ریاض المسائل فی تحقیق الاحکام بالدلایل المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.

عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 2/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.

تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-

مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.

الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.

ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4

حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.

ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).

ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).

ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).

ملاحظة:فهرس.

عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر

عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.

المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح

المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث

ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

تتمة كتاب الطهارة

الركن الثالث في الطهارة الترابية

اشارة

الركن الثالث.

في الطهارة الترابية المسمّاة بالطهارة الاضطرارية،في مقابلة الاختيارية التي هي الطهارة المائية.

و هي التيمم،و هو لغة:مطلق القصد،و شرعا:القصد إلى الصعيد لمسح الوجه و الكفين على الوجه المخصوص.و شرعيته ثابتة بالكتاب (1)، و السنة،و الإجماع من المسلمين كافة.

و النظر فيه يقع في أمور أربعة

ص:5


1- المائدة:6.

ص:6

الأول شروط التيمم

اشارة

الأول:

فيما هو شرط في صحة التيمم و إباحته،و مجمله العجز عن استعمال الماء،و يتحقق بأمور

عدم الماء

عدم الماء بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر،إجماعا (1)،للآية (2)،و النصوص المستفيضة منها الصحيح:«إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض»الخبر (3).و نحوه الصحيحان (4).

و لا فرق فيه بين عدمه أصلا و وجود ما لا يكفيه لطهارته مطلقا،و لا يجب صرفه إلى بعض الأعضاء في الوضوء قطعا و إجماعا،و في الغسل كذلك أيضا، بل نسبه في التذكرة و المنتهى (5)إلى علمائنا.

خلافا لنهاية الإحكام فاحتمله (6)،و لعلّه لعموم:«الميسور لا يسقط بالمعسور» (7)مع عدم المانع عنه من فوات الموالاة كما في الوضوء،و لذا لا يحتمل ذلك فيه.

و هو حسن،إلاّ أنه خلاف ظواهر المستفيضة الواردة في مقام البيان،

ص:7


1- ليست في«ش».
2- المائدة:6.
3- التهذيب 1:556/193،الاستبصار 1:549/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.
4- الأول: الفقيه 1:213/57،المحاسن:132/372،الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14 ح 1. الثاني: الكافي 3:3/63،الوسائل 3:367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.
5- التذكرة 1:61،المنتهى 1:133.
6- نهاية الإحكام 1:186.
7- عوالي اللئالي 4:205/58.

لعدم التعرض له بوجه بل ظاهرها الاكتفاء بالتيمم خاصة،كالصحيح:في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به،قال:«يتيمم و لا يتوضأ» (1)و نحوه آخر (2).

كل ذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة.و لو كان مكلّفا بطهارتين متعددتين كوضوء و غسل-كما في الأغسال عدا الجنابة على الأشهر الأظهر-و كفى الماء لإحداهما وجب استعماله فيها وفاقا لجماعة (3).و وجهه واضح.

عدم الوصلة إلى الماء

أو عدم الوصلة إليه مع وجوده،إمّا للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة،و لم يجد معاونا و لو بأجرة مقدورة،أو لضيق الوقت بحيث لا يدرك منه معه بعد الطهارة ركعة على الأظهر الأشهر، خلافا للمعتبر (4)،أو لكونه في بئر بعيد القعر يتعذر الوصول إليه بدون الآلة، و هو عاجز عن تحصيلها و لو بعوض مقدور أو شق ثوب نفيس أو إعارة،أو لكونه موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس أو طرف أو مال محترمة أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل و لو بمجرد الجبن.

لصدق فقد الماء مع جميع ذلك،بناء على استلزام التكليف بتحصيل الماء في هذه الصور العسر و الحرج المنفيين كالضرر المنفي عموما في الشريعة،مضافا إلى المعتبرة في بعضها كالصحاح في فقد الآلة (5)،مضافا إلى الإجماع المحكي عن المنتهى فيه و في خوف اللص و السباع و ضياع المال (6)،

ص:8


1- التهذيب 1:1272/405،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.
2- التهذيب 1:1266/404،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 3.
3- منهم الشهيد الأول في البيان:84،الكركي في جامع المقاصد 1:477،الشهيد الثاني في روض الجنان:119.
4- المعتبر 1:363.
5- الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 3.
6- المنتهى 1:137.

و في الخبر:عن الرجل لا يكون معه ماء،و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحوهما،قال:«لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» (1).

حصول مانع من استعمال الماء

أو حصول مانع من استعماله كالبرد الشديد الذي يشق تحمله و المرض الحاصل يخاف زيادته أو بطء برئه أو عسر علاجه،أو المتوقع، لاستلزام التكليف باستعمال الماء معهما العسر و الحرج و الضرر المنفيات بعموم الآيات و الروايات،مضافا إلى خصوص الآية هنا (2)،و الأخبار المستفيضة منها الصحيحان:في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد،قال:«لا يغتسل و يتمم» (3).

و الصحيحان:عن الرجل يكون به القروح و الجراحات فيجنب،قال:

«لا بأس بأن يتيمم،و لا يغتسل» (4).

و مقتضى الأولين جواز التيمم بالتألم بالبرد باستعمال الماء و إن لم يخش سوء العاقبة،كما عن المنتهى و نهاية الإحكام و المبسوط و النهاية و الإصباح و ظاهر الكافي و الغنية و المراسم و البيان و الجامع (5)فيه و في التألم بالحرّ أو الرائحة أو المرض.

و هو حسن،مضافا إلى عموم الأدلة المتقدمة.

ص:9


1- الكافي 3:8/65،التهذيب 1:528/184،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
2- المائدة:6.
3- التهذيب 1:531/185،و 566/196،الوسائل 3:347 أبواب التيمم ب 5 ح 7،8.
4- الفقيه 1:216/58،الوسائل 3:348 أبواب التيمم ب 5 ح 11. و الصحيح الثاني:الكافي 3:1/68،التهذيب 1:530/184،الوسائل 3:347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.
5- المنتهى 1:136،نهاية الإحكام 1:195،المبسوط 1:30،نقله عن النهاية:46، و الإصباح في كشف اللثام 1:142،الكافي في الفقه:136،الغنية(الجوامع الفقهية): 555،المراسم:53،البيان:84،الجامع للشرائع:45.

و في القواعد (1):لا،للأصل،المخصّص بما مرّ،و ورود الخبر باغتسال مولانا الصادق عليه السّلام في ليلة باردة و هو شديد الوجع (2).و هو ضعيف، كضعف ما دلّ على وجوب اغتسال المجنب نفسه على ما كان (3).

و لو لم يوجد الماء إلاّ ابتياعا وجب و لو كثر الثمن و زاد على المثل أضعافا،إجماعا كما عن الخلاف (4)،و للمعتبرة منها الصحيح:عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة،و هو لا يقدر على الماء،فوجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها،يشترى و يتوضأ أو يتيمم؟قال:«لا بل يشتري،قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضأت،و ما يشتري بذلك مال كثير» (5).

و المروي في تفسير العيّاشي مسندا إلى العبد الصالح أنه سأله إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف و كم بلغ؟قال:«ذلك على قدر جدته» (6).

و في شرح الإرشاد لفخر الإسلام:إنّ مولانا الصادق عليه السّلام اشترى وضوءه بمائة دينار (7).مضافا إلى أنه واجد للماء.

خلافا للإسكافي،فنفي الوجوب مع غلاء الثمن،لكن أوجب الإعادة إذا وجد الماء (8)،و هو محتمل نهاية الإحكام (9)،لأن بذل الزائد ضرر،و لسقوط

ص:10


1- قواعد الأحكام 1:22.
2- التهذيب 1:575/198،الاستبصار 1:563/162،الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17 ح 3.
3- انظر الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17.
4- الخلاف 1:165.
5- الكافي 3:17/74،الفقيه 1:71/23،التهذيب 1:1276/406،الوسائل 3:389 أبواب التيمم ب 26 ح 1.
6- تفسير العياشي 1:146/244،الوسائل 3:389 أبواب التيمم ب 26 ح 2.
7- نقله عن شرح الإرشاد في كشف اللثام 1:143.
8- نقله عنه في المعتبر 1:369.
9- نهاية الإحكام 1:194.

السعي في طلبه للخوف على شيء من ماله.و هو اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى الأصحاب و الإجماع المحكي،مع صدق وجدان الماء حقيقة.

و قيل و القائل المشهور:إنما يجب ما لم يضرّ به في الحال حال المكلّف،أو زمان الحال في مقابلة الاستقبال.و الأوّل أوفق بأدلة هذا الشرط من نفي الضرر و العسر و الحرج،بناء على كون مثله ضررا مطلقا.

و هو أي اشتراط هذا الشرط أشبه و أشهر.بل عن المعتبر أنه مذهب فضلاء الأصحاب (1).و عن المنتهى أنه لو احتاج إلى الثمن للنفقة لم يجب عليه الشراء قولا واحدا.و عنه أيضا:لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء،و لا نعرف فيه مخالفا (2).

و ظاهرهما دعوى الإجماع على عدم الوجوب مع الإجحاف مطلقا،و هو مع عموم الأدلة المتقدمة كاف في تقييد المعتبرة المزبورة،مع عدم تبادر صورة الإجحاف منها،فتأمل.

ثمَّ إن الفارق بين وجوب بذل المال الكثير في تحصيل الماء و ابتياعه، و وجوب حفظه و إن قلّ عن نحو اللص،هو الإجماع و الصحيح و مفهوم آية المقام الموجب للأوّل.و الخبر المتقدم كالإجماع الذي مرّ (3)و عموم نفي العسر و الحرج و الضرر الموجب للثاني.

و بالجملة:الأدلة هي الفارقة بين الأمرين،لا أنّ الحاصل بالثاني العوض على الغاصب و هو منقطع،و في الأول الثواب و هو دائم،لتحقق الثواب

ص:11


1- المعتبر 1:370.
2- المنتهى 1:133.
3- راجع ص:4.

فيهما مع بذلهما اختيارا طلبا للعبادة لو أبيح ذلك،بل قد يجتمع في الثاني العوض و الثواب،بخلاف الأول.

لو كان معه ماء و خاف العطش تيمّم

و لو كان معه ماء و خاف العطش باستعماله على نفسه أو رفقته ممّن يتضرر بمفارقته مطلقا و لو كان كافرا،أو لم يتضرر بها و لكن له نفس محترمة ، أو حيوان يتضرر بإتلافه و لو يسيرا قطعا،و بدونه على إشكال تيمّم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة تفي للطهارة،إجماعا كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (1)،للمعتبرة المستفيضة،منها الصحاح،أحدها:في الرجل أصابته جنابة في السفر،و ليس معه إلاّ ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش،قال:

«إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد،فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» (2).

و لا فرق في العطش بين الحال و المتوقع في زمان يخاف فيه عدم حصول الماء،لإطلاقها،و عموم الأدلة النافية للضرر (3)و إلقاء النفس في التهلكة (4).

لو كان على جسده نجاسة و معه ماء يكفي لإزالتها أو للوضوء أزالها و تيمم

و كذا يجب التيمم لو كان على جسده أو ثوبه الذي يتم فيه الصلاة نجاسة غير معفوّ عنها و معه ماء يكفي لإزالتها و عليه الإجماع كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (5).و هو الحجة،لا ما قيل من أن الطهارة عن الحدث له بدل،دون الطهارة عن الخبث (6)،لتوقف البدلية على فقد الماء و هو موجود كما هو فرض المسألة،فترجيح إزالة الخبث على إزالة الحدث محل

ص:12


1- المعتبر 1:367،المنتهى 1:134،التذكرة 1:59،61.
2- الكافي 3:1/65،التهذيب 1:1267/404،الوسائل 3:388 أبواب التيمم ب 25 ح 1.
3- غوالي اللئالي 1:11/383.
4- البقرة:195.
5- المعتبر 1:371،المنتهى 1:153،التذكرة 1:61.
6- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:143.

مناقشة.و تعارض موجبهما كتعارض العمومين من وجه،فلا بدّ من الترجيح.

و لو لا الإجماع المحكي لكان للتوقف مجال،و معه فلا إشكال في وجوب التيمم في هذه الصورة أو صورة وجدان الماء للوضوء خاصة مع وجوبه مع الغسل عليه فإنه يتوضأ،و يتيمم بدلا عن الغسل كما مرّ.

من كان معه ماء لا يكفيه لطهارته

و كذا مرّ (1)أن من معه ماء لا يكفيه لطهارته مطلقا يتيمم في الوضوء قطعا و إجماعا،و في الغسل كذلك على الظاهر،بل حكي عليه الإجماع صريحا كما مرّ.

و إذا لم يوجد للميت اللازم تغسيله ماء يمّم كالحي العاجز عن استعماله،و كذا إذا وجد الماء و لكن خيف من استعماله تناثر لحمه كما مرّ أدلته في بحثه.

ص:13


1- في ص 2.

الثاني في ما يتيمم به

الثاني:

في بيان ما يتيمم به،و هو التراب الخالص دون ما سواه عند الحلبيين و المرتضى و الإسكافي (1)،فلم يجوّزوا التيمم بغيره مطلقا،و هو ظاهر من منع عن استعمال الحجر حالة الاختيار كالنهاية و المقنعة و السرائر و الوسيلة و المراسم و الجامع (2)،بل هو مذهب الأكثر كما يوجد في كلام جماعة (3).

و هو نص كثير من أهل اللغة،كالصحاح و المجمل و المفصّل و المقاييس (4)،و الديوان و شمس العلوم و نظام الغريب و الزينة لأبي حاتم، و حكي عن الأصمعي و أبي عبيدة (5).و ربما ظهر من القاموس و صاحب الكنز الميل إليه (6)،لتقديمهما تفسير الصعيد به على التفسير بمجرد الأرض،فتأمل.

و هو ظاهر الآية،بناء على ظهور عود الضمير المجرور بمن إلى الصعيد (7).و لا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم (8)،لظهور أنّ المراد به ما يتيمم به فله أيضا ظهور في ذلك،كالصحيح:«إذا لم يجد الرجل طهورا

ص:14


1- أبو الصلاح في الكافي:136،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):552،حكاه عن المرتضى في المعتبر 1:372،نقله عن الإسكافي في المختلف:48.
2- النهاية:49،المقنعة:60،السرائر 1:137،الوسيلة:71،المراسم:53،الجامع للشرائع:47.
3- لم نعثر عليه إلاّ في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني،و هو مخطوط.
4- الصحاح 2:498،مجمل اللغة 3:226،حكاه عن المفصّل في كشف اللثام 1:144، معجم مقاييس اللغة 3:287.
5- حكاه عن الأصمعي في معجم مقاييس اللغة 3:287،و عن أبي عبيدة في الجمهرة 2:654.
6- القاموس المحيط 1:318.
7- ..فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ .المائدة:6.
8- الكافي 3:4/30،الفقيه 1:212/56،التهذيب 1:168/61،الاستبصار 1: 186/62،الوسائل 3:364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

فليمسح من الأرض» (1)لظهور تبعيضية الجار.

و هو ظاهر أخبار اشتراط العلوق و غيرها ممّا فيه ذكر التراب كالصحيح:

«إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (2).

و الصحيح:«إذا كانت ظاهر الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم» (3).

و نحوه الصحيح الآخر (4).

و في الخبر:عن الرجل لا يصيب الماء و التراب أ يتيمم بالطين؟قال:

«نعم» (5).و في آخر:«إنّ ربّ الماء ربّ التراب» (6).

و لا يعارضها الأخبار المعلّقة فيها التيمم على الأرض كالصحيح:«إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (7).

و الصحيح:«فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (8).

ص:15


1- التهذيب 1:556/193،الاستبصار 1:549/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.
2- الكافي 3:3/66،الفقيه 1:223/60،التهذيب 1:1264/404،الوسائل 3:386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.
3- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
4- الكافي 3:4/66،الوسائل 3:356 أبواب التيمم ب 9 ح 10.
5- التهذيب 1:549/190،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 6.
6- الفقيه 1:220/59،التهذيب 1:564/195 الاستبصار 1:554/160،الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 13.
7- الكافي 3:7/64،الفقيه 1:213/57،التهذيب 1:527/184،المحاسن: 133/372 بتفاوت يسير،الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 3 ح 1،4.
8- الكافي 3:1/63،التهذيب 1:588/203،الاستبصار 1:573/165،الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

إذ غايتها الإطلاق المنصرف إلى التراب،لا إلى الحجر و نحوه،لندرته.

و نحو هذا الجواب يجري في كلام كثير ممّن فسّر الصعيد بوجه الأرض، كالعين و المحيط و الأساس و المفردات للراغب (1)و السامي و الخلاص،و الزجاج مع دعواه عدم الخلاف بين أهل اللغة في ذلك (2).و هذه الدعوى مؤيدة له،إذ لو حمل مراده على مطلق وجه الأرض و لو خلي عن التراب لكان مخالفا لكثير من اللغويين كما عرفت،و يبعد غاية البعد عدم وقوفه على كلامهم،أو عدم اعتباره لهم،فسقط حجج أكثر المتأخرين على أنه وجه الأرض مطلقا.

هذا مضافا إلى أنه بعد تسليم عدم رجحان ما ذكرنا فلا أقلّ من المساواة لما ذكروه،و هو يوجب التردد و الشبهة في معنى الصعيد،و توقيفية العبادة و وجوب الاقتصار فيها على ما يحصل به البراءة اليقينية يقتضي المصير إلى الأوّل بالضرورة،و رجحان ما ذكروه عليه بعد ما تقرر فاسد بالبديهة.

نعم:سيأتي ما يؤيد مختارهم من الأخبار المنجبر قصورها بالشهرة العظيمة بينهم،حتى أنه ادعى الطبرسي في المجمع الإجماع عليه في جواز التيمم بالحجر (3).و لا يخلو عن قوة.و يحمل أخبار التراب على الغالب بعين ما حمل عليه أخبار الأرض،مضافا إلى عدم استفادة المنع عن غيره منها، فتأمل .

و يؤيده حكاية الإجماع في المختلف على جواز التيمم بالحجر عند الاضطرار (4)،و لو لا دخوله في الصعيد لكان هو و غيره ممّا لا يجوز التيمم به

ص:16


1- العين 1:290،نقله عن محيط اللغة في كشف اللثام 1:144،أساس البلاغة:254، مفردات ألفاظ القرآن:280.
2- نقله عن الزجّاج في معجم مقاييس اللغة 3:287.
3- مجمع البيان 2:52.
4- المختلف:48.

سواء.

لكن الأحوط عدم الاكتفاء بأمثال هذه الظنون في مقام تحصيل البراءة اليقينية.

و أمّا ما يقال-بناء على ترجيح التفسير بالتراب-في توجيه جواز التيمم بالحجر بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة و عملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا (1).

فبعد تسليم صدق التراب على نحوه مدفوع بعدم تبادره من إطلاق التراب حيث ما يوجد.مع أنّ مقتضى أخبار العلوق اعتبار التراب بالمعنى المتبادر دون نحو الحجر،لعدم علوق فيه.

مضافا إلى جريان نحو هذا التوجيه في المعادن و لم يقولوا بجواز التيمم به معلّلين العدم بالخروج عن اسم الأرض فضلا عن التراب.و شهادة العرف بالخروج عن الترابية هنا جارية في نحو الأحجار،و إنكاره مكابرة.

و كيف كان:فلا خلاف في المنع عن التيمم بغير الأرض من الأشياء المنسحقة الخارجة عن الاسم كالأشنان و الدقيق بل حكى عليه الإجماع منّا جماعة (2).

و ليس في الخبر:عن الدقيق يتوضأ به؟فقال:«لا بأس بأن يتوضأ به و ينتفع به» (3)-مع قصور سنده-دلالة على الجواز بالأخير،لقوة احتمال التوضؤ فيه التنظيف و التطهير من الدرن،كما صرّح به الشيخ (4).

ص:17


1- انظر الروضة البهية 1:154.
2- منهم العلامة في المنتهى 1:142،و صاحب المدارك 2:201،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:144.
3- التهذيب 1:541/188،الوسائل 3:351 أبواب التيمم ب 7 ح 7.
4- انظر التهذيب 1:541/188،و الاستبصار 1:155.

و المعادن كلّها كالكحل و الزرنيخ و عليه الإجماع في المنتهى (1)، لعدم صدق الأرض عليه.

خلافا للمعاني فجوّزه بها،معلّلا بخروجها منها (2).

و هو ضعيف،إذ المعتبر صدق الاسم لا الخروج من المسمى.و لا دليل على اعتباره مطلقا سوى مفهوم الخبر المعلّل منع التيمم بالرماد بأنه لا يخرج من الأرض (3).و نحوه المروي في نوادر الراوندي بسنده فيه عن علي عليه السلام مثله (4).

و هما مع قصور سندهما و عدم جابر لهما في المقام يمكن أن يراد بالخروج فيها الخروج الخاص الذي يصدق معه الاسم لا مطلقا،كيف لا؟! و الرماد خارج عنها بهذا المعنى قطعا.

و يدل على العدم في الرماد-مضافا إلى الخبرين-الإجماع المحكي في المنتهى (5).و مورده كالخبر رماد الشجر.و في إلحاق رماد الأرض به تردد، أقربه اعتبار الاسم فيه و في العدم كما عن الفاضل في التذكرة (6).و عنه في النهاية إطلاق الإلحاق (7).و فيه نظر.

و لا بأس بالتيمم بأرض النورة و الجصّ قبل الإحراق على الأشهر الأظهر،لصدق الاسم،و فحوى الخبرين.

ص:18


1- المنتهى 1:141.
2- نقله عنه في الذكرى:22.
3- التهذيب 1:539/187،الوسائل 3:352 أبواب التيمم ب 8 ح 1.
4- نوادر الراوندي:50،المستدرك 2:533 أبواب التيمم ب 6 ح 2.
5- المنتهى 1:142.
6- التذكرة 1:62.
7- نهاية الإحكام 1:199.

خلافا للحلّي فأطلق المنع عنهما،للمعدنية (1).و فيه منع.

و للطوسي فخصّ الجواز بالاضطرار دون الاختيار (2)،و لعلّه للاحتياط.

و هو حسن إلاّ أنه ليس بدليل.

و أمّا بعده فعن مصباح السّيد و المراسم و المعتبر و التذكرة و الذكرى:

الجواز (3)،لصدق الاسم.و فيه شك.و استصحاب الجواز و البقاء على الأرضية معارض بأصالة بقاء شغل الذمة اليقيني،و بعد التعارض يبقى الأوامر عن المعارض سليمة،فتأمل .

و الخبران و إن دلاّ على الجواز إلاّ أن ضعفهما هنا غير مجبور،فلذا عن الأكثر كالمبسوط و السرائر و الإصباح و نهاية الإحكام و التلخيص:المنع عنه (4).

و عن المنتهى و المختلف:الإحالة على الاسم (5).و هو الوجه إن اطمأن بصدقه.

كلّ ذلك على القول بكفاية مطلق وجه الأرض،و إلاّ فعلى القول باعتبار التراب فالبحث ساقط عن أصله.

و يكره التيمم بالسبخة و هي الأرض المالحة النشّاشة و الرمل على الأشهر،بل عليه الإجماع في المعتبر (6)،لصدق الاسم.

خلافا للإسكافي،فأطلق المنع عن الأول (7)،و لعلّه لما في الجمهرة عن

ص:19


1- قال في السرائر 1:137:و لا يجوز التيمم بجميع المعادن..و قد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة،و الصحيح الأول.انتهى.
2- راجع النهاية:49.
3- نقله عن المصباح في المعتبر 1:375،المراسم:54،المعتبر 1:375،التذكرة 1:62، الذكرى:21.
4- المبسوط 1:32،السرائر 1:137،نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:144،نهاية الإحكام 1:199.
5- المنتهى 1:142،المختلف:48.
6- المعتبر 1:374.
7- حكاه عنه في المختلف:48.

أبي عبيدة:أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخلطه سبخ و لا رمل (1)، و الصحيح:«لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه ممّا أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» (2)كذا قيل (3).و فيه نظر،إذ ليس فيه ذكر السبخة،و الرمل لا يقول بالمنع عنه،و الملح لا كلام في المنع فيه لمعدنيته.

و كيف كان:فالأحوط الترك حتى الرمل،لهذا الخبر.

و في جواز التيمم بالحجر الخالي عن التراب اختيارا تردّد منشؤه الاختلاف المتقدم في تفسير الصعيد.و هو في محلّه.

لكن روى الراوندي بسنده في نوادره عن علي عليه السلام قال:«يجوز التيمم بالجصّ و النورة،و لا يجوز بالرماد،لأنه لم يخرج من الأرض»فقيل له:

أ يتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟قال:«نعم» (4).

و هو نص في إطلاق الجواز بالصفا الذي هو حجر،و ظاهر بحسب مفهوم التعليل،خرج منه ما ظاهرهم الإجماع عليه كما مرّ و بقي الباقي.

و نحوه الخبر الآخر بحسب المفهوم و التصريح بجواز الجصّ و النورة (5)و ضعفهما هنا بالشهرة منجبر،فالمصير إليه غير بعيد،مضافا إلى الإجماع المتقدم (6).

و يؤيده الموثق:عن رجل تمرّ به جنازة و هو على غير طهر،قال:«يضرب

ص:20


1- جمهرة اللغة 2:654.
2- الكافي 3:14/332،التهذيب 2:1231/304،الوسائل 5:360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.
3- انظر كشف اللثام 1:144،الحدائق 4:314.
4- تقدم مصادر الخبرين في ص 13.
5- تقدم مصادر الخبرين في ص 13.
6- و هو الإجماع المحكي عن الطبرسي،راجع ص 11.

يديه على حائط لبن فيتيمم» (1)لعدم صدق التراب على نحو اللبن،و لا قائل بالفرق،فتأمل.

لكن الأحوط المنع عنه حال الاختيار،و أمّا حال الاضطرار فجائز إجماعا كما عن المختلف (2)،و في الروضة:و لا قائل بالمنع منه مطلقا (3)،و لعلّهما فهما من إطلاق المنع في كلام من تقدم (4)التقييد بحال الاختيار.

لكن المستفاد من قوله و بالجواز قال الشيخان وقوع الخلاف حال الاضطرار أيضا،لتخصيصهما الجواز به في المقنعة و النهاية (5)،فلو لا الخلاف لما كان لنسبته إليهما خاصة وجه،لكنه لا ينافي دعوى الإجماع كوجود القائل بإطلاق المنع عندنا (6).

قيل:و من جوازه بالحجر يستفاد جوازه بالخزف بطريق أولى،لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض و إن خرج عن اسم التراب،كما لم يخرج الحجر مع أنه أقوى استمساكا منه (7).

و هو حسن إن صحّ عدم الخروج.و لم يحتج إلى الأولوية،لكفاية صدق الاسم الذي هو المستند عنده في الحجر،و لكنه محل شك موجب للشك في صحة التيمم به.و هو الأجود في الاستدلال للمنع عنه ممّا في المعتبر من

ص:21


1- الكافي 3:5/178،التهذيب 3:477/203،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
2- المختلف:48.
3- الروضة 1:154.
4- راجع ص 9 الهامش 2.
5- المقنعة:60،النهاية:49.
6- بناء على عدم القدح في تحقق الإجماع خروج معلوم النسب.منه رحمه اللّه.
7- قال به الشهيد الثاني في الروضة 1:154.

دعوى خروجه عن الاسم (1)،إذ هو محل شك.و عرفت أن استصحاب الجواز معارض بمثله في فساد العبادة فتبقى الذمة مشغولة بها،للأوامر السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و مع فقد الصعيد مطلقا حتى الحجر على مذهب الأكثر كما عن التحرير و التذكرة (2)،و هو ظاهر جماعة (3).أو التراب خاصة و إن وجد الحجر كما في ظاهر القواعد و الشرائع (4)،و المحكي عن ظاهر المبسوط و المقنعة و المنتهى و نهاية الإحكام (5)،و صريح المراسم و الجامع (6).و مقتضاه جواز الغبار مع الحجر دون التراب.و الأول أنسب بما يرونه من تعميم الصعيد لهما و عدم اشتراط الأول بفقد الثاني:

تيمم بغبار متصاعد من الأرض على الثوب و اللّبد و عرف الدابة مخيّرا على الأشهر بين الثلاثة.

خلافا للنهاية فقدّم الأخيرين-مخيّرا بينهما-على الأول (7).و للحلّي فعكس فقدّم الأول عليهما (8).و لا مستند لهما سوى ما عن المنتهى للأول من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما دون الثوب (9).

و ظاهر النصوص مع الأوّل،و هي المستند في أصل الحكم بعد الإجماع

ص:22


1- المعتبر 1:375.
2- التحرير 1:22،التذكرة 1:62.
3- منهم الشهيد في البيان:85،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:483،و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:223،و صاحب المدارك 2:206.
4- القواعد 1:23،الشرائع 1:48.
5- المبسوط 1:32،المقنعة:59،المنتهى 1:142،نهاية الإحكام 1:199.
6- المراسم:53،الجامع للشرائع:47.
7- النهاية:49.
8- كما في السرائر 1:138.
9- المنتهى 1:142.

المحكي عن المعتبر و التذكرة (1)،ففي الصحيح:عن المواقف إن لم يكن على وضوء و لا يقدر على النزول كيف يصنع؟قال:«يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته،فإنّ فيها غبارا» (2).

و فيه:«فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر» (3).

و يستفاد منه و من ظاهر الأكثر اعتبار اجتماع غبار يتيمم به في الثلاثة و نحوها،فيقيّد الأوّل به و بأصرح منه صحيح أيضا:«إذا كنت في حالة لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به،فإنّ اللّه تعالى أولى بالعذر إذا لم يكن معك تراب جاف و لا لبد تقدر على أن تنفضه و تتيمّم به» (4).

ثمَّ ظاهر المتن كالأكثر و المحكي عن صريح نهاية الإحكام و السرائر (5)اشتراط التيمم بالغبار بعدم التمكن من الأرض،و عن التذكرة الإجماع عليه (6).

و هو الحجّة فيه كالصحيح:«إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه،فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّ و جلّ،و إن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر»الخبر (7).

و علّله في المنتهى بأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت.و هو كما ترى.

ص:23


1- المعتبر 1:376،التذكرة 1:62.
2- التهذيب 1:544/189،الاستبصار 1:541/157،الوسائل 3:353 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
3- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
4- الكافي 3:1/67،التهذيب 1:543/189،الاستبصار 1:537/156،الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 7.
5- نهاية الإحكام 1:200،السرائر 1:137.
6- التذكرة 1:62.
7- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.

و احتمل فيه العدم مقوّيا له،معلّلا بأن الغبار تراب فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله فصار ترابا مطلقا (1).

و هو حسن-وفاقا له و للمرتضى في الجمل (2)-إن خرج منها تراب صالح مستوعب لمحالّ المسح و إلاّ فالعدم أقوى،لا لعدم تسميته صعيدا،بل لعدم امتثال المأمور به على وجهه.و لعلّ اختياره في كلام الأكثر منوط بعدم خروج مثل ذلك كما هو الغالب،و الأحوط مراعاة الأكثر.

و مع فقده أي الغبار تيمّم بالوحل اتفاقا كما عن المعتبر و ظاهر التذكرة و المنتهى (3).و هو الحجة فيه،كالمستفيضة منها الصحيح:«و إن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه» (4).

و في الموثق نحوه في الحصر (5)المستفاد منه-كظاهر الأصحاب المدّعى عليه الوفاق (6)-الترتيب و اشتراط فقد ما سبق عليه في التيمم به.

فالقول بتقديمه على الغبار مطلقا-كما عن المهذّب (7)،و به صرّح بعض متأخري الأصحاب (8)-ليس في محلّه و إن دلّ عليه الخبر (9)،لضعفه.نعم:

ص:24


1- المنتهى 1:142.
2- جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26.
3- المعتبر 1:377،التذكرة 1:62،المنتهى 1:142.
4- التهذيب 1:546/189،الاستبصار 1:539/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 4.
5- التهذيب 1:545/189،الاستبصار 1:545/158،الوسائل 3:353 أبواب التيمم ب 9 ح 2.
6- انظر المعتبر 1:377،و كشف اللثام 1:145.
7- المهذّب 1:32.
8- انظر الحدائق 4:304.
9- التهذيب 1:547/190،الاستبصار 1:540/156،الوسائل 3:354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

حسن لو أمكن تجفيفه بحيث يصير ترابا،و لكنه ليس محل خلاف.

و الأصح في الكيفية ما عن السرائر من أنه كالتيمم بالأرض (1).

خلافا لجماعة كالشيخين في المقنعة و النهاية،فاعتبروا بعد ضرب اليدين مسح إحداهما بالأخرى و فرك طينهما بحيث لا يبقى فيهما نداوة (2)، و علّله في المعتبر بعد أن استوجهه بظاهر الأخبار (3).و هو ممنوع،كيف لا؟! و لا ذكر لما ذكر فيها،مع احتماله الإخلال بالموالاة.

و لآخرين كالوسيلة و التحرير،فاعتبروا التجفيف ثمَّ النفض و التيمم به (4).

و عن التذكرة و نهاية الإحكام أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت،فإن خاف عمل على الأوّل أي مذهب الشيخين (5).

قلت:و قد يفوت الوقت بالأوّل،فتعيّن المسحان من غير فرك.

و مع فقد الوحل سقط فرض الصلاة و إن وجد الثلج الذي لا يتمكن معه على التوضؤ و الاغتسال و لو بأقل جريان مطلقا (6)،وفاقا للأكثر،لعدم صدق الوضوء و الاغتسال بمسحه على محلّهما بحيث يحصل شبههما،كعدم صدق التيمم المعتبر فيه الأرض بمسحه على محلّه،فظهر ضعف القول بالأوّل كما عن الشيخ (7)،و بالثاني كما عن المرتضى (8).

ص:25


1- السرائر 1:138.
2- المقنعة:59،النهاية:49.
3- المعتبر 1:377.
4- الوسيلة:71،التحرير 1:22.
5- التذكرة 1:62،نهاية الإحكام 1:200.
6- أي سواء أمكن مسح محل الطهارة بنداوته و حصول شبه الوضوء و الغسل أم لا،أمكن به التيمم أم لا.منه رحمه اللّه.
7- انظر المبسوط 1:31.
8- حكاه عنه العلامة في المختلف:49.

و ليس في الصحيح:عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلاّ الثلج و الماء الجامد،فقال:«هو بمنزلة الضرورة يتيمم»الخبر (1).

دلالة عليه،لاحتماله التيمم بالتراب،تنزيلا لكلام السائل بإرادته من السؤال عدم وجدانه من الماء إلاّ الثلج،لا عدم وجدانه ما يتطهّر به مطلقا (2).

كما لا دلالة لأخبار الاغتسال به إذا بل الجسد (3)على الأوّل،لاحتماله البلل الذي يحصل معه أقل الجريان،و معه يندفع الاستدلال.نعم:هو الأحوط إن أمكن و إلاّ فمختار المرتضى،و يتم الاحتياط بالقضاء إن أوجبناه بفقد الطهور مطلقا.و اللّه أعلم.

ص:26


1- الكافي 3:1/67،التهذيب 1:553/191،الاستبصار:544/158،الوسائل 3:391 أبواب التيمم ب 28 ح 2.
2- أي حتى الطهارة الاضطرارية.
3- الوسائل 3:357 أبواب التيمم ب 10 ح 3،4.

الثالث في كيفيته

اشارة

الثالث:في بيان كيفيته و يتعلق بها أنه لا يصح قبل دخول الوقت،و يصح مع تضيّقه إجماعا في المقامين،و نصوصا،فحوى في الأوّل و نصّا في الثاني.

و في صحته مع السعة قولان.

أحدهما:الجواز إمّا مطلقا،كما عن الصدوق و المنتهى و التحرير و الإرشاد و البيان و ظاهر الجعفي و البزنطي (1)،و هو مختار جمع من المتأخرين (2).أو مع عدم رجاء زوال العذر،كما عن الإسكافي و المعتبر و ظاهر العماني (3)،و إليه مصير الفاضل في جملة من كتبه (4)،و كثير من المتأخرين (5).

و ثانيهما و هو الذي جعله الماتن أحوطهما :لزوم التأخير إلى آخر الوقت مطلقا،و هو المشهور بين القدماء،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الناصرية و الطوسي و القاضي في شرح جمل السيّد و الغنية و السرائر (6).و لا دليل عليه سواه،و سوى إطلاق الرضوي:«و ليس للمتيمّم أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت،أو:إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة» (7).

ص:27


1- نقله عن الصدوق في المعتبر 1:382،المنتهى 1:145،التحرير 1:22،الإرشاد 1: 234،البيان:86،نقله عن الجعفي و البزنطي في الذكرى:106.
2- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:223،و السبزواري في كفاية الأحكام:9،و الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:63.
3- نقله عن الإسكافي و العماني في المختلف:54،المعتبر 1:383.
4- راجع القواعد 1:23،التذكرة 1:64،المختلف:54.
5- منهم الشهيد في الروضة 1:160،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:500.
6- الانتصار:31،الناصرية(الجوامع الفقهية):189،حكاه عن الطوسي في المدارك 2: 209،شرح جمل العلم و العمل:61 و لم يصرح فيه بالإجماع،الغنية(الجوامع الفقهية): 555،السرائر 1:140.
7- فقه الرضا(عليه السّلام):88 بتفاوت يسير،المستدرك 2:547 أبواب التيمم ب 17 ح 1.

و نحوه الخبر:«و اعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت» (1).

و في الجميع نظر:

لوهن الأوّل بمصير أكثر المتأخرين إلى الخلاف و إن اختلفوا في إطلاق الجواز.

و الثاني بمصير الصدوق المعتمد عليه في الغالب إلى خلافه.و هو وهن عظيم فيه،إذ العمدة في اعتباره في الأحكام إنما هو بعمله به و توغل اعتماده عليه حتى يجعل عبارته في الغالب عين عبارته.

و قصور الثالث عن الدلالة على اللزوم لو لم نقل بدلالته على العدم.

و مع ذلك فالجميع معارض بالأخبار الكثيرة التي(كادت) (2)تبلغ التواتر، الظاهرة في الجواز المطلق،من حيث الدلالة على أن من تيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء لا إعادة عليه.و هي ما بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال في ذلك، و خاصة فيه مصرّحة بعدمها في الوقت.

فمن الأوّل الصحاح المستفيضة منها:عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء،فقال:«لا يعيد إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد (3).

و التعليل هنا و في غيره يؤكد الإطلاق.

و من الثاني الأخبار المستفيضة،كالموثقين،في أحدهما:عن رجل تيمّم و صلّى ثمَّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت،فقال:«ليس عليه إعادة

ص:28


1- التهذيب 1:590/203،الاستبصار 1:575/166،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
2- ليست في«ش».
3- التهذيب 1:571/197،الاستبصار 1:557/161،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

الصلاة» (1).

و نحوهما الخبر:في رجل تيمّم و صلّى،ثمَّ أصاب الماء و هو في وقت، قال:«قد مضت صلاته و ليتطهّر» (2).

و قريب منها الصحيح:و إن أصاب الماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت، قال:«تمّت صلاته و لا إعادة عليه» (3).

و حمله على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء بعيد غير جار فيما تقدّمه،كحملها على صورة حصول العلم أو الظن بالضيق.

و لا ينافيها الأمر بالإعادة في الصورة المزبورة في الصحيح:عن رجل تيمم و صلّى فأصاب بعد صلاته ماء،أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجزيه صلاته؟ قال:«إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد،فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» (4).

لاحتماله الاستحباب كما صرّح به الأصحاب.و يفصح عنه نفي الإعادة فيه في خارج الوقت،و ظاهر الموثق:في رجل تيمم و صلّى ثمَّ أصاب الماء، قال:«أما أنا فإني كنت فاعلا،إني كنت أتوضأ و أعيد» (5).

ص:29


1- التهذيب 1:565/195،الاستبصار 1:555/160،الوسائل 3:369 أبواب التيمم ب 14 ح 11. الموثق الثاني:التهذيب 1:587/202،الاستبصار 1:572/165،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 14 ح 17.
2- التهذيب 1:563/195،الاستبصار 1:553/160،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.
3- التهذيب 1:562/194،الاستبصار 1:552/160،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.
4- التهذيب 1:559/193،الاستبصار 1:551/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.
5- التهذيب 1:558/193،الاستبصار 1:550/159،الوسائل 3:368 أبواب التيمم ب 14 ح 10.

مع أنه لا قائل بإطلاقه،و هو أمارة أخرى على استحبابه.و منه يظهر قوة القول الأوّل.

مضافا إلى إطلاق إيجابه سبحانه التيمم عند إرادة القيام إلى الصلاة عند فقد الماء،فلا يتقيد بضيق الوقت.

المؤيد بإطلاقات الكتاب و السنّة الدالّة على دخول الوقت بالزوال و نحوه و تيمم العاجز عن استعمال الماء و الصلاة بعده من دون تقييد.

و باستلزام التأخير المطلق العسر و الحرج المنفيين عقلا و شرعا،سيّما في الأوقات التي لا تعلم أواخرها إلاّ بالترصيد.و تكليف العوام بتحصيله كاد أن يلحق بالتكليف بالمحال،و خصوصا لذوي الأعراض و الأمراض الشاقّ عليهم التأخير إلى الضيق.

مع كون الأمر به على بعض الوجوه لغوا محضا مفوّتا لكثير من المستحبات المؤكدة الملحق بعضها بالوجوب كفعل العبادة في وقتها الاختياري،بل و مضيّعا لخصوص العبادة،فقد وجدنا كثيرا أداء التأخير إلى الضيق إلى التضييع و لو اضطرارا من غير اختيار بنوم و شبهه.

و المعتضد بالصحيح:في إمام قوم أصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل،أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟قال:«لا،و لكن يتيمم الجنب (1)و يصلي بهم،إنّ اللّه تعالى قد جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (2).

لعدم إيجابه عليه السّلام على الإمام و المأمومين تأخيرهم الصلاة إلى ضيق الوقت مع غلبة وقوعها جماعة في أوّله،و يبعد غاية البعد تأخير المأمومين

ص:30


1- في النسخ:«الجنب الإمام».
2- الكافي 3:3/66،الفقيه 1:223/60،التهذيب 1:1264/404،الوسائل 3:386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضئ،مع كونه في غاية شدة الكراهة و كمال المرجوحية بالاتفاق و المعتبرة،سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري و الاضطراري،و حمله على اتفاق وقوع التأخير للمأمومين سيّما و جميعهم إلى ذلك الوقت بعيد جدا.

و لو لا الأخبار الآمرة بالتأخير إلى الضيق مع رجاء الزوال-كما هو ظاهر موردها-المعتضدة بالكثرة و الشهرة بين قدماء الطائفة في الجملة،المدّعى عليها الإجماعات المستفيضة،المؤيدة بلزوم الاحتياط معها في العبادة التوقيفية،لكان المصير إلى التوسعة متعينا بالضرورة.

فمنها الصحيح:«إذا لم تجد ماء و أردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت،فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (1).

و ليس فيه-كمضاهيه-الدلالة على اعتبار الضيق مطلقا،لإشعار التعليل بصورة الرجاء لا مطلقا.فالقول بالتفصيل قوي جدّا.

و مع ذلك فالمصير إلى إطلاق الجواز غير بعيد،لقوة الظن المستفاد من أدلته،و احتمال الأمر بالتأخير في الأخبار الاستحباب،لكثرة استعماله فيه،مع التعبير عنه فيما تقدّم (2)بلفظة«لا ينبغي»الظاهرة في الكراهة الصالحة لصرفها عن ظاهرها،فالظهور المستفاد منها ضعيف بالإضافة إلى الظنون المستفادة من أدلة التوسعة.

و لكن المسارعة إلى طرح الإجماعات المنقولة المستفيضة المؤيدة بالشهرة العظيمة و ظواهر الأخبار المزبورة بالمرّة جرأة عظيمة،سيّما في مثل

ص:31


1- الكافي 3:1/63،التهذيب 1:588/203،الاستبصار 1:573/165،الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.
2- راجع ص:23.

العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية،فلا يترك التأخير مع رجاء الزوال البتة،بل مطلقا،و إن كان القول بإطلاق التوسعة لا يخلو عن قوة.

استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح

و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟فيه روايتان،أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة المكتنف بها الجبينان.

ففي الموثق:عن التيمم،فضرب بيديه الأرض،ثمَّ رفعهما فنفضهما، ثمَّ مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة (1).

و هو و إن روى في الكافي-الذي هو أضبط-بذكر الجبين بدل الجبهة إلاّ أنه بالشهرة بين الأصحاب أرجح.مضافا إلى اعتضاده بالمحكي عن العماني (2)من تواتر الأخبار بمسح الجبهة و الكفّين في تعليم عمّار (3).

و بالرضوي:«تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف»إلى آخره (4).

و بالإجماعات المنقولة على نفي وجوب مسح الزائد من القصاص إلى طرف الأنف المعبّر عنه بالجبهة عن الناصرية و الانتصار و الغنية (5).

هذا مع ما في النسخة الأخرى من الشذوذ و المرجوحية إن حمل الجبين فيها على ما اكتنف الجبهة خاصة،بناء على ظهورها-لورودها في العبادة-في كونه الواجب خاصة دون الجبهة،و لا قائل به،بل على وجوب مسحها الإجماع

ص:32


1- الكافي 3:1/61،التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
2- حكاه عنه في المختلف:50.
3- انظر الوسائل 3:358 أبواب التيمم ب 11 الأحاديث 2،4،8،9.
4- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
5- الناصرية(الجوامع الفقهية):188،الانتصار:32،الغنية(الجوامع الفقهية):555.

عن الانتصار (1)،و صرّح بالوفاق في الذكرى (2)،و صرّح به الصدوق في الأمالي (3)،و حكي عنه ذلك صريحا (4)و إن اختص عبارته في الفقيه بالجبين و ادعى عليه في الأمالي الإجماع (5).

فلا بدّ من طرح تلك النسخة كالأخبار المضاهية لها،كالصحيح:«ثمَّ مسح جبينه بأصابعه» (6)و نحوه آخران (7).

أو تأويلها إمّا بحملها على ما يعمّ الجبهة.أو تخصيصها بها كما هو الأقوى،للشهرة،و الإجماعات المنقولة،و شيوع التعبير عن الجبهة بالجبين خاصة في المعتبرة كالموثق:«لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» (8)و نحوه الحسن (9).فيصلح حينئذ اتخاذ أخبار الجبين مستندا للجبهة.

و لعلّ دعوى الماتن كغيره أشهرية روايتها منوط بفهمهم من أخبار الجبين

ص:33


1- الانتصار:32.
2- الذكرى:108.
3- الموجود في الأمالي هكذا:..فيمسح بهما وجهه..و قد روي أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه،و عليه مضى مشايخنا.الأمالي:515.
4- حكي في كشف اللثام 1:147 عن الأمالي:و المسح من القصاص إلى طرف الأنف الأسفل. و لكنّا لم نعثر عليه فيه.
5- الفقيه 1:57.
6- الفقيه 1:212/57،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
7- الأول: مستطرفات السرائر:4/26،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 9. الثاني: التهذيب 1:614/212،الاستبصار 1:594/171،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.
8- التهذيب 2:1202/298،الاستبصار 1:1223/327،الوسائل 6:344 أبواب السجود ب 4 ح 4.
9- الكافي 3:2/333،الوسائل 6:345 أبواب السجود ب 4 ح 7.

الجبهة،إذ هي الأخبار المشهورة دون الموثقة المزبورة المتزلزلة بحسب النسخة.

فانحصر الأخبار المقابلة لأشهر الروايتين في الدالّة على مسح الوجه الظاهرة في الاستيعاب،و هي كثيرة تبلغ اثنى عشر حديثا أكثرها بحسب السند معتبرة.

لكنها ما بين شاذة،لتضمنها الوجه و الكفين لا الذراعين،و لا قائل به، إذ القول بالاستيعاب يشملهما كالقول بالعدم و لا ثالث يفرق.أو محمولة على التقية،لتضمنها الذراعين.

و مع ذلك فهي غير مقاومة لما تقدّم من الأدلة،و خصوص الآية و الصحيح المفسّر باءها بالتبعيضية (1).

فتطرح أو تؤول بما يؤول إلى الأول بحمل الوجه فيها على الجبهة.و لا بعد فيه،لشيوع التعبير عنه في المعتبرة في بحث السجود،كالصحيح:«إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي» (2).

و الصحيح:«خرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (3).

فالقول باستيعابه-كما عن والد الصدوق (4)-ضعيف جدّا.كضعف إلحاق الجبينين بالجبهة كما عنه (5).إلاّ أنه أحوط،لدعواه الإجماع عليه في

ص:34


1- الكافي 3:4/30،الفقيه 1:212/56،التهذيب 1:168/61،علل الشرائع:1/279، الوسائل 3:364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
2- التهذيب 2:316/85،الوسائل 6:357 أبواب السجود ب 10 ح 2.
3- التهذيب 2:1269/312،الاستبصار 1:1239/330،الوسائل 6:353 أبواب السجود ب 8 ح 2.
4- نقله عنه في المختلف:50.
5- نقله عن الفقيه في المدارك 2:219،و لكن ظاهر عبارة الفقيه اختصاص المسح بالجبينين و الحاجبين لا إلحاقهما بالجبهة.انظر الفقيه 1:57.

الأمالي (1)،مع ظهور الأخبار المتقدمة فيه،و إن عورضا بأقوى منهما،إلاّ أن الاحتياط مهما تيسّر أولى.

و ألحق الصدوق الحاجبين (2).و لا دليل عليه إلاّ ما يتوقف عليه منهما مسح تمام الجبينين من باب المتقدمة إن قلنا بلزوم مسحهما.

نعم:في الرضوي:«و قد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه و حاجبيه» (3).

و لكنه مرسل غير مكافئ لما تقدّم من الأخبار البيانية المقتصرة على الجبهة أو الجبينين خاصة،و لكنه أحوط.

و أشهر الروايتين أيضا اختصاص المسح بظاهر الكفين من الزندين إلى رؤوس الأصابع.و هو الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

منها الصحيح:وضع كفّيه على الأرض،ثمَّ مسح وجهه و كفّيه،و لم يمسح الذراعين بشيء (4).

و الموثق:ثمَّ مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة (5).

و الرضوي:«ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند، تمسح باليسرى اليمنى و باليمنى اليسرى» (6).

و بها يقيّد ما أطلق فيه اليدان كالصحيحين (7)،و عليها عمل أكثر

ص:35


1- الأمالي:515.
2- الفقيه 1:57.
3- فقه الرضا(عليه السلام):90،المستدرك 2:539 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4- التهذيب 1:603/208،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.
5- التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
6- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1 بتفاوت يسير.
7- التهذيب 1:610/210 و 611،الاستبصار 1:598/172 و 599،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 1 و 4.

الأصحاب،بل عليه الإجماع عن الناصرية و الأمالي و الغنية (1).فالروايات [فيه] بمسح الذراعين (2)مع قلّتها و قصور سند بعضها مطرحة أو محمولة على التقية، فالقول به-كما عن والد الصدوق (3)-ضعيف.كضعف القول ببعض الكف من أصول الأصابع (4)،لضعف مستنده بالإضافة إلى ما تقدم كالمرسل كالصحيح:«فامسح على كفّيك من حيث موضع القطع،و قال وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 5 [1] (5)مع احتماله موضع القطع عند العامة إشارة بالمعرّف باللام إلى المعهود الخارجي.

في عدد الضربات

و في عدد الضربات في بدل كلّ من الوضوء و الغسل هل هو واحد فيهما،كما عن العماني و الإسكافي و المفيد في العزّية و المرتضى في الجمل و شرح الرسالة و ظاهر الناصرية (6)،و الصدوق في ظاهر المقنع و الهداية (7)،و هو ظاهر الكليني-لاقتصاره بذكر أخبار المرّة-و القاضي (8)،و صريح المعتبر

ص:36


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):188،الغنية(الجوامع الفقهية):555،و أما الأمالي ففيه:ثمَّ يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع،ثمَّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.و قد روى أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه،و عليه مضى مشايخنا.الأمالي:515.
2- الوسائل 3:361،365 أبواب التيمم ب 12 ح 2،و ب 13 ح 3.
3- نقله عنه في المختلف:50.
4- نقله في السرائر 1:137 عن بعض الأصحاب.
5- الكافي 3:2/62،التهذيب 1:599/207،الاستبصار 1:588/170،الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.
6- نقله عن العماني و الإسكافي و المفيد في المختلف:50،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26،حكاه عن شرح الرسالة في المعتبر 1:388،الناصرية(الجوامع الفقهية):188.
7- المقنع:9،الهداية:18.
8- الكليني في الكافي 3:61،القاضي في المهذّب 1:47.

و الذكرى و المدارك (1)،و نسبه في السرائر إلى قوم من أصحابنا (2)،و إليه مال جدّي و خالي المجلسيان (3)-رحمهما اللّه-و ذهب إليه كثير من المتأخرين و متأخريهم (4)،و حكته العامة عن علي عليه السلام و عمّار و ابن عباس و جمع من التابعين (5).

أو متعدّد فيهما،كما عن أركان المفيد و والد الصدوق (6)،و المحكي من عبارته اعتبار الثلاث مرة للوجه و مرة لليمنى و اخرى لليسرى.

أو التفصيل،فالأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني،كما ذهب إليه الأكثر.

أقوال أجودها الأخير للوضوء ضربة و للغسل ضربتان جمعا بين النصوص المستفيضة الظاهرة في إطلاق المرّة لورودها في بيان العبادة، و الظاهرة في إطلاق المرّتين.

و لا شاهد له إلاّ ما يتوهم من الصحيح:«هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه و مرّة لليدين» الخبر (7).

بناء على كون الواو للاستيناف المقتضي جعل ما بعدها مبتدأ و جملة «تضرب»خبرا له.و هو مع مخالفته الظاهر لا دليل عليه بعد احتماله العطف

ص:37


1- المعتبر 1:389،الذكرى:108،المدارك 2:232.
2- السرائر 1:137.
3- انظر روضة المتقين 1:275،و بحار الأنوار 78:159.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:231،صاحب المدارك 2:232،السبزواري في كفاية الأحكام:9،الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:62.
5- انظر المغني و الشرح الكبير 1:278.
6- نقله عنهما الشهيد في الذكرى:108.
7- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.

المقتضي للتسوية بين الوضوء و الغسل المنافية لما ذكروه.

مضافا إلى رجحانه بملاحظة الموثق:عن التيمم من الوضوء و من الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟فقال:«نعم» (1).

و نحوه الرضوي:«و صفة التيمم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد،و هو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف،ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند،و روى من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى و باليمنى اليسرى» (2).

و حمله على التقية بناء على مصيرهم إلى التسوية (3)غير ممكن، لاشتماله على الجبهة و الكفين،فيبعد في الموثق أيضا.

فحينئذ لا دليل على التفصيل،بل هو قائم على خلافه.نعم:ادعى عليه الإجماع في الأمالي فقال:من دين الإمامية الإقرار بأن من لم يجد الماء -إلى قوله-:ضرب على الأرض ضربة للوضوء و يمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى،و إلى الأسفل أولى،ثمَّ يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع،ثمَّ يمسح اليسرى كذلك، و يضرب بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها وجهه و اخرى ظهر كفيه (4).

انتهى.و هو ظاهر التبيان و مجمع البيان (5).

ص:38


1- الفقيه 1:215/58،التهذيب 1:617/212،الوسائل 3:362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.
2- فقه الرضا(عليه السلام):88،المستدرك 2:535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
3- راجع بداية المجتهد 1:70،المغني لابن قدامة 1:278.
4- قد نقلنا عبارة الأمالي من نسخته المطبوعة عندنا،في ص 31 الهامش(1)،و هي تخالف ما نقله الشارح(ره)من وجوه.انظر الأمالي:515.
5- التبيان 3:208،مجمع البيان 2:52.

فيصلح هذه الإجماعات المنقولة وجها للجمع.و لكن كلام الأخيرين ليس نصّا في دعوى الإجماع،سيّما مع نقلهما القول بالضربتين من قوم من أصحابنا.و الأوّل و إن كان أظهر منهما دلالة عليهما،إلاّ أن ظاهره دعوى الإجماع على كون الضربة الاولى في الجنابة للوجه الظاهر في المجموع،مضافا إلى تخصيصه الجبهة بالوضوء خاصة فيوهن لذلك.و بعد تسليمه فهو كسابقيه موهون بمصير معظم الأصحاب و منهم هو في كتابيه و والده و شيخه الكليني و غيرهم-كما عرفت-إلى خلافه.

و لقد كتبنا رسالة مبسوطة في تزييف هذا القول و تعيين الأول،لظواهر الأخبار البيانية المسلّم دلالتها عند المشهور على المرة و لو في الجملة،و لذا استدلوا بها للاكتفاء بها في الوضوء خاصة،و صحاحها واردة في بيان التيمم بدلا من الجنابة،و معه لا يصح الحمل على الوضوء،منهما الصحيح في بيان وصف النبي صلّى اللّه عليه و آله التيمم لعمّار:«أ فلا صنعت كذا»ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد،ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه،و كفّيه إحداهما بالأخرى،ثمَّ لم يعد ذلك (1).

و في التتمة إشعار بل ظهور بكون المبيّن الملحوظ بيانه اتحاد الضرب أو تعدده،و ظاهره كونها من كلام الإمام عليه السلام،فنقله عليه السلام عدم الإعادة في نقل بيان العبادة ظاهر في عدم لزومها.

و قريب منه الموثق لزرارة عنه عليه السلام:عن التيمم،فضرب بيديه الأرض ثمَّ رفعهما فنفضهما،ثمَّ مسح على جبهته و كفّيه مرّة واحدة (2)و نحوه

ص:39


1- الفقيه 1:212/57،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
2- التهذيب 1:601/207،الاستبصار 1:590/170،الوسائل 3:359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.

خبر آخر (1).

و حمل المرة على المسح خاصة دون الضربة بعيد،إذ ليس تعدّده محل توهّم أو مناقشة من عامة أو خاصة،فنقله خال عن الفائدة بالمرّة.بل الظاهر رجوعها إلى الضربة،لفائدة بيان تخطئة ما عليه أكثر العامة من نفي الضربة الواحدة.

فاندفع ما يورد على هذه الأخبار من الإجمال المنافي للاستدلال، لاحتمال ورودها بيانا لكيفية المسح و أنه ليس يجب على جميع الأعضاء-كما توهّمه عمّار-بل على المواضع الخاصة،لا لبيان العدد.

لمخالفته الظاهر،مع عدم قبول ذلك الصحيح المتقدم كالخبرين بعده.

مضافا إلى أنّ الراوي له و للموثق-كغيره-زرارة الذي هو أفقه من أكثر رواه أصحابنا،و هو أجلّ شأنا عن سؤاله عن نفس الكيفية لأجل توهّمه ما توهّمه عمّار،بل الظاهر سؤاله عن عدد الضربات التي صارت مطرحا بين العامة و الخاصة، و لذا أجابه عليه السلام في الحديث المتقدم بما يتعلق به.و لعلّه الظاهر من سؤال غيرهم من الرواة،حيث رأوا العامة اتفقوا على تعدد الضربات مطلقا، فسألوا أئمتهم صلوات اللّه عليهم استكشافا لذلك،فأجابوهم عليهم السلام بما ظاهره الوحدة مطلقا.

و بما ذكرنا ظهر وضوح دلالتها عليها.و يؤيده اشتهار نقل ذلك بين العامة عن علي عليه السلام و ابن عباس و عمّار الموافقين للشيعة في أغلب الأحكام، و يؤيد النقل مصير أكثرهم إلى الخلاف و اعتبارهم الضربتين مطلقا.

و من هنا ينقدح الجواب عمّا دلّ على اعتبارهما كذلك من الصحاح،

ص:40


1- التهذيب 1:614/212،الاستبصار 1:594/171،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

منها:عن التيمم،فقال:«مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» (1).

نعم:ربما لا يجري ذلك في بعضها،كالصحيح:«التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين» (2)لمصير العامة إلى الذراعين (3).لكن عن الحنابلة اعتبار الكفين (4)،فيحتمل التقية فيه عن مذهبهم،و يتقوّى بمعاصرتهم لمولانا الرضا عليه السلام المروي عنه هذا الخبر.

و يؤيد الحمل المزبور تضمن بعضها المسح على الوجه و الذراعين، كالخبر:«تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين،ثمَّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» (5).

نعم:ربما يأبى هذا الخبر الحمل المزبور من حيث تضمنه الأمر بالنفض الذي يأبى عنه العامة كما في المنتهى (6).

و نحوه في الإباء من هذا الوجه الصحيح:«تضرب بيديك مرّتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه و مرّة لليدين» (7).

و نحوهما الرضوي المتقدم (8)في الإباء عنه،لكن من وجه آخر،و هو

ص:41


1- التهذيب 1:610/210،الاستبصار 1:598/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 1.
2- التهذيب 1:609/210،الاستبصار 1:597/171،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 3.
3- انظر مغني المحتاج 1:99.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 1:291.
5- التهذيب 1:608/209،الاستبصار 1:596/171،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.
6- المنتهى 1:147.
7- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.
8- في ص:33.

اشتماله على الجبهة و الزندين المخالف لهم.

لكن الأوّل قاصر السند.

و الثاني ضعيف الدلالة على اعتبار المرّتين،للوجه مرّة و اخرى لليدين.

بل ظاهره تعاقب الضربتين ثمَّ المسح بهما على الوجه و اليدين على التعاقب مع تخلل النفضة.

و الثالث موهون بمصير الصدوق-المعتبر له-إلى إطلاق الوحدة تارة، و إلى التفصيل اخرى،و أبيه إلى المرتين أو الثلاث كالمفيد إلى الأوّل.و السند في حجيته عملهم به المنتفي هنا،فلا عبرة به.مضافا إلى ما فيه أيضا بعد ما ذكرناه ممّا يشعر بالمرة مطلقا (1).

هذا،و الاحتياط بالجمع بين التيمم بضربة و اخرى بضربتين لا يترك مطلقا،سيّما في البدل عن الغسل،لأنّ المسألة من المتشابهات،و إن كان الاكتفاء بالمرّة مطلقا أقوى.

الواجب فيه النية و استدامة حكمها و الترتيب

و الواجب فيه النية المشتملة على القربة بإجماع العلماء كافة، و الوجوب و الندب و الاستباحة عند معتبرها في المائية.

دون رفع الحدث،لعدم زواله بالتيمم بإجماع الطائفة و أكثر العامة كما عن الخلاف و المنتهى (2)،بل كلّهم كافة كما عن المعتبر و التذكرة (3)،بل قيل بالبطلان معه (4)،فتركه أحوط.

ص:42


1- و هو:«و أروي:إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة..»فقه الرضا(عليه السلام):87.
2- الخلاف 1:144،المنتهى 1:145.
3- المعتبر 1:394،التذكرة 1:63.
4- قال به الشيخ في المبسوط 1:34،و ابن البراج في جواهر الفقه:13،و المحقق في المعتبر 1:395،و العلامة في القواعد 1:23.

و البدلية عن الوضوء و الغسل،إمّا مطلقا كما عن الخلاف (1)،أو مع عدم مساواة تيممهما في عدد الضربة كما عن المعتبر (2)،أو إذا كان في الذمة تيمّمان أحدهما بدل من الوضوء و الآخر من الغسل،للافتقار إلى التميز.و لا دليل على شيء من ذلك سوى الأخير،لتوقف صدق الامتثال عليه.

و الأشهر العدم مطلقا،للأصل،و فقد المخصّص،مضافا إلى صدق الامتثال.و هو حسن بالإضافة إلى ما عدا الأخير،و فيه لا،لوجود المخصّص بالإضافة إليه،و منع صدق الامتثال مطلقا.

و حيث إنّ النية عندنا هي الداعي إلى الفعل التي لا تنفك عنه على حال دون المخطر بالبال كفانا ذلك مئونة الاشتغال بذكر محلّها و بيان استدامة حكمها و مضى التحقيق فيه في بحث النية و مباحث الوضوء.

و الترتيب بأن يبدأ بوضع اليدين على الصعيد إجماعا،باعتماد كما هو الأشهر الأظهر،و ورد الأمر به في عدّة أخبار صحيحة (3)بها يقيّد إطلاق الآية و غيرها من المعتبرة (4)،مضافا إلى الاحتياط اللازم في العبادة التوقيفية.

خلافا للذكرى و الدروس،فاكتفى بمسمّى الوضع (5).و هو ضعيف.

و يعتبر معيّة اليدين في الضرب إجماعا كما حكي (6)،و دلّت عليه أكثر النصوص.و ينبغي تقييده بالاختيار،فلو تعذّرت لقطع أو مرض أو ربط اقتصر

ص:43


1- الخلاف 1:140.
2- المعتبر 1:391.
3- انظر الوسائل 3:361 أبواب التيمم ب 12 ح 2 و 4 و غيرهما من الأحاديث التي تشتمل على «الضرب».
4- انظر الوسائل 3:358 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4 و غيرهما من الأحاديث التي تشتمل على «الوضع».
5- الذكرى:108،الدروس 1:132.
6- حكاه في المدارك 2:217.

على الميسور و مسح الجبهة به،و سقط مسح اليد.و يحتمل قويا مسحها بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين،لعموم عدم سقوط الميسور بالمعسور (1).

قيل:و ليس كذلك لو كانتا نجستين (2)،بل يمسح بهما كذلك مع تعذّر التطهير،إلاّ أن تكون متعدية أو حائلة فيجب التجفيف و إزالة الحائل مع الإمكان،فإن تعذّر ضرب بالظهر إن خلا منها،و إلاّ ضرب بالجبهة في الأوّل و باليد النجسة في الثاني،كما لو كان عليها جبيرة.

ثمَّ يبدأ بمسح الجبهة مستوعبة عندنا،بهما معا كما هو المشهور، تبعا لظاهر أكثر النصوص المعتبرة المقيّد به إطلاق ما عداه،مضافا إلى الاحتياط اللازم هنا.فظهر ضعف اجتزاء الإسكافي بإحداهما و مستنده (3).

و لا ريب فيه مع الاضطرار.

و المتبادر من الأخبار اعتبار الباطن كما هو نص المقنعة و المراسم و المهذّب و السرائر و الذكرى و الدروس (4).و لو تعذّر فالظهر كما عن الذكرى (5)، إذا الميسور لا يسقط بالمعسور.و إن اختص المانع منه بإحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى،أو لزوم ضمّ ظهر الاولى إليه وجهان، أوجههما الثاني،لما ذكر.

و ينبغي البدأة بالأعلى إلى طرف الأنف الأعلى كما هو الأشهر،للرضوي

ص:44


1- عوالي اللئالي 4:205/58.
2- قال به الشهيد الثاني في الروضة 1:157.
3- نقله عنه في المختلف:50.
4- المقنعة:62،المراسم:54،المهذّب 1:47،السرائر 1:136،الذكرى:109، الدروس:1:133.
5- الذكرى:109.

المتقدم (1)،و عموم البدلية-مع تأمل ما فيهما -مضافا إلى الاحتياط اللازم المراعاة.

ثمَّ يتبعه بمسح ظهر اليد اليمنى من الزند ببطن اليسرى ثمَّ بظاهر اليسرى كذلك ببطن اليمنى،مبتدئا فيهما بالأعلى،لما مرّ.مستوعبا لهما بإجماعنا و إجماع أكثر العامة كما عن المنتهى (2).و هو المتبادر من الأخبار.كتبادر البطن في الماسح و الظهر في الممسوح،مضافا إلى الإجماع عليه،و التصريح به في الخبرين:

أحدهما:الحسن:ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى (3).

و الثاني:الموثق المروي في آخر السرائر:ثمَّ مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى،مسح اليسرى على اليمنى و مسح اليمنى على اليسرى (4).

و بهما يقيد إطلاق غيرهما على تقديره.

و ظاهر الثاني الترتيب،و أصرح منه الرضوي المتقدم.و هما الحجة في اعتباره بين اليدين و بينهما و بين الجبهة،مضافا إلى الإجماع عليه في التذكرة (5)،و اقتضاء عموم البدلية،و الاحتياط اللازم في نحو المسألة.

ص:45


1- في ص 33.
2- المنتهى 1:147.
3- الكافي 3:3/62،التهذيب 1:600/207،الاستبصار 1:589/170،الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4- مستطرفات السرائر:4/26،الوسائل 3:360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.
5- التذكرة 1:64.

الرابع في أحكامه

اشارة

الرابع:في أحكامه،و هي ثمانية:

الأوّل لا يعيد ما صلّى بتيممه

الأوّل:

لا يعيد ما صلّى بتيممه الصحيح شرعا في السفر مع ظن ضيق الوقت مطلقا إجماعا.و في الحضر كذلك على الأشهر الأظهر،بل عليه إجماع العلماء كافة عدا طاوس كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى (1)،للأصل، و إطلاق الصحاح المستفيضة،منها:عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء، قال:«يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة» (2).

و منها:«لا يعيد،إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد،قد فعل أحد الطهورين» (3).

خلافا للمرتضى في شرح الرسالة فيه إذا تيمم لفقد الماء (4)،و مستنده غير واضح،عدا ما ربما يستدل له بالخبرين المبيحين للتيمم لمن في الزحام يوم الجمعة قال:«يتيمم و يصلّى معهم و يعيد إذا انصرف» (5).

و هما مع أخصيّتهما من المدّعى قاصران عن المكافأة لما تقدم.هذا مع أنّ المحكي عن الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين المسافر و الحاضر في عدم الإعادة مطلقا (6).

ص:46


1- الخلاف 1:142،المعتبر 1:395،المنتهى 1:151.
2- الفقيه 1:213/57،المحاسن:132/372،الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14 ح 1.
3- التهذيب 1:571/197،الاستبصار 1:557/161،الوسائل 3:370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
4- نقله عنه في المعتبر 1:365.
5- التهذيب 1:534/185،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 1. الخبر الثاني:التهذيب 3:678/248،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
6- الخلاف 1:142.

و كذا لا إعادة مع التيمم في سعة الوقت مطلقا إن جوّزناه في الجملة أو مطلقا على الأشهر الأظهر،لعين ما تقدّم،مضافا إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،المتقدمة في مسألة اعتبار الضيق أو كفاية السعة،الناصة على عدم الإعادة بوجدان الماء في الوقت (1).

خلافا للعماني و الإسكافي فأوجبا الإعادة (2)،للصحيح المتقدم مع الجواب عنه ثمّة،فلا وجه للإعادة.

و لو تعمد الجنابة لم يجز التيمم ما لم يخف التلف أو الضرر إجماعا،لتمكّنه من استعمال الماء بالضرورة.و مع خوف شيء منهما جاز و صحّ على الأصح الأشهر،للأصل،و العمومات،و إطلاق خصوص المعتبرة،منها الصحاح المستفيضة،منها:في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح، قال:«لا يغتسل و يتيمم» (3)و نحوها ما سيأتي.

خلافا للشيخين،فأوجبا عليه الطهارة بالماء و إن أصابه ما أصابه (4)، لأخبار قاصرة الأسانيد (5)ضعيفة التكافؤ لما مرّ،مخالفة للأصول القطعية من الكتاب و السنّة و الدلالة العقلية،مضادة للإجماع على جواز الجنابة حينئذ، و للنصوص الدالة عليه كالصحيحين:عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أ يأتي أهله؟قال:«ما أحبّ أن يفعل إلاّ أن يخاف على نفسه»قال قلت:يطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء،قال:«إنّ الشبق يخاف على نفسه»قال،قلت:طلب بذلك اللذة،قال:«هو حلال»قلت:فإنه يروى عن

ص:47


1- راجع ص:23-24.
2- نقله عنهما في الذكرى:110.
3- التهذيب 1:531/185،الوسائل 3:348 أبواب التيمم ب 5 ح 8.
4- المفيد في المقنعة:60،الطوسي في الخلاف 1:156،و النهاية:46.
5- الوسائل 3:373 أبواب التيمم ب 17.

النبي صلّى اللّه عليه و آله أن أبا ذر سأله عن هذا فقال:«ائت أهلك تؤجر»فقال:

يا رسول اللّه آتيهم و أوجر؟!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«كما أنت إذا أتيت الحرام أزرت و كذلك إذا أتيت الحلال أجرت»فقال الصادق عليه السلام:«ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر» (1).

و بالجملة:لا يرتاب في بطلان هذا القول ذو مسكة.

ثمَّ على المختار فإن خشي فتيمّم و صلّى ففي وجوب الإعادة كما عن النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و المهذّب و الإصباح و روض الجنان (2)تردّد ناش من عموم الأدلة النافية لها من الأصل و الصحاح المستفيضة المتقدمة في المسألة السابقة،و من خصوص الخبرين،أحدهما الصحيح:

«عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف إن اغتسل،فقال:يتيمم و يصلّي فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة» (3).

أشبهه و هو الأشهر أنه لا يجب أن يعيد لقصور الخبرين-مع إرسال الثاني-عن المكافأة لما مرّ،لكثرة العدد،و الاعتضاد بالأصل و الشهرة فيه دونهما،مع أنه لا إشعار فيهما بالتعمد بل ظاهران في الاحتلام،فحملهما على الاستحباب متعيّن،و التخصيص لما مرّ غير ممكن.

و كذا من أحدث في الجامع و منعه الزحام من الطهارة المائية يوم الجمعة تيمّم و صلّى الجمعة أو الظهر إذا ضاق وقتها (4)،بلا خلاف في

ص:48


1- الكافي 5:3/495،الوسائل 20:109 أبواب مقدمات النكاح ب 50 ح 1. و الصحيح الآخر:مستطرفات السرائر:53/107،الوسائل 3:390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.
2- النهاية:46،المبسوط 1:30،الاستبصار 1:162،التهذيب 1:196،المهذّب 1:48، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:149،روض الجنان:130 و فيه عدم وجوب الإعادة.
3- الفقيه 1:224/60،التهذيب 1:567/196،الاستبصار 1:559/161 رواه فيهما مرسلا،الوسائل 3:372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
4- في«ش»:الوقت.

الظاهر،بل حكي صريحا (1)،لصدق عدم التمكن منها بذلك،بناء على ضيق وقت الجمعة،و استلزام تحصيلها فواته،و للمعتبرين،أحدهما الموثق:عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس،قال:«يتيمّم و يصلّي معهم و يعيد إذا انصرف» (2).

و في لزوم الإعادة للصلاة مع الطهارة قولان ناشئان من الخبرين،و من الأصل،و العمومات،و تعليل عدم الإعادة في بعض الصحاح المتقدمة بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد،و أنه فعل أحد الطهورين،مضافا إلى عموم البدلية المستفاد من كثير من المعتبرة.

و هو الأظهر،وفاقا للمعتبر (3)،لقوة هذه الأدلة،و قصور الخبرين عن إفادة التخصيص،بناء على قصور سندهما عن المكافأة لها من وجوه عديدة،و ظهور ورودهما في الصلاة مع العامة المنبئ عن عدم صحة الجمعة معهم بل لزوم الظهر و وقتها متسع،فليس في تحصيل الطهارة المائية عذر يتوصل به إلى الانتقال إلى الترابية،و الأمر بها مع الصلاة فيهما لعلّه للتقية و الاتقاء على الشيعة،و هو غير ملازم لصحة التيمم و الصلاة معهم بالضرورة.فالأمر بالإعادة مبني على عدم صحة التيمم،لفقد شرطه المعتبر فيها،لا للزوم الإعادة معها.

و من هنا يظهر وجه تخصيص العبارة بصلاة الجمعة أو الظهر مع ضيق وقتها،إذ لولاهما لما صحّ التيمم و الصلاة،فالإعادة إن فعلهما و لو بوجه شرعي لازمة.

ص:49


1- انظر الحدائق 4:269.
2- التهذيب 1:534/185،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 1. الثاني:التهذيب 3:678/248،الوسائل 3:371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
3- المعتبر 1:399.
الثاني يجب على من فقد الماء الطلب

الثاني:

يجب على من فقد الماء الطلب مع الإمكان و انتفاء الضرر،إجماعا فتوى و نصّا.و مع عدمهما أو أحدهما فلا،إجماعا في الظاهر،و للخبرين:

«لا تطلب و لكن تيمّم،فإني أخاف عليك التخلف من أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع» (1).

و عليه يحمل إطلاق الخبر:«لا تطلب الماء يمينا و شمالا و لا بئرا،إن وجدته على الطريق فتوضأ و إن لم تجده فامض» (2)جمعا،مضافا إلى قصور سنده، و مخالفته الإجماع و النص.

و حدّ في المشهور في الحزنة بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة، و هي المشتملة على نحو الأحجار و الأشجار و العلو و الهبوط المانع من رؤية ما خلفه بغلوة سهم بفتح الغين،و هي مقدار رمية من الرامي بالآلة المعتدلين هما كالهواء.

و غلوة سهمين في السهلة للخبر (3)المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع كما عن ظاهر التذكرة و صريح الغنية (4)،و عن الحلّي دعوى التواتر فيه (5).

ص:50


1- الكافي 3:6/64،التهذيب 1:536/185،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 1. الخبر الثاني:الكافي 3:8/65،التهذيب 1:528/184،الوسائل 3:342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
2- التهذيب 1:587/202،الاستبصار 1:572/165،الوسائل 3:343 أبواب التيمم ب 2 ح 3.
3- التهذيب 1:586/202،الاستبصار 1:571/165،الوسائل 3:341 أبواب التيمم ب 1 ح 2.
4- التذكرة 1:59،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- انظر السرائر 1:135.

و لا ينافيه الحسن:«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتميمّم و ليصلّ» (1)إلاّ على تقدير فهم استيعاب الوقت بالطلب،و ليس نصّا فيه،فيحتمل الدلالة على أنّ الطلب في سعة الوقت و التيمم عند ضيقه.

و على تقدير المنافاة فلا يعترض به الخبر السابق بعد الاعتضاد بما مرّ الموجب لقوة اعتبار سنده على سنده،مضافا إلى شذوذه و عدم مائل إليه سوى المعتبر و بعض من تابعه ممّن تأخر (2).

و ربما يجمع بينهما بحمل هذا على رجاء الحصول و السابق على جوازه (3).

و إطلاقه يقتضي الاكتفاء بالطلب في الجهة الواحدة.و المشهور كما عن المبسوط و المهذّب و شرح الجمل للقاضي و الغنية و الإصباح و الإشارة و الشرائع:

إيجابه في الجهات الأربع (4)بل عن الغنية الإجماع عليه،و هو كاف في الحجة.و ربما وجّه استنباطها من النص بعدم المرجح لبعضها،و عدم معلومية تحقّق الشرط و براءة الذمة بدون الطلب فيها.

و عن النهاية و الاقتصاد و الوسيلة:الاقتصار على اليمين و اليسار و يحتملان الأربع (5).كالمحكي عن المفيد و الحلبي من ذلك بزيادة الامام (6)،

ص:51


1- الكافي 3:2/63،التهذيب 1:589/203،الاستبصار 1:574/165،الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.
2- المعتبر 1:393،و انظر المدارك 2:181،و مفاتيح الشرائع 1:59.
3- كما في الحدائق 4:250.
4- المبسوط 1:31،المهذّب 1:47،شرح الجمل:61،الغنية(الجوامع الفقهية):555، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:141،الإشارة:74،الشرائع 1:46.
5- النهاية:48،الاقتصاد:251،الوسيلة:69.
6- المفيد في المقنعة:61،الحلبي في الكافي:136.

لكون الخلف مفروغا عنه بالمسير.فلا خلاف.

و إنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده فيها،فلو علم عدمه مطلقا أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقا أو فيه،كما أنه لو علم أو ظن-على اختلاف فيه-وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت.و النص و إن كان مطلقا إثباتا و نفيا إلاّ أن التقييد فيهما آت من الخارج، لاستلزام القبح في الأمر بالطلب مع الأوّل،و جواز التيمم مع فقد شرطه و هو العلم بعدم التمكن مع الثاني،مع أنّ شيئا من الصورتين ليس متبادرا منه، فالرجوع في غيره إلى الأصول متعيّن.

و تجوز الاستنابة فيه مع عدم إمكان المباشرة،بل قد يجب و لو بأجرة مع القدرة بشرط العدالة إن كانت ميسّرة،و إلاّ فالاستنابة المطلقة كافية،و يحتسب لهما الطلب على التقديرين بالضرورة.

فإن أخلّ بالطلب اللازم عليه فتيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء تطهّر و أعاد الصلاة إن أتى بها في السعة إجماعا.

و كذا في الضيق على قول ظاهر من إطلاق العبارة محكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و النهاية (1)،بناء على بطلان التيمم،لفقدان شرطه الذي هو الطلب.

و فيه منع،بل شرطه الفقدان الحاصل هنا،و الطلب واجب آخر.فإذا:

الأظهر العدم،وفاقا للأشهر،للأصل،و العمومات الخالية عن المعارض.

و يمكن تنزيل العبارة هنا و في الكتب المتقدمة على الصورة الاولى.فلا خلاف و لا كلام،لفقد شرطه الذي هو العلم بعدم التمكن.

ص:52


1- الخلاف 1:147،المبسوط 1:31،النهاية:48.
الثالث لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه تطهّر

الثالث:

لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه في مشروط بالطهارة تطهّر -مع عدم خوف فوات الوقت على الأصح،و قيل:مطلقا (1)-إجماعا،بناء على انتقاض تيممه بوجدانه مع تمكن استعماله إجماعا،و للنصوص المستفيضة، منها الصحيح:قلت:فإن أصاب الماء و رجا على ماء آخر و ظنّ أنه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه؟قال:«ينتقض تيممه و عليه أن يعيد التيمم» (2).

و ليس في إطلاقه-كغيره-اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه، كما هو أحد القولين و أحوطهما.

و قيل باعتباره (3)كما قدّمناه،لأصالة بقاء الصحة،و عدم ما ينافيها في المستفيضة،بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها،فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.

و هو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء اشتغال الذمة بالعبادة،و بعد التعارض تبقى الأوامر بها عن المعارض سليمة.

و مظهر الثمرة فقد الماء بعد الوجدان قبل مضي زمان الإمكان:فعليه إعادة التيمم مع عدم اعتباره ،و لا معه.

و لو كان الوجدان بعد فراغه منه فلا إعادة مطلقا أو في الجملة كما مرّ.

ص:53


1- كما في الخلاف 1:141،و المعتبر 1:399،و المنتهى 1:154.
2- الكافي 3:4/63،التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3: 377 أبواب التيمم ب 19 ح 1.
3- انظر جامع المقاصد 1:507،و المسالك 1:17،و مجمع الفائدة 1:239،و كشف اللثام 1:150.

و لو كان في أثناء الصلاة مطلقا (1):

ففي وجوب الاستمرار مطلقا و لو قبل القراءة،كما عن المقنعة و الخلاف و المبسوط و الغنية و المهذّب و السرائر و الجامع (2)،و كتب الماتن (3)،و العلاّمة في جملة من كتبه (4)،و والد الصدوق و المرتضى في شرح الرسالة (5)،و هو الأشهر كما في الروضة (6)،بل عليه الإجماع في السرائر في بحث الاستحاضة (7).

أو بشرط الدخول في الركوع من الركعة الأولى،كما عن المقنع و النهاية و العماني و الجعفي و المرتضى في الجمل (8).

أو من الركعة الثانية،كما عن الإسكافي (9).

أو الدخول في القراءة،كما عن سلاّر (10).

أو لزوم القطع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة و الصلاة،و عدمه مع عدمه و استحباب القطع ما لم يركع،كما في الذكرى عن ابن حمزة (11).

ص:54


1- فريضة كانت أم نافلة.
2- المقنعة:61،الخلاف 1:141،المبسوط 1:33،الغنية(الجوامع الفقهية):555، المهذّب 1:48،السرائر 1:140،الجامع للشرائع:48.
3- راجع الشرائع 1:50،المعتبر 1:400.
4- منها:القواعد 1:23،و المختلف:51،و التذكرة 1:65.
5- نقله عنهما في المنتهى 1:154.
6- الروضة 1:163.
7- السرائر 1:153.
8- المقنع:9،النهاية:48،نقله عن العماني في المختلف:51،نقله عن الجعفي في الذكرى:110،جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):26.
9- نقله عنه في المختلف:51.
10- انظر المراسم:54.
11- الذكرى:111.

أقوال.

أمّا المشهور منها فقولان ذكرا أوّلا أصحّهما البناء و الاستمرار و لو كان على تكبيرة الإحرام تبعا لمن مرّ،لاستصحاب الصحة،و صريح بعض المعتبرة كالرضوي:«فإذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و أوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة،و لا تنقض تيمّمك،و امض في صلاتك» (1).

و ظاهر غيره كالخبر:رجل تيمّم ثمَّ دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه،ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة،قال:«يمضي في الصلاة» (2).

و قصور السند منجبر بالشهرة و بالتعليل الآتي في الصحيح المتضمن للإمضاء في حقّ من صلّى ركعتين (3).

و في الجميع نظر:لمعارضة استصحاب الصحة باستصحاب بقاء شغل الذمة بالعبادة.فتأمل.

