المكاسب - الجزء الثالث

اشارة

سرشناسه : انصاري، مرتضي‌بن محمدامين، ق‌۱۲۸۱ - ۱۲۱۴
عنوان و نام پديدآور : ...المكاسب / مرتضي الانصاري؛ التحقيق مركز التحقيقات لموسسه احسن الحديث
مشخصات نشر : قم: احسن الحديث، ۱۴۲۱ق. = ۱۳۷۹.
مشخصات ظاهري : ج ۳
شابك : 964-5738-11-3(دوره) ؛ 964-5738-08-3۱۵۰۰۰ريال:(ج.۱) ؛ 964-5738-09-1۲۲۰۰۰ريال:(ج.۲) ؛ 964-5738-10-5۱۷۰۰۰ريال:(ج.۳)
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : كتابنامه
موضوع : معاملات (فقه)
شناسه افزوده : موسسه احسن الحديث. مركز تحقيقات
رده بندي كنگره : BP۱۹۰/۱/الف‌۸م‌۷ ۱۳۷۹
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۳۷۲
شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۹-۲۷۷۱

الخيارات

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين. القول في الخيار و أقسامه و أحكامه

مقدمتان

الأولي [في معني الخيار لغة و اصطلاحا]

الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار- غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ العقد علي ما فسره به في موضع من الإيضاح- فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة و في عقد الفضولي و ملك الوارث رد العقد علي ما زاد علي الثلث و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد علي بنت الأخ و الأخت و ملك الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد إذا أعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب- و لعل التعبير بالملك للتنبيه علي أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام فيخرج ما كان من قبيل الإجازة و الرد لعقد الفضولي و التسلط علي فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من الأحكام الشرعية لا من الحقوق و لذا لا تورث و لا تسقط بالإسقاط و قد يعرف بأنه ملك إقرار العقد و إزالته و يمكن الخدشة فيه بأنه إن أريد من إقرار العقد إبقاؤه علي حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لأن القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه إذ القدرة لا تتعلق بأحد الطرفين و إن أريد منه إلزام العقد و جعله غير قابل لأن يفسخ. ففيه أن مرجعه إلي إسقاط حق الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار مع أن ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا ثم إن ما ذكرناه من معني الخيار- هو المتبادر منه عرفا عند الإطلاق في كلمات المتأخرين و إلا فإطلاقه في الأخبار و كلمات الأصحاب علي سلطنة الإجازة و الرد لعقد الفضولي و سلطنة الرجوع في الهبة و غيرهما من أفراد السلطنة شائع.

الثانية [الأصل في البيع اللزوم]

اشارة

ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه- أن الأصل في البيع اللزوم. قال في التذكرة الأصل في البيع اللزوم لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك و الأصل الاستصحاب و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه و إنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه انتهي.

أقول المستفاد من كلمات جماعة أن الأصل هنا قابل لإرادة معان

الأول الراجح

احتمله في جامع المقاصد- مستندا في تصحيحه إلي الغلبة. و فيه أنه إن أراد غلبة الأفراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط- و إن أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة- مع أنه لا يناسب ما في القواعد من قوله و إنما يخرج من الأصل لأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب.

الثاني القاعدة المستفادة من العمومات

التي يجب الرجوع إليها عند الشك في الأفراد أو بعض الأحوال و هذا حسن لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الأصل- .

الثالث الاستصحاب

و مرجعه إلي أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد فسخ أحدهما و هذا حسن.

الرابع المعني اللغوي

بمعني أن وضع البيع و بناءه عرفا و شرعا علي اللزوم و صيرورة المالك الأول كالأجنبي و إنما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لأحدهما أو لهما يسقط بالإسقاط و بغيره و ليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب بمعني كونه حكما شرعيا له أصلا و بالذات بحيث لا يقبل الإسقاط و من هنا ظهر أن ثبوت خيار المجلس في أول أزمنة انعقاد البيع لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا علي اللزوم لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في أول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط كان منافيا لبنائه علي اللزوم فالأصل هنا كما قيل نظير قولهم إن الأصل في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون أكثر الأجسام علي غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي و مما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث أنكر هذا الأصل لأجل خيار المجلس إلا أن يريد أن الأصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم و سيأتي ما فيه
بقي الكلام في معني قول العلامة في القواعد و التذكرة إنه لا يخرج من هذا الأصل إلا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب فإن ظاهره أن ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار مع أنه من أسباب الخيار و توجيهه بعطف الخاص علي العام كما في جامع المقاصد غير ظاهر إذ لم يعطف العيب علي أسباب الخيار بل عطف علي نفسه و هو مباين له لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله و إنما يجزع عن الأصل بأمرين أحدهما ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل للتروي خاصة. و الثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهي. و حاصل التوجيه علي هذا أن الخروج عن اللزوم لا يكون إلا بتزلزل
المكاسب، ج‌3، ص 215
العقد لأجل الخيار و المراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في أحد العوضين و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص أحد العوضين لكنه مع عدم تمامه تكلف في عبارة القواعد مع أنه في التذكرة ذكر في الأمر الأول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد أسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب و تكلم فيه كثيرا و مقتضي التوجيه أن يتكلم في الأمر الأول فيما عدا خيار العيب و يمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار فإن نفس ثبوت الأرش بمقتضي العيب و إن لم يثبت خيار الفسخ موجب لاسترداد جزء من الثمن فالعقد بالنسبة إلي جزء من الثمن متزلزل قابل لإبقائه في ملك البائع و إخراجه عنه و يكفي في تزلزل العقد ملك إخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه. و إن شئت قلت إن مرجع ذلك إلي ملك فسخ العقد الواقع علي مجموع العوضين من حيث المجموع و نقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين في مقابل الآخر لكنه مبني علي كون الأرش جزء حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.
و قد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الأرش كونه جزء من الثمن بل له إبداله لأن الأرش غرامة و حينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد ثم إن الأصل بالمعني الرابع إنما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص البيع لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلي الدليل أما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الأصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ إلي الشك في الحكم الشرعي. و أما الأصل بالمعني الأول فقد عرفت عدم تماميته و أما بمعني الاستصحاب فيجري في البيع و غيره إذا شك في لزومه و جوازه و أما بمعني القاعدة فيجري في البيع و غيره لأن أكثر العمومات الدالة علي هذا المطلب يعم غير البيع

[الأدلة علي أصالة اللزوم]

اشارة

و قد أشرنا في مسألة المعاطاة إليها و نذكرها هنا تسهيلا علي الطالب-

فمنها قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

دل علي وجوب الوفاء بكل عقد و المراد بالعقد مطلق العهد كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي بن إبراهيم أو ما يسمي عقدا لغة و عرفا. و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه- بحسب الدلالة اللفظية نظير الوفاء بالنذر فإذا دل العقد مثلا علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له فأخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك نقض لمقتضي ذلك العهد فهو حرام فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه كان هذا لازما مساويا للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرد فسخ أحدهما فيستدل بالحكم التكليفي علي الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر و هو معني اللزوم بل قد حقق في الأصول أن لا معني للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التكليفي. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل من أن معني وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم. توضيح الضعف أن اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعية للعقد و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعني أعني وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد مساويا للزوم و أضعف من ذلك ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية علي اللزوم مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور و هو أن المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي و وضعي و قد عرفت أن ليس المستفاد منها إلا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا

[الاستدلال بآية أحل الله البيع]

و من ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالي أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ علي اللزوم فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع التصرفات المترتب عليه التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثر

[الاستدلال بآية تجارة عن تراض]

و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم بإطلاق حلية أكل المال بالتجارة عن تراض فإنه يدل علي أن التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتي بعد فسخ أحدهما من دون رضاء الآخر فدلالة الآيات الثلاث علي أصالة اللزوم علي نهج واحد لكن يمكن أن يقال- إنه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين الأخيرتين لم يمكن التمسك في رفعه إلا بالاستصحاب و لا ينفع الإطلاق.

و منها قوله تعالي وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

دل علي حرمة الأكل بكل وجه يسمي باطلا عرفا و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل فإن أكل المارة من ثمرة الأشجار التي تمر بها باطل لو لا إذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه و كذلك الأخذ بالشفعة و الخيار فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار و الشفعة و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أخذ مال الغير و تملكه من دون إذن صاحبه باطل عرفا. نعم لو دل الشارع علي جوازه كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين. و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ص: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه.

و منها قوله: الناس مسلطون علي أموالهم

فإن مقتضي السلطنة التي أمضاها الشارع أن لا يجوز أخذه من يده و تملكه عليه من دون رضاه و لذا استدل المحقق في الشرائع علي عدم جواز رجوع المقرض فيما أقرضه بأن فائدة الملك التسلط و نحوه العلامة في بعض كتبه و الحاصل أن جواز العقد الراجع إلي تسلط الفاسخ علي تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره و أخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم

و منها قوله: المؤمنون عند شروطهم

و قد استدل به علي اللزوم غير واحد منهم المحقق الأردبيلي قدس سره بناء علي أن الشرط مطلق الإلزام و الالتزام و لو ابتدأ من غير ربط بعقد آخر فإن العقد علي هذا شرط فيجب الوقوف عنده و يحرم التعدي عنه فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية بل المتبادر عرفا
المكاسب، ج‌3، ص 216
هو الإلزام التابع- كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتي في مثل قوله في دعاء التوبة: و لك يا رب شرطي ألا أعود في مكروهك و عهدي أن أهجر جميع معاصيك و قوله في أول دعاء الندبة: بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا كما لا يخفي علي من تأملها مع أن كلام بعض أهل اللغة علي ما ادعينا من الاختصاص ففي القاموس الشرط إلزام الشي‌ء و التزامه في البيع و نحوه

و منها الأخبار المستفيضة في أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا

و أنه إذا افترقا وجب البيع و أنه لا خيار لهما بعد الرضا
فهذه جملة من العمومات- الدالة علي لزوم البيع عموما أو خصوصا

[مقتضي الاستصحاب أيضا اللزوم]

و قد عرفت أن ذلك مقتضي الاستصحاب أيضا و ربما يقال إن مقتضي الاستصحاب- عدم انقطاع علاقة المالك عن العين فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع و هذا الاستصحاب حاكم علي الاستصحاب المتقدم المقتضي اللزوم و رد بأنه إن أريد بقاء علاقة الملك أو علاقة يتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك و إن أريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك و إنما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل فإذا فقد الدليل فالأصل عدمها و إن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع فإنها تستصحب عند الشك فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار كما يقال الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس بل مطلقا بناء علي أن الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلي عموم أوفوا بالعقود لا الاستصحاب أنه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق فيبقي ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم فتأمل

[ظاهر المختلف أن الأصل عدم اللزوم و المناقشة فيه]

ثم إنه يظهر من المختلف في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة أن الأصل عدم اللزوم و لم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل. نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر و عدم زواله بدون رضا الطرفين

[إذا شك في عقد أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز]

ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم- إنما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم و يجري أيضا فيما إذا شك في عقد خارجي أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز بناء علي أن المرجع في الفرد المردد بين عنواني العام و المخصص إلي العموم و أما بناء علي خلاف ذلك فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم إلي الأصل بمعني استصحاب الأثر و عدم زواله بمجرد فسخ أحد المتعاقدين إلا أن يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز كما إذا شك في أن الواقع هبة أو صدقة فإن الأصل عدم قصد القربة فيحكم بالهبة الجائزة لكن الاستصحاب المذكور إنما ينفع في إثبات صفة اللزوم و أما تعيين العقد اللازم حتي يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا أريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا بل يرجع في أثر كل عقد إلي ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض حكم بالبراءة التي هي من آثار الهبة و إذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان لعموم علي اليد إن كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة و إن كان المستند دخوله في ضمان العين أو قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها كان الأصل البراءة أيضا

القول في أقسام الخيار

اشارة

و هي كثيرة إلا أن أكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة و قد أنهاها بعضهم إلي أزيد من ذلك- حتي أن المذكور في اللمعة مجتمعا أربعة عشر مع عدم ذكره لبعضها و نحن نقتفي أثر المقتصر علي السبعة كالمحقق و العلامة قدس سرهما لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا إذ ليس له أحكام مغاير لسائر أنواع الخيار فنقول و بالله التوفيق

الأول في خيار المجلس

اشارة

فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين حين البيع- و إنما عبر بفرده الغالب و إضافة الخيار إليه لاختصاصه و ارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق و لا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذه الخيار و النصوص به مستفيضة- و الموثق الحاكي لقول علي ع: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب مطروح أو مؤول و لا فرق بين أقسام البيع و أنواع المبيع. نعم سيجي‌ء استثناء بعض أشخاص المبيع كالمنعتق علي المشتري و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل

مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبائعين إذا كانا أصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة

اشارة

و هل يثبت لهما مطلقا خلاف قال في التذكرة لو اشتري الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين مع حضورهما في المجلس و إلا فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه لأن ملكه أقوي من ملك الوارث و للشافعية قولان أحدهما أنه يتعلق بالموكل و الآخر أنه يتعلق بالوكيل انتهي.

[أقسام الوكيل]

[أن يكون وكيلا في مجرد إجراء العقد]

أقول و الأولي أن يقال- إن الوكيل إن كان وكيلا في مجرد إجراء العقد فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما- وفاقا لجماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان لأن المتبادر من النص غيرهما و إن عممناه لبعض أفراد الوكيل و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه بحكم الغلبة إلي خصوص العاقد المالك مضافا إلي أن مفاد أدلة الخيار إثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل إلي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج أ لا تري أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلة الخيار بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز رده علي البائع و عدم وجوب عتقه هذا مضافا إلي ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان الذي لا يرضي الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في إجراء
المكاسب، ج‌3، ص 217
الصيغة فإن المقام و إن لم يكن من تعارض المطلق و المقيد إلا أن سياق الجميع يشهد باتحاد. المراد من لفظ المتبايعين مع أن ملاحظة حكمة الخيار بتعدي ثبوته للوكيل المذكور مضافا إلي أدلة سائر الخيارات فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه و الظاهر عدم دخوله في إطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة. فإن الظاهر من قوله اشتري الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد إيقاع الصيغة و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق- و أضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ بزعم أن الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه للعقد فلا يبطل بمنع الموكل و علي المختار فهل يثبت للموكلين فيه إشكال- من أن الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان فلا يعم الموكلين. و ذكروا أنه لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله و من أن الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين و نسبة الفعل إليهما شائعة و لذا لا يتبادر من قوله باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة و عدم الحنث بمجرد التوكيل في إجراء الصيغة ممنوع فالأقوي ثبوته لهما و لكن مع حضورهما في مجلس العقد و المراد به مجلسهما المضاف عرفا إلي العقد فلو جلس هذا في مكان و ذاك في مكان آخر فاطلعا علي عقد الوكيلين فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما إلا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين هذا كله إن كان وكيلا في مجرد إيقاع العقد

[أن يكون وكيلا مستقلا في التصرف المالي]

و إن كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض و أولياء القاصرين فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص و دعوي تبادر المالكين ممنوعة خصوصا إذا استندت إلي الغلبة- فإن معاملة الوكلاء و الأولياء لا تحصي و هل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة إشكال من تبادر المتعاقدين من النص و قد تقدم عدم حنث الحالف علي ترك البيع ببيع وكيله و من أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا إرفاقا له و أن ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه إلا أن يدعي مدخلية المباشرة للعقد فلا يثبت لغير المباشر و لكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة و حينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة- من طرف واحد أو من الطرفين فكل من سبق من أهل الطرف الواحد إلي إعماله نفذ و سقط خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه و ليس المقام من تقديم الفاسخ علي المجيز فإن تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين و هذا فرض من جانب واحد ثم علي المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل فيكفي بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير

[أن لا يكون مستقلا في التصرف]

و إن لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد و بعده بل كان وكيلا في التصرف علي وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الإطلاق إلي غير ذلك بل لما ذكرنا في القسم الأول من إطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين علي ما نقله عند الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض لإثبات هذا التمكن عند الشك فيه و لا لتخصيص ما دل علي سلطنة الموكل علي ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده إلي مالكه الأصلي و في ثبوته للموكلين ما تقدم

[هل للموكل تفويض حق الخيار إلي الوكيل]

و الأقوي اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه ثم هل للموكل بناء علي ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري- الأقوي العدم لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده. نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو التزاما.

[عدم ثبوت الخيار للفضولي]

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و إن جعلنا الإجازة كاشفة لا لعدم صدق المتبايعين لأن البيع النقل و لا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بأن البيع النقل العرفي و هو موجود هنا. نعم ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعا بالبيع و هذا المعني منتف في الفضولي قبل الإجازة و يندفع أيضا بأن مقتضي ذلك عدم الخيار في الصرف و السلم قبل القبض مع أن هذا المعني لا يصح علي مذهب الشيخ- القائل بتوقف الملك علي انقضاء الخيار فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوي ما تقدم- من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين. نعم في ثبوته للمالكين بعد الإجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجه و اعتبار مجلس الإجازة علي القول بالنقل له وجه خصوصا علي القول بأن الإجازة عقد مستأنف علي ما تقدم. توضيحه في مسألة عقد الفضولي و يكفي حينئذ الإنشاء أصالة من أحدهما و الإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا. نعم يحتمل في أصل المسألة أن يكون الإجازة من المجيز التزاما بالعقد فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت فتأمل و لا فرق في الفضوليين بين الغاصب و غيره فلو تبايع غاصبان ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الإجازة بخلاف ما لو رد الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

مسألة لو كان العاقد واحدا

لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة علي وجه يثبت له الخيار مع التعدد بأن كان وليا أو وكيلا مستقلا في التصرف فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و المحقق الميسي و الصيمري و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لأنه بائع و مشتر فله ما لكل منهما كسائر أحكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين لشخص واحد مندفع باستقرار سائر أحكام المتبايعين و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني علي الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم و استقربه فخر الدين و مال إليه المحقق الأردبيلي و الفاضل الخراساني
المكاسب، ج‌3، ص 218
و المحدث البحراني و استظهره بعض الأفاضل ممن عاصرناهم و لا يخلو عن قوة بالنظر إلي ظاهر النص لأن الموضوع فيه صورة التعدد و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد و لولاها لأمكن استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشتري كسائر أحكامهما إذ لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا و قوله لكل من البائع و المشتري إلا أن التقييد بقوله حتي يفترقا ظاهر في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية و لا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد و منه يظهر سقوط القول بأن كلمة حتي تدخل علي الممكن و المستحيل إلا أن يدعي أن التفرق غاية مختصة بصورة التعدد لا مخصصة للحكم بها. و بالجملة فحكم المشهور بالنظر إلي ظاهر اللفظ مشكل. نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الإشكال فيه و الأولي التوقف تبعا للتحرير و جامع المقاصد ثم لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه إلي أن يسقط بأحد المسقطات غير التفرق.

مسألة قد يستثني بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار

منها من ينعتق علي أحد المتبايعين

و المشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا بل عن ظاهر المسالك أنه محل وفاق و احتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع و الكلام فيه مبني علي القول المشهور من عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار- و إلا فلا إشكال في ثبوت الخيار و الظاهر أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلي نفس العين لأن مقتضي الأدلة الانعتاق بمجرد الملك و الفسخ بالخيار من حينه لا من أصله و لا دليل علي زواله بالفسخ مع قيام الدليل علي زوال الحرية بعد تحققها إلا علي احتمال ضعفه في التحرير فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني علي تزلزل العتق و أما الخيار بالنسبة إلي أخذ القيمة فقد يقال مقتضي الجمع بين أدلة الخيار و دليل عدم عود الحر إلي الرقية فيفرض المعتق كالتالف فلمن انتقل إليه أن يدفع القيمة و يسترد الثمن. و ما في التذكرة من أنه وطن نفسه علي الغبن المالي و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه ممنوع لأن التوطين علي شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا علي الغبن من حيث المعاملة و كذا لمن انتقل عنه أن يدفع الثمن و يأخذ القيمة و ما في التذكرة من تغليب جانب العتق إنما يجدي مانعا عن دفع العين لكن الإنصاف أنه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه لأن شراءه إتلاف له في الحقيقة و إخراج له عن المالية و سيجي‌ء سقوط الخيار بالإتلاف بل أدني تصرف فعدم ثبوته به أولي و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه لأن بيعه من ينعتق عليه إقدام علي إتلافه و إخراجه عن المالية. و الحاصل أنا إذا قلنا إن الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا حقيقي- فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطأة علي إخراجه عن المالية و سلكه في سلك ما لا يتمول لكنه حسن مع علمهما فتأمل. و قد يقال إن ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني علي أن الخيار و الانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما أو الأول بالأول و الثاني بالثاني أو العكس فعلي الأولين و الأخير يقوي القول بالعدم لأمضوية أخبار العتق و كون القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه علي الأخير و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين و دفعا للمنافاة من البين و عملا بالنصين و بالإجماع علي عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين و تنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما و للعتق بمنزلة تلف العين و لأنهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع إلي القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق علي المشتري أو تعيب بما يوجب ذلك و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام و علي الثالث يتجه الثاني لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق ثم قال و حيث كان المختار في الخيار أنه بمجرد العقد و في العتق أنه بعد الملك و دل ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب علي أن أحكام العقود و الإيقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار و غيره بل قد صرحوا بأن الخيار يثبت بعد العقد و أنه علة و المعلول لا يتخلف عن علته كما أن الانعتاق لا يتخلف عن الملك فالأقرب هو الأخير كما هو ظاهر المختلف و التحرير و مال إليه الشهيد إن لم يثبت الإجماع علي خلافه و يؤيده إطلاق الأكثر و دعوي ابن زهرة الإجماع علي ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء انتهي كلامه رفع مقامه أقول إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل- خروج الملك عن ملك من انتقل عنه نظرا إلي أن خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه لأن يخرج من ملك المشتري إلي ملك البائع و لو تقديرا إذ ملكية المشتري لمن ينعتق عليه ليس علي وجه يترتب عليه سوي الانعتاق و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري إلي ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا علي المشتري كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار ثم فسخ البائع. و الحاصل أن الفاسخ يتلقي الملك من المفسوخ عليه و هذا غير حاصل فيما نحن فيه و إن قلنا أن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد العين إن كان موجودا و بدله إن كان تالفا أو كالتالف و لا يعتبر في صورة
التلف إمكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه بل يكفي أن يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ و الرجوع إلي القيمة فيما تقدم في مسألة البيع شرط العتق ثم ظهور المبيع منعتقا علي المشتري و حكمهم برجوع الفاسخ إلي القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم إمكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف إلي الفاسخ كان الأوفق بعمومات الخيار القول به هنا و الرجوع إلي القيمة إلا مع إقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه فالأقوي العدم لأنهما قد تواطئا علي إخراجه عن المالية الذي هو بمنزلة إتلافه. و بالجملة فإن الخيار حق في العين و إنما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء
المكاسب، ج‌3، ص 219
فإذا كان نقل العين إبطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق في العين حتي يتعلق ببدله و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع بإتلاف المبيع و نقله إلي من ينعتق عليه كالإتلاف له من حيث المالية فدفع الخيار به أولي و أهون من رفعه فتأمل.

و منها العبد المسلم المشتري من الكافر

بناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا فإنه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما أما بالنسبة إلي العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و تمليكه إياه و أما بالنسبة إلي القيمة فلما تقدم من أن الفسخ يتوقف علي رجوع العين إلي مالكه الأصلي و لو تقدير التكون مضمونة له بقيمته علي من انتقل إليه و رجوع المسلم إلي الكافر غير جائز و هذا هو المحكي عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال إنه يباع و لا يثبت له خيار المجلس و لا الشرط و يمكن أن يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط و إن ثبت للمشتري فيوافق مقتضي كلام فخر الدين في الإيضاح من أن البيع بالنسبة إلي الكافر استنقاذ و بالنسبة إلي المشتري كالبيع بناء منه علي عدم تملك السيد الكافر له لأن الملك سبيل و إنما له حق استيفاء ثمنه منه لكن الإنصاف أنه علي هذا التقدير لا دليل علي ثبوت الخيار للمشتري أيضا لأن الظاهر من قوله البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين مع أنه لا معني لتحقق العقد البيعي من طرف واحد فإن شروط البيع إن كانت موجودة تحقق من الطرفين و إلا لم يتحقق أصلا كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من ينعتق عليه و الأقوي في المسألة وفاقا لظاهر الأكثر و صريح كثير ثبوت الخيار في المقام و إن تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة. و ما ذكرنا من أن الرجوع بالقيمة مبني علي إمكان تقدير الملك في ملك المالك الأصلي لو أغمضنا عن منعه كما تقدم في المسألة السابقة غير قادح هنا لأن تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه و قد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين.

و منها شراء العبد نفسه

بناء علي جوازه فإن الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة إلي القيمة لعدم شمول أدلة الخيار له و اختاره في التذكرة و فيها أيضا أنه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار إشكال و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار فلا يندفع الإشكال بما في جامع المقاصد من أن الخيار لا يسقط بالتلف لأنه لا يسقط به إذا ثبت قبله فتأمل.

مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي‌ء من العقود سوي البيع عند علمائنا

كما في التذكرة و عن تعليق الإرشاد و غيرهما و عن الغنية الإجماع عليه و صرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك أيضا بل عن الخلاف الإجماع علي عدم دخوله في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة إلا أنه في المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار و التي لا يدخلها قال و أما الوكالة و الوديعة و العارية و القراض و الجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع انتهي و مراده خيار المجلس و الشرط. و حكي نحوه عن القاضي و لم يعلم معني الخيار في هذه العقود بل جزم في التذكرة بأنه لا معني للخيار فيها لأن الخيار فيها أبدا و احتمل في الدروس أن يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب إذ لا معني لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود علي انقضاء الخيار لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف فهو الذي يمكن توقفه علي انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره أثر البيع متوقفا عليه- لكن الإنصاف أن تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم إرادته هذا المعني فإنه صرح في مواضع قبل هذا الكلام و بعده باختصاص خيار المجلس بالبيع و الذي يخطر بالبال أن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه في المجلس و هذا المعني و إن كان بعيدا في نفسه إلا أن ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه إلي الذهن و قد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن و الضمان و صرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود لأنها جائزة فيجوز الفسخ في كل وقت و هو محتمل كلام الشيخ فتأمل. و كيف كان فلا إشكال في أصل هذه المسألة.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأن ظاهر النص كون البيع علة تامة و مقتضاه كظاهر الفتاوي شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض و لا إشكال فيه لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف و السلم وجوبا تكليفيا إما للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة و إما لوجوب الوفاء بالعقد و إن لم يكن بنفسه مملكا لأن ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض أما لو قلنا بعدم وجوب التقابض و جواز تركه إلي التفرق المبطل للعقد ففي أثر الخيار خفاء لأن المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين علي ملكه و عدم حق لأحدهما في مال الآخر و يمكن أن يكون أثر الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض الملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير. قال في التذكرة لو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد و إن أجازا قبل التقابض فكذلك و عليهما التقابض فإن تفرقا قبله انفسخ العقد ثم إن تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما فإن انفرد أحدهما بالمفارقة عصي انتهي و في الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا أو لا فإن التزما به قبل القبض وجب التقابض فلو هرب أحدهما عصي و انفسخ العقد و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لأن للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه انتهي و صرح الشيخ أيضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض. و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين علي القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما علي القول بالنقل و كذا علي الكشف مع احتمال كونه من زمان العقد

القول في مسقطات الخيار

اشارة

و هي أربعة علي ما ذكرها في التذكرة اشتراط سقوطه في
المكاسب، ج‌3، ص 220
ضمن العقد و إسقاطه بعد العقد و التفرق و التصرف فيقع الكلام في مسائل.

مسألة لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد.

اشارة

و عن الغنية الإجماع عليه و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم و قد يتخيل معارضته بعموم أدلة الخيار و يرجح علي تلك الأدلة بالمرجحات و هو ضعيف لأن الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود و موافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم أدلة الشروط كما يظهر من كتبهم و نحوه في الضعف التمسك بعموم أوفوا بالعقود بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به إذ فيه أن أدلة الخيار أخص فيخصص بها العموم بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم نهوض أدلة الخيار للمعارضة لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا بل التأمل في دليل الشرط يقضي بأن المقصود منه رفع اليد عن الأحكام الأصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه أدلة تلك الأحكام فحاله حال أدلة وجوب الوفاء بالنذر و العهد في عدم مزاحمتها بأدلة أحكام الأفعال المنذورة لو لا النذر. و يشهد لما ذكرنا من حكومة أدلة الشرط و عدم معارضتها للأحكام الأصلية حتي يحتاج إلي المرجح استشهاد الإمام في كثير من الأخبار بهذا العموم و علي مخالفة كثير من الأحكام الأصلية. منها صحيحة مالك بن عطية قال:
سألت أبا عبد الله ع عن رجل كان له أب مملوك و كان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتي تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد ذلك علي أبي إذا أنت ملكت نفسك قالت نعم فأعطاها في مكاتبتها علي أن لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال ع لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم. و الرواية محمولة بقرينة الإجماع علي عدم لزوم الشروط الابتدائية علي صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم أو المصالحة علي إسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط علي نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل علي حكومتها عليها لا معارضتها المحوجة إلي التماس المرجح. نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه- الأول أن الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما لأن الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه علي أصل العقد بل هو كالوعد فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور. الثاني أن هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد علي ما هو ظاهر قوله البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. الثالث ما استدل به بعض الشافعية علي عدم جواز اشتراط السقوط من أن إسقاطه الخيار في ضمن العقد إسقاط لما لم يجب لأن الخيار لا يحدث إلا بعد البيع فإسقاطه فيه كإسقاطه قبله هذا و لكن شي‌ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال أما الأول فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لأنها كالوعد الواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها علي الجواز لأن الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان لأن الشرط تابع و كالتقييد للعقد المشروط به أما إذا كان نفس مؤدي الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد فلزومه الثابت بمقتضي عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع في اللزوم و الجواز. و أما الثاني فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاء العقد لو خلي و نفسه فلا ينافي سقوطه بالشرط. و بعبارة أخري المقتضي للخيار العقد بشرط لا طبيعة العقد من حيث هي حتي لا يوجد بدونه و قوله البيعان بالخيار و إن كان له ظهور في العلية التامة إلا أن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط مع أن مقتضي الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لإتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا. نعم يبقي الكلام في دفع توهم أنه لو بني علي الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة لم يبق شرط مخالف للكتاب و السنة بل و لا لمقتضي العقد و محل ذلك و إن كان في باب الشروط إلا أن مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه أنا حيث علمنا بالنص و الإجماع أن الخيار حق مالي قابل للإسقاط و الإرث لم يكن سقوطه منافيا للمشروع فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر. و أما عن الثالث بما عرفت من أن المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط و إقدام المتبايعين علي عدم الخيار ففائدة الشرط إبطال المقتضي لا إثبات المانع و يمكن أن يستأنس لدفع الإشكال من هذا الوجه الثالث و من سابقه بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة

ثم إن هذا الشرط يتصور علي وجوه-

أحدها أن يشترط عدم الخيار

و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط فيقول بعت بشرط أن لا يثبت خيار المجلس كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

الثاني أن يشترط عدم الفسخ

فيقول بعت بشرط أن لا أفسخ في المجلس فيرجع إلي التزام ترك حقه فلو خالف الشرط و فسخ فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره عليه و عدم سلطنته علي تركه كما لو باع منذور التصدق به علي ما ذهب إليه غير واحد فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة في حقه و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ علي ما قاله بعضهم من أن بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة لا فاسد و حينئذ فلا فائدة في هذا غير الإثم علي مخالفته إذ ما يترتب علي مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له علي الفسخ لو خولف الشرط غير مترتب هنا و الاحتمال الأول أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال علي
المكاسب، ج‌3، ص 221
وجوب ترتب آثار الشرط و هو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتي بعد الفسخ فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد علي كون فسخ أحدهما منفردا لغوا لا يرفع وجوب الوفاء.

الثالث أن يشترط إسقاط الخيار

و مقتضي ظاهره وجوب الإسقاط بعد العقد فلو أخل به و فسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان و الأقوي عدم التأثير و هل للمشروط له الفسخ- بمجرد عدم إسقاط المشترط الخيار بعد العقد و إن لم يفسخ وجهان من عدم حصول الشرط و من أن المقصود منه إبقاء العقد- فلا يحصل التخلف إلا إذا فسخ و الأولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار لأنه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد و يكون بقاء المشترط علي سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له و قد يموت ذو الخيار و ينتقل إلي وارثه.

بقي الكلام في أن المشهور أن تأثير الشرط إنما هو مع ذكره في متن العقد

اشارة

فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل علي وجوب الوفاء به و صدق الشرط علي غير المذكور في العقد غير ثابت لأن المتبادر عرفا هو الإلزام و الالتزام المرتبط بمطلب آخر و قد تقدم عن القاموس أنه الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه و عن الشيخ و القاضي تأثير الشرط المتقدم. قال في محكي الخلاف لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط و لزم العقد بنفس الإيجاب و القبول ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ثم قال دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط و الأصل جوازه و عموم الأخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع انتهي و نحوه المحكي عن جواهر القاضي. و قال في المختلف علي ما حكي عنه بعد ذلك و عندي في ذلك نظر فإن الشرط إنما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد. نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه انتهي. أقول التبايع علي ذلك الشرط إن كان بالإشارة إليه في العقد بأن يقول مثلا بعت علي ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد و إن كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الإنشاء فهذا هو ظاهر كلام الشيخ نعم يحتمل أن يريد الصورة الأولي و أراد بقوله قبل العقد قبل تمامه و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط و يؤيده أيضا بل يعينه أن بعض أصحاب الشافعي إنما يخالف في صحة هذا الاشتراط في متن العقد. و قد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في متن العقد و استدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد فلا يصح إسقاطه قبل تمامه. و الحاصل أن ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف و التذكرة و استدلال الشيخ علي الجواز و بعض الشافعية علي المنع يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد و كيف كان فالأقوي أن الشرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثر لأنه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق لأن المتحقق في السابق إما وعد بالتزام أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به و العقد اللاحق و إن دفع مبنيا عليه لا يلزمه لأنه إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد إلا بجعل المتكلم و إلا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين و قيودهما حتي يقدر شرطا منويا فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة فإن من باع داره في حال بنائه في الواقع علي عدم الخيار له لم يحصل له في ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار و لم يقيد إنشاءه بشي‌ء بخلاف قوله بعتك علي أن لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما علي نفسي و بانيا علي أن لا خيار لي فإن إنشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بإنشائه التزام عدم الخيار فحاصل الشرط إلزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالأول و تمام الكلام في باب الشروط إن شاء الله تعالي.

فرع

ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد و هو ما إذا نذر المولي أن يعتق عبده إذا باعه بأن قال لله علي أن أعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر فيجب الوفاء به و لا يتم برفع الخيار و علي قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق انتهي. أقول هذا مبني علي أن النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له و قد مر أن الأقوي في الشرط أيضا كونه كذلك.

مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد

اشارة

بل هذا هو المسقط الحقيقي و لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالإسقاط- و يدل عليه بعد الإجماع فحوي ما سيجي‌ء من النص الدال علي سقوط الخيار بالتصرف معللا بأنه رضاء بالبيع مضافا إلي القاعدة المسلمة من أن لكل ذي حق إسقاط حقه و لعله لفحوي تسلط الناس علي أموالهم فهم أولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالأموال و لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الإسقاط و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام الابتدائي ثم إن الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدي الدلالات العرفية للفحوي المتقدمة و فحوي ما دل علي كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضولي و صدق الإسقاط النافذ بمقتضي ما تقدم من التسلط علي إسقاط الحقوق و علي هذا فلو قال أحدهما أسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر سقط خيار الراضي أيضا لكون رضاه بإسقاط الآخر خياره إسقاطا أيضا.

مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر

فإن اختار المأمور الفسخ فلا إشكال في انفساخ العقد- و إن اختار الإمضاء ففي سقوط خيار الأمر أيضا مطلقا كما عن المبسوط الأكثر بل عن الخلاف الإجماع عليه أو بشرط إرادته تمليك الخيار لصاحبه و إلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة أو مع قيد إرادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك. أقول و لو سكت فخيار الساكت باق إجماعا و وجهه واضح و أما خيار الأمر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم إرادة تمليك
المكاسب، ج‌3، ص 222 الخيار كما هو ظاهر التذكرة أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ أقوال و الأولي أن يقال إن كلمة اختر بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ و الإمضاء و ليس فيه دلالة علي ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الأمر أو استكشاف الحال. نعم الظاهر عرفا من حال الأمر أن داعيه استكشاف حال المخاطب و كأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب أمر الشي‌ء كما يظهر من باب الطلاق فإن تم دلالته حينئذ علي إسقاط الأمر خياره بذلك و إلا فلا مزيل لخياره و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض أخبار خيار المجلس أنهما بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ثم إنه لا إشكال في أن إسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر و منه يظهر أنه لو أجاز أحدهما و فسخ الآخر انفسخ العقد لأنه مقتضي ثبوت الخيار فكان العقد بعد إجازة أحدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز كما لو جعل الخيار من أول الأمر لأحدهما و هذا ليس تعارضا بين الإجازة و الفسخ و ترجيحا له عليها. نعم لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما المتعدد كالأصيل و الوكيل فأجاز أحدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية ثم أعتقهما جميعا حيث إن إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجارية إجازة أو اختلف الورثة في الفسخ و الإجارة تحقق التعارض و ظاهر العلامة في جميع هذه الصور تقديم الفسخ و لم يظهر له وجه تام و سيجي‌ء الإشارة إلي ذلك في موضعه.

مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين

اشارة

و لا إشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع و إن كان ظاهر بعض الأخبار ذلك مثل قوله: فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا و معني حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد افتراقهما بالنسبة إلي الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الإضافي و لو بمسماه ارتفع الخيار فلا يعتبر الخطوة و لذا حكي عن جماعة التعبير بأدني الانتقال و الظاهر أن ذكره في بعض العبارات لبيان أقل الأفراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني علي الغالب في الخارج أو في التمثيل لأقل الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفي مجرد افتراقهما و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الأصحاب و عن صريح آخر التأمل و كفاية الخطوة لانصراف الإطلاق إلي أزيد منها فيستصحب الخيار و يؤيده قوله في بعض الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا و فيه منع الانصراف و دلالة الرواية ثم اعلم أن الافتراق علي ما عرفت من معناه يحصل بحركة أحدهما و بقاء الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما فالحركة من أحدهما لا يسمي افتراقا حتي يحصل عدم المصاحبة من الآخر فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن و لو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر و كيف كان فلا يعتبر في الافتراق المسقط حركة كل منهما إلي غير جانب الآخر كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام ع أرضا و أنه قال: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا فأثبت افتراق الطرفين بمشيه ع فقط.

مسألة المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير أيضا

سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند إلي الفاعل المختار مضافا إلي حديث رفع ما استكرهوا عليه و قد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم الرفع للحكم الوضعي المحمول علي المكلف فلا يختص برفع التكليف هذا و لكن يمكن منع التبادر فإن المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لا يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد علي تركه فإن التبادر ممنوع فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل مع أن المعروف بين الأصحاب أن الافتراق و لو اضطرارا مسقط للخيار إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الإمضاء مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار. قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور لأنه إذا كان متمكنا من الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتي وقع التفرق كان ذلك دليلا علي الرضا و الإمضاء انتهي و في جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار انتهي. و منه يظهر أنه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف بدخول المكره و المضطر إذا تمكنا من التخاير و الحاصل أن فتوي الأصحاب هي أن التفرق عن إكراه عليه و علي ترك التخاير غير مسقط للخيار و أنه لو حصل أحدهما باختياره سقط خياره و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الأدلة بالتفرق الاختياري و لا بأن مقتضي حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق لأن المفروض أن التفرق الاضطراري أيضا مسقط مع وقوعه في حال التمكن من التخاير فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي و إلي أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء بالعقد سواء وقع اختيارا أو اضطرارا بقوله ص في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما دل علي أن الشرط في السقوط الافتراق و الرضا منهما و لا ريب أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق بحيث يكون التفرق عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر إجماعا أو يقال إن قوله بعد الرضا إشارة إلي إناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد و إعراضهما عن الفسخ و علي كل تقدير فيدل علي أن المتفرقين و لو اضطرارا إذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما فهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره
المكاسب، ج‌3، ص 223
كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة.

مسألة لو أكره أحدهما علي التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس

فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خيار أحدهما لأنهما مكرهان علي الافتراق و ترك التخاير فدخل في المسألة السابقة و إن لم يمنع من المصاحبة ففيه أقوال و توضيح ذلك أن افتراقهما المستند إلي اختيارهما كما عرفت يحصل بحركة أحدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك و أن الإكراه علي التفرق لا يسقط حكمه ما لم ينضم معه الإكراه علي ترك التخاير فحينئذ نقول تحقق الإكراه المسقط في أحدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه أحدهما علي التفرق و ترك التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير و أخري بالعكس بإبقاء أحدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير و ذهاب الآخر اختيارا و محل الكلام هو الأول و سيتضح به حكم الثاني و الأقوال فيه أربعة سقوط خيارهما كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد قدس الله أسرارهم و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين و محتمل الإرشاد و سقوطه في حق المختار خاصة- و فصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسقوط عنهما و مبني الأقوال علي أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف علي حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار أحدهما و علي الأول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد علي مجموع اختيارهما فعلي الأول يسقط خيار المختار خاصة كما عن الخلاف و جواهر القاضي و علي الثاني يثبت الخياران كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين. و علي الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار أحدهما و يكفي كونه تركا اختياريا كالبقاء في مجلس العقد مختارا فعلي الأول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد و ذهابه و علي الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد. و اعلم أن ظاهر الإيضاح أن قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما و أن محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا و إلا سقط خيارهما اتفاقا حيث قال في شرح قول والده لو حمل أحدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره علي إشكال و أما الثابت فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خياره و إلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول انتهي. قال إن هذا مبني علي بقاء الأكوان و عدمه و افتقار الباقي إلي المؤثر و عدمه و إن الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلي عدم البقاء أو افتقار الباقي إلي المؤثر يسقط لأنه فعل المفارقة و علي القول ببقائها و استغناء الباقي عن المؤثر و ثبوتية الافتراق لم يسقط خياره لأنه لم يفعل شيئا و إن قلنا بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل فكذلك و إن قلنا إنه يعلل سقط أيضا و الأقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة انتهي. و هذا الكلام و إن نوقش فيه بمنع بناء الأحكام علي هذه التدقيقات إلا أنه علي كل حال صريح في أن الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره و ظاهره كظاهر عبارة القواعد أن سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي القول المحكي عن الخلاف و الجواهر لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا القول قال لو أكرها أو أحدهما علي التفرق بالأبدان علي وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك و نحوه المحكي عن القاضي فإنه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر علي قوله بطل خيارهما فتأمل بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها و فيه تأمل و كيف كان فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل- . و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما فإن التفرق و إن لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين و لا من أحدهما إلا أن المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق فرضا أحدهما في المقام و هو الماكث لا دليل علي كفايته في سقوط خيارهما و لا في سقوط خيار خصوص التراضي إذ الغاية غاية للخيارين فإن تحققت سقطا و إلا ثبتا. و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء أحدهما و لكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوعة- بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما و ظاهر الصحيحة و إن كان اعتبار ذلك إلا أنه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الإمام ع
و أنه قال فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام ع و دعوي انصرافه إلي صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة و ظاهر الصحيحة و إن كان أخص إلا أن ظهور الرواية في عدم مدخلية شي‌ء آخر زائدا علي مفارقة أحدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات مثل ما إذا مات أحدهما و فارق الآخر اختيارا- فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين و قد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بأنه قد تحقق الافتراق فسقط الخياران مع أن المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه و كذا لو فارق أحدهما في حال نوم الآخر أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين و ظاهر المبني المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا من الطرفين و إنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا بل ظاهر القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع علي سقوط خيار الماكث من غير إشارة إلي وجود خلاف في هذا التفريع و هو الذي ينبغي لأن الغاية إن حصلت سقط الخياران و إلا بقيا فتأمل. و عبارة الخلاف المتقدمة و إن كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار إلا إنما ليست بتلك الظهور لاحتمال إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية مع أن شمول عبارته
المكاسب، ج‌3، ص 224
لبعض الصور التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه كما لا يخفي علي المتأمل و حملها علي ما ذكرنا من إرادة المتمكن لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولي من تخصيصها ببعض الصور و لعل نظر الشيخ و القاضي إلي أن الافتراق المستند إلي اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما فالمستند إلي اختيار أحدهما مسقط لخياره خاصة و هو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص ثم إنه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة و هي ما إذا أكره أحدهما علي البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا فإن مقتضي ما تقدم من الإيضاح من مبني الخلاف عدم الخلاف في سقوط الخيارين هنا و مقتضي ما ذكرنا من مبني الأقوال جريان الخلاف هنا أيضا و كيف كان فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا كما لا يخفي

مسألة لو زال الإكراه

فالمحكي عن الشيخ و جماعة- امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال و لعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الإكراه كالمعدوم فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد فالخيار باق. و فيه أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الإكراه و لم يجعل مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد.
و الحاصل أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار فلا بد إما من القول بالفور كما عن التذكرة- و لعله لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين و إما من القول بالتراخي إلي أن يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة.
مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف
علي وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس و في الصرف و العلامة في التذكرة و نسب إلي جميع من تأخر عنه بل ربما يدعي إطباقهم عليه و حكي عن الخلاف و الجواهر و الكافي و السرائر و لعله لدلالة التعليل في بعض أخبار خيار الحيوان و هو الوجه أيضا في اتفاقهم علي سقوط خيار الشرط و إلا فلم يرد فيه نص بالخصوص بل سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة حيث قال: فإن أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط فإن المنفي يشمل شرط المجلس و الحيوان فتأمل و تفصيل التصرف المسقط سيجي‌ء إن شاء الله تعالي

الثاني خيار الحيوان

[عموم هذا الخيار لكل ذي حياة]

لا خلاف بين الإمامية- في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري و ظاهر النص و الفتوي العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق و دود القز و لا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الإناء و شبه ذلك خارج لأنه لا يباع من حيث إنه حيوان بل من حيث إنه لحم و يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف علي الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم و علي كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض أو في زمان الخيار و في منتهي خياره مع عدم بقائه إلي الثلاثة وجوه

[هل يختص هذا الخيار بالبيع المعين أو يعم الكلي أيضا]

ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين- كما هو المنساق في النظر من الإطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الإجماع كما في التذكرة بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المتراءي من النص و الفتوي لم أجد مصرحا بأحد الأمرين. نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول و لعله الأقوي
و كيف كان فالكلام فيمن له هذا الخيار و في مدته من حيث المبدأ و المنتهي و مسقطاته يتم برسم مسائل.

مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري

حكي عن الشيخين و الصدوقين و الإسكافي و ابن حمزة و الشاميين الخمسة و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين و عن الغنية و ظاهر الدروس الإجماع عليه- لعموم قوله ع إذا افترقا وجب البيع خرج المشتري و بقي البائع بل لعموم أوفوا بالعقود بالنسبة إلي ما ليس فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل و يدل عليه أيضا ظاهر غير واحد من الأخبار منها صحيحة الفضيل ابن يسار عن أبي عبد الله ع قال: قلت له ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما و ظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري و إطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا و يتلوها في الظهور رواية علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا ع قال: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري فإن ذكر القيد مع إطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية و نحوها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال في الحيوان: كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله ع قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري و أظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع و لهما كليهما قال الخيار لمن اشتري نظره ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و عن سيدنا المرتضي قدس سره و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا. و حكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس و لصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق و هي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة و أضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافا إلي ورودها في الكتب الأربعة المرجحة علي مثل قرب الإسناد من الكتب التي يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها و أما الصحاح الأخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالإنصاف أن دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه علي خفايا الحيوان و لا ريب أن الأظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الأكثرية. و أما ما ذكر في تأويل
المكاسب، ج‌3، ص 225
صحيحة ابن مسلم من أن خيار الحيوان للمشتري علي البائع- فكان بين المجموع ففي غاية السقوط و أما الشهرة المحققة فلا تصير حجة علي السيد بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه و إجماع الغنية لو سلم رجوعه إلي اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد ثبوته له معارض بإجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع و لعله لذا قوي في المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة بل الاتفاق علي خلافه و تبعه علي ذلك في المفاتيح و توقف في غاية المراد و حواشي القواعد و تبعه في المقتصر هذا و لكن الإنصاف أن أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة مع أن المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشتري فلا ريب في ضعف هذا القول. نعم هنا قول ثالث لعله أقوي منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا نسب إلي جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك لعموم صحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا و لا ينافي هذه الدعوي التمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم لأن الغلبة قد يكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها و لا يوجب تنزيل الإطلاق و لا ينافيها أيضا ما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبائعين لإمكان تقييدها و إن كان بعد بما إذا كان العوضان حيوانين لكن الإشكال في إطلاق الصحيحة الأولي- من جهة قوة انصرافه إلي المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس فلا محيص عن المشهور

مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار

و في الغنية كما عن الحلبي أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها بل عن الأول دعوي الإجماع- و ربما ينسب هذا إلي المقنعة و النهاية و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء و لم أقف لهم علي دليل- .

مسألة مبدء هذا الخيار من حين العقد

فلو لم يتفرق ثلاثة أيام انقضي خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس لظاهر قوله ع: إن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره حتي يفترقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق و كذا الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه. قال في المبسوط الأولي أن يقال إنه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرق لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد و العقد لم يثبت قبل التفرق انتهي و نحوه المحكي عن السرائر و هذه الدعوي لم نعرفها.
نعم ربما يستدل عليه بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس و بلزوم اجتماع السببين علي مسبب واحد و ما دل علي أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع مع أن التلف في الخيار المشترك من المشتري و يرد الأصل ظاهر الدليل مع أنه بالتقرير الثاني مثبت و أدلة التلف من البائع محمول علي الغالب من كونه بعد المجلس و يرد التداخل بأن الخيارين إن اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد و إن اتحدا فكذلك إما لأن الأسباب معرفات و إما لأنها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها في التأثير علي عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة إلا من هذه الجهة و هو المراد مما في التذكرة في الجواب عن أن الخيارين مثلان فلا يجتمعان من أن الخيار واحد و الجهة متعددة ثم إن المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بكون الإجازة ناقلة أو زمان الملك و عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني كما استظهره بعض المعاصرين قال فعلي هذا لو أسلم حيوانا في طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و إن كان بائعا- كان مبدئه بعد القبض و تمثيله بما ذكر مبني علي اختصاص الخيار بالحيوان المعين و قد تقدم التردد في ذلك ثم إن ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف و لو قبل القبض يدل علي أنه لا يعتبر في الخيار و الملك لكن لا بد له من أثر و قد تقدم الإشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.

مسألة لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام

لا لدخول الليل في مفهوم اليوم بل للاستمرار المستفاد من الخارج و لا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار و لو عقد في الليل فالظاهر بقاء الخيار إلي آخر اليوم الثالث و يحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد لكن فيه أنه يصدق حينئذ الأقل من ثلاثة أيام و الإطلاق علي المقدار المساوي للنهار و لو من الليل خلاف الظاهر قيل و المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة فتدخل الثالثة و إلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد انتهي فإن أراد الليلة السابقة علي الأيام فهو حسن إلا أنه لا يعلل بما ذكر و إن أراد الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث في خصوص النهار بل نقول إن اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في مجموع النهار و الليل أو مقدارهما و لا في باقي النهار و لو ملفقا من الليل و المراد من الثلاثة أيام هي بلياليها أي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس اللفظ و إنما أريد من جهة الإجماع و ظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار فكأنه قال الخيار يستمر إلي أن يمضي ست و ثلاثون ساعة من النهار.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها اشتراط سقوطه في العقد

و لو شرط سقوط بعضه فقد صرح بعض بالصحة و لا بأس به.

و الثاني إسقاطه بعد العقد

و قد تقدم الأمران.

و الثالث التصرف

و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار و يدل عليه قبل الإجماع النصوص
المكاسب، ج‌3، ص 226
ففي صحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه و لا شرط له قيل له و ما الحدث قال إن لامس أو قبل أو نظر منها إلي ما كان محرما عليه قبل الشراء و صحيحة الصفار: كتبت إلي أبي محمد ع في الرجل اشتري دابة من رجل فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ فوقع ع إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله و في ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد قلت له: أ رأيت إن قبلها المشتري أو لامس فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلي ما يحرم علي غيره فقد انقضي الشرط و لزم البيع و استدل عليه في التذكرة بعد الإجماع بأن التصرف دليل الرضا و في موضع آخر منها أنه دليل الرضا بلزوم العقد و في موضع آخر منها كما في الغنية أن التصرف إجازة. أقول المراد بالحدث إن كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك إلا برضاه كما يشير إليه قوله أو نظر إلي ما كان يحرم عليه قبل الشراء فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا كما صرح به في التذكرة في بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من أنه لو استخدمه بشي‌ء خفيف مثل اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب سقط الرد ثم استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق التصرف و قال أيضا لو كان له علي الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليهما بطل الرد لأنه استعمال و انتفاع انتهي. و قال في موضع من التذكرة عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الرد انتهي. و هو في غاية الإشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث و عدم دلالة ذلك علي الرضا بلزوم العقد مع أن من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن ذلك في أثناء الثلاثة فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع أنهم ذكروا أن الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي أمور خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري و كيف يطلع الإنسان علي ذلك بدون النظر إلي الجارية و لمسها و أمرها بغلق الباب و السقي و شبه ذلك و إن كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته علي الرضا بلزوم العقد كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب. و يظهر من استدلال العلامة و غيره علي المسألة بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد فهو لا يناسب إطلاقهم الحكم بإسقاط التصرفات التي ذكروها و دعوي أن جميعها مما يدل لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد فيكون إجازة فعلية كما تري

[المراد من فذلك رضي منه في صحيحة ابن رئاب]

اشارة

ثم إن قوله ع في الصحيحة فذلك رضي منه يراد منه الرضا بالعقد في مقابلة كراهة ضده أعني الفسخ و إلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد إلي حين الفسخ و يشهد لهذا المعني رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله ص: في رجل اشتري عبدا بشرط إلي ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستحلف بالله تعالي ما رضيه ثم بري‌ء من الضمان فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد و الاستحلاف في الرواية محمولة علي سماع دعوي التهمة أو علي صورة حصول القطع للبائع بذلك إذا عرفت هذا

فقوله ع فذلك رضاء منه و لا شرط له يحتمل وجوها

أحدها أن يكون الجملة جوابا للشرط

فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و إن لم يكن التزاما عرفا.

الثاني أن يكون توطئة للجواب

و هو قوله و لا شرط له لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقة فيكون إشارة إلي أن الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا علي الرضا نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما فإنه لا يعتبر في الافتراق دلالة علي الرضا و علي هذين المعنيين فكل تصرف مسقط و إن علم عدم دلالته علي الرضا.

الثالث أن يكون الجملة إخبارا عن الواقع

نظرا إلي الغالب و ملاحظة نوع التصرف لو خلي و طبعه و يكون علة للجواب فيكون نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا علي الرضا بلزوم العقد و بعد ملاحظة وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدي علته كما في قوله لا تأكل الرمان لأنه حامض دل علي اختصاص الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك أي دالا بالنوع غالبا علي التزام العقد و إن لم يدل في شخص المقام فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا نظير ظهور الألفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة كما إذا دل الحال أو المقال علي وقوع التصرف للاختبار أو اشتباها بعين أخري مملوكة له و يدخل فيه كلما يدل نوعا علي الرضا و إن لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع و الإذن للبائع في التصرف فيه

الرابع أن يكون إخبارا عن الواقع

و يكون العلة هي نفس الرضا الفعلي الشخصي و يكون إطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار

[المناقشة في الاحتمالين الأولين]

ثم إن الاحتمالين الأولين و إن كانا موافقين لإطلاق سائر الأخبار و إطلاقات بعض كلماتهم مثل ما تقدم من التذكرة من أن مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط و كذا غيره كالمحقق و الشهيد الثانيين بل لإطلاق بعض معاقد الإجماع إلا أنهما بعيدان عن ظاهر الخبر مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ- بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة علي الرضا كما سيجي‌ء. و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا و إن لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري علي ما صرح به في التحرير و الدروس فعلم أن العبرة بالرضا و إنما اعتبر التصرف للدلالة و ورود النص أيضا بأن العرض علي البيع إجازة مع أنه ليس حدثا عرفا و مما يؤيد عدم إرادة الأصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته علي الرضا حكمهم بأن كل تصرف يكون إجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه إجازة إلي كونه فسخا.
و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول و بالفعل و ذكر التصرف مثالا للفسخ و الإجازة الفعليين فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف
المكاسب، ج‌3، ص 227
مسقطا لا للدلالة علي الرضا بأن الأصحاب يعدونه في مقابل الإجازة.

[المناقشة في الاحتمال الرابع]

و أما المعني الرابع فهو و إن كان أظهر الاحتمالات من حيث اللفظ بل جزم به في الدروس و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله بن الحسن بن زيد الحاكية للنبوي الدال كما في الدروس أيضا علي الاعتبار بنفس الرضا و ظاهر بعض كلماتهم الآتية أن المستفاد من تتبع الفتاوي الإجماع علي عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد مع أن أظهريته بالنسبة إلي المعني الثالث غير واضحة

فتعين إرادة المعني الثالث

اشارة

و محصله دلالة التصرف لو خلي و طبعه علي الالتزام و إن لم يفد في خصوص المقام فيكون التصرف إجازة فعلية في مقابل الإجازة القولية و هذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.

