظر،لضعف هذا الخبر سندا،بل و يحتمل دلالة ،فتدبّر.
و عدم دلالة المستفيضة إلاّ على عدم لزوم الرجوع لا حرمته،و استفادتها من الأصل المتقدم حسن،إن لم تكن الصحيحة السابقة-الصريحة في الرخصة،لا أقلّ منها-موجودة،و أما معها فيجب تخصيص الأصل بها،سيّما مع اعتضادها بالشهرة،و بأخبار أخر محتملة الموافقة لها في الدلالة على الرخصة،منها الصحيح:في الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يدخل في الصلاة،قال:«إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليقم،و إن كان قد قرأ فليتمّ صلاته» (2).
و الحسن:عن الرجل يستفتح الصلاة ثمَّ يذكر أنه لم يقم،قال:«فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يقيم
ص:62
و يصلّي،و إن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (1).
قال في الذكرى-بعد نقلهما-:أشار بالصلاة على النبي أوّلا و بالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة،فيمكن أن يكون السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله قاطعا لها،و يكون المراد بالصلاة هناك السلام،و أن يراد الجمع بين الصلاة و السلام،فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع،لأنه قد روي أن التسليم على النبي صلّى اللّه عليه و آله آخر الصلاة ليس بانصراف (2).
و يمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار أو كلام،و يكون التسليم على النبي مبيحا لذلك (3).
و ظاهره-كما ترى-القطع بموافقة هاتين الروايتين الصحيحة في الدلالة على الرخصة،كما هو أيضا ظاهر جماعة (4)،و أجابوا عن منافاتهما لها-من حيث الدلالة على المضي و عدم الرجوع إن شرع في القراءة-بجواز أن يكون الوجه أن الرجوع قبل القراءة آكد منه بعدها.
و لعل إذعانهم بدلالتهما على ما في الصحيحة-من جواز القطع-إنما هو للجمع بين الأدلّة،و إلاّ فلا دلالة لهما عليه ظاهرا،لقوة احتمال أن يكون المراد الإتيان بالصلاة على النبي أو السلام ثمَّ الإقامة ثمَّ إتمام الصلاة من دون قطع.
و لا استبعاد فيه بعد ورود جملة من النصوص بمعناه،ففي الخبر:قلت
ص:63
لأبي الحسن الرضا عليه السلام:جعلت فداك،كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية و أنا في القراءة أنى لم أقم،فكيف أصنع؟قال:«اسكت موضع قراءتك و قل:قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة،ثمَّ امض في قراءتك و صلاتك و قد تمّت صلاتك» (1).و قريب منه الرضوي (2).
و على هذا الاحتمال تخرج الروايتان عن حيّز الاعتضاد،و يبقى الكلام في جواز العلم بهما على هذا لاحتمال و ما شابههما.
و استشكله الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى،فقال:و يشكل بأنه كلام ليس من الصلاة و لا من الأذكار (3).
و أجيب عنه (4)باحتمال كون هذا مستثنى،و لا بعد فيه بعد ورود النص به، سيّما مع وجود النظائر المتفق عليها،كغسل دم الرعاف،و قتل الحية،و إرضاع الصبي في الصلاة،مع خروجها عنها اتفاقا،فلا يبعد كون ما نحن فيه كذلك أيضا.
و هو حسن إن لم تشذّ الرواية الدالّة عليه،و إلاّ-كما هو الظاهر-فلا.سيّما مع قصور الصريح منها كالرضوي و سابقة سندا،و الصحيح و ما بعده دلالة،لقوة احتمال ظهورهما فيما فهمه منها القوم جدّا،نظرا إلى قوله عليه السلام:«فليتم على صلاته»فيما إذا شرع في القراءة،الظاهر في أنه لا يتم عليها قبل الشروع فيها،و لا يكون ذلك إلاّ بإبطالها ظاهرا.
هذا،مع قصور الجميع عن مقاومة مستند المشهور جدّا.
ص:64
و هنا رواية صحيحة ظاهرها جواز الرجوع إلى الإقامة ما لم يفرغ من صلاته و لو بعد الركوع (1).
و لكنها مطلقة محتملة للتقييد بما قبلها،كما أجاب به عنها جمع،و منهم الفاضل في المختلف،مدّعيا الإجماع على عدم جواز الرجوع بعد الركوع (2)، مع أن ظاهر الشيخ في التهذيبين العمل بإطلاقها،حيث حملها على الاستحباب (3).
و لعله لمجرد الجمع بين الأخبار من غير أن يقصد به الفتوى،و لكنها ظاهر بعض متأخّر متأخّري الأصحاب (4).و هو شاذ.
و هنا أقوال (5)أخر شاذّة لا جدوى في التعرض لنقلها و لا فائدة مهمة.
ثمَّ إن ظاهر العبارة و نحوها-كالصحيحة الاولى (6)-اختصاص جواز الرجوع بما إذا نسي الأذان و الإقامة معا.و الأصحّ جوازه للإقامة خاصة أيضا، وفاقا لجماعة (7)،للصحيح و الحسن المتقدمين (8)،مضافا إلى الصحيح الأخير بالتقريب الذي قدمناه في الجمع.و عدمه للأذان وحده،لعدم الدليل عليه، لاختصاص النصوص جملة بنسيانهما معا أو الإقامة خاصة،و الأصل حرمة إبطال العمل كما عرفته،مضافا إلى دعوى الإجماع عليه في
ص:65
الإيضاح (1).
خلافا لثاني المحققين في الأول فلا (2)،و ثاني الشهيدين في الثاني، فنعم (3).و ما أبعد ما بينهما.
ثمَّ إن الفاضلين في الشرائع و التحرير اقتصرا على نسيان المنفرد (4)، و لعله لاكتفاء الجامع بأذان غيره،مع بعد نسيان الجميع،أو للتنبيه بالأدنى على الأعلى،كما في الإيضاح (5).
و أما ما يجوز أن يؤذّن له من الصلوات فالصلوات الخمس اليومية و منها الجمعة لا غير إجماعا من المسلمين و العلماء،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (6)،و في شرح القواعد للمحقق الثاني قال:اتفاقا (7).
و هو الحجة،مضافا إلى أصالة عدم الشرعية،و اختصاص ما دلّ على ثبوتها باليومية.
و في الخبر الوارد في العيدين:«ليس فيهما أذان و لا إقامة،و لكنه ينادى:
الصلاة،ثلاث مرّات» (8).
و هو صريح في نفيهما فيهما،و يتم المطلوب بعدم القائل بالفرق.
ص:66
و ظاهره استحباب النداء بالصلاة ثلاث مرّات،كما أفتى به جمع من الأصحاب (1)،و إن اختلفوا في الاقتصار على مورده أو التعدية إلى غير اليومية مطلقا،حتى النوافل.و لا بأس بهذا-إن لم يحتمل التحريم-مسامحة .
و لا فرق في استحبابهما لليومية بين أن تكون أداء و قضاء و إن كان استحبابهما في الأداء آكد،كما عن التذكرة و روض الجنان (2)،و ادعى الأوّل الإجماع عليه.
و يستحبان استحبابا مؤكّدا،سيّما الإقامة مطلقا للرجال و النساء، المنفرد منهما و الجامع بل التأكّد فيه أقوى.
كل ذلك على الأظهر الأشهر،بل لعلّه عليه عامة من تأخّر،للأصل، و الصحاح المستفيضة و غيرها (3)،الظاهرة-بل الصريحة-في استحباب الأذان مطلقا.و يلحق به الإقامة كذلك،لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر،المصرّح به في المختلف (4).و أذعن له جماعة (5).فالقول باستحبابه في كل موضع و وجوبها كذلك خرق للإجماع المركب،هذا مضافا إلى بعض المعتبرة الآتية،الظاهر في استحباب الإقامة أيضا بالتقريب الذي سيأتي إليه الإشارة (6).
و في الصحيح المروي عن علل الصدوق:«و الأذان و الإقامة في جميع
ص:67
الصلوات أفضل» (1).
و في الرضوي:«أنهما من السنن اللازمة،و ليستا بفريضة،و ليس على النساء أذان و لا إقامة،و ينبغي لهنّ إذا استقبلن القبلة أن يقلن:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أن محمدا رسول اللّه» (2).
و قيل: و القائل الشيخان (3)و جماعة من القدماء (4)،أنهما يجبان في صلاة الجماعة إما مطلقا،أو على الرجال خاصّة،على اختلاف تعابيرهم،للخبر:«إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان و إقامة،و إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر و المغرب،فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم،من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات» (5).
و هو-مع ضعف سنده،و عدم مكافأته لما تقدم-قاصر الدلالة،لأن الإجزاء كما يجوز أن يراد به الإجزاء في الصحّة كذا يجوز أن يراد به الإجزاء في الفضيلة،و هو إن كان خلاف الظاهر،لكن به تخرج الرواية عن الصراحة.
بل لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية،بملاحظة ذيلها المعبّر عن عدم الإجزاء المفهوم من قوله:«و إن كنت وحدك-إلى قوله-:يجزئك إقامة إلاّ الفجر و المغرب»بقوله فيهما:«فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم»و لفظة«ينبغي» ظاهرة في الاستحباب.
ص:68
مضافا إلى تعيّن إرادته منها هنا بملاحظة ما دلّ من الصحاح المستفيضة و غيرها (1)على استحباب الأذان،و هو أحد ما يتعلق به لفظة«ينبغي» فتكون بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضا،لوحدة السياق فتأمّل ،و حيث ثبت أن المراد بالإجزاء في ذيلها الاستحباب فكذا في الصدر،لوحدة السياق.هذا.
مع أنه معارض-زيادة على إطلاق جملة من الصحاح-بخصوص جملة من النصوص،منها:الصحيح المروي عن قرب الإسناد،عن علي بن رئاب:
قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت:تحضرني الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد،أ تجزينا إقامة بغير أذان؟قال:«نعم» (2).
و الخبر:«إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» (3).
و قصور سنده و دلالتهما-بالأخصّية من المدعى-مجبور بالشهرة و عدم القائل بالفرق أصلا.
و يتأكد الاستحباب فيهما فيما يجهر فيه بالقراءة،كالصبح و العشاءين و آكده الغداة و المغرب للمعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها،ففي الصحيح:«تجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة و المغرب» (4).
و فيه:«إن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان و إقامة،و يفتتح
ص:69
النهار بأذان و إقامة» (1).
و فيه:«و لا بد في الفجر و المغرب من أذان و إقامة،في الحضر و السفر، لأنه لا تقصير فيهما في حضر و لا سفر،و تجزيك إقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة،و الإقامة و الأذان في جميع الصلوات أفضل» (2).
و صريحه-كظاهر البواقي-مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان،فما في المتن و الشرائع (3)،و عبائر كثير (4)-من تأكّده في العشاء-غير ظاهر الوجه،عدا ما وجّه به في المعتبر و المنتهى:من أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه و الإعلام،و شرعهما لذلك (5).
و في الاستناد إليه-سيّما في مقابلة النصوص-إشكال،إلاّ أن المقام مقام الاستحباب لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.
و هذه النصوص و إن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكّد الاستحباب،جمعا بينها و بين الصحاح المستفيضة و غيرها،و هي ما بين مطلقة للاستحباب،كما مر (6)،و الصحيح:«أنه عليه السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة و لم يؤذّن» (7).
و الصحيح:«يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (8).
ص:70
و مصرّح به في المغرب،كالصحيح:عن الإقامة بغير أذان في المغرب،فقال:«ليس به بأس،و ما أحبّ أن يعتاد» (1).
و لا قائل بالفرق بينها و بين الغداة،فالقول بوجوبهما فيهما-كما عن العماني و المرتضى و الإسكافي (2)-ضعيف.
و أضعف منه مصير الأوّل إلى شرطيّتهما فيهما،و بطلانهما بدونهما،إذ لا أثر لذلك في النصوص المتقدمة و غيرها أصلا.
و قاضي الفرائض الخمس اليومية يؤذّن و يقيم لأوّل صلاة من ورده،ثمَّ يقيم لكل صلاة واحدة بلا خلاف،للصحيحين (3)، و الرضوي (4)،و غيرهما (5).
و لو جمع بين الأذان و الإقامة لكلّ فريضة كان أفضل على المشهور بين الأصحاب،بل لا خلاف فيه ممن يعتدّ به،و في الناصرية و الخلاف عليه الإجماع (6).
و هو الحجة،مضافا إلى إطلاقات أكثر السنّة الواردة باستحباب الأذان و الإقامة في الصلاة،بل عموم بعضها،و هو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله
ص:71
عليه السلام:«و الإقامة و الأذان في جميع الصلوات أفضل» (1)(2).
و يعضده عموم الصحيح:«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (3).
و الموثق:عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟قال:
«نعم» (4).
بل استدل بهما جماعة (5)،و لكن تنظّر فيهما آخرون بضعف السند، و قصور الدلالة (6).
و لعلّه في الأوّل من حيث إن المتبادر من قوله:«كما فاتته»أي بجملة أجزائها و صفاتها الداخلة تحت حقيقتها،دون الأمور الخارجية عنها.
و في الثاني من حيث عدم الدلالة على تعدّد الصلاة المعادة،بل ظاهره كونها واحدة،و هي خارجة عن مفروض المسألة.
قيل (7):و هذا الوجه جار في الرواية الاولى.و الثانية مع ذلك معارضة بمثلها سندا،و فيه:كتبت إليه:رجل يجب عليه إعادة الصلاة،أ يعيدها بأذان و إقامة؟فكتب:«يعيدها بإقامة» (8).
و يمكن الذب عن الجميع بانجبار قصور السند بالعمل،مع اختصاصه
ص:72
بالأخير،و إلاّ فالأوّل صحيح،أو حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.
و منع اختصاص الكيفية المشبّه بها بالأمور الداخلة بعد الاتفاق على الاستدلال بالرواية على إثبات الأمور الخارجة عن الصلاة-مما هو شرط فيها، كالطهارة عن الحدث و الخبث،و الاستقبال،و ستر العورة،و نحو ذلك-في الفائتة أيضا،فتأمّل جدّا .
و الرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة لا مطلقة،لترك الاستفصال في مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال.
و منه يظهر ما في دعوى ظهورها في الواحدة،فإنها فاسدة،كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضا،و ذلك لنظير ما عرفت،و هو استدلال الأصحاب بها لإثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في الفائتة،من دون تخصيص لها بالواحدة أو المتعدّدة.
و الرواية المعارضة-مع قصور سندها و عدم جابر لها-متروكة الظاهر، لدلالتها على استحباب الإقامة خاصّة مطلقا حتى في الأول من ورده،و لا قائل به من الأصحاب،و مع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة بالعمومات و الإجماعات المحكية و الشهرة العظيمة.
و من هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة:من أفضلية ترك الأذان في الصلاة الثانية فما فوقها من ورده (1).
و أضعف منه قول بعض متأخّري الطائفة:من عدم المشروعية،لعدم ثبوت التعبّد به على هذا الوجه (2)،و ذلك فإن التعبد ثابت بما قدّمناه من الأدلّة.
و يستحب أن يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد
ص:73
و إقامتين و نسبه في المنتهى إلى علمائنا،قال:لأن يوم الجمعة يجمع فيه بين الصلاتين و يسقط ما بينهما من النوافل فيكتفي فيهما بأذان واحد (1).
أقول:و على هذا لا يختص سقوط الأذان للثانية بصلاة العصر يوم الجمعة،بل يجزي في كل صلاتين جمع بينهما،فإنه لا ينبغي أن يؤذّن للثانية إجماعا،على الظاهر،المصرّح به في الخلاف (2).و بالحكم على العموم أيضا صرّح الفاضل في المنتهى (3)،و غيره من أصحابنا (4)،مستدلّين عليه بالصحيح:
«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان[واحد]و إقامتين» (5)و نحوه آخر (6).
و الخبر:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين (7).و نحوها النبوي العامي (8).
و إنما خص الماتن ظهري يوم الجمعة بالذكر-مع اشتراكهما لكل صلاتي فريضة جمع بينهما في سقوط الأذان لثانيتهما-لاختصاصهما باستحباب الجمع بينهما،بناء على ما سيأتي في سنن الجمعة:من أن منها تقديم نوافلها على الزوال (9)،فلم يكن حينئذ بينهما نافلة أصلا،و حيث لا نافلة
ص:74
صدق الجمع،كما في الموثق:سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول:
«الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع،فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع» (1).
و في الخبر:سمعته عليه السلام يقول:«إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع» (2).
و بما ذكرنا-من الفرق بين ظهري الجمعة و غيرها-صرّح المفيد (3)و غيره أيضا (4)،فقال في باب غسل ليلة الجمعة:و الفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار و عدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به،إلاّ في يوم الجمعة،فإن الجمع بينهما أفضل و هو السنة.
ثمَّ إن ما في الموثق و غيره-من تحديد الجمع بأن لا يصلّى بينهما نافلة- قد صرّح به الحلّي (5).
قيل:و يستفاد ذلك من الذكرى أيضا (6)،لكن لا يخفى أنه يعتبر مع ذلك صدق الجمع عرفا،بحيث لا يقع بينهما فصل يعتدّ به،و لا يتخلّل عوارض خارجة عن الأمور المرتبطة بالصلاة.
و يستفاد من بعض الأصحاب أن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في وقت فضيلة إحداهما،و هو على إطلاقه مشكل (7)،كاحتمال تحقق التفريق
ص:75
بالتعقيب مطلقا.نعم لو طال بحيث صدق معه الوصف أمكن.
و عليه يحمل إطلاق المفيد استحباب الأذان لعصر يوم الجمعة بعد أن عقّب للأولى (1)،و إلاّ فإبقاؤه على إطلاقه و الحكم بحصول التفريق بمطلق التعقيب مشكل جدّا،لأنهم يستحبون الجمع بين صلاتي الجمعة و العصر،و الحكم باستحباب عدم التعقيب بعد صلاة الجمعة بعيد قطعا،بل غير ممكن، للتصريح باستحبابه في عبارة المفيد المشار إلى مضمونها.
و لو صلّى قوم في مسجد جماعة ثمَّ جاء آخرون جاز أن يصلّوا جماعة أيضا،و لكن لم يؤذّنوا و لم يقيموا ما دامت الصفوف باقية غير متفرقة،على المشهور،للنص:«في رجلين دخلا المسجد و قد صلّى علي عليه السلام بالناس،فقال عليه السلام لهما:إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم» (2).
و ضعف السند مجبور بالعمل.و إطلاقه بسقوط الأذان و الإقامة مقيّد ببقاء الصفوف،بالإجماع و النصوص الأخر،منها الموثق:قلت له:الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم،أ يؤذّن و يقيم؟قال:«إذا كان دخل و لم يتفرق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم،و إن كان تفرق الصف أذّن و أقام» (3).و نحوه غيره (4).
و هي و إن اختصت بالمنفرد الخارج عن مفروض العبارة و كثير،إلاّ أنه ملحق به عند جماعة (5)،معربين عن عدم الخلاف فيه إلاّ من ابن حمزة (6)،
ص:76
و ضعّفوه بالنصوص المزبورة،و الأولوية المستفادة من الرواية السابقة،من حيث دلالتها على سقوط الأذان و الإقامة عن الجماعة الثانية التي يتأكّدان فيها،بل قيل بوجوبهما فيها (1)،فلئن يسقطا في المنفرد الذي لا يتأكّدان في حقه كتأكّدهما فيها بطريق أولى.
و من هنا يظهر وجه تخصيصهم الخلاف بابن حمزة،حيث خصّ السقوط بالجماعة الثانية،مع أن عبائر الأكثر مختصة بها،لزعمهم شمول عبائر الأكثر للمنفرد بالفحوى،و به صرّح في روض الجنان،فقال:إنما خصّ المصنف الثانية بالجماعة لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى (2).
و فيه نظر،لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحثّ على الاجتماع ثانيا،و هي مفقودة في المنفرد.
فانحصر دليل الإلحاق في النصوص،و أكثرها ضعيفة السند غير معلومة الجابر،بعد اختصاص عبائر الأكثر بالجماعة الثانية.
و الموثقة و إن اعتبر سندها،إلاّ أنها معارضة بمثلها:في الرجل أدرك الإمام حين سلّم،قال عليه السلام:«عليه أن يؤذّن و يقيم» (3).
و هو الأوفق بالأصل،و العمومات،و ظاهر فتوى الأكثر،فليكن بالترجيح أحقّ.
و حمله على صورة التفرق-مع بعده عن السياق-لا وجه له بعد فرض رجحانه على الموثّقة السابقة.
ص:77
لكن يمكن أن يقال:إنها معتضدة بباقي الروايات،و فتوى الجماعة،مع دعواهم عدم الخلاف إلاّ من ابن حمزة.و يعضدها استدلال جملة ممن اختص عبارته بالجماعة (1)بها و أمثالها،و هي مختصة بالمنفرد،كما عرفت،فلو لا عدم الفرق بينه و بين الجماعة لخلا استدلالهم بها عن الوجه بالكلية.
و عليه فينبغي حمل الموثقة الأخيرة على الرخصة،و النهي في النصوص الأخيرة على الكراهة،جمعا بين الأدلّة.و هي ظاهر جماعة منهم الشيخ في ظاهر الخلاف و موضع من المبسوط (2)،و ظاهره في التهذيب:المنع (3)، كالعبارة و نحوها،و اقتصر جماعة على السقوط المطلق المحتمل للأمرين (4).
و لا ريب أن الترك أحوط،خروجا عن شبهة القول بالتحريم،مع معاضدته بما مر من الأخبار ،و صريح آخر:صلّينا الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض بالتسبيح،فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه،فقال عليه السلام:«أحسنت،ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع»فقلت:فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة،قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر بهم إمام» (5).
لكنه-مع ضعف سنده-يتوهم منه المنع عن الجماعة الثانية مطلقا،و لو من غير أذان و إقامة،كما هو ظاهر الفقيه (6)،و تبعه بعض متأخّري المتأخّرين (7)،و هو خلاف النص المتقدم و المعروف من مذهب الأصحاب،بل
ص:78
لم ينقلوا فيه خلافه.
مع أنه معارض ببعض الأخبار الدالّة على كون السقوط رخصة لا عزيمة، ففيه:عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم،فقال:«ليس عليه أن يعيد الأذان،فليدخل معهم في أذانهم،فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان» (1).
و هل يختص الحكم بالمسجد-كما في ظاهر العبارة،و صريح جماعة (2)-أو يعمه و غيره؟ وجهان بل قولان،أجودهما الأول،اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن فتوى و رواية.و إطلاق بعضها يحتمل الورود مورد الغالب،و هو وقوع صلاة الجماعة الأولى-التي هي مفروض المسألة-في المساجد.
و منه يظهر الوجه في اشتراط اتحاد الصلاتين-الساقط من ثانيتهما الأذان -نوعا،أداء و قضاء،كما عن صريح النهاية و المبسوط و المهذب (3).قال المحقق الثاني و الشهيد الثاني:و هو متّجه إن كان قد تجدّد دخول وقت الصلاة الأخرى،أما لو أذّنوا و صلّوا الظهر في وقت فالظاهر أنّ من دخل ليصلّي العصر حينئذ لا يؤذّن،تمسكا بإطلاق الأخبار (4).
أقول:و هو غير بعيد،للشك في غلبة الاتحاد من جميع الوجوه.
و لو انفضّت و تفرقت الصفوف،بأن لا يبقى منهم و لو واحد،كما يستفاد من بعض الروايات السابقة (5)،و صرّح به جماعة (6)،فيكون مبيّنا لباقي
ص:79
الروايات المطلقة،مع ظهور بعضها فيه أذّن الآخرون و أقاموا بلا خلاف، للأصل،و ما مر من النصوص (1).
و لو أذّن و أقام بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحب له الاستيناف لهما،وفاقا للمشهور،للموثق:في الرجل يؤذّن و يقيم ليصلي وحده،فيجيء رجل آخر فيقول له:نصلّي جماعة،هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا،و لكن يؤذّن و يقيم» (2).
قال الشهيد في الذكرى:و بها أفتى الأصحاب،و لم أر لها رادّا سوى الشيخ نجم الدين،فإنه ضعّف سندها بأنهم فطحية،و قرّب الاجتزاء بالأذان و الإقامة أوّلا (3).
و فيه إشعار بالإجماع على مضمون الخبر،كعبارته في الدروس (4)، و عبارة المحقق الثاني في شرح القواعد (5)،و إن نقل الخلاف عن الفاضل في المنتهى أيضا (6)،و موافقة الماتن في الاجتزاء،و به صرّح في التحرير أيضا (7)، و احتجّا عليه:بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع الانفراد فبأذان نفسه أولى،و لا معارض له سوى الموثق،و قد عرفت تضعيفه سندا في المعتبر و كذا في المنتهى (8).
ص:80
و فيه نظر:لمنع الضعف أوّلا،لكونه موثقا،و هو حجة كما قرّر في محله مستقصى،و على تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب.و الاجتزاء بأذان الغير لعلّه لمصادفة نية السامع للجماعة،فكأنه أذّن لها،بخلاف الناوي بأذانه الانفراد .
و يعضد المختار عموم ما دلّ على تأكّد استحباب الأذان و الإقامة في صلاة الجماعة،و المتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة لا قبلها،و مع ذلك فالاستيناف أحوط و أولى.
و أما كيفيته:
ف اعلم أنه لا يجوز أن يؤذّن لفريضة إلاّ بعد دخول وقتها إجماعا،و للتأسّي و النصوص،و الأصل،لوضعه للإعلام بدخول وقت الصلاة و الحثّ عليها و يقدّم في الصبح رخصة على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (1)،كالمعتبر (2)،و قريب منه الذكرى في موضع (3)،حيث لم ينقل فيه خلافا،و كذا المحقق الثاني في شرح القواعد (4).
للصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة،بل ادّعى العماني تواترها (5)،ففي الصحيح:إن لنا مؤذّنا يؤذّن بليل،فقال:«أما إنّ ذلك لينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة،و أمّا السنّة فإنه ينادى مع طلوع الفجر،و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلاّ الركعتان» (6).
ص:81
و روي:أنه كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤذّنان،أحدهما ابن أمّ مكتوم،و كان يؤذّن قبل الصبح (1).
إلاّ أن في الصحيح:عن الأذان قبل الفجر،فقال:«إذا كان في جماعة فلا،و إذا كان وحده فلا بأس» (2).
و لكنه شاذ غير معروف القائل،لأن الأصحاب ما بين مجوّز على الإطلاق لكن مع الحكم باستحباب أن يعيده بعد دخوله كما كان يؤذّن بلال بعد ابن أمّ مكتوم،و روي:أنه أذّن قبل الفجر فأمر بإعادته (3)،مع أن للوقت أذانا،و الأصل عدم سقوطه بسابقه.
و بين مانع كذلك،كالمرتضى و الحلي (4)،و حكي عن الإسكافي و الجعفي و الحلبي (5)،للأصل،و أمره صلّى اللّه عليه و آله بلالا بالإعادة إذا أذّن قبله،و نهيه له عن الأذان حتى يستبين له الفجر (6).
و الأصل معارض لما مر من النصوص.و الإعادة نقول بها.و نهي بلال- إن ثبت-لما عرفت من أن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن قبله.
نعم،في جملة من النصوص المروية في البحار عن كتاب زيد النرسي ما يدل على المنع (7).
ص:82
لكنها-مع عدم وضوح سندها-لا تقاوم الأخبار التي قدمناها من وجوه شتى،فكان طرحها متعيّنا،و إن كان ترك التأذين لعله أحوط و أولى،لئلاّ يغترّ العوام المعتمدون في دخول الوقت على الأذان،بل العلماء المجوّزون لذلك حيث لا يمكن تحصيل العلم به،تبعا لجملة من النصوص.
و ليس في أذان ابن أمّ مكتوم قبل الفجر منافاة لذلك،بعد إعلام النبي صلّى اللّه عليه و آله المسلمين بوقت أذانه،كما قال الصدوق:و كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤذّنان،أحدهما بلال،و الآخر ابن أمّ مكتوم،و كان ابن أمّ مكتوم أعمى،و كان يؤذّن قبل الصبح،و كان بلال يؤذّن بعد الصبح،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إن ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل،فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (1).
نعم،لو فرض عدم الاغترار بذلك جاز التقديم بلا إشكال،و لعله مراد الأصحاب و إن أطلقت الجواز عباراتهم في الباب،عدا الشهيد في الذكرى، فقال:و ينبغي أن يجعل ضابطا في هذا التقديم ليعتمد عليه الناس (2).و كذا غيره (3).
و فصولهما على أشهر الروايات و الأقوال،بل المجمع عليه بين الأصحاب،على الظاهر،المستفاد من كثير من العبارات خمسة و ثلاثون فصلا،الأذان ثمانية عشر فصلا التكبير أربع،ثمَّ الشهادة بالتوحيد،ثمَّ بالرسالة،ثمَّ قول:حيّ على الصلاة،ثمَّ حيّ على الفلاح،ثمَّ حيّ على خير العمل،ثمَّ التكبير،ثمَّ التهليل،كل فصل مرتان.
ص:83
و الإقامة سبعة عشر فصلا بنقص تكبيرتين من الأربع،و إبدالهما ب «قد قامت الصلاة»مرتين،بعد حيّ على خير العمل،و حذف تهليلة من آخرها.
و على هذا ف كله أي كل من الأذان و الإقامة مثنى مثنى عدا التكبير في أوّل الأذان،فإنه أربع،و التهليل في آخر الإقامة،فإنه مرة واحدة.
ففي الموثق كالصحيح:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا،فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا،الأذان ثمانية عشر حرفا،و الإقامة سبعة عشر حرفا» (1).
و هو و إن كان مجملا غير مبيّن لفصولهما بالنحو المشهور،إلاّ أنه غير ضائر بعد ثبوت البيان من الإجماع،إذ لا قائل بما دلّ عليه من فصولهما معا، و كونها خمسة و ثلاثين،و الأذان ثمانية عشر،و الإقامة سبعة عشر،مع تغيير الفصول عما عليه المشهور.
مضافا إلى ثبوت بيان فصول الأذان من نصوص أخر معتبرة،ففي الحسن و غيره،الواردين فيه إنه:«اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أنّ محمدا رسول اللّه،أشهد أنّ محمدا رسول اللّه،حيّ على الصلاة،حيّ على الصلاة،حيّ على الفلاح،حيّ على الفلاح،حيّ على خير العمل،حيّ على خير العمل،اللّه أكبر اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه إلاّ اللّه لا إله إلاّ اللّه» (2).
ص:84
و في الصحيح:«تفتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» (1).
مع أنّه لم أجد لهذه النصوص معارضا عدا النصوص الدالّة على تثنية التكبير في أوّله (2)،و هي و إن كانت معتبرة مستفيضة،متضمنة للصحيح و الحسن و غيرهما،إلاّ أنها شاذّة لا قائل بها،بل على خلافها الإجماع في صريح الخلاف و الناصرية و الغنية و المنتهى (3)،و ظاهر غيرها من كلمة كثير من أصحابنا (4).
مع أنها غير صريحة في المخالفة،لأنها ما بين مصرّح في بيان الفصول بتثنية التكبير،و هو يحتمل كون المقصود إفهام السائل التلفّظ به،لا بيان تمام عدده،كما ذكره شيخ الطائفة (5).
و هو و إن بعد في الغاية-كما ذكره جماعة (6)-إلاّ أنه أولى من طرحه،أو حمله على الجواز مع كون الفضل في الأربع،كما يستفاد من النهاية (7) و غيره (8)،أو على كون التكبيرتين الأوليين للإعلام،كما يستفاد من غيرهما (9)،
ص:85
فإنّ في ذلك خروجا عن الأخبار المعتمدة المجمع عليها،و هو غير جائز،و إن شهد لصحة الأخير الخبر المروي في علل الفضل:عن مولانا الرضا عليه السلام أنه قال:«علّة تربيع التكبير في أوله إن أوّل الأذان إنما يبدأ غفلة،و ليس قبله كلام ينبّه المستمع له،فجعل الأوليان تنبيها على الأذان» (1).
لعدم معارضته للأدلّة القاطعة،بل لا يبعد دعوى ظهوره في موافقتها،كما لا يخفى.
و بين دال على أن الأذان مثنى مثنى،كالصحيحين (2)و غيرهما (3)،و هو يحتمل القصد إلى بيان أغلب فصولهما،و لا بعد فيه،ألا ترى إلى الرضوي:
«أن الأذان ثماني عشرة كلمة،و الإقامة سبع عشرة كلمة»و ذكر فيه صورة الأذان و الإقامة بالتفصيل،بكون التكبير في أوّلهما أربعا،و الباقي مثنى مثنى،إلاّ التهليل في آخر الإقامة،فإنه واحدة،ثمَّ بعد تمام الذكر التفصيلي لهما قال:
«الأذان و الإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك» (4).
و هو حجّة أخرى على كون التكبير في أوّل الأذان أربعا،كما أنّه حجّة على وحدة التهليل في آخر الإقامة،فيكون مبيّنا-بالنسبة إليه-لإجمال الرواية السابقة (5)،مضافا إلى ثبوت بيانه أيضا بأدلّة أخر،كالإجماع الظاهر المحكي
ص:86
في صريح الناصرية و الغنية و المنتهى (1)،و ظاهر غيرها (2)،و الأخبار الأخر،منها الصحيح:«إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل:قد قامت الصلاة،قد قامت الصلاة،اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه» (3).
و منها الخبر المروي عن دعائم الإسلام:«الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و تفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول:لا إله إلاّ اللّه،مرة واحدة» (4).
و أمّا النصوص الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى كالأذان (5)،فالجواب عنها كما تقدم الآن،و من جملته شذوذها،لعدم قائل بها حتى الإسكافي (6)، و من حكي عنه الخلاف في المبسوط و الخلاف (7)،لتفصيل الأوّل بين الإقامة منفردة عن الأذان فالتهليل فيها مثنى مثنى،و معه فمرّة واحدة،و مصير الثاني إلى كون فصولها كالأذان حتى في التكبير أربعا أوّلهما مع زيادة:قد قامت الصلاة، فيها مرّتين.
و ليس في شيء من تلك النصوص دلالة على شيء من هذين القولين، كما لا دلالة لغيرها عليهما أيضا.
و منه-زيادة على ما مر-يظهر ضعفهما،و ضعف ما حكي في المبسوط
ص:87
و الخلاف من القول بتربيع التكبير في آخرهما (1).
ثمَّ إن كل ذا مع الاختيار،و يجوز إفراد فصولهما عند الحاجة و الاستعجال،كما ذكره جماعة من الأصحاب (2)،للصحيح:رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان،فقلت له:لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال:«لا بأس به إذا كنت مستعجلا» (3).
و في المرسل:«لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أؤذّن و أقيم واحدا واحدا» (4).
و في الخبر:«الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،و الأذان واحدا واحدا و الإقامة واحدة واحدة» (5).
و في آخر:«يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر» (6).
و الترتيب بينهما و بين فصول كل منهما شرط في صحتهما بالإجماع،و النصوص.فإن تعمّد خلافه أثم إن قصد شرعيته،و إلاّ بطل فقط،كما إذا سها أو جهل فأخلّ،و يأتي بما يحصل معه الترتيب حينئذ.
و السنة أي المستحب فيه أي الأذان بالمعنى الأعم الشامل
ص:88
للإقامة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها،إجماعا،على الظاهر،المحكي عن المعتبر و التذكرة و في الخلاف و روض الجنان و المنتهى (1)،و غيرها (2)،للنص بأنهما:«مجزومان» (3)و في آخر:«موقوفان» (4).
و في الصحيح«الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء،و الإقامة حدر» (5).
و جعله الحلبي من شروطهما كما حكي (6)،و هو ظاهر النصوص،إلاّ أنه محمول على الاستحباب،للأصل المعتضد بالشهرة و الإجماع المنقول.
و أن يكون متأنّيا في الأذان بإطالة الوقوف على أواخر الفصول حادرا في الإقامة أي:مسرعا فيها بتقصير الوقوف على كل فصل،لا تركه،لكراهة إعرابهما لما مضى،بلا خلاف يعرف،كما عن التذكرة و في المنتهى (7)،للصحيح المتقدم بأن«الإقامة حدر»و نحوه آخر (8)،و في الخبر:«الأذان ترتيل،و الإقامة حدر» (9).
و الفصل بينهما أي بين الأذان و الإقامة بركعتين،أو جلسة،أو
ص:89
سجدة،أو خطوة،خلا المغرب،فإنه لا يفصل بين أذانيها إلاّ بخطوة،أو سكتة،أو تسبيحة على المشهور بين الأصحاب،بل عن المعتبر و التذكرة و في المنتهى (1)و غيره (2)الإجماع عليه،و المعتبرة به-مع ذلك-مستفيضة،ففي الصحيح:«افرق بين الأذان و الإقامة بجلوس،أو ركعتين» (3).
و هذه الرواية مطلقة كالفتاوى باستحباب الفصل بالركعتين و لو كانتا من غير الرواتب و في وقت الفرائض،لكن ظاهر جملة من النصوص التخصيص بالرواتب في أوقاتها،كما عن بعض (4)،ففي الصحيح:«القعود بين الأذان و الإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها» (5).
و في آخر في حديث أذان الصبح قال:«السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلاّ الركعتان» (6).
و في الخبر:«يؤذّن للظهر على ستّ ركعات،و يؤذّن للعصر على ستّ ركعات» (7).
و في آخر مروي عن دعائم الإسلام،عن مولانا الباقر عليه السلام،قال:
«و لا بدّ من فصل بين الأذان و الإقامة بصلاة أو بغير ذلك،و أقلّ ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض
ص:90
بيده» (1).
و يستفاد منها علة سقوط الفصل بالركعتين في المغرب بين الأذانين، و لا يبعد أن يكون ذلك مراد الأصحاب أيضا،كما يرشد إليه استثناؤهم المغرب -كالروايات-مع احتمال إحالتهم له على الوضوح من الخارج،من حرمة النافلة في وقت الفريضة،فهو أحوط،حتى أنه لا يصلى من الراتبة بينهما إذا خرج وقتها،و في الخبر:«لا بدّ من قعود بين الأذان و الإقامة» (2).
و إطلاقه-كأكثر الأخبار المتقدمة،و صريح بعضها-استحباب الفصل بالجلوس بينهما مطلقا،حتى في المغرب،كما عن النهاية و الحلي (3)،لكنهما قيّداه بالخفيف و السريع.
و يعضدها-زيادة على ذلك-الخبر:«من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه تعالى» (4).
و المروي عن مجالس الشيخ:قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«من السنة الجلسة بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة و صلاة المغرب و صلاة العشاء،ليس بين الأذان و الإقامة سبحة،و من السنة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان و الإقامة في صلاة الظهر و العصر» (5)فتأمّل .
و المروي عن فلاح السائل للسيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس-رضي اللّه عنه-عن[الحسن بن] (6)معاوية بن وهب،عن أبيه،قال:
ص:91
دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وقت المغرب،فإذا هو قد أذّن و جلس، فسمعته يدعو (1)الحديث.
و ظاهره-كإطلاق البواقي-يدفع التقييد بالخفيف كما ذكراه،و لعلّهما أخذاه من مراعاة ما دلّ على ضيق وقت المغرب،و لا بأس به.بل الأحوط ترك الجلوس مطلقا،للمرسل:«بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب،فإنّ بينهما نفسا» (2)و لعلّ المراد به السكتة.
و ضعف السند مجبور بالشهرة،و ما عرفته من الإجماعات المحكية، و بذلك يترجّح على الأخبار المزبورة.
مع أن الصريح منها غير واضحة الأسانيد،و معتبرتها مطلقة قابلة للتقييد، و مع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل،لما عرفت من تقييد النهاية و السرائر (3)بما ليس فيها.
مع أن ظاهر الحلّي تخصيص استحباب الجلسة و باقي الأمور المتقدمة بالمفرد دون الجامع،فاستحب له الفصل بالركعتين (4).
و ذكر جماعة عدم وقوفهم على نصّ يدل على استحباب الخطوة و السجود،و إنما نسبوه إلى الأصحاب (5)،مشعرين بدعوى الإجماع،مع أنه روي في فلاح السائل:عن الصادق عليه السلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه
ص:92
السلام يقول لأصحابه:من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده:ربّ لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول اللّه تعالى:ملائكتي،و عزّتي و جلالي لأجعلنّ محبته في قلوب عبادي المؤمنين،و هيبته في قلوب المنافقين» (1).
و روي فيه أيضا عنه عليه السلام أنه:«من أذّن ثمَّ سجد فقال:لا إله إلاّ أنت،ربّي سجدت لك خاضعا خاشعا غفر اللّه تعالى ذنوبه» (2).
و في الرضوي:«و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعله،فإنّ فيه فضلا كثيرا،و إنما ذلك على الإمام،و أما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى،ثمَّ يقول:باللّه أستفتح..» (3)و ذكر الدعاء.
و في الموثق:«إذا قمت إلى الصلاة الفريضة فأذّن و أقم،و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود،أو بكلام،أو بتسبيح»قال:و سألته:و كم الذي يجزي بين الأذان و الإقامة من القول؟قال:«الحمد للّه» (4).
و في الصحيح:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أذّن و أقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (5).
و يستفاد منه كون الفصل به للاستحباب،كما فهمه الأصحاب مما مر من الأخبار الظاهرة في الوجوب.
و يكره الكلام في خلالهما و تتأكّد في الإقامة،بلا خلاف أجده إلاّ من القاضي،فكرهه في الإقامة خاصة (6)،مشعرا بعدمها في الأذان،و قريب
ص:93
منه الفاضل في المنتهى،فقال:و لا يستحب الكلام في أثناء الأذان-إلى أن قال-:و يكره في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم (1).
و في الكفاية:و يكره الكلام في أثناء الإقامة،و المشهور استحباب ترك الكلام في خلال الأذان،و مستنده غير واضح (2).
أقول:بل ظاهر النصوص عدم البأس به،ففي الصحيح:أ يتكلم الرجل في الأذان؟قال:«لا بأس»قلت:في الإقامة؟قال:«لا» (3).
و فيه:أ يتكلم الرجل في الأذان؟قال:«لا بأس» (4).و نحوه الموثق (5).
قال الشهيد الثاني و غيره-بعد نقل الصحيح الأوّل-:و لا ينافي الكراهة في الأذان،لأن الجواز أعم،و نفي البأس يشعر به،و قطع توالي العبادة بالأجنبي يفوّت إقبال القلب عليها (6).
و هو كما ترى،لكن لا بأس به بعد شهرة الكراهة،بناء على جواز المسامحة في أدلّتها.
و ظاهر الصحيح الأول و غيره تحريم التكلم في الإقامة،كما عن المفيد و المرتضى (7)و غيرهما (8)،إلاّ أنه محمول على الكراهة،جمعا بينها و بين
ص:94
الصحاح المستفيضة و غيرها،ففي الصحيح:عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟قال:«نعم» (1).
و نحوه آخر،لكن بزيادة قوله عليه السلام:«فإذا قال المؤذّن:قد قامت الصلاة،فقد حرم الكلام على أهل المسجد،إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام،فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض:تقدم يا فلان» (2).
و نحوه في الزيادة الموثق:«إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام،إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام» (3).
و ظاهرهما-كغيرهما-تحريم الكلام بعد قول المؤذّن:قد قامت الصلاة،إلاّ ما يتعلق بالصلاة،من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك، كما عليه الشيخان و المرتضى و الإسكافي (4).
خلافا لعامّة المتأخرين إلاّ النادر (5)،فقطعوا بالكراهة،للمعتبرة المستفيضة،منها الصحيح و غيره المرويان في مستطرفات السرائر:أ يتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟قال:«لا بأس» (6).
و يعضده إطلاق الصحيح السابق،بل عمومه الناشي عن ترك
ص:95
الاستفصال عن كون المقيم مفردا أو جامعا،متكلّما قبل قد قامت الصلاة أو بعده،لما يتعلق بالصلاة أم غيره.
و نحوه الخبر:عن الرجل يتكلم في أذانه و إقامته؟فقال:«لا بأس» (1).
و أظهر منه آخر بحسب الدلالة و السند:«لا بأس بأن يتكلم الرجل و هو يقيم للصلاة،أو بعد ما يقيم إن شاء» (2).
و الجمع بينها و بين الأخبار السابقة و إن أمكن،بتقييد هذه بقبل قول:قد قامت الصلاة،أو بعده مع كون الكلام لما يتعلق بها،إلاّ أنه فرع التكافؤ المفقود هنا جدّا،لندرة القائل بالمنع،و مخالفته الأصل المقطوع به،المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.فالكراهة الشديدة أقوى،و إن كان الترك حينئذ-بل مطلقا-أحوط و أولى.
و لو تكلم أعادها مطلقا،كما ذكره جماعة (3)،و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة (4)،للصحيح:«لا تتكلم إذا أقمت الصلاة،فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (5).
و لو تكلم في خلال الأذان لم يعده،عامدا كان أو ناسيا،إلاّ أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة،و مثله السكوت الطويل.
و من الكلام المكروه الترجيع كما عليه معظم المتأخّرين،بل
ص:96
عامتهم عدا نادر (1)،و في المنتهى و عن التذكرة أنه مذهب علمائنا (2).
و هو الحجة،مضافا إلى الإجماع في الخلاف على أنه غير مسنون (3)، فيكره لأمور:قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان،و إخلاله بنظامه، و فصله بأجنبيّ بين أجزائه،و كونه شبه ابتداع.
و قال أبو حنيفة:إنه بدعة (4)،و عن التذكرة:هو جيّد (5)،و في السرائر و عن ابن حمزة أنه لا يجوز (6).
و هو حسن إن قصد شرعيّته،كما صرّح به جماعة من المحققين (7)، و إلاّ فالكراهة متعيّن،للأصل،مع عدم دليل على التحريم حينئذ،عدا ما قيل:من أن الأذان سنة متلقّاة من الشارع كسائر العبادات،فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما،كما تحرم زيادة:أن محمدا و آله خير البرية،فإن ذلك و إن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنه ليس من فصول الأذان (8).
و هو كما ترى،فإن التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلا.
و منه يظهر جواز زيادة:أنّ محمدا و آله-إلى آخره-و كذا عليا وليّ اللّه، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان،و إلاّ فيحرم قطعا.و لا أظنّهما من
ص:97
الكلام المكروه أيضا،للأصل،و عدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر،بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة (1).
و قد استثنى المتأخّرون-تبعا للشيخ (2)-من كراهة الترجيع ما أشار إليه بقوله إلاّ للإشعار و التنبيه،كما في الخبر:«لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين و الثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (3).
و ضعف السند مجبور بالشهرة،بل الاتفاق،كما في صريح المختلف (4)،و ظاهر غيره (5).
و فيه دلالة على الكراهة بالمفهوم حيث لا يقصد الإشعار،لكن لا تصريح فيه بلفظ الترجيع،و لا معناه المشهور من تكرار الشهادتين مرّتين أخريين،كما في الخلاف و عن الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و نهاية الإحكام (6)،و عن المبسوط و المهذب و في الدروس:أنه تكرير التكبير و الشهادتين في أول الأذان (7)،و عن جماعة من أهل اللغة:أنه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما (8).
ص:98
نعم فسّره في الذكرى بتكرار الفصل زيادة على الموظّف (1).و هو يوافق ما في الخبر،و قريب منه الرضوي:«ليس فيهما-أي في الأذان و الإقامة-ترجيع و لا ترديد و لا الصلاة خير من النوم» (2).فتأمّل.
و كذا التثويب مكروه،سواء فسّر بقول:الصلاة خير من النوم كما هو المشهور،أو بتكرير الشهادتين دفعتين،كما عليه الحلي و غيره (3)،أو بالإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان و الإقامة كما قيل (4).
للإجماع على أنه بالمعنى الأوّل غير مسنون،كما في التهذيبين و الخلاف (5)،و فيه الإجماع على أنه في العشاء الآخرة بدعة (6)،و في الناصريات:أنه في صلاة الصبح بدعة (7)،و في الانتصار كذلك،إلاّ أنه قال:
إنه مكروه (8).و يظهر منه أن مراده بالكراهة المنع،حيث قال:و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته و المنع منه الإجماع الذي تقدم.
و في السرائر الإجماع على أنه لا يجوز،و استدل عليه-كالناصرية و الخلاف-بعده بانتفاء الدليل على شرعيته،و بالاحتياط،لأنه لا خلاف في أنه لا ذمّ على تركه،فإنه إمّا مسنون أو غيره،مع احتمال كونه بدعة (9).
ص:99
و ظاهره التحريم،كما عليه المشهور على الظاهر،المصرّح به في المختلف (1).و لا ريب فيه مع قصد الشرعية،كما في المسألة المتقدمة (2)،و إلاّ فما ذكروه من الأدلة على التحريم لا تفيده كلية عدا الإجماع،و في شمول دعواه لمحل الفرض إشكال،بل ظاهر سياق عباراتهم الإجماع على المنع عنه بالنحو الذي يراه جماعة من العامة من كونه سنة (3)،فمحصّله الإجماع على عدم كونه سنة،لا أنه محرّم مطلقا،و لو مع عدم قصد الشرعية.
و بالجملة:الظاهر أن محل النزاع الذي يدّعى فيه الإجماع إنما هو التثويب الذي يفعل بقصد الاستحباب،كما عليه العامة،و لذا أن المحقق الثاني مع تصريحه أوّلا بالتحريم مطلقا قال-بعد الاستدلال عليه و نقل معارضه من الأقوال و الأخبار-:نعم لو قاله معتقدا أنه كلام خارج من الأذان اتّجه القول بالكراهة،لكن لا يكون بينه و بين غيره من الكلام فرق،على أن البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان و عدّه من الفصول،فكيف يعقل القول بالكراهة (4).انتهى.
و لنعم ما أفاد و أجاد،رحمه اللّه.و يعضده ما في كتاب زيد النرسي عن مولانا الكاظم عليه السلام:«الصلاة خير من النوم بدعة بني أميّة،و ليس ذلك من أصل الأذان،و لا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك،و لا يجعله من أصل الأذان،فإنا لا نراه أذانا» (5)فتأمّل (6).
ص:100
و به يجمع بين القول بالكراهة و التحريم،بحمل الأوّل على صورة عدم قصد الاستحباب و الثاني على قصده.فلا خلاف في المسألة إلاّ من الإسكافي،حيث قال:لا بأس به في أذان الفجر،و الجعفي حيث قال:تقول في أذان صلاة الصبح-بعد قولك:حيّ على خير العمل-:الصلاة خير من النوم،مرتين،و ليستا من الأذان (1).
و ظاهرهما عدم الكراهة،بل ظاهر الثاني الاستحباب،و هما شاذان مخالفان للإجماع المحكي-بل القطعي-فلا يمكن المصير إليهما،و إن أيّد الثاني الخبران،أحدهما الصحيح:«كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم» (2)و في الثاني الموثق:«النداء و التثويب في الإقامة من السنة» (3).
لشذوذهما،و عدم وضوح دلالتهما،لاحتمال كون النداء في الأوّل في غير الأذان،أو للتقية،و عدم معلوميّة المراد منه و من التثويب في الثاني كما قيل (4).و الأجود حمله على التقية.
و به يجاب أيضا عن الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب البزنطي:
«إذا كنت في أذان الفجر فقل:الصلاة خير من النوم،بعد حيّ على خير العمل،
ص:101
و قل بعد اللّه أكبر،اللّه أكبر:لا إله إلاّ اللّه،و لا تقل في الإقامة:الصلاة خير من النوم،إنما هذا في الأذان» (1).
و أما ما استبعده به الماتن بناء على اشتماله على حيّ على خير العمل، و هو انفراد الأصحاب.
فمنظور فيه،لجواز الإسرار به،فلا ينافي التقية.
و يدلّ على كراهة التثويب بالمعنى الثالث-زيادة على الإجماع المدعى عليها في الخلاف (2)-ظاهر خصوص الصحيح:عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة،فقال:«ما نعرفه» (3).
و أما اللواحق:ف اعلم أن من السنة حكايته أي الأذان عند سماعه ممن يشرع منه،بالإجماع المستفيض النقل (4)،و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أذان سمع المؤذّن يؤذّن،قال مثل ما يقول في كل شيء» (5).
و ظاهره-كإطلاق البواقي-استحباب الحكاية له بجميع فصوله حتى الحيعلات.
خلافا للدروس،فجوّز الحولقة بدل الحيعلة (6)،و رواها في
ص:102
المبسوط (1)،و الظاهر أنها عاميّة،كما ذكره جماعة (2)،قال بعضهم:فإنه قد روى مسلم في صحيحه و غيره في غيره بأسانيد عن عمر و معاوية أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)..و ذكر نحو الرواية (4).و عليه فيشكل الخروج بها عن ظواهر المستفيضة،كما صرّح به جماعة (5).