و الأخبار بما هو أصحّ منها،كالصحيح:إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة،قال:«فلينصرف و يتوضأ ما لم يركع،و إن كان قد ركع فليمض في صلاته،فإنّ التيمم أحد الطهورين» (4).

و نحوه الخبر:«إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ،و إن كان قد ركع فليمض في صلاته» (5).

ص:55


1- فقه الرضا(عليه السلام):90،المستدرك 2:546 أبواب التيمم ب 16 ح 3.
2- التهذيب 1:590/203،الاستبصار 1:575/166،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
3- انظر ص:57.
4- التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3:381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.
5- الكافي 3:5/64،التهذيب 1:591/204،الاستبصار 1:576/166،الوسائل 3:381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

و بالتعليل في الأول يحصل الوهن في التأييد بالتعليل المتقدم،لوروده هنا بيانا للإمضاء بعد الركوع خاصة مع التصريح بالإعادة قبله،فلعلّ الأوّل كذلك.و ليس حمل الركوع في هذين الخبرين على الصلاة بأولى من حمل الصلاة في الأخبار السابقة على الركوع،و ليس بعده أقوى من بعد الأوّل.

فمرجع جميع وجوه النظر إلى المعارضة.

و يمكن الجواب عنها بشيء جامع،و هو رجحان الأدلة الأوّلة بالاعتضاد بالشهرة الظاهرة و المحكية التي هي أقوى المرجحات المنصوصة و الاعتبارية.

فالقول الأوّل لا يخلو عن القوة،إلاّ أنّ الأحوط الإتمام ثمَّ القضاء أو الإعادة.

كلّ ذا مع القول بجواز التيمم مع السعة،و إلاّ فلزوم الاستمرار و الاستدامة لازم بالضرورة،لاستلزام تركهما الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها في الشريعة.

و بما ذكرنا يظهر ضعف باقي الأقوال المتقدمة،مع خلوّها عن الأدلّة الشرعية بالمرّة،عدا الثالث،لإمكان الاستدلال له بالجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع و لو صلّى ركعة كالخبرين،في أحدهما:عن رجل صلّى ركعة على تيمم ثمَّ جاء رجل و معه قربتان من ماء،قال:«يقطع الصلاة و يتوضأ ثمَّ يبني على واحدة» (1).

و ما صريحه الإمضاء بعد صلاة ركعتين كالصحيح:في رجل لم يصب

ص:56


1- التهذيب 1:1263/403،الاستبصار 1:579/167،الوسائل 3:383 أبواب التيمم ب 21 ح 5. الخبر الثاني:التهذيب 1:1277/406،الاستبصار 1:581/168،الوسائل 3:383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

الماء و حضرت الصلاة،فتيمّم و صلّى ركعتين ثمَّ أصاب الماء،أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثمَّ يصلي؟قال:«لا،و لكنه يمضي في صلاته فيتمّها و لا ينقضها،لمكان أنه دخلها و هو على طهور بتيمّم»الحديث (1).

و لكن قصور سند الأوّلين يمنع الجمع،مضافا إلى عدم الشاهد عليه، بل وضوح الشاهد على خلافه كما مرّ،لاستفاضة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة القطعية بعدم الإعادة بعد الركوع المنافي للأمر بها بعده في الخبرين القاصرين مكافاة لها من وجوه عديدة .

الرابع لو تيمّم الجنب ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد

الرابع:

لو تيمّم الجنب و من في حكمه ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد التيمم بدلا عن الغسل مطلقا،وجد ماء لوضوئه أم لا،كما عن المبسوط و النهاية و الجواهر و السرائر و الإصباح و الجامع و الشرائع (2).و هو الأشهر الأظهر، بناء على بقاء حدث الجنابة و عدم ارتفاعه بالتيمم،لما مرّ من استفاضة حكاية الإجماع عليه (3)،و إنّما غاية التيمم حصول الاستباحة به و قد زالت بزواله بطروّ ناقضة،فالحدث أي الحالة المانعة الناشئة عن الجنابة بحاله.

هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار الناطقة بلزوم التيمم و لو وجد ما يكفيه للوضوء،منها الصحيح:في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به، قال:«يتيمّم و لا يتوضأ» (4).

ص:57


1- التهذيب 1:595/205،الاستبصار 1:580/167،الوسائل 3:382 أبواب التيمم ب 21 ح 4.
2- المبسوط 1:34،النهاية:50،جواهر الفقه:13،السرائر 1:141،حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:151،الجامع للشرائع:46،الشرائع 1:50.
3- راجع ص:37.
4- التهذيب 1:1272/405،الوسائل 3:387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

و مفهوم الصحيح:«و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا، و الوضوء إن لم تكن جنبا» (1).

شرط في الوضوء عدم الجنابة،و هي موجودة،لما عرفت من عدم ارتفاعها بالتيمم،إذ غايته حصول الاستباحة لا الطهارة عن الجنابة.

خلافا للمحكي عن المرتضى في شرح الرسالة فأوجب الوضوء عند وجدان ما يكفيه له (2)،و مقتضاه لزوم التيمم بدله عند فقده.

بناء على أصله من ارتفاع حدث الجنابة بالتيمم،المردود بالإجماعات المستفيضة،و صريح النصوص الموجبة للغسل عند وجدان ما يكفيه من الماء (3) المسلّمة عنده،الغير المجامعة لأصله،إذ لو لم تكن الجنابة باقية لكان وجوب الطهارة لوجود الماء خاصة،إذ لا وجه غيره على ما ذكره،و هو ليس بحدث إجماعا حتى عنده،مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه،ضرورة استوائهم،فيه،لكنه باطل،لأن المحدث لا يغتسل و المجنب لا يتوضأ إجماعا.

و ذلك واضح،و المناقشة في ذلك مردودة.

الخامس لا ينقض التيمم إلاّ ما ينقض الطهارة المائية

الخامس:

لا ينقض التيمم إلاّ ما ينقض الطهارة المائية،و وجود الماء مع التمكن من استعماله بإجماعنا،و نطق به أخبارنا،ففي الصحيح:عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟فقال:«لا هو بمنزلة الماء» (4).

ص:58


1- التهذيب 1:611/210،الاستبصار 1:599/172،الوسائل 3:378 أبواب التيمم ب 19 ح 5.
2- نقله عنه في الذكرى:112.
3- الوسائل 3:366 أبواب التيمم ب 14.
4- التهذيب 1:581/200،الاستبصار 1:566/163،الوسائل 3:379 أبواب التيمم ب 20 ح 3.

و الصحيح:يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلّها؟فقال:

«نعم ما لم يحدث أو يصب ماء»قلت:فإن أصاب الماء و رجا أن يقدر على ماء آخر و ظن أنه يقدر عليه،فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه،قال:«ينتقض ذلك تيمّمه و عليه أن يعيد التيمم» (1).

خلافا لبعض العامة فحكم بنقضه بخروج الوقت (2)،لأنّها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة.و لا ريب في بطلانه.

السادس يجوز التيمم لصلاة الجنازة و لو مع وجود الماء

السادس :

يجوز التيمم لصلاة الجنازة و لو مع وجود الماء مطلقا على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (3).و هو الحجة فيه كإطلاق المعتبرة،ففي الموثق:عن رجل مرّت به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع؟قال:«يضرب بيده على حائط اللبن فليتيمّم» (4).

و أولى منه المرسل:«و الجنب يتيمّم و يصلّي على الجنازة» (5).

خلافا للمعتبر تبعا للمحكي عن الإسكافي (6)،فخصّه بخوف فوت الصلاة،تمسّكا بعموم المشترط لعدم التمكن من استعمال الماء في صحة التيمم،و تضعيفا للإجماع بعدم العلم به،و للرواية الأولى بالوقف في الراوي

ص:59


1- التهذيب 1:580/200،الاستبصار 1:570/164،الوسائل 3:379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.
2- كابن قدامة في المغني 1:299.
3- الخلاف 1:160،المنتهى 1:455،التذكرة 1:65.
4- الكافي 3:5/178،التهذيب 3:477/203 بتفاوت يسير،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
5- الكافي 3:5/179،التهذيب 3:480/204،الوسائل 3:112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 2.
6- المعتبر 1:405.

تارة و بالإضمار أخرى.

و ليس بشيء،لتخصيص العموم بما مرّ،و حجية الإجماع المنقول و إن لم نعلم به إلاّ من جهة النقل،و عدم القدح بالوقف بعد ثبوت العدالة،و كذا الإضمار بعد كونه من سماعة،مضافا إلى انجبار الضعف من جهتهما-لو تمَّ- بالشهرة العظيمة و المسامحة في أدلة السنن و الكراهة.

ثمَّ ليس في الحسن بل الصحيح:عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة،قال:«يتيمم و يصلّي» (1)تقييد الحكم بخوف الفوت إلاّ في كلام الراوي،و لا ينافي مثله ثبوت الإطلاق،فلا يتوهّم التقييد به.

و حيث جاز التيمم في الجملة أو مطلقا كان ندبا إجماعا،بناء على استحباب الطهر في هذه الصلاة اتفاقا،كما عن الغنية و ظاهر التذكرة (2).و ليس واجبا،للأصل،و الأخبار،و الإجماع المحكي عن الخلاف و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى (3).

السابع إذا اجتمع ميت و محدث و جنب و هناك ماء يكفي أحدهم تيمم المحدث

السابع:

إذا اجتمع ميت و محدث و جنب و هناك ماء يكفي أحدهم خاصة اختص به مالكه،و ليس له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله،لوجوب صرفه في طهارته.و لو كان ملكا لهم جميعا مع عدم وفاء حصة كل بطهارته،أو لمالك يسمح ببذله،فلا ريب في ثبوت الخيرة لملاّكه في تخصيص من شاؤوا به.

و اختلفوا في ثبوتها بلا أولوية كما عن الخلاف (4)،أو معها كما هو المشهور.

ص:60


1- الكافي 3:2/178،الوسائل 3:111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):564،التذكرة 1:65.
3- الخلاف 1:160،التذكرة 1:65،نهاية الإحكام 2:264،الذكرى:60.
4- الخلاف 1:166.

و ظاهرهم الاتفاق على تيمّم المحدث بالأصغر،لظاهر أكثر الروايات المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه و إن اختلفت في تعيينه،كاختلافهم فيه و أنه هل يخص به الميّت أو الجنب؟فيه روايتان مختلفتان أشهرهما و أظهرهما أنه يخص به الجنب و هي كثيرة:

منها:الصحيح:عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب و الثاني ميت و الثالث على غير وضوء،و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم،من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟قال:«يغتسل الجنب،و يدفن الميت بتيمّم،و يتيمّم الذي هو على غير وضوء،لأنّ الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة،و التيمم للآخر جائز» (1).

و نحو الخبران المتضمنان للحكم مع التعليل (2)المترجحان هما -كالصحيح-به و بالكثرة و الشهرة على غيره،مع قصور سنده،و هو روايتان،في إحداهما:«يتيمم الجنب و يغسل الميت بالماء» (3).

و في الثانية:يتيمم الجنب مع المحدثين و يتوضئون هم (4).

و ترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع اعتضادها بما مرّ كما ترى،

ص:61


1- الفقيه 1:222/59،التهذيب 1:285/109،الاستبصار 1:329/101،الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1.
2- الأول: التهذيب 1:286/109،الاستبصار 1:330/101،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 3. الثاني: التهذيب 1:287/110،الاستبصار 1:331/102،علل الشرائع:1/305،العيون 2:19/81،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 4.
3- التهذيب 1:288/110،الوسائل 3:376 أبواب التيمم ب 18 ح 5.
4- التهذيب 1:548/190،الوسائل 3:375 أبواب التيمم ب 18 ح 2.

و الاستناد فيه إلى وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى.

فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب،مع عدم معروفية قائله، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب.كضعف القول بالتخيير المطلق المبني على عدم المرجح،لظهوره بما مرّ.

ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ المحدث،و جمع مستعملة و اغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة به،ثمَّ تغسيل الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته.و إذا أمكن تعيّن،و وجهه واضح.

الثامن فيمن صلّى بتيمم فأحدث في الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع و تطهّر و أتم

الثامن:

روي صحيحا فيمن صلّى بتيمم فأحدث في أثناء الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع الصلاة و خرج منها و تطهّر و أتم الصلاة من موضع القطع (1).

و حيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد و النسيان المخالف للإجماع القطعي نزّلها الشيخان (2)على النسيان و عملا بها حينئذ،و تبعهما المصنف في غير الكتاب (3).

و ظاهره هنا التردد،لصحة الرواية و عمل الشيخين بها،و للأدلة الدالة بالعموم و الخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة بالشهرة العظيمة، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الأمالي و الناصرية و التذكرة (4).و هو

ص:62


1- راجع ص:52.
2- المفيد في المقنعة:61،الطوسي في التهذيب 1:403.
3- المعتبر 1:407.
4- أمالي الصدوق:513،المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):199،التذكرة 1:67، 130.

الأقوى،لقصور الرواية و لو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة،مع احتمالها التقية و قصورها عن وضوح الدلالة.

و لتحقيق المسألة محلّ آخر.

ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها و وقف في غيره-و هو ما إذا دخل الصلاة متطهرا بالمائية،أو الترابية مع عدم الماء بعد الحدث-على محلّ الشهرة.

ص:63

الركن الرابع في النجاسات

اشارة

الركن الرابع في بيان النجاسات و النظر في أعدادها و أحكامها،و هي

أعدادها

اشارة

أي جنسها عشرة:.

الأول و الثاني البول و الغائط ممّا لا يؤكل لحمه

الأول و الثاني البول و الغائط ممّا لا يؤكل لحمه شرعا ذي النفس و الدم القوي الذي يخرج بقوة من العرق عند قطعه،بإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر و المنتهى و الغنية (1).

و هو الحجة فيه،دون النصوص المستفيضة الآمرة بغسل الثوب أو الجسد أو إعادة الصلاة،من البول مرّتين أو مرّة،كما في الصحاح و الحسان و غيرها (2)في التطهير عنه المارّة بك في محلّه (3)،و من العذرة كالصحاح و غيرها المستفيضة (4)،لعدم الملازمة بين شيء من ذلك و بين النجاسة،لعدم انحصار وجهه فيها.

مضافا إلى أخصيتها من المدّعى،إذ غايتها الإطلاق في البول و العذرة المنصرف إلى المتبادر منهما،و هو من الإنسان خاصة.

نعم:في الصحيح:عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أ يعيد صلاته؟قال:«إن كان لم يعلم فلا يعيد» (5).

و هو بمفهومه دالّ على الإعادة.و العذرة فيه و إن عمّت عذرة الإنسان

ص:64


1- المعتبر 1:410،المنتهى 1:159،160،الغنية(الجوامع الفقهية):550.
2- الوسائل 3:أبواب النجاسات ب 1،2،19،42.
3- انظر ص:103.
4- الوسائل 1:أبواب نواقض الوضوء ب 10،و ج 3:أبواب النجاسات ب 37،40.
5- الكافي 3:11/406،التهذيب 2:1487/359،الاستبصار 1:630/180،الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

و غيرها إلاّ أنها اختصت به و بالسنور و الكلب خاصة.و مع ذلك فليس الإعادة نصا في النجاسة،لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل لحمه الموجب لها و لو كانت طاهرة.

فلا يتم الاستناد إليها في إثبات النجاسة إلاّ بعد ضمّ الإجماع و جعله قرينة للدلالة و التعدية،لكنه حينئذ هو الحجّة لا مجرّد المستفيضة.

و منه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة حيث لم يكن إجماع و لا رواية.

ثمَّ إنّ الأشهر الأظهر نجاسة ذرق الطيور الغير المأكولة اللحم و أبوالها مطلقا،لعموم الإجماعين المحكيين عن الكتابين الأوّلين مع عدم القدح فيهما بخروج معلومي النسب عندنا.

و لعموم الحسن:«اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه» (1)المؤيّد بإطلاق ما مرّ،للإجماع على كون الأمر بالغسل فيهما للنجاسة،و على عدم الفرق بين موردهما و هو البول و غيره و هو الرجيع،و حكي عليه صريحا في الناصريات (2).

خلافا للعماني و الفقيه و الجعفي (3)فالطهارة مطلقا،تمسّكا بالأصل، و عموم:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (4)و خصوص الحسن:«كل شيء يطير فلا بأس بخرئه و بوله» (5)المؤيد بالصحيح:عن الرجل في ثوبه خرء الطير

ص:65


1- الكافي 3:3/57،التهذيب 1:770/264،الوسائل 3:405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):180.
3- نقله عن العماني في المختلف:56،الفقيه 1:41،نقله عن الجعفي في الذكرى:13.
4- الكافي 3:2/1،3،الفقيه 1:1/6،التهذيب 1:619/215،الوسائل 1:134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 و في الجميع بتفاوت.
5- الكافي 3:9/58،التهذيب 1:779/266،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.

و غيره هل يحكّه و هو في صلاته؟قال:«لا بأس» (1).

و للمبسوط ففرّق بين الخشّاف فالأوّل و غيره فالثاني (2)،استنادا فيه إلى ما مرّ،و في الأوّل إلى الخبر الذي سيذكر،و لا إشكال فيه و إنما الإشكال في غيره.

و في جميع ما ذكر أدلّة له أو مطلقا نظر ،لتخصيص الأوّلين بما مرّ كالثالث،و إن كان التعارض بينه و بينه عموما و خصوصا من وجه ،لكن الرجحان مع الأوّل،للشهرة العظيمة التي هي أقوى المرجحات النصيّة و الاعتبارية.

و ليس في الصحيح تأييد،بناء على وقوع السؤال و الجواب فيه عن الحك في الصلاة لا الطهارة و النجاسة.مضافا إلى عدم الملازمة بينها و بين نفي البأس عنه،لعدم السراية مع اليبوسة كما هي ظاهر الحك في الرواية،و ليس نصا في صحة الصلاة.مضافا إلى أنّ إطلاق الطير فيه ينصرف إلى المتبادر الغالب و هو مأكول اللحم،و غيره نادر.

و مع ذلك معارض بمؤيّد في طرف الأول،و هو موثقة عمّار،المروية في المختلف عن كتابه،عن مولانا الصادق عليه السلام قال:«خرء الخطّاف لا بأس به،هو ممّا يؤكل لحمه،و لكن كره أكله لأنه استجار بك و آوى إلى منزلك» (3).

و هي كالصريحة في أن المعيار في الطهارة و النجاسة في الطيور هو حلّ الأكل لا الطيران،و إلاّ لعلّل به دونه.

و القدح في الحسن السابق:باختصاصه بالبول مع عدم معلومية حصوله للطير،مدفوع بالإجماع على عدم الفرق ظاهرا و محكيا،و دلالة المعارض

ص:66


1- الفقيه 1:775/164،قرب الإسناد:726/192،الوسائل 7:284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.
2- المبسوط 1:39.
3- المختلف:679،الوسائل 3:411 أبواب النجاسات ب 9 ح 20.

بالحصول صريحا.

هذا مع أنّ عموم الحسن الثاني مخصّص بالخشّاف إجماعا كما في المختلف (1)،و لا يضره خروج معلوم النسب،مع احتمال إرادته من إطلاق عبارته ما عداه.مضافا إلى الخبر:عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده،قال:«أغسل ثوبك» (2).و المعارض (3)-مع ضعف سنده-غير مكافئ له محمول على التقية.

فإذا ثبت التخصيص حصل المرجوحية بالإضافة إلى عموم الحسنة السابقة التي ليست بمخصّصة.و خلاف الإسكافي في نجاسة بول الرضيع قبل أكله الطعام (4)شاذّ،على خلافه الإجماع عن المرتضى (5)،و مستنده قاصر سندا و دلالة (6)،معارض بأقوى منه كالحسن:عن بول الصبي،قال:«يصبّ عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله» (7).

الثالث المني

و الثالث المني ممّا له نفس سائلة،بإجماع الطائفة كما عن ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و غيرهما من كتب الجماعة (8).

و هو الحجّة فيه،دون المستفيضة،لما مرّ سابقا،و لاختصاصها بحكم

ص:67


1- المختلف:56.
2- التهذيب 1:777/265،الاستبصار 1:658/188،الوسائل 3:413 أبواب النجاسات ب 10 ح 4.
3- التهذيب 1:778/266،الاستبصار 1:659/188،الوسائل 3:413 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.
4- كما نقله عنه في المختلف:56.
5- راجع الناصريات(الجوامع الفقهية):181.
6- و هي رواية السكوني،انظر الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
7- الكافي 3:6/56،التهذيب 1:715/249،الاستبصار 1:602/173،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
8- المنتهى 1:161،التذكرة 1:6،و انظر المدارك 2:265،و الذخيرة:146.

التبادر بالإنسان دون مطلق الحيوان.

نعم:في الصحيح:ذكر المني فشدّده و جعله أشد من البول (1).

و هو دالّ بفحواه على تبعية نجاسة المني للبول.و لكن ثبوت نجاسة المتبوع مطلقا إنما هو بمعونة الإجماع أيضا،فيكون هو الحجّة فيه أيضا جدا.

و التقييد بما ذكرنا-و هو ظاهر المتن-هو المشهور بين الأصحاب،بل كاد أن يكون إجماعا.

فالحكم في غير محل القيد الطهارة.

خلافا للمحكي عن المعتبر و المنتهى فتردّدا فيها (2).و يدفعه الأصل،مع اختصاص الأخبار-كما مرّ-بالإنسان،و عدم إجماع على النجاسة هنا،هذا.

و أما الصحيحان المشعران بطهارة المني مطلقا كما في أحدهما (3)،أو إذا كان جافا كما في الثاني (4)،فشاذان محمولان على التقية،لكون الأوّل مذهب جماعة من العامة (5)،و الثاني مذهب شرذمة منهم (6)كما حكاه بعض الأجلة (7)،فلا يرفع اليد بهما عن الإجماع القطعي و النصوص الصريحة الجليّة.

الرابع الميتة ممّا له نفس سائلة

و الرابع الميتة ممّا له نفس سائلة آدميا كان أو غيره،إجماعا

ص:68


1- التهذيب 2:880/223،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 2.
2- المعتبر 1:415،المنتهى 1:162.
3- الكافي 3:2/52،الوسائل 3:445 أبواب النجاسات ب 27 ح 3.
4- التهذيب 1:1332/421،الاستبصار 1:657/188،الوسائل 3:446 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
5- منهم الشافعي في الأم 1:55،و نقله عن الشافعي و أحمد و داود في بداية المجتهد 1:82.
6- كابن قدامة في المغني 1:341.
7- نقله عن البهائي في الحدائق 5:34.

كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الشهيدين و ابن زهرة (1).و هو الحجّة فيه و المتمّم لدلالة المستفيضة بل المتواترة في مواضع متفرقة على النجاسة،كالصحاح و غيرها الواردة الآمرة بإلقاء الفأرة و نحوها و ما يليها الميتة في الأشياء الرطبة الجامدة،و الاستصباح بها إذا كانت أدهانا مائعة (2)،و ليس للأمر بذلك وجه سوى النجاسة بإجماع الطائفة.

و نحوها في وجه الدلالة على النجاسة المعتبرة الناهية عن الأكل من آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة (3).

و النصوص الواردة بنجاسة القليل بوقوع الجيفة،كالصحيح:«إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شيء،تفسّخ فيه أو لم يتفسخ،إلاّ أن يجيء له ريح يغلب على ريح الماء» (4).

و في آخر:«كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب،و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا تتوضأ و لا تشرب» (5).

و نحوه الصحيحان،في أحدهما:عن غدير أتوه فيه جيفة،فقال:إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ» (6).

ص:69


1- الخلاف 1:60،المعتبر 1:420،المنتهى 1:164،التذكرة 1:7،الشهيد الأول في الذكرى:13،الشهيد الثاني في روض الجنان:162،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية): 551.
2- الوسائل 24:194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.
3- الوسائل 24:210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54.
4- الكافي 3:3/2،التهذيب 1:117/42،الاستبصار 1:4/6،الوسائل 1:140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.
5- الكافي 3:3/4 و فيه مرسلا،التهذيب 1:625/216،الاستبصار 1:19/12،الوسائل 1:137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1.
6- الكافي 3:4/4،الوسائل 1:141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.

و في الثاني:يمرّ به الرجل و هو نقيع فيه الميتة الجيفة،فقال مولانا الصادق عليه السلام:«إن كان الماء قد تغير ريحه فلا تشرب و لا تتوضأ منه» الخبر (1).

و الموثق:عن الرجل يمرّ بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت،قال:«إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب» (2).

و نحوه آخر:في الفأرة التي يجدها في إنائه و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا،و غسل ثيابه و اغتسل،و قد كانت الفأرة منسلخة،فقال:«إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة» الخبر (3).

مضافا إلى المروي عن الدعائم،عن مولانا الصادق عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الميتة نجس و لو دبغت» (4).

و الرضوي:«و إن مسست ميتة فاغسل يدك» (5).

و في الموثق:عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك تموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه،قال:«كلّ ما ليس له دم فلا بأس» (6).

ص:70


1- التهذيب 1:112/40،الاستبصار 1:10/9،الوسائل 1:138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.
2- التهذيب 1:624/216،الاستبصار 1:18/12،الوسائل 1:139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.
3- الفقيه 1:26/14،التهذيب 1:1322/418،الاستبصار 1:86/32،الوسائل 1:142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.
4- دعائم الإسلام 1:126،المستدرك 2:592 أبواب النجاسات ب 39 ح 6.
5- فقه الرضا(عليه السلام):174،المستدرك 2:579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
6- التهذيب 1:665/230،الاستبصار 1:66/26،الوسائل 1:241 أبواب الأسئار ب 10 ح 1.

و في الخبر:«لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة» (1).

و بهما مع الأصل يستدل على طهارة ميتة غير ذي النفس،مضافا إلى الإجماع المحكي عن المعتبر و المنتهى صريحا (2).و خلاف الشيخ و ابن حمزة في العقرب و الوزغة شاذ (3)،و مستنده قاصر (4).فالقول بالطهارة متعيّن.

ثمَّ ما تقدّم من الأخبار و ما ضاهاها مختصة بغير الإنسان،و أمّا الأخبار فيه فالحسن:عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت،قال:«يغسل ما أصاب الثوب» (5).

قيل:و لا دلالة فيه،لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب ممّا على الميت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه،يدل على ذلك ما في الرواية الأخرى:

«إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه،و إن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» (6)فإنه إن كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل (7).

و فيه نظر؛لمخالفة الاحتمال المذكور للظاهر أوّلا،و ظهور الدلالة معه ثانيا،بناء على استلزام نجاسة الرطوبة نجاسة الجسد لتفرعها عليها و صدورها منها.

و تقييدها بالرطوبة النجسة(بالذات) (8)ينافي عطف القذر عليها المقتضى

ص:71


1- التهذيب 1:669/231،الاستبصار 1:67/26،الوسائل 1:241 أبواب الأسئار ب 10 ح 2.
2- المعتبر 1:101،المنتهى 1:28.
3- الشيخ في النهاية:54،ابن حمزة في الوسيلة:78.
4- الوسائل 1:240 أبواب الأسآر ب 9 ح 5،6؛و ص 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
5- الكافي 3:4/161،الوسائل 3:300 أبواب غسل المس ب 6 ح 3.
6- الكافي 3:7/161،التهذيب 1:811/276،الوسائل 3:461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.
7- انظر المفاتيح 1:66.
8- ليست في«ش».

للتغاير و القسيمية،و الحال أنه على التقييد نوع منه أو عينه.

و تقييد القذر بالنجس العيني و حمل الرطوبة على النجس العارضي بدون (1)الموت و إن أمكن إلاّ أن ارتكاب مثله في النص بعيد جدا،مع أن ظاهره وجوب غسل جميع ما لاقى من جسده الشامل للرطوبة الغير الملاقية للنجاسة الخارجية،و ذلك مستلزم للنجاسة كما مرّ،و التخصيص لا بدّ له من دليل،و لم يظهر.

و دعوى الملازمة بين النجاسة العينية و عدم حصول التطهير بالطهارة المائية ممنوعة،كيف لا؟!و الطهارة و النجاسة من الأمور التعبدية،فلا بعد في حصول الطهارة لها بها بعد ثبوتها من الشريعة،كحصول الطهارة بالإسلام للكافر بالضرورة.

ثمَّ ليس في الخبرين دلالة على تعدي النجاسة مع اليبوسة،بل ظاهرهما -كما ترى-اختصاصه بالرطوبة.

نعم:هو ظاهر إطلاق الرضوي:«و إن مسّ ثوبك ميّت فاغسل ما أصاب» (2)فتأمل.

و أظهر منه المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام:«ليس على من مسّه-أي الميّت-إلاّ غسل اليد» (3).

و هو-مع قصور السند و المخالفة للأصل المعتمد-معارض بالموثق:

«كلّ يابس زكي» (4).

ص:72


1- في«ش»:دون.
2- فقه الرضا(عليه السلام):169،المستدرك 2:579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
3- الاحتجاج:482،الوسائل 3:296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4.
4- التهذيب 1:141/49،الاستبصار 1:167/57،الوسائل 1:351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.

و التعارض بينهما و إن كان عموما من وجه لا بدّ من ترجيح أحدهما عليه، إلاّ أن المرجح من الأصل و غيره مع الثاني،مع قوة عمومه،و اعتضاده بفحوى الصحيح:«وقع ثوبه على كلب ميت،قال:ينضحه و يصلّي فيه،و لا بأس به» (1).

و به و بالسابق يستدل على عدم تعدي نجاسة الميتة غير الآدمي مع اليبوسة،مضافا إلى عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال:«وقع ثوبه على حمار ميت،قال:ليس عليه غسله،و ليصلّ فيه،و لا بأس» (2).

و أمّا ما ورد من الأمر بغسل ما لاقى الثعلب و غيره من السباع حيا أو ميتا (3)فهو محمول على الاستحباب قطعا،إذ لم يقل أحد بثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا جدّا.

فالقول بتعدي النجاسة مع اليبوسة هنا و في السابق-كما عن الروض و المعالم و العلاّمة (4)-محل مناقشة.كالقول بعدم تعدي نجاستها مطلقا مع وجوب غسل الملاقي لها خاصة تعبدا كما عن الحلّي.و عبارته المحكية لا تساعد الحكاية (5).و على تقدير الصحة فهو ضعيف جدّا،للإجماع ظاهرا على نجاسة ملاقي الملاقي للميتة رطبا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص و كلام الأصحاب النجاسة بمجرّد الموت

ص:73


1- التهذيب 1:815/277،الاستبصار 1:674/192،الوسائل 3:442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.
2- التهذيب 1:813/276،الاستبصار 1:672/192،الوسائل 3:442 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.
3- الكافي 3:4/60،التهذيب 1:763/262،الوسائل 3:462 أبواب النجاسات ب 34 ح 3.
4- روض الجنان:168،معالم الفقه:278،العلامة في نهاية الإحكام 1:280.
5- انظر السرائر 1:163.

و إن لم يبرد،مضافا إلى صريح المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام:«إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلاّ غسل يده» (1)بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة:إجماع الطائفة عليه (2).

خلافا لبعض المتأخرين،فخصّها ببعد البرد (3)،لظاهر إطلاق الصحيح:«مسّ الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس» (4).

و هو ضعيف،لعدم مقاومته لما مرّ.فيحمل نفي البأس على نفيه بالإضافة إلى لزوم الاغتسال بمسّه لا الغسل.

الخامس الدم

و كذا الدم نجس إذا كان ممّا له نفس سائلة،و هو الخامس.و عليه الإجماع عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (5)،و هو الحجة فيه مع النصوص بضميمته،ففي الصحيح في نقط الدم إذا كانت أقلّ من درهم:«يغسله و لا يعيد الصلاة» (6).

و في الصحاح المستفيضة و غيرها الأمر بإعادة الصلاة منه مطلقا مع الأمر بغسله في بعضها بعده،كالصحيح:أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني،فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء،فأصبت و قد حضرت الصلاة، و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت،ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك،قال:«تعيد الصلاة و تغسله» (7).

ص:74


1- الاحتجاج:482،الوسائل 3:296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.
2- الخلاف 1:701،المعتبر 1:420،المنتهى 1:164،التذكرة 1:57.
3- كصاحبي المدارك 2:271،و الذخيرة:91.
4- الفقيه 1:403/87،التهذيب 1:1370/430،الاستبصار 1:326/100،الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 1.
5- المعتبر 1:420،المنتهى 1:163،التذكرة 1:7.
6- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
7- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42 ح 2.

و قد استدل بها لنجاسته مطلقا حتى في الناقص عن سعة الدرهم أو قدر الحمصة،ردّا على الإسكافي و الصدوق،حيث إنّ ظاهر الأول الحكم بطهارة الأول،و الثاني الحكم بطهارة الثاني (1)،لإطلاقها أو عمومها.

و ليس في محله،إذ الأمر بإعادة الصلاة قرينة على زيادته على المقدارين،و لا كلام لهما في نجاسته.و كيف كان فقولهما شاذّ،و مستندهما قاصر (2)معارض بالإجماعات و خصوص المتقدم على الصحاح.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل و اختصاص الأخبار بدم ذي النفس بحكم التبادر يوجب المصير إلى تقييد الحكم به و القول بالطهارة في غيره،مضافا إلى الإجماع عليها في السمك المحكي عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و الذكرى و الغنية و السرائر (3).

و في الخبر:«إنّ عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذكر يكون في الثوب،فيصلي فيه يعني دم السمك» (4).

و عن الأربعة الأول الإجماع عليها في غيره من مطلق غير ذي النفس، و المستند فيه الصحيح:ما تقول في دم البراغيث؟قال:«ليس به بأس»قال، قلت:إنه يكثر و يتفاحش،قال:«و إن كثر» (5).

ص:75


1- نقله عن الإسكافي في المعتبر 1:420،الصدوق في الفقيه 1:42.
2- انظر الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5،7.
3- الخلاف 1:476،المعتبر 1:421،المنتهى 1:163،الذكرى:13،الغنية(الجوامع الفقهية):550،السرائر 1:174.
4- الكافي 3:4/59،التهذيب 1:755/260،مستطرفات السرائر:51/106،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 2.
5- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 23 ح 1.

و نحوه الخبر فيه:هل يمنعه ذلك من الصلاة؟قال:«لا و إن كثر» (1).

و نحوهما الخبر في دم البقّ (2).

و جمعهما آخر:«لا بأس بدم البراغيث و البقّ»الخبر (3).

و لا قائل بالفرق،و قصور الأسانيد منجبر بالعمل و الأصل.

و في حكمه عند أصحابنا الدم المتخلف في الذبيحة المأكولة اللحم بعد القذف المعتاد،لتخصيص الحرمة في الآية بالمسفوح (4)الظاهر في الحلّ في غيره المستلزم للطهارة،مع استلزام الحكم بالنجاسة عدم جواز حلّ الذبيحة، لعدم انفكاكها عن الدم و لو غسل اللحم مائة مرّة،مضافا إلى عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار بالضرورة،و أيّ دليل أقوى من هذه الأدلة؟فلا وجه للمناقشة معهم في الحكم بالطهارة بشبهة عدم الدلالة.

السادس و السابع الكلب و الخنزير

و السادس و السابع الكلب و الخنزير البرّيان بإجماعنا،و وافقنا عليه أكثر من خالفنا،و استفاض حكايته في كلام جماعة من أصحابنا كالخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهى و غيرها (5).

و قد استفاض بالأوّل صحاح أخبارنا،بل قد صرّح بلفظ النجاسة في بعضها كالصحيح:«إنه رجس نجس» (6).

ص:76


1- الكافي 3:8/59،التهذيب 1:753/259،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 4.
2- الكافي 3:9/60،التهذيب 1:754/260،الوسائل 3:436 أبواب النجاسات ب 23 ح 3.
3- التهذيب 1:778/266،الاستبصار 1:659/188،الوسائل 3:437 أبواب النجاسات ب 23 ح 5.
4- الأنعام:145.
5- الخلاف 1:186،المعتبر 1:439،التذكرة 1:7،المنتهى 1:166،و انظر الذكرى: 13.
6- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2.

و في الخبر:أ ليس هو بسبع؟قال:«لا و اللّه إنه نجس،لا و اللّه إنه نجس» (1).

و المراد منه المعنى المصطلح قطعا بالإجماع و شهادة السياق.

و بنجاسة الثاني نطق القرآن الكريم أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [1] (2)و هو هنا النجس بلا خلاف كما في التهذيب (3)،مضافا إلى النصوص كالصحيح:

عن خنزير شرب ماء من إناء كيف يصنع به؟قال:«يغسل سبع مرّات» (4).

و النصوص الواردة بخلافها في المقامين (5)شاذة مطروحة،أو مؤوّلة،أو محمولة على التقية،فتأمل .

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل و اختصاص ما مرّ من النص-بحكم التبادر و الغلبة- بالبري:الطهارة في البحري إن قلنا بكون اللفظ حقيقة في جنسه كما هو الأشهر.و إلاّ فالإشكال مرتفع من أصله إلاّ على القول بجواز استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه في إطلاق واحد إن كان المقام منه كما عن التحرير و نهاية الإحكام (6)،أو معنييه المشترك بينهما لفظا إن كان منه كما عن المنتهى (7).

و كلاهما غير مرضي عند المحقّقين،و مع ذلك يتوقف على وجود القرينة الصارفة أو المعيّنة،و كلّ منهما مفقود في مفروض المسألة.

ص:77


1- التهذيب 1:647/225،الاستبصار 1:41/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 6.
2- الأنعام:145.
3- التهذيب 1:278.
4- التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
5- الوسائل 1:أبواب الماء المطلق ب 14 الأحاديث 2،3،16،و أبواب الأسآر ب 2 ح 6.
6- التحرير 1:24،نهاية الإحكام 1:272.
7- المنتهى 1:166.

فالقول بنجاسة البحري كما عن الحلّي تبعا للاسم (1)ضعيف غايته.

كالقول بطهارة ما لا تحلّه الحياة منهما و من الكافر كما عن المرتضى (2)، بناء منه على الأصل،لوجوب تخصيصه بما مرّ لعمومه،بل كون ذلك أغلب أفراده.و دعواه الإجماع ممنوعة،كيف؟!و هو منفرد من بين الطائفة بالقول بالطهارة.

نعم:في الخبرين أحدهما الصحيح:عن الحبل يكون من شعر الخنزير،يستقى به الماء من البئر التي يشرب منها،أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال:«لا بأس» (3).

و ربما أشعر بالطهارة،إلاّ أنه مبني على رجوع الإشارة إلى الماء المستقى دون ماء البئر،و مع ذلك يتوقف على قلّته،و ليس بمتعيّن،فيحتمل الرجوع إلى الثاني،أو الأوّل بشرط كثرته،و يتصور في الدلاء العظيمة المحتملة لمقدار الكرّ.و لا ريب في نفي البأس عنه على الاحتمال الثاني، و كذا على الأوّل بناء على المختار من عدم الانفعال.

و على تقدير التسليم فحملهما على التقية لازم،لحكاية القائل به منّا ذلك عن أبي حنيفة المشتهر رأيه في زمان صدورهما.

هذا مع معارضتهما بالمستفيضة الصريحة بالنجاسة،منها:عن شعر الخنزير يخرز به،قال:«لا بأس و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي» (4).

و منها:«خذوه-أي شعر الخنزير-فاغسلوه،فما له دسم فلا تعملوا به، و ما لم يكن له دسم فاعملوا به،و اغسلوا أيديكم منه» (5).

ص:78


1- السرائر 2:220.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):182.
3- الكافي 3:10/6،التهذيب 1:1289/409،الوسائل 1:170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2. الخبر الثاني:الكافي 6:3/258،الوسائل 1:171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
4- التهذيب 9:357/85،الوسائل 3:418 أبواب النجاسات ب 13 ح 3.
5- الفقيه 3:1019/220،التهذيب 9:356/85،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 4.

و منها فيمن يعمل الحبائل بشعر الخنزير،قال:«إذا فرغ فليغسل يده» (1).

و منها:«فاعمل به،و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة»قلت:

و وضوء؟قال:«لا،اغسل يدك كما تمس الكلب» (2).

و هي-مع استفاضتها و اعتبار أسانيد بعضها و اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالغة حدّ الإجماع-ظاهرة الدلالة من جهة الأمر بغسل الملاقي الظاهر هنا في النجاسة بإجماع الطائفة،مع كونه عند الخصم من الأمور المسلّمة.فرجحانها على الخبرين ليس محل ريبة بالضرورة.

الثامن الكافر

و الثامن الكافر أصليا و مرتدّا و إن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته،و ضابطه من أنكر الإلهية أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورة.

و الحجة في الحكم بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن الناصريات و الانتصار و السرائر و الغنية و المنتهى و ظاهر نهاية الإحكام و التذكرة (3):الآية الكريمة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [1] (4)المتمم دلالتها-حيث اختصت بالمشرك،و تضمنت لفظ«النجس»الغير المعلوم إرادة المعنى الاصطلاحي منه-بعدم القائل بالتخصيص،و ظهور المعنى المصطلح هنا بقرينة فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [2] مع أن بيان النجاسة اللغوية خاصة ليس من وظيفة الحكمة الربانية.

فإرادة ما ذكرنا متعيّنة،لا الخباثة الباطنية كما اختارها بعض الأجلّة (5)،

ص:79


1- التهذيب 6:1129/382،الوسائل 17:227 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 1.
2- التهذيب 6:1130/382،الوسائل 17:228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.
3- الناصريات(الجوامع الفقهية):180،الانتصار:10،السرائر 1:73،الغنية(الجوامع الفقهية):551،المنتهى 1:168،نهاية الإحكام 1:273،التذكرة 1:8.
4- التوبة:28.
5- انظر مجمع الفائدة 1:319،و المدارك 2:294.

إذ ليست من المعاني المعهودة المعروفة للفظ النجاسة حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية.

و النصوص المعتبرة بنجاسة أهل الكتاب مستفيضة (1)،و بفحواها يستدل على نجاسة غيرهم من أصناف الكفّار.

إلاّ أنها معارضة بروايات أخر معتبرة الأسانيد (2).لكنها موافقة للتقية، مخالفة للإجماعات المحكية و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل إجماع البتّة،كيف لا؟!و يعدّ نجاستهم عوام العامة و الخاصة-فضلا من فضلائهم-من خصائص الإمامية.

فحملها على التقية متعين البتة،مع إشعار بعض أخبار الطهارة بها،ففي الحسن:«أمّا أنا فلا أدعوه و لا أؤاكله،و إني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» (3)و يؤيده مصير الإسكافي إليها (4).

و مخالفة المفيد لنا في العزّية (5)غير معلومة،لذكره الكراهة،و ظهورها في المعنى المصطلح في زمانه غير معلوم،فيحتمل الحرمة.

و كذا مخالفة العماني (6)،لتصريحه بطهارة أسآرهم،و يحتمل إرادته الماء القليل من السؤر (7)،كما قيل:إنه المصطلح بين الفقهاء من لفظ السؤر حيثما ذكروه (8)فتأمل.

ص:80


1- الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14،و ج 24:210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54.
2- انظر الوسائل 1:229 أبواب الأسآر ب 3 ح 3،و ج 3 ص 422 أبواب النجاسات ب 14 ح 11،و ج 24 ص 208 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 1،2،3،و ب 54 ح 4.
3- الكافي 6:4/263،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 2.
4- نقله عنه في المعالم:249.
5- كما نقله عنه في المعتبر 1:96.
6- على ما حكى عنه في المدارك 2:295،و الذخيرة:150.
7- و هو قائل بعدم تنجّس الماء القليل بالملاقاة،كما حكي عنه في المعتبر 1:48.
8- حاشية المدارك للوحيد البهبهاني.المدارك(الطبع الحجري):23.

و أما الشيخ في النهاية فعبارته فيها صريحة في النجاسة (1)و إن أتى بعدها بما ربما ينافيها (2).لكنها مؤوّلة بتأويلات غير بعيدة تركن النفس إليها بعد إرادة الجمع بينه و بين العبارة الصريحة في النجاسة.

و على تقدير مخالفة هؤلاء المذكورين لا يمكن القدح في الإجماعات المستفيضة المحكية بخروجهم البتة،كما مرّ غير مرّة.

و حيث قد عرفت انحصار أدلة نجاسة الكفّار في الإجماع و فحوى الأخبار المزبورة ظهر لك وجه قوّة القول بطهارة من عدا الخوارج و الغلاة و النواصب من فرق المسلمين-إلاّ أن ينكر ضروريا من الدين على وجه يلحق بالكافرين- سواء كان جاحد النص أو غيره.و هو المشهور بين الأصحاب.

لأصالة الطهارة و عموماتها.مع عدم جريان شيء من الدليلين المخرجين عنهما هنا،لفقد الإجماع في محل النزاع سيّما مع شهرة الطهارة،و عدم الأولوية،إذ ليسوا-لشرف الإسلام-أمرّ من أهل الذمة.

هذا،مع لزوم الحرج على تقدير النجاسة،و الإجماع على عدم احتراز الأئمة عليهم السلام و الأصحاب عنهم في شيء من الأزمنة على حدّ يظهر عدم كونه من جهة التقية.

مضافا إلى النصوص المستفيضة بل المتواترة الحاكمة بحلّ ما يوجد في أسواق المسلمين و الطهارة (3)،مع القطع بندرة الإمامية في جميع الأزمنة سيّما في أزمنة صدور تلك النصوص،و أنه لا ينعقد لخصوصهم سوق يكون الأحكام المزبورة واردة عليه،فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء الكفرة و إن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.

ص:81


1- النهاية:589.
2- قال:و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه،فيأكل معه.فإن دعاه فليأمره بغسل يديه،ثمَّ يأكل معه إن شاء.
3- الوسائل 3:490 أبواب النجاسات ب 50.

خلافا للشيخ فحكم بنجاسة المجبرة (1)،و للسيّد-رحمه اللّه-فحكم بنجاسة المخالفين (2)،لإطلاق الكفر عليهم في كثير من الأخبار (3).

و هو كما ترى،فإنه أعم من الحقيقة،مع أنّ أمارات المجازات من عدم التبادر أو تبادر الغير و صحة السلب موجودة.و على تقديرها فلا دليل على النجاسة كلية،و إن هو إلاّ مصادرة محضة،لفقد الإجماع و ما مضى من الأولوية.

مضافا إلى معارضتها بكثير من المعتبرة الدالّة على إسلامهم من حيث الشهادتين،ففي الخبر:«الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكحة و المواريث و على ظاهره عامة الناس» (4).

و قريب منه آخر:«الإسلام ما ظهر من قول أو فعل،و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها،و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح» (5).

و المعتبرة بمعناهما مستفيضة (6)و فيها الصحيح و الحسن،لكن ليس فيها أن الإسلام هو الشهادتان و إن كان يظهر منها بنوع من التأمل.

فإذا ثبت إسلامهم ثبت طهارتهم،للخبر:أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمّر؟فقال:«بل من فضل وضوء جماعة المسلمين،فإنّ أحبّ دينكم إلى اللّه تعالى الحنيفية السهلة

ص:82


1- انظر المبسوط 1:14.
2- كما نقله عنه في روض الجنان:163.
3- منها ما رواه في الكافي 1:11/187 و ص 7/437،و المحاسن:34/89،الوسائل 28: أبواب حدّ المرتد ب 10 ح 13،43،48.
4- الكافي 2:1/25.
5- الكافي 2:5/26.
6- انظر الكافي 2:24،25 كتاب الايمان و الكفر ب 14،15.

السمحة» (1).

و أمّا الحجّة على نجاسة الفرق الثلاث (2)و من أنكر ضروري الدين فهو الإجماع المحكي عن جماعة (3).و يدخل في الأخير المجسمة الحقيقية، لقولهم بالحدوث الباطل بالضرورة من الدين.

و لولاه لكان القول بالطهارة متعينا،للأخبار المزبورة الحاكمة بإسلام من صدر عنه الشهادتان،المستلزم للطهارة،للرواية المتقدمة.

التاسع كل مسكر

و التاسع كل مسكر مائع بالأصالة،كما عن المنتهى و التذكرة و المدنيّات و الذكرى و البيان و ظاهر المقنعة و الناصريات و النهاية و مصباح الشيخ و الغنية و المهذّب و الوسيلة (4)،لتعبيرهم بالشراب المسكر.

و عن الأكثر-و منهم الشيخ في المبسوط و الجمل-الإطلاق (5).و ليس في محلّه،للأصل،و اختصاص المثبت للنجاسة بالأشربة المائعة خاصة.

و الحجة في نجاسة الخمر منها بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن السرائر و النزهة و الخلاف و المبسوط و الناصريات و الغنية و التذكرة (6):الصحاح المستفيضة.و نحوها في الاستفاضة غيرها من المعتبرة في نفسها و المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة.

ص:83


1- الفقيه 1:16/9،الوسائل 1:210 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 3.
2- أي:الخوارج و الغلاة و النواصب.
3- منهم:العلامة في المنتهى 1:168،و الشهيد الثاني في روض الجنان:163،و السبزواري في الذخيرة:152.
4- المنتهى 1:168،التذكرة 1:7،حكاه عن المدنيات في كشف اللثام 1:65،الذكرى: 14،البيان:91،المقنعة:73،الناصريات(الجوامع الفقهية):181،النهاية:51، مصباح المتهجد:13،الغنية(الجوامع الفقهية):550،المهذّب 1:51،الوسيلة:74.
5- المبسوط 1:11،36،الجمل و العقود(الرسائل العشر):171،و حكاه عن الأكثر في كشف اللثام 1:46.
6- السرائر 1:70،178،نزهة الناظر:17،الخلاف 2:484،المبسوط 1:36،الناصريات (الجوامع الفقهية):181،الغنية(الجوامع الفقهية):550،التذكرة 1:7.

ففي الصحيح:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي و يشرب الخمر فيردّه،أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (1).

و الصحيح:عن آنية أهل الذمة و المجوس،فقال:«لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون،و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (2).

و الصحيح:«إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه،و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه،و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك» (3).

و ليس شيء منها-كما ضاهاها-يقبل الحمل على التقية،لاتفاق العامة على أكل الجرّي و طهارة أهل الكتاب و حلّ النبيذ مع تصريحها بمخالفتهم في الأمور المزبورة،فليس حملها عليها إلاّ غفلة واضحة،بل يتعين حمل ما خالفها عليها (4)،سيّما مع ندرة القائل بها منّا (5)،و شذوذها عند أصحابنا و قلّة عددها بالإضافة إلى ما مضى.

و أما نجاسة سائر الأشربة المسكرة فكأنه لا فارق بينها و بين الخمر.و عن الناصريات:إنّ كلّ من حرّم شربها نجّسها (6).و عن الخلاف و المعتبر:

الإجماع على نجاستها (7).

ص:84


1- التهذيب 2:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:468 أبواب النجاسات ب 38 ح 1.
2- الكافي 6:5/264،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.
3- الكافي 3:14/407،التهذيب 1:826/281،الاستبصار 1:669/190،الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 ح 2.
4- انظر الوسائل 1:145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2،و ج 3 ص 471 أبواب النجاسات ب 38 ح 10 إلى 14.
5- و هو العماني كما حكاه عنه في المختلف:58،و الصدوق في الفقيه 1:43،و يظهر أيضا من المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:312.
6- الناصريات(الجوامع الفقهية):181.
7- الخلاف 2:484،المعتبر 1:424.

و النصوص بنجاسة النبيذ مستفيضة (1)،و ربما ظهر من الصحيح الأخير المتقدم تفسيره بمطلق المسكر،فيستفاد منها بمعونته نجاستها بأجمعها،مضافا إلى المرسل:«لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر،و اغسله إن عرفت موضعه،و إن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كلّه،فان صلّيت فيه فأعد صلاتك» (2).

و نحوه الموثق:«لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسل» (3).

و يعضده المعتبرة الناصة على شمول الخمر لجميعها،ففي الصحيح:

«الخمر من خمسة:العصير من الكرم ،و النقيع من الزبيب،و البتع من العسل، و المزر من الشعير،و النبيذ من التمر» (4).

و في خبر آخر:«الخمر من خمسة أشياء:من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل» (5).

و نحوهما في روايات ثلاث أخر معتبرة (6).

و في المروي عن علي بن إبراهيم،عن مولانا الباقر عليه السلام:«و إنما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر،فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقعد في المسجد ثمَّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها»ثمَّ قال:«هذه خمر فقد حرّمها اللّه تعالى،و كان أكثر شيء

ص:85


1- منها ما رواه في الوسائل 3:470 أبواب النجاسات ب 38 ح 6 و 8.
2- الكافي 3:4/405،التهذيب 1:818/278،الاستبصار 1:661/189،الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 3.
3- التهذيب 1:817/278،الاستبصار 1:660/189،الوسائل 3:470 أبواب النجاسات ب 38 ح 7.
4- الكافي 6:1/392،التهذيب 9:442/101،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
5- الكافي 6:2/392،الوسائل 25:279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 2.
6- الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 الأحاديث 3،4،6.

اكفئ من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ ،و لا أعلم أكفئ من خمر العنب شيء إلاّ إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا،فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء» (1).

و ذهب جماعة من أهل اللغة إلى ما تضمنته هذه الروايات (2).

و في الخبر (3):«ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» (4).

و إطلاق الخمر عليه يلازم الدلالة على النجاسة،إمّا لاقتضائه كونه حقيقة فيه،أو اشتراكه معه في أحكامه.و لكن المناقشة فيه بتبادر الحرمة منها خاصة ممكنة.

ثمَّ إن المشهور بين الأصحاب (5)أن في حكم الخمر العصير العنبي إذا غلى و اشتد،و لعلّه إمّا لكونه خمرا حقيقة،كما حكي عن جماعة من فقهاء العامة و الخاصة كالبخاري و الصدوقين و الكليني (6).أو لإطلاق لفظ الخمر عليه في النصوص الملازم لكونه حقيقة فيه أو مشتركا معها في الأحكام التي النجاسة

ص:86


1- تفسير القمي 1:180،الوسائل 25:280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 5.
2- انظر القاموس 2:23،و المصباح المنير:182،و مجمع البحرين 3:292.
3- في«ل»:الصحيح.
4- الكافي 6:2/412،التهذيب 9:486/112،الوسائل 25:342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 1.
5- كما ادعاه جماعة،و عن كنز العرفان 2:304 دعوى الإجماع عليه،و هو الحجة،المعتضدة بما في المتن من الأدلة،مضافا إلى الرضوي:«و اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر و لا يحل شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه على النار و يبقى ثلثه»فقه الرضا(عليه السلام):280 و هو سندا كالموثقة،و أظهر منها دلالة،لما فيه من عدم اختلاف النسخة،و بالجملة:القول بالنجاسة في غاية القوة.منه عفى عنه.
6- حكاه عنهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك(المخطوط)و قال فيها:لعلّ المأخذ هو الأخبار التي رواها في الكافي 6:393 في باب أصل تحريم الخمر،و رواه الصدوق في العلل:476 أيضا،إذ ظهر من تلك الأخبار أن العصير بمجرّد الغليان يدخل في حدّ الخمر حقيقة..إلى آخر ما قال.و انظر أيضا المقنع للصدوق:153 نقلا عن رسالة أبيه،و صحيح البخاري 7: 137،139.

منها،ففي الموثق المروي في التهذيب:عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول:قد طبخ على الثلث و أنا أعرف أنه يشربه على النصف،فقال:

«خمر لا تشربه» (1).

إلاّ أنه مروي في الكافي و ليس فيه لفظ الخمر (2)،لكن احتمال السقوط أولى من احتمال الزيادة و إن كان راوي الأول أضبط جدا.لكن في الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في تخصيص الأصول و العمومات إشكال.بل ربما انسحب الإشكال على تقديره أيضا،بناء على التأمل في تبادر النجاسة من علاقة الشباهة قطعا،سيّما بملاحظة سياق الخبر و تفريع حرمة الشرب فيه على الإطلاق المزبور خاصة.

فانحصر دليل النجاسة في كلام الجماعة.و الاستناد إليه في إثباتها يتوقف على ثبوت الحقيقة منه.و على تقديره فشمول ما دلّ على إطلاق الخمر لمثله محل نظر،لعدم التبادر.

فإذا الطهارة أقوى،وفاقا لجماعة من متأخري أصحابنا (3).إلاّ أن الاحتياط المصير إلى الأوّل إن لم يحصل له الإسكار،و إلاّ فالقول بنجاسته متعيّن جدا،لعموم ما تقدّم.

العاشر الفقّاع

و العاشر الفقّاع بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و نهاية الإحكام و ظاهر المبسوط و التذكرة (4)،مع التأيد بإطلاق الخمر عليه في المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،بل في بعضها:«إنه الخمر بعينها» (5).

ص:87


1- التهذيب 9:526/122،الوسائل 25:293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.
2- الكافي 6:7/421.
3- منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:312،صاحب المدارك 2:289، السبزواري في الكفاية:12.
4- الانتصار:197،الخلاف 2:490،الغنية(الجوامع الفقهية):550،المنتهى 1:167، نهاية الإحكام 1:272،المبسوط 1:36،التذكرة 1:7.
5- الوسائل 25:359 أبواب الأشربة المحرمة ب 27.

و عليه يمكن الاستدلال بها على نجاسته جدا.

هذا مضافا إلى النص الصريح فيها،و لا يضر قصور سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب،و فيه:«لا تشربه فإنه خمر مجهول،فإذا أصاب ثوبك فاغسله» (1).

و المرجع فيه العرف و العادة،فحيثما ثبت إطلاق الاسم فيهما حكم بالنجاسة.

و اعلم أن الأظهر الأشهر بين قدماء الطائفة في عرق الجنب من الحرام مطلقا،حين الجنابة كان أم بعدها-و ربما خص بالأول-هو النجاسة، بل عدّه في الأمالي من دين الإمامية (2)،و صرّح بالإجماع في الخلاف شيخ الطائفة (3)،و هو الظاهر من عبارة ابن زهرة (4).و نحوها عبارة سلاّر (5)،إلاّ أن اختياره الطهارة بعد الحكاية بلا فاصلة يعيّن إرادته منها الشهرة العظيمة.

للنصوص المستفيضة،منها الرضوي:«إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه،و إن كانت من حرام فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل» (6).

و نحوه المروي في الذكرى عن زياد الكفرثوثي (7)،و في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول عن علي بن مهزيار (8)،و فيهما:«إن كان من حلال فصلّ فيه،و إن كان من حرام فلا تصلّ

ص:88


1- الكافي 6:7/423،التهذيب 9:544/125،الاستبصار 4:373/96،الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 8.
2- أمالي الصدوق:516.
3- الخلاف 1:483.
4- انظر الغنية(الجوامع الفقهية):551.
5- المراسم:56.
6- فقه الرضا(عليه السلام):84.
7- الذكرى:14،الوسائل 3:447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12،البحار 77:7/118.
8- المناقب 4:414،البحار 77:5/117،المستدرك 2:569 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.

فيه».

و نحوهما خبر آخر مروي في البحار (1).

و قصور أسانيدها منجبر بالشهرة العظيمة بين القدماء و الإجماعات المحكية،و الدلالة و إن لم تكن ناصة بالنجاسة إلاّ أنّ الملازمة بينها و بين عدم جواز الصلاة المصرّح به فيها هنا ثابتة،بناء على عدم القائل بما فيها خاصة من القائلين بالطهارة،و القول به خاصة دون الأحكام الأخر المترتبة على النجاسة إحداث قول في المسألة.

هذا مضافا إلى التأيد بالروايات الواردة في الحمّام الناهية عن غسالته معلّلة باغتسال الزاني فيها و الجنب عن حرام (2).فتأمل .

و كيف كان:فخلاف المتأخرين و مصيرهم إلى الطهارة ضعيف،و أدلتهم من الأصل و العمومات بما تقدّم مخصّصة.

و نحوه في النجاسة عرق الإبل الجلاّلة في الأظهر الأشهر بين قدماء الطائفة،بل ربما يستشعر الإجماع عليه من عبارة ابن زهرة (3)،و من عبارة سلاّر الشهرة العظيمة (4)،للصحيحين:«فإن أصابك من عرقها شيء فاغسله» (5).

و الثاني منهما عام للإبل و غيرها (6).و به صرّح بعض الأصحاب (7)و حكى عن النزهة (8).خلافا للأكثر فخصّوا الحكم بالأوّل.

ص:89


1- البحار 77:6/118،المستدرك 2:569 أبواب النجاسات ب 20 ذيل الحديث 5.
2- الوسائل 1:218 أبواب الماء المضاف ب 11.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):551.
4- المراسم:56.
5- الكافي 6:2/251،التهذيب 1:767/263،الوسائل 3:423 أبواب النجاسات ب 15 ح 2.
6- الكافي 6:1/250،التهذيب 1:768/263،الوسائل 3:423 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
7- انظر كشف اللثام 1:50.
8- نزهة الناظر:19.

و بهما يخصّ أدلة الطهارة التي تمسّك[بها] (1)الجماعة المتأخرة البالغين حدّ الشهرة.لكنها بالإضافة إلى شهرة القدماء مرجوحة.و على فرض التساوي فترجيحها عليها يحتاج إلى دلالة واضحة،و هي منتفية.و الأصل و العمومات بالصحيحين المرجّحين لشهرة القدماء مخصّصة،و هما أدلة خاصة،و تلك عامة،و الخاص مقدّم بالضرورة.فالمرجّح مع الشهرة القديمة البتة،مضافا إلى المخالفة للتقية،لتصريحهم بالطهارة كما حكاه بعض الأجلة (2).

و الأظهر طهارة لعاب المسوخ (3)عدا الخنزير و ذرق الدجاج غير الجلاّل،وفاقا للأشهر(سيّما) (4)بين من تأخر،للأصل،و العمومات، و خصوص النصوص في الأول في بعضها كالعقرب و الفأرة و الوزغة و العاج و نحوها (5)،و خصوص الخبر في الثاني:«لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب» (6).

خلافا للمراسم و الوسيلة و الإصباح في الأول فالنجاسة (7).و ليست مستندة إلى دلالة واضحة،و على تقديرها فهي لما تقدّم من الأدلة غير مكافئة، سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة،بل و الضرورة في بعض أفرادها كالزنبور و نحوه ممّا يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار السابقة و اللاحقة،مضافا إلى استلزامه العسر و الحرج المنفيين في الشريعة السهلة السمحة.

ص:90


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لاقتضاء السياق.
2- قال المحقق في المعتبر 1:414 بعد نقل قول سلاّر باستحباب غسل الثوب:و هو مذهب من خالفنا.و لم نعثر على غيره نسب التصريح بالطهارة إلى العامة.
3- قد وردت روايات في بيان أنواع المسوخ في الوسائل 24:104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
4- ليست في«ش».
5- الوسائل 1:238 أبواب الأسئار ب 9،الوسائل 2:122 أبواب آداب الحمام ب 72.
6- التهذيب 1:831/283،الاستبصار 1:618/177،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 2.
7- المراسم:55،الوسيلة:78،و نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1:49.

فأبواب المناقشات في هذا القول مفتوحة.كانفتاحها في القول بنجاسة عينها و لعابها كما عن المبسوط في موضعين منه (1)،مدّعيا في أحدهما الإجماع.و هو غريب.و لا يبعد جعله أمارة لإرادته الخباثة من النجاسة لا المعنى المتعارف بين المتشرعة.

و يقربه المحكي عن اقتصاده من أنّ غير الطير على ضربين:نجس العين و نجس الحكم،فنجس العين هو الكلب و الخنزير،فإنّه نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب،و ما عداه على ضربين:مأكول و غير مأكول،فما ليس بمأكول كالسباع و غيرها من المسوخات مباح السؤر و هو نجس الحكم (2).

انتهى.

فيحتمل إرادته من النجاسة فيما مضى ما فسّرها به هنا.و يؤيده حكمه في الخلاف بجواز التمشط بالعاج و استعمال المداهن منه مدّعيا عليه الإجماع (3).

و للصدوقين (4)،و الشيخين (5)في الثاني فنجّسوه،للخبر:عن ذرق الدجاج تجوز فيه الصلاة؟فكتب:«لا» (6).

و فيه-مع الضعف و الإضمار و كونه مكاتبة محتملة لأجلها الحمل على التقية-:قصور الدلالة،إلاّ على تقدير الملازمة بين نفي جواز الصلاة معه و النجاسة.و هي منتفية،لانتفائها في مواضع كثيرة.إلاّ أن ينجبر بعدم القول بالفرق بينه و بينها هاهنا.

ص:91


1- المبسوط 2:166،و ج 6:280.
2- الاقتصاد:254.
3- الخلاف 1:67.
4- الصدوق في المقنع:5،و لم نعثر على من نقله عن والده بل إنما نسبوه إلى الصدوق خاصة، انظر كشف اللثام 1:50،مفتاح الكرامة 1:153.
5- المفيد في المقنعة:71،الطوسي في المبسوط 1:36.
6- التهذيب 1:782/266،الاستبصار 1:619/178،الوسائل 3:412 أبواب النجاسات ب 10 ح 3.

و كيف كان:لا ريب في قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة بالضرورة، فينبغي طرحه،أو حمله على الجلاّل،لعدم خلاف في نجاسة ذرقه كما في التنقيح (1)،بل عليها الإجماع في المختلف (2).و يؤيده عموم ما دلّ على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا،كما مضى (3).

و في نجاسة الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة اختلاف بين الطائفة:فبين حاكم بنجاسة الأربعة،كما عن موضع من المبسوط و موضع من النهاية (4)،مع حكمه بكراهة الرابع في الموضع الآخر من الأول (5)،و كراهة الثالث في الموضع الآخر من الثاني (6)،أو الأخيرين خاصة،كما عن المراسم و المقنعة (7).أو الأوّلين كذلك،كما عن الحلبيين (8).أو هما مع الرابع مكرها للثالث،كما عن القاضي (9).و عن الغنية الإجماع على القول الثالث.

و الكراهية في الجميع أظهر وفاقا لعامة من تأخر،للأصول و العمومات فيها أجمع.

و خصوص النصوص في الأول الدالة على قبولها التذكية،منها الصحيح:عن الصلاة في جلود الثعالب،قال:«إن كانت ذكية فلا بأس» (10)و لو كان نجس العين لما قبل التذكية.

و النصوص المستفيضة في الثالث،منها الصحاح و غيرها،فمن الاولى

ص:92


1- التنقيح الرائع 1:146.
2- المختلف:55.
3- في ص 60.
4- المبسوط 1:37،النهاية:52.
5- المبسوط 1:37.
6- النهاية:6.
7- المراسم:56،المقنعة:70.
8- أبو الصلاح في الكافي:131،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):551.
9- انظر المهذّب 1:51،52.
10- التهذيب 2:809/206،الاستبصار 1:1447/382،الوسائل 4:357 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 9.

الصحيح:عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثمَّ تخرج منه حيا،فقال:«لا بأس بأكله» (1).

و في الصحيح:«لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه و تتوضأ منه» (2).

و نحوه الخبر من الثاني المروي عن قرب الإسناد (3).

و في آخر منه:عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ؟قال:«يسكب منه ثلاث مرّات،و قليله و كثيره بمنزلة واحدة،ثمَّ تشرب منه و تتوضأ منه،غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما وقع فيه» (4).

و خصوص الصحيح في الرابع:عن الوزغ يقع في الماء فلا يموت فيه، أ يتوضأ منه للصلاة؟قال«لا بأس» (5).

و المراد بعدم الانتفاع بما وقع فيه في الخبر السابق-و نحوه الرضوي (6)- الكراهة،أو المنع منه في مثل الشرب من جهة السّمّية لا النجاسة.

و لا معارض لهذه الأدلة سوى المرسل في الأوّلين:هل يجوز أن يمسّ الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟قال:«لا يضره و لكن يغسل يده» (7).

ص:93


1- الكافي 6:4/261،التهذيب 9:362/86،الوسائل 24:197 أبواب الأطعمة المحرمة ب 45 ح 1.
2- الفقيه 1:28/14،التهذيب 1:1323/419،الاستبصار 1:65/26،الوسائل 1:239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.
3- قرب الإسناد:542/150،الوسائل 1:241 أبواب الأسآر 9 ح 8.
4- التهذيب 1:690/238،الاستبصار 1:113/41،الوسائل 1:240 أبواب الأسآر ب 9 ح 4.
5- التهذيب 1:1326/419،الاستبصار 1:58/23،الوسائل 1:238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.
6- فقه الرضا(عليه السلام):93،المستدرك 1:223 أبواب الأسآر ب 7 ح 2.
7- الكافي 3:4/60،التهذيب 1:763/262،الوسائل 3:300 أبواب غسل المس ب 6 ح 4.

و هو-مع إرساله و عدم مكافأته لما مرّ-دالّ بظاهر إطلاقه على نجاسة السباع أيضا،و مع ذلك شامل لحالتي الملاقاة برطوبة و بدونها جدّا،و لا قائل بالإطلاقين قطعا.

و النصوص في الثالث،أجودها سندا و دلالة الصحيح:عن الفأرة الرطبة قد وقعت على الماء تمشي على الثياب،أ يصلّى فيها؟قال:«أغسل ما رأيت من أثرها،و ما لم تره فانضحه بالماء» (1).

و هي-مع قصور سند أكثرها و دلالته-ضعيفة أجمع عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة ،فلتحمل على الاستحباب.و مع ذلك محتملة للحمل على التقية،لحكاية نجاسة الفأرة في المنتهى عن بعض العامة (2).

و أما حكاية الإجماع المتقدمة عن الغنية فهي بمصير عامة المتأخرين إلى الطهارة موهونة،و مع ذلك فغايتها أنها رواية صحيحة لا تعارض-كسابقتها- شيئا من الأدلة السابقة.

ص:94


1- التهذيب 1:761/261،الوسائل 3:460 أبواب النجاسات ب 33 ح 2.
2- المنتهى 1:165.

أمّا أحكامها فعشرة

اشارة

و أمّا أحكامها فعشرة:

الأوّل كل النجاسات يجب إزالة قليلها و كثيرها عن الثوب و البدن

الأوّل كل النجاسات يجب شرعا إزالة قليلها و كثيرها عن الثوب و البدن للصلاة و الطواف الواجبين،و شرطا لهما،مطلقا إجماعا،إلاّ من الإسكافي في دون سعة الدرهم من النجاسات-عدا الحيض و المني-فلم يوجب الإزالة حاكما بالطهارة (1).و يدفعه إطلاق المستفيضة الآمرة بغسل النجاسات (2)الشامل لما ذكره و غيره.كدفعها المحكي في السرائر عن بعض الأصحاب من نفي البأس عمّا يترشح على الثوب أو البدن من النجاسات مطلقا (3)،أو مقيدا بالبول خاصة عند الاستنجاء كما عن ميافارقيات السّيد (4).مضافا إلى اندفاعهما و لا سيّما الأخير بالخصوص بالصحيح و غيره:عن رجل يبول بالليل،فيحسب أن البول أصابه و لا يستيقن،فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا يتنشّف؟ قال:«يغسل ما استبان أنه قد أصابه و ينضح ما يشك فيه من جسده و ثيابه، و يتنشّف قبل أن يتوضأ» (5).

و بالجملة:لا ريب في وجوب الإزالة مطلقا عدا الدم فقد عفى عمّا دون الدرهم البغلي سعة لا وزنا في الصلاة خاصة،إجماعا كما عن المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و المختلف و التذكرة (6)،للنصوص المستفيضة الآتية.

ص:95


1- نقله عنه في المختلف:59.
2- الوسائل 3:428 أبواب النجاسات ب 19.
3- السرائر 1:180.
4- رسائل الشريف المرتضى 1:288.
5- التهذيب 1:1334/421،الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.
6- المعتبر 1:429،المنتهى 1:172،نهاية الإحكام 1:285،المختلف:60،التذكرة 1: 8.

و موردها العفو عن الثوب خاصة،و لذا حكي الاقتصار عليه عن جماعة (1).و لكن المحكي عن المنتهى نسبة إلحاق البدن به إلى أصحابنا (2)، مشعرا بالإجماع عليه،فهو الحجّة إن تمَّ،لا الاشتراك في العلّة و هي حصول المشقة في الإزالة،فإنّها مستنبطة لا إشعار عليه في شيء من المعتبرة.

و لا الرواية:إني حككت جلدي فخرج منه دم،فقال:«إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله و إلاّ فلا» (3).

لقصور سندها أوّلا.و مخالفتها الإجماع ثانيا من حيث جعل المعيار قدر الحمصة و لا قائل به من الأصحاب إن أريد به سعة،و كذلك إن أريد به وزنا، لزيادة سعته من سعة الدرهم لو أشيع في البدن أو الثوب بكثير جدا و لا قائل به من الأصحاب أيضا.

إلاّ أن يجاب عن القصور بالانجبار بالعمل،و الدلالة بقراءة الحمصة بالخمصة بالخاء المعجمة،و هو (4)ما انخفض من راحة الكف،كما سيأتي نقل تقدير الدرهم به سعة عن بعض الأجلة (5)،لكنه يتوقف على القرينة على هذه النسخة و هي مفقودة.

فإذا المستند إنما هو حكاية الإجماع المستشعر بها عن عبارة العلاّمة إن تمَّ،و إلاّ فمقتضى الأصل المستفاد من النصوص المعتبرة المستفيضة عدم العفو و وجوب الإزالة.لكن الظاهر تماميته،فقد صرّح به المرتضى في الانتصار (6)،و لم نر فيه مخالفا،و كيف كان فالاحتياط مطلوب فيها البتة.

ص:96


1- منهم الصدوق في الفقيه 1:42،المفيد في المقنعة:69،الطوسي في المبسوط 1:35، سلاّر في المراسم:55.
2- المنتهى 1:173.
3- التهذيب 1:741/255،الاستبصار 1:613/176،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.
4- في«ش»و«ل»زيادة:سعة.
5- و هو الحلّي في السرائر 1:177.
6- الانتصار:13.

ثمَّ إن المراد بالبغلي هو الكبير الوافي المضروب من درهم و ثلث على المستفاد من أكثر الأصحاب،بل حكي اتفاقهم عليه (1)،و عليه نص الرضوي:«إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف،و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا،و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه»إلى آخره (2).

و ربما ظهر من الحلّي مغايرة الوافي للبغلي (3).

و اختلفوا في سعته،فبين من قدّره بما يقرب سعته من سعة أخمص الراحة و ما انخفض منها كما عن الحلّي (4)،و بسعة الدينار كما عن العماني (5)، و بسعة العقد الأعلى من الإبهام كما عن الإسكافي (6)،و حكي اعتبار سعة العقد الأعلى من السبابة و من الوسطى (7).

و لا دليل على شيء منها و إن كان الأول منسوبا إلى الأشهر بين أصحابنا (8).و ربما يستشهد للثاني بالخبر المروي عن مسائل علي بن جعفر:

«و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصلّ فيه حتى تغسله» (9)و لا حجة فيه من حيث السند،مع إجمال سعة الدينار.

و الأوفق بالقواعد الأخذ بالأقل من المقادير،وقوفا فيما خالف الأصل المتقدم على المتيقن،إلاّ أن الأخير ضعيف جدّا تشهد القرائن الحالية بفساده قطعا.بل و ربما لا يبعد ترجيح الأول،لإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك و هو

ص:97


1- انظر الحدائق 5:331.
2- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
3- السرائر 1:177.
4- السرائر 1:177.
5- نقله عنه في المختلف:60.
6- حكاه عنه في المختلف:59.
7- كما حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:52.
8- كشف اللثام 1:52.
9- مسائل علي بن جعفر:305/173،الوسائل 3:432 أبواب النجاسات ب 20 ح 8.

حجة،و ليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد،و مع ذلك فهو معتضد بالشهرة المحكية.

و اختلفوا أيضا في وجه التسمية بالبغلي،فعن المعتبر و التذكرة:إنه النسبة إلى قرية بالجامعين (1)،قيل:فعلى هذا فالغين مفتوحة و اللام مشددة (2).

و في الذكرى:إنه البغلي بإسكان الغين،و هو منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية و وزنه ثمانية دوانيق،قال:و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية،فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق،فلمّا كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق،قال:

و هذه التسمية ذكرها ابن دريد،و حكى النسبة إلى قرية بالجامعين قولا،و استدل له بأن هذه الدراهم لا بدّ من تقدمها على الإسلام ليحمل عليها الأخبار،و أجاب بما أشار إليه آنفا من أنها متقدمة و إنما الحادث التسمية (3).

و عن المهذّب البارع ردّ ما في الذكرى بأن المسموع من الشيوخ فتح الغين و تشديد اللام،و اتباع المشهور بين الفقهاء أولى من اتباع المنقول عن ابن دريد (4).و لا ثمرة في هذا الاختلاف.

و ربما يستشكل في حمل إطلاق النصوص على البغلي،بناء على ما يستفاد من الذكرى و غيره إطلاق الدرهم عليه و على غيره من الطبرية و غيرها و أنه ترك في زمن عبد الملك،و هو متقدم على زمان صدور الروايات.و هو كذلك لو لا الفقه الرضوي المتقدم المعتضد بفتوى الأصحاب،و رواية العامة ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (5)،فتدبّر.

و لم يعف عمّا زاد عنه إجماعا،للعمومات،و صريح النصوص

ص:98


1- المعتبر 1:430،التذكرة 1:8.
2- انظر المهذب البارع 1:239،و المدارك 2:314.
3- الذكرى:16.
4- المهذّب البارع 1:239،240.
5- انظر سنن البيهقي 2:404.

الآتية.

و في العفو عمّا بلغ قدر الدرهم حال كونه مجتمعا روايتان، أشهرهما و أظهرهما وجوب الإزالة ففي الصحيح:«يغسله-أي الدم-و لا يعيد صلاته،إلاّ أن يكون قدر الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة» (1).

و نحوه المرسل لجميل:«لا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (2).

و نحوهما الرضوي المتقدم (3).

و هذه الأخبار-مع اعتبار أسانيدها و اعتضادها بالعمومات و الشهرة العظيمة-واضحة الدلالة.

و الروايات الثانية مع قصور أسانيدها-و لو بالإضافة إلى الروايات السابقة في بعضها-و قلّة عددها،و ندرة القائل بها-إذ لم ينقل إلاّ عن الديلمي و المرتضى (4)-غير واضحة الدلالة،فإنّ إحداها الخبر:«في الدم يكون في الثوب:«إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة،و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته»الحديث (5).

و ليس فيها الدلالة إلاّ من جهة مفهوم العبارة الثانية،و هو معارض بمفهوم العبارة الاولى،و الترجيح معها-دون نية-لاعتضادها بالمعاضدات السابقة.

و ما يقال في ترجيح العكس من أصالة البراءة غفلة واضحة،كيف لا؟! و هي بالعمومات الدالّة على وجوب الإزالة،و استصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة المستدعي للبراءة اليقينية مخصّصة،و على تقدير بقائها فلا ريب في

ص:99


1- التهذيب 1:740/255،الاستبصار 1:611/176،الوسائل 3:429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
2- التهذيب 1:742/256،الاستبصار 1:612/176،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 4.
3- في ص:92.
4- الديلمي في المراسم:55،حكاه عن المرتضى في المدارك 2:312.
5- التهذيب 1:739/255،الاستبصار 1:610/175،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

عدم مكافاتها لشيء من المعاضدات المتقدمة،فضلا عن جميعها،و لا سيّما الشهرة.و بالجملة:لا حجة في مثل هذه الرواية.

نعم في الحسن:قلت له:الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال:«إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ،و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك،و ما لم يزد على قدر الدرهم فليس بشيء رأيته أو لم تره،فإذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (1).

و دلالته غير صريحة،و غايتها العموم القابل للتخصيص بما تقدم بحمل ما لم يزد و ما ليس بأكثر من الدرهم على خصوص الناقص عنه.

هذا مع أنّ هذا الخبر مروي في الكافي و الفقيه-اللذين هما أضبط من التهذيب الذي روي فيه كما مرّ-بإسقاط الواو في«و ما لم يزد»و زيادة:«و ما كان أقل من ذلك فليس بشيء»بعد قوله:«ما لم يزد على مقدار الدرهم» و سبيله حينئذ سبيل الرواية السابقة.

و لعل ترك ذكر الواسطة بين الأقل و الأكثر في الروايتين لأجل ندرتها و غلبة تحقق الأمرين،فليس فيهما على هذا ذكر حكمها لو لم نقل بدلالتهما على عدم العفو عنها،فالاستناد إليهما لا وجه له أصلا.

و لو كان مقدار الدرهم فصاعدا متفرقا لم تجب إزالته مطلقا و إن زاد الجميع عن مقدار الدرهم و تفاحش،وفاقا للطوسي و الحلّي و ابن سعيد (2) و التلخيص،و في الذكرى إنه المشهور (3)،لظاهر المرسل الذي مرّ (4)،إلاّ أن في السند مع الإرسال علي بن حديد.و دعوى الجبر بالشهرة المحكية مدفوعة

ص:100


1- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6 بتفاوت يسير.
2- الطوسي في المبسوط 1:36،الحلي في السرائر 1:178،ابن سعيد في الجامع للشرائع: 23.
3- الذكرى:16.
4- راجع ص:94.

بالشهرة بين المتأخرين على الخلاف و هي وجدانية.

نعم:الصحيح المتقدم (1)ظاهر فيه،من حيث إن الظاهر كون«مجتمعا» خبرا ليكون،لا حالا مطلقا،لا مقدّرة و لا محقّقة،و إن تمَّ دلالته على الثاني أيضا بالضرورة،لظهور اتحاد زماني الاجتماع و الكون بقدر الدرهم مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتفاقا،و لامتناع المحقّقة في النقط المتفرقة المفروضة في الرواية،فانحصر الأمر فيما مرّ و هو كون«مجتمعا»خبرا.و على تقديره فالدلالة ظاهرة،و مع ذلك معتضدة بالشهرة المحكية،و لكن في بلوغها قوة المعارضة للعمومات،و استصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية،و إطلاقات أكثر ما مضى من المعتبرة نوع مناقشة.

و لعله لذا قيل إنه تجب الإزالة حينئذ مطلقا و إن كان غير متفاحش،و لا ريب أنه أحوط لو لم يكن أقوى،وفاقا لسلاّر و ابني حمزة و البراج و أكثر المتأخرين (2).

و قيل كما عن النهاية و المعتبر (3)-كما حكاه عنه بعض الأجلّة (4)- بوجوب الإزالة بشرط التفاحش و لا دليل على الشرط و تقديره بالمرة كما اعترف به جماعة (5)،بل ربما يمكن المناقشة في نسبة هذا القول إلى النهاية، فإنّ عبارتها غير صريحة فيه بل و لا ظاهرة على ما حكاه بعض الأجلّة (6).

الثاني دم الحيض تجب إزالته و إن قلّ

الثاني:

دم الحيض تجب إزالته و إن قلّ و نقص عن سعة الدرهم اتفاقا،كما

ص:101


1- في ص:94.
2- سلاّر في المراسم:55،ابن حمزة في الوسيلة:77،ابن البراج في المهذّب 1:51، و انظر جامع المقاصد 1:172،و الذكرى:16،و روض الجنان:166.
3- النهاية:51،المعتبر 1:431.
4- انظر الحدائق 5:315.
5- منهم صاحب المدارك 2:320،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:53،و صاحب الحدائق 5:319.
6- كشف اللثام 1:52.

حكاه بعض الأجلة (1)،للأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسله، كالنبوي الآمر لأسماء:«حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» (2).

و الصادقي:عن الحائض،قال:«تغسل ما أصاب ثوبها من الدم» (3).

مضافا إلى الأصل في العبادة و استصحاب شغل الذمة المحتاج إلى البراءة اليقينية في محل الشبهة.

و للخبر المروي في الكافي و موضع من التهذيب،مسندا إلى الصادقين عليهما السلام:«لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلاّ دم الحيض،فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» (4).

و قصور السند بالعمل و الأصول مجبور،و السند-كما عرفت-على الراوي غير موقوف.

و نحوه الرضوي:«إلاّ أن يكون دم الحيض،فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قلّ أو كثر» (5).

و هذه الأدلة مع ما هي عليه من القوة سليمة عمّا يصلح للمعارضة،سوى ما يتوهم من إطلاق أخبار العفو المتقدمة.و شموله للمقام محل مناقشة،لعدم التبادر،لاختصاص الخطابات فيها بالذكور دون النسوة،و احتمال إصابة ثيابهم دم الحيض نادر بالضرورة،و لذا لم يكن من الأفراد المتبادرة،فلا يعترض بمثل ذلك شيء من الأدلة السابقة.

ص:102


1- كشف اللثام 1:52.
2- سنن الترمذي 1:138/91،سنن النسائي 1:155 و فيهما بتفاوت يسير.
3- الكافي 3:1/109،التهذيب 1:796/270،الاستبصار 1:652/186،الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 1.
4- الكافي 3:3/405،التهذيب 1:745/257،الوسائل 3:432 أبواب النجاسات ب 21 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:566 أبواب النجاسات ب 16 ح 1.