[الاستشهاد بكلمات الفقهاء عليه]

قال في المقنعة إن هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع إلا أن يحدث فيه المبتاع حدثا يدل علي الرضا بالابتياع انتهي. و مثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر إلي الأمة إلي ما يحرم لغير المالك. و قال في المبسوط في أحكام العيوب إذا كان المبيع بهيمة و أصاب بها عيبا فله ردها و إذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها- و سقيها و علفها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها ثم قال و لا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي‌ء من ذلك انتهي و في الغنية لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل علي الرضا انتهي و قال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يحدث فيه حدثا يدل علي الرضا انتهي و في السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلي ثلاثة أيام قال هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل علي الرضا و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته أو يكون لمثل ذلك التصرف أجرة بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها أو يدبرها تدبيرا ليس له الرجوع فيه كالمنذور انتهي و قال في موضع آخر إذا لم يتصرف فيه يؤذن بالرضا في العادة و أما العلامة رحمه الله فقد عرفت أنه استدل علي أصل الحكم بأن التصرف دليل الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت لم يكن ذلك رضاء بها ثم قال و لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكه و لو حلبها في طريقه فالأقرب أنه تصرف يؤذن بالرضا. و في التحرير في مسألة سقوط رد المعيب بالتصرف قال و كذا لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا و قال في الدروس استثني بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها إذ بها يعرف حالها ليختبر و ليس ببعيد و قال المحقق الكركي لو تصرف ذو الخيار غير عالم كأن ظنها جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة ففي الحكم تردد ينشأ من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف و من أنه غير قاصد إلي لزوم البيع إذ لو علم لم يفعل و التصرف إنما عد مسقطا لدلالته علي الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا ثم قال و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد أن لا يعد و كذا لو أراد ردها و حلبها لأخذ اللبن علي إشكال ينشأ من أنه ملكه فله استخلاصه انتهي. و حكي عنه في موضع آخر أنه قال و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي انتهي.
و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به و يحتمل أن يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختيار و الحفظ هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام الظاهرة في المعني الثالث و حاصله التصرف علي وجه يدل عرفا لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد ليكون إسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة علي وقوعه لا عن الالتزام لكن يبقي الإشكال المتقدم سابقا من أن أكثر أمثلة التصرف المذكورة في النصوص و الفتاوي ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة أو التردد أو العزم علي الفسخ مطلقا أو إذا اطلع علي ما يوجب زهده فيه فهي غير دالة في نفسها عرفا علي الرضا و منه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأن الغالب في التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا يسقط بها الخيار إذ فيه أن هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضاء لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاء هو ظهوره فيه عرفا من أجل الغلبة فإذا فرض أن الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها لا عن التزام للعقد بل مع العزم علي الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة كان تعليل الحكم علي المطلق بهذه العلة الغير الموجودة إلا في قليل من أفراده مستهجنا.
و أما الاستشهاد لذلك بما سيجي‌ء من أن تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا و ليس ذلك إلا من جهة صدوره لا عن التزام بالعقد بل مع العزم علي الفسخ برد مثل الثمن ففيه ما سيجي‌ء. و مما ذكرنا من استهجان التعليل علي تقدير كون غالب التصرفات واقعة لا عن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني حمل الأخبار المتقدمة علي صورة دلالة التصرفات المذكورة علي الرضا بلزوم العقد جمعا بينها و بين ما دل من الأخبار علي عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد المتوفي في زمان الخيار و عدمه و إنما أنيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي و مثل الخبر المصحح: في رجل اشتري شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم رد قال إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء و نحوه الآخر و ما فيهما من رد ثلاثة أمداد لعله محمول علي الاستحباب مع أن ترك العمل به لا يوجب رد الرواية فتأمل. و قد أفتي بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها أياما ثم وجد المشتري فيها عيبا ثم قال و قيل ليس له ردها
المكاسب، ج‌3، ص 228
لأنه تصرف بالحلب. و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوي الظاهرين في كون التصرف مسقطا لدلالته علي الرضا بلزوم العقد و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من الفتاوي خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد و التردد فيه و في التصرف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الإشكال و الله العالم بحقيقة الحال

الثالث خيار الشرط

اشارة

أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد و لا خلاف في صحة هذا الشرط و لا في أنه لا يتقدر بحد عندنا- و نقل الإجماع عليه مستفيض الأصل فيه قبل ذلك الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما استثني و الأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة. فمن الأولي الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوي تواتره: إن المسلمين عند شروطهم و يزيد في صحيحة ابن سنان: إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز. و في موثقة إسحاق بن عمار: إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما نعم في صحيحة أخري لابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للإجماع علي عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب. و تمام الكلام في معني هذه الأخبار و توضيح المراد منه الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد إن شاء الله-

و المقصود هنا بيان أحكام الخيار المشترط في العقد

اشارة

و هي تظهر برسم مسائل-

مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه

لعموم أدلة الشرط قال في التذكرة لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي و استدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم و رد بعدم المانع من ذلك مع أنه كما في التذكرة منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية. نعم يشترط تعيين المدة فلو تراضيا علي مدة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه صريحا لصيرورة المعاملة بذلك غررية و لا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات و إقدام العقلاء عليه أحيانا فإن المستفاد من تتبع أحكام المعاملات عدم رضاء الشارع بذلك إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين. و بالجملة فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلي المداقة و إلا لم يكن بيع الجزاف و ما تعذر تسليمه و الثمن المحتمل للتفاوت القليل و غير ذلك من الجهالات غررا لتسامح الناس في غير مقام الحاجة إلي المداقة في أكثر الجهالات و لعل هذا مراد بعض الأساطين من قوله إن دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته في العرف و إلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه إلا إلي العرف. نعم الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلي التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا كتفاوت المكاييل و الموازين. و يشير إلي ما ذكرنا الأخبار الدالة علي اعتبار كون السلم إلي أجل معلوم و خصوص موثقة غياث:
لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلي أجل معلوم لا يسلم إلي دياس أو إلي حصاد مع أن التأجيل إلي الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الإحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع و ربما يستدل علي ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لأنه غرر و فيه أن كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة ففي الثاني يفسد الشرط و يتبعه البيع و في الأول يفسد البيع فيلغو الشرط اللهم إلا أن يراد أن نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر و إن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون مخالفا للكتاب و السنة لكن لا يخفي سراية الغرر إلي البيع فيكون الاستناد في فساده إلي فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفا.

مسألة لا فرق في بطلان العقد- بين ذكر المدة المجهولة

كقدوم الحاج و بين عدم ذكر المدة أصلا كأن يقول بعتك علي أن يكون لي الخيار و بين ذكر المدة المطلقة كأن يقول بعتك علي أن يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر- خلافا للمحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبي فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة أيام و يحتمل حمل الثالثة عليها- و عن الانتصار و الغنية و الجواهر الإجماع عليه- و في محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به و لا شك أن هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبار فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة و لذا مال إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول إلا عن الشيخ قدس سره و أوله بإرادة خيار الحيوان. و عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الجزم به و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من أنه ليس في الأدلة ما يخالفه إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع و إن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته. و زاد في مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يؤول إلي العلم الحاصل من الشرع و فيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من أن بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد و التحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص- و هو إهمال مدة الخيار. و الحاصل أن الدعوي في تخصيص أدلة نفي الغرر لا في تخصصها و الإنصاف أن ما ذكرنا من حكاية الأخبار و نقل الإجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر لأن الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي‌ء من هذه الأخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار أنه عول في هذه الدعوي علي اجتهاده في دلالة الأخبار الواردة في شرط الحيوان و لا ريب أن الإجماعات المحكية إنما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل حينئذ علي نفس الجابر و لا حاجة إلي ضم المنجبر إذ نعلم إجمالا أن المجمعين اعتمدوا علي دلالات اجتهادية استنبطوها من الأخبار- و لا ريب أن المستند غالبا في إجماعات القاضي و ابن زهرة إجماع السيد في الانتصار. نعم قد روي في
المكاسب، ج‌3، ص 229
كتب العامة أن حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة أصابته في رأسه فقال له النبي ص: إذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلاثا. و في رواية و لك الخيار ثلاثا و الخلابة الخديعة في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفي و جبرها بالإجماعات كما تري إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين إلي خلافها في الخروج عن قاعدة الغرر مشكل بل غير صحيح فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة ثم إنه ربما يقال ببطلان الشرط دون العقد- و لعله مبني علي أن فساد الشرط لا يوجب فساد العقد. و فيه أن هذا علي القول به فيما إذا لم يوجب الشرط فسادا في أصل البيع كما فيما نحن فيه حيث إن جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و إلا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط إلي المشروط و سيجي‌ء تمام الكلام في مسألة الشروط.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأنه المتبادر من الإطلاق و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدؤه أول جزء من ذلك الزمان فلو شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان بناء علي أن مبدأه من حين العقد و لو جعل مبدأه من حين التفرق بطل لأدائه إلي جهالة مدة الخيار. و عن الشيخ و الحلي أن مبدأه من حين التفرق و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته. نعم يمكن أن يقال هنا إن المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد كما أشار إليه في السرائر لكن لو تم هذا لاقتضي كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة- مع أن هذا إنما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس و إلا فمع الجهل به لا يقصد إلا الجهل من حين العقد بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما

مسألة يصح جعل الخيار لأجنبي

قال في التذكرة لو باع العبد و شرط الخيار للعبد- صح البيع و الشرط عندنا معا و حكي عنه الإجماع في الأجنبي قال لأن العبد بمنزلة الأجنبي و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار فإن اختلفوا في الفسخ و الإجارة قدم الفاسخ لأن مرجع الإجازة إلي إسقاط خيار المجيز خاصة بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك و عن الوسيلة أنه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو إمضاء نفذ و إن لم يجتمعا بطل و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء انتهي و في الدروس و يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما و لو خولف أمكن اعتبار فعله و إلا لم يكن لذكره فائدة انتهي. أقول و لو لم يمض فسخ الأجنبي مع إجازته و المفروض عدم مضي إجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة ثم إنه ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل و لعله لتبادره من الإطلاق و إلا فمقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة فتعليل وجوب مراعاة الأصلح بكونه أمينا لا يخلو عن نظر ثم إنه ربما يتخيل أن اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع نظرا إلي أن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل كخياري المجلس و الشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين و هو ضعيف لمنع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعا و لا عقلا بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و إن كان أجنبيا فحينئذ يجوز للمتبائعين اشتراط حق للأجنبي في العقد و سيجي‌ء نظيره في إرث الزوجة للخيار مع عدم إرثها من العين.

مسألة يجوز لهما اشتراط الاستيمار

بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي في أمر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء و علي الأول فإن فسخ المشروط عليه من دون استيمار لم ينفذ و لو استأمره فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستيمار بل الالتزام بأمره مع أنه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ و إن أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ إذ لا معني لوجوب الفسخ عليه أما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض أن الثالث لا سلطنة له علي الفسخ و المتعاقدان لا يريدانه و أما مع طلب الآخر للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ علي المستأمر بالكسر راجع إلي حق لصاحبه عليه فإن اقتضي اشتراط الاستيمار ذلك الحق علي صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه علي الفسخ فيرجع اشتراط الاستيمار إلي شرط لكل منهما علي صاحبه. و الحاصل أن اشتراط الاستيمار من واحد منهما علي صاحبه إنما يقتضي ملكه للفسخ إذا أذن له الثالث المستأمر و اشتراطه لكل منهما علي صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الإذن. و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني و هو الائتمار بأمره الابتدائي فإنه إن كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به و إن كان لكل منهما ملكا كذلك ثم في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة و عدمه وجهان أوجههما العدم إن لم يستفد الاعتبار من إطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

مسألة من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع و يقال له بيع الخيار

و هو جائز عندنا كما في التذكرة و عن غيرها الإجماع عليه و هو أن يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها و يرتجع المبيع
و الأصل فيه بعد العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة
منها موثقة إسحاق بن عمار
قال سمعت من يسأل أبا عبد الله ع يقول و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلي بيع داره فمشي فجاء إلي أخيه فقال له أبيعك داري هذه و يكون لك أحب إلي من أن يكون لغيرك علي أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها إلي سنة تردها علي قال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه قلت أ رأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة فقال الغلة للمشتري أ لا تري أنها لو احترقت كانت من ماله
و رواية معاوية بن ميسرة
قال سمعت أبا الجارود: يسأل أبا عبد الله ع عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الذي اشتري منه الدار خلطة- فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له أبو الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين قال هو ماله و قال ع
المكاسب، ج‌3، ص 230
أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري
و عن سعيد بن يسار
في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا نخالط أناسا من أهل السود أو غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم في العشرة اثني عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها و يكتب لنا رجل منهم علي داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه باع و قبض الثمن منه فنعده إن جاء هو بالمال إلي وقت بيننا و بينهم أن ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما تري في هذا الشراء قال أري أنه لك إن لم يفعله و إن جاء بالمال الموقت فرد عليه
و عن أبي الجارود
عن أبي جعفر ع قال: إن بعت رجلا علي شرط فإن أتاك بمالك و إلا فالبيع لك.
إذا عرفت هذا
فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور
الأول أن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار- يتصور علي وجوه
أحدها أن يؤخذ قيدا للخيار علي وجه التعليق أو التوقيت
فلا خيار قبله و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد و لو بقليل و لا خيار قبل الرد و المراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه و إن أبي المشتري.
الثاني أن يؤخذ قيدا للفسخ
بمعني أن له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة و التسلط علي الفسخ علي وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه.
الثالث أن يكون رد الثمن فسخا فعليا
بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع و عليه حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدالة علي عود المبيع بمجرد رد الثمن.
الرابع أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد
فمرجع ثبوت الخيار له إلي كونه مسلطا علي سبب الانفساخ لا علي مباشرة الفسخ و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار و موثقة إسحاق بن عمار و عنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار أصلا و إنما ذكره في أمثلة الشروط الجائزة في متن العقد قال إن يبيع و يشترط علي المشتري إن رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له انتهي.
الخامس أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة علي المشتري
بأن يلتزم المشتري علي نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن و استقالة و هو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا علي أن يقيله في وقت كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة انتهي فإن أبي أجبره الحاكم أو أقال عنه و إلا استقل بالفسخ و هو محتمل روايتي سعيد بن يسار و إسحاق بن عمار علي أن يكون رد المبيع البيع فيهما كناية عن ملزومه و هي الإقالة لا أن يكون وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد رد الثمن علي ما فهمه الأصحاب و مرجعه إلي أحد الأولين- . و الأظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثاني
[صحة الأنحاء المذكورة عدا الرابع]
لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع فإنه فيه إشكالا من جهة أن انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه مخالفة المشروع من توقف المسببات علي أسبابها الشرعية و سيجي‌ء في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.
الأمر الثاني الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة و إما أن يكون معينا
و علي كل تقدير إما أن يكون قد قبضه و إما لم يقبضه فإن لم يقبضه فله الخيار و إن لم يتحقق رد الثمن لأنه شرط علي تقدير قبضه و إن لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع و يحتمل العدم بناء علي أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله و إن قبض الثمن المعين فإما أن يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه أو مطلقا أو و لو مع التمكن منه علي الإشكال من الأخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الإمكان و في جواز اشتراط رد القيمة في المثلي و بالعكس وجهان- و إما أن يطلق فعلي الأول لا خيار إلا برد العين فلو تلف لا من البائع فالظاهر عدم الخيار- إلا أن يكون إطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه بإتلاف البائع فيبقي الخيار في إتلاف غيره علي حاله و فيه نظر. و علي الثاني فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط. و أما الثالث فمقتضي ظاهر الشرط فيه رد العين و يظهر من إطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع أن الإطلاق لا يحمل علي العين و يحتمل حمله علي الثمن الكلي و سيأتي و إن كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة سواء قلنا إنه عين الثمن أو بدله من حيث إن ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له فكأنه تلف المراد برده المشترط رد بدله و إن لم يكن الثمن في ذمة البائع و قبضه فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة فالحكم علي مقتضي الشرط و إن أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل إما مطلقا أو مع فقد العين و يدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة إلا أن المتيقن منها صورة فقد العين.
الأمر الثالث [هل يكفي مجرد رد الثمن في الفسخ]
قيل ظاهر الأصحاب بناء علي ما تقدم من أن رد الثمن في هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ و صرح به في الدروس و غيره و لعل منشأ الظهور أن هذا القسم فرد من خيار الشرط مع اعتبار شي‌ء زائد فيه و هو رد الثمن و عللوا ذلك أيضا بأن الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ أصلا و هو حسن مع عدم الدلالة أما لو فرض الدلالة عرفا إما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع علي وجه المعاطاة و إما بأن يدل الرد بنفسه علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفي من ذلك دلالة و ما قيل من أن الرد يدل علي إرادة الفسخ و الإرادة غير المراد ففيه أن المدعي دلالته علي إرادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري و لا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا مع أن ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به.
الأمر الرابع- يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد
علي الوجه الثاني من الوجهين الأولين بل و علي الوجه الأول بناء علي أن تحقق السبب و هو العقد كاف في صحة إسقاط الحق- لكن مقتضي ما صرح به في التذكرة من أنه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان
المكاسب، ج‌3، ص 231
بعد العقد بناء علي حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز أيضا إلا أن يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد و لو من حيث تملكه للرد الموجب له فله إسقاطه بخلاف ما في التذكرة و يسقط أيضا بانقضاء المدة و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علي التفصيل المتقدم و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و له الاستبدال و يسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين مع اشتراط رد العين أو حمل الإطلاق عليه و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الإطلاق علي اعتبار رد عين المدفوع كل ذلك لإطلاق ما دل علي أن تصرف ذي الخيار- فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار و قد عمل الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس و الشرط. و المحكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية- أن الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن لأن المدار في هذا الخيار عليه لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك و المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد علي ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب بما محصله أن التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار إلا بعد الرد و لا ينافي شي‌ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله و إن كان قادرا علي إيجاد سببه فيه إذ المدار علي الفعل لا علي القوة علي أنه لا يتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا انتهي محصل كلامه و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بأن ذلك يقتضي جهالة مبدء الخيار و بأن الظاهر من إطلاق العرف و تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ بتوقف الملك علي انقضاء الخيار ببعض الأخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة علي أن غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار انتهي. أقول في أصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر أما الأول فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب و أما بناء هذا العقد علي التصرف فهو من جهة أن الغالب المتعارف البيع بالثمن الكلي و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن و لذا قوينا حمل الإطلاق في هذه الصورة علي ما يعم البدل و حينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا علي الرضا بلزوم العقد إذ لا منافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف إطلاقه أو من جهة تواطؤ المتعاقدين علي ثبوت الخيار مع التصرف أيضا أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن و قد مر أن السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتي المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد. و أما الثاني فلأن المستفاد من النص و الفتوي كما عرفت كون التصرف مسقطا فعليا كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح إسقاطه بالقول و الظاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرد هذا مع أن حدوث الخيار بعد الرد مبني علي الوجه الأول المتقدم من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار و لا دليل علي تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس بل الظاهر من عبارة غير واحد هو الثاني أو نقول إن المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار و قد يؤخذ قيدا للفسخ. نعم لو جعل الخيار و الرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد و جاء فيه الإشكال في صحة الإسقاط هنا و لو قولا من عدم تحقق الخيار و من تحقق سببه. و أما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار ففيه أنها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط علي الرد و الفسخ بعده إنشاء. نعم ذكر في التذكرة أنه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الإطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر بالتأمل و أما الاستشهاد عليه بحكم العرف ففيه أن زمان الخيار عرفا لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا أو بجعل المتعاقدين و المفروض أن الخيار هنا جعلي فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين و أما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض أخبار
المسألة فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار مطلقا حتي المنفصل كما لا يبعد عن إطلاق كلامه و إطلاق ما استدل له به من الأخبار.
الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري
سواء كان قبل الرد أو بعده و نماؤه أيضا له مطلقا و الظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن أو بدله و يحتمل عدم الخيار بناء علي أن مورد هذا الخيار هو إلزام أن له رد الثمن و ارتجاع البيع و ظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط فلا يجوز للمشتري إتلاف المبيع كما سيجي‌ء في أحكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله و لا يتم إلا بالتزام إبقائه للبائع و لو تلف الثمن فإن كان بعد الرد و قبل الفسخ فمقتضي ما سيجي‌ء من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدعي اختصاصها بالمبيع- كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة و لم أعرف وجه الاستظهار إذ ليس فيها إلا أن نماء الثمن للبائع و تلف المبيع من المشتري و هما إجماعيان حتي في مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما إلي تلك الرواية و لا يكون الرواية مخالفة للقاعدة و إنما المخالف لها هي قاعدة أن الخراج بالضمان إذا انضمت إلي الإجماع لي كون النماء للمالك. نعم الإشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع أفراد الخيار لكن الظاهر من إطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن و اختصاصها بالخيارات الثلاثة أعني خيار المجلس و الشرط و الحيوان و سيجي‌ء الكلام في أحكام الخيار و إن كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء علي عدم ثبوت الخيار
المكاسب، ج‌3، ص 232
قبل الرد و فيه ما عرفت من منع المبني منع البناء فإن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه و هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو بمنفصل كما يقتضيه أخبار تلك المسألة كما سيجي‌ء ثم إن قلنا بأن تلف الثمن من المشتري انفسخ البيع و إن قلنا بأنه من البائع فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل و يرتجع المبيع.
الأمر السادس لا إشكال في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري أو برده علي وكيله المطلق أو الحاكم أو العدول
مع التصريح بذلك في العقد و إن كان المشروط هو رده إلي المشتري مع عدم التصريح ببدله فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها أو شرعا لجنون و نحوه ففي حصول الشرط برده إلي الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله قولان و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق علي عدم لزوم رد الثمن إلي المشتري مع غيبته حيث إنه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار و أنه لا اعتبار بالإشهاد خلافا لبعض علمائنا قال إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري و جعل الثمن أمانة إلي أن يجي‌ء المشتري و إن كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة انتهي. أقول لم أجد فيما رأيت من تعرض الحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتي يحضر المشتري و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل العامة و بعض الخاصة حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم و لا تنافي بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ و هو رد الثمن إلي المشتري مع أن ما ذكره من أخبار المسألة- لا يدل علي اعتبار حضور الخصم في الفسخ و إن كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد إلا أن الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان بناء علي مغايرة الفسخ للرد و عدم الاكتفاء به عنه. نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن فافهم و كيف كان فالأقوي فيما لم يصرح باشتراط الرد إلي خصوص المشتري هو قيام الولي مقامه لأن الظاهر من الرد إلي المشتري حصوله عنده و تملكه له حتي لا يبقي الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ و لذا لو دفع إلي وارث المشتري كفي و كذا لو رد وارث البائع مع أن المصرح به في العقد رد البائع و ليس ذلك لأجل إرثه للخيار لأن ذلك متفرع علي عدم مدخلية خصوص البائع في الرد و كذا الكلام في وليه و دعوي أن الحاكم إنما يتصرف في مال الغائب- علي وجه الحفظ و المصلحة و الثمن قبل رده باق علي ملك البائع و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع علي الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتي يناط بالمصلحة بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن حتي يقال إن ولايته في القبول متوقفة علي المصلحة بل المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ. و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن- إلي عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب و شبهه و لو اشتري الأب للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن إلي الولي الآخر أعني الجد مطلقا أو مع عدم التمكن من الرد إلي الأب أو لا وجوه و يجري مثلها فيما لو اشتري الحاكم للصغير فرد البائع إلي حاكم آخر و ليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأول حتي لا يجوز قبوله للثمن و لا يجري ولايته بالنسبة إلي هذه المعاملة بناء علي عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الأمور لما عرفت من أن أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز أن يتملك الثمن عن المشتري عند فسخه جاز له الفسخ و ليس في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا مزاحمة لكن الأظهر أنها مزاحمة عرفا.
الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن- لم يكن له ذلك إلا برد الجميع
فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع و الظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه علي وجه التمنية إلا أن يصرح بكونها أمانة عنده إلي أن يجتمع قدر الثمن فينفسخ البائع و لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع و للمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة و هل له ذلك قبل خروجها الوجه ذلك و يجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن في المدة بل بجزء غير معين فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.
الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن
و لا إشكال في انصراف الإطلاق إلي العين و لا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه لأن مرجعه إلي اشتراط الخيار برد المبيع مع وجوده و بدله مع تلفه و عدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ و في جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين إشكال من أنه خلاف مقتضي الفسخ لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين إلي صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ علي وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة. نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي و بالقيمة في المثلي أمكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط إيفاء ما في الذمة بغير جنسه لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة و القيمي بالمثل و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد إلي البائع فتأمل و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله و الله العالم.

مسألة لا إشكال و لا خلاف- في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع- و جريانه في كل معاوضة لازمة

اشارة

المكاسب، ج‌3، ص 233
كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة بل قال في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور. و مراده ما يكون لازما لأنه صرح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معني لدخول خيار الشرط فيه.

و الأصل في ما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم

بل الظاهر المصرح به في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة إلا أن يدعي من الخارج عدم معني للخيار في العقد الجائز و لو من الطرف الواحد. فعن الشرائع و الإرشاد و الدروس و تعليق الإرشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط في كل عقد سوي النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق و ظاهرها ما عدا الجائز و لذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أن مقتضي عموم أدلة الشرط الصحة في الكل و إنما الإخراج لمانع. و لذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره أنه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان المؤمنون عند شروطهم

فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم

اشارة

فنقول

أما الإيقاعات

فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر علي عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الأخبار و الإيقاع إنما يقوم بواحد و فيه أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه لا كونه متوقفا علي الإيجاب و القبول أ لا تري أنهم جوزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمة مدة تمسكا بعموم المؤمنون عند شروطهم. غاية الأمر توقف لزومه كاشتراط مال علي العبد علي قبول العبد علي قول بعض لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي إمكان منع صدق الشرط و انصرافه خصوصا علي ما تقدم عن القاموس بعدم مشروعية الفسخ في الإيقاعات حتي تقبل لاشتراط التسلط علي الفسخ فيها. و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق بل هو حكم شرعي في بعض أقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده بل و لا السقوط في مورده و مرجع هذا إلي أن مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها بخلاف الإيقاعات فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتي يصح اشتراط ذلك فيها. و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه بناء علي أن اللزوم في الإيقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه في متن الإيقاع هذا كله مضافا إلي الإجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر علي عدم دخوله في العتق و الطلاق و إجماع المسالك علي عدم دخوله في العتق و الإبراء. و مما ذكرنا في الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمن الإيقاع- و لو كان عقدا كالصلح المفيد فائدة الإبراء كما في التحرير و جامع المقاصد و في غاية المرام أن الصلح إن وقع معاوضة دخله خيار الشرط و إن وقع عما في الذمة مع جهالته أو علي إسقاط الدعوي قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم انتهي. و الكبري المذكورة في كلامه راجعة إلي ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات و لا أقل من الشك في ذلك الراجع إلي الشك في سببية الفسخ لرفع الإيقاع.

و أما العقود

اشارة

فمنها ما لا يدخله اتفاقا و منها ما اختلف فيه و منها ما يدخله اتفاقا.

فالأول النكاح

فإنه لا يدخله اتفاقا كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و جامع المقاصد و المسالك الإجماع عليه و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق و عدم مشروعية التقايل فيه.

و من الثاني الوقف

فإن المشهور عدم دخوله فيه و عن المسالك أنه موضع وفاق و يظهر من محكي السرائر و الدروس وجود الخلاف فيه و ربما علل باشتراط القربة فيه و أنه فك ملك بغير عوض و الكبري في الصغريين ممنوعة. و يمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه أحق بالوقف عند الحاجة- و هي قوله ع: من أوقف أرضا ثم قال إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع في الميراث و قريب منها غيرها و في دلالتها علي المدعي تأمل. و يظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة- تجويز اشتراط الخيار في الوقف و لعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر و الدروس. و أما حكم الصدقة فالظاهر أنه حكم الوقف قال في التذكرة في باب الوقف إنه يشترط في الوقف الإلزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة انتهي. لكن قال في باب خيار الشرط أما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها و إن اختل أحد القيود لزمت و هل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك انتهي. و ظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتي الصدقة و كيف كان فالأقوي عدم دخوله فيها لعموم ما دل علي أنه لا يرجع فيما كان لله- بناء علي أن المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة و لو شك في ذلك كفي في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها و توهم إمكان إثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع. و منه الصلح فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة دخول الخيار فيه مطلقا بل عن المهذب البارع في باب الصلح الإجماع علي دخوله فيه بقول مطلق و ظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا و قد تقدم التفصيل عن التحرير- و جامع المقاصد و غاية المرام و لا يخلو عن قرب لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الإبراء أو ما
المكاسب، ج‌3، ص 234
يفيد فائدته. و منه الضمان فإن المحكي عن ضمان التذكرة و القواعد عدم دخول خيار الشرط فيه و هو ظاهر المبسوط و الأقوي دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه. و منه الرهن فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين و الخيار ينافي الاستيثاق و لعله لذا استشكل في التحرير و هو ظاهر المبسوط و مرجعه إلي أن مقتضي طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة و الخيار مناف لذلك و فيه أن غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين. و منه الصرف فإن صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه مدعين علي ذلك الإجماع و لعله لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف و السلم من أن المقصود من اعتبار التقابض فيهما أن يفترقا و لا يبقي بينهما علقة و لو أثبتنا الخيار بقيت العلقة و الملازمة ممنوعة كما في التذكرة و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف و إن استشكله أولا كما في القواعد.

و من الثالث أقسام البيع ما عدا الصرف و مطلق الإجارة و المزارعة و المساقاة

و غير ما ذكر من موارد الخلاف فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.

[هل يدخل خيار الشرط في القسمة]

و اعلم أنه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة- و إن لم يكن فيها رد و لا يتصور إلا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام. و أما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه بناء علي وجوب ذكر الشرط في متن العقد و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة و إن قلنا بلزومها من أول الأمر أو بعد التلف و السر في ذلك أن الشرط القولي- لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي و ذكر فيهما أيضا دخول الخيار في الصداق و لعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل و فيه نظر و ذكر في المبسوط أيضا دخول هذا الخيار في السبق و الرماية للعموم. أقول و الأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في العقد فمتي شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد علي سلطنة أحدهما أو كليهما علي الفسخ فإن إقدامه علي ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه علي نفسه فيكون أمر الشارع إياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه و إن لم يرض فعلا و أما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه لأنه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما فالالتزام حين العقد لسلطنة أحدهما عليه لا يحدث له أثرا لما عرفت من أن الالتزام حين العقد لا يفيد إلا فائدة الرضا الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا و الله العالم

الرابع خيار الغبن

[الغبن لغة و اصطلاحا]

و أصله الخديعة قال في الصحاح هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي و هو في اصطلاح الفقهاء- تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر و تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا مع أنه قد لا يكون خدع أصلا كما لو كانا جاهلين لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع. و المراد بما يزيد أو ينقص العوض مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط- فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم و هكذا غيره من الشروط و الظاهر أن كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه بخلاف الجهل بقيمته ثم إن ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الأصحاب- و نسبه في التذكرة إلي علمائنا و عن نهج الحق نسبته إلي الإمامية و عن الغنية و المختلف الإجماع عليه صريحا. نعم المحكي عن المحقق قدس سره في درسه إنكاره و لا يعد ذلك خلافا في المسألة كسكوت جماعة عن التعرض له. نعم حكي عن الإسكافي منعه و هو شاذ

و استدل في التذكرة علي هذا الخيار بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

قال و معلوم أن المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه أن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود و هو عدم نقصه عنه في المالية فكأنه قال اشتريت هذا الذي يساوي درهما بدرهم فإذا تبين أنه لا يساوي درهما تبين أنه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع بأن كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها إلا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم و لم يرض به. فالآية إنما تدل علي عدم لزوم العقد فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي كان كالرضا السابق لفحوي حكم الفضولي و المكره و يضعف بمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس إلا من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا بل قد لا يكون داعيا أيضا كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته فقد يقدم علي أخذ الشي‌ء و إن كان ثمنه أضعاف قيمته و التفت إلي احتمال ذلك مع أن أخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد

[الأولي الاستدلال عليه بآية و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل]

و لو أبدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ كان أولي بناء علي أن أكل المال علي وجه الخدع ببيع ما يسوي درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه علي رد المعاملة و عدم نفوذ رده أكل المال بالباطل أما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد أكلا بالباطل. و مقتضي الآية و إن كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخدع إلا أنه خرج بالإجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ بناء علي ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي فمع التكافؤ يرجع إلي أصالة اللزوم إلا أن يقال إن التراضي مع الجهل بالحال يخرج عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا بالباطل و يمكن أن يقال إن آية التراضي تشمل غير صورة الخدع كما إذا أقدم المغبون علي شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته فيدل علي نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضة
المكاسب، ج‌3، ص 235
فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل و تكافؤهما إلي أصالة اللزوم.

[ما استدل به في التذكرة و المناقشة فيه]

و استدل أيضا في التذكرة بأن النبي ص أثبت الخيار في تلقي الركبان و إنما أثبته للغبن و يمكن أن يمنع صحة حكاية إثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

[الاستدلال بلا ضرر و ضرار]

و أقوي ما استدل به علي ذلك في التذكرة و غيرها- قوله ص: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام و كان وجه الاستدلال إن لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه و إضرار به فيكون منفيا.
فحاصل الرواية أن الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر و لم يسوغ إضرار المسلمين بعضهم بعضا و لم يمض لهم من المتصرفات ما فيه ضرر علي الممضي عليه.
و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا علي الممضي عليه سواء كان من جهة الغبن أم لا و سواء كان في البيع أم في غيره كالصلح غير المبني علي المسامحة و الإجارة و غيرها من المعاوضات هذا و لكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إذ يحتمل أن يتخير بين إمضاء العقد بكل الثمن و رده في المقدار الزائد غاية الأمر ثبوت الخيار للغابن لتبعض المال عليه فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشتري بأزيد من ثمن المثل و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في أن له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض كما عليه الأكثر في معاوضات المريض المشتملة علي المحاباة و إن اعترض عليهم العلامة بما حاصله أن استرداد بعض أحد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضي المعاوضة. و يحتمل أيضا أن يكون نفي اللزوم- بتسلط المغبون علي إلزام الغابن بأحد الأمرين من الفسخ في الكل و من تدارك ما فات علي المغبون برد القدر الزائد أو بدله و مرجعه إلي أن للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن التفاوت فالمبذول غرامة لما فات علي المغبون علي تقدير إمضاء البيع لا هبة مستقلة كما في الإيضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار و سيجي‌ء ذلك. و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة و احتمله في القواعد من أنه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإن مرجع هذا إلي تخيير البائع بين رد التفاوت و بين الالتزام بفسخ المشتري. و حاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل و لعل هذا هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل بل قول بعض بعدمه كما يظهر من الرياض ثم إن المبذول ليس هبة مستقلة حتي يقال إنها لا يخرج المعاملة المشتملة علي الغبن عن كونها مشتملة عليه و لا جزء من أحد العوضين حتي يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضي المعاوضة بل هو غرامة لما أتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الأرش في المعيب.

[ما استدل به علي عدم سقوط الخيار مع البذل و المناقشة فيه]

و من هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح و جامع المقاصد من الاستدلال علي عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لأنها هبة مستقلة حتي أنه لو دفعه علي وجه الاستحقاق لم يحل أخذه إذ لا ريب في أن من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره انتهي بمعناه وجه الخدشة ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما أتلفه الغابن علي المغبون قد دل عليه نفي الضرر. و أما الاستصحاب ففيه أن الشك في اندفاع الخيار بالبدل لا في ارتفاعه به إذ من المحتمل ثبوت الخيار علي الممتنع دون الباذل- ثم إن الظاهر أن تدارك ضرر المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين أولي من إثبات الخيار له لأن إلزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و إن لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون إلا أنه يصلح مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين علي ما اشتهر من تخييره بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إلا أن يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود اقتناءها للتجمل و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل فتأمل.

و قد يستدل علي الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن

اشارة

فعن الكافي بسنده إلي إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال: غبن المسترسل سحت و عن الميسر عن أبي عبد الله ع قال: غبن المؤمن حرام و في رواية أخري: لا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل و عن مجمع البحرين أن الاسترسال الاستيناس و الطمأنينة إلي الإنسان و الثقة به فيما يحدثه و أصله السكون و الثبات و منه الحديث: أيما مسلم استرسل إلي مسلم فغبنه فهو كذا و منه غبن المسترسل سحت انتهي. و يظهر منه أن ما ذكره أو لا حديث رابع

و الإنصاف عدم دلالتها علي المدعي

فإن ما عدا الرواية الأولي ظاهره في حرمة الخيانة في المشاورة فيحتمل كون الغبن بفتح الباء و أما الرواية الأولي فهي و إن كانت ظاهرة فيما يتعلق بالأموال لكن يحتمل حينئذ أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب علي أصل العمل و الخديعة في أخذ المال و يحتمل أن يراد كون المقدار الذي يأخذه زائدا علي ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل علي الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة و هي اطلاع المغبون و رده للمعاملة المغبون فيها و لا ريب أن الحمل علي أحد الأولين أولي و لا أقل من السماوات للثالث فلا دلالة

فالعمدة في المسألة الإجماع

المحكي المعتضد بالشهرة المحققة و حديث نفي الضرر بالنسبة إلي خصوص الممتنع عن بذل التفاوت

ثم إن تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل

مسألة يشترط في هذا الخيار أمران

الأول عدم علم المغبون بالقيمة

فلو علم بالقيمة فلا
المكاسب، ج‌3، ص 236
خيار- بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف و لا إشكال لأنه أقدم علي الضرر ثم إن الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا إليها و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه و لا بين الجهل المركب و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو الشك. و يشكل في الأخيرين إذا أقدم علي المعاملة بانيا علي المسامحة علي تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم بل الشاك في الشي‌ء إذا أقدم عليه بانيا علي تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي‌ء مما يعذر الغافل فيه. و الحاصل أن الشاك الملتفت إلي الضرر مقدم عليه و من أن مقتضي عموم نفي الضرر و إطلاق الإجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر خرج المقدم عليه عن علم بل مطلق الشاك ليس مقدما علي الضرر بل قد يقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم في الآثار ممنوعة حتي في استحقاق المدح و الذم لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الإقدام عليه و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه علي الغبن حالة أخري لو حصلت له قبل العقد لم يقدم عليه. نعم لو صرح في العقد بالالتزام به و لو علي تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلي إسقاط الغبن. و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و إن كان قادرا علي السؤال كما صرح به في التحرير و التذكرة و لو أقدم عالما علي غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار و لو أقدم علي ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه ثم إن المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع- لأن الزيادة إنما حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر كما لو بري‌ء المعيوب قبل الاطلاع علي عيبه بل في التذكرة أنه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد و أشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته. نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة في الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد في مقابلة الناقص لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فإنه لا عبرة بهما إجماعا كما في التذكرة ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد بل العبرة بعلم الموكل و جهله. نعم لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل و مع جهله يثبت الخيار للموكل إلا أن يكون عالما بالقيمة و بأن وكيله يعقد علي أزيد منها و يقرره له و إذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة إلا أن يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ فإنه كالولي حينئذ و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس- ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة إن تحققت و بقول مدعيه مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة علي أصالة اللزوم- مع أنه قد يتعسر إقامة البينة علي الجهل و لا يمكن للغابن الحلف علي علمه لجهله بالحال فتأمل هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة- بحيث لا يخفي عليه القيمة إلا لعارض من غفلة أو غيرها و إلا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك و قد يشكل بأن هذا إنما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر علي الأصل فغاية الأمر أن يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما تعسر إقامة البينة عليه و لا يعرف إلا من قبله يقبل قوله مع اليمين فليكن هذا من هذا القبيل إلا أن يقال إن مقتضي تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتي في قبول قوله إذا تعسر عليه إقامة البينة. أ لا تري أنهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة علي سبب الفساد هذا مع أن عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محل تأمل و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن لأصالة عدم التغير و أصالة اللزوم.
و منه يظهر حكم ما لو اتفقا علي التغير و اختلفا في تاريخ العقد و لو علم تاريخ التغير فالأصل و إن اقتضي تأخر العقد الواقع علي الزائد عن القيمة إلا أنه لا يثبت به وقوع العقد علي الزائد حتي يثبت العقد.

الأمر الثاني كون التفاوت فاحشا

فالواحد بل الاثنان في العشرين لا يوجب الغبن وحده عندنا كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله و حكي فيها عن مالك أن التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار و إن كان بأكثر من الثلث أوجبه و رده بأنه تخمين لم يشهد له أصل في الشرع انتهي. و الظاهر أنه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا. نعم الإشكال في الخمس و لا يبعد دعوي عدم مسامحة الناس فيه كما سيجي‌ء التصريح من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين ثم الظاهر أن المرجع عند الشك في ذلك هو أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه و يحتمل الرجوع إلي أصالة اللزوم لأن الخارج هو الضرر الذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر.

بقي هنا شي‌ء و هو أن ظاهر الأصحاب و غيرهم أن المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية

مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين و لذا حدوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد علي الثلث كما عرفت عن بعض العامة و ظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلي شخص الواقعة و لذا استدلوا به علي عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير إذا أضر بالمكلف و وجوب شرائه بذلك المبلغ علي من لا يضر به ذلك مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل. و الحاصل أن العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته و إن كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره و الأظهر اعتبار الضرر المالي لأنه ضرر في نفسه من غير مدخلية لحال الشخص و تحمله في بعض المقامات إنما خرج بالنص
المكاسب، ج‌3، ص 237 و لذا أجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض المذكور بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص. و يمكن أيضا أن يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر كما يشير إليه قوله ع: بعد شرائه ع ماء وضوئه بأضعاف قيمته إن ما يشتري به مال كثير. نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفي بأدلة نفي الحرج لا دليل نفي الضرر فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون إلا إذا كان تحمله حرجا.

[تصوير الغبن من الطرفين و الإشكال فيه]

اشارة

إشكال ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد في أقسام الغبن أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما انتهي فيقع الإشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا. و المحكي عن بعض الفضلاء في تعليقه علي الروضة- ما حاصله استحالة ذلك حيث قال قد عرفت أن الغبن في طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية و في طرف المشتري إذا اشتري بأزيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الأثمان أو العروض أو مختلفين و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين و إلا لزم كون الثمن أقل من القيمة السوقية و أكثر و هو محال فتأمل انتهي

و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض

منها ما ذكره المحقق القمي

اشارة

صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال إنها تفرض فيما إذا باع متاعه بأربعة توأمين من الفلوس أن يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا أنها يسوي بأربعة توأمين ثم تبين أن المتاع يسوي خمسة توأمين و أن الدنانير يسوي خمسة توأمين إلا خمسا فصار البائع مغبونا من كون الثمن أقل من القيمة السوقية بخمس تومان و المشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير علي أربعة توأمين فالبائع مغبون في أصل البيع و المشتري مغبون في ما التزمه من إعطاء الدنانير عن الثمن و إن لم يكن مغبونا في أصل البيع انتهي.

[المناقشة في ما ذكره المحقق القمي]

أقول الظاهر أن مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل إلي البائع بسبب مجموع العقد و الشرط كما لو باع شيئا يسوي خمسة دراهم بدرهمين علي أن يخيط له ثوبا مع فرض كون أجرة الخياطة ثلاثة دراهم و من هنا يقال إن للشروط قسطا من العوض و إن أبيت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له في زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين في معاملة واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة و كون الغبن من طرف واحد.

و منها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة

فيما إذا باع شيئين في عقد واحد بثمنين فغبن البائع في أحدهما و المشتري في الآخر. و هذا الجواب قريب من سابقه في الضعف لأنه إن جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتي يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل واحدة منها لأحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي غبن البائع خاصة و المشتري خاصة و إن لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن أصلا مع تساوي الزيادة في أحدهما للنقيصة في الآخر و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها أن يراد بالغبن في المقسم معناه الأعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا

علي خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر البائع بوزنه علي خلاف خبره. و قد أطلق الغبن علي هذا المعني الأعم العلامة في القواعد و الشهيد في اللمعة و علي هذا المعني الأعم تحقق الغبن في كل منهما و هذا أحسن لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار و هو الغبن بالمعني الأخص علي ما فسروه به.

و منها ما ذكره بعض من أنه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين

كما إذا حصر العسكر البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد فاشتري بعض أهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن علي قيمة الطعام في مكانه و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة في مكانه و يمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق علي قيمته حين العقد و لا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد و إنما نزلت قيمته بقبض المشتري و نقله إياه إلي مكان الرخص. و بالجملة الطعام عند العقد لا يكون إلا في محل واحد له قيمة واحدة.

و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعي كل من المتبايعين الغبن

كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة ثم ادعي كل منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر و لم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه و قال و يتصور غبنهما في أحد العوضين- كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم ثم ادعي البائع كونه يسوي بمائتين و المشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين و لا مقوم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما انتهي. و فيه أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة أصلا مع أن الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري.
و الأولي من هذه الوجوه هو الوجه الثالث و الله العالم.

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد

وجهان منشأهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم و معاقد إجماعهم و استدلالاتهم فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو الأول و في الغنية الإجماع علي أن ظهور الغبن سبب للخيار و ظاهر كلمات آخرين الثاني و في التذكرة أن الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا و قولهم لا يسقط هذا الخيار بالتصرف فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر في ثبوته. و مما يؤيد الأول أنهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلي البدل. و يؤيده أيضا الاستدلال في التذكرة و الغنية علي هذا الخيار بقوله ص في حديث تلقي الركبان إنهم بالخيار إذا دخلوا السوق فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا و لكن لا يخفي إمكان إرجاع الكلمات إلي أحد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعني الآخر. و توضيح ذلك أنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها علي الفسخ و الإمضاء قولا أو فعلا فلا يحدث إلا بعد
المكاسب، ج‌3، ص 238
ظهور الغبن و إن أريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم و إنما يتوقف علي العلم إعمال هذا الحق فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان أو غيرهما ثم إن الآثار المجعولة للخيار- بين ما يترتب علي تلك السلطنة الفعلية كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون إلا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما سيجي‌ء. و منه التلف فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لمثل خيار الغبن كما جزم به بعض و تردد فيه آخر و بين ما يترتب علي ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره و بين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة فإن تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع علي وجود نفس الحق و إن لم يعلم به. و حكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه أن المنع لأجل التسلط الفعلي و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر علي نفس الحق الواقعي و لو كان مجهولا لصاحبه و قد يظهر منه ترتبه علي السلطنة الفعلية و تظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع فصادف الغبن ثم إن ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب. و قد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس الوجه الأول قال و كذا يعني لا رد لو تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس انتهي فإنه ذكر في جامع المقاصد أنه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده لأن العيب مضمون علي المشتري ثم قال إلا أن يقال إن العيب بعد العلم غير مضمون علي المشتري لثبوت الخيار و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب لكون العيب في زمان الخيار مضمونا علي من لا خيار له لكن الاستظهار المذكور مبني علي شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب و سيجي‌ء عدم العموم إن شاء الله و أما خيار الرؤية فسيأتي أن ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها إسقاطه بعد العقد

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن فلا إشكال في صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها إذا سقط الغبن المسبب عن أي مرتبة كان فاحشا كان أو أفحش و لو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة ففي السقوط وجهان من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق كما لو أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا يبلغ القذف فتبين كونه قذفا و من أن الخيار أمر واحد- مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الإسقاط و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان و أما الإسقاط بعوض بمعني المصالحة عنه به فلا إشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب و لو أطلق و كان للإطلاق منصرف كما لو صالح عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم فإن المتعارف من الغبن المحتمل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر و أن المبيع يسوي درهمين في فبطلان الصلح لأنه لم يقع علي الحق الموجود أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من أن الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذي له أفراد متعددة فإذا أسقطه سقط أو صحته متزلزلا لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أن عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله أزيد من الدرهم ضرورة أنه كلما كان التفاوت المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد مما يبذل في مقابله لو كان أقل فيحصل الغبن في المصالحة إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه و بين كونه لأجل الجهل بعينه وجوه و هذا هو الأقوي فتأمل. و أما إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن- فالظاهر أيضا جوازه و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء علي كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار و هو الغبن الواقعي و إن لم يعلم به و هذا كاف في جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان و كبراءة البائع من العيوب الراجعة إلي إسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها. و لا يقدح في المقام أيضا كونه إسقاطا لما لم يتحقق إذ لا مانع منه إلا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الإيقاعات و هو غير قادح هنا فإن الممنوع منه هو التعليق علي ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه. و أما ما نحن فيه و شبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية و إعتاق مشكوك الرقية منجزا أو الإبراء عما احتمل الاشتغال به فقد تقدم في شرائط الصيغة أنه لا مانع منه لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم و منه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به فإنه لا بد من وقوع شي‌ء بإزائه و هو غير معلوم فالأولي ضم شي‌ء إلي المصالح عنه المجهول التحقق أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه لأن المعدوم إنما دخل علي تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

و الإشكال فيه من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في إسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها. نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار و خيار الرؤية- و هو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه. قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه و لو شرطا رفعه أو رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد للغرر انتهي. ثم احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الإزالة و جزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد و الشرط و تردد فيه المحقق الثاني إلا أنه استظهر الصحة و لعل توجيه كلام الشهيد هو أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه إلي الجهل بمقدار ماليته و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل
المكاسب، ج‌3، ص 239
لها في القيمة لكن الأقوي الصحة لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في القيمة و أيضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتي يكون إسقاطه موجبا لثبوته و إلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الإخراج عن الغرر ثبوت الخيار لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر و إلا لصح كل بيع غرري علي وجه التزلزل و ثبوت الخيار كبيع المجهول وجوده و المتعذر تسليمه. و أما خيار الرؤية فاشتراط سقوطه راجع إلي إسقاط اعتبار ما اشترطاه من الأوصاف في العين غير المرئية فكأنهما تبايعا سواء وجد فيها تلك الأوصاف أم لا فصحة البيع موقوفة علي اشتراط تلك الأوصاف و إسقاط الخيار في معني إلغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك أيضا لأن مرجع إسقاط خيار الرؤية إلي التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلي عدم التزام ما اشترطاه من الأوصاف و لا تنافي بين أن يقدم علي اشتراء العين- بانيا علي وجود تلك الأوصاف و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت فتأمل و سيجي‌ء تمام الكلام في خيار الرؤية و كيف كان فلا أري إشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلا لم يلزم منه غرر.

الثالث تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن.

و يدل عليه ما دل علي سقوط خياري المجلس و الشرط به مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان و هو إطلاق بعض معاقد الإجماع بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة و فيما انتقل عنه فسخ و عموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء علي السقوط و هي الرضا بلزوم العقد مع أن الدليل هنا إما نفي الضرر و إما الإجماع و الأول منتف فإنه كما لا يجري مع الإقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به بعده. و أما الإجماع فهو غير ثابت مع الرضا إلا أن يقال إن الشك في الرفع لا الدفع فيستصحب فتأمل. أو ندعي أن ظاهر قولهم فيما نحن فيه أن هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن. و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار أن التصرف مسقط لكل خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار كما في العيب و التدليس سوي هذا الخيار و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من أن التصرف قبل العلم بالعيب و التدليس ملزم لدلالته علي الرضا بالبيع فيسقط الرد و إنما يثبت الأرش في خصوص العيب لعدم دلالة التصرف علي الرضا بالعيب و كيف كان فاختصاص التصرف غير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفي علي المتتبع في كلماتهم. نعم لم أجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك و تبعه جماعة لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغي بل ربما يستشكل في حكمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص إنما يتم في العيب دون التدليس فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص و مقتضي القاعدة في حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد. و التحقيق أن يقال إن مقتضي القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل علي الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر. نعم قد ورد النص في العيب علي السقوط و ادعي عليه الإجماع مع أن ضرر السقوط فيه متدارك بالأرش و إن كان نفس إمساك العين قد تكون ضررا فإن تم دليل في التدليس أيضا قلنا به و إلا وجب الرجوع إلي دليل خياره ثم إن الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني علي ما تقدم في الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا علي الرضا بلزوم العقد و إلا كان اللازم في غير ما دل فعلا علي الالتزام بالعقد من أفراد التصرف الرجوع إلي أصالة بقاء الخيار.

الرابع من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن

تصرفا مخرجا عن الملك علي وجه اللزوم كالبيع و العتق فإن المصرح به في كلام المحقق و من تأخر عنه- هو سقوط خياره حينئذ و قيل إنه المشهور- و هو كذلك بين المتأخرين. نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع أنه لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن كما يظهر من جامع المقاصد في شرح قول الماتن و لا يبطل الخيار بتلف العين فراجع. و استدل علي هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك و هو بظاهره مشكل لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين. و يمكن أن يوجه بأن حديث نفي الضرر لم يدل علي الخيار بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها فإذا امتنع ردها فلا دليل علي جواز فسخ العقد. و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين إنما يكون بتسلط المغبون علي رد العين فيكون حاله من حيث إن له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في أن له أن يشتري و أن يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه مع أن إخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه به هذا و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه أن الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر ليس إقداما عليه لما عرفت من أن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا صورة الإقدام عليه عالما به فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها علي ملكه و بدلها مع عدمه. و فوات خصوصية العين علي الغابن ليس ضررا لأن العين المبيعة إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها و إن كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل علي إرادة قيمتها فلا ضرر أصلا فضلا عن أن يعارض ضرر زيادة الثمن علي القيمة خصوصا مع الإفراط في الزيادة و الإنصاف أن هذا حسن جدا لكن قال في الروضة إن لم يكن الحكم إجماعا. أقول و الظاهر عدمه لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم علي المحقق فيما تتبعت.

ثم إن مقتضي دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين البائع و المشتري

قال في التحرير بعد أن صرح بثبوت الخيار للمغبون
المكاسب، ج‌3، ص 240 بائعا كان أو مشتريا و لا يسقط الخيار بالتصرف مع إمكان الرد و مقتضي إطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم و بين فك الملك كالعتق و الوقف و بين المانع عن الرد مع البقاء علي الملك كالاستيلاد بل و يعم التلف و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري فإن أرادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له وجه إلا أن يبني علي مخالفته لعموم دليل الخيار أعني نفي الضرر فيقتصر علي مورد الإجماع

[الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه]

ثم إن الظاهر التقييد بصورة امتناع الرد و ظاهر التعليل بعدم إمكان الاستدراك ما صرح به جماعة من أن الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن لعموم نفي الضرر. و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن و لو اتفق زوال المانع كموت ولد أم الولد و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن ففي جواز الرد وجهان من أنه متمكن حينئذ و من استقرار البيع و ربما يبنيان علي أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد- و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا أولي لأن العود هنا بسبب جديد. و في الفسخ برفع السبب السابق

و في لحوق الإجارة بالبيع قولان

من امتناع الرد و هو مختار الصيمري و أبي العباس و من أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك و هو المحكي عن ظاهر الأكثر و لو لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد و كذا لو لم يعلم به حتي انفسخ البيع.

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه

أقواها اللحوق لحصول الشركة فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي بناء علي حصول الشركة في غيرها المانعة عن رد العين فتأمل هذا كله في تصرف المغبون

و أما تصرف الغابن

اشارة

فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون به و حينئذ فإن فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم ففي تسلطه علي إبطال ذلك من حينه أو من أصلها كالمرتهن و الشفيع أو رجوعه إلي البدل وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير فإن حق المغبون بأصل المعاملة الغبنية و إنما يظهر له بظهور السبب فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب و حيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس و من أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس كما في بيع الرهن. و مقتضي فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع معه لا من المشتري الثاني و من أنه لا وجه للتزلزل إما لأن التصرف في زمان خيار غير المتصرف صحيح لازم كما سيجي‌ء في أحكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل. و إما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا علي وجه فعلا علي وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار كما هو ظاهر الجماعة هنا و في خيار الغيب قبل ظهوره فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون إذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب و هذا هو الأقوي و سيأتي تتمة لذلك في أحكام الخيار و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه علي الاستيلاد

[جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز]

ثم إن مقتضي ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز لأن معني جوازه تسلط أحد المتعاقدين علي فسخه- أما تسلط الأجنبي و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا. و في المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم بالفسخ فإن امتنع فسخه الحاكم و إن تعذر فسخه المغبون و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه و إما بدخول بدلها فعلي الأول لا حاجة إلي الفسخ حتي يتكلم في الفاسخ و علي الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلي غيره اللهم إلا أن يقال إنه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ إنما هو للحيلولة فإذا أمكن رد العين وجب علي الغابن تحصيلها لكن ذلك إنما يتم مع كون العين باقية علي ملك المغبون و أما مع عدمه و تملك المغبون للبدل فلا دليل علي وجوب تحصيل العين.

[لو اتفق عود الملك إلي الغابن]

ثم علي القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز لو اتفق عود الملك إليه لفسخ فإن كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجود رد العين و إن كان بعده فالظاهر عدم وجوب رده لعدم الدليل بعد تملك البدل و لو كان العود بعقد جديد فالأقوي عدم وجوب الرد مطلقا لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه. و الفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل

[تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين]

اشارة

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين- فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج

فإن كان بالنقيصة

فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش و إما أن يكون مما لا يوجبه فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش كما هو مقتضي الفسخ لأن الفائت مضمون بجزء من العوض فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين و إن كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شي‌ء. و منه ما لو وجد العين مستأجرة فإن علي الفاسخ الصبر إلي أن ينقضي مدة الإجارة و لا يجب علي الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلي بقية المدة بعد الفسخ لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد و الفسخ فهي ملك للمفسوخ عليه فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين بأسرها و يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل و هو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع و فيه نظر لمنع تزلزل ملك المنفعة. نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبايعين أنه إذا وجد البائع العين مستأجرة كانت الأجرة للمشتري و المؤجر وجب عليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ و قرره علي ذلك شراح الكتاب و سيجي‌ء ما يمكن أن يكون فارقا بين المقامين

و إن كان التغيير بالزيادة

فإن كانت حكمية محضة- كقصارة الثوب و تعليم الصنعة فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين
المكاسب، ج‌3، ص 241
معها و لا معها و يؤخذ النسبة و لو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة فالظاهر عدم شي‌ء لمحدثها لأنه إنما عمل فيما له و عمله لنفسه غير مضمون علي غيره و لو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال و لو في ضمن العين و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس ففي تسلط المغبون علي القلع بلا أرش كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا كما عليه المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا و قيل به في الشفعة و العارية وجوه من أن صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان صار ملكا للغير فلا حق للغرس كما إذا باع أرضا مشغولة بماله و كان ماله في تلك الأرض أزيد قيمة. مضافا إلي ما في المختلف في مسألة الشفعة من أن الفائت لما حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه و من أن الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان. مضافا إلي مفهوم قوله ص: ليس لعرق ظالم حق فيكون كما لو باع الأرض المغروسة و من أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل و لا دليل علي استحقاق الغرس علي الأرض البقاء. و قياس الأرض المغروسة علي الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها و لا تغرم لها أجرة المثل فاسد للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض فالتحقيق أن كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له علي الآخر و لا عليه له فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم الحفر و إن أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما و كونه مقلوعا و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه إلي دوام ثبوت هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فافهم. و يبقي الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر إلي أن ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض المغروسة و ليس للمشتري قلعه و لو مع الأرش بلا خلاف بل عرفت أن العلامة في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس ثم إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع أم له مطالبة المالك بالقلع- و مع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه وجوه ذكروها فيما لو دخلت أغصان شجر الجار إلي داره و يحتمل الفرق بين المقامين من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك و لذا قيل فيه بعدم وجوب إجابة المالك الجار إلي القلع و إن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله هذا كله حكم التخليص. و أما لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضي ما ذكرنا- من عدم ثبوت حق لأحد المالكين علي الآخر استحقاقه الأجرة علي البقاء لأن انتقال الأرض إلي المغبون بحق سابق علي الغرس لا بسبب لا حق له هذا كله حكم الشجر. و أما الزرع ففي المسالك أنه يتعين إبقاؤه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر و لعله لإمكان الجمع بين الحقين علي وجه لا ضرر فيه علي الطرفين بخلاف مسألة الشجر فإن في تعيين إبقائه بالأجرة ضررا علي مالك الأرض لطول مدة البقاء فتأمل. و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه لاستلزامه نقص أرضه فإن كلا منهما مسلط علي ماله و لا يجوز تصرفه في مال غيره إلا بإذنه أم لا لأن التسلط علي المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله وجهان أقواهما الثاني

و لو كان التغير بالامتزاج

فإما أن يكون بغير جنسه- و إما أن يكون بجنسه فإن كان بغير جنسه فإن كان علي وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو في حكم التالف يرجع إلي قيمته و إن كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الأنجبين ففي كونه شريكا أو كونه كالمعدوم وجهان من حصول الاشتراك قهرا لو كانا للمالكين و من تغير حقيقته فيكون كالتلف الرافع للخيار و إن كان الامتزاج بالجنس فإن كان بالمساوي يثبت الشركة و إن كان بالأردإ فكذلك.
و في استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه و لو كان بالأجود احتمل الشركة في الثمن بأن يباع و يعطي من الثمن بنسبة قيمته و يحتمل الشركة بنسبة القيمة فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردي‌ء كان المجموع بينهما أثلاثا و رده الشيخ في مسألة رجوع البائع علي المفلس بعين ماله بأنه يستلزم الربا قيل و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة.

بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن

و تفصيله أن التلف إما أن يكون فيما وصل إلي الغابن أو فيما وصل إلي المغبون و التلف إما بآفة أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبي و حكمها أنه لو تلف ما في يد المغبون فإن كان بآفة فمقتضي ما تقدم من التذكرة في الإخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم إمكان الاستدراك سقوط الخيار لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله و كذا لو كان بإتلافه و لو كان بإتلاف الأجنبي ففسخ المغبون أخذ الثمن و رجع الغابن إلي المتلف إن لم يرجع المغبون عليه و إن رجع عليه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد علي الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ و لو كان بإتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون أخذ القيمة من الغابن و إن فسخ أخذ الثمن و لو كان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما أبرأه بمنزلة المقبوض و لو تلف ما في يد الغابن بآفة أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ البدل.
و في اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان ظاهر الأكثر الأول و لكن صرح في الدروس و المسالك و محكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني و صاحب
المكاسب، ج‌3، ص 242
الحدائق و بعض آخر أنه لو اشتري عينا بعين فقبض إحداهما دون الأخري فباع المقبوض ثم تلف غير مقبوض أن البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقة قبل القبض بخلاف البيع الثاني فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض و هذا ظاهر بل صريح في أن العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين و الفرق بين المسألتين مشكل و تمام الكلام في باب الإقالة إن شاء الله. و لو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ إلي الغابن لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله و لأنه ملك القيمة علي المتلف و يحتمل الرجوع إلي المتلف لأن المال في ضمانه و ما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته و لذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة علي ذلك المتلف بما لو صالح به علي قيمته لزم الربا. و صرح العلامة بأنه لو صالحه علي نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا و إن صالحه علي قيمته بالأقل لزم الربا بناء علي جريانه في الصلح و يحتمل التخيير أما الغابن فلأنه ملك البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف في عهدته قبل أداء القيمة و إن كان بإتلاف المغبون فإن لم يفسخ غرم بدله و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسخ رد الثمن و أخذ قيمة المتلف لأن المبرإ منه كالمقبوض. هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام و ينبغي إحالة الزائد علي ما ذكروه في غير هذا المقام و الله العالم بالأحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم إلي يوم القيام.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية

بناء علي الاستناد في ثبوته في البيع إلي نفي الضرر. نعم لو استند إلي الإجماعات المنقولة أمكن الرجوع في غير البيع إلي أصالة اللزوم و ممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح الإرشاد و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع و عن إجازة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا إلي أنه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح و لعله لكون الغرض الأصلي فيه قطع المنازعة فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفي. و في غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع علي وجه المعاوضة فيجري فيه و بين الواقع علي إسقاط دعوي قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه و كان مغبونا فيما صالح به و الواقع علي ما في الذمم و كان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن أحدهما علي تأمل و لعله للإقدام في هذين علي رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان فقد أقدم علي الضرر. و حكي عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و كان الإقدام فيه علي المعاملة مبنيا علي عدم الالتفات إلي النقص و الزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن و بين غيره. و فيه مع أن منع صدق الغبن محل نظر أن الحكم بالخيار لم يعلق في دليل علي مفهوم لفظ الغبن حتي يتبع مصاديقه فإن الفتاوي مختصة بغبن البيع و حديث نفي الضرر عام لم يخرج منه إلا ما استثني في الفتاوي من صورة الإقدام علي الضرر عالما به. نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن أكل المال بالباطل- أمكن اختصاصها بما إذا أقدم علي المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال. و الحاصل أن المسألة لا تخلو عن إشكال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الإجماع و الشهرة بالبيع و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع- كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض أفراد ما عدا البيع فلا يدل علي عموم غيره لما عدا البيع و من دلالة حديث نفي الضرر علي عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت بعد إلحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الأصحاب و قد استدل به الأصحاب علي إثبات كثير من الخيارات فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو عن قوة نعم يبقي الإشكال في شموله للصورة المتقدمة و هي ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره علي عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية كما إذا احتاج المشتري إلي قليل من شي‌ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فإن في شمول الأدلة لمثل هذا خفاء بل منعا إلا أن يتم بعدم القول بالفصل و الله العالم.

مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار علي الفور أو علي التراخي

اشارة

علي قولين

[الاستدلال للفور بآية أوفوا بالعقود]

و استند للقول الأول و هو المشهور ظاهرا إلي كون الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي المتيقن و قرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ينتفع بعمومه انتهي.

[الاستدلال للتراخي بالاستصحاب]

و للقول الثاني إلي الاستصحاب. و ذكر في الرياض ما حاصله أن المستند في هذا الخيار إن كان الإجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب و إن كان نفي الضرر وجب الاقتصار علي الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.

[المناقشة في الوجوه المذكورة]

أقول و يمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة أما في وجوب الاقتصار علي المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب و أما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم الأزمنة فإن أراد به عمومها المستفاد من إطلاق الحكم بالنسبة إلي زمانه الراجع بدليل الحكمة إلي استمراره في جميع الأزمنة فلا يخفي أن هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم فإذا فرض خروج فرد منه فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل لكن وقع الشك في أن ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجميعها فإن اللازم هنا استصحاب حكم الخاص أعني الحلية لا الرجوع في ما بعد الزمان المتيقن إلي عموم التحريم و ليس هذا من معاوضة العموم للاستصحاب و السر فيه ما عرفت من تبعية العموم الزماني للعموم الأفرادي فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضي للعموم الزماني فيه حتي يقتصر فيه من حيث الزمان علي المتيقن بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع.
المكاسب، ج‌3، ص 243
نعم لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني علي وجه يكون الزمان مكثرا لأفراد العام بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما الاقتصار علي المتيقن لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه كما إذا قال المولي لعبده أكرم العلماء في كل يوم بحيث كان إكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام ذلك العالم في اليوم الآخر فإذا علم بخروج زيد العالم و شك في خروجه عن العموم يوما أو أزيد وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول إلي عموم وجوب الإكرام لا إلي استصحاب عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلي أصل آخر كما أن في الصورة الأولي لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع إلي العموم فما أوضح الفرق بين الصورتين. ثم لا يخفي أن مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الأولي من الإطلاق المحمول علي العموم بدليل الحكمة و كونه في الصورة الثانية عموما لغويا بل المناط كون الزمان في الأولي ظرفا للحكم و إن فرض عمومه لغويا فيكون [الحكم فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد] فيكون مرجع الشك فيه إلي الشك في استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب و الزمان في الثانية مكثر لأفراد موضوع الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني إلي ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول و معلوم أن المرجع فيه إلي أصالة العموم فافهم و اغتنم. و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد- بأن آية أَوْفُوا و غيرها مطلقة لا عامة فلا تنافي الاستصحاب إلا أن يدعي أن العموم لا يرجع إلا إلي العموم الزماني علي الوجه الأول.
فقد ظهر أيضا مما ذكرنا من تغاير موردي الرجوع إلي الاستصحاب و الرجوع إلي العموم فساد ما قيل في الأصول من أن الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الأولي زعما منه أن الاستصحاب قد خصص العموم. و قد عرفت أن مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع إلي العموم و لو علي فرض عدم الاستصحاب و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع إلي الاستصحاب و لو علي فرض عدم العموم فليس شي‌ء منهما ممنوعا بالآخر في شي‌ء من المقامين إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول لأن العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد و بين عدم وجوبه رأسا نظير العقد الجائز دائما فليس الأمر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته حتي يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار علي ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم أيضا. نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات و أما استناد القول بالتراخي إلي الاستصحاب- فهو حسن علي ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الأدلة اللفظية المشخصة للموضوع مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. و أما علي التحقيق من عدم إحراز الموضوع في مثل ذلك علي وجه التحقيق فلا يجري فيما نحن فيه الاستصحاب فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معني لانسحابه في الآن اللاحق مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل لأن هذا موضوع آخر يكون إثبات الحكم له من القياس المحرم. نعم لو أحرز الموضوع من دليل لفظي علي المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتي لا يحتمل أن يكون الشك لأجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب. و أما ما ذكره في الرياض ففيه أنه إن بني الأمر علي التدقيق في موضوع الاستصحاب كما أشرنا هنا و حققناه في الأصول فلا يجري الاستصحاب و إن كان المدرك للخيار الإجماع و إن بني علي المسامحة فيه كما اشتهر جري الاستصحاب و إن استند في الخيار إلي قاعدة الضرر كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا إلي احتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم و إن ارتفع إلا أن يدعي أنه إذا استند الحكم إلي الضرر فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره و هو غير محقق في الزمان اللاحق كما أشرنا-

[ما ذكره بعض المعاصرين في المسألة]

اشارة

ثم إنه بني المسألة بعض المعاصرين علي ما لا محصل له فقال ما لفظه إن المسألة مبتنية علي أن لزوم العقد معناه أن أثر العقد مستمر إلي يوم القيامة و أن عموم الوفاء بالعقود عموم زماني للقطع بأن ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما بل علي الدوام. و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها و لا ريب أن مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدين الدوام فإن دل دليل علي ثبوت خيار من ضرر أو إجماع أو نص في ثبوته في الماضي أو مطلقا بناء علي الإهمال لا الإطلاق في الأخبار فيكون استثناء من ذلك العام و يبقي العام علي عمومه كاستثناء أيام الإقامة و الثلاثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر أو أن اللزوم ليس كالعموم و إنما يثبت ملكا سابقا و يبقي حكمه مستصحبا إلي المزيل فتكون المعارضة بين استصحابين و الثاني وارد علي الأول فيقدم عليه و الأول أقوي لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق انتهي.

[المناقشة في ما ذكره بعض المعاصرين]

و لا يخفي أن ما ذكره من المبني للرجوع إلي العموم- و هو استمرار اللزوم مبني لطرح العموم و الرجوع إلي الاستصحاب و أما ما ذكره أخيرا لمبني الرجوع إلي الاستصحاب و حاصله أن اللزوم إنما يثبت بالاستصحاب فإذا ورد عليه استصحاب الخيار قدم عليه ففيه أن الكل متفقون علي الاستناد في أصالة اللزوم إلي عموم آية الوفاء و إن أمكن الاستناد فيه إلي الاستصحاب أيضا فلا وجه للإغماض عن الآية و ملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار

[الأقوي الفور و الدليل عليه]

ثم إنه قد علم من تضاعيف ما أوردناه علي كلمات الجماعة أن الأقوي كون الخيار هنا علي الفور لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم الزماني في هذا المقام إلي استمرار الحكم في الأفراد فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل علي العود إليه كما في جميع الأحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع و لا بالاستصحاب الخيار لما عرفت
المكاسب، ج‌3، ص 244
من أن الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له بل قد يستظهر ذلك من حديث نفي الضرر تعين الرجوع إلي أصالة فساد فسخ المغبون و عدم ترتب الأثر عليه و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا ليس كاستصحاب الخيار لأن الشك هنا في الواقع فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي فافهم و اغتنم و الحمد لله. هذا مضافا إلي ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من إجازة عقد الفضولي و نكاحه و غيرهما من أن تجويز التأخير فيها ضرر علي من عليه الخيار و فيه تأمل ثم إن مقتضي ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الأخير هي الفورية العرفية لأن الاقتصار علي الحقيقية حرج علي ذي الخيار فلا ينبغي تدارك الضرر به و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم علي رده بين أهل هذا القول لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب علي القول بفورية ما هو أوسع من الفور العرفي قال خيار العيب ليس علي الفور علي ما تقدم خلافا للشافعي فإنه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو و لا الركض للرد و إن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله الخيار إلي أن يفرغ و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس إجماعا و كذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا و لو اطلع علي العيب ليلا فله التأخير إلي أن يصبح و إن لم يكن عذر انتهي. و قد صرح في الشفعة علي القول بفوريتها بما يقرب من ذلك و جعلها من الإعذار و صرح في الشفعة بأنه لا تجب المبادرة علي خلاف العادة و رجع في ذلك كله إلي العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة و كل ما يعد تقصيرا و توانيا في الطلب فإنه مسقط لها انتهي. و المسألة لا تخلو عن إشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه. نعم لو توقف الفسخ علي الحضور عند الخصم أو القاضي أو علي الإشهاد توجه ما ذكر في الجملة مع أن قيام الدليل عليه مشكل إلا أن يجعل الدليل علي الفورية لزوم الإضرار لمن عليه الخيار فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه و كون تصرفاته فيه في معرض النقص لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل

[رأي المصنف في المسألة]

فالإنصاف أنه إن تم الإجماع الذي تقدم عن العلامة علي عدم البأس بالأمور المذكورة و عدم قدح أمثالها في الفورية فهو و إلا وجب الاقتصار علي أول مراتب الإمكان إن شاء الفسخ و الله العالم

[معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة]

ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن [و الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن] و الجاهل بحكمه و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفورية فظاهر بعض الوفاق علي المعذورية. و يشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا لتمكنه من الفسخ و تدارك الضرر فيرجع إلي ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الأول. و قد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير و المناط واحد و لو ادعي الجهل بالخيار فالأقوي القبول إلا أن يكون مما لا يخفي عليه هذا الحكم الشرعي إلا لعارض ففيه نظر. و قال في التذكرة في باب الشفعة إنه لو قال إني لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت لأني لم أعلم أن الشفعة علي الفور فإن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله و له الأخذ بالشفعة و إلا فلا انتهي. فإن أراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة إليه لأن أكثر العوام و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الأحكام و إن أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه أنه لا داعي إلي اعتبار الظهور مع أن الأصل العدم

و الأقوي أن الناسي في حكم الجاهل

و في سماع دعواه النسيان نظر من أنه مدع و من تعسر إقامة البينة عليه و أنه لا يعرف إلا من قبله. و أما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع علي الغبن ثم السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ العرفي إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الإنشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر فافهم و الله العالم

الخامس خيار التأخير

[كلام التذكرة في خيار التأخير]

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه إلي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين و إن مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع.

[الدليل علي هذا الخيار]

اشارة

و الأصل في ذلك قبل الإجماع المحكي عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها- المعتضد بدعوي الاتفاق المصرح بها في التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره في التذكرة من أن الصبر أبدا مظنة الضرر المنفي بالخبر بل الضرر هنا أشد من الضرر في الغبن حيث إن المبيع هنا في ضمانه و تلفه منه و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه

الأخبار المستفيضة

اشارة

منها رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن ع عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و رواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح قال: من اشتري بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي‌ء فلا بيع له و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و أعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلي بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و الله لا أدعك أو أقاضيك- فقال أ ترضي بأبي بكر ابن عياش قلت نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصصنا فقال أبو بكر بقول من تحب أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له و صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع: قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول آتيك بثمنه قال إن جاء ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له.

و ظاهر هذه الأخبار بطلان البيع

كما فهمه في المبسوط حيث قال روي أصحابنا أنه إذا اشتري شيئا بعينه بثمن معلوم و قال للبائع أجيئك
المكاسب، ج‌3، ص 245
بالثمن و مضي فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و إن لم يرتجع بطل البيع انتهي. و ربما يحكي هذا عن ظاهر الإسكافي المعبر بلفظ الروايات و توقف فيه المحقق الأردبيلي و قواه صاحب الكفاية و جزم به في الحدائق طاعنا علي العلامة في المختلف حيث إنه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور ثم اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد و حمل الأخبار علي نفي اللزوم أقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا أن فهم العلماء و حملهم الأخبار علي نفي اللزوم مما يقرب هذا المعني مضافا إلي ما يقال من أن قوله ع في أكثر تلك الأخبار لا بيع له ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة إلي المشتري فقط و لا يكون إلا نفي اللزوم من طرف البائع إلا أن في رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما و كيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع و توهم كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم فيرتفع بارتفاعه مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة و إنما هو حكم مقارن لها في خصوص البيع الخالي من الخيار

ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور

أحدها عدم قبض المبيع

و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا- و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة: فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما بناء علي أن البيع هنا بمعني المبيع لكن في الرياض إنكار دلالة الأخبار علي هذا الشرط و تبعه بعض المعاصرين و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد يعني قبض بائعه الثمن و لا يخفي ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر- بل لم يوجد مع إمكان إجراء أصالة عدم التشديد نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع- بأن بذل له الثمن فامتنع من أخذه و إقباض المبيع فالظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص و الفتوي كون هذا الخيار إرفاقا للبائع و دفعا لتضرره- فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله و لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده كما إذا كان بدون إذنه مع عدم إقباض الثمن ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا وجوه- رابعها ابتناء المسألة علي ما سيجي‌ء في أحكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه و لعله الأقوي إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر علي البائع إلا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة و أما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم و إن ادعي انصراف الأخبار إلي غير هذه الصورة لكنه مشكل كدعوي شمولها و لو قلنا بارتفاع الضمان و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض- فالأقوي أيضا ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان و عدمه. و ربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثم يدعه عنده عدم كفاية التمكين و فيه نظر- و الأقوي عدم الخيار لعدم الضمان و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار أو كالقبض لدعوي انصرافها إلي صورة عدم قبض شي‌ء منه أو تبعيض الخيار بالنسبة إلي المقبوض و غيره استنادا مع تسليم الانصراف المذكور إلي تحقق الضرر بالنسبة إلي غير المقبوض لا غيره وجوه.

الشرط الثاني عدم قبض مجموع الثمن

و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوي و قبض البعض كلا قبض بظاهر الأخبار- المعتضد بفهم أبي بكر بن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة و فيه نظر و القبض بدون الإذن كعدمه- لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه بالإذن في بقاء البيع علي اللزوم مع أن ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه علي وجه يجوز له التصرف فيه باق.
نعم لو كان القبض بدون الإذن حقا كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرر البائع بالتأخير و ربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الإذن في الشرط السابق أعني قبض المبيع نظرا إلي أنهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم إقباض المبيع إياه و في طرف الثمن عدم قبضه و فيه نظر لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع فيعبر في طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له و هو القبض في الأول و الإقباض في الثاني فتأمل. و لو أجاز المشتري قبض الثمن بناء علي اعتبار الإذن كانت في حكم الإذن و هل هي كاشفة أو مثبتة أقواهما الثاني و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين

لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل علي منصرف النص مع أنه في الجملة إجماعي.

الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه

كصاع من صبرة- نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات أصحابنا و ظاهره كونه مفتي به عندهم و صرح به في التحرير و المهذب البارع و غاية المرام و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة و قال في الغنية و روي أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع و قال أجيئك بالثمن و مضي فعلي البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن هذا إذا كان المبيع مما يصح بقائه فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار ثم ذكر أن تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري و بعده من مال البائع ثم قال و يدل علي ذلك كله إجماع الطائفة انتهي. و في معقد إجماع الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين.
و قد أخذ عنه في مفتاح الكرامة و غيره و نسب إلي القاضي دعوي الإجماع علي غير المعين و أظن الغلط في تلك النسخة و الظاهر أن المراد بالثمن المعين في معقد إجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول لأن تشخص الثمن غير معتبر إجماعا و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم و من البعيد
المكاسب، ج‌3، ص 246
اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف إلي إجماع الفرقة و أخبارهم مع ما نسبه في المبسوط إلي روايات أصحابنا مع أنا نقول إن ظاهر المعين في معاقد الإجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة إلي الثمن للإجماع علي عدم اعتبار التعيين فيه مع أنه فرق بين الثمن المعين و الشي‌ء المعين فإن الثاني ظاهر في الشخصي بخلاف الأول. و أما معقد إجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص بالشخصي لأنه ذكر في معقد الإجماع أن المشتري لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق بالعين و لا يخفي أن العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد الإجماعات. و أما حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي لأنه المضمون علي البائع قبل القبض فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي. و أما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان علي لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع علي العين المعرضة للبيع و لا مناسبة في إطلاقه علي الكلي كما لا يخفي و رواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع و قوله يدعه عنده فلم يبق إلا قوله ع في رواية أبي بكر بن عياش: من اشتري شيئا فإن إطلاقه و إن شمل المعين و الكلي إلا أن الظاهر من لفظ الشي‌ء الموجود الخارجي- كما في قول القائل اشتريت شيئا و لو في ضمن أمور متعددة كصاع من صبرة و الكلي المبيع ليس موجودا خارجيا إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتي يملكه بل هو أمر اعتباري يعامل في العرف و الشرع معه معاملة الأملاك و هذه المعاملة و إن اقتضت صحة إطلاق لفظ الشي‌ء عليه أو علي ما يعمه إلا أنه ليس بحيث لو أريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج إلي قرينة علي التقييد فهو نظير المجاز المشهور و المطلق المنصرف إلي بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق إلي القرينة- فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي بأصالة عدم القرينة فافهم. فقد ظهر مما ذكرنا أن ليس في أدلة المسألة- من النصوص و الإجماعات المنقولة و دليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي و ربما ينسب التعميم إلي ظاهر الأكثر- لعدم تقييدهم البيع بالشخصي. و فيه أن التأمل في عباراتهم مع الإنصاف يعطي الاختصاص بالمعين أو الشك في التعميم مع أنه معارض بعدم تصريح أحد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص إلا الشهيد في الدروس حيث قال إن الشيخ قدس سره قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي الأصحاب لكنك عرفت أن الشيخ قدس سره قد أخذ هذا التقييد في مضمون روايات أصحابنا و كيف كان فالتأمل في أدلة المسألة و فتاوي الأصحاب يشرف الفقيه علي القطع باختصاص الحكم بالمعين

ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار

منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما

. قال في التحرير و لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما. و في السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله و لم يشترطا خيارا لهما أو لأحدهما و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط و يحتمل أن يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان و هو المتاع- و كيف كان فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط- سواء أراد ما يعم خيار الحيوان أم خصوص خيار الشرط و سواء أريد مطلق الخيار و لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة أم أريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة سواء أحدث فيها أم بعدها و أوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا إلي دعوي انصراف النصوص إلي غير هذا الفرض أن شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع. و توضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في أحكام الخيار من أنه لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما في يده و له استرداد المدفوع قضية للخيار. و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهي. و حينئذ فوجه هذا الاشتراط أن ظاهر الأخبار كون عدم مجي‌ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير و ذو الخيار له حق التأخير و ظاهرها أيضا كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الإقباض. و الحاصل أن الخيار بمنزلة تأجيل أحد العوضين. و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار و تسليم انصراف الأخبار إلي كون التأخير بغير حق أنه ينبغي علي هذا القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم علي ثبوته فيه كما يظهر من المختلف. و ذهب الصدوق إلي كون الخيار في الجارية بعد شهر إلا أن يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة. و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة أخري فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره و قد اندفع بغيره و لدلالة النص و الفتوي علي لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له قال و دعوي أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه الجهة مدفوعة بأن التأخير سبب للخيار و لا يتقيد الحكم بالسبب و بين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع أن اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان. و وجه ضعف هذا التفصيل أن ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة. و أما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير و لذا لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس- .

و منها تعدد المتعاقدين

لأن النص مختص بصورة التعدد و لأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد إلا مع إسقاطه. و فيه أن المناط عدم الإقباض و القبض و لا إشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. و أما خيار المجلس فقد عرفت أنه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد
المكاسب، ج‌3، ص 247
و علي تقديره فيمكن إسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان أعني عدم الإقباض و القبض و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد.

و منها أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية

فإن المحكي عن الصدوق في المقنع أنه إذا اشتري جارية فقال أجيئك بالثمن فإن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له. و ظاهر المختلف نسبة الخلاف إلي الصدوق في مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين: عن رجل اشتري جارية فقال أجيئك بالثمن فقال إن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له و لا دلالة فيها علي صورة عدم إقباض الجارية و لا قرينة علي حملها عليها فيحتمل الحمل علي اشتراط المجي‌ء بالثمن إلي شهر في متن العقد فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه إلي شهر و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها علي بعض الوجوه

ثم إن مبدء الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد

وجهان من ظهور قوله:
فإن جاء بالثمن بينه و بين ثلاثة أيام في كون مدة الغيبة ثلاثة و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة أيام كما هو ظاهر قوله ع في رواية ابن يقطين:
الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و هذا هو الأقوي.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها إسقاطه بعد الثلاثة
بلا إشكال و لا خلاف و في سقوطه بالإسقاط في الثلاثة وجهان من أن السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة و لذا صرح في التذكرة بعدم جواز إسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده مع أنه أولي بالجواز و من أن العقد سبب الخيار فيكفي وجوده في إسقاطه مضافا إلي فحوي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد
الثاني اشتراط سقوطه في متن العقد
حكي عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و لعله لعموم أدلة الشروط و يشكل علي عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء علي أن السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد فإن الشرط إنما يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع إسقاطه بدون شرط فإن كان إجماع علي السقوط بالشرط كما حكاه بعض قلنا به بل بصحة الإسقاط بعد العقد لفحواه و إلا فللنظر فيه مجال.
الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة
فإن المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذ و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا و هو حسن لو استند في الخيار إلي الأخبار و أما إذا استند فيه إلي الضرر [- 3- 487- 2] فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن فلا ضرر ليتدارك بالخيار و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير فالخيار لا يوجب تدارك ذلك و إنما يتدارك به الضرر المستقبل و دعوي أن حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار مدفوعة بأن الأحكام المترتبة علي نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي لا مجرد حدوث الضرر في زمان و لا يبعد دعوي انصراف الأخبار إلي صورة التضرر فعلا يقال بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا و عدما و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.
الرابع أخذ [- 2- 55- 5] الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل
و إلا لم يحتج إلي الأخذ به و السقوط به لأنه التزام فعلي [- 3- 487- 6] بالبيع و رضا بلزومه و هل يشترط إفادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع أم لا يعتبر الظن أيضا وجوه من عدم تحقق موضوع الالتزام إلا بالعلم و من كون الفعل مع إفادة الظن أمارة عرفية علي الالتزام كالقول. و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد و هذا من أوضح أفراده. و قد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف علي الرضا و خير الوجوه أوسطها لكن الأقوي الأخير و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن المصرح به في التذكرة و غيرها العدم للأصل و عدم الدليل و يحتمل السقوط لدلالته علي الرضا بالبيع. و فيه أن سبب الخيار هو التضرر في المستقبل- لما عرفت من أن الخيار لا يتدارك به ما مضي من ضرر الصبر و مطالبة الثمن لا يدل علي التزام الضرر المستقبل حتي يكون التزاما بالبيع بل مطالبة الثمن إنما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن و نحوه مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتي يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار. و بالجملة فالمسقط لهذا الخيار ليس إلا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو التزامه بإسقاطه أو اشتراط سقوطه و ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل علي الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار و لو من جهة التضرر بلزومه و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل مع أن سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر لعدم كونه تصرفا و الله العالم.

مسألة في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي

قولان و قد تقدم ما يصلح أن يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد و قد عرفت أن الأقوي الفور و يمكن أن يقال في خصوص [- 1- 130- 1] ما نحن فيه أن ظاهر قوله ع لا بيع له نفي البيع رأسا و إلا نسب بنفي الحقيقة بعد عدم إرادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا بأن لا يعود لازما أبدا فتأمل. [- 3- 487- 13] ثم علي تقدير إهمال النص و عدم ظهوره في العموم يمكن التمسك بالاستصحاب هنا لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان فعوده يحتاج إلي دليل و ليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب الخيار لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة إما لظهور النص و إما للاستصحاب- .

مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة- كان من البائع إجماعا مستفيضا

بل متواترا كما في الرياض و يدل عليه النبوي المشهور و إن كان في كتب روايات أصحابنا غير مسطور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و إطلاقه كمعاقد الإجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار أم تلف بعد بطلانه كما لو قلنا بكونه علي الفور فبطل بالتأخير أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال و قد يعارض النبوي بقاعدة
المكاسب، ج‌3، ص 248
الملازمة بين النماء و الدرك المستفادة من النص و الاستقراء و القاعدة المجمع عليها من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لكن النبوي أخص من القاعدة الأولي فلا معارضة و القاعدة الثانية لا عموم فيها يشمل جميع أفراد الخيار و لا جميع أحوال البيع حتي قبل القبض بل التحقيق فيها كما سيجي‌ء إن شاء الله اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان مع كون التلف بعد القبض و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا. و عن الخلاف الإجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء منهم المفيد و السيدان مدعين عليه الإجماع و هو مع قاعدة ضمان المالك [- 5- 384- 1] لما له يصح حجة لهذا القول لكن الإجماع معارض بل موهون و القاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المنجبر من حيث الصدور مضافا إلي رواية عقبة بن خالد: [- 3- 489- 4] في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله تعالي فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه- حتي يرد إليه حقه و لو مكنه من القبض [- 2- 57- 1] فلم يتسلم فضمان البائع مبني علي ارتفاع الضمان بذلك و هو الأقوي. قال الشيخ في النهاية إذا باع الإنسان شيئا و لم يقبض المتاع [- 3- 504- 9] و لا قبض الثمن و مضي المبتاع فإن العقد موقوف ثلاثة أيام فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له و إن مضت ثلاثة أيام كان البائع أولي بالمتاع فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام و لم يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون المبتاع و إن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة ثلاثة أيام كان من مال المبتاع و إن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع علي كل حال لأن الخيار له بعدها انتهي المحكي في المختلف. و قال بعد الحكاية و فيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع انتهي. أقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين فتشمل ما بعد القبض و ما قبله خصوصا مع قوله علي كل حال لكن التعميم مع أنه خلاف الإجماع مناف لتعليل الحكم [- 2- 357- 5] بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد ثلاثة أيام- فإن المعلوم أن الخيار إنما يكون له مع عدم القبض فيدل ذلك علي أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض

مسألة لو اشتري ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلا فلا بيع له

كما في مرسلة محمد بن أبي حمزة و المراد من نفي البيع نفي لزومه و يدل عليه قاعدة نفي الضرر فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن و من هنا يمكن تعدية الحكم إلي كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر و إن خرج عن مورد النص كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا علي البائع لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا لأن الموضوع فيه ما يفسد من يومه و الحكم فيه بثبوت الخيار من أول الليل فيكون الخيار في أول أزمنة الفساد و من المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا لكن المراد من اليوم اليوم و ليلة فالمعني أنه لا يبقي علي صفة الصلاح أزيد من يوم بليلة فيكون المفسد له المبيت لا مجرد دخول الليل فإذا فسخ البائع أول الليل أمكن له الانتفاع به و ببدله و لأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و أنه ثابت عند دخول الليل. و في معقد إجماع الغنية أن علي البائع الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار و في محكي الوسيلة أن خيار الفواكه للبائع فإذا مر علي المبيع يوم و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من الأصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير- لكن الإجماع علي عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها إلي ما يوافق الدروس و أحسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه التي أسندها في الوسائل إلي رواية زرارة قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلي الليل فإن المراد بالعهدة عهدة البائع. و قال في النهاية و إذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها و لم يقبض المبتاع و لا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم و إلا فلا بيع له انتهي. و نحوها عبارة السرائر و الظاهر أن المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض و الإقباض مع بقاء البيع علي حاله من اللزوم و أما المتأخرون فظاهر أكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار و إن اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما و من عبر بأن الخيار إلي الليل و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد إلا متابعة عبارة الشيخ في النهاية لكنك عرفت أن المراد بالخيار فيه اختيار المشتري و أن له تأخير القبض و الإقباض و هذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير و الأولي تعبير الدروس كما عرفت ثم الظاهر أن شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير لأنه فرد من أفراده كما هو صريح عنوان الغنية و غيرها فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط. نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة و قد عرفت هناك أن التأمل في الأدلة و الفتاوي يشرف الفقيه علي القطع بالاختصاص أيضا و حكم الهلاك في اليوم هنا و فيما بعده حكم المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا كما صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثم إن المراد بالفساد في النص و الفتوي ليس الفساد الحقيقي لأن موردهما هو الخضر و الفواكه و البقول و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الأمور بسبب الميت و لو لم يحدث في المبيع إلا فوات السوق ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من كونه ضررا و من إمكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر

السادس خيار الرؤية

اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه
المكاسب، ج‌3، ص 249
المتبايعان و يدل عليه قبل الإجماع المحقق و المستفيض حديث نفي الضرر و استدل عليه أيضا بأخبار منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلما أن نقد المال صار إلي الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله ع إنه لو قلب منها و نظر إلي تسع و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية و لا بد من حملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة إما بوصف القطعة غير المرئية أو بدلالة ما رءاه منها علي ما لم يره. و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال ع لا يشتر شيئا حتي يعلم أين يخرج السهم فإن اشتري شيئا فهو بالخيار إذا خرج. قال في الحدائق و توضيح معني هذا الخبر- ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم تدخل دارا ثم يقوم رجل علي الباب فيعد واحد أو اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم يخرج السهم قال لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة الخبر. أقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه لأن المشتري لسهم القصاب إن اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية و إن اشتري سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل و علي الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة- و يكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم ثم إن صحيحة جميل مختصة بالمشتري- و الظاهر الاتفاق علي أن هذا الخيار يثبت للبائع أيضا إذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره فتبين كونه زائدا علي ما وصف. و حكي عن بعض أنه يحتمل في صحيحة جميل أن يكون التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري و حينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما علي تقدير هذا الاحتمال و لا يخفي بعده و أبعد منه دعوي عموم الجواب و الله العالم.

مسألة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة

و المعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع- التي يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر إذ لولاها لكان غررا و عبر بعضهم عن هذه الأوصاف بما يختلف الثمن باختلافه كما في الوسيلة و جامع المقاصد و غيرهما و آخر بما يعتبر في صحة السلم و آخرون كالشيخين و الحلي اقتصروا علي اعتبار ذكر الصفة و الظاهر أن مرجع الجميع واحد و لذا ادعي الإجماع علي كل واحد منها. ففي موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم عندنا و عنه في موضع آخر من التذكرة أن شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع و يجب ذكر اللفظ الدال علي الجنس ثم ذكر أنه يجب ذكر اللفظ الدال علي التميز و ذلك بذكر جميع الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها انتهي و في جامع المقاصد ضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره فلا بد من استقصاء أوصاف السلم انتهي. و ربما يتراءي التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه- و كفاية ذكر أوصاف السلم من جهة أنه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الأوصاف لإفضائه إلي عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء علي التحقيق و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه. قال في التذكرة في باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة و إن تفاوت به الغرض و القيمة لإفضائه إلي عزة الوجود انتهي و قال في السلم في الأحجار المتخذة للبناء إنه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها فيقول ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثا أو أربعا علي سبيل التقريب دون التحقيق لتعذر التحقيق و يمكن أن يقال إن المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض أفراد السلم و إن كان يمكن أن يورد علي مسامحتهم هناك أن الاستقصاء في الأوصاف شرط في السلم غير مقيد بحال التمكن فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط أوصافه و تمام الكلام في محله ثم إن الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها- غير محصورة خصوصا في العبيد و الإماء فإن مراتبهم الكمالية التي يختلف بها أثمانهم غير محصورة جدا و الاقتصار علي ما يرفع به معظم الغرر إحالة علي مجهول بل يوجب الاكتفاء علي ما دون صفات السلم لانتفاء الغرر عرفا بذلك مع أنا علمنا أن الغرر العرفي أخص من الشرعي- و كيف كان فالمسألة لا تخلو عن إشكال و أشكل من ذلك أن الظاهر أن الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة و علي هذا فيجب أن يعتبر في الرؤية أن يحصل بها الاطلاع علي جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه. قال في التذكرة يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهي. و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة علي ما يعتبر في صحة السلم و بيع الغائب و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية علي جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة علي سن الجارية بل و لا علي نوعها و لا غيرها من الأمور التي لا يعرفها إلا أهل المعرفة بها فضلا عن مرتبة كمالها الإنساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال و يبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلي نوعه أو صنفه أو شخصه بل هو بالنسبة إلي الأوصاف التي اعتبروها كالأعمي لا بد من مراجعته لبصير عارف و لا أجد في المسألة أوثق من أن يقال إن المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة فإن دل علي اعتبار أزيد من ذلك حجة معتبرة أخذ به و ليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الإجماع حجة مع استناده في ذلك إلي كونه غررا عرفا حيث قال في أول مسألة اشتراط العلم بالعوضين أنه أجمع علمائنا علي اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما
المكاسب، ج‌3، ص 250
ملك بإزاء ما بذل فينتفي الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم تتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهي. و لا ريب أن المراد بمعرفة ما ملك معرفته علي وجه وسط بين طرفي الإجمال و التفصيل ثم إنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الأوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج و الغرر فيه أعظم و يمكن أن يقال إن أخذ الأوصاف في معني الاشتراط لا التقييد فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا و لا غرر فيه حينئذ عرفا. و قد صرح في النهاية و المسالك في مسألة ما لو رأي المبيع ثم تغير عما رءاه أن الرؤية بمنزلة الاشتراط و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا و يمكن أن يقال ببناء هذا البيع علي تصديق البائع أو غيره في إخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل و الوزن و لذا ذكروا أنه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما و كيف كان فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة و لا دليل شرعا أيضا علي المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات فيتعين الحكم بجوازه مضافا إلي الإجماع عليه ممن عدا بعض العامة ثم إن الخيار بين الرد و الإمساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب. و صريح السرائر تخييره بين الرد و الإمساك بالأرش و أنه لا يجبر علي أحدهما و يضعف بأنه لا دليل علي الأرش. نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش لكن بخيار العيب لا خيار رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه إذ لو لا الوصف ثبت خيار العيب أيضا و سيجي‌ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة إلي وصف الصحة و أضعف من هذا ما ينسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المراسم من بطلان البيع إذ أوجد علي خلاف ما وصف لكن الموجود في المقنعة و النهاية أنه لم يكن علي الوصف كان البيع مردودا و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا. و قد عبر في النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال و لا بأس بأن يبيع الإنسان متاعا بأكثر مما يسوي إذا كان المبتاع من أهل المعرفة فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا و علي تقدير وجود القول بالبطلان فلا يخفي ضعفه لعدم الدليل علي البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في مجمع البرهان- و حاصله وقوع العقد علي شي‌ء مغاير للموجود فالمعقود عليه غير موجود و الموجود غير معقود عليه و يضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا بأن يقال إن المبيع فاقد للأوصاف المأخوذة فيه لا إنه مغاير للموجود. نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في حقيقة المبيع عرفا فالظاهر عدم الخلاف في البطلان و لو أخذ في عبارة العقد علي وجه الاشتراط كأن يقول بعتك ما في البيت علي أنه عبد حبشي فبان حمارا وحشيا إلا أن يقال إن الموجود و إن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا أن اشتراط اتصافه بالأوصاف في معني كون القصد إلي بيعه بانيا علي تلك الأوصاف فإذا فقد ما بني عليه العقد فالمقصود غير حاصل فينبغي بطلان البيع و لذا التزم أكثر المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه فإن قصد الشرط إن كان مؤثرا في المعقود عليه فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد و إلا لم يوجب فساده فساد العقد بل غاية الأمر ثبوت الخيار و من هنا يظهر أن دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الأردبيلي موافقا للقاعدة. و احتمله العلامة رحمه الله في النهاية فيما إذا ظهر ما رءاه سابقا علي خلاف ما رءاه بأنه اشتباه ناش عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات و الوصف المعين في الشخصيات و بين الوصف الذاتي و العرضي و أن أقصي ما هناك كونه من باب تعارض الإشارة و الوصف و الإشارة أقوي مجازفة لا محصل لها و أما كون الإشارة أقوي من الوصف عند التعارض فلو جري فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف فينبغي لزوم العقد و إثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتي يتقوم به و كونه عرضيا لا ذاتيا إعادة للكلام السابق و يمكن أن يقال إن المستفاد من النصوص و الإجماعات في الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع سواء علم القصد
إليها من الخارج أم اشترطت في العقد كالحكم بمضي العقد علي المعيب مع عدم القصد إلا إلي الصحيح و منه المصراة- و كالحكم في النص و الفتوي بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك و ما لم يملك و غير ذلك فتأمل و سيجي‌ء بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد إن شاء الله نعم هنا إشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل في الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار فإن الظاهر دخول الذكورة و الأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم و كذا الرومي و الزنجي حقيقتان عرفا و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الأوصاف كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن علي أنه من الغنم فبان من الجاموس و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر و يمكن إحالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف و إن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الربا فتأمل.

مسألة الأكثر علي أن الخيار عند الرؤية فوري

بل نسب إلي ظاهر الأصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية و احتمل في نهاية الأحكام و لم أجد لهم دليلا صالحا علي ذلك إلا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد علي المتيقن و يبقي علي القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين مع أن صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها علي عدم الفورية و إن كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة إلي النص. و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في إثبات
المكاسب، ج‌3، ص 251
التراخي و إن استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

مسألة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا

علي الوجه المتقدم في خيار الغبن و بإسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها و لو تصرف قبلها ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك علي جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء علي أن التصرف إسقاط فعلي و في جواز إسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان علي أن الرؤية سبب أو كاشف. قال في التذكرة لو اختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار بالرؤية انتهي. و حكي ذلك من غيرها أيضا و ظاهره أن الخيار يحدث بالرؤية لا أنه يظهر بها و لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا أمكن جواز الإسقاط بمجرد تحقق السبب و هو العقد و لا يخلو عن قوة و لو شرط سقوط هذا الخيار ففي فساده و إفساده للعقد كما عن العلامة و جماعة أو عدمهما كما عن النهاية و بعض- أو الفساد دون الإفساد وجوه بل أقوال من كونه موجبا لكون العقد غررا كما في جامع المقاصد من أن الوصف قام مقام الرؤية فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي و لا موصوف و من أن دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتي يثبت بارتفاعه فإن الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا. و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الإقدام علي شراء العين الغائبة علي أي صفة كانت و لو كان الالتزام المذكور مؤديا إلي الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه لأنه بمنزلة بيع الشي‌ء صحيحا أو معيبا بأي عيب كان و لا شك أنه غرر و إنما جاز بيع الشي‌ء غير مشروط بالصحة اعتمادا علي أصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب في المبيع لأن تخالف أفراد الصحيح و المعيب أفحش من تخالف أفراد الصحيح و اقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة علي ما عدا الصفات الراجعة إلي العيب إنما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف بأصالة الصحة لا لجواز إهمالها عند البيع فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب كان راجعا إلي عدم الاعتداد بوجود تلك الأوصاف و عدمها فيلزم الغرر خصوصا علي ما حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ و أتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض و الجوز الفاسدين كذلك حيث إن مرجعه علي ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار الرؤية إلي اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع و لذا اعترض عليهم الشهيد و أتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضي اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه إلي عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا بأي عيب و الغرر فيه أفحش من البيع مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا بأي وصف كان ثم إنه يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتي يلزم فساد البيع و لو علي القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من جهة أنه إسقاط لما لم يتحقق بناء علي ما عرفت من أن الخيار إنما يتحقق بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الإسقاط لغو و فساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد فيتعين المصير إلي ثالث الأقوال المتقدمة لكن الإنصاف ضعف وجه هذا القول و أقوي الأقوال أولها لأن دفع الغرر عن هذه المعاملة و إن لم يكن لثبوت الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع إلا أنه لأجل سبب الخيار و هو اشتراط تلك الأوصاف المنحل إلي ارتباط الالتزام العقدي بوجود الصفات لأنها إما شروط للبيع و إما قيود للمبيع كما تقدم سابقا و اشتراط سقوط الخيار راجع إلي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها و التنافي بين الأمرين واضح و أما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بأن نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع علي وجه الاشتراط أو التقييد و إنما اعتمد المشتري فيهما علي أصالة الصحة- لا علي تعهد البائع لانتفائها حتي ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها بخلاف الصفات فيما نحن فيه فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع و المشتري يعتمد علي هذا التعهد فاشتراط البائع علي المشتري عدم تعهده لها و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك نعم لو شاهده المشتري و اشتراه معتمدا علي أصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط البراءة من العيوب كما أنه لو أخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري فاشترط عدم الخيار لو ظهر النقص كان مثل ما نحن فيه كما يظهر
من التحرير في بعض فروع الأخبار بالكيل و الضابط في ذلك أن كل وصف تعهده البائع و كان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده و كل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر علي أمارة أخري جاز اشتراط سقوط خيار فقده كالأصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك. و مما ذكرنا وجه فرق الشهيد و غيره في المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة و بين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته و فساده و ظهر أيضا أنه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقدها لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها و كذا لو اطمأن بوجودها و لم يتيقن. و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه هذا مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب بالنص و الإجماع لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما أشرنا إليه سابقا. و ظهر أيضا ضعف ما يقال من أن الأقوي في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار و إلا لصلح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار و هو معلوم العدم و إقدامه علي الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال الغرر عليه من قبل نفسه انتهي. توضيح الضعف أن المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار و هو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار
المكاسب، ج‌3، ص 252
و أما كون الإقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري و المسألة موضع إشكال.

مسألة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بإبدال العين

لأن العقد إنما وقع علي الشخصي فتملك غيره يحتاج إلي معاوضة جديدة و لو شرط في متن العقد الإبدال لو ظهر علي خلاف الوصف ففي الدروس أن الأقرب الفساد و لعله لأن البدل المستحق عليه بمقتضي الشرط إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلي معاوضة جديدة علي تقدير ظهور المخالفة بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة و ينعقد بيع آخر فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر كل منهما معلق علي المخالفة و من المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك و إن كان بإزاء المبيع الذي ظهر علي خلاف الوصف فمرجعه أيضا إلي انعقاد معاوضة تعليقية غررية لأن المفروض جهالة المبدل. و علي أي تقدير فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور فيفسد و يفسد العقد و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد رحمه الله حيث قال بعد نقل عبارة الدروس و حكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر علي الوصف أولا و فيه أنه لا موجب للفساد مع ظهوره علي الوصف المشروط و مجرد شرط البائع الإبدال مع عدم الظهور علي الوصف لا يصلح سببا للفساد لعموم الأخبار المتقدمة. نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة و لا يجبره هذا الشرط لإطلاق الأخبار و الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلي الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه. و بالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة علي الإطلاق وجها يحمل عليه انتهي.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع علي عين شخصية موصوفة

كالصلح و الإجارة لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة فإما أن يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الأردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة و إما أن يحكم بلزومه من دون خيار و الأول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه و الثاني فاسد من جهة أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة النقض و معلوم أن عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد بل قد تقدم عن بعض أن ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتي يجوز بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل. و الحاصل أن الأمر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار و الأول مناف لطريقة الأصحاب في غير باب فتعين الثاني.

مسألة لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة و قال المشتري قد اختلف

ففي التذكرة قدم قول المشتري- لأصالة براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة و رده في المختلف في نظير المسألة بأن إقراره بالشراء إقرار بالاشتغال بالثمن و يمكن أن يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه إلي البائع بناء علي ما ذكره في أحكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن و لا المثمن في مدة الخيار و إن تسلم الآخر و كيف كان فيمكن أن يخدش بأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف صفة المبيع أم لم يختلف غاية الأمر سلطنته علي الفسخ لو ثبت أن البائع التزم علي نفسه اتصاف البيع بأوصاف مفقودة كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا و حيث لم يثبت ذلك فالأصل عدمه فيبقي الاشتغال لازما غير قابل للإزالة بفسخ العقد هذا و يمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع و إن كان في معني الاشتراط إلا أنه بعنوان التقييد فمرجع الاختلاف إلي الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة أو تعلقه بعين لو حظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها و اللزوم من أحكام البيع المتعلق بالعين علي الوجه الثاني و الأصل عدمه و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل البيع

مسألة لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي أن ينسج الباقي كالأول بطل

كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد قدس سرهما و العلامة في كتبه و جامع المقاصد و استدل عليه في التذكرة و جامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.
و عن المختلف صحته- و لا يحضرني الآن حتي أتأمل في دليله و الذي ذكر للمنع و لا ينهض مانعا فالذي يقوي في النظر أنه إذا باع البعض المنسوج المنضم إلي غزل معين علي أن ينسجه علي ذلك المنوال فلا مانع منه و كذا إذا ضم معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف علي أن ينسجه كذلك إذ لا مانع من ضم الكلي إلي الشخصي و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة و الصبغ و كذا إذا باعه أذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال و لو لم ينسجه في الصورتين الأوليين علي ذلك المنوال ثبت الخيار لتخلف الشرط- و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول و بقي علي مال البائع و كان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و الله العالم

السابع خيار العيب

اشارة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب و إنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا علي أصالة السلامة و إلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة و هي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الأغراض و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة علي اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة فليس ذلك إلا من حيث الاعتماد في وجودها علي الأصل فإن من يشتري عبدا لا يعلم أنه صحيح سوي أم فالج مقعد لا يعتمد في صحته إلا علي أصالة السلامة كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا علي بقائه علي ما شاهده فلا يحتاج إلي ذكر تلك الصفات في العقد و كما يعتمد علي إخبار البائع بالوزن. قال في التذكرة الأصل في المبيع من الأعيان و الأشخاص- السلامة من العيوب و الصحة فإذا أقدم المشتري علي
المكاسب، ج‌3، ص 253
بذل ماله في مقابلة تلك العين فإنما بني إقدامه علي غالب ظنه المستند إلي أصالة السلامة انتهي. و قال في موضع آخر إطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة علي ما مر من القضاء العرفي يقتضي أن المشتري إنما بذل ماله بناء علي أصالة السلامة فكأنها مشترطة في نفس العقد انتهي. و مما ذكرنا يظهر أن الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلي الفرد الصحيح ليرد عليه أولا منع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور. و ثانيا عدم جريانه فيما نحن فيه لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئي حقيقي خارجي. و ثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا علي المعيب فلا معني لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتي يثبت التخيير بينهما و دفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد أخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية و إنما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها علي الأصل كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود أصلها و صفاتها علي الأصل. و لقد أجاد في الكفاية حيث قال إن المعروف بين الأصحاب أن إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة و لو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف إلي الصحيح من جهة ظاهر الإقدام أيضا و يحتمل كونه من جهة الإطلاق- المنصرف إلي الصحيح في مقام الاشتراء و إن لم ينصرف إليه في غير هذا المقام فتأمل ثم إن المصرح به في كلمات جماعة أن اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد لأنه تصريح بما يكون الإطلاق منزلا عليه. و إنما ترك لاعتماد المشتري علي أصالة السلامة فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا فإنه لا يزيد علي ما إذا ترك الاشتراط و اعتمد علي إخبار البائع بالكيل أو اشترط بقاء الشي‌ء علي الصفة السابقة المرئية فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا علي أصالة بقائها. و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة أم لم يشترط. و يؤيده ما ورد من رواية يونس: في رجل اشتري جارية علي أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة فإن اقتصاره ع علي أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل علي أن الخيار خيار العيب و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته و منه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك- من ثبوت خيار الاشتراط هنا فلا يسقط الرد بالتصرف و دعوي عدم دلالة الرواية علي التصرف أو عدم دلالته علي اشتراط البكارة في متن العقد كما تري.

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش
بلا خلاف و يدل علي الرد الأخبار المستفيضة الآتية و أما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد بل ما دل علي الأرش يختص بصورة التصرف المانع من الرد فيجوز أن يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر. نعم في الفقه الرضوي فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب و ظاهره كما في الحدائق التخيير بين الرد و أخذه بتمام الثمن و أخذ الأرش و يحتمل زيادة الهمزة في لفظة أو و يكون واو العطف فيدل علي التخيير بين الرد و الأرش و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار و هو صعب جدا و أصعب منه جعله مقتضي القاعدة- بناء علي أن الصحة و إن كانت وصفا فهي بمنزلة الجزء فيتدارك فائتة باسترداد ما قابله من الثمن و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله علي ما صرح به العلامة و غيره ثم منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي علي وجه الشرطية كما في بيع الأرض علي أنها جريان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الإجماع علي التخيير بين الرد و الأرش. نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أن أخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية و بعض مواضع المبسوط ينافيه إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش فافهم ثم إن في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه ما تقدم في خيار الغبن. و قد عرفت أن الأظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا و إن كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع علي خلاف ما اشترط. و قد صرح العلامة بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية قبلها معللا بأن الخيار إنما يثبت بالرؤية لكن المتفق عليه هنا نصا و فتوي جواز التبري و إسقاط خيار العيب. و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب أن استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو أحد طرفي الخيار لا معني لثبوته بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا إلي أن الظاهر من بعض أخبار المسألة أن السبب هو نفس العيب لكنها لا تدل علي العلية التامة فلعل الظهور شرط و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من أحكام هذا الخيار إلي دليله و أنه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره و المرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين هي القواعد فافهم ثم إنه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن كما صرح به العلامة و غيره هنا و في باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي الصرف معيبا و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه و إن كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد

القول في مسقطات هذا الخيار بطرفيه أو أحدهما

مسألة يسقط الرد خاصة بأمور

أحدها التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرد و اختيار الأرش

المكاسب، ج‌3، ص 254
و لو أطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الأرش و لو أسقط الخيار فلا يبعد سقوطه.

الثاني التصرف في المعيب

عند علمائنا كما في التذكرة و في السرائر الإجماع علي أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف منهم و نحوه المسالك و سيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي و الشيخين و ابن زهرة و ظاهر المحقق بل المحقق الثاني و استدل عليه في التذكرة أيضا تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء منه به علي الإطلاق و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتي يعلم حال صحته و عدمها و بقول أبي جعفر ع في الصحيح: أيما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.
و يدل عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال إن كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب هذا و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتي مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو أغلق الباب علي ما صرح به العلامة في التذكرة في غاية الإشكال لإطلاق قوله ع: إن كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد بإطلاق الأخبار في الرد خصوصا ما ورد في رد الجارية- بعد ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري و رد المملوك في أحداث السنة و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل أغلق الباب و نحوه و عدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط فإن مطلق التصرف لا يدل علي الرضا خصوصا مع الجهل بالعيب. و أما المرسلة فقد عرفت إطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد بل وطء الجارية لو لا النص المسقط للخيار به. و أما الصحيحة فلا يعلم المراد من إحداث شي‌ء في المبيع لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه مما مر من الأمثلة فلا تدل علي أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة من أن العبرة بتغير العين و عدم قيامها بعينها اللهم إلا أن يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان من النص الدال علي أن المراد بإحداث الحدث في المبيع هو أن ينظر إلي ما حرم النظر إليه قبل الشراء فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل علي سقوط الخيار هنا بكل تصرف فيكون ذلك النص دليلا علي المراد بالحدث هنا و هذا حسن لكن إقامة البينة علي اتحاد معني الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف علي ظهور الحدث في هذا المعني مشكلة ثم إنه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرف فلا دليل علي كونه من حيث الرضا بالعقد فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه و إن كان النص في خيار الحيوان دالا علي ذلك بقرينة التعليل المذكور فيه علي الوجوه المتقدمة هناك في المراد من التعليل لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا يدل علي سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا بل عرفت من التذكرة و الغنية أن علة السقوط دلالة التصرف نوعا علي الرضا و نحوه في الدلالة علي كون السقوط بالتصرف من حيث دلالته علي الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه. قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتي أحدث فيه حدثا لم يكن له الرد و كان له أرش العيب خاصة و كذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم و لا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه انتهي. فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث علي الرضا بالعيب ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أن سقوط الرد بالحدث لدلالته علي الرضا بأصل البيع و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت و قال في المبسوط إذا كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا كان له ردها فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها كل هذا لأنه ملكه و له فيه فائدته و عليه مئونته و الرد لا يسقط لأنه إنما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي‌ء من ذلك انتهي و قال في الغنية و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب انتهي و في السرائر قال في حكم من ظهر علي عيب فيما اشتراه و لا يجبر علي أحد الأمرين يعني الرد و الأرش قال هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة أو ينقص قيمته بالتصرف انتهي و في الوسيلة و يسقط الرد بأحد ثلاثة أشياء بالرضا و بترك الرد بعد العلم به إذا عرف أن له الرد و بحدوث عيب آخر عنده انتهي و هي بعينها كعبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في أن التصرف ليس بنفسه مسقطا إلا إذا دل علي الرضا. و قال في التذكرة لو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكها و لو حلبها في طريق الرد فالأقوي أنه تصرف يؤذن بالرضا بها. و قال بعض الشافعية لا يكون رضاء بإمساكه لأن اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد انتهي. و في جامع المقاصد و المسالك في
رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم يسقط الأرش أيضا- أن التصرف لا يدل علي إسقاط الأرش. نعم يدل علي الالتزام بالعقد. و في التحرير لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا قبل علمه بالعيب و بعده سقط الرد انتهي. و قد ظهر من جميع ذلك أن التصرف من حيث هو ليس مسقطا و إنما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا فكل تصرف يدل علي ذلك عادة فهو مسقط و ما ليس كذلك فلا دليل علي الإسقاط به كما لو وقع نسيانا أو للاختبار و مقتضي ذلك أنه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه و حصل بقصد الاختبار إلا أن المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده- و الذي ينبغي أن يقال و إن كان ظاهر المشهور خلافه- إن التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه علي الرضا كدلالة اللفظ علي معناه لا مطلق التصرف و الدليل علي
المكاسب، ج‌3، ص 255
إسقاطه مضافا إلي أنه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل علي اعتبار الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاء بالبيع و لذا تعدينا إلي خيار المجلس و الشرط و حكمنا بسقوطهما بالتصرف فكذلك خيار العيب و أما التصرف قبل العلم بالعيب فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي‌ء بعينه فهو مسقط أيضا لمرسلة جميل المتقدمة و يلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو إجازة أو شبه ذلك. و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار علي ذلك حيث قال في أول المسألة و يسقط الرد بإحداثه فيه حدثا كالعتق و قطع الثوب سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده. و في مسألة رد المملوك من أحداث السنة فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش انتهي. و هو الظاهر من المحكي عن الإسكافي حيث قال فإن وجد بالسلعة عيبا و قد أحدث فيه ما لا يمكن معه ردها إلي ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة و القطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه كان له فضل ما بين الصحة و العيب انتهي. و هذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرف قبل العلم و أما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك فلا دليل علي السقوط به بحيث يطمئن به النفس. و أقصي ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس و قيام النص و الإجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين و إطلاق معقد الإجماع المدعي في كثير من العبائر كالتذكرة و السرائر و الغنية و غيرها و في نهوض ذلك كله لتقييد إطلاق أخبار الرد خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد كالنص برد الجارية بعد ستة أشهر و رد الجارية إذا لم يطأها و رد المملوك من أحداث السنة نظر بل منع خصوصا معاقد الإجماع فإن نقله الإجماع كالعلامة و الحلي و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد فكان دعوي الإجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط بما يدل علي الرضا من التصرف خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث إنه اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل و المغير و غيره حيث قال قدس سره و خامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملكه أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب فإنه يمنع من الرد لشي‌ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب و كذا حكمه إن كان قبل العلم بالعيب و كان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان فيه كالقطع للثوب و إن لم يكن كذلك فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن وطء الجارية فإنه يمنع من ردها لشي‌ء من العيوب إلا الحبل انتهي كلامه. و قد أجاد قدس سره فيما استفاده من الأدلة و حكي عن المبسوط أيضا أن التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار لكن صرح بأن الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد فإطلاق التصرف قبل العلم محمول علي غير المغير و ظاهر المقنعة و المبسوط أنه إذا وجد العيب بعد عتق العبد و الأمة لم يكن له ردهما و إذا وجده بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيرا بين الرد و أخذ أرش العيب و فرقا بينهما و بين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق و يرده مع أن مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسلة جميل فإن العين مع الهبة و التدبير غير قائمة و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك و لذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار مع أنه لم يقل أحد من الأمة بجواز الرد حينئذ. و قال بعد ما ذكر إن الذي يقتضيه أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في المبيع أنه لا يجوز له رده و لا خلاف في أن الهبة و التدبير تصرف. و بالجملة فتعميم الأكثر لأفراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله مشكل و العجب من المحقق الثاني أنه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.