و هل يختص الحكم بالأذان،أم يعمّ الإقامة،ظاهر الأصل و اختصاص أكثر الفتاوى و النصوص بالأوّل يقتضيه،و به صرّح جمع (6).
خلافا للمحكي عن النهاية و المبسوط و المهذب،فالثاني (7).
و هو غير بعيد،لعموم التعليل في بعض تلك المستفيضة بأنّ ذكر اللّه تعالى حسن على كل حال (8)،و لا ريب أن الإقامة كالأذان في كونها ذكرا.
ثمَّ إن استحباب الحكاية ثابت على كل حال،إلاّ في الصلاة مطلقا، على ما حكي عن المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام (9)،لأن الإقبال على الصلاة أهمّ.و إن حكى فيها جاز،إلاّ أنه يبدّل الحيعلات بالحولقات.
و ذكر جماعة (10)أنه يستحب حكاية الأذان المشروع،فلا يحكى أذان
ص:103
عصر الجمعة و المرأة حيث يكون حراما.قيل:و لا أذان الجنب في المسجد (1).
و فيه نظر،لعدم تعلق النهي به،بل باللبث الخارج من أذانه.
و قول ما يخلّ به المؤذّن من فصوله عمدا و سهوا،تحصيلا للأذان الكامل،و في الصحيح:«إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (2).
و الكفّ عن الكلام بعد قول المؤذّن:قد قامت الصلاة،إلاّ أن يكون بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام،أو تسوية صفّ،أو نحو ذلك،بل يكره ذلك كراهة مغلظة،حتى أنه قال بتحريمه جماعة،كما تقدم إليه الإشارة (3).
و هنا مسائل ثلاث الأولى:إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزئ به عن أذانه في صلاة الجماعة و لو كان ذلك المؤذّن منفردا في صلاته و أذانه،على المشهور،بل لا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)،إلاّ من نادر (5)،لظاهر الصحيح السابق،مضافا إلى الخبرين المنجبرين بالعمل، في أحدهما:صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و رداء،و لا أذان و لا إقامة-إلى أن قال-:«و إني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» (6).
ص:104
و في الثاني:كنّا معه عليه السلام فسمع إقامة جار له بالصلاة،فقال:
«قوموا»فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا إقامة،و قال:يجزئكم أذان جاركم» (1).
و ظاهرهما-من حيث التضمن للفظ الإجزاء-كون السقوط هنا رخصة لا عزيمة،و به صرّح جماعة (2).
و كذا ظاهرهما جواز الاجتزاء بالإقامة عنها أيضا،لكن يستفاد من أوّلهما اشتراط عدم التكلم بعدها.و هو حسن،لأن الكلام من المقيم بعد الإقامة مقتض لإعادتها،كما مضى،و هذه الإقامة أضعف حكما،فبطلانها بالكلام بعدها أولى.
و هل يجتزئ المنفرد بأذان المنفرد؟قال الشهيد-رحمه اللّه-:فيه نظر، أقربه ذلك،لأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (3).و هو حسن.
ثمَّ إن إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المؤذّن بين كونه مؤذّن مصر،أو مسجد،أو منفردا.
و جزم بعضهم (4)باختصاص الحكم بمؤذّن الجماعة و المصر،و منع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه-و هو ما عدا مؤذّن الجماعة و المصر-و حمل قولهم:و إن كان منفردا،على أن المراد بالمنفرد المنفرد بصلاته لا بأذانه.
و هو خروج عن إطلاق النصوص و الفتاوى المتقدمين،بل ظاهر الأخيرين منها.
الثانية:من أحدث في الأذان و الإقامة بنى بعد الطهارة و قبلها إذا لم يقع فصل فاحش،و لا يستأنف،بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما.و لكن
ص:105
الأفضل إعادة الإقامة،لتأكّد استحبابها فيها،و للخبر المروي عن قرب الإسناد:عن المؤذّن يحدث في أذانه أو في إقامته،قال:«إن كان الحدث في الأذان فلا بأس،و إن كان في الإقامة فليتوضّأ و ليقم إقامة» (1).
و قريب منه آخر:«الإقامة من الصلاة» (2)و من حكمها الاستيناف بطروّ الحدث في أثنائها،فتكون الإقامة كذلك(و يأتي على القول بالاشتراط وجوبها) (3).
و لو أحدث في الصلاة أعادها أي الصلاة و لا يعيد الإقامة إلاّ مع الكلام بما لا يتعلق بالصلاة،و إن أوجبنا الإعادة مع الحدث في الإقامة،كما عن صريح المبسوط (4).
قيل:و الفرق ظاهر (5).و لعلّ وجهه ما ذكره في المنتهى-بعد أن عزا الحكم إلى الشيخ-من أن فائدة الإقامة-و هي الدخول في الصلاة-قد حصل (6).
و الأولى الإعادة،كما يفهم من الرواية الأخيرة.
و أما الإعادة مع التكلّم فللصحيح:«لا تتكلّم إذا أقمت،فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (7).
ص:106
الثالثة:من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه و أقام لما مر:من عدم الاعتداد بأذان المخالف (1)،و للنصوص منها:«أذّن خلف من قرأت خلفه» (2).
و لو خشي فوات الصلاة خلفه اقتصر من فصوله على تكبيرتين و قد قامت الصلاة مرتين و تهليلة،كما في الصحيح المتقدم في بيان فصول الأذان و الإقامة (3).
ص:107
و أما المقاصد فثلاثة:
الأوّل:في بيان أفعال الصلاة و هي واجبة و مندوبة.
فالواجبات ثمانية:
الأوّل:النية و هي ركن و المراد به ما يلتئم منه الماهية مع بطلان الصلاة بتركه عمدا و سهوا،كالركوع و السجود.و ربما قيّد بالأمور الوجودية المتلاحقة ليخرج التروك،كترك الحدث في الأثناء،فإنها لا تعدّ أركانا عندهم.
و يمكن أن يكون المراد بالركن ما تبطل الصلاة بتركه مطلقا،فيكون أعم من الشرط.
و لكنه بعيد،و خلاف المصطلح عليه بينهم،و لذا قال الماتن بعد الحكم بالركنية و إن كانت بالشرط أشبه و لو صحّ الركنية بهذا المعنى بينهم
ص:108
لما كان بينها و بين الشرطية منافاة،فلا وجه لجعله لها مقابلا للركنية.
و كيف كان فلا خلاف في ركنيتها بهذا المعنى،و ادعى عليه جماعة اتفاق العلماء (1)،و هو الحجة بعد الكتاب (2)،و السنة المستفيضة الدالة على اعتبار الإخلاص في العبادة (3)،و أنه لا عمل بلا نية (4).و المناقشة في الدلالة واهية .
و اختلفوا في كون النية شرطا أو جزءا،فالذي اختاره الماتن هنا و كثير (5):
الأول،قال في المنتهى:لأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثّر،أو ما يقف عليه صحة الفعل،و هذا متحقق فيها،و أيضا فإنها تقع مقارنة لأوّل جزء من الصلاة-أعني التكبير-أو سابقة عليه،فلا يكون جزءا (6).
و هما ضعيفان ،كأكثر الوجوه المستدل بها على القولين .و قد فرع عليهما أمور لا يتفرع بعضها عليهما،و بعضها قليل الفائدة.
و حيث كانت المسألة بهذه المثابة كانت الفائدة في تحقيقها قليلة، فالإعراض عن الإطالة فيها أولى،و الاشتغال بتحقيق ما هو أهمّ أحرى و هو أنه لا بد في النية من نية القربة و هي غاية الفعل المتعبّد به،قرب الشرف لا الزمان و المكان،لتنزّهه تعالى عنهما،و لو جعلها للّه تعالى كفى .
و التعيين من ظهر و عصر أو غيرهما. و الوجوب إن كان واجبا أو الندب إن كان مندوبا. و الأداء إذا كان في الوقت أو القضاء إذا كان
ص:109
في خارجه.
و لا إشكال في اعتبار الأوّلين،لما مضى في أوّلهما،و دعوى الفاضل في التذكرة و غيره في الثاني إجماعنا (1)،و نفى عنه الخلاف في المنتهى (2).
و هو الحجة،مضافا إلى أن الفعل إذا كان مما يمكن وقوعه على وجوه متعدّدة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية،و إلاّ لكان صرفه إلى البعض دون البعض ترجيحا من غير مرجح،مع أن الامتثال عرفا متوقف عليه جدّا.
و منه يظهر الوجه في عدم الإشكال في اعتبار البواقي،حيث تكون الذمة مشغولة بكل من الواجب و المندوب أو الأداء و القضاء،إذ مع عدم تشخيص المتعبد به المشترك بين هذه الأفراد بأحد مشخصاتها لم يصدق الامتثال عرفا مطلقا و لو صرف إلى بعض الأفراد بعده،مع أنه ترجيح من غير مرجّح،كما مضى.و أما مع تشخص الفعل في الواقع شرعا فمشكل جدا.
و إليه أشار بعض الأفاضل،فقال-بعد نقل الاستدلال من الجماعة على اعتبار الفصول الباقية،بأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلاّ بالنية،فكلّ ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر مثلا ليتميّز عن بقية الصلوات،و الفرض ليتميّز عن إيقاعه ندبا، كمن صلّى منفردا ثمَّ أدرك الجماعة،و كونها أداء ليتميز عن القضاء-ما صورته:
و هو استدلال ضعيف،فإنّ صلاة الظهر مثلا لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد على وجهي الوجوب و الندب،ليعتبر تميّز أحدهما من الآخر، لأن من صلّى الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلاّ واجبة،و من أعادها ثانيا لا تقع
ص:110
إلا مندوبة،و قريب من ذلك الكلام في الأداء و القضاء (1).
أقول:و يمكن أن يقال:إن مرادهم من الإمكان.الإمكان بحسب النية لا بحسب الشريعة،و عليه فيمكن وقوع صلاة الظهر الواجبة على جهة الندب بحسب قصد المكلف إمّا عمدا،أو سهوا،أو جهلا،و لا ريب أنها بهذه الجهة و هذه الصفة غير مأمور بها في الشريعة،فتكون فاسدة،كما أنه لو صلاّها بقصد العصر فسدت.و كذلك الكلام لو صلاّها أداء زاعما بقاء الوقت مع خروجه،أو قضاء زاعما خروجه مع بقائه بطلت أيضا،كما صرّح به في المنتهى (2)،جاعلا له من فروع المسألة،مشعرا بعدم الخلاف في الأصل بيننا،بل عن ظاهر التذكرة أن عليه إجماعنا (3).
و هو الحجة المؤيّدة بالشهرة العظيمة،حتى ممن تأمّل في اعتبار قصد الوجه في الطهارة،كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة،حيث إن ظاهره في كتاب الطهارة التردّد في اعتبار قصد الوجه،بل الجزم بعدمه،مدعيا عدم الدليل عليه،و عدم اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب و الندب،قال:لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلاّ واجبا،و بدونه ينتفي (4).
و ظاهره في هذا الكتاب الجزم باعتباره مطلقا-كما هو ظاهر اللمعة-قائلا في تقريبه:و لمّا كان القصد متوقفا على تعيين المقصود بوجه ليمكن توجّه القصد إليه،اعتبر فيها إحضار ذات الصلاة،و صفاتها المميزة لها حيث تكون مشتركة،و القصد إلى هذا المعيّن متقرّبا،و يلزم من ذلك كونها معيّنة الفرض،
ص:111
و الأداء أو القضاء،و الوجوب أو الندب (1).
و لا يخفى ما بين كلاميه في المقامين من التدافع (2).و ما ذكرناه من التوجيه لتصحيح نحو الكلام الثاني غير نافع في كلامه الأول،لظهوره في أن المراد بالإمكان الإمكان بحسب الشرع،لا قصد المكلف،و إلاّ فيمكن وقوع الوضوء أيضا من المكلّف بقصد الندب حيث يكون واجبا عليه،و بالعكس، كما إذا قصد الوجوب بظن دخول الوقت أو يقينه ثمَّ انكشف عدمه،و بالعكس، مع انه صرّح بعدم إمكانه على الوجهين،و ليس إلاّ من حيث إرادته منه إيّاه بحسب الواقع و هو جار في المقام كما ذكره من مرّ من بعض الأفاضل (3).و لكن الجواب عنه بما عرفت ظاهر.
لكن يمكن أن يقال:إن مقتضاه وجوب قصد الوجه إذا بنى المكلف على التعدد عمدا أو تشريعا مثلا.و أمّا إذا بنى على الاتحاد مع كونه في الواقع كذلك
ص:112
و قصده متقربا فقد قصد الذي هو متصف بالوجوب أو الندب،لأنه أحضر المنوي المتصف بأحدهما واقعا،لأن النية أمر بسيط فيكون ممتثلا و إن لم يخطر بباله كون ما أتى به واجبا أو مندوبا،لأن الامتثال يحصل بقصد المأمور به المعيّن،و إن كان الواجب أن لا يخطر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب، و لا العكس.
مع إمكان التأمّل في هذا أيضا،كما عن الماتن في بعض تحقيقاته في نية الوضوء،حيث إنه-بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته-قال في جملة كلام له:و ما يقوله المتكلمون-من أن الإرادة تؤثّر في حسن الفعل و قبحه،فإذا نوى الوجوب و الوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه-كلام شعري،و لو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيّته،و لم تكن النيّة مخرجة للوضوء عن التقريب (1).انتهى.
و هو في غاية الجودة،لكن ينبغي تخصيصه بصورة ما إذا نوى المأمور به المعيّن في الوقت الذي يفعله و كان واحدا،كما فرضنا.
و لكن الأحوط اعتبار الوجه مطلقا،كما ذكروه،خروجا عن شبهة الإجماع المؤيّدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،و إن خالف فيه جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (2).
و اعلم أن شيخنا في الروضة-بعد اختياره مذهب الأصحاب،و تحقيقه الأمر في النية-قال:-و لنعم ما قال-و قد تلخّص من ذلك أن المعتبر في النية أن يحضر بباله مثلا صلاة الظهر الواجبة المؤداة،و يقصد فعلها للّه تعالى،و هذا أمر سهل،و تكليف يسير،قبل أن ينفكّ عن ذهن المكلف عند إرادته الصلاة،
ص:113
و كذا غيرها،و تجشّمها زيادة على ذلك وسواس شيطاني قد أمرنا بالاستعاذة منه و البعد عنه (1).
و لا يشترط نية القصر و لا الإتمام مطلقا و لو كان المصلّي المدلول عليه بالمقام مخيّرا بينهما،فيما جزم به كثير من الأصحاب على الظاهر، المصرح به في الذكرى (2).
و استدل عليه في المنتهى فقال:أما في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نيته،لأن الفرض متعيّن له،و أما في مواضع التخيير-كالمسافر في أحد المواطن الأربعة-فلا يتعين أحدهما بالنيّة،بل جائز له أن يقتصر على الركعتين و جائز أن يتمّ،فلا يحتاج إلى التعيين (3).و قريب منه كلام المحقق الثاني في شرح القواعد (4).
و هو حسن على ما قدمناه،إلاّ أن في التعليل الأوّل منافاة لما ذكروه في اشتراط نية الوجه،من اشتراك المتعبّد به بين فصوله لا يتعين لأحدها إلاّ بنيّته، بناء على ما وجّهناه به،من أن المراد بالاشتراك الاشتراك بحسب نيّة المكلّف لا الواقع،و هذا الوجه جار في المقام،لإمكان أن ينوي ما كلّف به من قصر أو إتمام بضده،و الفرض أن التعيّن واقعا غير كاف.
و بالجملة فالجمع بين الكلامين مشكل،إلاّ أن يقيّد الأول بما إذا حصل اشتراك في المتعبّد به واقعا،كما إذا كان عليه واجب و ندب أو أداء و قضاء،و لا ريب في اشتراط قصد الوجه حينئذ،كما قدمناه،و الشاهد على هذا التقييد كلامهم هنا.لكن مقتضى ذلك الاكتفاء باشتراط نية التعيين عن نية الوجه،فلا
ص:114
وجه لاشتراطها أيضا إلاّ لزومه مطلقا،و لو كان المتعبد به في الواقع واحدا، و ربما يشير إليه أيضا ما قدمناه عن المنتهى من التفريعات (1)،فتأمّل جدّا.
و كيف كان،فالمتجه على ما قدمناه صحة ما حكموا به هنا من غير خلاف أجده إلاّ من المحقق الثاني،فأوجب مع التخيير نية أحدهما (2).
و احتمله الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى،قال:لأن الفرضين مختلفان،فلا يتخصص أحدهما إلاّ بالنية،و على الأوّل لو نوى أحدهما فله العدول إلى الآخر،و على الثاني يحتمل ذلك،لأصالة بقاء التخيير،و يحتمل جواز العدول من التمام إلى القصر دون العكس،كيلا يقع الزائد بغير نية (3).و هو كما ترى .
و يتعين استحضارها عند أوّل جزء من التكبير خاصة،أو مستمرة إلى انتهائه،أو بين الألف و الراء،أو قبله متصلة به،بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه،على اختلاف الآراء،بعد اتفاقها على لزوم أصل المقارنة في الجملة،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (4).
و يظهر من التذكرة دعوى الإجماع على صحة العبادة بالمقارنة بالمعنى الأخير (5).
و به يضعف القول الثالث لو أريد به تعيينه،مضافا إلى ندرة قائله، و استلزامه-زيادة على العسر-حصول أوّل التكبير بغير نية.
و بذلك يضعف الثاني أيضا لو أريد به التعيين،مع عدم وضوح مأخذه
ص:115
إلاّ ما يقال:من أن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير،بدليل أن المتيمّم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال،و المقارنة معتبرة في النية فلا يتحقق من دونها.
و يضعف تارة:بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من أوّله.
و اخرى:بأن الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير،لأنه جزء من الصلاة بالإجماع،فإذا قارنت النية أوّله فقد قارنت أو الصلاة،لأن جزء الجزء جزء،و لا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه و وجوب استعمال الماء قبله،لأن ذلك حكم آخر لا ينافي المقارنة.
و ثالثة:باستلزامه العسر و الحرج المنفيين شرعا.و الحقّ أن هذا الجواب جار أيضا في التفسير الأوّل،كما أجاب به عنه الحلّي على ما حكاه عنه في التنقيح (1)،و لذا اختار هو التفسير الأخير،و هو أسلم التفاسير و أوضحها، مع دعوى الإجماع على حصول المقارنة به،كما مضى هذا.
مع أن هذه التفاسير كلها تناسب القول بأن النية عبارة عن الصورة المخطرة بالبال،كما هو المشهور بين الأصحاب،دون القول بأنها عبارة عن الداعي إلى الفعل،كما هو المختار،لأنها بهذا المعنى لازمة الاقتران من الفاعل المختار،فلا يحتاج إلى هذه التدقيقات.
و قد تقدم الكلام فيها و في وجوب استدامتها حكما حتى الفراغ، في بحث الوضوء من كتاب الطهارة،من أراد التحقيق فليراجع ثمة (2).
الثاني:التكبير تكبيرة الإحرام،نسبت إليه لأن بها يحصل الدخول
ص:116
في الصلاة،و يحرم ما كان محلّلا قبلها من الكلام و غيره.
و هو ركن في الصلاة تبطل بتركه مطلقا،إجماعا منّا و من أكثر العامة، بل جميع الأمّة إلاّ النادر منهم،كما حكاه جماعة (1)،و للصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركه نسيانا (2)،ففي العمد و ما في معناه أولى.
و ما في شواذها-مما ينافي بظاهره ذلك،من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا،كما في بعض (3)،أو إذا كبّر للركوع فيجتزئ به،كما في آخر (4)،أو قضائه قبل القراءة أو بعدها،كما في ثالث (5)،أو قبل الركوع و إلاّ فيمضي،كما في رابع (6)-مؤوّل بتأويلات غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.
و صورته: التي يجب الاقتصار عليها إجماعا،كما في الانتصار و الناصرية و المنتهى و عن الغنية (7)،و تأسّيا بصاحب الشريعة اللّه أكبر،مرتّبا بين الكلمتين،بتقديم الاولى على الثانية،مواليا بينهما،غير مبدّل حرفا منهما بغيره،و لا كلمة بأخرى،و لا مزيد لها و لا لحرف مطلقا،حتى الألف بين اللام
ص:117
و الهاء من اسمه تعالى على الأحوط بل الأولى،غير معرّف لأكبر،و لا مضيف له إلى شيء،و لا غير ذلك،و إن وافق القانون العربي،وفاقا للمشهور،لما مر.
خلافا للإسكافي،فجوّز التعريف على كراهية (1).و لهم،فجوّزوا زيادة الألف بين اللام و الهاء إذا مدّه،بحيث لا يزيد على العادة،أو زاد و لكن لم يخرج الكلمة عن هيئتها على كراهية،كما يأتي،لعدم تغيّر المعنى.
و هما ضعيفان،لما مر.و لا سيّما الأوّل،بل هو شاذّ على خلافه الإجماع،كما عرفته،و ما اخترناه في الثاني خيرة المبسوط،كما قيل (2).
و منه-مضافا إلى القاعدة المتقدمة-يظهر أنه لا ينعقد التكبير بالترجمة عنه بمعناه مطلقا و لا مع الإخلال بشيء منه و لو بحرف مطلقا،حتى بهمزة الجلالة متصلة بالنية المتلفّظ بها،فإنّ الإخلال بها بإسقاطها بالدرج حينئذ و إن وافق العربيّة إلاّ أنه مخالف لما قدمناه من الأدلّة.
و مع التعذر و العجز عن الإتيان به بصيغة العربية المأثورة تكفي الترجمة عن معناه بلغته،أو مطلقا مع المعرفة بها،و لا يتعين السريانية و العبرانية،و لا الفارسية بعدهما.و إن قيل بتعين الثلاثة مرتّبا بينهما كما قلنا، لعدم وضوح مستنده،و إن كان مراعاته أولى.
و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب،بل لا يكاد يظهر فيه منهم خلاف عدا بعض متأخّريهم (3)،فاحتمل سقوط التكبير،وفاقا لبعض العامة العمياء (4)، مع أنه و غيره (5)ادّعيا كونه مذهب علمائنا و أكثر العامة،معربين عن كونه مجمعا
ص:118
عليه بيننا،و معه لا وجه للاحتمال،و إن اتّجه من دونه،لضعف ما يقال في توجيه الحكم و دليله،كما بيّنته في شرح المفاتيح،من أراده فعليه بمراجعته.
و إطلاق العبارة و نحوها يقتضي كفاية الترجمة مع التعذّر مطلقا،من دون الاشتراط لضيق الوقت،حتى لو صلّى مترجما في أوّل الوقت مع علمه بعدم إمكان التعلّم إلى آخره لكفى،و به صرّح بعض الأصحاب (1).
خلافا لآخرين،فاشترطوه (2).و هو حسن مع إمكان التعلّم لا مطلقا.
و لا يجب التعلم ما أمكن بلا خلاف أجده،لتوقف الواجب عليه، و لا يتمّ إلاّ به،فيجب و لو من باب المقدمة.
و الأخرس الذي سمع التكبيرة و أتقن ألفاظها و لا يقدر على التلّفظ بها أصلا،و كذا من بحكمه،كالعاجز عن النطق لعارض ينطق بالممكن منها و يعقد قلبه بها أي بالتكبيرة و لفظها و أنها ثناء عليه تعالى،لا معناها المطابقي،إذ لا يجب إخطاره بالبال.
و أما قصد اللفظ فلا بدّ منه مع الإشارة بلا خلاف في اعتبارها،و إن اختلف في اعتبار ما زاد عليها من عقد القلب خاصة أيضا،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و عن النهاية (3)،أو بزيادة تحريك اللسان،كما في القواعد و روض الجنان و عن الشهيد في البيان (4)،أو الاكتفاء بالإشارة خاصة،كما في التحرير و المنتهى (5)حاكيا له عن الشيخ،و حكى عنه في المبسوط و عن المعتبر في
ص:119
الذخيرة (1).
لكن الظاهر أن عقد القلب بالتكبيرة لا بدّ منه،و إلاّ لما تشخّص لها الإشارة عن غيرها،و لعلّه مراد الجماعة،فاتّحد قولهم مع ما في العبارة.
بقي الكلام في اعتبار تحريك اللسان،و استدل على اعتباره بوجوبه مع القدرة على النطق،فلا تسقط،إذا لا يسقط الميسور بالمعسور،فهو أحد الواجبين.
و لا يخلو عن نوع نظر ،كالاستدلال له و لاعتبار الإشارة بالخبر:«تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (2)لخروجه عن المفروض كما ترى،إلاّ أن يستدلّ به عليه بالفحوى،أو عدم تعقّل الفرق بين التكبير و مورد الخبر أصلا،فتدبّر.
و كيف كان،فلا بد من اعتبار ما عدا التحريك،لعدم الخلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).و أما اعتباره فهو أحوط،بل لعلّه أظهر.
و يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة،من الطهارة و الستر و القيام و الاستقبال،للصلوات البيانية،و لأن ذلك مقتضى الجزئية و الركنية الثابتة بما قدّمناه من الأدلة (4).
و عليه ف لا يجزئ التكبيرة أو الصلاة لو كبّر غير متطهّر،أو غير متستّر،أو غير مستقبل،أو غير قائم مطلقا،سواء كبّر قاعدا أو آخذا في القيام،أو هاويا إلى الركوع كما يتفق للمأموم مع القدرة على القيام،بلا
ص:120
خلاف أجده إلاّ من المبسوط و الخلاف،فقال:إنه إن كبّر المأموم بتكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته (1).و في الذكرى و غيره:لم نقف على مأخذه (2).مع أنه استدلّ له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و انعقاد الصلاة به من غير تفصيل بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنيا،فمن ادّعى البطلان احتاج إلى دليل.
قلت:قد عرفته،و بعبارة أخرى:كلّ عبادة خالفت كيفيتها المتلقّاة من الشرع زيادة و نقصانا أو هيئة فالأصل بطلانها مطلقا،إلى أن يقوم دليل على الصحة،للتأسّي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة الأصولية،مضافا إلى الرواية في الصلاة الموجبة له،و هي مشهورة (3)،هذا.
و في الصحيح:«إذا أدرك الإمام و هو راكع فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه،فقد أدرك الركعة» (4).
و نحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة و لو في الجملة الموثق:
عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة،قال:«يعيد الصلاة،و لا صلاة بغير افتتاح»و عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام و افتتح الصلاة و هو قائم،ثمَّ ذكر،قال:يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد،و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام[فنسي] (5)حتى افتتح الصلاة و هو قاعد،فعليه أن[يقطع
ص:121
صلاته] (1)و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم،و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد» (2).
و للمصلّي الخيرة في تعيينها أي تكبيرة الإحرام من أيّ التكبيرات السبع التي يستحب التوجّه بها-كما سيأتي في مندوبات الصلاة (3)-بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (4)،بل ظاهر المنتهى و الذكرى إجماع الأصحاب عليه (5)،لإطلاق النصوص باستحباب السبع (6)، من دون تصريح فيها بجعل أيّها تكبيرة الإحرام،مع أنها واحدة إجماعا فتوى و رواية.
نعم في الرضوي:«و اعلم أن السابعة هي الفريضة،و هي تكبيرة الافتتاح،و بها تحريم الصلاة» (7).
قيل:و قد يظهر من المراسم و الكافي و الغنية أنها متعيّنة (8)،كما في ظاهر الرواية.
و هي قاصرة السند عن الصحة و لو كانت معتبرة،و فتوى الجماعة بها غير صريحة،مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على أنها الاولى-مضافا إلى الإجماعات المتقدمة على التخيير المنافي للتعيين-منها:
ص:122
ما دلّ على تعليل استحباب السبع بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله افتتح الصلاة و الحسين عليه السلام إلى جانبه يعالج التكبير فلا يحيره ،فلم يزل صلّى اللّه عليه و آله يكبّر و يعالجه عليه السلام حتى أكمل سبعا فأحار عليه السلام في السابعة (1).
و هو ظاهر-بل صريح-في أن الأولى هي التي افتتح بها الصلاة، و الافتتاح لا يطلق حقيقة إلاّ على تكبيرة الإحرام.
و بهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح:«إذا افتتحت فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا،ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات» (2)الحديث.
و قريب منه آخر:قلت له:الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح و هذه أصحّ من تلك سندا،و أكثر عددا (3).
و مقتضى الجمع بينهما التخيير كما ذكروه،مع أفضلية جعلها الأخيرة، كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره،و عليه الشهيدان في الذكرى و الروضة و روض الجنان و المحقق الثاني (4)،و نسبه بعض إلى الشيخ و المتأخرين (5)،خروجا عن شبهة القول بالتعيين،كما عمّن مرّ من الجماعة، و التفاتا إلى صراحة الرضوية بأنّها السابعة،و أقلّها الاستحباب.و لا كذلك الصحاح المتقدمة،إذ غايتها الدلالة على الجواز،لا الرجحان وجوبا أو
ص:123
استحبابا كما يتوهم،و لأجله يقال بعكس ما في الرضوية (1)،مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة،مع رجحان ما فيها بأنه أبعد من عروض المبطل و قرب الإمام من لحوق لاحق به،فهو أولى.
و سننها و مستحباتها أمور:
منها النطق بها على وزن«أفعل»من غير مدّ أي إشباع حركتي الهمزة و الباء أو إحداهما،لا بحيث يؤدّي إلى زيادة ألف،و إلاّ فهو مبطل،كما في السرائر و الدروس و عن المبسوط في أكبار،قالوا:لأن أكبار جمع كبر،و هو الطبل (2)،و تبعهم جماعة من الأصحاب،و إن اختلفوا في إطلاق المنع،كما هو ظاهرهم،أو تقييده بقصد الجمع،كما في المنتهى و التحرير و المعتبر على ما نقل (3)،أو تردد في غير صورة القصد،كالشهيد في الذكرى (4).
و الأصح الأوّل،وفاقا للشهيد الثاني و سبطه (5)و غيرهما (6)أيضا،لخروجه بذلك عن المنقول.
و منها إسماع الإمام من خلفه من المأمومين إيّاها،بلا خلاف يعرف على الظاهر،المصرح به في المنتهى (7)،قالوا:ليقتدوا به فيها،لعدم الاعتداد بتكبيرهم قبله.
ص:124
أقول:مضافا إلى عموم ما دلّ على استحباب إسماع الإمام من خلفه كلّ ما يقول (1)،و هو و إن دلّ على استحباب إسماعه إيّاهم التكبيرات الست أيضا، إلاّ أن به تفوت الحكمة المتقدمة في كلام الجماعة،مع أن هنا جملة من النصوص الدالة على استحباب الإسرار بها،ففي الصحيح:«إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها و تسرّ ستا» (2)و نحوه غيره (3).
و ليس فيها الدلالة على استحباب الجهر بتكبيرة الإحرام و لا إسماعها من خلفه كما زعم.
هذا إذا لم يفتقر إسماع الجميع إلى العلوّ المفرط،و لو افتقر اقتصر على الوسط.
و احترز بالإمام عن غيره،فإن المأموم يسرّ بها كالباقي الأذكار.و يتخيّر المنفرد،للإطلاق.
و قيل باستحباب رفع الصوت بها مطلقا (4).
و مستنده غير واضح،عدا إطلاق بعض النصوص بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يكبّر واحدة و يجهر بها و يسرّ ستا (5).
لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه،فيحتمل وقوعه جماعة،كما هو الغالب في صلواته صلوات اللّه و سلامه عليه،فتأمّل (6).
ص:125
و منها أن يرفع بها و بسائر التكبيرات المستحبة المصلّي يديه محاذيا وجهه إلى شحمتي أذنيه أو منكبيه أو نحره،على اختلاف الأقوال- كالنصوص-بعد اتفاقها على كراهة أن يتجاوز بهما الرأس و الأذنين.و الأوّل أشهر،و في الخلاف الإجماع عليه و على أصل الحكم (1)،بل نفى عنه الخلاف بين علماء الإسلام جماعة من الأصحاب (2)،و جعله في الأمالي من متفردات الإمامية (3).
و لعله كذلك،إذ لم يخالف فيه إلاّ المرتضى،حيث أوجب الرفع، مدّعيا الإجماع عليه (4).
و هو شاذّ،و إجماعه لا يبلغ قوّة المعارضة لتلك الإجماعات المستفيضة، المعتضدة بفتوى الطائفة.و بها تصرف الآية (5)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (6)-على تقدير دلالتها على الوجوب-إلى الاستحباب جمعا،مع ظهور جملة من النصوص بحسب السياق و غيره فيه،مضافا إلى خصوص الصحيح:
«على الإمام أن يرفع يده في الصلاة،و ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» (7).
ص:126
و هو نصّ في عدم وجوب الرفع مطلقا على غير الإمام،و ظاهر في وجوبه عليه،و صرف الظاهر إلى النص لازم،حيث لا يمكن الجمع بينهما بإبقاء كل منهما على حاله،كما هنا،للإجماع على عدم الفرق بين الإمام و غيره مطلقا، و هو هنا أن تحمل الظاهرة في الوجوب على تأكّد الاستحباب.و من أراد زيادة التحقيق فعليه بمراجعة شرح المفاتيح.
و ينبغي أن يكون يداه مضمومتي الأصابع كلها،كما عليه الأكثر،و منهم الخلاف،مدعيا عليه الإجماع (1)،أو ما عدا الإبهام،كما عليه الإسكافي و المرتضى (2).
و أن يستقبل القبلة ببطنهما،للصحيحين (3).
و أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبيرة و انتهاؤه مع انتهائها،على المشهور،بل عن المعتبر و في المنتهى أنه قول علمائنا (4)،و قيل:فيه قولان آخران،يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما،كما في أحدهما،أو يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبّر عند تمام الرفع ثمَّ يرسلهما (5).
و يشهد لهذا القول نحو الصحيح:«إذا افتتحت فارفع يديك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» (6).فتدبّر.
و للأوّل نحو الصحيحين رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام:يرفع يديه حيال
ص:127
وجهه حين استفتح (1)و العمل بهما أظهر.
و أما دليل القول الآخر فلم يظهر.
الثالث:القيام و هو في الفرائض ركن مع القدرة عليه،تبطل الصلاة بالإخلال به مطلقا،بإجماع العلماء،كما عن المعتبر و في المنتهى (2)و غيره (3).
و هو الحجة،مضافا إلى الإجماعات الأخر،المحكيّة حدّ الاستفاضة، و الكتاب (4)،و السنة المستفيضة-بل المتواترة-بوجوبه (5)،المستلزم لركنيته، بناء على أن الإخلال به مع القدرة عليه يوجب عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه،فيبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال به،هذا.و في الصحيحين:«من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (6).
و هل الأصل فيه الركنية مطلقا،إلاّ في المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقيصته بالدليل الخارجي؟ أو ما كان منه في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع متصلا به خاصة؟ أو أنه تابع لما وقع فيه،فركن إذا كان المتبوع ركنا،و شرط إذا كان شرطا،و واجب إذا كان واجبا،و مستحب إذا كان مستحبا؟
ص:128
أقوال،لم يظهر للعبد ثمرة في اختلافها،بعد اتفاقهم على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة و أبعاضها،و بزيادته في غير المحل سهوا،و بطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع مطلقا.
نعم،اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيّته فيهما، و ثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.
و منه ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لو لا الإجماع المدّعى على الركنية لأمكن القدح فيها،لأن زيادته و نقصانه لا يبطلان إلاّ مع اقترانه بالركوع،و معه يستغنى عن القيام،لأن الركوع كاف في البطلان (1).
لمنع الحصر في قوله:إلاّ مع اقترانه بالركوع،أوّلا،لما عرفت من البطلان بالإخلال به في التكبير أيضا.و توجّه النظر إلى قوله:و الركوع كاف في البطلان،ثانيا،لدلالته على التلازم بين ترك القيام قبل الركوع و تركه.و هو ممنوع،لتخلّف ترك القيام من تركه فيما لو أتى به عن جلوس،لأنه ركوع حقيقة عرفا،و لا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلاّ ترك القيام جدّا.
و كيف كان،لا شبهة و لا خلاف في ركنيته في المقامين،إلاّ من المبسوط في القيام حال التكبير،و هو شاذ،و قد تقدم الكلام فيه في التكبير (2).
و اعلم أن حدّه الانتصاب عرفا،و يتحقق بنصب فقار الظهر ،كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين (3)،فلا يخلّ به الإطراق و إن كان الأولى تركه، للمرسل:«النحر:الاعتدال في القيام،أن يقيم صلبه و نحره» (4).
و يشترط فيه الاستقرار،لأنه معتبر في مفهومه،و في الخبر:«يكفّ عن
ص:129
القراءة حال مشيه» (1).
و الأظهر الأشهر-بل عليه عامة من تأخر،إلاّ من ندر (2)-وجوب الاستقلال مع الاختيار،بمعنى عدم الاعتماد على شيء بحيث لو رفع السناد لسقط،للتأسي،و للصحيح«[لا تمسك] (3)بخمرك (4)و أنت تصلي ،و لا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا» (5).
و قريب منه الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط،فقال:«لا» (6).
هذا،مضافا إلى أن المتبادر من القيام-المأمور به كتابا و سنة-إنما هو الخالي عن السناد،بل ربما كان حقيقة فيه مجازا في غيره،كما يفهم من فخر المحققين في الإيضاح،حيث قال-بعد نقل الرواية المعارضة في الجواب عنها-:و لا يعمل بها،لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ [1] (7)و القيام الاستقلال (8).و نحو المحقق الثاني (9).
و يظهر من قوله:و لا يعمل بها شذوذها،كما يفهم من عبارة الصيمري في شرح الشرائع أيضا.
ص:130
و فيه إشعار بدعوى الإجماع على الخلاف،و به صرّح في المختلف، فقال-بعد الاستدلال للقول بالعدم بالأصل مجيبا عنه-:الأصل معارض بالإجماع الدال على وجوب الاستقلال في القيام (1).
و منه يظهر ضعف القول المزبور المحكي عن الحلبي (2)،و قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين (3)،للنصوص،منها الصحيح:عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي،أو يضع يده على حائط و هو قائم، من غير مرض و لا علة؟فقال:«لا بأس» (4)و بمعناه الموثق (5)و غيره (6)،لكن فيهما التكأة بدل الاستناد،و للأصل.
و يجاب عنه بما مرّ.
و عن النصوص-مع قصور سند أكثرها،بل ضعف بعضها-بعدم مقاومتها لما قدّمناه من الأدلّة جدّا،فلتطرح،أو تحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا،أو التقية،كما أجاب به عنها فخر المحققين معربا عن كونها مذهب العامة (7).
فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه،سيّما و أن راوي الموثقة بعينه قد روى الرواية الثانية المتقدمة (8)المانعة،و ما بعدها ضعيفة السند لا جابر لها
ص:131
بالكلية،فلم يبق إلاّ الصحيحة،و لا ريب أنها قاصرة عن مقاومة أدلّة المشهور من وجوه عديدة،فيجب طرحها،أو تأويلها بما عرفته.
هذا مع الاختيار.
و لو تعذر الاستقلال اعتمد على ما مرّ في النصوص و نحوه قولا واحدا،و لم يسقط عنه القيام عندنا،للنصوص بأن«الميسور لا يسقط بالمعسور» (1)و للشافعي قول بسقوطه عنه (2).
و إن عجز عن الانتصاب قام منحنيا و لو إلى حد الراكع،لما مرّ.
و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه في الباقي،بلا خلاف،لذلك،فيقوم عند التكبيرة و يستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس.
و إذا قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة و الركوع معا،ففي أولوية القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا،كما عن نهاية الإحكام (3)،أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع-حتى يركع عن قيام-كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب و الوسيلة و الجامع (4)،وجهان.
للأول:أنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه،فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا.
و للثاني:أن الركوع عن قيام لركنيته أهم من إدراك القراءة قائما،مع ورود النصوص بأن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام تحتسب له صلاة
ص:132
القائم (1).
لكنها محتملة للاختصاص بالجالس في النوافل اختيارا،كاحتمال المهذب و ما بعده من الكتب تجدّده القدرة،كما في المسألة الآتية.
و لو عجز عن الركوع و السجود أصلا دون القيام لم يسقط عنه بسقوطهما، باتفاقنا،كما في صريح المنتهى (2)،و ظاهر غيره (3)،لأن كلا منهما واجب بحياله،فلا يسقط بتعذّر غيره.
و إن تعارض القيام و السجود و الركوع-بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود و لا الانحناء للركوع-ففي لزوم الجلوس و الإتيان بهما،أم القيام و الاكتفاء عنهما بالإيماء احتمالان،تردّد بينهما المحقق الثاني (4)و غيره (5).
و منه يظهر ما في دعوى جماعة كون الثاني متفقا عليه (6).
و قريب منه في الضعف دعوى بعضهم ظهور الإجماع عليه من المنتهى (7)،فإنه و إن أشعر عبارته بذلك في بادئ النظر،حيث قال:لو أمكنه القيام و عجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما و يومئ للركوع ثمَّ يجلس و يومئ للسجود و عليه علماؤنا (8).إلاّ أن سياق احتجاجه فيما بعد يشعر باختصاص الاتفاق المدّعى بصورة العجز عنهما أصلا
ص:133
و لو جالسا،مع أن قوله:ثمَّ يجلس و يومئ للسجود،ظاهر-بل صريح-فيما ذكرنا.فتأمّل جدّا.
و لو عجز عن القيام أصلا أي في جميع الصلاة بجميع حالاته منتصبا و منحنيا و مستقلا و معتمدا صلّى قاعدا إجماعا،فتوى و نصا، و لكن في حدّ ذلك أي العجز المسوّغ قولان،أصحهما و أشهرهما،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا مراعاة التمكن و عدمه العاديّين،الموكول معرفتهما إلى نفسه،فإن اَلْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [1] .
و في الصحيح:«إن الرجل ليوعك (1)و يحرج (2)و لكنه أعلم بنفسه،و لكن إذا قوي فليقم» (3).
و في آخرين:عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه و يدع الصلاة من قيام،فقال: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [2] ،و هو أعلم بما يطيقه» (4)كما في أحدهما،و في الثاني-بعد قوله:بصيرة-:«ذلك إليه،هو أعلم بنفسه» (5).
و لو كان للعجز حدّ معين لبيّن و لم يجعل راجعا إلى العلم بنفسه،الذي هو عبارة عن القدرة على القيام و عدمها عادة.
خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه،فحدّه بأن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (6)،للخبر:«المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما» (7).
ص:134
و فيه ضعف سندا،بل و دلالة،لابتنائها على أن المراد به بيان مقدار العجز المجوّز للقعود،و أنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد فيها.مع أنه يحتمل أن يكون المراد به أنه من قدر على المشي مصلّيا و لم يقدر على القيام مستقرّا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا.و قد فهم هذا منه بعض أصحابنا (1)،فاستدل به على لزوم تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.
و في الاستدلال نظر.
هذا مضافا إلى مخالفته الاعتبار،فإن المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة و لا يتمكن من المشي بمقدار زمانها،و بالعكس.فينبغي طرحه، أو حمله على أن المراد به الكناية عن العجز عن القيام،لتلازم العجزين و القدرتين غالبا،كما نبّه عليه الشهيد في الذكرى (2)،فلا مخالفة فيه لمذهب المشهور أصلا.
و لو وجد القاعد خفا نهض متما (3)للقراءة بعد النهوض إن تمكن منه قبلها أو في أثنائها.و إن تمكن منه بعدها نهض مطمئنا،على الأحوط،و قيل:
لا يجب (4).
و لا خلاف بيننا في أصل لزوم النهوض مع التمكن منه،على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)،و في ظاهر المنتهى دعوى إجماعنا عليه (6)، لارتفاع العذر المانع.
ص:135
و لا يجب استئناف الصلاة كما قال به بعض العامة (1)،لأصالتي الصحة و البراءة.
و لو عجز عن القعود مطلقا و لو مستندا صلّى مضطجعا بالنص و الإجماع،على الجانب الأيمن إن أمكن،وفاقا للمعظم،فإن لم يمكنه فالأيسر،كما عن الجامع و السرائر (2).
و عن المعتبر و في الخلاف و المنتهى:دعوى إجماعنا على تعيّن الأيمن (3)،و هو الحجة فيه،مضافا إلى الخبرين مطلقا،أحدهما الموثق:
«يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده،و ينام على جنبه الأيمن،ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء،فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و يستقبل بوجهه القبلة،ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» (4).و نحوه الثاني المرسل (5).
و المروي عن دعائم الإسلام:«فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن و وجهه إلى القبلة،فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن صلّى مستلقيا و رجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء» (6).
لكن ظاهرة تعيّن الاستلقاء بعد اليمين،كما هو ظاهر جماعة (7).و يدفعه -مضافا إلى قصور سند الرواية-عدم مقاومتها للخبرين،سيّما المرسلة، لتصريحها بالأيسر بعد الأيمن ثمَّ الاستلقاء.
ص:136
و أما الموثقة فهي و إن لم تصرّح بذلك،إلاّ أنها صرّحت بالجواز كيفما قدر بعد العجز عن الأيمن،و من جملته الصلاة على الأيسر،و حيث جازت تعيّنت،لعدم قائل بالتخيير بينهما و بين الصلاة مستلقيا،هذا.و في قوله:
«و يستقبل بوجهه القبلة»إيماء بإرادة الأيسر،فتدبّر.
هذا،مضافا إلى اعتضادهما بإطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة مضطجعا بعد العجز عنها قاعدا،و هو يشمل الاضطجاع على الأيسر،و لذا قيل بالتخيير بينه و بين الأيمن،كما هو ظاهر إطلاق العبارة و غيرها (1)،و حكي التصريح به عن الفاضل في النهاية و التذكرة (2).
و هو ضعيف،لضعف دلالة الإطلاق بعد تبادر الأيمن منه خاصة،و مع ذلك فهو مقيد به بما مرّ من النصوص المقيدة،مضافا إلى حكاية الإجماعين المتقدمة إليهما الإشارة (3).
و يجب أن يكون حينئذ مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالملحّد،لما مرّ من الموثق (4).
موميا للركوع و السجود بالرأس مع رفع ما يسجد عليه مع الإمكان، و إلاّ فبالعينين،جاعلا ركوعه تغميضهما و رفعه فتحهما،و كذلك سجوده،على المشهور هنا و في الاستلقاء.
و النصوص مختلفة في ذلك،فبين مطلقة للإيماء،كما في بعضها (5)،
ص:137
و مقيّدة له بالرأس،كما في كثير منها (1)،و فيها الصحيح و غيره،و مقيّدة له بالعينين كما في آخر منها (2)،و موردها الاستلقاء و مورد سابقها الاضطجاع.
و لعل وجه ما ذكروه من التفصيل هو الجمع بينها بحمل المطلق منها على مقيّدها،و تقييد المقيّد بالرأس بصورة إمكانه،و المقيد بالعين بصورة عدمه، كما هو الغالب في مورد القيدين.
و وجه الجمع هو الأصول،فإن الإيماء بالرأس أقرب منه بالعين إلى الركوع الأصلي المأمور به،بل لعلّه جزؤه،و الميسور لا يسقط بالمعسور.و هو حسن،و مع ذلك أحوط.
و يجب جعل السجود أخفض من الركوع قطعا لو أومأ برأسه و احتياطا لو أومأ بعينه،بل عن ظاهر جماعة تعينه (3)،و لعلّ وجهه مراعاة الفرق بينهما مهما أمكن،و لا ريب أنه أولى.
و كذا لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلّي مستلقيا على قفاه،مستقبل القبلة بباطن قدميه كالمحتضر،مومئا لركوعه و سجوده كما مضى،بالنص و الإجماع.
و من العامة من قدّمه على الاضطجاع،كسعيد بن المسيب و أبي ثور و أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة (4)،و في بعض أخبارنا ما يدل
ص:138
عليه (1)،إلاّ أنه-لشذوذه و مخالفته الإجماع و الأخبار بل و الكتاب (2)بمعونة التفسير الوارد عن الأئمة الأطياب (3)-مطروح،أو محمول على التقية.
و يستحب أن يتربّع القاعد حال كونه قارئا،و يثني رجليه حال كونه راكعا كما في الحسن:«كان أبي عليه السلام إذا صلّى جالسا تربّع، و إذا ركع ثنى رجليه» (4).
و لا يجبان إجماعا،كما في المنتهى (5)،للأصل،و النصوص،منها:
أ يصلّي الرجل و هو جالس متربع و مبسوط الرجلين؟فقال:«لا بأس بذلك» (6).
و منها:في الصلاة في المحمل:«صلّ متربّعا و ممدود الرجلين،و كيفما أمكنك» (7).
و في الخلاف الإجماع على أفضلية التربع (8).و في المدارك الإجماع عليها فيه و في ثني الرجلين (9).
ثمَّ المعروف من التربّع لغة-بل و عرفا-جمع القدمين و وضع إحداهما تحت الأخرى.و لكن ذكر جمع من الأصحاب (10)من غير نقل خلاف
ص:139
بل قيل جميعهم (1)-أن المراد به هنا نصب الفخذين و الساقين،قيل:و هو القرفصاء (2)،و هو الذي ينبغي فضله،لقربه من القيام،و لا يأباه ماهية اللفظ و لا صورته،و إن لم نظفر له بنصّ من أهل اللغة (3).
و المراد بثني الرجلين فرشهما تحته و قعوده على صدورهما بغير إقعاء.
و قيل: و القائل الشيخ في المبسوط (4)يتورك متشهدا و تبعه جماعة من الأصحاب (5)،لعموم ما دلّ على استحبابه،مع عدم ظهور خلاف فيه إلاّ من ظاهر عبارة الماتن،حيث عزاه إلى القليل،مشعرا بضعفة،أو تردّده فيه،و لم أعرف له وجها عدا عدم ورود نصّ فيه بالخصوص كما في سابقيه،و هو غير محتاج إليه،فإنّ العموم كاف.
الرابع:القراءة و هي واجبة بإجماع العلماء كافة إلاّ من شذّ (6)،و الأصل فيه بعده فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و النصوص المستفيضة، كالصحيح:«إن اللّه عزّ و جلّ فرض الركوع و السجود،و القراءة سنّة،فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته» (7).
ص:140
و فيه دلالة على كون وجوبها من السنة لا الكتاب.فالاستدلال عليه بآية:
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [1] (1)فيه ما فيه،مضافا إلى إجمالها،و احتياج الاستدلال بها على المدّعى إلى تكلّف أمور مستغنى عنها.
و فيه-كغيره-الدلالة أيضا على عدم الركنية،كما هو الأظهر الأشهر، بل المجمع عليه،إلاّ من بعض الأصحاب المحكي عنه القول بالركنية في المبسوط (2)،و تبعه ابن حمزة،فقد حكاه عنه في التنقيح (3).و هو شاذ،و عن الشيخ على خلافه الإجماع (4).
نعم،في الصحيح:عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب،قال:«لا صلاة له،إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (5).و هو محمول على العامد جمعا.
و القراءة الواجبة ليست مطلقة بل متعينة بالحمد و السورة في كل ثنائية كالصبح و في الركعتين الأوليين من كل رباعية كالظهرين و العشاء و ثلاثية كالمغرب،إجماعا في الحمد،و على الأشهر الأقوى في السورة، كما ستأتي إليه الإشارة (6).و النصوص بذلك مستفيضة ستقف على جملة منها في تضاعيف الأبحاث الآتية زيادة على ما عرفته.
و هل يتعين الفاتحة في النافلة؟الأقرب ذلك،لأن الصلاة كيفيّة متلقّاة من الشارع،فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل،مضافا إلى عموم قوله
ص:141
عليه السلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (1).
خلافا للتذكرة،فلا يجب،للأصل (2).و يضعف بما مرّ،إلاّ أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي،فحسن،إذ الفرع لا يزيد على أصله.
و يجب قراءتها أجمع عربية على الوجه المنقول بالتواتر.مخرجا للحروف من مخارجها.مراعيا للترتيب بين الآيات،و للموالاة العرفية.آتيا بالبسملة،لأنها آية منها بإجماعنا و أكثر أهل العلم،و للصحاح المستفيضة (3).
و ما ينافيها من الصحاح (4)فمحمول على محامل أقربها التقية ،كما يشعر به جملة من الأخبار (5).
و الأصل في جميع ذلك-بعد عدم خلاف فيه بيننا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (6)-التأسّي،و لزوم الاقتصار على الكيفية المنزلة و ما هو المتبادر من القراءة المأمور بها في الشريعة.