و ألحق الشيخ به تبعا للمرتضى (1)،بل و غيره من القدماء (2)،بل و ربما يستفاد عن ظاهر الخلاف و صريح الغنية الإجماع عليه،و عن الحلّي نفي الخلاف عنه (3)دم الاستحاضة و النفاس و لا بأس به،للإجماعات المحكية،و الأصل المتقدم في العبادة،مع عدم عموم في أخبار العفو كما مضت إليه الإشارة،و اعتضاد إلحاق الثاني بما يستفاد من المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس في أرحام النسوة و أنه حيض في الحقيقة.

و عن ابن حمزة و القطب الراوندي و التحرير (4):إلحاق دم الكلب و الخنزير أيضا.

و عن العلاّمة في جملة من كتبه:التعميم لدم مطلق نجس العين الشامل لهما و للكافر و الميت (5).و لا دليل عليه سوى الأصل المتقدم السالم عن معارضة أخبار العفو لما مرّ.و هو الحجّة فيه،لا الاستدلال بملاقاته البدن النجس الغير المعفو ،لابتنائه على تزايد نجاسة نجس العين و قد يمنع.و لو سلّم فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل و إعادة الصلاة عنه،و لم ينصرف إليه،لما مرّ.فتأمل.

و العمدة في التعدية هو الإجماع،و ليس في المسألة،مع أن المحكي عن الحلّي إنكار الإلحاق مدّعيا عليه الوفاق (6).

فإذا:الأجود الاستدلال بما مرّ،و بالخبر الموثق بابن بكير-المجمع على تصحيح رواياته-:«إن الصلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا

ص:103


1- الشيخ في النهاية:51،و المبسوط 1:35،و الخلاف 1:476،المرتضى في الانتصار: 13.
2- كسلاّر في المراسم:55،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):550.
3- السرائر 1:176.
4- ابن حمزة في الوسيلة:77،و نقله عن القطب الراوندي في المختلف:59،التحرير 1:24.
5- راجع نهاية الإحكام 1:285،و المختلف:59،و التذكرة 1:8.
6- السرائر 1:177.

أحلّ اللّه تعالى أكله»الخبر (1).فتدبّر.

و عفى عن دم القروح و الجروح الذي لا يرقأ و لا ينقطع،في الثوب كان أم البدن،قليلا كان أو كثيرا،إجماعا،للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:

عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟فقال:«يصلّي و إن كانت الدماء تسيل» (2).

و نحوه الصحيحان (3)و الحسن (4)و غيرها.

و ظاهرها الدم السائل الغير المنقطع،و لذا خصّ العفو به في العبارة كجماعة (5)،نظرا إلى مخالفته الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم و الحاكمة بإعادة الصلاة عنه،فيقتصر فيها على مورد النص.

و حينئذ فإذا رقأ لم يعف عنه مطلقا بل اعتبر فيه سعة الدرهم جدّا،و هو أحوط و أولى.و إن كان ربما يقال:في تعيّنه نظر،لعدم انحصار أخبار العفو عنه فيما مرّ،بل هنا معتبرة أخر دالّة على العفو إلى أن يبرأ،منها الخبر:«إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» (6).و فيه نظر.

و الأولى الاستدلال بعموم الموثق:عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجر

ص:104


1- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.
2- التهذيب 1:749/258،الاستبصار 1:615/177،الوسائل 3:434 أبواب النجاسات ب 22 ح 4.
3- الأول: التهذيب 1:750/258،الوسائل 3:434 أبواب النجاسات ب 22 ح 5. الثاني: التهذيب 1:751/259،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6.
4- الكافي 3:1/58،التهذيب 1:747/258،الاستبصار 1:616/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.
5- منهم سلاّر في المراسم:55،الشهيد في البيان:94،العلامة في المنتهى 1:172.
6- التهذيب 1:752/259،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 7.

و هو في الصلاة،قال:«يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة» (1).

مضافا إلى نص الموثق:دخلت على الباقر عليه السلام و هو يصلّي، فقال لي قائدي:إنّ في ثوبه دما،فلمّا انصرف قلت له:إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما،قال عليه السلام:«إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ» (2).

إلاّ أن في السند قصورا و لا جابر له يعتد به.و مع ذلك فليس في الدلالة صراحة فيحتمل البرء فيه الانقطاع،كاحتماله من البرء في الخبر السابق.بل و لا يبعد قربه فيه،لاشتراط السيلان في صدره،و عطف الانقطاع عليه في ذيله.

فلم يبق إلاّ العموم في الموثق السابق،و في تخصيص الأصل و العمومات بمثله نظر،سيّما مع كون العمل بهما في غير محل الوفاق هو الأشهر،كما يظهر من كلمات القوم للأحقر.

هذا مضافا إلى ظهور التقييد بعدم الانقطاع و الإشعار بكون العلّة في العفو هنا هو الحرج من روايات أخر،و قصور أسانيدها-لو كان-بالشهرة منجبر، ففي المروي عن السرائر عن البزنطي عن مولانا الباقر عليه السلام:«إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» (3).

و في الموثق:عن القرح و الجرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال:«يصلّي و لا يغسل ثوبه،فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة» (4).

فإذا:القول الأول حيث لا يلزم معه الحرج أظهر.و عليه فهل يناط الحكم بالانقطاع على الإطلاق كما هو ظاهر العبارة و جماعة،أو يقيد بزمان يتسع لأداء

ص:105


1- التهذيب 1:1028/349،الوسائل 3:435 أبواب النجاسات ب 22 ح 8.
2- الكافي 3:1/58،التهذيب 1:747/258 الاستبصار 1:616/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.
3- مستطرفات السرائر:26/30.
4- الكافي 3:2/58،التهذيب 1:748/258،الاستبصار 1:617/177،الوسائل 3:433 أبواب النجاسات ب 22 ح 2.

الصلاة كما عن المعتبر و الذكرى (1)؟قولان.

و ربما يناط العفو و عدمه بحصول المشقة بالإزالة و عدمه،كما في الشرائع و عن ظاهر العلاّمة في النهاية (2)،و عن المنتهى و التحرير (3):الجمع بينه و بين عدم الانقطاع.و الأوّل من هذين في الجملة أقوى،و ذلك في صورة حصول المشقة مع الانقطاع،إذ الانقطاع بمجرده مع حصول المشقة بالإزالة غير كاف في عدم العفو قطعا،و ينزّل تعليق عدم العفو على مجرد البرء و الانقطاع في الخبرين على هذا قطعا.هذا،و لا يبعد قوّته مطلقا،فيجب الإزالة مع عدم المشقة في صورة عدم الانقطاع أيضا،لظهور سياق الروايات السابقة في العفو مع عدم الانقطاع في صورة حصول المشقة بالإزالة.

و الأقوى عدم وجوب إزالة البعض و لو مع إمكانها.خلافا لمحتمل نهاية الإحكام (4).و إطلاق النصوص تدفعه.كدفعها وجوب إبدال الثوب و لو مع الإمكان و إن حكي الحكم به عن الكتاب المذكور و المنتهى (5)،مع أن الشيخ ادعى في الخلاف على خلافه الوفاق (6)،و هو عليه حجّة أخرى.لكنه أحوط و أولى،لإشعار رواية البزنطي المتقدمة به جدّا،إلاّ أنها لضعفها و عدم جابر لها هنا مع عدم معارضتها لما مرّ ليست هنا محل الفتوى،فتأمل جدّا .

الثالث تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته

الثالث:

تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة للرجال فيه منفردا و لو كان مع نجاسة مغلّظة كالتكة و الجورب و القلنسوة و نحوها.مطلقا كما هو الأشهر الأقوى،وفاقا للمرتضى (7)،أو من الملابس خاصة مطلقا كما عن الحلّي

ص:106


1- المعتبر 1:429،الذكرى:16.
2- الشرائع 1:53،نهاية الإحكام 1:285.
3- المنتهى 1:172،التحرير 1:24.
4- نهاية الإحكام 1:285.
5- نهاية الإحكام 1:286،المنتهى 1:172.
6- انظر الخلاف 1:476.
7- الانتصار:38.

و غيره (1)،أو مقيدا بكونها في محالّها كما عليه العلاّمة في أكثر كتبه (2).

و لا خلاف في أصل الحكم في الجملة،بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و السرائر و ظاهر التذكرة (3)،و صرّح به أيضا جماعة (4)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الموثق:«كلّ ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء،مثل القلنسوة و التكة و الجورب» (5).

و المرسل كالصحيح على الصحيح:«إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس» (6).

و ظاهرهما-كغيرهما-تعليق الحكم بجواز الصلاة فيما لا تتم فيه منفردا على هذا الوصف.

و أظهر منهما الرضوي:«إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف منّي أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة،و ذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذا وحده» (7).

و مقتضاه عدم اختصاص الحكم بالملابس فضلا عن اشتراط كونها في محالّها،و إن كان هذا غير بعيد بعد ثبوت الأول،نظرا إلى التبادر من المذكورات في سياق الأخبار.

و يقرّب العموم مضافا إلى ما مرّ (8)الإتيان بلفظه في بعضها،و الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه في المرسل (9).و بجميع ما ذكر يخص الأصل في

ص:107


1- الحلي في السرائر 1:184،و انظر نهاية الإحكام 1:383.
2- انظر التذكرة 1:96،و التحرير 1:24،و المنتهى 1:174.
3- الانتصار:38،الخلاف 1:479،السرائر 1:263،التذكرة 1:96.
4- منهم القطب الراوندي على ما حكي عنه في المختلف:61،و انظر المدارك 2:322، الذخيرة 160.
5- التهذيب 2:1482/358،الوسائل 3:455 أبواب النجاسات ب 31 ح 1.
6- التهذيب 2:1479/357،الوسائل 3:456 أبواب النجاسات ب 31 ح 2.
7- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:575 أبواب النجاسات ب 24 ح 1.
8- من التعليل و التعليق على الوصف.منه رحمه اللّه.
9- التهذيب 1:810/275،الوسائل 3:456 أبواب النجاسات ب 31 ح 5.

العبادة كما مرّ.

و ما ربما يقال:من إثبات أصل الحكم هنا بأصالة البراءة عن إزالة النجاسة عن مثل هذه الأشياء السالمة عن المعارض،لخلو الأخبار عن الأمر بها،لاختصاص الآمرة منها بالثوب الغير الصادق على مثل هذه الأشياء.

ليس في محلّه،كيف لا؟!و هو بعد معارضته بالأصل المتقدم ذكره الذي هو منه أقوى يدفعه تصريح الأصحاب-كظواهر النصوص-باستثنائها الملازم لدخولها تحت أدلة المنع عنها.

و منه يظهر التمسك بمثل ذلك لإثبات العفو عن النجاسة في العمامة تبعا للصدوقين (1).و مستندهما من النصوص غير واضح،سوى الرضوي المتقدم.

و مع ذلك فهو غير ظاهر أيضا؛لاحتماله إرادة العمامة الصغيرة كما يشعر به التعليل في ذيله،فإنّ الكبيرة تتأتى الصلاة فيها قطعا،فلا وجه لتعليل الحكم بجواز الصلاة فيها بما ذكر،و عليها حمل الراوندي كلامهما (2).

الرابع يغسل الثوب و البدن من البول مرّتين

الرابع:

يغسل الثوب و البدن من البول مرّتين على الأظهر الأشهر،بل عن ظاهر المعتبر الإجماع عليه (3)،و هو الحجّة كالصحاح المستفيضة و غيرها،منها الصحيحان:عن الثوب يصيبه البول،قال:«اغسله مرّتين» (4).

و نحوهما الصحيح بزيادة:«فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (5).

خلافا للمنتهى و البيان فمرّة مطلقا (6)،لإطلاق الأمر.و يقيّد بما مرّ.

و لشاذ،فخص التعدد بالثوب خاصة (7)،عملا فيما عداه بالأصل و إطلاق

ص:108


1- الصدوق في الفقيه 1:42،و قد نقل عنه و عن والده العلامة في المختلف:61.
2- نقله عن القطب الراوندي في المعتبر 1:435.
3- المعتبر 1:435.
4- التهذيب 1:721/251 و 722،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 1 و 2.
5- التهذيب 1:717/250،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
6- المنتهى 1:175،البيان:93.
7- كما في التحرير 1:24.

الأمر السالمين عن معارضة النصوص المتقدمة،لاختصاصها بالثوب خاصة.

و الإجماع المحكي حجة عليه،و الأصل معارض باستصحاب النجاسة، و مع ذلك هو كالإطلاق مقيد بالإجماع الذي مرّ و نصوص أخرى هي ما بين صحيح و حسن و قاصر قصوره بالشهرة منجبر،ففي الصحيح:عن البول يصيب الجسد،قال:«صبّ عليه الماء مرتين» (1).

و نحوه الحسن بزيادة:«و إنما هو ماء» (2).

و نحوه بعينه المروي في مستطرفات السرائر،عن جامع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر (3)و ربما يعدّ مثله صحيحا،لنقله عن الكتاب المشهور بلا واسطة، و هو معتبر.

ثمَّ إن إطلاق العبارة و النصوص المتقدمة و ظاهر جماعة (4)عموم التعدد لصور الغسل بالقليل،أم الكثير الراكد،أو الجاري.

خلافا لجماعة،فاكتفوا بالمرة فيما عدا الأوّل مطلقا،كما عن العلاّمة في التذكرة و النهاية و الشهيدين و غيرهم (5)،أو الجاري خاصة كما عن الجامع (6).

و ربما علّل الإطلاق بالاقتصار فيما خالف الأصل و إطلاق الأوامر على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة،و ليس إلاّ القليل خاصة،للغلبة،و لما فيما عداه من الندرة زمن صدور تلك المعتبرة.

و الأصل معارض بمثله بل و أقوى،و الإطلاق مجاب بما أجيب به عن

ص:109


1- التهذيب 1:716/249،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 3.
2- الكافي 3:1/55،التهذيب 1:714/249،الوسائل 3:395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.
3- مستطرفات السرائر:21/30،الوسائل 3:396 أبواب النجاسات ب 1 ح 7،و لكنه مروي في المستطرفات عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر لا عن جامعه.
4- منهم العلامة في التحرير 1:24،المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:173،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:53.
5- التذكرة 1:9،نهاية الإحكام 1:279،الشهيد الأول في الذكرى:15،الشهيد الثاني في الروضة 1:62،و انظر الذخيرة:161.
6- الجامع للشرائع:22.

النصوص.

فإذا:القول الأخير أقوى،استنادا في لزوم التعدد فيما عدا الجاري باستصحاب النجاسة،لا إطلاق النصوص الآمرة بالإزالة ليرد عليها المناقشة المزبورة.و في الاكتفاء بالمرة فيه بالصحيح الثالث،لقوله:«فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

و الرضوي:«فإن أصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة،و من ماء راكد مرتين،ثمَّ أعصره» (1).

و فيهما مفهوما في الأول و منطوقا في الثاني بحسب العموم ردّ للقول بنفي التعدد فيما عدا القليل على الإطلاق،إلاّ أن يجابا بالورود مورد الغلبة.

و اعلم أن ظاهر العبارة و صريح جماعة (2)اختصاص التعدد بالبول خاصة و الاكتفاء فيما عداه بالمرة الواحدة،تمسّكا بالأصل و إطلاق النصوص.

خلافا لآخرين،و هم ما بين مطلق للتعدد فيه (3)،و مقيّد له بما له قوام و ثخانة (4)،للأولوية،و هي ممنوعة ،و للصحيحة:ذكر المني فشدّده و جعله أشد من البول (5).و الدلالة غير واضحة،فيحتمل إرادة الأشدية في النجاسة ردّا لما ذهب إليه بعض العامة من القول بالطهارة (6)،لا الأشدية في كيفية الإزالة،مع أنها تستلزم الزيادة على المرتين و لو بواحدة.فإذا:الأقوى هو القول بالمرة و إن كان الأحوط مراعاة التعدد مطلقا البتة.

ص:110


1- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.
2- منهم الشهيد الأول في الذكرى:15،و الشهيد الثاني في الروضة 1:61،و صاحب الحدائق 5:364.
3- كالشهيد الأول في الدروس 1:125،و الشهيد الثاني في المسالك 1:18،و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1:173.
4- كما في التحرير 1:24.
5- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
6- كالشافعي في الأم 1:55،و ابن رشد في بداية المجتهد 1:84.

ثمَّ إن الأقوى-وفاقا لأكثر أصحابنا (1)،بل ربما نفي الخلاف عنه (2)- لزوم العصر في الغسل،و قد حقّقناه في بعض تحقيقاتنا يطول الكلام بذكره هنا إلاّ من بول الصبي الذي لم يأكل أكلا مستندا إلى شهوته و إرادته كما في المعتبر و المنتهى (3)فإنه يكفي صب الماء عليه من غير عصر،بلا خلاف في الظاهر،مضافا إلى حكاية الإجماع عليه عن ظاهر المعتبر و الخلاف (4)، للحسن بل الصحيح:عن بول الصبي،قال:«صبّ عليه الماء،فإن كان قد أكل فاغسله غسلا،و الغلام و الجارية شرع سواء» (5).

و نحوه الرضوي مبدلا فيه الصبي بالرضيع (6).

و أمّا الموثق الآمر بالغسل (7)فإطلاق الصبي فيه محمول على ما فصّله الخبران.و نحوه الجواب عن الحسن القريب منه (8)،مع احتماله لمحامل أخر .

ثمَّ ظاهر الأولين-كالمحكي عن ظاهر الصدوقين (9)-مساواة الجارية للغلام في البين.

خلافا للأكثر،فنفوا المساواة و خصوا الحكم بالذكر.و هو الأظهر، للأصل،و الإطلاقات،و احتمال رجوع الحكم بالتسوية في الخبرين و عبارة القائلين إلى صورة لزوم الغسل لا صورة الاكتفاء بالصب.

ص:111


1- في«ح»:الأصحاب.
2- الحدائق 5:365.
3- المعتبر 1:436،المنتهي 1:176.
4- المعتبر 1:436،الخلاف 1:484،485.
5- الكافي 3:6/56،التهذيب 1:715/249،الاستبصار 1:602/173،الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
6- فقه الرضا(عليه السلام):95،المستدرك 2:554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.
7- التهذيب 1:723/251،الاستبصار 1:604/174،الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 3.
8- الكافي 3:1/55،التهذيب 1:714/249،الاستبصار 1:604/174،الوسائل 3:397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.
9- الصدوق في الفقيه 1:40،و قد نقل عنه و عن والده العلامة في المختلف:56.

مضافا إلى صريح الخبر:«لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم،لأن لبنها يخرج من مثانة أمّها.و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا بوله قبل أن يطعم،لأن لبن الغلام يخرج من العضدين» (1).

و ضعف السند و كذا الاشتمال على ما لا يقول به أحد مجبور بالشهرة، مؤيد بروايات أخر حكاها بعض الأجلة (2)عن غير الكتب المشهورة،فأحدها العامي النبوي:«بول الغلام ينضح،و بول الجارية يغسل» (3).

و قريب منه الآخر و فيه:كان الحسن بن علي عليهما السلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبال عليه،فقلت:أعطني إزارك لأغسله،فقال:

«إنما يغسل من بول الأنثى» (4)(5).

ثمَّ المفهوم من الصب يشمل ما ينفصل معه الماء و غيره،و المستوعب و غيره،فيشمل الرشّ،إلاّ أن المتبادر المنساق إلى الفهم المستوعب.

و عن الأصحاب القطع بعدم اعتبار الانفصال (6)،لمقابلة الصب في النصوص بالغسل الدالة على ذلك على كلّ من القول بتضمن الغسل العصر و القول بعدم تضمنه له و أن غايته و حدّه الانفصال كما عن الخلاف و نهاية الإحكام (7)،فالمقابلة صريحة في نفي الانفصال على الثاني،و ظاهرة فيه على الأوّل.و ربما يحتمل عليه وجوب الانفصال بناء على نجاسة الغسالة، و المقابلة غايتها على هذا القول الدلالة على عدم لزوم العصر،و هو أعم من عدم لزوم الانفصال،فقد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.

ص:112


1- التهذيب 1:718/250،الاستبصار 1:601/173،الوسائل 3:398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
2- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:54.
3- مسند أحمد 1:76،سنن ابن ماجه 1:527/175،سنن الدار قطني 1:3/129.
4- سنن ابن ماجه 1:522/174،سنن أبي داود 1:375/102.
5- في«ح»زيادة:و المرتضوي.انظر المستدرك 2:554 أبواب النجاسات ب 2.
6- المدارك 2:333.
7- الخلاف 1:484،نهاية الإحكام 1:277.

و كيف كان:فلا ريب أن الانفصال أحوط و إن كان في تعيّنه نظر، لإطلاق الأمر بالصب،و لتصريح النبوي المتقدم بكفاية النضح و الرشّ الذي قد لا يتحقق معه الانفصال،و السند و إن ضعف إلاّ أنه كما مرّ بالشهرة بل و ظاهر حكاية الإجماع المتقدمة منجبر.

و يكفي إزالة عين النجاسة و إن بقي اللون و الرائحة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،بل عن المعتبر عليه إجماع العلماء كافة (1)،و هو الحجّة فيه كالنصوص المستفيضة،منها الحسن:قلت له:للاستنجاء حدّ؟قال:«لا، حتى ينقى ما ثمّة»قلت:فإنه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح،قال:«الريح لا ينظر إليها» (2).

و قصوره عن إفادة تمام المدّعى بالإجماع المركب بل البسيط مجبور.

و به يجبر قصور باقي النصوص سندا و دلالة من حيث القصور عن إفادة تمام المطلوب،فعنه صلّى اللّه عليه و آله في الدم:«لا يضرك أثره» (3).

و عن مولانا الرضا عليه السلام:عن الرجل يطأ في الحمّام و في رجله الشقاق،فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر و قد غسله،كيف يصنع به و برجله الذي وطئ بها،أ يجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره؟و يستنجي فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئا،فقال عليه السلام:

«لا شيء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله» (4).

و في الخبرين في دم الحيض الذي لم يذهب أثره:«اصبغيه بمشق» (5).

و الأمر للاستحباب عند كافة الأصحاب لا لإزالة الأثر،كيف لا و هي

ص:113


1- المعتبر 1:436.
2- الكافي 3:9/17،التهذيب 1:75/28،الوسائل 3:439 أبواب النجاسات ب 25 ح 2.
3- راجع سنن أبي داود 1:365/100،سنن البيهقي 2:408.
4- الفقيه 1:165/42،الوسائل 3:440 أبواب النجاسات ب 25 ح 6.
5- الكافي 3:6/59،التهذيب 1:800/272،الوسائل 3:439 أبواب النجاسات ب 25 ح 1. و الخبر الثاني:التهذيب 1:746/257،الوسائل 3:440 أبواب النجاسات ب 25 ح 4.المشق و المشق:المغرة و هو صبغ أحمر.لسان العرب 10:345.

بالصبغ غير حاصلة قطعا.

هذا،مع أن الأصل يساعد النصوص،و هو البراءة عن إزالة نحو اللون و الرائحة.و لا يعارضه المعتبرة بإزالة الأعيان النجسة،لعدم صدقها على نحو الأمرين في العرف و العادة و إن قلنا ببقاء الأجزاء الجوهرية.

و بالجملة:لا ريب في المسألة.و فتوى العلاّمة في النهاية بلزوم إزالة الطعم لأنّها سهلة (1)،ضعيفة.كفتواه في المنتهى بوجوب إزالة اللون مع الإمكان (2).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين صورتي العسر في الإزالة و عدمه.و ربما قيّد بالأولى.و هو أحوط.

و المرجع في العسر و المشقة إلى العادة،فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.

و هل يتعيّن له نحو الأشنان و الصابون،أم يتحقق المشقة بمجرّد الغسل بالماء و لو مرّة إذا لم يزل به الآثار المتقدم إليها الإشارة؟كلّ محتمل،و الأصل يقتضي الثاني،و الاحتياط الأوّل.

الخامس إذا علم موضع النجاسة غسل

الخامس:

إذا علم موضع النجاسة غسل خاصة بلا إشكال و إن جهل و كان محصورا غسل كل ما يحصل فيه الاشتباه وجوبا،و في النجس بالأصالة، و في الباقي من باب المقدمة،تحصيلا للبراءة اليقينية الغير الحاصلة بغسل مقدار ما وقع عليه النجاسة بالضرورة،و إن احتمله بحسب القاعدة بعض الأجلة (3).و إن هو إلاّ غفلة واضحة.

و الأصل في الحكم بعد ذلك إجماع الطائفة و كثير من العامة المحكي

ص:114


1- نهاية الإحكام 1:279.
2- المنتهى 1:171.
3- انظر المدارك 2:334.

عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (1)،و صرّح به جماعة (2).و النصوص به مع ذلك مستفيضة،منها الصحيح:«تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك» (3).

و فيه إشارة إلى ما مرّ إليه الإشارة من القاعدة و ردّ للقاعدة التي ادعاها بعض الأجلّة.و منها يظهر عدم نجاسة الملاقي له ناقصا عن مقدار ما حصلت فيه النجاسة،و أنّ الأصل فيه الطهارة إلاّ إذا لاقى الجميع،فيحكم بالنجاسة حينئذ بالضرورة.

و لو نجس أحد الثوبين و لم يعلم عينه و فقد غيرهما و تعذّر التطهير صلّى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما على حدة-ناويا فيهما الوجوب- على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لتمكنه معه من الثوب الطاهر و استيفاء الشرائط،و للحسن:عن رجل كان معه ثوبان،فأصاب أحدهما بول و لا يدري أيهما هو،و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء،كيف يصنع؟قال:

«يصلّي فيهما جميعا» (4).

و قيل: كما عن ابني إدريس و سعيد (5)يطرحهما و يصلي عريانا لوجوب الجزم عند الافتتاح بكونها هي الصلاة الواجبة و هو منتف في كل منهما.

و فيه:منع ذلك أوّلا.ثمَّ إسقاطه فيما نحن فيه ثانيا،لمكان الضرورة، و ليس بأولى من الستر و القيام و استيفاء الأفعال بل هي أولى،لكونها واجبات متعددة لا يعارضها الواجب الواحد البتة.ثمَّ النقض به في الصلاة عريانا ثالثا،لعدم

ص:115


1- المعتبر 1:437،المنتهى 1:180،التذكرة 1:10.
2- منهم السبزواري في الكفاية:13،و الذخيرة:165،و الفيض في المفاتيح 1:78،و صاحب الحدائق 5:401.
3- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.
4- الفقيه 1:757/161،التهذيب 2:887/225،الوسائل 3:505 أبواب النجاسات ب 64 ح 1.
5- ابن إدريس في السرائر 1:185،ابن سعيد في الجامع للشرائع:24.

الجزم عند الافتتاح بكونها الصلاة الواجبة،لاحتمال كونها ما ذكرناه،و ليس يندفع إلاّ على النص القاطع بكونها ما ذكره و لم نقف عليه.نعم جعله في المبسوط رواية (1)،و هي-كما ترى-مرسلة غير مسندة،و القائل لا يعمل بالمسندة فضلا عن مثلها،و لذا لم يستند إليها في المسألة.ثمَّ على تقدير كونها مسندة لا تعارض الحسنة المتقدمة من وجوه متعددة أقواها الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

السادس إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا و هو رطب غسل موضع الملاقاة

السادس:

إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا و هو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا إجماعا نصا و فتوى،إلاّ من الصدوق في كلب الصيد خاصة فأوجب الرش لملاقاته مع الرطوبة (2).و لم نجد له دلالة مع أنه انعقد على خلافه في الظاهر إجماع الطائفة.

و إن كان كل من الثلاثة حين الملاقاة يابسا رشّ الثوب بالماء استحبابا لا وجوبا،على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن المعتبر (3).

و به مع الأصل يصرف الأمر في الصحيحين في الأوّلين إلى الاستحباب،ففي أحدهما:«إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله،و إن مسّه جافا فاصبب عليه الماء» (4).

و في الثاني:في الخنزير يمسّ الثوب،قال:«و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب[من]ثوبه إلاّ أن يكون[فيه]أثر فيغسله» (5).

و لم أقف للحكم في الثالث على نص إلاّ أنه لا بأس بالمصير إليه، للتسامح في مثله بما لا يتسامح في غيره.

ص:116


1- المبسوط 1:39.
2- الفقيه 1:43.
3- المعتبر 1:439.
4- التهذيب 1:759/261،الوسائل 3:414 أبواب النجاسات ب 12 ح 1.
5- الكافي 3:6/61،التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

و الحكم بالوجوب فيه و في سابقيه مشكل و إن حكي عن الصدوق و ابن حمزة و المفيد في المقنعة (1)،لما تقدمت إليه الإشارة،مضافا إلى كثرة ورود الأمر بالنضح في مواضع عديدة المحمول فيها على الاستحباب بإجماع الطائفة.

ثمَّ مقتضى العبارة تبعا لظاهر الصحيحين اختصاص الحكم بالثوب خاصة.و هو كذلك،للأصل،و حرمة التعدية إلاّ بدلالة واضحة هي في المقام مفقودة.

السابع من علم النجاسة في ثوبه أو بدنه و صلّى عامدا أعادها في الوقت و بعده

السابع:

من علم النجاسة الغير المعفو عنها في ثوبه أو بدنه و صلّى عامدا ذاكرا لها حين الصلاة أعادها في الوقت و بعده إجماعا حكاه جماعة (2)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها:«في الدم في الثوب إن كان أكثر من درهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته،و إن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة» (3).

هذا مضافا إلى فحوى النصوص الآتية في ناسي النجاسة.

و إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العالم بالنجاسة بين العالم بالحكم و عدمه،فعليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

أمّا الأوّل فلعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فعليه الإتيان مع إمكانه، و الجهل غير موجب للإتيان كذلك و إن سلّم القول بمعذوريته،بمعنى عدم توجه الخطاب إليه حين جهله و عدم مؤاخذته،إلاّ أن ذلك لا يوجب الإتيان بما أمر به.

و منه يعلم الوجه في الثاني بعد ملاحظة ما دلّ على عموم وجوب قضاء

ص:117


1- الصدوق في الفقيه 1:43،ابن حمزة في الوسيلة:77،المقنعة:70.
2- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:383،الشهيد الثاني في روض الجنان:168،المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:342.
3- التهذيب 1:739/255،الاستبصار 1:610/175،الوسائل 3:430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

الفوائت؛لصدق الفوت بمخالفته المأمور به في غير مورد الرخصة بالضرورة، و لذا صرّح(هنا) (1)جماعة (2)بأن الجاهل بالحكم كالعامد.

و لو علم بها قبل الصلاة إلاّ أنه نسي إزالتها في حال الاشتغال ب الصلاة فروايتان مختلفتان (3)،باختلافهما اختلف الأصحاب،فبين من أوجب الإعادة مطلقا وقتا و خارجا (4)،و من خصّه بالأول خاصة (5)،و من نفاه مطلقا حاكما بالاستحباب (6).

و لكن الأظهر و هو أشهرهما أن عليه الإعادة وقتا و خارجا،بل عن الحلّي و ابن زهرة العلوي و شرح الجمل للقاضي:الإجماع عليه (7).و هو الحجة،كالنصوص المستفيضة الآمرة على الإطلاق بالإعادة (8)الصادقة في العرف و العادة على القضاء البتة.

مع أن فيها ما هو ناصّ بالشمول له بالضرورة،كالصحيح المروي عن قرب الإسناد و كتاب المسائل لعلي بن جعفر،عن أخيه موسى عليهما السلام:

عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم،فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟قال:«و إن كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقض منه شيئا،و إن كان رآه و قد صلى فليعتدّ بتلك الصلاة» (9).

و هذه الأخبار-مع كثرتها و استفاضة الصحاح منها و صراحة بعضها

ص:118


1- ليست في«ش».
2- منهم العلامة في المنتهى 1:183،و البحراني في الحدائق 5:408.
3- انظر الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42.
4- كالشيخ في النهاية:52،و الشهيد الثاني في روض الجنان:169.
5- كالشيخ في الاستبصار 1:184،و العلاّمة في الإرشاد 1:240.
6- كالمحقق في المعتبر 1:441،و صاحب المدارك 2:348.
7- الحلي في السرائر 1:183،271،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555،شرح الجمل:75-76.
8- انظر الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42.
9- قرب الإسناد:810/208،الوسائل 3:477 أبواب النجاسات ب 40 ح 10.

و اعتضادها بعمل أكثر الأصحاب و الإجماع المحكي-موافقة للأصل المتقدم في عدم معذورية الجاهل،إذ غاية النسيان رفع المؤاخذة،و عليه يحمل حديث رفع القلم،لا إيجابه الموافقة للمأمور به،لمخالفته له قطعا.

فما ربما يدّعى من أوفقية القول بعدم وجوب الإعادة على الإطلاق-كما عن المعتبر و اختاره بعض من تأخر (1)-للأصل و الحديث المتقدم ليس في محلّه،كالاستناد له بالصحيح:عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله،أ يعيد الصلاة؟قال:«لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» (2).

فإنه لوحدته و ندرة القائل به مع حكم الشيخ (3)بشذوذه و مخالفته الأصل لا يمكن أن يعترض به الأخبار المتقدمة،مع ما هي عليه من المرجحات المسطورة التي أعظمها الكثرة و الشهرة العظيمة،بل الإجماع كما حكاه بعض الأجلة (4)،و اعتضده خلو كلمات القدماء عن الفتوى به بالمرة،بل و تصريحهم بخلافه في المسألة،و إنما نشأ القول به عن زمان المعتبر و بعض من تأخر.

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول.كالقول بالتفصيل و إن استند له بالجمع بين النصوص المطلقة في الجانبين،بحمل الأوّلة على الإعادة في الوقت و الصحيحة المتقدمة على الإعادة في الخارج،فإنه مع كونه فرع التكافؤ لما مرّ و ليس،لا يلائمه الصحيح المتقدم عن قرب الإسناد،لصراحته في وجوب القضاء.

و قريب منه الحسن:«و إن كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار درهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلوات كثيرة،فأعد ما صلّيت فيه» (5).

ص:119


1- راجع ص:113.
2- التهذيب 1:1345/423،الاستبصار 1:642/183،الوسائل 3:480 أبواب النجاسات ب 42 ح 3.
3- التهذيب 2:360.
4- راجع ص 113.
5- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

فإنّ الظاهر أن المراد بالكثيرة هنا ما يزيد على صلاتي الفريضة بل و الخمس المفروضة.و الحمل على النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب،و ليس في النافلة بالضرورة.

و بالجملة:ظهور شمول الرواية لصورة القضاء مما لا يحوم حوله مناقشة.

هذا مضافا إلى عدم الشاهد على هذا الجمع،عدا رواية (1)هي مع إضمارها و كونها مجملة غير واضحة الدلالة،فلا يكافئ شيئا ممّا مرّ من الأدلة،و مع ذلك لم نجد القائل به سوى الشيخ في الاستبصار (2)،و قد رجع عنه كما حكاه الحلّي (3)،و لذا ادعى الإجماع على خلافه،هذا مع أن نسبة القول إليه في الكتاب المسطور محل مناقشة ،و كيف كان فالقول به ضعيف البتة.

و لو لم يعلم بالنجاسة المزبورة إلى أن صلّى و خرج الوقت ثمَّ علم بها فلا قضاء عليه على الأشهر الأظهر،بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر و المهذّب (4)،و هو ظاهر الذكرى (5).و هو الحجّة فيه،مضافا إلى إطلاق النصوص الآتية أو فحواها،و بهما يخص الأصالة المتقدمة في عدم معذورية جاهل المسألة.

و هل عليه أن يعيد إذا علم بها بعد الفراغ مع بقاء الوقت؟فيه قولان،أشبههما و أشهرهما أنه لا يجب عليه إعادة للصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة،ففي الصحيح:عن رجل صلّى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم،قال:«قد مضت صلاته و لا شيء

ص:120


1- التهذيب 1:1355/426،الاستبصار 1:643/184،الوسائل 3:479 أبواب النجاسات ب 42 ح 1.
2- الاستبصار 1:184.
3- السرائر 1:183.
4- الغنية(الجوامع الفقهية):555،السرائر 1:183،المهذّب البارع 1:246.
5- الذكرى:17.

عليه» (1).

خلافا للمبسوط فأوجب الإعادة (2)،و لا مستند له من الرواية و غيرها،عدا وجه اعتباري لا يعترض به الأخبار المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة و الشهرة العظيمة،و تخص بها الأصالة المتقدمة لو تمسّك بها،مع أنّ مقتضاها إطلاق لزوم الإعادة و لو خارج الوقت.و تخصيصه إياها بالإضافة إليه خاصة بإجماع الطائفة و الأخذ فيما عداه بمقتضاها حسن إن صحّ الإجماع عنده و ليس،كيف لا؟!و هو قد حكى الخلاف من الأصحاب في الخارج (3)مؤذنا بعدم الإجماع عليه،هذا.

و لو سلّم يقال:فكما تخصّص الأصالة في الخارج بإجماع الطائفة تخصّص في الوقت بما مرّ من المستفيضة التي لا وجه لردّها.

نعم:استدل له (4)بالخبرين،أحدهما الصحيح:في الجنابة تصيب الثوب و لم يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمَّ يعلم بعد (5)،قال:«يعيد إذا لم يكن علم» (6).

و الثاني الخبر:عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة،فقال:علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (7).

و هما-مع قصور سند الثاني منهما،و قرب احتمال سقوط حرف النفي

ص:121


1- الكافي 3:6/405،التهذيب 2:1489/360،الاستبصار 1:634/181،الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
2- المبسوط 1:38.
3- و هو في الخلاف 1:478.
4- كما في كشف اللثام 1:41.
5- في«ح»:بعدها،و في المصادر:بعد ذلك.
6- التهذيب 2:1491/360،الاستبصار 1:635/181،الوسائل 3:476 أبواب النجاسات ب 40 ح 8.
7- التهذيب 2:792/202،الاستبصار 1:639/182،الوسائل 3:476 أبواب النجاسات ب 40 ح 9.

عن أوّلهما بملاحظة الشرط في ذيله-لا يعارضان ما سلف من الأخبار.مع أنه لم يقل بإطلاقهما الشامل لصورة القضاء.و الجمع بينهما و ما سبق بالتفصيل -كما قال به-فرع التكافؤ أوّلا،ثمَّ وجود الشاهد عليه ثانيا،و ليس هنا قطعا، فطرحهما أو حملهما على الاستحباب أو غيره متعيّن جدا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق أكثر النصوص و كلمات أكثر الأصحاب:انسحاب الحكم في صور الجهل بالنجاسة قبل الصلاة من دون مظنة بها أو معها مطلقا، اجتهد في الفحص عنها حينئذ أم لا.و هو الأقوى.

خلافا لشيخنا في الذكرى (1)-تبعا للمحكي عن جماعة من أصحابنا كالصدوق و الشيخين (2)-فخصّ الحكم بالجهل الساذج أو الظن مع الاجتهاد، و أوجب فيما عداهما الإعادة مطلقا،عملا بظاهر بعض الأخبار،كالصحيح:

«إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذا البول» (3)الدالّ بمفهومه المعتبر على الإعادة مع عدم الاجتهاد و النظر.

و نحوه المرسل (4).

و أظهر منهما الخبر:عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلّى،فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة،فقال:«الحمد للّه الذي لم يدع شيئا إلاّ و قد جعل له حدّا،إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه،و إن كان[حين]قام لم ينظر فعليه الإعادة» (5).

و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر،لقصور الجميع عن المقاومة لما مرّ،مع قصور سند ما عدا الأوّل،و مخالفتها لما وقع النهي فيه عن الفحص و السؤال و جواز الاتكال على أصالة الطهارة إلى أن يعلم الحال،بناء على

ص:122


1- الذكرى:17.
2- الصدوق في الفقيه 1:42،المفيد في المقنعة:149،الطوسي في التهذيب 2:202.
3- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 2.
4- الفقيه 1:167/42،الوسائل 3:478 أبواب النجاسات ب 41 ح 4.
5- الكافي 3:7/406،التهذيب 1:1346/424،الاستبصار 1:640/182،الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.

ظهورها في مطلوبية السؤال.فتأمل.

و لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة مع عدم العلم بها قبلها أعادها مع العلم بسبقها مطلقا،أمكنه إزالتها أم لا،وفاقا لجماعة من أصحابنا (1)، للصحاح،منها:إن رأيته-أي المني-في ثوبي و أنا في الصلاة،قال:«تنقض الصلاة» (2).

و منها:«إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة» (3).

و منها:في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به،قال:«عليه أن يبتدئ الصلاة»الخبر (4).

و لا يعارضها الحسن:«إن رأيته-أي الدم-و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ،و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك» (5).

لقصور سنده عن المقاومة لما مرّ أوّلا.و عدم وضوح دلالته ثانيا،أمّا أوّلا فلعدم التصريح فيه بالعلم بالسبق فيحتمل اختصاص الحكم بغيره،و وجوب الاستئناف فيه،كما يعرب عن الأمرين الصحيح الأول حيث قال فيه بعد ما مرّ:

«و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمَّ رأيته،و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة،لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك».

و أمّا ثانيا فلتضمنه ما لا يقول به أحد،من حيث الحكم بعدم الإعادة مع

ص:123


1- منهم الكاشاني في المفاتيح 1:106،و جعلها في المدارك 2:352 أولى.
2- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:482 أبواب النجاسات ب 44 ح 1.
3- التهذيب 1:730/252،الوسائل 3:424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
4- الكافي 3:6/405،التهذيب 2:1489/360،الاستبصار 1:634/181،الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
5- الكافي 3:3/59،الفقيه 1:758/161،التهذيب 1:736/254،الاستبصار 1: 609/175،الوسائل 3:431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

عدم إمكان تبديل الساتر على الإطلاق الشامل لما إذا كان له ساتر آخر أم لا لكن هذا على النسخة المزبورة المروية في التهذيب.

و أمّا على الأخرى المروية في الكافي و الفقيه المتضمنة-زيادة على ما مرّ-لقوله:«ما لم يزد على مقدار الدرهم،فإن كان أقلّ من درهم فليس بشيء رأيته أو لم تره» (1)فهو بمفهومه ظاهر الدلالة على الإعادة فيما زاد على الدرهم البتة.

و على هذه النسخة لا دلالة في الرواية على ما يتوهم منها من جواز المضي في الصلاة مع عدم إمكان ساتر آخر،و عدم لزوم الإعادة،فأخذها حجة على ذلك ليس في محلّه.كأخذ الصحيح له مطلقا و لو مع إمكان الساتر:عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع؟قال:«إن كان دخل في صلاته فليمض،و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه،إلاّ أن يكون أثر فيه فيغسله» (2).

لاحتماله-مع عدم القائل بإطلاقه-اختصاص الحكم بالمضي فيه بموجب النضح خاصة الذي ليس بنجاسة،و قد صرّح به بل و ظهوره من سياق الرواية جماعة (3).

كلّ ذا مع العلم بالسبق.و أما مع العدم و احتمال الحدوث في الأثناء أزالها و أتم الصلاة أو طرح عنه ما هي فيه،إلاّ أن يفتقر ذلك أي كلّ من الإزالة و الطرح إلى ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو استدبار قبلة أو تكلّم أو نحو ذلك فيبطلها حينئذ،بلا خلاف أجده فيهما،و إن حكي القول بلزوم

ص:124


1- لا يخفى أنّ هذه الزيادة موجودة في الاستبصار المطبوع أيضا،و أما في التهذيب المطبوع فقد وردت هكذا:«و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء رأيته أو لم تره».
2- الكافي 3:6/61،التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:184،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:348،349، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:42،و صاحب الحدائق 5:431.

الإعادة على الإطلاق عن المعتبر (1)،بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل بالنجاسة،لكن المحكي عنه في المبسوط و النهاية (2)هو التفصيل الذي تضمنته العبارة،مع أنه ناقش في البناء جماعة (3).

و كيف كان فالتفصيل أقرب،استنادا في المضي مع إمكان الإزالة بدون مبطل بالصحيح الأول المتقدم في الصورة السابقة،كالحسنة المتقدمة ثمة، و إطلاقها مقيد بما مضى من الأدلة،و الصحيح:عن الرجل يأخذه الرعاف و القيء في الصلاة كيف يصنع؟قال:«ينتقل فيغسل أنفه و يعود في صلاته،و إن تكلّم فليعد صلاته و ليس عليه وضوء» (4).

و نحوه الصحيح الآخر (5).

و هما و إن أطلقا البناء مع عدم الكلام،إلاّ أنه خرج منهما ما إذا استلزم الإزالة الفعل الكثير و نحوه من المبطلات بالإجماع،و بقي الباقي،و هو الحجّة في الاستئناف مع توقف الإزالة أو الطرح على المنافي كمفهوم الصحيح في الجملة،و فيه:«لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها» (6).

ثمَّ المستفاد من إطلاق العبارة-و عليه حكي الشهرة (7)-انسحاب التفصيل في الصورة السابقة و هي العلم بتقدم النجاسة.

و لعلّ المستند فيه:إطلاق الحسنة،و فحوى النصوص المتقدمة الحاكمة بعدم الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها بعد الفراغ من الصلاة،لأولوية

ص:125


1- المعتبر 1:443.
2- المبسوط 1:38،90،النهاية:96.
3- كصاحب المدارك 2:351،و السبزواري في الذخيرة:168.
4- الكافي 3:9/365،التهذيب 2:1323/323،الاستبصار 1:1536/403،الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.
5- التهذيب 2:1302/318،الوسائل 7:240 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 9.
6- التهذيب 2:1344/327،الوسائل 7:241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.
7- الحدائق 5:426.

المعذورية في البعض مع إمكان تدارك الباقي بالطهارة من المعذورية في مجموع العبادة.

و هو حسن لو لا ما قدّمناه من الصحاح الآمرة بالإعادة في الصورة السابقة، سيّما الأول منها،لصراحتها-كما مضى-في الفرق بين الصورتين،و لزوم الإعادة في الأولى دون الثانية،و بها يعدل عن الأولوية،و يصرف إطلاق الحسنة إلى هذه الصورة و هي عدم العلم بسبق النجاسة،و بما ذكرنا تجتمع أخبار المسألة.

بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة و الاستئناف.فإطلاق النصوص بالأمرين-كإطلاق العبارة و كلام جماعة-يشمل هذه الصورة،كما ذكره بعض الأجلّة (1).

و للفقير فيه مناقشة،لكونها من الأفراد النادرة الغير المنصرف إليها الإطلاقات البتة،فلا يمكن اتخاذ الإطلاق (2)حجة لإطلاق الإعادة و لو في هذه الصورة.

مع أن الأدلة على وجوب الصلاة في أوقاتها المعيّنة قطعية،و اشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم البتة،بل الظاهر من الاستقراء و وجدان العفو عن كثير من الواجبات الركنية و غيرها لأجل تحصيل العبادة في وقتها عدم الاشتراط بهذا الوجه بالضرورة.

فعدم الإعادة في هذه الصورة لازم البتة،وفاقا لجماعة (3).

و عليها يحمل إطلاق بعض المعتبرة كالخبرين،في أحدهما:في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما،قال:«يتم» (4).

ص:126


1- المدارك 2:354.
2- في«ح»:الإطلاقات.
3- منهم الشهيد الأول في البيان:96،و الشهيد الثاني في روض الجنان:169،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 1:348،و انظر الحدائق 5:435.
4- التهذيب 1:1344/423،الوسائل 3:483 أبواب النجاسات ب 44 ح 2.

و في الثاني المروي في مستطرفات السرائر،عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب،عن ابن سنان،عن مولانا الصادق عليه السلام قال:«إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك،فإذا انصرفت فاغسله»قال:«و إن رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» (1)فتأمل .

و يستفاد منه وجوب الإعادة مطلقا إذا رآها في الأثناء (2)في صورة النسيان،و عليه تدل جملة من الأخبار،كالصحيح:عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء،قال:«ينصرف و يستنجي و يعيد الصلاة» الخبر (3).

و في الموثق:عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلّي، قال:«يعيد الصلاة كي يهتم بالشيء إذا كان في الثوب عقوبة لنسيانه» (4).

و لعموم التعليل فيه يتعدى إلى ما نحن فيه.

و ليس في النصوص السابقة ما ينافي الحكم في هذه الصورة،لظهورها في صورة الجهل بالنجاسة و العلم بها في الأثناء خاصة،بل و ربما دلّت الأخبار بالإعادة في صورة الجهل بالنجاسة مع العلم بسبقها بعد المعرفة بها في الأثناء على الحكم هنا بالعموم أو الفحوى،كما لا يخفى.

الثامن المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم و الليلة مرة

الثامن:

المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم و الليلة مرة على الأظهر الأشهر بين الطائفة،لرواية قصور سندها منجبر بالشهرة،و فيها:عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد و لها مولود فيبول عليها

ص:127


1- مستطرفات السرائر:13/81،الوسائل 3:483 أبواب النجاسات ب 44 ح 3.
2- في«ل»و«ح»زيادة:مطلقا.
3- التهذيب 1:145/50،الاستبصار 1:161/55،الوسائل 1:318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 4.
4- التهذيب 1:738/254،الوسائل 3:480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

كيف تصنع؟قال:«تغسل القميص في اليوم مرة» (1).

و بها يخص الأصل و القاعدة.

إلاّ أن اللازم الاقتصار على المتيقن من موردها،و هو الصبي خاصة، للشك في إرادة الصبية من المولود و إن كان مطلقا،لعدم التبادر،مع حصول الفرق بين بوليهما فيكتفي بالصب في بوله دونها.و لعلّه لذا اقتصر عليه في العبارة و كلام جماعة (2)،بل حكى عليه الأكثرية بعض الأجلّة (3).

و أظهر منه الاقتصار على البول خاصة،كيف لا؟!و هو عين مورد الرواية،لا يحتمل الغائط بحسب الحقيقة.و احتمال الإرادة مجازا محتاج إلى القرينة الصارفة،و ليست.و عدم تعقل الفرق مدفوع بوجوده في الشريعة، للاكتفاء بالصبّ في البول خاصة.

و نحوه الكلام في التعدي إلى المربي (4)،و ذات الولدين (5)،و البدن (6)، و غير ذلك من التعديات (7)،التي ذهب إلى كل منها قائل،التفاتا إمّا إلى عدم تعقل الفرق،أو إلى الاشتراك في وجه الحكمة،و هو المشقة بتكرار الغسل و الإزالة.

و المناقشة فيهما واضحة:

أمّا في الأول فقد تقدّمت إليه الإشارة،مضافا إلى عدم الملازمة بين عدم التعقل و عدم الفرق،كيف لا؟!و أحكام الشرع تعبدية مبنية على جمع

ص:128


1- الفقيه 1:161/41،التهذيب 1:719/250،الوسائل 3:399 أبواب النجاسات ب 4 ح 1.
2- منهم الشيخ في النهاية:55،المحقق في المعتبر 1:444،العلامة في نهاية الإحكام 1: 288.
3- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:55.
4- القواعد 1:8،الدروس:1:127.
5- كشف اللثام 1:54.
6- نقله عن بعض من تأخّر في معالم الفقه:308.
7- روض الجنان:167.معالم الفقه:307.

المختلفات و تفريق المتماثلات.

و أما في الثاني فلأنه علة مستنبطة،و لا ريب في التعدية مع حصولها، كيف لا؟!و لا عسر و لا حرج في الشريعة،و لكن تتقدّر الرخصة بقدرها،و لا دخل لها بمورد الرواية و لا خصوص اليوم و الليلة،و لا معنى حينئذ للتعدية،و إنما الكلام في التعدية مع عدمها و إثبات الحكم في الرواية لما عدا موردها،و ليس فيما ذكر عليه دلالة.

ثمَّ إن إطلاق العبارة و الرواية يقتضي جواز الإتيان بالغسل مرة في أيّ وقت شاء من يوم أو ليلة.

إلاّ أن المصرّح به في كلام جماعة (1)أفضلية الإتيان به في آخر النهار، مقدّمة له على الظهر،آتية بعده بالأربع صلوات طاهرات.

و لا ريب فيها،بل ربما احتمل الوجوب (2).و يدفعه إطلاق النص و كلام الأصحاب،إلاّ أنه أحوط.

التاسع من لم يتمكن من تطهير ثوبه ألقاه و صلّى عريانا

التاسع:

من لم يتمكن من تطهير ثوبه و لا تبديله ألقاه و صلّى عريانا وجوبا عينيا على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الخلاف (3)،و هو الحجة فيه، كروايات ثلاث (4)منجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة،بل و إجماع الطائفة عليها في الجملة،فإنهم ما بين موجب للعمل بها،و مخيّر بينه و بين ما يأتي من الصحاح،و يستفاد من ذلك الإجماع على الرضا بالعمل بها،و قد صرّح به شيخنا في المنتهى (5).

ص:129


1- منهم العلامة في المنتهى 1:176،الشهيد الأول في البيان:95.الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:55.
2- التذكرة 1:98.
3- الخلاف 1:398،474.
4- الوسائل 3:486 أبواب النجاسات ب 46 الأحاديث 1،3،4.
5- المنتهى 1:182.

مع أن فيها الموثق:عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلاّ ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء،كيف يصنع؟قال:«يتيمم و يصلي عريانا قاعدا و يومئ» (1).

خلافا لمن شذّ ممن تأخر (2)،فأوجب العمل بما في الصحاح المستفيضة:

منها:عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه، أ يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟فقال:«إن وجد ماء غسله،و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا» (3).

التفاتا إلى عدم مقاومة ما مرّ من الأخبار لها سندا و عددا و اعتبارا،من حيث أوفقية هذه بالمرجحات للصلاة في الثوب على الصلاة عريانا بالاشتمال على الستر و القيام و استيفاء الأفعال.

و فيه نظر:فإنّ شيئا من ذلك لا يكافئ الشهرة المعتضدة بالإجماع المحكي بل الحقيقي،كما عرفت و ادّعي،و لذا لم يجرأ (4)جماعة ممّن ديدنهم طرح الأخبار القاصرة الأسانيد و قصرهم العمل بالصحيح على طرح تلك و الأخذ بهذه،و حاولوا الجمع بينهما بالعمل بالتخيير (5).

و هو حسن لو تساويا في الرجحان،و هو محل كلام،سيّما مع قصور الأخيرة عن الصراحة،و إنما غايتها الإطلاق،و يحتمل الحمل على الضرورة، كما هو الغالب،و قد ارتكبه شيخ الطائفة (6).

ص:130


1- الكافي 3:15/396،التهذيب 2:881/223،الوسائل 3:486 أبواب النجاسات ب 46 ح 1.
2- معالم الفقه:312.
3- التهذيب 2:884/224،الاستبصار 1:585/169،الوسائل 3:484 أبواب النجاسات ب 45 ح 5.
4- في«ش»و«ل»:لم يجسر.
5- المختلف:62،الدروس 1:127،جامع المقاصد 1:177.
6- كما في الاستبصار 1:169.

و كيف كان:فالأحوط الجمع بينهما في العمل إن أمكن،و إلاّ فيتعين الأول.

و أما لو منعه مانع من التعرّي من برد و نحوه صلّى فيه قولا واحدا،عملا بإطلاق الصحاح المتقدمة الشاملة لهذه الصورة بالضرورة، و التفاتا إلى خصوص الرواية:عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره،قال:«يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» (1).

و لكن في الإعادة مع التمكن من الطهارة قولان،أشبههما أنه لا إعادة و هو الأشهر بين الطائفة،استنادا إلى أصالة البراءة و ظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام الحاجة،مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة،من دون تعرض لإعادة الصلاة بالمرة.

خلافا للنهاية و جماعة (2)فأوجبوها،للموثق:عن رجل ليس معه إلاّ ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله،كيف يصنع؟قال:«يتيمم و يصلّي،فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» (3).

و هو أحوط.

العاشر إذا جففت الشمس البول أو غيره عن الأرض و البواري و الحصر جازت الصلاة عليه

العاشر:

إذا جففت الشمس (4)عينها بالإشراق البول أو غيره من النجاسات الزائلة عينها بها عن الأرض و البواري و الحصر بل كل ما لا ينقل جازت الصلاة عليه مع اليبوسة المانعة عن السراية إجماعا،و مطلقا على الأظهر،بناء على الطهارة كما هو الأشهر بين الطائفة،بل عليه الإجماع في

ص:131


1- التهذيب 2:883/224،الاستبصار 1:584/169،الوسائل 3:485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7.
2- النهاية:55،و نسبه في المدارك 2:362 إلى جمع من الأصحاب.
3- التهذيب 1:886/224،الاستبصار 1:587/169،الوسائل 3:485 أبواب النجاسات ب 45 ح 8.
4- في المختصر المطبوع:الشمس إذا جففت..

خصوص البول و الأمور الثلاثة في العبارة عن الخلاف (1)،و عن الحلّي،لكن في تطهير الشمس في الجملة (2).

و الأصل في الطهارة بعد حكايات الإجماع المزبورة:خصوص المعتبرة،منها الصحيح:عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي أصلّي فيه،فقال:«إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (3).

و حمل الطهارة على النظافة دون المعنى المتشرعة يأباه سياق الرواية.

و اختصاصها بالبول و الأرض خاصة غير قادح بعد التمامية في الثاني بعدم القائل بالفرق بينه و بين أخويه،و في الأمرين بعموم المعتبرة،منها الرضوي:«ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شيء من النجاسات مثل البول و غيره طهّرتها،و أما الثياب فإنها لا تطهّر إلاّ بالغسل» (4).

و الخبر الذي قصور سنده بالشهرة قد انجبر:«ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» (5).

و هما و إن عمّا ما ينقل حتى الثياب في الثاني،و ما عداها في الأول،إلاّ أنهما مخصّصان بما وقع على إخراجه الإجماع.

و قريب منهما الموثق:عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر،قال:لا تصلّ عليه و اعلم الموضع حتى تغسله»و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟قال:«إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك و أصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة،و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس،و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك

ص:132


1- الخلاف 1:495.
2- السرائر 1:182.
3- الفقيه 1:732/157،الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.
4- فقه الرضا(عليه السلام):303،المستدرك 2:574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.
5- التهذيب 1:804/273،الاستبصار 1:677/193،الوسائل 3:452 أبواب النجاسات ب 29 ح 5.

ما يصيب ذلك الموضع فلا تصلّ على ذلك الموضع القذر،و إن كان عين الشمس (1)أصابه حتى يبس فإنه لا يجوز» (2).

و المناقشة في دلالتها أوّلا:بعدم التصريح فيها بالطهارة،إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليها الأعم منها و من العفو عن النجاسة في الصلاة خاصة كما قال به جماعة (3)،و ثانيا:بظهور الذيل في بقاء النجاسة،للتصريح بعدم الجواز مع إصابة عين الشمس لها.

مدفوعة:أما الأولى:فبعدم الحاجة إلى التصريح بعد الظهور من وجوه عديدة تظهر من سياق الرواية:

أحدها:السؤال عن الطهارة،و مراعاة المطابقة بين السؤال و الجواب تلازمها البتة.

و ثانيها:النهي فيه عن الصلاة في الأرض الجافة بغير الشمس ثمَّ الأمر بعده بإعلام الموضع للغسل و الإزالة،مع التصريح بجواز الصلاة في الجافة بها من دون أمر فيه بما أمر في السابق،و هو ظاهر في الطهارة،و إلاّ لأمر بالإعلام للغسل كما في الصورة السابقة.

و ثالثها:الحكم بجواز الصلاة كالصريح في الطهارة بعد ملاحظة الإجماعات المحكية المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة على اشتراط الطهارة في موضع السجدة،و به تنادي أيضا الصحيحة السابقة حيث عقّب فيها الأمر بالصلاة بجملة«فهو طاهر»التي هي إمّا كالعلّة للحكم المحكوم به في الجملة السابقة،أو كالفرع له الملازم لدلالته على الطهارة،و إلاّ لما توجّه التفريع عليه بالمرة.

و منه ينقدح وجه القدح في دعوى الأعمية في الحكم بجواز الصلاة من

ص:133


1- في بعض نسخ التهذيب:«غير الشمس»كما سيشير إليه المصنف.
2- التهذيب 1:802/272،الاستبصار 1:675/193،الوسائل 3:452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
3- نقله عن الراوندي في المختلف:61،و مال إليه المحقق في المعتبر 1:445،و البهائي في الحبل المتين:125،و الكاشاني في المفاتيح 1:80.

الطهارة و احتمال كون الوجه فيه هو العفو عن النجاسة،كما حكي عن الجماعة.

مضافا إلى انقداح وجه آخر لفساد احتمال العفو،من إطلاق الحكم بالجواز من دون اشتراط عدم الرطوبة الموجبة للسراية،كما اشترطه هؤلاء الجماعة،فالإطلاق وجه آخر للدلالة على الطهارة.

و أما الثانية:فلتوقفها-بعد تسليمها-على النسخة المتقدمة،و هي معارضة بنسخة اخرى مبدّلة للعين بالغير،الظاهرة في الطهارة،مع اعتضادها بتذكير الضمير في الإصابة،و مع ذلك فليس شيء منهما في(بعض) (1)نسخ التهذيب في باب الزيادات بمروية (2).

هذا مع إمكان تتميم الدلالة أيضا على النسخة السابقة بنوع من التوجيهات القريبة.

و بالجملة:دلالة الرواية-كسابقتها-على الطهارة واضحة،مع التأيد بظواهر إطلاق الصحاح المجوّزة للصلاة على الأراضي اليابسة (3)،الخارجة منها اليابسة بغير الشمس بدلالة خارجية،و يكون ما نحن فيه مندرجا فيها البتة، و العام المخصّص في الباقي مسلّم الحجية عند الطائفة.

مضافا إلى الاعتضاد بمعاضدات أخر،كالخبر:«حقّ على اللّه تعالى أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها بالشمس ليطهّرها» (4).

هذا مع أن بقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة من الأشياء المذكورة في العبارة و نحوها-ممّا لم يقطع ببقاء النجاسة فيها بعد زوال العين منها بها-يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،كيف لا؟!و لا آية و لا رواية سوى الموثقة المختص الأمر فيها بالغسل بالأرض المخصوصة،اليابسة بغير الشمس،المنعقد على وجوب الإزالة فيها إجماع الطائفة.

و كذا الإجماع،كيف؟!و لا ينعقد و لا تسمع دعواه في مثل محل النزاع.

ص:134


1- ليست في«ش».
2- التهذيب 2:1548/372.
3- انظر الوسائل 3:451 أبواب النجاسات ب 29.
4- الكافي 2:18/272،الوسائل 15:306 أبواب جهاد النفس ب 41 ح 2.

و الاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هنا فمقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة.و هو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل،و ليس،كيف لا؟!و الأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي،و لا وجه لترجيح الأول عليه بل هو به أولى،كيف لا؟!و الأصل طهارة الأشياء المسلّم بين العلماء و دلّت عليه أخبارنا،ففي بعضها:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (1)و لا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين و تساقطهما من البين،فلا مخصّص للأصالة المزبورة هنا.فتأمل جدا .

و لو لا في المسألة من الأدلة سواها لكفانا الأخذ بها،و ما أحوجنا شيء إلى الاشتغال بغيرها.

و منها يظهر وجه تعميم الطهارة لكل ما وقع فيه الخلاف من نجاسة و أمكنة،مضافا إلى عموم بعض المعتبرة المتقدمة،و إن اختلف الأصحاب فيه بالإضافة إلى الأمرين إلى أقوال متعددة و آراء متكثرة،لكنها كملا-عدا ما وافق التعميم-في الضعف مشتركة.

و أضعف منها القول ببقاء النجاسة و ثبوت العفو عنها في الصلاة عليها مع اليبوسة خاصة،كما مرّت الإشارة إلى حكايته عن جماعة (2).

نعم:هنا رواية صحيحة ربما أوهمت المصير إلى ما عليه هؤلاء الجماعة،و فيها:عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء؟قال:«كيف يطهّر من غير ماء» (3).

و هي مع وحدتها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة،و مع هذا محتملة لمحامل قريبة لا مندوحة عنها في الجمع بين الأدلة و لو كانت في التقدير بعيدة، و أقربها الحمل على التقية،لموافقتها مذهب جماعة من العامة كما حكاه بعض

ص:135


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4،و انظر المستدرك 2:583 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.
2- راجع ص 128.
3- التهذيب 1:805/273،الاستبصار 1:678/193،الوسائل 3:453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

الأجلة (1).

هذا مع اقتضاء عدم الطهارة بإشراق الشمس العسر و الحرج المنفيين آية (2)و رواية (3)،مع منافاته الملّة السهلة السمحة،مع إطباق الناس كافة في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن أمثالها بالماء،و الاكتفاء بالتطهير بالشمس خاصة فيما عدا الأمور المنقولة في أيّ نجاسة.فلا ريب في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

و هل تطهّر النار ما أحالته (4)رمادا أو دخانا؟ الأشبه نعم و هو الأشهر،بل عليه الإجماع في دخان الأعيان النجسة كما عن المنتهى و التذكرة (5)،و رمادها كما عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط (6)،و فيهما معا كما عن السرائر (7)،و هو الأصل.

مضافا إلى أصالة الطهارة السالمة عمّا يعارضها من الأدلة،سوى استصحاب النجاسة،و هو مع عدم كون المقام محلّه اتفاقا معارض بمثله في طرف الملاقي،و قد مرّ إلى نظيره الإشارة (8).مع أن الأحكام الشرعية تابعة للأسماء الزائلة بالاستحالة.

و منه ينقدح الوجه في طهارة كل ما وقع فيه الاستحالة،بنار كانت أو غيرها.

و من الأدلة في المسألة:الخبران،في أحدهما الصحيح:عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصّص به المسجد،أ يسجد عليه؟فكتب

ص:136


1- انظر الذخيرة:171،الوسائل 3:453.
2- البقرة:185،الحج:78.
3- عوالي اللئالي 1:5/381،و انظر الوسائل 14:155 أبواب الذبح ب 39 ح 4،6.
4- في المختصر المطبوع:و هل تطهّر[أي الشمس]؟الأشبه نعم،و النار ما أحالته.
5- المنتهى 1:180،التذكرة 1:8.
6- الخلاف 1:499،المبسوط 6:283.
7- السرائر 3:121.
8- راجع ص 130.

إليه بخطّه:«إن الماء و النار قد طهّراه» (1).

و في الثاني المروي في قرب الإسناد،عن علي بن جعفر،عن أخيه عليه السلام:عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح أن يجصّص به المسجد؟قال:

«لا بأس» (2).

و المناقشة في دلالتهما واهية،كيف لا؟!و هما صريحتا الدلالة على جواز تجصيص المسجد(الممنوع من أن يدخل عليه مثل هذه النجاسة بإجماع الطائفة) (3)بالجصّ-المسؤول عنه في الرواية-مع كونه مختلطا برماد العذرة البتة.و هو الوجه في دلالة الرواية،لا ما توهّم منه و أوردت به المناقشة.

و بالجملة:لا ريب في الطهارة.

خلافا للمبسوط في دخان الأعيان النجسة (4)،لوجه اعتباري مدفوع بما قدّمناه من الأدلة.

و للماتن في الشرائع في كتاب الأطعمة حيث تردّد على الإطلاق في الطهارة (5).و المناقشة فيه بعد ما مرّ واضحة.

ثمَّ إن من أصالة الطهارة المؤسّسة هنا و في المسألة السابقة يظهر وجه القوة في القول بالطهارة في كل ما وقع الخلاف في ثبوتها فيه من الأشياء المستحيلة استحالة لا يقطع معها بالخروج عن الأسماء السابقة،كصيرورة الأرض النجسة آجرا أو خزفا أو نورة أو جصّا،و العود النجس فحما،و نحو ذلك.

لكن ربما يعتضد في ترجيح استصحاب النجاسة باستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة،الغير الحاصلة بالصلاة عليها أو مع ما لاقاها من الثياب

ص:137


1- الكافي 3:3/330،الفقيه 1:829/175،التهذيب 2:928/235،الوسائل 3:527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
2- قرب الإسناد:1147/290،الوسائل 5:291 أبواب أحكام المساجد ب 65 ح 2.
3- ما بين القوسين ليست في«ش».
4- المبسوط 6:283.
5- الشرائع 3:226.

المساورة لها بالرطوبة،فترجيحه بالإضافة إلى هذه الصورة،و الرجوع فيما عداها إلى أصالة الطهارة المستفادة من الأدلة العامة غير بعيد إن لم يكن مثله إحداث قول في المسألة.

و كيف كان:الأحوط مراعاة أصالة النجاسة البتة و إن كان القول بترجيح أصالة الطهارة مطلقا لا يخلو عن قوة حتى في العبادة،نظرا إلى أن أصالة بقاء شغل الذمة فيها مندفعة بعدم معلومية النجاسة،و به يحصل البراءة القطعية.كيف لا؟!و اشتراط الطهارة في الصلاة ليس اشتراطا للواقعية منها بل للظاهرية،بمعنى وجوب التنزه فيها عن معلوم النجاسة،فيرجع الشرط إلى عدم العلم بالنجاسة،و لذا في المصلّي معها جاهلا قلنا بالمعذورية،فالبراءة اليقينية بمجرد عدم العلم بالنجاسة حاصلة،فقد خلت عن المعارض-زائدا على أصالة النجاسة-أصالة الطهارة،و يجب الرجوع فيما تعارضا فيه إلى أصالة الطهارة العامة المستفادة من قوله عليه السلام في الموثقة:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»و أمثاله كثيرة.

و تطهّر الأرض بالمشي عليها أو الدلك بها مع يبوستها(مطلقا) (1)طاهرة كانت أم لا،كما عن جماعة من أصحابنا (2)،و استفيد من بعض أخبارنا (3)،أو مطلقا و لو كانت رطبة،كما هو مقتضى(إطلاق) (4)أكثر النصوص و الفتاوي.

باطن الخف و هو أسفله الملاصق لها و أسفل القدم مع زوال عين النجاسة بها إن كانت ذات عين،و إلاّ كفى مسمّى المشي عليها مطلقا.

ص:138


1- ليست في«ش».
2- منهم العلاّمة في نهاية الإحكام 1:291،و الشهيد الثاني في الروضة 1:66.
3- الكافي 3:5/39،مستطرفات السرائر:8/27،الوسائل 3:458،459 أبواب النجاسات ب 32 ح 3،9.
4- ليست في«ش».

و لا خلاف في أصل الحكم هنا في الجملة بين أصحابنا و إن اختلفوا فيما يطهّر بها:فبين مقتصر على الأمرين كما هنا،و مبدّل للأخير بالنعل كما عن العلاّمة (1)،و مزيد له عليهما كما هو الأشهر بين أصحابنا،بل ربما ادعي عليه وفاقنا (2)،و معمّم للثلاثة و غيرها مما يجعل للرجل وقاء كما عن الإسكافي (3).

و هو أقوى،وفاقا لبعض أصحابنا (4)،و اقتضاه التدبر في أخبارنا،نظرا إلى التعليل في المستفيض منها بأن الأرض يطهّر بعضها بعضا،هذا مضافا إلى الأصل الذي مضى مرارا،و إن كان الاقتصار على الثلاثة أحوط و أولى من دون تأمل فيها،للتصريح بها في الأخبار.

ففي النبويين:«إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب».كما في أحدهما (5).

و في الآخر بدل الخفّ:النعل (6).

و في الصحيح:رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه،و هل يجب عليه غسلها؟فقال:«لا يغسلها إلاّ أن يقذرها،و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلّي» (7).

و نحوه الصحيحان و في أحدهما:«لا بأس،إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» (8).

ص:139


1- المنتهى 1:178.
2- انظر المدارك 2:372.
3- على ما نقل عنه المحقق في المعتبر 1:447.
4- كالشهيد الثاني في روض الجنان:170،و المسالك 1:18،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:179،و صاحب الحدائق 5:455.
5- سنن أبي داود 1:386/105.
6- سنن أبي داود 1:385/105.
7- التهذيب 1:809/275،الوسائل 3:458 أبواب النجاسات ب 32 ح 7.
8- الكافي 3:2/38،الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 2.

و في الثاني:«لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك» (1).

و اشتراط هذا الشرط محكي عن الإسكافي (2).

خلافا للأكثر فلا،تبعا لإطلاق أكثر النصوص و الفتاوي،و التفاتا إلى قرب احتماله الحمل على الغالب.و هو أقوى،بل التدبر في الأخبار يقتضي الاكتفاء بالمسح بالأرض مطلقا و لو لم يكن هناك مشي أصلا.

و كيف كان:النصوص ما بين مصرّح بالقدم و عام له،إمّا بترك الاستفصال أو التعليل العام،فالتوقف فيه-كما عن التحرير و المنتهى (3)-ضعيف جدا.

و قد جمع بينهما المعتبر المروي في السرائر،مسندا عن مولانا الصادق عليه السلام،و فيه:مررت فيه-أي الزقاق القذر-و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته،فقال:«أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟«فقلت:بلى، قال:«لا بأس،إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» (4).

و في ظاهره-كما ترى-إشعار بل دلالة على اعتبار اليبوسة.

و نحوه الخبر:عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا،فقال:«أ ليس وراءه شيء جافّ؟»قلت:بلى،قال:

لا بأس،إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (5).

إلاّ أن في سنديهما قصورا مع عدم جابر لهما هنا،لإطباق أكثر النصوص و الفتاوي بالإطلاق جدا،مع اعتضاده بالأصل الذي مضى.فهو أقوى،إلاّ أن اعتبار الجفاف أحوط و أولى.

ص:140


1- الكافي 3:1/38،الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1.
2- حكاه عنه في الذكرى:15.
3- التحرير 1:25،المنتهى 1:179.
4- مستطرفات السرائر:8/27،الوسائل 3:459 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.
5- الكافي 3:5/39،الوسائل 3:458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

و نحوه الكلام في اعتبار الطهارة،بل هو أولى بالعدم،لعدم الإيماء إليه في النصوص أصلا،إلاّ ما ربما يتوهم من بعض الصحاح (1)،و ليس كذلك ظاهرا.

و قيل كما عن المبسوط و الخلاف و السرائر (2)في الذّنوب (3)إذا يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهّر مع بقاء ذلك الماء على طهارته لنبوية عامية ضعيفة قاصرة الدلالة (4)،و مع ذلك فهي معارضة بمثلها ممّا تضمّن-في تلك الحكاية التي تضمنتها الرواية-أنه صلّى اللّه عليه و آله أمر بإلقاء التراب الذي أصابه البول و صبّ الماء على مكانه (5)،فالرجوع في تطهيرها إلى مقتضى القواعد أولى،وفاقا لأكثر متأخري أصحابنا (6).

يلحق بذلك النظر في الأواني

اشارة

و يلحق بذلك النظر في الأواني استعمالا و تطهيرا.

أواني الذهب و الفضة

و يحرم منها من حيث ال استعمال أواني الذهب و الفضة مطلقا في الأكل كان أو غيره كالشرب و غيره،إجماعا،كما عن التحرير و الذكرى في الأولين خاصة (7)،و عن الأول و المنتهى و التذكرة في غيرهما أيضا (8).

ص:141


1- الوسائل 3:457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1،و انظر الحدائق 5:456.
2- المبسوط 1:92،الخلاف 1:494،السرائر 1:188.
3- الذّنوب:الدلو فيها ماء..،و قيل:هي الدلو الملأى..قيل:هي الدلو العظيمة.لسان العرب 1:392.
4- انظر سنن أبي داود 1:380/103،و عمدة القارئ في شرح البخاري 3:127،83/128، 84،و سنن البيهقي 2:428.
5- سنن أبي داود 1:381/103.
6- منهم المحقق في المعتبر 1:449،و العلامة في القواعد 1:8،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:179،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:57.
7- التحرير 1:25،الذكرى:18.
8- التحرير 1:25-26،المنتهى 1:186،التذكرة 1:67.

و النصوص بالأولين مستفيضة من الطرفين:

ففي العاميين أحدهما النبوي:«لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة،و لا تأكلوا في صحافها،فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة» (1).

و ثانيهما المرتضوي:«الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نارا» (2).

و في الصحيح:«لا تأكل في آنية فضة و لا في آنية مفضّضة» (3).

و ظاهرها-كغيرها-اختصاص النهي بالأوّلين،و ليس في التعدية إلى غيرهما مع مخالفتها الأصل حجّة من النصوص سوى إطلاق بعضها، كالصحيح:عن آنية الذهب و الفضة فكرهها،فقلت:قد روي أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضة،فقال:«لا و اللّه إنما كانت لها حلقة من فضّة»الخبر (4).

و الخبرين،في أحدهما:«نهى عن آنية الذهب و الفضة» (5).

و في الثاني:«آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» (6).

ص:142


1- سنن البيهقي 1:28،صحيح البخاري 7:99.
2- صحيح مسلم 3:1/1634 و 2،رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كذلك في عوالي اللئالي 2:138/210 و 139،و عنه في المستدرك 2:598 أبواب النجاسات ب 42 ح 1. و في الجميع:«يجرجر في بطنه نار جهنم».
3- الكافي 6:2/267،التهذيب 9:386/90،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 1.
4- الكافي 6:2/267،التهذيب 9:390/91،المحاسن:67/582،الوسائل 3:505 أبواب النجاسات ب 65 ح 1.
5- الكافي 6:4/267،المحاسن:59/581،الوسائل 3:506 أبواب النجاسات ب 65 ح 3.
6- الكافي 6:7/268،المحاسن:62/582،الوسائل 3:507 أبواب النجاسات ب 65 ح 4.

لكنها مع قصور سند أكثرها-و إن أمكن بالشهرة جبرها-قاصرة الدلالة، لاحتمال انصراف إطلاق النهي فيها إلى أغلب الاستعمال منها في العرف و العادة،و هو الأوّلان خاصة.

هذا و يزيد ضعف الدلالة في الصحيحة بأعمية الكراهة فيها من الحرمة.

هذا مع ما يستفاد من بعض الصحاح المروي عن المحاسن من حصر المنع في الشرب خاصة،إذ فيه:عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضة؟قال:«نعم،إنما يكره ما يشرب به» (1).

فإذا:العمدة في التعدية إلى ما عداهما هو الإجماعات المحكية،مضافا إلى الشهرة العظيمة التي لا يبعد أخذها جابرة لقصور ما مضى من الروايات سندا و دلالة.

و ليس في شيء منهما (2)الدلالة على حرمة نفس الاتخاذ من دون استعمال بالمرة و إن حكم بها جماعة (3)،بل و ربما ادعي عليه الشهرة (4)،و وجّه بوجوه اعتبارية و إطلاقات الروايات المتقدمة.و لا يقاوم شيء منهما أصالة الإباحة،مع انتقاض الأول بما لا خلاف في إباحة اتخاذه بين الطائفة،و ضعف الثاني بما مرّ من المناقشة.لكن الأحوط مراعاتهم البتة.

ثمَّ الأصل و اختصاص النصوص بحكم التبادر بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتخاذ نحو المكحلة و ظرف الغالية و نحوهما من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية،هذا مضافا إلى الصحيح:عن التعويذ يعلّق

ص:143


1- المحاسن:69/583،الوسائل 3:511 أبواب النجاسات ب 67 ح 5،6.
2- في«ح»:منها.
3- المعتبر 1:456،القواعد 1:9،إيضاح الفوائد 1:32.
4- كما ادعاه صاحب المدارك 2:380،و السبزواري في الكفاية:14.

على الحائض؟فقال:«نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد» (1)و الاحتياط لا يخفى.

و في جواز استعمال المفضّض قولان،أشبههما و أشهرهما،بل عليه عامة المتأخرين الكراهية للأصل و المعتبرة،منها الصحيح:عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة ،قال:«لا بأس إلاّ أن تكره الفضة فتنزعها» (2).

و الحسن:«لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض،و اعزل فمك عن موضع الفضة» (3).

خلافا للخلاف،فساوى بينه و بين آنية الفضة (4)،للصحيح أو الحسن:

«لا تأكل في آنية فضة و لا في آنية مفضّضة» (5).

و الموثق عن مولانا الصادق عليه السلام:«أنه كره الشرب في الفضة و القدح المفضّض،و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض،و المشط كذلك» (6).

و ليس فيهما مكافاة لما مرّ من الأدلة،فلتحمل على الكراهة.

و المناقشة فيه بعدم الصحة من حيث استلزامه استعمال النهي في معنييه الحقيقيين،أو الحقيقي و المجازي،و هما فاسدان على الأشهر بين الطائفة.

ص:144


1- الكافي 3:4/106،الوسائل 3:511 أبواب النجاسات ب 67 ح 2.
2- التهذيب 9:391/91،المحاسن:65/582،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 4.
3- التهذيب 9:392/91،الوسائل 3:510 أبواب النجاسات ب 66 ح 5.
4- الخلاف 1:69.
5- تقدم مصدره في ص:137.
6- الكافي 6:5/267،الفقيه 3:1032/222،التهذيب 1:387/90،المحاسن: 66/582،الوسائل 3:509 أبواب النجاسات ب 66 ح 2.المدهن بضم الميم و الهاء:ما يجعل فيه الدهن،و هو من النوادر التي جاءت بالضم و قياسه الكسر.المصباح المنير:202.

ممنوعة،لاحتمال تعدد حرف النهي في الصحيحة،بجعل الواو فيها للاستئناف و تقدير المنهي عنه ثانيا بنحو ما نهي عنه أوّلا،هذا.

و لو سلّم كون الواو فيها للعطف قطعا يحتمل أن يراد بالنهي المعنى المجازي العام الشامل لكل من الحقيقة و المجاز.

و بالجملة:أمثال هذه الاحتمالات و إن بعدت لكنها ممكنة،فينبغي ارتكابها جمعا بين الأدلة،نظرا إلى رجحان الأدلة الأوّلة بموافقة الأصل و الكثرة و الشهرة العظيمة،و إطلاق الكراهة المحتملة لكل من الحرمة و الكراهة الاصطلاحية في الثانية.

و لا تأبى الأولى عن حمل النهي الثاني فيها على الكراهة بعد قيام القرينة و إن كان فيه نوع مخالفة للحقيقة و سياق العبارة،و لكن لا يلزم منه ورود المناقشة المزبورة.

و أظهر منه الكلام في الثانية،لأعمية الكراهة فيها،فيراد بها الحرمة التي هي أحد أفرادها بالإضافة إلى الفضة،و الكراهة الاصطلاحية بالإضافة إلى المفضّضة،و لا مانع فيه من جهة القاعدة الأصولية.

و في وجوب عزل الفم عن محل الفضة قولان،الأشهر:نعم،لظاهر الأمر في الحسن،و هو الأظهر.

خلافا للمعتبر فالاستحباب،للأصل،و إطلاق الصحيح أو عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال (1).

و ضعفهما ظاهر بعد ما مرّ،لوجوب التقييد،و إن أمكن الجمع بالاستحباب،لرجحانه عليه في كل باب،مع كونه مجمعا عليه بين الأصحاب.

ص:145


1- المعتبر 1:455.
أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها

و أواني المشركين و كذا سائر ما يستعملونه عدا الجلود الغير المعلومة تذكيتها طاهرة لا يجب التورّع عنها ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة النجاسة لها،بلا خلاف أجده،إلاّ ما يحكى عن الخلاف من إطلاق النهي عن استعمالها،مدعيا عليه الإجماع (1).و مخالفته غير معلومة،لاحتمال إرادته من الإطلاق صورة العلم بالمباشرة،كما يستفاد من سياق أدلته المحكية،و لعلّه لذا أن أصحابنا لم ينقلوا عنه الخلاف في المسألة.

و الأصل فيها بعد الاتفاق على الظاهر:الأصل،و العمومات،و خصوص الصحاح المستفيضة و نحوها من المعتبرة.

ففي الصحيح:إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليّ،فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟فقال عليه السلام:«صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك،فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن نجاسته، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (2).

و هي و إن اختصت مواردها بما ليس مفروض العبارة منها،إلاّ أنّ عدم القول بالفرق مع التعليل العام في بعضها كما مضى يدفع المناقشة عن الاستدلال بها هنا.

إلا أنها معارضة بأخبار أخر مطلقة للمنع عن استعمال أوانيهم و ثيابهم، فمنها:«لا تأكلوا في آنيتهم،و لا من طعامهم الذي يطبخون،و لا في آنيتهم التي يشربون فيها» (3).

و منها:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي و يشرب الخمر

ص:146


1- الخلاف 1:70.
2- التهذيب 2:1495/361،الاستبصار 1:1497/392،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
3- الكافي 6:5/264،الوسائل 3:419 أبواب النجاسات ب 14 ح 1.

فيردّه،أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (1).

لكنها،مع عدم مكافاتها لما مرّ عددا و اعتبارا من وجوه شتى،و منها-و هو أقواها-اتفاق أصحابنا على العمل بها،محمولة على الاستحباب أو العلم بالمباشرة،كما فصّله بعض الروايات المتقدمة.

ثمَّ إن ظاهر العبارة-كغيرها و جميع ما مضى من الأدلة-اعتبار العلم بالنجاسة،و عدم الاكتفاء بالمظنة،و إن استندت إلى قرائن خارجية،أو عدل واحد،أو بيّنة شرعية.