الثالث تلف العين أو صيرورته كالتالف

فإنه يسقط الخيار هنا بخلاف الخيارات المتقدمة غير الساقطة بتلف العين و المستند فيه بعد ظهور الإجماع إناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه فلو تلف أو انتقل إلي ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد علي المشتري فلا رد. و مما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق العبد علي المشتري مسقط برأسه كما في الدروس لا يخلو عن شي‌ء. نعم ذكر أنه يمكن إرجاع هذا الوجه إلي التصرف و هو أيضا لا يخلو عن شي‌ء و الأولي ما ذكرناه ثم إنه لو عاد الملك إلي المشتري لم يجز رده للأصل- خلافا للشيخ بل المفيد قدس سرهما. فرع لا خلاف نصا و فتوي- في أن وطء الجارية يمنع عن ردها بالعيب سواء قلنا بأن مطلق التصرف مانع أم قلنا باختصاصه بالتصرف الموجب لعدم كون الشي‌ء قائما بعينه غاية الأمر كون الوطي علي هذا القول مستثني عن التصرف غير المغير للعين كما عرفت من عبارة الغنية مع أن العلامة علل المنع في موضع من التذكرة بأن الوطي جناية و لهذا يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك. و قد تقدم في كلام الإسكافي أيضا أن الوطي مما لا يمكن معه رد المبيع إلي ما كان عليه قبله و يشير إليه ما سيجي‌ء في غير واحد من الروايات من قوله معاذ الله أن يجعل لها أجرا فإن فيه إشارة إلي أنه لو ردها لا بد أن يرد معها شيئا تداركا للجناية- إذ لو كان الوطي مجرد استيفاء منفعة- لم يتوقف ردها إلي رد عوض المنفعة فإطلاق الأجر عليه في الرواية علي طبق ما يتراءي في نظر العرف من كون هذه الغرامة كأنها أجرة للوطء و حاصل معناه أنه إذا حكمت بالرد مع أرش جنايتها كان ذلك في الأنظار بمنزلة الأجرة و هي ممنوعة شرعا لأن إجارة الفروج غير جائزة و هذا إنما وقع من أمير المؤمنين ع مبنيا علي تقرير رعيته علي ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع فلا يقال إن المتعة مشروعة و قد ورد أن المنقطعات مستأجرات فلا وجه للاستعاذة بالله من جعل الأجرة للفروج هذا ما يخطر عاجلا بالبال في معني هذه الفقرة و الله العالم و كيف كان ففي النصوص المستفيضة
المكاسب، ج‌3، ص 256
الواردة في المسألة كفاية ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري جارية فوقع عليها قال إن وجد فيها عيبا فليس له أن يردها و لكن يرد عليه بقدر ما نقصها العيب قلت هذا قول أمير المؤمنين ع قال نعم و صحيحة ابن مسلم عن أحدهما ع: أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد بها عيبا بعد ذلك قال لا يردها علي صاحبها و لكن يقوم ما بين العيب و الصحة و يرد علي المبتاع معاذ الله أن يجعل لها أجرا و رواية ميسر عن أبي عبد الله ع قال: كان علي لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب و كان يقول معاذ الله أجعل لها أجرا الخبر و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في رجل اشتري جارية فوطئها ثم رأي فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع علي المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء و ما عن حماد في الصحيح عن أبي عبد الله ع يقول قال علي بن الحسين ع: كان القضاء الأول في الرجل إذا اشتري أمة فوطئها ثم ظهر علي عيب أن البيع لازم و له أرش العيب إلي غير ذلك مما سيجي‌ء ثم إن المشهور استثنوا عن عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل فإنه عيب إجماعا كما في المسالك إلا أن الوطي لا يمنع من الرد به بل يردها و يرد معها العشر أو نصف العشر علي المشهور بينهم و استندوا في ذلك إلي نصوص مستفيضة- منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ع: عن رجل اشتري جارية حبلي و لم يعلم بحبلها فوطئها قال يردها علي الذي ابتاعها منه و يرد عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها و قد قال علي ع: لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع قال: لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و له أرش العيب و ترد الحبلي و يرد معها نصف عشر قيمتها و زاد في الكافي قال و في رواية أخري: إن كانت بكرا فعشر قيمتها و إن كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها و مرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار: قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل باع جارية حبلي و هو لا يعلم فينكحها الذي اشتري قال يردها و يرد نصف عشر قيمتها و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلي قال ترد و يرد معها شيئا و صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر ع: في الرجل يشتري الجارية الحبلي فينكحها قال يرد و يكسوها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الجارية و هي حبلي فيطأها قال يردها و يرد عشر قيمتها هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات و قد عمل بها المشهور بل ادعي علي ظاهرها الإجماع في الغنية كما عن الانتصار و عدم الخلاف في السرائر خلافا للمحكي عن الإسكافي فحكم بالرد مع كون الحمل من المولي لبطلان بيع أم الولد حيث قال فإن وجد في السلعة عيبا كان عند البائع و قد أحدث المشتري في السلعة ما لا يمكن ردها إلي ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة أو القطع للثوب أو تلف السلعة بموت أو غيره كان للمشتري فضل ما بين الصحة و العيب دون ردها فإن كان العيب ظهور حمل من البائع و قد وطئها المشتري من غير علم بذلك كان عليه ردها و نصف عشر قيمتها انتهي. و اختاره في المختلف و هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال فإن وجد بها عيبا بعد أن وطئها لم يكن له ردها و كان له أرش العيب خاصة اللهم إلا أن يكون العيب من حبل فيلزمه ردها علي كل حال وطئها أم لم يطأها و يرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها انتهي. و يمكن استفادة هذا من إطلاق المبسوط القول بمنع الوطي من الرد فإن من البعيد عدم استثناء وطء الحامل و عدم تعرضه لحكمه مع اشتهار المسألة في الروايات و ألسنة القدماء. و قال في الوسيلة إذا وطئ الأمة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردها إلا إذا كان العيب حملا و كان حرا فإنه وجب عليه ردها و يرد معها نصف عشر قيمتها و إن كان الحمل مملوكا
لم يجب ذلك انتهي. و ظاهر الرياض أيضا اختيار هذا القول. و الإنصاف أن ظاهر الأخبار المتقدمة في بادئ النظر و إن كان ما ذكره المشهور إلا أن العمل علي هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه أخر أحدها من حيث مخالفة ظهورها في وجوب رد الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولي حتي تكون الجملة الخبرية واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد الوطي إذ لو بقي الحمل علي إطلاقه لم يستقم دعوي وقوع الجملة الخبرية في مقام دفع توهم الحظر إذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل حتي أم الولد فلا بد إما من التقييد أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية. الثاني مخالفة لزوم العقر علي المشتري لقاعدة عدم العقر في وطء الملك أو قاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه لا من أصله. الثالث مخالفته لما دل علي كون التصرف عموما و الوطي بالخصوص مانعا من الرد. أن الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة رجل باع جارية حبلي و هو لا يعلم وقوع السؤال عن بيع أم الولد و إلا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة و يشير إليه ما في بعض الروايات المتقدمة- من قوله ع يكسوها فإن في ذلك إشارة إلي تشبثها بالحرية للاستيلاد فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر و لم يصرح بالعقر الذي هو جزء من القيمة. الخامس ظهور هذه الأخبار في كون الرد بعد تصرف المشتري في الجارية بغير الوطي من نحو اسقني ماءا أو أغلق الباب و غيرهما مما قل أن تنفك عنه الجارية و تقييدها بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بالفرض النادر و إنما دعي إلي هذا التقييد في غير هذه الأخبار مما دل علي رد الجارية بعد مدة طويلة الدليل الدال علي اللزوم بالتصرف لكن لا داعي هنا لهذا التقييد إذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولي لتسلم الأخبار عن جميع ذلك. و غاية الأمر تعارض هذه الأخبار مع ما دل علي منع الوطي عن الرد بالعموم من وجه فيبقي ما عدا الوجه الثالث- مرجحا لتقييد هذه الأخبار و لو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم و بين إطلاق الحمل في هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولي وجب الرجوع إلي عموم ما دل علي أن إحداث الحدث مسقط- لكونه رضاء بالبيع و يمكن الرجوع إلي ما دل علي جواز الرد مع قيام
المكاسب، ج‌3، ص 257
العين. نعم لو خدش في عموم ما دل علي المنع من الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع إلي أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطي لكن يبقي لزوم العقر مما لا دليل عليه إلا الإجماع المركب و عدم الفصل بين الرد و العقر فافهم. ثم إن المحكي عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب رد نصف العشر بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه إلا أن يدعي انصراف إطلاق الفتاوي و مقعد الإجماع كالنصوص إلي الغالب من كون الحامل ثيبا فلا يشمل فرض حمل البكر بالسحق أو بوطء الدبر و لذا ادعي عدم الخلاف في السرائر- علي اختصاص نصف العشر بالثيب و ثبوت العشر في البكر بل معقد إجماع الغنية بعد التأمل موافق للسرائر أيضا حيث ذكر في الحامل أنه يرد معها نصف عشر قيمتها علي ما مضي بدليل إجماع الطائفة و مراده بما مضي كما يظهر لمن راجع كلامه ما ذكره سابقا مدعيا عليه الإجماع من أنه إذا وطئ المشتري في مدة خيار البائع ففسخ يرد معها العشر إن كانت بكرا و نصف العشر إن كانت ثيبا و أما الانتصار فلا يحضرني حتي أراجعه و قد عرفت إمكان تنزيل الجميع علي الغالب و حينئذ فيكون مرسلة الكافي المتقدمة بعد انجبارها بما عرفت من السرائر و الغنية دليلا علي التفصيل في المسألة. كما اختاره جماعة من المتأخرين مضافا إلي ورود العشر في بعض الروايات المتقدمة المحمولة علي البكر إلا أنه بعيد و لذا نسبه الشيخ إلي سهو الراوي في إسقاط لفظ النصف. و في الدروس أن الصدوق ذكرها بلفظ النصف و أما ما تقدم مما دل علي أنه يرد معها شيئا فهو بإطلاقه خلاف الإجماع فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت أصل العقر لا مقداره و أما ما دل علي أنه يكسوها فقد حمل علي كسوة تساوي العشر أو نصفه و لا بأس به في مقام الجمع ثم إن مقتضي الإطلاق جواز الرد و لو مع الوطي في الدبر- و يمكن دعوي انصرافه إلي غيره- فيقتصر في مخالفة العمومات علي منصرف اللفظ و في لحوق التقبيل و اللمس بالوطء وجهان من الخروج عن مورد النص و من الأولوية و لو انضم إلي الحمل عيب آخر فقد استشكل في سقوط الرد بالوطء من صدق كونها معيبة بالحمل و كونها معيبة بغيره. و فيه أن كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك العيب في الرد مع التصرف لا نفي تأثير عيب الحمل ثم إن صريح بعض النصوص و الفتاوي و ظاهر باقيها اختصاص الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب فلو وطئ عالما به سقط الرد لكن إطلاق كثير من الروايات يشمل العالم.

الرابع من المسقطات حدوث عيب عند المشتري

اشارة

و تفصيل ذلك أنه إذا حدث العيب بعد العقد علي المعيب فإما أن يحدث قبل القبض و إما أن يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع أعني خيار المجلس و الحيوان و الشرط- و إما أن يحدث بعد مضي الخيار و المراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير. و أما الأول فلا خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع الرد بل في أنه هو كالموجود قبل العقد حتي في ثبوت الأرش فيه علي الخلاف الآتي في أحكام القبض و أما الحادث في زمن الخيار فكذلك لا خلاف في أنه غير مانع عن الرد بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الأرش علي الخلاف الآتي فيما قبل القبض بناء علي اتحاد المسألتين كما يظهر من بعض و يدل علي ذلك ما يأتي من أن الحدث في زمان الخيار مضمون علي البائع و من ماله و معناه ضمانه علي الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل قبل العقد إلا أن المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب أن تأثير العيب الحادث في زمن الخيار و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم إنما هو ما دام الخيار فإذا انقضي الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون علي المشتري قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير مضمون علي المشتري لم يمنع من الرد قبل القبض أو في مدة خيار المشتري المشترط أو بالأصل فله الرد ما دام الخيار فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف- بين ابن نما و تلميذه المحقق قدس سرهما فجوزه ابن نما لأنه من ضمان البائع و منعه المحقق قدس سره لأن الرد لمكان الخيار و قد زال و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد انتهي. لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني و هو حدوث العيب في مبيع صحيح و لعل الفرع الأول مترتب عليه لأن العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع حتي يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب السابق إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون علي المشتري فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب السابق فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث و لذا ذكر في اللمعة أن هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع من أن العيب الحادث في الحيوان مضمون علي البائع مع حكمه بعدم الأرش ثم إنه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه و يضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار و فيه أن قول ابن نما رحمه الله لا يأبي عن التعدد كما لا يخفي. و أما الثالث أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض و الخيار فالمشهور أنه مانع عن الرد بالعيب السابق بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام و في ظاهر الغنية الإجماع عليه- و المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة إذا اشتري اثنان شيئا فأراد أحدهما رده بالعيب أو اشتري واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب خاصة و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد و يمكن الاستدلال علي الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة- فإن قيام العين و إن لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف كما اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين إلا أن الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الأوصاف و النقص الحاصل و لو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب و خياطته. نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة كالثمن و تعلم الصنعة لكنه يندفع بأن الظاهر من قيام العين بقاؤه بمعني أن لا ينقص ماليته لا بمعني أن لا يزيد و لا ينقص كما لا يخفي علي المتأمل.
المكاسب، ج‌3، ص 258
و استدل العلامة في التذكرة علي أصل الحكم قبل المرسلة بأن العيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون مضمونا علي المشتري فيسقط رده للنقص الحاصل في يده فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق أولي من تحمل المشتري له للعيب الحادث هذا و لكن المرسلة لا تشمل جميع أفراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن إفادة المدعي لأن المرجع بعد عدم الأولوية من أحد الطرفين إلي أصالة ثبوت الخيار و عدم ما يدل علي سقوطه غاية الأمر أنه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا رده كما إذا تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيب العين أما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب أرشا بل يرده لأن النقص حدث في ملكه و إنما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب القديم بكون الصبر علي المعيب ضررا أمكن أن يقال إن تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر علي العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص و الإجماع فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط لا بأس به إلا أن الإنصاف أن المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو إناطة الحكم بمطلق النقص. توضيح ذلك أن المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها و تغيرها علي ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة علي ذلك لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا. و المراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للأرش فإن النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة إنما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة و هذا ليس عيبا اصطلاحيا و دعوي اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن يدفعه أن المقصود مجرد النقص مع أنه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث و إن لم يكن عيبا اصطلاحيا ثبت في المغير و غيره للقطع بعدم الفرق فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين إلا مع أرشه و كونه مجرد نقص لا يوجب أرشا كنسيان الكتابة و الطحن أما الفرق في أفراد النقص غير الموجب للأرش بين مغير العين حسا و غيره فلا مجال لاحتماله ثم إن ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في أصل المسألة- و أن حدوث العيب لا يمنع من الرد لكنه شاذ علي الظاهر ثم مقتضي الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله فلا يثبت بعد زواله لعدم الدليل علي الثبوت بعد السقوط. قال في التذكرة عندنا أن العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق سواء زال أم لا لكن في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه كان له الرد و لا أرش عليه انتهي. و لعل وجهه أن الممنوع هو رده معيوبا لأجل تضرر البائع و ضمان المشتري لما يحدث و قد انتفي الأمران و لو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد كما في الدروس و غيره لأن عدم الجواز لحق البائع و إلا فمقتضي قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب غاية الأمر ثبوت قيمة العيب و إنما منع من الرد هنا للنص و الإجماع أو للضرر. و مما ذكرنا يعلم أن المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد ثم إن صريح المبسوط أنه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش و هذا أحد المواضع التي أشرنا في أول المسألة إلي تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد و ينافيه إطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

تنبيه [هل تبعض الصفقة مانع من الرد]

اشارة

ظاهر التذكرة و الدروس أن من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة علي البائع. و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة أن التعدد المتصور فيه التبعض إما في أحد العوضين و إما في البائع و إما في المشتري. فالأول كما إذا اشتري شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر بعضه معيبا و كذا لو باع شيئا بثمن فظهر بعض الثمن معيبا. و الثاني كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا فظهر معيبا و أراد المشتري أن يرد علي أحدهما نصيبه دون الآخر. و الثالث كما إذا اشتري اثنان من واحد شيئا فظهر معيبا فاختار أحدهما الرد دون الآخر و ألحق بذلك الوارثان لمشتري واحد للمعيب و أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا إشكال في كون هذا عقدين و لا إشكال في جواز التفريق بينهما

[التعدد في العوض]

أما الأول فالمعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الإجماع عليه- لأن المردود إن كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة و إن كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح فهو أولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن و هذا الضرر و إن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر علي المشتري- إذ قد يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ فإن المانع فيهما ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة و لذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا. و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه لا أقل من الشك لعدم إطلاق موثوق به و الأصل اللزوم. و فيه مضافا إلي أن اللازم من ذلك- عدم جواز رد المعيب منفردا و إن رضي البائع لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه و هو لزوم الضرر علي البائع حتي ينتفي برضا البائع أنه لا يشك أحد في أن دليل هذا الخيار- كغيره من أدلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء و لذا لم يجوز أحد تبعيض ذي الخيار أجزاء ماله فيه الخيار و لم يحتمل هنا أحد رد الصحيح دون المعيب و إنما وقع الإشكال في أن محل الخيار هو هذا الشي‌ء المعيوب غاية الأمر أنه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا تتبعض
المكاسب، ج‌3، ص 259
الصفقة عليه و إما لقيام الإجماع علي جواز رده و إما لصدق المعيوب علي المجموع كما تقدم أو أن محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه. و بعبارة أخري الخيار المسبب عن وجود الشي‌ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار أم لا بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في الرد في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير أخبار خيار الحيوان و هذا المقدار لا يدل علي حكم ما لو انضم المعيب إلي غيره بل قد يدل كأخبار خيار الحيوان علي اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام. و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشي‌ء قائما بعينه لأن المراد بالشي‌ء هو المعيب و لا شك في قيامه هنا بعينه. و بالجملة فالعمدة في المسألة مضافا إلي ظهور الإجماع ما تقدم من أن مرجع جواز الرد منفردا إلي إثبات سلطنة للمشتري علي الجزء الصحيح من حيث إمساكه ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع و منع سلطنته علي الرد أولا أولي و لا أقل من التساوي فيرجع إلي أصالة اللزوم و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الإجماع كما أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة. و بالجملة فالأصل كاف في المسألة ثم إن مقتضي ما ذكروه من إلحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث أنه لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد كما في التذكرة معللا بأن الحق لا يعدوهما و هذا مما يدل علي أن محل الخيار هو الجزء المعيب إلا أنه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده إلا بالتفاسخ و معه يجوز رد الصحيح منفردا أيضا.

و أما الثاني و هو تعدد المشتري

و أما الثاني و هو تعدد المشتري
بأن اشتريا شيئا واحدا فظهر فيه عيب فإن الأقوي فيه عدم جواز انفراد أحدهما علي المشهور كما عن جماعة و استدل عليه في التذكرة و غيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد- خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة- و الإسكافي و القاضي و الحلي و صاحب البشري فجوزوا الافتراق. و في التذكرة ليس عندي فيه بعد إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقصا فالشركة حصلت بإيجابه و قواه في الإيضاح لما تقدم من التذكرة و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري و استجوده في التحرير- و قواه في جامع المقاصد و صاحب المسالك. و قال في المبسوط إذا اشتري الشريكان عبدا بمال الشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه و كان لهما أن يمسكاه فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك كان لهما ذلك ثم قال و لو اشتري أحد الشريكين للشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يردا و أن يمسكا فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك نظر فإن أطلق العقد و لم يخبر البائع أنه قد اشتري للشركة لم يكن له الرد لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فإذا ادعي أنه اشتراه له و لشريكه فقد ادعي خلاف الظاهر فلم يقبل قوله و كان القول قول البائع مع يمينه إلي أن قال و إن أخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان أحدهما و هو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لاثنين فقد علم البائع أنه يبيعه من اثنين و كان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر و قيل فيه وجه آخر و هو أنه ليس له الرد لأن القبول في العقد كان واحدا انتهي. و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين أما إذا تحقق القبول من الشريكين فلا كلام في جواز الافتراق ثم الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع و جهله لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم إخبار المشتري بالاشتراك بأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه لا بعدم علم البائع بالتعدد و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشتري علي أن الشراء بالاشتراك دليل علي أنه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة و إن لم يعلم به البائع إلا أن يحمل اليمين علي يمين البائع علي نفي العلم و يراد من البينة البينة علي إعلام المشتري للبائع بالتعدد و كيف كان فمبني المسألة علي ما يظهر من كلام الشيخ علي تعدد العقد بتعدد المشتري و وحدته و الأقوي في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا لأن الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين فليس لكل منهما الاستقلال و لا دليل علي تعدد الخيار هنا إلا إطلاق الفتاوي و النصوص من أن من اشتري معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشتري جزء من المعيب لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلي غير المقام و لو سلمنا الظهور لكن لا ريب في أن رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته و هو مانع من الرد و من ذلك يعلم قوة المنع و إن قلنا بتعدد العقد. و ما ذكروه تبعا للتذكرة من أن التشقيص حصل بإيجاب البائع فيه أنه أخرجه غير مبعض و إنما تبعض بالإخراج و المقصود حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج و خلاف ذلك ضرر عليه و علم البائع بذلك ليس فيه إقدام علي الضرر إلا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام. و الحاصل أن الفرق بين هذه المسألة و المسألة الأولي غير وجيه

و أما الثالث و هو تعدد البائع

فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق و لو اشتري اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشتري كل من كل ربعا فإن أراد أحدهما رد ربع إلي أحد البائعين دخل في المسألة الثالثة و لذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة علي البائع الواحد.

مسألة يسقط الأرش دون الرد في موضعين

أحدهما إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في أحدهما فلا أرش حذرا من الربا

و يحتمل جواز أخذ الأرش و نفي عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا إنما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت و الأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد
المكاسب، ج‌3، ص 260
السابق انتهي. ثم ذكر أن الأقرب أنه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي‌ء آخر انتهي. و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا المتقدم علي العلامة و حاصل وجهه أن صفة الصحة لم تقابل بشي‌ء من الثمن حتي يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة أنقص منه قدرا بل لم تقابل بشي‌ء أصلا و لو من غير الثمن و إلا لثبت في ذمة البائع و إن لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي‌ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا أن الشارع جوز للمشتري مع تبين فقده أخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع هذا و لكن يمكن أن يدعي أن المستفاد من أدلة تحريم الربا و حرمة المعاوضة إلا مثلا بمثل بعد ملاحظة أن الصحيح و المعيب جنس واحد أن وصف الصحة في أحد الجنسين كالمعدوم لا يترتب علي فقده استحقاق عوض و من المعلوم أن الأرش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا فالعقد علي المتجانسين لا يجوز أن يصير سببا لاستحقاق أحدهما علي الآخر زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر. و بالجملة فبناء معاوضة المتجانسين علي عدم وقوع مال في مقابل الصحة المفقودة في أحدهما و المسألة في غاية الإشكال و لا بد من مراجعة أدلة الربا و فهم حقيقة الأرش و سيجي‌ء بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالي

الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة

فإنه لا يتصور هنا أرش حتي يحكم بثبوته و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد و قد يناقش في ذلك بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و إنما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الأغراض الفاسدة أعني عدم تستر النساء منه فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته و هذا المقدار لا يوجب زيادة في أصل المالية فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الإنصاف أن الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض صح أن يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية كما لا يخفي. و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه سواء كان من جهة أغراض أنفسهم أم من جهة بيعه علي من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

مسألة يسقط الرد و الأرش معا بأمور.

أحدها العلم بالعيب قبل العقد

بلا خلاف و لا إشكال لأن الخيار إنما ثبت مع الجهل و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة و فيه نظر و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الذي له أحكام خاصة فسد الشرط و أفسد لكونه مخالفا للشرع و لو أراد به مجرد الخيار كان من خيار الشرط و لحقه أحكامه لا أحكام خيار العيب.

الثاني تبري البائع عن العيوب

اشارة

إجماعا في الجملة علي الظاهر المصرح به في محكي الخلاف و الغنية و نسبه في التذكرة إلي علمائنا أجمع و الأصل في الحكم قبل الإجماع- مضافا إلي ما في التذكرة من أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة- و مكاتبة جعفر بن عيسي الآتية- و مقتضي إطلاقهما كمعقد الإجماع المحكي عدم الفرق بين التبري تفصيلا و إجمالا- و لا بين العيوب الظاهرة و الباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض أصحابنا من عدم كفاية التبري إجمالا. و عن المختلف نسبه إلي الإسكافي و قد ينسب إلي صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع أن المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور. و في الدروس نسب المشهور إلي أشهر القولين ثم إن ظاهر الأدلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد و أما التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار فيدل علي صحته و سقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم. قال في التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال إن التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب لأنا نقول إن التبري إنما هو من الخيار الثابت بمقتضي العقد لا من العيب انتهي. أقول المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث العيب و العقد ليس سببا لهذا الخيار فإسناد البراءة إلي الخيار لا ينفع. و قد اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية. نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته و كلمات غيره كالشهيد و المحقق الثاني. و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية بل الغرر في الأول أعظم إلا أنه لما قام النص و الإجماع علي صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع إمكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد علي أصالة السلامة فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر. و أما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتي يحتاج إلي دفع الغرر بأصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتي يوجب جهالة

ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلي أمور

الأول عهدة العيوب

و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه إلي عدم التزام سلامته فلا يترتب علي ظهور العيب رد و لا أرش فكأنه باعه علي كل تقدير.

الثاني ضمان العيب

و هذا أنسب بمعني البراءة و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب إلا تخييرا بين الرد و الإمضاء مجانا و مرجع ذلك إلي إسقاط أرش العيوب في عقد البيع لا خيارها.

الثالث حكم العيب

و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضي العقد بسبب العيب
و الأظهر في العرف هو المعني الأول و الأنسب بمعني البراءة هو الثاني و قد تقدم عن التذكرة المعني الثالث و هو بعيد عن اللفظ إلا أن يرجع إلي المعني الأول و الأمر سهل

ثم إن تبرأ البائع عن المعيوب مطلقا أو عن عيب خاص إنما يسقط تأثيره من حيث الخيار

أما سائر أحكامه فلا فلو تلف بهذا العيب في أيام خيار المشتري لم يزل
المكاسب، ج‌3، ص 261
ضمان البائع لعموم النص لكن في الدروس أنه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع- و كذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده و تلف في زمان خيار المشتري و يحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه و أقوي إشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار انتهي كلامه رفع مقامه

ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها

منها زوال العيب قبل العلم به

كما صرح به في غير موضع من التذكرة. و مال إليه في جامع المقاصد و اختاره في المسالك بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد و هو ظاهر التذكرة حيث قال في أواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق علي العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد انتهي. و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الأرش- كما لا يخفي علي المتأمل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الأرش معا علي زوال العيب حيث قال لو اشتري عبدا أو حدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يتحالفان إلي آخر ما حكاه عن الشافعي و كيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لأن ظاهر أدلة الرد خصوصا بملاحظة أن الصبر علي العيب ضرر هو رد المعيوب و هو المتلبس بالعيب لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار. و أما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد خصوصا بعد العلم بالعيب و الصحة إنما حدثت في ملك المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلي دليل فالقول بثبوت الأرش و سقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للإجماع و لم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده. نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي و هو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد لكن عرفت مرارا أن المرجع في ذلك هي الأدلة و لا منشأ لهذه القاعدة.

و منها التصرف بعد العلم بالعيب

فإنه مسقط للأمرين عند ابن حمزة في الوسيلة و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب و النص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم و رد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب- و الأولي أن يقال إن الرضا بالعيب لا يوجب إسقاط الأرش و إنما المسقط له إبراء البائع عن عهدة العيب و حيث لم يدل التصرف عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف مع أن اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع فليراجع.

و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب

كالبغل الخصي بل العبد الخصي علي ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة- و الرد لأجل التصرف. و قد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر علي المشتري بصبره علي المعيب و فيه أن العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف مع عدم أرش فيه و حله أن الضرر إما أن يكون من حيث القصد إلي ما هو أزيد مالية من الموجود و إما أن يكون من حيث القصد إلي خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته و الأول مفروض الانتفاء و الثاني قد رضي به و أقدم عليه المشتري بتصرفه فيه بناء علي أن التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه إلا أن يقال إن المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت الأرش و إلا فمقتضي القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف كما في غير العيب و التدليس من أسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها أرشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به نعم لو اقتصر في التصرف المسقط علي ما يدل علي الرضا كان مقتضي عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

و منها حدوث العيب في المعيب المذكور

و الاستشكال هنا بلزوم الضرر في محله فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها أرشا و النص الدال علي اشتراط الرد بقيام العين و هي المرسلة المتقدمة مختص بمورد إمكان تدارك ضرر الصبر علي المعيب بالأرش و الإجماع فيما نحن فيه غير متحقق مع ما عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة هذا كله مضافا إلي أصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب و هي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور و يتضرر البائع بالفسخ و نقل المعيب إلي ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب و كيف كان فلو ثبت الإجماع أو استفيض بنقله علي سقوطه الرد بحدوث العيب و التغيير علي وجه يشمل المقام و إلا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.

و منها ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب

الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل الربا. أما المانع الأول فالظاهر أن حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته فإن المشتري لما أقدم علي معاوضة أحد الربويين بالآخر أقدم علي عدم مطالبة مال زائد علي ما يأخذه بدلا عن ماله و إن كان المأخوذ معيبا فيبقي وصف الصحة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها إلا جواز الرد بلا أرش فإذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا علي الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في خيار التدليس بعد التصرف نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم. و أما المانع الثاني فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا و هو مبني علي عموم منع العيب الحادث من الرد حتي في صورة عدم جواز أخذ الأرش. و قد عرفت النظر فيه و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو أنه لو رد فإما أن يكون مع أرش العيب الحادث و إما أن يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا علي البائع و إن رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد علي وزن عوضه و الظاهر أن مراده من ذلك أن رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و مقتضي المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد أن لا يضمن وصف الصحة بشي‌ء إذ لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل
المكاسب، ج‌3، ص 262
الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة و لذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير فإن رد إلي البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك إلا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن و وصف صحته- فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة رحمه الله بلزوم الربا إما لزوم الربا في أصل المعاوضة إذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة و قيمتها عند استرداد الثمن و إما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن و زيادة و الأول أولي و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم إلي المثمن حتي يصير أزيد من الثمن. إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم إنما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له إلا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع و تلف وصف الصحة منه في يد المشتري فإذا فرض أن صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها. و الحاصل أن البائع لا يستحق من المشتري إلا ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري ثم فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة ثم إن صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم علي المشتري بالصبر علي المعيب مجانا فيما نحن فيه فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين اقتصر في المبسوط علي حكايتهما. أحدهما جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث لما تقدم إليه الإشارة من أن أرش العيب الحادث في يد المشتري نظير أرش العيب الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون علي المشتري لا دخل له في العوضين حتي يلزم الربا الثاني أن يفسخ البيع لتعذر إمضائه و إلزام المشتري ببدله من غير الجنس- معيبا بالعيب القديم و سليما عن الجديد و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا أرش و مع الأرش و اختار في الدروس تبعا للتحرير الوجه الأول مشيرا إلي تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل و تبعه المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات و أنه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام و إن كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع. أقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه و بين أرش عيب المقبوض بالسوم فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري و لا يقدر في ملك البائع إلا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن إلي المشتري و المفروض عدم المقابلة بين شي‌ء منه و بين صحة البيع.

و منها تأخير الأخذ بمقتضي الخيار

فإن ظاهر الغنية إسقاطه للرد و الأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم لأنه علي الفور بلا خلاف و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش ثم ذكر حدوث العيب و قال ليس له هاهنا إلا الأرش ثم ذكر التصرف و حكم فيه بالأرش فإن في إلحاق الثالث بالأولين في ترك ذكر الأرش فيه ثم ذكره في الأخيرين و قوله ليس له هاهنا ظهورا في عدم ثبوت الأرش بالتأخير و هذا أحد القولين منسوب خبر بعد خبر إلي الشافعي و لعله لأن التأخير دليل الرضا و يرده بعد تسليم الدلالة أن الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف نعم سقوط الرد وحده له وجه كما هو صريح المبسوط و الوسيلة علي ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة- بناء علي ما تقدم في سائر الخيارات- من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم علي المتيقن السالمة عما يدل علي التراخي عدا ما في الكفاية من إطلاق الأخبار و خصوص بعضها و فيه أن الإطلاق في مقام بيان أصل الخيار و أما الخبر الخاص فلم أقف عليه و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه علي الفور و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق من أنه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه و لذا جعله في التذكرة أقرب و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف نعم في الرياض أنه ظاهر أصحابنا المتأخرين كافة و التحقيق رجوع المسألة إلي اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه. و لذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي إلا به و إلا فلا يحصل من فتوي الأصحاب إلا الشهرة بين المتأخرين المستندة إلي الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها. و إن قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفي و الله العالم.

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]
قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا و كان المشتري بالخيار انتهي. و مثله ما عن الخلاف و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه أن يبينه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الأول أحوط و نحوه عن فقه الراوندي و مثلهما في التحرير و زاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا- و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي و الخفي و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا. و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي و الجلي فيجب في الأول مطلقا كما هو ظاهر جماعة أو مع عدم التبري كما في الدروس فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة أقوال و الظاهر ابتناء الكل علي دعوي صدق الغش و عدمه و الذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معني الغش أن كتمان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع غش فإن الغش كما يظهر من اللغة خلاف النصح أما العيب الظاهر فالظاهر أن ترك إظهاره ليس غشا نعم لو أظهر سلامته عنه علي وجه يعتمد عليه كما إذا فتح قرآنا بين يدي العبد الأعمي مظهرا أنه بصير يقرأ فاعتمد المشتري علي ذلك و أهمل اختباره كان غشا. قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي علي وجوب إظهار العيب مطلقا بالغش إن الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري و تبينه و التقصير في
المكاسب، ج‌3، ص 263
ذلك من المشتري انتهي. و يمكن أن يحمل بقرينة ذكر التقصير علي العيب الظاهر كما أنه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة علي لفظ الكتمان و علي الاستدلال بالغش علي العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الأصحاب مطلقا و من أقوي الشواهد علي ذلك أنه حكي عن موضع من السرائر أن كتمان العيوب مع العلم بها حرام و محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلاحظ ثم التبري من العيوب هل يسقط وجوب الإعلام في مورده كما عن المشهور أم لا فيه إشكال نشأ من دعوي صدق الغش. و من أن لزوم الغش من جهة ظهور إطلاق العقد في التزام البائع بالصحة فإذا تبرأ من العيوب ارتفع الظهور أو من جهة إدخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا و التبري لا يرفع اعتماد المشتري علي أصالة الصحة فالتعزير إنما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد علي الأصل و الأحوط الإعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط ثم إن المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما أنه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول إلا أن يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما ثم ظهر البعض مستحقا فإن البيع لا يبطل في ملكه و إن كان مجهولا قدره وقت العقد انتهي. أقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز فلا وجه للإشكال المذكور نعم لو فرض المزج علي وجه يوجب تعيب الشي‌ء من دون أن يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته إلي حقيقة ذلك الشي‌ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد

مسائل في اختلاف المتبايعين

اشارة

مسائل في اختلاف المتبايعين
و هو تارة في موجب الخيار- و أخري في مسقطة و ثالثة في الفسخ.

أما الأول [الاختلاف في موجب الخيار]

اشارة

ففيه مسائل

الأولي لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه

فالقول قول المنكر بيمينه.

الثانية لو اختلفا في كون الشي‌ء عيبا و تعذر تبين الحال لفقد أهل الخبرة

كان الحكم كسابقه نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون الأرش لأصالة البراءة.

الثالثة لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك

بأن حدث بعد القبض و انقضاء الخيار كان القول قول منكر تقدمه للأصل حتي لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد لأن أصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد علي المعيب. و عن المختلف أنه حكي عن ابن الجنيد أنه إن ادعي البائع أن العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا انتهي. و لعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلي المشتري علي الوجه المقصود و عدم استحقاقه الثمن كلا و عدم لزوم العقد نظير ما إذا ادعي البائع تغير العين عند المشتري و أنكر المشتري. و قد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه و إلا عمل عليها من غير يمين. قال في التذكرة و لو أقام أحدهما بينة عمل بها ثم قال و لو أقاما بينة عمل ببينة المشتري لأن القول قول البائع لأنه ينكر فالبينة علي المشتري و هذا منه مبني علي سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البينة و فيه كلام في محله و إن كان لا يخلو عن قوة و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب- أو نفي استحقاق الرد أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع و اطلع علي خفايا أمره كما يشهد بالإعسار و العدالة و غيرهما مما يكتفي فيه بالاختبار الظاهر. و لو لم يختبر ففي جواز الاستناد في ذلك إلي أصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة كما يحلف علي طهارة المبيع استنادا إلي الأصل و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أن المراد بالملكية و الزوجية ما استند إلي سبب شرعي ظاهري كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف علي ملكية ما أخذ من يد المسلمين. و في التذكرة بعد ما حكي عن بعض الشافعية جواز الاعتماد علي أصالة السلامة في هذه الصورة قال و عندي فيه نظر أقربه الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم و استحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلي إثباته و قد سبقه إلي ذلك في الميسية و تبعه في الرياض. أقول إن كان مراده الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم في إسقاط أصل الدعوي بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه إشكال- نعم لو أريد سقوط الدعوي إلي أن تقوم البينة فله وجه و إن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه فيرد الحاكم اليمين علي المشتري فيحلف و هذا أوفق بالقواعد. ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم علي القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا. لكن الظاهر أن المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلي يمين نفي العلم إذ مع الاختبار بتمكن من الحلف علي البت فلا حاجة إلي عنوان مسألة اليمين علي نفي العلم لا أن اليمين علي نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار فافهم.
فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد
رده علي الموكل لأنه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به فلا عهدة عليه و لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه فيحلف الموكل علي عدم التقدم كما مر و لا يقبل إقرار الوكيل بقدمه لأنه أجنبي و إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن إقامة البينة فادعي علي الوكيل بقدم العيب فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده علي الموكل لأن إقرار الوكيل بالسبق دعوي بالنسبة إلي الموكل لا يقبل إلا بالبينة فله إحلاف الموكل علي عدم السبق لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع إنكاره اليمين و لو رد اليمين علي الوكيل فحلف علي السبق ألزم الموكل و لو أنكر الوكيل التقدم حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد علي الموكل لأنه لو أقر رد عليه و هل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل الظاهر لا لأن دعواه علي الوكيل يستلزم إنكار وكالته و علي الموكل يستلزم الاعتراف به- و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره ثم إذا لم يحلف الوكيل و نكل فحلف المشتري اليمين المردودة و رد العين علي الوكيل فهل للوكيل ردها علي الموكل أم لا وجهان بناهما في القواعد علي كون اليمين المردودة كالبينة فينفذ في حق الموكل أو كإقرار المنكر فلا ينفذ و تنظر فيه في جامع المقاصد بأن كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل علي الموكل لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب فلا تنفعه البينة القائمة علي السبق الكاذبة باعترافه قال
المكاسب، ج‌3، ص 264
اللهم إلا أن يكون إنكاره لسبق العيب استنادا إلي الأصل بحيث لا يتنافي ثبوته و لا دعوي ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوي إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به الرد علي فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة علي القولين المذكورين انتهي. و في مفتاح الكرامة أن اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد و المعروف بينهم أنه كبينة المدعي أقول كونه كبينة لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها علي الموكل و تمام الكلام في محله.

الرابعة لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته

قدم قول البائع كذا في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد لأصالة عدم حق له عليه و أصالة عدم كونها سلعته و هذا بخلاف ما لو ردها بخيار فأنكر كونها له فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري و نسبه في التحرير إلي القيل لاتفاقهما علي استحقاق الفسخ بعد أن احتمل مساواتها للمسألة الأولي أقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار و مع الاتفاق عليه كما لا يخفي لكن ظاهر المسألة الأولي كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه. و أما إذا اتفقا علي الخيار و اختلفا في السلعة فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف علي كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها فإذا فسخ و أراد رد السلعة فأنكرها البائع فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها. نعم استدل عليه في الإيضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما علي عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين أحدهما خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشتري ينكرها و الأصل عدمها. الثاني سقوط حق الخيار الثابت للمشتري فالبائع يدعيه و المشتري ينكره و الأصل بقاؤه و تبعه في الدروس حيث قال لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه حلف و لو صدقه علي كون المبيع معيوبا و أنكر تعيين المشتري حلف المشتري انتهي. أقول أما دعوي الخيانة فلو احتاجت إلي الإثبات و لو كان معها أصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة الأولي و إن كانت هناك أصول متعددة علي ما ذكرها في الإيضاح و هي أصالة عدم الخيار و عدم حدوث العيب و صحة القبض بمعني خروج البائع من ضمانه لأن أصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد علي جميع الأصول العملية نظير أصالة الصحة و أما ما ذكره من أصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و إن فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن أصالة الصحة لا تنفع لإثبات لزوم القبض و أما دعوي سقوط حق الخيار فهي إنما تجدي إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب كما فرضه في الدروس و إلا فأكثر الخيارات مما أجمع علي بقائه مع التلف علي أن أصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت إلا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة إلا من جهة التلازم الواقع بينهما و لعل نظر الدروس إلي ذلك لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر مجال كما نبهنا عليه مرارا.

و أما الثاني و هو الاختلاف في المسقط

اشارة

ففيه أيضا مسائل-

الأولي لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه

قدم منكر العلم فيثبت الخيار.

الثانية لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده

علي القول بأن زواله بعد العلم لا يسقط الأرش بل و لا الرد ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت فالأصل لزوم العقد و عدم الخيار وجهان أقواهما الأول و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ إلي الثاني فراجع. و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال أحد العيبين في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت الخيار فمقتضي القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار و لا يعارضه أصالة بقاء الجديد لأن بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث استلزامه لزوال القديم و قد ثبت في الأصول أن أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف- قال لو اشتري عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يحلفان علي ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش انتهي.

الثالثة لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه

فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه ففي الدروس أنه كالعيب المنفرد يعني أنه يحلف البائع كما لو لم يكن سوي هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر و لعله لأصالة عدم التقدم و يمكن أن يقال إن عدم التقدم هناك راجع إلي عدم سبب الخيار و أما هنا فلا يرجع إلي ثبوت المسقط بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري و قد مر غير مرة أن أصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر و إنما يثبت بها عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر ثم قال في الدروس لو ادعي البائع زيادة العيب عند المشتري و أنكر احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن و الزيادة موهومة و يحتمل حلف البائع إجراء للزيادة مجري العيب الجديد. أقول قد عرفت الحكم في العيب الجديد و إن حلف البائع فيه محل نظر ثم إنه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد علي المقدار المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا. و أما إذا اختلفا في أصل الزيادة فلا إشكال في تقديم قول المشتري.

الرابعة لو اختلف في البراءة قدم منكرها

فيثبت الخيار لأصالة عدمها الحاكمة علي أصالة لزوم العقد. و ربما يتراءي من مكاتبة جعفر بن عيسي خلاف ذلك قال: كتبت إلي أبي الحسن ع جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادي عليه بري‌ء من كل عيب فيه فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه فإذا زهد فيه ادعي عيوبا و أنه لم يعلم بها فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه أم لا يصدق فكتب ع أن عليه الثمن الخبر
المكاسب، ج‌3، ص 265
و عن المحقق الأردبيلي أنه لا يلتفت إلي هذا الخبر لضعفه مع الكتابة و مخالفة القاعدة انتهي. و ما أبعد ما بينه و بين ما في الكفاية من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة علي 28 و اليمين علي من أنكر و في كل منهما نظر. و في الحدائق أن المفهوم من مساق الخبر المذكور أن إنكار المشتري إنما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلا فهو عالم بتبري البائع و الإمام ع إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة و فيه أن مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه و بين الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشتري مع أن حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل أحد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله أ يصدق أم لا يصدق الدال علي وضوح حكم صورتي صدقه و كذبه و الأولي توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء فدعوي المشتري مخالفة للظاهر نظير دعوي الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفي عليه قيمة المبيع بقي في الرواية إشكال آخر من حيث إن البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب بل يعتبر وقوعه في متن العقد و يمكن التفصي عنه إما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد بعد وقوع العقد عليه كما يأتي في باب الشروط و إما بدعوي أن نداء الدلال بمنزلة الإيجاب لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه أحد الحضار بقيمته فينادي الدلال و يقول بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك مرارا من دون أن يتم الإيجاب حتي يمكن من إبطاله عند زيادة من زاد. و الحاصل جعل ندائه إيجابا للبيع و لو أبيت إلا عن أن المتعارف في الدلال كون ندائه قبل إيجاب البيع أمكن دعوي كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك مع أن الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الإيجاب كما لا يخفي. ثم الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء البراءة واقعا

الخامسة لو ادعي البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري

لأصالة عدم هذه الأمور و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه ففي تقديم مدعي الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوي تقدم العيب و تأخره أو مدعي عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد علي المعيب و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري فالأصل عدم وقوع العقد علي السليم من هذا العيب حتي يضمنه المشتري.

و أما الثالث [الاختلاف في الفسخ]

اشارة

ففيه مسائل

الأولي لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه

و في الدروس أنه يمكن جعل إقراره إنشاء. و لعله لما اشتهر من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به كما لو ادعي الزوج الطلاق و يدل عليه بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي النفقة علي أيتام الرجل و أنه رق لهم و سيجي‌ء الكلام في فروع هذه القاعدة و إن كان بعد انقضاء زمان الخيار- كما لو تلف العين افتقر مدعيه إلي البينة و مع عدمها حلف الآخر علي نفي علمه بالفسخ إن ادعي عليه علمه بفسخه ثم إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش- لئلا يخرج من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ. و زاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش و ما زاد علي القيمة من الثمن إن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن و رد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة و يبقي قدر الأرش مستحقا علي التقديرين انتهي.

الثانية لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت

بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد و عدم حدوث الفسخ في أول الزمان أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ وجهان- و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتفاق علي زمان الفسخ ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه- يضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلي أصالة عدم تقدمه علي الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هي تأخره عنها.

الثالثة لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته

اشارة

بناء علي فوريته سمع قوله إن احتمل في حقه الجهل للأصل. و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر إلا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الأحكام و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفي علي العامة

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده
اعلم أن حكم الرد و الأرش معلق في الروايات علي مفهوم العيب و العوار أما العوار ففي الصحاح أنه العيب و أما العيب فالظاهر من اللغة و العرف أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه و بين الكمال فالصحة ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشي‌ء لو خلي و طبعه و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه ثم مقتضي حقيقة الشي‌ء قد يعرف من الخارج كمقتضي حقيقة الحيوان الأناسي و غيره فإنه يعلم أن العمي عيب و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الأمة كمال فيهما و قد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود صفة في أغلب أفراد الشي‌ء يكشف عن كونه مقتضي الماهية المشتركة بين أفراده و كون التخلف في النادر لعارض و هذا و إن لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون أغلب الأفراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمور مختلفة إلا أن بناء العرف و العادة علي استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد و من هنا استمرت العادة علي حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود الشي‌ء في أغلب الأفراد و إن لم يمكن الاستدلال به علي وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال و لو ظنا بالجزئي علي الجزئي إلا أنه يستدل من حال الأغلب علي حال القدر المشترك ثم يستدل من ذلك علي حال الفرد المشكوك إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجري الطبيعي و هو ما يقتضيه الخلقة الأصلية و أن المراد بالخلقة الأصلية ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع و أن ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب و ما خرج عنه
المكاسب، ج‌3، ص 266
بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضي طبيعتها فزيادة الخراج علي ذلك المقدار عيب و نقصه عنه كمال و كذا كونها مورد العساكر ثم لو تعارض مقتضي الحقيقة الأصلية و حال أغلب الأفراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني و حكم للشي‌ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها و من هنا لا يعد ثبوت الخراج علي الضيعة عيبا مع أن حقيقتها لا تقتضي ذلك و إنما هو شي‌ء عرض أغلب الأفراد فصار مقتضي الحقيقة الثانوية فالعيب لا يحصل إلا بزيادة الخراج علي مقتضي الأغلب و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضي الحقيقة الأصلية و الصحة بالخروج إلي مقتضي الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الأغلب إلا أن يقال إن الغلفة بنفسها ليست عيبا إنما العيب كون الأغلف موردا للخطر بختانه و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير و يمكن أن يقال إن العبرة بالحقيقة الأصلية و النقص عنها عيب و إن كان علي طبق الأغلب إلا أن حكم العيب لا يثبت مع إطلاق العقد حينئذ لأنه إنما يثبت من جهة اقتضاء الإطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد فإذا فرض الأغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة الأصلية لم يقتض الإطلاق ذلك بل اقتضي عكسه التزام البراءة من ذلك النقص فإطلاق العقد علي الجارية بحكم الغلبة منزل علي التزام البراءة من عيب الثيبوبة و كذا الغلفة في الكبير فهي أيضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان إلا أن الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الإطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضي التزام البائع البراءة من هذا العيب فقولهم إن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قول العلامة في القواعد إن الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد إرادتهم نفي حكم العيب من الرد و الأرش لا نفي حقيقته و يدل عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع أنه في التحرير و التذكرة اختار الأرش مع اشتراط البكارة مع أنه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة و الختان فإنه يثبت علي الوجه الثاني حكم العيب من الرد و الأرش لثبوت العيب غاية الأمر عدم ثبوت الخيار مع الإطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضي الإطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب و أما علي الوجه الأول فإن الاشتراط لا يفيد الأخيار تخلف الشرط دون الأرش لكن الوجه السابق أقوي و عليه فالعيب إنما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها و الغلبة الصنفية مقدمة علي النوعية عند التعارض فالثيبوبة في الصغيرة غير المجلوبة عيب لأنها ليست غالبة في صنفها و إن غلبت في نوعها ثم إن مقتضي ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشي‌ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فإن الإنسان الخصي ناقص في نفسه و إن فرض زيادته من حيث كونه مالا و كذا البغل الخصي حيوان ناقص و إن كان زائدا من حيث المالية علي غيره و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الأرش في مثل ذلك و يحتمل قويا أن يقال إن المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا إلا أن الغالب في أفراد الحيوان لما كان عدمه كان إطلاق العقد منزلا علي إقدام المشتري علي الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا علي الأصل و الغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه إلا خيار تخلف الشرط و تظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط فتأمل. و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون علي الأول بناء علي إطلاق كلماتهم أن العيب مضمون علي البائع بخلاف الثاني فإنه لا دليل علي أن فقد الصفة- المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع بمعني كونه سببا للخيار و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال. و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن أبي ليلي: حيث قدم إليه رجل خصما له فقال إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد علي ركبها حين كشفها شعرا و زعمت أنه لم
يكن لها قط فقال له ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتي يذهبوه فما الذي كرهت فقال له أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به قال فاصبر حتي أخرج إليك فإني أجد أذي في بطني ثم دخل بيته و خرج من باب آخر فأتي محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شي‌ء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون علي ركبها شعر أ يكون هذا عيبا فقال له محمد بن مسلم أما هذا نصا فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي ص قال كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب فقال له ابن أبي ليلي حسبك هذا فرجع إلي القوم فقضي لهم بالعيب فإن ظاهر إطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها و فهم ابن أبي ليلي من حيث قوله و عمله كون مجرد الخروج عن المجري الطبيعي عيبا و إن كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون إلخ و تقرير المشتري له في رده لكن الإنصاف عدم دلالة الرواية علي ذلك. أما أولا فلأن ظاهر الحكاية إن رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر بل لكونها في أصل الخلقة كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في أصل المزاج كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد بقوله لم أجد علي ركبها شعرا حتي ضم إليه دعواه أنه لم يكن لها قط و قول ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون في ذلك حتي يذهبوه لا يدل علي مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض و إنما هي مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها و الاحتيال لا ذهاب شعر الركب لا يدل علي أن عدمه في أصل الخلقة شي‌ء مرغوب فيه كما أن احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل علي كون عدمه من أصله لقرع أو شبهه أمرا مرغوبا فيه. و بالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر علي الركب مما يقطع أو يحتمل كونه لأجل مرض عيبا و قد عد من العيوب الموجبة للأرش ما هو أدون من ذلك و أما ثانيا فلأن قوله ع فهو عيب إنما
المكاسب، ج‌3، ص 267
يراد به بيان موضوع العيب توطئة لثبوت أحكام العيب له و الغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو رد المعيوب و لذا اشتهر كل معيوب مردود و أما باقي أحكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطروء موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا علي البائع قبل القبض و في مدة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتبها علي العيب فتأمل.
و أما ثالثا فلأن الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد بالزيادة و النقيصة علي أصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حده بصر العبد أو تعلمهما للصنعة و الطبخ و كذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين أن يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبتين لنقص في الشي‌ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه و لازم ذلك نقصه من حيث المالية لأن المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع. و أما رابعا فلانا لو سلمنا- مخالفة الرواية للعرف في معني العيب فلا تنهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال فافهم. و قد ظهر مما ذكرنا أن الأولي في تعريف العيب ما في التحرير و القواعد من أنه نقص في العين أو زيادة فيها يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبر بمثلها و لذا قال في التحرير بعد ذلك و بالجملة كلما زاد أو نقص عن أصل الخلقة و القيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض كما قد يقال ذلك في العبد الخصي و لا ينافيه ما ذكره في التحرير من أن عدم الشعر علي العانة عيب في العبد و الأمة لأنه مبني علي ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من أن ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا علي أنه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية. و في التذكرة بعد أخذ نقص المالية في تعريف العيب و ذكر كثير من العيوب و الضابط أنه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهي كلامه و ما أحسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه مثل خصاء العبد كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة و إن زادت قيمته باعتبار آخر و قد دخل المشتري علي ظن السلامة انتهي. و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب و لعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك و عن جماعة أراد به مجرد موجب الرد لا العيب الذي يترتب عليه كثير من الأحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو غير ذلك و عليه يبني قول جامع المقاصد كما عن تعليق الإرشاد حيث ذكر أن اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجب لأن المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أن الكلام في موجبات الرد لا خصوص العيب و يدل علي ذلك أنه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره أنه مع عدم العلم عيب فلو لا أنه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك

الكلام في بعض أفراد العيب

مسألة لا إشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا

و إطلاق كثير و تصريح بعضهم يشمل حمي يوم بأن يجده في يوم البيع قد عرض له الحمي و إن لم يكن نوبة له في الأسبوع. قال في التذكرة الجذام و البرص و العمي و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق- و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعا و كذا أنواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو كان عارضا و لو حمي يوم و الإصبع الزائدة و الحول و الحوص و السبل و استحقاق القتل في الردة أو القصاص و القطع بالسرقة أو الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب إجماعا ثم إن عد حمي اليوم المعلوم كونها حمي يوم يزول في يومه و لا يعود مبني علي عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقية لأن ذلك ليس منقصا للقيمة.