و على هذا ف لا تصح الصلاة مع الإخلال بها عمدا حتى ركع و لو بحرف منها،حتى التشديد،فإنه حرف مع زيادة .
و كذا الإعراب و المراد به ما يعمّ حركات البناء توسّعا.
و لا فرق فيه بين كونه مغيّرا للمعنى و عدمه،على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا،عدا المرتضى-في بعض رسائله فيما حكي عنه (7)-فخصّ
ص:142
البطلان بالأول،تبعا لبعض العامة العمياء.
و هو شاذّ،بل عن الماتن على خلافه الإجماع (1)،و هو الحجة،مضافا إلى ما عرفته.
مع عدم وضوح حجّة له عدا ما يستدل له من أن من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمّى عرفا.و الظاهر أن أمثال تلك التغييرات مما يقع فيه التسامح و التساهل في الإطلاقات العرفية (2).
و المناقشة فيه واضحة سيما في مقابلة ما عرفته من الأدلة.
و كذا لو أخلّ ب ترتيب آيها و حروف كلماتها.
و لا يختلف الحال في جميع ذلك بين الحمد و السورة على القول بوجوبها،بل يحتمل مطلقا.
و كذا الحال في الإخلال ب البسملة عمدا في كل من الحمد و السورة تبطل الصلاة به،لما عرفته.
و احترز بقوله:عمدا،عما لو أخلّ بشيء من ذلك حتى ركع نسيانا،فإنه لا يبطل به الصلاة،بناء على عدم ركنية القراءة،كما مضى (3).
و لا تجزئ الترجمة مع القدرة على القراءة العربية،بإجماعنا المحقق،المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة،كالخلاف و المنتهى و الذكرى و المدارك و الناصرية (4)،بل ظاهرها-كالأوّلين-الإجماع على عدم إجزائها مطلقا،كما هو ظاهر العبارة و نحوها،و حكي عن ظاهر الكافي و الغنية
ص:143
و التحرير و المعتبر و صريح البيان أيضا (1).
و عن الفاضل في نهاية الإحكام وجوبها،و في التذكرة جوازها مع العجز عن القرآن و بدله من الذكر (2)،و نحوه عن الذكرى،إلاّ أنه اقتصر على العجز عن القرآن (3).
و فيه مخالفة لما دلّ على أنه بعد العجز عنه يبدل بالذكر،من النص الصحيح الآتي (4).
و منه يظهر ضعف ما في النهاية بطريق أولى،لكن الموجود فيها عين ما في التذكرة،إلاّ أنه عبّر فيها بالوجوب و في التذكرة بالجواز،كما عرفته.
و أما القول بالمنع مطلقا فمردود بما دلّ على جواز الترجمة عن التكبيرة مع العجز عنها (5)،فهنا أولى،فما في التذكرة أقوى،فتأمّل .
لكن هل الواجب ترجمة القراءة أو بدلها من الذكر؟وجهان،أظهرهما الأول،كما هو ظاهر ما فيها.
خلافا للمحقق الثاني،فالثاني،معلّلا بأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا باختلاف الألسنة بخلاف القرآن (6).
و فيه:أنه و إن لم يخرج عن كونه ذكرا لغة،إلاّ أنه يخرج عن الذكر المأمور به فيما سيأتي من النص (7)،فتأمّل جدّا .
ص:144
و اعلم أن من لم يحسن القراءة تعلّمها وجوبا،كما يأتي (1)و لو تعذر أو ضاق الوقت قيل:ائتمّ إن أمكنه،أو قرأ في المصحف إن أحسنه،أو اتّبع القارئ الفصيح إن وجده،لأنه أقرب إلى القراءة المأمور بها،بل لعلّه عينها (2).
و لا ريب أنه أحوط و أولى،و إن لم يذكره الماتن و كثير،حيث اقتصروا في جزاء الشرطية عن ذلك على قولهم قرأ ما يحسن منها إجماعا،كما في الذكرى (3)و غيرها (4)،فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.
و لو كان بعض آية ففي وجوب قراءته مطلقا،كما هو مقتضى الدليل،أو العدم كذلك،أو الأوّل لو سمّي قرآنا و إلاّ فالثاني،أقوال،أحوطها-بل و أولاها -الأول.
و عليه ففي وجوب التعويض عن الباقي و عدمه قولان،أحوطهما-بل أظهرهما و أشهرهما،كما قيل (5)-الأوّل.
و عليه ففي وجوب التعويض منها،بأن يكرّر ما يحسنه مرارا بقدرها،أو من غيرها من القرآن إن عرفه و إلاّ فمن الذكر،أو مخيّرا بينهما،أوجه،بل و أقوال.
و يجب مراعاة الترتيب بين البدل و المبدل،فإن علم الأوّل أخّر البدل، أو الآخر قدّمه،أو الطرفين وسّطه،أو الوسط حفّه به.
و يجب التعلم لما لا يحسنه ما أمكن إجماعا من كل من أوجب القراءة،كما في المنتهى (6)،لتوقفها عليه،فيجب من باب المقدمة.
ص:145
و لو عجز عنها طرّا قرأ من غيرها من القرآن ما تيسّر له منه، و لو آية،مقتصرا عليها،أو مبدلا عن الباقي منها بتكرارها،أو من الذكر،على الاختلاف الذي مضى.
و إلاّ يتيسّر له شيء من القرآن سبّح اللّه تعالى و كبّره و هلّله على المشهور،للصحيح:«إن اللّه تعالى فرض من الصلاة الركوع و السجود،ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن،أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلي» (1).
و ظاهره الاكتفاء بمطلق الذكر،كما هو المشهور.
خلافا للذكرى،فاعتبر الواجب في الأخيرتين،لثبوت بدليته عنها في الجملة (2)،و هو أحوط.
ثمَّ إن ظاهره اشتراط العجز عن القرآن مطلقا في بدلية الذكر عن الفاتحة،كما هو الأشهر الأقوى،بل قيل:لا خلاف فيه (3)،و هو حجة أخرى، مضافا إلى النبوية الآمرة بقراءة القرآن بعد العجز عنها (4).فالقول بالتخيير بينها و بين الذكر-كما هو ظاهر اختيار الماتن في الشرائع (5)-ضعيف لا أعرف وجهه.
و هل يجب أن يكون البدل من القرآن أو الذكر بقدر القراءة أم لا؟ قولان،أشهرهما الأوّل،و هو أحوط.
و عليه ففي وجوب المساواة في الآيات،أو الحروف،أو فيهما معا،أقوال،
ص:146
خيرها أوسطها،بل قيل:إنه أشهرها (1).
و اعلم أن ظاهر إطلاق العبارة و نحوها اشتراك الحمد و السورة في جميع ما مرّ من الأحكام،حتى وجوب التعويض عما لا يحسن منها كلا أو بعضها،كما حكي التصريح به عن التذكرة (2).
و لعل مستنده إطلاق الصحيحة المتقدمة،و هو أحوط.و إن كان في تعينه نظر،لمصير عامة الأصحاب-عداه-إلى العدم،حتى الماتن هنا،لأنه و إن أطلق العبارة-بحيث تشمل مطلق القراءة حتى السورة-إلاّ أنه سيصرّح باختصاص الخلاف في وجوبها بصورة إمكان التعلّم،معربا عن الاتفاق على عدمه في صورة عدمه،كغيره من الأصحاب،و في صريح المنتهى و المدارك و الذخيرة و ظاهر التنقيح نفي الخلاف عنه (3).
قالوا:اقتصارا في التعويض المخالف للأصل على موضع الوفاق،مع أن السورة تسقط مع الضرورة،و الجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها.
و هذه الأدلّة و إن كانت لا تخلو عن شوب مناقشة ،إلاّ أنها-مع الشهرة العظيمة التي لعلّها إجماع في الحقيقة-معاضدة لنفي الخلاف المحكي في كلام هؤلاء الجماعة،مضافا إلى أصالة البراءة.
و يحرّك الأخرس و من بحكمه لسانه بالقراءة و يعقد بها قلبه لما مر في بحث التكبيرة مع جملة ما يتعلّق بالمسألة (4).
و في وجوب قراءة سورة كاملة مع الحمد أي بعده في الفرائض للمختار مع سعة الوقت و إمكان التعلم أو استحبابه قولان،
ص:147
أظهرهما الوجوب وفاقا للمشهور،و في الانتصار و عن أمالي الصدوق و الغنية و القاضي و ابن حمزة نقل الإجماع عليه (1)،كما يشعر به عبارة التهذيب،فإنه قال:و عندنا أنه لا يجوز قراءة هاتين السورتين-يعنى الضحى و ألم نشرح-إلاّ في ركعة واحدة (2).و لا يتوجه ذلك إلاّ على القول بالوجوب،لجواز التبعيض على القول الآخر.
و هو الحجة،مضافا إلى التأسّي،و الأخبار البيانية،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح الوارد في المسبوق بركعتين قال عليه السلام:«قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب و سورة» (3)الحديث.
و فيه:«يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها،و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» (4).
و المقابلة بالصحيح يدلّ على اعتبار مفهوم المريض ،كما يشهد به الذوق السليم،فدلّ على أن غير المريض لا يجوز له ذلك.
و فيه:سألته أكون في طريق مكّة فنزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب،أ نصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها،أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟قال:«إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة و غيرها،و إذا قرأت الحمد و سورة أحبّ إلي،و لا أرى بالذي فعلت
ص:148
بأسا» (1).
و لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام و غيره،و وجه التخيير اشتمال كل صورة على ترك واجب،مع أن ظاهر سوق السؤال قطع السائل بوجوب السورة،و إن تردّد في ترجيحها على القيام و نحوه حيثما حصل بينهما معارضة،و هو عليه السلام قرّره على معتقده،و التقرير حجة كما تقرر في محله.
و به يظهر وجه دلالة الصحيح على الوجوب:عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب،قال:«لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات»قلت:أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟قال:«يقرأ فاتحة الكتاب» (2).
لظهور السؤال في اعتقاد الراوي تساوي الحمد و السورة في الوجوب إلى حد سأله عن ترجيح ترك أيّهما في حال الاستعجال المرخّص له،فأقرّه على معتقده غير منكر عليه بأن السورة غير واجبة،و أن المستحب كيف يقاوم الواجب،سيّما و أن يكون مما لا صلاة إلاّ به.
و في الرضوي:«و يقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين،و لا يقرأ في المكتوبة سورة ناقصة» (3).
و في الصحيح،أو القريب منه،المروي عن علل الفضل عن مولانا الرضا عليه السلام:«إنما أمر الناس بالقراءة في المكتوبة لئلاّ يكون القرآن
ص:149
مهجورا مضيّعا،و إنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شيء من القرآن»الخبر.
و هو ظاهر في أنه لا قراءة و لا صلاة حتى يبدأ بالحمد،و لو لا وجوب السورة و تعيّنها بعده في الشريعة لما صحّ إطلاق لفظ البدأة .
و نحوه-في الدلالة عليه من هذا الوجه-الموثق:«لا صلاة له حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات» (1).
و في بعض المعتبرة و لو بالشهرة،بل الصحيح كما قيل (2)-و لا يبعد-:
«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (3).
و في آخر:عمّن ترك البسملة في السورة،قال:يعيد (4)..
إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة الدلالة أو المعاضدة المنجبر ضعفها سندا في بعض و دلالة في آخر بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، بل لعلّها من القدماء إجماع في الحقيقة،إذا لا مخالف منهم إلاّ الشيخ في النهاية و الإسكافي و الديلمي (5).
و الأوّل غير ظاهر عبارته في المخالفة،بل هي مشوّشة،فبعضها و إن أوهمها إلاّ أن بعضها الآخر ظاهر في الوجوب،كما لا يخفى على من راجعها، و لو سلّم المخالفة فقد رجع عنها في جملة من كتبه المتأخرة و منها الخلاف
ص:150
و المبسوط (1)،مدّعيا فيهما أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب و مذهبهم.
فلم يبق إلاّ الإسكافي و الديلمي،و هما معلوما النسب،غير قادح خروجهما بالإجماع،و لذا ادّعاه من تقدّم ذكرهم من الأصحاب،هذا.
مع أن عبارة الأوّل المحكية و إن أفادت عدم وجوب كمال السورة،إلاّ أنها ظاهرة في لزوم بعضها،فإنه قال:و لو قرأ بأمّ الكتاب و بعض سورة في الفرائض أجزأ.و هو ظاهر في لزوم البعض،و لم أر من يقول به ممن يوافقه في عدم وجوب السورة بكمالها،و لذا ادّعى بعضهم عدم القائل بالفرق بينه و بين جواز الاقتصار على الحمد وحده (2)،هذا.
و يحتمل إرادة الإسكافي من الإجزاء الإجزاء في صحة الصلاة،بمعنى أنها مع التبعيض صحيحة،و هو يجتمع مع وجوب كمال السورة،كما يظهر من عبارة المبسوط المحكية،حيث قال:قراءة سورة بعد الحمد واجبة،غير أن من قرأ بعض السورة لا يحكم ببطلان الصلاة (3).
و قريب منه الفاضل في المنتهى،حيث إنه-بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها وفاقا لأكثر علمائنا-حكى المخالفة فيه عن النهاية خاصة،ثمَّ نقل عن الإسكافي و المبسوط عبارتيهما المتقدمة،و مال إلى قولهما بعده (4)،معربا عن تغاير المسألتين-أي مسألة وجوب السورة بكمالها و عدم صحة الصلاة بتبعيضها-و حينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في المسألة الأولى.فلم يبق إلاّ الديلمي،و هو في مقابلة باقي القدماء شاذّ،كالماتن في المعتبر (5)
ص:151
و بعض من تبعه (1)في مقابلة المتأخّرين،مع أنه هنا و في الشرائع (2)وافق الأصحاب.
و من هنا ينقدح ندرة القول الثاني و شذوذه،فلا ريب في ضعفه،و إن دلّ عليه الصحيحان:«إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» (3).
لقصورهما عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة،سيّما مع عدم صراحة الدلالة،و احتمالهما الحمل على حال الضرورة،لجواز الترك فيها اتفاقا،فتوى و رواية،أو التقية،لكون المنع عن الوجوب مطلقا مذهب العامة، كما صرّح به جماعة (4).
و به يجاب عن الصحاح المستفيضة و غيرها المبيحة لتبعيض السورة،مع ابتناء دلالتها على عدم وجوب السورة على عدم القائل بالفرق بين الطائفة،و فيه ما عرفته،هذا.
مع اختلافها و تعارضها بعضا مع بعض من حيث إطلاق جواز التبعيض، كما في جملة منها (5)،أو التقييد بما إذا كانت ستّ آيات منصّفة بين الركعتين، كما في بعضها (6)،أو بما إذا كانت زيادة عن ثلاث آيات،كما في آخر منها (7).
ص:152
فكيف يمكن الاستناد إليها أجمع،لعدم إمكان المصير إليها بعد تضادّ بعضها مع بعض.
مع أن الرواية المشترطة للزيادة عن ثلاث آيات غير صريحة في إرادة التبعيض،بل و لا ظاهرة،لاحتمالها إرادة تكرار السورة الواحدة،بقراءتها في كل من ركعتي المكتوبة على حدّه،بل هذا هو الذي فهمه منها جماعة (1)،و إن استبعده الشهيد قائلا:إنه لو أريد تكريرها لم يكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة (2).
و ربما يناقش فيه بجواز كراهة تكريرها إذا كانت ثلاث آيات تعبّدا.
و دفعه بعدم القائل به مشترك الورود بين هذا الاحتمال و احتمال إرادة التبعيض،إذ كل من قال بجوازه لم يشترط الزيادة عليها.
مع أن اشتراطها على هذا الاحتمال يشعر بورود الرواية للتقية،لدلالتها على كون البسملة ليست من السورة،إذ ليس في السور ما يكون مع البسملة ثلاث آيات،فإنّ أقصرها الكوثر و هي مع البسملة آيات أربع،فاشتراط الزيادة لا يناسب طريقة الإمامية،فتكون الرواية من جملة الدلائل على ورود أخبار التبعيض للتقية.
و من جملتها أيضا الموثق كالصحيح،بل قيل صحيح (3):صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام أو أبو جعفر عليه السلام،فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة،فلما سلّم التفت إلينا فقال:«أما إني أردت أن أعلّمكم» (4).
ص:153
و نحوه خبر آخر مروي في الوسائل عن العلل (1)،فتدبّر.
و لا يجوز أن يقرأ في الفرائض عزيمة من العزائم الأربع،على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف فيه بين القدماء يظهر إلاّ من الإسكافي،حيث قال:لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد،و إن قرأ في الفريضة أومأ فإذا فرغ قرأها و سجد (2).
و ليس نصّا في المخالفة،و إن فهمها منه الجماعة،إذ ليس فيها التصريح بجواز القراءة،بل غايته أنه لو قرأ فعل كذا،و يحتمل الاختصاص بصورة القراءة ناسيا أو تقيّة.و على تقدير ظهور مخالفته فهو شاذّ،بل على خلافه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية و شرح القاضي لجمل السيد و نهاية الإحكام و التذكرة (3).
و هو الحجة،مضافا إلى الخبرين الناهيين (4)معلّلا في أحدهما بأن السجود زيادة في المكتوبة.
و أما النصوص المخالفة فمع قصور سند أكثرها غير صريحة فيها،لأنها ما بين مطلقة للجواز،كالصحيح:عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال:«يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يركع و يسجد» (5)و نحوه غيره من
ص:154
الصحيح و غيره (1)،و هي محتملة للحمل على النافلة أو الفريضة على بعض الوجوه.
و مصرّحة فيها بقراءتها فيها،كالصحيح:عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟قال:«يقدّم غيره فيتشهّد و يسجد و ينصرف هو و قد تمّت صلاتهم» (2)و نحوه غيره (3)،و هي محتملة للحمل على صورة النسيان أو غيره من الأعذار.
و الموجب للخروج عن ظواهر هذه الأخبار و حملها على ما مر في المضمار رجحان الخبرين المانعين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب،الجابرة لضعفهما لو كان.
مضافا إلى الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها في حكم رواية صحيحة،و المخالفة للعامّة،كما صرّح به جماعة (4)،و يشهد لها أحد الخبرين و غيره من المعتبرة (5)،هذا.
مضافا إلى ما احتجّ به الأصحاب زيادة عليهما:من أن قراءتها مستلزمة لأحد محذورين،إما الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود،و إما زيادة سجدة في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به.
و ما يقال:إن هذا-مع ابتنائه على وجوب إكمال السورة و تحريم القران -إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا،و أن زيادة السجدة مبطلة كذلك،و كل
ص:155
هذه المقدمات لا يخلو عن نظر (1).
فمنظور فيه،لصحة المقدمات:أما وجوب إكمال السورة فلما تقدم إليه الإشارة.و أما فورية السجود فللإجماع عليها على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (2)،مع ظهور أخبار المسألة في ذلك،حتى الأخبار المخالفة، لتضمنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة،و لو لا الفورية لما كان له وجه بالكلية.
و أما بطلان الصلاة بزيادة السجدة فلعلّه إجماعي،كما صرّح به في التنقيح (3).و يشهد له خصوص ما مرّ من أحد الخبرين المعلّل للمنع باستلزام قراءتها الزيادة (4)،و عموم النصوص المانعة عنها مطلقا،منها الحسن:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته استقبالا» (5).
و الخبر:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (6)هذا.
مع أنه مقتضى العبادة التوقيفية،و لزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل و النص (7)-على الثابت منها في الشريعة،من غير زيادة و لا نقيصة.
ص:156
و أما تحريم القران فهو الأظهر الأشهر،بل عن أمالي الصدوق و في الانتصار دعوى الإجماع عليه (1)،للمعتبرة المستفيضة (2)،و فيها الصحيح، و القريب منه،و غيره.و النصوص المعارضة (3)محمولة على التقية و إن تضمنت الصحيح و غيره،و ذهب إليها جماعة (4).
لكن المحقّق من أخبار المنع ثبوته في القران بين السورتين لا سورة و بعض اخرى،و إن دلّ على المنع فيها أيضا بعضها المتقدم المتضمّن لقوله عليه السلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (5)لعدم صراحته، لاحتمال تقييد الأكثر فيه بما إذا بلغ سورة كاملة،أو إذا قصد جزئية الزيادة لا مطلقا،و الداعي إليه ما دلّ من النص (6)و الإجماع على جواز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يبلغ النصف،و دعوى الإجماع على جواز قراءة القرآن و بعض الآيات في القنوت،و جواب السلام و نحوه بها.
و عليه فيتجه ما مرّ من الإيراد،لعدم مانع حينئذ عن قراءة سورة السجدة إلى آيتها،أو مطلقا،و تركها ثمَّ قراءة سورة كاملة بعدها أو قبلها.
لكن التحقيق منع ما ذكر فيه من البناء،لتوقّفه على كون مراد الأصحاب المنع من قراءة العزيمة مطلقا حتى أبعاضها،و محصّله المنع من الشروع فيها، و هو غير متعيّن،و إن لزم القائلين بلزوم سورة كاملة و المنع عن القران مطلقا حتى بين سورة و أبعاض أخرى بل يحتمل كون مرادهم المنع من قراءتها
ص:157
بتمامها،كما يومئ إليه تعليلهم الذي مضى (1)،و التعليل في أحد الخبرين المانعين اللذين تقدما (2).
و على هذا فلا يكون المنع مبتنيا على وجوب إكمال السورة،و لا تحريم القران بالكلية،بل يبتني على فورية السجدة و كون زيادتها للصلاة مبطلة،و كل من هاتين المقدمتين حق كما عرفه.
و لا يجوز أيضا قراءة ما أي سورة يفوت الوقت بقراءتها إما بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءتها في الفريضة الأولى،كالظهرين،أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت،كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها و عن باقي الصلاة،مع علمه بذلك،لاستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا،فتوى و نصا،كتابا و سنة،فيكون منهيا عنه و لو ضمنا.
مضافا إلى التصريح به في الحسن:«لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم» (3)و لا وجه له عدا فوت الوقت بقراءتها،و به وقع التصريح في الخبر:«من قرأ شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (4).
و لا خلاف في هذا الحكم إلاّ من بعض متأخّري المتأخرين (5)،حيث فرّعه على البناء المتقدم:من وجوب إكمال السورة و حرمة القران،مع عدم قوله بهما.و فيه ما عرفته.
و في المسألة و سابقتها فروع جليلة ذكرناها في شرح المفاتيح،من أرادها
ص:158
فليطلبها ثمة.
و يتخير المصلي في كل ركعة ثالثة و رابعة من الفرائض الخمس اليومية بين قراءة الحمد وحدها و التسبيح خاصة،بإجماعنا المحقق و المنقول في كلام الأصحاب مستفيضا،بل متواترا،كأخبارنا.
و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة و غيره،كما هو الأشهر الأقوى،بل عليه عامة أصحابنا عدا الشيخ في الخلاف (1)،فعيّن القراءة في الأول،كما قيل.
و هو شاذ،مع قصور عبارته عن إفادة الوجوب،لتعبيره بالاحتياط الظاهر في الأولوية و الاستحباب،كما صرّح به هو في المبسوط (2)،و تبعه الأصحاب.
لعموم أدلّة التخيير من النصوص (3)و الإجماعات المحكية،مع خلوصها عما يصلح للمعارضة،عدا عموم ما دلّ على أنه:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (4).
و خصوص الصحيح:قلت له:رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين،فقال:«يقتضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين،و لا شيء عليه» (5).
و الخبر:قلت له:أسهو عن القراءة في الركعة الأولى،قال:«أقر في الثانية»قلت:أسهو في الثانية،قال:«اقرأ في الثالثة»قلت:أسهو في صلاتي كلها،قال:«إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك» (6).
ص:159
و في الجميع نظر،لأن العموم بعد تسليمه مرجوح بالنسبة إلى العموم الأول،لرجحانه بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما عرفته،فيكون هو المخصّص للعموم المعارض.
مضافا إلى ضعف دلالته في نفسه،و قصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر-الموجب عن تتبع النصوص و الفتاوى-بالفاتحة في محلّها المقرّر لها مطلقا شرعا،و هو الركعتان الأوليان خاصّة.
و الخبر الثاني ضعيف سندا،بل و لا دلالة أيضا،كالأول،لظهورهما في الإتيان بالقراءة في الأخيرتين بقول مطلق،و المراد بها حيث تطلق الحمد و السورة معا،و هو مخالف للإجماع جدّا.
و تزيد الصحيحة ضعفا بظهورها في كون الإتيان بها قضاء عما فات في الأوليين،لا أداء لما وظّف في الأخيرتين.زيادة على ما فيها أيضا من الحكم بقضاء التكبير و التسبيح،مصرّحا بفواتهما في الأوليين،و هو مخالف للإجماع أيضا.
و مع التنزل فهما موافقان لرأي أبي حنيفة،كما يظهر من الخلاف (1)و غيره (2)،إلاّ أنه أطلق الترك في الأوليين بحيث يشمل ما لو كان عمدا.
و مع ذلك فهما معارضان بالمعتبرة الظاهرة فيما ذكرناه ظهورا تامّا،ففي الموثق:«إذا نسي أن يقرأ في الاولى و الثانية أجزأه تكبير الركوع و السجود» (3)الحديث.
ص:160
و في القوي:عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب،قال:
«فليقل-إلى أن قال-:فإذا ركع أجزأه إن شاء اللّه تعالى» (1).
و في الخبر:عن رجل نسي أمّ القرآن:«إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (2).
و هي ظاهرة في إجزاء الركوع و تسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما،و لو وجب القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق معه الإجزاء جدّا،هذا.
و في الصحيح:في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في الأخيرتين،قال:«أتم الركوع و السجود؟»قلت:نعم،قال:«إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (3).
و في قوله«أتم الركوع»إلى آخره،إشارة إلى ما أفادته الأخبار السابقة من إجزائه عن القراءة قبله.
و في قوله:«أكره»ردّ على أبي حنيفة،حيث جعل الأخيرتين كالأوليين في تحتّم القراءة فيهما.و فيه حينئذ دلالة على أفضليّة التسبيح و كراهة القراءة، كما اعترف به جماعة،حاكين القول بها عن العماني (4).و لكن الأحوط القراءة، خروجا عن شبهة الخلاف في المسألة.
و في أفضلية التسبيح مطلقا،أم لغير الإمام الذي لم يتيقن عدم المسبوق،أم القراءة مطلقا،أم للإمام خاصة كذلك،أم مع تجويزه دخول
ص:161
مسبوق خاصة،أم تساويهما،أقوال مختلفة،منشؤها اختلاف الأخبار في المسألة،إلاّ أن أكثرها و أظهرها ما دلّ على الأول،كما بيّنته في الشرح،من أرادها راجعها ثمّة.
و يجهر من الصلوات الخمس اليومية واجبا في الصبح و أوليي المغرب و العشاء الأخيرة و يسرّ في الباقي على الأظهر الأشهر،و في الخلاف و الغنية الإجماع على جميع ذلك (1)،و في السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الإخفاتية (2).
و هو الحجة بعد التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:قلت له:رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه،أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه،فقال:«أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة،فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه» (3).
و نحوه آخر،لكن بزيادة في السؤال هي قوله:و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه و تبديل الجواب بقوله:«أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه» (4).
و وجوه الدلالة فيهما واضحة،سيّما بعد الاعتضاد بالأخبار الأخر الصريحة،منها:«أن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة» (5).
ص:162
و منها:لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة،و سائر الصلوات الظهر و العصر لا يجهر فيهما؟قال:«لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اسري به إلى السماء كان أول صلاة فرض[اللّه] عليه الظهر يوم الجمعة،فأضاف[اللّه عزّ و جلّ]إليه الملائكة يصلون خلفه و أمر نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله،ثمَّ فرض عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة،و أمره أن يخفي القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد،ثمَّ فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة و أمره بالإجهار،و كذلك العشاء الآخرة،فلما كان قرب الفجر نزل ففرض اللّه تعالى عليه الفجر و أمره بالإجهار ليبيّن للناس فضله كما بين للملائكة،فلهذه العلّة يجهر فيها» (1).
و ضعف سندهما بالجهالة و دلالتهما بالأخصّية مجبور بالشهرة،و عدم القائل بالفرق بين الطائفة،مضافا إلى الأصول،و الإجماع المنقول،و المعتبرة المستفيضة الصريحة في انقسام الصلوات إلى جهرية و إخفاتية (2)،و ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب،سيّما بعد ضمّ الأخبار بعضها مع بعض.
خلافا للإسكافي،فقال بالاستحباب (3)،و نسب إلى المرتضى حيث قال:إنه من وكيد السنن (4).
و ليس بصريح في المخالفة،و على تقديرها فهو كسابقه شاذّ،و مستندهما غير واضح،عدا الصحيح في الجهرية:«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (5).
ص:163
و هو-مع قصوره عن المقاومة لما مر من وجوه عديدة-محمول على التقية،لكونه مذهب العامة،كما صرّح به جماعة و منهم شيخ الطائفة حيث قال -بعد نقله-:هذا الخبر موافق للعامة و لسنا نعمل به،و العمل على الخبر الأوّل (1).و في عبارته هذه إشعار بالإجماع أيضا.
و أما الاعتراض على هذا الحمل بأنه فرع عدم وجود قائل به من الطائفة (2)فغريب،إذ ما دلّ على لزوم حمل الأخبار على التقية من الاعتبار و الأخبار غير مشترطة لما ذكر بالمرّة.
و أما الاحتجاج للاستحباب بآية وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً [1] (3)فلا وجه له،لدلالتها بظاهرها على وجوب القراءة المتوسطة في جهرية أو إخفاتية،أو استحبابها،و كلاهما ينفيان رجحانهما في مواضعهما،و هو مخالف للإجماع جدّا،و كذا إن فرض دلالتها على التسوية بينهما.
و إن حملت على ان المراد من الوسط الوسط من الجهر فيما يجهر و من الإخفات فيما يخافت فيه،و محصّلها حينئذ المنع من الجهر و الإخفات الزائدين عن المعتاد،كما فسّرته به كثير من النصوص (4)فحسن،إلاّ أنه لا حجة فيها على القائل بالوجوب،بل هي مجملة تفسّرها الأخبار السابقة.و بالجملة فلا ريب في المسألة.
و يعذر الناسي و الجاهل هنا إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التذكرة
ص:164
و المنتهى (1)،للصحيحين الماضيين (2).
و يختص الجهر و الإخفات بالقراءة و بدلها دون غيرها من الأذكار،بلا خلاف أجده،للأصل،و الصحيح:عن التشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت،للرجل أن يجهر به؟قال:«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (3).
و أدناه أي الإسرار أن يسمع نفسه ما يقرؤه،و لا يجزي ما دونه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة (4)،و نسبه في التبيان إلى الأصحاب،مشعرا بدعوى الإجماع عليه أيضا،فقال:و حدّ أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره،و المخافتة بأن يسمع نفسه (5).
و هو الحجة،مضافا إلى المعتبرة،منها الصحيح:«لا يكتب من القراءة و الدعاء إلاّ ما أسمع نفسه» (6).قيل:و الظاهر من الإسماع إسماع جواهر الحروف (7).
و لا ينافيه الصحيح المكتفي بسماع الهمهمة (8)،لأنها الصوت الخفي، كما في القاموس (9)،و لا يعتبر فيه عدم الفهم و إن كان كلام ابن الأثير
ص:165
يقتضيه (1).
و أما الصحيح:«لا بأس أن لا يحرّك لسانه،يتوهّم توهما» (2)فقد حمله الشيخ على من يصلّي خلف من لا يقتدى به (3)،للخبر:«يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» (4).و نحوه الصحيح في الصلاة معهم:«اقرأ لنفسك،و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» (5).
و الذي يظهر للعبد من الجمع بين الصحيحين الأولين:كفاية سماع الهمهمة و لو من دون تشخيص الحروف،و لكنه خلاف المتبادر من كلام القوم، فالأحوط مراعاته.
ثمَّ إن ظاهر العبارة هنا و في التحرير و بعض نسخ التلخيص-كما حكي -و نهاية الإحكام (6)عدم منافاة إسماع الغير للإسرار في الجملة،و هو خلاف ظاهر عبارة التبيان المتقدمة و كثير كالفاضلين في أكثر كتبهما،و الراوندي و الحلّي و الشهيد (7)،حيث جعلوا حدّ الإخفات إسماع النفس،مؤذنين بخروج ما أسمع الغير عنه،حتى إنّ الحلّي صرّح بأنّ أعلاه أن تسمع أذناك،و ليس له
ص:166
حدّ أدنى،بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له،و إن سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا،فإذا فعله عمدا بطلت صلاته (1).
و ظاهر الشيخ و الفاضلين في المعتبر و التذكرة و المنتهى كونه مجمعا عليه (2).فإن تمَّ،و إلاّ فالأقوى ما عليه المحقق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممن تأخّر عنهما من الفضلاء (3)،من الرجوع فيهما إلى العرف،لأنه المحكّم فيما لم يرد به توظيف من الشرع،و لا ريب أن إسماع الغير لا يسمّى فيه جهرا ما لم يتضمّن صوتا.
و محصّل تعريفهما على هذا أنّ أقلّ الجهر أن يسمعه من قرب منه صحيحا مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا،و أكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط،و أقلّ السرّ أن يسمع نفسه صحيحا أو تقديرا،و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر.
و يعضد العرف ما في الصحاح:جهر بالقول:رفع الصوت به (4).قيل:
و يظهر ذلك أيضا من القاموس (5).
مع أن ضبط التحديد الذي ذكروه يفضي إلى العسر و الضيق و الشديد غالبا،و الحال أنه لم يعهد منهم عليهم السلام المضايقة في أمثال هذا،كما صرّح به بعض الفضلاء (6)،و صرّح آخر بنظيره،فقال-تضعيفا لما ذكروه-:
قلت:عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث لا يسمع من يليه مما يطاق،ثمَّ
ص:167
قال:و يدلّ على السماع ما مرّ عن العيون (1)،من أن أحمد بن علي صحب الرضا عليه السلام فكان يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات (2).
أقول:مبنى الاستدلال به على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من وجوب الإخفات في الأخيرتين،و عليه فالرواية صريحة في المطلوب،معتضدة بالعرف و اللغة و الاعتبار،كما عرفته.
لكن الأحوط ما ذكروه،لشبهة الإجماع الذي ادّعوه،و إن أمكن الذبّ عنه بأن عبارة التبيان (3)غير صريحة فيه،بل و لا ظاهرة.
و أما الفاضلان (4)فهما و إن صرّحا به إلاّ أنه يحتمل-احتمالا قريبا يشهد له سياق عبارتهما-كون متعلّقه خصوص لزوم اعتبار إسماع النفس في الإخفات،و من السياق الشاهد بذلك عطفهما على الإجماع قولهما:و لأن ما لا يسمع لا يعدّ كلاما و لا قراءة،و منه أيضا قولهما-فيما عدا المنتهى في حدّ الإخفات-:و أقلّه أن يسمع نفسه.
و هو كالصريح في أن للإخفات فردا آخر أعلى من إسماع النفس، و لا يكون إلاّ بإسماع الغير من دون صوت،و إلاّ لتصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد،و هو معلوم البطلان،لاختصاص الجهر ببعض الصلاة و الإخفات ببعض،وجوبا أو استحبابا.
و لا يجب أن تجهر المرأة في مواضعه إجماعا محققا،و محكيا في كلام جمع (5)مستفيضا،للأصل،مع اختصاص النصوص الموجبة له
ص:168
و للإخفات-بحكم التبادر الموجب من سياق أكثرها و فتوى الفقهاء-بالرجل دونها.
و منه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا،كما صرّح به جمع (1).
و لكن ينافيه ظاهر العبارة ككثير،حيث خصّوا الجهر بالنفي،و وجهه غير واضح .
و في الخبر:هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟قال:«لا،إلاّ أن تكون المرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع»و لم يظهر بذيله عامل .
و الظاهر جواز الجهر لها إذا لم يسمعها الأجانب،كما صرّح به جمع (2)من غير نقل خلاف.
و في جوازه مع السماع قولان،و المشهور المنع مع الفساد،بناء منهم على كون صوتها عورة يجب إخفاتها من الأجانب،و ظاهر المنتهى و غيره و صريح غيرهما الإجماع عليه (3).فإن تمَّ،و إلاّ فما ذكروه مشكل ،و إن كان أحوط.
و من السنن: الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة،للآية (4)،و المعتبرة المستفيضة فعلا في جملة منها (5)،و أمرا في أخرى (6).
و توهم الوجوب منها-كالقول به المحكي عن أبي علي ولد شيخنا
ص:169
الطوسي (1)-مردود بإجماعنا على عدمه في الظاهر،المحكي في الخلاف و مجمع البيان و المنتهى و الذكرى (2)،و غيرها (3).و يشهد له جملة من النصوص أيضا،منها: «إذا قرأت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ» (4).
و محلها الركعة الاولى من كل صلاة لا مطلقا إجماعا،كما في صريح المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و ظاهر الذكرى (5)و غيرها (6)،و هو ظاهر من الأخبار،حيث لم يستفد منها الشرعية إلاّ فيها،و إطلاق الآية يقيّد بذلك، مع أن القصد هو التعوّذ من الوسوسة،و هو حاصل في أول ركعة،فيكتفى به في الباقي،كذا في المنتهى و غيره (7)،و زاد في الأوّل فاستدل بالنبوية العامية أنه صلّى اللّه عليه و آله إذا نهض عن الركعة الثانية استفتح بقراءة الحمد (8).
و هي سرّيّة و لو في الجهرية،بلا خلاف أجده،و في الخلاف الإجماع عليه (9).و الخبر الفعلي محمول على تعليم الجواز،إذ ليس الإجهار بها حراما، بل جائز و إن ترك المستحب،كما صرّح به جمع (10).
و الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات من أوّل الحمد مطلقا و السورة حيث تقرأ،للإمام و المأموم،وفاقا للأكثر على الظاهر،المصرّح به
ص:170
في كلام جمع (1)،بل المشهور في كلام آخرين (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3).
و هو الحجة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،بل المتواترة (4)،ففي جملة منها مستفيضة عدّه من علامات المؤمن الخمس المذكورة فيها،و هي:
«صلاة الخمسين،و زيارة الأربعين،و التختم باليمين،و التعفير بالجبين، و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» (5).
و ليس فيها كغيرها التقييد بالإمام كما عليه الإسكافي (6)،و لا بالأوليين كما عليه الحلّي (7)،مع أنهما شاذّان،غير واضحي المستند عدا لزوم الاقتصار فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه،على المجمع عليه و المتيقن من النص،و هو عند الأول الإمام خاصّة دون غيره،و صرّح بالاستحباب في الأخيرتين،و عند الثاني بالعكس.
و يضعّفهما-بعد الشذوذ-الإطلاق المتقدم الراجع إلى العموم المقوّي بفتوى المشهور،و تزيد الحجة على الثاني بعدم ثبوت الإجماع على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا حتى في البسملة إلاّ بنقله،و هو موهون بمصير عامة الأصحاب-و لا أقل من الأكثر-على خلافه.
ص:171
ثمَّ إن ظاهر سياق الأخبار المزبورة الاستحباب،حيث ساقت الإجهار به في سياق المستحبات بلا خلاف،مع إشعاره به من وجه آخر ،مضافا إلى التصريح بالإجماع عليه في الخلاف (1)،و في المروي عن العيون أن الجهر به في جميع الصلوات سنة (2).
فالقول بالوجوب مطلقا،كما عن القاضي (3)،أو في الأوليين خاصة، كما عن الحلبي (4)،ضعيف،يدفعه مع ذلك الأصل السليم عما يصلح للمعارضة عدا مداومتهم عليهم السلام بذلك،مضافا إلى الاحتياط.و يدفعان بما مرّ.
نعم،الأحوط عدم الترك،للمروي في الخصال أنه واجب (5)،و عن الأمالي دعوى الإجماع على الوجوب (6).
و ضعف الأوّل سندا،بل و دلالة،لعدم الصراحة بعد ظهور كثرة استعمال لفظة الوجوب في المتأكّد استحبابه في أخبار الأئمة عليهم السلام،مع كونه أعم من الوجوب بالمعنى المصطلح عليه الآن لغة.
و وهن الثاني بعدم ظهور موافق له عدا القاضي،مع ظهور عبارة ناقلة في الفقيه في عدم الوجوب (7)،كما بيّنته في الشرح،مع معارضته بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة مع ترك الإجهار (8)،مضافا إلى قصور لفظ الوجوب
ص:172
في عبارته عن إفادة معناه المصطلح عليه الآن،لعين ما ذكر في ضعف دلالته عليه في الأخبار.
يمنع المصير إلى هذا القول و تعيينه،سيّما مع إطباق المتأخّرين على خلافه،هذا.
و ربما يتردد في الاحتياط بالإجهار به في الأخيرتين،لمعارضة وجهه من الخروج عن شبهة القول بالوجوب بمثله من شبهة القول بالحرمة،كما عرفته من الحلّي،مع تردّد ما في شمول الإطلاقات بالإجهار وجوبا أو استحبابا،نصا أو إجماعا منقولا،لهما.و لو لا ما قدمناه،من عدم دليل على وجوب الإخفات فيهما عدا الإجماع الغير المعلوم الثبوت في محل النزاع إلاّ بدعوى الحلّي الموهونة بلا شبهة،كما عرفته،لكان المصير إلى قوله لا يخلو عن قوة،و إن اعتضد خلافه بالشهرة.
و ترتيل القراءة بالكتاب،و السنة،و إجماع العلماء كافة،كما حكاه جماعة (1).و هو لغة:الترسّل فيها و التبيين بغير بغي و تجاوز عن حدّ (2)،و شرعا -على ما في الذكرى و غيرها (3)-:حفظ الوقوف و أداء الحروف.
أقول:و لعلّهما متقاربان مع ورودهما في النصوص،منها في تفسير قوله تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [1] (4)قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام:«تبيّنه بيانا،و لا تهذّه (5)هذّ الشعر ،و لا تنثره نثر الرمل» (6).
ص:173
و به فسّر علي بن إبراهيم في تفسيره (1).
و منها:«هو أن تتمكّث فيه و تحسن به صوتك» (2).
و منها:«ترتيل القرآن حفظ الوقوف و بيان الحروف» (3)و نحوه عن ابن عباس لكن مبدّلا بيانها بأدائها (4)،فلا يبعد استحبابهما.
و فسّر الوقوف بالوقف التام،و هو الوقوف على كلام لا تعلّق له بما بعده لفظا و لا معنى،و الحسن،و هو الذي له تعلق لفظا لا معنى (5).
و منه يظهر عدم وجوب الوقف مطلقا،مضافا إلى الأصل،و دعوى الإجماع في كلام جمع (6)،و الصحيح المجوّز لقراءة الفاتحة في الفريضة بنفس واحد (7).
نعم،تجب المحافظة على النظم،تأسّيا،و وقوفا على المتيقن،و حذرا من الخروج عن الأسلوب الذي فيه الإعجاز،و لذا يجب فيها الموالاة العرفية المتحققة بأن لا يسكت فيها طويلا،و لا يقرأ فيها قرآنا أو ذكرا بحيث يخرج عن كونه قارئا عرفا،و لو أتى بهما مع صدق القارئ عليه عرفا جاز، بلا خلاف يعرف فيه بين علمائنا،كما في المنتهى (8).
و قراءة سورة بعد الحمد في النوافل إجماعا،و لا فرق فيها بين
ص:174
الرواتب و غيرها،و لا فيه بين ما وظّف فيه سورة خاصة و غيره إلاّ وجوبها شرطا في الأوّل دون غيره.
و الاقتصار في الظهرين و المغرب على قصار المفصل كالقدر، و الجحد،و التوحيد،و ألهاكم،و ما شابهها و في الصبح على مطوّلاته كالمدّثّر،و المزّمّل،و هل أتى،و شبهها و في العشاء على متوسطاته كالانفطار،و الطارق،و الأعلى،و شبهها.
قال في المنتهى:قاله الشيخ،و أومأ المفيد إلى بعضه،و علم الهدى (1).
و عزاه غيره إلى المشهور (2)،معربين عن عدم دليل عليه من طرقنا،و لذا اختاروا -وفاقا للشهيد في الذكرى (3)-العمل بما في الصحيح (4)و غيره (5)من استحباب مثل الأعلى و الشمس في الظهر و العشاء،و النصر و التكاثر في العصر و المغرب، و ما يقرب من الغاشية و القيامة و النبإ في الغداة.و هذا أولى،و إن كان الأوّل لشهرته مع المسامحة في المستحب و دليله ليس بعيدا،سيّما مع قربه مما ورد من طرقنا.
و أن يقرأ في ظهري الجمعة أي ظهرها و عصرها ب سورة ها في الركعة الاولى و بالمنافقين في الثانية،للمعتبرة،منها الصحيح:
عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟قال:«نعم» و قال:«اقرأ سورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة» (6).
ص:175
له» (1).
و ظاهره كسابقه و الصحيح الثاني المتقدم و غيرها وجوبهما فيها،كما عن المرتضى و الصدوق و الحلبي (2)،و زادا فألحقا الظهر بها أيضا،لظاهر الأمر بهما في الصحيح الأوّل من الصحيحين المتقدمين (3).
لكنها محمولة على الاستحباب على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،للأصل،و حذرا عن لزوم العسر و المشقة المنفيين في الشريعة.
و خصوص المعتبرة،منها-زيادة على المرفوعة المتقدمة المصرّحة بالاستحباب-الصحيح:عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا،فقال:«لا بأس بذلك» (4).و نحو الخبر (5).
و إطلاق آخر:رجل صلّى الجمعة فقرأ سبّح اسم ربك الأعلى،و قل هو اللّه أحد،قال:«أجزأه» (6).
و في الصحيح:سمعته يقول في صلاة الجمعة:«لا بأس بأن يقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا» (7)و الاستعجال أعم من الضرورة
ص:177
المبيحة و غيرها.
و هذه المعتبرة ما بين صريحة و ظاهرة في جواز الترك في الجمعة،ففي الظهر أولى.
مضافا إلى عدم القول بالفرق أصلا إلاّ من الصدوق-رحمه اللّه-على نقل ضعيف أنه قال بوجوبهما في ظهر الجمعة خاصة لا جمعتها.و هي مع بعده لا يلائم عبارته التي وصلت إلينا (1)كما بيّنته في الشرح مفصّلا،و لذا نسب إليه في الذكرى (2)و غيرها (3)ما قلنا،هذا.
و في الصحيح:عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟قال:«اقرأهما بقل هو اللّه أحد» (4).
و هو صريح في عدم الوجوب في الظهر أيضا،بل يستفاد منه كون الظهر يطلق عليه الجمعة حقيقة أو مجازا شائعا،فيحتمل لذلك الاستناد إلى الأخبار المتقدمة بعدم الوجوب في الجمعة هنا أيضا،فتأمّل جدّا .
و نوافل الليل جهر و نوافل النهار إخفات إجماعا منا،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني (5)و غيرها (6)، و للنصوص،منها:«السنة في صلاة النهار الإخفات و في صلاة الليل الإجهار» (7).
ص:178
و ليس للوجوب،بالإجماع،و الموثق:عن الرجل هل يجهر بقراءته في التطوع بالنهار؟قال:«نعم» (1).
و يستحب إسماع الإمام من خلفه قراءته ما لم يبلغ العلو إجماعا من العلماء،كما في المدارك و المنتهى (2)،و للصحيح:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول» (3)و لعمومه لما عدا القراءة أيضا قال و كذا الشهادتين بل مطلق الأذكار التي لم يجب إخفاتها.نعم يتأكّد فيهما،للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة (4)إن شاء اللّه تعالى.
و المتصف بالاستحباب في الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد على ما يتحقق به أصل الجهر.
و هنا مسائل أربع:.
الأولى:يحرم قول آمين في آخر الحمد بل في أثناء الصلاة مطلقا، و تبطل به أيضا على الأشهر الأقوى،بل كاد أن يكون إجماعا منا على الظاهر، المصرّح به في شرح القواعد للمحقق الثاني (5)،و بالإجماع حقيقة صرّح الصدوق في الأمالي و الشيخان و المرتضى و ابن زهرة و الفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التحرير و نهج الحق و النهاية (6).
ص:179
و هو الحجة،مضافا إلى النهي عنه في المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ منها فقل أنت:الحمد للّه ربّ العالمين،و لا تقل:آمين» (1).
و الحسن المروي في العلل:«و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك:
آمين» (2).و الخبر:«أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب:آمين؟قال:لا» (3).
و عن دعائم الإسلام أنه قال:و روينا عنهم عليهم السلام أنهم قالوا..إلى أن قال:و حرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب:آمين،كما يقول العامة،قال جعفر بن محمد عليه السلام:«إنما كانت النصارى تقولها» و عنه عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أمّتي بخير و على شريعتي ما لم يتخطّوا القبلة بأقدامهم،و لم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب،و لم تكن ضجّة آمين» (4).
و قصور السند،أو ضعفه في بعضها،و أخصّيتها من المدّعى مجبور بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل الإجماع كما عرفت نقله مستفيضا.
و قيل: و القائل الإسكافي (5)إنه يكره و مال إليه في المعتبر (6)، للصحيح:عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب:آمين،
ص:180
قال:«ما أحسنها،و اخفض الصوت بها» (1)قيل:مع أصالة الجواز و كونه دعاء (2).
و في الجميع نظر:أما الأوّل فلابتنائه على كون«ما أحسنها»بصيغة التعجب،مع أنه يحتمل أن يكون جملة منفية،بل لعلّه المتعين،لاستلزام الأول الاستحباب و لا يقول به،مع مخالفته الإجماع قطعا،و مع ذلك فليس للأمر بخفض الصوت على تقديره وجه قطعا.
و أما على التقدير الثاني فهو خبر و من كلام الراوي ،و يكون الوجه فيه حينئذ التقية.
ثمَّ على تقدير دلالتها على الجواز خالصة مما مرّ من الاعتراض فهو محمول عليها،كما صرّح به جماعة (3)،و يفهم من الصحيح:أقول:آمين، إذا قال الإمام:غير المغضوب عليهم و لا الضالين؟فقال:«هم اليهود و النصارى» (4)فإنّ عدوله عليه السلام عن الجواب إلى تفسيره الآية قرينة على ذلك واضحة.
و ربما جعل مرجع الضمير في الجواب إلى قائليه،فيكون حينئذ جوابا مطابقا للسؤال جدّا،و عليه فلا شهادة فيه على التقية.
لكنه على هذا التقدير-بل على التقدير الأوّل أيضا،كالصحيح السابق بالتقريب المتقدم-ظاهر في المنع جدّا،كما اعترف به جمع،و منهم صاحب
ص:181
المدارك قائلا لذلك:إن الأجود التحريم،لكن منع عن الإبطال قائلا:إن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو إلى شرط لها،و هو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها (1).
و فيه:أنه إحداث قول ثالث على الظاهر،المصرّح به في الذخيرة (2)و غيرها (3).
و يضعّفه مضافا إلى ذلك شمول كثير من الإجماعات المنقولة للإبطال أيضا،كالانتصار و الخلاف و التحرير و النهاية و المنتهى (4)و غيرها (5).
و مع ذلك يدفعه قاعدة العبادة التوقيفية المقتضية لإخلاء العبادة عمّا هو منهي عنه في الشريعة،و قضائها لو أتى به فيها تحصيلا للبراءة اليقينية.
و أما الأخيران فبعد تسليمهما يندفعان بما مضى من الأدلة،هذا.
مع أن جماعة منعوا عن أجزاء أوّلهما في العبادة،و آخرين بل الأكثرين منعوا عن كون التأمين دعاء .و من أراد تحقيق ذلك فعليه بمراجعة الشرح.
الثانية:و الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذا الفيل و لإيلاف إجماعا،كما في صريح الأمالي و الانتصار و ظاهر التهذيب و الاستبصار و التحرير و التذكرة و النهاية (6)،و في التبيان و مجمع البيان و الشرائع نسب إلى رواية الأصحاب (7)مشعرين بدعوى الإجماع أيضا،و هي مستفيضة و إن لم
ص:182
يقف على شيء منها من المتأخّرين جماعة (1)،منها الرضوي:«و لا تقرأ في الفريضة الضحى و ألم نشرح،و كذا ألم تر كيف و لإيلاف-إلى أن قال-:لأنه روي أن الضحى و ألم نشرح سورة واحدة،و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» (2).
و منها:مروي الصدوق في الهداية مرسلا عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:«و موسّع عليك أيّ سورة قرأت في فرائضك إلاّ أربع،و هي:الضحى و ألم نشرح في ركعة،لأنهما جميعا سورة واحدة،و لإيلاف و ألم تر كيف، لأنهما سورة واحدة،و لا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة» (3).