خلافا لجماعة فاكتفوا بها،إمّا مطلقا (2)،أو مقيّدا بالثاني (3)،أو بالثالث (4)،و هو في الظاهر أشهر أقوالهم و أحوطها و إن لم ينهض عليه دليل يطمئن النفس إليه أصلا.

و أمّا الأوّلان فينبغي القطع بضعفهما جدّا،كيف لا؟!و في الصحيح:

قلت:فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه،قال:«تغسله و لا تعيد الصلاة»قلت:لم ذاك؟قال:«لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (5).

مع أن أغلب صور المسألة المفروضة في العبارة حصول المظنة القوية القريبة من العلم في العرف و العادة،التي هي قد تكون أقوى من الظنون التي

ص:147


1- التهذيب 1:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.
2- حكاه عن أبي الصلاح الحلبي في الحدائق 5:244.
3- الحدائق 5:251.
4- كما في المنتهى 1:9.
5- التهذيب 1:1335/421،الاستبصار 1:641/183،علل الشرائع:1/361،الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

استند إليها هؤلاء الجماعة حتى من الحاصلة عن نحو البيّنة الشرعية،و مع ذلك فقد حكمت الأخبار المتقدمة بالطهارة و انحصار الحكم بالنجاسة في العلم بالمباشرة.

لا يستعمل من الجلود إلاّ ما كان طاهرا في حال حياته مذكى

و لا يستعمل شيء من الجلود إلاّ ما كان طاهرا في حال حياته و مذكى فلا يجوز استعمال جلود نجس العين مطلقا،مذكّى كان أم لا،في مشروط بالطهارة كان أم لا،و كذا الميتة من طاهر العين مطلقا،دبغ أم لا.

بلا خلاف أجده في الأول و إن لم أقف فيه على دليل إطلاق المنع عنه في غير المشروط بالطهارة،عدا فحوى إطلاق النص المانع عن الانتفاع بالميتة (1)،مع أنه معارض ببعض المعتبرة كالموثق:عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ،قال:«لا بأس» (2)و نحوه غيره (3).

و ظاهر الاستبصار (4)العمل به،حيث وجّه نفي البأس فيه إلى نفس الاستعمال لا إلى الطهارة،إلاّ أن العمل على الأوّل.

و كذا لا خلاف في الثاني إلاّ من الصدوق،فجوّز الانتفاع به فيما عدا مشروط بالطهارة مطلقا (5)،للخبر:عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن ما ترى فيه؟قال:«لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء أو سمن و تتوضأ منه و تشرب،و لكن لا تصلّ فيها» (6).

ص:148


1- انظر الوسائل 24:184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34.
2- التهذيب 1:1301/413،الوسائل 1:157 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.مع اختلاف يسير.
3- الكافي 6:3/258،الوسائل 1:171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.
4- كذا في النسخ،و لكنّا لم نعثر عليه في الاستبصار،بل هو موجود في التهذيب 1: 1301/413.
5- الفقيه 1:9.
6- الفقيه 1:15/9،الوسائل 3:463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

و هو مع قصور سنده و شذوذه-نظرا إلى دلالته على الطهارة-معارض بعدة نصوص،منها:الميتة ينتفع بشيء منها؟قال:«لا» (1).

و عن الإسكافي فجوّزه بعد الدبغ خاصة (2)،بناء على حصول الطهارة به،للخبر:في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء،فأشرب منه و أتوضأ؟قال:«نعم»و قال:«يدبغ فينتفع[به]و لا تصلّ فيه» (3).

و هو-مع ما فيه ممّا في سابقة و زيادة هي موافقة العامة-معارض بإطلاقات المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية عن المختلف و المنتهى و الذكرى (4).

و ربما أيدت باستصحاب النجاسة السابقة.و الأجود التأييد باستصحاب عدم جواز الانتفاع.

ثمَّ إن اعتبار التذكية في العبارة يقتضي اعتبار العلم بها،و إلحاق الجلد مع الجهل به بالميتة،و به صرّح جماعة من أصحابنا و إن اختلفوا في إطلاق الإلحاق (5)،أو لزوم التقييد بالوجدان فيما عدا بلاد أهل الإسلام (6).

خلافا لنادر من المتأخرين (7)،فاكتفى بالجهل بكونه جلد ميتة عن العلم بالتذكية،و حكم بالطهارة،للأصل.و يدفع بما يأتي.و لاستصحاب طهارة

ص:149


1- الكافي 6:7/259،التهذيب 2:799/204،الوسائل 3:502 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.
2- نقله عنه في المختلف:64.
3- التهذيب 9:332/78،الاستبصار 4:343/90،الوسائل 24:186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7،و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
4- المختلف:64،المنتهى 1:191،الذكرى:16.
5- انظر روض الجنان:212.
6- التذكرة 1:94.
7- المدارك 2:387.

الجلد و الملاقي.و يعارض باستصحاب عدم التذكية.

و للنصوص المستفيضة،منها الصحيح:عن الخفاف التي تباع في السوق،فقال:«اشتر و صلّ فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه» (1)و نحوه غيره من الصحيحين (2).

و هي مع عدم ظهورها في الدلالة-بناء على احتمال أن يراد من السوق سوق المسلمين،بل هو الظاهر،لأنه المعهود المتعارف زمن صدورها،و لا كلام هنا-معارضة بمثلها من المستفيضة الصريحة الدلالة المعتضدة بالشهرة، و استصحاب بقاء اشتغال الذمة بالعبادة المشروطة بالطهارة.

ففي الموثق كالصحيح:«لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام»قلت:فإن كان فيها غير أهل الإسلام،قال:«إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (3).

و في نحوه:«و إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و كل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح» (4).

و في الحسن كالصحيح:«تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته» (5).

و في الخبر:عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل

ص:150


1- الكافي 3:28/403،التهذيب 2:920/234،الوسائل 3:490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.
2- الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3،6.
3- التهذيب 2:1532/368،الوسائل 3:491 أبواب النجاسات ب 50 ح 5.
4- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 3: 408 أبواب النجاسات ب 9 ح ذيل حديث 6.
5- الكافي 3:4/398،الوسائل 3:526 أبواب النجاسات ب 79 ح 1.

يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟قال:«عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك،و إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» (1).

و بالجملة:التدبر في النصوص يقتضي المصير إلى نجاسة الجلد مع الجهل بذكاته،إلاّ مع وجوده في يد مسلم أو سوقه من يد من لا يظهر كفره.

خلافا لمن شذّ كما مرّ.و لآخر فأفرط و حكم بنجاسته و لو أخذ من يد المسلم إن كان ممن يستحل الميتة بالدبغ و إن أخبر بالتذكية (2).و إطلاق الصحاح السابقة يدفعه.

و لتحقيق المسألة مزيد يأتي في بحث الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

و يكره استعمال الجلد فيما عدا الصلاة إذا كان مما لا يؤكل لحمه مما يقع عليه الذكاة،كالسباع و المسوخ-عند من لم ينجسها-و نحوهما،على الأظهر(الأشهر) (3)بل حكي على الأول الإجماع عن جماعة (4)حتى يدبغ.

و لا يحرم على الأشبه الأشهر بين المتأخرين،لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ،ففي الموثق:عن لحوم السباع و جلودها،فقال:«أما اللحوم فدعها،و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تصلّوا فيها» (5).

و فيه:عن جلود السباع ينتفع بها؟فقال:«إذا رميت و سمّيت فانتفع

ص:151


1- الفقيه 1:788/167،التهذيب 2:1544/371،الوسائل 3:492 أبواب النجاسات ب 50 ح 7.
2- انظر المنتهى 1:226،و التحرير 1:30،و التذكرة 1:94.
3- ليست في«ش».
4- لم نعثر على من حكى الإجماع على كراهة استعمال جلد السباع قبل الدبغ.
5- التهذيب 9:338/79،الوسائل 24:114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 4.

بجلده» (1).

خلافا للشيخ و المرتضى،فمنعا عنه قبل الدبغ (2)،إمّا للنجاسة كما يحكى عنهما تارة (3)،أو للمنع عن ذلك تعبدا كما يحكى اخرى (4).

و مستندهما غير واضح،عدا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده،و ليس هو و لا غيره قبله (5).و هو كما ترى.

نعم:عن بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه السلام:«دباغة الجلد طهارته» (6).

و هو مع عدم وضوح السند و احتماله التقية غير دالّ،على تقدير الحكاية الثانية من كون المنع تعبدا لا للنجاسة.

و كذا يكره أن يستعمل من أواني الخمر ما كان منه خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهن.

و لا يحرم على الأظهر الأشهر،للأصل،و عموم ما دلّ على جواز الاستعمال بعد التطهير.

خلافا للإسكافي و القاضي (7)،لنفوذ النجاسة في الأعماق،فلا يقبل التطهير.

ص:152


1- التهذيب 9:339/79،الوسائل 24:185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
2- الشيخ في النهاية:587،حكاه عن المرتضى في المعتبر 1:466.
3- انظر كشف اللثام 2:258.
4- انظر كشف اللثام 2:258.
5- انظر الخلاف 1:63.
6- فقه الرضا(عليه السلام):302.
7- نقله عن الإسكافي المحقق في المعتبر 1:467،و العلامة في المختلف:65،القاضي في المهذّب 1:28 و ج 2:434.

و ردّ بنفوذ الماء فيها،فيحصل التطهير (1).و فيه منع،نعم يحصل به إزالة النجاسة الظاهرة،و هي كافية في الطهارة،و نجاسة الباطنة غير مانعة،كيف لا و لا سراية،فتأمل .

و للخبرين،أحدهما الصحيح:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الدّبّاء و المزفّت» (2).

و نحوه الثاني بزيادة الحنتم و النقير،و تفسير الدبّاء بالقرع ،و المزفّت بالدنان ،و الحنتم بالجرار الخضر،و النقير بالخشب (3).

و ليس فيهما-مع قصور الثاني سندا-على النجاسة دلالة،كيف لا و وجه النهي غير منحصر فيها،و يحتمل توجه النهي إلى الانتباذ فيها،لاحتمال تحقق الإسكار بها،لا لأجل تحقق سراية النجاسة في أعماقها و عدم تحقق الطهارة لذلك فيها.

كيف لا؟!و من جملتها المزفّت المفسّر بالمقيّر،و الحنتم المفسّر بالمدهن ،و هما لا يجري فيهما السراية إلى الأعماق،و إن هما إلاّ كالأجسام الصلبة الغير القابلة لنفوذ شيء فيها المتفق على قبولها التطهير مطلقا جدّا، فليس الخبران من فرض المسألة بشيء قطعا.

فإذا:أدلة القول الأول لا معارض لها أصلا.

يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا

و يجب أن يغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه ثلاثا إجماعا كما

ص:153


1- انظر المعتبر 1:467،جامع المقاصد 1:195.
2- الكافي 6:1/418،التهذيب 1:829/283،الوسائل 3:495 أبواب النجاسات ب 52 ح 1.
3- الكافي 3:3/418،التهذيب 9:499/115،معاني الأخبار:1/224،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 52 ح 2.

عن الانتصار (1)،و كذا عن الخلاف و الغنية (2)،و ظاهر المنتهى و الذكرى (3)، و هو الحجة فيه،كالمعتبرة،منها الصحيح:عن الكلب،فقال:«رجس نجس لا تتوضأ بفضله،و اصبب ذلك،و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرّتين» (4).

و ليس في نسخ كتب الحديث المشهورة ذكر المرتين بالمرة،إلاّ أن ما ذكرناه مروي عن المعتبر،و كذا عن الخلاف (5)،و تبعه الجماعة،و لعلّه أخذه من كتب الأصول الموجودة عنده،و نقله لنا حجة.

و لا يعارضه الحذف فيما مرّ من الكتب،لاحتماله فيها،و رجحانه على احتمال الزيادة،مع اعتضادها هنا بالرضوي المصرّح فيه بها،و فيه:«إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرّات،مرة بالتراب،و مرتين بالماء» (6).

و ينبغي أن يكون أولاهن بالتراب على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع عن الغنية (7)،و هو الحجة فيه كالصحيحة المتقدمة.

و لا يعارضها إطلاق الرضوي المتقدم،و ليقيد بها جمعا بين الأدلة،و إن اقتصر على ظاهره من القدماء جماعة (8)،مع احتمال إرادتهم ما في الصحيحة،

ص:154


1- الانتصار:9.
2- الخلاف 1:177،الغنية(الجوامع الفقهية):551.
3- المنتهى 1:187،الذكرى:15.
4- التهذيب 1:646/225،الاستبصار 1:40/19،الوسائل 3:415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2 بتفاوت يسير.
5- المعتبر 1:458،الخلاف 1:176.
6- فقه الرضا(عليه السلام):93،المستدرك 2:561 أبواب النجاسات ب 8 ح 1.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):551.
8- منهم السيد في جمل العلم و العمل(رسائل السيد المرتضى 3):23،و الشيخ في الخلاف 1:175،و ابن حمزة في الوسيلة:80.

كالرضوي،سيّما مع ما فيه من التقديم الذكري.

و كيف كان:فظاهرهم الاتفاق على جوازه و إن اختلفوا في تعيّنه.

خلافا للمحكي عن المقنعة،فأوجب توسيط التراب بين العدد (1)و لا ريب في ضعفه و إن جعله في الوسيلة رواية (2)،فإنها مرسلة لا تعارض الصحيحة المعتضدة بعمل أكثر الطائفة.

و بالجملة:لا ريب في شذوذه و ضعفه.كالمحكي عن الإسكافي من وجوب السبع (3)و إن ورد به الخبران،أحدهما النبوي العامي:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهنّ بالتراب» (4)و نحوه الخاصي (5).

إذ هما مع قصور سندهما و لا سيّما الأول بأبي هريرة لا يكافئان شيئا ممّا مرّ من الأدلة من وجوه عديدة ،مع معارضة الأول منهما بمثله لذلك الراوي أيضا بعينه،و فيه:«إذا ولغ في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرّات» (6).

و في آخر له أيضا:«فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» (7).

و ظاهره استحباب الزائد،فليحملا عليه.

و في وجوب مزج التراب بالماء كما عن الحلّي و غيره (8)،تحصيلا لأقرب المجازات إلى مفهوم الغسل و إن حصل التجوز في التراب.

ص:155


1- المقنعة:65-68.
2- الوسيلة:80.
3- نقله عنه في المعتبر 1:458.
4- المحلى 1:/110المسألة 127،عوالي اللئالي 1:51/399.
5- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
6- سنن الدار قطني 1:16/66،17.
7- عوالي اللئالي 2:142/212،سنن الدار قطني 1:13/65،14.
8- الحلي في السرائر 1:91،و نقله عن الراوندي في الذكرى:15.

أم العدم،كما عليه جماعة (1)،للأصل،و معارضة الأقربية بالحقيقة، و لزوم التجوز في التراب على التقديرين بالضرورة.

وجهان،أوجههما الثاني بالنظر إلى القواعد الأصولية.و الأحوط الجمع بينهما و طهارة التراب،اقتصارا فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر من النص،و إن كان في تعيّنها [تعيينه] نظر،لمعارضة الأصل بمثله كما مر،فيكتفى في مثله باحتمال شمول النص لغير المتبادر.

و يلحق بالولوغ اللطع و ما في حكمه ممّا يوجب وصول لعاب الفم إلى الظرف،لفحوى النص و [عموم] الرضوي (2).و يستفاد منه انسحاب الحكم في مطلق الوقوع،و هو أحوط إن لم يكن أقوى،و هو نصّ الصدوقين (3).

و الأظهر الأشهر اختصاص الحكم بالكلب،فلا ينسحب إلى الخنزير، بل يجب فيه السبع من دون تعفير،للصحيح (4).

خلافا للخلاف فكالكلب (5)،لوجوه مدخولة هي اجتهادات صرفة في مقابلة الصحيحة.

يغسل الإناء من الخمر و الفأرة ثلاثا

و يغسل الإناء من نجاسة الخمر و موت الفأرة ثلاثا وفاقا للخلاف (6)للموثق في الأوّل:«عن قدح أو إناء يشرب فيه الخمر،فقال:تغسله ثلاث مرّات» (7).

ص:156


1- منهم العلامة في المختلف:63،و الشهيد في الذكرى:15،و ابن فهد في المهذّب البارع 1:266،و صاحب المدارك 2:392.
2- في«ح»:و عموم الرضوي.
3- الصدوق في المقنع:12،و نقله عنه و عن والده في المنتهى 1:188.
4- التهذيب 1:760/261،الوسائل 3:417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
5- الخلاف 1:186.
6- الخلاف 1:182.
7- الكافي 6:1/427،التهذيب 1:830/283،الوسائل 3:494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

و لا يجب السبع و إن ورد به الموثق الآخر:في الإناء يشرب فيه النبيذ،قال:«يغسله سبع مرّات» (1)،للأصل،و عدم معارضة الظاهر للنص.

نعم هو أفضل بل الأشهر تعيّنه،فالأحوط أن لا يترك.

و الاكتفاء بالمرة-كما عن المعتبر (2)-له وجه لو لم يرد بالزائد نص معتبر،و قد ورد كما مرّ،إلاّ أنه كما ترى مختص بالخمر،فليخص [فلتخص] بمورده، و يكتفي بالمرة في غيره.

إلاّ أن في الموثق تنصيصا بالأمر بالسبع في الجرذ (3).و في حمله على الوجوب كما حمله الشيخ و جماعة (4)إشكال،لاستلزامه قوة نجاسته على نجاسة الكلب،حيث يكتفي فيه بالثلاث دونه.إلاّ أنّ ضمّ التعفير إليه و حياة الكلب ربما دفع الفحوى.

و كيف كان:فالسبع في الجرذ أحوط و أولى إن لم نقل بكونه أقوى.

و أما الثلاث في الفأرة على الإطلاق فلم نجد مستنده مطلقا ،فلا وجه لحكم المصنّف به،فليتأمل جدا.

و يغسل الإناء من غير ذلك مرّة واحدة على الأشهر بين الطائفة، كما ذكره بعض الأجلة (5)،عملا فيها بالإطلاق،و في نفي الزائد بالأصل و عدم المعارض،سوى استصحاب النجاسة،المعارض بمثله في الملاقي كما مرّ.

نعم في الموثق:عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟و كم مرة يغسل؟قال:«ثلاث مرّات،يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء،

ص:157


1- التهذيب 9:502/116،الوسائل 25:368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
2- المعتبر 1:461.
3- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
4- الشيخ في النهاية:6،المقنع:11،الذكرى:15،جامع المقاصد 1:191.
5- كشف اللثام 1:61.

ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء،ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه و قد طهر» (1).

و حمله على الاستحباب ممكن،لاعتضاد الإطلاق بالأصل و الشهرة و ما عن المبسوط من الرواية بالاكتفاء بالمرة (2).

و لا ريب أن الثلاث أحوط و أوجبها جماعة كما عن الصدوق و الإسكافي و الطوسي و الذكرى و الدروس و المحقق الشيخ علي (3)،عملا بظاهر الموثق.و لا بأس به.

و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين المعصومين،و سلّم تسليما كثيرا.

ص:158


1- التهذيب 1:832/284،الوسائل 3:496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
2- المبسوط 1:14.
3- لم نعثر على قول الصدوق في كتبه و لا على من حكى عنه ذلك،نقله عن الإسكافي في المعتبر 1:461،الطوسي في النهاية:5،و الجمل و العقود(الرسائل العشر):171،و الاقتصاد: 254،الذكرى:15،الدروس:125،و المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 1:192.

كتاب الصلاة

اشارة

كتاب الصلاة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين،و صلّى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص:159

ص:160

كتاب الصلاة و النظر في المقدمات و المقاصد و هي لغة:الدعاء،و شرعا:العبادة المخصوصة بكيفيّاتها المعهودة، و عدّها جماعة من أهل اللغة من جملة معانيها اللغوية (1)،و في إثبات الحقيقة بذلك إشكال ،بل الظاهر العدم.

و النصوص في فضلها و عقاب تاركها أكثر من أن تحصى.

و النظر في هذا الكتاب يقع في المقدمات و المقاصد.

المقدمات سبع

اشارة

و المقدمات سبع:.

الاولى في الأعداد

اشارة

الاولى:

في بيان الأعداد و هي إمّا واجبة أو مندوبة،لأنّها عبادة و لا تكون بالذات إلاّ راجحة.

الواجبات تسع

ف الواجبات على الجملة بالحصر المستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية تسع: على المشهور،و قيل:سبع،بإدراج الكسوف و الزلزلة في الآيات (2).

الاولى الصلوات الخمس الفرائض اليوميّة أداء و قضاء و لو من وليّ الميت عنه و الثانية صلاة الجمعة و الثالثة:صلاة العيدين و

ص:161


1- انظر الصحاح 6:2402،نهاية ابن الأثير 3:50،مجمع البحرين 1:226.
2- قال به الشهيد الأول في البيان:107،و الدروس 1:136،الشهيد الثاني في الروضة 1:167.

الرابعة:صلاة الكسوف و الخامسة:صلاة الزلزلة و السادسة:صلاة الآيات و السابعة:صلاة الطواف و الثامنة:صلاة الأموات و التاسعة ما أي كل صلاة يلتزمه الإنسان بنذر و شبهه من العهد و اليمين،و يدخل فيه الملتزم بالإجارة،و صلاة الاحتياط في وجه ،و في آخر يدخل في الأولى،لكونها مكمّلة لما يحتمل فواته منها.

و في إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية،كما هو ظاهر الحلي (1)و صريح الذكرى فيما حكي [عنه] (2).

و قيل (3):إنّه على المجاز،لعدم التبادر،إذ يتبادر [أو تبادر] ذات الركوع و السجود أو ما قام مقامهما منها عند الإطلاق،و هو أمارة المجاز.مع أنّ نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها و لا طهور و الحكم بتحليلها بالتسليم ينافي الحقيقة،بناء على أنّ الأصل في النفي تعلّقه بالمهية لا الخارج من الكمال و الصحة.

و هو حسن،إلاّ أنّه ربما يدّعى عدم صحة السلب عرفا،و دلالة بعض النصوص على كونها صلاة (4)،فيعترض بهما الدليلان السابقان.

الاولى الصلوات المسنونة

و ما سواه أي سوى ما ذكر من الصلوات مسنون.

و كلّ منهما إمّا بأصل الشرع كاليومية فرائضها و نوافلها،و الجمعة، و العيدين،و صلاة الطواف،أو بسبب من المكلّف كالملتزمات،و صلاة الاستخارة (5)و الحاجة،أولا منه كصلاة الآيات،و صلاة الشكر،و الاستسقاء، و يمكن إدخاله في الحاجات.

ص:162


1- السرائر 1:192.
2- حكاه عن الذكرى في الروضة 1:168.
3- قال به صاحب المدارك 3:8،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:154.
4- و هو ما دلّ على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ما صلّى على النجاشي بل دعا له.أي ما صلّى صلاة الميت.(الوسائل 3:105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5).منه رحمة اللّه.
5- في«ش»:الاستيجار.

و منها ما يجب تارة و يستحب اخرى(كصلاة العيدين،و صلاة الطواف.

و منها ما يجب عينا تارة و تخييرا أخرى) (1)أو يجب و يحرم اخرى كصلاة الجمعة على الخلاف،و إطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعا .

و الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر،و إحدى عشرة ركعة في السفر،و نوافلها أربع و ثلاثون ركعة فيكون المجموع إحدى و خمسين ركعة على الأشهر في الروايات.

ففي الصحيح:كم الصلاة من ركعة؟قال:«إحدى و خمسون» (2).

و في آخر:«الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة،منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة،و النافلة أربع و ثلاثون ركعة» (3).

و في ثالث:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة،و يصوم من التطوّع مثلي الفريضة» (4).

و نحوها أخبار كثيرة سيأتي إليها الإشارة.

و أمّا الأخبار الأخر-الدالة على نقص النوافل عن الأربع و الثلاثين، بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها (5)،أو مع الست من نوافل العصر كما في

ص:163


1- ما بين القوسين ليست في«ش».
2- الكافي 3:16/446،التهذيب 2:1/3،الاستبصار 1:771/218،الوسائل 4:49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 11.
3- الكافي 3:2/443،التهذيب 2:2/4،الاستبصار 1:772/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.
4- الكافي 3:3/443،التهذيب 2:3/4،الاستبصار 1:773/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 4.
5- الكافي 3:5/443،التهذيب 2:4/4،الاستبصار 1:774/218،الوسائل 4:47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 6.

آخر منها (1)،أو مع الأربع منها كما في غيرهما (2)،و إن كثرت و تضمنت الصحيح و غيره-فلا يستفاد منها إلاّ تأكيد الاستحباب في الأقل.و اختلافها فيه محمول على اختلاف مراتبه في الفضل.

و لو سلّم مخالفتها لما سبق لكان اللازم طرحها،لعدم ظهور قائل بها، كما اعترف به جماعة من أصحابنا،حيث قالوا-بعد نقل ما في العبارة و نسبته إلى الأصحاب-:لا نعلم فيه مخالفا (3).بل زاد الصيمري فقال بعد نقله:

أطبق الأصحاب في كتب الفتاوى عليه،ثمَّ نقل الأخبار المزبورة و قال:و لم يعمل بها أحد من الأصحاب (4).و هو نص في الإجماع كما في الانتصار و الخلاف (5).فلا إشكال.

و احترز بقوله في الحضر عن السفر،لنقصان العدد فيه إجماعا كما سيذكر.

و اعلم أنّ الصحاح المتقدمة و إن أجملت النوافل لكن فصّلتها أخبار أخر غيرها بما أشار إليه بقوله ثمان للظهر قبلها،و كذا للعصر ثمان لها قبلها و أربع للمغرب بعدها،و بعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بواحدة،و ثمان للّيل،و ركعتا الشفع،و ركعة الوتر،و ركعتان للغداة.

ففي الصحيح:«ثمان ركعات قبل الظهر،و ثمان بعدها»قلت:

فالمغرب؟قال:«أربع بعدها» (6).

ص:164


1- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 1،2،3.
2- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2،6.
3- كما في الذكرى:112،و المدارك 3:10.
4- كشف الالتباس و غاية المرام في شرح الشرائع للشيخ مفلح بن حسين الصيمري تلميذ ابن فهد الحلّي،و هذان الكتابان لم يطبعا بعد.
5- الانتصار:50،الخلاف 1:526.
6- التهذيب 2:7/5،الوسائل 4:50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 15.

و في الموثق:«صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، و ستّ ركعات بعد الظهر،و ركعتان قبل العصر،و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا،و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين،و ثمان ركعات من آخر الليل تقرأ..»إلى أن قال:«ثمَّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو اللّه أحد،و تفصل بينهنّ،ثمَّ الركعتين اللتين قبل الفجر» (1)إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و يسقط في السفر نوافل الظهرين إجماعا على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر (2)،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب،فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر و لا سفر» (3).

و في الخبر:عن صلاة النافلة بالنهار في السفر،فقال:«يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (4).

و في آخر:عن التطوّع بالنهار و أنا في سفر،فقال:«لا» (5).

و ربما يستفاد منهما و من غيرهما-كالصحيح:عن الصلاة تطوعا في السفر،قال:«لا تصل قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» (6)-اختصاص

ص:165


1- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16 و فيهما بتفاوت يسير.
2- كما في الخلاف 1:587،و السرائر 1:194،و مجمع الفائدة 2:7.
3- الكافي 3:3/439،التهذيب 2:36/14،الوسائل 4:83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 7.
4- الفقيه 1:1293/285،التهذيب 2:44/16،الاستبصار 1:780/221،الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.
5- التهذيب 2:45/16،الاستبصار 1:781/221،الوسائل 4:82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 5.
6- التهذيب 2:32/14،الوسائل 4:81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1.

السقوط بالنوافل النهارية دون الليليّة،و هو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة،من غير خلاف بينهم أجده،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،منها-زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة المغرب-صحيحان آخران،فيهما أيضا:

«لا تدعهنّ في حضر و لا سفر» (1).

و زيد في أحدهما:«و كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر» (2).

و نحوه آخر:«صلّ صلاة الليل و الوتر و الركعتين في المجمل» (3).

و نحوهما في نافلتي الفجر الصحيح:«صلّهما في المحمل» (4).

و في سقوط الوتيرة قولان :مقتضى الأصل-زيادة على ما مر (5)- العدم،كما عن النهاية و الأمالي (6)،مدّعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به،و به صريح الرضوي (7)،و رواية رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون،المتضمّنة لفعل مولانا الرضا عليه السلام في السفر كما حكي (8).

ص:166


1- الكافي 3:2/439،التهذيب 2:35/14،الوسائل 4:86 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 1.
2- التهذيب 2:39/15،الوسائل 4:90 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 25 ح 1.
3- التهذيب 2:42/15،الوسائل 4:90 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 25 ح 2.
4- الكافي 3:12/441،التهذيب 2:38/15،الوسائل 4:103 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 33 ح 1.
5- في«ش»زيادة:من ظهور النصوص في أنّ الساقط إنما هو النوافل النهارية خاصة.و هي مذكورة في«ح»و«ل»بعنوان حاشية منه رحمه اللّه.
6- النهاية:57،أمالي الصدوق:514.
7- فقه الرضا(عليه السلام):100،المستدرك 3:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1 بتفاوت يسير.
8- العيون 2:5/178،الوسائل 4:83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 8.حكي فيها أنه عليه السلام كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئا.

و قوّاه الشهيدان في الذكرى و الروضة (1)،للخبر المعلّل بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعا،ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع (2).

و ردّ بقصور السند (3).

و يمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من النصوص،منها الصحيح:هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شيء؟فقال:«لا،غير أنّي أصلّي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل» (4).

و في آخر:عن أفضل ما جرت به السنّة،قال:«تمام الخمسين» (5).

و في الموثق:«لا تعدّهما من الخمسين» (6).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّها ليست من الرواتب،و زيدت لتمام العدد كما في بعضها (7)،أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت،و أنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره (8)،و لذا ما كان يصلّيها النبي صلّى اللّه عليه و آله لوجوب الوتر عليه كما فيه.

و هذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة القائل به،فإنّ الشيخ قد رجع عنه في

ص:167


1- الذكرى:113،الروضة 1:171.
2- العيون 2:112،الفقيه 1:1320/290،الوسائل 4:95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 3.
3- كما في مجمع الفائدة و البرهان 2:8.
4- الكافي 3:6/443،التهذيب 2:19/10،الوسائل 4:93 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 27 ح 1.
5- الكافي 3:4/443،التهذيب 2:6/5،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 5.
6- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.
7- الكافي 3:2/443،التهذيب 2:2/4،الاستبصار 1:772/218،الوسائل 4:46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.
8- علل الشرائع:1/330،الوسائل 4:96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 8.

جملة من كتبه كالحائريات و الجمل و العقود فيما حكاه عنه الحلّي (1)بل المبسوط أيضا كما حكاه غيره (2).

و أمّا الشهيد فهو و إن قوّاه لكن قال:إلاّ أن ينعقد الإجماع على خلافه (3)، مشعرا بنوع تردّد له فيه،مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في الدروس و اللمعة القول بالسقوط (4)،كما هو المشهور على الظاهر،بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير (5).

بل في السرائر الإجماع عليه (6)،و حكي أيضا عن الغنية (7).و بهما يعارض إجماع الأمالي-مع رجحانهما عليه من وجوه ،و ضعفه كذلك،مع وهنه بشهرة خلافه-و يخصّص الأصل،و يذبّ عن الرضوي و تالييه،مع قصور سندها جميعا،و عدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط،و يترك بالإجماع المنقول الذي هو-مع التعدّد-نصّ و معتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا،لندرة القائل كما مضى.

و لكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال،فللتوقف فيها مجال،كما هو ظاهر الفاضلين هنا و في التحرير و المحقق المقداد (8)،و الصيمري،

ص:168


1- الحائريات(الرسائل العشر):286،الجمل و العقود(الرسائل العشر):173،الحلي في السرائر 1:194.
2- حكاه عنه في التنقيح الرائع 1:163،و هو في المبسوط 1:71.
3- انظر الذكرى:113.
4- الدروس 1:137،الروضة 1:171.
5- كما في الذكرى 113،و التنقيح 1:163،و الروضة 1:171.
6- السرائر 1:194.
7- الغنية(الجوامع الفقهية):564.
8- التحرير 1:26،المقداد في التنقيح الرائع 1:163.

و غيرهم (1).

و الاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد بالسقوط التحريم،كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى ،و صريح الشيخ في كتابي الحديث عدم الاستحباب (2)، فيكون فعله بقصد القربة تشريعا محرّما.

و منه يظهر ما في الاستدلال لعدم السقوط بالتسامح في أدلّة السنن،إذ هو عند من يقول به يثبت حيث لا يحتمل التحريم،و إلاّ فلا تسامح قولا واحدا.

و ليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل (3)دلالة على مشروعيتها نهارا،حتى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك و رفع تأكد الاستحباب.و لو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة (4)الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه،و عدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل و عرفا مع شهادة السياق بذلك.فتأمّل جدّا (5).

و لكل ركعتين من هذه النوافل و غيرها من النوافل تشهّد و تسليم لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة فيجب الاقتصار عليه،لتوقيفيّة العبادة، و للنبوي:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (6).

و لخصوص مستفيضة من طرق العامة و الخاصة،ففي النبوي:«بين كل

ص:169


1- كالسبزواري في الكفاية:15.
2- التهذيب 2:16،الاستبصار 1:222.
3- الوسائل 4:84 أبواب أعداد الفرائض ب 22.
4- في ص 159.
5- فإنّ عدم الصلاحية بالإضافة إلى الفريضة للتحريم إجماعا،فيكون بالإضافة إلى نافلتها كذلك أيضا.منه رحمه اللّه.
6- عوالي اللئالي 1:8/197،سنن البيهقي 2:124،سنن الدار قطني 1:1/272.

ركعتين تسليمة» (1)و في آخر:«صلاة الليل و النهار مثنى مثنى» (2).

و في الخبر المروي عن قرب الإسناد:عن الرجل يصلي النافلة، أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟قال:«لا،إلاّ أن يسلّم بين كل ركعتين» (3).

و في آخر مروي عن كتاب حريز:«و افصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم» (4).

و ظاهر الأدلّة كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين و النقص عنهما من دون تشهّد و تسليم بعدهما،و بها صرّح جماعة، و منهم الحلي في السرائر مدّعيا الإجماع عليه (5).

خلافا لظاهري الشيخ في الخلاف و الفاضل في المنتهى (6)،فعبّرا عن المنع بلا ينبغي،و الأفضل،و ادّعى الأوّل الإجماع عليه،لكنّهما ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم(بل صرّحا به أخيرا) (7)فلا خلاف لهما.

و للوتر تشهّد و تسليم بانفراده إجماعا منّا على الظاهر،المستظهر من عبارتي الخلاف و المنتهى (8)،و به صرّح جماعة من متأخّرينا (9)،و الصحاح

ص:170


1- سنن ابن ماجه 1:1324/419.
2- سنن ابن ماجه 1:1322/419.
3- قرب الاسناد:736/194،الوسائل 4:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 2.
4- مستطرفات السرائر:1/71،الوسائل 4:63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 3.
5- السرائر 1:193.
6- الخلاف 1:200،المنتهى 1:196.
7- ما بين القوسين ليس في«م».
8- الخلاف 1:527،المنتهى 1:195.
9- منهم العلامة في المنتهى 1:195،و الشهيد في الدروس 1:137،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:155.

به مستفيضة،منها:عن الوتر أ فصل أم و صل؟قال:«فصل» (1).

و ظاهره كغيره لزومه،و يقتضيه قاعدة توقيفيّة العبادة،و لزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.

و النصوص المرخّصة للوصل (2)شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه شتّى ،و إن تضمّنت الصحيحين و غيرهما،مع عدم صراحتهما،لاحتمال حمل التسليم في الأوّلين المخيّر بينه و بين عدمه فيهما على التسليم المستحب، يعنى«السلام عليكم»و لا بعد فيه،سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص و الفتاوي إطلاقا شائعا،بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّا و على غيرها مجازيا.و حينئذ التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا،لاحتمال تعيين لزوم الفصل بالصيغة الأخرى،و ليس في الرواية الأخيرة -مع ضعفها بالجهالة-إلاّ قول مولانا الكاظم عليه السلام:«صله»بعد أن سئل عن الوتر (3).و هو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها و تشديدها،و يكون إشارة إلى الأمر بفعلها.

و لو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما قدّمناه تعيّن طرحها،أو حملها على التقية كما ذكره شيخ الطائفة،قال:لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة (4).مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير (5)،و ليس ذلك مذهبا لأحد،لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل،و من أوجب الفصل لا يجوّز الوصل.

ص:171


1- التهذيب 2:492/128،الاستبصار 1:1314/348،الوسائل 4:65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 12.
2- الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 الأحاديث 16،17،18.
3- التهذيب 2:496/129،الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض ب 15 ح 18.
4- راجع التهذيب 2:129.
5- الوسائل 4:66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 16،17.

الثانية في المواقيت

اشارة

الثانية في بيان المواقيت.

و المراد بها هنا مواقيت الصلاة الخمس و نوافلها.

و النظر فيها يكون تارة في تقديرها و تعيينها و اخرى في لواحقها.

النظر الأول في تقديرها

أمّا الأول: ف اعلم أن الروايات فيه مختلفة كالفتاوى،بعد اتفاقهما على أنّ الزوال أوّل وقت الظهرين،و الغروب آخر وقتهما و أوّل وقت المغرب،و الفجر الثاني أوّل وقت صلاته،و طلوع الشمس آخر وقتها.و يأتي الإشارة إلى مواضع اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء اللّه تعالى.

و محصّلها الذي عليه الفتوى و يظهر من الجمع بينها هو اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها تامة الأفعال و الشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلف،باعتبار كونه مقيما و مسافرا،صحيحا و مريضا،سريع القراءة و الحركات و بطيئها،مستجمعا بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها،فإن المعتبر قدر أدائها و أداء شرائطها المفقودة.

ثمَّ بعد مضي هذا المقدار من الزوال يشترك الفرضان في الوقت، و الظهر مقدّمة على العصر إلاّ مع النسيان،فيصح العصر لو صلاّها قبل الظهر ناسيا مطلقا (1)،و هذا فائدة الاشتراك حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر خاصّة على الوجه المتقدم فيختص العصر به.

ثمَّ يدخل وقت المغرب،فإذا مضى مقدار أدائها على الوجه الذي مضى اشترك الفرضان،و المغرب مقدمة على العشاء إلاّ في صورة

ص:172


1- أي من دون فرق بين وقوع العصر بتمامها في الوقت المشترك أو بعضها.منه رحمه اللّه.

الاستثناء حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء بالنحو الذي مضى فيختص به.

و إذا طلع الفجر الثاني و هو المعترض المستطير في الأفق،و يسمّى الصادق لأنّه صدقك عن الصبح،و يسمّى الأوّل الكاذب لأنّه ينمحي بعد ظهوره و يزول ضوؤه دخل وقت صلاته ممتدّا حتى تطلع الشمس.

و على هذه الجملة كثير من القدماء و المتأخّرون كافّة فيما أجده،و في السرائر الإجماع عليه (1)و يدل عليها-ما عدا الأخير-صريحا بعض المعتبرة و لو بالشهرة:«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس،و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي أربع ركعات،و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (2).

و يعضده الصحيح في قول اللّه تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ [1] الآية (3)،قال:

«إنّ اللّه تعالى افترض أربع صلوات،أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل،منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس،إلاّ

ص:173


1- السرائر 1:196.
2- التهذيب 2:70/25،الاستبصار 1:936/261،الوسائل 4:127 أبواب المواقيت ب 4 ح 7.
3- السرائر:78.

أنّ هذه قبل هذه،و منها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف الليل،إلاّ أنّ هذه قبل هذه» (1).

و في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة ،كما صرّح به جماعة،و عليه يحمل إطلاق نحو الصحيح.«إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر،و إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (2)مع إشعار فيه بها أيضا.

و على تقدير عدم الإشعار فيه و الظهور في سابقة يحمل الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حمل المطلق على المقيد،و هو الخبر المتقدم، و النصوص الصحيحة و لو في الجملة،منها:في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر:«أنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر» (3).

و منها:عن رجل نسي الاولى و العصر جميعا ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس،فقال:«إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمَّ ليصلّ العصر،و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر،و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا» (4)الخبر.

(و بهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقا كما عن الصدوقين (5)،مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص كما يظهر من كلام المرتضى (6)،فيرتفع

ص:174


1- التهذيب 2:72/25،الاستبصار 1:938/261،الوسائل 4:157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
2- الفقيه 1:648/140،التهذيب 2:54/19،الوسائل 4:125 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.
3- التهذيب 2:1080/271،الاستبصار 1:1056/289،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 17.
4- التهذيب 2:1074/269،الاستبصار 1:1052/287،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.
5- حكاه عن الصدوق في المختلف:66،و حكاه عنهما في الذكرى:117.
6- انظر المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):193.

الخلاف كما في المختلف (1)و غيره) (2).

ثمَّ إنّ ظاهر النصوص المزبورة كغيرها و الآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم:امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب،و العشاءين إلى انتصاف الليل،و جواز تأخير كل منهما إلى كل منهما و لو اختيارا.

خلافا لنادر في المغرب،فوقتها عند الغروب.و هو-مع جهالته و إن حكاه القاضي (3)،و مخالفته النصوص المتقدمة،و الصحاح المستفيضة، و غيرها من المعتبرة في أنّ لكل صلاة وقتين (4)،و غيرها من النصوص المعتبرة الصريحة-شاذّ اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه،و إن اختلفوا من وجه آخر،كما سيظهر.و الصحيحان الموافقان له (5)محمولان على استحباب المبادرة مؤكدا.

و للشيخين و غيرهما من القدماء،فلم يجوّزوا التأخير عن الوقت الأوّل اختيارا (6)،للنصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره،منها:«لكل صلاة وقتان،و أوّل الوقت أفضله،و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ في عذر من غير علة (7).

ص:175


1- المختلف:66.
2- ما بين القوسين ليس في«م».
3- المهذّب 1:69.
4- انظر الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4،11،13.
5- الكافي 3:8/280 و 9،التهذيب 2:1036/260،الاستبصار 1:873/245،الوسائل 4:187 أبواب المواقيت ب 18 ح 1،2.
6- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:58،و انظر المهذّب 1:71،و الكافي في الفقه:138.
7- الكافي 3:3/274،التهذيب 2:124/39،الاستبصار 1:870/244،الوسائل 4: 122 أبواب المواقيت ب 3 ح 13.قال في الوافي 7:205 قوله«من.غير علّة»بدل من قوله«إلاّ في عذر».

و منها:«لكل صلاة وقتان،و أوّل الوقتين أفضلهما،و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام،و وقت المغرب حين تجب الشمس (1)إلى أن تشتبك النجوم،و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ من عذر أو علة» (2).

و منها:«أوّل الوقت رضوان اللّه،و آخره عفو اللّه،و العفو لا يكون إلاّ عن ذنب» (3)إلى غير ذلك من النصوص.

و هي معارضة بمثلها منها-زيادة على ما مضى-الموثق:«لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر،و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» (4).

و منها:النصوص المستفيضة في أنّ نصف الليل آخر العتمة (5).

و منها:«وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (6).

و منها:«أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ[أوّله]حين يدخل وقت الصلاة،

ص:176


1- الوجوب من الأضداد،و معناه السقوط و الثبوت،قال اللّه تعالى فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها أي سقطت.منه رحمه اللّه.
2- التهذيب 2:123/39،الاستبصار 1:1003/276،الوسائل 4:208 أبواب المواقيت ب 26 ح 5.
3- الفقيه 1:651/140،الوسائل 4:123 أبواب المواقيت ب 3 ح 16.
4- التهذيب 2:1015/256،الاستبصار 1:933/260،الوسائل 4:209 أبواب المواقيت ب 26 ح 8.
5- التهذيب 2:1042/262،الاستبصار 1:987/273،الوسائل 4:185 أبواب المواقيت ب 17 ح 8.
6- التهذيب 2:114/36،الاستبصار 1:998/275،الوسائل 4:208 أبواب المواقيت ب 26 ح 6.

فصلّ الفريضة،فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس» (1).

و القول (2)بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت الإجزاء،فلا ينافي الأخبار السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأوّل مع الاختيار،فمقتضى الجمع بينهما تعيّن المصير إلى ما عليه الشيخان و أضرابهما.

حسن إن حصل شرط الجمع و هو التكافؤ،و صراحة دلالة الخاص.

و فيهما نظر،لرجحان الأخبار المطلقة بالأصل و موافقة الكتاب و الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا،بل إجماع في الحقيقة،كما في السرائر،و عن الغنية (3)،و ضعف الأخبار المانعة،إذ كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضليّة.و صرفها إلى ما يوافق المنع و إن أمكن إلاّ أنّه ليس بأولى من العكس،بل هو الأولى من وجوه شتّى، لموافقته الكتاب و الأصل و الشهرة العظيمة.

مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة بلا ينبغي (4)،المشعر بل الظاهر في الكراهة،و خبر:«آخره عفو اللّه»كالصريح في عدم حرمة التأخير بحيث يوجب العقاب،إذ لو أوجب و عاقب لما صدق مضمون الخبر،فالمراد تأكد الاستحباب،و لا ينافيه الذنب،لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات، كما ورد في النافلة:أنّ تركها معصية (5).

فبموجب ذلك انتفت الصراحة التي هي المناط في تخصيص العمومات و تقييد المطلقات،هذا.

ص:177


1- التهذيب 2:69/24،الاستبصار 1:935/260،الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 5،و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- انظر 7:210،و الحدائق 6:92.
3- الغنية(الجوامع الفقهية)556،السرائر 1:197.
4- التهذيب 2:123/39،الاستبصار 1:1003/276،الوسائل 4:119 أبواب المواقيت ب 3 ح 4.
5- الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض ب 14 ح 1.

و في التهذيب:أنه إذا كان أوّل الوقت أفضل و لم يكن هناك منع و لا عذر فإنّه يجب فعلها فيه،و متى لم يفعلها فيه استحق اللوم و التعنيف،و هو مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب (1).

و في النهاية:لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار،فإن أخّرها كان مهملا لفضيلة عظيمة،و إن لم يستحق العقاب،لأنّ اللّه تعالى قد عفا له عن ذلك (2)،و نحوه عن القاضي في شرح الجمل (3).

و هذه العبارات صريحة في الموافقة للمشهور،مع تضمّنها صيغة لا يجوز.

و بهذا يضعّف القول بالمنع عن التأخير،و يظهر قوّة احتمال إرادة المانعين منه ما يوافق المختار،كما وقع في هذه العبارات.و عليه فلا حاجة بنا مهمّة إلى بيان الأوقات الأوّلة لكل من الصلوات الخمس،حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقا.

و إنّما المهم بيان آخر وقت المغرب و أوّل وقت العشاء و آخره،و المشهور فيها ما قدمناه.

خلافا لجماعة من القدماء،فأطلقوا أنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق (4)،للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (5).

ص:178


1- التهذيب 2:41.
2- النهاية:58.
3- شرح جمل العلم:66.
4- منهم الصدوق في الهداية:30،المرتضى في المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):193، الطوسي في الخلاف 1:84.
5- انظر الوسائل 4:174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6،و ب 18 ح 2،14،و ب 19 ح 4.

و هي محمولة إمّا على التقيّة فقد حكاه في المنتهى عن جماعة من العامة،و منهم أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة (1)،أو على الفضيلة، جمعا بينها و بين النصوص المستفيضة الأخر التي كادت تبلغ التواتر،و منها -زيادة على ما مر-المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح (2)،أو ربعه كما في الموثق (3)و غيره (4)، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في الصحيح و غيره (5)،أو ستّة أميال منه كما في الخبر (6).

و في جملة منها جواز التأخير عن الشفق بقول مطلق،إمّا في السفر خاصة كما في الصحيح:«لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق» (7)و في آخر:عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟قال:«لا بأس بذلك في السفر،فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئا» (8).

أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح:رأيت الرضا عليه السلام و كنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم،ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي

ص:179


1- المنتهى 1:204.
2- الكافي 3:5/431،الوسائل 4:193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.
3- الكافي 3:14/281،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.
4- التهذيب 3:610/233،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 5.
5- التهذيب 3:611/234،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 6.
6- التهذيب 3:614/234،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7.
7- التهذيب 2:108/35،الاستبصار 1:984/272،الوسائل 4:194 أبواب المواقيت ب 19 ح 4.
8- التهذيب 2:97/32،الاستبصار 1:967/267،الوسائل 4:197 أبواب المواقيت ب 19 ح 15.

محمود (1).

و أظهر منه الخبر:كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما، فجلس يحدث حتى غابت الشمس،ثمَّ دعا بشمع و هو جالس يتحدث،فلمّا خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب،ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ و صلّى (2).

و في الموثق:في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق،فقال:

«لعلّة لا بأس»قلت:فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق،فقال:

«لعلّة لا بأس» (3).إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق مطلقا أو في الجملة،فهي مضافة إلى ما قدّمناه من النصوص في صدر المسألة أقوى قرينة على أنّ المنع في المستفيضة السابقة على الفضيلة، و يحتمل قريبا أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة،بل ظاهر المدارك الإجماع على عدم بقائها على ظاهرها،حيث قال-بعد حملها على الفضيلة أو الاختيار-:إذ لا قائل بأنّ ذلك آخر الوقت مطلقا (4).

و لآخرين،فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار و ربعه للمضطر (5)،جمعا بين النصوص المانعة على الإطلاق،و النصوص المرخّصة للتأخير إلى ربع الليل

ص:180


1- التهذيب 2:89/30،الاستبصار 1:954/264،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 9.
2- التهذيب 2:90/30،الاستبصار 1:955/264،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 10.
3- التهذيب 2:101/33،الاستبصار 1:969/268،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 13.
4- المدارك 3:54.
5- كابن حمزة في الوسيلة:83،و الطوسي في الاقتصاد:256،و أبي الصلاح في الكافي: 137.

للمسافر و غيره من ذوي الحاجة.

و فيه:أنّه إطراح للنصوص السابقة في صدر المسألة بأنّ وقت العشاءين إلى نصف الليل،عموما في بعضها،و صريحا في آخر.و هي أرجح من تلك بجميعها،للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،بل مطلقا،كما في السرائر و عن الغنية (1)،فتكون بالترجيح أولى،سيّما مع اختلاف مقابلتها في التقدير بربع و بثلث و بخمسة أميال و ستة، و في التخصيص بالسفر،و التعميم له و لكل علّة مع الإطلاق في مدة التأخير.

و كل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات على اختلاف مراتب الفضيلة.

و لجماعة من القدماء أيضا في أول وقت العشاء،فجعلوه غيبوبة الشفق (2)،للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (3).

و هي محمولة إمّا على التقية فقد حكاه في المنتهى (4)عن الجمهور (5)كافّة.

أو على الفضيلة،جمعا بينها و بين المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل لعلّها متواترة،و منها-زيادة على ما مرّ في صدر المسألة-المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على الشفق إمّا مطلقا كما في جملة،منها الموثق:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة،ليتّسع الوقت على أمّته» (6).

ص:181


1- السرائر 1:196،الغنية(الجوامع الفقهية):556.
2- المفيد في المقنعة:94،الصدوق في الهداية:30،الطوسي في الخلاف 1:263،سلاّر في المراسم:62.
3- الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1،3؛و ص 174 ب 16 ح 6.
4- المنتهى 1:205.
5- في«ح»(خ ل):و في الخلاف(ج 1 ص 263)نفي الخلاف عنه بين فقهائهم.
6- الكافي 3:1/286،التهذيب 2:1046/263،الاستبصار 1:981/271،الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.

و الموثق:عن الجمع بين العشاءين في الحضر قبل أن يغيب الشفق؟ قال:«لا بأس» (1).

و نحوهما الموثقان الآخران:عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟فقال:«لا بأس به» (2).

و في الخبر:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق (3).

أو في السفر خاصة كما في الصحيح:«لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (4).

أو في المطر كما في آخر (5).

و احتمال اختصاص الرخصة في التقديم بهما أو مطلق العلّة-كما عن بعض هؤلاء الجماعة (6)-يدفعه تصريح الموثقين السابقين و لا سيّما الأوّل بجوازه مطلقا من غير علّة،هذا.

و في المختلف:لا قائل بالفرق بين الظهرين و العشاءين،فمن قال

ص:182


1- التهذيب 2:1047/263(و فيه:الشمس بدل الشفق)،الاستبصار 1:982/272، الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 22 ح 8.
2- التهذيب 2:104/34،105،الاستبصار 1:978/271،979 الوسائل 4:203 أبواب المواقيت ب 22 ح 5،6.
3- التهذيب 2:106/34،الاستبصار 1:980/271،الوسائل 4:204 أبواب المواقيت ب 22 ح 7.
4- التهذيب 2:108/35،الاستبصار 1:984/272،الوسائل 4:202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
5- التهذيب 2:109/35،الاستبصار 1:985/272،الوسائل 4:203 أبواب المواقيت ب 22 ح 3.
6- كالمفيد في المقنعة:95.

بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب (1).

و لجماعة منهم أيضا في آخره،فجعلوه ثلث الليل،إمّا مطلقا كما عن بعضهم (2)،للخبرين:«وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل»كما في أحدهما (3)،و في الآخر:«آخر وقت العشاء ثلث الليل» (4).

أو مقيّدا بكونه للمختار،و للمضطر إلى النصف،كما عن غيره (5)، للموثق:«العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل،و ذلك التضييع» (6).

و هذه النصوص مع معارضتها بعضا مع بعض،معارضة بالنصوص المستفيضة زيادة على ما مر في صدر المسألة،ففي الخبرين:«آخر وقت العتمة نصف الليل» (7).

و في آخر مروي في العلل:«لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل» (8).

و في الموثق:«و أنت في رخصة إلى نصف الليل و هو غسق الليل» (9).

ص:183


1- المختلف:69.
2- كالصدوق في الهداية:30،و المفيد في المقنعة:93،و الطوسي في الخلاف 1:264.
3- الكافي 3:6/279،التهذيب 2:95/31،الاستبصار 1:965/276،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 2.
4- التهذيب 2:1045/262،الاستبصار 1:973/269،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
5- كالطوسي في المبسوط 1:75،و ابن حمزة في الوسيلة:83.
6- التهذيب 2:1043/262،الاستبصار 1:988/273،الوسائل 4:185 أبواب المواقيت ب 17 ح 9.
7- فقه الرضا(عليه السلام):74،المستدرك 3:133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.
8- علل الشرائع:1/340،الوسائل 4:201 أبواب المواقيت ب 21 ح 5.
9- التهذيب 2:1041/261،الاستبصار 1:986/272،الوسائل 4:200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.

و هما كالنص في جواز التأخير من غير عذر،بل ظاهر أوّلهما استحباب التأخير إلى النصف.

لكن في كثير من النصوص:«لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل» (1).

و عليه فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة جمعا.

و قيل:يمتدّ وقت العشاءين إلى طلوع الفجر (2)،للخبر:«لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر» (3).

و حمله الشيخ في كتابي الحديث و الماتن في المعتبر و بعض من تأخّر على وقت المضطر (4)،كما في الصحيحين:«إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» (5).

و في الأوّل قصور من حيث السند،و في الثاني من حيث المتن،لتضمّنه تقديم الحاضرة على الفائتة،و هو خلاف الأظهر الأشهر فتوى و رواية.و مع ذلك قاصران عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة،و موافقان للعامة، كما صرّح به شيخنا في الروض،قال:و للأصحاب أن يحملوا الروايات الدالّة

ص:184


1- الوسائل 4:200 أبواب المواقيت ب 21 ح 2،6.
2- حكاه عن بعض الأصحاب في المبسوط 1:75.
3- التهذيب 2:1015/265،الاستبصار 1:933/260،الوسائل 4:159 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.
4- التهذيب 2:256،الاستبصار 1:273،المعتبر 2:43،و انظر المدارك 3:60، و الذخيرة:194،195.
5- التهذيب 2:1076/270،1077،الاستبصار 1:1053/288،1054،الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3،4،بتفاوت.

على امتداد الوقت إلى الفجر على التقية،لإطباق الفقهاء الأربعة عليه،و إن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (1).

أقول:و حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (2).

و وقت نافلة الظهر حين الزوال في ظاهر النصوص (3)و كلمة الأصحاب.و لكن في جملة من النصوص جواز التقديم إمّا مطلقا،كما في كثير منها،معلّلة بأنّ النافلة بمنزلة الهدية متى اتي بها قبلت (4)،أو بشرط خوف فواتها في وقتها،كما في بعضها:عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجّل من أوّل النهار؟قال:«نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلها» (5).

و لم أر عاملا بها عدا الشيخ في كتابي الحديث،فاحتمل الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم،لما دلّ عليه،حاملا للنصوص المطلقة عليه (6).

و تبعه الشهيد و غيره (7)،بل زادوا فاستوجهوا التقديم مطلقا،لظاهر الخبر:

«صلاة النهار ستّ عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّها،إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» (8).

و فيه-كأكثر ما تقدم-قصور سندا و مكافاة لما تقدم من وجوه شتى،

ص:185


1- روض الجنان:180.
2- المنتهى 1:205.
3- الوسائل 4:229 أبواب المواقيت ب 36.
4- الكافي 3:14/454،الوسائل 4:232 أبواب المواقيت ب 37 ح 3.
5- الكافي 3:1/450،التهذيب 2:1067/268،الاستبصار 1:1011/278،الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.
6- التهذيب 2:266،الاستبصار 1:278.
7- الشهيد في الذكرى:123،و انظر مجمع الفائدة 2:16،المدارك 3:72.
8- التهذيب 2:1063/267،الاستبصار 1:1007/277،الوسائل 4:233 أبواب المواقيت ب 37 ح 5.

فليحمل في صورة التقديم على أنّ المراد جواز فعلها لا بقصد نافلة الزوال بل نافلة مبتدأة و يعتدّ بها مكانها،كما هو ظاهر بعضها،و هو الصحيح:«إنّي أشتغل،قال:فاصنع كما نصنع،صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر-يعني ارتفاع الضحى الأكبر-و اعتدّ بها من الزوال» (1).

و في صورة التأخير على فعلها بنيّة القضاء،كما هو ظاهر بعضها أيضا، و هو الحسن:عن نافلة النهار،قال:«ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت،إنّ علي ابن الحسين عليه السلام كان له ساعات من النهار يصلي فيها،فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها،إنّما النافلة مثل الهدية،متى ما اتي بها قبلت» (2).

و في الخبر:«فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين و اقض بعدهما النوافل» (3).

و يمتد وقتها حتى يصير الفيء على قدمين أي سبعي الشاخص.

و وقت نافلة العصر مما بعد الظهر إلى أن يزيد الفيء أربعة أقدام على الأشهر،كما صرّح به جمع ممن تأخّر (4)،للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر،ففي الصحيح:«إنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة،و كان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر،و إذا مضى من

ص:186


1- التهذيب 2:1062/267،الاستبصار 1:1006/277،الوسائل 4:232 أبواب المواقيت ب 37 ح 4.
2- التهذيب 2:1065/267،الاستبصار 1:1009/278،الوسائل 4:233 أبواب المواقيت ب 37 ح 7.
3- التهذيب 2:991/250،الاستبصار 1:914/255،الوسائل 4:148 أبواب المواقيت ب 8 ح 31.
4- منهم المحقق في الشرائع 1:62،و نسبه الشهيد الثاني في الروضة 1:181 و السبزواري في الذخيرة:199 إلى المشهور.

فيئه ذراعان صلّى العصر،ثمَّ قال:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟»قلت:

لم جعل ذلك؟قال:«لمكان النافلة،لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع،فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة،و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة» (1).

و صدره قد تضمن القدمين و الأربعة أقدام و أنّهما و الذراع و الذراعين بمعنى واحد،كما صرّح به الأصحاب،و جملة من النصوص (2)،و لذا جمع الإسكافي بينهما (3).

خلافا للحلي و جماعة (4)،فقالوا بالامتداد إلى المثل في الاولى و المثلين في الثانية،إمّا مطلقا،أو مستثنى منهما مقدار الفرضين.

و استدل عليه تارة:بالصحيحة المتقدمة بناء على أن حائط المسجد كان ذراعا،لتفسير القامة به في النصوص (5).

و فيها ضعف سندا بل و دلالة،لعدم تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك، بل مطلق القامة،و عليه نبّه الشهيد-رحمه اللّه-في الذكرى (6).

و يحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسّرة به القامة التي وردت وقتا للظهر و العصر في نحو الصحيح:عن وقت الظهر و العصر؟فكتب:«قامة للظهر و قامة للعصر» (7).

ص:187


1- الفقيه 1:653/140،التهذيب 2:55/19،الاستبصار 1:899/250،الوسائل 4: 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3،4.
2- انظر الوسائل 4:152 أبواب المواقيت ب 9 ح 2،3.
3- كما حكاه عنه في الذكرى:123.
4- الحلي في السرائر 1:199،و انظر الجمل و العقود(الرسائل العشر):174،التذكرة 1:77، الروضة 1:181.
5- الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 14،15.
6- الذكرى:123.
7- التهذيب 2:61/21،الاستبصار 1:890/248،الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 12.

و يكون محصّله التنبيه على أنّ وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن يرجع الفيء ذراعا،أي سبعي الشاخص،كما عليه المفيد (1).

و بالجملة:ليس في تلك النصوص أنّ قامة حائط المسجد كان ذراعا، بل يحتمل أنّ القامة التي وردت أنّها من فيء الزوال للظهر و ضعفها للعصر كان ذراعا،و إذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال.

و ينبغي الرجوع في تفسير القامة المطلقة إلى ما هو المتبادر منها عند الإطلاق عرفا و عادة من قامة الشاخص الإنساني،و به صرّح أيضا في الرضوي، و فيه:«إنّما سمّي ظل القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة إنسان» (2).

و هو معارض صريح لتلك الأخبار و أقوى منها سندا،فيتعين حمل الصحيح السابق عليه،سيّما مع شهادة سياقه عليه،و تأيّده بظاهر الموثق:عن صلاة الظهر،قال:«إذا كان الفيء ذراعا»قلت:ذراعا من أيّ شيء؟قال:

«ذراعا من فيئك»الخبر (3).

و اخرى:بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ لكلّ من الصلاتين سبحة بين يديها طولت أو قصرت (4)،من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو الذراع و الذراعين و القدمين و الأربعة أقدام،بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه المقادير أصلا،ففي الصحيح:كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام:

ص:188


1- المقنعة:92.
2- فقه الرضا(عليه السلام):76،المستدرك 3:109 أبواب المواقيت ب 6 ح 8.
3- التهذيب 2:996/251،الاستبصار 1:886/247 و فيه صدر الحديث،الوسائل 4:145 أبواب المواقيت ب 8 ح 18.
4- الوسائل 4:131 أبواب المواقيت ب 5.

روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع،و القامة و القامتين،و ظل مثلك، و الذراع و الذراعين،فكتب عليه السلام:«لا القدم و لا القدمين،إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة،و هي ثمان ركعات،إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثمَّ صل الظهر،فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة،و هي ثمان ركعات،فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت،ثمَّ صلّ العصر» (1).

و قريب منه الصحيح الآخر (2).

و فيه نظر،لعدم إشعار فيها بالتحديد بالمثل و المثلين كما هو المدّعى، بل ظاهرها(سيما الصحيح الأول) (3)تجويز فعل نافلة الفريضتين و لو بعدهما، و لم يقل به أحد إلاّ النادر و هو الحلبي فيما حكي عنه،حيث قال بامتداد وقت نوافل كل فريضة بامتداد وقتها (4).

و مع ذلك فهي قاصرة عن المقاومة للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر،المانعة من النافلة عموما في جملة منها وافرة (5)،و خصوصا في أخرى كذلك (6)،و منها الصحيحة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام:«أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟» (7).و نحوها أخبار كثيرة.

ص:189


1- التهذيب 2:990/249،الاستبصار 1:913/254،الوسائل 4:134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13.
2- الكافي 3:4/276،التهذيب 2:63/22،الاستبصار 1:898/250،الوسائل 4:131 أبواب المواقيت ب 5 ح 1.
3- ما بين القوسين ليست في«م».
4- الكافي في الفقه:158.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.
6- الوسائل 4:146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20،21.
7- راجع ص:180-181.

فإذا:مختار الأكثر أظهر،و مع ذلك فهو أحوط،و إن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد،لظاهر الموثق:«إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر،و إذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر» (1)بناء على أنّ الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل و المثلين ليس إلاّ لأجل نافلتهما.فتأمّل جدّا.

و وقت نافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية وفاقا للشيخ و الجماعة،كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (2)،و في المدارك:أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا (3)،و في المنتهى و عن المعتبر دعوى الاتّفاق عليه (4)،و هو الحجّة.

مضافا إلى النصوص المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة (5)،خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة،و كذا نافلتها إلى ذهاب الحمرة المغربية بالإجماع فتوى و رواية،و يبقى ما عداها و منه نافلة المغرب بعدها تحتها داخلة.

و النصوص الدالّة على استحباب نافلة المغرب بعدها و إن كانت معتبرة مستفيضة شاملة لما بعد الحمرة،إلاّ أنّ شمولها بالإطلاق،و هو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها لإثبات أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمرة،و إن هي حينئذ إلاّ كالنصوص الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة،من دون تقييد فيها بوقت بالمرّة مع أنّها مقيدة بأوقات خاصة اتّفاقا

ص:190


1- التهذيب 2:62/22،الاستبصار 1:891/248،الوسائل 4:144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.
2- جامع المقاصد 2:20.النهاية:60.
3- المدارك 3:73.
4- المنتهى 1:207،المعتبر 2:53.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.

فتوى و رواية.

و من هنا يظهر مؤيّد آخر لما عليه الأصحاب من توقيت نافلة المغرب بذهاب الحمرة لا بقائها ما دام وقت الفريضة،لبعد اختصاصها من بين الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة.

مع أنّ عموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين بوقت-و هو أنّه لا تزاحم الفريضة-يقتضي التحديد هنا أيضا،و لا حدّ لها إلاّ ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.

و أمّا الصحيح:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة،فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلى العشاء الآخرة و لم يركع بينهما،ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة،فلمّا صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلّى العشاء الآخرة (1).

فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين العشاءين إذا جمع بينهما في المزدلفة،ففي الصحيح:عن صلاة المغرب و العشاء بجمع،فقال:«بأذان و إقامتين،لا تصلّ بينهما شيئا» (2)فتأمّل جدّا.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ميل الشهيد في الذكرى و الدروس (3)إلى احتمال بقائها ببقاء الفريضة،و إن تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (4)و نقله بعضهم عن الحلبي (5)لقوله المتقدم (6).

ص:191


1- الكافي 3:1/267،الوسائل 4:224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1 و فيهما بتفاوت.
2- التهذيب 3:615/234،الوسائل 4:225 أبواب المواقيت ب 34 ح 1.
3- الذكرى:124،الدروس:1:141.
4- منهم صاحب المدارك 3:74،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:160.
5- كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1:160.
6- في ص:183.

و ركعتا الوتيرة يمتد وقتهما بامتداد وقت العشاء بلا خلاف أجده،بل عليه الاتّفاق في صريح المنتهى و عن ظاهر المعتبر (1)،و هو الحجّة بعد الأصل المؤيّد بإطلاقات ما دلّ على استحبابهما بعدها مطلقا،مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

و وقت صلاة الليل بعد انتصافه عندنا،بل عليه إجماعنا عن الخلاف و المعتبر (2)،و في كلام المرتضى و السرائر و المنتهى و غيرها (3)، و هو الحجة.

مضافا إلى أنها عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من الشريعة،و هو فعلها بعد الانتصاف،ففي المعتبرة المستفيضة-و فيها الصحاح و غيرها-:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأمير عليه السلام ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل (4).

و في بعضها:«ثمَّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر» (5).

و في آخر:«فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات» (6).

ص:192


1- المنتهى 1:208،المعتبر 2:54.
2- الخلاف 1:533،المعتبر 2:54.
3- المرتضى في المسائل الناصرية(الجوامع الفقهية):194،السرائر 1:196،المنتهى 1: 208،و انظر الحبل المتين:147.
4- التهذيب 2:1045/262،1061/266،الاستبصار 1:973/269،1005/269، الوسائل 4:231 أبواب المواقيت ب 36 ح 6،7.
5- التهذيب 2:1045/262،الاستبصار 1:973/269،الوسائل 4:156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.
6- الفقيه 1:678/146،الوسائل 4:61 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

هذا مضافا إلى خصوص المعتبرة الموقّتة لها بذلك،صريحا في بعضها،كالمرسل:«وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» (1).

و ظاهرا في جملة منها،و منها الأخبار الآتية المجوّزة لفعلها قبل الانتصاف لعلّة (2)،فإنّها ظاهرة بل كالصريحة في أنّ ذلك رخصة في التقديم لأجلها،لا أنّه لكونه فعلا في وقتها كما يتوهم من الموثقين:«لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره،إلاّ أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» (3)كما في أحدهما،و في الثاني:عن وقت صلاة الليل في السفر فقال:«من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» (4).

و هما و إن أوهما ذلك إلاّ أنّهما مع قصور سندهما و عدم معارضتهما لشيء مما قدمناه (5)ليسا نصّين فيه،فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم رخصة للضرورة،لا لكون أوّل الليل وقتا حقيقة.

و إليه أشار في الفقيه،فقال:و كل ما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر،لأنّ المفسّر من الأخبار[يحكم] (6)على المجمل (7).و كذا قال في التهذيبين،و زاد:و في وقت أيضا يغلب على ظنّ الإنسان أنّه إن لم يصلّها فاتته أو شقّ عليه القيام في آخر الليل و لا يتمكّن من القضاء،فحينئذ يجوز له تقديمها (8).

ص:193


1- الفقيه 1:1379/302،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 10.
2- انظر ص 212.
3- التهذيب 2:1394/337،الوسائل 4:252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.
4- الفقيه 1:1317/289،التهذيب 3:577/227،الوسائل 4:251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.
5- في«ح»زيادة:و موافقتهما لما عليه العامة العمياء.
6- في النسخ:يحمل،و ما أثبتناه من المصدر.
7- الفقيه 1:303.
8- التهذيب 2:118،الاستبصار 1:279.

أقول:و يرشد إلى هذا التوجيه الخبر:كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب:«عند الزوال-و هو نصفه-أفضل،فإن فات فأوّله و آخره جائز» (1)لتضمنه التوقيت بالزوال بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة«فات» الصريحة (2)في التوقيت.و مع ذلك صرّح بالأفضليّة الظاهرة في اشتراك ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة الوقت،لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على التوقيت منها على الاشتراك فيها فلتحمل عليه،فتأمّل .

فما يقال من احتمال حمل أخبار التنصيف على الفضيلة،و الموثقين و ما بعدهما على كون الليل بتمامه وقتا،ضعيف غايته،سيّما مع مخالفته الإجماع على الظاهر،المصرّح به فيما مرّ من عبائر الجماعة حدّ الاستفاضة.

و كلّما قرب من الفجر كان أفضل بلا خلاف أجده،بل عليه في الكتب المتقدمة و الناصريات إجماع الإماميّة (3)،و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:سمعته عليه السلام يقول-في قول اللّه عزّ و جلّ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [1] (4)-:في الوتر في آخر الليل سبعين مرّة» (5)و السحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة (6).

و الصحيح:عن ساعات الوتر،فقال:«أحبّها إليّ الفجر الأوّل»و عن أفضل ساعات الليل،قال:«الثلث الباقي» (7).

ص:194


1- التهذيب 2:1392/337،الوسائل 4:253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13.
2- في«ح»و«ل»:الصريحين.
3- الخلاف 1:533،السرائر 1:196،المعتبر 2:54،الناصريّات(الجوامع الفقهيّة):230.
4- الذاريات:18.
5- التهذيب 2:498/130،الوسائل 6:280 أبواب القنوت ب 10 ح 7.
6- انظر الصحاح 2:678،و القاموس المحيط 2:46،و مجمع البحرين 3:325،و لسان العرب 4:350.و في جميعها:السحر:قبيل الصبح.
7- التهذيب 2:1401/339،الوسائل 4:272 أبواب المواقيت ب 54 ح 4.

و الخبر:متى أصلّي صلاة الليل؟فقال:«صلّها آخر الليل» (1).

و ضعف سنده كاختصاص الأوّلين بالوتر مجبور بالفتاوى و عدم فارق أصلا،مع تصريح الصحيح الثاني بأنّ أفضل ساعات الليل الثلث الباقي.

هذا مضافا إلى جملة من المعتبرة الواردة في تعداد النوافل اليومية أنّ في السحر ثماني ركعات ثمَّ يوتر،و أحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل،كما في الصحيح (2).

و في الموثق القريب منه:عمّا جرت به السنة في الصلاة،فقال:«ثماني ركعات الزوال»إلى أن قال:«ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل» (3)و نحوه في مثله سندا (4).

و عن العلل بطريق صحيح:عن مولانا الباقر عليه السلام-في قوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ [1] (5)الآية-:«نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و أتباعه من شعيتنا،ينامون في أوّل الليل فإذا ذهب ثلثا الأوّل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربهم» (6)الحديث.

و عن كتاب الخصال في الخصال التي سأل عنها أبو ذر-رضي اللّه عنه- رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،سأله:أيّ ساعات الليل أفضل؟قال:«جوف الليل الغابر» (7)أي الباقي.

ص:195


1- التهذيب 2:1382/335،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 6.
2- التهذيب 2:11/6،الاستبصار 1:777/219،الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2.
3- التهذيب 2:12/7،الوسائل 4:59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 3.
4- التهذيب 2:8/5،الوسائل 4:51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.
5- السجدة:16.
6- علل الشرائع:4/365،الوسائل 8:154 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39 ح 26. و فيهما:ثلثا الليل
7- الخصال:13/523.

هذا مضافا إلى النصوص في فضل الثلث الأخير و استجابة الدعاء فيه (1)و يعضدها الكتاب (2)و السنة (3)باستحباب الاستغفار في الأسحار.

لكن المستفاد من الصحيحين (4)توزيع النبي صلّى اللّه عليه و آله لها على تمام الوقت،و توسيط النومتين،و الإيتار بين الفجرين،كما عليه الإسكافي (5).

و يمكن الجمع بينهما و ما سبق بتخصيصهما بمريد التفريق و ما سبق بمريد الجمع كما قيل (6)،لكن فتوى الأصحاب و أدلّتهم من الإجماعات و الروايات مطلقة،و لا يكافئها الصحيحان،مع أنّ الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه،و ليس،هذا.

و يحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر الليل،إذ ليس فيهما الدلالة على أنّه صلّى اللّه عليه و آله متى كان يقوم،بل صرّح في الثاني أنّه كان يقوم بعد ثلث الليل.لكن قال الكليني:و في حديث آخر:بعد نصف الليل (7)، و مع ذلك أفضليّة التوزيع من أوّل الثلث تنافي كليّة أفضليّة ما قرب منه إلى الفجر،فتدبّر.

و من هنا يظهر وجه النظر في بعض ما مرّ من النصوص الدالة على كون أفضل ساعات الليل الثلث الآخر (8)،فإنّ غايته أفضليّته خاصّة،لا كونه أيضا

ص:196


1- الوسائل 7:69 أبواب الدعاء ب 26.
2- آل عمران:17،الذاريات:18.
3- الوسائل 6:277 أبواب القنوت ب 9،و ج 7 ص 67 أبواب الدعاء ب 25.
4- الكافي 3:13/445،التهذيب 2:1377/334،الوسائل 4:269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1،2.
5- حكاه عنه في الحبل المتين:148-149،و صاحب الحدائق 6:227.
6- قال به صاحب الحدائق 6:228-229.
7- الكافي 3:/445ذيل الحديث 13،الوسائل 4:270 أبواب المواقيت ب 53 ح 3.
8- راجع ص:188-189.

متفاوت الأجزاء بحسب الفضيلة،كما هو ظاهر الكليّة في العبارة و عبائر الجماعة.فإذا العمدة هو إجماع الإمامية على هذه الكلية.

و المراد بالفجر هو الثاني،كما هو ظاهر النصوص و أكثر الفتاوي، و صريح جملة منهما (1).

خلافا للمرتضى،فقيّده بالأوّل (2)،قال في الذكرى:و لعلّه نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ،و الغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى (3).و دفعه بأنّهما من صلاة الليل،كما في الأخبار الآتية،و ظاهر أنّ ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل.مضافا إلى ما سيأتي من أنّ محل ركعتي الفجر قبله و معه و بعده.

ثمَّ إنّ المتبادر من الانتصاف هو منتصف ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر.

إلاّ أنّه صرّح بعض الأصحاب بأنّ المعتبر تنصيف ما بين طلوع الشمس و غروبها،قال:و يعرف بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس (4).

و لعلّه لمروي الفقيه بسنده عن عمر بن حنظلة:أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له:زوال الشمس نعرفه بالنهار،فكيف لنا بالليل؟فقال:«للّيل زوال كزوال الشمس»قال فبأيّ شيء نعرفه؟قال:«بالنجوم إذا انحدرت» (5).

و قريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر،نقلا عن كتاب محمد بن

ص:197


1- منهم العلامة في المختلف:71،المحقق الكركي في جامع المقاصد 2:22،الشهيد الثاني في روض الجنان:182،الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:33.
2- حكاه عنه في المختلف:71،و جامع المقاصد 2:22.
3- الذكرى:125.
4- كفاية الأحكام:15.
5- الفقيه 1:677/146،الوسائل 4:273 أبواب المواقيت ب 55 ح 1.

علي بن محبوب،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«دلوك الشمس زوالها، و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار» (1).

و فيهما قصور من حيث السند،لكنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها،مع أنّ ذلك أحوط جدّا،سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مرّ من الأخبار بزوال الليل (2)كما في الخبرين،و إن شاركهما في قصور السند،لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد،فتأمّل .

و ركعتا الفجر وقتهما بعد الفراغ من الوتر على الأشهر،سيّما بين من تأخّر،بل عليه عامّتهم إلاّ من ندر،بل في ظاهر الغنية و السرائر الإجماع عليه (3)،للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،الدالة جملة منها وافرة على أنّهما من صلاة الليل،و تضمّن اخرى كذلك،للأمر بحشوهما في صلاة الليل (4)،و قريب منها المعتبرة المستفيضة و فيها الصحاح و غيرها،المرخّصة لفعلهما قبل الفجر و معه و بعده (5)خلافا للمرتضى و المبسوط (6)،فوقّتاهما بالفجر الأوّل،للصحيح و غيره:

«صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (7)بحمل الفجر فيهما على الفجر الأوّل،ليناسب

ص:198


1- مستطرفات السرائر:7/94،الوسائل 4:373 أبواب ب 55 ح 2.
2- راجع ص 186-188.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):556،السرائر 1:196.
4- الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 50.
5- الوسائل 4:268 أبواب المواقيت ب 52.
6- حكاه عن المرتضى في المختلف:71،المبسوط 1:76.
7- الأول: التهذيب 2:523/134،الاستبصار 1:1040/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 5. الثاني: التهذيب 2:521/34،الاستبصار 1:1038/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 6.

الأخبار السابقة.

و فيهما-مع ضعف الثاني سندا،و عدم مقاومتهما لما مرّ جدّا-ضعف دلالة،لإجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة و يراد بالفجر هو الثاني، كما هو المتبادر منه عند الإطلاق.

و لو سلّم كونه الركعتين فضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأوّل و الثاني على تقدير التنزّل،و إلاّ فقد مرّ أنّه ظاهر في الثاني،و يكون سبيلهما حينئذ سبيل النصوص المرخّصة لفعلهما بعد الفجر و معه و قبله،إن حمل الأمر فيهما على الرخصة،و إلاّ فالمتعيّن حملهما على التقية،لأنّه مذهب كثير من العامة كما صرّح به جماعة (1)،و يفهم من بعض النصوص:متى أصلّي ركعتي الفجر؟قال،فقال لي:«بعد طلوع الفجر»قلت له:إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل.طلوع الفجر،فقال:«يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق،و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة» (2).

و بالجملة:لا ريب في ضعف هذا القول،و إن مال إليه الماتن في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد (3)،لكن جوّزا تقديمهما على الأوّل كتقديم باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.

و لا ريب أنّ تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل خروجا عن شبهة الخلاف،و أخذا بفحوى ما دلّ على استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل لو صلّيتا قبله،ففي الصحيح:قال،قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«ربما

ص:199


1- منهم الشهيد الأول في الذكرى:126،و المجلسي في البحار 80:73.
2- التهذيب 2:526/135،الاستبصار 1:1043/285،الوسائل 4:264 أبواب المواقيت ب 50 ح 2.
3- الشرائع 1:63،الإرشاد 1:243،القواعد 1:24.

صلّيتهما و عليّ ليل فإن قمت و لم يطلع الفجر أعدتهما» (1).

و في الموثق:قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«إنّي لا صلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي و أصلّي الركعتين فأنام ما شاء اللّه تعالى قبل أن يطلع الفجر،فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (2).

و هما و إن لم يقع التصريح فيهما بكون الفجر الأوّل وقت الإعادة،لكنّه ظاهرهما،سيّما الثاني،لظهوره في وقوع الإعادة عند الفجر الذي هو الثاني بحكم التبادر،و عنده القريب منه و هو الفجر الأوّل.

و للإسكافي هنا قول آخر،فقال:لا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل من آخره (3)،و لعلّه للخبر:عن أوّل ركعتي الفجر،فقال:«سدس الليل الباقي» (4).

و لضعفه يحمل على الفضل،و ربما يومئ إليه أيضا عبارة الإسكافي.

فتدبّر.

و يمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة المشرقية على الأشهر،بل عليه عامّة من تأخّر،بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية و السرائر (5)،للصحاح و غيرها:

«صلّهما قبل الفجر و معه و بعده» (6)بناء على أنّ المراد من الفجر هو الثاني،لما

ص:200


1- التهذيب 2:527/135،الاستبصار 1:1044/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 8.
2- التهذيب 2:528/135،الاستبصار 1:1045/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.
3- حكاه عنه في المختلف:71.
4- التهذيب 2:515/133،الاستبصار 1:1033/283،الوسائل 4:265 أبواب المواقيت ب 50 ح 5.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):556،السرائر 1:196.
6- الوسائل 4:268 أبواب المواقيت ب 52.

مرّ،و البعديّة تستمرّ إلى ما بعد الإسفار و طلوع الحمرة،إلاّ أنّ جملة من النصوص دلّت على انتهاء الوقت بهما،ففي الصحيح:عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر،أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال:«يؤخّرهما» (1).

خلافا لظاهر الإسكافي و الشيخ في التهذيبين (2)،فوقتهما إلى الفجر الثاني،عملا بما مرّ من النصوص من أنّهما من صلاة الليل،و حملا لهذه الصحاح تارة على التقيّة لما مرّ إليه الإشارة،و اخرى على أوّل ما يبدو الفجر استظهارا ليتبيّن الوقت يقينا،للمرسل:«صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك،فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» (3).

و الخبر:عن الرجل يقوم و قد نوّر بالغداة،قال:«فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ثمَّ ليصلّ الغداة» (4).

و هما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه الأكثر.و حمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم الذي لأجله حملت عليها،و ليس، فإنّ مذهبهم تحتّم الركعتين بعد الفجر،و عدم جواز فعلهما قبله و لا معه، و النصوص أباحت جميع ذلك.إلاّ أن يقال:إن مراده تقيّة السائل في فعلهما بعده ،و لكن فيه بعد.

و لعلّ الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار الدالة على أنّهما من صلاة

ص:201


1- التهذيب 2:1409/340،الوسائل 4:266 أبواب المواقيت ب 51 ح 1.
2- حكاه عن الإسكافي في المختلف:71،التهذيب 2:133،الاستبصار 1:283.
3- التهذيب 2:524/134،الاستبصار 1:1041/284،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 7.
4- التهذيب 2:525/135،الاستبصار 1:1042/285،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.

الليل عددا،و اعتضادا بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة، و ظهور جملة منها دلالة بل بعضها كالصريح في ذلك،و هو الصحيح:عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟فقال:«قبل الفجر،إنّهما من صلاة الليل،أ تريد أن تقايس؟لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (1).

و هو كالصريح في أنّ الصلاة كالصوم الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة، فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدّا.و منه يظهر ما في حمله على الاستحباب و الفضيلة.