مسألة الحبل عيب في الإماء

كما صرح به جماعة و في المسالك الإجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطي و يدل عليه الأخبار الواردة في تلك المسألة و علله في التذكرة باشتماله علي تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم كون الحمل للبائع و إلا فالأمر أوضح و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات و عدم قابليتها للاستيلاد إلا بعد الوضع أما في غير الإماء من الحيوانات ففي التذكرة أنه ليس بعيب و لا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل كما هو مذهب الشيخ. و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي‌ء انتهي. و رجح المحقق الثاني كونه عيبا- و إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه و إن كان زيادة من وجه إلا أنه نقيصة من وجه آخر لمنع الانتفاع بها عاجلا و لأنه لا يؤمن عليها من أداء الوضع إلي الهلاك و الأقوي علي قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر و أداء الوضع إلي الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب الخيار دون الأرش كوجدان العين مستأجرة و كيف كان فمقتضي كون الحمل عيبا في الإماء أنه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة أم لا لأن العيب الحادث مانع و إن زال علي ما تقدم من التذكرة. و في التذكرة لو كان المعيب جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشتري فإن نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الأرش و إن لم تنقص فالأولي جواز ردها وحدها من دون الولد إلي أن قال و كذا حكم الدابة- لو حملت عند المشتري و ولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد و إن لم تنقص ردها دون ولدها لأنه للمشتري انتهي و في مقام آخر لو اشتري جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع علي عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد المشتري و به قال الشافعي و إن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهي و في الدروس لو حملت إحداهما يعني الجارية و البهيمة عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم ينقص بالحمل أو الولادة و ظاهر القاضي أن الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه إما بفعله أو إهمال المراعاة حتي ضربها الفحل و كلاهما تصرف انتهي. لكن صرح في
المكاسب، ج‌3، ص 268
المبسوط باستواء البهيمة و الجارية- في أنه إذا حملت إحداها عند المشتري و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد و ظاهر ذلك كله خصوص نسبة منع الرد إلي خصوص القاضي و خصوصا مع استدلاله علي المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم علي أن الحمل الحادث عند المشتري في الأمة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة و هذا مخالف للأخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل و للإجماع المتقدم عن المسالك و تصريح هؤلاء يكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله علي التغرير بالنفس و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الأخيرة المحكية عن التذكرة من إطلاق كون الحمل عند البائع عيبا و إن لم ينقص و عند المشتري بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة مع أن ظاهر العبارة الأولي كالتحرير و القواعد الفرق فراجع قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالأقرب أن للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة انتهي و هذا بناء منه أن الحمل ليس عيبا في غير الأمة. و في الإيضاح أن هذا بناء علي قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر و أما عندنا فالأقوي ذلك لأنه كالثمرة المتجددة علي الشجرة- و كما لو أطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار المبتاعة و الخيار له فلا يؤثر و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها لا تقدر علي الحمل العظيم انتهي. و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلي الإيضاح من أن ما قربه في القواعد مبني علي قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد أن ما ذكره المصنف إن تم فإنما يخرج علي قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها علي ما يتراءي من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني أن الحامل ردت إلي البائع مع الزيادة لا مع النقيصة لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الأمة و كيف كان فالأقوي في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الرد ما دام الحمل و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص علي ما تقدم من أن زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا. و أما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الأرش لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات غير الموجب للأرش و كان محققا هنا مضافا إلي نقص آخر و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لأن المفروض كون الحمل للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

مسألة الأكثر علي أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء

بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا و نسبه في المسالك كما عن غيره إلي إطلاق الأصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الأصلية و استدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب علي ما ادعاه المستدل: عن رجل باع جارية علي أنها بكر فلم يجدها كذلك قال لا ترد عليه و لا يجب عليه شي‌ء إنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها و في كلا الوجهين نظر ففي الأول ما عرفت سابقا من أن وجود الصفة في أغلب أفراد الطبيعة إنما يكشف عن كونها بمقتضي أصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الأصلية إذا لم يكن مقتضي الخلقة معلوما في ما نحن فيه و إلا فمقتضي الغالب لا يقدم علي ما علم أنه مقتضي الخلقة الأصلية و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من إطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل إطلاق العقد علي التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة و لا يثبت الخيار بوجودها و إن كانت نقصا في الخلقة الأصلية. و أما رواية سماعة فلا دلالة لها علي المقصود- لتعليله ع عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض و قدح هذا الاحتمال إما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا علي البائع و إما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطء أحد لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضي تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها نقص في أصل الطبيعة فيكون عيبا و كيف كان فالأقوي أن الثيبوبة عيب عرفا و شرعا إلا أنها لما غلبت علي الإماء لم يقتض إطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الأرش لوجود العيب و عدم المانع من تأثيره و مثله ما لو كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب علي صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم العيب. و الحاصل أن غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب و لعل هذا هو مراد المشهور أيضا و يدل علي ذلك ما عرفت من العلامة رحمه الله في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع أنه في كتبه بل المشهور كما في الدروس علي ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة- فلو لا أن الثيبوبة عيب لم يكن أرش في مجرد تخلف الشرط. نعم يمكن أن يقال إن مستندهم في ثبوت الأرش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس: في رجل اشتري جارية علي أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق ثم إنه نسب في التذكرة إلي أصحابنا عدم الرد بمقتضي رواية سماعة المتقدمة و أوله بما وجهنا به تلك الرواية.
و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال علي تأويلها و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

مسألة [هل عدم الختان عيب في العبد]

ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير لأنه يخاف عليه من ذلك و هو حسن علي تقدير تحقق الخوف علي وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه و يلحق بذلك المملوك غير المجدور فإنه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدري- و مثل هذين و إن لم يكن نقصا في الخلقة الأصلية إلا أن عروض هذا النقص أعني الخوف مخالف لمقتضي ما عليه الأغلب في النوع أو الصنف و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا
المكاسب، ج‌3، ص 269
فيه مع الجهل دون العلم و هو غير مستقيم لأن العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا. نعم لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن إطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب و تظهر الثمرة هنا أيضا فيما لو اشترط الختان فظهر أغلف فيثبت الرد و الأرش فإخراج العلامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه رحمه الله في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

مسألة عدم الحيض ممن شأنها الحيض

بحسب السن و المكان و غيرهما من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجري الطبيعي- و لقول الصادق ع: و قد سئل عن رجل اشتري جارية مدركة فلم تحض عنده حتي مضي لها ستة أشهر و ليس بها حمل قال إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه و ليس التقييد بمضي ستة أشهر إلا في مورد السؤال فلا داعي إلي تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثم إن حمل الرواية علي صورة عدم التصرف في الجارية حتي بمثل قول المولي لها اسقني ماءا أو أغلق الباب في غاية البعد و ظاهر الحلي في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

مسألة الإباق عيب بلا إشكال و لا خلاف

لأنه من أفحش العيوب و يدل عليه صحيحة أبي همام الآتية في عيوب السنة- لكن في رواية محمد بن قيس: أنه ليس في الإباق عهدة و يمكن حملها علي أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله ع في رواية يونس: إن العهدة في الجنون و البرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع و إلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع و لا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع و هل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان من الشك في كونه عيبا و الأقوي ذلك وفاقا لظاهر الشرائع و صريح التذكرة لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف و لا يشترط إباقه عند المشتري قطعا

مسألة الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب

يثبت به الرد و الأرش لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشي‌ء. و في رواية ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد الله ع في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه درديا قال إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده و إن لم يكن يعلم فله أن يرده نعم في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه: إن عليا قضي في رجل اشتري من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلي علي ع فقال له علي ع لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل إنما بعته منه حكرة فقال له علي ع إنما أشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا قال في الوافي يقال اشتري المتاع حكرة أي جملة و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الأرش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل و ربما استشكل في أصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالإجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا لأن الدردي غير متمول و الأولي أن يقال إن وجود الدردي إن أفاد نقصا في الزيت من حيث الوصف- و إن أفضي بعد التخليص إلي نقص الكم نظير الغش في الذهب كان الزائد منه علي المعتاد عيبا و إن أفرط في الكثرة و لا إشكال في صحة البيع حينئذ لأن المبيع زيت و إن كان معيوبا. و عليه يحمل ما في التحرير من أن الدردي في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الأرش- و إن لم يفد إلا نقصا في الكم- فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي‌ء منه تكون أمارة علي باقيه و قال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره غير الموجب لتعيبه فالظاهر صحة البيع و عدم ثبوت الخيار أصلا لأنه اشتري السمن الموجود في هذه العكة و لا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي‌ء منها بفتح رأس العكة فلا عيب و لا تبعض صفقة إلا أن يقال إن إطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجي‌ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص و إن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة قال في التحرير لو اشتري سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد و أخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن و لو باع ما في العكة من الزيت علي أنه كذا و كذا رطلا فتبين نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع و كان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء علي الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة علي أنها كذا و كذا فظهر ناقصا و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت فالظاهر عدم صحة البيع و إن عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزن الظرف و المظروف إنما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع كما لو علم بوزن مجموع الظرف و المظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

مسألة قد عرفت أن مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن

و لكن يختص هذه الأربعة من بين العيوب بأنها لو حدثت إلي سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد و الأرش هذا هو المشهور و يدل عليه ما استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا ع ففي رواية علي بن أسباط عنه: في حديث خيار الثلاثة أن أحداث السنة ترد بعد السنة قلت و ما أحداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشتري فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد علي صاحبه إلي تمام السنة من يوم اشتراه. و في رواية ابن فضال المحكية عن الخصال:
في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص و في رواية أخري له عند ع قال: ترد الجارية من أربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة هكذا في التهذيب. و في الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر انتهي و مراده أن الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع إلي حدب في الفرج لكن المعروف أنه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطي. و في الصحيح عن محمد بن علي- قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبي عنه ع قال: يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون و البرص و القرن قال قلت و كيف يرد من أحداث فقال هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث
المكاسب، ج‌3، ص 270
فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت علي صاحبه. و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد و الضبط لهذه الأمور فيمكن أن يدعي معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة و من هنا استشكل المحقق الأردبيلي في الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد كما ذكره في الحدائق ردا علي الأردبيلي رحمه الله إلا أن يريد أن التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه و هو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه أقرب الاحتمالات المتطرقة في ما نحن فيه و يمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها علي المشتري بمجرد حدوث الجذام فلا معني للرد و حينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الأخبار. و وجهه في المسالك بأن عتقه علي المشتري موقوف علي ظهور الجذام بالفعل و يكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الأمر و إن لم يظهر فيكون سبب الخيار مقدما علي سبب العتق فإن فسخ انعتق علي البائع و إن أمضي انعتق علي المشتري. و فيه أولا أن ظاهر هذه الأخبار- أن سبب الخيار ظهور هذه الأمراض لأنه المعني بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة و لو لا ذلك لكفي وجود موادها في السنة و إن تأخر ظهورها عنها و لو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة و هذا مما لا أظن أحدا يلتزمه مع أنه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه الأمراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري فلتكن مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ فيكون في التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات. و ثانيا أن سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطروء سببه بل ينبغي أن يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت و لذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا أظن أحدا يلتزم عدم الانعتاق إلا بعد لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق علي التغليب هذا و لكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعي في السرائر و الغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق علي إمضاء العقد و لو في غير المقام ثم لو فسخ المشتري فانعتاقه علي البائع موقوف علي دلالة الدليل علي عدم جواز تملك المجذوم لا أن جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه ثم إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر- فيظهر منهم العدم فنسبه المسالك الحكم في الأربعة إلي المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه. و عن التحرير نسبه إلي أبي علي و في مفتاح الكرامة أنه لم يظفر بقائل غير الشهيدين و أبي علي و من هنا تأمل المحقق الأردبيلي من عدم صحة الأخبار و فقد الانجبار ثم إن ظاهر إطلاق الأخبار علي وجه يبعد التقيد فيها شمول الحكم لصورة التصرف لكن المشهور تقيد الحكم بغيرها و نسب إليهم جواز الأرش قبل التصرف و تعينه بعده و الأخبار خالية عنه و كلاهما مشكل إلا أن الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطء و الشيخ و ابن زهرة لم يذكرا التصرف و لا الأرش. نعم ظاهر الحلي الإجماع علي تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة و أن هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة إلا أن الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض و انقضاء الخيار و لو ثبت أن أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنة من ظهورها و ثبت أن أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الأمراض الكامنة في المبيع لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه قال في المقنعة و يرد العبد و الأمة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة و لا يردان بعد سنة و ذلك أن أصل هذه الأمراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الأمة في هذه السنة لم يجز له ردها و كان له قيمته ما بينها صحيحة و سقيمه انتهي. و ظاهره أن نفس هذه الأمراض يتقدم بسنة و لذا أورد عليه في السرائر أن هذا موجب لانعتاق المملوك علي البائع فلا يصح البيع و يمكن أن يريد به ما ذكرنا من إرادة مواد هذه الأمراض

خاتمة في عيوب متفرقة

خاتمة في عيوب متفرقة
قال في التذكرة إن الكفر ليس عيبا في العبد و لا الجارية ثم استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس و التوثن دون التهود و التنصر و الأقوي كونه موجبا للرد في غير المجلوب و إن كان أصلا في المماليك إلا أن الغالب في غير المجلوب الإسلام فهو نقص موجب لتنفر الطباع عنه خصوصا بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات. نعم الظاهر عدم الأرش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا أو زيادة أصل الخلقة و لو ظهرت الأمة محرمة علي المشتري برضاع أو نسب فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشتري و لو ظهر ممن ينعتق عليه فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس و عدم نقص ماليته عند غيره. و في التذكرة لو ظهر أن البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو أمانة ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال. أقول الأقوي عدمه و كذا لو اشتري ما عليه أثر الوقف. نعم لو كان عليه أمارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله و تأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة أصل الشي‌ء لو خلي و طبعه أثرا بينا. و ذكر في التذكرة أن الصيام و الإحرام و الاعتداد ليست عيوبا. أقول أما عدم إيجابها الأرش فلا إشكال فيه و أما عدم إيجابها الرد ففيه إشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا. و قال أيضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا إشكال أقربه العدم. و قال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ الأدب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا فلا رد و ترد الدابة بالزهادة
المكاسب، ج‌3، ص 271
و كون الأمة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض انتهي. و مراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد و الضابط أن الرد يثبت بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهي

القول في الأرش

[الأرش لغة و اصطلاحا]

اشارة

و هو لغة كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات و عن القاموس أنه الدية و يظهر من الأولين أنه في الأصل اسم للفساد و يطلق في كلام الفقهاء علي مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن و لم يقدر له في الشرع مقدر.

[كلام الشهيد في معني الأرش]

و عن حواشي الشهيد قدس سره أنه يطلق بالاشتراك اللفظي علي معان منها ما نحن فيه. و منها نقص القيمة لجناية الإنسان علي عبد غيره في غير المقدر الشرعي. و منها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية كقطع يد العبد. و منها أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب انتهي. و في جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارة إلي أن هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعني اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر فلا يكون مشتركا معنويا بينهما و لا حقيقة و مجازا فهي كلها منقولات عن المعني اللغوي بعلاقة الإطلاق و التقييد
. و ما ذكرناه في تعريف الأرش فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني كما يظهر بالتأمل و كيف كان فقد ظهر من تعريف الأرش أنه لا يثبت إلا مع ضمان النقص المذكور

ثم إن ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص

و هو الأصل فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما و يسمي ضمان اليد كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت علي الكل و إن كان مضمونا بعوض بمعني أن فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمي في المعاوضة و يسمي ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع علي مجموع الناقص و المنقوص لا نفس قيمة العيب لأن الجزء تابع للكل في الضمان و لذا عرف جماعة الأرش في عيب المثمن فيما نحن فيه بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب إلي الصحيح و ذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح علي البائع ضمان المعاوضة بمعني أن البائع ضامن لتسليم المبيع تاما إلي المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته. نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كأكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب كلها إلا أنها محمولة علي الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من أن البائع يرد علي المشتري و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد علي الثمن في بعض الأوقات كما إذا اشتري جارية بدينارين و كان معيبها تسوي مائة و صحيحها تسوي أزيد فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد و الاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن فإذا بني الأمر علي ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة. و قد توهم بعض من لا تحصيل له أن العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح و المعيب و منشأه ما يتراءي في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت و إلا فلو فرض أنه اشتري عبدا بجارية تسوي معيبها أضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك و إن كان المتراءي من الأخبار خلافه إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه. نعم يشكل الأمر في المقام من جهة أخري- و هي أن مقتضي ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما شأن الجزء المفقود المبيع مع أنه لم يقل به أحد و يلزم من ذلك أيضا تعين أخذ الأرش من الثمن مع أن ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة. و توضيحه أن الأرش لتتميم المعيب حتي يصير مقابلا للثمن لا لتنقيص الثمن حتي يصير مقابلا للمعيب و لذا سمي أرشا كسائر الأروش المتداركة للنقائص فضمان العيب علي هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة إلي الفائت المضمون و مقابله إذ لا معني له غير ضمان الشي‌ء و أجزائه بعوضه المسمي و أجزائه و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي‌ء بقيمته الواقعية فلا أوثق من أن يقال إن مقتضي المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي‌ء من الثمن لأنه أمر معني كسائر الأوصاف و لذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة صدق الزيادة و عدم عد العيب نقصا يتدارك بشي‌ء من مقابله إلا أن الدليل من النص و الإجماع دل علي ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف و كونه في عهدة البائع بمعني وجوب تداركه بمقدار من الثمن يضاف إلي ما يقابل بأصل المبيع لأجل اتصافه بوصف الصحة فإن هذا الوصف كسائر الأوصاف و إن لم يقابله شي‌ء من الثمن لكن له مدخل في وجود مقدار الثمن و عدمه فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بإزاء ما كان يلاحظ الثمن لأجله و للمشتري أيضا إسقاط هذا الالتزام عنه

[هل الضمان بعين بعض الثمن أو بمقداره]

نعم يبقي الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن- كما هو ظاهر تعريف الأرش في كلام بأنه جزء من الثمن أو بمقداره كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة و ظاهر غيرها و الشهيدين في كتبهما وجهان تردد بينهما في جامع المقاصد و أقواهما الثاني لأصالة عدم تسلط المشتري علي شي‌ء من الثمن و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه لأن المتيقن من مخالفة الأصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الإقدام من المتعاقدين علي زيادته علي الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا إلي إطلاق قوله ع في روايتي حماد و عبد الملك:
أنه له أرش العيب و لا دليل علي وجوب كون التدارك بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءي من ظاهر التعبير- في روايات أرش عن تدارك العيب برد التفاوت إلي المشتري الظاهر
المكاسب، ج‌3، ص 272
في كون المردود شيئا كان عنده أولا و هو بعض الثمن لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن الغالب وصول الثمن إلي البائع و كونه من النقدين فالرد باعتبار النوع لا الشخص. و من ذلك ظهر أن قوله ع في رواية ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها محمول علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري فإذا اشتغلت ذمة البائع بالأرش حسب المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته عليه ثم علي المختار من عدم تعينه من عين الثمن فالظاهر تعينه من النقدين لأنهما الأصل في ضمان المضمونات إلا أن يتراضي علي غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة. و استظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما حيث حكما في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير النقدين و لم يجز منهما فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها النقدين فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في أحدهما و يمكن رفع هذا الإشكال بأن المضمون بالنقدين هي الأموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا في الذمة و إلا بطل البيع فيما قابله من الصحيح- لعدم وصول عوضه قبل التفرق و إنما هو حق لو أعمله جاز له مطالبة المال فإذا اختار الأرش من غير النقدين ابتداء و رضي به الآخر فمختاره نفس الأرش لا عوض عنه. نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه كما أن لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام و إن لم يكن للآخر الامتناع حينئذ. و بالجملة فليس هنا شي‌ء معين ثابت في الذمة إلا أن دفع غير النقدين يتوقف علي رضا ذي الخيار و يكون نفس الأرش بخلاف دفع النقدين فإنه إذا اختير غيرهما لم يتعين للأرشية

[هل يعقل استغراق الأرش للثمن]

ثم إنه قد تبين مما ذكرنا في معني الأرش أنه لا يكون إلا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل أن يكون مستغرقا له لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابلة شي‌ء من المال بطل بيعه و إلا فلا بد من أن يبقي له من الثمن قسط. نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي‌ء علي صفة التملك بناء علي أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به بل يأخذ المشتري أرش العيب و هو هنا مقدار تمام الثمن لكن عدم إلحاقه بالتلف مشكل بناء علي أن العيب إذا كان مضمونا علي البائع بمقتضي قوله ع: إن حدث في الحيوان حدث فهو من مال البائع حتي ينقضي خياره كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع و المفروض أنه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه شي‌ء من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث مثل هذا بعده مضمونا علي البائع إلا أن يمنع ذلك و أن ضمانه علي البائع بمعني الحكم بكون دركه عليه فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا الحكم لا مطلقا حتي ينفسخ العقد به و يرجع هذا الملك الموجود غير المتمول إلي البائع بل لو فرضنا حدوث العيب علي وجه أخرجه عن الملك فلا دليل علي إلحاقه بالتلف بل تبقي العين غير المملوكة حقا للمشتري و إن لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد هذا إلا أن العلامة قدس سره في القواعد و التذكرة و التحرير و محكي النهاية يظهر منه الأرش المستوعب في العيب المتقدم علي العقد الذي ذكرنا أنه لا يعقل فيه استيعاب الأرش للثمن. قال في القواعد لو باع العبد الجاني خطاء ضمن أقل الأمرين علي رأي و الأرش علي رأي و صح البيع إن كان موسرا و إلا تخير المجني عليه و لو كان عمدا وقف علي إجازة المجني عليه و يضمن الأقل من الأرش و القيمة لا الثمن معها و للمشتري الفسخ مع الجهل فيرجع بالثمن أو الأرش فإن استوعب الجناية فالأرش ثمنه أيضا و إلا فقدر الأرش و لا يرجع لو كان عالما و له أن يفديه كالمالك و لا يرجع به عليه و لو اقتص منه فلا رد و له الأرش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن انتهي. و ذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب و قال في أوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني و لو كان المولي معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أولا فإن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقي حق المجني عليه مقدما علي حق المشتري و يتخير المشتري الجاهل في الفسخ و يرجع بالثمن و به قال أحمد و بعض الشافعية أو مع الاستيعاب لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه و إن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع إلي أن قال و إن أوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الأرش و الرد فإن اقتص منه احتمل تعين الأرش و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان و لا يبطل البيع من أصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد. و قال أبو حنيفة و الشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند البائع فجري مجري إتلافه انتهي و قال في التحرير في بيع الجاني خطاء و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد و للمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن و إن لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضا و إن لم تستوعب قيمته رجع بقدر الأرش و لو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشي‌ء و لو اختار المشتري أن يفديه جاز و رجع به علي البائع مع الإذن و إلا فلا انتهي. قوله و انتزعت إما راجع إلي رقبة العبد أو إلي القيمة إذا باعه المجني عليه و أخذ قيمته و هذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته إما أن تكون له قيمة تبذل بإزائه أولا. و علي الأول فلا بد أن يبقي شي‌ء
من الثمن للبائع بإزائه فلا يرجع بجميع الثمن عليه و علي الثاني فينبغي بطلان البيع- و لو قيل إن انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته علي البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في نفسه أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه. و بالجملة فالمسألة محل تأمل و الله العالم.

مسألة يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب- ليعرف التفاوت بينهما

فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت و إذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد
المكاسب، ج‌3، ص 273
من الرجوع إلي العارف بها و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة علي سائر المحسوسات من العدالة و الإخبار عن الحس و التعدد و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته أشباه هذا الشي‌ء و إن لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في أمثاله و هذا يحتاج إلي الصفات السابقة و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار أهل الخبرة. و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف بأصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة مع كون قيمة الجيد و الردي‌ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به أنه من جنس قيمته كذا و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم و كذا القسم الأول فمرادهم بالمقوم هو الثاني لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط القبول و إن احتمل في غير الأول الاكتفاء بالواحد- إما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد و إما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الأخذ بالأقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في أكثر المقامات و إما لعموم ما دل قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الأول دون ما كان من قبيل الفتوي كالثاني لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الأشباه و الأنظار و قياسه عليها حتي أنه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي أن يبذل بإزائه كذا و كذا و إن لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثم لو تعذر معرفة القيمة لفقد أهل الخبرة أو توقفهم ففي كفاية الظن أو الأخذ بالأقل وجهان و يحتمل ضعيفا الأخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون إلا به.

مسألة لو تعارض المقومون

اشارة

فيحتمل تقديم بينة الأقل للأصل و بينة الأكثر لأنها مثبتة و القرعة لأنها لكل أمر مشتبه و الرجوع إلي الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع و تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح

[الأقوي وجوب الجمع بين البينات مهما أمكن]

لكن الأقوي من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الإمكان- لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه- فإذا قوم أحدهما بعشرة فقد قوم كلا من نصفه بخمسة و إذا قوم الآخر بثمانية فقد قوم كلا من نصفه بأربعة فيعمل بكل منهما في نصف المبيع و قولاهما و إن كانا متعارضين في النصف أيضا كالكل فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين- إلا أن طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولي في مقام امتثال أدلة العمل بكل بينة من طرح كليهما أو إحداهما رأسا و هذا معني قولهم إن الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه أولي من طرح أحدهما رأسا و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما- بل ما نحن فيه أولي بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالي لأن الأخذ بأحدهما كلية و ترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حق الله سبحانه لرجوع الكل إلي امتثال أمر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو في الجملة و لعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي‌ء من الموارد.
و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق لأن مرجع بينة النفي إلي عدم وصول نظرها و حدسها إلي الزيادة فبينه الإثبات المدعية للزيادة سليمة- و أخري بأن الجمع فرع عدم اعتضاد إحدي البينتين بمرجح و أصالة البراءة هنا مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل- و ثالثة بأن في الجمع مخالفة قطعية- و إن كان فيه موافقة قطعية- لكن التخيير الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولي منه. و يندفع الأول بأن المفروض أن بينة النفي تشهد بالقطع علي نفي الزيادة واقعا و إن بذل الزائد في مقابل المبيع سفه. و يندفع الثاني بما قررناه في الأصول من أن الأصول الظاهرية لا تصير مرجحة للأدلة الاجتهادية- بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق أحدهما للأصل- و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. و الحاصل أن بينة الزيادة تثبت أمرا مخالفا للأصل و معارضتها بالأخري النافية لها لا يوجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي و الإثبات بالنصفين. و يندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية غير المشتملة علي المخالفة القطعية علي الموافقة القطعية المشتملة عليها إنما هو في مقام الإطاعة و المعصية الراجعتين إلي الانقياد و التجري حيث إن ترك التجري أولي من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام إحقاق حقوق الناس فإن مراعاة الجميع أولي من إهمال أحدهما رأسا و إن اشتمل علي إعمال الآخر إذ ليس الحق فيها لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه- ثم إن قاعدة الجمع حاكمة علي دليل القرعة- لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع- فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في حقوق الناس فيجب مراعاتها و إعمال أسبابها بقدر الإمكان إذ لا ينفع توفية حق واحد من إهمال حق الآخر رأسا علي النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع ثم إن المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما- و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح و بين المأخوذ و يؤخذ بتلك النسبة فإذا كان إحدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الأخري ستة و إحدي قيمتي المعيب أربعة و الأخري اثنين أخذ للصحيح تسعة و للمعيب ثلاثة و التفاوت بالثلثين فيكون الأرش ثلثي الثمن- . و يمكن أيضا علي وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بأن تعمل في نصفه
المكاسب، ج‌3، ص 274
بقول المثبت للزيادة و في نصفه الآخر بقول النافي فإذا قومه إحداهما باثني عشر و الأخري بثمانية أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت و في نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع و المشتري لكن الأظهر هو الجمع علي النهج الأول و يحتمل الجمع بطريق آخر- و هو أن يرجع إلي البينة في مقدار التفاوت- و يجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم- و هذا منسوب إلي الشهيد قدس سره علي ما في الروضة- و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت بين الصحيح و المعيب علي قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الأول و قد يختلفان كما إذا كانت إحدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الأخري ثمانية و قيمة المعيب علي الأول عشرة و علي الثاني خمسة فعلي الأول يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح- أعني العشرة- و نصف قيمتي المعيب و هو سبعة و نصف فالتفاوت بالربع فالأرش ربع الثمن- أعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر. و علي الثاني يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب علي إحدي البينتين بالسدس. و علي الآخر ثلاثة أثمان و ينصف المجموع- أعني ستة و نصفا من اثني عشر جزء و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع و قد كان في الأول ثلاثة و قد ينقص عن الأول- كما اتفقا علي أن قيمة المعيب ستة و قال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية و قال الأخري عشرة. فعلي الأول يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما تسعة و نسبته إلي الستة بالثلث. و علي الثاني يكون التفاوت علي إحدي البينتين ربعا- .
و علي الأخري خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس- .

[صور اختلاف المقومين]

اشارة

توضيح هذا المقام أن الاختلاف إما أن يكون في الصحيح فقط مع اتفاقهما علي المعيب و إما أن يكون في المعيب فقط و إما أن يكون فيهما

[الاختلاف في الصحيح فقط]

فإن كان في الصحيح فقط كما في المثال الأخير- فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت أن الملحوظ علي طريق المشهور نسبة المعيب إلي مجموع نصفي قيمتي الصحيح- المجعول قيمة منتزعة- و علي الطريق الآخر نسبة المعيب إلي كل من القيمتين- المستلزمة لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل. و المفروض في هذه الصورة أن نسبة المعيب- إلي مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه إلي كل من النصفين لأن نسبة الكل إلي الكل تساوي نسبة نصفه إلي كل من نصفي ذلك الكل و هو الأربعة و النصف في المثال- لا إلي كل من النصفين المركب منهما ذلك الكل- كالأربعة و الخمسة- بل النصف المنسوب إلي أحد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبه مغايرة لنسبته إلي البعض الآخر أعني الخمسة و هكذا غيره من الأمثلة

[الاختلاف في المعيب فقط]

و إن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين أبدا لأن نسبة الصحيح إلي نصف مجموع قيمتي المعيب علي ما هو طريق المشهور مساوية لنسبة نصفه إلي نصف إحداهما- و نصفه الآخر إلي نصف الأخري- كما إذا اتفقا علي كون الصحيح اثني عشر- و قالت إحداهما المعيب ثمانية و قالت الأخري ستة فإن تفاوت السبعة و الاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثني عشر و الستة مع الاثني عشر لأن نسبة الأولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع و هذا بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر

[الاختلاف في الصحيح و المعيب معا]

و إن اختلفا في الصحيح و المعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب علي كلتا البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه إحداهما صحيحا باثني عشر و معيبا بستة و قومه الأخري صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين أعني التسعة- تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الأربعة و نصف- عين نصف تفاوتي الاثني عشر مع الستة و الستة مع الثلاثة- . و الحاصل أن كل صحيح ضعف المعيب فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين- و إن اختلفت النسبة فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان. و قد تقدم مثالهما في أول المسألة- ثم إن الأظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلي الشهيد قدس سره وفاقا للمحكي عن إيضاح النافع حيث ذكر أن طريق المشهور ليس بجيد و لم يذكر وجهه و يمكن إرجاع كلام الأكثر إليه كما سيجي‌ء و وجه تعين هذا الطريق أن أخذ القيمة من القيمتين علي طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين علي الطريق الثاني- . إما للجمع بين البينتين- بإعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا- و إما لأجل أن ذلك توسط بينهما- لأجل الجمع بين الحقين- بتنصيف ما به التفاوت نفيا و إثباتا- علي النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع أحدهما المردد بينهما من عند الودعي- و لم تكن هنا بينة تشهد لأحدهما بالاختصاص بل و لا ادعي أحدهما اختصاصه بالدرهم الموجود فعلي الأول فاللازم و إن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح و المعيب كما فعله المشهور- بأن يجمع الاثنا عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم- و يؤخذ نصف إحداهما قيمة نصف المبيع صحيحا- و نصف الأخري قيمة للنصف الآخر منه- و لازم ذلك كون تمامه بعشرة- و يجمع قيمتا المعيب أعني العشرة و الخمسة و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف- إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدي القيمتين أعني العشرة- إلي المجموع من نصف الأخري أعني سبعة و نصفا كما نسب إلي المشهور- لأنه إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة إلي كل من النصفين صحيحا و معيبا و أخذ الأرش لكل نصف علي حسب تفاوت صحيحه و معيبه فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح إلا باعتبار أن نصفه مقوم بستة و نصفه الآخر بأربعة- و كذا السبعة و النصف ليست قيمة لمجموع المعيب إلا باعتبار أن نصفه مقوم بخمسة و نصفه الآخر باثنين و نصف- فلا وجه ل أخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف بل لا بد من أخذ تفاوت ما بين الأربعة- و الاثنين و نصف لنصف منه تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر. و توهم أن حكم شراء شي‌ء تغاير قيمتا نصفيه حكم ما لو اشتري بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا و معيبا بأن اشتري عبدا و جارية باثني عشر فظهرا معيبين و العبد يسوي أربعة صحيحا و اثنين و نصف معيبا و الجارية تسوي ستة صحيحة و خمسة معيبة فإنه لا شك في أن اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة و معيبة أعني العشرة و السبعة و النصف- و أخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثني عشر- كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه- مدفوع بأن الثمن في المثال- لما كان موزعا
المكاسب، ج‌3، ص 275
علي العبد و الجارية بحسب قيمتهما- فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته و للجارية سدسها كما هو الطريق المختار لأنه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد أعني أربعة و أربعة أخماس ثلاثة أثمان و هو واحد و أربعة أخماس فالثلاثة التي هي ربع الثمن- منطبق علي السدس و ثلاثة أثمان- بخلاف ما نحن فيه فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة أمر واحد و هو نصف الثمن. فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد في المثال المفروض بثمن مساو للآخر بأن اشتري كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد أو عقدين فلا يجوز حينئذ أخذ الربع من اثني عشر بل المتعين حينئذ أن يؤخذ من ستة الجارية سدس- و من ستة العبد اثنان و ربع- فيصير مجموع الأرش ثلاثة و ربعا و هو المأخوذ في المثال المتقدم علي الطريق الثاني. و قد ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب و إن لم يذكروا القيم- هذا كله إذا كان مستند المشهور في أخذ القيمة الوسطي- العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع و أما إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين علي ما ذكرناه أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة علي حد سواء فالمتعين الطريق الثاني أيضا- سواء شهدت البينتان بالقيمتين- أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب- أما إذا شهدتا بنفس التفاوت فلأنه إذا شهدت إحداهما بأن التفاوت بين الصحيح و المعيب بالسدس و هو الاثنان من اثني عشر- و شهدت الأخري بأنه بثلاثة أثمان- و هو الثلاثة من ثمانية- زدنا علي السدس ما ينقص من ثلاثة أثمان- و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس- و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثنا عشر ثلاثة و ربع كما ذكرنا سابقا و إن شهدت البينتان بالقيمتين فمقتضي الجمع بين حقي البائع و المشتري في مقام إعطاء الأرش و أخذه- تعديل قيمتي كل من الصحيح و المعيب بالزيادة و النقصان بأخذ قيمة نسبته إلي المعيب- دون نسبة القيمة الزائدة و فوق نسبة الناقصة فيؤخذ من الاثني عشر و العشرة و من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب- نسبة إحداهما إلي الأخري يزيد علي السدس- بما ينقص من ثلاثة أثمان- فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما علي المعيب بسدس و نصف سدس و ثمن سدس- و من هنا يمكن إرجاع كلام الأكثر إلي الطريق الثاني- بأن يريدوا من أوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منهما- من حيث نسبتها إلي قيمة الآخر فيكون مرادهم من أخذ قيمتين للصحيح و المعيب- قيمة متوسطة من حيث نسبة إحداهما إلي الأخري بين أقوال جميع البينات المقومين للصحيح و الفاسد و ليس في كلام الأكثر أنه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة و كذلك قيم المعيب- ثم تنسب إحدي القيمتين المنتزعتين إلي الأخري- . قال في المقنعة فإن اختلف أهل الخبرة عمل علي أوسط القيم و نحوه في النهاية و في الشرائع حمل علي الأوسط. و بالجملة فكل من عبر بالأوسط يحتمل أن يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد هذا مع أن المستند في الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم تكن بينة أصلا لكن علمنا من الخارج- أن قيمة الصحيح إما هذا و إما ذاك و كذلك قيمة المعيب- و لم نقل حينئذ بالقرعة أو الأصل فاللازم الاستناد في التنصيف إلي الجمع بين الحقين علي هذا الوجه. و قد عرفت أن الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين المحتملين و الله العالم

القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب

الشرط يطلق في العرف علي معنيين

أحدهما المعني الحدثي

و هو بهذا المعني مصدر شرط فهو شارط للأمر الفلاني و ذلك الأمر مشروط و فلان مشروط له أو عليه. و في القاموس أنه إلزام الشي‌ء و التزامه في البيع و غيره و ظاهره كون استعماله في الإلزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح لكن لا إشكال في صحته لوقوعه في الأخبار كثيرا مثل قوله ص في حكاية بيع بريرة: إن قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق. و قول أمير المؤمنين ص: في الرد علي مشترط عدم التزوج بامرأة أخري في النكاح إن شرط الله قبل شرطكم و قوله: ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و في غيره قال هما بالخيار حتي يفترقا و قد أطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط في النكاح. و قد اعترف في الحدائق بأن إطلاق الشرط علي البيع كثير في الأخبار و أما دعوي كونه مجازا فيدفعها مضافا إلي أولوية الاشتراك المعنوي و إلي أن المتبادر من قوله شرط علي نفسه كذا ليس إلا مجرد الالتزام استدلال الإمام ع بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط علي النذر أو العهد و مع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به و لعله لم يلتفت إلي الاستعمالات التي ذكرناها و إلا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها ثم قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا المعني فيطلق علي نفس المشروط كالخلق بمعني المخلوق فيراد به ما يلزمه الإنسان علي نفسه.

الثاني ما يلزم من عدمه العدم

من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده الوجود أولا و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر فليس فعلا و لا حدثا و اشتقاق المشروط منه ليس علي الأصل كالشارط و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب فعلم من ذلك أن الشرط في المعنيين نظير الأمر بمعني المصدر و بمعني الشي‌ء
و أما استعماله في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب أدوات الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من إفادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعني الثاني كما أن استعماله في السنة أهل المعقول و الأصول فيما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود مأخوذ من ذلك المعني إلا أنه أضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب. فقد تلخص مما ذكرنا أن للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين لا يحمل عليهما الإطلاقات العرفية بل هي مرددة بين الأولين فإن قامت قرينة علي إرادة المصدر تعين الأول أو علي إرادة الجامد تعين الثاني و إلا حصل الإجمال و ظهر أيضا أن المراد بالشرط في قولهم ص: المؤمنون عند شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا إما مستعملا في معناه أعني إلزاما علي أنفسهم و إما مستعملا بمعني ملتزماتهم و إما بمعني جعل الشي‌ء شرطا بالمعني الثاني بمعني التزام عدم شي‌ء عند عدم آخر و سيجي‌ء الكلام في ذلك. و أما الشرط في قوله:
المكاسب، ج‌3، ص 276
ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و أما الشرط في غيره قال البيعان بالخيار حتي يفترقا و قوله: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم يشترط فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع و ألزمه علي المتبايعين أو أحدهما من التسلط علي الفسخ فيكون مصدرا بمعني المفعول فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع و يحتمل أن يراد به الحكم الشرعي المقرر و هو ثبوت الخيار و علي كل تقدير ففي الإخبار عنه بقوله ثلاثة أيام مسامحة. نعم في بعض الأخبار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام و لا يخفي توقفه علي التوجيه

الكلام في شروط صحة الشرط

اشارة

و هي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها

أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف

فيخرج ما لا يقدر العاقد علي تسليمه إلي صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد علي تسليم العين موصوفا بها مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الأمة و الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا كما مثل به في القواعد لكن الظاهر أن المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته كأفعال الله سبحانه لا عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه لأن الإلزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء و الإتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز و الصحة بعيد عن شأن الفقهاء و لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الإجارة و الجعالة مع أن اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة. نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في المستقبل و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه أمر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم بل أولي بالاشتراط من الوصف الحالي غير المعلوم تحققه ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا و الغرض الاحتراز عن ذلك و يدل علي ما ذكرنا تعبير أكثرهم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا أو لصيرورتهما كذلك و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و إيناعها و حمل الدابة في ما بعد و وضع الحامل في وقت كذا و غير ذلك. و قال في القواعد- يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا قال الشهيد رحمه الله في محكي حواشيه علي القواعد إن المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته انتهي لكن قال في الشرائع و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع علي أن يجعله سنبلا و الرطب علي أن يجعله تمرا انتهي. و نحوها عبارة التذكرة لكن لا بد من إرجاعها إلي ما ذكر إذ لا يتصور القصد من العاقل إلي الإلزام و الالتزام بهذا الممتنع العقلي اللهم إلا أن يراد إعمال مقدمات الجعل علي وجه توصل إليه مع التزام الإيصال فأسند إلي نفسه بهذا الاعتبار فافهم. و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا إلي عدم الخلاف فيه- عدم القدرة علي تسليمه بل و لا علي تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق و لا يناط بإرادة المشروط عليه فيلزم الغرر في العقد لارتباطه بما لا وثوق بتحققه و لذا نفي الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط استنادا علي عدم القدرة علي تسليم المبيع كما يظهر بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا للفرق بينهما بعد الإجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف الحالي و لو لم يعلما به فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه بها و بهذا المقدار يرتفع الغرر بخلاف ما سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل علي البناء علي تحققه. و قد صرح العلامة فيما حكي عنه ببطلان اشتراط أن تكون الأمة تحمل في المستقبل لأنه غرر عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل و بجواز الفسخ إذا لم يتحقق و ظاهرهما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط. و يمكن توجيه كلام الشيخ بإرجاع اشتراط الحمل في المستقبل إلي اشتراط صفة حالية موجبة للحمل فعدمه كاشف عن فقدها و هذا الشرط و إن كان للتأمل في صحته مجال إلا أن إرادة هذا المعني يخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف ثم إن عدم القدرة علي الشرط تارة لعدم مدخليته فيه أصلا كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا و أخري لعدم استقلاله فيه كاشتراط بيع المبيع من زيد فإن المقدور هو الإيجاب فقط لا العقد المركب فإن أراد اشتراط المركب فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه علي زيد قال لو اشترط بيعه علي زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الإمضاء و العدم إذ تقديره بعه علي
زيد إن اشتراه انتهي و لا أعرف وجها للاحتمال الأول إذ علي تقدير إرادة اشتراط الإيجاب فقط قد حصل الشرط و علي تقدير اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان إلا أن يحمل علي صورة الوثوق بالاشتراء فالاشتراط النتيجة بناء علي حصولها بمجرد الإيجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط و عليه يحمل قوله في التذكرة و لو اشترط علي البائع إقامة كفيل علي العهدة فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت للمشتري الخيار انتهي.
و من أفراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا علي سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير أن يراد من ذلك إيجاد الأسباب أما لو أراد إيجاد الأسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا إشكال و لو شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.

الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه

فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم و يدل عليه ما سيجي‌ء من قوله: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا فإن الشرط إذا كان محرما
المكاسب، ج‌3، ص 277
كان اشتراطه و الالتزام به إحلالا للحرام و هذا واضح لا إشكال فيه.

الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا- أو بالنظر إلي خصوص المشروطة له.

و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات و قد صرح جماعة بأن اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين أو ميزان معين من أفراد المتعارف لغو سواء في السلم و غيره. و في التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و الوجه في ذلك أن مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له حتي يتضرر بتعذره فيثبت له الخيار أو يعتني به الشارع فيوجب الوفاء به و يكون تركه ظلما فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال علي ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه- و من هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط أن لا يأكل إلا الهريسة و لا يلبس إلا الخز و لو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ و الحلي من تعلق الغرض المعتد به لجواز بيعه علي المسلم و الكافر و لاستغراق أوقاته بالخدمة و من أن الإسلام يعلو و لا يعلي عليه و الأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية و جزم بذلك في الدروس و بما قبله العلامة قدس سره.

الرابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة

اشارة

فلو اشترط رقية حر أو توريث أجنبي كان فاسدا لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي‌ء. نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بأدلة الوفاء بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل علي عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة لكنه مما لا يرتاب في ضعفه. و تفصيل الكلام في هذا المقام و بيان معني مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف علي ذكر

الأخبار الواردة في هذا الشرط

ثم التعرض لمعناها فنقول إن الأخبار في هذا المعني مستفيضة بل متواترة معني. ففي النبوي المروي صحيحا عن أبي عبد الله ع: من اشترط شرطا سوي كتاب الله عز و جل فلا يجوز ذلك له و لا عليه و المذكور في كلام الشيخ و العلامة رحمه الله المروي من طريق العامة قوله ص في حكاية بريرة لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز و جل فهو باطل قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق و في المروي موثقا عن أمير المؤمنين ع: من شرط لامرأته شرطا فليف به لها فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما و في صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود و في صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله و في صحيحته الأخري: المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز و في رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع: في من تزوج امرأة و أصدقها و اشترطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و وليت حقا ليست أهلا له فقضي أن عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة و في معناها مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله ع و مرسلة مروان بن مسلم إلا أن فيهما عدم جواز هذا النكاح. و في رواية إبراهيم بن محرز قال قلت لأبي عبد الله ع رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقال ع: إني يكون هذا و قد قال الله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ و عن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في امرأة تزوجها رجل و شرط عليها و علي أهلها أن تزوج عليها أو هجرها أو أتي عليها سرية فهي طالق فقال ع شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفي بشرطه و إن شاء أمسك امرأته و تزوج عليها و تسري و هجرها إن أتت بسبب ذلك قال الله تعالي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ و قال أحل لكم ما ملكت أيمانكم وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية

[المراد بكتاب الله]

ثم الظاهر أن المراد بكتاب الله هو ما كتب الله علي عباده من أحكام الدين و أن بينه علي لسان رسوله ص فاشتراط ولاء المملوك لبائعه إنما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعني لكن ظاهر النبوي و إحدي صحيحتي ابن سنان- اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط و أن ما ليس فيه أو لا يوافقه فهو باطل

[المراد بموافقة الكتاب في بعض الأخبار]

و لا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة نظرا إلي موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات غير المحرمة في النفس و المال فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعني

[المتصف بمخالفة الكتاب إما الملتزم أو نفس الالتزام]

ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب- إما نفس المشروط و الملتزم ككون الأجنبي وارثا و عكسه و كون الحر أو ولده رقا و ثبوت الولاء لغير المعتق و نحو ذلك و إما أن يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري و التزوج علي المرأة ليس مخالفا للكتاب و إنما المخالف الالتزام به فإنه مخالف لإباحة التسري و التزوج الثابتة بالكتاب و قد يقال إن التزام ترك المباح لا ينافي إباحته فاشتراط ترك التزوج و التسري لا ينافي الكتاب فينحصر المراد في المعني الأول. و فيه أن ما ذكر لا يوجب الانحصار فإن التزام ترك المباح و إن لم يخالف الكتاب المبيح له إلا أن التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له فيكفي هذا مصداقا لهذا المعني مع أن الرواية المتقدمة الدالة علي كون اشتراط ترك التزوج و التسري مخالفا للكتاب مستشهدا عليه بما دل من الكتاب علي إباحتهما كالصريحة في هذا المعني و ما سيجي‌ء من تأويل الرواية بعيد مع أن قوله ع في رواية إسحاق بن عمار: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر بل صريح في فعل الشارط فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم و إلا حلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع و أصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة

[المراد بحكم الكتاب و السنة]

ثم إن المراد بحكم الكتاب و السنة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له هو ما ثبت علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.

[انقسام الحكم الشرعي إلي قسمين]

[ما يثبت للشي‌ء من حيث نفسه]

و توضيح ذلك أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه و لازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع و مثال ذلك أغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها حيث إن تجويز الفعل و الترك إنما هو من حيث ذات الفعل فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن
المكاسب، ج‌3، ص 278
الفعل أو الترك كأكل اللحم فإن الشرع قد دل علي إباحته في نفسه بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف علي تركه أوامر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده

[ما يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الطارئة]

و قد يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له و هذا نظير أغلب المحرمات و الواجبات فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع إلا عن بعض العنوانات كالضرر و الحرج فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج

[القسم الأول من الشروط ليس مخالفا للكتاب]

إذا عرفت هذا فنقول الشرط إذا ورد علي ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب إذا المفروض أنه لا تنافي بين حكم ذلك الشي‌ء في الكتاب و السنة و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة

[ظاهر مورد بعض الأخبار من قبيل الأول و توجيهه]

اشارة

و لكن ظاهر مورد بعض الأخبار المتقدمة من قبيل الأول كترك التزوج و ترك التسري فإنهما مباحان من حيث أنفسهما فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة كالحلف و الشرط و أمر السيد و الوالد و حينئذ فيجب إما جعل ذلك الخبر كاشفا عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط و إن كان في أنظارنا نظير ترك أكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطرو عنوان التحريم لكن يبعده استشهاد الإمام لبطلان تلك الشروط بإباحة ذلك في القرآن و هو في معني إعطاء الضابطة لبطلان الشروط. و أما الحمل علي أن هذه الأفعال مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق عليها و أنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة إذ الكتاب دال علي إباحتها و أنها مما لا يترتب عليه حرج و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل. و يشهد لهذا الحمل و إن بعد بعض الأخبار الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام مثل رواية منصور بن يونس قال: قلت لأبي الحسن ع إن شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها فقالت له المرأة لا و الله لا أتزوجك أبدا حتي يجعل الله لي عليك أن لا تطلقني و لا تتزوج علي قال و قد فعل قلت نعم جعلني الله فداك قال بئسما صنع ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل و النهار ثم قال أما الآن فقل له فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله ص قال المسلمون عند شروطهم فيمكن حمل رواية محمد بن قيس علي إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط فتأمل.
ثم إنه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي إلي القسمين المذكورين و أن المخالف للكتاب هو الشرط الوارد علي القسم الثاني لا الأول

منها كون من أحد أبويه حر رقا

فإن ما دل علي أنه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه بمعني أن الولد ينعقد لو خلي و طبعه تابعا لأشرف الأبوين فلا ينافي جعله رقا بالشرط في ضمن عقد و أن يراد به أن ولد الحر لا يمكن أن يصير في الشريعة رقا فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة الدالين علي هذا الحكم.

و منها إرث المتمتع بها هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد آخر أم لا

فإن الظاهر الاتفاق علي عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر و عدم مشروعية اشتراط إرث أجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا فيشكل الفرق حينئذ بين أفراد غير الوارث و بين أفراد العقود و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا إلا أن يدعي أن هذا الاشتراط مخالف للكتاب إلا في هذا المورد أو أن الشرط المخالف للكتاب ممنوع إلا في هذا المورد و لكن عرفت وهن الثاني و الأول يحتاج إلي تأمل.

و منها أنهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية

و اشتهر عدم جوازه في عقد الإجارة فيشكل أن مقتضي أدلة عدم ضمان الأمين عدم ضمانه في نفسه من غير إقدام عليه بحيث لا ينافي إقدامه علي الضمان من أول الأمر أو عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالأسباب كالشرط في ضمن عقد تلك الأمانة أو غير ذلك

و منها اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلي بلد آخر

فإنهم اختلفوا في جوازه و الأشهر علي الجواز و جماعة علي المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب إطاعة الزوج و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره و أورد عليهم بعض المجوزين بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة من حيث إن الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو تركا.
و بالجملة فموارد الإشكال في تميز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة يظهر للمتتبع فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين علي الحكم الذي يراد تغيره بالشرط و التأمل فيه حتي يحصل له التميز و يعرف أن المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله ص: الولاء لمن أعتق أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبائعين غير المنافي لقوله ع: إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس مع قوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلي غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما

[الأصل عدم المخالفة عند عدم التميز]

فإن لم يحصل له بني علي أصالة عدم المخالفة فيرجع إلي عموم: المؤمنون عند شروطهم و الخارج عن هذا العموم و إن كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة لا ما علم مخالفته إلا أن البناء علي أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعا كما في سائر مجاري الأصول و مرجع هذا الأصول إلي أصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط مثلا نقول إن الأصل عدم ثبوت هذا الحكم بتسلط الزوج علي الزوجة من حيث المسكن لا من حيث هو لو خلي و طبعه و لم يثبت في صورة إلزام الزوج علي نفسه بعض خصوصيات المسكن لكن هذا الأصل إنما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال علي الحكم في إطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط كما في أكثر الأدلة المتضمنة للأحكام المتضمنة للرخصة و التسليط فإن الظاهر سوقها في مقام بيان حكم الشي‌ء من حيث هو الذي لا ينافي طرو خلافه لملزم شرعي كالنذر و شبهه من حقوق الله و الشرط و شبهه من حقوق الناس أما ما كان ظاهره العموم كقوله: لا يملك ولد حر فلا مجري فيه لهذا الأصل. ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه في الأخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب و أن التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الأخبار ذكر أن المتعين
المكاسب، ج‌3، ص 279
في هذه الموارد ملاحظة التعارض بين ما دل علي حكم ذلك الفعل و ما دل علي وجوب الوفاء بالشرط و يرجع إلي المرجحات و ذكر أن المرجح في مثل اشتراط شرب الخمر هو الإجماع قال و ما لم يكن فيه مرجح يعمل فيه بالقواعد و الأصول. و فيه من الضعف ما لا يخفي مع أن اللازم علي ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح لأن الشرط إن كان فعلا يجوز تركه كان اللازم مع تعارض أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع إلي أصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط فلا يلزم بل لا يصح و إن كان فعل محرم أو ترك واجب لزم الرجوع إلي أصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط.
فالتحقيق ما ذكرنا من أن من الأحكام المذكورة في الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه كأكثر ما ترخص في فعله و تركه و منها ما لا يقبله كالتحريم و كثير من موارد الوجوب

و أدلة الشروط حاكمة علي القسم الأول دون الثاني

فإن اشتراطه مخالف لكتاب الله كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك و قد تفطن قدس سره لما ذكرنا في حكم القسم الثاني و أن الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة حرمة شرب الخمر فقال و لو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا انتهي.

[المراد من تحريم الحلال و تحليل الحرام]

و مما ذكرنا من انقسام الأحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب و السنة علي قسمين يظهر لك معني قوله ع في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما فإن المراد بالحلال و الحرام فيها ما كان كذلك بظاهر دليله حتي مع الاشتراط نظير شرب الخمر و عمل الخشب صنما أو صورة حيوان و نظير مجامعة الزوج التي دل بعض الأخبار السابقة علي عدم ارتفاع حكمها أعني الإباحة متي أراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة و نظير التزوج و التسري و الهجر حيث دل بعض تلك الأخبار علي عدم ارتفاع إباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز بإباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه إلا تغير عنوان الحلال و الحرام الموجب لتغير الحل و الحرمة فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام أ لا تري أنه لو نهي السيد عبده أو الوالد ولده عن فعل مباح أعني مطالبة ماله في ذمة غريمه أو حلف الملك علي تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان معصية السيد و الوالد و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها إلي بلد آخر محرم في نفسه و كذلك امتناعها من المجامعة و لا ينافي ذلك حليتهما باشتراط عدم إخراجها عن بلدها أو باشتراط عدم مجامعتها كما في بعض النصوص. و بالجملة فتحريم الحلال و تحليل الحرام إنما يلزم مع معارضة أدلة الوفاء بالشرط لأدلة أصل الحكم حتي يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله أما إذا كان دليل ذلك الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي الموضوع و طبعه فإنه لا يعارضه ما دل علي ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ علي الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له إلا مجردا عن ذلك العنوان

ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال

اشارة

علي ما ذكرنا في معني الرواية بأن أدلة حلية أغلب المحللات بل كلها إنما تدل علي حليتها في أنفسها لو خليت و أنفسها فلا تنافي حرمتها من أجل الشرط كما قد تحرم من أجل النذر و أخويه و من جهة إطاعة الوالد و السيد و من جهة صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها. نعم لو دل دليل حل شي‌ء علي الحلية المطلقة نظير دلالة أدلة المحرمات بحيث لا يقبل طرو عنوان مغير عليه أصلا أو خصوص الشرط من بين العناوين أو دل الدليل من الخارج علي كون ذلك الحلال كذلك كما دل بعض الأخبار بالنسبة إلي بعض الأفعال كالتسري و التزوج و ترك الجماع من دون إرادة الزوجة كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه لكن دلالة نفس دليل الحلية علي ذلك لم توجد في مورد و الوقوف مع الدليل الخارج الدال علي فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط و مورد ورود الدليل علي عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة مع أن الإمام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج و التسري معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال علي إباحتها.

[عدم ورود الإشكال في الشرط المحلل للحرام]

نعم لا يرد هذا الإشكال في طرف تحليل الحرام لأن أدلة المحرمات قد علم دلالتها علي التحريم علي وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل علي إرادة الحرام في نفسه لو لا الشرط و ليس كذلك في طرف المحرم للحلال فإنا قد علمنا أن ليس المراد الحلال لو لا الشرط لأن تحريم المباحات لأجل الشرط فوق حد الإحصاء بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا

[توهم اختصاص الإشكال بما دل علي الإباحة التكليفية]

و ربما يتخيل أن هذا الإشكال مختص بما دل علي الإباحة التكليفية كقوله تحل كذا و تباح كذا أما الحلية التي تضمنها الأحكام الوضعية كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية أو أضدادها فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا فإن الانتفاع بالملك في الجملة و الاستمتاع بالزوجة و النظر إلي أمها و بنتها من المباحات التي لا تقبل التغير و لذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال أن لا ينتفع بماله أو لا يطأ جاريته. و بعبارة أخري ترتب آثار الملكية علي الملك في الجملة و آثار الزوجية علي الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن إباحتها و إن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه إلي التحريم كالسكني فيما لو اشترط إسكان البائع فيه مدة و إسكان الزوجة في بلد اشترط أن لا يخرج إليه أو وطئها مع اشتراط عدم وطئها أصلا كما هو المنصوص و لكن الإنصاف أنه كلام غير منضبط فإنه كما جاز تغير إباحة بعض الانتفاعات كالوطئ في النكاح و السكني في البيع إلي التحريم لأجل الشرط كذلك يجوز تغير إباحة سائرها إلي الحرمة فليس الحكم بعدم تغير إباحة مطلق التصرف في الملك و الاستمتاع بالزوجة لأجل الشرط إلا للإجماع أو لمجرد الاستبعاد و الثاني غير معتد به و الأول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة
المكاسب، ج‌3، ص 280
في بيان هذه الضابطة مع أن هذا العنوان أعني تحريم الحلال و تحليل الحرام إنما وقع مستثني في أدلة انعقاد اليمين و ورد أنه لا يمين في تحليل الحرام و تحريم الحلال و قد ورد بطلان الحلف علي ترك شرب العصير المباح دائما معللا بأنه ليس لك أن تحرم ما أحل الله و من المعلوم أن إباحة العصير لم يثبت من الأحكام الوضعية بل هي من الأحكام التكليفية الابتدائية. و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال علي إباحتهما و بين ترك الوطي الذي ورد جواز اشتراطه- و كذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بأنه من تحريم الحلال و بين ترك بعض المباحات المتفق علي جواز الحلف عليه في غاية الإشكال

[ما أفاده الفاضل النراقي في تفسير الشرط المحرم للحلال]

و ربما قيل في توجيه الرواية و توضيح معناها أن معني قوله: إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما إما أن يكون إلا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال و إما أن يكون إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال و الأول مخالف لظاهر العبارة مناقضته لما استشهد به الإمام ع- في رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة علي وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج بل يلزم كون الكل لغوا إذ ينحصر مورد: المسلمون عند شروطهم باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات فيبقي الثاني و هو ظاهر الكلام فيكون معناه إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال ثم قال فإن قيل إذا شرط عدم فعله فلا يرضي بفعله فيجعله حراما عليه قلنا لا نريد أن معني الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله حراما ذاتيا أي مطلوب الترك شرعا و لا شك أن شرط عدم فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا ثم قال فإن قيل الشرط من حيث هو مع قطع النظر عن إيجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا فلا يحرم و لا يحلل قلنا إن أريد أنه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس كذلك بل حكم الشرط ذلك و هذا معني تحريم الشرط و تحليله و علي هذا فلا إجمال في الحديث و لا تخصيص في ذلك كالنذر و العهد و اليمين فإن من نذر أن لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر أن يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو يحرم ذلك علي نفسه شرعا لم ينعقد انتهي. أقول لا أفهم معني محصلا لاشتراط حرمة الشي‌ء أو حليته شرعا فإن هذا أمر غير مقدور للمشترط و لا يدخل تحت الجعل فهو داخل في غير المقدور و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط و كذلك الكلام في النذر و شبهه و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم و المحلل نفس الشرط و لم يلاحظ كون الاستثناء من الأفعال التي يعقل الوفاء بالتزامها و حرمة الشي‌ء شرعا لا يعقل فيها الوفاء و النقض. و قد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام بالصلح علي شرب الخمر و للمحرم للحلال بالصلح علي أن لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله و كيف كان فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل و التحريم المستندين إلي الشرط هو الترخيص و المنع. نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط لا ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط. و قد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية ذلك الشي‌ء أو حرمته و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه ففي الأول يكون الشرط علي تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي و في الثاني يكون مغيرا لموضوعه فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي الصلح و الشرط أنهما لا يغيران حكما شرعيا بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح و الشرط كالنذر و شبهه و أما تغييرهما لموضوع الأحكام الشرعية ففي غاية الكثرة بل هما موضوعان لذلك و قد ذكرنا أن الإشكال في كثير من الموارد في تميز أحد القسمين من الأحكام عن الآخر.

[ما أفاده المحقق القمي في تفسير الشرط المذكور]

و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في رسالته التي ألفها في هذه المسألة فإنه بعد ما ذكر من أمثلة الشرط غير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه شرب الخمر و الزني و نحوهما من المحرمات و من أمثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات فعل المرجوحات و ترك المباحات و فعل المستحبات كأن يشترط تقليم الأظفار بالسن أبدا و أن لا يلبس الخز أبدا و لا يترك النوافل فإن جعل المكروه أو المستحب واجبا و جعل المباح حراما حرام إلا برخصة شرعية حاصلة من الأسباب الشرعية كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه و يستفاد ذلك من كلام علي ع في رواية إسحاق بن عمار: من اشترط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما قال قدس سره فإن قلت إن الشرط كالنذر و شبهه من الأسباب الشرعية المغيرة للحكم بل الغالب فيه هو إيجاب ما ليس بواجب فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح و أما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة قلت الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة و هو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الأفعال علي سبيل العموم من دون النظر إلي خصوصية فرد فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي و كذا حلية المبيع فالتزوج و التسري أمر كلي حلال و التزام تركه مستلزم لتحريمه و كذلك جميع أحكام الشرع من التكليفية و الوضعية و غيرها إنما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهي عنه هو أن يحدث المشترط قاعدة كلية و يبدع حكما جديدا و قد أجيز في الشرع البناء علي الشروط إلا شرطا أوجب إبداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج و التسري و إن كان بالنسبة إلي نفسه فقط و قد قال الله تعالي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و كجعل الخيرة في الجماع و الطلاق بيد المرأة و قد قال الله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ و فيما لو اشترطت عليه أن لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة إشكال فما ذكر في السؤال من وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب إحداث حكم للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب إلي أن قال قدس سره و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة
المكاسب، ج‌3، ص 281
ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال أو إيجاب جائز علي سبيل القاعدة بل الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل علي ما يشترطانه و هذا الحكم أيضا من جعل الشارع فقولنا العمل علي مقتضي الشرط الجائز واجب حكم كلي شرعي و حصوله ليس من جانب شرطنا حتي يكون من باب تحليل الحرام و عكسه بل إنما هو صادر من الشارع انتهي كلامه رفع مقامه و للنظر في مواضع من كلامه مجال فافهم و الله العالم.

الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد

و إلا لم يصح لوجهين أحدهما وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه و بين الشرط الملزم لعدم تحققه فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط فلا بد إما أن يحكم بتساقط كليهما و إما أن يقدم جانب العقد لأنه المتبوع المقصود بالذات و الشرط تابع و علي كل تقدير لا يصح الشرط. الثاني أن الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة الدالين علي عدم تخلف العقد عن مقتضاه فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب و لذا ذكر في التذكرة أن اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضي ملكيته فيخالف قوله ص: الناس مسلطون علي أموالهم و دعوي أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام إذ الكلام في ما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية في كل فرد منه لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف إطلاقه و خلوه عن الشرائط و القيود حتي لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده و شرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الإجماع علي بطلان هذا الشرط فلا إشكال في أصل الحكم و إنما الإشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلف عن مطلق العقد في نظرا العرف أو الشرع و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعتري العقد و إن اتضح ذلك في بعض الموارد لكون الأثر كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا أصليا كاشتراط عدم التصرف أصلا في المبيع و عدم الاستمتاع أصلا بالزوجة حتي النظر و نحو ذلك إلا أن الإشكال في كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم علي الجواز في بعض المقامات و اتفاقهم علي عدمه فيما يشبهه و يصعب الفرق بينهما و إن تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع و جواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل أو وقفه حتي علي البائع و ولده كما صرح به في التذكرة. و قد اعترف في التحرير بأن اشتراط العتق مما ينافي مقتضي العقد و إنما جاز لبناء العتق علي التغليب و هذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا علي البائع و ولده فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا علي التغليب. و لأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف و الإشكال في أن الشرط الفلاني مخالف لمقتضي العقد أم لا.
منها اشتراط عدم البيع فإن المشهور عدم الجواز لكن العلامة في التذكرة استشكل في ذلك بل قوي بعض من تأخر عنه صحته. و منها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان- من جواز الشركة فيه إذا قال الربح لنا و لا خسران عليك لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال و منعه ابن إدريس لأنه مناف لقضية الشركة قلنا لا نسلم أن تبعية المال لازمة لمطلق الشركة بل للشركة المطلقة و الأقرب تعدي الحكم إلي غير الجارية من المبيعات انتهي. و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية و عدم جوازه في الإجارة مستدلين بأن مقتضي عقد الإجارة عدم ضمان المستأجر فأورد عليهم المحقق الأردبيلي و تبعه جمال المحققين في حاشية الروضة بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك إنما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية. و منها اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها فقد جوزه جماعة لعدم المانع و للنص و منعه آخرون منهم فخر الدين في الإيضاح مستدلا بأن مقتضي العقد تسلط الرجل علي المرأة في الاستمتاع و الإسكان و قد بالغ حتي جعل هذا قرينة علي حمل النص علي استحباب الوفاء. و منها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه و عدم توارثهما مع الشرط أو لا معه فإنها مبنية علي الخلاف في مقتضي العقد المنقطع. قال في الإيضاح ما ملخصه بعد إسقاطه ما لا يرتبط بالمقام إنهم اختلفوا في أن هذا العقد يقتضي التوارث أم لا و علي الأول فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو فعلي هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي فيستحيل عدمه مع وجودها و قيل المقتضي إطلاق العقد أي العقد المجرد عن شرط نقيضه أعني الماهية بشرط لا شي‌ء فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه و علي الثاني قيل يثبت مع الاشتراط و يسقط مع عدمه و قيل لا يصح اشتراطه انتهي. و مرجع القولين إلي أن عدم الإرث من مقتضي إطلاق العقد أو ماهيته و اختار هو هذا القول الرابع تبعا لجده و والده قدس سرهما و استدل عليه أخيرا بما دل علي أن من حدود المتعة أن لا ترثها و لا ترثك قال فجعل نفي الإرث من مقتضي الماهية. و لأجل صعوبة دفع ما ذكرنا من الإشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات إطلاقه التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه حتي ثني به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة و عدم الإجماع علي الصحة أو البطلان إلي نظر الفقيه فقال أولا المراد بمنافي مقتضي العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه و رتب عليه علي أنه أثره و فائدته التي لأجلها وضع كانتقال العوضين إلي المتعاقدين و إطلاق التصرف فيهما في البيع و ثبوت التوثق في الرهن و المال في ذمة الضامن بالنسبة إلي الضمان و انتقال الحق إلي ذمة المحال عليه في الحوالة و نحو ذلك فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافي مقتضي العقد ثم اعترض علي ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا و أجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضي العقد ثم اعترض بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا فالمنع عن البعض مناف له ثم قال و دفع ذلك لا يخلو عن عسر و كذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا فإن ثبوته مقتضي العقد فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا له ثم قال و لا يمكن أن يقال إن مقتضي العقد ما لم يجعل إلا لأجله كانتقال العوضين فإن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع مثلا ثم قال و الحاسم لمادة الإشكال أن الشروط علي أقسام منها ما انعقد الإجماع علي حكمه من صحة أو فساد و منها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو وضح مقابله و لا كلام فيما وضح و منها
المكاسب، ج‌3، ص 282
ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه انتهي كلامه رفع مقامه أقول وضوح المنافاة إن كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال في العوضين و عدم انتقال المال إلي ذمة الضامن و المحال عليه فلا يتأتي معه إنشاء مفهوم العقد العرفي و إن كان بغير العرف فمرجعه إلي الشرع من نص أو إجماع علي صحة الاشتراط و عدمه و مع عدمهما وجب الرجوع إلي دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه فإن دل عليه علي وجه يعارض بإطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة و إن دل علي ثبوته للعقد لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط حكم بصحة الشرط. و قد فهم من قوله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ أن السلطنة علي الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الأثر و لم يجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافيا. و قد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتي يفترقا فإن افترقا وجب البيع عدم التنافي فأجمعوا علي صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعية للعقد و كذا علي صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق و لو شك في مؤدي الدليل وجب الرجوع إلي أصالة ثبوت ذلك الأثر علي الوجه الثاني فيبقي عموم أدلة الشرط سليما عن المخصص و قد ذكرنا هذا في بيان معني مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع

لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين كما سيجي‌ء بيانه قال في التذكرة و كما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتهما و لو أحق المبيع فلو شرطا مجهولا بطل البيع انتهي. و قد سبق ما يدل علي اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفي لزومه في أصل الشرط بناء علي أن المنفي مطلق الغرر حتي في غير البيع و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتي الوكالة فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع فإن العلامة في التذكرة ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد المبيع أن في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط لكن الإنصاف أن جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع من التذكرة من الفرق في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها علي وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الأمور بأن يقول بعتكها علي أنها حامل أو علي أن لك حملها و بين تمليكها علي وجه الجزئية بأن يقول بعتكها و حملها فصحح الأول لأنه تابع و أبطل الثاني لأنه جزء لكن قال في الدروس لو جعل الحمل جزء من المبيع فالأقوي الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع و قال في باب بيع المملوك و لو اشتراه و ما له صح و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك و لو أحلناه اشترطا انتهي. و المسألة محل إشكال و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها حيث صرحوا بأن للشرط قسطا من أحد العوضين و أن التراضي علي المعاوضة وقع منوطا به و لازمه كون الجهالة فيه قادحة و الأقوي اعتبار العلم لعموم نفي الغرر إلا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج و قد مر ما ينفع هذا المقام في شروط العوضين و سيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان إن شاء الله.

الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال

كما لو شرط في البيع أن يبيعه علي البائع فإن العلامة قد ذكر هنا أنه مستلزم للدور قال في التذكرة لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا أو لا و إلا جاء الدور- لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه علي غيره فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع علي البائع انتهي. و سيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد و النسيئة. و قد صرح في الدروس بأن هذا الشرط باطل لا للدور بل لعدم القصد إلي البيع و يرد عليه و علي الدور النقض بما إذا اشترط البائع علي المشتري أن يقف المبيع عليه و علي عقبه فقد صرح في التذكرة بجوازه و صرح بجواز اشتراط رهن المبيع علي الثمن مع جريان الدور فيه.

الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد

فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به علي المشهور بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف و سيأتي لأن المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط علي نفسه قبل العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا و إن كان أثره مستمرا في نفس الملزم إلي حين العقد بل إلي حين حصول الوفاء و بعده نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان إلي حين حصول المطلوب و إن وعد بإيقاع العقد مقرونا بالتزامه فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن أن يقال إن العقد إذا وقع مع تواطئهما علي الشرط كان قيدا معنويا له فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك الشرط و يكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض إذا التراضي وقع مقيدا بالشرط فإنهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين فلا فرق بين أن يقول بعتك العبد بعشرة و شرطت لك ماله و بين تواطئهما علي كون مال العبد للمشتري فقال بعتك العبد بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري هذا مع أن الخارج من عموم: المؤمنون عند شروطهم هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه فيعم محل الكلام و علي هذا فلو تواطئا علي شرط فاسد فسد العقد المبني عليه و إن لم يذكر فيه. نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فأوقعا العقد غير بانين علي الشرط بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد و عدم لزوم الشرط هذا و لكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط غير المذكور في متن العقد و عدم إجراء أحكام الشرط عليه و إن وقع العقد مبنيا عليه بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الإجماع علي عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقد بعد ما ادعي هو قدس سره الإجماع علي أنه لا حكم للشروط إذا كانت قبل عقد النكاح و تتبع كلماتهم في باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي فتراهم يجوزون في باب الربا و الصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه ببيع الجنس بمساويه
المكاسب، ج‌3، ص 283
ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك في العقد فإن الحلية لا تتحقق إلا بالتواطي علي هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا إلي ما بعده و قد صرح المحقق و العلامة في باب المرابحة بجواز أن يبيع الشي‌ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك إلي البائع ليخبر بذلك الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا و معلوم أن المعاملة لأجل هذا الغرض لا يكون إلا مع التواطؤ و الالتزام بالنقل ثانيا. نعم خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بأن المشتري ينقله إليه من دون التزام ذلك و إيقاع العقد علي هذا الالتزام لكنه تقييد لإطلاق كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا. و بالجملة فظاهر عبارتي الشرائع و التذكرة أن الاشتراط و الالتزام من قصدهما و لم يذكراه لفظا لا أن النقل من قصدهما فراجع و أيضا فقد حكي عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعين إذا خلي عن ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب إلي الخلاف و المختلف صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة إلي الخلاف بل المختلف فراجع- ثم إن هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه و هو بطلان العقد الواقع علي هذا الشرط لأن الشرط من أركان العقد المشروط بل عرفت أنه كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في الإيجاب و القبول كأجزاء العوضين. و قد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا كما إذا قال بعني بدرهم فقال بعتك فقال المشتري قبلت و سيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك إن شاء الله تعالي.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع- و هو تنجيز الشرط بناء علي أن تعليقه

اشارة

يسري إلي العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلي جزء من أحد العوضين فإن مرجع قوله بعتك هذا بدرهم علي أن تخيط لي إن جاء زيد علي وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب علي تقدير مجي‌ء زيد بل يؤدي إلي البيع بثمنين علي تقديرين فباعه بالدرهم المجرد علي تقدير عدم مجي‌ء زيد و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب علي تقدير مجيئه

[دفع هذا التوهم]

و يندفع بأن الشرط هو الخياطة علي تقدير المجي‌ء لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق إلي أصل المعاوضة الخاصة و مجرد رجوعهما في المعني إلي أمر واحد لا يوجب البطلان و لذا اعترف بعضهم بأن مرجع قوله أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع و أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر إلي واحد مع الاتفاق علي صحة الثاني و بطلان الأول. نعم ذكره في التذكرة أنه لو شرط البائع كونه أحق بالمبيع لو باعه المشتري ففيه إشكال لكن لم يعلم أن وجهه تعليق الشرط بل ظاهر عبارة التذكرة و كثير منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار.

مسألة في حكم الشرط الصحيح

[أقسام الشرط]

[شرط الوصف]

و تفصيله أن الشرط إما أن يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي- ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا و نحوهما

[شرط الفعل]

و إما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما كاشتراط إعتاق العبد و- خياطة الثوب

[شرط الغاية]

و- إما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما

و لا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط

إذ لا يعقل تحصيله هنا معني لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم

و أما الثالث

فإن أريد باشتراطه الغاية- أعني الملكية و الزوجية و نحوهما اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلي الثاني و هو اشتراط الفعل و إن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فإن دل الدليل الشرعي علي عدم تحقق تلك الغاية إلا بسببها الشرعي الخاص كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسدا لمخالفته للكتاب و السنة كما أنه لو دل الدليل علي) كفاية الشرط فيه كالوكالة و الوصاية و كون مال العبد و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشتري فلا إشكال. و أما لو لم يدل دليل علي أحد الوجهين كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا و نحو ذلك ففي صحة هذا الشرط إشكال من أصالة عدم تحقق تلك الغاية إلا بما علم كونه سببا لها و عموم المؤمنون عند شروطهم و نحوه لا يجري هنا لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به و من أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتيب الآثار عليه نظير الوفاء بالعهد و يشهد له تمسك الإمام ع بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها- علي أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق مضافا إلي كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد و أما توقف الملك و شبهه علي أسباب خاصة فهي دعوي غير مسموعة مع وجود أفراد اتفق علي صحتها كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما و دعوي تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفرق مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع أخري كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و إن انضم إلي معلوم و كيف كان فالأقوي صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة كما يصح نذر مثل هذه الغايات- بأن ينذر كون المال صدقة أو الشاة أضحية أو كون هذا المال لزيد و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعني ترتيب الآثار.

و إنما الخلاف و الإشكال في القسم الثاني- و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل

اشارة

و الكلام فيه يقع في مسائل

الأولي في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي

ظاهر المشهور هو الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم و العلوي: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما و يؤكد الوجوب ما أرسل في بعض الكتب من زيادة قوله إلا من عصي الله في النبوي بناء علي كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط هذا كله مضافا إلي عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة و ربما ينسب إلي غيره حيث قال إنه
المكاسب، ج‌3، ص 284
لا يجب علي المشروط عليه فعل الشرط و إنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه قدس سره في بعض تحقيقاته و هو أن الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه و لا يحتاج بعده إلي صيغة فهو لازم لا يجوز اختلال به كشرط الوكالة و إن احتاج بعده إلي أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يقلب العقد اللازم جائزا و جعل السر فيه أن اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد و المعلق علي الممكن ممكن و هو معني قلب اللازم جائزا انتهي. قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام و الأقوي اللزوم مطلقا و إن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا أقول ما ذكره قدس سره في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ و أنه هل يصير واجبا علي المشروط عليه أم لا كما ذكره الشهيد في المتن فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس إلا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له فلا يقال إنه يجب فعله أو لا يجب. نعم وجوب الوفاء بمعني ترتيب آثار ذلك الشرط المحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد. و بالجملة فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد نعم كلام الشهيد في اللمعة أعم منه و من كل شرط لم يسلم لمشترطه و مراده تعذر الشرط و كيف كان فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام إذ لا كلام و لا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط عليه و لا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار و لا في أن المشروط عليه يجبر علي ترتيب الآثار و إن شئت قلت اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات لا المبادئ.
و مما ذكرنا يظهر أن تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من الإجماع علي لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح لأنه إنما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم في التذكرة لو اشتري عبدا بشرط أن يعتقه المشتري صح البيع و لزم الشرط عند علمائنا أجمع ثم إن ما ذكره الشهيد قدس سره من أن اشتراط ما سيوجد أمر منفصلا و قد علق عليه العقد إلخ لا يخلو عن نظر إذ حاصله أن الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة و إن كان لا تعليق صورة فحاصل قوله بعتك هذا العبد علي أن تعتقه أن الالتزام بهذه المعاوضة معلق علي التزامك بالعتق فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب علي المشروط له الالتزام بالمعاوضة. و فيه مع أن المعروف بينهم أن الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين و أن القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعني أيضا و أن رجوعه إلي التعليق علي المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد و إن لم يكن في صورة التعليق أن لازم هذا الكلام- أعني دعوي تعليق العقد علي الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

الثانية في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء- من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع

ظاهر جماعة ذلك- و ظاهر التحرير خلافه- قال في باب الشروط إن الشرط أن تعلق بمصلحة المتعاقدين كالأجل و الخيار و الشهادة و التضمين و الرهن و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة جاز و لزم الوفاء ثم قال إذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط فإن أعتقه المشتري و إلا ففي إجباره وجهان أقربهما عدم الإجبار انتهي. و قال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد فيلزم الشرط في طرف المشترط عليه فإن أخل به فللمشترط الفسخ و هل يملك إجباره عليه فيه نظر انتهي و لا معني للزوم الشرط إلا وجوب الوفاء به و قال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترط عتقه إذا أعتقه المشتري فقد وفي بما وجب عليه إلي أن قال و إن امتنع أجبر عليه إن قلنا إنه حق لله تعالي و إن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر كما في شرط الرهن و الكفيل لكن يتخير البائع في الفسخ بعد سلامة ما شرط ثم ذكر للشافعي وجهين في الإجبار و عدمه إلي أن قال و الأولي عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل انتهي و يمكن أن يستظهر هذا القول أعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الإجبار من كل من استدل علي صحة الشرط بعموم المؤمنون مع قوله بعدم وجوب الإجبار كالشيخ في المبسوط حيث استدل علي صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم ثم ذكر أن في إجباره علي الإعتاق لو امتنع قولين الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط و عدم الوجوب و إنما يجعل له الخيار ثم قال و الأقوي هو الثاني انتهي. فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة مما لا مساغ لإنكاره بل الاستدلال به علي صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا علي إرادة الوجوب منه إذ لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط و فساده فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في البيع علي صحته ثم إن الصيمري في غاية المرام قال لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق لأنه غير مخالف للكتاب و السنة فيجب الوفاء به و قال هل يكون حقا لله تعالي أو للعبد أو للبائع يحتمل الأول إلي أن قال و يحتمل الثالث هو مذهب العلامة في القواعد و التحرير لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري علي العتق و هو يدل علي أنه حق للبائع و علي القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط بإسقاط البائع و علي القول بكونه للبائع تكون المطالبة له و يسقط بإسقاطه و لا يجبر المشتري و مع الامتناع يتخير المشترط بين الإمضاء و الفسخ و علي القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق و مع الامتناع يرافعه إلي الحاكم ليجبره علي ذلك و كسبه قبل العتق للمشتري علي جميع التقادير انتهي و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الإجبار أن كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف في عدم الإجبار عليه و هو ظاهر أول الكلام السابق في التذكرة لكن قد عرفت قوله أخيرا و الأولي أن له إجباره عليه و إن قلنا إنه حق للبائع و ما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري و ما ذكره في جامع المقاصد و المسالك- من أنه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار حيث قال و اعلم أن في إجبار المشتري علي الإعتاق وجهين أحدهما العدم لأن للبائع طريقا آخر للتخلص و هو الفسخ و الثاني له ذلك لظاهر
المكاسب، ج‌3، ص 285
قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و هو الأوجه انتهي و في المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط و استدل له بعموم الأمر بالوفاء بالعقد و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و ظاهره وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء و التسلط علي الإجبار كما أن ظاهر الصيمري الاتفاق علي وجوب الوفاء بل و علي عدم الإجبار فيما كان حقا مختصا للبائع و الأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين و كيف كان فالأقوي ما اختاره جماعة من أن للمشروط له إجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين فإن المشروط له قد ملك الشرط علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط فيجبر علي تسليمه- و ما في جامع المقاصد من توجيه عدم الإجبار بأن له طريقا إلي التخلص بالفسخ ضعيف في الغاية فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر الإجبار دفعا للضرر و قد يتوهم أن ظاهر الشرط هو فعل الشي‌ء اختيارا فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط و حضور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه فلا ينفع في الوفاء بالشرط و يندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الإجبار و إنما يعرض له من حيث إنه فعل واجب عليه فإذا أجبر فقد أجبر علي نفس الواجب نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط

الثالثة في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار

فيكون مخيرا بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الإجبار ظاهر الروضة و غير واحد هو الثاني و صريح موضع من التذكرة هو الأول قال لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط فإن أخل به لم يبطل البيع لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع و بين إلزامه بما شرط انتهي و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الإجبار لما عرفت من أن مقتضي العقد المشروط هو العمل علي طبق الشرط اختيارا أو قهرا إلا أن يقال إن العمل بالشرط حق لازم علي المشروط عليه يجبر عليه إذا بني المشروط له علي الوفاء بالعقد و أما إذا أراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد علي الوجه الذي وقع عليه فله ذلك فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما و هذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه فيجبران علي ذلك بخلاف الشرط فإن المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فعلا معني لتملكه فإذا امتنع المشروط عليه عند فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه فتأمل ثم علي عدم المختار من عدم الخيار إلا مع تعذر الإجبار لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر إجباره الظاهر ذلك لعموم ولاية السلطان علي الممتنع فيندفع ضرر المشروط له بذلك الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط إلا الخيار
لعدم دليل علي الأرش- فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال بل المقابلة عرفا و شرعا إنما هي بين المالين و التقييد أمر معنوي لا يعد مالا و إن كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه و ثبوت الأرش في العيب لأجل النص و ظاهر العلامة ثبوت الأرش- إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد قال فإن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ و استرجاع العبد و بين الإمضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير انتهي و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلي القيمة لإتمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن فهو مضمون به لا بتمام قيمته كما نص عليه في التذكرة و ضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من أن الثمن لا يقسط علي الشروط و أضعف منه ثبوت الأرش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط و إن لم يتعذر كما عن الصيمري و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا و يقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذر ففي استحقاق المشروط له لأجرته و مجرد ثبوت خيار له وجهان قال في التذكرة لو شرط علي البائع عملا سائغا تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و كان مما يتقوم كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الإمضاء مجانا انتهي و قال أيضا لو كان الشرط علي المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة و إلا مجانا انتهي و الظاهر أن مراده بما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا كالخياطة أو عينا كمال العبد المشترط معه أو عينا و عملا كالصبغ لا ماله مدخل في قيمة العوض إذ كل شرط كذلك و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه و إن كان مقتضي المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال فإن المبيع هو الثوب المخيط و العبد المصاحب للمال لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله و لذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما و سيجي‌ء في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء.

الخامسة لو تعذر الشرط

و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه- بتلف أو بنقل أو رهن أو استيلاد فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من أصله وجوه يأتي في أحكام الخيار- و يأتي أن الأقوي الرجوع بالبدل جمعا بين الأدلة هذا كله مع صحة العقد الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط و أما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه علي البائع ففي صحته مطلقا أو مع إذن المشروط له- أو إجازته أو بطلانه وجوه خيرها أوسطها فلو باع بدون إذنه كان للمشروط له فسخه و إلزامه بالوفاء بالشرط. نعم لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحة العقد الثاني فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من أصله أو الرجوع بالقيمة وجوه رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق فلا يبطل لبنائه علي التغليب فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل اختاره في التذكرة و الروضة قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه بعد ما ذكر أن إطلاق
المكاسب، ج‌3، ص 286
اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا فلو أعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الإمضاء و الفسخ فيرجع بقيمة العبد قال بعد ذلك و لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة لأن العتق مبني علي التغليب فلا سبيل إلي فسخه و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال انتهي و مثله ما في الروضة. و قال في الدروس في العبد المشروط عتقه و لو أخرجه عن ملكه ببيع أوهبه أو وقف فللبائع فسخ ذلك كله انتهي و ظاهره ما اخترناه و يحتمل ضعيفا غيره. و في جامع المقاصد الذي ينبغي أن المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط ثم إن هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرف فيها كما نبه عليه في المسالك في أول خيار العيب فيما لو اشترط الصحة علي البائع. نعم إذا دل التصرف علي الالتزام بالعقد لزم العقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء علي ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل علي سقوط خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد و أما مطلق التصرف فلا.

السادسة للمشروط له إسقاط شرطه

إذا كان مما يقبل الإسقاط- لا مثل اشتراط مال العبد أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في إسقاط الخيار و غيره من الحقوق- و قد يستثني من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له كالعتق فإن المصرح به في كلام جماعة كالعلامة و ولده و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه بإسقاط المشروط له قال في التذكرة الأقوي عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق- حق لله و حق للبائع و حق للعبد ثم استقرب بناء علي ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري. و في الإيضاح الأقوي أنه حق للبائع و لله تعالي فلا يسقط بالإسقاط انتهي و في الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالي به انتهي. و في جامع المقاصد أن التحقيق أن العتق فيه معني القربة و العبادة و هو حق الله تعالي و زوال الحجر و هو حق للعبد و فوات المالية علي الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع انتهي. أقول أما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب للشارع فهو واضح و أما كونه حقا للعبد فإن أريد به مجرد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنة له علي المشتري بل هو متفرع علي حق البائع دائر معه وجودا و عدما و إن أريد ثبوت حق علي المشتري يوجب السلطنة علي المطالبة فلا دليل عليه و دليل الوفاء لا يوجب إلا ثبوت الحق للبائع و بالجملة فاشتراط عتق العبد ليس إلا كاشتراط أن يبيع المبيع من زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه و لم يذكر أحد أن لزيد المطالبة. و مما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالي فإنه إن أريد به مجرد وجوبه عليه لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جار في كل شرط و لا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط و إن أريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله كما ذكره جامع المقاصد ففيه أن مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله علي وجه يلزم به الحاكم و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم و قد عرفت أن المطلوب غير هذا فافهم

السابعة قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن- عند انكشاف التخلف علي المشهور

اشارة

لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا علي مقابلة أحد العوضين إلا بالآخر و الشرع لم يزد علي ذلك إذ أمره بالوفاء بذلك المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين هذا و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بأن يشتري مركبا و يشترط كونه كذا و كذا جزء كأن يقول بعتك هذا الأرض أو الثوب أو الصبرة علي أن يكون كذا ذراعا أو صاعا فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية و يقال إن المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء فالمتخلف هو قيد من قيود العين كالكتابة و نحوها في العبد لا يوجب فواتها إلا خيارا بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن أو يلاحظ جانب الجزئية فإن المذكور و إن كان بصورة القيد إلا أن منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه فالمبيع في الحقيقة هو كذا و كذا جزء إلا أنه عبر عنه بهذه العبارة كما لو أخبر بوزن المبيع المعين فباعه اعتمادا علي إخباره فإن وقوع البيع علي العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن علي الفائت و بالجملة فالفائت عرفا و في الحقيقة هو الجزء و إن كان بصورة الشرط فلا يجري فيه ما مر من عدم التقابل إلا بين نفس العوضين و لأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه أرضا علي أنها جربان معينة أو صبره علي أنها أصوع معينة

[لو باع شيئا علي أنه قدر معين فتبين الاختلاف]

اشارة

و تفصيل ذلك العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم فأقسامه أربعة لأنه إما أن يكون مختلف الأجزاء أو متفقها و علي التقديرين فإما أن يزيد و إما أن ينقص

فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء

و لا إشكال في الخيار و إنما الإشكال و الخلاف في أن له الإمضاء بحصة من الثمن أو ليس له الإمضاء إلا بتمام الثمن فالمشهور كما عن غاية المرام هو الأول. و قد حكي عن المبسوط و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح و الروضة و ظاهر السرائر و إيضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء فيكون كذلك في متساوي الأجزاء بطريق أولي و يظهر من استدلال بعضهم علي الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا عنه. و عن مجمع البرهان أنه ظاهر القوانين الشرعية و وجهه مضافا إلي فحوي الرواية الآتية في القسم الثاني ما أشرنا إليه من أن كون المبيع الشخصي بذلك المقدار و إن كان بصورة الشرط إلا أن مرجعه إلي كون المبيع هذا القدر كما لو كالا طعاما فاشتراه فتبين الغلط في الكيل و لا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا خلافا لصريح القواعد و محكي الإيضاح و قواه في محكي حواشي الشهيد و الميسية و الكفاية و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد أيضا لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان غاية الأمر أنه التزم أن يكون بمقدار معين و هو وصف غير موجود في المبيع فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار إلا أنه غير موجود في الخارج مع
المكاسب، ج‌3، ص 287
أن مقتضي تعارض الإشارة و الوصف غالبا ترجيح الإشارة عرفا فإرجاع قوله بعتك هذه الصبرة علي أنها عشرة أصوع إلي قوله بعتك عشرة أصوع موجودة في هذا المكان تكلف و الجواب أن كونه من قبيل الشرط مسلم إلا أن الكبري و هي أن كل شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة فتأمل.

الثاني تبين النقص في مختلف الأجزاء

و الأقوي فيه ما ذكر من التقسيط مع الإمضاء وفاقا للأكثر لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع مضافا إلي خبر ابن حنظلة: رجل باع أرضا علي أنها عشرة أجربة فاشتري المشتري منه بحدوده و نقد الثمن و أوقع صفقة البيع و افترقا فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة أجربة قال فإن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض و إن شاء رد المبيع و أخذ المال كله إلا أن يكون له إلي جنب تلك الأرض أرضون فليوفه و يكون البيع لازما فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله الخبر. و لا بأس باشتماله علي حكم مخالف للقواعد لأن غاية الأمر علي فرض عدم إمكان إرجاعه إليها و مخالفة ظاهرة للإجماع طرح ذيله غير المسقط لصدره عن الاحتجاج خلافا للمحكي عن المبسوط و جميع من قال في الصورة الأولي بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد و لا ينقص لوجود الشرط و عدمه و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد فتبين عدمهما و زاد بعض هؤلاء ما فرق به في المبسوط بين الصورتين بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن لأن المبيع مختلف الأجزاء فلا يمكن قسمته علي عدد الجريان. و فيه أن عدم معلومية قسطه لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما يستحقه علي تقدير العلم فيمكن التخلص بصلح أو نحوه إلا أن يدعي استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة إلي التقسيط و فيه منع عدم المعلومية لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة المشخصة عشرة أجربة و يحصل فرضه و إن كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الأرض لأنه معني فرض نفس الخمسة عشرة و فرضه أيضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو أربعة تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك و إن كان ممكنا إلا أنه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض و مع اختلافها فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا علي ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة ثم إن المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة و نفي عنه البعد في التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلي المثل من الأرش.
و فيه مع منع كون نحو الأرض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد و قسطه من الثمن باق في ملك المشتري و ليس مضمونا علي البائع حتي يقدم مثله علي قيمته و أما الشيخ قدس سره فالظاهر استناده في ذلك إلي الرواية.

الثالث أن يتبين الزيادة عما شرط علي البائع

فإن دلت القرينة علي أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر أن الكل للمشتري و لا خيار و إن أريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة و عليه من حيث عدم النقيصة ففي كون الزيادة للبائع و تخير المشتري للشركة أو تخير البائع بين الفسخ و الإجازة لمجموع الشي‌ء بالثمن وجهان من أن مقتضي ما تقدم من أن اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا أن اشتراط عدم الزيادة علي المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و إخراج الزائد عن المبيع و من الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا و ليس بمنزلة الاستثناء فتخلفه لا يوجب إلا الخيار و لعل هذا أظهر مضافا إلي إمكان الفرق بين الزيادة و النقيصة مع اشتراكهما في كون مقتضي القاعدة فيها كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود النص المتقدم في النقيصة و نبقي الزيادة علي مقتضي الضابطة و لذا اختار الاحتمال الثاني بعض من قال بالتقسيط في أطراف النقيصة. و قد يحكي عن المبسوط القول بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد و المشتري لم يقصد شراء البعض و فيه تأمل.

الرابع أن يتبين في مختلف الأجزاء

و حكمه يعلم مما ذكرنا

القول في حكم الشرط الفاسد

اشارة

الكلام فيه يقع في أمور-

الأول أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعيد

اشارة

فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به علي القول بعدم فساد أصل العقد و تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلي جهالة أحد العوضين فيكون البيع غررا و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في أصل البيع كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا لأنه موجب للدور أو لعدم القصد إلي البيع الأول أو للتعبد من أجل الإجماع أو النص و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما لأن المعاملة علي هذا الوجه أكل للمال بالباطل و لبعض الأخبار

[هل الشرط الفاسد لغير إخلاله بالعقد مفسد للعقد]

اشارة

و إنما الإشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد أم يبقي العقد علي الصحة قولان حكي أولهما عن الشيخ و الإسكافي و ابن البراج و ابن سعيد و ثانيهما للعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة ممن تبعهم. و ظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا و بين غيره من الشروط الفاسدة فادعي في الأول عدم الخلاف في الفساد و الإفساد و مقتضي التأمل في كلامه أن الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور علي تسليمه و لو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف لرجوعه كالشرط المجهول إلي ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين لكن صريح العلامة في التذكرة وقوع الخلاف في الشرط غير المقدور و مثل بالمثالين المذكورين و نسب القول بصحة العقد إلي بعض علمائنا و الحق أن الشرط غير المقدور من حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين. نعم لو أوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر و ربما ينسب إلي ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض مقصود
المكاسب، ج‌3، ص 288
للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك و بين غيره. و قد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء عن التذكرة و غيرها أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا و عدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين و ظاهر ذلك كله التسالم علي صحة العقد و لو مع لغوية الشرط و يؤيد الاتفاق علي عدم الفساد استدلال القائلين بالإفساد بأن للشرط قسطا من الثمن فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر علي الإفساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط ربما يؤيد عموم محل الكلام لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل بهذا الوجه و صرح بلغوية اشتراط الكفر و الجهل بالعبادات بحيث يظهر منه صحة العقد فراجع و كيف كان

فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة

وفاقا لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه

[أدلة القائلين بالإفساد]

اشارة

عدا وجوه

أحدها ما ذكره في المبسوط للمانعين من أن للشرط قسطا من العوض مجهولا

فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من الصداق فيجب علي هذا سقوط المسمي و الرجوع إلي مهر المثل أولا منع مقابلة الشرط بشي‌ء من العوضين عرفا و لا شرعا لأن مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن غاية الأمر كون الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض و نقصانه و الشرط لم يحكم علي هذا العقد إلا بإمضائه علي النحو الواقع عليه فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين و لذا لم يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ و الإمضاء مجانا كما عرفت. و ثانيا منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض إذ ليس العوض المنضم إلي الشرط و المجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة و المجرد عنه في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الأرش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع المملوك و بلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب. و ثالثا منع كون الجهالة الطارئة علي العوض قادحة إنما القادح به هو الجهل به عند إنشاء العقد.

الثاني أن التراضي إنما وقع علي العقد الواقع علي النحو الخاص

فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيد بانتفاء القيد و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة أخري محتاجة إلي تراض جديد و إنشاء جديد و بدونه يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض. و فيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد علي وجه يحوج انتفاؤه إلي معاوضة جديدة عن تراض جديد و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك كما إذا تبين نقص أحد العوضين أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع كالكتابة و الصحة و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح فإنه لا خلاف نصا و فتوي في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه. و قد تقدم أن ظاهرهم في الشرط غير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به و تقدم أيضا أن ظاهرهم أن الشرط غير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا و دعوي أن الأصل في الارتباط هو انتفاء الشي‌ء بانتفاء ما ارتبط به و مجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي مدفوعة بأن المقصود من بيان الأمثلة أنه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد و أنه ليس التصرف المترتب علي العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا و قهرا علي المتعاقدين فما هو التوجيه في هذه الأمثلة هو التوجيه فيما نحن فيه و لذا اعترف في جامع المقاصد بأن في الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا. و الحاصل أنه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض مستندا إلي النقض بهذه الموارد و حل ذلك أن القيود المأخوذة في المطلوبات العرفية و الشرعية منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا و كون مطلوب المولي إتيان تتن الشطب لا الأصفر الصالح للنار جيل و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لأجل التنظيف فإن العرف يحكم في هذه الأمثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود فلا يقوم الحمار مقام العبد و لا الأصفر مقام التتن و لا التيمم مقام الغسل. و منها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا و التتن جيدا و الغسل بماء الفرات فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب و الظاهر أن الشرط من هذا القبيل لا من قبيل الأول فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا عن تراض. نعم غاية الأمر أن فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين و لا مانع من التزامه و إن لم يظهر منه أثر في كلام القائلين بهذا القول

الثالث [الاستدلال بالروايات]

رواية عبد الملك ابن عتبة عن الرضا ع: عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا علي أن ليس منه علي وضيعة هل يستقيم هذا و كيف هنا و ما حد ذلك قال لا ينبغي و الظاهر أن المراد الحرمة لا الكراهة كما في المختلف إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد و رواية الحسين ابن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فأشتري المتاع لأجله ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت أيضا بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير لا بأس فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية و عدم الاختيار في تركها إنما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأول و إلا فلا يلزم عليها فيصير الحاصل أنه إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الأول فكذا الثاني أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول إذ لا مفسد له غيره و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع قال:
سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلي أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا أ يحل قال إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس و دلالتها أوضح من الأولي و الجواب أما عن الأولي فبظهور لا ينبغي في الكراهة و لا مانع من كراهة البيع علي هذا النحو من أن البيع صحيح غير مكروه و الوفاء بالشرط مكروه و أما عن الروايتين فأولا بأن الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوي أهل المسجد علي خلاف قول الإمام ع في الرواية الأولي هو رجوع البأس في المفهوم إلي الشراء و لا ينحصر وجه فساده في فساد البيع لاحتمال
المكاسب، ج‌3، ص 289
أن يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول فإن العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط في متن العقد أو في الخارج فإذا التزم به أحدهما في خارج العقد الأول كان وقوعه للزومه عليه عرفا فيقع لا عن رضا منه فيفسد و ثانيا بأن غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا و هو مما لا خلاف فيه حتي ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط فلا يتعدي منه إلي غيره فلعل البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلامة أو لعدم قصد البيع كما ذكره الشهيد قدس سره أو لغير ذلك بل التحقيق أن مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا لأنه ليس مخالفا للكتاب و السنة و لا منافيا لمقتضي العقد بل الفساد في أصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط و قد أشرنا إلي ذلك في أول المسألة و لعله لما ذكرنا لم يستند إليها أحد في مسألتنا هذه و الحاصل أني لم أجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس

و يدل علي الصحة أيضا جملة من الأخبار

منها ما عن المشايخ الثلاثة

في الصحيح عن الحلبي عن الصادق ع: أنه ذكران بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقها فخيرها رسول الله ص فقال إن شاءت قعدت عند زوجها و إن شاءت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا علي عائشة أن لهم ولاءها فقال ص: الولاء لمن أعتق و حملها علي الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية إشارة و في غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة فالإنصاف أن الرواية في غاية الظهور.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي

الأولي عن أحدهما في الرجل يشتري الجارية و يشترط لأهلها أن لا يبيع و لا يهب و لا ترث قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم إلا الميراث فإن الحكم بوجوب الوفاء بالأولين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون إلا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة حتي أنه حكي عن كاشف الرموز أني لم أجد عاملا بهذه الرواية كان الأمر بالوفاء محمولا علي الاستحباب و يتم المطلوب أيضا و يكون استثناء شرط الإرث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معني لاستحباب وفاء المشتري به مع أن تحقق الإجماع علي بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع كما لا يخفي و الثانية عن أبي عبد الله ع عن الشرط في الإماء لا تباع و لا تورث و لا توهب قال: يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد الخبر فإن قوله: فإنها تورث يدل علي بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث علي الصحة بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك: كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد أي لا يعمل به أن جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع. و يؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح

و قد يستدل علي الصحة بأن صحة الشرط فرع علي صحة البيع

فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور و فيه ما لا يخفي

و الإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال

و لذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق قدس سره

[هل الشرط الفاسد يوجب الخيار للمشروط له]

ثم علي تقدير صحة العقد- ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح فإن المانع الشرعي كالعقلي فيدل عليه ما يدل علي خيار تخلف الشرط. و لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته و لكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الإجماع و أدلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة أنها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة لأن المعلوم إجمالا أنه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا فرب ضرر يترتب علي المعاملات من أجل الجهل بأحكامها خصوصا الصحة و الفساد فإن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد بأن الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك مع أن مقتضي تلك الأدلة نفي الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أم بالحكم و إن قام الدليل في بعض المقامات علي التسوية بين القاصر و المقصر فالأقوي في المقام عدم الخيار و إن كان يسبق خلافه في بادئ الأنظار.

الثاني لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد علي القول بإفساده لم يصح بذلك العقد

لانعقاده بينهما علي الفساد فلا ينفع إسقاط المفسد و يحتمل الصحة بناء علي أن التراضي إنما حصل علي العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد. و فيه أن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق كما في بيع المكره و الفضولي و أما إذا طرأ الرضا علي غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه و متعلق العقد لم يرض به و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد إسقاط الشرط قال يشترط في العمل المشروط علي البائع أن يكون محللا فلو اشتري العنب علي شرط أن يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط و البيع علي إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه و هو المانع من صحة البيع- و من اقتران البيع بالمبطل و بالجملة فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا أو إيقاف البيع بدونه فإن لم يرض بدونه بطل و الأصح انتهي و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف.

الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد

فهل يبطل العقد بذلك بناء علي أن الشرط الفاسد مفسد له أم لا وجهان بل قولان مبنيان علي تأثير الشرط قبل العقد فإن قلنا بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور و قد تقدم في الشروط لم يفسد و إلا فسد و يظهر من المسالك هنا قول ثالث قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد فلو كان في أنفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضر و لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا علي الشرط و لم يتم لهما فيبطل العقد انتهي. و في باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة أنه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره قال في المسالك أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله. نعم لو توهم لزوم ذلك أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله اتجه الفساد انتهي. ثم حكي اعتراضا علي
المكاسب، ج‌3، ص 290
المحقق قدس سره- و جوابا عنه بقوله قيل عليه إن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد لأن العقود تتبع القصود فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ و أجيب عنه بأن القصد و إن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان لتوقف البطلان علي اللفظ و القصد و كذلك الصحة و لم يوجد في الفرض ثم قال قدس سره و فيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف أحدهما كافيا في البطلان و يرشد إليه عبارة الساهي و الغالط و المكره فإن المتخلف الموجب للبطلان هو القصد و إلا فاللفظ موجود ثم قال و الذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلي البيع المترتب عليه أثر الملك للمشتري علي وجه لا يلزمه رده و إنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار نظرا إلي وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره و مروته انتهي كلامه.
أقول إذا أوقعا العقد المجرد علي النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما في البناء علي الشرط و الالتزام به إلا بالتلفظ بالشرط و عدمه فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح و الفاسد فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام علي العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل إقدامه كإقدام من يعتقد الصحة كما لا فرق في إيقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب أثر شرعي عليه و غيره. و بالجملة فالإقدام علي العقد مقيدا أمر عرفي يصدر من المتعاقدين و إن علما بفساد الشرط و أما حكم صورة نسيان ذكر الشرط فإن كان مع نسيان أصل الشرط كما هو الغالب فالظاهر الصحة لعدم الإقدام علي العقد مقيدا غاية الأمر أنه كان عازما علي ذلك لكن غفل عنه. نعم لو اتفق إيقاع العقد مع الالتفات إلي الشرط ثم طرأ عليه النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا علي تواطئهما السابق.

الرابع لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء

فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد. قال في التذكرة في باب العيب لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و قد صرح في مواضع آخر في باب الشروط بصحة العقد و لغوية الشرط و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما و مرجعه إلي لغوية الاشتراط و قد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من أحد العوضين و يشكل بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين فاللازم إما بطلان العقد و إما وجوب الوفاء كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف

الكلام في أحكام الخيار

الكلام في أحكام الخيار

الخيار موروث بأنواعه

اشارة

بلا خلاف بين الأصحاب كما في الرياض و ظاهر الحدائق- و في التذكرة أن الخيار عندنا موروث- لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص في جميع أنواعه و به قال الشافعي إلا في خيار المجلس و ادعي في الغنية الإجماع علي إرث خيار المجلس و الشرط

[الاستدلال عليه بما ورد في إرث ما ترك الميت]

اشارة

و استدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت فيورث لظاهر القرآن و تبعه بعض من تأخر عنه و زيد عليه الاستدلال بالنبوي: ما ترك الميت من حق فلوارثه. أقول

الاستدلال علي هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين في إرث ما ترك الميت يتوقف علي ثبوت أمرين

أحدهما كون الخيار حقا لا حكما شرعيا

كإجازة العقد الفضولي و جواز الرجوع في الهبة و سائر العقود الجائزة فإن الحكم الشرعي مما لا يورث و كذا ما تردد بينهما للأصل و ليس في الأخبار ما يدل علي ذلك عدا ما دل علي انتفاء الخيار بالتصرف معللا بأنه رضا كما تقدم في خيار الحيوان و التمسك بالإجماع علي سقوطه بالإسقاط فيكشف عن كونه حقا لا حكما مستغني عنه بقيام الإجماع علي نفس الحكم.

الثاني كونه حقا قابلا للانتقال

ليصدق أنه مما ترك الميت بأن لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له و إلا فمثل حق الجلوس في السوق و المسجد و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال فلا يورث و إثبات هذا الأمر بغير الإجماع أيضا مشكل و التمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق- و عدم انقطاعه بموت ذي الحق أشكل لعدم إحراز الموضوع لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق و كيف كان ففي الإجماع المنعقد علي نفس الحكم كفاية إن شاء الله تعالي.

بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلي الوارث- و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر فلا إشكال في عدم الإرث لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق و لو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة غير ذات الولد أو مطلقا بالنسبة إلي العقار و غير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلي الحبوة ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا أو عدم حرمانه كذلك وجوه بل أقوال ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلي الميت أو عنه فيرث في الأول صرح به فخر الدين في الإيضاح و فسر به عبارة والده كالسيد العميد و شيخنا الشهيد في الحواشي و رابعها عدم الجواز في تلك الصورة و الإشكال في غيرها صرح به في جامع المقاصد و لم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقا و إن أمكن توجيهه بأن ما يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معني له لأنه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شي‌ء من المثمن. و بعبارة أخري الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته عليه و لا علاقة هنا و لا سلطنة و إن كان قد انتقل إلي الميت فهو لباقي الورثة و لا سلطنة لهذا المحروم و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلطه علي ما وصل بإزائه و لكن يرد ذلك بما في الإيضاح من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كخيار الأجنبي فعمومات الإرث بالنسبة إلي الخيار لم يخرج عنها الزوجة و إن خرجت عنها بالنسبة إلي المال. و الحاصل أن حق الخيار ليس تابعا للملكية و لذا قوي بعض المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين و يضعفه أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل إلي
المكاسب، ج‌3، ص 291
الغير من حيث التسلط علي استرداده إلي نفسه أو إلي من هو منصوب من قبله كما في الأجنبي. و بعبارة أخري ملك لتملك المعوض لنفسه أو لمن نصب عنه و هذه العلاقة لا تنتقل من الميت إلا إلي وارث يكون كالميت في كونه مالكا لأن يملك فإذا فرض أن الميت باع أرضا بثمن فالعلاقة المذكورة إنما هي لسائر الورثة دون الزوجة لأنها بالخيار لا ترد شيئا من الأرض إلي نفسها و لا إلي آخر هي من قبله لتكون كالأجنبي المجعول له. نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض كان الثمن المدفوع إلي البائع متزلزلا في ملكه فيكون في معرض الانتقال إلي جميع الورثة و منهم الزوجة فهي أيضا مالكه لتملك حصتها من الثمن لكن فيه ما ذكرنا سابقا من أن الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز التسلط علي ما وصل بإزائه و عبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط الزوجة علي مال الغير و حاصله أن الميت إنما كان له الخيار و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه علي رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بإزائه فلا تنتقل هذه العلاقة إلا إلي من هو كذلك من ورثته- كما مر نظيره في عكس هذه الصورة و ليست الزوجة كذلك. و قد تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل أن أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار علي صاحبه من جهة تسلطه علي تملك ما في يده فلا يثبت بها تسلط الوكيل علي ما وصل إليه لموكله و ما نحن فيه كذلك و يمكن دفعه بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال إلي جميع الورثة اقتضي بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة و إن لم يكن لها تسلط علي نفس الأرض و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم في الوكيل أن الخيار هناك و تزلزل ملك الطرف الآخر و كونه في معرض الانتقال إلي موكل الوكيل كان متوقفا علي تسلط الوكيل علي ما في يده و تزلزل ملك الطرف الآخر هنا و كونه في معرض الانتقال إلي الورثة ثابت علي كل حال و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة فإن باقي الورثة لو ردوا الأرض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه فحق الزوجة في الثمن المنتقل إلي البائع ثابت فلها استيفاؤه بالفسخ ثم إن ما ذكر وارد علي فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة بثمن معين تشترك فيه الزوجة إلا أن يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ إلا في مقدار حصتهم من الثمن فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الإيضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد الخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض علي إشكال أقربه ذلك إن اشتري بخيار لترث من الثمن انتهي و قال في الإيضاح ينشأ الإشكال من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها و من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كالأجنبي ثم فرع المصنف أنه لو كان الموروث قد اشتري بخيار فالأقرب إرثها من الخيار لأن لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ فلو علل بإرثها دار و إلا صح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شي‌ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة و هو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه انتهي و قد حمل العبارة علي هذا المعني السيد العميد الشارح للكتاب و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد فإنه بعد بيان منشأ الإشكال علي ما يقرب من الإيضاح قال فالأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشتري أرضا بخيار فأرادت الفسخ لترث من الثمن و أما إذا باع أرضا بخيار فالإشكال حينئذ بحاله لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا و حمل الشارحان العبارة علي أن الأقرب إرثها إذا اشتري بخيار لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن بخلاف ما إذا باع بخيار و هو خلاف الظاهر فإن المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا فإن الأرض حق لباقي الوارث استحقوها بالموت فكيف تملك الزوجة إبطال استحقاقهم لها و إخراجها عن ملكهم. نعم لو قلنا إن ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار استقام ذلك و أيضا فإنها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث في ما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولي لأنها ترث حينئذ من الثمن و أقصي ما يلزم من إرثها من الخيار أن تبطل حقها من
الثمن و هو أولي من إبطال إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصوا بملكها ثم قال و الحق أن إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا و إبطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج إلي دليل نعم قوله لترث من الثمن علي هذا التقدير يحتاج إلي تكلف زيادة تقدير بخلاف ما حملا عليه انتهي. و قد تقدم ما يمكن أن يقال علي هذا الكلام ثم إن الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشتري الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة و المبيعة.

مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شي‌ء واحد غير قابل للتجزية و التقسيم

اشارة

وجوه

الأول ما اختاره بعضهم- من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا

كمورثه بحيث يكون له الفسخ في الكل و إن أجاز الباقون نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين و كذلك حق الشفعة علي المشهور و استند في ذلك إلي أن ظاهر النبوي المتقدم و غيره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك علي إرادة الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث.

الثاني استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه

فله الفسخ فيه دون باقي الحصص غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ و الإمضاء و تبعض الصفقة علي من عليه الخيار فيثبت له الخيار و وجه ذلك أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزية و كان مقتضي أدلة الإرث كما سيجي‌ء اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعين تبعضه بحسب متعلقة فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

الثالث استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار

اشارة

فيشركون فيه من دون ارتكاب تعدده بالنسبة إلي جميع المال و لا بالنسبة إلي حصة كل منهم لأن مقتضي أدلة الإرث في الحقوق غير القابلة للتجزية و الأموال القابلة لها أمر واحد فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة إلا أن التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع إلي اختصاص كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق فإنها تبقي علي حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل و لا
المكاسب، ج‌3، ص 292
في حصته فافهم.

و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع

و هو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجر الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد و ليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو متعددا كان إمضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر لأن الأول قد استوفاه و لو اتحدا زمانا كان ذلك كالإمضاء و الفسخ من ذي الخيار بتصرف واحد لا أن الفاسخ متقدم كما سيجي‌ء في أحكام التصرف

[فساد الوجه الأول]

ثم إنه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له لمنع ظهور النبوي و غيره في ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة لأن المراد بالوارث في النبوي و غيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد و الكثير و قيام الخيار بالجنس يتأتي علي الوجوه الأربعة المتقدمة كما لا يخفي علي المتأمل و أما ما ورد فيه لفظ الوارث بصيغة الجمع فلا يخفي أن المراد به أيضا إما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل علي المجموعي و الأفرادي و الأظهر هو الثاني كما في نظائره هذا كله مع قيام القرينة العقلية و اللفظية علي عدم إرادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. أما الأولي فلأن المفروض أن ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي و قيامه بالأشخاص المتعددين أوضح استحالة و أظهر بطلانا من تجزيه و انقسامه علي الورثة فكيف يدعي ظهور أدلة الإرث فيه. و أما الثانية فلأن مفاد تلك الأدلة بالنسبة إلي المال المتروك و حق المتروك شي‌ء واحد و لا يستفاد منها بالنسبة إلي المال الاشتراك و بالنسبة إلي الحق التعدد إلا مع استعمال الكلام في معنيين هذا مع أن مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة أن يكونوا كالوكلاء المستقلين فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو فسخه و لا يؤثر اللاحق فلا وجه لتقدم الفسخ علي الإجازة علي ما ذكره.

[عدم دلالة أدلة الإرث علي الوجه الثاني]

و أما الوجه الثاني فهو و إن لم يكن منافيا لظاهر أدلة الإرث من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث إلا أن تجزية الخيار بحسب متعلقة كما تقدم مما لم يدل عليه أدلة الإرث أما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح و أما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الإرث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحق أو إسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الإجازة علي طريق الإرث

[المتيقن من الأدلة هو الوجه الثالث]

و أما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته فلا يستفاد من تلك الأدلة فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع فإن اتفق المجموع علي الفسخ انفسخ في المجموع و إلا فلا دليل علي الانفساخ في شي‌ء منه-

[عدم الدليل علي المعني الثاني للوجه الثالث أيضا]

و من ذلك يظهر أن المعني الثاني للوجه الثالث و هو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع أيضا لا دليل عليه فلا يؤثر فسخ أحدهم و إن لم يجز الآخر مع أن هذا المعني أيضا مخالف لأدلة الإرث لما عرفت من أن مفادها بالنسبة إلي المال و الحق واحد و من المعلوم أن المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع

ثم إن ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد

لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة. نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما في حد القذف فإن النص قد دل علي أنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين و كذا حق القصاص فإنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية إلي أولياء المقتص منه جمعا بين الحقين

[الإشكال علي حكم المشهور في حق الشفعة و الجواب عنه]

لكن يبقي الإشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم و إن احتمله في الدروس من أحد الورثة إذا عفا عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع فإن الظاهر أن قولهم بذلك ليس لأجل دليل خارجي و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل و يمكن أن يفرق بالضرر فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين تضرر الآخر بالشركة بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف و القصاص بعفو البعض لأن الحكمة فيهما التشفي فإبطالهما بعفو أحد الشركاء إضرار علي غير العافي و هذا غير موجود فيما نحن فيه فتأمل.

ثم إن ما اخترناه من الوجه الأول- هو مختار العلامة في القواعد

بعد أن احتمل الوجه الثاني و ولده في الإيضاح و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في المسالك و حكي عن غيرهم. قال في القواعد و هل للورثة التفريق فيه نظر أقربه المنع و إن جوزناه مع تعدد المشتري و زاد في الإيضاح بعد توجيه المنع بأنه لم يكن لمورثهم الأخيار واحد أنه لا وجه لاحتمال التفريق

[كلام الشهيد في الدروس]

و قال في الدروس في باب خيار العيب لو جوزنا لأحد المشتريين الرد لم نجوزه لأحد الوارثين عن واحد لأن التعدد طار علي العقد سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره انتهي و في المسالك بعد المنع عن تفرق المشتريين في الخيار هذا كله فيما لو تعدد المشتري أما لو تعدد مستحق البيع مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث المشتري الواحد فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله انتهي

و ظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الأول من الوجوه المتقدمة

قال لو فسخ بعضهم و أجاز الآخر فالأقوي أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض و أجاز في البعض انتهي. و يحتمل أن لا يريد بذلك أن لكل منهما ملك الفسخ في الكل كما هو مقتضي الوجه الأول بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل نظير فسخ المورث في البعض و كيف كان فقد ذكر في خيار العيب أنه لو اشتري عبدا فمات و خلف وارثين فوجدا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص انتهي
و قال في التحرير لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد دون الأرش و الظاهر أن خيار العيب و خيار المجلس واحد كما تقدم عن الدروس فعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس ثم إنه ربما يحمل ما في القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق علي أنه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الإجازة بل لا بد من الفسخ أو الإجازة في الكل فلا دلالة فيها علي عدم استقلال كل منهم علي الفسخ في الكل و حينئذ فإن فسخ أحدهم و أجاز الآخر قدم الفسخ علي الإجازة و ينسب تقديم الفسخ إلي كل من منع من التفريق بل في الحدائق تصريح الأصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة علي المجيز و لازم ذلك الاتفاق علي أنه متي فسخ أحدهم الفسخ في الكل و ما أبعد بين هذه الدعوي و بين ما في الرياض من قوله و لو اختلفوا
المكاسب، ج‌3، ص 293
يعني الورثة قيل قدم الفسخ و فيه نظر لكن الأظهر في عبارة القواعد ما ذكرنا و أن المراد بعدم جواز التفريق أن فسخ أحدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب أما لو أورثا خيار العيب فلا إشكال في وجوب توافقهما فإن المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي و معناه عدم نفوذ التخالف و لا ريب أن عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما مع فسخ صاحبه بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب و أصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير ثم التذكرة. نعم ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد أقربه ذلك إن اشتري بخيار لترث من الثمن قد يدل علي أن فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه إذ استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره و كيف كان فمقتضي أدلة الإرث ثبوت الخيار للورثة علي الوجه الثالث الذي اخترناه و حاصله أنه متي فسخ أحدهم و أجاز الآخر لغا الفسخ و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم إعمال الآخر حقه و يندفع بأن الحق إذا كان مشتركا لم يجز إعماله إلا برضا الكل كما لو جعل الخيار لأجنبيين علي سبيل التوافق.

فرع إذا اجتمع الورثة كلهم علي الفسخ فيما باعه مورثهم

فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلي المشتري و إن لم يكن موجودا أخرج من مال الميت و لا يمنعون من ذلك و إن كان علي الميت دين مستغرق للتركة لأن المحجور له الفسخ بخياره و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان و لو كان مصلحتهم في الفسخ و لم يجبروا الورثة عليه لأنه حق لهم فلا يجبرون علي إعماله و لو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان من أنه ليس لهم إلا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار أو الوكيل المستناب في الفسخ و الإمضاء و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت يوفي عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعين و اشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع إلا علي وجه كونه وفاء لدين الميت و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة علي حسب سهامهم بل يجوز للغير أداء ذلك الدين بل لو كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن علي حسب سهامهم من المبيع و من أنهم قائمون مقام الميت- في الفسخ برد الثمن أو بدله و تملك المبيع فإذا كان المبيع مردودا علي الورثة من حيث إنهم قائمون مقام الميت اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث إنهم كنفس الميت كما أن معني إرثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم لا من مال الميت. ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و إن لم يوافقه الباقي و فسخ ففي انتقال المبيع إلي الكل أو إلي الفاسخ وجهان و مما ذكرنا من مقتضي الفسخ و ما ذكرنا أخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت و الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ و من هنا جرت السيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من أموالهم- و يستردون المبيع لأنفسهم من دون أن يلزموا بأداء الديون منه بعد الإخراج و المسألة تحتاج إلي تنقيح زائد.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلي موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف علي رضاه إذا لم يمنع حقا للمولي فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلي موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف علي رضاه إذا لم يمنع حقا للمولي فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار

و قد مر بيان ذلك في مسقطات الخيار و المقصود هنا بيان أنه كما يحصل إسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف فيكون التصرف إجازة فعلية كذلك يحصل الفسخ بالتصرف فيكون فسخا فعليا. و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و جماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة و غيره قدس الله أسرارهم أن التصرف إن وقع فيما انتقل عنه كان فسخا و إن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة و قد عرفت في مسألة الإسقاط أن ظاهر الأكثر أن المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا و قد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان المعللة للسقوط بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار و كذا النبوي المتقدم و مقتضي ذلك منهم أن التصرف فيما انتقل عنه إنما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ و ليكون فسخا فعليا و أما ما لا يدل علي إرادة الفسخ فلا وجه لانفساخ العقد به و إن قلنا بحصول الإجازة به بناء علي حمل الصحيحة المتقدمة علي سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا من غير أن يكون فيه دلالة عرفية نوعية علي الرضا بلزوم العقد كما تقدم نقله عن بعض إلا أن يدعي الإجماع علي اتحاد ما يحصل به الإجازة و الفسخ فكلما يكون إجازة لو ورد علي ما في يده يكون فسخا إذا ورد منه علي ما في يد صاحبه و هذا الاتفاق و إن كان الظاهر تحققه إلا أن أكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل علي اعتبار الدلالة علي الرضا في التصرف المسقط فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة علي الفسخ في التصرف الفاسخ و يدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام أيضا. قال في التذكرة أما العرض علي البيع و الإذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض بناء علي اشتراطه فيه و الهبة غير المقبوضة فالأقرب أنها من البائع فسخ و من المشتري إجازة لدلالتها علي طلب المبيع و استيفائه و هذا هو الأقوي و نحوها جامع المقاصد ثم إنك قد عرفت الإشكال في كثير من أمثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة
المكاسب، ج‌3، ص 294
في طريق الرد و نحوه مما لم يدل علي الالتزام أصلا لكن الأمر هنا أسهل بناء علي أن ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا- علي إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف. قال في التذكرة لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة فالوجه عندنا أن يكون فسخا لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح فلو لم يختر الإمساك لكان مقدما علي المعصية انتهي ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا إلي حدوث هذه الأمور عمن تردد في الفسخ و الإجازة و في جامع المقاصد عند قول المصنف قدس سره و يحصل الفسخ بوطء البائع و بيعه و عتقه و هبته قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل و تنزيل فعله علي ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز انتهي ثم إن أصالة حمل فعل المسلم علي الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما صرح به جماعة كغيرها من الأمارات الشرعية فيدل علي الفسخ لا من الأصول التعبدية حتي يقال إنها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ لما تقرر من أن الأصول التعبدية لا تثبت إلا اللوازم الشرعية لمجاريها و هنا كلام مذكور في الأصول. ثم إن مثل التصرف الذي يحرم شرعا إلا علي المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ شرعا إلا من المالك أو مأذونه و إن لم يحرم كالبيع و الإجارة و النكاح فإن هذه العقود و إن حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير إلا أنها تدل علي إرادة الانفساخ بها بضميمة أصالة عدم الفضولية كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف و الإجازة و التزويج في معني البيع و المراد بهذا الأصل الظاهر- فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ مع أنه لو أريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير فهو حاكم علي أصالة عدم الفسخ لكن الإنصاف أنه لو أريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ و كيف كان فلا إشكال في إناطة الفسخ بذلك عندهم كالإجازة بدلالة التصرف عليه و يؤيده استشكالهم في بعض أفراده من حيث دلالته بالالتزام علي الالتزام بالبيع أو فسخه و من حيث إمكان صدوره عمن تردد في الفسخ كما ذكره في الإيضاح و جامع المقاصد- و في وجه إشكال القواعد في كون العرض علي البيع و الإذن فيه فسخا. و مما ذكرنا يعلم أنه لو وقع التصرف فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير أو اعتمادا علي شهادة الحال بالإذن لم يحصل الفسخ بذلك.

مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به

اشارة

و بعبارة أخري التصرف سبب أو كاشف فيه وجهان بل قولان من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا أو إجازة و أنه فسخ فعلي في مقابل القولي و ظهور اتفاقهم علي أن الفسخ بل مطلق الإنشاء لا يحصل بالنية بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل. و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح و من المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع الفسخ قبله و إلا لوقع الجزء الأول منه محرما و يمكن أن يحمل قولهم بكون التصرف فسخا علي كونه دالا عليه و إن لم يتحقق به و هذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول. و يؤيده ما دل من الأخبار المتقدمة علي كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار و إن اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس و صرح به في التذكرة أيضا حيث ذكر أن قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف رضا بالعقد فمقتضي المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرف و يؤيده أنهم ذكروا أنه لا تحصل الإجازة بسكوت البائع ذي الخيار علي وطء المشتري معللا بأن السكوت لا يدل علي الرضا فإن هذا الكلام ظاهر في أن العبرة بالرضا. و صرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره فاقتصر في الإجازة علي مجرد الرضا و أما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنية فمرادهم بها نية الانفساخ أعني الكراهة الباطنية لبقاء العقد و البناء علي كونه منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل مقارن له و أما مع اقترانها بالفعل فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل إذ كلما يكفي فيه الفعل من الإنشاءات و لا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل لأن الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه نعم يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصل لأن اللفظ أبدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال علي الفسخ. و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة- أن اللازم بناء علي القول بتضمن الوطي للفسخ عود الملك إلي الواطئ مع الوطي أو قبيله فيكون حلالا هذا

و كيف كان فالمسألة ذات قولين

اشارة

ففي التحرير قوي جهة الوطي الذي يحصل به الفسخ و أن الفسخ يحصل بأول جزء منه فيكشف عن عدم الفسخ قبله و هو لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع و عن المبسوط و المهذب و الجامع و الحكم في باب الهبة و الخيار واحد- و توقف الشهيد في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحل نظرا إلي حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن

[ثمرة القولين في المسألة]

ثم إنه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الأفعال فلا إشكال في وقوعها في ملك الفاسخ فيترتب عليها آثارها فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه علي العين لمصادفتهما للملك و لو قلنا بحصوله بنفس الأفعال فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. و قد يقرر المانع بما في التذكرة عن بعض العامة من أن الشي‌ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا يشرع بها في الصلاة و بأن البيع موقوف علي الملك الموقوف علي الفسخ المتأخر عن البيع و أجاب في التذكرة عن الأول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و العقد لشي‌ء واحد بالنسبة إلي شيئين و أجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و أن الدور معي و قال في الإيضاح إن الفسخ يحصل بأول جزء من العقد و زاد في باب الهبة قوله فيبقي المحل قابلا لمجموع العقد انتهي و قد يستدل للصحة- بأنه إذا وقع العقد علي مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره ثم ملكه

[رأي المصنف في المسألة]

اشارة

أقول إن قلنا بأن المستفاد من أدلة توقف البيع و العتق علي الملك نحو قوله لا بيع إلا في ملك و لا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع الإنشاء في ملك المنشئ فلا مناص عن القول بالبطلان لأن صحة العقد حينئذ يتوقف علي تقدم تملك
المكاسب، ج‌3، ص 295
العاقد علي جميع أجزاء العقد لتقع فيه فإذا فرض العقد أو جزء من أجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه لأن المسبب إنما يحصل بالجزء الأخير من سببه فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزية سببا للتملك كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء و إلا لزم تقدم وجود المسبب علي السبب و الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود فلا يكون سببا مع أن غاية الأمر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك. و قد عرفت أن الشرط بمقتضي الأدلة سبب التملك علي جميع أجزاء العقد قضاء لحق الظرفية و أما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانيا بناء علي ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف لزوم العقد المذكور علي الإجازة إلا أن يقال إن المتوقف علي الإجازة عقد الفضولي و بيعه للمالك و أما بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب فلا يحتاج إلي الإجازة بعد العقد لكن هذا علي تقدير القول به و الإغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في مثل العتق غير القابل للفضولي و إن قلنا إن المستفاد من تلك الأدلة هو عدم وقوع البيع في ملك الغير المؤثر في نقل مال الغير بغير إذنه فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير لا وقوع بعض أجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل إلي البائع بأول جزء منه و هذا لا يخلو عن قوة إذ لا دلالة في أدلة اعتبار الملكية في المبيع الأعلي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا و الحصر في قوله لا بيع إلا في ملك إضافي بالنسبة إلي البيع في ملك الغير أو في غير ملك كالمباحات الأصلية فلا يعم المستثني منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع هذا مع أنه يقال إن المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد لأن العرف لا يفهمون من لفظ البيع إلا هذا المعني المأخوذ في قولهم بعت و حينئذ فالفسخ الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد و النقل و التملك العرفي يحصل بتمامه فيقع النقل في الملك و كذا الكلام في العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان أو إيقاعا و لعل هذا معني ما في الإيضاح من أن الفسخ يحصل بأول جزء و بتمامه يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ و الأكل و نحوهما لا وجه لجواز الجزء الأول منها فإن ظاهر قوله تعالي إِلَّا عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اعتبار وقوع الوطي فيما اتصف بكونها مملوكة فالوطي المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا و توهم أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان أو فعلا فاسد فإن معني جواز الفسخ لأجل الخيار الجواز الوضعي أعني الصحة لا التكليفي فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ كما لا يخفي مع أنه لو فرض دلالة دليل الفسخ علي إباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك علي حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه و بين ما دل علي عدم جواز ذلك التصرف إلا إذا وقع في الملك و بالجملة

فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة لا يخلو عن قوة

و به يرتفع الإشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا و هذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين ثانيا في مجلس الصرف و قال إن شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس مع أن الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف علي الملك لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك

فرع لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقهما

فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد لأن الفسخ مقدم علي الإجازة و فيه أنه لا دليل علي التقديم في مثل المقام مما وقع الإجازة و الفسخ من طرف واحد دفعة سواء اتحد المجيز و الفاسخ كما في المقام أو تعدد كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة إنما المسلم تقديم الفسخ الصادر من أحد الطرفين علي الإجازة الصادرة من الطرف الآخر لأن لزوم العقد من أحد الطرفين بمقتضي إجازته لا ينافي انفساخه بفسخ الطرف الآخر كما لو كان العقد جائزا من أحدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف الآخر بخلاف اللزوم و الانفساخ من طرف واحد و نحوه في الضعف القول بعتق العبد لأن الإجازة إبقاء للعقد- و الأصل فيه الاستمرار و فيه أن عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس نعم الأصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق أصلا و هو الأقوي كما اختاره جماعة منهم العلامة في التذكرة و القواعد و المحقق الثاني في جامع المقاصد لأن عتقهما معا لا ينفذ لأن العتق لا يكون فضوليا و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل لأن ملك أحدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك- و لو كان الخيار في الفرض المذكور للبائع العبد بني عتق العبد علي جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار و عتق الجارية علي جواز عتق الفضولي و الثاني غير صحيح اتفاقا و سيأتي الكلام في الأول و إن كان الخيار لهما ففي القواعد و الإيضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا لأن عتق العبد من حيث إنه إبطال لخيار بائعه غير صحيح بدون إجازة البائع و معها يكون إجازة منه لبيعه و الفسخ مقدم علي الإجازة و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشتري بالخيار أن عتق كل من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع كان الحكم كما في تلك الصورة

مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ

[القول بالمنع]

علي قول الشيخ و المحكي عن ابن سعيد في جامع الشرائع و ظاهر جماعة من الأصحاب منهم العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة إلي الورثة أن حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر و عن جماعة في مسألة وجوب الزكاة علي المشتري للنصاب بخيار للبائع أن المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع بل ظاهر المحكي عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري فيه حتي ينقضي خيار البائع و ستجي‌ء عبارة الدروس هذا و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبني
المكاسب، ج‌3، ص 296
علي عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة

[القول بالجواز]

و الموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد و كذا ظاهره في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار نعم استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين علي وجه يظهر منه أن المصنف معترف بمنشإ الإشكال و كذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن و إن اعترض عليه جامع المقاصد بما مر من المسالك لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف و كذا صريح كلام الشهيد في الدروس حيث قال في باب الصرف لو باع أحدهما ما قبضه علي غير صاحبه قبل التفرق فالوجه الجواز وفاقا للفاضل و منعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره و رد بأنا نقول ببقاء الخيار انتهي و صرح في المختلف في باب الصرف بأن له أن يبيع ماله من غير صاحبه و لا يبطل حق خيار الآخر كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع و هو ظاهر اللمعة بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار و إن شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا و يمكن أن يقال إن قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشأه القول بعدم انتقال المبيع و متفرعا عليه و إلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم إبطال حق الخيار بل المتعين حينئذ الاستناد إلي عدم حصول الملك مع وجود الخيار بل لعل القول بعدم انتقال منشأه- كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم كما يظهر من بيان مبني هذا الخلاف في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعني الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و أن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار انتهي. و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين إلا أن يراد به نفوذ التصرف علي وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ و التصرف في زمن الخيار علي القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة و هذا الاحتمال و إن بعد عن ظاهر عبارة الدروس إلا أنه يقربه أنه قدس سره قال بعد أسطر إن في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين و الحاصل أن كلمات العلامة و الشهيد بل و غيرهما قدس سرهم في هذا المقام لا يخلو بحسب الظاهر عن اضطراب

[عدم الفرق بين العتق و غيره]

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه علي التغليب و كذا الظاهر عدم الفرق بين الإتلاف و التصرفات الناقلة

[الفرق بين الإتلاف و غيره]

و اختار بعض الأفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الإتلاف و تجويز غيره لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار و قيل بانفساخه من حينه

حجة القول بالمنع

اشارة

أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث إرجاعهما بحل العقد إلي ملكهما السابق فالحق بالأخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه إلي صاحبه فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق بإتلافها أو نقلها إلي شخص آخر و منه يظهر أن جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلي البدل لا يوجب جواز الإتلاف لأن الحق متعلق بخصوص العين فإتلافها إتلاف لهذا الحق و إن انتقل إلي بدله لو تلف بنفسه كما أن تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز إتلافها علي ذي الحق و إلي ما ذكر يرجع ما في الإيضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الإبطال.
و يؤيد ما ذكرنا أنهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار فإن تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف لعدم الالتزام بالعقد و إرادة الفسخ بأخذ القيمة

[المناقشة في الحجة المذكورة]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع لكنه لا يخلو عن نظر فإن الثابت من خيار الفسخ- بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار علي فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار علي حكم التصرف جوازا و منعا فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس علي أموالهم أ لا تري أن حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين و مجرد الفرق بينهما بأن الشفعة سلطنة علي نقل جديد فالملك مستقر قبل الأخذ بها غاية الأمر تملك الشفيع نقله إلي نفسه بخلاف الخيار فإنها سلطنة علي رفع العقد و إرجاع الملك إلي الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور مع أن الملك في الشفعة أولي بالتزلزل لإبطالها تصرفات المشتري اتفاقا و أما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل علي وجوب إبقائه و عدم السلطنة علي إتلافه مضافا إلي النص و الإجماع علي حرمة التصرف في الرهن مطلقا و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا و أما سقوط الخيار بالتصرف الذي أذن فيه ذو الخيار فلدلالة العرف لا للمنافاة. و الحاصل أن عموم الناس مسلطون علي أموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار يزاحم به سلطنة المالك فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية.

و أما الخيارات المجعولة بالشرط

فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليسترده عند الفسخ بل الحكمة في أصل الخيار هو إبقاء السلطنة علي استرداد العين إلا أنها في الخيارات المجعولة علة للجعل و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف كما لا يخفي

[حكم الإتلاف و فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف]

و عليه فيتعين الانتقال إلي البدل عند الفسخ مع الإتلاف و أما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعي كالعقلي وجهان أقواهما الثاني و هو اللائح من كلام التذكرة من باب الصرف حيث ذكر أن صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين

[حكم ما لو نقله عن ملكه]

و منه يعلم حكم نقله عن ملكه و أنه ينتقل إلي البدل لأنه إذا جاز التصرف فلا داعي إلي إهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم و تسلط العاقد الثاني علي ماله عدا ما يتخيل من أن تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الأول فإذا ارتفع بالفسخ و صار كأن لم يكن و لو بالنسبة إلي ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه من التصرفات و العقود. و الحاصل أن العاقد الثاني
المكاسب، ج‌3، ص 297
يتلقي الملك من المشتري الأول فإذا فرض الاشتراء كأن لم يكن و ملك البائع الأول العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني و يمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند إلي تملك المشتري له آنا ما لأن مقتضي سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات و اقتضاء الفسخ لكون العقد كأن لم يكن بالنسبة إلي ما بعد الفسخ لأنه رفع للعقد الثابت و قد ذهب المشهور إلي أنه لو تلف أحد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض انفسخ البيع الأول دون الثاني و استحق بدل العوض المبيع ثانيا علي من باعه و الفرق بين تزلزل العقد من حيث إنه أمر اختياري كالخيار أو أمر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه غير مجد فيما نحن بصدده ثم إنه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا لأن جواز العقد يوجب سلطنة العاقد علي فسخه لا سلطنة الثالث الأجنبي

[هل يلزم العاقد بالفسخ]

نعم يبقي هنا إلزام العاقد بالفسخ بناء علي أن البدل للحيلولة و هي مع تعذر المبدل و مع التمكن يجب تحصيله إلا أن يقال باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا علي ملك مستحق البدل كما في المغصوب الآبق أما فيما نحن فيه فإن العين ملك للعاقد الثاني- و الفسخ إنما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض و هو العاقد الأول فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثاني فيستقر بدله علي العاقد الأول و لا دليل علي إلزامه بتحصيل المبدل مع دخوله في ملك ثالث و قد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن هذا و لكن قد تقدم أن ظاهر عبارة الدروس و الجامع الاتفاق علي عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان الخيار و توجيهه بإرادة التصرف علي وجه لا يستعقب الضمان بأن يضمنه ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيدا جدا و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع إلي البدل إلا في مسألة العتق و الاستيلاد فالمسألة في غاية الإشكال.

[هل يكون انفساخ العقد الثاني علي القول به من حين فسخ الأول أو من أصله]

ثم علي القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الأول أو من أصله قولان اختار ثانيهما بعض أفاضل المعاصرين محتجا بأن مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين فلا يجوز أن يتلقي الفاسخ الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأول و رجوع العين إلي ملك المالك الأول ليخرج منه إلي ملك الفاسخ إلا أن يلتزم بأن ملك العاقد الثاني إلي وقت الفسخ فتلقي الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الأول و رده بعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

[هل يجوز التصرف قبل تنجز الخيار أم لا]

ثم إن المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف علي القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا كالمجلس و الثلاثة في الحيوان و الزمان المشروطة فيه الخيار و أما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار إما لعدم تحقق سببه كما في خيار التأخير بناء علي أن السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر إلي أزيد من الثلاث و إما لعدم تحقق شرطه كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن بناء علي كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله و كاشتراط الخيار في زمان متأخر ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه وجهان من أن المانع عن التصرف هو تزلزل العقد و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا و إن لم يقدر ذو الخيار علي الفسخ حينئذ و من أنه لا حق بالفعل لذي الخيار فلا مانع من التصرف و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف علي حضور الزمان و المتوقف علي شي‌ء آخر كالتأخير و الرؤية علي خلاف الوصف لأن ثبوت الحق في الأول معلوم و إن لم يحضر زمانه بخلاف الثاني و لذا لم يقل أحد بالمنع من التصرف في أحد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض و سيجي‌ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل و علي كل حال فالخيار المتوقف تنجزه فعلا علي ظهور أمر كالغبن و العيب و الرؤية علي خلاف الوصف غير مانع من التصرف بلا خلاف ظاهرا

فرعان‌

الأول لو منعا عن التصرف المتلف في زمن الخيار فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين

كوطئ الأمة في زمان الخيار بناء علي أن الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين أكثرهم علي الجواز كالعلامة في القواعد و الشارح في جامع المقاصد و حكي عن المبسوط و الغنية و الخلاف لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك علي انقضاء الخيار كما اعترف به في الإيضاح و لذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطي علي ما إذا خص الخيار بالواطي لكن قيل إن عبارة المبسوط لا تقبل ذلك و ظاهر المحكي عن التذكرة و ظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطي معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

الثاني أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار- بدون إذن ذي الخيار

اشارة

فيه وجهان من كونه ملكا له و من إبطال هذا التصرف- لتسلط الفاسخ علي أخذ العين إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء منفعة و لو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الإجارة لأن المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة فإذا استوفاها المشتري بالإجارة فلا وجه لرجوعها إلي الفاسخ بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة كما إذا باعه بعد الإجارة و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من الموقوف عليه لأن البطن الثاني لا يتلقي الملك منه حتي يتلقاه مسلوب المنفعة بل من الواقف كالبطن الأول فالملك ينتهي بانتهاء استعداده. فإن قلت إن ملك المنفعة تابع لملك العين بمعني أنه إذا ثبت الملكية في زمان و كان زوالها بالانتقال إلي آخر ملك المنفعة الدائمة لأن المفروض أن المنتقل إليه يتلقي الملك من ذلك المالك فيتلقاه مسلوب المنفعة و أما إذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقي عن المالك الأول و مستندا إليه بل كان مستندا إلي ما كان قبل تملك المالك الأول فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الأول من الموقوف عليه فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه قلت أولا إنه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع عدم التزام أحد ببطلان الإجارة و ثانيا إنه يكفي في ملك المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع آنا ما ثم إن فاضل القمي في بعض أجوبة مسائله جزم ببطلان الإجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن و علله بأنه يعلم بفسخ البيع أن المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ و أن الإجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة إلي فسخ البيع انتهي فإن كان مرجعه إلي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعا لبقاء الملك أو الملك المستند إلي ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا و حلا و أن المنفعة تابعة للملك
المكاسب، ج‌3، ص 298
المستعد للدوام و إن كان مرجعه إلي شي‌ء آخر فليبين حتي ينظر فيه مع أن الأصل عدم الانفساخ لأن الشك في أن حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة أم لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله كما إذا تقايلا البيع بعد الإجارة ثم إنه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار و إنه يسقط خياره بهذا التصرف- إما لدلالة الإذن علي الالتزام بالعقد عرفا و إن لم يكن منافاة بين الإذن في التصرف و الإتلاف و إرادة الفسخ و أخذ القيمة كما نبهنا عليه في المسألة السابقة و به يندفع الإشكال الذي أورده المحقق الأردبيلي من عدم دلالة ذلك علي سقوط الخيار و إما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين بإذن صاحبه فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوط عنه و لو أذن و لم يتصرف المأذون ففي القواعد و التذكرة أنه يسقط خيار الإذن و عن الميسية أنه المشهور قيل كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة إلي دلالة مجرد الإذن و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف. و قد منع دلالة الإذن المجرد في المسالك و جامع المقاصد و القواعد

[رأي المؤلف]

و الأولي أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف و لأن إباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل علي الفسخ كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا إلا بجعلها فسخا و أما كون إذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة و إسقاطا لخياره فيمكن الاستشكال فيه لأن الثابت بالنص و الإجماع أن التصرف عن إذنه لا لأجل تحقق الإسقاط من ذي الخيار بالإذن بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت من أن التصرف الواقع بإذنه صحيح نافذ و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق فالإذن فيما نحن فيه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن لا يسقط به حق الرهانة و يجوز الرجوع قبل البيع نعم يمكن القول بإسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل الجارية و قد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري سقط خياره و يؤيده رواية السكوني في كون العرض علي البيع التزاما فهذا القول لا يخلو عن قوة.

مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد-

اشارة

و أثر الخيار تزلزل الملك بسبب القدرة علي رفع سببه فالخيار حق لصاحبه في ملك الآخر و حكي المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد علي انقضاء الخيار و إطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري و صرح في التحرير بشموله لذلك لكن الشهيد في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعني الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض من الخيار الاستدراك و هو لا ينافي الملك و أن غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار و ربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك علي انقضاء الخيار انتهي.

[ما هو رأي الشيخ الطوسي في المسألة]

فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين علي عدم توقف ملك المشتري علي انقضاء خياره عند الشيخ بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط

[كلام الشيخ في الخلاف]

قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الإيجاب و القبول فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان و إن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم و إن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد لكنه لم ينتقل إلي المشتري حتي ينقضي الخيار فإن انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد الأول انتهي. و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعني عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الأصيل إذا وقع مع الفضولي و بين عدم انتقاله إلي المشتري بحسب الظاهر حتي ينقضي خياره فإذا انقضي ملك بسبب العقد الأول بمعني كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير إجازة عقد الفضولي و لا يرد حينئذ عليه أن اللازم منه بقاء الملك بلا مالك و حاصل هذا القول أن الخيار يوجب تزلزل الملك و يمكن حمله أيضا علي إرادة الملك اللازم الذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه فوافق المشهور و لذا عبر في غاية المراد بقوله و يلوح من كلام الشيخ توقف الملك علي انقضاء الخيار و لم ينسب ذلك إليه صريحا

[كلام الشيخ في المبسوط]

و قال في المبسوط البيع إن كان مطلقا غير مشروط فإنه يثبت بنفس العقد و يلزم بالتفرق بالأبدان و إن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد و إن كان مشروطا بشرط لزم بانقضاء الشرط و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشتري لكن قال في باب الشفعة إذا باع شقصا بشرط الخيار فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه و إن كان الخيار للمشتري وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد و له المطالبة بعد انقضاء الخيار و حكم خيار المجلس و الشرط في ذلك سواء علي ما فصلناه و لعل هذا مأخذ ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس هذا و لكن الحلي قدس سره في السرائر ادعي رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف و يمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور مثل استدلاله في مواضع علي المنع عن التصرف في مدة الخيار بأن فيه إبطالا لحق ذي الخيار كما في مسألة بيع أحد النقدين علي غير صاحبه في المجلس و في مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بإبطال حق ذي الخيار من الخيار لأن التعليل بوجود المانع في مقام فقد المقتضي كما تري و منها أنه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن شروعهما في البيع قطع للخيار مع أنه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم وقوعه في الملك فلو لا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا لوقوعه في غير الملك علي ما ذكرنا في الهبة و ربما ينسبه إلي المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار أحد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا حيث حكم بأن له الخيار في
المكاسب، ج‌3، ص 299
الإجازة و الفسخ لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد انتهي لكن النسبة لا تخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة و قال ابن سعيد قدس سره في الجامع علي ما حكي عنه إن المبيع يملك بالعقد و بانقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري إلا بعد انقضاء خيار البائع انتهي و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا

[الأقوي رأي المشهور و الاستدلال عليه]

اشارة

و كيف كان فالأقوي هو المشهور لعموم أدلة حل البيع و أكل المال إذا كانت تجارة عن تراض و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة- لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم ع: البيعان بالخيار و ما دل علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلي ما لا يحل له قبل ذلك فإنه يدل علي الحل بعد العقد في زمن الخيار إلا أن يلتزم بأنه نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع و يدل عليه ما تقدم في أدلة بيع الخيار بشرط رد الثمن من كون نماء المبيع للمشتري و تلفه منه فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم و هو الملك إلا أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار بل من باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن و قد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال و ما يشهد له من بعض العنوانات لكن تقدم أنه بعيد في الغاية أو يقال إن النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن و إن ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد في أدلة بيع الخيار إلا أن الرواية قابلة للحمل عليه إلا أن يتمسك بإطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من أول العقد في فسخه مقيدا برد مثل الثمن هذا مع أن الظاهر أن الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل أيضا

[الاستدلال للقول المشهور بالأخبار الواردة في العينة و المناقشة فيه]

و ربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة- و هي أن يشتري الإنسان شيئا بنسيئة ثم يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية لأن بيعها علي بائعها الأول و إن كان في خيار المجلس أو الحيوان إلا أن بيعه عليه مسقط لخيارهما اتفاقا و قد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك مع منعه عن بيعه علي غير صاحبه في المجلس نعم بعض هذه الأخبار يشتمل علي فقرات يستأنس بهذا لمذهب المشهور مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به: قلت أشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك فإن في ذيلها دلالة علي انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها أيضا عند التأمل لما عرفت من أن هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيارهما بالتواطي علي هذا البيع كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذب بذلك عن الإشكال المتقدم نظيره سابقا من أن الملك إذا حصل بنفس البيع الثاني مع أنه موقوف علي الملك للزم الدور الوارد علي من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ و حينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله اشتري متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق و يكون جواب الإمام ع مبنيا علي جواز بيعه علي البائع لأن تواطؤهما علي البيع الثاني إسقاط للخيار من الطرفين كما في صريح المبسوط. فقوله ليس هو متاعك إشارة إلي أن ما ينتقل إليك بالشراء إنما انتقل إليك بعد خروجه عن ملك بتواطئكما علي المعاملة الثانية المسقط لخيار كما لا بنفس العقد و هذا المعني في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثم لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستيناس لم يدفع به إلا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفي و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو بنسيئة فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه فإن الظاهر أن قوله إنما يشتريه إلخ إشارة إلي أن هذا ليس من بيع ما ليس عنده و أن بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الأول فقوله بعد ما يملكه إشارة إلي استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم ع في أخبار أخر واردة في هذه المسألة و لا توجب البيع قبل أن تستوجبه مع أن الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل إلي مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه إلي منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك فيلزم العقد الأول بالتفرق و لو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا علي سقوط خياره و يسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع و بالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة علي أن تملكه بنفس العقد مع أنها علي تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف كما لا يخفي

[ضعف ما استدل به في التذكرة أيضا]

و نحوه في الضعف الاستدلال في التذكرة بما دل علي مال العبد المشتري لمشتريه مطلقا أو مع الشرط أو علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه أن الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشتري علي نحو ثبوت العبد له و أنه يدخل في شراء العبد حتي إذا ملك العبد ملك ماله مع أن الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري و التمسك بإطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما تري

[أشد ضعفا من الكل]

و أشد ضعفا من الكل ما قيل من أن المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك كما عند المشهور فثبت المطلوب أو باطلة من أصلها أو أنها صحيحة إلا أنها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه. توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد لكن الإنشاء لما كان علة لتحقق المنشئ عند تحققه كان الداعي علي الإنشاء حصول المنشئ عنده لكن العلية إنما هو عند العرف فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا إلي تحقق شرائط أخر بعده كالقبض في السلم و الصرف و انقضاء الخيار في محل الكلام فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان لكنه عرفا علة تامة لمضمونه و إمضاء الشارع له تابع لمقتضي الأدلة فليس في تأخير الإمضاء تخلف أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد و إنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين و لا ضرر فيه و قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفة أو ناقلة

[الاستدلال برواية الخراج بالضمان و المناقشة فيه]

و قد يستدل أيضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوي للخاصة و العامة علي جهة الاستناد إليه و هو أن الخراج بالضمان بناء علي أن المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري فخراجه له و هي علامة ملكه و فيه أنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك علي انقضاء الخيار القول بكون ضمانه علي المشتري حتي يكون نماؤه له.

[العمدة في قول المشهور]

و قد ظهر بما ذكرنا أن العمدة في قول المشهور عموم أدلة حل البيع و
المكاسب، ج‌3، ص 300
التجارة عن تراض و أخبار الخيار

و استدل للقول الآخر- بما دل علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار

اشارة

فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك لأنه مقابل الخراج علي كونه في ملك البائع مثل صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلي يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل اشتري أمة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن علي من يكون ضمان ذلك قال ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه و مرسلة ابن رباط: إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع و النبوي المروي في قرب الإسناد: في العبد المشتري بشرط فيموت قال يستحلف بالله ما رضيه ثم هو بري‌ء من الضمان

[المناقشة في الاستدلال المذكور]

و هذه الأخبار إنما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مع اختصاص الخيار و قد عرفت أن ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع و علي أي حال فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلة المسألة- فيرجع بعد التكافؤ إلي أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات أعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر

[هل القول بالتوقف يشمل الخيار المنفصل]

ثم إن مقتضي إطلاق ما تقدم من عبارتي المبسوط و الخلاف من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد كما إذا شرط الخيار من الغد كما أن مقتضي تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط و الحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضا فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها.

[اختصاص محل الكلام بخياري الحيوان و الشرط]

و مما يدل علي الاختصاص أن ما ذكر من الأدلة مختصة بالخيارين و أن الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار الزماني و أما خيار المجلس فالظاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة و لقوله في الاستبصار إن العقد سبب لاستباحة الملك إلا أنه مشروط بأن يتفرقا بالأبدان و لا يفسخا العقد و لنص الشيخ في الخلاف و المبسوط علي أن التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به و مراده من اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا يخفي مع أن ظاهر عبارة الدروس المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف أن كل خيار يمنع من التصرف في المبيع فهو داخل فيما يتوقف الملك علي انقضائه و كذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع. و قد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط أن خيار المجلس مانع عن التصرف في أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و إخوته عن محل الكلام فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها فلا بد أن يقول الشيخ باللزوم و الملك قبل الظهور و الخروج عن الملك بعد الظهور و تنجز الخيار و هذا غير لائق بالشيخ فثبت أن دخولها في محل الكلام مستلزم إما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار و إما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله و كلاهما غير لائق بالالتزام مع أن كلام العلامة في المختلف كالصريح في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب لأنه ذكر في الاستدلال أن المقتضي للملك موجود و الخيار لا يصلح للمنع كما في بيع العيب و ذكر أيضا أنه لا منافاة بين الملك و الخيار كما في المعيب و قد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط أيضا بأنه إذا اشتري شيئا فحصل منه نماء ثم وجد به عيبا رده دون نمائه محتجا بالإجماع و بالنبوي: الخراج بالضمان و سيجي‌ء تتمة ذلك إن شاء الله تعالي.

مسألة و من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة

اشارة

علي المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد و توضيح هذه المسألة أن الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا إشكال و لا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع- و يدل عليه ما تقدم في المسألة السابقة من الأخبار- و كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك لقوله ع في ذيل صحيحة ابن سنان: و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال بائعه و لو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع فظاهر قوله ع: حتي ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري كذلك بناء علي أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق علي خيار المجلس في الأخبار بل ظاهره أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري و اختصاصه به بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه و إلي هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم في السرائر حيث قال فكل من كان له خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد و الذي له الخيار ما استقر عليه العقد و لزم فإن كان الخيار للبائع دون المشتري و كان المتاع قد قبضه المشتري و هلك في يده كان هلاكه من مال المشتري دون البائع لأن العقد مستقر عليه و لازم من جهته

[قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له]

و من هنا يعلم أنه يمكن بناء علي فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار فتثبت القاعدة المعروفة من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له من غير فرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن كما يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب بل نسبه جماعة إلي إطلاق الأصحاب.

[كلمات الفقهاء في المسألة]

اشارة

قال في الدروس في أحكام القبض و بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض إذا لم يكن له خيار انتهي فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض و نحوه كلامه قدس سره في اللمعة و في جامع المقاصد في شرح قول المصنف و لو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شي‌ء له و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره و لم أظفر في كلام المصنف و غيره بشي‌ء في ذلك انتهي. و قال في شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين مقتضي إطلاق كلامهم أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري انفسخ البيع لاختصاص الخيار بالمشتري ثم تردد فيه و في خيار الرؤية و في المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم و أن الحادث في أيام خيار الحيوان مضمون علي البائع قال و كذا كل خيار مختص بالمشتري و عن مجمع البرهان
المكاسب، ج‌3، ص 301
في مسألة أن تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا إلي عموم قاعدة تلف المال قبل القبض أن هذه القاعدة معارضة بقاعدة أخري و هي أن تلف المال في الخيار المختص بالبائع من مال المشتري فإن الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الأصحاب و صرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا بعمومها من جهات أخري

[ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن]

و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن و لا بين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشتري و لذا نفي في الرياض الخلاف في أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له و في مفتاح الكرامة أن قولهم التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة لا خلاف فيها ثم ذكر فيه تبعا للرياض أن الحكم في بعض أفراد المسألة مطابق للقاعدة

[الإنصاف عدم شمول كلماتهم لمطلق الخيار]

لكن الإنصاف أنه لم يعلم من حال أحد من معتبري الأصحاب الجزم بهذا التعميم فضلا عن اتفاقهم عليه فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني و هو الخيار الذي ذهب جماعة إلي توقف الملك علي انقضائه لا مطلق الخيار ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها أ لا تري أنهم اتفقوا علي أنه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا علي البائع و لو كان الموت بعد العلم بالعيب أ لا تري أن المحقق الثاني ذكر أن الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري كان من ضمان البائع و أما ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله و لو تعيب قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال حيث اعترف فيه بأنه لم يظفر علي شي‌ء مع أنه ذكر في شرح قول المصنف في باب العيوب و كل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة نفي ذلك الاحتمال علي وجه الجزم حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان و كذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرطة له و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا علي القول بالفورية لا خيار العيب لأن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا انتهي و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه إلا ما أشرنا إليه من أن مناط خروج المبيع عن ضمان البائع علي ما يستفاد من قوله ع: حتي ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار و صيرورة المبيع مختصا بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه فيدل علي أن كل من له شرط و ليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه فهو غير ضامن له حتي ينقضي شرطه و يصير مختصا به لازما عليه

[عدم شمول صحيحة ابن سنان لمطلق الخيار أيضا]

و في الاعتماد علي هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه لأن ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما علي المشتري ثابتا من أول الأمر كما يظهر من لفظة حتي الظاهرة في الابتداء و هذا المعني مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط و لو كان منفصلا بناء علي أن البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط و لذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه. و أما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشتري و تبعض الصفقة فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد. و الحاصل أن ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلي أن يصير المبيع لازما علي المشتري و هذا مختص بالبيع المتزلزل من أول الأمر فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض ثم يرجع بعد عروض التزلزل إلي ضمان البائع فاتضح بذلك أن الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة علي تأمل في خيار المجلس

ثم إن مورد هذه القاعدة إنما هو ما بعد القبض

و أما قبل القبض فلا إشكال و لا خلاف في كونه من البائع من غير التفات إلي الخيار فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.

و أما عموم الحكم للثمن و المثمن

بأن يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد نظرا إلي المناط الذي استفدناه- و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة مضافا إلي استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض و توهم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض و بعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة لأن المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله نعم هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ و حيث ثبت المخالفة قبل القبض فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار نعم يبقي هنا أن هذا مقتضي لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري- فينفسخ البيع و يرد المبيع إلي البائع و التزام عدم الجريان من حيث إن الخيار في ذلك البيع إنما يحدث بعد رد الثمن أو مثله فتلف الثمن في مدة الخيار إنما يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما أشرنا إليه سابقا من منع ذلك مع أن المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلي ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق و لو بالخيار المنفصل كما أشرنا سابقا

[جريان القاعدة إذا كان الثمن شخصيا]

فالأولي الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا- بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع و لو منفصلا عن العقد.

[إذا كان الثمن أو المثمن كليا]

و أما إذا كان الثمن كليا فحاله حال المبيع إذا كان كليا كما إذا اشتري طعاما كليا بشرط الخيار له إلي مدة فقبض فردا منه فتلف في يده فإن الظاهر عدم ضمانه علي البائع لأن مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له علي ما فهمه غير واحد بقاؤه علي ما كان عليه قبل القبض و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد بل معني الضمان بالنسبة إلي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض و هذا مما لا يدل عليه الأخبار المتقدمة فتأمل.
[ظاهر كلام الأصحاب أن المراد بضمان من لا خيار له انفساخ العقد]
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين أن المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلي غيره هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه- و انفساخ العقد آنا ما قبل التلف و هو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس و بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض ما لم يكن له خيار حيث إن مفهومه أنه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه بل يبقي علي ناقله الثابت قبل القبض. و قد عرفت أن معني الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه في ملك ناقله بل هو ظاهر القاعدة و هي أن التلف في مدة الخيار ممن
المكاسب، ج‌3، ص 302
لا خيار له فإن معني تلفه منه تلفه مملوكا له مع أن ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة علي ضمان البائع للمبيع في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي‌ء من القاعدتين. و الحاصل أن إرادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها

[ظاهر الدروس عدم الانفساخ]

و مع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم بل يدل علي عدم الانفساخ قال قدس سره لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار و بعده لا يبطل الخيار و إن كان التلف من البائع كما إذا اختص الخيار بالمشتري فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه و لو فسخ المشتري رجع بالثمن و غرم البدل في صورة ضمانه و لو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر انتهي و العبارة محتاجة إلي التأمل من وجوه.

[ظاهر التذكرة أيضا عدم الانفساخ]

و قد يظهر ذلك من إطلاق عبارة التذكرة قال لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا و إن كان بعده لم يبطل خيار المشتري و لا البائع و يجب القيمة علي ما تقدم ثم حكي عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض و عدمه بناء علي الملك بالعقد و يمكن حمله علي الخيار المشترك كما أن قوله في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين محمول علي غير صورة ضمان البائع للمبيع لما عرفت من تعين الانفساخ فيها و ربما يحتمل أن معني قولهم إن التلف ممن لا خيار له أن عليه ذلك إذا فسخ صاحبه لا أنه ينفسخ كما في التلف قبل القبض و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل أنه يتخير بين الرجوع علي البائع بالمثل أو القيمة و بين الرجوع بالثمن و يحتمل تعين الرجوع بالثمن و يحتمل أن لا يرجع بشي‌ء فيكون معني له الخيار أن له الفسخ.

[لو كان التالف هو البعض]

ثم الظاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل- و كذا حكم تلف الوصف الراجع إلي وصف الصحة بلا خلاف علي الظاهر لقوله في الصحيحة السابقة: أو يحدث فيه حدث فإن المراد بالحدث أعم من فوات الجزء و الوصف

[إذا كان التلف بالإتلاف]

هذا كله إذا تلف بآفة سماوية و منها حكم الشارع عليه بالإتلاف- و أما إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته و إن كان بإتلاف غير ذي الخيار لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين إمضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن

[لو كان الإتلاف من الأجنبي]

و إن كان بإتلاف أجنبي تخير أيضا بين الإمضاء و الفسخ و هل يرجع حينئذ بالقيمة إلي المتلف أو إلي صاحبه أو يتخير وجوه من أن البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف فيسترده بالفسخ و لأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء علي الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ و علي التقديرين فهي في ضمان المتلف كما لو كانت العين في يد الأجنبي و من أنه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار في ذمته لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية و ما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك و كونه بدلا عن العين إنما هو بالنسبة إلي التلف من حيث وجوب دفعه إلي المالك كالعين لو وجدت لا أنه بدل خارج يترتب عليه جميع أحكام العين حتي بالنسبة إلي غير التلف فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري ففسخ البائع فإنه لا يتعين للدفع إلي الفاسخ و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها علي متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا علي المالك لا المتلف و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقيمة بعده و إتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان فيتخير في الرجوع و هذا أضعف الوجوه

مسألة و من أحكام الخيار [هل يسقط الخيار بتلف العين]

ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده و له استرداد المدفوع قضية للخيار و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهي و يظهر منه أن الخلاف بين المسلمين إنما هو بعد اختيار أحدهما التسليم و أما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار إجماعا ثم إنه إن أريد عدم وجوب التسليم علي ذي الخيار من جهة أن له الفسخ فلا يتعين عليه التسليم فمرجعه إلي وجوب أحد الأمرين عليه و الظاهر أنه غير مراد و إن أريد عدم تسلط المالك علي ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار فلذا يجوز منعه عن ماله ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس علي أموالهم. و بالجملة فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا و لم أجد من عنونه و تعرض لوجهه.

مسألة [هل يسقط الخيار بتلف العين]

اشارة

قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين و هذا الكلام ليس علي إطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد فإن من جملة أفراد الخيار خيار التأخير بل مطلق الخيار قبل القبض أو الخيار المختص بعده و من المعلوم أن تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد فلا يبقي خيار فيكون المراد التلف مع بقاء العقد علي حاله لا يوجب سقوط الخيار و بعبارة أخري تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره و لا خيار صاحبه و هو كذلك لأن الخيار كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد و معلوم أن العقد بعد التلف قابل للفسخ و لذا يشرع الإقالة حينئذ اتفاقا فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيد له بصورة البقاء اللهم إلا أن يعلم من الخارج أن شرع الخيار لدفع ضرر الصبر علي نفس العين فينتفي هذا الضرر بتلف العين كما في العيب فإن تخيره بين الرد و الأرش لأن الصبر علي العيب ضرر و لو مع أخذ الأرش فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد فإذا تلف انتفي حكمة الخيار أو يقال إنه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف علي بقاء العين هذا مع قيام الدليل علي سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

[مواضع التردد في ثبوت الخيار مع التلف]

اشارة

نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف أو يظهر منهم العدم

[ما ذكره العلامة]

كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال بعد تلف المتاع بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم- نظرا إلي أن الرد إنما يتحقق مع بقاء العين و فيه إشارة إلي ما ذكرنا من أن الثابت هو جواز الرد فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوي في المسالك و جامع
المكاسب، ج‌3، ص 303
المقاصد ثبوت الخيار لوجود المقتضي و عدم المانع

[ما ذكره المحقق الثاني]

و كما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه و ظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم إمكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف و الأقوي بقاؤه لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه مضافا إلي إطلاق قوله ع:
و هم بالخيار إذا دخلوا السوق مع أنه لو استند إلي الإجماع أمكن التمسك بالاستصحاب إلا أن يدعي انعقاده علي التسلط علي الرد فيختص بصورة البقاء و الحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية.

و من مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار

علي وجه إرادتهما التسلط علي مجرد الرد المتوقف علي بقاء العين فإن الفسخ و إن لم يتوقف علي بقاء العين إلا أنه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكن من الرد و الاسترداد و إن كان حكمه في خياري المجلس و الحيوان إلا أن الحكم أعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم بخلاف ما إذا كان إطلاق جعل المتعاقدين مقيدا علي وجه التصريح به في الكلام أو استظهاره منه بعد تعلق الغرض إلا بالرد أو الاسترداد و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري لأن الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط علي مطلق الفسخ المشروط مطلقا و لو عند التلف لكن لم أجد من التزم بذلك أو تعرض له و من هنا يمكن أن يقال في هذا المقام و إن كان مخالفا للمشهور بعدم ثبوت الخيار عند التلف إلا في موضع دل عليه الدليل إذ لم تدل أدلة الخيار من الأخبار و الإجماع- الأعلي التسلط علي الرد أو الاسترداد و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف أيضا و إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع لما عرفت في أول باب الخيارات من أنه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين نعم لو دل الدليل الشرعي علي ثبوت خيار الفسخ المطلق الشامل لصورة التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة
بلا خلاف علي الظاهر لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ إذ لم يسلمها ناقلها إلا في مقابل العوض و الأصل بقاؤه إذ لم يتجدد ما يدل علي رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ أمانة إذ الفسخ إنما هو من قبله. و الغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها أمانة مالكية أو شرعية ليكون غير مضمونة برضا المالك أو بجعل الشارع و إذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم و مرجع ذلك إلي عموم علي اليد ما أخذت أو إلي أنها قبضت مضمونة فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمي تعين ضمانه بالعوض الواقعي أعني المثل أو القيمة كما في البيع الفاسد هذا و لكن المسألة لا تخلو عن إشكال. و أما العين في يد المفسوخ عليه ففي ضمانها أو كونها أمانة إشكال مما في التذكرة من أنه قبضها قبض ضمان فلا يزول إلا بالرد إلي مالكها و من أن الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان و ضعفه في جامع المقاصد بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر الثابت و الله العالم
هذا بعض الكلام في الخيارات و أحكامها و الباقي محمول إلي الناظر الخبير بكلمات الفقهاء و الحمد لله و صلي الله علي محمد و آله

القول في النقد و النسيئة

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلي أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

اشارة

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلي الآخر فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري. و يدل علي الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

فلو اشترطا تعجيل الثمن

كان تأكيدا لمقتضي الإطلاق علي المشهور- بناء علي ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة عدم المماطلة و التأخير عن زمان المطالبة لا أن يجعل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور مع أن مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها إلي إلغاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان

[فائدة اشتراط التعجيل]

و كيف كان فذكر الشهيد رحمه الله في الدروس أن فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به و قوي الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا يعني عدم تعيين الزمان إذا أخل به في أول وقته و هو حسن و لا يقدح في الإطلاق عدم تعين زمان التعجيل لأن التعجيل المطلق معناه الدفع في أول أوقات الإمكان عرفا و لا حاجة إلي تقييد الخيار هنا بصورة عدم إمكان الإجبار علي التعجيل لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل أمكن إجباره به أم لم يمكن وجب أو لم يجب فإن مسألة أن ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر إجباره علي الوفاء مسألة أخري مضافا إلي عدم جريانها في مثل هذا الشرط إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الإجبار و بعده لا ينفع لأنه غير الزمان المشروط فيه الأداء

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

اشارة

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلي دياس أو حصاد

و لا فرق في الأجل المعين بين الطويل و القصير

و عن الإسكافي المنع من التأخير إلي ثلاث سنين و قد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد: قلت لأبي الحسن إني أريد الخروج إلي بعض الجبال إلي أن قال إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال نعم قلت بتأخير ثلاث سنين قال لا. و المحكي عن قرب الإسناد عن البزنطي: أنه قال لأبي الحسن الرضا ع إن هذا الجبل قد فتح منه علي الناس باب رزق فقال ع إذا أردت
المكاسب، ج‌3، ص 304
الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت إنهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا يكون لك شي‌ء أكثر من ثلاث سنين. و ظاهر الخبرين الإرشاد لا التحريم فضلا عن الفساد-

و هل يجوز الإفراط في التأخير

إذا لم يصل إلي حد يكون البيع منه سفها و الشراء أكلا للمال بالباطل فيه وجهان قال في الدروس لو تمادي الأجل إلي ما لا يبقي إليه المتبايعان غالبا كألف سنة ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به و من الأجل المضبوط و حلوله بموت المشتري و هو أقرب و ما قربه هو الأقرب لأن ما في الذمة و لو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل و بالبيع كما اختاره في التذكرة. نعم يبقي الكلام في أنه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا بل مخالفا للمشروع حيث إن الشارع أسقط الأجل بالموت و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده فيكون فاسدا بل ربما كان مفسدا و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة فافهم.

ثم إن المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها

و إن لم يعرفها المتعاقدان فيجوز التأجيل إلي انتقال الشمس إلي بعض البروج كالنيروز و المهرجان و نحوهما- أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد وجهان أقواهما الثاني- تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر و ربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث إنه له شراء وزنه مثلا بعبارة بلد مخصوص و إن لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة و لا يخفي ضعف منشأ هذا الاحتمال إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام يشترط فيه المعرفة إذا المراد بالأجل غير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتي في نظر المتعاقدين لا في الواقع و لذا أجمعوا علي عدم جواز التأجيل إلي موت فلان مع أنه مضبوط في نفسه و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي أيضا و ما ذكر من قياسه علي جواز الشراء بعيار بلد مخصوص لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا كما تقدم في شروط العوضين و ظاهر التذكرة اختيار الجواز حيث قال بجواز التوقيت بالنيروز و المهرجان لأنه معلوم عند العامة و كذا جواز التوقيت ببعض أعياد أهل الذمة إذا عرفه المسلمون لكن قال بعد ذلك و هل يعتبر معرفة المتعاقدين قال بعض الشافعية نعم و قال بعضهم لا يعتبر و يكتفي بمعرفة الناس و سواء اعتبر معرفتهما أولا و لو عرفا كفي انتهي ثم الأقوي اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما إلي المعني حين العقد فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات و الحساب

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

اشارة

ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

[أدلة القول بالبطلان]

و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع بناء عن تفسيرهما بذلك. و عن الإسكافي كما عن الغنية أنه روي عن النبي ص أنه قال: لا يحل صفقتان في واحدة قال و ذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا و إن كان بالنسيئة فبكذا هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين ع: من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما و إن كانت نظرة. و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه: أن عليا ع قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع علي ذلك الشرط فقال هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين فيقول ليس له إلا أقل النقدين إلي الأجل الذي أجله نسيئة و عن ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما- و نسب إلي بعض هؤلاء القول بالبطلان

[كلمات الفقهاء في المسألة]

فالأولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل هؤلاء من دون إسناد أحد القولين إليهم قال في المقنعة لا يجوز البيع بأجلين علي التخيير كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا و بدرهمين إلي شهر أو سنة أو بدرهم إلي شهر و بدرهمين إلي شهرين فإن ابتاع إنسان شيئا علي هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين و هذا الكلام يحتمل التحريم و يحتمل الحمل علي ما إذا تلف المبيع فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالأقل الذي بيع به نقدا لأنه قيمة ذلك الشي‌ء و معني قوله في آخر الأجلين أنه لا يزيد علي الأقل و إن تأخر الدفع إلي آخر الأجلين أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك و يحتمل إرادة الكراهة كما عن ظاهر السيد قدس سره في الناصريات- أن المكروه أن يبيع بثمنين بقليل إن كان الثمن نقدا و بأكثر إن كان نسيئة و يحتمل الحمل علي فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الأجل لكن لا يفسد العقد كما سيجي‌ء و عن الإسكافي أنه بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في التحريم قال و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار إليه لم أختر للمشتري أن يقدم علي ذلك فإن فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين لإجازته البيع به و كان للمشتري الخيار في تأخير الثمن الأقل إلي المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفي من غير زيادة علي الثمن الأقل. و في النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين و نقدين علي التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو إلي شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين إلي شهر أو شهرين أو سنتين كان البيع باطلا فإن أمضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين انتهي. و عن موضع من الغنية قد قدمنا أن تعليق البيع بأجلين و ثمنين كقوله بعت إلي مدة بكذا و إلي أخري بكذا يفسده فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين بدليل إجماع الطائفة و عن سلار و ما علق بأجلين و هو أن يقول بعتك هذه السلعة إلي عشرة أيام بدرهم و إلي شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد و هو المحكي عن ابن الصلاح و عن القاضي من باع شيئا بأجلين علي التخيير مثل أن يقول أبيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا و بدرهمين أو دينار إلي شهر أو شهور أو سنة أو سنتين كان باطلا فإن أمضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين و قال
المكاسب، ج‌3، ص 305
في المختلف بعد تقوية المنع و يمكن أن يقال إنه رضي بالثمن الأقل فليس له الأكثر في البعيد و إلا لزم الربا إذ يبقي الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير فإذا صبر إلي البعيد لم يجب له الأكثر من الأقل انتهي و في الدروس أن الأقرب الصحة و لزوم الأقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشتري لازما من طرف البائع لرضاه بالأقل فالزيادة ربا و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع انتهي. أقول لكنه مانع من لزوم الأجل من طرف البائع لأنه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا إلا أن يقال إن الزيادة ليست في مقابل الأجل- بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي و طبعه و الزيادة و إن كانت لكنه ربا كما سيجي‌ء إلا أن فساد المقابلة لا يقتضي فساد الإسقاط كما احتمل ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته بل قال في التحرير بالرجوع إلي الدية و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة و لا المطالبة قبل الأجل لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول إذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتي يكون له الامتناع من القبول قبل الأجل و إنما سقط حقه من التعجيل. و يمكن أيضا حمل الرواية علي أن الثمن هو الأقل لكن شرط عليه أن يعطيه علي التأجيل شيئا زائدا و هذا الشرط فاسد لما سيجي‌ء من أن تأجيل الحال بزيادة ربا محرم لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط كما عليه جماعة و حينئذ فللبائع الأقل و إن فرض أن المشتري أخره إلي الأجل كما يقتضيه قوله في رواية محمد بن قيس و إن كانت نظره لفرض تراضيهما علي ذلك بزعم صحة هذا الشرط أو البناء عليها تشريعا و لعل هذا مبني قول الجماعة قدس الله أسرارهم فإن أمضيا البيع بينهما كذلك بمعني أنهما تراضيا علي هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع برضاهما شي‌ء زائد علي الأقل لفساد المقابلة و مرادهم من بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية و عدم ترتيب الأثر المقصود عليه و قد تلخص من جميع ما ذكرنا أن المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا إشكال و لا خلاف في بطلانها بمعني عدم مضيها علي ما تعاقدا عليه و أما الحكم بإمضائهما كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حمل المال علي الرضا و طيب النفس و كون الأكل لا عن تراض أكلا للباطل فيقع الإشكال في نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل ثم إن الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما و أما ما عداه كما إذا جعل له الأقل في أجل و الأكثر في أجل آخر فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه لحرمة القياس خصوصا علي مثل هذا الأصل و في التحرير البطلان هنا قولا واحدا و حكي من غير واحد ما يلوح منه ذلك إلا أنك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين و إن لم ينسب ذلك في الدروس- إلا إلي المفيد قدس سره لكن عن الرياض أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين و هو ظاهر الحدائق أيضا و ما أبعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير ثم إن العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة أنه مثل ما إذا قال المستأجر ليخاطه الثوب إن خطته فارسيا فبدرهم و إن خطته روميا فبدرهمين و أجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها إلي الجعالة

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلي بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهي و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهي و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلي إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا تري أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته علي المدعي موقوفة علي أن الشرط الواحد إذا انحل إلي حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلي نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق علي إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلي أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير
المكاسب، ج‌3، ص 306
الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهي و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه

اشارة

لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون علي أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا تري أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

[إذا امتنع الدائن من القبول]

و كيف كان فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر بل مورده كان من هذا القبيل حيث إن سمرة بن جندب امتنع من الاستيذان للمرور إلي عذقه الواقع في دار الأنصاري و عن بيعها فقال النبي ص للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها وجه صاحبها فأسقط ولايته علي ماله.

و مقتضي القاعدة إجبار الحاكم له علي القبض

لأن امتناعه أسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقف ملكه عليه لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها مع كون الإكراه بحق بمنزلة الاختيار فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولاه الحاكم- لأن السلطان ولي الممتنع بناء علي أن الممتنع من يمتنع- و لو مع الإجبار و لو قلنا إنه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون الإكراه و هو الذي رجحه في جامع المقاصد و المحكي عن إطلاق جماعة منهم عدم اعتبار الحاكم و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين إذا لم يسأله لعدم ولايته عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته و عن السرائر وجوب القبض علي الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الإجبار و استبعده غيره و هو في محله‌

و لو تعذر الحاكم فمقتضي القاعدة إجبار المؤمنين له

عدولا كانوا أم لا لأنه من المعروف الذي يجب الأمر به علي كل أحد

فإن لم يمكن إجباره ففي وجوب قبض العدول عنه نظر أقواه العدم

و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون أن يعزل حقه و يجعله أمانة عنده فإن تلف فعلي ذي الحق- لأن هذه فائدة العزل و ثمرة إلغاء قبض ذي الحق و لكن لم يخرج عن ملك مالكه لعدم الدليل علي ذلك فإن اشتراط القبض في التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر و إنما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا و قد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذي الحق و وجهه أن الحق المملوك لصاحب الدين أن تشخص في المعزول كان ملكا له و إن بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله و يمكن أن يقال إن الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول و إنما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني فبتلفه يتلف الحق و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن أن يتشخص به و يمكن أن يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين

[جواز التصرف في المعزول و عدم وجوب حفظه من التلف]

ثم إن الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال إلي ذمته لو أتلفه و مقتضي القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف لأن شرعية عزله و كون تلفه من مال صاحب الدين إنما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة و تكليفه بحفظ المعزول أضر عليه من حفظ أصل المال في الذمة. و عن المحقق الثاني أنه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه علي المالك بعد تعيينه و لم يأته به لكن أعلم بالحال و بين ما إذا أتاه و طرحه عنده فينتفي وجوب الحفظ في الثاني دون الأول و لعل وجهه أن المبرئ للعهدة التخلية و الإقباض المتحقق في الثاني دون الأول و سيجي‌ء في مسألة قبض المبيع ما يؤيده. و عن المسالك أنه مع عدم الحاكم يخلي بينه و بين ذي الحق و تبرأ ذمته و إن تلف و كذا يفعل الحاكم لو قبضه إن لم يتمكن من إلزامه بالقبض ثم إن المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد- بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من أخذه أن في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم علي دفع نصيب شريكه الغائب في مال علي جهة الإشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما ترددا و مثله لو تسلط الظالم بنفسه و أخذ قدر نصيب الشريك لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي و لا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا و المتجه عدم الانسحاب انتهي و حكي نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوي

[رأي المؤلف في الفرعين المذكورين]

أقول أما الفرع الثاني فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه إذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين فإذا أخذ جزء خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر إلي من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له كما لو أخذ الظالم من من المديون مقدار الدين بنية أنه مال الغريم و أما الفرع الأول فيمكن أن يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة لكن فيه أن تضرره إنما يوجب ولايته علي القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه بأن لا يكون حصة بحيث تتلف بمجرد القسمة كما في الغرض و إلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع أن التمسك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الأصحاب يؤسس فقها جديدا

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

اشارة

لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلي جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلي أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلي شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف

[نزول آية الربا في ذلك]

اشارة

و أن مورد نزول قوله تعالي في مقام الرد علي من قال إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا هو التراضي بعد حلول الدين علي تأخير إلي أجل بزيادة فيه.