و في المجمع:و روى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما عليهما السلام:«ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة»قال:و روي أن ابيّ بن كعب لم يفصّل بينهما في مصحفه (4).
و نقل خالي العلاّمة-أدام اللّه تعالى ظلاله (5)-عن كتاب القراءات لأحمد ابن محمد بن[سيّار] (6)أنه روى البرقي،عن القاسم بن عروة،عن أبي العباس،عن مولانا الصادق عليه السلام،و محمد بن علي بن محبوب،عن أبي جميلة،عنه عليه السلام،قال:«الضحى و ألم نشرح سورة واحدة» (7).
ص:183
و البرقي،عن القاسم بن عروة،عن شجرة أخي بشير النبال،عنه عليه السلام أن:«ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» (1).و محمد بن علي بن محبوب،عن أبي جميلة مثله (2).
و ضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة.
مضافا إلى التأيّد بالصحيح:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام[الفجر] فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة [واحدة] (3).
و الخبر:«لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و أ لم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف» (4).
و حيث إن الجماعة المتأخّرة لم يقفوا إلاّ عليهما اعترضوهما بعدم الدلالة على الوحدة فأنكروها،و لكن اعترف بعضهم-كشيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان-بدلالتهما على وجوب قراءتهما معا في الركعة الواحدة،فقال-بعد الاعتراض عليهما بأنه لا إشعار فيهما بذلك،و إنّما يدلاّن على وجوب قراءتهما معا،و هو أعم من المدّعى،بل الأخير واضح في كونهما سورتين،لأن الاستثناء حقيقة في المتّصل،غاية ما في الباب كونهما مستثنيين من القران المحرم أو المكروه،و يؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين-ما صورته:و الأمر في ذلك سهل،فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة،و هو حاصل (5).
ص:184
و قريب منه المحقق الثاني،إلاّ أنه زاد فبيّن وجه الدلالة على وجوب قراءتهما في الركعة الواحدة (1).
و عليه فلا ثمرة مهمة للنزاع في المسألة،فإن المقصود الأهم من دعوى الاتحاد المنع عن الانفراد بإحدى السور الأربع في ركعة واحدة من الفريضة على القول بوجوب سورة كاملة،و هو ثابت من الخبرين باعتراف هذين المحققين،و إن كان بعض ما ذكراه لا يخلو عن نظر.
نعم،ظاهر المعتبر (2)و بعض من تأخّر (3)التأمل في المنع،و احتمال جواز إفراد بعض السور،كما في المرسل كالصحيح:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام،فقرأ في الأولى الضحى و في الثانية ألم نشرح (4).
و فيه أنه-بعد تسليم سنده-محمول على التقية،أو النافلة كما ذكره شيخ الطائفة (5).
و هل تعاد البسملة بينهما؟قيل:لا و القائل الشيخ (6)و غيره (7)و هو عند الماتن أشبه لاقتضاء الوحدة ذلك.و فيه نظر.
و القول الثاني للحلّي (8)و كثير من المتأخّرين (9)،لثبوتها بينهما تواترا،
ص:185
و كتبتها في المصاحف إجماعا.و هو أحوط،لأن بالإعادة بينهما تصح الصلاة بلا خلاف،كما في السرائر.
و لكن في تعيّنه نظر،فعن المجمع أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (1)،و كذا عن التبيان (2)،و في الرضوي:«فإذا قرأت بعض هذه السور فاقرأ و الضحى و ألم نشرح و لا تفصل بينهما،و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف» (3)و مرّ عن ابيّ عدم فصله بينهما بها في مصحفه (4).
و أحوط مما مرّ عدم قراءة شيء من هذه السور.
الثالثة:يجزي بدل الحمد في الركعات الأواخر من الرباعية و الثلاثية تسبيحات أربع،و صورتها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر للصحيح-كما قالوا-:ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال:«أن تقول:سبحان اللّه» (5)إلى آخر ما في المتن.
و هو خيرة المفيد (6)و كثير من المتأخرين (7).
و هو حسن لو صح السند.و فيه منع،فإنّ فيه محمد بن إسماعيل،عن الفضل بن شاذان،و في الأوّل كلام مشهور (8).
ص:186
و مع ذلك الدلالة ليست بذلك الوضوح،لاحتمال أن يكون بيانا لإجزاء ما يقال لا العدد.
مع أنه معارض بما دلّ على الزائد من النصوص لراويه و غيره،و منها ما أشار إليه بقوله و روي في الفقيه و السرائر (1)صحيحا أنها تسع بتكريرها كما في المتن ثلاثا مع حذف التكبير في كل منها،كما هو خيرة والد الصدوق (2)،بل هو أيضا في الفقيه (3)،و الحلبي كما قيل (4).
و فيه نظر،إذ لم يظهر من الفقيه ما يوجب قوله به إلاّ روايته للرواية كذلك في بحث الجماعة،لكنه رواها في باب كيفية الصلاة بزيادة التكبيرات الثلاث (5)،كما هو القول الأخير.
و أما الحلبي فالذي يظهر منه-على ما نقله في المنتهى (6)-أنه قائل بثلاث تسبيحات،كما في بعض النصوص (7).
فانحصر القائل المعلوم قوله بهذه الرواية في الأول.نعم،حكى في المعتبر و الذكرى و التذكرة عن حريز بن عبد اللّه من القدماء (8).
ص:187
و هذه الرواية و إن صحّت سندا،إلاّ أنها مضطربة متنا،لما عرفت من اختلاف نسختها في الفقيه،و كذا في السرائر بعين ذلك،فقد رواها في باب كيفية الصلاة متضمنة للتسع كما رويت في الفقيه في باب الجماعة (1)،و في آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز بن عبد اللّه بنحو ما في الفقيه في باب كيفية الصلاة (2).
و مع اختلاف النسخة يشكل التمسك بالرواية،سيّما و أن احتمال السقوط أرجح من احتمال الزيادة،مع مرجوحيته أيضا بوجودها في كثير من روايات المسألة،و منها:الصحيحة الأولى (3)التي هي أيضا لراوي هذه الصحيحة بعينه.
و منها:النصوص المعلّلة لشرعية التسبيح في الأواخر:«بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه سبحانه،فدهش و قال:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» (4).
و منها:«إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين،و على الذين خلفك أن يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هم قيام،فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب،و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين (5)» (6).
و قريب منها في الدلالة على اعتبار التكبير بعض الصحاح الواردة فيما
ص:188
تقرأ في الركعتين الأخيرتين أنه:«إنما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء» (1).
فبملاحظة مجموع هذه الأخبار بل و غيرها مما سيأتي يترجّح احتمال السقوط،و يتعين القول بزيادة التكبير،و تكون الرواية حينئذ دليلا للقول بالاثنتي عشرة تسبيحة.
و قيل: إنها عشر بزيادة التكبير في المرة الثالثة،و القائل السيدان في المصباح و الجمل و الغنية،و الشيخ في المصباح و المبسوط و الجمل و عمل يوم و ليلة،و الديلمي و الحلي و القاضي (2)،و حجتهم غير واضحة عدا ما يتوهم من بعض (3)أنها الرواية بالتسع المتقدمة،و ليس فيها ما يتوهم منه ذلك إلاّ قوله عليه السلام بعد إتمام العدد:«ثمَّ تكبّر و تركع»و الظاهر أن المراد به تكبير الركوع،و مع التنزّل فلا أقل من احتماله،و معه لا يمكن الاستدلال.
و قيل: إنها اثنتا عشرة و القائل العماني و الشيخ في ظاهر النهاية و مختصر المصباح و الاقتصاد و القاضي في ظاهر المهذب و الفاضل في التلخيص كما حكي (4).
و هو أحوط للصحيحة المتقدمة،بناء على ما مرّ من رجحان ما فيها من النسخة بزيادة التكبير في كل مرة (5).
ص:189
و هي ظاهرة في الوجوب،لمكان الأمر الذي هو في الوجوب حقيقة.
و حمله على الندب بقرينة الصحيحة الأولى (1)حسن،لو سلمت عما مر فيها من المناقشة،و ليست عنها بسالمة،سيما ضعف الدلالة،لما عرفته.
مع أن الراوي لها حريز عن زرارة،و قد روى عنه أيضا الرواية المعارضة الآمرة بالتسع أو الاثني عشر على اختلاف النسخة،و هو ظاهر في أن المراد من الإجزاء في روايته الاولى ما ذكرنا،و إلاّ لتناقضت رواياته،فتأمّل جدّا .
و مع التنزّل و تسليم ظهور الإجزاء بحسب المقدار فلا ريب أنه ليس أظهر من ظهور الأمر في الوجوب،و كما يحتمل الجمع بحمله على الاستحباب كذا يحتمل الجمع بحمل ما يجزئ على نفس القول لا المقدار،فالترجيح لا بد له من دليل،و هو غير واضح للحمل الأوّل،بل وجوب تحصيل البراءة اليقينية يعاضد الثاني.
مضافا إلى الرضوي:«تقرأ فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الأوليين، و في الركعتين الأخراوين الحمد وحده،و إلاّ فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا،تقول:
سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرّات» (2).
و نحوه الخبر المروي عن العيون عن مولانا الرضا عليه السلام أنه سبّح في الأخيرتين بالاثنتي عشرة (3).
لكن قيل:في بعض النسخ تسع (4).و لعلّه بعيد،لظهور الرواية في
ص:190
مداومته عليه السلام على ذلك،و لو كان تسعا لكان على ترك هذا المستحب الذي لا خلاف في استحبابه،و مداومة الإمامية عليه جيلا بعد جيل و حديثا بعد قديم مداوما،و هو بعيد جدّا،مع أن الظاهر مع بعض الروايات المتقدمة في ترجيح النسخة و غيرها اعتبار كون التسبيح بمقدار القراءة و هو لا يتحقق بالأربع بالضرورة.
و بالجملة المسألة محل إشكال،و الاحتياط فيها بما مرّ مطلوب على كل حال.و فيها أقوال أخر نادرة ليس في التعرض لذكرها كثير فائدة.
الرابعة:لو قرأ في النافلة إحدى العزائم الأربع المنهي عنها في الفريضة جاز و لو عمدا،بلا خلاف أجده فتوى و رواية،خاصة و عامة،و قد تقدّمت إليها الإشارة (1).
و حيث قرأها أو استمع إلى ما يوجب السجود منها سجد عند ذكره وجوبا على الأشهر الأقوى،للعموم،و خصوص الأمر به فيما مرّ من النصوص.
و به يخصّ ما دلّ على المنع عن الزيادة في الصلاة من القاعدة،مع إشعار بعض النصوص المعاضدة لها باختصاصه بالمكتوبة.
و قيل:إن سجد جاز و إن لم يسجد جاز (2)،و لعلّه للخبر الآتي.و هو- لضعف سنده،و عدم مقاومته لسابقه،مع عدم جابر له فيما نحن فيه-يمتنع العمل به.
ثمَّ إنه بعد ما يسجد يقوم فيتم ما بقي من السورة من غير إعادة الفاتحة إذا لم يكن السجود في آخر السورة و يركع،و لو كان السجود في آخرها
ص:191
قام بعد سجدة العزيمة و قرأ الحمد استحبابا ليركع عن قراءة كما في الصحيح (1)و غيره (2).
و لكن ليس فيهما التعليل،و لا التصريح بالاستحباب،بل ظاهرهما الوجوب،كما هو ظاهر الشيخ في كتابي الحديث (3)و غيره (4).لكن حمله الأصحاب على الاستحباب،للأصل،و الخبر:«إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» (5)و لا يخلو عن نظر .و لا ريب أن الوجوب أحوط.
ثمَّ إن ظاهر الأكثر و الصحيح و ما بعده الاقتصار على إعادة الحمد خاصة.و عن المبسوط:و سورة أخرى أو آية (6)،و لم أعرف مستنده.
ص:192
الخامس:الركوع و هو واجب في كل ركعة من الفرائض و النوافل مرّة واحدة بالضرورة من الدين،و الأخبار المتواترة عن سيد المرسلين و الأئمة الطاهرين عليهم السلام إلاّ في صلاة الآيات ك الكسوف و الخسوف و الزلازل فيجب في كل ركعة خمس مرّات،بالنص و الإجماع،كما سيأتي في بحثها إن شاء اللّه تعالى (1).
و هو مع ذلك ركن في الصلاة تبطل بتركه فيها مطلقا،و لو في الأخيرتين من الرباعية إجماعا إلاّ من المبسوط،ففيه:أنها لا تبطل بتركه فيهما سهوا إن ذكره بعد السجود،بل يسقط السجود و يركع ثمَّ يسجد (2).
و لو فسّر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك، لأن الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة،و لعلّه لذا صرّح بعدم الخلاف في الركنية من غير استثناء للشيخ جماعة (3)،أو لشذوذه و معلومية نسبه، أو لنفيه في الحقيقة ركنية السجود،بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادته لا ركنية الركوع.
فلا خلاف فيها إلاّ ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولا من بعض الأصحاب بأنّ من نسي سجدتين من ركعة أيّة ركعة كانت حتى ركع فيما بعدها أسقط الركوع و اكتفى بالسجدتين بعده،و جعل الركعة الثانية أوّلة،و الثالثة
ص:193
ثانية،و الرابعة ثالثة (1).
قيل:و أفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة (2).
و في الصحيح:عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها،فقال:«يقضي ذلك بعينه»قال:أ يعيد الصلاة؟قال:«لا» (3).و يحتمل على بقاء المحل.
و الواجب فيه خمسة أشياء:
الأوّل الانحناء ب قدر ما يمكن أن تصل معه كفّاه إلى ركبتيه إجماعا ممن عدا أبي حنيفة،كما حكاه جماعة (4)حدّ الاستفاضة،للتأسّي، و المعتبرة،منها الصحيح:«فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينهما» (5).
و يستفاد منه و من غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين،و أن الزائد مستحب،و به صرّح بعض (6)،بل عن خالي العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-في البحار أنه مذهب الأكثر (7).
ص:194
خلافا لجماعة،فأوجبوا الزيادة (1).و هو أحوط،لظهور عبائر الأكثر فيه، و منهم جملة من نقلة الإجماع،كالفاضلين في المعتبر و التذكرة (2).
و لكن في تعينه نظر،لظهور النص المعتبر في خلافه،مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع،و يحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين،و هو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع،فأما خصوصه فلعلّه من اجتهاد الناقل.
مع أن ظاهر عبائر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرنا،و إن كان يأباه سياق عبارتهم في الاستدلال عليه،كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضا،و هذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع إنما هو إثبات القدر المشترك ردّا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقلّ ما يقع عليه اسم الانحناء.
و إنما عبرنا بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (3).
و هل يشترط في الانحناء قصد الركوع،حتى لو انحنى لا له ثمَّ ركع بقصده لم يكن زاد ركوعا،أم لا؟وجهان،ظاهر جماعة الأول (4)،بل قيل:
لا خلاف فيه (5).
ص:195
و لهم الخبر:رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها،فانحطّ عليه السلام و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته (1).
و قريب منه إطلاق نحو الموثق:«لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي أو ترضعه و هي تتشهّد» (2).
و عليه فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو لقتل حية أو لقضاء حاجة،فلما انتهى إلى حدّ الراكع و أراد أن يجعله ركوعا لم يجزئ،فإن الأعمال بالنيات،و لكل امرئ ما نوى،فيجب عليه الانتصاب ثمَّ الهويّ للركوع، و لا يكون ذلك زيادة ركوع،صرّح بذلك الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (3)، وفاقا للتذكرة و نهاية الإحكام (4)،و فيها:و لا فرق بين العامد و الناسي على إشكال.قيل:من حصول هيئة الركوع،و عدم اعتبار النية لكل جزء،كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة،و غايته أنه لا ينوي غيره (5).و فيه نظر .
و لو عجز عن الانحناء الواجب اقتصر على الممكن منه،فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و إلاّ يتمكن منه أصلا و لو بالاعتماد على شيء أومأ برأسه إن أمكن،و إلاّ فبعينيه،بلا خلاف،للنصوص (6).
و الثاني الطمأنينة إجماعا،كما في الناصريات و الغنية و المعتبر
ص:196
و المنتهى و التذكرة (1)و غيرها (2)،و في الخلاف الإجماع على ركنيتها (3)،و في المنتهى بعد نقل الركنية عنه:إن عنى بها ما بيّناه فهو في موضع المنع،على ما سيأتي من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا،و إن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم (4).انتهى.و هو حسن.
و فسّرها كباقي الأصحاب بالسكون حتى يرجع كل عضو مستقرّه و إن قلّ.
قيل (5):و هو معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الخبر المروي في قرب الإسناد للحميري:«إذا ركع فليتمكّن ركوعه» (6).
قالوا:و يجب كونها بقدر الذكر الواجب و ظاهرهم الإجماع عليه، كما في المعتبر و المنتهى (7)و غيرهما (8).لكنه نسبه بعض الأفاضل (9)إلى السرائر و كتب الماتن خاصة،مشعرا باختصاص هذا التحديد بها.و ليس كذلك،لتصريح باقي الأصحاب أيضا بذلك جدّا،مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه،كما مضى.
و هو الحجة،لا ما يقال من توقف الذكر الواجب عليها،لأنه إنما يتمّ إذا لم يزد في الانحناء على قدر الواجب،و إلاّ فيمكن الجمع بين مسمّى الطمأنينة
ص:197
و الذكر حين الركوع مع عدمها .
و الثالث تسبيحة واحدة كبيرة،و صورتها:سبحان ربي العظيم و بحمده،أو:سبحان اللّه ثلاثا وفاقا لجماعة (1)،للصحاح منها:عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟فقال:«ثلاث،و تجزيه واحدة» (2)و نحوه آخران (3)،لكن بزيادة قوله عليه السلام:«تامة»بعد:«واحدة» في أحدهما.
و الظاهر أن المراد بالواحدة التامة التسبيحة الكبرى،و بالثلاث الصغريات،فإنّ جعل كل منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة،هذا.
مضافا إلى النصوص المصرّحة بإجزاء الثلاث الصغريات،كالصحيح:
عن أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة،قال:«ثلاث تسبيحات مترسّلا، تقول:سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه» (4)و نحوه الموثق (5)و غيره مما يأتي (6).
ص:198
و به يتضح إجمال الثلاث تسبيحات في الصحاح لو كان،و كذا في غيرها،كالحسن،بل الصحيح-كما قيل (1)-:«يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا» (2)و نحوه آخر (3)و غيره (4).
و في قوله عليه السلام:«أو قدرهنّ»إشارة إلى جواز التسبيحة الكبرى أيضا،فإنها بقدر الثلاث جدّا،مع ظهور جملة من النصوص في جوازها، منها:«أ تدري أيّ شيء حدّ الركوع و السجود؟»قلت:لا،قال:«تسبّح في الركوع ثلاث مرّات:سبحان ربّي العظيم و بحمده،و في السجود:سبحان ربّي الأعلى و بحمده،ثلاث مرات،فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته،و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته،و من لم يسبّح فلا صلاة له» (5).
و منها:عن التسبيح في الركوع،فقال:«تقول في الركوع:سبحان ربي العظيم،و في السجود:سبحان ربي الأعلى،الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنة ثلاث،و الفضل في سبع» (6)و قريب منه غيره (7).
ص:199
و قصورهما عن إفادة تمام التسبيحة غير ضائر بعد وجوده في أخبار كثيرة، منها الرضوي:«فإذا ركعت فمدّ ظهرك و لا تنكس رأسك،و قل في ركوعك بعد التكبير:اللّهم لك ركعت-ثمَّ ساق الدعاء إلى أن قال بعد تمامه:«سبحان ربي العظيم و بحمده-ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال-:
«سبحان ربي الأعلى و بحمد» (1).
و بالجملة بهذه الأخبار بعد ضمّ بعضها مع بعض يتّضح وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الثلاث الصغريات و واحدة كبرى،و ضعف القول بوجوبها خاصة،كما عن النهاية (2)،و بإجزاء التسبيح مطلقا و لو واحدة صغرى مطلقا،كما عن المرتضى (3)،و بالتخيير بين ثلاث كبريات و مثلها صغريات مع أفضلية الكبريات،كما عن الحلبي (4)،و بوجوب ثلاث كبريات خاصة،كما حكاه عن بعض علمائنا في التذكرة (5)،هذا،مع دعوى الفاضل في المنتهى اتفاق كل من قال بتعيين التسبيح على ما هنا (6)،مؤذنا بكونه مجمعا عليه بينهم.
كل ذلك مع الاختيار.
و مع الضرورة تجزي الواحدة الصغرى قطعا،و في المنتهى الإجماع عليه (7)،و في المرسل المروي عن الهداية:«سبّح في ركوعك ثلاثا،تقول:
سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاث مرّات،و في السجود سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات،لأن اللّه تعالى-إلى أن قال-:فإن قلت:سبحان اللّه
ص:200
سبحان اللّه سبحان اللّه أجزأك،و التسبيحة الواحدة تجزي للمعتلّ و المريض و المستعجل» (1).
و اعلم أن القول بتعيّن التسبيح في كلّ من الركوع و السجود هو المشهور بين الأصحاب،بل في الانتصار و الخلاف و الغنية (2)الإجماع عليه.
و قيل:يجزي مطلق الذكر فيه و في السجود و القائل:الشيخ في المبسوط و الجمل و الحلّي (3)،نافيا الخلاف عنه،و تبعهما أكثر المتأخرين، للأصل،و الصحاح:يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود:لا إله إلاّ اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر؟قال:«نعم،كلّ هذا ذكر اللّه» (4).
مضافا إلى التأيّد بالحسنين أو الصحيحين المتقدمين،المتضمّنين لقوله عليه السلام:«يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلا» (5)و قدرهن أعم من أن يكون من التسبيحة الكبرى أو مطلق الذكر فيهما.
مع أنّ عموم ما في الصحاح ممّا هو كالتعليل لإجزاء الذكر المخصوص فيها يدفع توهم جوازه خاصة بعد التسبيح،كما عن الجامع و النهاية (6).
و هذا القول في غاية المتانة،لصراحة هذه الصحاح،و اعتضادها بالأصل،و الشهرة المتأخّرة،و حكاية نفي الخلاف المتقدمة،مع سلامتها عن معارضة الصحاح المتقدمة و غيرها من المعتبرة،المتضمنة لبيان ما يجزي من
ص:201
التسبيح في الركوع و السجود،إذ هو أعم من الأمر به و الحكم بلزومه.
و أما ما تضمن الأمر به كالخبر:لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [1] قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في ركوعكم»فلمّا نزلت:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [2] قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في سجودكم» (1)أو أنه«من لم يسبّح فلا صلاة له»كالخبر (2).
فمع ضعف سندهما ليسا نصّين في الوجوب،فيحتملان الحمل على الفضيلة جمعا بين الأدلة،و حذرا من إطراح الصحاح الصريحة،فإن العمل بظاهر الأمر يوجب إطراحها بالكلية،و لا كذلك لو حمل على الفضيلة،فإنّ معه لا يطرح شيء من أخبار المسألة،هذا.
و المستفاد منها بعد ضمّ بعضها مع بعض أنّ الأصل في ذكري الركوع و السجود هو التسبيح،و أن غيره من الأذكار مجز عنه،و يمكن أن ينزل على هذا كلمة كلّ من عيّن التسبيح بإرادتهم كونه الأصل،و إن ذكر بعضهم أنه لا صلاة لمن لا يسبّح،لاحتمال إرادته نفي الصلاة مع عدم التسبيح و بدله،ألا ترى إلى الصدوق أنه قال في الأمالي:إنه من دين الإمامية الإقرار بأن القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات-إلى أن قال-:و من لم يسبّح فلا صلاة له إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله بعدد التسبيح،فإنّ ذلك يجزيه (3).
و على هذا فلا خلاف و الحمد للّه تعالى.و لكن عدم العدول عن التسبيح أولى،خروجا عن شبهة الخلاف المشهور تحققه بين أصحابنا،و إن كان القول
ص:202
بكفاية مطلق الذكر لعلّه أقوى.
و عليه فهل يكفي مطلقه و لو مقدار تسبيحة صغرى،ككلمة لا إله إلاّ اللّه وحدها،كما هو ظاهر إطلاق الصحاح و أكثر الفتاوى،أم يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى،كما هو ظاهر كلام الصدوق المتقدم،و الحسنين المتضمنين لإجزاء الثلاث الصغريات أو قدرها (1)؟ وجهان،و لعلّ الثاني أظهر و أولى،حملا لمطلق النصوص على مقيّدها.
و الرابع و الخامس رفع الرأس منه و الطمأنينة في الانتصاب إجماعا على الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (2)،و للتأسي، و النصوص،منها:«إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك،فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (3).
و نحوه الرضوي (4)لكن من دون زيادة:«فإنه لا صلاة».
و ظاهر إطلاقها الركنية،كما عليه الشيخ في الخلاف،مدعيا عليه الوفاق (5)،و يعضده القاعدة في نحو العبادة التوقيفية،إلاّ أن المشهور خلافه ، بل لا يكاد يعرف فيه مخالف سواه،و لعله شاذّ،و سيأتي الكلام فيه في بحث الخلل الواقع في الصلاة (6).
و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين صلاتي الفريضة و النافلة،خلافا للفاضل في النهاية،فقال:لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع و السجود في
ص:203
صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته،لأنه ليس ركنا في الفرض و كذا في النفل (1).
و هو كما ترى ،مع أنه شاذّ لا يرى له موافق من الأصحاب.
و يكفي في هذه الطمأنينة مسمّاها اتفاقا.
و من السنة فيه:أن يكبّر له قائما قبل الهوي رافعا يديه، محاذيا بهما وجهه كغيره من التكبيرات ثمَّ يركع بعد إرسالهما،و أن يضعهما على عيني ركبتيه حالة الذكر أجمع،مالئا كفيه منهما.
مفرّجات الأصابع،رادّا ركبتيه إلى خلفه،مسوّيا ظهره بحيث لو صبّت عليه فطرة ماء لم تزل لاستوائه مادّا عنقه مستحضرا فيه:آمنت بك و لو ضربت عنقي.
داعيا أمام التسبيح بالمأثور.
مسبّحا ثلاثا كبرى أي:سبحان ربي العظيم و بحمده فما زاد فقد عدّ لمولانا الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستّون تسبيحة،كما في الصحيح (2)،و في الخبر:دخلنا عليه عليه السلام و عنده قوم و قد كنّا صلّينا، فعددنا له في ركوعه و سجوده:سبحان ربي العظيم و بحمده أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرّة (3).
و في الموثق:«و من كان يقوى على أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع،يكون ذلك في تحميد اللّه تعالى و تسبيحه و تمجيده و الدعاء و التضرع» (4)الحديث.
ص:204
إلاّ أن يكون إماما،فلا يزيد على الثلاث إلاّ مع حبّ المأمومين الإطالة.
و ظاهر الأكثر الاقتصار على السبع،للخبر (1)،و فيه ضعف سندا و دلالة، و في آخر على التسع (2).
قائلا بعد انتصابه:سمع اللّه لمن حمده،داعيا بعده بالمأثور.
كلّ ذلك للنصوص،ففي الصحيح المتضمن لفعل مولانا الصادق عليه السلام تعليما لحمّاد:ثمَّ رفع يديه حيال وجهه و قال:«اللّه أكبر»و هو قائم،ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات،و ردّ ركبتيه إلى خلفه،ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره،و مدّ عنقه و غمض عينيه ثمَّ سبح ثلاثا،فقال:«سبحان ربي العظيم و بحمده» (3)الحديث.
و في آخر«إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر،ثمَّ اركع و قل:
ربّ لك ركعت،و لك أسلمت،و بك آمنت،و عليك توكّلت،و أنت ربي، خشع لك سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي ،غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر،سبحان ربي العظيم و بحمده،ثلاث مرّات في ترسّل،و صفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر،و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و بلّع (4)بأطراف أصابعك[عين الركبة و فرّج أصابعك] (5).
إذا وضعتها على ركبتيك(إلى أن قال:و أحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك
ص:205
فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرّج بينهما) (1)و أقم صلبك،و مدّ عنقك، و ليكن نظرك إلى ما بين قدميك ثمَّ قل:سمع اللّه لمن حمده-و أنت منتصب قائم-الحمد للّه رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة،الحمد (2)للّه ربّ العالمين،تجهر بها صوتك،ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» (3).
و لا يجب شيء من ذلك على المشهور،بل لا خلاف فيه أجده إلاّ من العماني و الديلمي في التكبير فأوجباه (4).و للمرتضى،فأوجب رفع اليدين فيه و في كل تكبير (5).و قد مضى ضعف الثاني (6).
و أما الأوّل فيضعّفه شذوذه أوّلا،و دعوى الذكرى استقرار الإجماع على خلافه (7)ثانيا،و تصريح جملة من النصوص بعدم الوجوب،منها الموثق:عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة،قال:«تكبيرة واحدة» (8).
و المروي في علل الفضل:أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة (9)و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل و الأصل.
فيصرف بها ظاهر الأمر،مع وروده في ضمن كثير من الأوامر المستحبة
ص:206
إجماعا،و هو موجب للتزلزل في الظهور جدّا.
و يكره أن يركع و يداه تحت ثيابه كما ذكره الجماعة (1)،وفاقا للمبسوط (2)،و مستنده غير معلوم،نعم في الموثق:في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه،قال:«إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس،و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك،و إن أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (3).
و هو غير مطابق لما ذكروه،لعدم اختصاصه بالركوع و نفيه البأس إذا كان عليه مئزر أو سراويل،كما عن الإسكافي (4).
و عن الحلبي إطلاق الكراهة،ملحقا الكمّين بالثياب (5).
و يدفعه الصحيح:عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه عن ثوبه،قال:«إن أخرج يديه فحسن،و إن لم يخرج فلا بأس» (6).
ص:207
السادس:السجود و يجب في كل ركعة من فريضة أو نافلة سجدتان بالنص و الإجماع،بل الضرورة من الدين.
و هما معا ركن في الصلاة تبطل بالإخلال بهما إجماعا على الظاهر،المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى (1)و غيرها (2)،و لصحيح:
«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع، و السجود» (3)و نحوه غيره (4).
و كذا بزيادتهما مطلقا،للقاعدة المستندة إلى الاعتبار،و الأخبار،منها- زيادة على ما مرّ في النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة (5)-الصحيح:«إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» (6).و الموثق القريب منه:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (7).
خلافا للشيخ في جملة من كتبه،فجعلهما ركنين في الأوليين و ثالثة
ص:208
سجدها و بنى على صلاته،ثمَّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه،و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة،و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» (1).
و هو-مع ضعف سنده بالإرسال و غيره،و معارضته بما تقدم مما هو أرجح سندا و عددا و عملا-غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة،لاحتمال السجدة المنسية فيها السجدتين لا الواحدة،بقرينة تعريفها باللام المفيدة للجنسية، قال الشيخ:و لأجل هذا قال:«و نسيان السجدة في الأوليين و الأخيرتين سواء» يعني في السجدتين معا (2).و كيف كان فيتعين حمله على ذلك جمعا،و إرجاعا له إلى الراجح.
و للمحكي عن الأوّل و السيد في الجمل و الحلبيين و الحلّي (3)،فتبطل بالزيادة،للقاعدة و ما بعدها من المعتبرة،و هو في غاية القوة لو لا الموثقان المتقدمان الظاهر ان في عدم البطلان بها،بل الثاني صريح فيه،لاعتضادهما بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل هو إجماع في الحقيقة.
مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدمه بالإخلال بواحدة من الفتوى و الرواية،فتدبّر و تأمّل .
و للشيخ في ظاهر التهذيب و محتمل الاستبصار (4)،فوافق العماني في
ص:210
البطلان بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين،و الأصحاب إذا كانت من الأخيرتين،للصحيح:«إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك ثنتان،و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (1).
و فيه-مع إجماله كما بيّنته في الشرح-قصور عن مقاومة ما مر،لاعتضاده بعد الكثرة بالأصل و الشهرة العظيمة،مضافا إلى صريح بعض الأخبار المنجبر ضعفه بها:عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها، فقال:«إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة و ليس عليك سهو» (2)فتأمل (3).
مع أن ظاهره اختصاص الحكم بالبطلان بتركها بالركعة الاولى و عدمه فيما عداها،كما يحكى عن والد الصدوق و الإسكافي (4).
نعم ربما يعضده تظافر الأخبار بأنه لا سهو في الأوليين،و أنه لا بدّ من سلامتهما (5)،لكنها محمولة على الشك في الأعداد خاصة،جمعا بين الأدلّة.
و واجباته أمور سبعة الأول السجود على الأعضاء السبعة يعني الجبهة،و الكفّين، و الركبتين،و إبهامي الرجلين بلا خلاف فيه بيننا أجده إلاّ من المرتضى
ص:211
و الحلّي،فجعلا عوض الكفّين المفصل عند الزندين (1).و هما شاذّان،بل على خلافهما الإجماع في الخلاف و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و عن التذكرة (2)،و هو الحجة.
مضافا إلى النصوص المستفيضة،منها الصحيح:«السجود على سبعة أعظم:الجبهة،و اليدين،و الركبتين،و الإبهامين،و ترغم بأنفك إرغاما،فأمّا الفرض فهذه السبعة،و أما الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلّى اللّه عليه و آله» (3)و نحوه آخر،مبدّلا فيه اليدين بالكفين (4).
و من جماعة من القدماء،فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرجلين،كما في كلام جملة منهم (5)،أو أطرافهما،كما في كلام آخرين (6).
و فيه ما في سابقة،مع عدم وضوح مستندهما عدا ما يحكى من القاضي في شرح الجمل (7)،من نقله الإجماع على الأول في ظاهر كلامه،و ما ورد في بعض الأخبار من لفظ الرجلين،أو أطراف أصابعهما (8).
و الأوّل-مع عدم صراحته بل و لا ظهوره،كما لا يخفى على المراجع
ص:212
لكلامه-موهون بمصير الأكثر،بل الكل على خلافه،و معارض بأجود منه.
و الثاني-مع عدم سلامة سنده-مطلق،و الصحيحان المتقدمان مقيّدان، فيجب حمله عليهما جمعا.
و يكفي فيما عدا الجبهة المسمّى،على الأشهر الأقوى،بل في المدارك و الذخيرة أنه لا نعرف فيه خلافا (1)،مع أنه تردّد في المنتهى في كفايته في الكفّين،قال:و الحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل (2).
و هو كما ترى،فإنّ ما دلّ عليها فيها يدلّ عليها هنا بالفحوى،مؤيدا بإطلاق الأمر،و الخبر المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه سأله المعتصم عن[السارق] (3)من أيّ موضع يجب أن يقطع؟ فقال:«إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف» قال:و ما الحجة في ذلك؟قال:«قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:السجود على سبعة أعضاء:الوجه،و اليدين،و الركبتين،و الرجلين،فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها» (4)الخبر.
و هو صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع.
و كذا فيها،على الأشهر الأقوى،للإطلاق،و المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:«إذا مسّ شيء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (5)و نحوه آخران،و الموثق،و الخبران (6).
ص:213
خلافا للصدوق و الحلّي و الشهيد في الدروس و موضع من الذكرى (1)، فأوجبوا مقدار الدرهم،قال في الأخير:لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب به، فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيد.
و هو أعرف بما قال،إذ لم نقف على الخبر و لا الكثير من الأصحاب.
و في المدارك:و لعلّ مستنده ما رواه زرارة في الحسن،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود،فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم و مقدار طرف الأنملة» (2).و الإجزاء إنّما يستعمل في أقل الواجب (3).
و لم أعرف وجه دلالته أصلا،بل هو بالدلالة على خلافه أشبه و أخرى، كما اعترف به أخيرا،فقال:و مقتضاها الاكتفاء بقدر طرف الأنملة و هو دون الدرهم،و الأجود حملها على الاستحباب.
و في الصحيح:عن المرأة تطول قصّتها ،فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيه الشعر،هل يجوز ذلك؟قال:«لا،حتى تضع جبهتها على الأرض» (4).
و ظاهره إيجاب تمام الجبهة كما يحكى عن الإسكافي (5)،مع أن جماعة اعترفوا بعدم قائل به (6).و لعلّه لذا استدل به على القول بالدرهم،و لا دلالة فيه
ص:214
على اعتباره.و الحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمّى و الأمر بوضع المسمى.
مع أن ظاهره اعتبار جميع الجبهة،و لم يوجبه أحد،فليحمل على الاستحباب جمعا،و لصريح الموثقة:«الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك،و السجود عليه كله أفضل» (1).
و الثاني وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه مما مرّ في المقدمة السادسة مع دليله (2).
و الثالث أن ينحني بحيث لا يكون موضع السجود عاليا من الموقف بما يزيد عن قدر لبنة بكسر اللام فسكون الباء،أو فتحها فكسرها،بإجماعنا الظاهر،المحكي في كثير من العبائر (3)،و للمرسل المروي في الكافي:«إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (4):
و نحوه الخبر (5)،بل الحسن،لكن فيه:«بدنك»بدل رجليك بالباء ثمَّ النون،و ربما يوجد في بعض النسخ بياءين مثنّاتين من تحت،فلا يفيد العلوّ على الموقف، فالاستدلال به لذلك مشكل و إن اتفق لجمع (6).
و ربما يشكل من وجه آخر يجري أيضا في المرسل لو لا الجبر بالإجماع، و هو أن غايتهما ثبوت البأس مع العلوّ زيادة عن اللبنة،و هو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة،لكن الإجماع جابر معيّن للأوّل.
ص:215
مضافا إلى أن الانحناء بهذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا،فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن،و هو ما لا يزيد عن اللبنة جدّا.
بل الأحوط التساوي بين المسجد و الموقف بحيث لا يزيد بقدرها أيضا.
بل ربما قيل بوجوبه (1)،للصحيح:عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه،قال:«لا،و ليكن مستويا» (2)و هو محمول على الندب جمعا،و لظاهر الصحيح:«إني أحبّ أنّ أضع وجهي في موضع قدمي» (3).
و يلحق الانخفاض بالارتفاع عند جماعة (4)،للموثق:في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض،فقال:«إن كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض،و إن كان أكثر من ذلك فلا» (5).
و قيل بجواز الانخفاض مطلقا،و حكي عن الفاضل في النهاية (6)،قيل:
و نقل في التذكرة الإجماع عليه (7).
و يدل عليه بعده صدق السجود معه،فيحصل الامتثال،فيمكن حمل الموثق على الاستحباب.
و منهم من ألحق بالجبهة بقية المساجد (8).و لا ريب أنه أحوط،و إن كان مستنده بعد لم يظهر.
ص:216
و لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه تخيّر بين رفعها و جرّها إلى موضع الجواز،لعدم تحقق السجود على ذلك القدر.
و أما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بقدر المجزي لم يجز رفعها،حذرا من تعدّد السجود،بل يجرّها إلى موضع الجواز،و في الصحيح:«عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته على الأرض،فقال:«يحرّك جبهته فينحّي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» (1).
و الخبر المخالف له (2)ضعيف الإسناد فلا يعبأ به،مع معارضته بأجود منه بحسب السند،و الاعتضاد بالأصل.
و أما النصوص في المنع عن المرتفع و جوازه فهي مطلقة (3)،إلاّ أن حملها على التفصيل المتقدم طريق الجمع بينها،و الجامع الدليل المتقدم المعتضد بفتوى الأكثر،بل قيل (4):لا خلاف فيه يعرف إلاّ من صاحبي المدارك و الذخيرة،حيث عملا بإطلاق الخبر المانع،لصحته و ضعف مقابله (5).
و لكن الأحوط ما ذكراه،لا لما ذكراه من صحة الخبر المانع (6)،فإنّ فيها كلاما مشهورا،من حيث تضمّن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن
ص:217
شاذان،و الأوّل مجهول على المشهور،و إن عدوّا السند الذي هو فيه صحيحا أو قريبا منه،بل لتوقف ما مرّ من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها،و كونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة،و هو مشكل.
و إثباته بما دلّ على المنع عن الوضع على الزائد عنها غير ممكن،لأن غايته المنع،و يمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه،نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا،و أما معه فمشكل.و لا ريب أن الأحوط حينئذ عدم الرفع،و كذا الموضع الذي يشك في الصدق و عدمه،مع احتمال جواز الرفع هنا،كصورة عدم الصدق قطعا،و لكن الأحوط عدم الرفع مطلقا،خروجا عن شبهة الخلاف نصّا و فتوى.
و لو تعذّر الانحناء الواجب أتى بالممكن منه و رفع ما يسجد عليه ليسجد عليه بلا خلاف فيه على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (1)، و ظاهر المعتبر و المنتهى دعوى الإجماع عليه (2).
و هو الحجة،مضافا إلى عموم النصوص بعدم سقوط الميسور بالمعسور (3)،و خصوص النصوص،منها-مضافا إلى فحوى الموثق الآتي و غيره -الخبر:رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء،و لا يمكنه الركوع و السجود،فقال عليه السلام:«ليوم برأسه إيماء،و إن كان له من يرفع له الخمرة فليسجد،فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة» (4).
ص:218
و في الحسن أو الصحيح:«لا يصلّي على الدابة فريضة إلاّ مريض يستقبل بوجهه القبلة و يجزيه فاتحة الكتاب،و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء،و يومئ في النافلة إيماء» (1).
و أما الصحيحان المخالفان لذلك،كما يأتي،فشاذّان مطرحان،أو مؤوّلان بما يأتي.
و إن تعذّر رفع ما يسجد عليه اقتصر على الانحناء،و إن تعذّر رأسا أومأ برأسه إن أمكن،و إلاّ فبعينيه مع الإمكان،و إلاّ فبواحدة.
و هل يجب مع ذلك رفع ما يسجد عليه إلى الجبهة مع الإمكان؟قولان، أجودهما الأوّل،للعموم المتقدم،مضافا إلى خصوص النصوص،منها الموثق:عن المريض لا يستطيع الجلوس،قال:«فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد» (2).و نحوه المرسل في الفقيه (3).
و المروي في قرب الإسناد:عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء،كيف يصلّي و هو مضطجع؟قال:«يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه» (4).
و قيل:لا،للأصل،و خلوّ كثير من الأخبار و الفتاوى عنه (5).
و يندفعان بما مر.
و لظاهر الصحيح:عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود،قال:
ص:219
يومئ برأسه إيماء،و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (1)و بمعناه آخر (2).
و موردهما وضع الجبهة على الأرض لا العكس،كما هو محل البحث.
و ما يقال في توجيهه:بأن حملهما على ظاهرهما مصادم لوقوع الشهرة على خلافهما فيجب صرفهما و حملهما على وضع الأرض و ما يجري مجراها على الجبهة.
فبعيد،و مع ذلك فغير نافع،مع إمكان التوجيه بغير ذلك مما لا يخالفان معه الإجماع أيضا،و قد ذكرناه في الشرح.
و أما الخبر:عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟فقال:
«لا،إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها» (3)فمع قصور سنده لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الرفع،فإنه إنما يفيد كراهية إمساك المرأة إذا وجد غيرها،كما عن المقنع (4)،و كذا في المقنعة (5)،لكن من دون تقييد بالمرأة،بل أطلق كراهة وضع الجبهة على سجّادة يمسكها غيره أو مروحة،و هو غير كراهة أصل الرفع، مع أنها مخالفة للإجماع،إذ لا خلاف في رجحانه،مع ظهور الخبر في لزومه، كما لا يخفى على من تدبّر في سياقه و مفهومه.
و لو كان بجبهته دمل و نحوه مما يمنع الجبهة بأجمعها عن السجود احتفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب و نحوهما وجوبا و لو من باب المقدمة ليقع السليم منها على الأرض.
ص:220
و للنص:خرج بي دمل و كنت أسجد على جانب،فرآني أبو عبد اللّه عليه «السلام فقال:«ما هذا؟»قلت:لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل،فإنما أسجد منحرفا،فقال لي:«لا تفعل ذلك احفر حفيرة،و اجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض» (1).
و نحوه الرضوي:«فإن كان في جبهتك دمل لا تقدر على السجود فاحفر حفيرة،فإذا سجدت جعلت الدمل فيها» (2).و قريب منهما المروي في تفسير علي بن إبراهيم (3).
و قصور السند أو ضعفه مجبور بما مر من القاعدة،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة.
و لم يذكر جماعة منهم خلافا في المسألة،مشعرين بعدم خلاف فيها، كما صرّح به في المدارك،فقال:هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء (4).
و فيه نظر،فقد خالف فيها الشيخ في المبسوط و النهاية فلم يوجب الحفيرة،بل قال بجوازها بعد الأمر بالسجود على أحد جانبيه (5).و ظاهره التخيير بينهما،كما عن جامع المقاصد (6)أيضا،و عن ابن حمزة عكس المختار،فأوجب السجود على أحد الجبينين،و مع عدم التمكن فالحفيرة (7).
لكن مستندهما-سيّما الأخير-غير واضح،سيّما في مقابلة ما قدّمناه من النصوص المعتضدة بالقاعدة و فتوى المشهور،فلا إشكال فيه.و مع ذلك فهو
ص:221
أحوط،لجوازه عند الشيخ أيضا،و أما ابن حمزة فهو نادر بلا شبهة.
و لو تعذر ذلك إمّا لعدم إمكان النقل،أو لاستيعابه الجبهة،أو نحو ذلك سجد على أحد الجبينين بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في بعض العبائر (1)،و في المدارك أنه قول علمائنا و أكثر العامة (2)،و ظاهره الإجماع عليه.
للمعتبرين،أحدهما الرضوي،ففيه بعد ما مر:«و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن،فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر،فإن تعذر فاسجد على ظهر كفّيك،فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك،يقول اللّه تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً [1] (3)» (4).
و قريب منه المروي في التفسير المتقدم (5)،و فيه:قلت للصادق عليه السلام:رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها،قال:«يسجد ما بين طرف شعره،فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن،و إن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر،و إن لم يقدر فعلى ذقنه»الحديث.
و ظاهرهما اعتبار الترتيب بين الجبينين،كما عن الصدوقين (6)،و هو أحوط.
خلافا لظاهر الأكثر،و صريح جمع (7)،فالتخيير بينهما،للأصل،و قصور
ص:222
النص سندا عن تخصيصه.و يمكن دفعه لو لا الشهرة،و عدم دلالة الروايتين على وجوب الترتيب صريحا،و لكن مراعاته مهما أمكن أولى.
و إلاّ يقدر من السجود على أحد الجبينين ف ليسجد على ذقنه بلا خلاف إلاّ من الصدوقين،فعلى ظهر كفه،و إلاّ فعلى ذقنه،لما مر من الرضوي.
و هو-مع شذوذه و ندرته،بل و انعقاد الإجماع على خلافه،كما صرّح به في المدارك (1)-غريب لا معنى له،معارض بما مرّ من الخبر المروي في التفسير المتقدم،و في آخر:فيمن لا يقدر على السجود على الجبهة:«يضع ذقنه على الأرض،إنّ اللّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً [1] » (2).
و ضعف السند منجبر بالعمل،و إطلاق الأمر بالسجود على الذقن بعد العجز عن الجبهة مقيّد بما مرّ من النص و الإجماع.
و لو عجز عن جميع ذلك أومأ واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه،كما مرّ (3).
و الرابع الذكر فيه مطلقا أو التسبيح منه خاصة،على الخلاف المتقدم في الركوع (4)،فإن السجود كالركوع في أمثال هذه المباحث،لاتحاد الدليل مطلقا.
و الخامس الطمأنينة بقدر الذكر الواجب.
و السادس رفع الرأس.
و السابع أن يكون مطمئنا عقيب السجدة الأولى بإجماعنا
ص:223
في الجميع على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (1)، و للنصوص (2)،و التأسي.
و قول الخلاف بركنية الطمأنينة كما في الركوع (3)شاذّ،و إن ادّعى الإجماع عليه.و يكفي في الطمأنينة بعد الرفع مسمّاها اتفاقا.
و سننه:التكبير للأولى حال كونه قائما،و الهويّ بعد إكماله كما في الصحاح و غيرها.
و القول بوجوب أصل التكبير شاذّ،كالقول باستحباب البدأة به قائما و الانتهاء به مع مستقرّه ساجدا،و قد مرّ الكلام في الأول (4).
و أما الثاني فعن المعتبر دعوى كون المختار فيه اختيار الأصحاب (5)، و في المنتهى و عن التذكرة أن عليه فتوى علمائنا (6)،و ظاهرهما دعوى الإجماع عليه.
و هو الحجة،مضافا إلى ظواهر الصحاح السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا الخبر:«كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا هوى ساجدا انكبّ و هو يكبّر» (7)و فيه ضعف من وجوه شتى.
و أن يكون سابقا بيديه إلى الأرض قبل ركبتيه إجماعا،كما في
ص:224
الخلاف و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام (1)،و للنصوص (2)و فيها الصحيح و غيره.
و زاد الصدوق في الأمالي فقال:إنه واجب (3)،مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه.و هو شاذّ ضعيف كدعواه،مدفوعان بالأصل،و الصحيح:«بأيّ ذلك بدأ فهو مقبول» (4)و الموثق:«لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه إلى الأرض قبل يديه» (5).
و في الذكرى:يستحب أن تكونا معا،و روي السبق باليمنى،و هو اختيار الجعفي (6).
و أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه بل قيل بوجوبه،كما مرّ (7).
و أن يرغم بأنفه على المشهور،بل المجمع عليه،كما في المدارك و غيره (8).و عن الصدوق القول بوجوبه (9)،كما في الموثق و غيره:«لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه» (10).
ص:225
و يحتملان-ككلامه-تأكّد الاستحباب لا الوجوب،لانتفائه بالأصل، و ظاهر النصوص:إن«السجود على سبعة أعظم» (1)و صريح الخبر:«إنما السجود على الجبهة،و ليس على الأنف سجود» (2).
و الإرغام:إلصاق الأنف بالرغام و هو التراب،لكن ظاهر الأصحاب حصوله هنا بما يصيب الأنف،و استحبابه هو المستفاد من الموثق و غيره.
و ظاهر إطلاقهما إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.
خلافا للمرتضى،فعيّن الجزء الأعلى منه (3)،و لم نقف على مأخذه،مع احتمال إرادته بذلك الإجزاء لا التعيين.
و أن يدعو قبل التسبيح بالمأثور أو غيره،للنصوص،منها:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أدعو و أنا ساجد؟فقال:«نعم،فادع للدنيا و الآخرة،فإنه ربّ الدنيا و الآخرة» (4).
و الزيادة على التسبيحة الواحدة الكبرى إلى السبع أو ما يتّسع له الصدر،كما مرّ في الركوع (5).
و التكبيرات الثلاث التي منها التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا،ثمَّ التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا،ثمَّ التكبير لها بعد رفعه،كما في الصحيح الفعلي المشهور (6).
ص:226
و الدعاء بين السجدتين بقوله:أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه،كما فيه أيضا،و في المنتهى دعوى الإجماع عليه (1)،و في آخر:«قل بين السجدتين:
اللّهم اغفر لي و ارحمني و أجرني» (2)الدعاء.إلى آخره،و في الرضوي:
«اللّهم اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني فإني لما أنزلت إليّ من خير فقير» (3).
و القعود بينهما متوركا بأن يجلس على وركه الأيسر،و يخرج رجليه جميعا من تحته،و يجعل رجله اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى،و يفضي بمقعدته إلى الأرض،كما في الصحيحين (4)،و ظاهرهما تفسيره بما قلناه،وفاقا للشيخ و من تبعه من متأخري أصحابنا (5).
خلافا للإسكافي و المرتضى (6)،فقالا بقولين مع تخالفهما لم نجد لشيء منهما مستندا،هذا و قول المرتضى قريب مما قلناه،إلاّ أنه زاد:و ينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض و يستقبل القبلة بركبتيه معا.
و الطمأنينة عقيب رفع الرأس من السجدة الثانية و تسمّى بجلسة الاستراحة.و فضلها مجمع عليه بين الأصحاب،و في بعض الأخبار أنها من توقير الصلاة و تركها من الجفاء،و في بعضها الأمر به،كالموثق:«إذا رفعت
ص:227
رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمَّ قم» (1).
و ظاهره الوجوب،كما عليه المرتضى (2)،مدعيا الإجماع عليه،مستدلاّ به و بالاحتياط،و يعضده التأسّي،لفعلهم عليهم السلام لها،كما في جملة من النصوص،ففي الصحيح:رأيته-يعني الصادق عليه السلام-إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئنّ (3).