فقولهما لا يخلو من قوّة لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،مع بعد حمل أخبارهم على التقية كما عرفته،كحمل الفجر فيها على الفجر الأوّل،مع عدم نفع في هذا الحمل إلاّ بعد ارتكاب مخالفة أخرى للظاهر هي تقييد البعدية بالمستمرّة إلى الفجر الثاني خاصة.

و مع ذلك فالأحوط تركهما بعد الفجر و قضاؤهما بعد الفريضة.

و ما أبعد ما بين هذا و بين القول بامتدادهما بامتداد الفريضة،كما مال إليه الشهيد في الذكرى،للصحيح:عن الركعتين قبل الفجر؟قال:«يتركهما» -و في خطّ الشيخ-:«يركعهما حين يترك الغداة،إنّهما قبل الغداة» (2).

قال:و هذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها و ليس ببعيد،و قد تقدم رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله إيّاهما قبل الغداة في قضاء الغداة،فالأداء أولى، و الأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة لا توقيتا،

ص:202


1- التهذيب 2:513/133،الاستبصار 1:1031/283،الوسائل 4:264 أبواب المواقيت ب 50 ح 3.
2- التهذيب 2:514/133،الوسائل 4:266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2.

انتهى (1).

و يضعّف:بأنّه لا جهة للأولوية،و استظهاره من خبر سليمان على لفظ يتركهما ظاهر،فإنّ ظاهر معناه أنّه إنّما يتركهما حين يترك الفرض،أي إنّما يصيران قضاء إذا صارت الفرض قضاء،و إنّما يتركهما إذا أدّى فعلهما إلى ترك الفرض،أمّا على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم على الفجر الثاني،سيّما و أنّه روى في رواية أخرى بدل«حين يترك الغداة»«حين ينوّر الغداة» (2)فتدبّر.

و بالجملة:الاستناد إلى مثل هذه الرواية المختلفة النسخ و الأولوية المزبورة لا وجه له،سيّما في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

ص:203


1- الذكرى:126.
2- الاستبصار 1:1032/283،الوسائل 4:267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.
أمّا اللواحق فمسائل
اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل تسع:

الاولى يعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصه

الاولى:يعلم الزوال الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء و انحرافها عن دائرة نصف النهار بزيادة الظل بعد نقصه كما في النصوص (1)المنجبرة بالاعتبار و فتوى الأصحاب.أو حدوثه بعد عدمه،كما في مكة و صنعاء في بعض الأزمنة.

و بميل الشمس إلى الحاجب (2)الأيمن لمن يستقبل القبلة لأطراف العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب،كما ذكره جماعة من الأصحاب (3)، و منهم الشيخ في المبسوط كما حكي عنه،فقال:و قد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة و وجد الشمس على حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت (4).

و يعلم منه أنّ هذا الاعتبار موجود في الروايات،و لم نقف عليها كما ذكره.

نعم:في الوسائل روي عن مجالسة في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس،فكانت على حاجبه الأيمن» (5).

ص:204


1- الوسائل 4:162 أبواب المواقيت ب 11.
2- في«ش»:الجانب.
3- منهم الشهيد في البيان:108،و الذكرى:117،صاحب المدارك 3:66.
4- المبسوط 1:73.
5- أمالي الطوسي:29(و فيه:فأراني وقت الصلاة..)،الوسائل 4:164 أبواب المواقيت ب 11 ح 5.

و ليس فيه التقييد بمتوجّه الركن العراقي،كما قيّده هو و الفاضل في المنتهى (1).و قيّده آخرون (2)بمكان قبلته نقطة الجنوب،أو قريبة منها،أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرنا،و وجه التقييدات واضح،فإنّ المقصود العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار،و هو لا يحصل بهذه العلامة كليا،بل ربما يحصل القطع بعدمه معها،فينبغي أن يدار في تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.

و لمعرفته طرق أخر ذكرها جملة من الأصحاب (3)،و ورد ببعضها بعض الروايات (4)،و لا بأس بها،بل و بغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال و لو ظنّا إن قلنا باعتباره،و إلاّ فلا بد من القطع كيف اتفق.

و يعرف الغروب الذي هو وقت للمغرب اتفاقا فتوى و نصّا بذهاب الحمرة المشرقية على الأشهر الأظهر،بل عليه عامّة من تأخّر إلاّ من ندر (5)، لتوقيفية العبادة،و لزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن ثبوته من الشريعة فتوى و رواية،و ليس إلاّ بعد ذهاب الحمرة.

و للأخبار المستفيضة،و إن اختلفت ظهورا و صراحة،منها الموثق:عن الإفاضة من عرفات،قال:«إذا ذهبت الحمرة من ها هنا»و أشار بيده إلى

ص:205


1- المنتهى 1:199.
2- كالشهيد،و صاحب المدارك(راجع ص 198)،و الحرّ العاملي في الوسائل 4:164 أبواب المواقيت ب 11 ذيل الحديث 5.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة:92،و الشيخ البهائي في الحبل المتين:137،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:94.
4- انظر الوسائل 4:163 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.
5- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:22،و الشيخ البهائي في الحبل المتين:142،فقد مالا إلى القول الآخر و هو غيبوبة الشمس عن الحسّ،و قوّاه صاحب المدارك 3:53، و السبزواري في الكفاية:15،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:94.

المشرق و إلى مطلع الشمس (1).

و منها:«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»قال:«لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا»و رفع يمينه فوق يساره»فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا» (2).

و منها:«و إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب» (3).

و منها:عن وقت المغرب،قال:«إذا تغيّرت الحمرة في الأفق،و ذهبت الصفرة،و قبل أن تشتبك النجوم» (4).

و في عدّة منها:«إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» (5).إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و قصور أسانيدها أو ضعفها منجبر بفتوى الفقهاء و عملهم كافة،كما ذكره الماتن في المعتبر،قال:و عليه-يعني ذهاب الحمرة-عمل الأصحاب (6).

و ذهاب الحمرة المشرقية في العبارة و ما ضاهاها و الروايات و إن كانت مطلقة،إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد ذهابها من الأفق إلى أن تجاوز سمت الرأس، كما صرح به في الكافي،و شيخنا الشهيد الثاني في كتبه الثلاثة و غيرهما (7).

ص:206


1- التهذيب 5:618/186،الوسائل 13:557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 2.
2- الكافي 3:1/278،2 لتهذيب 2:83/29،الاستبصار 1:959/265،الوسائل 4:173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
3- التهذيب 2:1033/259،الاستبصار 1:960/265،الوسائل 4:175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.
4- التهذيب 2:1024/257،الوسائل 4:176 أبواب المواقيت ب 16 ح 12.
5- الوسائل 4:172،175 أبواب المواقيت ب 16 الأحاديث 1،7،11.
6- المعتبر 2:51.
7- الكافي 3:279،الشهيد الثاني في المسالك 1:20،و روض الجنان:179،و الروضة 1: 178،و انظر كشف اللثام 1:156.

و دلّ عليه جملة من النصوص منها المرسل:«وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقّد الحمرة التي ترفع من المشرق إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (1).

و منها الرضوي:«و قد كثرت الروايات في وقت المغرب و سقوط القرص، و العمل في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» (2).

و منها:أيّ ساعة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوتر؟فقال:«على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب» (3).

خلافا للإسكافي و الصدوق في العلل و المبسوط،فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب (4).

قيل:و يحتمله كلام الديلمي،و المرتضى و القاضي في بعض كتبهما، لجعلهم الوقت سقوط القرص،و ليس نصّا فيه (5).

و ربما نسب إلى الاستبصار و الفقيه،لذكره بعض الأخبار الآتية (6).

و فيه نظر،لأنّ الأول كلامه صريح في موافقة المشهور،حيث قال-بعد ذكر جملة من الأخبار الدالّة على الأمر بالصبر إلى ذهاب الحمرة-:فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين،أحدهما:أن يكون إنّما أمرهم أن يمسّوا قليلا أو يحتاطوا ليتيقن بذلك سقوط الشمس،لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة من ناحية

ص:207


1- الكافي 3:4/279،التهذيب 4:516/185،الوسائل 4:173 أبواب المواقيت ب 16 ح 4 و في الجميع بتفاوت يسير.
2- فقه الرضا(عليه السلام):104،المستدرك 3:130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل حديث 3.
3- الكافي 3:24/448،الوسائل 4:174 أبواب المواقيت ب 16 ح 5.
4- نقله عن الإسكافي في المختلف:72،علل الشرائع:350،المبسوط 1:74.
5- كشف اللثام 1:157،و انظر المراسم:62،و رسائل السيد 1:274،و المهذّب 1:69.
6- نسبه إليهما في المختلف:72،و الذخيرة 191،و الحدائق 6:163.

المشرق لا غيبوبتها عن العين.ثمَّ استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة،ثمَّ نقل ما ظاهره المنافاة لها مما يأتي،و قال بعده:فلا تنافي بين هذين الخبرين و بين ما اعتبرناه في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق،لأنّه لا يمتنع (1)..إلى آخر ما ذكره.

و أمّا الفقيه فلم نجد فيه ما يدل على صحة النسبة عدا ذكره بعض الأخبار الآتية (2)،بناء على ما قدّمه في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلاّ ما يفتي به و يحكم بصحته (3).

و هو-بعد تسليمه-معارض بروايته فيه ما ينافي القول المزبور أيضا، فقال:و روى بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سأله سائل عن وقت المغرب،فقال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي [1] (4)فهذا أوّل الوقت،و آخر الوقت غيبوبة الشفق» (5)الخبر.

و هو-كما ترى-كالصريح بل صريح في عدم الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر،و اشتراط شيء زائد من ظهور كوكب،بل جعله بعض المحققين من أدلّة الأكثر،قال:لأنّ ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب غالبا (6).

و لنعم ما ذكره.

ص:208


1- الاستبصار 1:265.
2- الفقيه 1:656/142،661.
3- الفقيه 1:3.
4- الأنعام:76.
5- الفقيه 1:657/141،التهذيب 2:88/30،الاستبصار 1:953/264،الوسائل 4: 174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6 بتفاوت يسير.
6- كما نقله الحرّ العاملي أيضا عن بعض المحققين.انظر الوسائل ذيل الحديث.

و نسب أيضا إلى المرتضى،و فيه ما عرفته (1).بل يمكن التأمّل في مصير المبسوط إليه أيضا،و إن حكم أوّلا بما حكي عنه،إلاّ أنّه بعد نقله المشهور حكم بأنّه الأحوط (2).و الاحتياط في كلامه ليس نصّا في الاستحباب،فيحتمل الوجوب،بناء على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في العبادة لإيجاب كثير من الأمور التي يدّعي وجوبها فيها.

و كيف كان،فلا ريب في ضعف هذا القول،و إن استدلّ عليه بالنصوص الكثيرة المتواترة معنى،الدالة على أنّ أوّل المغرب سقوط القرص،أو استتاره، أو غيبوبة الشمس (3)،بناء على أنّ المفهوم منها لغة و عرفا هو الغيبوبة عن النظر.

لضعفه أوّلا:بأنّ المراد بسقوط القرص و غيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق المغربي،لا خفاؤها عن أعيننا قطعا،و عليه نبّه شيخنا في روض الجنان، قال:لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض و الماء و نحوهما،فإنّ الأفق الحقيقي غير مرئي (4).

و أمّا ما يقال عليه من أن غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسّا إنّما تتحقق بعد غيبوبتها عن الحسّ بمقدار دقيقة تقريبا،و هذا أقلّ من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير (5).

فمنظور فيه أوّلا:بأنّ فيه اعترافا برفع اليد عن المفهوم اللغوي و العرفي، و اعتبار شيء زائد عليه و لو دقيقة،و معه لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب المتقدم.

ص:209


1- راجع ص:201.
2- المبسوط 1:74.
3- انظر الوسائل 4:178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16 إلى 30،و ب 17 من تلك الأبواب.
4- روض الجنان:179.
5- قال به السبزواري في الذخيرة:193.

و ثانيا:بأنّ كون غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة أقلّ من ذهاب الحمرة و إن كان صحيحا،إلاّ أنّه لمّا كان مجهولا غير مضبوط لا يمكن إحالة عامة المكلّفين و لا سيّما العوام منهم عليه،لا جرم وجب إحالته على أمر منضبط و هو ذهاب الحمرة من أفق المشرق،أو بدوّ النجم،و نحو ذلك،و على هذا فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقّن الغروب،كما صرّحت به جملة من النصوص،لا أنّه نفس الغروب.

و به يندفع ما يقال على المشهور من أنّه لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس و غروبها،فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلا على عدم غروب الشمس و بقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا،لكان وجود الحمرة المغربية دليلا على طلوع الشمس و وجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت.

و وجه دفعه:أنّا لا نقول:إنّ وجود الحمرة دليل على بقاء الشمس في الأفق المغربي للمصلّي،بل نقول:إنّ معه لا يحصل القطع بالغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة،و قطع استصحاب عدم الغروب به،فلا يرد النقض بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب،لأنّ مقتضى ذلك حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على الأفق المشرقي،و لا يقطع به يقين بقاء الوقت، بل بظهور الشمس الحسّي،فينعكس الأمر.

و ثانيا:بعد تسليم دلالتها فغايتها أنّها من قبيل المجمل،أو المطلق، و أخبارنا من قبيل المفسّر،أو المقيّد،فيجب حملها عليها قطعا،و لا استبعاد فيه بعد ورودها قطعا،كما هو الحال في حمل المطلقات و إن كثرت و تواترت على المقيدات و إن قلّت.و لو أثّر الاستبعاد في منعه لما استقام لنا أكثر الأحكام،لكونها من الجمع بين نحو المطلقات و المقيدات.

و دعوى عدم قوة أخبارنا و عدم بلوغها حدّ المكافأة للأخبار المعارضة، لاستفاضتها بل و تواترها و صحّة أكثرها دون أخبارنا،فاسدة.

ص:210

كدعوى أنّ الجمع بالتقييد إنّما يتعيّن إذا انحصر طريق الجمع فيه،و لم يكن في المقام حمل أقرب منه،مع أنّ الجمع بحمل أخبار المشهور على الفضل ممكن،بل و أقرب.

و ذلك لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة من التواتر أيضا،و انجبارها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها من المتأخّرين إجماع في الحقيقة،و قد عرفت استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر (1).و مع ذلك كثير منها في المدعى صريحة،و لا سيّما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة.

و مع ذلك مخالفة لما عليه الجمهور كافّة،كما صرّح به جماعة،و منهم الفاضل في المنتهى و التذكرة (2)،فقال-مشيرا إلى قول المبسوط و هو قول الجمهور-:و يستفاد ذلك من كثير من النصوص،منها-زيادة على ما يأتي- رواية أبان بن تغلب و ربيع بن سليمان و أبان بن أرقم و غيرهم،قالوا:أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بواد الأخضر،إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس،فوجدنا في أنفسنا،فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه،حتى صلّى ركعة و نحن ندعو عليه و نقول:هذا من شباب المدينة،فلمّا أتينا إذا هو أبو عبد اللّه عليه السلام،فنزلنا و صلّينا معه و قد فاتتنا ركعة،فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا:جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟فقال:«إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت» (3).

و ذلك فإنّ صدره-كما ترى-يدل على أنّه كان مقرّرا عند الشيعة أنّه

ص:211


1- راجع ص 200.
2- المنتهى 1:203،التذكرة 1:76.
3- أمالي الصدوق:16/75 و فيه:الأجفر بدل:الأخضر،الوسائل 4:180 أبواب المواقيت ب 16 ح 23.

لا يدخل الوقت قبل مغيب الحمرة المشرقية،و لذا كانوا يدعون على المصلّي قبله و زعموه من شباب المدينة،أي من شباب العامة.

و منها:رواية جارود،قال،قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«يا جارود ينصحون فلا يقبلون،و إذا سمعوا بشيء نادوا به،أو حدّثوا بشيء أذاعوه،قلت لهم:مسّوا بالمغرب قليلا،فتركوها حتى اشتبكت النجوم،فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» (1).

و ذلك لدلالة الأمر بالإمساء قليلا على مذهب المشهور،و لما رأى عليه السلام أنّهم نادوا به و أذاعوه قال:أنا أفعل الآن،إلى آخره.و هو كالصريح في أنّ فعله عليه السلام ذلك للتقية.

و منها:كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام:يتوارى القرص و يقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا،و تستر عنا الشمس،و ترتفع فوق الليل حمرة و يؤذّن عندنا المؤذّنون،أ فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما،أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟فكتب إليّ:«أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك» (2).

و هو صريح في أنّ المؤذّنين يومئذ كانوا يؤذّنون قبل ذهاب الحمرة،و لا ريب أنّهم كانوا من العامّة.

و هذه الرواية كسابقتها دليل على المختار أيضا،و إن استدل بالأولى و هذه على خلافه،لفعله عليه السلام في الاولى،و تخصيصه لراوي هذه بقوله:

«أرى لك..»الظاهر في الاستحباب،و إلاّ لعمّم و ما عبّر بلفظ الاحتياط.

و قد عرفت ما في فعله عليه السلام،من كونه للتقية.و تخصيص الراوي

ص:212


1- التهذيب 2:1032/259،الوسائل 4:177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.
2- التهذيب 2:1031/259،الاستبصار 1:952/264 بتفاوت يسير فيهما،الوسائل 4:176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

لعلّه بل الظاهر أنّه من جهة علمه عليه السلام بعدم ابتلائه بالتقية،أو بمعرفته سبيل الخلاص عنها،و لفظ الاحتياط ليس نصّا بل و لا ظاهرا في الاستحباب،لأنّ ذلك إنّما هو بالاصطلاح المتأخّر بين الأصحاب،و إلاّ فالاحتياط هو الاستظهار و الأخذ بالأوثق لغة،بل و في كلمة متقدّمي الأصحاب أيضا،كما مضى (1)،و لا ريب أنّ مثله في أمثال العبادات واجب،للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.

و بالجملة لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار،و أنّ خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجّار.

و به يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار،و هو حملها على التقيّة.

و نحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة الإطلاق،كالخبر:عن وقت المغرب،فقال:إذا غاب«كرسيّها»قلت:و ما كرسيّها؟قال:«قرصها»قلت:

و متى يغيب قرصها؟قال:«إذا نظرت إليه فلم تره» (2).

و منها:«إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل،و قد سترنا منها الجبل،قال،فقال:«ليس عليك صعود الجبل» (3).

و نحوه آخر:«إنّما تصلّيها إذا لم تر خلف الجبل غارت أو غابت،ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها،فإنّما عليك مشرقك و مغربك،و ليس على

ص:213


1- راجع ص 203.
2- التهذيب 2:79/27،علل الشرائع:4/350،أمالي الصدوق:10/74،الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 25.
3- الفقيه 1:656/141،التهذيب 2:87/29،1054/264،الاستبصار 1:962/266، الوسائل 4:198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

الناس أن يبحثوا» (1).

و في صدره أيضا إشعار بوروده تقيّة،فإنّ فيه:قال-يعني الراوي-:

صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب،فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس،فلقيت أبا عبد اللّه فأخبرته بذلك،فقال:

«و لم فعلت ذلك؟بئس ما صنعت».

مع أنّها قاصرة الأسانيد،و إن قيل:روي الأوّل في مجالس الصدوق بسند صحيح (2).مع أنّ ظاهرها و لا سيّما الأخير عدم البأس بوجود الضوء و الشعاع على نحو التلال و الجبال،و أنّ المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر المصلّي و هو على الأرض،و هو مما قطع جماعة من أرباب هذا القول بفساده، و منهم صاحبا المدارك و الذخيرة،حيث قالا-بعد أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول في العمران بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رؤوس الجدران و قلل الجبال-ما لفظه:و هو حسن (3).

و هو-كما ترى-خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار،فكيف يستدلّون بها؟ مع أنّ الذي يظهر من المبسوط كون ما دلّت عليه مما يتفرع على هذا القول حيث قال بعد نقل القولين:فأمّا على القول الأول-و أشار به إلى هذا-إذا غابت الشمس عن البصر و رأى ضوءها على جبل يقابلها أو على مكان عال مثل منارة الإسكندرية و شبهها فإنّه يصلّي و لا يلزم حكم طلوعها-إلى أن قال-:

و على الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع تراه و هو الأحوط (4).

ص:214


1- الفقيه 1:661/142،التهذيب 2:1053/264،الاستبصار 1:961/266،أمالي الصدوق:12/74،الوسائل 4:198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.
2- أمالي الصدوق:10/74.
3- المدارك 3:53،الذخيرة:193.
4- المبسوط 1:74.

و منه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول الغروب بالاستتار من الإطلاقات،لعدم صدقه قطعا بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية شعاعها على قلل الجبال.

و العجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول المبسوط هذا،و زعمهم موافقتهم له،و تفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه (1)،مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في خلاف ما زعموه،و لعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن:و إن أمكن المنازعة فيه،و ليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة؟و مع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما هو ظهور عبارة المبسوط و النصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه،و هو الاكتفاء بالغيبة عن النظر،و عدم البأس برؤية الشعاع على الجبل، و هذا كيف يمكن احتماله فضلا عن المصير إليه،مع ضعف النصوص الدالّة عليه،و عدم جابر لها بالكليّة،و مخالفته الأصول و الأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه (2)،لما عرفت من عدم صدق الغيبة و الاستتار

ص:215


1- راجع ص 205.
2- في حاشية«ش»و«ح»:منها الصحيح:«وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة،و مضى صومك،و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» الوسائل 4:178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17. و قد حمله الأصحاب على ما حملوا عليه سائر الأخبار التي بمضمونها من أنّ المراد بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة كما فسّرت به بعض المعتبرة. و لكن ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين إباء هذا الصحيح عن ذلك الحمل،و لعلّه لقوله:«فإن رأيته بعد ذلك»و ذلك فإنّ المراد لو كان بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة لما أمكن رؤيتها بعد ذلك،فكيف يقول بعد ذلك:«فإن رأيته». و فيه نظر،لأنّ ذلك إنّما يتوجّه لو اختصّت الرواية بصورة الصحو و خلوّ السماء عن الغيم، و ليست مختصّة بها،بل هي مطلقة يمكن تقييدها بصورة الغيم،و يكون محصّله:إنّ علامة الغروب غيبوبة الحمرة المشرقية،فإذا اشتبهت عليك كالغيم أو حجاب فظننت أنّها قد ذهبت ثمَّ ظهر خلافه برؤيته صحّ صومك،و بهذا صرّح في الوافي،مع أنّه من أهل هذا القول،أي القول الثاني فيه و في المفاتيح،فمع هذا الاحتمال كيف تكون الرواية تأبى عن هذا الحمل و لم تقبله. و اعلم أنّ الفاضل في المنتهى اعترض على العاملين بهذه الصحيحة و ظاهرها،بأنّه لو كان الوقت قد دخل بالاستتار لما أمرنا بالإعادة عند الظهور إذ هي صلاة قد فعلت في وقتها،فلا يستتبع وجوب الإعادة.و اعترضه في الذخيرة بأنّ وجوب الإعادة مبني على ظهور الخطأ في الظن،و نظيره في الأحكام غير عزيز.و هذا الاعتراض غريب،فإنّ الخطأ في الظن إنّما يصحّ حيث يحصل الوقت بأمارات ظنية من دون مشاهدة لحصول غيم و ما ضارعه يوجب عدم حصول العلم الواقعي بالوقت و المعرفة،و مورد الصحيحة-لو بني على ظاهرها-و كلام الفاضل في المنتهى إنّما هو صورة العلم بالوقت الذي هو غيبوبة الشمس عن النظر،و القطع به من دون خطأ و حصول شبهة،فأين هذا من حصول الخطأ في الوقت،بل لا يكون ذلك إلاّ من جهة أنّ مجرّد الغيبة عن النظر ليس بوقت،و أنّه هو خصوص ذهاب الحمرة،و بموجب ذلك يجب رفع اليد عن ظاهر الرواية،و حمله على ذهاب الحمرة و حصول الاشتباه بغيم و نحوه،و بالجملة:ذلك واضح كما لا يخفى على من تدبّر(منه عفى عنه و عن والديه).

الواردين فيها مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا لغة و عرفا،فليس بعد ذلك إلاّ طرحها.

و بالجملة فقول المبسوط حينئذ على تقديره ضعيف جدّا يستحيل المصير إليه قطعا.

و أمّا ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر أنّه قول محدث،إذ ليس إلاّ قول المشهور و ما في المبسوط الذي يرجع إليه قول الإسكافي،و المرتضى على تقدير ثبوته (1)،و قول العماني الآتي و غيره،و هو لا يوافق شيئا منها،فيندفع زيادة على ما مرّ بالندرة و الشذوذ،و مخالفته الإجماع،فتأمّل جدّا.

و هنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق من المشرق كما عن العماني (2)، للخبرين (3)،و يبدو ثلاثة أنجم كما عن الصدوقين في المقنع

ص:216


1- تقدم ذكرهما في ص:201.
2- نقله عنه في المختلف:69.
3- الأول:التهذيب 2:86/29،الاستبصار 1:958/265،الوسائل 4:175 أبواب المواقيت ب 16 ح 8. الثاني:فقه الرضا(عليه السلام):104،المستدرك 3:130 أبواب المواقيت ب 13 ذيل الحديث 3.

و الرسالة (1)،للصحيح (2).

و هما شاذّان،و مستنداهما لا يقاومان شيئا مما قدّمناه من وجوه شتّى،مع ضعف دلالتهما،و احتمالهما ككلامهم الرجوع إلى ما عليه القوم،بل أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره و لا جدوى.

و إنّما طوّلنا الكلام في المسألة لأنّها من المهمّات،و ذيل الكلام فيها أطول من ذلك،تركناه خوفا من زيادة التطويل الذي لا يناسب هذا التعليق.

الثانية لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية

الثانية:

قيل و القائل الشيخان و جماعة (3):إنه لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية و لا يجوز أن تصلى قبله إلاّ مع العذر فيجوز حينئذ كما هو ظاهر بعضهم،و أطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء.

و قد مرّ في أواخر مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا (4)و أنّ الأشهر الأظهر جواز التقديم مطلقا و لو اختيارا لكن مع الكراهة خروجا عن الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية،و إن كان الأظهر حمل المانعة منها على التقيّة،لكونه مذهب الجمهور كافّة كما عرفته.

الثالثة لا تقدم صلاة الليل على الانتصاف

الثالثة:

لا يجوز أن تقدم صلاة الليل على الانتصاف لما مر في توقيتها به (5).

ص:217


1- المقنع:65،نقله عن والده في الفقيه 2:81.
2- التهذيب 4:968/318،الوسائل 10:124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 52 ح 3.
3- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في المبسوط 1:75،و الخلاف 1:262،و انظر المراسم:62.
4- راجع ص 177-178.
5- في ص:186.

إلاّ لشابّ تمنعه من فعلها في وقتها رطوبة رأسه و دماغه أو مسافر أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة منعها لهم عن فعلها في الوقت، فيجوز لهم حينئذ تقديمها عليه على الأظهر الأشهر،بل في الخلاف الإجماع عليه (1)،بل عليه عامّة من تأخّر،عدا الفاضل في المختلف و التحرير (2)،لكنّه فيه توقّف،و في الأوّل صرّح بالمنع وفاقا للحلي (3)،و زرارة من القدماء (4).

لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته.و فيه منع على إطلاقه.

و لظاهر الصحيح:قلت له:إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم،و قال:إني أريد القيام بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع و الشهرين أصبر على ثقله،فقال:«قرّة عين له و اللّه،قرة عين و اللّه»و لم يرخّص في النوافل أوّل الليل،و قال:«القضاء بالنهار أفضل» (5).

و هو معارض بالصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة المرخّصة للتقديم مطلقا كما في بعضها،و قد مضى (6)،أو في السفر خاصة كما في كثير منها،و فيها الصحيح و غيره (7)،أو مطلق العذر كما في أكثرها،و فيها الصحاح و غيرها (8).و هي أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة،و منها صراحة

ص:218


1- الخلاف 1:537.
2- المختلف:74،التحرير 1:28.
3- السرائر 1:307.
4- حكى عنه في ذيل خبر محمد بن مسلم،انظر الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
5- الكافي 3:20/447،الفقيه 1:1381/302،التهذيب 2:447/119،الاستبصار 1: 1015/279،الوسائل 4:255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1.
6- في ص:179،و انظر الوسائل 4:253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13،14.
7- الوسائل 4:249-250 أبواب المواقيت ب 44 ح 1،4،5،6،7،10،11،19.
8- الوسائل 4:أبواب المواقيت ب 44 ح 2،12.

الدلالة،و الاعتضاد بالشهرة العظيمة،فلتحمل على الكراهة لا الحرمة،و يشير إليه ما في آخرها برواية الكليني و الشيخ:قلت:فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحبّ الخير و أهله،و تحرص على الصلاة فيغلبها النوم،حتى ربما قضت و ربما ضعفت عن قضائه،و هي تقوى عليه أوّل الليل،فرخّص لهنّ الصلاة في أوّل الليل إذا ضعفن و ضيّعن القضاء.

و هو-كما ترى-صريح في الترخيص لغلبة النوم.لكن ظاهره اختصاصه بصورة خوف فوت القضاء،كما حكي عن التذكرة (1)،و ربما يفهم من المختلف و المنتهى (2).و لا ريب أنّه أحوط،و إن كان جواز التقديم مع العذر مطلقا أقوى.

و مع ذلك ف قضاؤها أفضل من تقديمها اتفاقا فتوى و نصّا.و منه -زيادة على ما تقدم-الصحيح:الرجل من أمره القيام بالليل،تمضي عليه الليلة و الليلتان و الثلاث لا يقوم،فيقضي أحبّ إليك،أم يعجل الوتر أوّل الليل؟قال:«لا،بل يقضي و إن كان ثلاثين ليلة» (3).

و نحوه الخبر:«يقضي أحب إليّ،إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقا» (4).

و في آخر عن قرب الإسناد:عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل، أ يصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة فهل (5)يجزيه ذلك،أم عليه قضاء؟قال:«لا صلاة.حتى يذهب الثلث الأول من الليل،و القضاء بالنهار

ص:219


1- التذكرة 1:85.
2- المختلف:74،المنتهى 1:213.
3- التهذيب 2:1295/338،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.
4- التهذيب 2:448/119،الاستبصار 1:1016/280،الوسائل 4:256 أبواب المواقيت ب 45 ح 7.
5- في المصدر:و هل.

أفضل» (1).

و حيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب:لتصريح النص و الفتوى بأوّل الليل، بل ظاهر الخبر الأخير اعتبار مضيّ ثلثه الأوّل،و ضعف سنده يمنع عن تقييد النص و الفتوى به.و إطلاقهما بجواز التقديم أوّل الليل ظاهره بحكم التبادر كونه بعد العشاءين،و لعلّه متعيّن،قصرا للضرورة على محلها،و التفاتا إلى عموم ما دلّ على المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة إلاّ في المواضع المستثناة (2)،و لم يعلم كون هذا منها.

و المراد بصلاة الليل المقدّمة مجموع الثلاث عشرة ركعة،لإطلاقها عليها إطلاقا شائعا،مع التصريح بتقديم الوتر في جملة من النصوص،و مرّ في كثير من النصوص أن ركعتي الفجر من صلاة الليل (3)،و تسمى الدساستين لدسّهما فيها،فما في روض الجنان من استثنائهما من الحكم (4)غير ظاهر الوجه.

و هل ينوي مع التقديم الأداء؟الأقوى لا،بل ينوي التعجيل.

و لو أنبته في الوقت بعد أن قدّمها عليه فهل يسوغ الإتيان بها ثانيا؟ وجهان .

الرابعة إذا تلبس بنافلة الظهر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها

الرابعة:

إذا تلبس بنافلة الظهر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة على الظهر (5)،و كذا لو تلبس بنافلة العصر و لو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة

ص:220


1- قرب الإسناد:759/198،الوسائل 4:257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8 بتفاوت فيهما.
2- انظر الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.
3- الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 50.
4- روض الجنان:183.
5- في المختصر المطبوع:الفريضة.

عليه،كما في السرائر (1)،و عن النهاية و المهذب (2)،و عزا في المدارك و غيره إلى الشيخ و أتباعه و اختاره أيضا (3)،كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم من المتأخّرين (4)،من غير خلاف بينهم أجده.

للموثق:«للرجل أن يصلي من نوافل الزوال[ما بين زوال الشمس]إلى أن يمضي قدمان،فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلي تمام الركعات،فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلاّ بعد ذلك،و للرجل أن يصلّي من نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام،فإن مضت الأربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّ النوافل،و إن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها ثمَّ يصلّي العصر» (5)الخبر.

و هو نص في نافلة العصر.و فيه نوع إجمال في نافلة الظهر،لكن يدفع بعدم القائل بالفرق،و بظهور قوله عليه السلام:«فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى»فيه.

و لعل معنى قوله عليه السلام:«فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان»أنه إن بقي من وقت الزوال أي ما قبل فرض الظهر من النوافل قدر ركعة،أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين.و على التقديرين قوله:«أو قبل أن يمضي قدمان»تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح،أو الترديد من

ص:221


1- السرائر 1:202.
2- النهاية:60،المهذّب 1:71.
3- المدارك 3:71،و انظر الذخيرة:198.
4- المحقق في الشرائع 1:48،العلامة في التبصرة:20،الشهيد الأول في الدروس 1:140، الشهيد الثاني في المسالك 1:20،و انظر مجمع الفائدة 2:19.
5- التهذيب 2:1086/273،الوسائل 4:245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصدر.

الراوي.

و من الجائز أن يكون فيه سهو من الأقلام و تكون العبارة«قد صلى» مكان«قد بقي»و يكون«أو»سهوا،كذا ذكره بعض الأفاضل (1).و فيه اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه،و به صرح في الذخيرة (2).

و من هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر في الحكمين (3).

و لعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية التي دلت عليه و لم يذكر الشرطية الأخرى و هي قوله:«فإن كان قد بقي»إلى آخره.و الإجمال إنما نشأ منها.

و إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة،إلاّ أن في السرائر و عن المعتبر و جماعة اشتراطه (4).و النص كما ترى مطلق،لكن في ذيله اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر و بعد الأربعة أقدام قدم في العصر،فإن صحّ مستندا لهم،و إلاّ فلا أعرف مستندهم عدا ما قيل (5)من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب (6).

و هو حسن إن كان اشتراط التخفيف لمجرد الفضل.و إن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على السنن،إذ غايتها إثبات

ص:222


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:168.
2- الذخيرة:198،فقال:و الحكم الذي ذكروه في العصر مصرح في الخبر،و أما الظهر فلا،لأن مفهومي الشرطين المذكورين في حكمهما متعارضان إلاّ أن يثبت عدم القائل بالفصل.منه رحمه اللّه.
3- المدارك 3:71.
4- السرائر 1:202،المعتبر 2:59،و انظر النهاية:60،و الشرائع 1:48،و المسالك 1: 20.
5- كما في المدارك 3:71.
6- ربما يتطرق إليه النظر بأنه كما يوجب المسارعة إلى فضيلة فعل الواجب في وقته،لكنه يوجب فوات فضيلة التطويل المندوب إليه في الصلاة مطلقا و لو نافلة.إلاّ أن يقال:إنّ فضيلة الفريضة أولى من فضيلة النافلة.منه رحمه اللّه.

الفضل بناء على جواز تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا،كما هو الأشهر الأقوى.نعم،لو قلنا بالمنع عنه-كما هو مذهب الشيخين و غيرهما (1)-اتجه ذلك.

كما لو قلنا بحرمة النافلة في وقت الفريضة و عدم حجية الموثقة،فإنه حينئذ يجب الاقتصار-في المزاحمة المزبورة المخالفة للأصل على هذا التقدير-على القدر المجمع عليه.

و إطلاق الموثق لا عبرة به،لعدم حجيته،مع عدم معارضته لإطلاق خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد خروج وقتهما، و فيها الصحيح و غيره (2)،خرج منها القدر المتفق عليه،و هو المزاحمة مع التخفيف،و بقي الباقي.

و من هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناء على الأصل المتقدم و لو قلنا بحجية الموثق،إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عددا و سندا و اعتضادا بالأصول،فتأمّل جدّا (3).

و كيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط و أولى.

و المراد به-كما ذكروه-الاقتصار على أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها،و تسبيحة واحدة في محلها.بل عن بعض المتأخرين أنه لو تأدّى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام،قال:لإطلاق الأمر بالتخفيف (4).

ص:223


1- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:58،و انظر الوسيلة:81،و المهذّب 1:71، و الكافي في الفقه:138.
2- انظر الوسائل 4:141 أبواب المواقيت ب 8 ح 1 إلى 4،و ح 35،و ص 226 ب 35 من تلك الأبواب.
3- وجهه:أنّ المعارض هنا من قبيل المطلقات و الموثقة من قبيل المقيّد،و لا يشترط في مثلهما التكافؤ العددي و السندي و نحوهما.منه رحمه اللّه.
4- نقله في المدارك 3:71-أيضا-عن بعض المتأخرين.

و هل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا يوم الجمعة،أو صلاتها، أو يعمّهما أيضا؟أوجه،إطلاق النص و الفتوى يقتضي الأخير.و اختصاصه بما عدا صلاة الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها،سيّما مع كثرة الأخبار بضيقها (1)،و هذا أحوط و أولى.

و هل هي أداء؟قيل:الأقرب ذلك (2)،تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة منها.

و لا يبعد هذا إن اشترطنا قصد الأداء،و إلاّ-كما هو الأقوى-فيكفي قصد القربة مطلقا.

و لو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة فتبين السعة:قيل:يصلّيها بعدها أداء لبقاء وقتها (3).

و فيه نظر.و يأتي على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضا،إن لم يحصل الإشكال في أصل فعلها،كما إذا كانت نافلة العصر و صليت في وقتها بعد فريضتها.و يشكل فيما لو كانت نافلة الظهر،إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت فريضة لم يعلم استثناؤه،لاختصاص المستثنى لها من النص و الفتوى بحكم التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها لا مطلقا،و هذا هو وجه النظر الذي قدّمناه،فتأمّل جدّا .

و اعلم أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة المغربية التي هي آخر وقتها كما مضى (4)و لم يكملها

ص:224


1- انظر:الوسائل 7:315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
2- قال به الشهيد في الدروس 1:141.
3- كما قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:41،و الشهيد الثاني في روض الجنان: 181.
4- في ص:184.

بدأ بالعشاء إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت الفريضة،كما هو الأشهر الأقوى،بل نفي الحلي عنه الخلاف في نوافل الظهرين (1)،و لا قائل بالفرق جدّا،للأصل من غير معارض،لاختصاصه بنوافلهما،و التعدّي قياس لا يجوز عندنا.

فقول الحلي هنا بإتمام الأربع بالشروع في ركعة منها (2)-كما في الظهرين-لا وجه له ظاهرا إلاّ أن يكون إجماعا.و هو ضعيف جدّا،لاشتهار خلافه بين الأصحاب على الظاهر،المصرّح به في الذخيرة (3)،و إن اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا و في القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى (4)،أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها،و إلاّ فيكمّلهما خاصّة،أوليين كانتا أم أخيرتين،كما ذكره الشهيدان و غيرهما (5)،قالوا:للنهي عن إبطال العمل.

و هو حسن إن قلنا بتحريمه مطقا.و إن خصّصناه بالفريضة و قلنا بكراهته في النافلة كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (6)،أو مطلقا كما عليه بعض هؤلاء الجماعة،أشكل الاستثناء،لعموم أدلّة تحريم النافلة في وقت الفريضة، و الإبطال لا يستلزم غير الكراهة،و هي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منتفية، لاختصاصها بما إذا لم تعارضها حرمة،و قد عارضتها في المسألة،لعموم الأدلّة على الحرمة.

إلاّ أن يمنع و يدّعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة،لا عدم وقوعها فيه مطلقا و لو بجزء منها.و هو غير بعيد،فما قالوه

ص:225


1- السرائر 1:199.
2- السرائر 1:202.
3- الذخيرة:199.
4- القواعد 1:25،الإرشاد 1:243،التحرير 1:28،المنتهى 1:214.
5- الشهيد الأول في الذكرى:124،الشهيد الثاني في روض الجنان:181،و انظر جامع المقاصد 2:21،و المدارك 3:75.
6- روض الجنان:182.

حسن،سيّما على المختار من عموم تحريم الإبطال للنوافل أيضا.

و ربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء،لقوة احتمال شمول أدلّة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا،مع احتمال منعه أيضا

الخامسة إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت النافلة

الخامسة:

إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت وقت النافلة الليلية عدا ركعتي الفجر فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على المشهور،و الشيخ-كما عرفت- لم يستثنهما بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت بطلوع الفجر الثاني (1).

بلا خلاف إلاّ منه في كتاب الحديث،فجوّز فعلها بعده مزاحما بها الفريضة (2)، و تبعه الماتن في المعتبر و صاحبا المدارك و الذخيرة (3)،للنصوص المستفيضة الدالة عليه،و فيها الصحيحان و ما يقرب منهما سندا و غيرهما (4)،و لعله ظاهر الصدوق أيضا حيث قال:و قد رويت رخصة في أن يصلي الرجل صلاة الليل بعد طلوع الفجر المرّة بعد المرّة،و لا يتخذ ذلك عادة (5).

لكنه كما ترى اشترط في ذلك عدم الاعتياد،كما هو ظاهر جملة منها، و إلى هذا يميل في المنتهى (6)،و به جمع بين هذه الأخبار و الأخبار الآتية الناهية عن الإيتار في وقت الفريضة (7)،فقال:لا منافاة بينهما،فإنّ ما دل على جواز إيقاع صلاة الليل و الوتر بعد الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة،

ص:226


1- راجع ص:195.
2- انظر التهذيب 2:126،340.
3- المعتبر 2:57،المدارك 3:84،الذخيرة:201.
4- الوسائل 4:261 أبواب المواقيت ب 48.
5- الفقيه 1:/308ذيل حديث 1404،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 7.
6- منتقى الجمان 1:449.
7- في ص 223-224.

و النهي متوجه إلى من يتّخذه عادة.

و هو حسن مع حصول التكافؤ بينهما،و ليس،لضعف سند أكثر الأخبار المرخّصة،و عدم مقاومة صحيحها-كالباقية-للأخبار المقابلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،و بالاستفاضة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلها متواترة،في أنّ آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني (1)،و إن اختلف في المنع عن فعلها بعده ظهورا و صراحة.

فمن الأوّل:كلّ ما دلّ منها على أنّه آخرها،إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان آخر لها.مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت الفريضة،و قد منعت عنه النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة،و منها خصوص الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر،المانعة عن فعلهما بعد الفجر،معلّلا بقوله:

«أ تريد أن تقايس»إلى آخره (2)،الصريح في كون النهي على جهة الحرمة كما عرفته.

و من الثاني:الصحيح:أوتر بعد ما يطلع الفجر؟قال:«لا» (3).

و المنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بطريق أولى.و منع الأولوية -كما في الذخيرة (4)-لا أعرف له وجها،مع أنه لا قائل بالفرق جدّا.

و أظهر منه الصحيح:عن الرجل يكون في بيته و هو يصلي،و هو يرى أنّ عليه ليلا،ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب،فقال:قد أصبحت،هل يصلّي

ص:227


1- الوسائل 4:257 أبواب المواقيت ب 46.
2- راجع ص:196.
3- التهذيب 2:479/126،الاستبصار 1:1021/281،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 6.
4- الذخيرة:200.

الوتر أم لا،أو يعيد شيئا من صلاته؟قال:«يعيد أن صلاّها مصبحا» (1).

و الخبر:«إذا أنت قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالفريضة و لا تصلّ غيرها، فإذا فرغت فاقض ما فاتك» (2)الحديث.

و قريب منه الرواية الآتية من حيث دلالتها على المنع بالمفهوم إذا لم يصلّ أربع ركعات (3)،هذا.

مع أنّ النصوص السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت الفريضة مطلقا كما ذكره الشيخ و من تبعه،أو مع عدم الاعتياد كما ذكره الصدوق و من بعده (4)،بل مطلقة أو ظاهرة،يحتمل تقييدها بما إذا أدرك أربعا في الليل،للاتفاق على الجواز حينئذ،كما سيأتي إليه الإشارة،أو حمل الفجر فيها على الأوّل.

و هما و إن بعد إلاّ أنّهما أولى من الجمع الذي ذكروه جدّا،فإنّ فيه إيثارا للأخبار المرجوحة،و طرحا للأخبار المشهورة،و لا كذلك الجمع الذي ذكرناه، و هو مع ذلك أوفق للنصوص المستفيضة المانعة عن النافلة في وقت الفريضة (5)،و أنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة في نحو العبادات التوقيفية،فلا معدل عما ذكره الأصحاب و لا مندوحة،سيّما مع احتمال الأخبار المرخّصة للتقية.

و لو تلبس من صلاة الليل بأربع ركعات زاحم بها صلاة الصبح

ص:228


1- التهذيب 2:1404/339،الاستبصار 1:1070/292،الوسائل 4:259 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.
2- التهذيب 2:1402/339،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
3- انظر ص:223.
4- راجع ص:220.
5- الوسائل 4:226 أبواب المواقيت ب 35.

ما لم يخش فوات الفرض عن وقت فضيلته،بلا خلاف أجده،و به صرّح بعض الأجلّة (1)،بل و ادعى عليه الشهرة جماعة (2).

للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب-كما في المنتهى و الذخيرة (3)- و فيه:«إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع» (4).و نحوه الرضوي (5).

و عليه يحمل إطلاق ما مرّ و خبر آخر:قلت له عليه السلام:أقوم و أنا أشكّ في الفجر،فقال:«صلّ على شكك،فإذا طلع الفجر فأوتر و صلّ الركعتين» (6)الخبر.

و أمّا ما في آخر:قلت له:أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر،أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟فقال:«لا،بل أوتر و أخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار» (7).

فمع قصور سنده بالضعف و الإضمار،غير معلوم المنافاة لما سبق،فإنّ مورده من صلّى أربعا و طلع الفجر،و مورد هذا من صلاّها و خشي طلوعه.

و إنما أمره بالإيتار حينئذ ليدرك الوتر في الليل،لتظافر الأخبار بفضل الإيتار في الليل،منها:عن الرجل يقوم آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح

ص:229


1- كالأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:36.
2- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:169،و السبزواري في الذخيرة:200.
3- المنتهى 1:214،الذخيرة:200.
4- التهذيب 2:475/125،الاستبصار 1:1025/282،الوسائل 4:260 أبواب المواقيت ب 47 ح 1.
5- فقه الرضا(عليه السلام):139،المستدرك 3:154 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
6- التهذيب 2:1402/339،الوسائل 4:262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
7- التهذيب 2:476/125،الاستبصار 1:1026/282،الوسائل 4:260 أبواب المواقيت ب 47 ح 2.

أ يبدأ بالوتر،أو يصلي الصلاة (1)على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟قال:

«بل يبدأ بالوتر» (2).

و في الصحيح:«أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلّي ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل؟!» (3).

و بما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من المحققين جماعة (4)و لكن ظاهر الشيخ و الفاضل في المنتهى و غيرهما فهم المنافاة (5)،و لذا حملوه على الفضيلة،و الرواية السابقة على مطلق الجواز.

و قد ذكر جماعة هنا التخفيف أيضا (6).و الكلام فيه كما في التخفيف في نافلة الظهرين.و ربما يعضد ثبوته هنا الخبر:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

إني أقوم آخر الليل و أخاف الصبح،قال:«اقرأ الحمد و اعجل و اعجل» (7).

و فيه دلالة أيضا على المنع عن نافلة الليل بعد الفجر كما مر،و إلاّ لما أمر بالإعجال.

و عليه ف لو تلبس (8)بما دون الأربع ثمَّ طلع الفجر،بدأ بالفريضة و قضى نافلة الليل اقتصارا في محل الرخصة على مورد الرواية المقبولة،مع

ص:230


1- في«م»:صلاة الليل،و في«ح»:النافلة.
2- الكافي 3:28/449،التهذيب 2:474/125،الاستبصار 1:1020/281،الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.
3- التهذيب 2:1391/337،الوسائل 4:258 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
4- منهم:صاحب المدارك 3:82،و السبزواري في الذخيرة:200،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:169،و صاحب الحدائق 6:234.
5- الشيخ في التهذيب 2:125،المنتهى 1:214،و انظر الوسائل 4:260.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:62،و العلامة في المنتهى 1:214.
7- الكافي 3:27/449،التهذيب 2:473/124،الاستبصار 1:1019/280،الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.
8- في المختصر المطبوع:و لو كان التلبس.

أنها على المنع هنا بالمفهوم المعتبر دالة.

هذا إذا لم يشرع في ركعتين،و إلاّ يتمّهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب (1)،فإنه بحسب الدليل لا فرق بينهما.

السادسة تصلّى الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق وقت الحاضرة

السادسة:

يجوز أن تصلّى الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق وقت (2)الحاضرة فتقدّم إجماعا في المقامين،على الظاهر،المصرح به في جملة من العبائر (3)، و هو الحجة،مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض،و خصوص النصوص الآتية في بحث القضاء و الصلوات الآتية مثل الكسوف و الزلزلة.

و كذا تصلى النوافل مطلقا ما لم يدخل وقت الفريضة فتقدّم عليها،إلاّ إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها،و إلاّ فتقدم عليها أيضا وجوبا.

وفاقا للمبسوط و المقنعة و النهاية و الاقتصاد و الجمل و العقود و السرائر و الوسيلة و الإصباح و الجامع (4)،و كتب الماتن (5)،و محتمل المهذب فيما حكي (6)،و الفاضل في القواعد و الإرشاد (7)،و بالجملة المشهور،على الظاهر،

ص:231


1- راجع ص:184.
2- في المختصر المطبوع زيادة:الفريضة.
3- المدارك 3:87،كشف اللثام 1:161.
4- المبسوط 1:76،المقنعة:212،النهاية:127.الاقتصاد:256،الجمل و العقود (الرسائل العشر):175،السرائر 1:203،الوسيلة:84،الجامع للشرائع:61.
5- الشرائع 1:49،المعتبر 2:60.
6- المهذب 1:127،قال فيه:و كذلك يقضي النافلة المنسية أيّ وقت ذكرها،إلاّ أن يكون قد حضر وقت فريضة،فينبغي أن يصلّي الفريضة ثمَّ يقضي النافلة بعد ذلك إن أراد.
7- القواعد 1:24،الإرشاد 1:244.

المصرح به في روض الجنان و غيره (1)،بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا (2)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،و هو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة،و غيرها من المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.

منها-زيادة على النصوص المتقدمة في تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين،الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (3)، و المتقدمة في آخر ركعتي الفجر (4)،و في عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر الثاني (5)-الصحيح:«إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة» (6).

و الصحيح المروي في كلام جماعة:«لا تصلّي نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه؟»قلت:

لا،قال:«فكذلك الصلاة»قال:فقايسني و ما كان يقايسني (7).

و نحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر،الناهية عن فعلهما بعده (8).

و الصحيح المروي في مستطرفات السرائر:«لا تصلّ من النافلة شيئا في

ص:232


1- روض الجنان:183،و انظر جامع المقاصد 2:23.
2- المعتبر 2:60.
3- راجع ص:181.
4- في ص:196.
5- في ص:221.
6- الذكرى:134،الوسائل 4:285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
7- روض الجنان:184،المدارك 3:88،الحبل المتين:150،الوافي 7:365،المستدرك 3:160 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
8- في ص:196.

وقت فريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة،فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها» (1).

و في الموثق:قيل لأبي جعفر عليه السلام:مالي لا أراك تتطوع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس،فقال:«إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة،فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة و النهي عن النافلة،أو النفي لها الراجع إليهما في إفادة التحريم، و المفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.

و يعضد وجوه الدلالة المقايسة و التنظير في الصحيحين بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة الممنوع عنه منع تحريم اتفاقا،فيكون المنع هناك كذلك بحكم السياق كما لا يخفى.

و منه يظهر عدم إمكان حمل نحوهما على الكرهة،كما زعمه الشهيدان و جماعة (3)،جامعين بها بين النصوص المتقدمة و النصوص الأخر المرخّصة لفعلها،و هي مستفيضة،مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن:قلت له عليه السلام:إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟قال:«الفضل أن تبدأ بالفريضة،إنما أخرت الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين» (4).

و فيه-زيادة على ما عرفته من عدم قبول نحو الصحيحين المانعين الحمل

ص:233


1- مستطرفات السرائر:7/73،الوسائل 4:228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.
2- التهذيب 2:661/167،الاستبصار 1:906/252،الوسائل 4:227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.
3- الشهيد الأول في الدروس 1:142،الشهيد الثاني في روض الجنان:184،و انظر جامع المقاصد 2:24،مجمع الفائدة 2:44،و المدارك 3:89.
4- الكافي 3:6/289،الوسائل 4:230 أبواب المواقيت ب 36 ح 3.

على الفضيلة-أن الجمع فرع المكافأة.و هي في المقام مفقودة،لصحة كثير من الأخبار،و استفاضتها القريبة من التواتر،و اعتضادها بالشهرة العظيمة و التعليلات الواردة فيها،منها-زيادة على ما مر في الصحيحين-التعليل الوارد في تحديد نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين بقولهم عليهم السلام:«لمكان النافلة،لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع»إلى آخر ما عرفت (1).

و مفهومه أنه بعد مضيّ الذراع ليس لك أن تنفّل،و هو كالنص في التحريم،و مع ذلك مؤكّد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة و ترك النافلة (2)و لا كذلك أخبارهم،فإنها-مع مخالفتها الشهرة بل الإجماع إذ لم نجد قائلا بها عدا الشهيد-رحمه اللّه-و من تبعه،و إلاّ فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة،و لعله لذا ادّعى الماتن عليه إجماع الطائفة (3)-كثير منها (4)قاصرة الأسانيد،غير صريحة الدلالة،بل و لا ظاهرة،كالصحيح منها أيضا:«إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاة فإن كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين،و إن كانت العصر فليجعل الركعتين الأوليين نافلة و الأخيرتين فريضة» (5).

و ذلك فإن النافلة فيه إن أريد بها الفريضة المعادة لم يرتبط بموضع المسألة.كما لا ربط به للصحيح:عن رجل دخل المسجد و افتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن مؤذّن و أقام الصلاة،قال:«فليصلّ ركعتين ثمَّ

ص:234


1- راجع ص:181.
2- راجع ص:229.
3- المعتبر 2:60.
4- في«م»:مع أنّ كثيرا منها.
5- التهذيب 2:573/226،الوسائل 8:329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 4 و فيهما بتفاوت يسير.

ليستأنف الصلاة مع الإمام،و لتكن الركعتان تطوعا» (1).

لكون هذه النافلة مستثناة إجماعا،كما سيأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

و كذلك النصوص الدالة على خصوص بعض النوافل في بعض أوقات الفرائض-كالغفيلة-لا ربط لها بالمقام،لأنه ارتضاها الأصحاب و استثنوها بالخصوص.

و إن أريد بها النافلة الحقيقية لدلّت حينئذ على جواز الجماعة في النافلة،و هو خلاف الإجماع،كما ستعرفه في بحثها إن شاء اللّه تعالى، فتكون الرواية لذلك شاذة،فتأمّل.

كالصحيح الآخر:عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة،ما حدّ هذا الوقت؟قال:«إذا قام المقيم و قد شرع في الإقامة» فقال له:الناس يختلفون في الإقامة،قال:«المقيم الذي تصلي معه» (2).

و ذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده،و إن احتمله بعضهم (3)في مقام الجمع بين الأخبار المختلفة،لكن فتواه القول بإطلاق الكراهة.

و أما النصوص الدالّة على شرعيّة النوافل مطلقا و قضاء الرواتب منها متى شاء (4)،فهي و إن كانت كثيرة قريبة من التواتر،و فيها الصحاح و غيرها،إلاّ أنّ دلالتها بالعموم،و ما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها،كما هو

ص:235


1- الكافي 3:3/379،التهذيب 3:792/274،الوسائل 8:404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
2- الفقيه 1:1136/252(و فيه بتفاوت يسير)،التهذيب 3:841/283،الوسائل 4:228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.
3- انظر المدارك 3:89،و الذخيرة:203.
4- الوسائل 4:43 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 12،و ص 231 أبواب المواقيت ب 37، 39.

القاعدة المقررة المسلمة.

فليت شعري كيف يمكن الاستناد بمثل هذه الأخبار في ردّ تلك الأخبار الواضحة الدلالة و الإسناد،المعتضدة بعمل الأصحاب،المخالفة للعامة على ما يستفاد من الموثقة السابقة (1)لقوله:«كما يصنع الناس»و المراد بهم العامة كما لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة عليهم السلام،ثمَّ قوله عليه السلام:

إنا إذا أردنا»إلى آخره،حيث جعل عليه السلام ذلك من خواصهم.

و ربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان المتضمنان لقياس الصلاة بالصيام (2)،فإنّ الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء العبدة للأصنام،جدلا معهم بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.

و بذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة-على تقدير تسليم دلالتها- على التقية.

و كذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور دلالة أو صراحة،و منها:

الحسنة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام:«الفضل أن تبدأ بالفريضة» (3)مع أنه تأمّل في دلالتها أيضا جماعة (4)،بناء على أن الفضل غير الأفضلية،و هو يحصل في الواجب أيضا،فتأمّل جدا .

و منها:الصحيحان:عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟قال:

«متى شاء،إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» (5).

ص:236


1- في ص 227.
2- راجع ص:226.
3- راجع ص:227.
4- منهم صاحب الحدائق 6:262.
5- الكافي 3:6/452،7،التهذيب 2:639/163،640،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6،7.

و الموثق:«إن فاتك شيء من تطوّع النهار و الليل فاقضه عند زوال الشمس،و بعد الظهر عند العصر،و بعد المغرب،و بعد العتمة،و من آخر السحر» (1)،و نحوه المروي عن قرب الإسناد (2).

و إن أبيت عن الحمل على التقية لأجبنا عن الأخبار السابقة بما عرفته، و عن هذه:

أوّلا:بقصورها جملة من المقاومة لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة، كما عرفته.

و ثانيا:بقصور سند الأخيرين منها-و إن كانا صريحين-مع عدم جابر لهما في مقابلة ما قدمناه و لا سيّما الصحيحين الصريحين.و أمّا الصحيحان الأوّلان فليس نصّين في قضاء النوافل،فيحتمل الفرائض خاصة.و ترك الاستفصال و إن اقتضى عمومهما لهما،لكن العموم غايته الظهور و يصرف عنه بما قدمناه من أدلّة المشهور فيخصّصان بها.

لكن على هذا ينافيان المشهور القائلين بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة،و لزوم تقديمها على الحاضرة،لدلالتهما على هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة،و لم يقولوا به.

لكن فيما ذكرناه أوّلا من الأجوبة كفاية إن وافقنا المشهور على القول بالمضايقة كما هو الأقرب،و إلاّ فلا يرد علينا الإشكال المزبور بالمرة.

و اعلم أن ظاهر العبارة-كغيرها من عبائر الجماعة-عدم البأس بفعل النافلة لمن عليه فريضة،مع أنّ الأشهر الأظهر عدم الفرق و حرمتها عليه أيضا.

و سيأتي في بحث القضاء من الماتن و غيره ممن ضاهى عبارته هنا عبارته ما

ص:237


1- التهذيب 2:642/163،الوسائل 4:277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.
2- قرب الإسناد:780/202،الوسائل 4:263 أبواب المواقيت ب 49 ح 1.

يعرب عن الموافقة،و قولهم أيضا بالحرمة،و يمكن استنباطه من العبارة بتعميم وقت الفريضة فيها لوقتي الحاضرة و الفائتة،و خالف فيه أيضا كل من قال هنا بالكراهة.

و بالجملة لم أعرف قائلا بالفرق بين المسألتين فيما أجده،و به صرّح شيخنا في روض الجنان في هذه المسألة (1).

و تحقيق القول في المسألة الثانية يأتي في بحث القضاء إن شاء اللّه سبحانه.

السابعة يكره ابتداء النوافل

السابعة:

يكره ابتداء النوافل في خمسة مواطن،ثلاثة تعلق النهي فيها بالزمان،و هي عند طلوع الشمس حتى ترتفع و تذهب الحمرة و يستوي سلطانها بظهور أشعّتها،فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف.

و عند غروبها أي ميلها إلى الغروب،و هو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.

و عند قيامها في وسط النهار،و وصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.

و وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل بعد صلاتي الصبح حتى تطلع الشمس و العصر حتى تغرب.

كل ذلك على المشهور بين الأصحاب-بل لعله عليه عامة متأخّريهم على الظاهر-المصرّح به في عبائر جماعة (2)،و عن الغنية الإجماع عليها (3)،

ص:238


1- روض الجنان:184.
2- انظر مجمع الفائدة 2:46،و المفاتيح 1:98،و الكفاية:15.
3- الغنية(الجوامع الفقهية):556.

و هو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،ففي الصحيح:«يصلّى على الجنازة في كل ساعة،إنها ليست بصلاة ركوع و لا سجود،و إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها التي فيها الخشوع و الركوع و السجود،لأنها تغرب بين قرني شيطان و تطلع بين قرني شيطان» (1).

و فيه:«لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة» (2).

و في الموثق:«لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إنّ الشمس»و ذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة،و قال:«لا صلاة بعد العصر حتى تصلّي المغرب» (3)و نحوه الموثق الآخر (4)لكن من دون ذكر التعليل.

و ظاهرهما-كالعبارة-تعلق النهي بالنوافل بعد زماني الفجر و العصر،لا بعد صلاتيهما كما قلناه وفاقا للمشهور،بل قيل:إنّ الأصحاب قاطعون به (5)، مؤذنا بنقل الإجماع،و هو ظاهر الشهيد-رحمه اللّه-حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة (6).

و في الخبرين:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة بعد

ص:239


1- الكافي 3:2/180،التهذيب 3:474/202،الاستبصار 1:1814/470،الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذيب 3:44/13،الاستبصار 1:1576/412،الوسائل 7:317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 6.
3- التهذيب 2:694/174،الاستبصار 1:1065/290،الوسائل 4:234 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.
4- التهذيب 2:695/174،الاستبصار 1:1066/290،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 2.
5- كشف اللثام 1:156.
6- انظر الذكرى:126.

طلوع الشمس و عند غروبها و عند استوائها» (1)و زيد في أحدهما التعليل بما مرّ (2)،إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و ظاهر أكثرها التحريم،كما عليه المرتضى في الثلاثة الأول،مدّعيا على الأوّل منها الإجماع في صريح الانتصار و ظاهر الناصرية (3)،و زاد فيها الخامس (4)،و قال فيهما (5)بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال،و يوافقه ظاهر العماني فيه كذلك،و في الخامس (6)،و ظاهر الإسكافي (7)في الثلاثة الأول كما في العبارة (8).لكن كلامهما ليس نصا في التحريم،و كذا كلام السيد، لاحتمال نفي الجواز الذي لا كراهة فيه،كما يستعمل كثيرا في عبارات القدماء،و إلاّ فهو شاذ،بل على خلافه الإجماع في المختلف (9).

و هو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا أوجبا صرف النهي و ما في معناه في النصوص إلى الكراهة.مضافا إلى التعبير بها عن المنع في الصحيحة الاولى (10)،و ب«لا ينبغي»في المروي عن العلل (11)،هذا.

و توقف الصدوق-رحمه اللّه-في أصل الحكم،قال في الفقيه-بعد نقل

ص:240


1- الفقيه 4:1/2،أمالي الصدوق:1/344،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.
2- الفقيه 1:1430/315،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 7.
3- الانتصار:50،الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
4- أي التنفّل بعد صلاة العصر.
5- أي في الانتصار و الناصرية.
6- حكاه عنه في المختلف:76.
7- حكاه عنه في المختلف:76.
8- أي من دون القول بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال كما عليه المرتضى و العماني.منه رحمه اللّه.
9- المختلف:76.
10- راجع ص:233.
11- علل الشرائع:1/343،الوسائل 4:237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9.

رواية النهي في الثلاثة الأول-:إلاّ أنه روى جماعة من مشايخنا،عن الحسين ابن محمد بن جعفر الأسدي-رضي اللّه عنه-أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري-قدس اللّه روحه-:«و أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس:إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة،فصلّها و أرغم أنف الشيطان» (1).

و قال في الخصال-بعد أن روى عن عائشة و غيرها نصوصا مستفيضة متضمنة لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ركعتين بعد العصر و ركعتين بعد الفجر، كما في جملة منها،و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى البردين دخل الجنة» يعني بعد الغداة و بعد العصر،كما في بعضها،ما لفظه-:كان مرادي بإيراد هذه الأخبار الردّ على المخالفين،لأنّهم لا يرون بعد الغداة و بعد العصر صلاة، فأحببت أن أبيّن لهم أنهم قد خالفوا النبي صلّى اللّه عليه و آله في قوله و فعله (2).

و نحوه المفيد-رحمه اللّه-في كتابه المسمى ب«افعل لا تفعل»حيث شنع على العامة في روايتهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك (3).و مال إليه جماعة من محققي متأخّري المتأخّرين (4).

و هو غير بعيد،سيّما مع إطلاق بعض النصوص بفعل النوافل في الأخيرين،ففي الخبر:«صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت،و بعد صلاة

ص:241


1- الفقيه 1:1431/315،الوسائل 4:236 أبواب المواقيت ب 38 ح 8.
2- الخصال:69-105/71-107،الوسائل 4:237 أبواب المواقيت ب 38 ح 10-12.
3- لم نعثر في المصادر الرجالية على من نسب هذا الكتاب إلى المفيد(رحمه اللّه)،و إنما الموجود فيها نسبته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن النعمان الأحول الملقب بمؤمن الطاق،انظر رجال النجاشي:325،الفهرست:131،معالم العلماء:95،الذريعة 2:261.
4- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:46،47،صاحب المدارك 3:108-109.

الغداة ما شئت» (1).

و لكن كان الأولى عدم الخروج عمّا عليه الأصحاب من الكراهة،نظرا إلى التسامح في أدلّتها،كما هو الأشهر الأقوى.

و اعلم أنّ قوله عدا قضاء النوافل المرتّبة،و ماله سبب كصلاة الطواف،و الإحرام،و الزيارة،و الحاجة،و الاستخارة،و الاستسقاء،و التحيّة، و الشكر،و نحو ذلك،استثناء متصل إن أريد بابتداء النوافل الشروع فيها،و إلاّ فمنقطع.

و كيف كان فهذا الاستثناء مشهور بين الأصحاب،بل عليه عامّة متأخّريهم،و في الناصرية الإجماع عليه (2)،و هو الحجّة المخصّصة لعموم النصوص المانعة.

مضافا إلى عموم المستفيضة بقضاء النافلة في أيّ وقت شاء،بل ظاهر جملة منها،المترجحة بذلك و بالشهرة على الأخبار المانعة،ففي الصحيح:

عن قضاء النوافل،قال:«ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» (3).

و في المرسل كالصحيح:عن القضاء قبل طلوع الشمس و بعد العصر، فقال:«نعم،فاقضه فإنه من سرّ آل محمد المخزون» (4).و نحوه الخبران (5).

ص:242


1- التهذيب 2:688/173،الاستبصار 1:1059/289،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 5.
2- الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
3- التهذيب 2:1084/272،الاستبصار 1:1064/290،الوسائل 4:242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.
4- التهذيب 2:693/174،الوسائل 4:244 أبواب المواقيت ب 39 ح 17.
5- الأول: التهذيب 2:680/171،الوسائل 4:244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16. الثاني: الفقيه 1:1032/235،الوسائل 4:240 أبواب المواقيت ب 39 ح 2.

و في آخرين أحدهما الحسن:«اقض صلاة الليل أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار،كل ذلك سواء» (1)و نحوهما الصحيح (2).

و في آخر:كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،و من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس،فكتب إلىّ:«لا يجوز ذلك إلاّ للمقتضي» (3)فتدبر .

و في الخبر:في قضاء صلاة الليل و الوتر تفوت الرجل،أ يقضيها بعد صلاة الفجر و بعد صلاة العصر؟قال:«لا بأس بذلك» (4).

و عموم أدلّة شرعية ذوات الأسباب عند حصولها،بل ظاهر جملة منها في ركعتي الإحرام،و فيها الصحيح و غيره:«خمس صلوات لا تترك على حال، إذا طفت بالبيت،و إذا أردت أن تحرم،و صلاة الكسوف،و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت،و صلاة الجنازة» (5)كما في الأوّل،و نحوه الثاني بزيادة:«و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس،و بعد العصر إلى الليل» (6).

و التعارض بينه و بين عموم الأخبار المانعة أو إطلاقها و إن كان تعارض

ص:243


1- التهذيب 2:690/173،691 الاستبصار 1:1061/290،1062،الوسائل 4:243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11،13.
2- التهذيب 2:692/174،الاستبصار 1:1063/290،الوسائل 4:243 أبواب المواقيت ب 39 ح 12.
3- التهذيب 2:696/175،الاستبصار 1:1068/291،الوسائل 4:235 أبواب المواقيت ب 38 ح 3.
4- التهذيب 2:687/173،الاستبصار 1:1058/289،الوسائل 4:242 أبواب المواقيت ب 39 ح 10.
5- الكافي 3:2/287،التهذيب 2:683/172،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.
6- الكافي 3:1/287،التهذيب 2:682/171،الوسائل 4:241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.

العموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر،إلاّ أن الأصل و الشهرة العظيمة و حكاية الإجماع المتقدمة أوجب ترجيح هذا العموم و تخصيصه لعموم المنع،سيّما مع وهنه بتخصيص قضاء النوافل عنه كما مر.

و كذا الفرائض مطلقا كما هو المشهور،لفحوى ما دلّ على استثناء قضاء النوافل،و للإجماع المحكي عليه في صريح الناصرية و المنتهى و التحرير، و ظاهر التذكرة (1).

و للنصوص المستفيضة،منها النصوص الآمرة بقضاء الفرائض متى ذكرها (2)،كما سيأتي في بحثه إن شاء اللّه تعالى.

و أوامر المسارعة إلى المغفرة (3)،و إلى نقل الموتى إلى مضاجعهم (4)، و احتمال فوات الوقت إذا أخّرت نحو صلاة الكسوف.

و خصوص نصوص صلاة طواف الفريصة،و هي كثيرة،منها:عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس،قال:«وجبت عليه تلك الساعة الركعتان،فليصلّهما قبل المغرب» (5).

و منها:عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر،أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟قال:«نعم،أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس عن الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف» (6).

ص:244


1- الناصرية(الجوامع الفقهية):194،المنتهى 1:215،التحرير 1:27،التذكرة 1:80.
2- الوسائل 8:256 أبواب قضاء الصلوات ب 2.
3- آل عمران:133.
4- الكافي 3:1/137،التهذيب 1:1359/427،و رواها في الفقيه 1:389/85 مرسلا، الوسائل 2:471 أبواب الاحتضار ب 47 ح 1.
5- الكافي 4:3/423،الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76 ح 1.
6- الكافي 4:7/424،الوسائل 13:434 أبواب الطواف ب 76 ح 2.

و خصوص الصحيحة المتقدمة في صلاة الجنازة (1)،و نحوها اخرى:

«لا بأس بصلاة الجنازة حين تغيب الشمس و حين تطلع،إنما هو استغفار» (2).

و قريب منهما بعض الأخبار:هل يمنعك شيء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنازة؟قال:«لا» (3).

و خصوص ما ورد في صلاة الكسوف،كالصحيح:«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها» (4).

و ما ورد بكراهة قضاء الفرائض (5)و صلاة الجنازة في بعض هذه الأوقات (6)فلا تكافئ هذه النصوص من وجوه شتى،و إن تضمنت الصحاح و غيرها، و ينبغي حملها على التقية جدّا،كما أنّه ينبغي أن يحمل عليها مطلق الأخبار المانعة،لما عرفته،لكن الشهرة ربما أبعدته فيها،أو أوجبت هي الكراهة بنفسها،و ينبغي حينئذ أن ندور مدارها،و حيث لا شهرة على الكراهة في المستثنيات و الفرائض،بل الشهرة على خلافها،نفيناها بالأصل السليم عن المعارض،بعد ما عرفت من حمل الأخبار المانعة على التقية.

و من هنا ظهر ضعف قول الشيخين بعدم استثناء ما استثنى في المتن في

ص:245


1- راجع ص:237.
2- التهذيب 3:999/321،الاستبصار 1:1815/470،الوسائل 3:108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.
3- الكافي 3:1/180،التهذيب 3:997/321،الاستبصار 1:1813/469،الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 3.
4- الكافي 3:4/464،التهذيب 3:886/293،الوسائل 7:488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
5- التهذيب 2:1076/270،الاستبصار 1:1053/288،الوسائل 4:288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
6- التهذيب 3:1000/321،الاستبصار 1:1816/470،الوسائل 3:109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

الأوّلين (1)،و زاد في الخلاف الثالث (2).

و اعلم أن الصحيحة الثانية من النصوص الماضية في صدر المسألة تضمنت استثناء نوافل يوم الجمعة (3).و هو المشهور بين الأصحاب،بل عليه الإجماع في المنتهى و الناصرية (4)،و لا خلاف فيه أيضا أجده إلاّ من إطلاق العبارة و نحوها بكراهة ابتداء النوافل من دون استثنائها، و ليس ذلك نصّا،بل و لا ظاهرا في المخالفة،سيّما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة،فإنّها منها،لكونها النوافل النهارية قدّمت على الجمعة،و زيادة أربع ركعات فيها لا تخرجها عن كونها راتبة.

الثامنة الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها

الثامنة الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها لعموم أدلّة استحباب المسارعة إلى الطاعة،و خروجا عن شبهة الخلاف فتوى و رواية في الفرائض، ما عدا العشاء فيستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق المغربي،بل قيل بوجوبه كما مضى (5).

و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلها متواترة،ففي الصحيح:«أول الوقت أفضل،فعجّل الخير ما استطعت» (6)و بمعناه كثير.

و فيه:«الصلوات المفروضات في أول وقتها-إذا أقيم حدودها-أطيب

ص:246


1- المفيد في المقنعة:212،الطوسي في النهاية:62.
2- الخلاف 1:520.
3- راجع ص:233.
4- المنتهى 1:217،الناصرية(الجوامع الفقهية):194.
5- راجع ص:184.
6- الكافي 3:8/274،التهذيب 2:130/41،مستطرفات السرائر:6/72 بتفاوت يسير، الوسائل 4:121 أبواب المواقيت ب 3 ح 10.

ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه و ريحه و طراوته،فعليكم بالوقت الأوّل» (1).

إلاّ ما مرّ من تأخير المستحاضة الظهر و المغرب إلى آخر وقت فضيلتهما،و تأخير المتيمم التيمّم إلى آخر الوقت بقدر ما يصلي الفريضة،إن قلنا بجواز تقديمه في أوّل وقتها في الجملة أو مطلقا،و إلاّ فيجب التأخير، و تأخير المربّية للصبي ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب قبلهما و يحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة،و تأخير صلاة الليل إلى الثلث الأخير و ما يقرب من الفجر،و تأخير ركعتيها إلى الفجر الأوّل،و تأخير فريضة الصبح لمن أدرك من صلاة الليل أربع ركعات إلى أن يتمّها و الوتر و صلاة الفجر،و تأخير العشاء إلى الشفق-كما مر-بل إلى ثلث الليل أو نصفه كما في النصوص المتقدمة جملة منها..إلى غير ذلك من المواضع المستثناة.

و منها ما نستثنيه في مواضعه إن شاء اللّه تعالى و من تأخير دافع الأخبثين إلى أن يخرجهما،و تأخير الصائم المغرب إلى بعد الإفطار لرفع منازعة النفس أو الانتظار،و تأخير المفيض من عرفة العشاءين إلى جمع (2)،و تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام.

و منها:تأخير صاحب العذر الراجي للزوال ليقع صلاته على الوجه الأكمل،بل أوجبه السيد و جماعة (3).و لا يخلو عن قوة،و إن اشتهر بين المتأخرين خلافه.

و منها:ما إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كاستيفاء الأفعال، و تطويل الصلاة،و اجتماع البال،و مزيد الإقبال،و إدراك فضيلة الجماعة،

ص:247


1- التهذيب 2:128/40،ثواب الأعمال:36،الوسائل 4:118 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.
2- يقال للمزدلفة:جمع لاجتماع الناس فيها.الصحاح 3:1198.
3- حكاه عن السيد في المختلف:149،و عنه و عن ابن الجنيد و سلاّر في الذكرى:130.

و السعي إلى مكان شريف،و نحو ذلك،على المشهور.قيل:و يستفاد من النصوص،و لم أقف عليها،نعم ربما دلّ بعضها على استحباب التأخير لانتظار الإمام،و قد تقدم (1).

و في الخبر الوارد في المغرب:«إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك،فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل» (2).

و غاية ما يستفاد منه جواز التأخير لا استحبابه،كما يفهم منهم.

نعم في الصحيح:أكون في جانب المصر فتحضر المغرب و أنا أريد المنزل،فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي،و أدركني المساء،فأصلّي في بعض المساجد؟فقال:«صلّ في منزلك» (3).

و نحوه خبر آخر:«ائت منزلك و انزع ثيابك» (4).

و ربما كان فيهما دلالة على الاستحباب الذي هو أقلّ مراتب الأمر الذي تضمناه.و لكن يمكن وروده لمطلق الرخصة باحتمال و روده مورد توهم المنع، كما يستفاد من السؤال فيهما،إلاّ أن الشهرة ربما ترجّح إرادة الاستحباب.

و هنا مواضع أخر مستثناة في كلام الأصحاب لا فائدة مهمة في ذكرها مع تأمّل في بعضها.

التاسعة إذا صلّى ظانّا دخول الوقت،ثمَّ تبيّن الوهم،أعاد إلاّ أن يدخل الوقت

التاسعة:

لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها إجماعا،و النصوص به مع ذلك-مضافا إلى الأصول-مستفيضة جدّا،و فيها الصحاح و غيرها (5).

ص:248


1- في ص:228-229.
2- التهذيب 2:94/31،الاستبصار 1:964/267،الوسائل 4:195 أبواب المواقيت ب 19 ح 8.
3- التهذيب 2:92/31،الوسائل 4:197 أبواب المواقيت ب 19 ح 14.
4- التهذيب 2:91/30،الوسائل 4:196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.
5- الوسائل 4:166 أبواب المواقيت ب 13.

و أما الصحيح:«إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك» (1)فمحمول على خارج الوقت،أو النافلة،أو وقت الفضيلة، و يحتمل التقية،فقد حكي عن الحسن و الشعبي و ابن عباس أنهم قالوا في مسافر صلّى قبل الزوال:يجزيه (2).

و حيث ثبت ذلك وجب تحصيل العلم بالوقت،و لا يجوز التعويل على الظن.و هو مع التمكن من العلم إجماعي،كما صرّح به جماعة (3).و لا ينافيه إطلاق كلام الشيخين (4)بكفاية المظنّة،لعدم معلومية شموله لنحو الصورة المفروضة،بل الظاهر بحكم التبادر عدمه.

و بنحو ذلك يجاب عن النصوص المعتبرة للمظنة الحاصلة من أذان المؤذّنين و صياح الديكة،و فيها الصحيح و غيره (5).

مع أنه قضية الجمع بينها و بين النص المانع عن الاعتماد على الأذان (6)، بحمله على صورة التمكن من العلم و السابقة على صورة عدم التمكن إلاّ من المظنة،و إن أمكن الجمع بحمل الأولة على أذان الثقة و الثاني على غيره، لكون الجمع الأول أوفق بالأصول و الشهرة،بل الإجماع،كما حكاه الفحول.

و يجوز التعويل مع عدمه على الأمارات المفيدة للظن على المشهور، بل في التنقيح دعوى الاتّفاق عليه (7)،لما مر من الروايات،مضافا إلى

ص:249


1- التهذيب 2:551/141،الوسائل 4:168 أبواب المواقيت ب 13 ح 9.
2- حكاه عنهم في المنتهى 1:212،و انظر المغني و الشرح الكبير 1:396.
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:52،الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 163.
4- المفيد في المقنعة:94،الطوسي في النهاية:62.
5- الوسائل 4:170 أبواب المواقيت ب 14.
6- الذكرى:129،الوسائل 4:280 أبواب المواقيت ب 58 ح 4.
7- التنقيح الرائع 1:171.

خصوص ما سيأتي من الخبر.

خلافا للإسكافي و غيره (1)،فيصبر حتى يتيقن.و هو الأوفق بالأصول، لو لا ما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة،و الإجماع المنقول،و النصوص المستفيضة،و فيها الصحيح و غيره:بجواز الإفطار عند ظن الغروب (2)،و لا قائل بالفرق بينه و بين جواز الصلاة بعده،فهي أيضا أدلّة مستقلة،كالموثقة:إني ربما صلّيت الظهر في يوم الغيم فانجلت،فوجدتني صليت حين زوال النهار، قال،فقال:«لا تعد و لا تعد» (3).

و على المختار ف إذا صلّى ظانّا دخول الوقت،ثمَّ تبيّن الوهم،أعاد الصلاة إجماعا،فتوى و نصّا إلاّ أن يدخل الوقت و هو متلبّس بشيء منها و لو كان تشهّدا أو تسليما و لما يتم فيتمّها،و لا قضاء على الأشهر الأظهر.

للخبر:«إذا صلّيت و أنت ترى أنك في وقت،فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (4).

و قوله:«و أنت ترى»ظاهر في الظن.و قصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة الظاهرة،و المحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (5)،و مؤيّد بالاعتبار،فإنه امتثل بناء على أنه مأمور باتباع ظنه فتجزي،خرج ما إذا وقعت الصلاة كلها خارج الوقت بالإجماع و النص،فيبقى الباقي.

ص:250


1- حكاه عنه في المختلف:73،و قوّاه في المدارك 3:99.
2- الوسائل 10:122،124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51،52.
3- التهذيب 2:979/246،الاستبصار 1:903/252،الوسائل 4:129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.
4- الكافي 3:11/286،الفقيه 1:666/143،التهذيب 2:550/141،الوسائل 4:206 أبواب المواقيت ب 25 ح 1.
5- انظر التنقيح 1:171،و جامع المقاصد 2:29،و المسالك 1:21.

و فيه قول آخر للمرتضى و جماعة (1)،فأوجبوا الإعادة.

لوجوب تحصيل يقين الخروج عن العهدة و إنما يحصل إذا وقعت بتمامها في الوقت.

و لعدم الامتثال للأمر بإيقاعها في الوقت.

و للنهي عنها قبله فتفسد.

و للزوم تبعية الوقت للأفعال ،فإنها قد تكون إذا اختصرت وقعت كلّها قبل الوقت فيخرج الوقت عن كونه مضروبا لها.

و لعموم الموثّق:«من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» (2).

مع ضعف الخبر المتقدم بجهالة الراوي.و فيه:أنه منجبر بما مرّ.

و أما باقي الوجوه،فمع أنها اجتهادات في مقابلة النص مضعّفة.

فالثلاثة الأول:بمنعها أجمع إن أريد بالوقت فيها الوقت النفس الأمري، كيف لا و المفروض كفاية الظن،و لزوم الإعادة ينفيه أصالة البراءة.و إن أريد به ما هو وقت في ظن المكلف،فقد خرج عن العهدة،و امتثل بإيقاعها في الوقت، و لم يوقعها قبله حتى يتعلق بها النهي فتفسد.

و بنحوه يجاب عن الرابع،و زيادة هي المنع عنه بشهادة الصحة إذا أدرك في الآخر ركعة.و دعوى خروجها بالأدلّة معكوسة،لخروج ما نحن فيه أيضا بما مرّ من الأصول و الرواية المعتبرة،و لا يعارضها الموثقة،مع أنها عامة لصورتي وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها،و المعتبرة خاصة بالأخيرة،فليخصّص بها الموثقة،أو يحمل الوقت فيها على الوقت الظاهري الذي يظنه المكلف،

ص:251


1- المرتضى في المسائل الرسّية(رسائل السيد)2:350،و اختاره العلامة في المختلف:74 و حكاه فيه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد،و استجوده في المدارك 3:101.
2- الكافي 3:6/285،التهذيب 2:547/140،الاستبصار 1:868/244،الوسائل 4: 109 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.

و عليه فلا صلاة قبل الوقت.

و بالجملة:خيرة الأكثر أظهر،و إن كان القول الثاني أحوط.

و يستفاد من العبارة بطلان الصلاة لو فعلت قبل الوقت في غير صورة الظن مطلقا (1)،و به صرح في الشرائع (2).

و هو موضع وفاق لو لم تصادف الصلاة شيئا من الوقت،و نفى عنه الخلاف المحقق الثاني و غيره (3).

و يشكل فيما لو صادفت شيئا منه،أو وقعت فيه بتمامها.و المشهور البطلان في الأول أيضا مطلقا،و عن التذكرة الإجماع عليه فيه كذلك (4)، لعدم صدق الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة،سيّما مع العمد، لوقوع النهي فيه عن الشروع في العبادة فتفسد.

خلافا للمحكي عن النهاية و المهذب و الكافي و البيان (5)فتصح،لكن الأخيرين قالا بها في الناسي،و زاد أوّلهما الجاهل أيضا.

لرفع النسيان.و فيه:أن معناه رفع الإثم.

و لتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل.و هو ممنوع على إطلاقه.

و للخبر المتقدم في الظان (6).و هو-مع ضعف سنده و عدم جابر له في المقام-مخصوص بالظان،فإنّ«ترى»بمعنى:«تظن»كما عرفت،و القياس

ص:252


1- أي في صورة العمد أو الجهل أو النسيان.منه رحمه اللّه.
2- الشرائع 1:64.
3- جامع المقاصد 2:28،و انظر الحدائق 6:287.
4- التذكرة 1:85.
5- النهاية:62،المهذّب 1:72،الكافي في الفقه:138،البيان:112.
6- راجع ص:244.

حرام.

و للدروس و غيره (1)،فقالوا بالصحة فيما لو صادفت الوقت بتمامها ناسيا أو جاهلا.

و هو قويّ في الناسي مطلقا،سواء فسّر بناسي مراعاة الوقت،كما هو المتبادر منه،أو من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال ،كما أطلقه عليه في الذكرى (2)،لوقوع الصلاة في الوقت،غاية ما في الباب انتفاء علم المكلف به،و هو غير قادح،لعدم دليل على الشرطية،مع أن الأصل ينفيه.

و يشكل في الجاهل بأيّ معنى فسّر،بجاهل الحكم أو جاهل دخول الوقت،لأنه بالمعنى الثاني بحكم الشاك،بل هو عينه،فيتعلق به النهي عن الدخول الوارد في النصوص بالعموم،كما مر من الموثق (3)،و نحوه آخر:«إيّاك أن تصلي قبل أن تزول،فإنك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول» (4).

و بالخصوص،كالحسن المروي عن مستطرفات السرائر:«إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين،فإذا استيقنت أنها زالت بدأت بالفريضة» (5).

و بالمعنى الأوّل في حكم العامد،لم يتأتّ منه قصد التقرب،كما تقرّر في محله.

ص:253


1- الدروس 1:143،و انظر مجمع الفائدة 2:54،و المدارك 3:102.
2- الذكرى:128.
3- في ص:245.
4- التهذيب 2:54/141،الوسائل 4:16 أبواب،المواقيت ب 13 ح 6.
5- مستطرفات السرائر 22/30،الوسائل 4:279 أبواب المواقيت ب 58 ح 1.

الثالثة في القبلة

اشارة

الثالثة:في القبلة و هي

القبلة هي الكعبة مع الإمكان و إلا فجهتها

في اللغة-على ما قيل (1)-حالة المستقبل،أو الاستقبال على هيئة.

و في الاصطلاح ما يستقبل.

و اختلف الأصحاب في تعيينه بعد اتفاقهم على أنه الكعبة في الجملة فأكثر المتأخّرين (2)على أنها القبلة مطلقا مع الإمكان من مشاهدتها،كمن كان في مكة متمكنا منها و لو بمشقة يمكن تحمّلها عادة.

و إلاّ يتمكن-بالبعد عنها،أو تعذّر مشاهدتها لمرض أو حبس أو نحوهما فجهتها و إن بعد.

وفاقا منهم للمحكي عن كثير من القدماء،كالمرتضى،و الحلبي، و الحلي،و الإسكافي (3).

و لعله الأقوى،استنادا في الشق الأوّل إلى الإجماع المحكي عن المعتبر و التذكرة (4).

و النصوص المستفيضة،بل المتواترة،المتضمنة للصحيح و الموثق و غيرهما (5)على أنها القبلة.

ص:254


1- كشف اللثام 1:171.
2- منهم الشهيدان في البيان:114،و روض الجنان:189،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:48،و صاحب المدارك 3:119،و السبزواري في الذخيرة:213.
3- المرتضى في الناصريات(الجوامع الفقهية):195،الحلبي في الكافي:138،الحلي في السرائر 1:204،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:76.
4- المعتبر 2:65،التذكرة 1:100.
5- الوسائل 4:297 أبواب القبلة ب 2.

و الاحتياط،للإجماع على صحة الصلاة إليها،و الخلاف في الصلاة إلى المسجد و الحرم،مع اختلاف المسجد صغرا و كبرا في الأزمان،و عدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية (1)بيقين.

و خصوص المروي في الاحتجاج عن مولانا العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلّى اللّه عليه و آله على المشركين،قال:«إنّا عباد اللّه تعالى..إلى أن قال:فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا،ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها» (2).

نقله في الوسائل،و هو نص في المدّعى كملا حتى في الشق الثاني.

و الحجة فيه بعده أيضا:النصوص المتقدمة بأنّ القبلة هي الكعبة،بناء على أنّ تعذّر عينها للبعيد يوجب إرادة الجهة.

مضافا إلى ظهور جملة منها في كونها مرادة،و هي ما دلّ على أنه صلّى اللّه عليه و آله حوّل إليها،و هي أيضا مستفيضة،متضمنّة للصحيح و غيره (3).

مضافا إلى الصحيحين و غيرهما:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (4).

و هو و إن اختصّ بالمضطرّ،إلاّ أنه صريح في تعيّن الجهة و لو في الجملة،كما صرّح به الشهيد رحمه اللّه (5).و يندفع به القول بتعيّن العين للقبلة المشار إليه بقوله و قيل: و القائل الشيخ في أكثر كتبه (6)،و القاضي و ابن حمزة و الديلمي (7)،بل ذكر الشهيدان انه أكثر الأصحاب (8)،و زاد أوّلهما

ص:255


1- إشارة إلى قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.. -البقرة:144،150.
2- الاحتجاج:27،الوسائل 4:302 أبواب القبلة ب 2 ح 14.
3- الوسائل 4:297 أبواب القبلة ب 2.
4- الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 الأحاديث 1،2،3.
5- الذكرى:162.
6- انظر النهاية:62،المبسوط 1:77،الخلاف 1:295.
7- القاضي في المهذّب 1:84،ابن حمزة في الوسيلة:85،الديلمي في المراسم:60.
8- الشهيد الأول في الذكرى:162،الشهيد الثاني في روض الجنان:189.

و غيره (1)فادعيا أنه هو المشهور هي أي الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة من صلّى في الحرم،و الحرم قبلة أهل الدنيا.

لنصوص ضعيفة (2)لا تصلح من أصلها للحجيّة،فضلا عن أن تقاوم ما قدّمناه من الأدلّة.

و الشهرة المحكية على تقدير تسليمها معارضة بالشهرة المتأخّرة المحققة،و المحكيّة أيضا في كلام جماعة (3)،فلا تصلح للضعف جابرة.

و ظاهر النصوص كالعبارة،و المحكي عن الخلاف و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و النهاية (4):جواز صلاة من خرج من المسجد إليه منحرفا عن الكعبة و إن شاهدها أو تمكن من المشاهدة،و من خرج من الحرم إليه منحرفا عن الكعبة و المسجد.

و لكن عن المبسوط و الجمل و العقود و المهذب و الوسيلة و الإصباح (5)أنهم اشترطوا في استقبال المسجد أن لا يشاهد الكعبة و لا يكون بحكمه،و في استقبال الحرم أن لا يشاهد المسجد و لا يكون بحكمه.

و هو صريح في الموافقة للمختار في الشق الأوّل.و يمكن تنزيل إطلاق ما مرّ من العبائر عليه،فيرتفع فيه الخلاف،كما صرّح به بعض الأصحاب و حكاه عن ابن زهرة (6)،و لعلّه لذا صرّح الماتن بالإجماع في المعتبر (7)،

ص:256


1- السبزواري في الذخيرة:214.
2- الوسائل 4:303 أبواب القبلة ب 3.
3- منهم الأردبيلي في أحكام القرآن:63،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:112.
4- الخلاف 1:295،الاقتصاد:257،مصباح المتهجد:24،المراسم:60،النهاية:62.
5- المبسوط 1:77،الجمل و العقود(الرسائل العشر):144،المهذب 1:84،الوسيلة: 85.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):556،و انظر الذخيرة:213.
7- المعتبر 2:65.

كالفاضل المقداد في كنز العرفان (1).

و ربما يفهم أيضا من شيخنا الشهيد في الذكرى و جملة ممن تبعه (2)، حيث فهموا من كلام القائلين بهذا القول تعيّن استقبال عين المسجد و الحرم لمن كان خارجهما و عدم اعتبار جهتهما،و حملوا كلامهم و الروايات على الجهة،و أن ذلك ذكر على سبيل التقريب إلى الأفهام إظهارا لسعة الجهة، و زعموا بذلك الجمع بين القولين،و لو لا اتفاقهما على تعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه لما ارتفع بمجرد ذلك الخلاف بينهما،فإن ثمرة الاختلاف بينهما تظهر في شيئين:

أحدهما:تعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه و لو كانا خارج المسجد مثلا،كما هو مقتضى القول الأوّل،و عدمه و جواز استقبال جزء من المسجد و الحرم و لو منحرفا عنها،كما هو مقتضى القول الثاني.

و ثانيهما:تعيّن استقبال عين المسجد أو الحرم للنائي دون الجهة،كما هو مقتضى القول الثاني،و كفاية الجهة دون عينهما،كما هو مقتضى القول الأوّل.

و حيث إنّ الشهيد و من بعده لم يتعرضوا إلاّ للثمرة الأخيرة و جمعوا بين القولين بما مر،ظهر منهم انحصار ثمرة الخلاف فيها خاصة،دون السابقة، و ليس ذلك إلاّ لتعيّن الكعبة للمشاهد و من بحكمه كما عرفته.

و اعلم إن الجمع الذي ذكروه حسن،إلاّ أنه ربما يأبى عنه عبارة الخلاف المحكية،حيث استدل على مختاره-بعد النصوص المتقدمة و ما ادّعاه من إجماع الإمامية-بأنّ المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب استقبال

ص:257


1- كنز العرفان 1:85.
2- الذكرى:162،و انظر كشف اللثام 1:171،و الحدائق 6:375.

جهتها،فإن لكل مصلّ جهة،و الكعبة لا تكون في الجهات كلها.و لا كذلك التوجّه إلى الحرم،لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجّها إلى جزء منه (1).

و هو كما ترى صريح في نفي الجهة و تعيّن استقبال عين الحرم خاصة، فلا يقبل الجمع المتقدم إليه الإشارة.

و لكن فيه ضعف لا يخفى وجهه،لاتّفاق الفريقين-كما ذكره جماعة (2)-على أن فرض النائي هو التعويل على الأمارات المتفق عليها بينهم لأهل كلّ إقليم،و عليه فلا ثمرة لهذا الاختلاف،إلاّ بالنسبة إلى الثمرة الاولى،و قد عرفت ارتفاع الخلاف فيها أيضا.

و لو سلّم وجوده لمنع كل ما في الخلاف من الدليل:

فالنصوص بما مرّ.

و الإجماع المحكي بالمعارضة بما يحكى من ابني زهرة و شهرآشوب (3)من نفي الخلاف عن وجوب استقبال جهة المسجد لمن نأى عنه،كما هو ظاهر الآية.و لو سلّم فغايته أنه خبر صحيح لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة.

و أما الاعتبار فبما ذكره جماعة:من أنا نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنيّة (4)،و ذلك متّسع يمكن أن يوازي جهة كلّ مصلّ،على أن الإلزام في الكعبة لازم في الحرم و إن كان طويلا.

و اعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة،لكنه قليل الفائدة

ص:258


1- الخلاف 1:295.
2- منهم صاحبا المدارك 3:121،و الحدائق 6:375.
3- ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556،حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام 1: 173.
4- منهم المحقق في المعتبر 2:66،الشهيد الثاني في روض الجنان:190،صاحب المدارك 3:121.

بعد اتفاق الكلّ على أن فرض النائي رعاية العلامات المقررة،و التوجّه إلى السمت الذي عيّنته رعاية تلك العلامة،فالأولى إناطة تعريفها بذلك،كما ذكره بعض الأجلّة (1).

لو صلّى في وسطها استقبل أيّ جدرانها شاء

و لو صلّى في وسطها حيث جازت له الصلاة فيه استقبل أيّ جدرانها شاء مخيّرا بينها،و إن كان الأفضل استقبال الركن الذي فيه الحجر، على ما ذكره الصدوق (2).بلا خلاف في أصل الحكم على الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (3)،بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم (4).

و هو الحجّة،لا ما ذكروه من حصول استقبال القبلة بناء على أنها ليست مجموع البنيّة،بل نفس العرصة و كل جزء من أجزائها،إذ لا يمكن محاذاة المصلّي بإزائها منه إلاّ قدر بدنه و الباقي خارج عن مقابلته،و هذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.

لقوة احتمال تطرّق الوهن إليه بأن الثابت من الأدلّة كون جملة البنيّة قبلة، و أمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت،لاختصاص ما دلّ على أن الكعبة قبلة -بحكم التبادر-بكون القبلة جملتها،و المراد بها القطر و القدر الذي يحاذي المصلي من قطر الكعبة و مجموعها،و المصلّي داخلها لم يحصل له هذا، فتأمّل (5).

ص:259


1- انظر المدارك 3:121.
2- الفقيه 1:178.
3- انظر المعتبر 2:67،و الحدائق 6:381.
4- المنتهى 1:218.
5- و وجهه هو أنّ الاتفاق على جواز النافلة فيها اختيارا كاشف عن كون القبلة ما ذكروه،بناء على أنّ الإجماع على عدم جواز النافلة إلى غير القبلة اختيارا من غير استثناء،و كذا جواز الفريضة إلى ركن من أركان الكعبة بحيث يتجرّد عن أصل و يتوجّه إلى جزء من الركن بمقدار ما يحاذي بدن المصلّي.و يعضده أيضا ما سيأتي من دعوى اتفاق المتأخرين على جواز التطوع على السطح بعد أن يبرز من الكعبة شيئا بين يديه بحيث يكون مواجها و مستقبلا له في أحواله. و بالجملة فكل هذه القرائن أمور واضحة على ما ذكروه،كما لا يخفى على من تأمل و تدبر(منه دام فضله).

و لهذا منع الشيخ في الخلاف و القاضي و غيرهما (1)من صلاة الفريضة جوفها،و يعضده الصحيحان الناهيان عنه (2)،و غيرهما (3).

و الموثق المرخّص لفعلها فيها (4)-مع قصوره عن المقاومة لهما سندا-موافق للعامة،فقد نسبه في المنتهى إلى جماعة منهم،و منهم أبو حنيفة (5).

نعم هو مشهور بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم (6)،و في السرائر الإجماع عليه (7).

و به-مضافا إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة-يصرف النهي في الصحيحين و غيرهما إلى الكراهة،سيّما مع تبديل النهي في أحدهما في بعض الطرق ب«لا تصلح» (8)،المشعر بالكراهة،بل جعله الشيخ صريحا،مع أنه

ص:260


1- الخلاف 1:439،القاضي في المهذّب 1:76،و مال إليه البهبهاني في حاشية المدارك: (المدارك الحجري):130.257.
2- الأول: الكافي 3:18/391،التهذيب 2:1564/376،الوسائل 4:336 أبواب القبلة ب 17 ح 1 الثاني: التهذيب 5:953/279،الاستبصار 1:1101/298،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.
3- المقنعة:447،الوسائل 4:338 أبواب القبلة ب 17 ح 9.
4- التهذيب 5:955/279،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 6.
5- المنتهى 1:218.
6- في«م»زيادة:كما صرّح به.
7- السرائر 1:266.
8- التهذيب 5:954/279،الاستبصار 1:1102/298،الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 4.

رواه بطريق آخر«تصلح» (1)بدون لا،و هو صريح في الجواز.

و هنا روايتان لم أجد عاملا بهما،مع ضعف إحداهما بالجهالة، و الأخرى بالإرسال،ففي الأولى:عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة و هو في الكعبة و لم يمكنه الخروج منها:«استلقى على قفاه و يصلّي إيماء» (2)الحديث.

و في الثانية:«يصلّي إلى أربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك» (3).

قال في الذكرى بعد نقل هذه:هذا إشارة إلى أن القبلة إنما هي جميع الكعبة،فإذا صلّى في الأربع فكأنه استقبل جميع الكعبة (4).و هو حسن.

و فيها بل و في الأولى أيضا-كالرواية الآتية (5)-تأييد لما قدّمناه من أن القبلة هي مجموع قطر الكعبة يجب استقباله و لو بعضا حيث كان خارجها.لكن ضعف سندهما و معارضتهما بعضا مع بعض يمنع عن العمل بهما،و إن تؤيدا بالصحيحين الناهيين،لما عرفت من مرجوحيتهما بالإضافة إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة،و حكاية الإجماع المتقدمة،لكنّها معارضة بنقل الشيخ في الخلاف الإجماع على المنع (6).

و الشهرة المرجّحة معارضة باحتمال التقية،الموجب للمرجوحيّة.

و الموثقة لا تعارض الصحيحين من وجوه عديدة،و إن كانت صريحة.

ص:261


1- التهذيب 2:1597/383،و الموجود فيه«لا تصلح»أيضا،نعم نقله بدون«لا»في الوسائل 4:337 أبواب القبلة ب 17 ح 5،و قال في ذيله:لفظة«لا»هنا غير موجودة في النسخة التي قوبلت بخطّ الشيخ،و هي موجودة في بعض النسخ.
2- التهذيب 5:1583/453،الوسائل 4:338 أبواب القبلة ب 17 ح 7 بتفاوت فيهما.
3- الكافي 3:18/391،الوسائل 4:336 أبواب القبلة ب 17 ح 2.
4- الذكرى:151.
5- في ص:257.
6- الخلاف 1:439.

و الاحتياط اللازم المراعاة في العبادة التوقيفية يقتضي المنع عن فعل الفريضة جوف الكعبة إلاّ مع الضرورة المسوّغة له.و لكن الأقرب الجواز مع الكراهة بلا شبهة.

لو صلّى على سطحها أبرز بين يديه شيئا منها
اشارة

و لو صلّى على سطحها صلّى قائما و أبرز بين يديه شيئا منها و لو (1)قليلا ليكون توجّهه إليه،و يراعي ذلك في جميع أحواله حتى الركوع و السجود،فلو خرج بعض بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه نهايتها حال السجود بطلت صلاته.

هذا هو المشهور بين المتأخّرين،بل عليه عامّتهم،على الظاهر، المصرّح به في التنقيح و غيره (2)،وفاقا منهم للحلي و المبسوط (3)،و لكن عبارته قاصرة عن إفادة الوجوب،لتعبيره عن الأمر بالصلاة قائما بجوازها الذي هو أعم منه،و إن أرجعه الماتن إليه،قال:لأن جواز الصلاة قائما يستلزم الوجوب،لأن القيام شرط مع الإمكان (4).

و هو حسن لو كان بناء الشيخ على ما ذكروه من حصول الاستقبال باستقبال المبرز من الكعبة و أمّا على ما قدّمناه-و هو خيرته في المسألة السابقة- من أنّ القبلة إنّما هي مجموع قطر الكعبة و لو بعضا ممّا يحاذيه المصلّي فلا يستلزم الجواز الوجوب،لاحتمال كون المراد منه مطلق الرخصة.و وجهه دوران الأمر بين فوات الاستقبال لو صلّى قائما،أو القيام و نحوه من الواجبات

ص:262


1- في المختصر المطبوع زيادة:كان.
2- لم نعثر في التنقيح على التصريح بذهاب عامّة المتأخرين إلى ذلك.انظر التنقيح 1:174. نعم،نقله في مفتاح الكرامة 2:82 عن غاية المرام،و ادّعى في روض الجنان:203 الشهرة بل الإجماع على ذلك.
3- الحلي في السرائر 1:271،المبسوط 1:85.
4- المعتبر 2:68.

لو صلّى مستلقيا موميا،و حيث لا ترجيح فلم يبق إلاّ التخيير،كذا قيل (1).

و فيه نظر،لفوات الاستقبال المأمور به في الكتاب و السنة على التقديرين.و مع ذلك فترجيح الصلاة قائما أظهر،لعدم فوات شيء من الواجبات معه عدا الاستقبال.و لا كذلك الصلاة مستلقيا،لفوات القيام و الركوع و السجود و رفع الرأس منهما معها،فيكون الأول بالترجيح أولى.

و من هنا ظهر مستند الأكثر في تعيين الصلاة قائما،و هو الأقوى.

و يتعيّن الإبراز،أمّا على ما اختاروه في القبلة و أنه ما حاذى المصلّي من أبعاضها مطلقا فظاهر.

و أمّا على ما ذكرناه،فللاحتياط اللازم المراعاة،مضافا إلى الإجماع من كل من جوّز الصلاة قائما.

و الفرق بين المختار و ما اختاروه إنّما هو أصل جواز الصلاة عليها اختيارا، فيأتي على مختارهم و لا على المختار إلاّ مع الاضطرار.و حكي التصريح بعدم الجواز هنا إلا مع الاضطرار عن المهذّب و الجامع (2).

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و الخلاف (3)،مدّعيا فيه الإجماع، و القاضي و غيرهما (4):إنه لو صلّى فوقها وجب عليه أن يستلقي و يصلّي موميا إلى البيت المعمور للخبر (5).

و فيه ضعف سندا و مقاومة،كالإجماع،للأدلة الدالّة على لزوم الأفعال

ص:263


1- انظر كشف اللثام 1:172.
2- المهذّب 1:85،الجامع للشرائع:64.
3- النهاية:101،الخلاف 1:441.
4- القاضي في المهذّب 1:85،جواهر الفقه:20 و اختاره الصدوق في الفقيه 1:178.
5- الكافي 3:21/392،التهذيب 2:1566/376،الوسائل 4:340 أبواب القبلة ب 19 ح 2.

الواجبة من القيام و الركوع و غيرهما،المعتضدة من أصلها بالإجماع،و في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعا،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،كما صرّح به في روض الجنان (1).

يتوجه أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم

و اعلم أنه ذكر جماعة من الأصحاب (2)أنه يجب أن يكون توجه أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم،فأهل المشرق -و هم أهل العراق و من والاهم و كان في جهتهم إلى أقصى المشرق و جنبيه مما بينه و بين الشمال و الجنوب-إلى الركن الذي يليهم،و هو الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود،و أهل المغرب إلى الغربي،و أهل الشام إلى الشامي،و أهل اليمن إلى اليمني.

و هذا لا يلائم شيئا من القولين المتقدمين في قبلة النائي:أنها جهة الكعبة أو الحرم،فإنهما أوسع من ذلك،فلا يتم الحكم بوجوب التوجّه إلى سمت الركن نفسه،إلاّ أن يراد بسمت الركن سمت الكعبة.و لا بأس به،إلاّ أنه لا فائدة لذكره هنا بعد معلوميته سابقا،لكنّهم أعرف بما قالوه.

و مع ذلك فالتعبير بسمت الركن أولى من التعبير بالركن،كما اتفق في القواعد (3)،لإيهامه وجوب التوجّه إلى عينه لا سمته.

و لذا قال المحقق الثاني:و المراد بالإقليم هنا الجهة و الناحية،و يتوجّه أهل كلّ إقليم إلى ركنهم توجّههم إلى جهة الركن الذي يليهم،لأنّ البعيد لما كان قبلته الجهة-و كونها أوسع من الكعبة بمراتب أمر معلوم-فلا بد أن يراد بتوجّههم إلى الركن توجّههم إلى جهته.أو يراد أن حق توجّههم الصحيح في

ص:264


1- روض الجنان:203.
2- منهم المفيد في المقنعة:96،و الديلمي في المراسم:60،و المحقق في المعتبر 2:69.
3- القواعد 1:26.

الواقع الذي ليس فيه ميل أصلا و لا انحراف:أن يكون إلى الركن الذي يليهم،و إن اكتفى منهم بالتوجه إلى الجهة،لأن البعد يمنع عن العلم بذلك.

انتهى (1).

و هو حسن،إلاّ أنّ قوله في التوجيه الأخير:حق توجّههم الصحيح..

غير مفهوم للعبد،لأنّ التوجّه الصحيح بالنسبة إلى القريب إنّما هو إلى نفس الكعبة و أيّ قطر منها يحاذي المصلّي و لو كان ركنا مخالفا لركنه،كما إذا توجّه إلى الركن اليمني و هو عراقي مثلا،فإنه صحيح،و بالنسبة إلى البعيد جهتها، و هي أوسع من الركن،كما مضى،فحصره التوجّه الصحيح فيما ذكره غير مستقيم على التقديرين،و لا أعرف وجهه،و هو أعرف بما حرّره.

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب لأهل الأركان علامات:

فلأهل الشام جعل الجدي (2)خلف الكتف اليسرى،و سهيل عند طلوعه بين العينين،و عند غروبه على العين اليمنى،و بنات النعش عند غيبوبتها خلف الاذن اليمنى.

و لأهل اليمن جعل الجدي بين العينين،و سهيل عند غيبوبته بين الكتفين.

و لأهل المغرب جعل الجدي على الخدّ الأيسر،و الثريّا و العيّوق على اليمين و اليسار.

و لأهل السند و الهند جعل الجدي إلى الاذن اليمنى،و سهيل عند طلوعه خلف الاذن اليسرى،و بنات النعش عند طلوعها على الخدّ الأيمن،و الثريّا عند غيبوبتها على العين اليسرى.

ص:265


1- راجع جامع المقاصد 2:53.
2- قال في المغرب 1:77:الجدي:العاشرة من البروج،و يقال لكوكب القبلة جدي الفرقد.. و المنجمون يسمّونه الجدي على لفظ التصغير فرقا بينه و بين البرج.

و لأهل البصرة و فارس جعل الجدي على الخدّ الأيمن،و الشولة إذا نزلت للمغيب بين العينين،و النسر الطائر عند طلوعه بين الكتفين.

و لأهل المشرق ما أشار إليه بقوله يجعلون المشرق إلى المنكب و هو مجمع العضد و الكتف الأيسر،و المغرب إلى الأيمن هذه علامة و اخرى أن يجعلوا الجدي و هو نجم مضيء في جملة أنجم بصورة سمكة يقرب من القطب الشمالي،الجدي رأسها و الفرقدان ذنبها خلف المنكب الأيمن،و ثالثة أن يجعلوا الشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف و رابعة ذكرها بعضهم (1)،و هي:جعل القمر ليلة السابع من كل شهر عند غروب الشمس بين العينين،و كذا ليلة إحدى و عشرين عند طلوع الفجر.

و مستندهم في هذه العلامات قوانين الهيئة،فإنّها مفيدة للظن الغالب بالعين،و القطع بالجهة،كما ذكره جماعة (2).و إلاّ فلم يرد بشيء منها نص و لا رواية،عدا العلامة الثانية لأهل العراق،فقد ورد بها نصوص،منها الموثق:

«عن القبلة،فقال:ضع الجدي في قفاك و صلّ» (3).

و منها المرسل:أكون في السفر و لا أهتدي إلى الكعبة بالليل،فقال:

«أ تعرف الكوكب الذي يقال لها جدي؟»قلت:نعم،قال:«اجعله علي يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك» (4).

و منها المروي عن تفسير العياشي في تفسير وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [1] (5)

ص:266


1- كالشيخ البهائي في الحبل المتين:192.
2- منهم الشهيد في الذكرى:162،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:112.
3- التهذيب 2:143/45،الوسائل 4:306 أبواب القبلة ب 5 ح 1.
4- الفقيه 1:860/181،الوسائل 4:306 أبواب القبلة ب 5 ح 2.
5- النحل:16.

قال:«هو الجدي،لأنه نجم لا يزول،و عليه بناء القبلة،و به يهتدي أهل البرّ و البحر» (1).

و نحوه آخر مروي فيه أيضا في تفسيره (2).

و هي و إن كانت مطلقة ليس فيها التقييد بأهل العراق لكنّها خصّت بهم بقرينة الرواة،لكونهم منهم،لكنها مع ذلك لا تخلو من إجماع،سيّما الروايات الأخيرة،مع ضعف أسانيدها جملة بالإرسال،و الضعف بالسكوني في المشهور بين الطائفة (3).

فإذا العمدة هو استعمال قوانين الهيئة.و عليه لا يستقيم جعل الأمور الأخيرة علامات لأهل العراق على الإطلاق،كما نبّه عليه جماعة من المحققين (4)،فقيّدوا المشرق و المغرب بالاعتداليين،حاكين له عن الأكثر، و جملة منهم (5)قيّدوا الجدي بحالة غاية ارتفاعه،بأن يكون إلى جهة السماء و الفرقدان إلى جهة الأرض،أو غاية انخفاضه عكس الأوّل.

و مع ذلك فقالوا:إن بين العلامات الثلاث الأول اختلافا واضحا،فإن العلامة الأولى-سواء قيد المشرق و المغرب بالاعتداليين،أو كان المقصود أن

ص:267


1- تفسير العياشي 2:12/256،الوسائل 4:307 أبواب القبلة ب 5 ح 3.
2- تفسير العياشي 2:13/256،الوسائل 4:307 أبواب القبلة ب 5 ح 4.
3- و قد وثقه الشيخ في العدة:380،و حكي عن المحقق في الرسالة العزّية أنه ثقة أجمع الأصحاب على العمل بروايته،و حكاه عنهما في خاتمة الوسائل 30:230،231،318، و وثقه أيضا المحقق الداماد في الرواشح السماوية:56،57،فضعفه من المشهورات التي لا أصل لها.و لمزيد الاطلاع راجع رجال السيد بحر العلوم 2:121-125،مفتاح الكرامة 8: 256،تنقيح المقال 1:127-129،الكنى و الألقاب 2:285،286.
4- منهم الشهيدان في البيان:114،و روض الجنان:196،و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 174،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:54.
5- كالشهيد الثاني في روض الجنان:196،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:174.

يجعل مشرق يوم على اليسار و مغرب ذلك اليوم على اليمين-تقتضي محاذاة نقطة الجنوب،و كذا العلامة الثالثة،و أمّا الثانية فتقتضي انحرافا بيّنا عنها نحو المغرب،و هو الموافق لمعظم بلاد العراق.

و الأولى حمل العلامة الاولى و الثالثة على أطراف العراق الغربيّة، كالموصل،و بلاد الجزيرة،فإن قبلتهما تناسب نقطة الجنوب.و العلامة الثانية على أوساط العراق،كبغداد و الكوفة و الحلة و المشاهد المقدّسة،فإنه تنحرف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب.و أما أطرافها الشرقية-كالبصرة-فهي أشدّ انحرافا،و يقرب منها تبريز و أردبيل و قزوين و همدان و ما والاها من بلاد خراسان.و نزّلوا إطلاق عبائر الأصحاب على ما ذكروه.

و فيه بعد،و لذا جعل ذلك سبيلا إلى سهولة الأمر في القبلة و اتساع الدائرة فيها،و أنه لا ضرورة إلى ما ذكروه أرباب الهيئة.

مضافا إلى خلوّ النصوص عن بيان العلامات بالكلية،إلاّ ما مرّ إليه الإشارة،و قد عرفت أيضا إجماله.

و مع ذلك فقد ورد في الصحيح و غيره:«ما بين المشرق و المغرب قبلة» (1).

قيل:و يؤيّد ذلك بأوضح تأييد ما عليه قبور الأئمة عليهم السلام في العراق من الاختلاف،مع قرب المسافة بينها على وجه يقطع بعدم انحراف القبلة فيه،مع استمرار الأعصار و الأدوار من العلماء الأبرار على الصلاة عندها، و دفن الأموات،و نحو ذلك،و هو أظهر ظاهر في التوسعة كما لا يخفى (2).

و فيه نظر،يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في روض الجنان،فقال

ص:268


1- الفقيه 1:855/180،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 2.
2- الحدائق 6:387.

في جملة كلام له:و أما توهّم اغتفار التفاوت الحاصل بينها-أي بين العلامات الثلاث-و عدم تأثيره في الجهة ففاسد،لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار تعيين (1)الكعبة[أو] (2)ظنها أو احتمالها،و هذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شيء منها.فإنّ من كان بالموصل مثلا و كان عارفا مجتهدا في القبلة يقطع بكونه -إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب و المغرب الاعتداليين-خارجا عن سمت الكعبة.و كذا من كان بأطراف العراق الشرقية -كالبصرة-إذا استقبل خط الجنوب.و هذا أمر لا يخفى على من تدبّر قواعد القبلة و ما يتوقف عليه من المقدمات.و من طريق النص إذا كان جعل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة في الكوفة التي هي بلد الراوي و نحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين؟!لبعد ما بينهما بالنسبة إلى بعد المسافة، فإنّ الانحراف اليسير عن الشيء مع البعد عنه يقتضي انحرافا فاحشا بينه و بين محاذاته،فإنّا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة لم يزالا يزدادان بعدا كلّما ازدادا امتدادا،كما لا يخفى.و أيضا:فلو كان جعله بين الكتفين محصّلا للجهة كان الأمر بجعله على اليمنى لغوا خاليا عن الحكمة (3).

و إنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده و جودة محصوله.

و لذا منع هو و كثير من الأصحاب-كالمحقق الثاني و جملة ممّن تأخّر عنهما (4)-عما قيل: من أنه يستحب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا (5)قالوا:لأن البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل

ص:269


1- في«ل»و«ش»:تعيّن،و في المصدر:يقين.
2- في النسخ:و.و ما أثبتناه من المصدر.
3- روض الجنان:198.
4- جامع المقاصد 2:57،و انظر المدارك 3:130،و المفاتيح 1:113.
5- مصباح المتهجّد:24،الجامع للشرائع:63،و انظر ص 252.

اليسير.

و مع ذلك هو أي هذا الحكم بناء أي مبني على توجّههم إلى الحرم كما يستفاد من النصوص الدالة عليه.

منها:الخبر:عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة،و عن السبب فيه،فقال:«إن الحجر الأسود لما انزل به من الجنّة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر،فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يساره ثمانية أميال،كله اثنا عشر ميلا،فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم،و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة» (1)و نحوه المرفوع (2).

و الرضوي:«إذا أردت توجّه القبلة فتياسر مثل (3)ما تيامن،فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال» (4).

و المبني عليه ضعيف كما تقدم (5).و كذا النصوص الواردة هنا سندا،لرفع الثاني،و إرسال الأوّل في التهذيب،و ضعفه في الفقيه،لتضمّن سنده محمد ابن سنان و مفضّل بن عمر الضعيفين عند الأكثر،و الرضوي قاصر عن الصحّة، و إنما غايته القوّة،و هي بمجرّدها لا تصلح لمعارضة الاعتبار الذي ذكره الجماعة،فما ذكروه لا يخلو عن قوّة.

و لذا توقف فيه في ظاهر الدروس (6)،كالماتن في ظاهر العبارة،إلاّ أنّ

ص:270


1- الفقيه 1:842/178،التهذيب 2:142/44،علل الشرائع:1/318،الوسائل 4:305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
2- الكافي 3:6/487،التهذيب 2:141/44،الوسائل 4:305 أبواب القبلة ب 4 ح 1.
3- في المصدر:«مثلي».
4- فقه الرضا(عليه السلام):98،المستدرك 3:180 أبواب القبلة ب 3 ح 1.
5- في ص 252.
6- الدروس 159.

ظاهر من تقدّمهم من الأصحاب عدم الخلاف في رجحان التياسر،و إن اختلفوا في استحبابه،كما هو المشهور على الظاهر،المصرّح به في عبائر هؤلاء الجماعة حدّ الاستفاضة (1)،و غيرهم كالشهيد في الذكرى،و بها قد اختاره (2).

أو وجوبه،كما هو ظاهر جماعة من القدماء،و منهم الشيخ في كثير من كتبه و منها الخلاف مدعيا عليه الإجماع (3)،و حكي أيضا عن غيره (4).فيمكن أن يجبر بذلك ضعف سند الروايات أو قصورها.

و البناء المتقدم و إن كان ظاهر كثير من الأصحاب،كالفاضل في المنتهى و المحقق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممن تبعهم (5)،و لكن ظاهر آخرين -كالفاضل في المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد و الشهيد في الذكرى و غيرهما (6)-اطراد الحكم على كل من القول بالمبني عليه و مقابله،لتصريحهم بهذا الحكم مع اختيارهم القول الثاني.

و لعل وجهه ما ذكره في الذكرى و غيره:من أنّ القبلة هي الجهة،و لا يخفى ما فيها من السعة (7).و مرجعه إلى ما مرّ إليه الإشارة من سهولة الأمر في

ص:271


1- الدروس:159،جامع المقاصد 2:56،روض الجنان:199،المدارك 3:130،المفاتيح 1:113.
2- الذكرى:167.
3- الخلاف 1:297،النهاية:63،المبسوط 1:78.
4- كالشيخ أبي الفتوح في تفسيره 1:224،و ابن حمزة في الوسيلة:85.
5- المنتهى 1:219،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:56،الشهيد الثاني في روض الجنان:198،و انظر المدارك 3:130،و مفاتيح الشرائع 1:113.
6- المختلف:77،التحرير 1:28،الإرشاد 1:245،القواعد 1:26،الذكرى:167،و انظر الشرائع 1:66،و الجامع للشرائع:63.
7- الذكرى:167.

القبلة،و لكن فيه ما عرفته (1).

فإذا:العمدة هي النصوص المعمول عليها بين الطائفة،مضافا إلى حكاية الإجماع المتقدمة،و إن لم يصلح للحجيّة،لوهنه بندرة القول به من حيث دلالته على الوجوب،و لم نر قائلا به عدا الناقل و نادر.و كيف كان فهو أحوط من الترك،لضعف القول به بضعف دليله عن المقاومة لما دلّ على رجحان التياسر من الإجماع المنقول و النص المعمول به.

و أمّا ما ربما يجاب عنه:بوروده مورد التقية،لكون المحاريب المشهورة المبنية في العراق في زمان خلفاء الجور و لا سيّما المسجد الأعظم كانت مبنيّة على التيامن عن القبلة،و لم يمكنهم إظهار خطأ هؤلاء الفسقة،فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب،معلّلين بما عرفته من العلة،لئلاّ يشتهر منهم عليهم السلام الحكم بخطإ من مضى من هؤلاء الكفرة (2).

فغير مفهوم للعبد،فإن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء المساجد على التيامن تقتضي أمر الشيعة بمتابعة قبلة هؤلاء الفجرة،كي لا يعرفوا فيقتلوا،لا أن يأمروا بالمخالفة لهم فيؤخذ برقابهم.

و اعلم أنّ مقتضى الأصول و النصوص و فتوى الأصحاب من غير خلاف معروف:وجوب تحصيل العلم بالقبلة عينا أو جهة مع الإمكان،و لو بالأمارات المتقدمة المستندة إلى القواعد الرياضية،بناء على إفادتها العلم بالجهة،كما صرّح به جماعة،كالفاضلين في المعتبر و المنتهى على ما حكي عنهما (3)، و الشهيدين في روض الجنان و الذكرى (4)،و إن كان يظهر من بعضهم إفادتها

ص:272


1- راجع ص:262.
2- انظر البحار 81:53.
3- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219.
4- روض الجنان:194،الذكرى:162.

المظنة،و لعلّها بالنسبة إلى العين،و إلاّ فالأمر بالنسبة إلى الجهة كما ذكره الجماعة.

و إن فقد العلم جاز الاكتفاء بالظن الحاصل بأيّ نحو كان من الأمارات المفيدة له،متحرّيا في ذلك الظن الأقوى،بلا خلاف إلاّ ما يحكى عن المبسوط،حيث أوجب الصلاة إلى أربع جهات إذا فقد العراقي ما نصب له من العلامات (1).

و هو غير ظاهر في المخالفة حتى في صورة حصول المظنة بجهة القبلة من غير تلك العلامة،لاحتمال اختصاصه بصورة فقدها بالكلية كما هو الغالب،و لعلّه لذا لم ينقل عنه الخلاف هنا إلاّ نادر.و على تقدير ظهور المخالفة فهو شاذّ،محكيّ على خلافه الإجماع من المسلمين كافّة في كثير من العبائر،كالمعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى (2)،و به صرّح بعض الأجلّة،حيث قال:و هل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟الظاهر إجماع المسلمين على تقديمه وجوبا على الأربع قولا و فعلا،و أن فعل الأربع حينئذ بدعة،فإن غير المشاهد للكعبة و من بحكمه ليس إلاّ مجتهدا أو مقلدا، فلو تقدّمت الأربع على الاجتهاد لوجبت على عامة الناس و هم غيرهما أبدا،و لا قائل به..إلى آخر ما قال (3)،و نعم ما قال.

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:«يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (4).

ص:273


1- المبسوط 1:78.
2- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219،التحرير:28،التذكرة 1:102،الذكرى:164.
3- كشف اللثام 1:177.
4- الكافي 3:7/285،التهذيب 2:146/45،الاستبصار 1:1087/295،الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

قوائم،أو مطلقا كيف اتفق،أو بشرط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كل واحدة و بين الأخرى ما يعدّ قبلة واحدة لقلّة الانحراف،على اختلاف الأقوال،إلاّ أن أشهرها بل و أصحّها الأوّل،اقتصارا على المتبادر من النص و الفتوى.

و مع الضرورة بخوف لصّ أو سبع أو نحوهما أو ضيق الوقت عن الصلوات الأربع يصلي إلى أيّ جهة شاء ما قدر منها (1)و لو واحدة،كما صرّح به جماعة (2)،أو يصلّيها خاصة و لو قدر على الزيادة،كما هو ظاهر العبارة و كثير من عبائر الجماعة (3)،و هو الأوفق بالأصل،كالأول بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادة.

و لا خلاف نصّا و فتوى في جواز الاقتصار عن الأربع صلوات بالمقدور منها أو الواحدة في صورة الضرورة.و إنما اختلفوا في وجوبها مع الإمكان على أقوال ،ما في المتن من وجوبها أشهرها،بل في ظاهر المعتبر و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني أنّ عليه إجماعنا (4)،و حكي التصريح به عن الغنية (5)،و هو الحجة،مضافا إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة من لزوم الإتيان بالأربع من باب المقدمة تحصيلا للأمر المطلق باستقبال القبلة.

و خصوص المرسل:قلت:جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون:إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم يعرف السماء كنا و أنتم سواء في الاجتهاد،فقال:ليس كما يقولون،إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه» (6).

ص:275


1- في«ش»و«م»:يصلي ما قدر منها إلى أيّ الجهات شاء.
2- منهم المحقق في المعتبر 2:70-71،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:179.
3- انظر المقنعة:96،و المبسوط 1:78،و الوسيلة:86،و السرائر 1:205.
4- المعتبر 2:70،المنتهى 1:219،جامع المقاصد 2:72.
5- الغنية(الجوامع الفقهية):556.
6- التهذيب 2:144/45،الاستبصار 1:1085/295،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 5.

خلافا للعماني (1)،و ظاهر الصدوق كما قيل (2)،فيصلّي حيث شاء،و مال إليه الفاضل في المختلف و الشهيد في الذكرى (3)،و غيرهما من متأخّري متأخّري أصحابنا (4).

التفاتا إلى الصحيح:«يجزي المتحير أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (5).

و الصحيح المروي في الفقيه:عن الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا،فقال:«قد مضت صلاته،فما بين المشرق و المغرب قبلة،و نزلت هذه الآية في قبلة المتحير:

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [1] (6).

و المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:

عن قبلة المتحيّر،فقال:«يصلي حيث يشاء» (7).

و طعنا في الإجماع:بعدم المسموعية في محل النزاع.و في الأصل:

بمنع وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة استنادا إلى ما تقدم من المعتبرة.و في الخبر:بضعف السند بالإرسال و غيره،و المتن بتضمنه سقوط الاجتهاد من

ص:276


1- كما حكاه عنه في المختلف:77.
2- حكاه عنه في المختلف:77،و انظر الفقيه 1:179.
3- المختلف:78،الذكرى:166.
4- كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:67،و صاحبي المدارك 3:136، و الذخيرة:218،و المحدث المجلسي في روضة المتقين 2:205،و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1:114،و المحدث الشيخ يوسف البحراني في الحدائق 6:400.منه رحمه اللّه.
5- الفقيه 1:845/179،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 2.
6- الفقيه 1:846/179،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.و الآية في البقرة:115.
7- الكافي 3:10/286،الوسائل 4:311 أبواب القبلة ب 8 ح 3.

أصله،و هو مخالف للإجماع الظاهر و المحكي (1).

و في الجميع نظر:لانجبار الضعف بالإرسال و غيره بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها حجة (2)مستقلة.

و احتمال الاجتهاد الممنوع عنه،الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم، و هي جملة أنه يعمل بالظن مع القدرة عليه و إلاّ فيسقط اعتبار القبلة.

و هو و إن بعد لكن لا محيص عنه،جمعا،و صيانة للنص عن المخالفة للإجماع مهما أمكن،سيّما مع اعتضاده-بعد فتوى الأصحاب و الإجماع المحكي-بالمرسل الآخر المروي في الفقيه من دون هذا المحذور،و كذا في الكافي (3).مع أنه حجّة مستقلّة بنفسه،لانجباره بما مضى،و بالأصل الذي قدّمناه.

و الجواب عنه بما مرّ (4)فرع تسليم سند المنع.و هو غير مسلّم،لإرسال الخبر الأخير و إن قرب من الصحيح،لضعفه عن المقاومة للمنجبر بالعمل، لكونه أقوى منه،بل و من الصحيح و إن تعدّد و استفاض،على الصحيح.

و به يظهر الجواب عن الصحيحين الأوّلين.مع احتمال القدح في أوّلهما بأنّ راويه قد رواه بدل ما هنا:«يجزي التحرّي» (5)لا المتحيّر،فيحتمل كون الأصل هذا و التحريف وقع في المبدل،و معه لا يصح الاعتماد عليه في مقابلة ما مضى.

و اتحادهما سندا و متنا-غير ما وقع فيه الاختلاف-مع الأصل،يدفع

ص:277


1- راجع ص:269.
2- في«م»زيادة:برأسه.
3- انظر الفقيه 1:854/180،و الكافي 3:10/286،الوسائل 4:310،311 أبواب القبلة ب 8 ح 1،4.
4- من منع وجوب استقبال القبلة مع الجهل بها.منه رحمه اللّه.
5- كما تقدم في ص:270.

احتمال التعدّد رواية،و أنه روى بهذا مرّة و بالآخر اخرى.

و في الثاني منهما بأن محل الدلالة:«و نزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر» إلى آخره.و هو كما يحتمل كونه من تتمّته كذا يحتمل كونه من كلام الفقيه،بل هذا أظهر على ما يشهد به سياق الخبر ،مع أنه مروي في التهذيب بدون هذه الزيادة (1).

فإذا:يشكل الاستناد إلى هذه المعتبرة سيّما في مقابلة خصوص ما مرّ من المراسيل المنجبرة بالشهرة و الإجماعات المحكية التي كل منها حجّة مستقلة.و تخيّل الجواب عنه بما مرّ إليه الإشارة،مضعّف بعدم انطباقه على قواعد الإمامية،كما مرّ غير مرّة.

ثمَّ لو سلّم اعتبار هذه الأدلة و خلوصها عن القوادح المتقدمة،فغايتها إيراث شبهة في المسألة،بناء على أنّ ترجيحها على الأدلة المقابلة فاسد بلا شبهة.فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل،و هو ما مرّ من لزوم فعل الأربع من باب المقدمة.

و القدح فيه-زيادة على ما مر-بإمكان تحصيل المأمور به بصلوات ثلاث إلى ثلاث جهات.

ممنوع بعدم تحصيل القبلة الواقعية بذلك،بل غايتها تحصيل ما بين المشرق و المغرب،و هو ليس بقبلة،بل هي الجهة المخصوصة التي لا يجوز الانحراف عنها و لو بشيء يسير،إلاّ فيما استثني بالمرة،و كون ما نحن فيه منه أوّل الكلام.و لا كذلك الصلاة إلى الأربع جهات،فإنّها و إن لم تحصل الجهة الواقعية كما هي،إلاّ أنه يدفع الزائد عنها بعدم القائل به بلا شبهة (2).

ص:278


1- التهذيب 2:157/48.
2- في«ح»:و لا شبهة.

و لو سلّم فساد هذا الأصل،فلنا أصل آخر هو استصحاب شغل الذمة اليقيني،المقتضي لوجوب تحصيل البراءة اليقينية،و مرجعه إلى استصحاب الحالة السابقة،و هو أخصّ من أصالة البراءة فتكون مخصّصة.

و للمحكي عن ابن طاوس،فأوجب استعمال القرعة،فإنها لكل أمر مشكل (1).

و يضعف بأنه لا إشكال هنا على كلّ من القولين السابقين،لاستناد كل منهما إلى حجّة شرعيّة ينتفي معها الإشكال بالمرة.

و من هنا ينقدح ما في المدارك من نفي البأس عن هذا القول (2)،مع أنّه اختار القول الثاني الذي مقتضاه جواز الصلاة إلى أيّ جهة شاء،و صحّتها كذلك و لو من دون قرعة،و لا كذلك القول بلزومها،فإنّ مقتضاه البطلان لو صلّيت من دونها.

و اعلم أنّ من ترك الاستقبال إلى القبلة عمدا أعاد (3)وقتا و خارجا،إجماعا،لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

مضافا إلى النهي المفسد للعبادة،فكأنه ما أتى بها فيصدق الفوت،كما إذا ترك أصل الصلاة عامدا،فيجب القضاء.

مضافا إلى النصوص المستفيضة بإعادة الصلاة بترك القبلة (4)بقول مطلق، خرج منها ما سيأتي لما يأتي،فيبقى الباقي.

لو صلّى ظانّا أو ناسيا و تبين الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق و المغرب

و لو صلّى (5)إلى القبلة ظانّا لجهتها،أو لضيق الوقت عن الصلاة

ص:279


1- الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان:81.
2- المدارك 3:137.
3- في«ح»زيادة:مطلقا.
4- الوسائل 4:312 أبواب القبلة ب 9.
5- في المختصر المطبوع:و لو كان.

إلى الجهات الأربع،أو لاختيار المكلف لها إن قلنا بتخيير المتحيّر أو ناسيا لمراعاة القبلة أو لجهتها و بعد الفراغ تبيّن الخطأ و الصلاة إلى غير القبلة لم يعد ما كان صلاّه بين المشرق و المغرب مطلقا،في وقت كان أو خارجا،إجماعا في الظانّ،كما في التنقيح و روض الجنان (1)و غيرهما (2)،بل في المنتهى و عن المعتبر أنّ عليه إجماع العلماء (3).

و هو الحجّة،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها-زيادة على الصحاح و غيرها المتضمّنة لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة (4)-خصوص الصحيح:

قلت:الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ،فيرى أنّه قد انحرف من القبلة يمينا و شمالا،قال:«قد مضت صلاته،و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (5).

و موثّقة عمّار عنه عليه السلام:في رجل صلّى على غير القبلة،فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته،قال:إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم،و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة» (6).

و الخبر المروي عن قرب الإسناد:«من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنه على القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك،فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق

ص:280


1- التنقيح الرائع 1:177،روض الجنان:203.
2- كالمفاتيح 1:114.
3- المنتهى 1:223،المعتبر 2:72.
4- الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10.
5- الفقيه 1:846/179،الوسائل 4:314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
6- الكافي 3:8/285،التهذيب 2:159/48،الاستبصار 1:1100/298،الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

و المغرب» (1).

و نحوها المروي عن نوادر الراوندي:«من صلّى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق و المغرب فلا يعيد الصلاة» (2).

و ربما تنافي هذه النصوص الصحاح الآتية بلزوم الإعادة في الوقت ما صلّى إلى غير القبلة،و نحوها عبائر كثير من قدماء الطائفة كالشيخين و المرتضى و الحلي و ابن زهرة (3).

لكن الإجماعات المنقولة أوجبت تقييد إطلاق فتاويهم بالصورة الآتية (4)،كما أوجبت هي-مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتقدمة-تقييد النصوص المطلقة بها.

يعيد الظانّ ما صلاّه إلى المشرق و المغرب في وقته لا ما خرج وقته

و يعيد الظانّ بل كلّ من مرّ ما صلاّه إلى المشرق و المغرب إذا كان في وقته و لا يعيد ما خرج وقته بإجماعنا الظاهر المحكي في جملة من العبائر،كالخلاف و الناصرية و السرائر و المختلف و التنقيح و المدارك (5)،و غيرها من كتب الجماعة (6).

و هو الحجّة مضافا إلى الأصول و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح و الموثق:قال:الرجل يكون في قفر من الأرض في

ص:281


1- قرب الإسناد:394/113،الوسائل 4:315 أبواب القبلة ب 10 ح 5.
2- لم نعثر عليه في نوادر الراوندي المطبوع،و قد نقله عنه في المستدرك 3:184 أبواب القبلة ب 7 ح 1.
3- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في المبسوط 1:80،«رسائل السيد 3»:29،الحلي في السرائر 1:206،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556.
4- و هي ما إذا صلّى منحرفا عن القبلة إلى اليمين و اليسار.منه رحمه اللّه.
5- الخلاف 1:302،الناصرية(الجوامع الفقهية):194،السرائر 1:205،المختلف:78، التنقيح الرائع 1:177،المدارك 3:151.
6- كالمبسوط 1:80،و المهذّب البارع 1:310.

يوم غيم فيصلي لغير القبلة،ثمَّ يصحى فيعلم أنه قد صلّى لغير القبلة،كيف يصنع؟قال:«إن كان في وقت فليعد صلاته،و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده» (1).

و فيهما:«إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد،و إن فاتك الوقت فلا تعد» (2).

و كذا لو استدبر القبلة فيعيد في الوقت دون خارجه،إجماعا في الأوّل.

و على الأصح في الثاني،وفاقا للمرتضى و الحلي (3)،و هو الأشهر بين من تأخّر،بل عليه عامتهم،إلاّ من ندر كالفاضل في جملة من كتبه و المقداد في الشرح و المحقق الثاني في شرح القواعد (4)،مع أن الأوّل قد رجع عنه في المختلف (5)،و الأخيرين لم يصرّحا بهذا القول،بل الأوّل قد احتاط به،و الثاني قال:و العمل عليه،بعد أن قوّى المختار،فلا خلاف منهم أيضا حقيقة.

لإطلاق الأدلّة المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا ما يأتي، و ستعرف جوابه.

و قيل و القائل الشيخان (6)و جماعة (7):إنّه يعيد مطلقا و إن خرج

ص:282


1- الكافي 3:9/285،التهذيب 2:152/47 و 153،الاستبصار 1:1091/296 و 1092،الوسائل 4:317 أبواب القبلة ب 11 ح 6.
2- الكافي 3:3/284،التهذيب 2:151/47،الاستبصار 1:1090/296،الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11 ح 1.
3- المرتضى جمل العلم و العمل«رسائل السيد 3»:29،الحلي في السرائر 1:205.
4- الفاضل في نهاية الإحكام 1:399 و القواعد 1:27،و الإرشاد 1:245،المقداد في التنقيح الرائع 1:178،جامع المقاصد 2:75.
5- المختلف:78.
6- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في المبسوط 1:80،و الخلاف 1:303.
7- منهم الديلمي في المراسم:61،و ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):556،و القاضي في المهذّب 1:87،و الشهيد في اللمعة(الروضة البهية 1):202.

الوقت لموثقة عمار المتقدمة.و فيه قصور سندا و ضعف دلالة،كما نبّه عليه جماعة (1)،قالوا:فإنّ مقتضاها أنه علم و هو في الصلاة،و هو دالّ على بقاء الوقت،و نحن نقول بموجبة،إذ النزاع إنما هو فيما إذا علم بعد خروجه.

أقول:مع أن ظاهرها بقرينة السياق كون المراد بالاستدبار ما يعم التشريق و التغريب،و قضاء الصلاة معه خلاف الإجماع.

و بالجملة فالاستدلال بها ضعيف،سيّما في مقابلة الأدلّة المتقدّمة.

كالاستدلال باشتراط الصلاة بالقبلة بالنص و الإجماع،و المشروط منتف عند انتفاء شرطه،فهي إلى غير القبلة فائتة،و من فاتته صلاة وجب عليه القضاء إجماعا،نصّا و فتوى،و إنما لم يجب إعادة ما بين المشرق و المغرب و لا قضاء ما صلّى إليهما للاتفاق عليهما نصّا و فتوى،كما مضى.

و بالخبرين:عن رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى،قال:«يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها،إلاّ أن يخاف فوت التي دخل فيها» (2).

لمنع الأوّل بمنع الاشتراط بالقبلة،بل بظنها،فلا فوت،للامتثال،و لذا قال الفاضل في النهاية:و الأصل أنه إن كلف بالاجتهاد لم يجب القضاء،و إن كلّف بالاستقبال وجب (3).انتهى.

و لا يرد أنه لو كفى الاجتهاد لم تجب الإعادة في الوقت،للخروج بالنص و الإجماع.

ص:283


1- انظر المدارك 3:153،و الذخيرة:222.
2- التهذيب 2:149/46،150،الاستبصار 1:1098/297،1099،الوسائل 4:313 أبواب القبلة ب 9 ح 5 بتفاوت يسير.
3- نهاية الإحكام 1:399.

و لضعف الخبرين و قصورهما سندا و مكافاة لما مضى،بل و دلالة أيضا، لعدم تقييدهما بالاستدبار،بل هما عامّان له و للتشريق و التغريب و ما دونهما، و هو خلاف الإجماع.

و تقييدهما بالأوّل جمعا بينهما و بين الأخبار المتقدمة فرع الشاهد عليه، و ليس،مضافا إلى استلزامه حمل المطلق على الفرد النادر،إذ الاستدبار الحقيقي قلّما يتفق،سيّما للمجتهد،كما هو بعض أفراد محلّ البحث.

و لا يرد مثله على النصوص السابقة،لعموم بعضها من حيث التعليل بقوله:«فحسبه اجتهاده».

مضافا إلى اعتضادها أجمع بالأصول العامّة،مثل أصالة البراءة،بناء على أن القضاء بفرض جديد،و لا يثبت إلاّ حيثما يصدق الفوت حقيقة،و لا يصدق هنا كذلك،بناء على أن الامتثال يقتضي الإجزاء و معه لا يصدق الفوت قطعا.و مع التنزّل فلا أقل من التردّد في الصدق و عدمه،و بمجرده لا يخرج عن الأصل القطعي.

و من هنا يصح إلحاق الناسي بالظان في عدم وجوب القضاء،كما عليه جماعة من أصحابنا كالشيخين (1)،و غيرهما،و كثير من المتأخّرين (2).

و زادوا فألحقوه به في جميع الأحكام،حتى في عدم الإعادة و لو صلّى منحرفا إلى ما بين المشرق و المغرب،كما صرّح الماتن هنا (3).

و هو حسن،لعموم النصوص المتقدمة في هذه الصورة له (4)،كعموم

ص:284


1- المفيد في المقنعة:97،الطوسي في النهاية:64.
2- كالعلاّمة في التبصرة:22،و الشهيدين في الذكرى:166،و الروض:203،و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:76.
3- حيث أفرد الظانّ بالذكر غير الناسي في الصورتين الأخيرتين.منه رحمه اللّه.
4- راجع ص 274.

بعض الصحاح النافية للقضاء خارج الوقت له أيضا (1)،بل و للجاهل مطلقا.

و لولاه لأشكل الإلحاق كليّا،لاقتضاء الأصل إعادة ما صلّى إلى غير القبلة و لو لم يصل إلى حدّ التشريق و التغريب،كما ستعرفه.

خلافا لآخرين،منهم الماتن في ظاهر عبارته هنا (2)،فمنعوا عن إلحاقهما مطلقا،عملا بالأصول،و تنزيلا للنصوص على الظان،بدعوى اختصاصها به بحكم التبادر و غيره دونهما.

و فيهما نظر،لاختصاص الأصول بمنع الإلحاق في صورة عدم الإعادة في الوقت لا غيرها ،بل مقتضاها فيه الإلحاق جدّا،أما صورة عدم القضاء فلما مضى،و أما صورة الإعادة في الوقت-كما إذا صلّى مشرّقا و مغرّبا-فلبقاء وقت الأمر بالأداء فيجب امتثاله بعد ظهور المخالفة و الخطاء،مضافا إلى فحوى ما دلّ على لزومها على الظان،فهاهنا أولى.

و أما دعوى اختصاص النصوص به فممنوعة في بعضها،لعمومه له و للناسي بل الجاهل أيضا،بترك الاستفصال في مقام جواب السؤال مع قيام الاحتمال، المقتضي للعموم في المقال.لكن الحكم بشموله للجاهل بالحكم-نظرا إلى قطعيّة ما دلّ على كونه كالعامد-لا يخلو عن إشكال.و الاحتياط فيه لا يترك على حال.

ثمَّ إن هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة كما قدّمناه.

و إذا تبيّن في أثنائها فكما بعد الفراغ في الصور الثلاث ،إلاّ أنه يستدير إلى القبلة في الصورة الأولى منها (3)بلا خلاف،بل عليه الإجماع في صريح

ص:285


1- راجع ص 276 الرقم 2.
2- و منهم:الفاضل الآبي في كشف الرموز 1:135،و العلامة في المختلف:79،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:180.
3- و هي الصلاة إلى ما بين المشرق و المغرب.منه رحمه اللّه.

المدارك و عن ظاهر المعتبر (1)،و عن المبسوط و في غيره نفي الخلاف عنه (2).

و هو الحجّة،مضافا إلى صريح موثقة عمار السابقة (3)،و فيها الدلالة على الاستيناف في الصورة الثالثة،و لا خلاف فيها أيضا على الظاهر المحكي عن المبسوط (4).

و يحتمل شمولها للصورة الثانية أيضا إن عمّمنا الاستدبار فيها للتشريق و التغريب،كما هو ظاهر سياقها،و تقدم الإشارة إليه سابقا (5).و فيها الحجة حينئذ على المبسوط فيما حكي عنه:من إلحاقه الصورة الثانية بالأولى في لزوم الاستدارة إلى القبلة نافيا الخلاف عنه (6).مضافا إلى تطرّق الوهن إلى قوله و نفيه الخلاف بندرته و شذوذه،مع عدم صراحة عبارته في المخالفة،و احتمالها الموافقة لما عليه الجماعة و الموثقة.

و إطلاقها في صورة الاستيناف يقتضي عدم الفرق بين بقاء الوقت بعد القطع و عدمه.

و يشكل في الثاني،بناء على أن الظاهر أن مراعاة الوقت مقدّمة على مراعاة القبلة،و لذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من الاجتهاد فيها أن يصلّي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا ،بل مقدمة على جلّ واجبات الصلاة من الشرائط و الأجزاء.

و استشكل فيه الشهيدان أيضا (7)،بل رجّح الإلحاق بالصورة الأولى ثانيهما

ص:286


1- المدارك 3:154،المعتبر 2:72.
2- المبسوط 1:81،و انظر الحدائق 6:430.
3- في ص:274.
4- انظر المبسوط 1:81.
5- في ص:277.
6- المبسوط 1:81.
7- الذكرى:166،المسالك 1:23.

و سبطه في المدارك (1)،و غيرهما (2)و هو الأقوى.

لا يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا

و لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا من العلماء،كما في المعتبر و المنتهى و الذكرى (3)،لكنّه قال:إجماعا،و أطلق.

و لا شبهة فيه إذا استلزم فوات الاستقبال،أو غيره من الشرائط و الأجزاء، للأصول المعتضدة بالنصوص،منها الصحيح:«لا يصلّي على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة» (4)و نحوه الموثق (5)و غيره (6).

و يشكل إذا لم يستلزم الفوات،كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب و الحركة:

من إطلاق الفتوى و النصوص-بل عموم الصحيح منها من حيث الاستثناء-بالمنع.

و من انصرافه بحكم التبادر و الغلبة إلى الصورة الأولى خاصة.و الاستثناء في الصحيح يفيد عموما في حالات المصلّي لا المركوب،كما هو واضح.و به صرّح جماعة (7)مختارين الجواز في هذه الصورة،وفاقا للفاضل في النهاية (8)، و لا يخلو من قوة.خلافا للأكثر،فاختاروا المنع.و هو أحوط،تحصيلا للبراءة القطعية.

و هل الفريضة تشمل كل واجب حتى نحو الصلاة المنذورة،أم تختصّ

ص:287


1- المدارك 3:154.
2- كالسبزواري في الذخيرة:222.
3- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،الذكرى:167.
4- التهذيب 3:952/308،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
5- التهذيب 3:598/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 7.
6- التهذيب 3:954/308،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
7- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:64،و صاحبا المدارك 3:143،و الحدائق 6:414.
8- نهاية الإحكام 1:404.

بالصلوات الخمس اليومية؟ مقتضى الإطلاق الأوّل،و صرّح به الفاضل في المنتهى و التحرير (1)، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط (2)،و تبعهما الشهيد في الذكرى.قال:و لا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا على الأرض،لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب (3).

و تنظّر فيه جمع (4)،قالوا:عملا بالأصل،و عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر،مضافا إلى الخبر:عن رجل جعل للّه تعالى[عليه]أن يصلّي كذا و كذا،هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟قال:«نعم» (5).

و فيه نظر،لاندفاع الأوّلين بعموم أدلّة المنع،فإنه بالنظر إليهما أخصّ فليقدّم.

و الخبر غير معلوم الصحة،و مع ذلك غير صريح الدلالة،بل و لا ظاهرة إلاّ من حيث العموم لحالتي الاختيار و الضرورة،و يمكن تخصيصه بالأخيرة جمعا بين الأدلّة.

إلاّ أن يمنع عموم المانعة منها،باختصاصها-بحكم التبادر و الغلبة، و التعبير بلفظ الفريضة المستعمل كثيرا في النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب لا السنة-بالصلوات الخمس اليومية.

و لا يخلو عن قوة.و إن كان الأحوط عموم المنع،تحصيلا للبراءة اليقينيّة،

ص:288


1- المنتهى 1:223،التحرير 1:29.
2- المبسوط 1:80.
3- الذكرى:167.
4- منهم:صاحب المدارك 3:139،و السبزواري في الذخيرة:217،و صاحب الحدائق 6:410.
5- التهذيب 3:596/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 6.و ما بين المعقوفين من المصدر.

سيّما مع مقابلة الفريضة بالنافلة في بعض النصوص:أصلّي في محملي و أنا مريض؟قال،فقال:«أمّا النافلة فنعم،و أما الفريضة فلا» (1).

و هو مشعر بعموم الفريضة لكل صلاة واجبة و لو بالسنّة،إلاّ أن الإشعار لا يصلح الاستناد إليه للمنع،مع ضعف السند بالإضمار و الجهالة،و تضمن الذيل الذي لم نذكره عدم جواز الفريضة على الراحلة و لو حال الضرورة،و لم يقل به أحد من الطائفة،كما عرفته.

و احترز بقوله:اختيارا،عن الصلاة عليها اضطرارا،لجوازها حينئذ إجماعا ظاهرا،و مصرّحا به في المعتبر و المنتهى و غيرهما (2).

و النصوص به-مع ذلك،بعد الأصول-مستفيضة جدّا،منها،زيادة على المعتبرين السابقين (3)،الصحاح،منها:يصيبنا المطر و نحن في محاملنا و الأرض مبتلّة و المطر يؤذي،فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحالة في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة؟فوقّع عليه السلام:«يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة» (4).

و منها:«إن كنت في أرض مخافة فخشيت لصّا أو سبعا فصلّ الفريضة و أنت على دابّتك» (5).

و في النصوص الكثيرة-و فيها الصحيح و غيره-:«أنه صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفريضة في المحمل في يوم و حل و مطر» (6).

ص:289


1- التهذيب 3:953/308،الوسائل 4:327 أبواب القبلة ب 14 ح 10.
2- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،و انظر كشف اللثام 1:176.
3- في ص:281.
4- التهذيب 3:600/231،الوسائل 4:326 أبواب القبلة ب 14 ح 5.
5- الكافي 3:3/456،الفقيه 1:1345/295،التهذيب 3:381/172،الوسائل 8:442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 10.
6- الوسائل 4:326-327 أبواب القبلة ب 14 الأحاديث 5،8،9.

و كما تجوز على الراحلة للضرورة كذا تجوز ماشيا،كما صرّح به جماعة (1)،و حكي عن الأصحاب كافة (2)،و بإجماعهم صرّح في المنتهى (3)، للأصول،و خصوص النصوص الدالّة عليه بالعموم و الخصوص.

ففي الصحيح:عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟قال:

«يكبّر و يومئ برأسه» (4)و نحوه آخر (5).

و في ثالث:عن الصلاة في السفر و أنا أمشي؟قال:«نعم يومئ إيماء، و ليجعل السجود أخفض من الركوع» (6).

و نحوها غيرها من الصحاح الدالّة عليه عموما من حيث الشمول للفريضة (7).

و من الدالّة عليه بالخصوص الرضوي،ففيه-بعد ما ذكر صلاة الراكب الفريضة على ظهر الدابة،و أنه يستقبل القبلة بالتكبيرة ثمَّ يمضي حيث توجّهت دابّته،و أنه وقت الركوع و السجود يستقبل القبلة و يركع و يسجد،إلى أن قال-:

«و تفعل فيها مثله إذا صلّيت ماشيا،إلاّ أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض» (8).

و قريب منه بعض النصوص المرخصة للفريضة على الراحلة حال

ص:290


1- منهم المحقق في المعتبر 2:77،و العلامة في نهاية الإحكام 1:407،و صاحب المدارك 3:141.
2- انظر الحدائق 6:412.
3- المنتهى 1:223.
4- التهذيب 3:382/173،الوسائل 8:442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 9.
5- الكافي 3:6/457،التهذيب 3:912/299،الوسائل 8:439 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 1.
6- الكافي 3:7/440،الوسائل 4:335 أبواب القبلة ب 16 ح 4.
7- الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16.
8- فقه الرضا(عليه السلام):163،المستدرك 3:189 أبواب القبلة ب 10 ح 2.

الضرورة من حيث التعليل فيه بقوله عليه السلام:«فاللّه تعالى أولى بالعذر» (1)و هو كالصريح في العموم.

مضافا إلى الاعتبار،و الأصول،و قوله سبحانه فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً [1] (2).

و هل يجب الاستقبال بقدر الإمكان،كما ذكره جماعة (3)،اقتصارا في الضرورة المرخّصة على قدرها؟.

أم يكفي الاستقبال بتكبيرة الإحرام خاصّة،كما في ظاهر الصحيح و غيره،معتضدا بإطلاقات الأخبار؟.

وجهان،أحوطهما الأوّل،بل لعلّه أظهرهما،لقوّة دليله،و ضعف معارضه من الإطلاق و ظاهر الخبرين،لاحتمال ورودهما مورد الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب.

و إذا لم يتمكن من الاستقبال مطلقا حتى في التكبيرة سقط قولا واحدا، للضرورة.كما أنه يجب الاستقبال فيها مع الإمكان قولا واحدا،و بالإجماع صرّح الفاضل في المنتهى هنا و سابقا (4)،و غيره هنا (5).

و هل يجب التأخير إلى ضيق الوقت،أم يجوز مع السعة؟ مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى الثاني،و صريح الرضوي (6)الأول،و به صرح الماتن في الشرائع في الماشي (7).و هو أحوط،سيّما مع أوفقيته بمقتضى

ص:291


1- التهذيب 3:603/232،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.
2- البقرة:239.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:223،و الشهيد الأول في الذكرى:168،و صاحب المدارك 3:141.
4- المنتهى 1:223.
5- انظر كشف اللثام 1:176.
6- فقه الرضا(عليه السلام):148.
7- الشرائع 1:67.

الأصول الدالة على اعتبار القبلة و سائر الشروط،فيجب تحصيلها و لو بالتأخير من باب المقدمة.

و رخّص في النافلة سفرا أن تصلّي على الراحلة حيثما توجهت الراحلة و لو إلى غير القبلة،إجماعا ظاهرا،و مصرّحا به في المعتبر و المنتهى و الذكرى (1)و غيرها (2)،و للصحاح المستفيضة و غيرها.

و يستفاد من جملة منها صحيحة عدم الاختصاص بالسفر و جوازها في الحضر،بل و ماشيا أيضا مطلقا،ففي الصحيح في الرجل يصلي النافلة و هو على دابته في الأمصار،قال:«لا بأس» (3).و نحوه آخر (4).

و فيه:عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة،فقال:«إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوّفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب فنعم،و إلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» (5).

و فيه:«و لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل بالسفر و هو يمشي،و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي،يتوجه إلى القبلة و يقرأ،فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمَّ مشى» (6).

إلى غير ذلك من النصوص.

ص:292


1- المعتبر 2:75،المنتهى 1:222،الذكرى:168.
2- كالخلاف 1:299.
3- التهذيب 3:589/229،الوسائل 4:330 أبواب القبلة ب 15 ح 10.
4- الكافي 3:8/440،الفقيه 1:1298/285،التهذيب 3:591/230،الوسائل 4:328 أبواب القبلة ب 15 ح 1.
5- التهذيب 3:605/232،الوسائل 4:331 أبواب القبلة ب 15 ح 12.
6- التهذيب 3:585/229،الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16 ح 1.

و هو خيرة الشيخ في الخلاف (1)،لكن في خصوص الجواز على الراحلة في الحضر مدعيا هو عليه،و كذا الفاضل في ظاهر المنتهى في الماشي مطلقا (2)،إجماع الأصحاب،و تبعهما عامة متأخّري الأصحاب.

و النصوص المتقدمة و إن لم يستفد منها جواز الصلاة ماشيا في الحضر، لكنه مستفاد من إطلاق الإجماع المنقول،مضافا إلى إطلاق الخبرين،في أحدهما:«إن صلّيت و أنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت ثمَّ قرأت،فإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ثمَّ أومأت بالسجود،و ليس في السفر تطوع» (3).

و في الثاني:أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي و هو يمشي و لكن لا يسوق الإبل (4).

كذا قيل.

و فيه نظر،بل العمدة في التعميم للماشي في الحضر هو الإجماع المنقول،بل المحقق،لعدم قائل بالمنع عن صلاته فيه مع تجويز صلاة الراكب فيه،فكل من صحّحها صحّح صلاة الماشي حضرا،و كل من أبطلها أبطلها،و هو العماني (5)،و الحلي في ظاهر كلامه،حيث خصّ صلاة النافلة على الراحلة بالسفر خاصة (6).

و لعل مستندهما إمّا الاقتصار فيما خالف الأصل-الدال على لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا و لو نافلة من العموم و توقيفية العبادة-على المجمع

ص:293


1- الخلاف 1:298.
2- المنتهى 1:222.
3- التهذيب 3:587/229،الوسائل 4:334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.
4- الكافي 3:9/441،الفقيه 1:1318/289،التهذيب 3:592/230،الوسائل 4: 335،أبواب القبلة ب 16 ح 5.
5- كما نقله عنه في المختلف:79.
6- انظر السرائر 1:208.

عليه،و هو في السفر خاصة.

أو ظهور بعض الصحاح المتقدمة المرخّصة لها فيه في التقييد به،مؤيّدا بجملة من النصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [1] (1)أنه ورد في النوافل في السفر خاصة (2).

و في الجميع نظر،لضعف النصوص المفسّرة سندا،بل و دلالة،إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصّة،و هو لا يستلزم عدم المشروعية في غيره.

و الصحيح غير صريح،بل و لا ظاهر في التقييد إلاّ بالمفهوم الضعيف بورود القيد فيه مورد الغالب.

و الاقتصار على المتيقّن غير لازم حيث يوجد ما يقوم مقامه،و هو النصوص الصحيحة المتقدّمة الظاهرة في الجواز حضرا على الراحلة،و لا قائل بالفرق كما عرفته.

و بها يذبّ عن النصوص المفسّرة و الصحيحة المقيّدة على تقدير تسليم صحة السند و وضوح الدلالة،فإنّ هذه النصوص أقوى دلالة منها بلا شبهة، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة.

و هل يتعيّن هنا الاستقبال بتكبيرة الإحرام كما في الصحيح (3)،و عن الحلي حاكيا له عن جماعة (4)؟أم لا،بل يستحب كما عليه آخرون (5)،لإطلاق النصوص،و صريح الصحيح الآخر (6)؟.

ص:294


1- البقرة:115.
2- الوسائل 4:332،333 أبواب القبلة ب 15 الأحاديث 18،19،23.
3- التهذيب 3:606/233،الوسائل 4:331 أبواب القبلة ب 15 ح 13.
4- السرائر 1:336.
5- انظر مجمع الفائدة و البرهان 2:62،و المدارك 3:148،و الحدائق 6:428.
6- التهذيب 3:581/228،الوسائل 4:329 أبواب القبلة ب 15 ح 7.

قولان،و لعل الثاني أظهر و إن كان الأوّل أحوط.

و يكفي في الركوع و السجود هنا الإيماء.و ليكن السجود أخفض من الركوع،كما في النصوص (1).

و لا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، للصحيح:«يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء و يومئ في النافلة إيماء» (2).

و لو ركع و سجد مع الإمكان كان أولى،للصحيح.و أولى منه أن يصلّي على الأرض مستقرّا،للصحيح الآخر الماضي كسابقه (3).

الرابعة في لباس المصلي

مسائل
اشارة

الرابعة:

في بيان ما يجوز الصلاة فيه من لباس المصلي.

اعلم أنه

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة و لو دبغ و ما لا يؤكل لحمه

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة و لو دبغ إجماعا على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (4):

و للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة،بل قيل:متواترة (5)، ففي الصحيح:عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟قال:«لا،و لو دبغ سبعين مرّة» (6).

و في القريب منه سندا:في الميتة،قال:«لا تصلّ في شيء منه

ص:295


1- الوسائل 4:335 أبواب القبلة ب 16 ح 3،4.
2- التهذيب 4:952/308،الوسائل 4:325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
3- راجع ص 288.
4- كالذكرى:142،و المدارك 3:157،و كشف اللثام 1:183.
5- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:80،و الشهيد الثاني في روض الجنان:212.
6- الفقيه 1:750/160،التهذيب 2:794/203 بتفاوت يسير،الوسائل 3:501 أبواب النجاسات ب 61 ح 1.

و لا شسع » (1)(2).

و ظاهره عموم المنع لما ليس بساتر أيضا،و به صرّح جماعة من أصحابنا (3)،و يستفاد من أخبار أخر أيضا،منها الموثق و غيره:«لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الغراء (4)و الكيمخت (5)ما لم يعلم أنه ميتة» (6).

و في الخبر (7):كتبت إلى أبي محمد عليه السلام:يجوز للرجل أن يصلّي و معه فارة المسك؟فكتب:«لا بأس به إذا كان ذكيّا» (8).

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ذات النفس و غيرها،و به صرّح بعض أصحابنا (9).خلافا لآخرين (10)،فقيّدوها بالأولى،لكونها المتبادر من الإطلاق جدّا.و هذا أقوى،و إن كان الأوّل أحوط و أولى (11).

ص:296


1- الشسع-بالكسر-واحد شسوع النعل،و هو ما يدخل بين الإصبعين في النعل العربي ممتد إلى الشراك.مجمع البحرين 4:352.
2- التهذيب 2:793/203،الوسائل 4:343 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.
3- منهم العلامة في المنتهى 1:225،و الشهيد الثاني في روض الجنان:212،و صاحب المدارك 1:161،و الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1:108.
4- ما أثبتناه موافق للفقيه و نسخة الوافي من التهذيب و«ل»و«م»،و هو بالمدّ و القصر:الذي يلصق به الأشياء و يتّخذ من أطراف الجلود و السمك(النهاية 3:364).و في التهذيب المطبوع و الوسائل و«ش»و«ح»:الفراء-بالفاء-جمع الفرو،و هو الذي يلبس من الجلود التي صوفها معها (مجمع البحرين 1:329).
5- الكيمخت-بالفتح فالسكون-فسّر بجلد الميتة المملوح،و قيل هو الصاغري المشهور(مجمع البحرين 2:441).
6- الفقيه 1:811/172،التهذيب 2:800/205،الوسائل 3:493 أبواب النجاسات ب 50 ح 12.
7- في«ح»زيادة:الصحيح.
8- التهذيب 2:1500/362،الوسائل 4:433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.
9- كالشيخ البهائي في الحبل المتين:180،و نقله عن والده أيضا.
10- منهم صاحب المدارك 3:161،و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1:108،و صاحب الحدائق 7:56.
11- و قد ادعى الفاضل في المنتهى 1:226،إجماعنا على فساد الصلاة في جلد ما لا يؤكل،و عدّ منه القنفذ و اليربوع و الحشرات،و الظاهر أن نحو القنفذ و كثير من الحشرات ليس لها نفس،لكن علل المنع فيه بما يدل على اختصاص المنع فيها بما له نفس سائلة.منه رحمه اللّه.

و ينبغي عليه تقييد غير ذي النفس بنحو السمك ممّا له الجلد الذي هو مورد النص،دون نحو القمل و البق و البرغوث،للقطع بعدم البأس فيها.

ثمَّ إن هذا إذا علم كونه ميتة،أو وجد في يد كافر.أما مع الشك في التذكية فقد مضى في أواخر كتاب الطهارة المنع عنه أيضا (1).وفاقا لجماعة (2).

خلافا لنادر (3)،و قد عرفت مستنده،و ضعفه بمعارضته بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة و استصحاب بقاء شغل الذمة.

نعم لو أخذ من بلاد الإسلام حكم بذكاته،و كذا لو أخذ من يد مسلم، للنصوص المستفيضة المتقدمة ثمة (4).و مقتضاها إطلاقا عدم الفرق بين كون المسلم المأخوذ منه ممّن يستحل الميتة بالدبغ و عدمه.و به صرح جماعة (5)، مستندين إلى إطلاق المستفيضة،بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافا للتذكرة و التحرير و المنتهى (6)،فمنع عمّا يؤخذ عن يد مستحلّ الميتة بالدبغ مطلقا و إن أخبر بالتذكية،لأصالة العدم.

و فيه-بعد ما عرفت من إطلاق النص أو عمومه-نظر.

و أما الخبران:«كان علي بن الحسين عليه السلام رجلا صردا (7)لا يدفئه

ص:297


1- راجع ص:146-147.
2- منهم الشهيدان في الدروس:1-150 و روض الجنان:212.
3- كصاحبي المدارك 3:158،و الحدائق 7:55.
4- في ص:143-144.
5- منهم:صاحب المدارك 3:158،و الفيض في المفاتيح 1:108،و صاحب الحدائق 7: 53.
6- التذكرة 1:94،التحرير 1:30،المنتهى 1:226.
7- الصرد بفتح الصاد و كسر الراء المهملة:من يجد البرد سريعا-مجمع البحرين 3:85.

فراء الحجاز،فإن دباغها بالقرظ (1)،فكان يبعث إلى العراق فيؤتى من قبلكم بالفراء فيلبسه،فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه،و كان يسأل عن ذلك،فيقول:إن أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة،و يزعمون أن دباغه ذكاته» (2).كما في أحدهما.

و في الثاني:إني أدخل سوق المسلمين فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها:أ ليست ذكية؟فيقول:بلى،فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟فقال:«لا،و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول:قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكية»قلت:و ما أفسد ذلك؟قال:«استحلال أهل العراق للميتة،و زعمهم أن دباغ جلد الميتة ذكاته» (3)الحديث.

فلا يعارضان ما قدّمنا،لضعف سندهما،بل و دلالتهما أيضا،فإنّ غاية ما يستفاد من الأوّل أنه عليه السلام كان ينزع منه فرو العراق حال الصلاة،و من الجائز أن يكون ذلك على جهة الأفضلية.و في لبسها في غير حال الصلاة إشعار بعدم كونه ميتة.

و من الثاني المنع عن بيع ما أخبر بذكاته على أنه مذكّى،و هو غير دالّ على تحريم استعماله.بل نفي البأس عن بيعه أخيرا يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة،لعدم جواز بيعها إجماعا.

و كذا لا تجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا و لو ذكّي و دبغ،و لا في صوفه و شعره و وبره بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير

ص:298


1- القرظ بالتحريك:ورق السلم يدبغ به الأديم-مجمع البحرين 4:289.
2- الكافي 3:2/397،التهذيب 2:796/203،الوسائل 4:462 أبواب لباس المصلي ب 61 ح 2.
3- الكافي 3:5/398،التهذيب 2:798/204،الوسائل 3:503 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.

من العبائر،كالخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام،و شرح القواعد للمحقق الثاني،و روض الجنان (1)،و نفى عنه الخلاف في السرائر (2)، و ادعاه في الانتصار في وبر الثعالب و الأرانب و جلودهما،قال:و إن ذبحت و دبغت (3).

و النصوص به مع ذلك مستفيضة،و فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها،منها الصحيح:عن الصلاة في جلود السباع،فقال:«لا تصلّ فيها» (4).