و نحوه الخبر:كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثمَّ يقوم،فقيل له:يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل، فقال عليه السلام:«إنما يفعل ذلك أهل الجفاء» (4).
خلافا للأكثر،بل عامّة من تأخّر،فلا يجب،و ادّعى الفاضل في نهج الحق الإجماع عليه (5)،و هو الحجة،بعد الأصل المعتضد بالشهرة،و بعض المعتبرة المصرّحة بأنّ أبا جعفر عليه السلام و أبا عبد اللّه عليه السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا (6)،مع إشعار سياق كثير من نصوص الفضيلة بها مجرّدة عن الوجوب،كما لا يخفى على من تدبّرها،و لكن
ص:228
مع ذلك فالوجوب أحوط و أولى.
و الدعاء عند القيام من السجود إلى الركعة الأخرى بقوله:اللّهم ربي بحولك و قوّتك أقوم و أقعد،و إن شاء قال:و أركع و أسجد،كما في الصحيحين (1)،و في آخرين:«بحول اللّه أقوم و أقعد»كما في أحدهما (2)و الحسن (3)،و في الثاني:«بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» (4).و في الصحيح:«إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهّدت ثمَّ قمت فقل:بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد» (5).
ثمَّ يقوم معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه للنصوص (6)،و فيها الصحيح و غيره،و في المنتهى و عن التذكرة إجماعنا عليه (7)،كما هو ظاهر المدارك و غيره (8).
و يكره الإقعاء بين السجدتين على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه (9)،للنهي عنه في المعتبر،ففي الصحيح:
ص:229
«لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب» (1).و قريب منه الموثق (2).
خلافا للمرتضى و غيره (3)،فلا يكره،لنفي البأس عنه في الصحيحين (4)، و حمل على نفي التحريم جمعا،و مسامحة في أدلّة الكراهة و السنن.
و هو عند الفقهاء:أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبه،و به صرّح جمع (5)،مشعرين بدعوى الإجماع عليه،لكن في بعض النصوص المانعة التقييد بإقعاء الكلب ،كما عرفته.
نعم في الصحيح و غيره:«لا تلثم،و لا تحتفز -إلى أن قال-:و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك» (6).
و في آخر:«إيّاك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك،و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد» (7).
و هذه النصوص ظاهرة في كراهة الإقعاء بالمعنى الذي ذكروه،و إطلاقها يشمل حال الجلوس مطلقا من غير اختصاص بما بين السجدتين،كما في
ص:230
العبارة و كثير من عبائر الجماعة (1)،و بالإطلاق أيضا صرّح جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف (2)،مع دعواه الإجماع.
ص:231
السابع:التشهد و هو واجب بإجماعنا،بل الضرورة من مذهبنا و أخبارنا في كل صلاة ثنائية مرة بعدها و في الصلاة الثلاثية و الرباعية مرّتين مرّة آخرهما و اخرى بعد ثانيتهما.
و أما الخبر:«إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّه تعالى أجزأه» (1)فمحمول إما على التقية،كما ذكره شيخ الطائفة (2)،أو على أن المراد بيان ما يستحب فيه،أي أدنى ما يستحب فيه ذلك،ففي الحسن:«التشهّد في الركعتين الأوليين الحمد للّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،اللّهم صلّ على محمد و آل محمد،و تقبل شفاعته و ارفع درجته» (3).
و في الخبر:عن التشهد،فقال:«لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا،إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون،إذا حمدت اللّه تعالى أجزأ عنك» (4).فتدبّر .
و كل تشهّد يشتمل على واجبات خمسة:الجلوس بقدره الواجب،للتأسّي و الأمر به في خصوص الصلاة،مضافا إلى الإجماع،ففي
ص:232
المنتهى:أنه قول كل من أوجب التشهد (1)،و في جملة من النصوص إيماء إليه أيضا،مع الأمر به في بعضها (2).
و الطمأنينة (3).
و الشهادتان مطلقا،على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر، و في الخلاف و غيره،و عن الغنية و التذكرة و الذكرى الإجماع عليه (4).
للمعتبرة المستفيضة،منها:عن أدنى ما يجزي من التشهد،قال:
«الشهادتان» (5).و نحوه الرضوي (6).
خلافا للمحكي عن المقنع،فأدنى ما يجزي في التشهد الشهادتان،أو قول:بسم اللّه و باللّه (7).
و عن صاحب الفاخر (8)،فيجزي شهادة واحدة في التشهد
ص:233
الأول (1).
و هما-مع شذوذهما و ضعفهما بما قدمناه-لم أعرف مستندهما،نعم في الصحيح:ما يجزي من التشهد في الركعتين الأوليين؟قال:«أن تقول:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له»قال:قلت:فما يجزي من التشهد في الركعتين الأخيرتين؟قال:«الشهادتان» (2).
و في الخبر:«إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنه قال:بسم اللّه فقط فقد جازت صلاته و إن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة» (3).
و في آخر مروي عن قرب الإسناد:عن رجل ترك التشهّد حتى سلّم، قال:«إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد و عليه سجدتا السهو،و إن ذكر أنه قال:
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أو بسم اللّه،أجزأه في صلاته،و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير حتى يسلّم أعاد الصلاة» (4).
و هذه النصوص-مع قصور الأخيرين منها سندا،و عدم انطباقهما كما هو على شيء من القولين كما ترى-لا تقاوم شيئا مما قدّمناه،سيّما مع تضمّن الأخيرين ما يخالف الإجماع قطعا،من فساد الصلاة و لزوم إعادتها بترك التشهّد
ص:234
شكّا أو نسيانا.
و الصلاة على النبي و آله عليهم السلام مطلقا،على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف و عن الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى (1)الإجماع عليه.
و هو الحجة،مضافا إلى قوله سبحانه صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً [1] (2) لإفادته الوجوب،و ليس في غير الصلاة إجماعا،كما في الناصرية و الخلاف و عن المعتبر و المنتهى (3)،فليكن واجبا فيها خاصة،و تقييده بهذا أولى من حمله على الاستحباب مطلقا.
و النصوص المستفيضة،منها-زيادة على ما يأتي إليه الإشارة- الصحيح:«إن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة،و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله» (4).
و منها:«من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» (5)الخبر.
و منها:«إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة» (6).
ص:235
و منها:«من صلّى و لم يصلّ فيها عليّ و على آلي لم تقبل منه تلك الصلاة» (1)إلى غير ذلك من النصوص.
قيل (2):خلافا للصدوق،فلم يذكر في شيء من كتبه شيئا من الصلاتين في شيء من التشهدين،كأبيه في الأوّل،للأصل،و ظاهر الخبرين الماضيين بإجزاء الشهادتين (3)،كالصحاح،و منها:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» (4).
و في الجميع نظر،لضعف الأصل بما مرّ،و قصور النصوص عن مقاومته،بل و عن الدلالة على خلافه بعد قوة احتمال ما قيل:من أن الغرض منها بيان ما يجب من التشهّد (5)،و إنما يصدق حقيقة على التشهّد،مع احتمال الحمل على التقية،و على كون ترك الصلاة على محمد و آله للعلم بوجوبها من الكتاب،أو لعدم اختصاص وجوبها بالتشهّد بل بوقت ذكره عليه السلام على القول به،و هذه الاحتمالات محتملة في كلام الصدوقين أيضا،فلا خلاف كما يشعر به الإجماعات المحكية،و ما يحكى عن الصدوق في أماليه أنه قال:من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله (6).
ثمَّ إن مقتضى الأصل و إطلاق الأدلّة الموجبة للصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله ما عدا الإجماعات المنقولة إنما هو وجوبها في الصلاة مطلقا و لو
ص:236
مرّة،كما عن الإسكافي (1)،إلاّ أن الإجماعات عيّنتها في التشهدين،و بها يقيّد الإطلاق،مضافا إلى انصرافه إلى المعهود من النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام و المسلمين في الأعصار و الأمصار.
و في الصحيح الوارد في بدء الأذان و الصلاة:أنه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما جلس للتشهّد أوحى اللّه تعالى إليه:«يا محمد،صلّ على نفسك و على أهل بيتك،فقال:صلّى اللّه عليّ و على أهل بيتي» (2)و يوافقه الحسن المتقدم في أوّل البحث (3).
و أقله أي التشهد المجزي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،ثمَّ يأتي بالصلاة على النبي و آله فيقول:
اللّهم صلّ على محمّد و آل محمد.
و لا خلاف في إجزاء هذا المقدار،بل عليه الإجماع في الروضة و المدارك (4)،و إنما اختلفوا في وجوب ما زاد عن الشهادتين من قوله:وحده لا شريك له،و عبده.فقيل:نعم،كما هو ظاهر المتن و جماعة (5)،لوروده في جملة من المعتبرة،منها-زيادة على ما مرّ من الصحيح و غيره (6)-المروي في الخصال:«إذا قال العبد في التشهد الأخير و هو جالس:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،و أن الساعة آتية لا ريب
ص:237
فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،ثمَّ أحدث حدثا فقد مضت صلاته» (1).
خلافا للأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام جمع (2)،فلا يجب،بل يجزي الشهادتان مطلقا،لإطلاق جملة من النصوص،و منها:الرضوي المتقدم و سابقة (3).
و يضعف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.
و هو حسن لو لا اشتمال جملة من المقيّدات على ما لم يجب إجماعا، و اخرى على ترك ما يجب كذلك،و هو الصلاة على النبي و آله،كما مضى،مع قصور سند بعضها.
و أما معه فيشكل،سيّما بعد اشتهار الإطلاق بين الأصحاب،حتى أن الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى عزاه إليهم بصيغة الجمع المفيد للاستغراق، فقال:و ظاهر الأصحاب و خلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا،فعلى هذا لا يضرّ ترك:وحده لا شريك له،و لا لفظة:عبده،و في رواية أبي بصير:«و أنّ محمدا»بغير لفظة:أشهد (4).
و هو كما ترى مشعر بالإجماع عليه،و لكنه في اللمعة و الدروس (5)عبّر بما في المتن،و لا ريب أنه أحوط،و إن كان القول بتعيّنه لعلّه لا يخلو عن نظر،لما مر،مضافا إلى أن جملة ممّا دلّ على إجزاء الشهادتين الصادقتين على ما عليه الأكثر أوضح دلالة على عدم وجوب الزائد عليهما من دلالة المقيّدات على وجوبه و أظهر،من حيث التصريح فيها بأنهما أدنى ما يجزي،بخلافها،فإنّ
ص:238
غايتها الدلالة على الأمر به و رجحانه،و هو ظاهر في الوجوب،و أدنى ما يجزي صريح في العدم،سيّما مع ضمّ بعض النصوص المعبّر عن الشهادتين بلفظهما من دون ذكر للزيادتين أصلا (1)،فلا يمكن صرف الشهادتين إلى ما يشملهما و الزيادتين،و قصور السند أو ضعفه منجبر بالأصل،و الشهرة بين الأصحاب.
و سننه:أن يجلس متوركا كما في الصحيح:«فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئا،و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى،و أليتاك على الأرض و طرف إبهامك اليمنى على الأرض،و إيّاك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك، و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدعاء» (2).
و يستفاد منه تفسيره بما قدمناه و هو أن يخرج رجليه من تحته ثمَّ يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض،و ظاهر اليمنى إلى باطن اليسرى و زيادة ما ذكره المرتضى (3).
و أن يخطر بباله حال التورك فيه حين يرفع اليمنى و يخفض اليسرى:
اللهم أمت الباطل و أقم الحق،كما في النص (4).
و الدعاء بعد الواجب من التشهد و قبله بما مرّ في بعض النصوص و غيره (5)،و أفضله ما تضمنه الموثق الطويل من الأذكار (6).
ص:239
و أن يسمع الإمام من خلفه الشهادتين،كما مرّ في بحث القراءة (1).
ص:240
الثامن:التسليم و هو واجب في أصحّ القولين و أشهرهما،و عن الأمالي أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (1).و في الناصرية الإجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءا من الصلاة (2).و أوجبه للتأسّي،و الاحتياط،و استصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة،و جعله في النصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر تحليل الصلاة بما يفيد الحصر في كثير منها،و هو لا يجامع القول بالاستحباب،لحصول التحليل عليه بمجرّد الفراغ من التشهّد،فلا معنى لحصوله بالتسليم بعد ذلك.
و قصور أسانيد هذه الأخبار أو ضعفها غير موهن للتمسك بها بعد بلوغها من الكثرة إلى قرب التواتر،مع اشتهارها بين العلماء بحيث سلّمها لذلك جماعة من القائلين بالاستحباب أيضا،هذا.
مضافا إلى الأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة،مروية جملة منها في بحث الشكوك في عدد الركعات،كالصحيح:«إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين» (3)الحديث.
و ما يقال عليها-من ضعف دلالة الأمر فيها على الوجوب من حيث و هن دلالته في عرف الأئمة عليهم السلام عليه-فضعيف في الغاية،كما بيّن في
ص:241
الأصول.
و الاعتذار للضعف-بوجود ما هو صريح في الاستحباب فيحمل الأمر عليه جمعا،فإن النص حيثما تعارض مع الظاهر مقدم-حسن لو سلّم النص، و إلاّ كما سيأتي فالوجوب معيّن،سيّما مع اعتضاده بما مر،و نصوص أخر، كالموثق فيمن رعف قبل التشهّد:«فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإن آخر الصلاة التسليم» (1)و الموثق حجة،و الدلالة ظاهرة،فإن المتبادر من قوله:«آخر الصلاة التسليم»كونه الجزء الأخير الواجبي لا الندبي،كما يقتضيه أيضا تعليل الأمر بالرجوع الذي هو للوجوب به،و متروكية ظاهر آخره غير ضارّة، فإن الرواية على هذا كالعام المخصص في الباقي حجة.مع احتماله الحمل على ما لا يوجب المتروكية.
و قريب منه في الدلالة على كونه آخر الصلاة جملة من المعتبرة الآتية (2)، و فيها الصحيح و غيره،أنّ به يحصل الانصراف من الصلاة،و هو ظاهر في عدم حصوله بالتشهّد،كما يدّعيه القائل بالاستحباب.
و روى الصدوق في العلل عن المفضل بن عمر،انه سأله عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة،فقال:«لأنه تحليل الصلاة» (3)و هو نصّ في الوجوب،فتأمّل .
قيل:و لأنّ التسليم واجب بنصّ الآية الكريمة (4)،و لا شيء منه بواجب في غير الصلاة،و أنه لو لم يجب لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام.
ص:242
و يضعف الأول:بأنه يحتمل كون المراد التسليم لأمره و الإطاعة له، و الثاني:باحتمال استناد البطلان إلى نية التمام (1).
و القول الثاني بالاستحباب للشيخين (2)و جماعة من الأصحاب (3)للأصل.و يندفع بما مرّ.
و للصحاح المستفيضة،منها:«إذا استويت جالسا فقل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،ثمَّ تنصرف» (4).
و منها:«إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته،و إن كان مستعجلا في أمر يخاف فوته فسلّم و انصرف أجزأه» (5)و المراد الإجزاء في حصول الفضيلة، كما يقتضيه صدر الرواية.
و منها:عن المأموم يطوّل الامام فتعرض له الحاجة،قال:«يتشهّد و ينصرف و يدع الامام» (6).
و منها:«إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السلام فصلّ ركعتين و اجعله أمامك،فاقرأ فيهما في الأولى منهما:قل هو اللّه أحد،و في الثانية:قل يا أيّها الكافرون،ثمَّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه،و صلّ على
ص:243
النبي،و اسأله أن يتقبّله منك» (1)فإنّ ظاهره عدم الوجوب في ركعتي الطواف، و لا قائل بالفصل.
و يرد على الصحاح الأوّلة:أنها كما تدلّ على عدم وجوب التسليم كذا تدلّ على عدم وجوب الصلاة على النبي و آله،و لا قائل به منا.هذا على تقدير تسليم الدلالة،و إلاّ فإنّ غايتها الدلالة على حصول الانصراف من الصلاة بالفراغ من الشهادتين،و هو لا يستلزم عدم وجوب التسليم مطلقا،بل عدم وجوبه في الصلاة،و هو لا ينافي وجوبه خارجا من الصلاة كما هو رأي بعض الأصحاب (2)،و إن كان الأشهر الأظهر بل المجمع عليه-كما ذكره جماعة (3)- خلافه.
هذا،مع أن الذي يقتضيه جملة من النصوص (4)،و فيها الصحيح و غيره، أن المراد بالانصراف هو التسليم.و يشهد له الأمر به في جملة من هذه الصحاح،إذ أقلّه الطلب،و هو يستدعي عدم حصول المطلوب بعد الفراغ من الشهادتين،و لا يكون ذلك إلاّ على تقدير كون المراد بالانصراف ما ذكرناه، لا المعنى اللغوي،لحصوله بمجرد الفراغ من الشهادتين على القول باستحباب التسليم،فلا معنى لطلبه،فتأمّل .
ص:244
و يشهد له أيضا لفظ الإجزاء في الصحيحة الثانية.و صرفه عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الفضيلة بقرينة صدر الرواية ليس بأولى من صرف الصدر عن ظاهره إلى ظاهر الإجزاء،بحمل الشهادتين فيه على ما يشمل السلام،فإنّ إطلاق التشهّد على ما يشمله شائع و وارد في الأخبار،مع أنه لا بدّ منه بالإضافة إلى الصلاة على النبي و آله،و على هذا فهذه الروايات بالدلالة على الوجوب أولى.
هذا،مع أنّ الصحيحة الثالثة نسخها مختلفة،ففي موضع من التهذيب كما ذكر،و في آخر منه و في الفقيه بدل يتشهّد يسلّم (1)،و يعضد هذه النسخة- مضافا إلى التعدد و أضبطيّة الفقيه-الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما:
عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال:«يسلّم و يمضي لحاجته إن أحبّ» (2)هذا،مع أوفقيتها بالسؤال في صدر الصحيحة فتدبّر تجده.
و على الصحيحة الرابعة أنّ الذي يقتضيه التدبّر فيها أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر واجبات الصلاة،و لذا لم يذكر منها سوى قليل منها،بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها،و لذا ذكر فيه الجحد و التوحيد،مع أنّ عدم ذكر التسليم فيها كما ينفي وجوبه كذا ينفي استحبابه،و الخصم لا يقول به.
و لئن تنزّلنا عن جميع ذلك نقول:إنها معارضة بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة،الآمرة بالتسليم (3)،و هي بالنسبة إليها أوضح دلالة،و إن ضعف دلالتها في نفسها من حيث استعمال الأمر في الندب كثيرا،
ص:245
اللّه،دون و بركاته،كالحلبي (1).
و لعل منشأ الاختلاف اختلاف النصوص في التأدية،مع اختلاف الأنظار في الجمع بينها،فللأولين حمل ما دلّ منها على الناقص مطلقا على أن ترك الزيادة لأجل وضوحها من الخارج عملا،و للمقتصرين على الناقص حمل الزيادة على الاستحباب.
و الكل محتمل،إلاّ أن الأحوط الأول،و إن كان في تعينه نظر،لما يظهر من المنتهى من عدم الخلاف في عدم وجوبه،و أنه لو قال:السلام عليكم و رحمة اللّه جاز و إن لم يقل:و بركاته،بلا خلاف (2).و لا يبعد ترجيح الوسط، لرجحانه بفتوى الأكثر.
و السنة فيه:أن يسلّم المنفرد تسليمة واحدة إلى القبلة كما في الموثق و غيره المتقدمين،و الصحيح:«و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (3)و يومئ بمؤخر (4)عينيه إلى يمينه على المشهور،جمعا بين تلك النصوص و الخبر المروي عن جامع البزنطي:«إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (5).
خلافا للمبسوط،فتجاه القبلة (6)،كما هو ظاهر الأخبار الأوّلة مع قصور الرواية الأخيرة.
ص:251
و للصدوق،فيميل بأنفه إلى يمينه (1)،لرواية العلل الآتية (2).
و ربما قيل بالتخيير (3)،للرضوي:«ثمَّ تسلّم عن يمينك،و إن شئت يمينا و شمالا،و إن شئت تجاه القبلة» (4).
و فيه مناقشة،بل هو ظاهر في الدلالة على أفضلية اليمين،فيكون نحو الرواية الأخيرة،فيكون مؤيّدا لها،مضافا إلى الشهرة.
و الجمع بينهما و بين الروايات الأوّلة كما يمكن بطريق المشهور كذا يمكن بطريق الصدوق،إلاّ أن الأوّل أقرب إلى مضمون الأوّلة،و الثاني أوضح،لوضوح الشاهد عليه من الرواية،و أوفق بما هو المتبادر من إطلاق:
«عن يمينك»بل المتبادر منه ما كان الالتفات فيه بتمام الوجه.لكن عدل عنه اتفاقا،للرواية،و حذرا عن الالتفات المكروه اتفاقا،فتوى و رواية.
و مع ذلك لعلّ الأوّل أولى،للشهرة المرجحة،و أوفقيته للأخبار المعتبرة الدالة على استقبال القبلة.و ما قابلها من أخبار اليمين قاصرة الأسانيد أو ضعيفة،فطرحها متعيّن،إلاّ أن حملها على اليمين في الجملة و لو بمؤخر العين أولى جمعا تبرعيا،إذ يكفي في صدق الإضافة أدنى الملابسة.
و كذلك الإمام يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة،لكن يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه.
أمّا أنه يسلّم واحدة إلى القبلة فللمعتبرة،منها الصحيح:«إذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة» (5)و نحوه الموثق و غيره المتقدمان (6)،و ظاهر
ص:252
كنت مع إمام فتسليمتين» (1).
و إطلاقه بالإضافة إلى اليمين و الشمال مقيّد بالمصرّح بهما،كالصحيح:
«إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك،لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك» (2).
و إطلاقهما بالإضافة إلى التسليم على اليسار و إن شمل ما لو لم يكن فيه أحد،لكن مقيّد بما دلّ على اشتراطه من المعتبرة،كالصحيح:«الإمام يسلّم واحدة،و من وراءه يسلّم اثنتين،فإن لم يكن على شماله أحد سلّم واحدة» (3)و نحوه الموثق و غيره المتقدمان (4)،و غيرهما (5).
مضافا إلى عدم معلومية انصراف إطلاق الصحيحين إلى من عدا محل المقيّد،سيّما مع ما في ثانيهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد، فتدبّر.
و منه يظهر عدم استقامة ما في العبارة من الإطلاق.كما لا استقامة لما فيها من التسليم بالوجه يمينا و شمالا،الظاهر في تمامه لا صفحته خاصة،لأن ذلك و إن كان أظهر من يتبادر من لفظ عن يمينك و عن يسارك كما مرّ،إلاّ أنه مستلزم للالتفات المكروه بلا خلاف،بل المحرّم كما قيل (6)،ففيما ذكره المشهور احتراز عن ذلك،كما في الإمام.
ص:254
مع أنه روى الصدوق في العلل مسندا عن مفضّل بن عمر أنه سأله عليه السلام:لأيّ علّة يسلّم على اليمين و لا يسلّم على اليسار؟قال:«لأن الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين،و الذي يكتب السيّئات على اليسار، و الصلوات حسنات ليس فيها سيّئات،فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار» قال:فلم لا يقال:السلام عليك،و على اليمين واحد،و لكن يقال:السلام عليكم؟قال:«ليكون قد سلّم عليه و على من في اليسار،و فضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه»قال:فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه و لكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده،و بالعين لمن يصلّي بقوم؟قال:«لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين ،فصاحب اليمين على الشدق الأيمن و يسلّم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته»قال:فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟قال:«تكون واحدة ردّا على الإمام،و تكون عليه و على ملكيه،و تكون الثانية على يمينه و الملكين الموكّلين به،و تكون الثالثة على يساره و الملكين الموكّلين به،و من لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره،إلاّ أن يكون يمينه إلى الحائط و يساره إلى من صلّى معه خلف الإمام فيسلّم على يساره» (1).
و أفتى بما فيه في الفقيه و المقنع (2)،إلاّ أنه قال:لا تدع السلام على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن.كما في الصحيح المروي عن قرب الاسناد (3).و قال:إنك تسلّم على يسارك أيضا إلاّ أن لا يكون على يسارك أحد،إلاّ أن تكون بجنب الحائط فسلّم على يسارك،و نحوه عن أبيه (4).قال
ص:255
الشهيد-رحمه اللّه-و لا بأس باتّباعهما،لأنهما جليلان لا يقولان إلاّ عن تثبّت (1).
ص:256
و مندوبات الصلاة أمور خمسة:
الأول:التوجه إليها بسبع تكبيرات منها التكبير الواجب فالمندوب ستة في الحقيقة،بإجماع الإمامية،على الظاهر،المصرّح به في الانتصار و الخلاف (1).و الصحاح به مع ذلك مستفيضة.
و يستحب بينها ثلاثة أدعية مأثورة في الصحيح (2)،و كيفيتها كما فيه:
أن يكبّر ثلاثا ثمَّ يدعو فيقول:اللهمّ أنت الملك الحق لا إله إلاّ أنت، سبحانك،إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي،إنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، و يكبّر اثنتين ثمَّ يدعو فيقول:لبيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشرّ ليس إليك،و المهديّ من هديت،لا ملجأ منك إلاّ إليك،سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت،سبحانك ربّ البيت ثمَّ يكبّر اثنتين تمام السبع و يتوجه بعد ذلك فيقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [1] ، عالم الغيب و الشهادة،حنيفا مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2] ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا [3] من المسلمين.
و دونها في الفضل الخمس،ثمَّ الثلاث،كما في الصحيحين (3)، و غيرهما (4).
و يجزي التكبيرات ولاء كما في الموثق فعلا (5).
ص:257
و يتخيّر في جعل أيّها شاء تكبيرة الإحرام بلا خلاف،لكن في أفضلية جعلها الأولى أو الأخيرة وجهان،بل قولان،تقدم ذكرهما مع دليل أصل التخيير في بحث التكبير (1).
و هل يشمل ذلك الحكم جميع الصلوات،أم يختص بالفرائض منها، أم بها و بأوّل صلاة الليل و المفردة من الوتر و أوّل نافلة الزوال و أول نافلة المغرب و أوّل ركعتي الإحرام،أم بهذه الست و الوتيرة؟أقوال.
أظهرها الأوّل،وفاقا للأكثر،بل قيل:الأشهر (2)،لإطلاق النصوص،بل عموم جملة منها الناشئ من ترك الاستفصال،المؤيد بالشهرة و قاعدة التسامح في أدلّة السنن،و أنه ذكر اللّه تعالى.
مضافا إلى فحوى رواية ابن طاوس:«افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير:في أوّل الزوال،و صلاة الليل،و المفردة من الوتر،و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين» (3).
و في لفظة الإجزاء دلالة على ما ذكرناه.و لا ينافيه الصدر،لحمله على التأكّد،و عليه أيضا يحمل الرضوي:«افتتح بالصلاة و توجّه بعد التكبيرة،فإنه من السنة الموجبة في ستّ صلوات و هي:أول ركعة من صلاة الليل،و المفردة من الوتر،و أول ركعة من نوافل المغرب،و أوّل ركعة من ركعتي الزوال،و أول ركعة من ركعتي الإحرام،و أوّل ركعة من ركعتي الفريضة (4)» (5).
و لعله مستند القول الثالث.لكن ليس بصريح فيه،لاحتماله إرادة
ص:258
التأكّد في هذه المواضع كما يقتضيه سياقه،لا نفي الاستحباب في غيرها.
ثمَّ ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى عدم اختصاص الاستحباب بالمنفرد،و عمومه للجامع،و هو أيضا صريح الصحيح:«و إذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها و تسرّ ستا» (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي،فقال بالاختصاص (2).و هو-مع عدم وضوح مأخذه و مخالفته لما مرّ-شاذّ.و حكى الشهيدان عنه أنه زاد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع زيادة على التكبيرات الافتتاحية و سبحانه اللّه سبعا، و الحمد للّه سبعا،و لا إله إلاّ اللّه سبعا،و نسبه إلى الأئمة عليهم السلام (3).
و يناسبه الصحيح المروي في العلل:«تكبّر سبعا،و تحمد سبعا،و تسبّح سبعا،و تحمد و تثني عليه ثمَّ تقرأ» (4).
لكن في تطبيقه على قوله إشكال،لخلوّه عن التهليل،مع عدم دلالة على كون التكبيرات السبع غير السبع الافتتاحية،كما هو ظاهره.
التقية،أو على أن المراد بها بيان عدم الوجوب،كما هو الأظهر الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل و من تقدّم أيضا عدا الصدوق في الفقيه،فقال:إنه سنّة واجبة من تركه في كل صلاة فلا صلاة له (1)،و في المقنع و الهداية:من ترك قنوته متعمّدا فلا صلاة له (2).و هو شاذّ،و إن وافقه العماني في نقل مشهور (3)،و في آخر:إنه خصّ الوجوب بالصلاة الجهرية (4).
و حجتهما غير واضحة عدا الآية الكريمة وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ [1] (5)و هي محتملة لمعان متعددة،و حملها على المتنازع فيه فرع القول بثبوت الحقيقة الشرعية مطلقا حتى في لفظ القنوت في الآية،مع أن الأخبار الواردة في تفسيرها بخلافه مصرّحة،ففي المروي في تفسير العياشي في تفسير قانِتِينَ [2] أي «مطيعين راغبين» (6).و في آخر مروي فيه أيضا:«مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها» (7).و نحوه روى علي بن إبراهيم في التفسير (8).
نعم في مجمع البيان عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسيرها:أي «داعين في الصلاة حال القيام» (9).
و هو و إن ناسب المعنى الشرعي إلاّ أنه غير صريح فيه،بل و لا ظاهر، فإن الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه،لأعمّيته منه،مع تضمن الحمد الدعاء،
ص:260
فيحتمل كونه المراد من الدعاء في الخبر،أو الأعم منه و من غيره.
ثمَّ لو سلّم الدلالة فمبناها الأمر الظاهر في الوجوب المحتمل هو كالموثق:«ليس له أن يدعه متعمدا» (1)للحمل على الاستحباب،فيتعين، للإجماعات المتقدمة حتى الذي في المنتهى،فإنه قال:اتّفق علماؤنا على استحباب القنوت في كل ثانية من كل فريضة و نافلة (2).و لا ينافيه نسبة الخلاف بعد ذلك إلى الصدوق،لمعلومية نسبه،و عدم القدح في انعقاد الإجماع بخروجه،فتأمّل .
هذا مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت،و إذا كانت التقية فلا تقنت» (3)و نحوه آخر لكن في قنوت الفجر (4).
و في الموثق الوارد في صلاة الجمعة:«أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى-إلى أن قال-:و من شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع،و إن شاء لم يقنت،و ذلك إذا صلّى وحده» (5).
و بالجملة بهذه الأدلة-المعتضدة بعضها ببعض،و الأصل،و الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع،بل لعلها إجماع في الحقيقة-يتوجه صرف الأمر في الآية و نحوه عن ظاهره إلى الاستحباب.و كذا ما(بحكمه) (6)من قوله عليه
ص:261
السلام الوارد في الخبر،بل الصحيح:«من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (1)يحتمل الصرف إليه أيضا،بأن يراد من المنفي الكمال لا الصحة،أو يقيّد نفي الصحة بمن كان تركه القنوت رغبة عنه،و هم العامة.و لعل هذا أقرب، كما يدلّ عليه التقييد بقوله:«رغبة عنه»و فيه حينئذ دلالة على الاستحباب و جواز الترك من غير رغبة،و يشهد له حصر صدره محلّ القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة،لمخالفته الإجماع،إذ لا قائل به حتى الصدوق و العماني.
و يحتمل أن يكون مراد الصدوق من المتعمّد في الكتابين متعمّد الترك للرغبة عنه،لا مطلق متعمّد الترك،و ربما أشعر به تقييد البطلان بالتعمّد، فتدبّر،و حينئذ فمخالفته فيهما غير معلومة و كذا في الفقيه (2)،بل سياق كلامه فيه ظاهر في الاستحباب.
فانحصر المخالف في العماني.و لا ريب في شذوذه و ضعفه،سيّما على النقل الثاني (3)،و إن دلّ عليه المروي بطرق متعددة فيها الصحيح و الموثق:
عن القنوت في الصلوات الخمس،فقال:«اقنت فيهنّ جميعا»قال:و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك،فقال لي:«أما ما جهرت فيه فلا تشك» (4).
لوروده مورد التقية ،كما يظهر من الموثق:عن القنوت،فقال:«فيما يجهر فيه بالقراءة»قال:فقلت:إني سألت أباك عن ذلك فقال لي:في
ص:262
الخمس كلّها،فقال:«رحم اللّه تعالى أبي،إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق،ثمَّ أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقية» (1).
و محله بعد القراءة قبل الركوع إجماعا،كما في الخلاف و المنتهى و نهج الحق (2)و غيرها (3)،و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:«القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (4).
و أما الخبر الدال على التخيير بينه و بين بعد الركوع (5)-فمع ضعف سنده و عدم مكافأته لمعارضة من وجوه عديدة-شاذّ ضعيف،لا يمكن القول به و لا الميل إليه،و إن حكي عن الماتن في المعتبر (6)،و استحسنه بعض من تأخّر عنه (7).
و قوله إلاّ في الجمعة استثناء من الحكم بالقبلية لا الندبية،بدلالة قوله فإنه أي القنوت في صلاة الجمعة مستحب في ركعتيها معا في الأولى قبل الركوع،و في الثانية بعده على الأشهر الأقوى،و في الخلاف الإجماع عليه (8).
ص:263
و إرجاعها إلى الأول ممكن،بل قريب بعد ملاحظة الصحيحة الأولى، الشاهد سياقها بأن المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد و من يصلّي أربعا لا المأموم أيضا،مضافا إلى بعد أن يقنت الإمام و يسكت من خلفه.
و لو نسي القنوت قبل الركوع قضاه بعد الركوع بلا خلاف أجده، و به صرّح في المنتهى و المدارك و الذخيرة (1)،للمعتبرة و فيها الصحيح و الموثق (2).
و أما الصحيح:عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع،أ يقنت؟قال:
«لا» (3)و نحوه المرسل،أو الصحيح الوارد في الوتر (4).
فمحمول على نفي اللزوم،أو التقية،قال في الفقيه بعد نقل الأخير:
إنما منع عليه السلام من ذلك في الوتر و الغداة لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع، و إنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (5).
و ظاهر العبارة كغيرها فعله بنية القضاء و لعلّه لفوات المحل.خلافا للمنتهى فتردّد فيه (6).و لعلّه لذلك و لخلوّ المعتبرة عن التعرّض لها.
و فيه نظر،و لعلّه لذا جعل الأول بعد التردّد أظهر.
و تظهر الثمرة على القول بوجوب التعرض للأداء و القضاء في النية،و إلاّ كما هو الأقوى فلا ثمرة،و لعلّه السرّ في عدم التعرض لهما في شيء من المعتبرة.
ص:266
و ذكر الشيخان في المقنعة و النهاية (1)-و نسبه في روض الجنان إلى الشيخ و الأصحاب كافة (2)-:أنه لو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ،قيل (3):للصحيح:في الرجل إذا سها في القنوت:«قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» (4).
قال شيخنا في روض الجنان:و لا دلالة فيه على كون الذكر بعد ركوع الثالثة،فلو قيل بشموله ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن (5).انتهى.
و هو حسن،سيّما مع التصريح به في الرضوي:«فإن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم» (6).
و لو لم يذكره حتى انصرف من محلّه قضاه في الطريق مستقبل القبلة، وفاقا للمحقق الثاني و الشهيد الثاني (7)،للنص،و فيه:«إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو يدعها» (8).
و لو في التحرير:و لو نسيه حتى ركع في الثالثة ففي قضائه بعد الصلاة قولان (9).
و ظاهره وجود قول بالمنع،و هو للشيخ في المبسوط،على ما حكاه عنه
ص:267
في المنتهى و اختاره (1).و لعلّ مستنده الخبر:عن رجل نسي القنوت في المكتوبة،قال:«لا إعادة عليه» (2).و المعاد فيه مجمل يحتمل كونه الصلاة كما يحتمل القنوت،مع احتمال تعلّق النفي فيه باللزوم دون الشرعية و الثبوت،و مع ذلك فإطلاق الإعادة على إعادة القنوت لعدم الإتيان به بعيد،و لعلّه لذا لم يستدل به في المنتهى بعد أن نقل المنع عن المبسوط و اختاره،بل استدل عليه بنحو الصحيح:عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع،قال:«يقنت بعد الركوع،فإن لم يذكر فلا شيء عليه» (3)ثمَّ استدل على الثبوت بما قدّمناه من نحو الصحيح.
أقول:و في الاستناد للمنع بما مرّ نظر،إذ ظاهره نفي لزوم القضاء و لو على طريق تأكّد الاستحباب،و هو لا ينافي ثبوت أصله في الجملة،فالجمع بينه و بين ما قدّمناه بهذا غير بعيد،سيّما على القول بجواز التسامح في أدلّة السنن، كما هو التحقيق،أو بحمل الصحيح المانع على ما إذا لم يذكر أصلا و لو بعد الصلاة،و هذان الحملان أقرب من طرح الصحيح المثبت،المعتضد بقاعدة التسامح،و فتوى جمع (4)،و فحوى النص (5)و الرضوي (6)المثبتين لقضائه مستقبل القبلة في الطريق.
الثالث: أن يكون نظره حال كونه قائما إلى موضع سجوده بلا
ص:268
خلاف،للصحاح (1).
و قانتا إلى باطن كفّيه على المشهور،قيل (2):جمعا بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر في الصلاة إلى السماء (3)،و ثانيهما عن التغميض فيها (4).
و راكعا إلى ما بين رجليه على المشهور،للصحيح (5)و الرضوي (6)الآمرين به.
خلافا للنهاية،فيستحب التغميض فيه (7)،كما في الصحيح الفعلي (8)،و تبعه الحلّي (9).
و ربما يجمع بينهما بالتخيير،كما هو ظاهر المنتهى (10).و يضعّف بفقد التكافؤ المشترط فيه،لرجحان الأوّل بالتعدد،و الشهرة،و قوة الدلالة،مضافا إلى إطلاق النهي عن التغميض في الرواية السابقة.
و ساجدا إلى طرف أنفه،و متشهدا و جالسا بين السجدتين،بل قيل:
مطلقا (11)إلى حجره للرضوي:«و يكون نظرك في حال سجودك إلى طرف
ص:269
أنفك،و بين السجدتين في حجرك،و كذلك وقت التشهد» (1).
و علّل الجميع مع ذلك بكونه أبلغ في الخضوع و الإقبال المطلوبين في الصلاة.
الرابع:وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في الصحيحين المشهورين الواردين في كيفية الصلاة قولا و فعلا (2)و قانتا تلقاء وجهه كما في الصحيح:«و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك» (3)و لا قائل بالفرق.
مضافا إلى إطلاق الخبر المروي عن معاني الأخبار:«الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء و تستقبل بهما وجهك» (4).
و يستفاد منه ما ذكره الأصحاب-كما في المعتبر و الذكرى و غيرهما (5)- من استحباب كونهما مبسوطتين يحاذي ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض.
و حكي في المعتبر القول بالعكس (6)،لظواهر جملة من الأخبار (7).و هو نادر،كقول المقنعة باستحباب الرفع حيال الصدر (8).فالمشهور أولى،سيّما في مقابلة المفيد رحمه اللّه،لعدم ظهور دليل عليه أصلا،مع ظهور الصحيحة المشهورة بخلافه،كما عرفتها.
ص:270
و الأخبار الظاهرة في القول الآخر مطلقة تقبل التقييد بما عدا الصلاة، للرواية المشهورة.و هو أولى من الجمع بينهما بالتخيير،و إن قاله في المعتبر، لكونه فرع التكافؤ المفقود هنا،لاشتهار الرواية دون الأخبار المقابلة.
و ساجدا بحذاء أذنيه كما في أحد الصحيحين المشهورين،و في الآخر:«و لا تلزق كفيك بركبتيك،و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك،و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك،و لكن تحرّفهما عن ذلك شيئا»و العمل بكل منهما حسن.
و متشهدا على فخذيه مبسوطة الأصابع مضمومة،على المشهور،كما في الذخيرة (1)،و في روض الجنان:تفرّد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم اللّه عز و جل كما تفعله العامة (2).
الخامس:التعقيب و هو تفعيل من العقب،قال الجوهري:التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة (3).
و فضله عظيم،و ثوابه جسيم،و النصوص به مستفيضة بل متواترة،منها في تفسير قوله سبحانه فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [1] (4):«إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء و ارغب إليه في المسألة يعطك» (5).
و منها:«من عقّب في صلاته فهو في صلاة» (6).
و منها:«الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا» (7).
ص:271
و منها:«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (1).
و يتأدّى بمطلق الدعاء المحلّل،و لكن المنقول عنهم عليهم السلام أفضل.
و لا حصر له،و أفضله تسبيح الزهراء عليها السلام للنصوص،منها:
«ما عبد اللّه بشيء من التحميد أفضل منه» (2).
و منها:«هو دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة» (3)و:«من سبّحه قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه تعالى له،و يبدأ بالتكبير» (4).
و إنما نسب إليها عليها السلام لأنها السبب في تشريعه كما في النص (5).
ص:272
خاتمة:
في التروك اعلم أنه يقطع الصلاة و يبطلها أمور:
منها:كل ما يبطل الطهارة و ينقضها من الأحداث مطلقا و لو كان صدوره سهوا عن كونه في الصلاة،أو من غير اختيار،على الأظهر الأشهر، بل عن الناصرية و نهج الحق و التذكرة و أمالي الصدوق:الإجماع عليه (1)،و كذا في روض الجنان و شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (2)-رحمه اللّه-لكن فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائيّة،و نفي عنه الخلاف في التهذيب (3)،و عن نهاية الإحكام الإجماع عليه فيما لو صدر من غير اختيار (4).
و هو الحجة،مضافا إلى شرطية الطهارة في الصلاة،و بطلانها بالفعل الكثير إجماعا،و النصوص المستفيضة القريبة من التواتر،بل المتواترة كما صرّح به بعض الأجلّة (5)،فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها،سيّما مع اعتبار أسانيد جملة منها،و اعتضادها بالشهرة العظيمة الجابرة لما عداها، و هي قريبة من الإجماع بل إجماع حقيقة،كما عرفته من النقلة له.سيّما فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة طهارة مائيّة،إذ المخالف فيها ليس إلاّ المرتضى في المصباح و الشيخ في المبسوط و الخلاف (6)،حيث قالا بالتطهير و البناء،كما
ص:273
يفهم من عبارتهما حيث قالا:و من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك فلأصحابنا فيه روايتان،إحداهما و هي الأحوط أنه تبطل الصلاة.
و في لفظ الاحتياط دلالة على ذلك،لكنه غير صريح فيه،بل و لا ظاهر،كما بيّنته في الشرح،و يعضده تصريح الخلاف بعد ذلك بأن الرواية الأولى التي احتاط بها أوّلا هي المعمول عليها عنده و المفتي بها (1)،فلعلّ السيد كان كذلك أيضا،سيّما مع دعواه كالشيخ الإجماع عليها.
فعلى هذا لا مخالف [أصلا] في الطهارة المائية،و يكون الحكم فيها مجمعا عليه،كما عرفته من شرحي الإرشاد و غيرهما.
و أما ما في الذخيرة:من أنّ دعوى الإجماع هنا و هم (2).فلعلّه وهم، و لو سلّم ظهور خلاف الشيخ و المرتضى،لمعلومية نسبهما و عدم القدح في الإجماع بخروجهما و أمثالهما من معلومي النسب عندنا،بل عند العامة العمياء أيضا،كما قرّر مرارا.
و حيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا حاجة بنا إلى نقل أدلّة قولهما و ما أورد من المناقشات على أدلّتنا،مع ضعفها في حدّ ذاتها أجمع،و قوة احتمال ورود أخبارهما-مع قصور سند بعضها و ضعف دلالتها-مورد التقية جدّا،كما صرّح به بعض الأجلّة (3)،فقد حكي القول بمضمونها في الناصرية و الخلاف عن الشافعي في أحد قوليه،و مالك و ابي حنيفة (4).
و بهذا يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة الدالّة جملة منها على التطهر و البناء في المتيمم خاصّة،كالصحيحين:قلت:رجل دخل في
ص:274
الصلاة و هو متيمّم،فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء،قال:«يخرج و يتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (1).
و الدالة جملة أخرى منها عليهما في المحدث قبل التشهد مطلقا، كالصحيح:في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد،قال:«ينصرف و يتوضّأ،فإن شاء رجع إلى المسجد،و إن شاء ففي بيته،و إن شاء حيث شاء قعد فتشهّد ثمَّ يسلّم،و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (2)و نحوه الموثقان (3).
مضافا إلى ضعف دلالة الأخبار الأوّلة باحتمال أن يكون المراد بالصلاة في قوله:«يبني على ما مضى من صلاته»هي الصلاة التي صلاّها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها،و مرجعه إلى أنّ هذه الصلاة قد بطلت بالحدث،و أنه يخرج و يتوضّأ من هذا الماء الموجود،و لا يعيد ما صلاّها بهذا التيمم و إن كان في الوقت،و يكون قوله عليه السلام في آخر الكلام:«التي صلّى بالتيمم»قرينة على هذا المعنى.
و من هنا ظهر ضعف القول بها كما عن الشيخين و غيرهما (4).
ص:275
و أضعف منه القول بالأخيرة،لندرته و عدم اشتهاره بين الفقهاء،و إن كان ظاهر الصدوق في الفقيه (1)،و بعض متأخّري المتأخّرين (2)،مقوّيا لعموم الحكم فيها لصورتي العمد و النسيان بعد أن ادّعى ظهوره من عبارة الفقيه و الروايات.
و هو غريب،فإنّ الحكم بالبطلان في الصورة الأولى كاد أن يكون ضروري المذهب،بل الدين جدّا،و قد استفاض بل تواتر نقل الإجماع عليه أيضا.
و منها الالتفات عن القبلة دبرا و إلى الخلف،بلا خلاف فيه في الجملة،للصحاح المستفيضة،منها:«لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» (3).
و بمعناه غيره من الأخبار،ففي بعضها:«إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد» (4).
و في آخر:«إذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» (5).
و إطلاقها و إن شمل البطلان مع الالتفات يمينا و شمالا فما دونهما،كما عن فخر المحققين (6)،و ما إليه بعض المتأخّرين (7).إلاّ أنه مقيّد بجملة
ص:276
من المعتبرة الناصّة بأنّ الالتفات يقطع الصلاة إذا كان إلى خلفه،كما يأتي (1)،أو إذا كان بكله،كما في الصحيح (2)،و في آخر:«أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا» (3).
و قريب منه المروي في الخصال،عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة قال:«الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» (4).
و المتبادر من الالتفات الفاحش هو ما كان إلى الخلف،فاشتراطه و ما بمعناه يدل بمفهومه على عدم البطلان بغيره،كما هو المشهور على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (5).
و تقييد المطلقات بهذه النصوص متعيّن،لاعتبار أسانيد جملة منها، و انجبار باقيها بالشهرة المحققة و المحكية.
مضافا إلى التأيّد بنصوص أخر،كالصحيح:عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق،أو أصابه شيء،هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟قال:«إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس،و إن كان في مؤخّره فلا يلتفت،فإنه لا يصلح» (6).
ص:277
و الخبر:عن الالتفات في الصلاة،أ يقطع الصلاة؟قال:«لا،و ما أحبّ أن يفعل» (1).
و المروي في عقاب الأعمال و المحاسن عن مولانا الصادق عليه السلام:
قال:«إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل اللّه تعالى عليه بوجهه،و لا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرّات،فإذا التفت ثلاث مرّات أعرض عنه» (2).و نحوه المروي عن قرب الإسناد (3).
و هي صريحة في عدم البطلان بالالتفات إلى ما عدا الخلف أو مطلقا، خرج منه ما كان إلى الخلف إجماعا،فتوى و نصّا،و بقي الباقي.
و لو لا احتمال أن يكون المراد بالالتفات في الصحيح و ما بعده الالتفات بالعين خاصة و في غيرهما الالتفات بالقلب لا بالجارحة لكانت حجة،لانجبار الأسانيد بالشهرة.
ثمَّ إنّ إطلاق أكثر النصوص كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة عدم الفرق في البطلان بين صور العمد و السهو و النسيان،كما عن صريح الغنية و التهذيبين (4)و ظاهر إطلاق الصدوق في الفقيه و المقنع و الهداية و الأمالي (5)، و يعضده القاعدة:من استلزام فوات الشرط الذي هو استقبال القبلة فوات مشروطه.
ص:278
خلافا للمحكي عن المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإصباح و غيرها (1)، فقيدوه بالأولى،و هو خيرة جماعة من المتأخرين،و منهم الفاضل في المنتهى (2)،قال:لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمتّي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» (3).
و هو كما ترى،فإنّ غايته رفع المؤاخذة لا الصحة.
نعم،ربما يعضده إطلاق جملة من النصوص الواردة في المأموم المسبوق بركعة أنه يعيدها بعد ما فرغ الإمام و خرج هو مع الناس (4).و هي ظاهرة في وقوع الالتفات دبرا.بل في بعضها:رجل صلّى الفجر بركعة ثمَّ ذهب و جاء بعد ما أصبح و ذكر أنه صلّى ركعة،قال:«يضيف إليها ركعة» (5).
لكن في جملة من النصوص تقييد ذلك بعدم الانحراف منها:في رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة،فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمَّ ذكر أنه فاتته ركعة،قال:«يعيد ركعة واحدة،يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة،فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» (6).
و في آخر:«إن كنت في مقامك فأتمّ بركعة،و إن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة» (7).
ص:279
و اعلم أن هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه خاصة،و أما إذا كان بجميع البدن فله شقوق مضى أحكامها في مباحث القبلة.
ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في البطلان بالالتفات إلى الوراء بين الفريضة و النافلة.لكن في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى دون الثانية:
ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد،و كتاب مسائل علي بن جعفر، عنه،عن أخيه عليه السلام:عن الرجل يلتفت في صلاته،هل يقطع ذلك صلاته؟قال:«إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته،فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به،و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته» (1).
و نحوه المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع البزنطي،عن مولانا الرضا عليه السلام بزيادة قوله:«و لكن لا يعود» (2).
و في جملة من الصحاح إيماء إليه أيضا،منها:«إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا» (3).
و قريب منه الصحيحان المعلّلان حظر الالتفات بأن اللّه عزّ و جلّ يقول لنبيه صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [1] (4)الآية.
ص:280
فلا يبعد المصير إليه،و لكن لم أجد مصرّحا به.
و منها الكلام أي التكلم بحرفين فصاعدا عمدا مما ليس بدعاء و لا ذكر و لا قرآن مطلقا و لو كان مهملا،لعمومه له لغة،كما عن شمس العلوم (1)و نجم الأئمة (2)،و الخبرين:«من أنّ في صلاته فقد تكلم» (3).
إجماعا على الظاهر،المصرح به في عبائر جماعة (4)حدّ الاستفاضة، و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة تقدم إلى بعضها الإشارة (5).
و إطلاقه كغيره و إن شمل صورتي السهو و النسيان عن كونه في الصلاة و ظنّ الخروج منها،إلاّ أنهما خرجتا عنه بالصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها:في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم،قال:«يتمّ ما بقي من
ص:281
صلاته تكلّم أو لم يتكلم،و لا شيء عليه» (1)و نحوه آخر (2)و غيره (3).
و منها:في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنه قد أتمّ الصلاة،و قد تكلّم،ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ غير ركعتين،فقال:«يتمّ ما بقي من الصلاة و لا شيء عليه» (4).
و في كلام جماعة الإجماع عليه في الصورة الاولى (5)،و هو حجة أخرى فيها،مؤيّدة-بعد الأصل و النصوص-بعدم الخلاف فيها و لا في الثانية إلاّ من الشيخ في النهاية و بعض من تبعه كالحلبي و غيره (6)،فأبطل الصلاة فيها، و لعلّه للإطلاق المقيد بما عرفته إن سلّم شموله لمثلها.و إن ادّعي تبادر العمد منه-كما قيل (7)-ارتفع الإشكال من أصله،و لا احتياج إلى التقييد به بالكلية.