و الموثّق المرويّ بعدّة طرق:عن جلود السباع،فقال:«اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (5)كما في طريقين،و في آخرين:عن لحوم السباع و جلودها،فقال:«أما لحوم السباع فمن الطير و الدواب فإنّا نكرهه،و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (6).

و اختصاصها بالسباع غير ضائر بعد عدم قول بالفرق بين الأصحاب، مستندا إلى عموم كثير من النصوص في الباب،منها الموثق كالصحيح-بل قيل صحيح-«إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره مما أحلّ اللّه تعالى أكله»ثمَّ قال:«يا زرارة،فإن كان ممّا يؤكل

ص:299


1- الخلاف 1:511،الغنية(الجوامع الفقهية):555،المعتبر 2:78،المنتهى 1:226، التذكرة 1:94،نهاية الإحكام 1:373،جامع المقاصد 2:80،روض الجنان:213.
2- السرائر 1:262.
3- الانتصار:38.
4- الكافي 3:12/400،التهذيب 2:801/205،الوسائل 4:354 أبواب لباس المصلي ب 6 ح 1.
5- الكافي 6:2/541،المحاسن:106/629،الوسائل 4:353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 4 و ذيله.
6- الفقيه 1:801/169،التهذيب 2:802/205،الوسائل 4:353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 و ذيله.

لحمه فالصلاة في وبره و بوله[و شعره]و روثه و ألبانه و كلّ شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح،و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله أو حرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد،ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» (1).

و منها المروي في الفقيه في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام:«يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه» (2).

و المروي عن العلل:«لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأن أكثره مسوخ» (3).

و المرسل في التهذيب،المروي عن العلل صحيحا.كان أبو عبد اللّه عليه السلام يكره الصلاة في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه (4)و المراد بالكراهة فيهما التحريم،كما يستفاد من تتبّع نصوص الباب.

و الخبر:كتبت إليه:يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة،فكتب:«لا تجوز الصلاة فيه» (5).

و ظاهره إطلاق المنع و لو كان شعرات ملقاة على الثوب،فضلا عن أن يكون قلنسوة أو تكة مضافا إلى وقوع التصريح بالمنع فيهما على الخصوص في الصحيح المروي في الكافي و التهذيب عن علي بن مهزيار:

قال:كتب إليه إبراهيم بن عقبة:عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة فيه من غير ضرورة و لا تقية؟فكتب عليه السلام:«لا تجوز

ص:300


1- الكافي 3:1/397،التهذيب 2:818/209،الاستبصار 1:1454/383،الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الفقيه 4:265،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 6.
3- علل الشرائع:1/342،الوسائل 4:347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 7.
4- التهذيب 2:820/209،علل الشرائع:2/342،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 5.
5- التهذيب 2:819/209،الاستبصار 1:1455/384،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 4.

الصلاة فيها» (1).

و نحوه الخبر المروي في التهذيب و الاستبصار بسند محتمل الصحة في الأخير (2).

هذا مضافا إلى إطلاق النصوص بالمنع عن الصلاة في نحو الوبر و الشعر (3).

و توهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظة«في»المقتضية لذلك.

مدفوع بعدم جريانه في الموثق كالصحيح المتقدم (4)،لدخولها عليهما و على البول و الروث أيضا،و ليست بالنسبة إليهما للظرفية قطعا،بل لمطلق الملابسة.و مثله حجّة،سيّما بعد اعتضاده بالشهرة بين الطائفة عموما في أصل المسألة،و خصوصا في نحو التكّة،على الظاهر،المصرّح به في كلام جماعة و منهم صاحبا المدارك و الذخيرة (5)،بل صرّح الأخير بالشهرة على الإطلاق حتى في نحو الشعرات الملقاة،كخالي العلامة المجلسي فيما حكي عنه (6).

مع مخالفته العامّة،كما صرّح به جماعة (7)،و اعتضاده بالصحيحين و ما قبلهما من الرواية.

خلافا للمبسوط و ابن حمزة،فيجوز مع الكراهة (8)،و حجّتهما غير واضحة عدا ما في المختلف من وجه اعتباري ضعيف (9)،و مكاتبة أخرى

ص:301


1- الكافي 3:9/399،التهذيب 2:806/206،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.
2- التهذيب 2:805/206،الاستبصار 1:1452/383،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.
3- الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2.
4- في ص:294.
5- المدارك 3:167،الذخيرة:234.
6- بحار الأنوار 80:221.
7- منهم صاحبا الذخيرة:234،و الحدائق 7:79.
8- المبسوط 1:84،ابن حمزة في الوسيلة:88.
9- و هو:إنه قد ثبت للتكّة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما و إن كانا نجسين أو من حرير محض،فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها.المختلف:80.

صحيحة:هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،أو تكة حرير محض،أو تكة من وبر الأرانب؟فكتب:لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه» (1).

و فيها-بعد الإغماض من كونها مكاتبة تضعف عن مقاومة الرواية مشافهة و إن قصرت عن الصحة،لانجبارها كما عرفت بالشهرة المرجّحة لها على الصحيح،بل الصحاح،مع اعتضادها بالمكاتبات الثلاث التي جملة منها كما عرفت صحيحة لا يعارضها هذه المكاتبة للشهرة-:أنها قاصرة الدلالة بما ذكره الماتن في المعتبر-و حكاه عنه في الذكرى ساكتا عليه-:من أن غايتها أنها تضمنت قلنسوة عليها وبر،فلا يلزم جوازها من الوبر (2).

و ما يقال:من أنها مصرّحة بجواز الصلاة في الوبر المسؤول عنه،و من جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر الأرانب،فكيف يدّعى أنها تضمنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير؟ (3).

يمكن الجواب عنه:بأن ما ذكره حسن لو عطف قوله:«أو تكة»على قوله:«قلنسوة»مع أنه يحتمل العطف على قوله:«وبر»بعد قوله:«عليها» و لا ترجيح للأول (4)،بل قرب المرجع يرجّح الثاني و إن بعد عن الاعتبار،لكن غايته التوقف في الترجيح (5).

و لو سلّم ترجيح الأوّل لكان المتعين حملها على التقية،لكون الجواز مذهب العامة كما صرّح به جماعة (6)،و يشير إليه كونها مكاتبة.

مع أنّها متضمنة لاشتراط كون الوبر مذكّى في حلّ الصلاة فيه،و هو

ص:302


1- التهذيب 2:810/207،الاستبصار 1:1453/383،الوسائل 4:377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.
2- المعتبر 2:83،الذكرى:144.
3- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:214.
4- في«ح»زيادة:على الثاني.
5- في«ح»زيادة:فتأمل.
6- راجع ص 296 الهامش(7).

خلاف الإجماع نصّا و فتوى بأيّ معنى اعتبر التذكية فيها:بمعنى الطهارة أو قبول الحيوان ذي الوبر التذكية،إذ الطهارة غير مشترطة في نحو التكة التي هي مورد السؤال مما لا يتم فيه الصلاة اتفاقا.و كذا قبول الحيوان التذكية،لعدم اشتراطها في الوبر من طاهر العين منه الذي هو مورد البحث في المسألة إجماعا.

قيل:و لعل المراد من التذكية فيها كونه مما يؤكل لحمه،و يشير إلى ذلك بعض الأخبار:في الصلاة في الفراء،فقال:«لا تصلّ فيها إلاّ ما كان ذكيّا» قال،قلت:أ ليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟فقال:«بلى إذا كان مما يؤكل لحمه» (1).

و لا بأس به-و إن بعد-جمعا.و لكن الأولى حملها على التقية،لما مرّ؛ مضافا إلى مناسبة اشتراط التذكية فيها لما يحكى عن الشافعي و أحمد:من اشتراطهما كون الشعر و نحوه مأخوذا من الحي،أو بعد التذكية،و أنه إذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح الصلاة فيه (2).

و مما ذكر ظهر ضعف الاستناد إلى هذه الرواية للحكم بجواز الصلاة في الشعرات الملقاة خاصة دون التكة،نظرا إلى صحتها و ضعف الرواية السابقة المصرحة بالمنع فيها بالخصوص.

لأن الضعف كما عرفت بما مرّ مجبور،و الصحيحة قد عرفت وجوه القدح فيها،سيّما التقية.

و أضعف منه الاستناد لذلك بأن فيه الجمع بين الأخبار المانعة بحملها

ص:303


1- الكافي 3:3/397،التهذيب 2:797/203،الوسائل 4:345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 2.
2- نقله عن الشافعي في صحيح مسلم بشروح النووي(إرشاد الساري 2):432،و حكاه عن أحمد في المغني و الشرح الكبير 1:105.

على الثوب المعمول من ذلك،و المجوّزة بحملها على الشعرات الملقاة على الثوب (1).

لعدم الشاهد عليه أوّلا،و فقد التكافؤ ثانيا،مع تصريح المكاتبة الصحيحة أخيرا-بزعمه-بجواز الصلاة في التكة و المكاتبة الأولى بالمنع من الشعرات الملقاة،و قريب منها الموثقة كالصحيحة المتقدمة (2)كما عرفته، فكيف يتم له الجمع بما ذكره؟ و قريب منه في الضعف ما ذكره الشيخ:من الجمع بينهما بحمل المجوّزة على ما يعمل منها ما لا يتم الصلاة فيه وحده كالتكة و نحوها،و المانعة على غيره (3).

إذ فيه إطراح للمكاتبتين المصرّحتين بالمنع عن التكة و القلنسوة (4).

و أضعف من الجميع الاستناد للجواز في الشعر الملقى بالمعتبرة الدالة على جواز الصلاة في شعر الإنسان و أظفاره كما في الصحيحين (5)،و بزاقه كما في المروي عن قرب الإسناد (6).

فإنّ الظاهر خروج ذلك-كفضلات ما لا يؤكل لحمه غير ذي النفس مما لا يمكن التحرز عنه كالقمل و البرغوث و البق و نحوه-عن محل النزاع،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (7)،لاختصاص أدلّة المنع نصا و فتوى بحكم التبادر و غيره

ص:304


1- انظر روض الجنان:214.
2- في ص:293.
3- كما في التهذيب 2:207.
4- المتقدمتين في ص:294.
5- الفقيه 1:812/172،التهذيب 2:1526/367،الوسائل 4:382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 1،2.
6- قرب الاسناد:282/86،الوسائل 3:427 أبواب النجاسات ب 17 ح 6.
7- منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:184،و صاحب الحدائق 7:84،و انظر روض الجنان:214.

بغير ذلك جدّا،مع لزوم العسر الحرج و الضيق في التجنب عن نحو ذلك قطعا، و مخالفته لإجماع المسلمين،بل الضرورة أيضا.

و يعضد المختار ما سيأتي من الأخبار المانعة عن الصلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب (1)،فتأمّل ،و المانعة عن الصلاة في الثياب الملاصقة لوبر الأرانب و الثعالب (2)،بناء على أنّ الظاهر أنّ وجه المنع فيها إنما هو احتمال تساقط الشعرات منهما عليها،و لا يتمّ إلاّ بتقدير المنع عن الصلاة معها مطلقا.

و يجوز استعماله أي كلّ من جلد ما لا يؤكل لحمه و صوفه و شعره و وبره لا في الصلاة مطلقا و لو أخذ من ميتة إلاّ إذا كانت نجسة العين أو كان المأخوذ منها جلدا.

و لو كان كل من المذكورات مما يؤكل لحمه شرعا جاز استعماله في الصلاة و غيرها مطلقا فيما عدا الجلد،و يشترط التذكية فيه و إلاّ فهو ميتة.بلا خلاف في الجواز في شيء من ذلك أجده،بل عليه في المتخذ من مأكول اللحم إجماع الإمامية في عبائر جماعة (3).

و النصوص به مع ذلك بعد الأصل مستفيضة،منها الصحيح:«عن لباس الفراء و الفنك و السمور و الثعالب و جميع الجلود،قال:لا بأس» (4).

و في الصحيح:عن لبس فراء السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها،و المناطيق و الكيمخت و المحشوّ بالقزّ و الخفاف من أصناف الجلود،

ص:305


1- انظر ص:1232.
2- في ص:342.
3- منهم الصدوق في أماليه:510،513،و انظر المعتبر 2:83،و المنتهى 1:230،و جامع المقاصد 2:77.
4- التهذيب 2:826/211،الاستبصار 1:1560/385،الوسائل 4:352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 1.

فقال:«لا بأس بهذا كله إلاّ بالثعالب» (1).

و يستفاد منه البأس في الثعالب و لعلّه للكراهة،و إلاّ فقد صرّحت الصحيحة السابقة بالجواز،و نحوها غيرها:قلت لأبي جعفر عليه السلام:

الثعالب يصلى فيها؟قال:لا،و لكن تلبس بعد الصلاة» (2)إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

و في الصحيح:«لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة،لأن الصوف ليس فيه روح» (3).

و فيه:«اللبن و اللبأ (4)و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شيء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي،و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» (5).

و في الموثق كالصحيح السابق:«فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح (6).

و في الخبر:عن لباس الفراء و الصلاة فيها،فقال:لا تصلّ فيها إلاّ ما كان ذكيّا»إلى آخر ما مرّ قريبا (7).

ص:306


1- التهذيب 2:1533/369،الوسائل 4:352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.
2- الكافي 3:14/400،التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 4.
3- التهذيب 2:1530/368،الوسائل 4:457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.
4- اللبأ على فعل بكسر الفاء و فتح العين:أوّل اللبن في النتاج.الصحاح 1:70.
5- الكافي 6:4/258،التهذيب 9:321/75،الوسائل 24:180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.
6- تقدم مصدره في ص:294.
7- في ص:298.

و في آخر:إنّ بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟فقال:«البس منها ما أكل و ضمن» (1).

و عن تحف العقول في حديث:«و كل شيء يؤكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه و صوفه و شعره و وبره،و إن كان الصوف و الشعر و الوبر و الريش من الميتة و غير الميتة ذكيّا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه» (2)إلى غير ذلك من النصوص.

و إطلاقها بل صريح بعضها كما ترى يقتضي جواز استعمال نحو الصوف و الشعر مطلقا و إن أخذ من ميتة جزّا و قرضا أو قلعا و نتفا.

و لا خلاف فيه في الأوّل،و هو في الثاني مشهور بين الأصحاب،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (3)،للإطلاق.و هو و إن عمّ صورتي كون القلع مع غسل موضع الاتصال (4)و عدمه،إلاّ أنه يجب تقييده بالصحيح المتقدم المتضمن لقوله:«و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله».

و ظاهر أنّ المأمور بغسله هو موضع الاتّصال خاصة،أو المجموع بعد امتزاج بعضها مع بعض-كما هو الغالب-فيلزم غسله أجمع من باب المقدمة.

و علّل-زيادة عليه-بأنّ باطن الجلد لا يخلو عن رطوبة،مع أنّ بعضهم نجّس الملاقي للميتة مطلقا (5).

خلافا للمحكي عن ابن حمزة (6)،و الصيد و الذبائح من النهاية

ص:307


1- الكافي 6:3/450،الوسائل 4:346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 3.
2- تحف العقول:252،الوسائل 4:347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 8.
3- الحدائق 5:82.
4- في المختصر المطبوع زيادة:نتفا.
5- انظر نهاية الإحكام 1:292،و روض الجنان:168،و المعالم:276.و قد تقدّم البحث فيه في ص 143-144.
6- الوسيلة:88.

و المهذّب (1)،و كتاب المأكول و المشروب من الإصباح (2)،فقالوا:لا يحل الصوف و الشعر و الوبر من الميتة إذا كان مقلوعا.

و حمل في السرائر و المعتبر و المنتهى (3)على أن لا يزال ما يستصحبه و لا يغسل موضع الاتصال.

قيل:و قد يقال:إنّ ما في باطن الجلد لم يتكوّن صوفا أو شعرا أو وبرا (4).و ضعفه ظاهر.

و عن الوسيلة اشتراط أن لا ينتف من حي أيضا (5).

و هو مبنيّ على استصحابها شيئا من الأجزاء،و الأجزاء المبانة من الحي كالمبانة من الميت،و لذا اشترط في المنتهى و نهاية الإحكام في المنتوف منه

ص:308


1- النهاية:585،المهذّب 2:441.
2- الإصباح في فقه الإمامية،لأبي الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري، المشتهر بقطب الدين الكيدري(بالدال المهملة،و كيدر قرية من قرى بيهق)أو الكيذري (بالذال المعجمة،كما ضبطه السيد علي خان في طراز اللغة)أو الكندري(بالنون،كما ضبطه الفاضل الهندي في كشف اللثام).و كان فقيها متبحّرا فاضلا أديبا من أكمل علماء زمانه في أكثر الفنون،و أقواله في الفقه مشهورة،منقولة في المختلف و غاية المراد و المسالك و كشف اللثام و غيرها،و له كتب منها:حدائق الحقائق،في شرح نهج البلاغة،فرغ منه في شعبان سنة 576، و كفاية البرايا في معرفة الأنبياء و الأولياء،و مباهج المنهج في مناهج الحجج،و لبّ الألباب في الكلام،و الدرر في دقائق النحو،و كتاب أنوار العقول،و لا يبعد كونه بعينه هو الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام.انظر طراز اللغة(كذر)،أمل الآمل 2:220،أعيان الشيعة 8:451،روضات الجنّات 6:295-300،فوائد الرضوية:493،رجال السيد بحر العلوم 3:240-248،الكنى و الألقاب 3:60،الذريعة 2:118.و غير بعيد اتحاده مع قطب الدين محمد بن الحسين بن أبي الحسين القزويني،الذي ذكره منتجب الدين في فهرسته: 489/187.
3- السرائر 3:111،المعتبر 2:84،المنتهى 1:231.
4- كما في كشف اللثام 1:182.
5- الوسيلة:87.

أيضا الإزالة و الغسل،و ذكر أنه لا بد فيه من استصحاب شيء من مادته (1).

قلت:نعم،و لكن في كون مادته جزاء له نظر،بل الظاهر كونه فضلة، إلاّ أن يحسّ بانفصال شيء من الجلد أو اللحم معه.كيف و لو صحّ ذلك لم يصح الوضوء غالبا،خصوصا في الأهوية اليابسة،لأنها لا تخلو عن انفصال شيء من الحواجب و اللحى.

يجوز في الخزّ الخالص

و يجوز الصلاة في وبر الخزّ الخالص من الامتزاج بوبر الأرانب و الثعالب و غيرهما مما لا تصح الصلاة فيه،لا مطلق الخلوص.فلو كان ممتزجا بالحرير مثلا بحيث لا يكون الخزّ مستهلكا به لم يضرّ،و به وقع التصريح في بعض الأخبار (2).

و الأصل فيه-بعد الإجماع،على الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر (3)حدّ الاستفاضة بل فصاعدا-المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و الموثق و غيرها (4).

و كذلك جلده عند الأكثر،على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (5)، للصحيح:عن جلود الخزّ،فقال:«هو ذا نحن نلبس»فقلت:ذاك الوبر،

ص:309


1- المنتهى 1:231،نهاية الإحكام 1:374.
2- التهذيب 2:1524/367،الاستبصار 1:1468/386،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.
3- كالغنية(الجوامع الفقهية):555،و السرائر 1:261-262،و المعتبر 2:84،و المنتهى 1: 231،و التذكرة 1:95،و نهاية الإحكام 1:374.و الذكرى:144،و شرح القواعد للمحقق الثاني(جامع المقاصد 2:78)،و روض الجنان للشهيد الثاني:206،و شرح الشرائع للصيمري،و نفى عنه الخلاف في التنقيح 1:178،و غيره.منه رحمه اللّه.
4- انظر الوسائل 4:أبواب لباس المصلي ب 8،9.
5- لم نعثر على من نسب الجواز إلى الأكثر،نعم نقل في مفتاح الكرامة 2:133 عن كشف الالتباس للصيمري أنه المشهور.

فقال:«إذا حلّ وبره حلّ جلده» (1).

و الموثق:عن الصلاة في الخزّ،فقال:«صلّ فيه» (2).

و فيهما نظر،لعدم تصريح في الأوّل بجواز الصلاة،فيحتمل حلّ اللبس كما يشعر به سياقه.

نعم قوله:«إذا حلّ وبره»إلى آخره،ربما أشعر بتلازمهما في الحلّ مطلقا حتى في الصلاة.لكنّه ليس بصريح،بل و لا ظاهر،لقوّة احتمال اختصاص التلازم في حلّ اللبس-المستفاد من السياق-خاصة،فيشكل الخروج بمجرّده عن عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في جلد كل ما لا يؤكل لحمه.

و بنحوه يجاب عن الموثق،و إن صرّح فيه بجواز الصلاة،لإطلاقه أو عمومه من وجه آخر،و هو عدم التصريح فيه بالمراد من الخزّ المطلق فيه أ هو الجلد،أو الوبر،أو هما معا؟فيحتمل إرادة الوبر منه خاصة،كما هو المتبادر منه حيثما يطلق،سيّما في الأخبار،كما لا يخفى على الناظر فيها بعين الإنصاف.

و أضعف منهما الاستدلال له بالصحيح:عن جلود الخز،فقال:«ليس بها بأس» (3).

لعدم التصريح فيه بالصلاة،مع عدم تضمنه ما في الصحيح الأوّل مما يشعر بالتلازم بين حكم الجلد و الوبر على الإطلاق.

ص:310


1- الكافي 6:7/452،التهذيب 2:1547/372،الوسائل 4:366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14.
2- التهذيب 2:829/212،الوسائل 4:360 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5.
3- الكافي 6:3/451،علل الشرائع:1/357 الوسائل 4:362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

و من هنا ظهر عدم نص في الجلد يطمئن إليه في تخصيص عموم المنع.

و لعله لذا أفتى الفاضل في التحرير و المنتهى (1)بالمنع،قائلا إنّ الرخصة وردت في وبر الخز لا في جلده،فيبقى على المنع المستفاد من العموم،و هو خيرة الحلي نافيا الخلاف عنه كما حكي (2).

و لا ريب أنه الأحوط للعبادة،تحصيلا للبراءة اليقينية.و إن كان الجواز لا يخلو عن قرب،لقوة الإشعار السابق المعتضد بعموم الموثق المتقدم.

مضافا إلى ظاهر الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر:ما تقول في الصلاة في الخز؟فقال:«لا بأس بالصلاة فيه»إلى أن قال عليه السلام:«فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» (3).

و التقريب وروده في الصلاة مع التصريح فيه بالذكاة،و هي إنما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر مما لا تحلّه الحياة.

لكنه ينافيه الخبر المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنه سئل:روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب،فوقّع عليه السلام:«يجوز»و روي عنه أيضا:«لا يجوز»فأيّ الخبرين نعمل به؟فأجاب عليه السلام:«إنما حرم في هذه الأوبار و الجلود،فأما الأوبار وحدها فكل حلال» (4).

و كيف كان،فالاحتياط لا يترك،بل عن أمالي الصدوق أن الأولى ترك الصلاة في الخز من أصله (5).

ص:311


1- التحرير 1:30،المنتهى 1:231.
2- السرائر 1:262.
3- الكافي 3:11/399،التهذيب 2:828/211،الوسائل 4:359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.
4- الاحتجاج:492،الوسائل 4:366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15.
5- أمالي الصدوق:513.

قيل:و لم يذكر جواز الصلاة فيه الحلبي و لا الصدوق في الهداية بل اقتصر فيها على رواية،و لا الشيخ في عمل يوم و ليلة بل اقتصر فيه على حرمة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من الأرنب و الثعلب و أشباههما،و كذا العلامة في التبصرة (1).

و لا يجوز الصلاة في المغشوش منه بوبر الأرانب و الثعالب على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الصدوق في الفقيه،حيث قال-بعد نقل رواية الجواز (2)-:هذه رخصة،الآخذ بها مأجور و الرادّ لها مأثوم،و الأصل ما ذكره أبي -رحمه اللّه-في رسالته إليّ:و صلّ في الخزّ ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب (3).

و هو شاذ كروايته،مع ضعف سندها،و بشذوذها صرّح الشيخ في التهذيبين،حاملا لها على التقية (4)،مؤذنا بدعوى إجماعنا عليه،كما صرّح به في الخلاف في المغشوش بوبر الأرانب (5)،و كذا ابن زهرة فيه و في المغشوش بوبر الثعالب (6)،كما حكي عنهما (7)،و به صرّح فيهما أيضا في المنتهى،حاكيا نقله عن كثير من أصحابنا (8)،كالماتن في المعتبر (9).

ص:312


1- قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:181.
2- الفقيه 1:805/170،التهذيب 2:834/212،الاستبصار 1:1471/387،الوسائل 4:362 أبواب لباس المصلّي ب 9 ح 2.
3- الفقيه 1:171.
4- التهذيب 2:213،الاستبصار 1:387.
5- الخلاف 1:512.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
7- حكاه عنهما في كشف اللثام 1:181.
8- المنتهى 1:231.
9- المعتبر 2:84.

و هو الحجة على المنع،مضافا إلى النصوص،منها الخبران:«الصلاة في الخزّ الخالص ليس به بأس،و أما الذي يخلط فيه[وبر]الأرانب أو غيرها هذا فلا تصلّ فيه» (1).

و منها الرضوي:«و صلّ في الخزّ إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب» (2).

و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل،و المخالفة لما عليه العامة العمياء،مضافا إلى عموم أدلّة المنع عمّا لا يؤكل لحمه،خرج منه الخزّ الخالص بالنص و الإجماع المختصين به بحكم التبادر و غيره،فيبقى الباقي تحت العموم مندرجا.

و يستفاد منه-مضافا إلى قوله:«مما يشبه هذا»في الخبرين-المنع عن الخزّ المغشوش بوبر ما لا يؤكل لحمه و شعره و صوفه مطلقا،كما استقربه في التحرير (3)،و احتاط به في المنتهى (4)،و يظهر أيضا من جماعة من أصحابنا (5).

و في جواز الصلاة في فرو السنجاب قولان،أظهرهما الجواز وفاقا للمقنع و الشيخ في المبسوط و موضع من النهاية و الخلاف (6)،نافيا عنه في الأوّل الخلاف،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،كالصدوق في الأمالي،حيث جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (7)،و نسبه في المنتهى إلى أكثر

ص:313


1- الكافي 3:26/403،التهذيب 2:830/212 و 831،الاستبصار 1:1469/387 و 1470،الوسائل 4:361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.و ما بين المعقوفين من المصادر.
2- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:202 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 1.
3- التحرير 1:30.
4- المنتهى 1:231.
5- انظر جامع المقاصد 2:78،و روض الجنان:206،و الحدائق 7:60.
6- المقنع:24،المبسوط 1:82،النهاية:97،الخلاف 1:511.
7- أمالي الصدوق:513،510.

الأصحاب (1)،و في شرح القواعد للمحقق الثاني إلى جمع من كبرائهم (2)،و في الذخيرة و غيرها إلى المشهور بين المتأخرين (3).

و هو كذلك،بل لعلّه عليه عامّتهم عدا الفاضل في التحرير و القواعد و فخر الدين في شرحه و الصيمري (4)،و ظاهرهم التردد،لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.

و لعله في محله.و إن كان القول بالجواز ليس بذلك البعيد،للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة،مضافا إلى النصوص المستفيضة:

ففي الصحيح:«صلّ في الفنك و السنجاب،و أما السمور فلا تصلّ فيه» قلت:و الثعالب يصلى فيها؟قال:«لا» (5)الحديث.

و فيه:عن الفراء (6)و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه،قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (7).

و في الخبر:«صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية ،و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور» (8).

ص:314


1- المنتهى 1:228.
2- جامع المقاصد 2:79.
3- الذخيرة:226،و انظر الحدائق 7:68.
4- التحرير 1:30،قواعد الأحكام 1:27،إيضاح الفوائد 1:83.
5- التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4:349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5.
6- الفرا:الحمار الوحشي،و الجمع:الفراء،مثل الجبل و الجبال.حياة الحيوان 2:148.
7- التهذيب 2:825/210،الاستبصار 1:1459/384،الوسائل 4:350 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.
8- التهذيب 2:823/210،الاستبصار 1:1458/384،الوسائل 4:348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 4.

و في آخر:أصلّي في الفنك و السنجاب؟قال:«نعم»قلت:تصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟قال:«لا تصلّ فيها» (1).

و في آخرين:عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعالب،فقال:«لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب،فإنه دابّة لا تأكل اللحم» (2)كما في أحدهما، و نحوه الثاني (3).

و ضعف الأسانيد و التضمن لما لا يقولون به غير ضائر،لانجبار الأوّل بالشهرة و الإجماع المحكي،و عدم الخروج عن الحجية بالثاني،كما قرر في محله،و إن أوجب الوهن في مقام التعارض،لانجباره بالكثرة و الشهرة، و بالصراحة بالإضافة إلى المعارض،إذ ليس إلاّ العمومات المانعة حتى الموثق كالصحيح (4)الذي هو الأصل و العمدة من أدلّة المنع.

و دعوى صراحته في المنع عن السنجاب،لابتناء الجواب العام فيه عليه،لسبق السؤال عنه الذي يصيّره كالنص في المسؤول عنه.

غير مفهومة،و إن صرّح بها جماعة (5)،لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال:كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلاّ وبر السنجاب الذي سألت عنه،و حيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا،لعدم الفرق بينهما جدّا.

ص:315


1- التهذيب 2:811/207،الاستبصار 1:1450/382،الوسائل 4:349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 7.
2- الكافي 3:16/401،التهذيب 2:821/210،الاستبصار 1:1456/384،الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.
3- الكافي 3:3/397،التهذيب 2:797/203،الوسائل 4:348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 3.
4- تقدّم في ص 294.
5- انظر روض الجنان:214،و الذخيرة:226.

و بالجملة:لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص،بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم،و هو لا يعارض الخصوص و إن اشتمل على ما لا يقول به أحد.

نعم،في الرضوي:«و لا يجوز الصلاة في سنجاب و لا سمور و فنك..

و إيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب» (1).كما عن موضع منه،و عن موضع آخر منه:

«و إن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك و أردت الصلاة فيه فانزعه» (2).

و هو نص في المنع،كما هو خيرة المختلف،و عن صريح والد الصدوق،و الشيخ في قوله الآخر،و الحلي و القاضي (3)،و ظاهر الإسكافي و الحلبي و المرتضى و ابن زهرة (4)،حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون استثناء ما نحن فيه،و نسبه الشهيدان في الذكرى و الروض و المحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب (5)،و عن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه (6)، و في السرائر:جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء (7).

و لذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة؛لنفي الخلاف في كلام الحلي و دعوى الإجماع في كلام ابن زهرة،المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام

ص:316


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.
2- لم نعثر عليه في فقه الرضا(عليه السلام)و وجدناه في الفقيه 1:170 حاكيا عن رسالة والده.
3- المختلف:79،نقله فيه عن والد الصدوق،الشيخ في النهاية:587،الحلي في السرائر 1: 262،القاضي في المهذب 1:74.
4- حكاه عن ظاهر الإسكافي في المختلف:79،الحلبي في الكافي:140،المرتضى في الانتصار:13،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- الذكرى:144،روض الجنان:207،جامع المقاصد 2:79.
6- الغنية(الجوامع الفقهية):555.
7- السرائر 1:262.

هؤلاء الجماعة،و صريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة،مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول به أحد من الطائفة،و بعدها عن طريقة العامة.

و لكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك:فنفي الخلاف و الإجماع بالمعارضة بالمثل،مع كون الثاني مدّعى على المنع عموما.و لا كذلك معارضه،لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.

و كذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما عرفت،مع قوّته و أرجحيّته عليها بالتحقق و القطع به من غير جهة النقل،دون الشهرة المحكية في كلام هؤلاء،لعدم تحققها،بل ظهور استناد حكايتهم إلى إطلاق المنع من غير استثناء:في عبائر جملة من القدماء.

و الرضوي-مع قصور سنده و عدم اشتهاره و عدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره-مصرّح بعد المنع بورود رواية بالرخصة،مشعرا بأن الأصل المنع و الجواز رخصة،كما هو ظاهر الصدوق و جماعة كالشيخ في الخلاف و التهذيبين و الديلمي و الجامع (1)كما حكي،فهو أيضا مؤيد للجواز و لو رخصة،و عموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار المرخّصة،و هي أقوى دلالة،و بعيدة أيضا عن مذهب العامة،لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم الإطباق على الجواز فيه،كما حكاه جماعة (2)،فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.

و بالجملة:فالجواز لعله لا يخلو عن قوة،و لكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة (3).و إن كان الأحوط الترك بلا شبهة،تحصيلا للبراءة اليقينية،و خروجا عن

ص:317


1- الصدوق في المقنع:24،الخلاف 1:511،التهذيب 2:211،الاستبصار 1:385، الديلمي في المراسم:64،الجامع للشرائع:66.
2- منهم السبزواري في الذخيرة:227،و البحراني في الحدائق 7:77.
3- الوسيلة:87.

شبهة الخلاف في المسألة فتوى و أدلّة.

و في جواز الصلاة في الثعالب و الأرانب روايتان كل منهما مستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،و قد تقدّم الإشارة إلى جملة من كل منهما (1).

إلاّ أن أكثرهما و أشهرهما ما دلّ على المنع و استفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب،كالمعتبر و المنتهى و الذكرى و التنقيح و المدارك (2)،بل زاد هو كسابقه،فادعى الإجماع بحسب الظاهر كما في كلام الأخير،أو نفي الخلاف كما في الأوّل،و المحكي عن الخلاف (3)،و يشعر به عبارة الدروس و البيان (4)،حيث جعل رواية الجواز مهجورة متروكة،مشعرا بدعوى الإجماع عليه،كما هو ظاهر المحقق الثاني و الشهيد الثاني (5)و غيرهما (6)،حيث ادعوا الإجماع على المنع عن كل ما لا يؤكل لحمه من غير استثناء لما نحن فيه أصلا،و بالإجماع هنا صرح في الانتصار (7)،و هو حجّة أخرى زيادة على ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب عن الخلاف و المنتهى و ابن زهرة (8).

و على هذا فلا ريب في ضعف رواية الجواز و شذوذها فلتطرح،أو تحمل

ص:318


1- راجع ص 295-305.
2- المعتبر 2:86،المنتهى 1:227،الذكرى:144،التنقيح الرائع 1:180،المدارك 3: 173.
3- الخلاف 1:511.
4- الدروس 1:150،البيان:120.
5- جامع المقاصد 2:81،روض الجنان:213.
6- كالعلامة في التذكرة 1:94،و نهاية الإحكام 1:373.
7- الانتصار:38.
8- راجع ص 307.

على التقيّة،سيّما و أن أمارتها في صحيحين منها لائحة (1)،لتضمنهما الرخصة في الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود،كما في أحدهما،و فيما ذكر و أشباهه،كما في الثاني،و لا يقول به الأصحاب على الظاهر المصرح به في الذكرى،فإنه قال-بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما-قلت:

هذان الخبران مصرّحان بالتقية لقوله في الأول:«و أشباهه»و في الثاني:

«في جميع الجلود»و هذا العموم لا يقول به الأصحاب (2).

و منه يظهر ضعف إذعان المحقق و إن تبعه في المدارك،سيّما مع اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع. (3).و وضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة المعارضة لذلك،سيما مع موافقته للعامة،و اشتمال المعارض على متّضح السند أيضا كما عرفته.فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.

لا تجوز الصلاة في الحرير المحض

و لا تجوز الصلاة و لا تصح في الحرير المحض أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط لقلته للرجال بإجماعنا الظاهر،المصرّح به في كثير من العبائر،كالانتصار و الخلاف و المنتهى و المدارك و الذكرى و غيرها (4)،لكن فيهما (5):عندنا،و هو و إن لم يكن صريحا في الإجماع،لكنه ظاهر فيه جدّا.

و هو الحجة،مضافا إلى النهي عن استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء الإسلام على الظاهر،المحكي في ظاهر الانتصار و الخلاف،و صريح المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و التحرير و روض

ص:319


1- راجع ص 294-309.
2- الذكرى:144.
3- المحقق في المعتبر 2:84،المدارك 3:169.
4- الانتصار:205،الخلاف 1:504،المنتهى 1:228،المدارك 3:173،الذكرى: 145،و انظر كشف اللثام 1:185.
5- أي:في الذكرى و كشف اللثام.

الجنان (1)و غيرها (2)،و في الأخير و شرح القواعد للمحقق الثاني:أن به أخبارا متواترة.

و هو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق العامة و الخاصة (3).و هي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقا،و مصرّح [مصرحة] بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في فسادها بنفسه،أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد،كما عليه علماؤنا.

و لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين كونه ساترا للعورة أم لا،و به صرّح جماعة و منهم الفاضلان في المعتبر و المنتهى (4)،و عزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن نسبه-وفاقا للأوّل-إلى الشيخين و أتباعهما.

و كثير من النص و الفتوى و إن دلّ على المنع مطلقا إلاّ أنه مقيد بحالة الاختيار و غير الحرب،إذ يجوز استعماله مطلقا و لو في الصلاة مع الضرورة أو في حال الحرب المرخص فيه مطلقا و لو من غير ضرورة،بإجماعنا الظاهر،المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى و روض الجنان و الذكرى (5)و غيرها (6)،لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.

و هو الحجّة،مضافا إلى العمومات بأن:الضرورات تبيح المحظورات.

و قولهم عليهم السلام:«كلّ ما غلب اللّه تعالى فاللّه تعالى أولى بالعذر» (7).

ص:320


1- الانتصار:205،الخلاف 1:504،المعتبر 2:87،المنتهى 1:228،التذكرة 1:95، الذكرى:145،جامع المقاصد 2:83،التحرير 1:30،روض الجنان:207.
2- راجع المدارك 3:173.
3- انظر الوسائل 4:367 أبواب لباس المصلي ب 11،و كنز العمال 15:318.
4- المعتبر 2:87،المنتهى 1:228.
5- المنتهى 1:228،روض الجنان:207،الذكرى:145.
6- انظر المدارك 3:174،و كشف اللثام 1:185.
7- الوسائل 8:259-261 أبواب قضاء الصلوات ب 3 الأحاديث 3،7،8،13،16.

و قوله عليه السلام:«رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يطيقون» (1).

و خصوص المستفيضة،و فيها الموثقات و غيرها،منها:«لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلاّ في الحرب» (2).

و نحوه آخر،لكن بدل«لا يلبس»«لا يصلح للرجل» (3)و هو و إن أشعر بالكراهة-ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها-لكنها محمولة على الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.

و منها:عن لباس الحرير و الديباج،فقال:«أما في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل» (4).

و منها المروي عن قرب الإسناد:«أن عليا عليه السلام كان لا يرى بلبس الحرير و الديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا» (5).

و في الفقيه:«لم يطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله لبس الحرير إلاّ لعبد الرحمن بن عوف،و ذلك أنه كان رجلا قملا» (6).

و احترز بالمحض عن الممتزج بما يصح الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه الخليط،لجواز لبسه حينئذ و لو في الصلاة إجماعا،على الظاهر،المصرّح به

ص:321


1- الفقيه 1:132/36،الخصال:9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
2- الكافي 6:1/453،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 2.
3- الكافي 6:4/453،الوسائل 4:371 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 1.
4- التهذيب 2:816/208،الاستبصار 1:1466/386،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.
5- قرب الإسناد:347/103،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 5.
6- الفقيه 1:/164ذيل حديث 774،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 4.

في الخلاف و شرح القواعد للمحقق الثاني (1)و غيرهما (2).

و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّا،ففي الصحيح:عن الثوب الملحم بالقز و القطن و القز أكثر من النصف،أ يصلّى فيه؟«لا بأس» (3).

و في المرسل كالموثق:في الثوب يكون فيه الحرير،فقال:«إن كان فيه خلط فلا بأس» (4).

و في الخبر:سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و للنساء،إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان،و إنما يكره المحض للرجال و النساء (5).

هذا،مضافا إلى الأصل،و اختصاص النصوص المانعة و الإجماعات المحكية-بحكم التبادر،بل و التقييد بالمحض و المبهم في جملة منها-به خاصة.

و ظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط و لو كان أقل من الحرير،و به صرّح جماعة،قالوا:سواء كان الخليط أقل أو أكثر و لو كان عشرا، ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض (6).

و هو حسن،و في شرح القواعد للمحقق الثاني-بعد ذكر ذلك و أنه يشترط في الخليط أن يكون محللا-و على ذلك كلّه إجماع الأصحاب نقله في

ص:322


1- الخلاف 1:505،جامع المقاصد 2:83.
2- انظر المنتهى 1:229،و كشف اللثام 1:185،و مفاتيح الشرائع 1:110.
3- الكافي 6:11/455،الوسائل 4:373 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 1.
4- الكافي 6:14/455،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 4.
5- التهذيب 2:1524/367،الاستبصار 1:1468/386،الوسائل 4:374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.
6- كما في المعتبر 2:90،و جامع المقاصد 2:83،و الحدائق 7:93.

المعتبر و المنتهى (1).

و اعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة-من نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال-مخالف لإجماع علماء الإسلام،لإطباقهم على الجواز في غير الصلاة، كما في المعتبر و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى و روض الجنان (2)و غيرها (3)،و يعضده الأصل،و اختصاص الأدلّة المانعة-نصّا و فتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض-بالرجال خاصّة،فالرواية شاذّة من هذه الجهة،مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية،و معارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ الحرير مطلقا،كما في جملة منها (4)،أو في غير الإحرام كما في بعضها (5)،أو غير الصلاة أيضا كما في آخر منها (6).

و من هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى و الصبيان.قطعا في الأخير،وفاقا لجماعة (7)،للأصل،و عدم صدق الرجال عليهم،مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم،و توجّهه إلى أوليائهم لا دليل عليه،فيندفع بالأصل.

و على الظاهر في الأول،لما مرّ.و يحتمل المنع فيهم احتياطا،لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكورا فيتوجّه إليهم النهي أيضا.

و هل يجوز للنساء الصلاة فيه من غير ضرورة؟فيه قولان،أظهرهما

ص:323


1- جامع المقاصد 2:83،المعتبر 2:90،المنتهى 1:229.
2- المعتبر 2:89،المنتهى 1:228،جامع المقاصد 2:84،الذكرى:145،روض الجنان:208.
3- راجع الدروس 1:150،التحرير 1:30.
4- الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1،2،5.
5- الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3،4.
6- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
7- منهم المحقق في المعتبر 2:91،العلامة في المنتهى 1:229،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:87.

الجواز و هو أشهرهما،بل لا خلاف فيه ظاهرا إلاّ من الصدوق في الفقيه حيث قال بالمنع (1)،و الفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما (2).

و هما شاذّان،بل على خلافهما إطباق باقي الأصحاب،كما صرح به في المختلف (3)و يفهم أيضا من الشهيدين في الذكرى و روض الجنان (4)و غيرهما (5).

و لعلّه كذلك،سيّما بملاحظة حال المسلمين في الأعصار و الأمصار من عدم منعهم النساء عن الصلاة فيه كما لا يمنعونهنّ عن لبسه في غيرها،و هو إجماع قطعيّ لا يكاد ينكر،و مع ذلك معاضد بالأصل السليم عن المعارض، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة و حلّها فيه بقول مطلق،كالصحيحين في أحدهما:هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟فكتب:

«لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (6)و نحوه الثاني لكن بزيادة السؤال فيه عن الصلاة في تكة حرير (7).

و الموثق:عن الثوب يكون علمه ديباجا،قال:«لا يصلّى فيه» (8).

و نحوه الرواية السابقة (9)المسوّية بين الرجل و المرأة في كراهة الحرير

ص:324


1- الفقيه 1:171.
2- المنتهى 1:229.
3- المختلف:80.
4- الذكرى:145،روض الجنان:208.
5- راجع كشف اللثام 1:185،و التنقيح الرائع 1:180.
6- الكافي 3:10/399،الوسائل 4:376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.
7- التهذيب 2:810/207،الاستبصار 1:1453/383،الوسائل 4:377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.
8- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.
9- في ص:317.

لهما،بناء على عدم إمكان حملها على مطلق اللبس لمخالفة النص و الإجماع،كما مر،فينبغي التقييد بحال الصلاة.

و خصوص المروي في الخصال:«يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام،و حرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد» (1).

و شيء من ذلك لا يصلح دليلا لإثبات المنع،لمعارضة الإطلاق-بعد تسليمه-بإطلاق النصوص المتقدمة (2)المرخّصة لهنّ في لبسه الشاملة لحال الصلاة و غيرها،بل عموم بعضها لهما،كالمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:«النساء يلبسن الحرير و الديباج إلاّ في الإحرام» (3)و قضيّة الاستثناء جواز لبسهن في الصلاة.

و قريب منه الموثق:«لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة،فأمّا في الحر و البرد فلا بأس» (4).

و قصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل العلماء كافّة كما مضى (5).

و التعارض بين الإطلاقين و إن كان من قبيل تعارض العمومين من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر،إلاّ أن تقييد الإطلاق الأوّل بهذا-بأن يراد منه المنع و عدم الحلّ لخصوص الرجال،كما ربما يشعر به سياق الصحيحة الأولى- أولى من العكس،بأن يقيّد الإطلاق الأخير بحلّ اللبس في غير الصلاة،و ذلك لرجحان هذا الإطلاق بالأصل و الشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كلام جماعة حد الاستفاضة،بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعا.

ص:325


1- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
2- في ص 318.
3- الكافي 6:8/454،الوسائل 4:379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.
4- الكافي 6:12/455،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 4.
5- راجع ص:318.

و الرواية السابقة-مع ضعف دلالتها و مخالفة إطلاقها إجماع العلماء-قد عرفت أنها ضعيفة سندا (1)،و كذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدّة من المجاهيل،فلا حجّة فيهما من أصلهما و إن اتضح دلالتهما،فكيف تقاومان أدلّة المشهور و تخصّصانها؟!بل ينبغي طرحهما،أو حملهما على الأفضليّة كما عن المبسوط و الجامع و في السرائر (2)،أو الكراهة كما عن الوسيلة و النزهة (3).

و لا بأس بهما،خروجا عن الشبهة،و مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.

و في جواز الصلاة في نحو التكة و القلنسوة مما لا تتم فيه من الحرير للرجال تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين مانع عنه،كالمفيد و الديلمي و الصدوق و الإسكافي و ابن حمزة (4)، و غيرهم من القدماء (5)،و الفاضل في المختلف و القواعد و المنتهى و الشهيد في اللمعة (6)،و كثير من متأخّري المتأخّرين (7).

و مجوّز،كالنهاية و المبسوط و السرائر،و الحلبي،و الفاضلين في المعتبر و الإرشاد و التلخيص و التذكرة،و الشهيدين في صريح الدروس و روض الجنان

ص:326


1- راجع ص:317.
2- المبسوط 1:83،الجامع للشرائع:65،السرائر 1:263.
3- الوسيلة:87،نزهة الناظر:24.
4- المفيد في المقنعة:150،الديلمي في المراسم:64،الصدوق في الفقيه 1:172،و حكاه عن الإسكافي في المختلف:80،ابن حمزة في الوسيلة:88.
5- كالسيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):28،و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):555.
6- المختلف:80،القواعد 1:28،المنتهى 1:229،اللمعة(الروضة 1):206.
7- كصاحبي المدارك 3:179،و الذخيرة:227،و الكفاية:16،و خالي المجلسي(في البحار 80:241)،و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1:110،و غيرهم،و لعلّه الأقرب.منه رحمه اللّه.

و ظاهر الروضة و الذكرى (1)أو محتملهما،و نسبه في الذخيرة و غيرها إلى المشهور (2)،و في المفاتيح و غيره إلى المتأخّرين (3)،و هو كما ترى.

و متردّد فيه،كالفاضل في التحرير (4)و الصيمري،و غيرهما (5)،و الماتن في الشرائع (6)و هنا،لكن قال أظهره الجواز مع الكراهة استنادا فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية،و في الجواز إلى الأصل، و خصوص الخبر:«كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه،مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل» (7).

مع سلامتهما عن المعارض،عدا إطلاقات الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقا أو عمومها،و هي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.

و يضعف الأصل:بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

و الرواية:بضعف سندها،فإن فيه أحمد بن هلال،و هو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّا و إن روى عن ابن أبي عمير كما هنا،فإن ذلك لا يفيد توثيقا و إن أفاد اعتبارا ما عند بعض علماء الرجال (8)أو جملة منهم،فإن الاعتماد على مثل

ص:327


1- النهاية:98،المبسوط 1:84،السرائر 1:263،الحلبي في الكافي:140،المعتبر 2: 89،الإرشاد 1:246،التذكرة 1:95،الدروس 1:150،روض الجنان:207،الروضة البهية 1:206،الذكرى:145.
2- راجع الذخيرة:227،و الحدائق 7:97،و بحار الأنوار 80:241.
3- المفاتيح 1:110.
4- التحرير 1:30.
5- راجع نهاية الإحكام 1:376،و المقتصر:71،و منتقى الجمان 1:478.
6- الشرائع 1:69.
7- التهذيب 2:1478/357،الوسائل 4:376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.
8- قال العلامة الحلّي في رجاله(ص 202):توقّف ابن الغضائري في حديثه-أي أحمد بن هلال-إلاّ فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة،و محمد بن أبي عمير من نوادره،و قد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث و اعتمدوه فيهما.

ذلك هنا مع إطراح جملة من القدماء و المتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك و الخروج بها عن الإطلاقات و العمومات القطعية، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة،من حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من نحو التكة و القلنسوة (1)،و ذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا،كما ذكره جماعة (2)،و هي أكثر و أصحّ،فلتكن بالتقديم أرجح.

و لا يقدح كونها مكاتبة،لكونها-على الأصح-حجّة،سيّما مع اتفاق الأصحاب على العمل عليها و لو في غير المسألة،و مخالفتها العامة،لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية و ليس إلاّ من حيث بطلانها به، و هو من خصائص الإماميّة كما عرفته،فكيف يمكن تصور حملها على التقية كما قيل؟!بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة،كما ذكره في الوسائل فقال:

و ذهب جماعة إلى المنع و حملوا الجواز على التقية،و هو الأحوط (3).

و لا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها،لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية،فإنها تنطبق على مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها:من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه،المخالف للعامة،إلاّ أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف،فلعلّ العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.

هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي:«لا تصلّ في ديباج و لا في حرير»إلى أن قال:«و لا في ثوب إبريسم محض و لا في تكة

ص:328


1- راجع ص:319.
2- انظر المدارك 3:179،و الذخيرة:228.
3- الوسائل 4:377.

إبريسم،و إذا كان الثوب سداه إبريسم و لحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه» (1).

و يستفاد منه-زيادة على ذلك-إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة،و نحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير (2).

و الإطلاق و إن كان أعم من الحقيقة،إلاّ أن أمارتها فيه هنا موجودة،لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا شبهة.

و حيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة،ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا و في الصلاة له جدّا،فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا،فإذا المنع أقوى.

و هل يجوز الركوب عليه و الافتراش به؟ فيه تردد المروي:نعم ففي الصحيح:عن الفراش الحرير و مثله من الديباج،و المصلّى الحرير و مثله من الديباج،يصلح للرجل النوم عليه و التكأة و الصلاة عليه؟قال:«يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه» (3).

و في الخبر:«لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه» (4).

و هو المعروف بين الأصحاب،كما في المدارك و الذخيرة (5)،مؤذنين

ص:329


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:206 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1،و ص 207 ب 13 ح 1.
2- راجع ص:319.
3- الكافي 6:8/477،التهذيب 2:1553/373،قرب الاسناد:687/185،الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1.
4- الفقيه 1:809/172،الوسائل 4:378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 2.
5- المدارك 3:179،الذخيرة:228.

بدعوى الإجماع عليه.و لعله كذلك،و إن أشعرت العبارة بالتردّد،كما هو ظاهر الصيمري و صريح المعتبر (1)،لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.

نعم،حكي المنع عن المبسوط و الوسيلة (2)،و نسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين (3).

و لكنه شاذّ غير معروف المستند،عدا عموم بعض النصوص بالمنع، كخبر:«هذان محرّمان على ذكور أمّتي» (4).

و هو-على تقدير تسليم سنده و عمومه لما نحن فيه-مخصّص بما مرّ، لكونه خاصّا فليكن مقدّما.

و الجمع بينهما بحمل الحرير و الديباج فيه على الممتزج،و إن أمكن، لكنّه مجاز و ما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم،كما هو الأشهر الأقوى،و بيّن وجهه في الأصول مستقصى،مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدّا.

و لكن الأحوط ترك الصلاة عليه،للرضوي:«و لا تصلّ على شيء من هذه الأشياء إلاّ ما يصلح لبسه» (5)و أشار بالأشياء إلى نحو الحرير و الذهب و غيرهما.

و ذكر جماعة (6)أن في حكم الافتراش التوسّد عليه و الالتحاف به.

و هو حسن،لا للإلحاق بالنص،لكونه قياسا،بل للأصل،و عدم دليل

ص:330


1- المعتبر 2:89.
2- المبسوط 1:82،الوسيلة:88،و حكاه عنهما في كشف اللثام 1:186.
3- المختلف:80.
4- عوالي اللئالي 2:74/30،المستدرك 3:209 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1،سنن أبي داود 4:4057/50،سنن ابن ماجه 2:3597/1190 و فيهما بتفاوت يسير.
5- فقه الرضا(عليه السلام):158،المستدرك 3:218 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 2 و فيهما: «إلاّ ما لا يصلح..».
6- منهم الشهيد الثاني في المسالك 1:23،صاحب المدارك 3:180.

يعتد به إلاّ على تحريم اللبس لا مطلق الاستعمال،و هو غير صادق في محل البحث.

و زاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك جواز التدثّر به (1).و منعه سبطه (2)،زعما منه صدق اللبس عليه.

و فيه نظر.و لو سلّم ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك،فيندفع بالأصل.فتأمّل .

و لا بأس بثوب مكفوف به أي بالحرير،أن يلبس و يصلّى فيه،على الأشهر بين الأصحاب،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من نادر سيذكر،و نسب في الذكرى إلى الأصحاب (3)،مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،و في المدارك:أنه مقطوع به بين المتأخّرين (4)،مشعرا بدعواه،كجملة ممن لم ينقلوا الخلاف فيه مع كون ديدنهم نقله حيث كان.

و استدل عليه الفاضلان في المعتبر و المنتهى و المحقق الثاني و الشهيد في الذكرى (5)بالنبوي العامي أنه صلّى اللّه عليه و آله:نهى عن الحرير إلاّ موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (6).

و الخبر:كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج،و يكره لباس الحرير (7)الحديث.

ص:331


1- المسالك 1:23.
2- المدارك 3:180.
3- الذكرى:145.
4- المدارك 3:180.
5- المعتبر 2:90،المنتهى 1:229،جامع المقاصد 2:86،الذكرى:145.
6- درر اللئالي 1:117،المستدرك 3:209 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1،صحيح مسلم 3:15/1643،سنن أبي داود 4:4042/47،سنن النسائي 8:202.
7- الكافي 3:27/403،التهذيب 2:1510/364،الوسائل 4:370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9.

و في الاستدلال بهما-لو لا الشهرة بل الإجماع-نظر،لضعف سندهما، و ضعف دلالة الأخير جدّا،إذ الكراهة أعم منها بالمعنى المصطلح و من الحرمة،مع ظهور السياق فيه و في كثير من النصوص المعبّرة عن حرمة الحرير بلفظ الكراهة،في إرادة الأخير خاصّة،فالخروج بهما عما دلّ على حرمة لبس الحرير و الصلاة فيه مشكل،لو لا الشهرة الجابرة لضعف السند و الدلالة.

و ربما أيّد الجواز بالأصل،و الخبر:«لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا» (1).

و فيهما نظر،لمعارضة الأوّل بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية.

و ضعف الثاني سندا.بل و دلالة كالخبرين السابقين،لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه،و إن أمكن الذبّ عن هذا بكفاية الشمول إطلاقا مع عدم القائل بالفرق أصلا.

لكن في الموثق:عن الثوب يكون علمه ديباجا ،قال:«لا تصلّ فيه» (2).

و هو بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه خاص و تلك الأخبار باللبس مطلقة تصلح أن تكون به مقيّدة،و لعله لذا منع عنه القاضي (3)و المرتضى في بعض مسائله فيما حكي عنه (4).و هو أحوط،و إن كان في تعينه نظر،لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.

و أما ما عليه الصدوق:من المنع عن الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (5)،

ص:332


1- الفقيه 1:808/171،التهذيب 2:817/208،الاستبصار 1:1467/386،الوسائل 4:375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6.
2- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.
3- المهذّب 1:75.
4- حكى عنه صاحب المدارك 3:181.
5- الفقيه 1:172.

فلم يقم عليه دليل صالح إلاّ عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في الحرير.

و هو غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط الإبريسم،إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس،أو لعدم صدق الحرير عليه لغة و لا عرفا،لاختصاصه فيهما بالمنسوج منه لا مطلقا.

و لو سلّم الصدق عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند الإطلاق جدّا،و عليه فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل.مع كون قوله شاذّا لم أعرف به قائلا حتى القاضي و المرتضى،لمنعهما عن الكفّ به خاصة.

و المراد به أن يجعل في رؤوس الأكمام و الذيل و حول الزيق (1).

و قدّر عند جماعة (2)بما مر في النبوي من الأربع الأصابع،و توقف فيه نادر (3).

و لا وجه له إلاّ ضعف السند،و قد انجبر بالعمل كما مر.مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من الرخصة فتوى و رواية،و ليس إلاّ قدر الأصابع الأربع مطلقا بل مضمومة [الأصابع] .و لا ينافيه إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة،لورودها مورد الغلبة،و ليس إلاّ الأربع الأصابع مضمومة أو غايتها منفرجة،فالزيادة تعدية تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

و الحق بالكف اللبنة أي الجيب،للنبوي الآخر:كان له صلّى اللّه عليه و آله جبة كسروانية لها لبنة ديباج و فرجاها مكفوفان بالديباج (4).

لا تجوز في ثوب مغصوب مع العلم

و لا تجوز الصلاة و لا تصح في ثوب مغصوب مع العلم بالغصبية،

ص:333


1- زيق القميص-بالكسر-:ما أحاط بالعنق منه.القاموس 3:251.
2- منهم الشهيد الثاني في الروضة 1:206،و المسالك 1:23،و صاحب المدارك 3:180.
3- الشهيد الثاني في روض الجنان:208.
4- صحيح مسلم 3:10/1641.

بلا خلاف أجده فيما لو كان ساترا إلاّ من نادر لا يعبأ به (1)،مع دعوى الإجماع على خلافه في كلام كثير،كالسيدين في الناصريات و الغنية،و الفاضل في ظاهر المنتهى و صريح التحرير و نهاية الإحكام و التذكرة،و المحقق الثاني في شرح القواعد و الشهيدين في الذكرى و روض الجنان (2).

و هو الحجة،مضافا إلى الأصول الآتية.

و مقتضى إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة-و منهم كثير من نقلة الإجماع-عدم الفرق بين كونه ساترا أو غيره،و به صرّح جماعة (3)و منهم الشهيد -رحمه اللّه-في جملة من كتبه (4)،بل زاد فقال:و لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب و لو خيطا،فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب.

و هو حسن،لما ذكره جماعة (5):من أن الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها،لأنها تصرّف في المغصوب،و النهي عن الحركة نهي عن القيام و القعود و الركوع و السجود،و كل منها جزء للصلاة فتفسد؛لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد،فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

و بأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه و ردّه إلى مالكه،فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّا للصلاة،و الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده (6)بالتقريب الآتي

ص:334


1- نقله في الكافي 6:94 عن الفضل بن شاذان.
2- الناصريات(الجوامع الفقهية):195،الغنية(الجوامع الفقهية):555،المنتهى 1:229، التحرير 1:30،نهاية الإحكام 1:378،التذكرة 1:96،جامع المقاصد 2:87، الذكرى:146،روض الجنان:204.
3- منهم العلامة في نهاية الإحكام 1:378،و التحرير 1:30،و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2:78،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
4- انظر البيان:121،و الدروس 1:151.
5- منهم المحقق في المعتبر 2:92،و العلامة في التذكرة 1:96،و المنتهى 1:229.
6- في«م»زيادة:الخاص.

فيفسد (1).

و أما ما يقال (2)في الجواب عن الأوّل:بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه،لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة،فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا و لا شرطا،فلا يتطرق إليه الفساد،بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا،لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء.

و عن الثاني:بمنع اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص،و إنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.

فضعيف،أما الأوّل فلما ذكره بعض الأفاضل:من أنّ الإنسان إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة،لكونها محرّكة للشيء المغصوب،فيكون تصرّفا في مال الغير محرّما،فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء الصلاة،و اعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب و الحرمة إلاّ مع اختلاف المتعلقين لا مطلقا، و بالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن الشيء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب و الحرمة معا مطلقا،و إنما يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة..إلى آخر ما ذكره (3).

و لنعم ما أفاده و إجادة،شكر اللّه سعيه.

هذا،مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم صحة الصلاة فيه و لو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي،و لا يقول به،لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان

ص:335


1- انظر ص 332.
2- روض الجنان:204.
3- المحقق السبزواري في الذخيرة:224.

ساترا،لفوات الشرط.هذا.

و دعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة،بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة،فإنّ تعلق النهي به يستلزم فساده و يترتب عليه فساد مشروطه.و أما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط،و إنما يقتضي حرمته،و لا تلازم بينها و بين حرمة المشروط،كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي،فإن ذلك لا يؤثّر في بطلان مشروطها،و الستر من قبيلها ليست بعبادة جدّا،و إلاّ لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة بناء على اشتراطه في مطلق العبادة،و أنها به تفترق عما ليس بعبادة.

و من هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة،حيث قال -بعد نقل كلام الماتن في المعتبر:اعلم أني لم أقف على نصّ من أهل البيت بإبطال الصلاة و إنما هو شيء ذهب إليه المشايخ الثلاثة و أتباعهم.و الأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة،لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه و تبطل الصلاة بفواته.أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب (1)-ما صورته:

يعني جزأها و ما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن،يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة،فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيّا عنه،فإن الاستتار به عين لبسه و التصرف فيه،فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة،فقد صلّى صلاة خالية عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به، و ليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب،فإنه و إن نهي عنه لكن يحصّل

ص:336


1- في المعتبر 2:92:و كان كلبس خاتم مغصوب.

الطهارة،و شرط الصلاة إنما هو الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه..

إلى آخر ما ذكره (1).

و محصل كلامه-كما ترى-في وجه الفرق بين التطهير و الستر كونه عبادة دون سابقة،إذ به تتمّ الخصوصية للستر،و قد عرفت ما فيه.

و ليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة؟و لم أر له أثرا عدا تعلّق الأمر بالستر،و أن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على قصد القربة،و هذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.

فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه.

قلنا له:كذلك الأمر في محل النزاع،و إلاّ لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلاّ بقصد القربة،و هو خلاف الإجماع،بل البديهة.

و من هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه الإشارة:من كون الحركات الأجزائية منهيّا عنها باعتبار كونها تصرّفا فيه،و هذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر و غيره.فالقول بالفرق-كما عليه الماتن في المعتبر و شيخنا في روض الجنان و سبطه في المدارك و قواه في الذكرى (2)-ضعيف،سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم إليهما الإشارة (3)،لضعف ما يرد عليهما:

أما الأوّل:فلما مر.

و أما الثاني:فلأن الأمر بالشيء و إن كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا و لا معنى-كما هو الأشهر الأقوى-إلاّ أنه يستلزم عدم اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقا و الآخر موسّعا كما فيما نحن فيه،فإن الأمر

ص:337


1- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
2- المعتبر 2:92،روض الجنان:204،المدارك 3:182،الذكرى:146.
3- في ص:329.

بالإبانة فوريّ إجماعا و الفرض سعة وقت الصلاة،و إلاّ فهي مقدمة على جميع الواجبات،و حيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر،و هو عين معنى الفساد،إذ الصحة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر،و حيث لا أمر فلا موافقة، فجاء الفساد من هذه الجهة لا استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده (1)و إن أوهمه ما سبق في الدليل من العبارة،لكن المراد ما عرفت،و إنما وقع التعبير بذلك مسامحة.

و بهذا الوجه يصح المنع عن الصلاة و بطلانها في خاتم الذهب و الثوب المموّه به @(إذا استلزم نزعهما ما ينافي الصلاة،لتحريم لبسه و وجوب نزعه إجماعا،فتوى و نصا،و به صرّح الفاضل في المنتهى و التحرير و التذكرة، و الشهيد في الدروس و البيان و الذكرى و عن الصدوق و الإسكافي (2)،و نسب إلى الأكثر (3).

و لعله كذلك،بل لا خلاف فيه مطلقا يظهر إلاّ من الماتن في المعتبر، في خصوص الخاتم كما مر (4)،و توقف فيه خاصّة في الذكرى بعد أن حكم ببطلان الصلاة في الثوب المموّه منه (5))@ (6).و يظهر من المنتهى التردد فيه و في المنطقة أيضا،لكن اختار المنع في الأوّل قال:لأن النهي في العبادة يدل على الفساد (7).

ص:338


1- في«م»زيادة:الخاص.
2- المنتهى 1:230،التحرير 1:30،التذكرة 1:95،الدروس 1:150،البيان:121، الذكرى:146،الصدوق في العلل:348 باب 57،و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 80.
3- الحدائق 7:101.
4- في ص 331،و انظر المعتبر 2:92.
5- الذكرى:146.
6- ما بين القوسين ليست في«ح».
7- المنتهى 1:230.

و فيه نظر،لمنع توجه النهي هنا إلى العبادة،بل إلى اللبس خاصة،و هو ليس جزءا من العبادة،فالأولى الاستدلال عليه بما قدمنا إليه الإشارة،لكنه في الجملة،و يتم بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة:ففي الموثق المروي في الكافي و التهذيب و العلل:«لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه،لأنه من لباس أهل الجنة» (1).

و في الرضوي:«و لا تصلي في جلد الميتة و لا في خاتم الذهب» (2)الخبر.

و في المروي عن الخصال:«يجوز للمرأة لبس الديباج»إلى أن قال:

«و يجوز أن تتختم بالذهب و تصلي فيه،و حرّم ذلك على الرجال» (3).

و في آخر:«جعله اللّه تعالى حلية أهل الجنة،فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه» (4).

و قصور الأسانيد منجبر بالفتاوى،و بالقاعدة.و لكن مقتضاها بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة،كالخاتم و الثوب المموّه به و كذا المنطقة، لصدق اللبس عليها عادة،دون ما يستصحبه المصلّي من نحو الدنانير مما لا يصدق اللبس عليه عادة،إذ لا نهي فيه عموما و لا خصوصا،بل ظاهر جملة من النصوص جواز شدّ السنّ الثنيّة بالذهب مطلقا من دون تقييد له بغير حال الصلاة (5)،مع أن الظاهر من حال الشد دوامه و لو حال الصلاة.

ص:339


1- لم نعثر عليه في الكافي و هو موجود في التهذيب 2:1548/372،علل الشرائع:1/348، الوسائل 4:413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 4.
2- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:218 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 2.
3- الخصال:12/585،الوسائل 4:380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
4- التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 5.
5- الوسائل 4:416 أبواب لباس المصلي ب 31.

فالظاهر عدم البأس به،و إن كان الأحوط تركه ما لم يخف ضياعه،أو تدعوه ضرورة أخرى إلى استصحابه فلا بأس به،بل ينبغي القطع بجوازه حينئذ و لو كان مثل خاتم أو ثوب مموّه،فإن الضرورات تبيح المحظورات.

و احترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل بها،لصحة الصلاة هنا قطعا، إذ لا نهي معه إجماعا،و الفساد إنما ينشأ من جهته لا من حيث كون الثوب مغصوبا،إذ لا دليل عليه جدّا.

و منه يظهر وجه الصحة لو صلّى فيه ناسيا للغصبية،و به صرّح جماعة (1)، مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الأمّة (2)،و فيه مناقشة .

خلافا للفاضل في القواعد و المختلف (3)،فيعيد مطلقا كما في الأوّل، أو في الوقت خاصة كما في الثاني.و ربما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة فالإعادة،و الناسي له عند اللبس خاصة فالعدم (4).

و لم أجد لشيء من هذه الأقوال دلالة عدا وجوه اعتبارية هي-مع معارضتها بعضا مع بعض-لا تصلح حجّة في مقابلة الأصل المعتضد بما قدّمناه من الحجّة.

و في إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد وجهان،بل قولان،أحدهما:

نعم،وفاقا للتحرير و المنتهى (5)،قال:لأن التكليف لا يتوقف على العلم به، و إلاّ لزم الدور،و عليه الشهيد في الدروس و الذكرى و المحقق الثاني في شرح

ص:340


1- منهم العلامة في المنتهى 1:230،و الشهيد الأول في البيان:121 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:87.
2- الفقيه 1:132/36،الخصال 9/417،الوسائل 8:249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
3- القواعد 1:27،المختلف:82.
4- كشف اللثام 1:186.
5- التحرير 1:30،المنتهى 1:229.

القواعد (1).

و ظاهر الأصحاب فيما أعلم-و به صرّح بعض (2)-إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب الإعادة.و لا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع.

و كذا لا تجوز الصلاة و لا تصح فيما يستر ظهر القدم،ما لم يكن له ساق بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق و القدم و شيئا من الساق، كالشمشك (3)-بضم الأوّلين أو ضم الأول و كسر تاليه،على الاختلاف في الضبط-و النعل السندي و شبههما،كما عليه الماتن هنا و في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في الدروس و غيره (4)،بل نسبوه إلى النهاية و المقنعة و القاضي و الديلمي و غيرهم من القدماء (5)،بل ادعى شيخنا في الروضة و روض الجنان كونه مشهورا (6).

و فيه نظر،فإن المحكي عن الشيخين و أضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي و الشمشك خاصة،و هو أخصّ من المدعى،فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم كما ظنه الفاضلان و غيرهما،بل لورود خبر بهما ، كما صرّح به ابن حمزة في الوسيلة (7)،و لعله الحجّة لهم دون ما قرّره الفاضلان

ص:341


1- الدروس 1:151،الذكرى:146،جامع المقاصد 2:87.
2- البيان:151،روض الجنان:205.
3- الشمشك بضم الشين و كسر الميم.و قيل:إنّه المشاية البغدادية،و ليس فيه نص من أهل اللغة. مجمع البحرين 5:277.
4- الشرائع 1:69،الإرشاد 1:247،القواعد 1:28،الدروس 1:151،الذكرى:146 اللمعة(الروضة 1):207.البيان:151.
5- النهاية:98،المقنعة:153،القاضي في المهذّب 1:75،الديلمي في المراسم:65، و انظر السرائر 1:263.
6- الروضة 1:207،روض الجنان:214.
7- الوسيلة:88.قال:«و روي أن الصلاة محظورة في النعل السنديّة و الشمشك».و انظر الوسائل 4:428 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 7.

من حجج ضعيفة غير صالحة للحجية أصلا،حتى على إثبات الكراهة،فكيف تثبت بها الحرمة؟ و لذا أعرض عن القول بها المتأخّرون أو أكثرهم كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما (1)،و لكن قالوا بالكراهة،وفاقا للمبسوط و الإصباح و الوسيلة (2)في الشمشك و النعل السندي خاصة،و للتحرير و ظاهر المنتهى (3)في كل ما يستر ظهر القدم،كما في عنوان العبارة.

لا لما مر من الحجج الضعيفة،بل تفصّيا عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى و الرواية مسامحة في أدلّة السنن و الكراهة.و المراد بالرواية ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة،لكنها-كما عرفت-غير عامة لكل ما يستر ظهر القدم،بل في خصوص ما مرّ من الأمرين.

و في الاحتجاج و عن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة فيما ورد من التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه و على آبائه السلام إلى الحميري فيما كتب إليه يسأله:هل يجوز للرجل أن يصلي و في رجليه بطيط و لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟فوقّع عليه السلام:«جائز» (4).

و البطيط كما في القاموس:رأس الخف بلا ساق (5)،كأنه سمي به تشبيها له بالبطّ.

قيل:و فيه تأييد القول بالمنع.

و فيه نظر،بل هو لتأييد القول الآخر أظهر،كما صرّح به بعض من

ص:342


1- المدارك 3:184،الذخيرة:235،و انظر كفاية الأحكام:16،و الحدائق 7:160.
2- المبسوط 1:83،و حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1:191،الوسيلة:88.
3- التحرير 1:30،المنتهى 1:230.
4- الاحتجاج:484،كتاب الغيبة:234،الوسائل 4:427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 4.
5- القاموس المحيط 2:363.

تأخّر (1).

و كيف كان،فالأحوط الترك مطلقا،سيّما فيما ورد به المنع في خصوص النص،و إن كان من المرسل،لكفايته في الاحتياط.بل لو لا الشهرة المتأخّرة المحققة و المحكية و رجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة (2)لكان القول بها للرواية لا يخلو عن قوة و لو كانت مرسلة،لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة على ما حكاه شيخنا في كتابيه المتقدم إليهما الإشارة (3).

و احترز بقوله:ما لم يكن..إلى آخره،عما لو كان له ساق يغطّي و لو شيئا من الساق كالخف و الجرموق (4)،فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر،المصرّح به في التحرير و التذكرة و غيرهما (5).

و هو الحجة،مضافا إلى الأصل،و الإطلاقات السليمة هنا عن المعارض و لو على الكراهة بالكلية.

يستحب في النعل العربية و يكره في الثياب السود

و يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع،كما صرّح به جماعة (6)حد الاستفاضة،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.

و هو الحجة،مضافا إلى الصحاح المستفيضة المرغّبة إليه أمرا، كالصحيح:«إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة،فإن ذلك من السنة» (7).

ص:343


1- كصاحب الحدائق 7:161.
2- المبسوط 1:83.
3- في ص:336.
4- الجرموق كعصفور:الذي يلبس فوق الخف.القاموس المحيط 3:224.
5- التحرير 1:30،التذكرة 1:98،و انظر نهاية الإحكام 1:389،و كشف اللثام 1:191.
6- كالفاضلين في المعتبر 2:93،و المنتهى 1:230،و المحقق الثاني في شرح القواعد(جامع المقاصد 2:107)،و صاحب الذخيرة:235،و غيرهم من المتأخرين(كالشهيد الثاني في الروض:214).منه رحمه اللّه.
7- الفقيه 1:1573/358،الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 1.

و نحوه آخر،إلاّ أن فيه بدل«إن ذلك من السنة»:«يقال ذلك من السنة» (1).

و فعلا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصادقين عليهم السلام،كما في الصحاح (2).

و في الخبر:سمعت الرضا عليه السلام يقول:«أفضل موضع القدمين في الصلاة النعلان» (3).

و مقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل مطلقا.و ربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك الزمان،كما صرّح به جماعة من الأصحاب،لكن قالوا:و لعلّ الإطلاق أولى (4).

و لعل وجهه-مع الاعتراف بصحة الحمل-كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح(و الاحتياط) (5)فاندفع عنهم الاعتراض:بأنه محل تأمّل،لما ذكروه،لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف و ليس هنا عموم لغوي ينفع (6).

و يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة و الخفّ و الكساء، لإطلاق المستفيضة بكراهة لبسها عدا المستثنيات الثلاثة (7)،مع تصريح جملة من النصوص بكراهة الصلاة في خصوص القلنسوة،معلّلة بأنها لباس أهل النار (8)،و التعليل عام لا يخصّ المورد،كما يستفاد من النصوص،ففي الخبر:

ص:344


1- التهذيب 2:919/233،الوسائل 4:425 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 5.
2- الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 37.
3- الكافي 3:13/489،الوسائل 4:426 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 9.
4- منهم صاحب المدارك 3:185،و انظر البحار 80:275.
5- ليست في«ل».
6- حاشية المدارك للبهبهاني(المدارك بالطبع الحجري:140).
7- الوسائل 4:382 أبواب لباس المصلي ب 19.
8- الكافي 3:30/403،الفقيه 1:765/162،التهذيب 2:836/213.علل الشرائع: 1/346،الوسائل 4:386 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 1،3.

«كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام بالحيرة،فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه،فدعا بممطر (1)أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه،ثمَّ قال:«أما إني ألبسه و أنا أعلم أنه لباس أهل النار» (2).

مضافا إلى عموم المرسل:«لا تصلّ في ثوب أسود،فأما الخفّ و الكساء و العمامة فلا بأس» (3).

فلا إشكال في كل من حكمي المستثنى و المستثنى منه،إلاّ في استثناء الكساء،لعدم وقوعه في العبارة و نحوها من عبائر كثير من الجماعة كالحلي في السرائر و الماتن في(الشرائع) (4)و الفاضل في الإرشاد و القواعد (5)و كذا المفيد و الديلمي و ابن حمزة فيما حكي عنهم (6)،بل قيل (7):إنهم لم يستثنوا غير العمامة.

و بالجملة أكثر الأصحاب على عدم استثناء الكساء،بل قيل (8):كلهم لم يستثنوه إلاّ ابن سعيد في الجامع (9).

و فيه نظر،فقد استثناه جماعة ممن تأخّر (10)تبعا للمستفيضة،و لا يخلو عن قوّة و إن كان عدم الاستثناء أيضا لا بأس به،مسامحة في أدلّة الكراهة بناء على

ص:345


1- الممطر و الممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر.القاموس المحيط 2:140.
2- الكافي 6:2/449،الفقيه 1:770/163،علل الشرائع:4/347،الوسائل 4:384 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 7.
3- الكافي 3:24/402،الوسائل 4:387 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 2.
4- في«م»:المعتبر(2:94).
5- السرائر 1:268،الشرائع 1:70،الإرشاد 1:246،القواعد 1:28.
6- المفيد في المقنعة:150،الديلمي في المراسم:63،ابن حمزة في الوسيلة:87.
7- كشف اللثام 1:191.
8- كشف اللثام 1:191.
9- الجامع للشرائع:65.
10- منهم:الشهيد الأول في البيان:122،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:107،و الشهيد الثاني في روض الجنان:208.

حصول الشبهة،لعدم استثناء الأكثر و اقتصارهم على ما في العبارة،و منهم الفاضل في المنتهى مدعيا عليه إجماع الإمامية (1)،مع عموم بعض النصوص (2)ككلام الصدوق (3)بكراهة مطلق السود،خرج المجمع على استثنائه و يبقى الباقي.

و ظاهر العبارة-كغيرها من عبائر الجماعة-اختصاص الكراهة بالسود و عدم كراهة غيرها،مع أن في الموثق:«يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم» (4).

و في الخبر:«يكره الصلاة في المشبع بالعصفر و المضرّج (5)بالزعفران» (6).

و بهما أفتى الفاضلان في المعتبر و التحرير و المنتهى (7)،و غيرهما (8).

بل عن الشيخ و جماعة-و منهم الحلي و الإسكافي-كراهية الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان (9)،و لعل مستندهم الموثق المتقدم،بناء على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول مطلق من دون تقييد بالحمرة.

ص:346


1- المنتهى 1:232.
2- الوسائل 4:383،385 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 5،8.
3- المقنع:24.
4- الكافي 3:22/402،التهذيب 2:1549/373،الوسائل 4:460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 2.ثوب مفدم-ساكنة الفاء-:إذا كان مصبوغا بحمرة مشبعا.الصحاح 5:2001.
5- العصفر:نبت معروف يصبغ به.مجمع البحرين 3:408.ثوب مضرّج:مصبوغ بالحمرة أو الصفرة.لسان العرب 2:313.
6- التهذيب 2:1550/373،الوسائل 4:461 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 3.
7- المعتبر 2:94،التحرير 1:30،المنتهى 1:232.
8- كالشهيد في الذكرى:147،و حكي أيضا عن موجز ابن فهد في مفتاح الكرامة 2:183.
9- الشيخ في المبسوط 1:95،الحلي في السرائر 1:263،و نقله عن الإسكافي في المختلف: 80.

و أما على التفسير الآخر المقيد بها فلا يعم كل لون،بل يخصّ المشبع بالحمرة خاصة،و لذا اقتصر الفاضلان على كراهيته للموثقة،و كراهة المضرج بالزعفران و المعصفر أيضا لما بعدها.و التعميم أولى بالمسامحة في نحو محل البحث،كما مر.

تكره الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب و الثعالب أو فوقه

و كذا تكره الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب و الثعالب أو فوقه وفاقا للأكثر،بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الشيخ في النهاية و الصدوق،فقالا بالحرمة (1).و الأول قد رجع عنها إلى الكراهة في المبسوط (2)، فانحصر المانع في الثاني،و هو شاذّ على الظاهر،المصرّح به فيما يحكى من كلام الماتن (3)،مشعرا بدعوى الإجماع على الجواز.فإن تمَّ،و إلاّ فالمنع لا يخلو عن قوة،لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح:قلت لأبي جعفر عليه السلام:الثعالب يصلّى فيها؟ قال:«لا،و لكن تلبس بعد الصلاة»قلت:أصلي في الثوب الذي يليه؟قال:

«لا» (4).

و فيه:عن رجل سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في جلود الثعالب، فنهى عن الصلاة فيها،و في الثوب الذي يليه،فلم أدر أيّ الثوبين،الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟فوقّع عليه السلام بخطه:«الثوب الذي يلصق بالجلد» (5)الحديث.

ص:347


1- النهاية:98،الصدوق في المقنع:24.
2- المبسوط 1:83.
3- المعتبر 2:82.
4- الكافي 3:14/400،التهذيب 2:822/210،الاستبصار 1:1457/384،الوسائل 4:356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 4.
5- الكافي 3:8/399،التهذيب 2:808/206،الاستبصار 1:1446/381 و فيهما:عن رجل سأل الرضا(عليه السلام)،الوسائل 4:357 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 8.

و في الرضوي:«و إيّاك أن تصلّي في الثعالب و لا في ثوب تحته جلد ثعالب» (1).

و قريب منها المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب إليه الحميري:قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام:«لا تصلّ في الثعلب و لا في الأرنب و لا في الثوب الذي يليه»فقال عليه السلام:«إنما عنى الجلود دون غيرها» (2).

و هي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند بالصحة و القوة،فلا وجه لحمل النهي فيها على الكراهة،عدا ما يتخيّل من عدم وجه للمنع عدا تخيّل نجاسة الجلود الملاقية بالرطوبة،و هو خلاف الأظهر الأشهر:من قبولها التذكية فحينئذ لا وجه للمنع بالمرّة،فينبغي الحمل على الكراهة.

و فيه نظر،لاحتمال التعبد،أو كونه باعتبار ما يسقط عليه من الوبر و يتناثر عليه في وقت لبسه له،تحت الوبر كان أو فوقه،كذا قيل (3).

و فيه نظر،لظهور سياق الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض في كون المنع متوجّها إلى الثوب الذي يلي الجلد لا الوبر،بل صرّح بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر،فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر،بل من حيث الملاصقة للجلد،و لا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه،و يتوجه حينئذ حمل المنع فيها على الكراهة كما قرروه،بناء على بعد احتمال تعبدية المنع،فلا يخرج بمجرده عن الأصل المعتضد بالشهرة،بل الإجماع المنقول كما عرفته.

و لكن المسألة بعد مشكلة،لعدم ظهور نقل الإجماع من لفظ الشذوذ

ص:348


1- فقه الرضا(عليه السلام):157،المستدرك 3:201 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 1.
2- الاحتجاج:492،الوسائل 4:358 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 12.
3- قال به صاحب الحدائق 7:82.

بحيث يطمئن به،و الشهرة و الاعتماد عليها لعلّه لا يخلو عن إشكال،بناء على ظهور كلمة جملة منهم بانحصار مستند المنع في الصحيحة الثانية و مع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة.

و هما كما ترى،لتعدّد روايات المنع و استفاضتها،و عدم إرسال فيما أجابوا به عنه،و إن كان فيه:عن رجل،إذ هو ليس راويا،بل الراوي له هو الراوي عنه،و ليس روايته عنه بطريق الإرسال بحيث يسند الخبر إليه،بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي،فكأنه المخبر عن السؤال و الجواب،فتأمل جدّا.

مع أنّ في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة الثقة له و سؤاله عن ذلك فأجابه بالمنع أيضا،حيث قال:و ذكر علي بن مهزيار-و هو الراوي عن الرجل-أنه سأله عن هذه المسألة،فقال:«لا تصلّ في الذي فوقه و لا في الذي تحته».

فالخبر على أيّ تقدير مسند،لكن اختلف الجوابان فيه ففي الأوّل:

خص المنع بالذي يلصق الجلد،و في الثاني:عمّم له و لما يلصق الوبر،و هو الأوفق لما ذكروه:من تعميم المنع كراهة أو تحريما.