و في الحرف الواحد المفهم ك:«ق»و إن كان بدون هاء السكت لحنا، و الحرف بعده مدّة،أي مدّ صوت لا يؤدّي إلى حرف آخر،و كلام المكره عليه نظر:
أما الأوّل فمن الخلاف في دخوله في الكلام لغة كما عن شمس
ص:282
العلوم (1)،و اختار دخوله نجم الأئمة كما قيل (2).و عن نهاية الإحكام أنه من اشتماله على مقصود الكلام و الإعراض به عن الصلاة،و من أنه لا يعدّ كلاما إلاّ ما انتظم من حرفين،و الحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء (3).و عن التذكرة أنه من حصول الإفهام فأشبه الكلام،و من دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به (4).و عنهما القطع بخروجه عن الكلام.و في المنتهى أن الوجه الإبطال،لوجود مسمى الكلام فيه،و فيه الإجماع على عدم إبطال غير المفهوم من الحرف الواحد،كما هو الظاهر،لأنه لا يسمّى كلاما (5).و عن التذكرة نفى الخلاف عنه (6).
و أما الثاني:فمن التردّد في أنّ الحركات المشبعة إنما يكون ألفا أو واوا أو ياء،و لعلّه المراد بما عن التذكرة و نهاية الإحكام من أنه ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة و لا يعدّ حرفا،و من أنه إما ألف أو واو أو ياء (7).
و أما الثالث:فمن عموم النصوص و الفتاوى،و هو الأقوى،كما عن التذكرة و نهاية الإحكام (8)،و هو فتوى التحرير (9).و من الأصل،و رفع ما استكرهوا عليه،و حصر وجوب الإعادة في الخمسة:الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود،و تبادر الاختيار من الإطلاق.
ص:283
و في الإيضاح:المراد حصول الإكراه مع اتساع الوقت (1).
قيل:لأنّه مع الضيق مضطر إلى فعله مؤد لما عليه.و فيه:أنه مع السعة أيضا كذلك،خصوصا إذا طرأ الإكراه في الصلاة،و لا دليل على أن الضيق شرط في الاضطرار،و لا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت (2).
و كذا القهقهة تبطلها عمدا لا سهوا،إجماعا على الظاهر،المصرح به فيهما في كلام جماعة (3)حدّ الاستفاضة.و المعتبرة بالأوّل مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح:«القهقهة لا تنقض الوضوء،و تنقض الصلاة» (4)و نحوه الموثق و غيره،بزيادة«إن التبسّم لا يقطع الصلاة» (5)و هو إجماعي أيضا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (6).و بذلك يقيّد النص المطلق،كما يقيّد هو و غيره من النصوص بالإضافة إلى القهقهة سهوا بما مرّ من الإجماع المنقول.
و هل المراد بالقهقهة مطلق الضحك المقابل للتبسّم؟كما هو ظاهر مقابلتها له في النصوص،و يقتضيه ما عن المفصل و المصادر للزوزني و البيهقي:من أنها الضحك بصوت (7).
أو الضحك المشتمل على المدّ و الترجيع؟كما عن العين و ابن
ص:284
المظفّر (1)،و قريب منهما ما عن المجمل و المقاييس من أنها الإغراب في الضحك (2)،و عن شمس العلوم من أنها المبالغة فيه (3)،و عن الديوان و الصحاح من أنها أن يقول:قه قه (4)،و عن الأساس:قهّ الضاحك إذا قال في ضحكه:
قه،فإذا كرّره قيل:قهقه،كذا في القاموس (5).
إشكال،و العرف يساعد الثاني،و المقابلة تقتضي التجوّز بإدخال مالا مدّ فيه من الضحك في القهقهة أو التبسم،و لا يتعين الأول،و كلام بعض أهل اللغة و إن اقتضاه،إلاّ أنه معارض بكلام الأكثر منهم المعتضد بما عرفت من العرف، فلعلّه الأرجح،لكن ظاهر روض الجنان كون الأوّل مراد الأصحاب (6)، فالاحتياط لا يترك.
و إن غلب الضحك فقهقه اضطرارا بطلت الصلاة،كما عن نهاية الإحكام و الذكرى و التذكرة (7)،و ظاهره-كما قيل (8)-الإجماع عليه،لعموم النصوص.قيل:خلافا للشافعية و جمل العلم و العمل على احتمال (9).
و كذا الفعل الكثير الخارج عن الصلاة يبطلها عمدا لا سهوا،بلا خلاف حتى في الثاني إن لم يمح صورة الصلاة به،بل قيل:ظاهر الأصحاب
ص:285
عدم البطلان فيه مطلقا.و ظاهره دعوى الإجماع،كما في التذكرة و الذكرى (1).
و هو الحجة فيه،كالإجماعات المستفيضة النقل في الأوّل (2)،مضافا فيه إلى إطلاق المستفيضة،كالمروي في قرب الإسناد في التكتف في الصلاة:
«أنه عمل في الصلاة،و ليس في الصلاة عمل» (3).
و الموثق الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه و بينها أكثر من خطوة (4).
و الخبر الناهي عن الإيماء في الصلاة (5).
و المروي في قرب الإسناد أيضا:عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته،و ما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟قال:«إن كان ناسيا فلا بأس،و إن كان متعمّدا فلا يصلح» (6).
لكنها مطلقة شاملة لصور العمد و السهو و الكثرة و القلة،إلاّ الأخير، فمفصّل بين الصورتين الأوليين،مع أنّ الصلاة غير فاسدة في الثانية منهما إجماعا،كما مضى،و كذا في الثانية من الأخيرتين على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (7).
و مع ذلك معارضة بالصحاح المستفيضة و غيرها المجوّزة لقتل البرغوث
ص:286
و الحيّة و العقرب و البقة و القمل و الذباب،كما في الصحاح و غيرها (1).
و ضمّ الجارية المارّة إليه،كما في الصحيح (2).
و حمل الصبي و إرضاعه،كما في الموثق و غيره (3).
و تصفيق المرأة عند إرادة الحاجة،كما في الصحيح (4).
و عدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده،كما فيه (5)،و في المنتهى دعوى الإجماع عليه (6).
و تسوية الحصى في السجود بين السجدتين،كما في الموثق (7).
و ضرب الحائط لإيقاظ الغلام،كما في الصحيح (8).
و مسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب،كما في الموثق (9).
و نحو ذلك من الأفعال التي تضمّنتها الأخبار الكثيرة التي كادت تبلغ هي مع سابقتها التواتر.
و مع ذلك معمول بها بين الأصحاب،و إن اختلفوا في الاقتصار على مواردها،كما عن المعتبر و نهاية الإحكام (10)،أو إلحاق ما يضاهيها بها،كما
ص:287
يميل إليه بعض الأصحاب،حيث قال-بعد نقل جملة من هذه الأخبار-:ففي النظر إليها يظهر قلّة وجود الفعل الكثير المبطل،و عدم مدخلية الكثرة،و أن بعض الأبحاث في هذه المسألة لا يخلو عن شيء مثل:هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟و أن المرجع في القلّة و الكثرة إلى العادة،و أنه لا عبرة بالعدد،فقد يكون الكثير قليلا كحركة الأصابع،و القليل كثيرا كالطفرة الفاحشة.انتهى (1)و هو حسن.
مع أن ما ذكروه من الرجوع في تحقيق الكثرة و القلة إلى العادة منظور فيه،أوّلا:بما ذكره بعض الأصحاب:من أن ذلك متجه إن كان مستند الحكم النص،و ليس كذلك،فإني لم أطّلع على نصّ يتضمن أن الفعل الكثير مبطل، و لا ذكر نصّ في هذا الباب في شيء من كتب الاستدلال،فإذا مستند الحكم هو الإجماع،فيجب إناطة الحكم بمورد الاتفاق،فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا.و متى ثبت أنه ليس بكثير فهو ليس بمبطل.و متى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا،لأن اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل بناء على أن الصلاة اسم للأركان مطلقا ،فيكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها.و يحتمل البطلان،لتوقّف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه (2).
و ثانيا:بأن العادة المحكوم بالرجوع إليها في ضبط الكثرة إن كان المراد بها ما يرادف العرف العام ففساده واضح،و إن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته،و هو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصة،لاختلافهم في الكثير المبطل،فبعض يبطل بما لا يبطل به الآخر،و معه لا يحصل الحقيقة التي
ص:288
هي المرجع،و كذا لو أريد بهم العوام،مع أنهم ليسوا المرجع في شيء.
نعم،هذا حسن فيما لو اتّفق الكل على كونه كثيرا،كالأكل و الشرب و الوثبة العظيمة و الخياطة و الحياكة و نحوها مما تشهد بفساد الصلاة به البديهة، و معلوم أن الفعل الكثير المستدل لبطلان الصلاة به بهذا الدليل أعم منه،و مع ذلك فحيث اتفقوا يكون المناط في البطلان هو الإجماع حقيقة،كما مرّ عن بعض الأصحاب،و ما عداه يكون الوجه فيه ما ذكره،و إن كان الوجه الأخير الذي احتمله أحوط.
و البكاء لأمور الدنيا يبطلها عمدا،بلا خلاف يعتدّ به،بل ظاهرهم الإجماع عليه كما عن ظاهر التذكرة (1)،للخبر:«إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة،و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة» (2).
و ضعفه سندا و قصوره عن إفادة تمام المدّعى مجبور بالشهرة،و عدم القائل بالفرق بين الطائفة،المؤيّدة بقرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص البكاء على الميت إنما هو لمجرّد التمثيل،و إلاّ لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره،لا البكاء على خصوص ذكر الجنة و النار.
و في السهو قولان،من إطلاق النص،و احتمال اختصاصه بحكم التبادر بصورة العمد كما في نظائره،مضافا إلى الأصل،و حديث رفع القلم،و حصر وجوب الإعادة في الخمسة،و هذا خيرة الحلبيين و ابن حمزة (3)و ظاهر العبارة.
ص:289
خلافا للمحكي عن المبسوط و المهذب و الإصباح (1)،فالأول،و هو أحوط.
ثمَّ إن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في البكاء بين أنواعه،حتى ما خلا عن صوت و نحيب.
و ربما خصّ بما اشتمل عليهما،اقتصارا على المتفق عليه.
و هو حسن إن انحصر الدليل في الاتفاق،مع أن النص دليل آخر،إلاّ أن يضعّف دلالته باشتماله على لفظ البكاء و لا يدرى أ ممدود فيه فيختص أم مقصور فيعمّ.
و فيه:أن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي،و أما لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنما هو«بكى»بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين،فتأمل .
هذا مع أن الفرق بين الأمرين أمر لغوي لا أظن العرف يعتبره،و هو مقدم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة،كما قرّر في محله.
و في بطلان الصلاة بالتكفير المفسّر عند الأصحاب ب وضع اليمين على الشمال مطلقا،و بالعكس أيضا على ما ذكره جماعة منهم (2)،و يظهر من بعض الروايات،و إن كان ظاهر الصحيح أنه الأول خاصة.أو كراهته قولان.
إلاّ أنّ أظهرهما و أشهرهما الإبطال بل عليه عامّة المتأخّرين، و في الانتصار و الخلاف و عن الأمالي و الغنية (3)الإجماع عليه،و النصوص به مع
ص:290
ذلك مستفيضة،منها الصحيح:قلت:الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى؟قال:«ذلك التكفير فلا تفعل» (1).
و في الصحيح و غيره:«لا تكفّر فإنما يفعل ذلك المجوس» (2).
و في جملة من النصوص المتقدم بعضها المروية عن قرب الإسناد و غيره أن:«وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل،و ليس في الصلاة عمل» (3).
و في المروي عن دعائم الإسلام،عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام أنه قال:«إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى،و لا اليسرى على اليمنى،فإن ذلك تكفير أهل الكتاب،و لكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة» (4).
و هو صريح فيما ذكره الجماعة من انسحاب الحكم في وضع الشمال على اليمين أيضا،و ظاهر الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه (5)،و هو ظاهر كل من استدل على المنع بكونه فعل كثير و نحوه كالمرتضى و غيره (6).
و لا بأس به،و إن تردّد فيه في المنتهى (7)،لضعفه بدعوى الإجماع على خلافه،المعتضدة بصريح الرواية،و ظاهر ما تقدمها،بل صريحها من حيث التعليل المشترك بينه و بين الملحق به.
ص:291
ثمَّ إن الحكم تحريما أو كراهة يختص بحال الاختيار،فلو اضطرّ إليه لتقية و شبهها جاز،بل و ربما وجب قولا واحدا.
و يحرم قطع الصلاة بلا خلاف على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة (1)،معربين عن دعوى الإجماع عليه،كما صرّح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة،كالشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى في الكلام، و الحدث في الأثناء،و تعمّد القهقهة (2).
و هو الحجة،مضافا إلى الآية الكريمة وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [1] (3)و النهي للتحريم،خرج منه ما أخرجه الدليل و يبقى الباقي،و العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل،و العام المخصص حجة في الباقي.
و النصّ بأن«تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم» (4)و لا معنى لكون تحريمها التكبير..إلاّ تحريم ما كان محلّلا قبله به،و تحليله بالتسليم و بعده.
و في الصحيح:عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه،أ يصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟فقال:«إذا احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» (5)و الأمر بالصبر حقيقة في الوجوب،و لو لا حرمة القطع لما وجب.
ص:293
و في آخرين:«لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» (1)،و هو أظهر دلالة على حرمة الإفساد كلية،حيث علّل به تحريم الالتفات.
و في آخر:«إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق،أو غريما لك عليه مال،أو حيّة تتخوفها على نفسك،فاقطع الصلاة و اتّبع غلامك و غريمك و اقتل الحية» (2).
و هو بمفهومه دالّ على الحكم المزبور،و بمنطوقه على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من الجواز في صورة خوف الضرر بترك القطع،المشار إليها بقوله:
إلاّ لخوف ضرر،كفوات غريم أو تردّي طفل أو نحو ذلك.
مضافا إلى الموثق الوارد فيها:عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه،قال:«يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمَّ يستقبل القبلة»قلت:فيكون في صلاة الفريضة فتفلّت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا،فقال:«لا بأس،يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» (3).
و في القوي:رجل يصلّي و يرى الصبي يحبو إلى النار،و الشاة تدخل البيت لتفسد الشيء،قال:«فينصرف و ليتحرّز ما يتخوف منه و يبني على صلاته ما لم يتكلم» (4).و هو ظاهر في الجواز،لكن مع البناء دون القطع.
ص:294
و الاستثناء من المنع يقتضي ثبوت الجواز المطلق المجامع للوجوب و الاستحباب و الكراهة و الإباحة،و لذا قسّمه إليها الشهيدان و غيرهما (1)،فقالوا:
يجب لحفظ النفس و المال المحترمين حيث يتعين عليه.و يستحب لاستدراك الأذان و الإقامة و قراءة الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة،و للائتمام بإمام الأصل.و يباح لإحراز المال اليسير الذي لا يتضرّر بفواته،و قتل الحية التي لا يظن أذاها.و يكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته،قاله في الذكرى و احتمل التحريم.و قال:و إذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم،لعموم:
«و تحليلها التسليم»و لو ضاق الحال عنه سقط،و إن لم يأت به و فعل منافيا آخر فالأقرب عدم الإثم،لأن القطع سائغ،و التسليم إنما يجب التحلّل به في الصلاة التامة.
و هل الحكم بتحريم القطع يختص بالفريضة،أم يعمّها و النافلة؟ظاهر إطلاق العبارة كغيرها من أكثر الفتاوي و الأدلّة الثاني.
خلافا للقواعد و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (2)،فالأوّل،لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة،و خصوصا ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة (3).
و هو غير بعيد،لاعتبار هذه الأدلة،فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيدة،
ص:295
نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ من الإطلاق.
و قيل و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (1)يقطعها الأكل و الشرب.
و لا ريب فيه إذا بلغا الكثرة،بل على البطلان حينئذ الإجماع في كلام جماعة (2).كما لا ريب في العدم مع النسيان مطلقا،للأصل،مع دعوى الإجماع عليه في المنتهى (3).
و يشكل مع القلّة،لعدم دليل على البطلان بهما حينئذ يعتدّ به عدا دعوى الإجماع في الخلاف على البطلان بهما بقول مطلق،و في انصرافه إلى القليل منهما نظر،لاختصاصه بحكم التبادر بالكثير،مع أن في المنتهى الإجماع على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان،و بوضع سكرة في فيه فتذوب و تسوق مع الريق (4).
و في الصحيح:عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي و في فيه الخبز و اللوز (5)؟قال:«إن كان يمنعه من قراءته فلا،و إن كان لا يمنعه فلا بأس» (6)و هو ظاهر أيضا في عدم البطلان.
مضافا إلى الأصل،و فحوى النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال المتقدمة في بحث الفعل الكثير،من نحو إرضاع الطفل و إحضانه و قتل الحية
ص:296
و العقرب و نحو ذلك (1).فالأجود وفاقا لجماعة من المتأخرّين (2)عدم البطلان بالقليل،و اختصاصه بالكثير.
و لا فرق في القطع بهما في الجملة أو مطلقا بين الفريضة و النافلة إلاّ في الوتر لمن عزم الصوم و لحقه عطش (3)و كان الماء أمامه بعيدا عنه بخطوتين أو ثلاثة،فيجوز له الشرب حينئذ،كما في النص (4).
و هذا الاستثناء بهذه القيود مجمع عليه كما في التنقيح (5).و ظاهره عدم الفرق بين القليل و الكثير،مع أن في المنتهى:الأقرب اعتبار القلّة (6).و في المختلف:أن الرخصة إمّا في القليل،أو في الدعاء بعد الوتر (7).
أقول:و عليه لا معنى للاستثناء،لاشتراك مطلق النافلة بل الفريضة أيضا في جواز القليل من الأكل و الشرب،بل مطلق الأفعال فيها،إلاّ على القول بالمنع عنهما فيها مطلقا،و لم أجد به قائلا صريحا،بل و لا ظاهرا،لانصراف الإطلاق في كلام الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول إلى الكثير المتفق على البطلان به كما مضى.
نعم،كل من عطفهما على الفعل الكثير ظاهره كونهما مبطلين عنده مطلقا،فيصحّ الاستثناء على هذا مطلقا و لو قيّد الشرب في المستثنى بالقليل، لكنه خلاف ظاهر النص و الأكثر.
ص:297
و في جواز استثناء مطلق النافلة مع القيود المزبورة أو مطلقا كالوتر بدونها إشكال.و الأصل يقتضي العدم،كما هو ظاهر الأكثر (1).
و يحتمل الجواز،لتخلّف حكم النافلة عن الفريضة في مواضع عديدة، مع ورود النص بأن النافلة ليست كالفريضة (2)،و في الخلاف:و روي إباحة الشرب في النافلة (3).و ظاهره المصير إلى هذا الاحتمال و ورود نصّ به،و إن احتمل أن يريد به المنصوص في هذا النص خاصة من غير تعميم لغيره، و لا ريب أن الأحوط العدم.
و في جواز الصلاة و الشعر معقوص قولان،أشبههما الكراهة وفاقا للمفيد و الحلّي و الديلمي و الحلبي (4)و عامة المتأخرين،للأصل،و ضعف دليل المانع،و هو الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (5)،مدعيا فيه الإجماع، و مستندا إلى الخبر:في رجل صلّى صلاة فريضة و هو معقوص الشعر،قال:
«يعيد صلاته» (6).
و في السند ضعف،و في الإجماع و هن بندرة القائل به،بل عدمه إلاّ مدّعيه،فلا يخصّص به الأصل المعتضد بفتوى الأكثر،بل الكل إلاّ النادر،
ص:298
و إن تبعه الشهيد في الذكرى (1)لشبهة نقل الإجماع و للاحتياط.و في الأول ما مرّ،و في الثاني أنه مرجوح بالنسبة إلى المعارض،مع أن في التمسك به للوجوب إشكالا ليس هنا محل ذكره.
و الحكم تحريما أو كراهة مختصّ بالرجل دون المرأة إجماعا،كما صرّح به جماعة (2)،و لكن بعض العبارات كالمتن مطلقة (3).
و العقص هو جمع الشعر في وسط الرأس و شدّه،كما عن المعتبر و التذكرة و في غيرهما من كتب الجماعة (4).
قيل:و يقرب منه قول الفارابي و المطرزي في كتابيه أنه جمعه على الرأس قال المطرزي:و قيل هو ليّه و إدخال أطرافه في أصوله (5).
قلت:هو قول ابن فارس في المقاييس (6).قال المطرزي:و عن ابن دريد:عقصت شعرها شدّته في قفاها و لم تجمعه جمعا شديدا.و في العين:
العقص أخذك خصلة من شعر فتلويها ثمَّ تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثمَّ ترسلها (7).و نحوه المجمل و الأساس (8)و المحيط،و إن خلا عن الإرسال.
و يقرب منه ما في الفائق:أنه الفتل (9).و ما في الصحاح:أنه ضفره وليّه على
ص:299
الرأس (1).و هو المحكي في تهذيب اللغة (2)و الغريبين عن أبي عبيدة،إلاّ أنه قال:ضرب من الضفر،و هو ليّه على الرأس.و في المنتهى:و قد قيل:إن المراد بذلك ضفر الشعر و جعله كالكبّة في مقدم الرأس على الجبهة،و على هذا يكون ما ذكره الشيخ حقّا،لأنه يمنع من السجود (3).انتهى.و حكى المطرزي قولا إنه وصل الشعر بشعر الغير (4).
و يكره الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا و شمالا ففي الخبر:«انه لا صلاة لملتفت» (5).و حمل على نفي الكمال جمعا كما مضى.
و في آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله:«أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّه تعالى وجهه وجه حمار» (6).و المراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطّلاعه على الأمور العلويّة،و عدم إكرامه بالكمالات العليّة.
و التثاؤب بالهمزة،يقال:تثاءبت،و لا يقال:تثاوبت،قاله الجوهري (7). و التمطّي و هو مدّ اليدين.
ففي الخبر:أنهما من الشيطان (8).و في النهاية الأثيرية:إنما جعلهما من الشيطان كراهية له،لأنه إنما يكون مع ثقل البدن و امتلائه و استرخائه و ميله
ص:300
إلى الكسل و النوم،و أضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها،و أراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه و هو التوسيع في المطعم و الشبع،فيثقل عن الطاعات و يكسل عن الخيرات (1).
و العبث بشيء من أعضائه،فقد رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله رجلا يعبث في الصلاة فقال:«لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (2).
و في بعض النصوص:أنه يقطع الصلاة (3).و حمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة،جمعا.
و نفخ موضع السجود،و التنخّم،و البصاق و خصوصا إلى القبلة و اليمين و بين يديه.
و فرقعة الأصابع و نقضها لتصوت.
و التأوّه بحرف واحد،و أصله قول:أوه،عند التوجّع و الشكاية، و المراد به هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان.
و مدافعة الأخبثين البول و الغائط.
و لا خلاف في شيء من ذلك عدا الالتفات،فقيل بتحريمه (4)،و هو ضعيف.
و النصوص بالجميع مستفيضة،ففي الصحيح:«إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك،فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه،و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك،و لا تحدث نفسك،و لا تتثاءب و لا تتمطّ
ص:301
و لا تكفّر،فإنما يفعل ذلك المجوس،و لا تلتثم،و لا تحتفز (1)،و لا تفرج (2)كما يتفرج البعير،و لا تقع على قدميك،و لا تفترش ذراعيك،و لا تفرقع أصابعك، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة،و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا و لا متناعسا و لا متثاقلا،فإنها من خلال النفاق،فإن اللّه تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى،يعني سكر النوم،و قال للمنافقين وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً [1] » (3).
و في آخر:«لا صلاة لحاقن و لا لحاقب ،و هو بمنزلة من هو في ثيابه» (4).
و المراد نفي الفضيلة،للإجماع على الصحة.
و يستفاد من الأوّل كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع و الإقبال إلى الصلاة مطلقا،كما عليه الأصحاب،و يستفاد من نصوص أخر أيضا،و فيها الصحاح و غيرها (5).
و منها يظهر وجه كراهة لبس الخفّ حال كونه ضيّقا لما فيه من سلب الخشوع و المنع من التمكن من السجود.
و يجوز للمصلّي تسميت العاطس و هو الدعاء له عند العطاس بنحو
ص:302
قوله:يرحمك اللّه،إذا كان مؤمنا،بلا خلاف إلاّ من المعتبر،فقد تردّد فيه (1).
و لا وجه له بعد ثبوت كونه دعاء بنصّ جماعة من أهل اللغة (2)،فيشمله عموم ما دلّ على جوازه في الصلاة،كما يأتي،مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز التسميت،بل استحبابه مطلقا (3)،مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه الأصحاب،و جعله مقتضى المذهب.
نعم،روت العامة عن معاوية بن حكم أنه قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم،فقلت:يرحمك اللّه،فرماني القوم بأبصارهم،فقلت:ما شأنكم تنظرون إليّ؟فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمت أنهم يصمّتوني،فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس،إنما هي التكبيرة و قراءة القرآن» (4).
و فيه-مع ضعف سنده-:عدم وضوح دلالته،باحتمال رجوع الإنكار فيه إلى قوله الثاني،أو إلى إنكارهم،كما بينته في الشرح.
و هل يجب على العاطس الرّد؟قيل:الأظهر لا،لأنه لا يسمّى تحيّة (5).
و فيه نظر،مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال:«إذا عطس أحدكم (6)فسمّتوه قولوا:يرحمكم اللّه،و هو يقول:يغفر اللّه تعالى لكم و يرحمكم،قال اللّه تعالى عزّ و جلّ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [1]
ص:303
(1).
و كما يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد اللّه و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و أن يفعل ذلك إذا عطس غيره، للعمومات،و في المنتهى أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام (2).
و يجوز له ردّ السلام أيضا على المسلّم،بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (3)،و هو الحجة بعد العمومات من الكتاب و السنة المستفيضة (4).
مضافا إلى خصوص المعتبرة،منها الصحيح:دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة،فقلت:السلام عليك،فقال:«السلام عليك» فقلت:كيف أصبحت؟فسكت،فلما انصرف قلت:أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟فقال:«نعم،مثل ما قيل له» (5).
و الموثق:عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة،فقال:«يردّ بقوله:سلام عليكم،و لا يقول:عليكم السلام» (6).
و يستفاد منه وجوب كون الرد ب مثل قوله:سلام عليكم و إطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلّم به أم بغيره من صيغ السلام الأربع المشهورة.
و هو مشكل،بل ضعيف،لتصريح الصحيحة المتقدمة بخلافه،مع
ص:304
اعتضادها بالعمومات،مضافا إلى الأصل.
و يستفاد منها وجوب كون الردّ بالمثل،كما هو المشهور بين الأصحاب، و في ظاهر المدارك و غيره و صريح المرتضى و الخلاف أن عليه إجماع الأصحاب (1)،و هو حجة أخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق و لو في الجملة،و لو لا دلالته على تعين الصيغة المذكورة فيه للردّ لكان كالصحيح حجة.مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها غلبة حصول السلام بها و ندرة السلام بعليكم السلام،بل عدمه،و في بعض الأخبار أنه تحية الأموات (2).
و على هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة،و يشير إلى هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف (3)،كما لا يخفى على من راجعه و تدبّره.
خلافا للحلي و الفاضل في المختلف،فجوّزا الرد بالمخالف،و لو بقوله:
عليكم السلام،خصوصا مع تسليم المسلّم به (4)،لعموم الآية (5)،و استضعافا للرواية بناء على أنها من الآحاد.
و فيه:أنها من الآحاد المعمول بها،فيتعين العمل و تخصيص العموم بها.
ثمَّ ليس في العبارة ككثير إلاّ جواز الردّ دون وجوبه (6).و بالوجوب صرّح الفاضل و جماعة (7)،و منهم الشهيد رحمه اللّه،قال:و الظاهر أن الأصحاب
ص:305
أرادوا بيان شرعيته،و يبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية (1).انتهى.و هو حسن.
و يجب إسماع الردّ تحقيقا أو تقديرا،كما في غير الصلاة،على الأشهر الأقوى،عملا بعموم ما دلّ عليه،و حملا للصحيح و الموثق-الدالّين على الأمر بإخفائه،كما في الأول (2)،أو على الإتيان به فيما بينه و بين نفسه،كما في الثاني (3)-على التقية،كما بيّنته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام و سابقة، من أبحاث شريفة و مسائل مهمة،يضيق عن نشرها هذه التعليقة.
و يجوز له الدعاء في أحوال الصلاة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا و متشهدا بالعربية و إن كان غير مأثور،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في جملة من العبائر (4)،و للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح:عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه؟قال:
«نعم» (5).
و هل يجوز بغير العربية؟قيل:نعم (6).و قيل:لا (7).و لعلّه الأقوى،
ص:306
اقتصارا في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه نصّا و فتوى،و ليس إلاّ العربية.
و منه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء بسؤال المباح دينا و دنيا دون المحرم مع انه متفق عليه ظاهرا،فلو دعا به بطل الصلاة بلا خلاف أجده، و عن التذكرة الإجماع عليه (1)،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعوّ به.و الأصح الأوّل،لعموم الدليل،و الجهل ليس بعذر مطلقا،خصوصا في الصحة و البطلان.
و تنظّر فيه شيخنا في روض الجنان،قال:من عدم وصفه بالنهي و تفريطه بترك التعلم،ثمَّ حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة.قال:و قطع المصنف بعدم عذره،ثمَّ قال:و لا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا،لتكليفه بترك الحرام و جهله تقصير منه،و كذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافيات (2).انتهى.
أقول:و ظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلا فلا يعذر،و الجهل بحرمة المدعوّ به.و فيه نظر،و سؤال وجه الفرق متّجه.فتدبّر.
ص:307
المقصد الثاني في بيان بقية الصلوات المعدودة في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب.
و هي قسمان واجبة و مندوبة.فالواجبات كثيرة.
منها: صلاة الجمعة على من اجتمعت فيه شرائطها الآتية، بالكتاب و السنّة المتواترة و إجماع الأمة.
و هي ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر بالنص و الإجماع.
و وقتها ما بين الزوال زوال الشمس حتى يصير ظلّ كل شيء مثله على المشهور بين الأصحاب.
خلافا للمحكي في الخلاف عن المرتضى في أوّله فجوّز فعلها عند قيام الشمس (1).و هو شاذّ،بل في الخلاف و روض الجنان و شرح القواعد للمحقّق الثاني (2)على خلافه الإجماع،و هو الحجّة عليه،مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و سيأتي إلى جملة منها الإشارة.
هذا مع أن الحلّي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى:
و لعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة،فإن الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور،من عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال (3).و هو كما ترى صريح في موافقة السيّد للأصحاب،فلا خلاف و لا إشكال هنا.
و إنما الإشكال في التحديد بالمثل،فإنه و إن كان مشهورا،بل عن
ص:308
المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع (1)،إلاّ أن مستنده من النص غير واضح.بل ظاهر النصوص المعتبرة المستفيضة خلافه،و هو:التحديد بما دونه و أنه عند الزوال و أنه من الأمور المضيّقة كما في الصحاح و غيرها،منها:«إنّ من الأمور أمورا مضيّقة و أمورا موسّعة،و إنّ الوقت وقتان،و الصلاة ممّا فيه السعة،فربما عجّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ربما أخّر،إلاّ صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق،إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس،و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام» (2)و نحوه غيره (3).
و في آخر:«فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (4).
و حكي القول بمضمونها عن جماعة من القدماء كابن زهرة و الحلبي و ابن حمزة و الجعفي (5)،و إن اختلفت عبارتهم في التأدية،فقيل (6):نص الأوّلان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان و الخطبتين و الركعتين،و في الغنية الإجماع عليه،و الثاني على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوّله، و الثالث على أن وقتها ساعة من النهار.
قيل (7):و نحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذّب و الإصباح و المقنعة،فإنّ فيها:إنّ وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس (8)،لما جاء عنهم
ص:309
عليهم السلام:«إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب في الفيء الأوّل، فإذا زالت نزل عليه جبرئيل فقال:يا محمد قد زالت الشمس فصلّ بالناس فلا يلبث أن يصلّي بالناس» (1).
و في الأوّلين:إن الإمام يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت،فإذا زالت صلّى (2).
و لا ينافي قولهم أخبار التحديد بالساعة (3)،و إن ضعّفه بها جماعة (4)، لإجمال الساعة فيها،و احتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة،مع قصور أسانيدها،بل ضعفها،فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه الجعفي إن أراد من الساعة ما يتوهم منها.
و يعضد مختارهم ما يقال من إجماع المسلمين على المبادرة بها حين الزوال،و هو دليل التضيق،و إلاّ لوقع التأخير أحيانا.و به يعارض إجماع المنتهى،مع عدم صراحته في دعواه،و وهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء على خلافه،مع أنه لم يحك القول به منهم إلاّ عن ظاهر المبسوط (5)،فتأمّل.
و للحلي قول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر،لتحقق البدلية،و أصالة البقاء (6).و اختاره الشهيد-رحمه اللّه-في جملة من كتبه (7).
و هو ضعيف في الغاية،فإنّ فيه إطراحا للأدلة المتقدمة و سيّما الأخبار
ص:310
منها،و يخصّص بها أصالة البقاء و قاعدة البدلية إن سلّمنا،و إلاّ فلا تخلوان عن مناقشة،سيّما الأخيرة،فإنها فرع وجود لفظ دالّ عليها أو على المنزلة في النصوص،و لم أر منها ما يشير إليها بالكلية،نعم ربما أشعر بعض النصوص بأن بناء الضيق على الفضيلة،ففي الصحيح:عن وقت الظهر،فقال:«بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ يوم الجمعة أو في السفر،فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (1).
و روى الشيخ في المصباح عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الجمعة،فقال:«وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة،و إن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصلّيهما بعد الفريضة» (2).
و في الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك» (3)فتدبر.
و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا ريب أن الاحتياط يقتضي المبادرة إلى فعلها عند تحقق الزوال.
و تسقط الجمعة بالفوات و تقضى ظهرا إجماعا على الظاهر، المصرّح به في عبائر جماعة (4)،و للمعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:عمّن
ص:311
لم يدرك الخطبة يوم الجمعة،قال:«يصلّيها ركعتين،فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا» (1).
و في آخر:«فإن أدركته و هو يتشهد فصلّ أربعا» (2).
و في ثالث:«من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» (3).
و يستفاد منه حصول الفوات بعدم إدراك ركعة كما عليه الشهيدان و جماعة (4)،و يعضده عموم مفهوم:«من أدرك من الوقت ركعة فكأنّما أدرك الوقت» (5).
خلافا للمحكي عن الشيخ و جماعة (6)فما لم يتلبس بالتكبير،و معه فلا فوت،لاستصحاب الصحة،و حرمة إبطال العمل في الشريعة.و هما بعد تسليمهما اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة.
و المراد بالقضاء في العبارة مطلق الأداء الشامل للأداء و القضاء بالمعنى
ص:312
المصطلح،فلا يرد أن القضاء تابع لأصله،و الجمعة ركعتان فكيف تقضى أربعا.
و لو لم يدرك المأموم الخطبتين أجزأته الصلاة،و كذا لو أدرك مع الإمام الركوع خاصة و لو في الركعة الثانية بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (1)،و للمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة، و منها الصحيح:«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى» (2)و نحوه الخبر (3).
و في آخر:«إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة،فإن فاتته فليصلّ أربعا» (4).
و أما الصحيح:«الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين» (5)فمع شذوذه يحتمل الحمل على التقية،لكونه مذهب جماعة من العامة (6)و إن وافقنا أكثرهم.أو على أن المراد نفي حقيقة الجمعة فإنّ حقيقتها ركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين،فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة و إن أجزأه ما أدركه، و هو معنى ما مضى من المعتبرة.و حمله الشيخ على نفي الكمال و الفضيلة (7).
ص:313
و يدرك الجمعة أيضا بإدراك الإمام راكعا على الأشهر الأظهر،بل عليه عامة من تأخر،و في الخلاف عليه الإجماع (1)،و هو الحجّة.
مضافا إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة كما مرّ في المعتبرة،و هو يحصل بإدراك الإمام راكعا كما في الصحاح الصراح المستفيضة،منها:«إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة،و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (2).
خلافا للمحكي عن المقنعة و النهاية و القاضي (3)،فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع،للصحيح:«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (4).
و في لفظ آخر:«لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (5).
و في ثالث:«إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت الصلاة» (6).
و هو مع قصوره عن المقاومة لسابقته غير صريح،لاحتماله الحمل على الكراهة.و هو أولى من حمل تلك على التقية،كما اتّفق لبعض الأجلّة معتذرا
ص:314
بموافقتها العامة،لرجحانها على هذا الصحيح بالاستفاضة و الصراحة و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة كما عرفت من الخلاف نقله،و قريب منه في السرائر و الذكرى (1)،حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا الشيخ كما في الأوّل،و إلى المتأخرين كافة كما في الثاني،و زاد في الأول فادّعى تواتر الأخبار به.
و بنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام:«إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة،و إن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر» (2).مع احتماله الحمل على أن المراد بعد الفراغ منه أي الرفع،أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين.
و على المختار:المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع.و هل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حدّ الراكع؟فيه وجهان.
و عن التذكرة:اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه (3)،و مستنده غير واضح كما صرّح به جماعة (4)،نعم قيل:في الاحتجاج عن الحميري،عن مولانا الصاحب عليه السلام أنه:«إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة» (5)و لا ريب أنه أحوط.
ص:315
ثمَّ النظر في شروطها،و من تجب عليه،و لواحقها،و سننها.
و الشروط خمسة:
الأول:السلطان العادل أي المعصوم عليه السلام أو من نصبه، إجماعا منّا كما حكاه جماعة مستفيضا بل متواترا (1)،بل قد قيل:قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب،و هو الحجّة.
مضافا إلى الأصل و القاعدة في العبادة التوقيفية من وجوب الاقتصار فيها على القدر الثابت منها في الشريعة،و ليس هنا إلاّ الجمعة بهذا الشرط و باقي الشروط الآتية.و نفيه بأصالة البراءة إنما يتّجه على القول بكونها أسامي للأعم من الصحيحة و الفاسدة.و أمّا على القول بأنها أسامي للصحيحة خاصة كما هو الأقرب فلا،إذ لا دليل على الصحة بدونه لا من إجماع و لا من كتاب و لا سنّة، لمكان الخلاف لو لم نقل بانعقاد الإجماع على الاشتراط،و غاية الأخيرين الدلالة على وجوب الجمعة،و لا كلام فيه،بل هو من ضروريات الدين،و إنما الكلام في أن الجمعة المؤدّاة بدون هذا الشرط جمعة صحيحة أم فاسدة،و لا ريب أن المأمور به فيهما إنما هو الصحيحة منها خاصة،و لا إشارة فيهما إلى صحتها من دونه بالكلية.
مع أن في جملة من النصوص و غيرها دلالة واضحة على الاشتراط و إن اختلفت بحسب الظهور و الصراحة،ففي النبوي المشهور المنجبر بالعمل:
«أربع إلى الولاة:الفيء،و الحدود،و الصدقات،و الجمعة» (2).
ص:316
و في آخر:«إن الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين» (1).
و في الصحيفة السجّادية:«اللّهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها،قد ابتزّوها و أنت المقدّر لذلك-إلى قوله عليه السلام-:حتى عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين،يرون حكمك مبدّلا و كتابك منبوذا-إلى قوله عليه السلام-:و عجّل الفرج و الروح و النصرة و التمكين و التأييد لهم» (2).
و في الموثّق:عن الصلاة يوم الجمعة،فقال:«أما مع الإمام فركعتان، و أمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» (3).
و هو ظاهر بل صريح في ان المراد بإمام الجمعة إمام الأصل لا إمام الجماعة ،و إلاّ فصلاة الأربع ركعات جماعة يستلزمه،فلا معنى لقوله:«أمّا مع الإمام فركعتان»مضافا إلى أن المتبادر من لفظ الإمام حيث يطلق و لم يضف إلى الجماعة إنما هو المعصوم عليه السلام.
و من هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالة على اعتبار الإمام في الجمعة بقول مطلق و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما،كما اتفق لجماعة من أصحابنا و منهم الفاضل في المنتهى (4).
و أما ما يجاب عنه:بأنه لا ينافي عدم الاشتراط،لأنه يشترط في إمام
ص:317
الجمعة كونه يحسن الخطبتين و يتمكن منهما لعدم الخوف و التقية بخلاف إمام الجماعة (1).
فضعيف غايته،لأن لفظ الإمام المطلق حقيقة إمّا فيمن هو المتبادر منه عند الإطلاق،أو من يعمّه و إمام الجماعة،لا سبيل في الرواية إلى الثاني،لما عرفت،فتعيّن الأول.و ما ذكره إنما يتوجه لو كان للإمام معنى آخر خاص،و هو إمام الجماعة بقيد أنه يحسن الخطبة و يتمكن من الجمعة من غير خوف و تقية، و هذا المعنى لا أثر له في الاستعمالات و الإطلاقات بالكلية،بل لم أر أحدا احتمله.
نعم،روي هذا الموثق بنحو آخر بزيادة بين قوله:«أربع ركعات»و قوله:
«و إن صلّوا جماعة»و هي هذه:«يعني إذا كان إمام يخطب،فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» (2)فيكشف عن أن المراد بالإمام المطلق من فسّر به فيه،و هو أعم من إمام الأصل.
لكن يحتمل كون التفسير من الراوي،و مع ذلك فالظاهر أنّ المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو نائبه الخاص،لحصول أقلّ الخطبة الذي هو قول:
«الحمد للّه و الصلاة على محمّد و آله،يا أيها الناس اتقوا اللّه»من كل إمام جماعة،و يبعد غاية البعد وجوده مع عدم تمكنه منه،و إطلاق النص محمول على الغالب،و عليه فلا معنى لاشتراطه و أنه مع عدمه يصلي الجمعة أربعا و لو جماعة،فتأمل .
و في الصحيح أو القريب منه المروي في العلل:«إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين،و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين،لأن
ص:318
الناس يتخطّون إلى الجمعة من بعد،فأحبّ اللّه عزّ و جل أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه،و لأن الإمام يحبسهم للخطبة و هم ينتظرون للصلاة و من انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام،و لأن الصلاة مع الإمام أتم و أكمل،لعلمه و فقهه و فضله و عدله،و لأنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان،و لم تقصر لمكان الخطبتين» (1).
و فيه وجوه من الدلالة :
منها:ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا العدالة منها في إمام الجماعة بلا شبهة.
و منها جعل الجمعة كالعيد،و يشترط فيه الإمام إجماعا كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،فكذا الجمعة.
و منها:دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بعد،و لا يكون ذلك إلاّ بكونها منصب شخص معيّن يجب تخطّيهم إليه لأدائها،و لا معنى لذلك و لا وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة كما لا يخفى على من تدبّره.
و بهذا الوجه يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة على جميع المكلّفين إلاّ من كان على رأس فرسخين (2).
و منها:إطلاق الإمام فيه المنصرف-كما عرفت-إلى المعصوم عليه السلام،مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه فقال:«إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام،فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم عن المعصية و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفات»الحديث.
ص:319
و في القوي المروي صحيحا أيضا-كما قيل (1)-:«تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقل منهم:الإمام،و قاضيه،و المدّعي حقا،و المدّعى عليه،و الشاهدان،و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام» (2).
و هو نصّ في الاشتراط.و عدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالإجماع غير قادح،لدلالته بمعونته على أن المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة.هذا مع أن ظاهر الصدوق في الفقيه العمل به (3)،كما حكي عنه في الهداية (4).
و بالجملة:فتتبع أمثال هذه النصوص يوجب الظن القوي بل القطع بشرطية الإمام،سيّما بعد شهرتها بين علمائنا بحيث لا يكاد يختلج لأحد الشك فيه حتى ادّعوا عليها الإجماعات المتواترة و إن اختلفت عبائرهم في التأدية:
فبين من جعل المشروط نفس الجمعة بحيث يظهر منه أنه شرط الصحة، كالشيخ في الخلاف،و الحلّي في السرائر،و القاضي،و الفاضل في المنتهى، و الشهيد في الذكرى،و المحقّق الثاني في شرح القواعد (5)و رسالته المصنفة في صلاة الجمعة،و غيرهم.و بين من جعله الوجوب العيني كابن زهرة،و الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة،و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة و روض الجنان (6)و شرح الألفيّة.
ص:320
و ناهيك هذه الإجماعات على نفي الوجوب العيني،مع عدم ظهور قائل به إلى زمان صاحب المدارك (1)و نحوه (2).و ما يحكى عن المفيد و الحلبي و الكراجكي (3)من أنّ ظاهرهم الوجوب العيني غير واضح،بل محل مناقشة ليس هنا محل ذكرها،مع أنّ المحكي عن الأول التصريح بالاشتراط في كتاب الإرشاد (4)،مع تصريحه بالاشتراط في صلاة العيدين و أنّ شروطها شروط الجمعة (5)،و عن الثاني القول بالوجوب التخييري كما في المختلف (6)،بل في البيان حكى عنه القول بالحرمة (7).
و بالجملة:اشتراط الإمام أو من نصبه في الوجوب العيني ممّا لا شبهة فيه،و إنما الإشكال في الوجوب التخييري،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه.
الثاني:العدد إجماعا فتوى و نصّا.
و في أقلّه روايتان أشهرهما على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (8)أنه خمسة،الإمام أحدهم.
ص:321
ففي الصحيح:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا،فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم» (1).
و الجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه لا التخييري.و لا إشعار في قوله في الذيل:«فلا جمعة لهم»بأن المراد بها إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني و التخييري،فلا دلالة لها على الأول،لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين،و هو ممنوع،بل هي تلازم الأوّل حيث لا مانع منه كما نحن فيه،فتدبّر.
و في آخر:«لا يكون الجمعة و الخطبة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط،الإمام و أربعة» (2)و مفهومه ثبوتها على الخمسة،و لفظة«على»ظاهرة في الوجوب العيني كالأمر بل أظهر منه.
و في الموثق:«فإن كان لهم من يخطب به جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» (3)و التقريب فيه كالأول،بل أظهر،لفقد ما يوهم الإشعار فيه بالخلاف.
هذا مضافا إلى الاتفاق فتوى و نصّا على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة فتجب،لعموم ما دلّ على وجوب الجمعة الصحيحة من الكتاب و السنّة المتواترة،خرج منها ما إذا لم يكونوا خمسة بالإجماع و الرواية،و بقي الباقي تحتها مندرجة،فتأمل.
و الرواية الثانية:الصحيح:«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في
ص:322
جماعة» (1).
و أظهر منها الصحيحة المتقدمة (2)،لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة.
و نحوها الصحيح المروي في الفقيه،و فيها:على من تجب الجمعة؟ قال:«على سبعة نفر من المسلمين،و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام،فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» (3).
و ظاهره كون السبعة شرطا للوجوب العيني و الخمسة للتخييري،كما هو خيرة الشيخ و القاضي و ابن زهرة (4)فيما حكي عنهم،و به حملوا الوجوب في الروايات السابقة على التخييري.
مضافا إلى الموثق كالصحيح بأبان:«أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» (5).
و قريب منه الصحيح في صلاة العيدين:«إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» (6).
و إليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين (7).
ص:323
و هو مشكل أوّلا بفقد التكافؤ،لاشتهار تلك و اعتضادها بإطلاقات الكتاب و السنّة و الاحتياط في الشريعة دون هذه.
و ثانيا بإمكان الجواب عن الصحيحة الأولى:بأنّ دلالتها بالمفهوم، و تلك بالمنطوق،و هو مقدّم عليه على المشهور.
و عن الثانية:بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها،و لم يقل به أكثر القائلين بهذه الرواية،بل ربما كان مخالفا للإجماع،و خروج بعض الحديث عن الحجية و إن لم يقدح في حجية باقية إلاّ أنه معتبر في مقام التعارض فيوجب مرجوحية ما اشتمل عليه.
و عن الثالثة:بأن قوله:«و لا جمعة لأقلّ من خمسة»إلى آخره يحتمل كونه من الفقيه كما صرّح به بعض الأفاضل حاكيا الجزم به عن بعضهم (1)،و مع هذا الاحتمال يرتفع الاستدلال إلاّ من حيث مفهوم العدد في قوله«سبعة»و هو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أجيب به عن سابقتها.
و عن الموثقة:بعدم معلومية متعلق الإجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عينا فيصير مفاد العبارة:يجزي في عينية وجوبها سبعة أو خمسة؟أو وجوبها تخييرا؟أو صحتها مطلقة؟و لا يتم الاستدلال بها على الأوّل بل هي عليه بالدلالة على الخلاف أشبه.و على الثاني مخالفة للإجماع،لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينيا لا تخييريا.و على الثالث لا كلام فيها،للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.
و تقدير العيني بالنسبة إلى السبعة و التخييري بالنسبة إلى الخمسة موجب للتفكيك المتوقف على الدليل،و هو مفقود،اللهم إلاّ أن يجعل لفظة«أو» الموجودة فيها،إذ لا وقع لها إلاّ على تقديره.و فيه نظر،لاحتمال كون الترديد
ص:324
فيها لغير ذلك،و هو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني حيث حصل و عدم انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله«سبعة»لو ترك قوله بعده:
«أو خمسة»و إنما لم يكتف بقوله«خمسة»المفيد للمرام من غير احتياج إلى ترديد رافع للوهم في المقام،لندرة تحقق مصر لا يكون فيه سبعة،كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه (1).
و بمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة،مع أن الحكم المشروط فيها بالعدد هو الوجوب العيني بمقتضى الصيغة و النسبة إلى عدد السبعة،فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك.مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة،لاستلزام الحكم فيها ثبوته في السبعة بطريق أولى.
و بالجملة:قول الأكثر لعلّه أقوى،و مع ذلك هو أحوط و أولى.
و اعلم:أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة،بلا خلاف فيه بيننا أجده،و جعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال:لا نصّ لأصحابنا فيه، قال:دليلنا أنه قد دخل في صلاة الجمعة و انعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز إبطالها إلاّ بيقين (2).و مقتضاه الصحة و لو انفضّ العدد بمجرد التلبس بالتكبيرة كما هو المشهور.
خلافا لمحتمل نهاية الإحكام و التذكرة (3)،فاشترط إتمامهم ركعة، لمفهوم:«من أدرك ركعة».
و يضعف:بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك لركعة بل للكل،و إنما
ص:325
لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد و هو أوّل المسألة.
و احتمل في الأوّل آخر و هو الاكتفاء بركوعهم،لكونه حقيقة إدراك ركعة.
و فيه و في التذكرة ثالثا،و هو العدول إلى الظهر إذا انفضّ العدد قبل إدراك الركعة،لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة.
و على المشهور هل المعتبر تلبّس الجميع بالتكبيرة.أو يكفي تلبّس الإمام خاصة؟قولان،مقتضى ما تقدّم من الدليل:الثاني.
الثالث:الخطبتان بإجماعنا و أكثر أهل العلم على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة (1)،للتأسي و المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيحين (2)و غيرهما (3):«إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام».
و نحوها الموثق المروي في المعتبر عن جامع البزنطي (4)بزيادة قوله:
«لا جمعة إلاّ بخطبة»و نقص قوله:«فهي صلاة»إلى آخره.
قيل:و في العامة قول بالاجتزاء بخطبة (5)،و يوهمه الكافي للحلبي (6).
و آخر بعدم الاشتراط (7).و لا ريب في ضعفهما.
و يجب في الخطبة الأولى حمد اللّه سبحانه،بلا خلاف،
ص:326
بلفظه،للاحتياط،و التأسي،و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (1)،و للأمر به في الموثق الآتي.
و في تعيين«الحمد للّه»كما هو صريح جماعة (2)،أو إجزاء«الحمد للرحمن»أو«لربّ العالمين»إشكال.و الأحوط:الأوّل.خلافا لنهاية الإحكام فقرّب إجزاء«الحمد للرحمن» (3).
و يجب فيها أيضا الصلاة على الرسول و آله،وفاقا للأكثر،بل في ظاهر الخلاف و عن التذكرة (4)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى الاحتياط.
دون الصحيح المتضمن للأمر بها (5)،لتضمنه كثيرا من المستحبات الموجب لوهن دلالته على الوجوب جدّا،سيّما مع خلوّ الموثق الآتي عنها هنا.و لعلّه لذا لم يوجبها الماتن هنا وفاقا للحلّي و المرتضى (6)رحمهما اللّه،مضافا إلى الأصل،لكنه مخصّص بما مرّ من الإجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب، و به يقيّد الموثق و يصرف عن ظاهره أيضا.
و تتعيّن بلفظها،لما مضى.
و الثناء على اللّه تعالى بما هو أهله،وفاقا للمرتضى و الخلاف (7)، للموثق الآتي.لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف،و لا ريب أن الإتيان به أحوط.
ص:327
و الوصية بتقوى اللّه سبحانه،وفاقا للأكثر،و في ظاهر الخلاف الإجماع عليه (1)،للموثق الآتي.
خلافا للمرتضى (2)-رحمه اللّه-فلم يذكرها في شيء من الخطبتين.و هو ضعيف.
و لا يتعيّن لفظها و لا لفظ الوعظ بلا خلاف أجده،و بعدم التعيّن صرّح جماعة (3)،و منهم الفاضل في النهاية،و فيها:لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا و زخارفها،لأنه يتواصى به المنكرون للمعاد،بل لا بدّ من الحمل على إطاعة اللّه تعالى و المنع عن المعاصي (4).
و ذكر جماعة (5)أنه يكفي المسمى كاتقوا اللّه و أطيعوه و أمثالهما،و لعلّه للإطلاق.
و قراءة سور خفيفة كما عن المبسوط و الجمل و العقود و المراسم و الوسيلة و السرائر و الجامع و به صرّح الماتن في الشرائع و جماعة (6)،للموثق، و فيه:«ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف،و يتردّى ببرد يمنية أو عدنية،و يخطب و هو قائم يحمد اللّه تعالى
ص:328
و يثني عليه،ثمَّ يوصي بتقوى اللّه تعالى،و يقرأ سورة من القرآن خفيفة،ثمَّ يجلس،ثمَّ يقوم فيحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي على محمد صلّى اللّه عليه و آله و على أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات»الخبر (1).
و لا ضعف فيه كما قيل (2)،بل هو من الموثق الذي هو حجّة سيّما مع عمل الجماعة.و دلالته واضحة،لمكان الأمر الظاهر في الوجوب،و لا صارف عنه حتّى ممّا فيه من لفظة«ينبغي»الظاهرة في الاستحباب،بناء على ظهور رجوعها إلى ما عدا الأحكام الواردة في الخطبة كما لا يخفى على من تدبّره.
هذا مضافا إلى الاحتياط و الأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق،و إن كان في الاستناد به لذلك مناقشة ،لما عرفته.
خلافا للحلبي فلم يذكرها (3)،مشعرا بعدم الوجوب.و هو،مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل المخصّص بما مرّ إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه،و إلاّ فلا أصل له من أصله،شاذ.
و للخلاف و جماعة (4)فاكتفوا بآية تامة الفائدة،للأصل،و ضعف الموثق بما مر.و فيهما ما مرّ.
و في الخبر:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول على المنبر:
«وَ نادَوْا يا مالِكُ» [1] (5).و فيه ضعف سندا و دلالة و مقاومة لما مرّ جدا.
نعم،في الصحيح السابق الاجتزاء بها في الخطبة الثانية،و به استدل
ص:329
على الاجتزاء بها مطلقا حتى في الخطبة الأولى بناء على عدم القائل بالفرق بينهما.
و فيه-بعد ما مرّ-تضمنه الأمر بالسورة في الاولى،و هو حقيقة في الوجوب،و كلّ من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها أو عدم وجوب شيء من القرآن فيها.و بعبارة أخرى:كلّ من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الاولى.
فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات شيء من القولين إلاّ بعد حمل الصدر أو الذيل على الاستحباب.و لا ترجيح هنا،إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول بكفاية الآية،كذا يمكن العكس فيوافق القول بعدم وجوب شيء من القرآن في الثانية،كما هو ظاهر الماتن هنا و في المعتبر (1)و جماعة (2)،و لهم:
الموثقة السابقة المعتضدة بالأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا الصحيحة،و هي لما عرفت غير صالحة للحجية،نعم لو كان القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح الأول،فتدبّر.
و للاقتصاد و الإصباح و المهذّب و الجامع (3)،فأوجبوا السورة لكن بين الخطبتين،و مستنده غير واضح،نعم،في الصحيح:«يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب،و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر،ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللّه احد،ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته ثمَّ ينزل
ص:330
و يصلّي بالناس» (1).و دلالته على ما ذكروه ضعيفة بل لا دلالة له.
و يجب في الخطبة الثانية بعض ما مرّ في الاولى من حمد اللّه تعالى و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و على أئمة المسلمين عليهم السلام لعين ما مضى،مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.
و يجب هنا زيادة على ذلك الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات للموثق السابق.و لا يجب غيره،للأصل.
خلافا للأكثر،فأوجبوا جملة ما في الأولى حتى الوعظ و القراءة أيضا، و مستندهم من النص غير واضح،عدا الصحيحة المتقدمة المتضمنة لجملة من الأمور المستحبة،و دلالتها على الوجوب لذلك كما عرفت غير واضحة.
نعم،عن ظاهر الفاضلين دعوى الإجماع على اعتبار ما عدا القراءة في الخطبة (2)،و هو ظاهر الخلاف أيضا (3)،بل زاد فادّعاه على الأمور الأربعة جملة،فيكون هذا هو الحجة المقيّدة لإطلاق الموثقة .
و عليه فيشكل الأمر في القراءة هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة،و حيث قد أوجبنا السورة في الأولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضا،لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب السورة في الاولى و كفاية الآية في الثانية و إن قيل بالفرق بينهما من وجه آخر،هذا مضافا إلى الاحتياط.إلاّ أن الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن،لما مرّ،مع احتمال فهم ظهور دعوى الإجماع عليه من الخلاف،بل ظاهره كفاية مطلق شيء من القرآن الصادق على نحو
ص:331
مُدْهامَّتانِ [1] (1)لكن نزّله المتأخرون على الآية التامة الفائدة،و يمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه من السورة الخفيفة.
و يتحصّل ممّا ذكرنا أنه يجب في الخطبتين أمور أربعة:الحمد، و الصلاة،و الوعظ،و القراءة،كما هو المشهور بين الطائفة.و الأحوط زيادة الاستغفار للمؤمنين كما في العبارة و الموثقة،و إن كان في وجوبه نظر،لدعوى الشيخ الإجماع في الخلاف على كون الأربعة أقلّ ما يجب في الخطبة و أنه إذا أتى بها تجزيه بلا خلاف،و أطلقها بحيث تشمل الثانية،فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب.
و في المقام أقوال متشتتة ليس في نقلها كثير فائدة.
و المشهور وجوب الترتيب بين الأمور الأربعة،و عربيتها،إلاّ إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم الجمعة و لم يمكنهم التعلّم فبغيرها،و احتمل بعض وجوبها مطلقا (2)،و آخر سقوط الجمعة حينئذ من أصلها (3).
و يجب تقديمهما على الصلاة بالنص (4)و الإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5)،و في المنتهى لا نعرف فيه مخالفا (6).
نعم،عن الصدوق في العلل و العيون و الهداية (7)الفتوى بتأخيرهما، معلّلا بأنّ الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين.
ص:332
و هو اجتهاد في مقابلة النص و إن روى في الفقيه ما يوافقه فقال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان» الخبر (1).لإرساله و احتماله التصحيف ،أو أن المراد يوم الجمعة في العيد.
و قد صرّح الأصحاب ببطلان الصلاة مع التأخير،قالوا:لانتفاء شرطها.
و قاعدة العبادة التوقيفية و التأسي تقتضيه و إن كان استفادته من النصوص مشكلة.
و يجب أن يكون الخطيب قائما حال الخطبة مع القدرة بلا خلاف أجده،بل عليه الإجماع في الخلاف و التذكرة و شرح القواعد للمحقّق الثاني و روض الجنان (2)،للتأسي،و النصوص (3)،مضافا إلى المعتبرة المتقدم إليها الإشارة و فيها:«إنّها صلاة حتى ينزل الإمام» (4)و عموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب الطمأنينة كما عن التذكرة (5).
قالوا:و لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته و صلاة من علم بذلك من المأمومين،و يعلم وجهه ممّا سبق.
و في وجوب الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة (6)،و عن نهاية الإحكام الأولى أن يستنيب غيره.و لو لم يفعل و خطب قاعدا أو مضطجعا جاز كالصلاة (7).
ص:333
و في وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد للفاضلين هنا و في المعتبر و المنتهى (1):من التأسي بالنبي و الأئمة عليهم السلام،و خصوص المعتبرة المستفيضة الآمرة به (2).و من أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب،و إنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة و ليس فيه معنى التعبد،و لأنّا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة.
نعم أحوطه الوجوب تحصيلا للبراءة اليقينية،سيّما مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة و إن احتمله عبارة المهذّب و النهاية (3)المعبّرة عنه ب:ينبغي،الظاهر فيه.
و الأظهر الوجوب،كما هو الأشهر على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (4)،بل لعلّه عليه عامة من تأخر،لما مرّ،مع ضعف وجوه الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات،و هو ضعيف كما قرّر في محلّه،و ضعف آخر منها بعدم نصّ عليه،بل هو استنباط محض لا يجوز الاستناد إليه،و مع ذلك شيء منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى الاستحباب.
و الأولى السكوت في حالة الجلوس،للنهي عن التكلم حالته في الصحيح (5).و أن يكون بقدر قراءة التوحيد كما في آخر (6).
ص:334
و ذكر جماعة أنه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة (1)، و لا يبعد.و في التذكرة احتمال الفصل بينهما بالاضطجاع (2)،و هو ضعيف.
و لا يشترط فيهما الطهارة وفاقا للحلّي (3)،و عليه الفاضل في القواعد و غيره (4)،للأصل،مع عدم وضوح المخرج عنه،سوى التأسي،و الاحتياط، و عموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام.
و لا حجة في شيء منها،لضعف الأوّل بما مرّ.و فيه ما سبق.
و الثاني:بمعارضته بالأصل.و فيه:أنه عام بالنسبة إلى ما دلّ على لزوم الاحتياط في نحو العبادات من استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة اليقينية،و هو خاص فليقدّم.
و الثالث:باحتمال عود الضمير إلى الجمعة،و يعارض القرب الوحدة.
«و حتى»غاية للخطبتين.سلّمنا لكن ليس المراد الحقيقة الشرعية إجماعا بل المشابهة،و يكفي فيها بعض الوجوه،و حمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على الثواب و الحرمة.
و فيه:ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة،و لا يعارضه الوحدة، لتوسط الضمير بين اسمين فيجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة،و جعل«حتى» غاية للخطبة بعيد غايته.
مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلاّ في الصحيح من تلك المعتبرة،و أمّا المرسل منها المروي في الفقيه و المقنع (5)فلا يحتمله،لتثنية
ص:335
الضمير فيه بقوله:«فهما صلاة»و الأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه حيث لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع و التبادر و الغلبة كما في مفروض المسألة،و كفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم و لم يلزم إجمال،و أما معه كما فيما نحن فيه فلا.
فإذا الوجوب أظهر،وفاقا للمبسوط و الخلاف و ابن حمزة (1)،و عليه من المتأخرين جماعة (2).
و ظاهر الأدلة اعتبار الطهارة عن الحدث و الخبث مطلقا،و كونها شرطا في الخطبتين،بل الصلاة أيضا كما مضى.
و في جواز إيقاعهما أي الخطبتين خاصة قبل الزوال روايتان،أشهرهما الجواز ففي الصحيح:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول،فيقول جبرئيل عليه السلام:
يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ» (3).
و عليه جماعة من القدماء و منهم الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (4)،و هو حجة أخرى بعد الرواية.
مضافا إلى النصوص الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يومها بأول الزوال و هي كثيرة (5).و تأويل الصلاة بها و ما في حكمها أعني الخطبة لكونها بدلا من الركعتين خلاف الظاهر،كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن
ص:336
التذكرة (1)،و تأويل الظلّ الأول بأول الفيء كما في المنتهى (2)،و تأويله بما قبل المثل من الفيء،و الزوال عن المثل كما في المختلف (3)،مع أن الأخير يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده إلاّ أن يؤوّل الزوال بالقريب منه.
و الرواية الثانية ما دلّ على أن الخطبة بعد الأذان كآية إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ [1] (4)ففي الصحيح:عن الجمعة،فقال:
«بأذان و إقامة،يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب»الخبر (5).
لكنه مضمر،إلاّ أن يجبر بموافقته الكتاب.لكن في دلالته كالرواية قصور،لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال،و هو ممنوع كما قيل (6).و لا يخلو عن نظر.فتصح الدلالة و يحصل الجبر،مضافا إلى حصوله بالشهرة المتأخرة المقطوعة،و المطلقة المحكية في صريح روض الجنان و ظاهر الذكرى و التذكرة (7).
فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب،سيّما مع تأيدها بالنصوص الدالة على أنّ الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة فلا تقدّمان على وقتها،و بالاحتياط لظهور الاتفاق على جوازهما بعد الزوال.
و يذبّ عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعا،أو يقال:المراد بها أنه عليه السلام كان إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار و الإبشار
ص:337
و التبليغ و التذكير كان يشرع فيها قبل الزوال و لم ينوها خطبة الصلاة،حتى لو زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة،ثمَّ ينزل فيصلّي و قد زالت بقدر شراك.
و لا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخير مقدماتها عنه فهو من الشيوع بمكان،و خصوصا الخطبة التي هي كجزء منها،مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه،و هو ينافي ظواهر الإطلاقات فلا بدّ من تأويلها،و هو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه و هو ما ذكرنا.
و عن الإجماع:بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة المحكية على الخلاف،و لكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة،و الاحتياط يقتضي مراعاة الرواية المانعة.
و يستحب أن يكون الخطيب بليغا جامعا بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف و تنافر الكلمات و التعقيد و عن كونها غريبة وحشية،و بين البلاغة التي هي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف و الإنذار و غيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير إخلال و لا إملال.
مواظبا على الصلوات محافظا عليها في أوقاتها.
متّصفا بما يأمر به مجانبا ما ينهى عنه.
متعمّما شتاء كان أو صيفا.
مرتديا ببرد يمنية أو عدنية.
معتمدا في حال الخطبة على شيء من قوس أو عصا أو سيف و أمثالها.
و أن يسلّم على الناس أوّلا،و يجلس أمام الخطبة على المستراح و هو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة.
ص:338
للنصوص المستفيضة فيما عدا الأوليين (1)،و أمّا هما فقد علّلا بأنّ لهما أثرا بيّنا في القلوب و للوعظ معهما وقعا في النفوس.
و لا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الخلاف في استحباب السلام فنفاه (2)،لأصالة البراءة عمّا لم يثبت التكليف به و لو ندبا في الشريعة.
و هو حسن لو لا المرفوعة الناصّة به (3)المنجبرة بالشهرة،مضافا إلى جواز المسامحة في أدلة السنن و الكراهة،و عموم أدلة استحباب التسليم (4)، الشامل لمفروض المسألة،و لذا عن الفاضل في النهاية و التذكرة استحباب التسليم مرتين (5)،مرّة إذا دنا من المنبر يسلّم على من عنده،قال:لاستحباب التسليم على كلّ وارد،و اخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود استقبل الناس فسلّم عليهم بأجمعهم،قال:و لا يسقط بالتسليم الأول، لأنه مختص بالقريب من المنبر و الثاني عام.
و اعلم أنّ قوله ثمَّ يقوم فيخطب جاهرا أي رافعا صوته بها ليس ممّا يتعلق به الاستحباب،لوجوب القيام كما مرّ،و كذا الإجهار،للتأسي، و تحصيلا لفائدة الخطبة من الإبلاغ و الإنذار.
الرابع:الجماعة،فلا تصح فرادى إجماعا فتوى و نصا،و منه الصحيح:«فرضها اللّه تعالى في جماعة» (6).
ص:339
و هي شرط في الابتداء لا الانتهاء اتفاقا.
و تتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام،فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ.و يعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.
و في وجوب نية القدوة للإمام هنا نظر،من حصول الإمامة إذا اقتدي به، و من وجوب نية كل واجب.و لا ريب أن الوجوب أحوط،و هو خيرة الشهيد و المحقق الثاني (1).
الخامس:أن لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال يعني أقلّ من فرسخ إجماعا(منّا) (2)فتوى و نصّا،ففي الصحيح:«لا يكون جمعة إلاّ فيما بينه و بين ثلاثة أميال» (3).
و نحوه الموثق:«لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال» (4).
و لا فرق في ذلك بين المصر و المصرين،و لا بين حصول فاصل بينهما كدجلة و عدمه عندنا.
قيل:و يعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه و إلاّ فمن نهاية المصلّين (5).و يشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام و العدد المعتبر و بين الجمعة الأخرى فرسخ فصاعدا،و بين بعض المأمومين و بينها أقلّ منه،فعلى ما ذكره القائل لا تصح الجمعة،و يحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصة.
ص:340
و أمّا الذي تجب عليه حضور الجمعة فهو كلّ مكلف ذكر حرّ سليم من المرض و العرج و العمى حال كونه غير همّ (1)و لا مسافر و لا بعيد عنها بفرسخين أو بأزيد منهما على الخلاف الآتي.
فلا تجب على الصبي مطلقا و إن صحّت من المميز تمرينا و أجزأته عن ظهره كذلك.
و لا على المجنون حال جنونه.
و لا على المرأة مطلقا (2).
و لا على الخنثى إذا كان مشكلا على قول.
و لا على العبد مطلقا،أذن له السيّد أم لا،قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا، أدّى شيئا أم لا،إلاّ إذا هايأه المولى فاتّفق الجمعة في نوبته فتجب الجمعة على قول (3).
و لا على المريض مطلقا و لو لم يشقّ عليه الحضور في ظاهر إطلاق النص (4)و الفتوى،و إن قيل بوجوب الحضور مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة إلاّ مع خوف زيادة المرض فلا تجب الجمعة (5).
و لا على الأعرج إذا كان مقعدا قطعا لا مطلقا وفاقا لجماعة (6)و إن أطلق
ص:341
آخرون (1)،لعدم دليل عليه يعتدّ به عدا رواية مرسلة (2)لا جابر لها،عدا دعوى المنتهى إجماعنا على اشتراط عدم العرج مطلقا (3)،لكنها كالرواية تحتمل الانصراف إلى المتبادر منه و هو الذي ذكرناه،و يشعر به سياق عبارة المنتهى، مع أنه في التذكرة قيّده بالبالغ حدّ الإقعاد و ادّعى عليه إجماعنا (4)،و فيها و في نهاية الإحكام (5)أنه إن لم يبلغه فالوجه السقوط مع المشقة و العدم بدونها.
و لا على الأعمى مطلقا كالمريض،و قيل فيه أيضا ما مضى (6).
و لا على الشيخ الكبير العاجز عن الحضور أو الشاق عليه مشقة لا تتحمل عادة.
و لا على المسافر سفرا يجب عليه التقصير لا مطلقا.
و لا على البعيد بفرسخين أو أزيد.
بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ ما مرّ فيه الخلاف،بل عليه الإجماع في عبائر جماعة و إن اختلفت في دعواه في الجميع كالمنتهى و غيره (7)،أو في البعض خاصة كالفاضل في التذكرة فقد ادّعاه في الحرّية و انتفاء الشيخوخة و ما عرفته (8)،كالشهيدين في الذكرى و روض الجنان (9)في الحرّية
ص:342
خاصة و إن كان ظاهرهما كغيرهما انعقاد إجماعنا على الجميع،و هو الحجّة فيه.
مضافا إلى السنّة المستفيضة،ففي الصحيح:«وضعها عن تسعة:عن الصغير،و الكبير،و المجنون،و المسافر،و العبد،و المرأة،و المريض، و الأعمى،و من كان على رأس فرسخين» (1).
و نحوه في بعض خطب أمير المؤمنين عليه السلام المروية في الفقيه (2).
قيل:و روي مكان المجنون الأعرج (3).
و فيه:«إلاّ خمسة:المريض،و المملوك،و المسافر،و المرأة، و الصبي» (4).
و لا تنافي بينهما واقعا و إن توهّم ظاهرا،لأن الهمّ و الأعمى و الأعرج كأنهم مرضى،و المجنون بحكم الصبي،و الإعراض عن البعيد لأن المقصود حصر المعدود في المسافة التي يجب فيها الحضور،و لعلّه لذا لم يعبّر الماتن عن هذا الشرط بما ذكرناه،بل قال و تسقط عنه الجمعة لو كان بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخين و ما اعتبره من الزيادة عليهما هو الأشهر،بل عليه عامة من تأخر،و في ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (5)،كالخلاف و الغنية كما حكاه بعض الأجلة (6)،و فيه الحجّة،مضافا إلى العموم و المعتبرة كالصحيحين:
ص:343
«تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين» (1).
و نحوهما المروي في العلل و العيون:«إنما وجبت الجمعة على من كان منها على فرسخين لا أكثر من ذلك،لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا،أو بريد ذاهبا و جائيا،و البريد أربعة فراسخ،فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير،و ذلك أنه يجيء فرسخين و يذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر» (2).
خلافا للصدوق و ابن حمزة (3)فأسقطاها عمّن على رأس فرسخين، للصحيحة المتقدمة (4).و أجيب عنها بالحمل على من زاد بقليل،لامتناع الحصول على نفس الفرسخين حقيقة (5).و حملت في المختلف على السهو (6).و الأوّل أقرب.
و هنا قولان آخران يحتملان-كالصحيح المستدل به عليهما-الحمل على ما اخترناه (7).
ص:344
و ظاهر العبارة كغيرها عدم سقوط الجمعة عمّن اجتمعت فيه الشرائط المتقدمة فيه مطلقا مع أنّ في الصحيح:«لا بأس أن تدع الجمعة في المطر» (1).
و في التذكرة:لا خلاف فيه،و الوحل كذلك،للمشاركة في المعنى (2).
و في الذكرى:و في معناه الوحل و الحرّ الشديد و البرد الشديد إذا خاف الضرر معهما،و في معناه من عنده مريض يخاف فوته بخروجه إليها أو تضرره به،و من كان له خبز يخاف احتراقه،و شبه ذلك (3).
و في المنتهى:السقوط مع المطر المانع و الوحل الذي يشقّ معه المشي و أنه قول أكثر أهل العلم،قال:لو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء به و ترك الجمعة،و لو لم يكن قريبا و كان معنيّا به (4)جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه،و لو كان عليه دين يمنعه من الحضور و هو غير متمكن سقطت عنه الجمعة،و لو تمكّن لم يكن عذرا (5).
و عن الإسكافي:من كان في حقّ لزمه القيام بها،كجهاز ميت أو تعليل والد أو من يجب حقه،و لا يسعه التأخير عنها (6).
و هو مشكل إن استلزم القيام بها و الحال هذه الضرر أو المشقة التي لا تتحمل مثلها عادة،لعموم نفيهما في الشريعة المرجح على عموم التكليفات طرّا اتفاقا و اعتبارا.و منه يظهر الوجه في إلحاق بعض ما مرّ بشرط البلوغ إلى
ص:345
هذا الحدّ،و يمكن فهمه من العبارة بجعل العنوان فيها كلّ مكلف،و لا تكليف معه.
و لو حضر أحد هؤلاء المدلول عليهم بالقيود المذكورة في العبارة- من الأعمى و المسافر و المريض و الأعرج و الهمّ و البعيد (1)-محلا أقيم فيه الجمعة وجبت عليه،عدا الصبي و المجنون و المرأة.
أما وجوبها على من عدا هذه الثلاثة بعد الحضور فهو المشهور على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (2)،و عن ظاهر الغنية دعوى الإجماع عليه مطلقا (3)،كما هو ظاهر الإيضاح و المحقّق الثاني لكن فيمن عدا العبد و المسافر (4)،و المنتهى في المريض خاصة و صريحة في الأعرج (5)،و صريح التذكرة في المريض و المحبوس لعذر المطر أو الخوف (6)،و في المدارك نفي الخلاف عنه في البعيد (7).
و لعلّه للعموم،و اختصاص ما دلّ على وضعها عنهم من النصوص-بعد ضمّ بعضها إلى بعض-بإفادة وضع لزوم الحضور إليها لا مطلقا،و إلاّ لما جاز لهم فعلها عن الظهر،و هو باطل إجماعا كما هو ظاهر المدارك في الجميع (8)،
ص:346
و المنتهى في العبد و البعيد و المسافر (1)،و الذكرى في الأخير (2).
هذا مضافا إلى الخبر المنجبر بعمل الأكثر و فيه:«إنّ اللّه عز و جل فرض الجمعة على جميع المؤمنين و المؤمنات،و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها،فلمّا حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل فمن أجل ذلك أجزأ عنهم» (3).
و بما ذكر يذبّ عن النصوص الدالّة على كون الظهر فريضة المسافر (4)، بحملها على صورة عدم الحضور إلى مقام الجمعة كما هو الغالب المتبادر من إطلاقاتها.
خلافا لظاهر المبسوط و المنقول عن ابن حمزة و الفاضل (5)في العبد و المسافر،فلا تجب عليهما و إن جاز لهما فعلهما،لما مرّ مع الجواب عنه.
و يتأكد في الأخير،لورود النصر باستحبابها له،ففي الموثق المروي عن ثواب الأعمال و الأمالي:«أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها و حبّا لها أعطاه اللّه تعالى أجر مائة جمعة» (6).
و هو صريح في عدم وجوب الظهر معينة في حقّه،بناء على أن فعلها و لو مستحبة يسقط فرض الظهر إجماعا،كما صرّح به في المدارك و غيره (7).فهو دليل
ص:347
على الحمل الذي قدّمناه في أخبار المسافر،أو حملها على أن الظهر فريضة تخييرا بينها و بين الجمعة حيث يحضرها،لكنه مبني على كون المراد بالوجوب في عبارة الأصحاب و النص الوجوب التخييري،دفعا لتوهم احتمال وجوب الترك، و هو خلاف الظاهر،بل عن صريح التهذيب و الكافي و الغنية و السرائر و نهاية الإحكام (1)التصريح بالوجوب العيني،و عليه فيتعيّن الحمل الأول.
و حيث وجبت عليهم انعقدت بهم أيضا،بلا خلاف ظاهر فيمن عدا العبد و المسافر،بل في المدارك دعوى الاتفاق عليه في البعيد و المريض و الأعمى و المحبوس بعذر المطر و نحوه حاكيا له عن جماعة (2)،و لعلّ منهم فخر الدين في الإيضاح و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الفاضل في التذكرة (3)،لكنه لم يدّعه إلاّ في المريض و المحبوس بالعذر خاصة.
و أمّا فيهما فقولان،أظهرهما نعم وفاقا للأكثر،للعموم،و ظاهر الخبر المتقدم،مع نقل الإجماع عليه عن الغنية (4)،و ضعف ما يقال في توجيه المنع.
و أمّا عدم الوجوب على الصبي و المجنون فلا خلاف فيه،كما لا خلاف في عدم الانعقاد بهما و بالمرأة،بل عن التذكرة و في المدارك و الذخيرة و غيرهما (5) التصريح بالاتفاق عليه فيها،و يعضده الأصل مع اختصاص النصوص الدالة على اعتبار العدد بحكم التبادر و غيره بغيرهم.
و أما الوجوب عليها مع الحضور ففيه قولان.
ص:348
للأوّل-كما عن التهذيب و المقنعة و النهاية و الكافي و الإشارة و التحرير و المنتهى (1)-الخبر المتقدم و غيره.
و للثاني-كما عن ظاهر المبسوط (2)،و عزاه في الذكرى إلى الأشهر (3)- الأصل و ضعف الخبر.
و لعلّه أقرب،لاختصاص الجابر للضعف بغير محل البحث،مع إطلاق الصحيح بالكراهة الغير المجامعة للوجوب:«إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها،و إن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها،لتصلّ في بيتها أربعا أفضل» (4)فتأمل.
و هو صريح في الجواز.و قد حكى في المدارك القول بالمنع عن المعتبر (5)،و هو خلاف ظاهر الأصحاب،بل قيل:لا خلاف في جواز صلاتهن الجمعة إذا أمن الافتتان و الافتضاح و أذن لهنّ من عليهن استيذانه،و إذا صلّين كانت أحد الواجبين تخييرا (6).
ص:349
و أمّا اللواحق فسبع:
الأولى:إذا زالت الشمس و هو أي المصلّي المدلول عليه بالمقام حاضر مستجمع لشرائط الوجوب عليه حرم عليه قبل فعلها السفر إلى غير جهتها،إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التذكرة و المنتهى (1)لتعيّن الجمعة و تحقق الأمر بها،و هو موجب لتفويتها المحرّم قطعا فيكون حراما أيضا.
و فيه نظر،بل العمدة هو الإجماع المعتضد بظواهر جملة من النصوص، منها المرتضوي المروي في نهج البلاغة:«لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلاّ فاصلا (2)في سبيل اللّه أو في أمر تعذر به» (3).
و لا خلاف فيما فيه من الاستثناء،و يعضده إباحة الضرورات للمحظورات المتفق عليها نصّا و فتوى و اعتبارا.
و أمّا في سفر البعيد إلى جهة الجمعة أو عن الجمعة إلى أخرى فوجهان، و احتمل في الذكرى ثالثا مفصّلا بين ما لو كانت قبل محل الترخص كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان فيجوز إن أمكن الفرض،و ما لو كانت في محلّه فلا (4).
و يكره بعد الفجر إجماعا كما في التذكرة و المنتهى (5)،و في الأوّل الإجماع على عدم كراهيته ليلا،و لا ريب فيه،للأصل،كما لا ريب في الأوّل،
ص:350
للإجماع المعتضد بإطلاق المنع في جملة من الروايات،مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن.
الثانية:يستحب الإصغاء إلى الخطبة و استماعها.و لا يجب،وفاقا للمبسوط و جماعة (1)،للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة،عدا ما استدلّ به على الوجوب من انتفاء الفائدة بدونه،و الآية الآمرة بالإنصات و الاستماع للقرآن (2)، بناء على ما ذكروا في التفسير من ورودها في الخطبة،و سمّيت قرآنا لاشتمالها عليه (3)،و عموم المعتبرة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام (4).
و شيء من ذلك لا يصلح للخروج عن الأصل،لمنع حصر الفائدة في الإصغاء خصوصا غير الوعظ،و معارضة التفسير المتقدم بما عن تفسير العيّاشي (5)من أنها في الصلاة المكتوبة (6).
و عن تفسير علي بن إبراهيم:أنها في صلاة الإمام الذي يأتم به (7).
و عن التبيان أنّ فيها أقوالا،الأوّل:أنها في صلاة الإمام،فعلى المقتدي به الإنصات.و الثاني:في الصلاة فإنهم كانوا يتكلّمون فيها فنسخ.و الثالث:
أنها في خطبة الإمام.و الرابع:أنها في الصلاة و الخطبة.قال الشيخ:و أقواها الأول،لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلاّ حال قراءة الإمام في
ص:351
الصلاة،فإنّ على المأموم الإنصات لذلك و الاستماع له،فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات و الاستماع،و عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه في حال الصلاة و غيرها،و ذلك على وجه الاستحباب (1).
و نحوه في نفي الخلاف عن[عدم] (2)وجوب الإنصات خارج الصلاة عن فقه القرآن للراوندي (3).و هو دليل آخر على الاستحباب.
هذا مع أخصّية هذا الدليل عن المدّعى كالسابق (4)،و ضعف عموم المعتبرة بما سبق إليه الإشارة (5).
و قيل:يجب و القائل الشيخ في النهاية و أكثر الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في عبائر جمع (6).و لعلّه الأظهر،لما مرّ من الأدلة مع ضعف ما قيل في الجواب عنها،إذ لا وجه لمنع الحصر بعد عدم تصور فائدة غير الإصغاء،و الأخصية باختصاصها بالوعظ مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أجزاء الخطبة،مع احتمال استلزام لزوم الإصغاء إليه لزومه بالإضافة إلى الباقي و لو من باب المقدمة،سيّما على القول بعدم لزوم الترتيب بين أجزائها،فتأمل.
و بنحو هذا يجاب عن أخصية الدليل الثاني،و معارضة مبناه بمثله حسن إلاّ أن غايتها القدح في البناء،و هو لا يستلزم عدم إمكان الاستدلال بالآية بوجه آخر و هو الإطلاق الشامل لمحل النزاع.و دفعه بنفي الخلاف المتقدم المنقول
ص:352
حسن إن لم يكن في محل النزاع موهونا و الحال أنه موهون،كيف لا و المخالف موجود،و هو كاف في وهنه و إن كان واحدا فضلا عن أن يكون مشهورا.
و تضعيف المعتبرة بما سبق إليه الإشارة قد عرفت ضعفه.
و بهذه الأدلة يضعّف الأصل سيّما بعد اعتضادها بالاحتياط و النصوص الناهية عن الكلام،بناء على ظهور أن وجه النهي فيها إنما هو وجوب الإصغاء، و لذا كان حكمهما متلازما فتوى كما أشار إليه بقوله و كذا الخلاف في تحريم الكلام معها فكل من أوجب الإصغاء حكم بالتحريم هنا،و من قال بالكراهة فيه قال باستحباب الإصغاء،ففي المرسل:«لا كلام و الإمام يخطب،و لا التفات إلاّ كما يحلّ في الصلاة،و إنما جعلت الجمعة ركعتين» (1)إلى آخر ما مرّ إليه الإشارة في بحث اشتراط الطهارة.
و نحوه بعينه الرضوي و المرتضوي المروي عن دعائم الإسلام (2)،لكن بدون قوله:«و إنما جعلت»إلى آخره.
و أظهر منه الآخر المروي عنه أيضا أنه عليه السلام قال:«يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه» (3).
و الصادقي المروي عنه:«إذا قام الإمام يخطب وجب على الناس الصمت» (4).و هو نصّ في الوجوب.
و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة و الاعتضاد بالأدلة المتقدمة، مضافا إلى الإجماع المنقول في الخلاف هنا (5)،فتأمل.
ص:353
و فحوى الصحيحة المانعة عن الصلاة حال الخطبة (1)،فإن المنع عنها يستلزم المنع عن نحو الكلام بطريق أولى.
نعم ربما يؤيد الكراهة وقوع التعبير عن المنع بلفظها في بعض النصوص المروي عن قرب الإسناد (2)،و ب«لا ينبغي»في الصحيح (3)،لكنهما محمولان على التحريم جمعا،مع ضعف الرواية الأولى بأبي البختري جدّا.
ثمَّ إنّ وجوب الإصغاء هل يختص بالعدد أم يعمّ الحاضرين،و كذا تحريم الكلام هل يختص بهم أم يعمّهم و الإمام؟ وجهان،بل قولان.ظاهر الأدلة:الثاني في المقامين.خلافا للتذكرة فيهما،و فيها:إن الخلاف إنما هو في القريب السامع،أما البعيد و الأصمّ فإن شاءا سكتا و إن شاءا قرءا و إن شاءا ذكرا (4).
و اعلم أنّ وجوب الإصغاء و ترك الكلام تعبدي لا شرطي،فلا يفسد الخطبة و لا الصلاة بالإخلال بهما إجماعا،كما عن التحرير و نهاية الإحكام و غيرهما (5).
الثالثة:الأذان الثاني للجمعة و هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت،سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرهما بدعة لتأدّي الوظيفة بالأول،فيكون هو المأمور به و ما سواه بدعة،لأنه لم يفعل في عهده صلّى اللّه عليه و آله و لا في عهد الأوّلين،و إنما أحدثه عثمان أو
ص:354
معاوية على اختلاف النقلة،و إذا لم يكن مشروعا أوّلا فتوظيفه ثانيا على الوجه المخصوص يكون بدعة و إحداثا في الدين ما ليس منه فيكون محرّما.
و للخبر:«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (1).
فإنّ المشهور أنّ المراد بالثالث فيه هو الثاني المفروض،و إنّما سمّي ثالثا-كما عن بعض الأصحاب أيضا- (2)لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرّع للصلاة أذانا و إقامة،فالأذان الثاني يكون بالنسبة إليهما ثالثا،و سمّيناه ثانيا لوقوعه بعد الأول و ما بعده يكون إقامة،صرّح بذلك الماتن في المعتبر و غيره (3).
و لكن احتمل كون المراد بالثالث فيه أذان العصر،و لذا قيل بالمنع عنه، و هو ضعيف.و إلى هذا القول ذهب الحلّي (4)و جمهور المتأخرين.
و قيل: إنه مكروه و القائل الشيخ في المبسوط و اختاره الماتن في المعتبر (5)،للأصل،و ضعف الخبر،و عموم البدعة فيه للحرام و غيره،و حسن الذكر و الدعاء إلى المعروف و تكريرهما،قال الماتن:لكن من حيث لم يفعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و لم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة.
و يدفع الأصل بما مرّ.و يجبر ضعف الخبر بعمل الأكثر.و يمنع عموم البدعة لغير الحرام لظهورها بحكم التبادر فيه،و في الصحيح:«ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار» (6).
ص:355
و حسن الذكر و التكرير مسلّم إن لم يقصد به التوظيف على الوجه المخصوص،و إلاّ كما هو محل البحث فممنوع.
و أرى النزاع هنا لفظيا كما صرّح به بعض الأصحاب (1)،للاتفاق على حرمة التشريع و حسن الذكر الخالي عنه،و إن أطلقت العبارات بالمنع أو الكراهة،لكن سياقها ظاهر في التفصيل و أن المقصود بالمنع صورة التشريع و بالجواز غيرها.
ثمَّ إن تفسير الثاني بما مرّ خيرة ثاني المحقّقين و الشهيدين (2)،و احتمل الأول تفسيره بما لم يقع بين يدي الخطيب،سواء وقع أوّلا أو ثانيا،لأنه الثاني باعتبار الإحداث.و حكاه الثاني عن بعض الأصحاب مضعّفا له كالأوّل بأن كيفية الأذان الواقع في عهده غير شرط في شرعيته إجماعا،إذ لو وقع قبل صعود الخطيب إلى المنبر أو خطب على الأرض و لم يصعد منبرا لم يخرج بذلك عن الشرعية،و إنما المحدث ما فعل ثانيا كيف كان.
و قيل في تفسيره غير ذلك (3).
و ظاهرها كالآية و العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة توقف التحريم على الأذان،و مقتضاه عدمه قبله مطلقا و لو زالت الشمس،و به صرّح جماعة و منهم الفاضل في النهاية و المنتهى (1)مدّعيا عليه إجماعنا،مع أنه في الإرشاد رتّبه على الزوال (2)،و اختاره في روض الجنان،قال:لأنه السبب الموجب للصلاة،و النداء إعلام بدخول الوقت،فالعبرة به،فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق،لوجود العلّة و وجوب السعي المترتب على دخول الوقت و إن كان في الآية مترتبا على الأذان،إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي،فإنّ المندوب لا يكون شرطا للواجب (3).
و لا يخلو عن نظر،سيّما في مقابلة الإجماع المنقول المعتضد بعمل الأكثر.
و في اختصاص الحكم (4)بالبيع أو عمومه لأنواع المعاوضات بل مطلق الشواغل قولان.
من الأصل،و اختصاص دليل المنع من الكتاب و السنّة به.
و من إشعار ما هو كالتعليل في الأول بالعموم،مع إمكان دعوى قطعية المناط بالاعتبار في المنع عن البيع،و هو خوف الاشتغال عن الصلاة الحاصل في محل النزاع.لكن هذا إنما يتوجه على تقدير اختصاص المنع عن البيع بصورة حصول الاشتغال به لا مطلقا،لكن الدليل مطلق كالفتاوي،مع تصريح بعضهم بالمنع عنه مطلقا كالمحقّق الثاني (5)،لكن يمكن الجواب عنه
ص:357
بانصراف الإطلاق إلى الصورة الأولى،لكونها الغالب دون غيرها.
ثمَّ إنّ الحكم بالتحريم لمن توجّه إليه الخطاب بالجمعة واضح،و في غيره الواقع طرف المعاوضة وجهان،بل قولان:من الأصل،و اختصاص المانع بحكم التبادر بالأوّل.و من إعانته على الإثم المحرّمة كتابا و سنّة،و هذا أجود حيثما تحصل،و إلاّ فالجواز.
و اعلم أنه لو باع انعقد البيع و صحّ و إن أثم،وفاقا للأكثر،بل عليه عامة من تأخر،لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد.و قيل:
لا ينعقد (1)،تضعيفا للدليل.
و التحقيق في الأصول.
الخامسة:إذا لم يكن الإمام عليه السلام موجودا أي كان غائبا عنّا كزماننا هذا و أمكن الاجتماع و الخطبتان استحبت الجمعة (2)و كانت أفضل الفردين الواجبين،وفاقا للأكثر،قيل:لعموم الأوامر بالجمعة من الكتاب و السنّة،و مقتضاها الوجوب،و هو أعم من العيني و التخييري،و لمّا انتفى الأوّل بالإجماع تعيّن الثاني (3).
و للمعتبرة،منها الصحيح:حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه،فقلت:نغدو عليك فقال:«[لا]إنما عنيت عندكم» (4).
و الموثق:«مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللّه تعالى»قال،قلت:
ص:358
كيف أصنع؟قال:«صلّوا جماعة»يعني صلاة الجمعة (1).
و في الجميع نظر،لمنع أعمية الوجوب المستفاد من الأمر من العيني و التخييري،لاختصاصه بحكم التبادر بالأوّل دون الثاني،و لو سلّم فغايتها الدلالة على وجوب الجمعة الصحيحة،و هي على ما عرفت ما كانت بإذن الإمام مقرونة،و ليست بمفروض المسألة.
و دعوى حصول الإذن للفقيه الجامع لشرائط الفتوى في صلاتها ممنوعة،لعدم ظهور دليل يدل عليه لا من إجماع لمكان الخلاف،و لا من رواية لاختصاصها بإفادة الإذن له في خصوص الحكومة و الفتوى،و هما غير الإذن له في صلاة الجمعة و فعلها.
و دعوى الأولوية ممنوعة هنا قطعا،لظهور أن الإذن في الحكومة و الفتيا إنما هو للزوم تعطيل الأحكام و تحيّر الناس في أمور معادهم و معاشهم و ظهور الفساد فيهم و استمراره إن لم يقضوا أو يفتوا،و لا كذلك الجمعة إذا تركت كما لا يخفى،هذا.
و مفاد هذا الكلام على تقدير تسليمه إنما هو اختصاص الاستحباب بصورة وجود الفقيه و حرمتها من دونه،و هو خلاف ما يقتضيه إطلاق العبارة و كلام جماعة بل أكثر المجوّزين كما صرّح به في روض الجنان فقال:ثمَّ على تقديره -أي الاستحباب-هل يشترط في شرعيتها حينئذ الفقيه الشرعي أم يكفي اجتماع باقي الشرائط و الايتمام بإمام يصحّ الاقتداء به في الجماعة؟أكثر المجوّزين على الثاني،و هم بين مطلق للشرعية مع إمكان الاجتماع و الخطبتين،و بين مصرّح بعدم اشتراط الفقيه،و ممّن صرح به أبو الصلاح،
ص:359
و نقله عنه المصنف في المختلف،و صرّح به أيضا الشهيد في الذكرى، و المستند إطلاق الأوامر من غير تقييد بالإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا، خرج منه ما اجمع عليه،و هو مع إمكان إذنه و حضوره،فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط (1).
أقول:ما ذكره من إطلاق الأوامر من غير تقييد ممنوع،لما عرفت من الأدلة على اشتراط الإذن مطلقا و و لذا منعه أي عقد الجمعة في هذه الأزمنة قوم كالمرتضى و الحلّي و الديلمي و غيرهم (2)،و تبعهم من المتأخرين الفاضل في المنتهى،و جهاد التحرير كما قيل،و الشهيد في الذكرى (3).
و في عبارات كثير من الأصحاب المجوّزين لفعلها زمن الغيبة ما يدلّ عليه،كعبارة الشهيد-رحمه اللّه-في الدروس و اللمعة و الفاضل في النهاية (4)، فإنهم عبّروا بأن الفقهاء يجمّعون في حال الغيبة،و لو كان اشتراط الإذن مختصا بحال الحضور لجاز فعلها في غيرها مطلقا و لو لغير الفقيه،و حينئذ فلا وجه لتخصيصهم الرخصة به،فليس ذلك إلاّ لعموم الاشتراط.
و قد بالغ المحقّق الثاني في تعميم الاشتراط فقال:لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أنّ اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام و غيبته،و عبارات الأصحاب ناطقة بذلك،ثمَّ نقل الإجماعات المنقولة على الاشتراط مطلقا عن التذكرة و الذكرى و غيرهما،ثمَّ قال:فلا يشرع فعل
ص:360
الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط،و قد نبّه المصنف على ذلك في المختلف و الشهيد في شرح الإرشاد.و ما يوجد من إطلاق بعض العبارات بفعل الجمعة من غير تقييد-كما في عبارات هذا الكتاب-فللاعتماد فيه على ما تقرّر من المذهب و صار معلوما،بحيث صار التقييد به في كل عبارة ممّا يكاد يعدّ تسامحا (1).انتهى.
و حيث ثبت اشتراط الاذن مطلقا قوي المنع و لو للفقيه،لعدم دليل على الجواز أصلا،سوى ما سبق من عموم الأمر،و ضعفه قد ظهر،و المعتبرة،و هي غير واضحة الدلالة،لاحتمال استناد الجواز فيها إلى إذن الإمام عليه السلام، و هو يستلزم نصب نائب من باب المقدمة،كما نبّه عليه الفاضل في النهاية فقال:لمّا أذن لزرارة و عبد الملك جاز،لوجود المقتضي و هو إذن الإمام (2).
أقول:مع احتمال اختصاص الإذن لهما بفعلهما مع العامة كما يفهم من المقنعة حيث قال:و يجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، و يستحب مع من خالفهم تقية و ندبا روى هشام (3).ثمَّ نقل الصحيحة،مؤذنا بفهمه منها اختصاص الرخصة بفعلها مع العامة.
و يؤيد هذا عدم تمكن الأئمة عليهم السلام و أصحابهم يومئذ من إقامتها مطلقا،للتقية،و إلاّ لوجبت عليهم الإقامة عينا و لو مرّة،هذا.
و لا ريب أنّ المنع أحوط بعد الإجماع منهم على الظاهر المصرّح به كما عرفت في كثير من العبائر على إجزاء الظهر،لعدم وجوب الجمعة عينا.
و مرجعه إلى أنّ اشتغال الذمة بالعبادة يوم الجمعة يقينا يستدعي البراءة
ص:361
اليقينية،و هي تحصل بالظهر،للإجماع عليها دون الجمعة.
و لعلّ هذا مراد من استدل على المنع عنها بأنّ الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرأ المكلّف إلاّ بفعلها.
أو يكون المراد من ثبوتها في الذمة بيقين أنّ اللّه سبحانه ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدّة مديدة من البعثة،و كان الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلّفين في تلك المدّة هو الظهر بالضرورة،ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين خاصة لا كلّية بالإجماع و الضرورة و الأخبار المتواترة،فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع،و من لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتى يثبت خلافه و لم يثبت.
و مرجعه إلى استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة،و هو وجوب الظهر على جميع المكلّفين،و بعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلاّ بالنسبة إلى بعضهم،و كوننا منهم أوّل الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.
و أمّا الاستدلال على الاستحباب بالاستصحاب بتخيّل أنّ الإجماع واقع من جميع أهل الإسلام على وجوب الجمعة في الجملة حال ظهور الإمام عليه السلام بالشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة.
فمنظور فيه،لمعارضته بإجماعهم على عدم الوجوب على من اختلّ فيه أحد الشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة.و دعوى اجتماع الشرائط في زمان الغيبة ممنوعة،كيف لا و هو أوّل المسألة،و ليس قولك هذا أولى من قول من يدّعي عدم اجتماعها في زماننا،بل هذا أولى،لما مضى.
مع أنّ الوجوب المجمع عليه حال الظهور هو العيني لا التخييري، و الاستصحاب لو سلّم يقتضي ثبوت الأوّل لا الثاني.
السادسة:إذا حضر إمام الأصل مصرا لم يؤمّ غيره إلاّ لعذر بلا
ص:362
خلاف فيه بين علمائنا كما في المنتهى (1)،و في غيره بين المسلمين (2)، و للنص:«إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع الناس،ليس ذلك لأحد غيره» (3).
و في السرائر لأنه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة و التمكن و سقوط الأعذار (4).
السابعة:لو ركع المأموم مع الإمام في الركعة الأولى و منعه الزحام عن السجود معه فيها لم يركع مع الإمام في الركعة الثانية بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها فإذا سجد الإمام سجد المأموم معه و نوى بهما أي بالسجدتين المدلول عليهما بالسجود كونهما منه ل الركعة الأولى و صحّت جمعته إجماعا،كما في المعتبر و المنتهى و التنقيح و الذكرى (5).
و لو نوى بهما للأخيرة أو أهمل بطلت الصلاة وفاقا للنهاية و الحلّي و جماعة (6).
أمّا على الأول فلأنه إن اكتفى بهما للأولى و أتى بالركعة الثانية تامة خالف النية،و إنما الأعمال بالنيات،و إن ألغاهما و أتى بسجدتين أخريين للأولى ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا،و إن اكتفى بهما و لم يأت بعدهما إلاّ بالتشهد و التسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين و من الثانية ما قبلهما.
ص:363
و أمّا على الثاني فلأن متابعة الإمام تصرفهما إلى الثانية ما لم ينوهما للأولى.
و قيل في الأوّل،و القائل المرتضى في المصباح و الشيخ في المبسوط و الخلاف و غيرهما (1):لا تبطل بل يحذفهما و يسجد أخريين ل الركعة الأولى للنص:«و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية،و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي أنهما للركعة الاولى و عليه بعد ذلك ركعة تامة» (2).
و للإجماع على ما في الخلاف.و فيه وهن،لمكان الخلاف،و ندرة القائل به.
و في الأوّل قصور من حيث السند،بل و الدلالة أيضا كما صرّح به جماعة (3)،و ذلك لجواز أن يكون قوله عليه السلام:«و عليه أن يسجد»إلى آخره مستأنفا بمعنى أنه كان عليه أن ينويهما للأولى،فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.
و في الذكرى:ليس ببعيد العمل بهذه الرواية،لاشتهارها بين الأصحاب،و عدم وجود ما ينافيها.و زيادة سجدة مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه،و هذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الإبطال عن الدلالة.و أمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار،على أنّ الشيخ قال في الفهرست:إنّ كتاب حفص يعتمد عليه (4).
ص:364
و فيه-بعد تسليم دعواه الشهرة مع أنها على الخلاف ظاهرة-أنّ الجبر بها فرع وضوح الدلالة مع أنها كما عرفت غير واضحة،و مع ذلك المنافي لها موجود كما يفهم من المبسوط حيث قال:إنّ على البطلان رواية (1).و هذه أظهر رجحانا من تلك و إن كانت مرسلة،لانجبارها بالأخبار الدالّة على الإبطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية.
و خالف الحلّي و جماعة (2)في الثاني فقالوا بالصحة،لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة،فهما على هذا تنصرفان إلى الاولى.
و في المنتهى:إنه ليس بجيّد،لأنه تابع لغيره،فلا بدّ من نية تخرجه عن المتابعة في كونهما للثانية،و ما ذكره من عدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب،أمّا مع قيامه فلا (3).
و يضعّف:بأن وجوب المتابعة له لا يصيّر المنوي له منويا للمأموم و لا يصرف فعله عمّا في ذمته،و الأصل في صلاته الصحة،و ما ذكره لا يصح سببا للبطلان.
و اعلم أنّ ما مرّ إنما هو إذا لم يتمكن المأموم من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية،و إلاّ سجد ثمَّ نهض و ركع مع الإمام بلا خلاف أجده،و به صرّح في المنتهى (4)،بل قيل:اتفاقا (5).
قيل:و لا يقدح ذلك في صلاته،للحاجة و الضرورة،و مثله وقت في صلاة
ص:365
عسفان حيث سجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و بقي صفّ لم يسجد،و المشترك الحاجة (1).
ص:366
و سنن الجمعة أمور:
منها:الغسل،و قد مرّ.
و منها التنفل بعشرين ركعة زيادة عن كل يوم بأربع ركعات على الأشهر فتوى و رواية.
خلافا للمحكي عن الإسكافي،فزاد ركعتين نافلة العصر (1)،للصحيح الآتي.و فيه:أنهما بعد العصر.
و عن الصدوقين،فكسائر الأيام إذا قدّمت النوافل على الزوال أو أخّرت عن المكتوبة (2).
و في الصحيح:عن صلاة النافلة يوم الجمعة،فقال:«ست عشرة ركعة قبل العصر،و كان علي عليه السلام يقول:ما زاد فهو خير»و قال:«إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار،و ست ركعات في نصف النهار، و يصلّي الظهر و يصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر» (3).