و بالجملة:المسألة محل إشكال،و لا ريب أنّ التنزه عنه أفضل إن لم نقل بكونه المتعيّن.

تكره في ثوب واحد للرجل

و كذا تكره في ثوب واحد رقيق لم يحك ما تحته من العورة للرجل خاصة،بلا خلاف أجده،و النصوص به مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:يصلّي الرجل في قميص واحد؟فقال:«إذا كان كثيفا فلا بأس» (1).

و في آخر بعد السؤال عن نحو ذلك:«إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس» (2).

ص:349


1- الكافي 3:2/394،التهذيب 2:855/217،الوسائل 4:387 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1.
2- الكافي 3:1/393،التهذيب 2:852/216،الوسائل 4:390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

و مقتضاهما-ككلام أكثر الأصحاب،بل عامتهم كما يفهم من الذكرى و روض الجنان (1)-عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا،و هو أيضا ظاهر جملة من الصحاح،منها:«لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة،إنّ دين محمد صلّى اللّه عليه و آله حنيف» (2).و نحوه غيره (3).

خلافا لبعض أصحابنا،كما حكاه في المنتهى (4)و لعله الماتن هنا، حيث لم يقيّد كراهة الثوب الواحد بما إذا كان رقيقا كما عليه باقي أصحابنا مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقا.

و تبعه الشهيد في الذكرى (5)،قال:لعموم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [1] (6)و دلالة الأخبار على أن اللّه تعالى أحقّ أن يتزيّن له (7)،و الاتفاق على أنّ الإمام يكره له ترك الرداء،و ما روي عنه عليه السلام من قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما» (8).

قال:و الظاهر أنّ القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق،و يريد به أيضا على البدن،و إلاّ فالعمامة مستحبة مطلقا و كذا السراويل،و قد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم و التسرول (9).

ص:350


1- الذكرى:146،روض الجنان:209.
2- الكافي 3:8/395،الفقيه 1:823/174،التهذيب 2:1477/357،الاستبصار 1: 1492/392،الوسائل 4:393 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 1.
3- التهذيب 2:850/216،الوسائل 4:393 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 1.
4- لم نعثر عليه في المنتهى.
5- الذكرى:146.
6- الأعراف:31.
7- سنن البيهقي 2:236.
8- سنن أبي داود 1:635/172،سنن البيهقي 2:236.
9- مكارم الأخلاق:119،الذكرى:147،الوسائل 4:464 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 1،2،3.

و في جميع ما ذكره نظر،فإن غايته-عدا كراهية ترك الإمام الرداء- الدلالة على استحباب التعدد،و هو غير كراهية الوحدة،إلاّ أن يريد بها ترك الأولى،و لعله غير المتنازع فيه.

نعم في قرب الإسناد للحميري،عن عبد اللّه بن الحسن،عن جده،عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه السلام:عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سروال واحد و هو يصيب ثوبا؟قال:«لا يصلح» (1).

و احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما لو حكى ما تحته فإنه لم يجز قولا واحدا إذا كان لبشرة العورة و لونها حاكيا،للزوم سترها كما يأتي (2)إجماعا.و كذا لو حكي حجمها و خلقتها على الأحوط،بل قيل بتعينه (3)،لرواية قاصرة السند ضعيفة الدلالة (4).

و لذا اختار الأكثر الإجزاء هنا.و لعله الأقوى،للأصل،و صدق الستر عرفا،مع إطلاق ما مرّ:من النص الصحيح بعدم البأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا،إذ قد لا يفيد إلاّ ستر البشرة دون الحجم.

مضافا إلى التأيّد بأخبار:«أنّ النورة سترة» (5)و أنّ جسد المرأة عورة،و لو وجب ستر الحجم وجب فيه.و إن كان في الاستدلال بهما نظر .

ص:351


1- قرب الإسناد:717/191،الوسائل 4:453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.
2- في ص:369.
3- جامع المقاصد 2:95.
4- و هي مرفوعة أحمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«لا تصلّ فيما شفّ أو صف يعني الثوب المصقل».الوسائل 4:388 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 4.و ذكر هذه الرواية الشهيد في الذكرى:146،ثمَّ قال:معنى شفّ:لاحت منه البشرة،و وصف-بواوين-:حكي الحجم، و في خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب:أوصف بواو واحدة،و المعروف بواوين،من الوصف.
5- الوسائل 2:53 أبواب آداب الحمام ب 18.
يكره أن يتّزر فوق القميص

و يكره أن يتّزر فوق القميص على المشهور،للصحيح الصريح فيه المروي في الكافي:«لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص و أنت تصلّي، و لا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت،فإنه من زيّ الجاهلية» (1).

خلافا للفاضلين في المعتبر و المنتهى (2)و كثير ممن تبعهما (3)،فلا يكره، للصحيحين النافيين للبأس عنه،فعلا في أحدهما (4)،و قولا في الآخر (5).

و فيه نظر،بل حمل نفي البأس فيهما على نفي التحريم طريق الجمع، سيّما مع اشتهار الكراهة و جواز المسامحة في أدلّتها كما عرفت غير مرة.

و ما تضمنته الصحيحة من كراهة التوشح فوق القميص قد أفتى بها جماعة (6)،و النصوص بها مع ذلك مستفيضة،و هي ما بين ناهية عنه ب«لا»كما في بعضها،و ب«لا يجوز»كما في آخر،و ب«يكره»في جملة منها (7).و حملت على الكراهة الاصطلاحية جمعا بينها و بين الحسن:هل يصلّي الرجل و عليه إزار يتوشح به فوق القميص؟فكتب:«نعم» (8).

و قيل:لا يكره (9)،و لا وجه له.

ص:352


1- الكافي 3:7/395،الوسائل 4:395 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 1.
2- المعتبر 2:96،المنتهى 1:233.
3- كصاحب المدارك 3:203،و السبزواري في الذخيرة:229،و المجلسي في البحار 80: 205-207.
4- التهذيب 2:843/215،الاستبصار 1:1476/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 6.
5- التهذيب 2:842/214،الاستبصار 1:1475/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 5.
6- منهم المحقق في المعتبر 2:96،و صاحب المدارك 3:204،و صاحب الحدائق 7:120.
7- الوسائل 4:395 أبواب لباس المصلي ب 24.
8- التهذيب 2:844/215،الاستبصار 1:1477/388،الوسائل 4:397 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 7.
9- نفى عنه البعد في المدارك 3:204.

و اختلف أهل اللغة في معنى التوشّح،ففي القاموس:توشّح الرجل بثوبه و سيفه إذا تقلّد بهما (1).

و في المصباح المنير:توشّح به أن يدخله تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم (2)،و نحوه عن المغرب (3).

و في مجمع البحرين:و فيه«كان يتوشّح بثوبه»أي يتغشى به،و الأصل في ذلك كله من الوشاح ككتاب،و هو شيء ينسج من أديم عريضا و يرصّع بالجواهر و يوضع شبه قلادة تلبسها النساء،يقال:توشّح الرجل بثوبه أو بإزاره، و هو أن يدخله تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم، و كما يتوشح الرجل بحمائل سيفه،فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى و يكون اليمنى مكشوفة (4).

و كلماتهم و إن كانت مختلفة في ذلك إلاّ أنّ ظاهرها الاتفاق على أنه غير الاتّزار فوق القميص،فلا وجه للاستدلال بأخبار كراهة التوشّح على كراهته.

لكن في بعض النصوص إشعار باتحادهما،كالخبر:في الذي يتوشّح و يلبس قميصه فوق الإزار،قال:«هذا عمل قوم لوط»قلت:فإنه يتوشّح فوق القميص، قال:«هذا من التجبّر» (5).

و لكنه معارض بظاهر الصحيحة الأولى (6)،حيث عطفت الاتّزار فوق

ص:353


1- القاموس المحيط 1:264.
2- المصباح المنير:661.
3- المغرب 2:250.
4- مجمع البحرين 2:423.
5- الفقيه 1:795/168،التهذيب 2:1542/371،الوسائل 4:396 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 4.
6- المتقدمة في ص:347.

القميص على التوشح فوقه،مؤذنة بتغايرهما.و مع ذلك الخبر ضعيف السند متضمن صدره لما لم يقل به أحد،و هو كراهة جعل المئزر تحت القميص،بل نفي الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى (1)مؤذنا بدعوى الإجماع عليه،كما حكي عن صريح المعتبر (2).

و أن يشتمل الصماء إجماعا،كما في التحرير و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني و روض الجنان و المدارك (3)،و في غيرها نفي الخلاف فيه بين علمائنا (4)،للصحيح:«إيّاك و التحاف الصماء»قلت:و ما التحاف الصماء؟قال:«أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» (5).

و به فسر في معاني الأخبار و النهاية و المبسوط و الوسيلة (6)،و فيها أنه فعل اليهود،و تبعهم المتأخّرون،و نسبه في الروضة و روض الجنان إلى المشهور (7)،مشعرا بوقوع الخلاف فيه،و لم أجده بيننا (8)،و لعلّه لأهل اللغة

ص:354


1- المنتهى 1:233.
2- المعتبر 2:96.
3- التحرير 1:31،المنتهى 1:233،الذكرى:147،جامع المقاصد 2:108،روض الجنان:209،المدارك 3:204.
4- انظر الذخيرة:229،و الحدائق 7:123.
5- الكافي 3:4/394،الفقيه 1:792/168،التهذيب 2:841/214،الاستبصار 1: 1474/388،معاني الأخبار:32/390،الوسائل 4:399 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 1.
6- معاني الأخبار:32/390،النهاية:97،المبسوط 1:83،الوسيلة:87.
7- الروضة 1:208،روض الجنان:209.
8- نعم حكاه الحلي(السرائر 1:261)من المرتضى،حيث قال:و يكره السدل في الصلاة كما يفعله اليهود،و هو أن يتلفّف بالإزار و لا يرفعه على كتفيه،و هذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء،و هو اختيار السيد المرتضى.منه رحمه اللّه.

و فقهاء العامة،و لا عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة، المعتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكية،و خصوص المروي في معاني الأخبار:

أنه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبستين:اشتمال الصماء،و أن يلتحف (1)الرجل بثوب ليس بين فرجه و بين السماء شيء قال،و قال الصادق عليه السلام:«التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطيه (2)،ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد» (3).

لكن ظاهره كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجانبين و الطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد.و هذا و إن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس،إلاّ أنه خلاف الظاهر المتبادر منها،و هو كون المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثمَّ وضعه على منكب واحد،و يتبادر هذا المعنى من الصحيحة صرح المحقق الثاني في شرح القواعد و غيره (4)،و لكن التنزّه عن كلا المعنيين المحتملين لعله أحوط.

و أن يصلّي في عمامة لا حنك لها باتفاق علمائنا،كما في المعتبر و المنتهى (5)،و هو الحجة.

مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن الغوالي و غيره،و فيه:«من صلى مقتعطا (6)فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (7).

ص:355


1- في المصدر:يحتبي.
2- في المصدر و«ش»و«م»:إبطه.
3- معاني الأخبار:281،282،الوسائل 4:400 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 5،6.
4- جامع المقاصد 2:108،و انظر الحدائق 7:125.
5- المعتبر 2:97،المنتهى 1:233.
6- قعط عمامته و اقتعطها:أدارها على رأسه و لم يتلحّ بها..لسان العرب 7:384.
7- عوالي اللئالي 2:6/214،المستدرك 3:215 أبواب لباس المصلي ب 21 ذيل حديث 2.

و إطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون تحنك،ففي المرسل كالصحيح:«من تعمّم و لم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1).

و نحوه غيره من كثير من النصوص (2)،مبدّلا في بعضها«لم يتحنك» ب:«لم يدر العمامة تحت حنكه»و في آخرين:«الفرق بيننا و بين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم»كما في أحدهما،و نحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخلّ بالمقصود.

و لما كان التحنّك و التلحّي في اللغة و العرف إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك بغيرها،وفاقا للشهيد الثاني و سبطه و غيرهما (3).

خلافا للمحقق الثاني،فاحتمل تأدّي السنة به أيضا،لكن متردّدا بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى (4)،و تبعهما في الاحتمال بعض الفضلاء (5)،و لم أعرف له وجها.

ثمَّ إن ظاهر النصوص و الفتاوي-و لا سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة-استحباب دوامه و عدم الاكتفاء به عند التعمم خاصة، و عليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من النص و الفتوى،و بين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف

ص:356


1- الكافي 6:1/460،التهذيب 2:846/215،الوسائل 4:401 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 1.
2- الوسائل 4:401 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 2،5،8،10.
3- الشهيد الثاني في روض الجنان:210،المدارك 3:207،و انظر المسالك 1:24،و كشف اللثام 1:192.
4- المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:110،الذكرى:140.
5- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.

العمامة على الصدر أو القفاء (1)،و لذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما:

فبين من جمع بينهما تارة بحمل الأولة على إرادة التحنك حين التعمم و الأخيرة على الإسدال بعده (2)،و اخرى بتخصيص السدل بحال الحرب و نحوه مما يراد فيه الترفّع و الاختيال و التحنك بما يراد فيه التخشّع و السكينة (3).

و بين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى الإسدال بضرب من التوجيه، بل ادعى اتحادهما معنى لغة (4).و هو مشكل جدّا.

و يحتمل الجمع بوجه آخر،و هو تخصيص استحباب السدل بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،و استحباب التحنك بنا.

و لا بعد فيه إلاّ من حيث عموم أخبار التحنك،و إلاّ فأخبار الإسدال لا عموم فيها،فإنّ منها:«اعتمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فسدلها من بين يديه و من خلفه،و اعتمّ جبرئيل عليه السلام فسدلها من بين يديه و من خلفه» (5).

و منها:«عمم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام،فسدلها من بين يديه و قصّرها من خلفه قدر أربع أصابع،ثمَّ قال:أدبر،فأدبر،ثمَّ قال:

أقبل،فأقبل،ثمَّ قال:هكذا تيجان الملائكة» (6).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر اختصاص موردها بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام،فلا غرو إن جمعنا بينها و بين

ص:357


1- الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30.
2- كما في الحدائق 7:135.
3- كما في كشف اللثام 1:192.
4- كما في البحار 80:199.
5- الكافي 6:2/460،الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30 ح 1.
6- الكافي 6:4/461،الوسائل 5:55 أبواب أحكام الملابس ب 30 ح 3.

النصوص الماضية بذلك،و قيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم عليهم السلام،بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.

و يحتمل آخر ضعيفا،و هو التخيير بينهما ،و يكون المقصود من استحبابهما كراهة الاقتعاط المقابل لهما.

و اعلم أنّ جمعا من الأصحاب حكوا المنع هنا-الظاهر في التحريم- عن الصدوق (1)،و لم أقف على تصريحه به.نعم،في الفقيه:سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة في طابقيّة،و لا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلاّ و هو متحنّك (2).

و هو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك،فيبعد مخالفته لهم،بل الظاهر موافقته لهم،و لعله لذا نسبوه إليه،أو وجدوا التصريح منه به في محل آخر.

و كيف كان،فالمنع تحريما-كما هو ظاهرهم-ضعيف جدّا،للأصل، مع عدم دليل صالح على ما ذكروه،فإن غاية النصوص-حتى النبوي الوارد في الصلاة (3)-إفادة الكراهة لا التحريم،فإثباته مشكل،سيّما مع إطباق المتأخّرين و اختيارهم خلافه،مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه كما عرفته (4).

و يحتمل إرادة المشايخ من«لا يجوز»الكراهة،لاستعماله كثيرا فيها في الأخبار و كلام قدماء الطائفة.

و أن يؤمّ بغير رداء على المشهور،على الظاهر،المصرح به في

ص:358


1- حكاه عنه العلامة في المختلف:83،و الشهيد الثاني في روض الجنان:210،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:110.
2- الفقيه 1:172.
3- راجع ص:350.
4- في ص:350.

المدارك و غيره (1)،بل عليه الاتّفاق في الذكرى (2)،و هو الحجة.

مضافا إلى الصحيح:عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء، فقال:«لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها» (3).

و أخصّيته من المدعى-بدلالته على كراهة الإمامة من دون رداء في القميص وحده لا مطلقا-مجبورة بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا،و إن توهّمه شاذّ من متأخّري متأخرينا (4)،مع أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليله بما لا يتسامح في غيره،فيكتفي في إثباتها بفتوى فقيه واحد،فما ظنك بفتاوى جمهور أصحابنا؟! و أما قول أبي جعفر عليه السلام لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء:

«إن قميصي كثيف،فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء» (5).

فليس فيه تأييد لما توهّمه الشاذ المتقدم:من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة،لاحتمال الإجزاء في هذه الرواية الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة،لا الإجزاء عن الاستحباب،و إلاّ لنافي إطلاق الصحيحة المتقدمة، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف أم رقيق؟ فحكمه حينئذ ب«لا ينبغي»يعم الصورتين.

مع أنّ الرواية السابقة على التقدير الثاني قد نفت استحباب الرداء في الصورة الاولى،و هذا الشاذّ لا يقول به ،فكيف يجعل قوله عليه السلام في هذه

ص:359


1- المدارك 3:208،و انظر الحدائق الناضرة 7:135.
2- الذكرى:147.
3- الكافي 3:3/394،التهذيب 2:1521/366،الوسائل 4:452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 1.
4- الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.
5- التهذيب 2:1113/280،الوسائل 4:391 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 7.

الرواية مؤيّدا؟!و إن هو إلاّ غفلة واضحة.

و ظاهر الشهيدين و غيرهما (1)استحباب الرداء لمطلق المصلي و لو لم يكن إماما،للصحاح الدال بعضها على أنّ أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف (2)،و الباقي على استحباب ستر المنكبين لمن يصلّي في إزار أو سراويل (3).

و لا ذكر للرداء في الرواية الاولى،و البواقي خارجة عما نحن فيه جدّا، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه أصلا.

و لا بأس بالقول باستحباب ما فيها،و في الخبر:«عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد أو قباء واحد؟قال:ليطرح على ظهره شيئا» (4).

و عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبّة وحدها؟قال:

«إذا كان تحته قميص فلا بأس» (5).

و عن الرجل يؤم في قباء و قميص،قال:«إذا كان ثوبين فلا بأس» (6).

و المعتبر في الرداء ما يصدق عليه الاسم عرفا،قيل:و يقوم التكة و نحوها مقامه مع الضرورة (7).و لم أقف على ما دلّ على إقامتها مقامه،حيث يكون هو المعتبر،كما في أصل البحث.

نعم،النصوص المتقدمة في المصلّي في الإزار و السراويل (8)دلّت على

ص:360


1- الدروس:1:147،الروضة 1:209،و انظر البحار 80:190.
2- الفقيه 1:783/166،الوسائل 4:453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 6.
3- انظر الوسائل 4:452 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 3،4.
4- مسائل على بن جعفر:57/118،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 11.
5- مسائل علي بن جعفر:58/118،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 12.
6- مسائل على بن جعفر:62/119،الوسائل 4:392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 13.
7- كما قال به صاحب المدارك 3:210.
8- راجع الرقم(3)من نفس الصفحة.

استحباب نحو التكة له،و لكنه غير قيامه مقام الرداء حيث يكون مستحبّا.

و أن يصحب معه حديدا ظاهرا على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر،و في الخلاف الإجماع عليه في الجملة (1).

و هو الحجة،لا النصوص المستفيضة و إن كان فيها الموثق و غيره (2)،لأن ظاهرها التحريم مطلقا،كما عن المقنع مستثنيا منه السلاح (3)،و النهاية و المهذب مستثنيين ما إذا كان مستورا (4)،لأنها شاذّة لا يوافق إطلاقها شيئا من الأقوال المزبورة،فلتكن مطرحة،و يكون المستند في الكراهة هو الشبهة الناشئة من الفتوى بالحرمة،مع احتمال الاستناد إليها لإثباتها بعد تقييدها بما إذا كان بارزا،جمعا بينها و بين ما دلّ على نفي البأس عن الصلاة فيه،إما مطلقا كما في المروي في الاحتجاج للطبرسي عن الحميري:أنه كتب إلى الناحية المقدسة يسأله عليه السلام عن الرجل يصلّي و في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد،هل يجوز ذلك؟فوقّع عليه السلام:«جائز» (5).

أو إذا كان مستورا،كما في المروي في الكافي مرسلا،قال:و روي:

«إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس» (6).

و في التهذيب:و قد قدمنا في رواية عمار أنّ الحديد إذا كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه (7).

لكن تعليل المنع في جملة من المستفيضة بكونه من لباس أهل النار كما

ص:361


1- الخلاف 1:507-508.
2- الوسائل 4:417 أبواب لباس المصلي ب 32.
3- المقنع:25.
4- النهاية:99،المهذّب 1:75.
5- الاحتجاج:484،الوسائل 4:420 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 11.
6- الكافي 3:35/404،الوسائل 4:418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 3.
7- التهذيب 2:227.

في بعضها (1)،أو الجن و الشياطين كما في آخر منها (2)،أو أنه نجس ممسوخ كما في غيرهما (3)،ربما يشعر بالعموم-كما عليه المقنع (4)-لكن من دون استثناء السلاح.لكن لا بعد في التقييد بعد وجود ما يدل عليه صريحا (5)،سيّما مع كونه-و لو في الجملة-متفقا عليه.هذا.

و ربما يستشعر من التعليل الكراهة،قال الماتن في المعتبر:و قد بيّنا أنّ الحديد ليس بنجس بإجماع الطوائف،فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه،فإن النجاسة تطلق على ما يستحب أن يجتنب و يسقط الكراهة مع ستره وقوفا في الكراهة على موضع الوفاق (6).

و هو حسن،إلاّ ما يستشعر منه من لزوم الاقتصار في الكراهة على محل الوفاق،فإنّ فيه نظرا،لما عرفت مرارا:من جواز التسامح فيها و الاكتفاء في إثباتها بقول فقيه واحد،فضلا عن إطلاق روايات بالمنع،كما فيما نحن فيه، فإطلاق الكراهة لا بعد فيه،لو لا الاتفاق على الظاهر ممن عدا المقنع على عدمها إذا كان مستورا.

و أن يصلّي في ثوب يتهم صاحبه بعدم التوقي من النجاسة،أو بمساورته له و هو نجس،بلا خلاف أجده إلاّ من المبسوط،فمنع عن الصلاة في ثوب عمله كافر أو أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات،

ص:362


1- الفقيه 1:773/164،التهذيب 2:1548/372،علل الشرائع:1/348،الوسائل 4: 418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.
2- التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.
3- الكافي 3:13/400،التهذيب 2:894/227،الوسائل 4:419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.
4- راجع ص:356.
5- انظر الوسائل 4:458 أبواب لباس المصلّي ب 57.
6- المعتبر 2:98.

معلّلا بأن الكافر نجس (1).و تبعه الحلّي للتعليل،قائلا:إن إجماع أصحابنا منعقد على أن أسآر جميع الكفار نجسة بلا خلاف بينهم (2).و هو خيرة الإسكافي (3)لكن مع اضطراب لكلامه فيه.

و ما ذكروه من المنع حسن مع العلم بالمباشرة برطوبة،كما يفهم من تعليلهما،بناء على أن نجاسة الكفّار عينيّة لا تؤثّر في الملاقي إلاّ بالمباشرة له برطوبة قطعا لا مطلقا،و لعله لذا لم ينقل الخلاف هنا كثير من الأصحاب، معربين عن عدم خلاف فيه.

و محل نظر مع عدم العلم بذلك،بل يجوز الصلاة حينئذ مطلقا و لو كان حصول النجاسة بالمباشرة رطبا مظنونا،بناء على الأقوى من اشتراط العلم أو ما يقوم مقامه شرعا-إن قلنا به-في الحكم بالنجاسة،و أن مع عدمهما فالأقوى الطهارة،لعموم قولهم عليهم السلام:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (4).

و خصوص الصحاح في مفروض المسألة،منها:إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير،فيردّه عليّ،أ فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟فقال عليه السلام:«صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك،فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر،و لم تستيقن أنه نجّسه،فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه» (5).

ص:363


1- المبسوط 1:84.
2- السرائر 1:269.
3- كما نقله عنه في المختلف:82.
4- راجع الوسائل 3:466 أبواب النجاسات ب 37،المستدرك 2:582 أبواب النجاسات ب 30.
5- التهذيب 2:1495/361،الاستبصار 1:1497/392،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

و منها:عن الثياب السابريّة يعملها المجوس و هم أخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال،ألبسها و لا أغسلها و أصلّي فيها؟قال:

«نعم» (1)الحديث.

و منها:عن الصلاة في ثوب المجوس،قال:«يرشّ بالماء» (2).إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم،في الصحيح:عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّيّ (3)و يشرب الخمر فيردّه،أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتى يغسله» (4).

و هو و إن دلّ على المنع إلاّ أنه قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّا من وجوه شتّى،فليحمل على الكراهة جمعا.و لأجله قالوا بها،مضافا إلى الشبهة الناشئة من القول بالمنع،و لخصوص الصحيح:في الرجل يصلّي في إزار المرأة و في ثوبها و يعتمّ بخمارها قال:«نعم إذا كانت مأمونة» (5)و أقلّ النفي المفهوم منه الكراهة.

و ليس فيه-كالعبارة و نحوها كما ترى-بيان المأمومنية عن أيّ شيء، فيشمل عن كلّ محذور و لو غير النجاسة من نحو الغصب،و استصحاب فضلات ما لا يؤكل لحمه،كما عليه جماعة و منهم الشهيدان (6)،قال ثانيهما:

ص:364


1- التهذيب 2:1497/362،الوسائل 3:518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.
2- التهذيب 2:1498/362،الوسائل 3:519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
3- الجرّيّ:ضرب من السمك عديم الفلس،و يقال له:الجرّيث بالثاء المثلّثة.مجمع البحرين 3:244.
4- التهذيب 2:1494/361،الاستبصار 1:1498/393،الوسائل 3:521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.
5- الكافي 3:19/402،الفقيه 1:781/166،التهذيب 2:1511/364،الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.
6- الذكرى:148،روض الجنان:212.

و ينبّه عليه كراهة معاملة الظالم و أخذ عطائه.

و ظاهر كثير من العبارات تقييد نحو العبارة بمن لا يتوقى النجاسة خاصة، و الأوّل أقرب بالاحتياط،و أنسب بحال الكراهة،كما مرّ غير مرّة.

و أن يصلّي في قباء بل مطلق الثوب الذي يكون عليه تماثيل، أو خاتم فيه صورة بلا خلاف في المرجوحية على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض الأجلة (1)،بل عليه الإجماع في شرح القواعد للمحقق الثاني (2)، و هو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المعبّر بعضها عنها بلفظ الكراهة،كالصحيحين المتضمن أحدهما لقوله:كره أن يصلي و عليه ثوب فيه تماثيل (3)و ثانيهما لقوله:فكره ما فيه التماثيل بعد أن سئل عن الصلاة في الثوب المعلم (4).

و آخر منها ب«لا»و«لا يجوز»كالموثق:عن الثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك،أ يصلّي فيه؟قال:«لا»و عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك،قال:«لا يجوز الصلاة فيه» (5).

و ظاهره و إن أفاد التحريم-كما عليه الشيخ في النهاية و المبسوط في الثوب و الخاتم (6)،و القاضي في المهذب و الصدوق في المقنع في الأخير خاصة (7)-إلاّ أنه محمول على الكراهة،لا للأصل و ضعف الموثق مع تصريح

ص:365


1- الذخيرة:231،و انظر البحار 80:243.
2- جامع المقاصد 2:114.
3- الكافي 3:17/401،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 2.
4- الفقيه 1:810/172،عيون الأخبار 2:44/17،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 4.
5- التهذيب 2:1548/372،الوسائل 4:440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 15.
6- النهاية:99،المبسوط 1:84.
7- المهذّب 1:75،المقنع:25.

الصحيحين بالكراهة،لأعمّيتها في الأخبار من المعنى المصطلح عليه الآن و من الحرمة،و حجّية الموثق فلا يعارضه الأصل.

بل للجمع بينه و بين ما نصّ على الجواز من الأخبار،كالمروي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر:أنه سأل أخاه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أ يصلّى فيه؟قال:«لا بأس» (1).

و قصور السند مجبور بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا،بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة.مع أنّ في المنتهى احتمل حمل«لا يجوز» في كلام الشيخ على الكراهة (2)،لشيوع استعماله فيها في عبارته،بل مطلق القدماء و الأخبار كما لا يخفى،و عليه فلا خلاف.

و اختصاصه بالخاتم مجبور بعدم القائل بالفرق،إذ كل من جوّز الصلاة فيه جوّز في الثوب أيضا،و إن لم يكن بحسب المنع كذلك (3).مع ظهور الموثقة المانعة-كفتوى الأصحاب كافة-في كون المنع إنما هو من حيث المثال خاصة،لا الثوبية مع الصورة،و لذا ورد كراهة الصلاة في الدراهم السود التي فيها التماثيل،كما في الصحيح:«ما أشتهي أن يصلّي و معه هذه الدراهم التي فيها التماثيل» (4)و نحوه غيره (5)،و في البسط التي فيها المثال و نحو ذلك (6).

و بتتبّع جميع ذلك يظهر كون وجه المنع ما ذكرناه،و عليه فتدل هذه الصحيحة الواردة في الدراهم على الكراهة و الجواز في مطلق ما فيه المثال و لو

ص:366


1- قرب الإسناد:827/211،الوسائل 4:442 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 23.
2- المنتهى 1:234.
3- فإن الصدوق و القاضي منعا عن الخاتم دون الثوب.منه رحمه اللّه.
4- الفقيه 1:779/166،الوسائل 4:437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 3.
5- الخصال:627(حديث الأربعمائة)،الوسائل 4:438 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 5.
6- الوسائل 4:أبواب لباس المصلي ب 45 الأحاديث 5،7،11،14.

كان الثوب و الخاتم،لظهور لفظ:«ما أشتهي»فيها،مضافا إلى الصحيح الصريح في الجواز لكن فيما إذا كانت الدراهم مواراة،و فيه:عن الدراهم السود فيها التماثيل أ يصلّي الرجل و هي معه؟فقال:«لا بأس إذا كانت مواراة» (1).

و هل المثال و الصورة يعمّان ما كان منهما للحيوان و غيره،أم يختصّان بالأوّل؟ ظاهر الأكثر-على الظاهر،المصرح به في كلام جمع (2)-الأوّل،بل نسبه في المختلف إلى باقي الأصحاب من عدا الحلي،و اختاره للإطلاق (3).

و فيه نظر،لاختصاصه-بحكم التبادر،و شهادة جملة من النصوص،و بها اعترف جملة من الفحول (4)-بالأوّل،مع أن عن المغرب اختصاص التمثال بصور أولي الأرواح و عموم الصور حقيقة،قال:و أمّا تمثال شجر فمجاز (5)و عن المصباح المنير في تفسير قوله:و في ثوبه تماثيل،أي صور حيوانات مصوّرة (6).

و كلامهما-سيما الأوّل-ظاهر في اختصاص التمثال بصور الحيوان حقيقة،و كون إطلاقه على غيرها مجازا،نعم كلام الأوّل ظاهر في عموم الصور،و لكنه غير ضائر بعد اختصاص مورد النصوص المانعة مطلقا بالتمثال

ص:367


1- الكافي 3:20/402،التهذيب 2:1508/364،الوسائل 4:439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 8.
2- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:114،و الشهيد الثاني في المسالك 1:24، و صاحب الحدائق 7:149.
3- المختلف:81،و انظر السرائر 1:263.
4- منهم:الشهيد في الذكرى:147،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:114،و صاحب الحدائق 7:156.
5- المغرب 2:177.
6- المصباح المنير:564.

دون الصور،و لعله لذا اختار الحلّي التخصيص بالحيوان،و قوّاه جماعة من المحققين (1)،مضافا إلى الأصل.

و هو حسن لو لا اشتهار إطلاق الكراهة،و شبهة دعوى الاتفاق عليه في المختلف (2)،مع المسامحة في أدلّتها،كما سبق غير مرة.

و ترتفع الكراهة بتغيير الصورة و الضرورة،كما صرّح به جماعة (3)، للصحيح (4)في الأول،و فحوى ما دلّ على سقوط التكليف الحتمي في الثاني (5)،مضافا إلى الموثّق:عن لباس الحرير و الديباج،فقال:«أما في الحرب فلا بأس و إن كان فيه تماثيل» (6).و قريب منه ظواهر جملة من النصوص (7).

يكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت،أو متنقّبة و يكره للرجال اللثام

و يكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت،أو متنقّبة على وجهها و كذا يكره للرجال اللثام.

بلا خلاف إلاّ من القاضي في الأول فحرّمه (8).و لا دلالة للصحيح (9)

ص:368


1- كالمجلسي في بحار الأنوار 80:246،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:193.
2- المختلف:81.
3- منهم الشهيد الثاني في روض الجنان:212،و صاحب المدارك 3:214،و السبزواري في الذخيرة:232.
4- التهذيب 2:1503/363،الوسائل 4:440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 13.
5- مثل قولهم عليهم السلام:«ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه».الوسائل 5:482 أبواب القيام ب 1 ح 6،7.
6- التهذيب 2:816/208،الاستبصار 1:1466/386،الوسائل 4:372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.
7- الوسائل 4:371 أبواب لباس المصلي ب 12.
8- المهذّب 1:75.
9- الكافي 3:33/404،الفقيه 1:/65ذيل حديث 775،قرب الإسناد:881/226، الوسائل 4:463 أبواب لباس المصلي ب 62 ح 1.

عليه،لتضمّنه:«لا يصلح»الظاهر في الكراهة،أو الأعمّ منها و من الحرمة، فتدفع بالأصل،مع عمومه لحال الصلاة و غيرها،و لا يقول به.فتأمّل (1).

و من الشيخين في المقنعة و المبسوط و النهاية فيما عداه،فأطلقا المنع عن اللثام و النقاب حتى يكشف عن الفم و موضع السجود (2).

و هو حسن إن أرادا المنع إذا منعا عن القراءة و غيرها من الواجبات،و إلاّ فمحل نظر.بل ظاهر المعتبرة المستفيضة-و منها الصحيحان (3)و الموثقان (4)- نفي البأس عنهما على الإطلاق،إلاّ أن في أحد الموثقين التصريح بأفضليّة عدمهما،و لعلّه لذا حكموا بالكراهة،و فيه نظر.و يحتمل كون الوجه فيها الخروج عن شبهة إطلاق القول بالمنع.

و يحتمل اختصاصه بصورة ما إذا منع القراءة مثلا،و المنع حينئذ متّفق عليه ظاهرا،و إن اختلفوا في انسحابه فيما إذا منع سماعها دونها،فقيل:

نعم (5).و هو الأظهر،و عليه الفاضلان و غيرهما (6)،لما في بعض المعتبرة «لا يحسب لك من القراءة و الدعاء إلاّ ما أسمعت نفسك» (7)مؤيّدا بالصحيح

ص:369


1- وجهه ما قيل من ظهور سياق الصحيح في الاختصاص بحال الصلاة.منه رحمه اللّه.
2- المقنعة:152،المبسوط 1:83،النهاية:98.
3- الأول:الفقيه 1:818/173،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 2. الثاني:الكافي 3:15/315،الفقيه 1:/173ذيل الحديث 818،التهذيب 2: 903/229،الاستبصار 1:1519/398،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 3.
4- الأول:التهذيب 2:901/229،الاستبصار 1:1517/397،الوسائل 4:423 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 5. الثاني:التهذيب 2:904/230،الوسائل 4:424 أبواب لباس المصلي ب 35 ح 6.
5- قال به الشهيد الثاني في روض الجنان:210.
6- المحقق في المعتبر 2:99،العلامة في المنتهى 1:234،و التذكرة 1:98،و انظر التهذيب 2:229،و المدارك 3:208.
7- الكافي 3:6/313 بتفاوت يسير،التهذيب 2:363/97،الاستبصار 1: 1194/320،الوسائل 6:96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1.

النافي للبأس عن اللثام إذا سمع الهمهمة (1).

و في الخلاف الإجماع على كراهة اللثام،قال:بل ينبغي أن يكشف عن جبهته موضع السجود (2).

و قيل:يكره الصلاة في قباء مشدود إلاّ في حال الحرب قال في التهذيب-بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة«لا يجوز»الظاهرة في التحريم-:ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه،و سمعناه من الشيوخ مذاكرة، و لم أعرف خبرا مسندا (3).

و ظاهره التردد كالماتن هنا،و الفاضل في التحرير و المنتهى،و الشهيدين في روض الجنان و الروضة و الذكرى (4)،و غيرهم من متأخّري أصحابنا،حيث اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين و المرتضى كما في جملة من العبارات (5)،أو مع زيادة كثير من الأصحاب كما في غيرها (6)،أو عن المشهور كما في الروضة و المدارك و الذخيرة و غيرها (7).

و هو حسن إن لم نتسامح في أدلّة الكراهة،و إلاّ فالكراهة أولى،و لذا صرّح الماتن بها في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيد في اللمعة

ص:370


1- راجع الرقم ص:364،الرقم(4)الصحيح الثاني.
2- الخلاف 1:508.
3- التهذيب 2:232.
4- التحرير 1:31،المنتهى 1:235،روض الجنان:210،الروضة 1:209،الذكرى: 148.
5- كالمعتبر 1:99،و المنتهى 1:235،و التحرير 1:31.
6- كروض الجنان:210،و جامع المقاصد 2:109.
7- الروضة 1:209،المدارك 3:208،الذخيرة:230،و انظر البيان:123،و بحار الأنوار 80:207.

و الدروس (1)،مع أن ظاهر المقنعة و صريح الوسيلة التحريم (2)،كما عن ظاهر المبسوط و النهاية (3)،فتقوّى الكراهة بالاحتياط في العبادة،و إن كان ظاهر الجماعة-عدا الفاضل في المختلف (4)-أنهم فهموا من العبارات المانعة الكراهة،حيث لم ينقلوا عنهم الحرمة،بل صرّحوا بنقل الكراهة.

و ذكر الشهيد في الذكرى-بعد نقل الكراهة عنهم و ذكر كلام التهذيب- أنه روت العامة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يصلّي أحدكم و هو متحزّم» (5)و هو كناية عن شدّ الوسط،و كرهه في المبسوط (6).

و اعترضه كثير منهم شيخنا الشهيد الثاني،فقال:و ظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء المشدود،و هو بعيد (7).

و فيه نظر،فإن ظاهر الاستدراك و إن أوهم ذلك،إلاّ أن نسبته بعد ذلك و في البيان (8)كراهة شدّ الوسط-الذي جعل الرواية كناية عنه-إلى المبسوط خاصة دون الجماعة ظاهرة في المغايرة بينه و بين القباء المشدود،و لذا جعلهما مكروهين-مؤذنا بتغايرهما-في الدروس،فقال:و يكره في قباء مشدود في غير

ص:371


1- الشرائع 1:70،الإرشاد 1:247،القواعد 1:28،اللمعة(الروضة البهية 1):209، الدروس 1:148.
2- المقنعة:152،الوسيلة:88.
3- المبسوط 1:83،النهاية:98.
4- المختلف:82.
5- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب العامّة،نعم في مسند أحمد 2:458:«لا يصلي الرجل إلاّ و هو محتزم»،و في سنن البيهقي 2:240،و نهاية ابن الأثير 1:479:نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم.
6- الذكرى:148.
7- روض الجنان:211.
8- البيان:123.

الحرب و مشدود الوسط (1).

أقول:و ما عزاه إلى المبسوط هو خيرته أيضا في الخلاف، قال:و يكره أن يصلّي و هو مشدود الوسط،و لم يكره ذلك أحد من الفقهاء،دليلنا إجماع الفرقة،و طريقة الاحتياط (2).

و هو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة،فقال:و يمكن الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية (3)،مشيرا بها إلى ما في الذكرى من الرواية النبوية.

و هو حسن.

قيل:و بكراهته يمكن أن يستدل على كراهية القباء المشدود بالفحوى، لأن كراهة الصلاة مع التحزّم الذي ليس فيه إلاّ قليل شدّ تستلزم كراهيتها في القباء المشدود الذي هو أكثر شدّا بطريق أولى.إلاّ أن يقال:إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم،و القياس بطريق أولى حجّة إذا كان الحكم في المقيس عليه مقبولا (4).

و فيه نظر،لعدم وضوح الأولوية بعد احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة،كما هو ظاهر الجماعة،و ليس كل متحزم عليه من نحو القميص و الرداء و غيرهما قباء،بل هو ثوب خاص،و عن نظام الغريب:أنه قميص ضيّق الكمين مفرج المقدّم و المؤخّر (5).

ثمَّ دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة الصلاة مع التحزّم قد عرفت ما فيها،لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه،مدّعيا في بعضها إجماعنا (6).

ص:372


1- الدروس:1:148.
2- الخلاف 1:509.
3- الروضة 1:210.
4- حاشية المدارك للبهبهاني(المدارك بالطبع الحجري:143).
5- حكى عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:192.
6- لم نعثر في كتب الشيخ على ما نسب إليه من كراهة شدّ الوسط،إلاّ ما في الخلاف من ادّعاء الإجماع على ذلك،كما مرّ في ص 366.و الناسب إلى الشيخ هو الشهيد في البيان:123.

نعم،لا يمكن أن يكون الأولوية سندا لجميع الفقهاء،بل لمن قال بكراهة الأصل من الفقهاء.

و في الذخيرة:أن الشيخ أورد في زيادات التهذيب خبرين دالّين على كراهيّة حلّ الأزرار في الصلاة (1)،فيمكن تخصيص كراهية الشدّ بما عدا الأزرار،أو تخصّ كراهية حلّ الأزرار بما إذا كان واسع الجيب (2).

و لعلّه فهم من القباء المشدود ما يعمّ المشدود بالأزرار،و لذا فهم التعارض بين الخبرين،و ما ذكروه من كراهة الصلاة في القباء المشدود.

و فيه نظر،لعدم صدق الشدّ على الزرّ بالإزار،و عليه فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من أحد التخصيصين.

و هنا

مسائل ثلاث
اشارة

مسائل ثلاث :

الاولى ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة

الأولى:ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة من النجاسة على تفصيل تقدم ذكره في كتابها،من أراده فليراجعه ثمة (3).

و أن يكون مملوكا للمصلّي عينا و منفعة،أو منفعة خاصّة أو مأذونا فيه للصلاة فيه،أو مطلقا بحيث يشملها،كالإذن صريحا،أو فحوى،أو بشاهد الحال إذا أفاد علما بالرضا المباح معه التصرف في مال الغير المنهي عنه من دونه شرعا،فلا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب كما مضى بيانه مفصّلا (4).

ص:373


1- التهذيب 2:1334/326،1476/357،1535/369،الوسائل 4:394 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 3،5.
2- الذخيرة:230.
3- راجع ص:90.
4- راجع ص:328.
الثانية يجب للرجل ستر قبله و دبره

الثانية:يجب ستر العورة في الصلاة مطلقا،و في غيرها إذا كان هناك ناظر محترم،بإجماع العلماء كافّة،كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (1)، و النصوص به مع ذلك مستفيضة،بل متواترة،منها:«عورة المؤمن على المؤمن حرام» (2).

و هو شرط في الصلاة عند علمائنا و أكثر العامة،كما صرّح به جماعة حدّ الاستفاضة (3)،و هو ظاهر جملة من المستفيضة الآتية في صلاة العراة منفردين و جماعة (4)،حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع و السجود و القيام بفقد الساتر،و لو لا كونه شرطا للصحة لما ثبت ذلك.

و هل شرطيته ثابتة مع المكنة على الإطلاق،أو مقيّدة بالعمد؟ الأصح الثاني،وفاقا للأكثر على الظاهر،المصرّح به في كلام بعض (5)، للأصل،و عدم دليل على الشرطية على الإطلاق،و خصوص الصحيح:عن الرجل يصلّي و فرجه خارج لا يعلم به،هل عليه الإعادة؟قال:«لا إعادة عليه و قد تمت صلاته» (6).

خلافا للإسكافي،فيعيد في الوقت (7).و لا دليل عليه،مع أن الشرطية إن ثبتت على الإطلاق وجب الإعادة مع تركه على الإطلاق.

ص:374


1- منهم:المحقق في المعتبر 2:99،و العلامة في التحرير 1:31،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:92،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:186.
2- انظر الوسائل 2:37 أبواب آداب الحمام ب 8.
3- منهم:المحقق في المعتبر 2:99،و العلامة في المنتهى 1:235،و التذكرة 1:92.
4- راجع ص:386-390.
5- كالمحدّث البحراني في الحدائق 7:5.
6- التهذيب 2:851/216،الوسائل 4:404 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.
7- كما حكاه عنه في المختلف:83.

و للشهيد قول آخر (1)لا أعرف وجهه،و إن استحسنه في المدارك بعد اختياره المختار (2)،و هو الفرق بين نسيان الستر ابتداء فيشترط،و عروض التكشّف في الأثناء فلا.

و يجب الستر بعد العلم بعدمه في الأثناء قولا واحدا.

و يجزي للرجل ستر قبله و دبره على الأشهر الأقوى،بل عليه عامة متأخّري أصحابنا،بل و متقدميهم أيضا،كما يفهم من الأصحاب،حيث لم ينقلوا الخلاف إلاّ عمن يأتي،مؤذنين بندورهما و شذوذهما،كما صرّح به الشهيدان في روض الجنان و الذكرى (3)،و في الخلاف و الغنية أن عليه إجماع الفرقة (4)،و في السرائر أن عليه إجماع فقهاء أهل البيت (5)،و هو الحجة.

مضافا إلى الأصل،و ظواهر النصوص المستفيضة،منها:«العورة عورتان:القبل و الدبر،و الدبر مستور بالأليتين،فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» (6).

و منها:عن الرجل بفخذه أو أليتيه الجرح،هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه و تداويه؟قال:«إذا لم يكن عورة فلا بأس» (7).

و منها:«الفخذ ليس من العورة» (8).

ص:375


1- انظر الذكرى:141،و البيان:125.
2- المدارك 3:191.
3- روض الجنان:215،الذكرى:139.
4- الخلاف 1:293،الغنية(الجوامع الفقهية):555.
5- السرائر 1:260.
6- الكافي 6:26/501،التهذيب 1:1151/374،الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
7- مسائل علي بن جعفر:269/166،الوسائل 20:233 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 130 ح 4.
8- الفقيه 1:253/67،الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 4.

و في آخر:«أن الركبة ليست من العورة» (1).

و قصور الأسناد و الدلالة في بعضها مجبور بالشهرة،و عدم قائل بالفرق بين الطائفة.

و ستر ما بين السرة و الركبة أفضل كما هو المشهور،بل في الخلاف الإجماع عليه (2).

و أوجبه القاضي (3)،و لعله للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري:

«إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها،و العورة ما بين السرة و الركبة» (4).

و فيه-مع عدم وضوح السند،و عدم المقاومة لما مرّ-ظهوره في عورة الأمة لا الرجل،أو العورة المطلقة على بعد،فهو على التقديرين مخالف للإجماع فتوى و نصا.

على أن المرأة مطلقا جميع جسدها عورة إلاّ الوجه و ما شابهه مما سيأتي إليه الإشارة (5).

و تقييده بالرجل بعيد عن سياقه،و لو سلّم فلا يبعد حمله على التقية،فإن القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين، و أصحاب الرأي و أكثر الفقهاء (6)،و يعضده أن الراوي حسين بن علوان و هو عامي.

و في الخبر:أن أبا جعفر عليه السلام اتّزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرّته،ثمَّ

ص:376


1- لم نعثر عليه في كتب الحديث،و رواه بهذا المتن في الذكرى:139 عن محمد بن حكيم، و لكن ما روي عنه في التهذيب 1:1150/374 هكذا:«إن الفخذ ليست من العورة».انظر الوسائل 2:34 أبواب آداب الحمّام ب 4 ح 1.
2- الخلاف 1:394.
3- المهذّب 1:83.
4- قرب الإسناد:345/103،الوسائل 21:148 أبواب نكاح العبيد ب 44 ح 7.
5- في ص 373.
6- المنتهى 1:236.

أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار،ثمَّ قال:«اخرج عنّي»ثمَّ طلى هو ما تحته بيده،ثمَّ قال:«هكذا فافعل» (1).

و فيه دلالة على استحباب ستر الركبة أيضا،كما عن ابن حمزة (2).

و إنما حمل على الفضيلة لما مرّ من الأدلّة؛مضافا إلى أنه روي-في مثل هذه الحكاية التي تضمنها-:أنه عليه السلام كان يطلي عانته و ما يليها، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (3).

و ربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من السرة إلى نصف الساق (4).

و فيه نظر،فإن المحكي عنه في المختلف موافقته للقاضي،إلاّ أنه قال:

و لا يمكن ذلك إلاّ بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع و السجود (5).

و هو-كما ترى-ظاهر في موافقته القاضي.و إيجابه الستر إلى نصف الساق لا ينافيه،لظهور عبارته في أنه من باب المقدمة لا من حيث كون الركبة فما دونها من العورة،و لعلّه لذا ادعى الفاضلان الإجماع على أن الركبة ليست من العورة في المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة (6)،فلا وجه لتلك الحكاية.

و المراد بالقبل هو:القضيب و البيضتان دون العانة،و بالدبر:نفس المخرج دون الأليين-بفتح الهمزة و الياء بغير تاء،كما قيل (7)،تثنية الألية بالفتح أيضا-كما صرح به جماعة (8)،من غير خلاف بينهم أجده إلاّ من الفاضل في

ص:377


1- الكافي 6:22/501،الوسائل 2:67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.
2- الوسيلة:89.
3- الكافي 6:7/497،الفقيه 1:250/65،الوسائل 2:68 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 2.
4- حكاه عنه الشهيد في الذكرى:140.
5- المختلف:83،و انظر الكافي في الفقه:139.
6- المعتبر 2:100،المنتهى 1:236،التحرير 1:31،التذكرة 1:92.
7- مجمع البحرين 1:29.
8- منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع:65،و الشهيد الأول في الذكرى:139،و السبزواري في الكفاية:16.

التحرير،فظاهره التردد في جعل البيضتين من القبل (1)،و هو شاذّ يردّه أول المستفيضة (2)،مع شهادة العرف بأنهما من العورة.

و ستر جسده كله مع الرداء أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين أكمل كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء (3).

و لا تصلّي الحرة إلاّ في درع و خمار ساترة بهما جميع جسدها عدا الوجه و الكفّين بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه و المستثنى إلاّ من الإسكافي في الأول،فلم يوجب عليها إلاّ ستر سوأتيها القبل و الدبر كالرجل (4).و هو شاذّ مخالف لإجماع العلماء على كون جميع جسدها عورة من غير استثناء،كما في المنتهى (5)،أو مع استثناء الوجه خاصّة كما عن المعتبر و التذكرة (6)،أو مع الكفّين و القدمين،كما في الذكرى،قال:اقتصارا على المتّفق عليه فيما بين جميع العلماء (7).

و حيث ثبت كونها بجميعها أو ما عدا المستثنى عورة وجب عليها سترها، لإجماع العلماء على وجوب ستر العورة مطلقا،كما مضى،مع النصوص الدالة على ذلك أيضا (8).

هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة،قال:«درع و ملحفة تنشرها على رأسها و تجلل بها» (9).

ص:378


1- التحرير 1:31.
2- تقدّمت في ص:370.
3- راجع ص:354.
4- كما حكاه عنه في المختلف:83.
5- المنتهى 1:236.
6- المعتبر 2:101،التذكرة 1:92.
7- الذكرى:139.
8- راجع ص:369.
9- التهذيب 2:853/217،الاستبصار 1:1478/388،الوسائل 4:407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

و فيه:«المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا»يعني ستيرا (1).

بل يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة تضمّها عليها زيادة على الدرع و الخمار،كما في الصحيح (2)،و نحوه الموثق:«تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب:

إزار و درع و خمار،و لا يضرّها بأن تقنّع بالخمار،فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنّع بالآخر» (3)الخبر.

و حمله الشيخ على الفضل أو على كون الدرع و الخمار لا يواريان شيئا (4).

و لا بأس به،جمعا بينهما و بين الصحيحين الظاهرين في كفاية الخمار و الدرع إذا كان ستيرا (5)،و نحوهما غيرهما،كالخبر:عن المرأة تصلي في درع و ملحفة ليس عليها إزار و لا مقنعة،قال:«لا بأس إذا التفّت بها،و إن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا» (6).

و من (7)صريح الاقتصاد و ظاهر الجمل و العقود و الغنية (8)-فيما حكي- في استثناء الكفين،فأوجبوا سترهما،و لعلّه للمعتبرين السابقين الدالّين على

ص:379


1- الفقيه 1:1081/243،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 3.
2- التهذيب 2:860/218،الاستبصار 1:1484/390،الوسائل 4:407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.
3- الكافي 3:11/395،التهذيب 2:856/217،الاستبصار 1:1480/389،الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.
4- كما في التهذيب 2:219.
5- الأول:المتقدم في نفس الصفحة الرقم(1). الثاني: الكافي 3:2/394،التهذيب 2:855/217،الوسائل 4:406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 7.
6- الفقيه 1:1084/244،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 5.
7- عطف على قوله:الإسكافي،في ص 373.
8- الاقتصاد:258،الجمل و العقود(الرسائل العشر):176،الغنية(الجوامع الفقهية):555.

لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين،و ضمّها عليها يستلزم سترهما.

و قد عرفت ما فيهما،مضافا إلى الإجماع المحكي في المختلف و المنتهى و شرح القواعد للمحقق الثاني و الذكرى (1)على عدم وجوب سترهما، بل ظاهر الأخيرين كونه مجمعا عليه بين العلماء إلاّ نادرا من العامة العمياء.

فإيجاب سترهما ضعيف،سيّما مع مخالفته الأصل،و عدم معلومية كونهما عورة ليجب سترهما،لعدم دليل عليه إلاّ الإجماع المحكي في المنتهى و غيره (2)على كونها جملة عورة،و هو عام مخصّص بما مرّ من الإجماع المحكي فيها أيضا على عدم وجوب سترهما.

مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة فيها ما عدا المستثنيات خاصّة، مؤذنا بعدم كونها عورة،كما صرّح به الفاضل في المختلف و غيره (3)،بل هو المشهور فتوى و رواية لكن في الوجه و الكفين خاصة،حيث جوّزوا النظر إليهما للأجنبي في الجملة أو مطلقا،كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصّلا إن شاء اللّه تعالى،و لذا لا يتأتّى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع، لمكان الخلاف.

نعم،في جملة من النصوص العامية و الخاصية ما يدل عليه (4)،لكنها بحسب السند قاصرة.و دعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلّية،بل هي جابرة في الجملة.

و أضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب الثلاثة بعد الاقتصاد (5):من

ص:380


1- المختلف:83،المنتهى 1:236،جامع المقاصد 2:96،الذكرى:139.
2- المنتهى 1:236،و انظر جامع المقاصد 2:96.
3- المختلف:83،و انظر المعتبر 2:101،و جامع المقاصد 2:96،و البحار 80:179.
4- سنن الترمذي 2:1183/319،و انظر الوسائل 20:66 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 24 ح 4،6،و ص 234 ب 131 من تلك الأبواب ح 1.
5- راجع ص:374،و الكتب التي بعد الاقتصاد ليست ثلاثة،بل اثنان و هما:الجمل و العقود، و الغنية.

لزوم ستر الوجه أيضا،لمخالفته-زيادة على ما مرّ-لإجماع العلماء،كما عن المعتبر و الذكرى و المختلف و التذكرة و غيرها (1)،من دون أن يستثنوا أحدا، و لعله لبعد دخول الوجه في إطلاق تلك الكتب.بل في السرائر حكى استثناء الثلاثة عن الجمل و العقود و الخلاف (2)،و عبارة الأخير غير صريحة إلاّ في استثناء الوجه خاصّة،مدّعيا الإجماع عليه،نعم روى نحو الصحيحين السابقين الدالين على كفاية الدرع و الخمار (3)و أفتى به صريحا،و هما لا يستران الكفّين و لا القدمين،كما صرّح به الأصحاب،مستدلّين بهما لذلك على استثناء القدمين أيضا،هذا.

و ما مر من الأدلّة في كراهة النقاب للمرأة (4)أقوى حجة على استثناء الوجه،بل يستفاد منها كونه على الفضيلة.

و في استثناء القدمين تردّد و اختلاف بين الأصحاب:

فبين غير مستثن كالاقتصاد و الكتب التي بعده (5)،صريحا في الأوّل، و ظاهرا فيها،و ربما نسب إلى الحلبي أيضا،و فيه نظر،بل ظاهر كلامه بالدلالة على الاستثناء أظهر (6).

و مستند هذا القول ما مرّ من المعتبرين (7)،مضافا إلى الاحتياط في العبادة،

ص:381


1- المعتبر 2:101،الذكرى:139،المختلف:83،التذكرة 1:92،و انظر جامع المقاصد 2:96،و روض الجنان:217.
2- السرائر 1:260،و هو في الجمل و العقود(الرسائل العشر):176،و الخلاف 1:393.
3- راجع ص:371-373.
4- في ص:362.
5- راجع ص:374،و ص 375 الهامش(5).
6- الكافي في الفقه:139.و عبارته هكذا:أقلّ ما يجزى الحرّة البالغة درع سابغ إلى القدمين و خمار.
7- راجع ص 374.

و كون جسدها عورة،و خصوص الصحيح:عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟قال:«تلتفّ فيها و تغطّي رأسها و تصلّي،فإن خرجت رجلها و ليست تقدر على غير ذلك فلا بأس» (1).

و بين من استثنى و جعل أشبهه الجواز أي جواز الصلاة من غير سترهما،و هم عامّة متأخّري أصحابنا،وفاقا للمبسوط و الحلي (2)،و ادعى جماعة عليه الشهرة و الأكثرية المطلقة إلى حدّ الاستفاضة (3).

للنصوص المكتفية بالدرع[و الخمار]بالتقريب الذي عرفته (4)،مع ضعف ما قابلها من الأدلّة المتقدّمة بما عرفته،عدا الاحتياط و الرواية الأخيرة.

و يمكن الجواب عنهما بعدم إفادة الأوّل سوى الاستحباب،كما هو ظاهر الأصحاب،سيّما مع ظهور ما مرّ من النصوص في عدم لزوم سترهما، و بالجملة فيعارض بالأصل،و النصوص المزبورة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة.

و الرواية و إن كانت صحيحة لكنها غير صريحة في المخالفة،بل و لا ظاهرة،لأن المفهوم منها البأس،و هو أعم من المنع و الكراهة،و لا شبهة فيها، مع احتمال الرجل فيها ما فوق القدم أو مجموعهما.و على تقدير الظهور في المنع و القدم خاصّة يمكن حملها على الاستحباب،جمعا بينها و بين النصوص المكتفية بالدرع[و الخمار]الظاهرة في عدم لزوم سترهما بالتقريب المتقدم.

و ما يقال عليه:من أن ذلك يتم لو علم من ثياب النساء في وقت خروج

ص:382


1- الفقيه 1:1083/244،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2.
2- المبسوط 1:87،الحلي في السرائر 1:260.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:96،و الشهيد الثاني في روض الجنان:217، و العلامة المجلسي في البحار 80:179،و صاحب الحدائق 7:7.
4- راجع ص:374.

هذه الأخبار كانت على ما يدّعونه من عدم سترها الكفين و القدمين،و لم لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهنّ و أقدامهنّ،كما هو مشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز،بل أكثر بلدان العرب.

فيمكن دفعه بأن ما ذكر من الاحتمال و إن كان ممكنا إلاّ أن ورود الروايات عليه بعيد جدّا،و لذا لم يحتمله أحد من الأصحاب فيها،بل استدلّوا بها من دون تزلزل أصلا مع أنهم أكثر اطّلاعا و علما بثياب نساء العرب في زمانهم و زمان صدور الروايات جدّا.

و الذي نشاهد من نساء العرب في زماننا هذا عدم ستر دروعهنّ لأقدامهنّ أصلا و لو كانت واسعة ذيلا،بل لو زاد السعة إلى جرّ الأذيال على الأرض لم تستر الأقدام بجميعها،بل يبدو منها شيء و لو رؤوسها،سيّما حالة المشي.

و منه يظهر الجواب و لو سلم ورود تلك الروايات على ذلك الاحتمال، لأنها تدل حينئذ أيضا على عدم لزوم ستر جزء من القدمين،و لا قائل بالفرق في البين،فتأمّل جدّا .

هذا،مع أن ورود الروايات على ذلك الاحتمال يستلزم الدلالة على لزوم ستر جميع الكفّين و القدمين،و هو كمال الستر الواجب إجماعا،مع أنّ في بعض الصحاح المتقدمة (1)كون القميص و الدرع أدنى ما تستر به المرأة عورتها، و لا يخفى التنافي بينهما.

و لو سلّم عدم المنافاة قلنا:يكفي في ردّ هذا الاحتمال-زيادة على ما مرّ-دلالة النصوص (2)الآتية في بحث النكاح-تفسيرا ل:«ما ظهر منها»في الآية الشريفة وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها [1] (3)بأنه الوجه و الكفّان،و زيد

ص:383


1- في ص:374.
2- انظر الوسائل 20:200 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 109.
3- النور:31.

في بعضها القدمان أيضا،و ظاهر الكليني القول به (1)،و إن لم أقف على من عداه قائلا به-على خلافه،و هو كون الوجه و الكفّين و القدمين من مواضع الزينة الظاهرة،و لم يتمّ ذلك إلاّ على تقدير كون دروعهن يومئذ غير ساترة للمواضع المزبورة.

و بالجملة:فما عليه المتأخّرون كافّة في غاية القوّة،سيّما مع إمكان إثباته بوجه آخر،و هو عدم القائل بالفرق بين الكفّين و القدمين منعا و جوازا-كما يستفاد من تتبّع الفتاوى-عدا الماتن،حيث فرّق بينهما،فحكم بالاستثناء في الأوّلين قطعا،و في الأخيرين متردّدا،و لكن أثر هذا التردّد هيّن بعد التصريح بعده بالجواز كما عليه الأصحاب.و حيث ثبت عدم القول بالفرق توجّه إلحاق القدمين بالكفّين في الاستثناء،لثبوته فيهما بما قدّمناه من الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة،فثبت الاستثناء في القدمين أيضا لما عرفت من عدم القائل بالفرق أصلا.

ثمَّ إن ظاهر العبارة-ككثير،و صريح جماعة (2)-عدم الفرق في القدمين بين ظاهرهما و باطنهما.و لعلّه الأقوى،للأصل،و عدم دليل على وجوب ستر باطنهما عدا:دعوى كون القدمين عورة،خرج الظاهر بظواهر النصوص المكتفية بالدرع و الخمار (3)و كونه مجمعا عليه بين القائلين بالجواز،و يبقى الباطن داخلا،لكونه مستورا بالأرض حالة القيام،و بالدرع حالة الجلوس و السجود،و إنما ينكشف عن الدرع الظاهر في الحالة الاولى،فلا يمكن إدخاله في ظاهر النصوص المزبورة جدّا.

ص:384


1- الكافي 5:521.
2- منهم الشهيد الأول في الدروس 1:147،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:97،و الشهيد الثاني في روض الجنان:217.
3- المتقدمة في ص:374.

كما لا يمكن دعوى الوفاق من القائلين بالجواز عليه أيضا،لمكان الخلاف و مصير جمّ غفير إلى وجوب ستر الباطن لذلك.

و قد عرفت ما فيها.

مع إمكان المناقشة في دعوى عدم دخوله في النصوص المخرجة للظاهر،بناء على انكشاف الباطن عن الدرع الذي ينكشف عنه الظاهر حالة المشي جدّا،و لعلّه لذا جعل القدمان بقول مطلق من مواضع الزينة الظاهرة في بعض الروايات (1).

و لكن الأحوط ستره،بل ستر الظاهر،بل الكفّين أيضا،مع تفاوت مراتبه شدّة و ضعفا.

و أما ستر الشعر و العنق فظني كونه مجمعا عليه،و إن تأمّل فيه نادر (2)، لشذوذه،و مخالفته لإطلاق النصوص و الفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة، و قد مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافة من غير استثناء لهما بالمرة و إن استثنوا غيرهما كما عرفته (3).و المراد من البدن ما يعمّ الشعر،لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّا،و لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه،لستر الشعر جلد الرأس جدّا،فكان فيه غنى عن الخمار الساتر قطعا.

و مع ذلك النصوص مستفيضة-كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة- بلزوم سترهما عن الأجنبي،بل في الصلاة أيضا،كما مرّ في أخبار الخمار (4)، فإن خمر نساء العرب اللواتي هنّ موردها تسترهما قطعا،و ليس الأمر بسترهما

ص:385


1- الكافي 5:2/521،الوسائل 20:201 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 109 ح 2.
2- انظر المدارك 3:189،و الكفاية:16.
3- راجع ص:373.
4- في ص:374.

عن الأجنبي إلاّ لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة،كما عرفت نقله من جماعة حدّ الاستفاضة.

مضافا إلى التأييد ببعض المعتبرة:«صلّت فاطمة عليها السلام في درع و خمار،و ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها» (1).بل ربما استدل به على ذلك.

و أما الاستدلال به على عدم لزوم ستر العنق (2)فضعيف في الغاية، لقصور السند،و عدم المقاومة لما مرّ من الأدلّة،مع احتمال ضعف في الدلالة بوروده مورد الضرورة،بل قيل:بأنها ظاهرة (3)،و لا يخلو عن مناقشة.

بل يمكن أن يقال:إن المراد بقوله:«ليس عليها أكثر»إلى آخره،بيان عدم وجوب نحو الإزار زيادة عن الخمار و الدرع،و إلاّ لالتفّت بها صلوات اللّه عليها،و ليس فيه أنه ما كان على رأسها من الخمار إلاّ قدر قليل تستر به الشعر الذي فوق الأذنين خاصة،بل ظاهر قوله:«وارت شعرها»كون خمارها عليها السلام كالخمر المتعارفة أو دونها بحيث يستر الشعر المنسدل على الكتفين و العنق غالبا،و ليس فيه أنها عليها السلام جمعت الشعر كله تحت ذلك الخمار،و حينئذ يكون الخمار المزبور ساترا للعنق أيضا،لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره قطعا،فتأمّل جدّا .

و الأمة و الصبية غير البالغة تجتزيان بستر الجسد خاصة، و لا يجب عليهما ستر الرأس إجماعا من العلماء كافة إلاّ الحسن البصري،كما

ص:386


1- الفقيه 1:785/167،الوسائل 4:405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1 و فيهما:و خمارها على رأسها.
2- كما في المدارك 3:190.
3- كما في الحدائق 7:14.

حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني (1).

و الصحاح به مع ذلك مستفيضة،مضافا إلى غيرها من المعتبرة (2)،لكن أكثرها مختصّة بالأمة.

و أما الصبيّة فقد استدل على عدم الوجوب في حقها جماعة (3)بأنه تكليف و ليست من أهله.

و بالموثق:«لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس» (4)بحمله على الصغيرة.

و فيهما نظر،لضعف الأوّل بابتنائه على كون المراد بالوجوب الشرعي لا الشرطي ،و يحتمل الثاني و هي من أهله،و يكون حال الستر في حقها كاشتراط الوضوء و غيره في صلاتها.

و الثاني:بظهوره في البالغة،كما يحكى القول بمضمونه عن الإسكافي (5)؛نظرا إلى تضمنه لفظ المرأة التي لا تطلق حقيقة إلاّ على البالغة.

و حمله على الصغيرة و إن أمكن-جمعا بينه و بين الأدلّة المتقدّمة على وجوب ستر الرأس على الحرة البالغة،لرجحانها عليه من وجوه عديدة،و بها يضعف مذهب الإسكافي-إلاّ أن الجمع غير منحصر في ذلك،لاحتماله الحمل على

ص:387


1- الخلاف 1:396،المحقق في المعتبر 2:103،العلامة في المنتهى 1:237،الشهيد الأول في الذكرى:140،الشهيد الثاني في روض الجنان:217،المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98.
2- الوسائل 4:409 أبواب لباس المصلي ب 29.
3- منهم:الشيخ في التهذيب 2:218،و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.
4- التهذيب 2:857/218،الاستبصار 1:1481/389،الوسائل 4:410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 5.
5- نقله عنه في المختلف:83.

الضرورة،أو التخلّي عن الإزار و الملحفة.أو على أن المراد أنه لا بأس بها أن تكون بين يدي المصلي مكشوفة الرأس و يكون صيغة«تصلّي»خطابا لا غيبة.

و الأجود الاستدلال عليه بالأصل،و عدم دليل على اشتراط الستر في حقها،لظهور ما دلّ على اشتراط الستر في ستر ما هو عورة خاصة،و كون رأس الصبية قبل البلوغ عورة غير معلوم من الشريعة.

هذا،مضافا إلى الإجماع المحكيّة (1)،و في الخبر:«على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار،إلاّ أن تكون مملوكة فإنه ليس عليه خمار إلاّ أن تحبّ أن تختمر،و عليها الصيام» (2).

و لا فرق في الأمة بين المملوكة،و المدبّرة،و المكاتبة المشروطة، و المطلقة التي لم تؤدّ شيئا من المكاتبة،و أمّ الولد مطلقا و لو كان ولدها حيّا و سيّدها باقيا،كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها و أكثر النصوص،و به صرّح جماعة،و منهم الشيخ في الخلاف،لكن في أمّ الولد خاصّة،مدّعيا عليه إجماع الإماميّة (3)،و هو الحجة بعد الإطلاقات.

مضافا إلى الصحيح:«ليس على الأمة قناع في الصلاة،و لا على المدبّرة،و لا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة،و هي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها»إلى أن قال:و سألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال:«لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت،و ليس عليها التقنّع في الصلاة» (4).

و أما الصحيح:الأمة تغطّي رأسها؟فقال:«لا،و لا على أمّ الولد أن

ص:388


1- المتقدمة في ص:381.
2- التهذيب 4:851/281،الوسائل 4:409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3.
3- الخلاف 1:397.
4- الفقيه 1:1085/244،1086،علل الشرائع:3/346،الوسائل 4:411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 7.

تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد» (1).

فمع قصوره عنه المقاومة لما سبق من وجوه،دلالته بعموم المفهوم القابل للتخصيص بما بعد وفاة المولى مع كون ولدها حيا.و يحتمل مع ذلك الحمل على التقيّة،فقد حكاه في الخلاف عن مالك و أحمد (2).

و يلحق العنق بالرأس هنا في عدم وجوب الستر،كما صرّح به جماعة (3)، لأنه الظاهر من نفي وجوب الخمار عليهن،قيل:و لعسر ستره من دون الرأس (4).

أقول:و يدلّ عليه صريح الخبر المروي في قرب الإسناد:عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟قال:«لا بأس» (5).

و ستر الرأس مع ذلك أفضل كما عليه الفاضلان هنا و في المعتبر و التحرير و المنتهى،و حكي عن صريح ابني زهرة و حمزة و الجامع و شرح الكتاب و التذكرة و ظاهر المهذب و المراسم (6).قيل:لأنه أنسب بالخفر و الحياء،و هو مطلوب من الإماء كالحرائر (7).

ص:389


1- التهذيب 2:859/218،الاستبصار 1:1483/390،الوسائل 4:410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 4.
2- الخلاف 1:398.
3- منهم:المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:98،و صاحب المدارك 3:199،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188،و صاحب الحدائق 7:19.
4- قال به صاحب المدارك 3:199،و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.
5- قرب الإسناد:876/224،الوسائل 4:412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 10.
6- المعتبر 2:103،التحرير 1:31،المنتهى 1:237،ابن زهرة في الغنية(الجوامع الفقهية):555،ابن حمزة في الوسيلة:89،الجامع للشرائع:65،شرح الكتاب،هو أحد شروح النافع،و لا نعلم أيّ شرح أراد منه،التذكرة 1:93،المهذّب 1:84،المراسم: 64.
7- كما قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:188.

و لا بأس به على القول بالمسامحة في السنن و أدلّتها،و يشكل على غيره، لقصور التعليل عن إفادة الحكم الشرعي على هذا التقدير،مع عدم نص فيه (1) كما اعترف به الفاضلان في المعتبر و المنتهى و التحرير و غيرهما (2).و لذا اختار جماعة العدم (3)،بل و في الدروس روى استحبابه و أشار بها إلى ما رواه في الذكرى (4)،و روي عن المحاسن و العلل للصدوق-رحمه اللّه-أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت؟قال:«لا،قد كان أبي عليه السلام إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة» (5).

أقول:و ظاهره التحريم كما هو ظاهر الصدوق (6).و لكنه ضعيف، لضعف السند بالجهالة،مع احتمال الحمل على التقية كما يشعر به نسبته ضربهن إلى أبيه عليه السلام،و يعضده نقل ذلك عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنّعة و قال:اكشفي و لا تشبّهي بالحرائر (7).

و منه يظهر ضعف القول باستحباب الكشف أيضا،لظهور الخبر في الوجوب مع عدم قابليّته للحمل على الندب بطريق الجمع،لمكان الضرب الذي لا يفعل بتارك المستحب،فلم يبق محمل له غير التقية،كما يستفاد مما

ص:390


1- في«ح»زيادة:بخصوصه.
2- المعتبر 2:103،المنتهى 1:237،التحرير 1:31،و انظر المدارك 3:199،و كشف اللثام 1:188.
3- كالشهيد الثاني في روض الجنان:217،و صاحب المدارك 3:199،و انظر الذكرى:140.
4- الدروس 1:147،الذكرى:140،الوسائل 4:412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 11.
5- المحاسن:45/318،علل الشرائع:2/345،الوسائل 4:411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 9.
6- علل الشرائع:345 ب 54.
7- انظر المغني و الشرح الكبير 1:674.

مر.

مضافا إلى المروي في الذكرى:عن الأمة تقنّع رأسها؟فقال:«إن شاءت فعلت و إن شاءت لم تفعل،سمعت أبي يقول:كنّ يضربن فيقال لهن:لا تشبّهن بالحرائر» (1).

و ظاهره التسوية كباقي النصوص النافية لوجوب التقنّع عنهن.و يمكن حملها على التسوية في الإجزاء،فلا ينافي فضيلة الستر،كما هو المشهور بين الطائفة.

الثالثة يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة

الثالثة:يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة كالحشيش و ورق الشجر و الطين بلا خلاف فيه بيننا في الجملة،و إن اختلف في جواز الستر بالحشيش و ما بعده مطلقا،كما في ظاهر العبارة و غيرها،أو بشرط فقد الثوب و إلاّ فتعين.و لا دليل على شيء منهما يعتدّ به،و لا ريب أن الثاني أحوط،و أحوط منه عدم الستر بالطين إلاّ مع فقد سابقيه،بل قيل بتعينه (2).

و لو لم يجد المصلي ساترا مطلقا لم يسقط عنه الصلاة إجماعا كما في المنتهى و الذكرى و غيرهما (3)،بل صلّى عاريا قائما موميا للركوع و السجود،جاعلا الإيماء فيه أخفض منه في الأوّل.

و قوله إذا أمن المطّلع -يعني الناظر المحترم-شرط لقوله:قائما، بدلالة قوله و مع وجوده أي المطّلع يصلّي جالسا موميا للركوع و السجود على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخّر إلاّ من ندر (4).

للمرسل كالصحيح:في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة،قال:

ص:391


1- تقدّم مصدره في ص 385 الهامش(4).
2- قرّبه الشهيد في الذكرى:141.
3- المنتهى 1:238،الذكرى:141،و انظر المدارك 3:194.
4- انظر المدارك 3:195.

«يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد،فإن رآه أحد صلّى جالسا» (1).و نحوه غيره (2).

و به يجمع بين النصوص الآمرة بالقيام مطلقا،كالصحيح:«و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (3).

و الصحيح:«و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّي قائما» (4).

و الآمرة بالجلوس كذلك كالصحيح:«يصلّي إيماء،و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها،و إن كان رجلا وضع يده على سوأته،ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما،تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما» (5).

و الصحيح:عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة قال:«يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» (6)و نحوه الموثق (7).

بحمل الأوّلة على صورة الأمن من المطّلع و الأخيرة على غيرها،مع ظهور الأخيرين منها فيه جدّا.

خلافا للمرتضى،فأطلق الأمر بالجلوس في المصباح و الجمل، كالصدوق في الفقيه و المقنع،و الشيخين في المقنعة و التهذيب فيما حكي

ص:392


1- التهذيب 2:1516/365،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 3.
2- الفقيه 1:793/168،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 5.
3- التهذيب 2:1515/365،الوسائل 4:448 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1.
4- الفقيه 1:782/166،التهذيب 2:1519/366،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 4.
5- الكافي 3:16/396،التهذيب 2:1512/364،الوسائل 4:449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6.
6- التهذيب 2:1513/365،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.
7- التهذيب 2:1514/365،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.

عنهم (1)،أخذا بالأخبار الأخيرة.

و فيه ما عرفته،مضافا إلى مخالفته الأصول الدالة على وجوب القيام، السليمة عن المعارض في صورة الأمن من المطّلع.

و للحلّي،فعكس (2)،و أخذ بالأخبار الأوّلة،و الأصول المزبورة.

و في الأخبار:ما عرفته،و في الأصول:إنها معارضة في صورة عدم الأمن من المطّلع بما دلّ من الأصول الأخر على لزوم الستر عن الناظر المحترم، و بعد التعارض لا بدّ من الترجيح،و هو مع الأخيرة،للشهرة المرجّحة،مضافا إلى الأخبار الأخيرة و الرواية المفصّلة.مع أنه شاذّ لم ينقل خلافه جماعة ،بل ادّعى في الخلاف على خلافه-و هو لزوم الجلوس مع عدم الأمن من الناظر- إجماع الإمامية (3).

و للمعتبر و بعض من تأخر (4)،مخيّرا بين الأمرين،لتعارض الأخبار من الطرفين،و عدم مرجّح لأحد المتعارضين،مع ضعف المفصّلة.

و فيه نظر،لانجبار الضعف بما مرّ،مضافا إلى عمل الأكثر،مع أنها مروية في المحاسن بطريق صحيح (5)،و إن قيل فيه أيضا شائبة الإرسال (6).

و اعلم:أن النصوص الآمرة بالإيماء للركوع و السجود في كل من حالتي القيام و الجلوس زيادة على ما مر كثيرة،مع التصريح في جملة منها بكونه

ص:393


1- حكاه عن المصباح في المعتبر 2:104،جمل العلم و العمل«رسائل السيد المرتضى 3:» 49،الفقيه 1:296،المقنع 36،المقنعة:216،التهذيب 3:178،و حكاه عن الجميع في كشف اللثام 1:189.
2- السرائر 1:260.
3- الخلاف 1:400.
4- المعتبر 2:105،و انظر المدارك 3:195.
5- المحاسن:135/372،الوسائل 4:450 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7.
6- كشف اللثام 1:189.

بالرأس،و جعله للسجود أخفض منه للركوع (1)،و به صرح أكثر الأصحاب من غير خلاف يعرف،إلاّ من ابن زهرة،فنصّ على أن الإيماء إذا صلّى جالسا، فإن صلّى قائما ركع و سجد (2).

و نحوه عن الفاضل في النهاية،لكن متردّدا في الأخيرة مستقربا الإيماء فيه أيضا (3).

قيل:و وجه فرقهما بين الحالتين الأمن حال القيام (4)،فلا وجه لترك الركوع و السجود،بخلاف حالة الجلوس لعدم الأمن فيها.

و فيه-بعد تسليمه-أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.

و الديلمي،فلم يذكره أصلا (5).و كذا الشيخ و ابن حمزة و القاضي،فلم يذكروه أيضا إلاّ في صلاة العراة جماعة،فأوجبوا الإيماء على الإمام خاصّة (6)،قيل:و عليه الإصباح و الجامع (7).

للموثق:«يتقدّمهم إمامهم يجلس و يجلسون خلفه،فيومئ بالركوع و السجود،و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (8).

و رجّحه الفاضلان في المعتبر و المنتهى،و الشهيد في الدروس (9)،لقوّة الموثّق.قال في المنتهى:لا يقال:إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلّي

ص:394


1- الوسائل 4:448 أبواب لباس المصلي ب 50.
2- الغنية(الجوامع الفقهية):561.
3- نهاية الإحكام 1:368.
4- كشف اللثام 1:190.
5- المراسم:77،87.
6- الشيخ في النهاية:130،ابن حمزة في الوسيلة:107،القاضي في المهذّب 1:116.
7- حكي عنهما في كشف اللثام 1:190،و انظر الجامع للشرائع:91.
8- التهذيب 2:1514/365،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.
9- المعتبر 2:107،المنتهى 1:240،الدروس:1:149.

بالإيماء،لأنّا نقول:إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطّلع،و هو مفقود هاهنا،إذ كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع و السجود.

و في الذكرى:أن الظاهر اختصاص الحكم بأمنهم المطّلع،و إلاّ فالإيماء لا غير،و اطّلاع بعضهم على بعض غير ضائر،لأنهم في حيّز التستّر باعتبار التضامّ و استواء الصفّ،قال:و لكن يشكل بأن المطّلع هنا إن صدق وجب الإيماء و إلاّ وجب القيام.و يجاب:بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار القيام (1)،فكأنّ المطّلع موجود حالة القيام و غير معتدّ به حال الجلوس (2).

و أوجب المفيد و المرتضى و الحلي (3)الإيماء على الجميع،كما يقتضيه إطلاق العبارة و كثير،بل ادّعى الأخير عليه الإجماع،لعموم أدلّته و كثرتها،و منها الصحيحة الاولى من الأخبار الأخيرة (4)،فإنها ظاهرة في المنع عن الركوع و السجود مطلقا،و إن اختص ظاهر موردها بصلاة المنفرد،لعموم التعليل فيها بقوله:«فيبدو ما خلفهما»و هو ظاهر في أن علّة المنع إنما هو بدوّ الخلف،و لا يختلف فيه الحال في الجماعة و الانفراد،و هي أصح من الموثقة (5)،معتضدة بإطلاق غيرها أيضا،مع إطلاق كثير من الفتاوى و صريح جملة منها،فالعمل بها أقوى.

قال في الذكرى-معترضا على الموثقة-:إنه يلزم من العمل بها أحد

ص:395


1- في المصدر:الاطّلاع.
2- الذكرى:142.
3- المفيد في المقنعة:216،المرتضى في جمل العلم و العمل«رسائل السيد المرتضى 3:» 49،الحلي في السرائر 1:260.
4- المتقدمة في ص:387.
5- المتقدمة في ص:389.

الأمرين،إما اختصاص المأمومين بعدم الإيماء مع الأمن،أو عمومه لكل عار أمن،و لا سبيل إلى الثاني،و الأوّل بعيد (1).

قلت:مع احتمال ركوعهم و سجودهم بوجوههم فيها ركوعهم و سجودهم على الوجه الذي لهم،و هو الإيماء،و لذا نقل عن نهاية الإحكام أنها متأوّلة (2).

و في التحرير و المختلف و التذكرة (3)التردد،و لا وجه له لما عرفته.

و إطلاق النص و الفتوى يقتضي جواز الصلاة عاريا و لو أول الوقت مطلقا، كما عليه الأكثر.

خلافا لجماعة،فأوجبوا التأخير،إما مطلقا،كما عليه جملة منهم (4)،أو بشرط رجاء حصول الساتر و إلاّ فيجوز التقديم (5).

و هو أحوط،بل لا يترك مهما أمكن،ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد:«من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا،فإن لم يجد صلّى عاريا جالسا يومئ إيماء،و يجعل سجوده أخفض من ركوعه،فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى» (6).

و ضعف السند و الدلالة مجبور بموافقة الأصل و القاعدة الدالّين على اشتراط الستر في الصلاة بقول مطلق،فيجب تأخيرها لتحصيله و لو من باب المقدمة.

ص:396


1- الذكرى:142.
2- نهاية الإحكام 1:371.
3- التحرير 1:32،المختلف:84،انظر التذكرة 1:94.
4- كالسيد المرتضى في جمل العلم و العمل(رسائل المرتضى 3):49،و الدّيلمي في المراسم: 76.
5- كما ذهب إليه المحقق في المعتبر 2:108،و العلامة في المنتهى 1:239،و استحسنه في المدارك 3:196.
6- قرب الإسناد:511/142،الوسائل 4:451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

و كذا لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به أحد:من تعيّن الصلاة فرادى،مع أن استحباب الجماعة لهم أيضا متفق عليه ظاهرا،إلاّ من الصدوق في الفقيه في باب صلاة الخوف و المطاردة،فأفتى بمضمون الرواية (1)،و بالإجماع صرّح في الذكرى (2).

فإنّ خروج جزء الحديث عن الحجية لا يوجب خروجه عنها طرّا،و إن هو حينئذ إلاّ كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي.مع عدم صراحته في المنع عن الجماعة بعد احتمال اختصاصه بما إذا لم يريدوها،أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما

ص:397


1- الفقيه 1:296.
2- الذكرى:142.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.