و في آخر:«النافلة يوم الجمعة ست ركعات قبل زوال الشمس،و ركعتان عند زوالها،و بعد الفريضة ثماني ركعات» (4).
و ظاهر النص و الفتوى عموم استحباب العشرين لمن يصلّي الجمعة أو الظهر.و عن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأول فإنه قال:و السرّ فيه أن
ص:367
الساقطة ركعتان فيستحب الإتيان ببدلهما،و النافلة الراتبة ضعف الفريضة (1).
و فيه نظر.
و في الرضوي:«إنما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم و تفرقة بينه و بين سائر الأيام» (2).
و ينبغي فعل العشرين كلّها قبل الزوال وفاقا للأكثر كما قيل (3)،لتظافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال و الجمع فيه بين الفرضين و نفي التنفل بعد العصر (4).
و الصحيح:عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة،قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟قال:«قبل الصلاة» (5).
و الخبر:«إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة» (6).
و في المنتهى:و لأنّ وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا،إذ يجوز فعلها فيه،و في غيره لا يجوز،و تقديم الطاعة أولى من تأخيرها (7).
خلافا لوالد الصدوق فتأخيرها عن الفريضة أفضل (8)،للخبرين (9).
ص:368
و حملا على ما إذا زالت الشمس و لم يتنفل.
و يستحب التفريق بأن يصلّي ستّ عند انبساط الشمس،و ستّ عند ارتفاعها،و ستّ قبل الزوال،و ركعتان عنده قبل تحقّقه،وفاقا للأكثر كما قاله بعض الأفاضل،مستدلاّ عليه بالصحيح:عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟قال:«ستّ ركعات بكرة،و ستّ بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة،و ستّ ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة،و ركعتان بعد الزوال،فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة» (1).
قال:فإن البكرة و إن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو يعمه،لكن كراهية التنفل بينهما و عند طلوع الشمس دعتهم إلى تفسيرها بالانبساط.
و في الخبر:«أمّا أنا فإذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ستّ ركعات» (2).
و في آخر مروي في السرائر:«فافعل ستّا بعد طلوع الشمس» (3).
و لمّا كره التنفل بعد العصر و تظافرت الأخبار بأن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره (4)،و روي أن الأذان الثالث فيه بدعة (5)،و كان التنفل قبلها
ص:369
يؤدي إلى انفضاض الجمعة رجّحوا هذا الخبر على الصحاح و غيرها المتضمنة للتنفل بست ركعات منها بين الصلاتين أو بعدهما،و لمّا تظافرت الأخبار بأنّ وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال و أنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل«بعد الزوال»في الخبر على احتماله كما في الخبر:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ الركعتين،فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» (1).
و في الصحيح:عن ركعتي الزوال يوم الجمعة،قبل الأذان أو بعده؟ فقال:«قبل الأذان» (2).
و في الرضوي المروي في السرائر عن كتاب البزنطي:«إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين،فإذا زالت فصلّ الفريضة ساعة تزول» (3).
و الصادقي المروي فيه عن كتاب حريز:«و ركعتين قبل الزوال» (4).
انتهى (5).
و في بعض ما ذكره من المقدّمات لتصحيح الاستدلال بالصحيح إشكال،كدعواه الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال فإنه خيرة العماني خاصة (6)كما يظهر من جماعة (7)مدّعين على استحباب تأخيرها عنه
ص:370
الشهرة،و الصحيحة المتقدمة بذلك صريحة،لكن الأدلة التي ذكرها أقوى منها،فما ذكره من استحباب التقديم لا يخلو عن قوة،مع أن المقام مقام استحباب،فلا مشاحّة في اختلاف الروايات فيها،فإنّ العمل بكلّ منها حسن إن شاء اللّه تعالى.
و منها حلق الرأس لمن اعتاده و قصّ الأظفار أو حكّها إن قصّت في الخميس و الأخذ من الشارب.
و مباكرة المسجد و المبادرة إليه،و أن يكون على سكينة و وقار و المراد بهما إمّا واحد و هو التأنّي في الحركة و المشي،أو المراد بأحدهما الاطمئنان ظاهرا و بالآخر قلبا،أو التذلّل ظاهرا و باطنا،كلّ ذلك إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما في بعض النصوص.
و أن يكون متطيّبا لابسا أفضل ثيابه و أنظفها و الدعاء بالمأثور، قيل:و غيره (1)أمام التوجه إلى المسجد.
كلّ ذلك للنصوص المستفيضة (2)،عدا حلق الرأس فلم أجد به رواية عدا ما قيل من أنه ورد في بعض الأخبار أن مولانا الصادق عليه السلام كان يحلق رأسه في كل جمعة (3).و يمكن إدخاله فيما ورد من الأمر بالتزين يوم الجمعة (4).
و يستحب الجهر بالقراءة في الفريضة جمعة كانت أ و ظهرا
ص:371
بلا خلاف في الأول،بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضا (1)،و على الأشهر الأقوى في الثاني أيضا،بل عليه الإجماع في الخلاف (2)،للصحاح و غيرها (3).
و قيل بالمنع مطلقا،للصحيحين (4).و حملا على التقية كما يشعر به بعض تلك الصحاح:«صلّوا في السفر الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة»فقلت:إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر،قال:«اجهروا بها» (5).
هذا مع أن القائل بهذا القول بعد لم يظهر،نعم حكاه الماتن في المعتبر قائلا أنه الأشبه بالمذهب (6).و استقر به بعض من تأخر (7).
و وافقه الحلّي فيما إذا صلّيت فرادى و استحب الجهر إذا صلّيت جماعة (8)،للصحيح المروي عن قرب الإسناد:عن رجل صلّى العيدين وحده و الجمعة هل يجهر فيها؟قال:«لا يجهر إلاّ الإمام» (9).
ص:372
قيل:و رواه المرتضى (1).
و يدفعه الصحيحان،في أحدهما:عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟فقال:«نعم» (2).
و قريب منه الثاني (3).و إطلاق ما عدا الصحيح الماضي.
و أن يصلّي في المسجد و لو كانت صلاته تلك ظهرا قيل:
للعمومات (4)،و للنص:إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يبكّر إلى المسجد حين تكون الشمس قدر رمح،فإذا كان شهر رمضان يبكّر قبل ذلك و كان يقول:«إنّ لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل رمضان على سائر الشهور» (5)فتدبر.
و أن يقدّم المصلّي ظهره إذا لم يكن الإمام الذي يريد صلاة الجمعة معه عادلا مرضيا كما في الحسن:قلت لأبي جعفر عليه السلام:كيف تصنع يوم الجمعة؟قال:«كيف تصنع أنت؟»قلت:أصلّي في منزلي ثمَّ أخرج فأصلّي معهم،قال:«كذلك أصنع أنا» (6).
و لو صلّى معه ركعتين و أتمّهما ظهرا بعد تسليم الإمام جاز للمعتبرة،منها الصحيح:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّ أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة و لم يفصل بينهنّ
ص:373
و منها:صلاة العيدين أي عيدي الفطر و الأضحى.
و هي واجبة جماعة بإجماعنا،و المستفيض بل المتواتر من أخبارنا، و إنما تجب بشروط الجمعة المتقدمة بلا خلاف أجده فيما عدا الخطبة، بل بالإجماع عليه صرّح جماعة كالمرتضى في الانتصار و الناصرية،و الشيخ في الخلاف،و الفاضل في المنتهى،و المحقّق الثاني في شرح القواعد،و الفاضل المقداد في شرح الكتاب (1)،لكنه و المنتهى عبّرا فيما عدا العدد بلا خلاف،إلاّ أنّ الظاهر أنّ مرادهما به الإجماع كما حكي أيضا عن الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة (2).و هو الحجّة.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة القريبة من التواتر،بل المتواترة في اعتبار الإمام و الجماعة (3)،و جملة منها و إن نكّرت الإمام و قابلت الجماعة بالوحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة،لكن
ص:375
جملة أخرى منها عرّفته باللام،فيظهر أنّ المقصود من التنكير ليس ما ذكر و إلاّ لما عرّف،و حينئذ فيحمل على ما هو عند الإطلاق و التجرد عن القرينة متبادر.
و مقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الإشعار المعتدّ به،سيّما على القول بمنع الجماعة فيها مع فقد الشرائط،مع أنه على تقدير تسليمه معارض بظاهر الموثق،بل صريحه:قلت له:متى يذبح؟قال:«إذا انصرف الإمام» قلت:فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة،فقال:«إذا استقلّت الشمس«و قال:«لا بأس أن تصلّي وحدك،و لا صلاة إلاّ مع إمام» (1)فتدبّر.
هذا مضافا إلى بعض ما مرّ في اشتراط هذا الشرط في بحث الجمعة من القاعدة و عبارة الصحيفة السجادية (2).
و يدل على اعتبار العدد مضافا إلى الإجماع الظاهر المصرّح به هنا على الخصوص في الخلاف و المنتهى و غيرهما (3)الصحيح:في صلاة العيدين«إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» (4).
و ظاهره الاكتفاء بالخمسة.خلافا للعماني فاشترط السبعة مع اكتفائه بالخمسة في الجمعة (5)،و الظاهر أنه رواه كما يظهر من عبارته المحكية (6).
و لم أر ما يدل على اعتبار الوحدة عدا الإجماع و توقيفية العبادة المؤيدين
ص:376
بظاهر الصحيح:«قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام:ألا تخلف رجلا يصلّي العيدين؟قال:لا أخالف السنّة» (1).
و أظهر منه المروي عن دعائم الإسلام و فيه:قيل له:يا أمير المؤمنين لو أمرت من يصلّي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد،قال:«أكره أن أستنّ سنّة لم يستنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و نحوه المروي في البحار،عن كتاب عاصم بن حميد،عن محمّد بن مسلم،عن مولانا الصادق عليه السلام (3).
و عن كتاب المحاسن عن رفاعة عنه (4).
و في هذه الأخبار دلالة واضحة على كون صلاة العيدين منصب الإمام، لمكان استيذان الناس منه نصب إمام لها،و على ما ذكرنا فلا وجه للتوقف في اعتبار هذا الشرط كما يحكى عن الفاضل في التذكرة و النهاية (5)،و لا في اعتبار الشرط الأوّل كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين و منهم خالي العلامة المجلسي (6)طاب رمسه.
و أما الخطبتان فظاهر العبارة كغيرها اشتراطهما،وفاقا لصريح المبسوط و جماعة (7)،بل قيل:إنه خيرة الأكثر (8)،و ظاهر الخلاف دعوى الإجماع عليه،
ص:377
حيث ادّعاه على اشتراط وجوب العيدين بشرائط الجمعة و لم يستثن الخطبة (1).
و عن القاضي أنهما واجبتان عندنا (2)،مشعرا بدعوى الإجماع.
و لعلّه الأقوى،له،و لصريح الرضوي:«صلاة العيد مع الإمام فريضة و لا تكون إلاّ بإمام و خطبة» (3).
مع أنه المعهود من فعلهم و المأثور من أوامرهم.و ذكرهم الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك،إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية إلاّ ما أخرجه الدليل.
خلافا للمحكي عن النزهة و المعتبر (4)،فاستحبّاهما،و ادّعى الأخير الإجماع عليه،و نسبه في الدروس و الذكرى إلى المشهور (5).و هو غريب،فإنّا لم نقف على مصرّح بالاستحباب عداهما و إن تبعهما من متأخري المتأخرين جماعة (6)،للأصل.و يدفع بما مرّ.
و لأن الخطبتين متأخرتان عن الصلاة،و لا يجب استماعهما،إجماعا في المقامين كما حكاه جماعة (7)،و دلّ على الأوّل منهما المعتبرة المستفيضة (8).
و يدفع بمنع الملازمة،ألا ترى أنّ جمعا من الأصحاب قالوا بعدم وجوب
ص:378
استماع خطبة الجمعة مع أن اشتراطها فيها مجمع عليه بلا شبهة.
و اختار الفاضل الوجوب دون الشرطية (1)،للأمر به في بعض النصوص و لو في ضمن الجملة الخبرية،مع عدم ما يدلّ على الشرطية،فتكون بالأصل مدفوعة.و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.
و يدخل في شروط الجمعة ما يتعلّق منها بالمكلّفين بها،فلا تجب هذه الصلاة إلاّ على من تجب عليه الجمعة،و لا خلاف فيه بينهم أجده،و به صرّح في الذخيرة حاكيا هو كغيره التصريح بالإجماع عليه عن التذكرة،و في المنتهى لا نعرف فيه خلافا (2).
و المعتبرة من الصحاح و غيرها به في المسافر و المريض و المرأة مستفيضة (3)،و يلحق الباقي بعدم القائل بالفرق بينه و بينهم بين الطائفة،مضافا إلى الرضوي المصرّح بأنها مثل صلاة الجمعة واجبة إلاّ على خمسة:المريض و المملوك و الصبي و المسافر و المرأة (4).و هو ظاهر بل نصّ في المطلوب بتمامه و إن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه،فإنه كبعض الصحاح المتقدمة في الجمعة يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم بنحو ما مرّ فيه الإشارة (5).
و هي مندوبة مع عدمها أي تلك الشروط أو بعضها أو فوتها مع اجتماعها و بقاء وقتها جماعة و فرادى على الأشهر،بل عليه عامة من تأخر، و في ظاهر كلام الحلّي و القطب الراوندي (6)دعوى الإجماع على جواز فعلها
ص:379
جماعة-كما سيظهر-ففرادى أولى،و هو الحجّة،مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.
خلافا للعماني و المقنع (1)،فمنعا عنها مطلقا،للنصوص المتقدمة المتضمنة لأنه لا صلاة إلاّ مع إمام (2)،و خصوص بعضها:أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أ يصلي في بيته؟قال:«لا» (3).
و هي محمولة على أنه لا صلاة واجبة إلاّ معه،ألا ترى إلى الموثق:
«لا صلاة في العيدين إلاّ مع إمام،و إن صلّيت وحدك فلا بأس» (4)و نحوه آخر (5).
و للحلبي فمنع عنها جماعة خاصة (6)،كما هو ظاهر المحكي عن المقنعة و التهذيب و المبسوط و الناصرية و جمل العلم و العمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و الخلاف (7)،و قوّاه من فضلاء المعاصرين جماعة (8)،لظاهر الموثقين و سيّما ثانيهما،حيث إنه بعد ما سئل فيه عن فعلها
ص:380
جماعة حيث لم يكن إمام الأصل،لم يجب بنعم،بل أجاب ببيان وقت الذبح ثمَّ أردفه بقوله:«و إن صلّيت وحدك»إلى آخره.
و قريب منهما الصحيح:«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيب بما وجد،و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة» (1).
مضافا إلى ورود النهي في الموثق عن إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت (2)،و لا قائل بالفرق.
مع سلامته كسابقه عمّا يصلح للمعارضة،عدا مرسلة كالموثقة:
«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة» (3)و نحوها رواية أخرى مروية عن كتاب الإقبال مسندة (4).
و هما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحتي الدلالة بعد قرب احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا،صلّيت وجوبا في جماعة أو ندبا في غيرها،ردّا على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الإمام.
مع أنّ التخيير المستفاد من إطلاقهما-لو لم نقل بأن المراد بهما هذا- مخالف للإجماع،لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط و إلاّ فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا،فلا بدّ فيه من مخالفة للظاهر،و هي كما يحتمل أن يكون ما ذكر كذا يحتمل أن يكون ما ذكرنا.بل لعلّه أولى، للنصوص المتقدمة التي هي في الدلالة على اعتبار الانفراد ظاهرة،و على تقدير
ص:381
التساوي فهو يوجب التساقط.
فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في مطلق النافلة على المنع أقوى حجة.
و دعوى الحلّي اختصاصها بما لا يجب في وقت و هذه أصلها الوجوب، ممنوعة بأنه لا دليل عليها لا من إجماع و لا من رواية.
و أبعد منها دعواه أنّ مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط لا عدم الاجتماع و أنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلّة تأمله.
إلاّ أن يكون مستنده فيها الإجماع الذي ادّعاه على جوازها جماعة حيث قال:و أيضا فإجماع أصحابنا يدمّر ما تعلّق به،و هو قولهم بأجمعهم:يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلوات الأعياد (1).
و قريب منه كلام القطب حيث قال:من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين،لكن جمهور الإمامية يصلّون هاتين الصلاتين جماعة،و عملهم حجة (2).
و قريب منهما كلام الفاضل في المختلف،حيث إنه بعد تقوية القول بالمنع قال:إلاّ أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها (3).
أقول:و على هذا فيقوّى القول بالجواز مطلقا كما عليه جمهور الأصحاب قولا و عملا.
و يمكن الذبّ عن أدلة المنع بعدم صراحتها،بل و لا ظهورها فيه،بعد
ص:382
احتمال كون المراد بصلاتها وحده صلاتها مع غير الإمام و لو في جماعة،كما مرّ نظيره في بعض أخبار الجمعة (1).
و يمكن أن يكون هذا أيضا مراد الفقهاء المحكي عنهم المنع عن الجماعة،عدا الحلبي،و هو نادر.
أو يكون مرادهم ما أشار إليه بعض الأفاضل (2)من أنهم إنما أرادوا الفرق بينها و بين الجمعة،باستحباب صلاتها منفردة بخلاف الجمعة كما هو نصّ المراسم (3)،و احتاجوا إلى ذلك،إذ شبّهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط.
أقول:و أما الموثق المانع عن جماعة الرجل بأهله في بيته و إن لم يقبل شيئا من هذه الحاصل،إلاّ أنه يمكن الجواب عنه بأنّ المراد به نفي تأكّد الجماعة في حق النسوة كما ذكره في الذكرى (4)،و يشعر به التعرض في ذيله للنهي عن خروجهن أيضا،أو يخصّ بما إذا خوطب الرجل بفعلها كما ذكره المحقّق الثاني (5)،و لعل هذا أولى.
هذا،و لا ريب انّ فعلها فرادى أحوط و أولى،خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و نصّا.
و وقتها أي هذه الصلاة ما بين طلوع الشمس إلى الزوال على المشهور،بل الظاهر أنه متفق عليه كما في الذخيرة (6)،بل فيه و في غيره نقل
ص:383
الإجماع عليه صريحا عن الفاضل في النهاية و التذكرة (1)،و به صرّح المحقق الثاني في شرح القواعد (2)،و في المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال (3)،و هو الحجّة عليه.
مضافا إلى ظاهر الصحيح،بل صريحه،لقوله فيه:«إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس،فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (4)و لو لا الفوات بعد الزوال لما كان للتأخير إلى الغد وجه.
و نحوه المرفوع (5).
و في الأول-مضافا إلى الإجماعات-الدلالة على الامتداد إلى الزوال، لظهور الشرطيتين فيه في سقوط قوله:«و صلّى بهم»بعد قوله:«في ذلك اليوم» في الشرطية الاولى (6)،و إلاّ للغتا و خلتا عن الفائدة طرّا،فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار،و عليه يحمل إطلاق المرفوع بتأخير الصلاة إلى الغد،حمل المطلق على المقيّد.
و أما المروي عن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام:في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيد أول النهار،
ص:384
فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية،قال:«يفطرون و يخرجون من غد فيصلون صلاة العيد أول النهار» (1).
فبعد الإغماض عن سنده يمكن حمل أول النهار فيه على ما يمتدّ إلى الزوال بقرينة ما مرّ من النص و الإجماع،فتوهّم بعض المعاصرين عدم امتداد وقتها إليه و اختصاصه بصدر النهار (2)ضعيف.
سيّما مع إمكان الاستدلال عليه بالاستصحاب،لدلالة الأخبار و كلمة الأصحاب بثبوت وقته بطلوع الشمس أو انبساطها مع سكوت الأدلّة عن آخره، فالأصل بقاؤه إلى ما قام الإجماع فتوى و نصّا على خلافه و هو الزوال.
و إن أبيت الاستصحاب فلنا على ذلك إطلاق الأخبار المضيفة لهذه الصلاة إلى يوم العيد الظاهر في الامتداد إلى الغروب،و إنما خرج منه ما بعد الزوال بما مرّ،فيبقى الباقي تحت الإطلاق.
و بهذا استدلّ جماعة (3)على كون مبدئها طلوع الشمس،لأنه مبدأ اليوم العرفي،أو الأعم منه و من قبل طلوعها من عند الفجر،لكنّه خارج بنحو ما مرّ.
و هو حسن.
و يدل عليه بعده و بعد الإجماع المحكي المتقدم خصوص الصحيح:
«ليس في الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة،أذانهما طلوع الشمس،إذا طلعت خرجوا» (4).
و التقريب أنّ الأذان إعلام بدخول الوقت،و الخروج مستحب،فدلّ على
ص:385
جواز الصلاة عنده لو لم يخرجوا.
و منه يظهر ضعف ما قيل في ضعف دلالته بأن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها (1)،مضافا إلى ظهور ضعفه أيضا باستلزامه جهالة أول وقت الصلاة،لعدم تعيّن مقدار زمان الخروج قلّة و كثرة بحسب الأوقات و الأشخاص و الأمكنة،فتعيّن كون الطلوع مبدأ لنفس الصلاة لا للخروج إليها كما لا يخفى.
و بهذا يجاب عن النصوص المضاهية لهذا الصحيح في جعل الطلوع وقتا للخروج،منها الموثق:عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر و الأضحى،فقال:
«بعد طلوع الشمس» (2).
و منها المروي عن كتاب الإقبال بسنده عن زرارة:«لا تخرج من بيتك إلاّ بعد طلوع الشمس» (3).
و المروي عنه أيضا بسنده عن أبي بصير المرادي:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج بعد طلوع الشمس» (4).
و نحوها حديث صلاة مولانا الرضا عليه السلام بمرو:فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل و تعمّم الخبر (5).
مضافا إلى قصور أسانيدها.
فظهر ضعف القول بأنّ وقتها الانبساط،كما عن النهاية و المبسوط
ص:386
و الاقتصاد و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح (1).هذا إن أرادوا أنه وقتها على الإطلاق،و إلاّ فلو أرادوا به اختصاصه بمريدي الخروج إلى الجبّانة كما هو الغالب فلا خلاف.
و في الذكرى بعد نقل هذين القولين:و هما متقاربان (2).
و لو فاتت بأن زالت الشمس و لم تصلّ سقطت و لم تقض مطلقا وفاقا للمشهور،للأصل،و الصحيح:«من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (3).
و قوله عليه السلام:«لا صلاة له»محمول على نفي الكمال دون الصحة، لما مرّ من الأدلة فتوى و رواية على استحباب فعلها بعد فوتها مع الإمام فرادى و جماعة.
و ما في الذخيرة من حمله على حال الاختيار لا مطلقا (4)غير نافع للذبّ عن مخالفته لو حمل على نفي الصحة للإجماع،لعدم قائل بعدم استحباب فعلها فرادى أو جماعة لو فاتته اختيارا.
و كما لا قضاء عليه لا يستحب أيضا كما في ظاهر العبارة و صريح جماعة (5)،قيل:و يعطيه المعتبر (6)،للأصل.و ظاهر الخلاف و المنتهى دعوى
ص:387
الإجماع عليه (1).
خلافا للإسكافي فقال:إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا و غدوا إلى العيد (2)،و احتجّ له في المختلف بعموم:من فاتته فليقضها كما فاتته،و أجاب بأن المراد اليومية،لظهورها عند الإطلاق.
قلت:و يؤيده أنه لو عمّم لوجب القضاء مع أنه يردّه الصحيح السابق، مضافا إلى الإجماع المتقدم.
و احتجّ له في الذكرى بالنبويين،في أحدهما:إنّ ركبا شهدوا عنده صلّى اللّه عليه و آله أنهم رأوا الهلال،فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم (3)و أجاب عنها بأنها لم تثبت من طرقنا (4).
أقول:قد عرفت في المسألة النصوص من طرقنا بمضمونها،و فيها الصحيح و غيره (5)،و ظاهر الكليني و الصدوق العمل بها،و لذا مال إليه جماعة من متأخري(متأخري) (6)أصحابنا (7).
و هو حسن لو لا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة و المحكية، مع أنه قول جماعة من العامة،فقد حكاه الفاضل في المنتهى عن الأوزاعي و الثوري و إسحاق و أحمد (8)،و لذا حملها بعض الأصحاب على التقية (9).
ص:388
و في تعيّنه مناقشة،لاختلاف العامة،فبين قائل بها كهؤلاء،و قائل بما عليه أصحابنا كأبي حنيفة (1)،و مفصّل بين علمهم بالعيد بعد غروب الشمس فالأوّل و علمهم به بعد الزوال فلا يصلّي مطلقا (2).فلو لا الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف و المنتهى المعتضد بالشهرة بين أصحابنا لكان القول بمضامين هذه الأخبار متعيّنا.
و عن المقنعة:من أدرك الإمام و هو يخطب فليجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ يقوم فيصلّي القضاء (3).
و عن الوسيلة:إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلاّ إذا وصل إلى الخطبة و جلس مستمعا لها (4).
و هو[يعمّ] (5)بعد الزوال،و به الخبر،بل قيل:الصحيح (6):قلت:
أدركت الإمام على الخطبة،قال:«تجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ تقوم فتصلّي» (7).
و هو-مع قصور سنده-يحتمل أن يكون المراد منه إن لم تزل الشمس، و يحتمل أن يراد بالقضاء في الكتابين الأداء إن لم تزل،و كذا قول الحلّي:ليس على من فاتته صلاة العيدين مع الإمام قضاء واجب و إن استحب له أن يأت بها منفردا (8).
و كذا قول الإسكافي:من فاتته و لحق الخطبتين صلاّها أربعا مفصولات
ص:389
يعني بتسليمتين (1).
و نحوه كلام علي بن بابويه،إلاّ أنه قال:يصلّيها بتسليمة (2).
مع أنه لا مستند لهذه الأقوال الأخيرة عدا رواية ضعيفة:«من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» (3).
و هي غير منطبقة على شيء منها،لأنّ قوله«أربعا»ينافي ما عليه ظاهر الحلّي.و عدم تقييده بلحوق الخطبتين ينافي الأخيرين،مع عدم دلالتها على التسليمة الواحدة أو التسليمتين،لكنها ظاهرة في هذا.
و نحو هذه الأقوال في عدم الدليل عليه ما اختاره في التهذيب من أنه مع الفوت لا قضاء و لكن يجوز أن يصلّي إن شاء ركعتين و إن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء (4).
و هي ركعتان مطلقا جماعة صلّيت أو فرادى على الأشهر الأقوى، للنصوص الآتية،مضافا إلى الخبرين الماضيين (5):«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة».
خلافا لمن سبق إليه قريبا الإشارة في فوتها مع الإمام خاصة فأربع ركعات،إمّا حتما بتسليمتين أو بتسليمة،أو مخيرا بينها و بين الركعتين.و مرّ ضعفهما.
و كيفيتهما كصلاة الفريضة غير أنه يكبّر هنا في الركعة الأولى خمسا و في الثانية أربعا غير تكبيرة الإحرام و الركوع فيهما على الأشهر
ص:390
الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا،و في المختلف:لا خلاف في عدد التكبيرات و أنه تسع تكبيرات،خمس في الاولى و أربع في الثانية (1).و ظاهره دعوى الإجماع عليه،و به صرّح في الانتصار و الناصرية و الاستبصار و الخلاف (2)،و هو الحجّة.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحاح و الموثق و غيرها، ففي الصحيح:«تكبّر تكبيرة تفتتح بها الصلاة،ثمَّ تقرأ،و تكبّر خمسا و تدعو بينهما،ثمَّ تكبر أخرى و تركع بها،فذلك سبع تكبيرات بالتي تفتتح بها،ثمَّ تكبّر في الثانية خمسا تقوم فتقرأ،ثمَّ تكبّر أربعا و تدعو بينهن،ثمَّ تكبّر تكبيرة الخامسة» (3)و نحوه الموثق (4).
و غيره من أخبار كثيرة،و فيه:«الصلاة قبل الخطبتين،و التكبير بعد القراءة،سبع في الاولى و خمس في الأخيرة» (5).
و فيه:عن التكبير في العيدين،فقال:«سبع و خمس» (6).
قيل:و يحتمل كتب الصدوق و المفيد و الديلمي الثمان،و في المنتهى عن العماني و ابن بابويه أنها سبع (7).
ص:391
و مستندهما غير واضح،نعم لعلّه لا بأس بهما على القول باستحباب هذه التكبيرات كما أشار إليه في المنتهى فقال:الوجه عندي أنّ التكبير مستحب،لما يأتي،فجائز فيه الزيادة و النقصان (1).
و هو حسن.لكن القول بالاستحباب ضعيف،لمخالفته التأسي و ظاهر النصوص و الإجماع المنقول عن ظاهر الانتصار (2)،المؤيد جميع ذلك بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة (3)،مع عدم وضوح دليل عليه،عدا الأصل المضعّف بما مرّ،و الصحيح (4)و غيره (5)المحمولين-على تقدير تسليم دلالتهما-على التقية كما في الاستبصار و غيره قال:لأنهما موافقان لمذاهب كثير من العامة و لسنا نعمل به،و إجماع الفرقة المحقة على ما قدّمنا (6).
و محل هذه التكبيرات بعد قراءة الحمد و السورة و قبل تكبير الركوع على الأظهر الأشهر بين الطائفة،و في صريح الانتصار و الخلاف (7)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المتقدمة.
خلافا للإسكافي و الصدوق في الهداية (8)،فجعلاه في الركعة الأولى قبل القراءة،و به أخبار صحيحة (9)،لكنها محمولة على التقية،قال الشيخ:لأنها
ص:392
موافقة لمذاهب العامة (1).
و للمفيد و غيره قول آخر (2)ذكرته في الشرح.
و يقنت وجوبا مع كل تكبيرة أي بعده بالمرسوم استحبابا.
و لم يتعين بل يقنت بما شاء من الكلام الحسن كما في الصحيح (3)، المعتضد باختلاف النصوص في القنوت المأثور،مع أنه لا خلاف فيه إلاّ من الحلبي فقال:يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول:اللهم أهل الكبرياء و العظمة (4).
و هو شاذ،مع أنّ في الذكرى:إن أراد به الوجوب تخييرا و الأفضلية فحقّ،و إن أراد به الوجوب عينا فممنوع (5).
و ما قلنا من وجوب القنوتات هو المشهور بين الأصحاب،و في الانتصار و الغنية (6)الإجماع عليه،و هو الحجّة،مضافا إلى ما مرّ في وجوب التكبيرات من الأدلة.
خلافا للخلاف و جماعة (7)فتستحب،للأصل،و يضعّف بما مرّ،و لعدم نصوصية الأخبار و الصلوات في الوجوب،و يضعّف بكفاية الظهور.
و لخصوص ظاهر قوله في المضمر:«و ينبغي أن يقنت بين كلّ تكبيرتين
ص:393
خلافا للمقنعة فقبل الطلوع (1).قيل (2):و يوافقه الطبرسي في ظاهر جوامع الجامع،إذ قال:كانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر و بعد الفجر مغتصّة بالمبكّرين يوم الجمعة يمشون بالسرج،و قيل:أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة (3).انتهى.
و هو مع مخالفته لما مرّ-مضافا إلى استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس-غير واضح المستند،مع أنّ في الخلاف نسب التبكير إلى الشافعي خاصة،مدعيا على خلافه إجماع الإمامية كما عرفته.
و السجود على الأرض للنصوص الصحيحة (4)،و هو و إن كان أفضل في سائر الصلوات و في غيرها لكنه آكد هنا.
و عن الهداية و في غيرها:قم على الأرض و لا تقم على غيرها (5).و لا بأس به،للصحيح (6)و غيره (7).
و أن يقول المؤذّن:الصلاة بالرفع أو النصب ثلاثا كما في الصحيح (8)،و لا خلاف فيه بين العلماء كما قيل (9).
و عن العماني أن يقول:الصلاة جامعة (10).و لم أعرف مستنده.
ص:396
و هل المقصود به إعلام الناس بالخروج إلى الصلاة فيكون كالأذان المعلم بالوقت كما في الذكرى عن ظاهر الأصحاب (1)،أو بالدخول فيها فيكون بمنزلة الإقامة قريبة منها كما عن الحلبي (2)؟وجهان،و الظاهر تأدّي السنّة بكلّ منهما كما قيل (3).
و خروج الإمام حافيا تأسّيا بمولانا الرضا عليه السلام مع نقله ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الوصي عليه السلام (4)،و لأنه أبلغ في التذلل و الاستكانة.
قيل:و أطلق استحبابه في التذكرة و نهاية الإحكام (5)،و فيهما الإجماع، و في التذكرة إجماع العلماء.
و نصّ في المبسوط على اختصاصه بالإمام (6)،و هو ظاهر الأكثر،و لا أعرف له جهة سوى أنهم لم يجدوا به نصّا عاما،و لكن في المعتبر و التذكرة (7):
إنّ بعض الصحابة كان يمشي حافيا و قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما على النار» (8).
و أن يكون على سكينة و وقار ذاكرا للّه،للإجماع المحكي عن الخلاف و نهاية الإحكام و التذكرة (9)،قيل:و فيها إجماع العلماء.و عن مولانا
ص:397
الرضا عليه السلام أنه:كان يمشي و يقف في كل عشر خطوات و يكبّر ثلاث مرّات (1).
و أن يطعم و يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر،و بعد عوده منها في الأضحى إجماعا،للنصوص المستفيضة (2).
و يستحب في الأول التمر،للنصوص،و منها الرضوي،و زيد فيه الزبيب (3).
و في المنتهى و التحرير و التذكرة و المبسوط و المهذّب و السرائر و غيرها (4):
استحباب الحلو،و في السرائر و الذكرى و البيان (5)أنّ أفضله السكر،و لعلّه للرضوي:«و روي عن العالم الإفطار بالسكر»و فيه أيضا«أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين عليه السلام» (6).
أقول:و به رواية علي بن محمد النوفلي (7).
لكنهما مع ضعف سندهما و مخالفتهما لعموم المنع عن الطين (8)شاذتان،كما صرّح به الشهيد-رحمه اللّه-و الحلّي (9)،فطرحهما متعين.
ص:398
و يمكن حملهما على الاستحباب الإفطار بها في صورة جواز أكله بقصد الاستشفاء لا مطلقا.
و في الثاني كون مطعومه ممّا يضحّي به إن كان ممّن يضحّي، للصحيح:«لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا،و لا تأكل يوم الأضحى إلاّ من هديك و أضحيّتك إن قويت عليه،و إن لم تقو فمعذور» (1).
و أن يقرأ بعد الحمد في الركعة الأولى ب سورة الأعلى، و في الثانية ب سورة و الشمس و ضحيها،كما في الخبرين (2).و قيل:
بالشمس في الاولى و الغاشية في الثانية (3)،للصحيحين (4).
و هذان القولان مشهوران،بل على ثانيهما الإجماع في الخلاف،و لعلّه الأقرب.
و هنا أقوال أخر (5)غير واضحة المأخذ،عدا الرضوي (6)لبعضها.
ص:399
و لا خلاف في جواز العمل بالكل،و إنما اختلفوا في الأفضل،و لعلّه ما ذكرنا.
و التكبير في العيدين معا على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخري أصحابنا (1)،و عليه الإجماع في المنتهى (2)،و هو الحجّة،مضافا إلى الأصل و المعتبرة كالصحيح:عن التكبير أيام التشريق أ واجب هو؟قال:
«يستحب» (3).
و في آخر مروي عن نوادر البزنطي في السرائر:عن التكبير بعد كل صلاة،فقال:«كم شئت إنه ليس بمفروض» (4).
و في الخبر:«أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون» (5).
و العدول عن الجواب ب«نعم»إلى الجواب بقوله:«يستحب»في الأول صريح في أنّ المراد به الاستحباب بالمعنى المصطلح.
كما أنّ التفويض إلى المشيّة مع التعليل بأنه ليس بمفروض-في الثاني -صريح في نفي الوجوب بالمعنى المصطلح،لا نفي الوجوب الفرضي المستفاد من الكتاب في مقابلة الوجوب المستفاد من السنّة،مع عدم استقامته بعد تضمّن الكتاب للأمر به في قوله تعالى وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ [1] (6)و عن التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي (7):أنّ المراد به التكبير المراد
ص:400
هنا،كما في النصّ المروي عن الخصال (1)،و قوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ [1] (2)و هي أيام التشريق بلا خلاف كما في الخلاف (3)و الصحيح (4)، و الذكر فيها التكبير كما في الأخير.
و منه يظهر الجواب عن حمل السنّة في الخبر الأخير على الوجوب النبوي،مع منافاته الاستدراك فيه،مع عدم مصير القائل بالوجوب إليه، لاستناده في إثباته إلى الأمر الكتابي.
و بهذه الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع يحمل على الاستحباب ما ظاهره الوجوب من الكتاب و السنّة.
فظهر ضعف القول بالوجوب فيهما كما عن المرتضى في الانتصار (5)،أو في التشريق خاصة مطلقا كما عنه في الجمل (6)،أو على من كان بمنى كما عن الشيخ في التبيان و الاستبصار و الجمل و الشيخ أبي الفتوح في روض الجنان و ابن حمزة و الراوندي في فقه القرآن (7)،أو في الفطر خاصة كما عن ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (8).
هذا،و اختلاف النصوص و الفتاوي في بيان كيفية التكبير مطلقا كما يأتي أقوى دليل على الاستحباب،سيّما بعد اعتضاده بترك عامة الناس له مع عموم
ص:401
البلوى به و اشتراك جميع المكلّفين فيه من رجل أو امرأة،صغير أو كبير،في جماعة أو فرادى،في بلد أو قرية،في سفر أو حضر،كما يقتضيه إطلاق الأدلة،و ادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة (1)،و في الخبر:«على الرجال و النساء أن يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلاة،و على من صلّى وحده،و من صلّى تطوعا» (2).
ثمَّ التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات،أوّلها المغرب و آخرها صلاة العيد للأصل،و صريح الخبر:أين هو؟قال:«في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة و في صلاة الفجر و صلاة العيد ثمَّ يقطع» (3).
و في الفقيه (4)و في غيره (5):و في الظهر و العصر.و ظاهره الفتوى بالاستحباب عقيبهما أيضا كما حكي التصريح به عنه في المقنع و الأمالي (6).
قيل:و أسنده في العيون عن الفضل بن شاذان،عن الرضا عليه السلام:
«و التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات» (7).
و في الخصال عن الأعمش،عن الصادق عليه السلام:«أمّا في الفطر ففي خمس صلوات يبدأ به من صلاة المغرب إلى صلاة العصر من يوم
ص:402
الفطر» (1).
و كأنّه فهم منهما خمس فرائض مع العيد فتكون ستّا كما نصّ عليه فيما قد ينسب إلى الرضا عليه السلام (2).
أقول:و على القول بجواز التسامح في أدلة السنن لا بأس بمتابعته.
و في الأضحى عقيب خمس عشرة فريضة أولها ظهر يوم العيد لمن كان بمنى،و في غيرها عقيب عشر صلوات فرائض مبدؤها كما ذكر بلا خلاف أجده،و النصوص به مستفيضة (3).
و ظاهرها-كالعبارة و نحوها من عبائر الجماعة-اختصاص الاستحباب بالفريضة دون النافلة،كما صرّح به في الصحيح:التكبير في كل فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيام التشريق» (4).
خلافا للشيخ و الإسكافي (5)،فألحقاها بها و إن فرّقا بينهما بوجوبه في الاولى و استحبابه في الثانية،للمعتبرة المصرّحة بذلك (6)،المعتضدة بإطلاق جملة من المستفيضة.لكنها مقيدة بجملة أخرى منها،مضافا إلى الصحيحة الصريحة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا كما يفهم من الفاضل في بعض كتبه (7)،فهذه أرجح من تلك المعتبرة.لكن لا بأس بها أيضا على القول بالمسامحة في أدلة السنن و الكراهة.
ص:403
كما لا بأس لأجله بالمصير إلى إلحاقها بها في الفطر كما قال به الإسكافي فيه أيضا (1)،و إن لم نقف له فيه على نصّ أصلا،و استدل له في المختلف بأنه ذكر يستحب على كلّ حال،و أجاب بأنه مستحب من حيث إنه تكبير،أمّا من حيث إنه تكبير عيد فيمنع مشروعيته.
و صورته على ما ذكره الماتن هنا أن يقول في التشريق اللّه أكبر، اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام [و الحمد لله على ما أبلانا] .
و في الفطر:اللّه أكبر ثلاثا،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر (2)،و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا و له الشكر على ما أولانا.
و المشهور على ما في روض الجنان و غيره (3)في الفطر:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا و له الشكر على ما أولانا.
و كذا في الأضحى إلاّ أنه يزاد فيه بعد قوله:على ما أولانا:و رزقنا من بهيمة الأنعام.
أقول:و الأقوال هنا مختلفة غاية الاختلاف كالنصوص،فممّا يتعلق منها بالفطر روايات،منها كما في المتن،لكن بزيادة:اللّه أكبر قبل:و للّه الحمد، و إسقاط:و له الشكر..إلى آخره،و حذف التكبيرة الثالثة في أكثر النسخ (4).
و نحوها اخرى،لكن بحذفها طرّا،و حذف التكبيرة الأخرى قبل:و للّه
ص:404
الحمد كالمتن،و زيادة:و الحمد للّه على ما أبلانا بعد قوله:هدانا (1).
و منها:المروي عن الإقبال:«التكبير أن يقول:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،اللّه أكبر،و للّه الحمد على ما هدانا» (2).
و ممّا يتعلق منها بالأضحى روايات أيضا منها الصحيح كما في المتن، و لكن بزيادة:و للّه الحمد،اللّه أكبر،قبل:على ما هدانا،و الحمد للّه على ما أبلانا بعد قوله:من بهيمة الأنعام (3).و نحوه آخران (4)،لكن بإسقاط الزيادة الأخيرة..إلى غير ذلك من النصوص الغير الملتئمة هي-كنصوص الفطر- مع شيء من الأقوال المنقولة في المقامين،و كلّ ذلك أمارة الاستحباب، فالعمل بكل منها حسن إن شاء اللّه تعالى،و به صرّح جماعة من أصحابنا (5).
و يكره الخروج بالسلاح إلاّ للضرورة،للنص (6).
و أن يتنفّل أداء و قضاء قبل الصلاة أي صلاة العيد و بعدها إلى الزوال،للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:«صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (7).
ص:405
و المراد بها نفي الصلاة قبلهما و بعدهما كما يعرب عنه الصحيحان:
«لا تقض وتر ليلتك في العيدين إن فاتك حتى تصلّي الزوال» (1).
و ظاهر النهي فيهما-كالنفي في سابقتهما-المنع عنها و حرمتها كما حكي عن جماعة من قدمائنا (2).لكن الأشهر ما في المتن،بل لا خلاف فيه يظهر بين عامة من تأخر،و ربما يظهر من جملة منهم كونه مجمعا عليه كما هو ظاهر المنتهى (3)،و صرّح به في الخلاف و شرح القواعد للمحقّق الثاني (4)فقال:
أجمع علماؤنا على كراهة التنفل قبلها و بعدها إلى الزوال للإمام و المأموم..
إلى آخر ما قاله.
و لو لا هذه الإجماعات المنقولة الصريحة في نفي الحرمة المعتضدة بالشهرة العظيمة و أصالة البراءة،لكان القول بها في غاية القوة،لظواهر المستفيضة السليمة عن المعارض فيما أجده.
نعم،أسند الصدوق في ثواب الأعمال عن سلمان،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهنّ سبّح اسم ربك الأعلى،فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله اللّه تعالى،و في الركعة الثانية الشمس و ضحيها،فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس،و في الثالثة و الضحى،فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين و دهّنهم و نظّفهم،و في الرابعة قل هو اللّه أحد ثلاثين مرّة،غفر اللّه تعالى له
ص:406
ذنوب خمسين سنة مستقبلة و خمسين سنة مستدبرة» (1).
لكنه غير واضح السند و التكافؤ لما مرّ،مع ظهوره في الاستحباب و لم يظهر به قائل من معتمدي الأصحاب.
قال الصدوق بعد نقله:هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلّي معه تقية ثمَّ يصلّي هذه الأربع ركعات للعيد،فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك حتى تزول الشمس.
أقول:و بهذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض،لكون الأربع ركعات حينئذ هي صلاة العيد كما عليه جماعة تقدّم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة.
هذا،و لا ريب أن الترك أحوط و أولى إلاّ بمسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة فإنه يصلي فيه قبل خروجه إلى الصلاة ركعتين على المشهور،للنص (2)،و به يقيّد إطلاق ما مرّ،و يضعف القول بإطلاق الكراهة كما في الخلاف و عن المقنع (3).
و نحوه في الضعف إلحاق المسجد الحرام كما عن الكيدري (4).
و كذا عن الإسكافي و لكن بزيادة كل مكان شريف قال:و روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك في البدأة و الرجعة في مسجده (5).
ص:407
قال الشهيد:و كأنه قياس،و هو مردود (1).
أقول:و الرواية أيضا لم تثبت.
و احتجّ له في المختلف بتساوي المسجدين في أكثر الأحكام،و بتساوي الابتداء و الرجوع،و أجاب بمنع التساوي في المقامين.
و ربما يحتج له بعموم أدلة استحباب صلاة التحية،مع عدم صلاحية المستفيضة المتقدمة لتخصيصها،إذ ليس مفادها إلاّ أنه لم يرتّب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال،و أن الراتبة لا تقضى فيه قبل الزوال،و ذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز بمسجد بدءا و عودا،و النص المستثنى إنما أفاد استحباب إتيان مسجده صلّى اللّه عليه و آله و الصلاة فيه و عدم استحباب مثله في غير المدينة،و هو أمر وراء صلاة التحية إذا اجتاز بمسجد و إن فهم منه الحلّي استحباب الصلاة إن اجتاز به (2).
و فيه نظر،لابتنائه على أنّ المراد من نفي الصلاة في المستفيضة نفي التوظيف،لا المنع عن فعل أصل النافلة،و هو خلاف ما فهمه منها الجماعة حتى الإسكافي و المستدل له بهذه الحجّة،حيث إنه قال بعد نقل أحد الصحيحين الأخيرين:و لولاه أمكن أن يكون معنى تلك الأخبار أنه لم يوظّف في العيدين قبل صلاتهما صلاة،و لأجله وافق القوم على استنباط الكراهة من الأخبار المزبورة.
و منه يظهر ضعف ما عن الفاضلين في المعتبر و النهاية و التذكرة (3)من استحباب صلاة التحية إن صلّيت العيد في المسجد،لعدم ظهور وجه له،عدا
ص:408
ما يقال من عموم أدلة استحباب التحية.
و فيه:أنه أعم من المستفيضة الواردة هنا،و هي خاصة بالنسبة إليه كما صرّح به في الذكرى (1)،و يظهر أيضا من المنتهى (2)،و لذا قالا بالمنع عنها.
و يمكن أن يقال:بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه لا مطلقا، كما صرّح به بعض أصحابنا (3)،و معه فيكفي في استحباب التحية عموم:
الصلاة خير موضوع.
لكن فيه:أنّ بين هذا العموم و النصوص المانعة عموما و خصوصا مطلقا فيخص بها قطعا،فيبقى شرعية التحية في مفروض المسألة لا دليل عليها.
و لو سلّم عموم ما دلّ على استحبابها كان مطلوبيتها غير مشروط بوقوع صلاة العيد في المسجد أو غيره،و مع ذلك لا وجه لتخصيص الاستحباب بتحية المسجد بل ينبغي إلحاق مطلق النوافل ذوات الأسباب،و كلّ منهما خلاف ما ذكراه،و هذا أوضح شاهد على أنّ النصوص المانعة هنا أخص من عمومات التحية و نحوها،و أنّ دليلهما غيرها كما لا يخفى.
و هل كراهة النافلة أو حرمتها تختص بما إذا صلّيت العيد كما هو ظاهر العبارة و غيرها،أم يعمّه و غيره كما هو مقتضى إطلاق الصحيحين الأخيرين؟ وجهان،و لعلّ الثاني أجودهما.
و هنا مسائل خمس الأولى:قيل:التكبير الزائد في الصلاة و هو التسع التكبيرات التي تفعل بعد القراءة أو قبلها على التفصيل المتقدم في كيفيتها على اختلاف
ص:409
القولين واجب لما مرّ ثمّة (1).
و الأشبه عند الماتن الاستحباب هنا و كذا في القنوت.
و الأشهر الوجوب فيهما.و هو الأقوى،لما مضى هناك مفصّلا.
الثانية:من حضر صلاة العيد فهو بالخيار في حضور صلاة الجمعة إذا اتّفقا مطلقا على الأشهر الأقوى،للصحيح و غيره (2)،و في الخلاف الإجماع عليه أيضا (3).
خلافا لظاهر الإسكافي و جماعة (4)،فخصّوه بقاصي المنزل، للخبرين (5).و فيهما ضعف سندا،بل قيل:و دلالة (6)،و فيه نظر.و كيف كان فهما لا يكافئان ما مضى.
و لجماعة من القدماء،فمنعوا عن التخيير مطلقا (7)،تمسكا بعمومات ما دلّ على الفرضين مع عدم صلوح أخبار الآحاد لتخصيصها في البين.
و فيه منع ظاهر،لما قرّر في الأصول من جواز تخصيص الكتاب بالآحاد،سيّما مع اعتضادها بالاستفاضة و الشهرة و عمل الأصحاب.
و في اختصاص التخيير بالمأموم أو يعمّه و الإمام قولان.أشهرهما
ص:410
و أظهرهما الأوّل،اقتصارا فيما خالف العمومات على المتيقن من الفتاوي و الروايات،مع إشعار بعضها بل جملتها بذلك.
و يستحب للإمام إعلامهم أي المأمومين بذلك للنص:«إذا اجتمع عيدان في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الاولى:إنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصلّيهما جميعا،فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» (1).
و ظاهره الاستحباب كما في المتن و عبائر الأكثر.
خلافا للماتن في الشرائع فأوجب (2)،و تبعه شيخنا في روض الجنان (3)، و ظاهره كون المستند التأسي.و وجوبه في نحو ما نحن فيه ممنوع.
الثالثة:الخطبتان هنا بعد صلاة العيد بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر (4)،بل في المنتهى لا نعرف فيه خلافا إلاّ من بني أمية (5).
و النصوص به و بأن تقديمهما على الصلاة بدعة عثمان مستفيضة،ففي الصحيح:«و كان أوّل من أحدثها-أي الصلاة بعد الخطبة- عثمان لمّا أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا،فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين و احتبس الناس للصلاة» (6).
و لا يجب استماعهما إجماعا كما مضى الإشارة إليه في بحث أن
ص:411
شروط هذه الصلاة شروط الجمعة (1)،و في النبوي:«إنا نخطب،فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس،و من أحبّ أن يذهب فليذهب» (2).
نعم يستحب،للنص (3).
الرابعة:لا ينبغي أن ينقل المنبر إلى الصحراء و يستحب أن يعمل شبه منبر من طين بلا خلاف أجده،و بالإجماع عليه صرّح جماعة (4)،بل عن الفاضل في النهاية و التذكرة أنّ عليه إجماع العلماء كافة (5).
و عن المعتبر أنّ على الكراهة فتوى العلماء و فتوى الصحابة (6).
و به رواية صحيحة صريحة (7)،غير أن ظاهرها الحرمة كما ربما يفهم من العبارة و نحوها،لكن ظاهر الأصحاب الكراهة كجملة من إجماعاتهم المنقولة، و منها-زيادة على ما عرفته-ما في المنتهى من قوله:يكره نقل المنبر من موضعه بلا خلاف،بل ينبغي أن يعمل شبه المنبر (8).
و في المدارك:إن هذين الحكمين إجماعيان (9).يعني كراهة الأول و استحباب الثاني.
و في شرح القواعد للمحقّق الثاني:لا خلاف في كراهية نقل المنبر من
ص:412
الجامع بل يعمل من طين ما يشبه المنبر (1).
الخامسة:إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلّي العيد على المخاطب بها،لاستلزامه الإخلال بالواجب،مع أنه لا خلاف فيه ظاهرا،و به صرّح بعض أصحابنا (2).
و يكره قبل ذلك،للصحيح (3)،و ظاهره الحرمة كما عن القاضي (4)،لكن ظاهر الأصحاب الإطباق على خلافه،فينبغي حمله على الكراهة.
هذا إذا طلع الفجر،و أمّا قبله فيجوز بلا كراهة كما هو ظاهرهم، و بالإجماع عليه صرّح جماعة (5).
ص:413