[تأييد ذلك بصحيحة ابن أبي عمير]

فعن مجمع البيان عن ابن عباس أنه كان الرجل من أهل الجارية إذا حل دينه علي غريمه فطالبه قال المطلوب منه زدني في الأجل أزيدك في المال
المكاسب، ج‌3، ص 307
فيتراضيان عليه و يعملان به فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك أن الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء فذمهم الله و ألحق بهم الوعيد و خطأهم في ذلك بقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا

[تأييد ذلك بصيحة ابن أبي عمير]

و يؤيده بل تدل عليه حسنة ابن أبي عمير أو صحيحته عن أبي عبد الله ع قال: سئل عن الرجل يكون له دين إلي أجل مسمي فيأتيه غريمه فيقول انقدني كذا و كذا واضح عنك بقيته أو انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال لا أري به بأسا إن لم يزد علي رأس ماله قال الله تعالي فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ علل جواز التراضي علي تأخير أجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله فيدل علي أنه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا و هو قوله تعالي فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ

[دلالة بعض الأخبار علي ما تقدم]

و يدل عليه بعض الأخبار الواردة في تعليم طريق الحلية في جواز تأخير الدين بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام فلو جاز التراضي علي التأجيل بزيادة لم يكن داع إلي التوصل بأمثال تلك الحيل حتي صاروا ع موردا الاعتراض العامة في استعمال بعضها كما في غير واحد من الأخبار الواردة في ذلك و يدل عليه أيضا أو يؤيده بعض الأخبار الواردة في باب الدين فيما إذا أعطي المديون بعد الدين شيئا مخافة أن يطلبه الغريم بدينه.

[عدم الفرق بين المصالحة عن التأجيل بالزيادة أو المقاولة عليها من غير عقد]

و مما ذكرنا من أن مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها من غير عقد و ظهر أيضا أنه يجوز المعاوضة اللازمة- علي الزيادة بشي‌ء باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة و ظهر أيضا من التعليل المتقدم في رواية ابن أبي عمير جواز نقض المؤجل بالتعجيل و سيجي‌ء تمام الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض إن شاء الله تعالي [ثم إنه هل يجوز تعجيل الدين المؤجل بأزيد منه مثلا يطلبه دينارا إلي شهر فيقول أعطيتك دينارا و نصفا لتأخذه الآن أو في أجل أقرب الظاهر العدم لأنه ربا إلا إذا فر إلي نحو الهبة و الشرط في ضمن عقد أو نحو ذلك فقد قال ع: نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلي الحلال و الله العالم]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

اشارة

إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلي بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشتري نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلي البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهي و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

فالأقوي هو المشهور- للعمومات المجوزة كتابا و سنة

اشارة

و عموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار ابن يسار قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المتاع بنس‌ء مرابحة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه فقال نعم لا بأس به فقلت له أشتري متاعي و غنمي قال ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك و صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: رجل كان له علي رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فأتي الطالب المطلوب يتقاضاه فقال له المطلوب أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي قال لا بأس بذلك و رواية الحسين بن منذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب العينة- فأشتري له المتاع ثم أبيعه إياه مرابحة ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير و لا بأس. و في المحكي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أ يحل قال إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس. و عن كتاب علي بن جعفر قوله: باعه بعشرة إلي أجل ثم اشتراه بخمسة بنقد و هو أظهر في عنوان المسألة و ظاهر هذه الأخبار كما تري يشمل صور الخلاف و قد يستدل أيضا برواية يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة قالا: سألنا أبا عبد الله ع عن رجل باع طعاما بدراهم إلي أجل فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء و في دلالتها نظر

[توهم معارضة العمومات مع روايتي خالد و عبد الصمد]

اشارة

و فيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ قدس سره من رواية خالد بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل بعته طعاما بتأخير إلي أجل مسمي فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره مني فقال لا تشتره منه لا خير فيه و رواية عبد الصمد بن بشر المحكية عن الفقيه قال سأله محمد بن قاسم الحناط فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من رجل إلي أجل فيجيئني و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه فقال أفهم أصلحك الله إنه طعامي الذي اشتراه مني فقال لا تأخذ منه حتي يبيعه و يعطيك فقال أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي

[الجواب عن توهم المعارضة]

و حكي عن الشيخ قدس سره أنه أوردها في الاستبصار دليلا علي مختاره و حكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.
أقول لا يظهر من رواية خالد دلالة علي مذهب الشيخ و علي تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من أمارات الكراهة

[ما حكي عن الشيخ من عدم جواز أخذ بدل الطعام طعاما إذا كان أزيد]

و اعلم أنه قال الشيخ قدس سره في المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ ما أعطاه فإن أخذ أكثر لم يجز و قد روي أنه يجوز علي كل حال و حكي في المختلف عن الخلاف أنه إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله فإن زاد عليه لم يجز و احتج بإجماع الفرقة و أخبارهم و بأنه يؤدي إلي بيع طعام بطعام ثم حكي عن بعض أصحابنا الجواز مطلقا و عن بعضهم المنع مطلقا ثم حكي عن الشيخ في آخر كلامه أنه قال و القول الآخر الذي لبعض أصحابنا قوي و ذلك أنه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام فلا يحتاج إلي اعتبار المثلية انتهي أقول الظاهر أن الشيخ قدس سره جري في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية
المكاسب، ج‌3، ص 308
من عدم جواز بيع ما اشتري بجنس الثمن متفاضلا علي قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار- من أن عوض الشي‌ء الربوي لا يجوز أن يعوض بذلك الشي‌ء بزيادة و إن عوض العوض بمنزلة العوض. فإذا اشتري طعاما بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة و كذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له أن يأخذ عوض الدراهم طعاما و عول في ذلك علي التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه ع المعتضد ببعض الأخبار المانعة عن بعض أفراد هذه القاعدة هنا و في باب السلم قال: سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم قال إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي يشتري به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم قال في محكي التهذيب الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر الأخير من أنه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم لم يجز أن يبيعه بدراهم لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم و ربما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا انتهي و هنا يقول قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا إنه إذا كان الذي باعه طعاما لم يجز أن يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام و بالجملة فمدار فتوي الشيخ قدس سره علي ما عرفت من ظهور بعض الأخبار بل صراحته فيه من أن عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه و بين اشتراء مجانسه منه و لا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الأجل أو بعده كما أطلقه في الحدائق و تقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الإيفاء بعد الحلول و إن قصر المشهور خلافه به لكن الأظهر هو الإطلاق كما أن تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص لأنه الغالب لأن في رد نفس ما اشتراه رده بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة و لذا ذكر جواز أخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت فيعلم منه أن أخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت و يؤيد الحمل علي الغالب أنه قدس سره ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة أنه لا يجوز له أخذ مثل الثمن زائدا علي ما أعطاه فإن الغالب مع إعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشتري و مع العكس العكس و ظهر أيضا مما ذكرنا أن الحكم مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع و لا خصوص الطعام

[إذا اشترط في البيع الأول نقله إلي من انتقل عنه]

اشارة

و أما الحكم في المستثني- و هو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله إلي من انتقل عنه فهو المشهور و نص عليه الشيخ في باب المرابحة

[الاستدلال علي بطلان هذا البيع بالدور]

اشارة

و استدلوا عليه أولا بالدور كما في التذكرة قال في باب الشروط لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا و عينا أم لا و إلا جاء الدور لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه علي غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع علي المالك أقول ظاهر ما ذكره من النقص أنه يعتبر في الشرط أن يكون معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه و بيع الشي‌ء علي غير مالكه معقول و لو من غير المالك كالوكيل و الفضولي بخلاف بيعه علي مالكه فإنه غير معقول أصل فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه- باشتراط بيعه علي غيره أو عتقه.

[النقض علي الاستدلال]

نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا علي الثمن فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع بل يتوقف عليه و قد اعترف قدس سره بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لأكثر الشافعية المانعين عنه و قال إن المشتري لا يملك رهن المبيع إلا بعد صحة البيع فلا يتوقف عليه صحة البيع و إلا دار لكنه قدس سره مع ذلك جوز هذا الاشتراط إلا أن يقال أخذ الرهن علي الثمن و التضمين عليه و علي دركه و درك المبيع من توابع البيع و من مصالحه فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا و نحو ذلك لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة من اشتراط وقف المشتري المبيع علي البائع و ولده

[تقرير الدور في جامع المقاصد]

اشارة

و قرر الدور في جامع المقاصد بأن انتقال الملك موقوف علي حصول الشرط و حصول الشرط موقوف علي الملك و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين

[ما أجيب به عن هذا التقرير و ما يرد علي الأجوبة]

و أجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره و قد عرفت أن العلامة قدس سره تفطن له في التذكرة و أجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه علي الثمن و عرفت تفطنه لذلك أيضا في التذكرة و أخري بالحل- و هو انتقال الملك ليس موقوفا علي تحقق الشرط و إنما المتوقف عليه لزومه و ثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد أجل البيع الأول فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين و مبني هذين الجوابين علي ما ذكره العلامة في الاعتراض علي نفسه و الجواب عنه بما حاصله أن الشرط لا بد من صحته مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز أن يتوقف صحته علي صحة البيع

[الاستدلال علي البطلان بعدم القصد]

اشارة

و لا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الأجل أو بعده لأن بيع الشي‌ء علي مالكه غير معقول مطلقا و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الأجل و ما بعده و استدل عليه أيضا بعدم قصد البائع بهذا الشرط إلي حقيقة الإخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك و جعله في غاية المراد أولي من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الأولين ثم قال و إن كان إجماع علي المسألة فلا بحث

[الرد علي الاستدلال]

و رد عليه المحقق و الشهيد الثانيان بأن الفرض حصول القصد إلي النقل الأول لتوقفه عليه و إلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك و لم يشترطاه مع الاتفاق علي صحته انتهي

[الاستدلال علي البطلان برواية الحسين ابن المنذر]

اشارة

و استدل عليه في الحدائق بقوله ع في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة في السؤال عن بيع الشي‌ء و اشترائه ثانيا من المشتري: إن كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط علي نفسه بشرائه ثانيا فدل علي ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة التزامه بذلك في العقد الأول

[بيان الاستدلال]

و ثبوت البأس في الرواية إما راجع إلي البيع الأول فيثبت المطلوب و إن كان راجعا إلي البيع الثاني فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول إذ لو صح البيع الأول و المفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني بأس بل كان لازما بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

[ما رد به عن الاستدلال و الجواب عنه]
هذا و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس علي البطلان و فيه ما لا يخفي و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم
المكاسب، ج‌3، ص 309
اشتراط المشتري ذلك علي البائع. و فيه أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع فإن المسألتين من واد واحد بل الشهيد قدس سره في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء و قد يرد أيضا بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط و أنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول مع الشرط و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط و إن كان لو فعل التزم به و هو غير التزام المحرم الذي يفسد و يفسد العقد. و فيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني الفساد و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

[مناقشة المؤلف في الاستدلال]

نعم يمكن أن يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ عن صحة الأول كما يشهد به أيضا بيان خلاف أهل المسجد المختص بالبيع الثاني أن المراد أنه إن وقع البيع الثاني علي وجه الرضا و طيب النفس و الاختيار فلا بأس به و إن وقع لا عن ذلك بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله و إلزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون إلا لعدم طيب النفس فيه و عدم وجوب الالتزام بما التزم علي نفسه إما لعدم ذكره في متن العقد و إما لكون الشرط بالخصوص فاسدا لا يجب الوفاء به و لا يوجب فساد العقد المشروط به كما هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه حتي لو وقع عن طيب النفس لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جواز بالعقد الثاني.

[الاستدلال علي البطلان برواية علي بن جعفر و المناقشة فيه]

و أما رواية علي بن جعفر فهي أظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني فيجب أيضا حمله علي وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط أنه إذا اشترطا ذلك في العقد أو قبله و لم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع علي وجه الإلجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه و وقوعه عن إلجاء و هذا لا يكون إلا مع عدم وجوب الوفاء إما لعدم ذكره في العقد و إما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد. و بالجملة فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح أن يستند إلي فساد الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد أن يكون منشأه عدم طيب النفس بالعقد الثاني و عدم طيب النفس لا يقدح إلا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم و عدم اللزوم لا يكون إلا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير مفسد- ثم إنه قال في المسالك إنهما لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان أن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا علي الشرط و لم يتم لهما و يمكن أن يقال إن علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم إقدامهما علي الشرط

[رأي المؤلف في المسألة]

فالأولي بناء المسألة علي تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به و عدمه و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم إلا أن يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر و بين الفاسد فيؤثر في البطلان و وجهه غير ظاهر بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين و قد تقدم توضيح الكلام في ذلك
@@@@@@@@@@@@@@@@@

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]
قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلي أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد
و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلي الآخر فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري. و يدل علي الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة
غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلي دياس أو حصاد

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا
ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل
و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلي بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهي و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهي و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلي إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا تري أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته علي المدعي موقوفة علي أن الشرط الواحد إذا انحل إلي حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلي نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق علي إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلي أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير
المكاسب، ج‌3، ص 306
الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهي و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه
لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون علي أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا تري أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]
لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلي جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلي أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلي شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]
إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلي بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشتري نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلي البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهي و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

القول في القبض

اشارة

القول في القبض
و هو لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف عبارات أهل اللغة- و النظر في ماهيته و وجوبه و أحكامه يقع في مسائل

مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول بعد اتفاقهم علي أنها التخلية (في غير المنقول- علي أقوال

أحدها أنها التخلية) أيضا

صرح به المحقق في الشرائع و حكي عن تلميذه كاشف الرموز و عن الإيضاح نسبته إلي بعض متقدمي أصحابنا و عن التنقيح نسبته إلي المبسوط

الثاني أنه في المنقول النقل

و فيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن

الثالث ما في الدروس

من أنه في الحيوان نقله و في المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله و في الثوب وضعه في اليد.

الرابع ما في الغنية

و عن الخلاف و السرائر و اللمعة أنه التحويل و النقل

الخامس ما في المبسوط

من أنه إن كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد و إن كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض في البهيمة أن يمشي بها إلي مكان آخر و في العبد أن يقيمه إلي مكان آخر و إن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله في مكانه و إن كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله و زاد في الوسيلة أنه في الموزون وزنه و في المعدود عده و نسب عبارة الشرائع- الراجعة إلي ما في المبسوط إلي المشهور.

السادس أنه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد

حكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و اعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد لشهادة العرف بذلك إلا أنه أخرج عن ذلك المكيل و الموزون مستندا إلي النص الصحيح و فيه ما سيجي‌ء.

السابع ما في المختلف

من أنه إن كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد و إن كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.

الثامن أنه التخلية مطلقا

بالنسبة إلي انتقال الضمان إلي المشتري دون النهي عن بيع ما لم يقبض نفي عنه البأس في الدروس

[رأي المؤلف في المسألة]

اشارة

أقول لا شك أن القبض للمبيع هو فعل القابض و هو المشتري و لا شك أن الأحكام المترتبة علي هذا الفعل لا يترتب علي ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه كما أن الأحكام المترتبة علي فعل البائع كالوجوب علي البائع و الراهن في الجملة و اشتراط القدرة علي التسليم لا يحتاج في ترتبها إلي فعل من المشتري

[بطلان تفسير القبض بالتخلية]

فحينئذ نقول أما ما اتفق عليه من كفاية التخلية- في تحقق القبض في غير المنقول إن أريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة إلي المبيع و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله إلي المشتري و يعبر عنه مسامحة بالإقباض و التسليم و هو الذي يحكمون بوجوبه علي البائع و الغاصب و الراهن في الجملة و يفسرونه بالتخلية التي هي فعل البائع فقد عرفت أنه ليس قبضا حقيقيا حتي في غير المنقول و إن فسرت برفع جميع الموانع و أذن المشتري في التصرف. قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع القبض مصدر يستعمل بمعني التقبيض و هو التخلية و يكون من طرف البائع و الواهب بمعني التمكين من التصرف انتهي. بل التحقيق أن القبض مطلق هو استيلاء المشتري عليه و تسلطه عليه الذي يتحقق به معني اليد و يتصور فيه الغصب

[لا بد من استفادة معني القبض من حكم كل مورد بخصوصه]

نعم يترتب علي ذلك المعني الأول الأحكام المترتبة علي الإقباض و التسليم
المكاسب، ج‌3، ص 310
الواجبين علي البائع فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب القبض و أنه مترتب علي القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع و علي الإقباض الذي هو فعل البائع مثلا إذا فرض أنه أدلة اعتبار القبض في الهبة دلت علي اعتبار حيازة المتهب الهبة لم يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل الواهب و هكذا و لعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان و غيره من حيث إن الحكم الأول منوط بالإقباض و غيره منوط بفعل المشتري

[اختلاف المناط في القبض باختلاف مدرك الضمان]

و كيف كان فلا بد من مراعاة أدلة أحكام القبض فنقول أما رفع الضمان- فإن استند فيه إلي النبوي: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري و إن استند إلي قوله ع في رواية عقبة بن خالد: حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية فيمكن حمل النبوي علي ما ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية و احتمل ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الإخراج للوصول إلي المشتري بقرينة ظاهر النبوي. و لذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس إن الخبر دال علي خلافه و هو حسن إن أراد به ظاهر النبوي لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها و الإنصاف أن ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة إلي ظاهر رواية عقبة و ربما يخدش فيهما بظهورها في اعتبار الإخراج من البيت مع أنه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. و فيه أن الإخراج عن البيت كناية عن الإخراج عن السلطنة و رفع اليد و لا ينبغي خفاء ذلك علي المتأمل في الاستعمال العرفي هذا و لكن الجمود علي حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول إلي يد المشتري لأن الإقباض و الإخراج و إن كانا من فعل البائع إلا أن صدقهما عليه يحتاج إلي فعل من غير البائع لأن الإقباض و الإخراج بدون القبض و الخروج محال إلا أن يستفاد من الرواية تعلق الضمان علي ما كان من فعل البائع و التعبير بالإقباض و الإخراج مسامحة مست الحاجة إليهما في التعبير. و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال لو أحضر البائع السلعة فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في الوضع و لو لم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك فإنه يبرأ من الضمان انتهي. و ظاهره أن المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع و لو امتنع المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة و في باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبه إلي بعض الشافعية فالظاهر أن مراده بل مراد الشهيد قدس سرهما رفع الضمان بهذا و إن لم يكن قبضا بل عن الشهيد في حواشي أنه نقل عن العلامة قدس سره أن التخلية في المنقول و غيره ترفع الضمان لأنه حق علي البائع و قد أدي ما عليه أقول و هذا كما أن إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع و سيجي‌ء من المحقق الثاني أن النقل في المكيل و الموزون يرفع الضمان و إن لم يكن قبضا

[القبض هو الاستيلاء في المنقول و غيره]

و قد ظهر مما ذكرنا أن لفظ القبض الظاهر بصيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء علي البيع سواء في المنقول و غيره لأن القبض لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف التعبيرات فإن أريد الأخذ حسا باليد فهو لا يتأتي في جميع المبيعات مع أن أحكامه جارية في الكل فاللازم أن يراد به في كلام أهل اللغة و في لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن و الصدقة و تشخيص ما في الذمة أخذ كل شي‌ء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة

[المناقشة في اعتبار النقل و التحويل في القبض]

و أما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه بل ادعي في الغنية الإجماع علي أنه القبض في المنقول الذي لا يكتفي فيه بالتخلية فهو لا يخلو عن تأمل و إن شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف في مثل الحيوان لأن مجرد إعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا علي الظاهر ثم المراد من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد. و أما رواية عقبة بن خالد المتقدمة فلا دلالة فيها علي اعتبار النقل في المنقول و إن استدل بها عليه في التذكرة لما عرفت من أن الإخراج من البيت في الرواية نظير الإخراج من اليد كناية عن رفع اليد و التخلية للمشتري حتي لا يبقي من مقدمات الوصول إلي المشتري إلا ما هو من فعله

و أما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون

فقد اعترف غير واحد بأنه تعبد لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه مثل صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور بن حازم: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه إلا أن توليه و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا لم يربح عليه فلا بأس و إن ربح فلا يبعه حتي يقبضه و رواية أبي بصير: عن رجل اشتري طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه إلي غير ذلك مما دل علي اعتبار الكيل و الوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما و إلا لم يفرق بين التولية و غيرها فتعين لأمر آخر و ليس إلا من كون ذلك قبضا للإجماع كما في المختلف علي جواز بيع الطعام بعد قبضه و منه يظهر ما في المسالك حيث إنه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال و التحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل علي النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما لا علي أن القبض لا يتحقق بدونهما و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف و الخبر الآخر و يتوقف ثانيا علي الكيل و الوزن أمكن إن لم يكن إحداث قول انتهي. و الظاهر أن مراده بالخبر خبر عقبة بن خالد و قد عرفت ظهوره في اعتبار النقل

[لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع]

ثم إن ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن في القبض من دون توقف علي النقل و الظاهر أنه لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع كما صرح به في جامع المقاصد و لذا نبه في موضع من التذكرة بأن الكيل شرط في القبض
و كيف كان فالأولي في المسألة ما عرفت من أن القبض له معني واحد يختلف باختلاف الموارد و أن كون القبض هو الكيل و الوزن خصوصا في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جدا لأن التعبد الشرعي علي تقدير تسليمه مختص
المكاسب، ج‌3، ص 311
بالبيع إلا أن يكون إجماع علي اتحاد معني القبض في البيع و غيره كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم في باب الرهن و الهبة و حكي فيها الاتفاق علي الاتحاد عن ظاهر المسالك و استظهره الحاكي أيضا. و عن ظاهر المبسوط في باب الهبة أن القبض هي التخلية فيما لا ينتقل و النقل و التحويل في غيره لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك و عن القاضي أنه لا يكفي الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته في البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق بل القبض سبب في الاستحقاق بل و مقتضي هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن و هذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما لا ينقل و لا يحول التخلية و فيما ينقل و يحول النقل و التحويل و فيما يكال أو يوزن الكيل و الوزن ثم حكي عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا إلي أن القبض في البيع مستحق و في الهبة غير مستحق فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه و لذا لو أتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري ثم ضعفه بأنه ليس بشي‌ء لاتحاد القبض في الموضعين و اعتبار العرف فيهما انتهي. و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه إلا أن يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان و إن لم يكن قبضا كما أشرنا إليه سابقا-

فرعان

الأول قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع

و مكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان إلي مكان كان قبضا و قال أيضا إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع- كفي في المنقول النقل من حيز إلي حيز و إن كان في موضع يختص به فالنقل من زاوية إلي أخري بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف و يكفي لدخوله في ضمانه و إن نقل بإذنه حصل القبض و كأنه استعار البقعة المنقول إليها

الثاني [لو كيل أو وزن قبل البيع فهل يجب اعتباره ثانيا لتحقق القبض]

اشارة

قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أولا بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه فإن كان الآخر فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم و إن كان الأول ففي افتقاره إلي الاعتبار ثانيا لأجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأول وجهان من إطلاق توقف الحكم علي الكيل و الوزن و قد حصلا و قوله ع في النص: حتي يكيله أو يزنه لا يدل علي اعتبار أزيد من اعتبار الكيل و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع و من أن الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع الثاني فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة و هو الأقوي و يدل عليه قوله ع: إلا أن يوليه- فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية و غيرها فدل علي أن ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع انتهي المهم من كلامه رحمه الله أقول يبعد التزام القائلين بهذا القول- ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف في بعضه في ضمان البائع حتي يكيله ثانيا أو يزنه و إن لم يرد بيعه ثانيا و كذا لو كاله و قبضه ثم عقد عليه

[كلمات الفقهاء في المسألة]

اشارة

و قد تفطن لذلك المحقق الأردبيلي رحمه الله فيما حكي من حاصل كلامه حيث نزل ما دل علي اعتبار الكيل و الوزن في البيع الثاني علي ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه بل وقع البيع الأول من دون كيل كما إذا اشتري أصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشتري بإخبار البائع أما إذا كاله بحضور المشتري ثم باعه إياه فأخذه و حمله إلي بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوزا للبيع و لا يلزم تكلف البائع بكيله مرة أخري للإقباض إلي أن قال ما حاصله أن كون وجوب الكيل مرة أخري للقبض مع تحققه أولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة قدس الله أسرارهم و قواه ليس بقوي انتهي و قال في جامع المقاصد عند شرح قول المصنف إن التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال أو يوزن علي رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع و لا بد من رفع البائع يده عنه فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده فلا تسليم و لا قبض و لو أخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدقه و أخذ علي ذلك حصل القبض كما نص عليه في التذكرة ثم قال و لو أخذ المبيع جزافا أو أخذ ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه صح و إلا فلا ذكره في التذكرة و الذي ينبغي أن يقال إن هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلي المشتري و انتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط علي بيعه لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه علي التحريم أو الكراهة و لو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه ثم اشتراه و أخذه بذلك الكيل فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن بل هو أولي انتهي ثم الظاهر أن مراد المسالك مما نسبه إلي العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لأجل القبض ما ذكره في القواعد تفريعا علي هذا القول أنه لو اشتري مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض قال في جامع المقاصد في شرحه إنه لو اشتري ما لا يباع إلا مكايلة و باع كذلك لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد لأن كل بيع لا بد له من قبض قال بعد ذلك و لو أنه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفي به أو أخبره البائع فصدقه لكفي نقله و قام ذلك مقام كيله و في الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض قال نعم لو خلي بينه و بين المكيل فامتنع حتي يكتاله لم ينتقل إليه الضمان و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض انتهي و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لأجل القبض و إن كيل أو وزن قبل ذلك

[عدم ظهور كلمات الفقهاء في وجوب الاعتبار مرة أخري]

اشارة

لكن الإنصاف أنه ليس في كلامهم و لا غيرهم ما يدل علي أن الشي‌ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة أخري لتحقق القبض كما يظهر من المسالك فلا يبعد أن يكون كلام الشيخ قدس سره و من تبعه في هذا القول و كلام العلامة و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد علي كيل معلوم من كلي أو من صبرة معينة أو علي جزئي محسوس علي أنه كذا و كذا فيكون
المكاسب، ج‌3، ص 312
مراد الشيخ و الجماعة من قولهم اشتري مكايلة أنه اشتري بعنوان الكيل و الوزن في مقابل ما إذا اشتري ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد لكونه لغوا و الظاهر أن هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع أيضا من الرهن و الهبة فلو رهن إناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا علي القول بجواز هبة المجهول فالظاهر أنه لا يقول أحد بأنه يعتبر في قبضه وزنه مع عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه أصلا. نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن أمكن القول باشتراط اعتباره في قبضه و إن قبضه جزافا كلا قبض فظهر أن قوله في القواعد اشتري مكايلة و هو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول كما عرفت عند نقل الأقوال يراد به ما ذكرنا لا ما عرفت من جامع المقاصد و يؤيده تكرار المكايلة في قوله و باع مكايلة و يشهد له أيضا قول العلامة في غير موضع من التذكرة لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة و يشهد له أيضا قوله في موضع آخر لو أخذ ما اشتري كيلا وزنا و بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه إلخ و أظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط فإنه بعد ما صرح باتحاد معني القبض في الرهن و غيرهما ذكر أنه لو رهن صبرة علي أنه كيل كذا فقبضه أن يكيله و لو رهنها جزافا فقبضه أن ينقله من مكانه مع أنه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا فافهم و أما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض فلا يبعد أن يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه و بينه فامتنع حتي يكتاله و مورده بيع كيل معين كلي فلا يدل علي وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد

[استثناء بيع التولية ليس قرينة علي وجوب الاعتبار مرة أخري]

ثم إن ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب أولا من أن قوله: لا يبعه حتي يكيله يصدق مع الكيل السابق ثم استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية أن المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه إذ المراد من الكيل و الوزن في تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول و الثاني و هذا غير قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول فلا وجه لما ذكره أولا أصلا و لا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتي يكون استثناء التولية قرينة علي عدم إرادته لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما علي الاعتبار لأن السؤال عن بيع الشي‌ء قبل قبضه ثم الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن إرجاعها إلي السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا و جوابا نص في إرادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها فالأولي أن استثناء التولية ناظر إلي الفرق بين البيع مكايلة بأن يبيعه ما اشتراه علي أنه كيل معين فيشترط قبضه بالكيل و الوزن ثم إقباضه و بين أن يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله و وزنه فلا يعتبر توسط قبض بينهما بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول. و بالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي‌ء أولا قبل البيع ثم العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل و أن بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج إلي كيل جديد لقبض البيع الأول لا لاشتراط معلومية البيع الثاني أم لا بل ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة
@@@@@@@@@@@@@@@@

القول في وجوب القبض

مسألة يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع

اشاره

لاقتضاء العقد لذلك فإن قال كل منهما لا أدفع حتي أقبض فالأقوي إجبارهما معا وفاقا للمحكي عن السرائر و الشرائع و كتب العلامة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها- و عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه لما في التذكرة- من أن كلا منهما قد وجب له حق علي صاحبه و عن الخلاف أنه يجبر البائع أولا علي تسليم المبيع ثم يجبر المشتري علي تسليم الثمن سواء كان الثمن عينا أو في الذمة لأن الثمن إنما يستحق علي المبيع فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن و لعل وجهه دعوي انصراف إطلاق العقد إلي ذلك و لذا استقر العرف إلي تسمية الثمن عوضا و قيمة و لذا يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع كما يقبحون مطالبة الأجرة قبل العمل أو دفع العين المستأجرة و الأقوي ما عليه الأكثر-

[محل الخلاف في المسألة]

اشاره

ثم إن ظاهر جماعة أن محل في هذه المسألة بين الخاصة و العامة ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في البدأة و التسليم لا ما إذا امتنع أحدهما عن البذل قال في المبسوط بعد اختياره أولا إجبارهما معا علي القابض ثم الحكم بأن تقديم البائع في الإجبار أولي قال هذا إذا كان كل منهما باذلا و أما إذا كان أحدهما غير باذل أصلا و قال لا أسلم ما علي أجبره الحاكم علي البذل فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أن أيهما يدفع هذا إذا كان موسرا قادرا علي إحضار الثمن فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع إلي عين ماله كالمفلس انتهي و قال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا إن قلنا بوجوب البدأة للبائع فليس له حبس المبيع إلي استيفاء الثمن و إلا فله ذلك و نازع أكثر الشافعية فيه و قالوا هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد البدأة و كان كل منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه فأما إذا لم يبذل البائع المبيع و أراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف و كذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع انتهي. و قد صرح بعض آخر أيضا بعدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر من التسليم و لعل الوجه فيه أن عقد البيع مبني علي التقابض و كون المعاملة يدا بيد فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه و التزم علي صاحبه أن لا يسلمه مع الامتناع فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه فلا يرد أن وجوب التسليم علي كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر فلا يسقط التكليف بإزاء مال الغير عن أحدهما بمعصيته الآخر و أن ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين-

فلو كان أحدهما مؤجلا

لم يجز حبس الآخر. قال في التذكرة و لو لم يتفق تسليمه حتي حل الأجل لم يكن له الحبس أيضا و لعل وجهه أن غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق علي تسليم المؤجل أصلا و هذا مما يؤيد أن حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس علي الآخر فيكون الحبس بإزاء الحبس.

[لو قبض الممتنع بدون رضا صاحبه]

ثم إن مقتضي ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه أنه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض فصحة القبض بأحد أمرين
المكاسب، ج‌3، ص 313
أما إقباض ما في يده لصاحبه فله حينئذ قبض ما في يد صاحبه و لو بغير إذنه و أما إذن صاحبه سواء أقبض ما في يده أم لا كما صرح بذلك في المبسوط و التذكرة و صرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير إذنه لأن له حق الحبس و التوثق إلي أن يستوفي العوض و في موضع من التذكرة أنه لا ينفذ تصرفه فيه و مراده التصرف المتوقف علي القبض كالبيع أو مطلق الاستبدال

ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم

إما لوجوبه عليه كالبائع علي قول الشيخ أو لتبرعه بذلك أجبر الآخر علي التسليم و لا يحجر عليه في ما عنده من العوض و لا في مال آخر لعدم الدليل.

مسألة يجب علي البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا و من غيرها في الجملة

اشاره

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة إلي التسليم و إن أوهمه بعض العبارات ففي غير واحد من الكتب أنه يجب تسليم المبيع مفرغا و المراد إرجاع الحكم إلي القيد و إلا فالتسليم يحصل بدونه و قد تقدم عن التذكرة

[الاستدلال عليه]

و كيف كان فيدل علي وجوب التفريغ ما دل علي وجوب التسليم فإن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة إلي غرض المتعاقدين و إن ترتب عليه أحكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري و نحوه

[لو مضت مدة و لم يتمكن البائع من التفريغ أو لم يفرغ]

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا فإن تعذر ففي أول أزمنة الإمكان و لو تراخي زمان الإمكان و كان المشتري جاهلا كان له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه و في ثبوت الأجرة- لو كان لبقائه أجرة إلي زمان الفراغ وجه

[لو كان في الأرض زرع للبائع]

و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالأجرة كما جزموا بها مع امتناعه من أصل التسليم و لو كان في الأرض زرع قد أحصد وجب إزالته لما ذكرنا و إن لم يحصد وجب الصبر إلي بلوغ أوانه للزوم تضرر البائع بالقلع و أما ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل كما لو وجدها مستأجرة و من ذلك يعلم عدم الأجرة لأنه اشتري أرضا تبين أنها مشغولة فلا يثبت أكثر من الخيار و يحتمل ثبوت الأجرة لأنه اشتري أرضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين إبقائه بالأجرة و بين قلعه لتقديم ضرر القلع علي ضرر فوات منفعة الأرض بالأجرة و يحتمل تخيير المشتري بين إبقائه بالأجرة و قلعه بالأرش و يحتمل ملاحظة الأكثر ضررا

و لو احتاج تفريغ الأرض إلي هدم شي‌ء هدمه بإذن المشتري

و عليه طم ما يطم برضا المالك و إصلاح ما استهدم أو الأرش علي اختلاف الموارد فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه إصلاحه إعادته بخلاف هدم حائط فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب الأرش له و المراد بالأرش قيمة الهدم لا أرش العيب.
و بالجملة فمقتضي العرف إلحاق بعض ما استهدم بالمثلي و بعضه بالقيمي و لو ألحق مطلقا بالقيمي كان له وجه و يظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير إذن صاحبه أقوال ثلاثة الإعادة مطلقا كما في الشرائع و عن المبسوط و الأرش كذلك كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين و التفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين و المزارع و إلا فالأرش كما عن الدروس و الظاهر جريان ذلك في كسر الباب و الشبابيك و فتق الثوب من هذا القبيل.

مسألة لو امتنع البائع من التسليم

فإن كان لحق كما لو امتنع المشتري عن تسليم الثمن فلا إثم و هل عليه أجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد إلا أن منافع الأموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها و علي المشتري نفقة المبيع. و في جامع المقاصد ما أشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتي تقبض المهر فإن في استحقاقها النفقة ترددا قال و يحتمل الفرق بين الموسر و المعسر انتهي و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين و لو طلب من البائع الانتفاع به في يده ففي وجوب إجابته وجهان و لو كان امتناعه لا لحق- وجب عليه الأجرة لأنه عاد و مقتضي القاعدة أن نفقته علي المشتري

الكلام في أحكام القبض

اشارة

الكلام في أحكام القبض
و هي التي تلحقه بعد تحققه

مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلي القابض

اشارة

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه إجماعا مستفيضا- بل محققا و يسمي ضمان المعاوضة

[الاستدلال عليه بالنبوي المشهور]

و يدل عليه قبل الإجماع النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و ظاهره بناء علي جعل من للتبعيض أنه بعد التلف يصير مالا للبائع لكن إطلاق المال علي التالف إنما هو باعتبار كونه مالا عند التلف و بهذا الاعتبار يصح أن يقع هو المصالح عنه إذا أتلفه الغير لا قيمته كما صرح به في باب الصلح من الشرائع و التحرير و حينئذ فلا بد من أن يكون المراد بالنبوي أن المبيع يكون تالفا من مال البائع و مرجع هذا إلي انفساخ العقد قبل التلف آنا ما ليكون التالف مالا للبائع.
و الحاصل أن ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف علي مال البائع و مرجعه إلي ما ذكره في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من أنه يتجدد انتقال الملك إلي البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان و ربما يقال تبعا للمسالك إن ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع يوهم خلاف هذا المعني و لعله لدعوي أن ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله بمعني كون دركه عليه فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة.

[الضمان في المسألة ضمان المعاوضة لا ضمان اليد]

و مما ذكرنا من أن معني الضمان هنا يرجع إلي انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع في ملك البائع و يسمي ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري كما في المغصوب و المستام و غيرهما و يسمي ضمان اليد يعلم أن الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي فلا يقبل الإسقاط و لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط كما نص عليه في التذكرة و الدروس و ليس الوجه في ذلك أنه إسقاط ما لم يجب كما قد يتخيل.

[الاستدلال علي ضمان البائع قبل القبض برواية عقبة أيضا]

و يدل علي الحكم المذكور أيضا رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع:
في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله و لعل الرواية أظهر دلالة- علي الانفساخ قبل التلف من النبوي

[عدم الخلاف في المسألة]

و كيف كان فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد و إنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف من مال البائع فيرتكب بقدر الضرورة

[نماء المبيع قبل التلف للمشتري]

و يترتب علي ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و في معناه الركاز الذي يجده
المكاسب، ج‌3، ص 314
العبد و ما وهب منه فقبله و قبضه أو أوصي له به فقبله كما صرح به في المبسوط و التذكرة و صرح العلامة بأن مئونة تجهيزه لو كان مملوكا علي البائع و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار علي الحكم الثابت المحوج إلي ذلك التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال بأن التلف من البائع يدل التزاما علي الفسخ الحقيقي

[تعذر الوصول بحكم التلف]

ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل سرقته علي وجه لا يرجي عوده و عليه تحمل رواية عقبة المتقدمة. قال في التذكرة وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش و لو غرق البحر الأرض المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل أو كسيها رمل فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار للشافعية وجهان أقواهما الثاني و لو أبق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود انتهي و في التذكرة أيضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن و هو معسر مع عدم الإقباض احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن و الصبر ثلاثة أيام للرواية و الأول أقوي لورودها في الباذل و إن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد له مالا قضاه و إلا باع المبيع و قضي منه و الفاضل للمشتري و المعوز عليه انتهي و في غير موضع مما ذكره تأمل

[لو كان القبض غير واجد لشرائط الصحة]

ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب أنه لا يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه فلو وقع بغير إذن ذي اليد كفي في رفع الضمان- كما صرح به في التذكرة و الدروس و غيرهما و لو لم يتحقق الكيل و الوزن بناء علي اعتبارهما في قبض المكيل ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان قال في التذكرة في باب بيع الثمار إنه لو اشتري طعاما مكايلة فقبض جزافا فهلك في يده فهو من ضمان المشتري لحصول القبض و إن جعلنا الكيل شرطا فيه فالأقرب أنه من ضمان البائع انتهي و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء علي اشتراط الكيل في القبض و لا يخلو عن قوة

[هل يكتفي بالتخلية في سقوط الضمان]

و هل يكتفي بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا في سقوط الضمان قولان لا يخلو السقوط من قوة و إن لم نجعله قبضا و كذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه و لم ينقله بناء علي اعتبار النقل في القبض هذا كله حكم التلف السماوي.

و أما الإتلاف

اشارة

فإما أن يكون من المشتري و إما أن يكون من البائع و إما أن يكون من الأجنبي

فإن كان من المشتري

فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط الضمان لأنه قد ضمن ماله بإتلافه و حجته الإجماع لو تم و إلا فانصراف النص إلي غير هذا التلف فيبقي تحت القاعدة. قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما و إن كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلي المشتري فأكله هل يجعل قابضا الأقرب أنه لا يصير قابضا و يكون بمنزلة إتلاف البائع ثم مثل له بما قدم المغصوب إلي المالك فأكله أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به أما مع عدم الغرور ففي كونه كالتلف السماوي وجهان- و لو صال العبد علي المشتري فقتله دفعا ففي التذكرة أن الأصلح أنه لا يستقر عليه الثمن. و حكي عن بعض الشافعية الاستقرار لأنه قتله في عرض نفسه

و لو أتلفه البائع

ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير لعموم التلف في النص- لما كان بإتلاف حيوان أو إنسان أو كان بآفة أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة إتلاف مال الغير أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن إما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير المالك في العمل بأحدهما و إما لأن التلف علي هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر الانفساخ التسليم هنا و هذا هو الأقوي و اختاره في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها و عن حواشي الشهيد نسبه إلي أصحابنا العراقيين فإن اختار المشتري القيمة فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان من أنها بدل عن العين و من أن دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل أقواهما العدم و لو قبض المشتري بغير إذن البائع حيث يكون له الاسترداد فأتلفه البائع في يد المشتري ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد كما أن إتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض أو كونه إتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض و إن كان ظالما فيه وجهان اختار أولهما في التذكرة

و لو أتلفه أجنبي

جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة إلا أن المتعين منها هو التخيير لما تقدم و لو لا شبهه الإجماع علي عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ إلي غير ذلك.

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين

في جميع ما ذكر كما صرح في التذكرة و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر أن بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
قال في المبسوط لو اشتري عبدا بثوب و قبض العبد و لم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه و إذا باعه و سلمه ثم تلف الثوب انفسخ البيع و لزمه قيمة العبد لبائعه لأنه لا يقدر علي رده انتهي و في باب الصرف من السرائر نظير ذلك و قد ذكر هذه المسألة أيضا في الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها أعني مسألة من باع شيئا معينا بشي‌ء معين ثم بيع أحدهما ثم تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الأول و قد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة أيضا و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة و يمكن أن يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله بناء علي عود ضمير الحق إلي البائع بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء علي صدق المبيع علي الثمن قال كما في التذكرة- أو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض فإن كانت في يد المشتري فكإتلافه و إن كانت في يد البائع فكإتلافه و إن كانت في يد أجنبي فكإتلافه و إن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلي آدمي فكان كالسماوية انتهي ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به في هذا الحكم لم أجد أحد أصرح بذلك نفيا أو إثباتا نعم ذكروا في الإجارة و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم إلا أنه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات علي وجه يظهر كونه
المكاسب، ج‌3، ص 315
من المسلمات قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو بالتفريط و يسمي ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه إلي أن قال أما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كمال الصلح و الأجرة المعينة لما تقدم و قال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع انتهي و ظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة و العامة.

مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه

فإن كان مما يقسط الثمن عليه انفسخ البيع فيه

فيما يقابله من الثمن لأن التالف مبيع تلف قبل قبضه فإن البيع يتعلق لكل جزء إذ البيع عرفا ليس إلا التمليك بعوض و كل جزء كذلك. نعم إسناد البيع إلي جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل و لذا لم يطلق علي بيع الكل البيوع المتعددة و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في المسألة

إن كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن

كيد العبد فالأقوي أنه كالوصف الموجب للتعيب فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد فالمشتري مخير بين الرد و الأرش و إلا كان له الرد فقط بل عن الإيضاح أن الأرش هنا أظهر لأن المبيع هو مجموع بدن العبد و قد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة و فيه تأمل بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا مع قوله به في العيب فتأمل.

و كيف كان فالمهم نقل الكلام إلي حكم العيب الحادث قبل القبض

اشارة

و الظاهر المصرح به في كلام غير واحد أنه لا خلاف في أن للمشتري الرد-

و أما الخلاف في الأرش

اشارة

ففي الخلاف عدمه مدعيا عدم الخلاف فيه و هو المحكي عن الحلي و ظاهر المحقق و تلميذه و كاشف الرموز لأصالة لزوم العقد و إنما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري به و عن النهاية ثبوته و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم و عن المختلف نقله عن القاضي و الحلبي و عن المسالك أنه المشهور-

[المشهور ثبوت الأرش و الاستدلال عليه]

اشارة

و استدلوا عليه بأن الكل مضمون قبل القبض فكذا أبعاضه و صفاته و أورد عليه بأن معني ضمان الكل انفساخ العقد و رجوع الثمن إلي المشتري و المبيع إلي البائع. و هذا المعني غير متحقق في الوصف لأن انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن بل يقابل بالأعم منه و مما يساويه من غير الثمن لأن الأرش لا يتعين كونه من عين الثمن و يدفع بأن وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده بل لا يضمن بمال أصلا لجواز إمضاء العقد علي المعيب بلا شي‌ء و حينئذ فتلفه علي المشتري لا يوجب رجوع شي‌ء إلي المشتري فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف الكل و الأجزاء المستقلة في التقويم. فحاصل معني الضمان إذا انتفي وصف الصحة قبل العقد أو انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين و أن العقد من هذه الجهة كأن لم يكن و لازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع و انفساخه بالنسبة إلي بعض أجزائه إذا تلف البعض و انفساخ العقد بالنسبة إلي الوصف بمعني فواته في ملكه و تقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلي حدوث هذا العيب فكان العيب حدث قبل العقد و العقد قد وقع علي عين معيبة فيجري فيه جميع أحكام العيب من الخيار و جواز إسقاط الخيار ردا و أرشا

[ما يؤيد ثبوت الأرش]

و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معني الضمان بالنسبة إلي ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في أيام الخيار و تعيبه في صحيح ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك قال علي البائع يمضي الشرط. فقوله ع: علي البائع حكم بالضمان لموت العبد و حدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف و معناه تقدير وقوعه في ملك البائع.

[الإشكال في ثبوت الأرش]

نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل علي ضمان الوصف لأن الضمان بهذا المعني حكم مخالف للأصل يقتصر فيه علي محل النص و الإجماع و هو تلف الكل أو البعض و لو لا الإجماع علي جواز الرد لأشكل الحكم به أيضا إلا أنه لما استند في الرد إلي نفي الضرر قالوا إن الضرر المتوجه إلي المبيع قبل القبض يجب تداركه علي البائع و حينئذ فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس إلي المعاوضة فيكون في الرد ضرر و كذلك في الإمساك بغير أرش فيوجب التخيير بين الرد و الأرش لنفي الضرر لكن فيه أن تدارك ضرر الصبر علي المعيب يتحقق بمجرد الخيار في الفسخ و الإمضاء كما في سائر موارد الضرر الداعي إلي الحكم بالخيار هذا

[الأقوي قول المشهور]

و مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة
هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية

و أما لو تعيب بفعل أحد

فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه و إلا كان له علي الجاني أرش جنايته- لعدم الدليل علي الخيار في العيب المتأخر إلا أن يكون بآفة سماوية و يحتمل تخيير المشتري بين الفسخ و الإمضاء مع تضمين الجاني لأرش جنايته بناء علي جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار و مع الفسخ يرجع البائع علي الأجنبي بالأرش- .

مسألة الأقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية

لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه إلا توليه فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه و صحيح الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله ع قال: في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتال قال لا يصلح له ذلك و صحيحة الآخر في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموا أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس به و قال إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال بناء علي أن المراد قبل أن يقبضه من البائع أما إذا أريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا يدل علي ما نحن فيه لتحقق القبض بحصوله في يد أحد الشركاء المأذون عن الباقي. و رواية معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن أ له أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن فإن هو قبضه كان أبرء لنفسه و صحيح الحلبي: في الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتي يقبضه و إن كان تولية فلا بأس و خبر حزام المروي عن مجالس الطوسي
المكاسب، ج‌3، ص 316
قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن أقبضه فأردت بيعه فسألت النبي ص فقال لا تبعه حتي تقبضه و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام إلي أجل مسمي فطلبه التجار مني بعد ما اشتريت قبل أن أقبضه قال لا بأس إلي أن تبيع إلي أجل كما اشتريت إليه الخبر و المراد تأجيل الثمن و قوله كما اشتريت إشارة إلي كون البيع تولية فيدل علي ثبوت البأس في غير التولية و مصححة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتي يقبض و إن كان تولية فلا بأس و في معناها رواية أخري خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي و المشهور بين المتأخرين- فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة إلي الكراهة مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله فأقول له ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته قال لا بأس و رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس.

[الأولي حمل الروايات المجوزة علي التولية]

اشارة

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها علي التولية و هو أولي من حمل تلك الأخبار علي الكراهة مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول و إن كانت أخف

[الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير و المناقشة فيه]

و من ذلك يعلم ما في الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح به أو يضع و ما كان عنده من شي‌ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه بناء علي أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة فإن ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية لأنه في قوة أن ذلك في التولية ليس مما لا يعجبني مع أن القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها في أصل الكراهة و إن صرح بعضهم بكونها في التولية أخف

و ربما يستدل علي الجواز بصحيحتي الحلبي و ابن مسلم

في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها لكن لا يبعد إرادة الثمرة علي الشجرة فيخرج عن المكيل و الموزون

و ربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السلم علي من هو عليه

بناء علي عدم الفرق بين المسألتين و فيه تأمل لعدم ثبوت ذلك بل الظاهر أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض علي غير البائع كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا. و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض علي بائعه مسألة أخري ذكرها بعد مسألتنا و فروعها و ذكر أن المجوزين في المسألة الأولي جزموا بالجواز هنا و اختلف المانعون فيها هنا و من العجب ما عن التنقيح من الإجماع علي جواز بيع السلم علي من هو عليه مع إجماع المبسوط علي المنع عن بيع السلم قبل القبض مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه و غيره

[الحكم في غير المكيل و الموزون]

ثم إن صريح التحرير و الدروس الإجماع علي الجواز في غير المكيل و الموزون مع أن المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا و نسبه في موضع آخر إلي جماعة منا و صريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول قال في باب السلم إذا أسلف في شي‌ء فلا يجوز أن يشرك فيه غيره و لا أن يوليه لأن النبي ص نهي عن بيع ما لم يقبض و قال: من أسلف في شي‌ء فلا يصرفه إلي غيره إلي أن قال و بيوع الأعيان مثل ذلك إن لم يكن قبض المبيع فلا يصح الشركة و لا التولية و إن كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف و قد روي أصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض

[أقوال خمسة في بيع المكيل و الموزون قبل القبض]

ثم إن المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها و هو عجيب فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة لأقوال علمائنا و هي الكراهة مطلقا و المنع مطلقا و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم و هو قول الشيخ في المبسوط مدعيا عليه الإجماع و بالكراهة و العدم و هنا سادس اختاره في التحرير و هو التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة في غيره من المكيل و الموزون. و المراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أعد للأكل كما قيل إنه موضوع له لغة و يحتمل أن يكون خصوص الحنطة و الشعير بل قيل إنه معناه شرعا و حكي عن فخر الدين نقله عن والده و حكي اختياره عن بعض المتأخرين و عن الشهيد أنه حكي عن التحرير أنه الحنطة خاصة و حكي عن بعض أهل اللغة ثم إن الظاهر أن أصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف و كون المبيع مضمونا علي البائع فولاية المشتري علي التصرف ضعيفة. و ذكر في التذكرة الكلي غير المقبوض في فروع المسألة و قال المبيع إن كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولي فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به و به قال الشافعي انتهي. و كيف كان فلا فرق في النص و الفتوي بناء علي المنع بين المبيع المعين و الكلي بل و لا بناء علي الجواز

[هل المنع تكليفي أو وضعي]

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

و ينبغي التنبيه علي أمور

اشارة

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

الأول أن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم

فيصح بيعه قبل قبضه قال في المبسوط أما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه و إن كان في الذمة فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا فأما إذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل القبض و في موضعين من التذكرة قوي الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره و لو أحال من له طعام من سلم إلخ. و استدل عليه في التذكرة بقول الصادق ع: و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم إلي أجل فلما بلغ الأجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما قال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء و يمكن أن يقال إن المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا أيضا كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه فلا يعم إلا بعدم الفصل لو ثبت و
المكاسب، ج‌3، ص 317
صرح في أواخر باب السلم بإلحاق الثمن المعين بالمبيع و يؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين.

الثاني هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال

فلا يجوز جعله ثمنا و لا عوضا في الصلح و لا أجرة و لا وفاء عما عليه أم يختص بالبيع ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع و أظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة الأقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات و أظهر من الكل قوله في مواضع أخر لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي لم يجز عند الشافعي لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض و الأولي عندي الجواز و ليس هذا بيعا و إنما هو نوع معاوضة انتهي و أصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في أحكامه و قد صرح جامع المقاصد أيضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره و قد تقدم في كلامه أنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به لكن العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض مع أن ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار في مطلق التصرف فضلا عن المعاوضة. و قد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بأنها معاوضة و المعاوضة علي المسلم فيه قبل القبض غير جائز و هو و إن رجع عن الصغري فيما بعد ذلك لكنه لم يرجع عن الكبري. و صرح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي أعني إحالة من عليه طعام لغريمه علي من له عليه طعام علي أن الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء و أن المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه و إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من إرادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم إن الحوالة بيع أو ليست بيعا بل هذه أظهر في كلماتهم.
و قد صرح الأكثر بأن تراضي المسلم و المسلم إليه علي قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا بأخباره علي جوازه و يؤيده أيضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام علي عمرو سلما و لخالد مثله علي زيد فقال زيد اذهب إلي عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه لم يصح لخالد عند أكثر علمائنا و به قال الشافعي و أحمد: لأن النبي ص نهي عن بيع الطعام بالطعام حتي يجزي فيه صاعان صاع البائع و صاع المشتري و سيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة علي مسألة البيع قبل القبض. نعم ذكر الشهيد أنه كالبيع قبل القبض و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما و اقبضه لنفسك علي حكم البيع قبل القبض و كيف كان فالمسألة محل إشكال من حيث اضطراب كلماتهم إلا أن الاقتصار في مخالفة الأصل علي المتيقن هو المتعين و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الإجارة و الخلع كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الإرث و القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها. نعم لو ورث ما اشتري و لم يقبض أو أصدقه أو عوض عن الخلع جري الخلاف في بيعه.

الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع به

فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع كما لو نهي عن بيع أم الولد أو حلف علي أن يبيع مملوكه حيث لا فرق بين إيقاع البيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع ظاهر النص و الفتوي و إن كان هو الأول بل هو المتعين في الأخبار المفصلة بين التولية و غيرها إلا أن المعني الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الأخبار و عليه فلو كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم و قال اشتر لي بها طعاما و اقبضه لنفسك جري فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض كما صرح به في الدروس و لكن في بعض الروايات دلالة علي الجواز مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون له علي الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلي بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال أري أن يولي ذلك غيرك و تقوم معه حتي يقبض الذي لك و لا تتول أنت شراءه و في موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة و المطلوب صحة الشراء و عدم جواز الاستيفاء ثم إن هذا كله إذا كان الطعام المشتري شخصيا. و أما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشتري موقوف علي قبضه ثم إقباضه و بدون ذلك لا يمكن الإيفاء إلا بالحوالة أو التوكيل فيدخل المسألة فيما ذكره في الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط بل نسب إلي المشهور من أنه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر فإنه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و ذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم فالأقوي الكراهة و علي التحريم يبطل لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و بني في الإيضاح جريان الخلاف في المسألة علي أن الحوالة معاوضة علي مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه و أنكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقبض بناء علي أن الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا بل هي استيفاء. أقول ذلك إما وكالة و إما حوالة و علي كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف لمطلق المعاوضة و يكون البيع كناية عنها و لذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة إلي أكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض. و استند الشيخ رحمه الله أيضا في المنع إلي الإجماع علي عدم جواز بيع ما لم يقبض و قد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة و لعله لذا قال الشهيد في الدروس في حكم المسألة إنه كالبيع قبل القبض لكنه رحمه الله تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه إدراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة علي أفراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد و انصب العقد عليه فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان قد جعل عقد السلم معه و أرادا علي ما في ذمة المسلف منه و لما يقبضه بعد و لا ريب أنه مملوك له بالبيع فإذا جعل موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان و يلحق بالباب
المكاسب، ج‌3، ص 318
و هذا من لطائف الفقه انتهي و اعترضه في المسالك بأن مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان أمرا كليا كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلي و ما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع و إن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة فإنها ليست عينه و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق إلي الذمة و المبيع المعين ليس كذلك و حينئذ فانصباب العقد علي ما قبض و كونه حينئذ مبيعا غير واضح فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير متوجه انتهي أقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع و إن كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه إلا أنه يصدق عليه انتقاله إلي المشتري بعقد البيع فإذا نهي الشارع عن بيع ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أم الولد و عن بيع ما حلف علي ترك بيعه فإنه لا فرق بين إيقاع العقد عليه و بين دفعه عن الكلي المبيع لكن يرد علي ما ذكره الشهيد عدم تشخيص الكلي بالكلي إلا بالحوالة الراجعة إلي الاستيفاء أو المعاوضة و هذا لا يسوغ إطلاق البيع علي الكلي المتشخص به بحيث يصدق أنه انتقل إلي المحال بناقل البيع. نعم هذا التوجيه إنما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس و هو ما إذا أمره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتراه للمشتري فإن مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه فيصدق أنه انتقل بالبيع قبل أن يقبض و يمكن أن يقال إن تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشتري يكفي فيه إذن البائع في قبض بعض أفراد الكلي المشتري من دون حاجة إلي حوالة فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق أنه انتقل بالبيع قبل القبض و كيف كان فالأظهر في وجه إدخال هذه المسألة في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال حتي المحقق بالحوالة و إن لم نقل بكونها بيعا و المسألة تحتاج إلي فضل تتبع و الله الموفق. و استدل في الحدائق علي الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح و موثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل عليه كر من طعام فاشتري كرا من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوف كرك قال لا بأس به و فيه أنه لا دلالة لها علي محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين و مورد الرواية إعطاء ما اشتري به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم أنه سلم أو قرض أو غيرهما و قد استدل به في التذكرة علي جواز إيفاء القرض بمال السلم و لذا قال جامع المقاصد في شرح قوله رحمه الله و لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سام إلخ فإن قلت لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض و إذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا لإمكان اعتباره ثمنا إذ لا معين لأحدهما انتهي و يمكن أن يقال إن ظاهر الحوالة بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا في ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه عليه فماله معوض و مال غريمه عوض فإذا كان ماله علي غريمه سلما كفي في المنع عن تمليكه بإزاء مال غريمه عليه لأنه من بيع ما لم يقبض و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية. نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله أمكن خروجه عن المسألة لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا و إلي هذا ينظر بقوله في القواعد و التحرير تبعا للشرائع و لو كان المالان أو المحال به قرضا صح. و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه لتخصيص المحال به بالذكر مع أن العكس كذلك و استحسان تعبير الدروس بلفظ أحدهما ثم قال و ليس له أن يقول إن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر إذ ربما يقال إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء و كل ذلك ضعيف انتهي. و فيه ما لا يخفي فإن الباء هنا ليس للعوض و ظهور الحوالة في كون إنشاء التمليك من المحيل لا ينكر و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه كما في المشتري المقدم لقبوله علي الإيجاب بعيد و يدل علي هذا أيضا قولهم إن الحوالة بيع فإن ظاهره كون المحيل بائعا ثم إن المفروض في المسألة المذكورة ما لو أذن المحيل المحال في اكتياله لنفسه بأن يأتي بلفظ الإحالة كما في عبارة القواعد أو يقول له اكتل
لنفسك كما في عبارتي المبسوط و الشرائع أما لو وكله في القبض عن الآذن ثم القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني علي جواز تولي طرفي القبض و الأقرب صحته لعدم المانع.

الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع إلي من له عليه طعام دراهم و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح

لأن مال الغير يمتنع شراء شي‌ء به لنفسه و وجهه أن قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلي ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر فلو انتقل إلي غيره لم يكن عوضا و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة علي القول بإفادتها للإباحة فإنه يجوز أن يشتري به شيئا لنفسه علي ما في المسالك من جواز جميع التصرفات بإجماع القائلين بصحة المعاطاة. و أيضا فقد ذكر جماعة منهم العلامة في المختلف و قطب الدين و الشهيد علي ما حكي عنهما أن مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق علي ملكه و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء قال في المختلف بعد ما نقل عن الشيخ في النهاية أنه لو غصب مالا و اشتري به جارية كان الفرج له حلالا و بعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية و مذهب الحلي أن كلام النهاية يحتمل أمرين أحدهما اشتراء الجارية في الذمة كما ذكره في غير النهاية الثاني أن يكون البائع عالما بغصب المال فإن المشتري حينئذ يستبيح وطء الجارية و عليه وزر المال انتهي و قد تقدم في فروع بيع الفضولي و في فروع المعاطاة نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما و يمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك المتصرف كما يلزمهم القول بذلك في وطء الجارية المأخوذة بالمعاطاة و توجيه الثاني بأنه في معني تمليك ماله مجانا بغير عوض و كيف كان فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه و إذا ثبت علي غير ذلك فلا بد من توجيهه إما بانتقال أحد العوضين إلي غير مالكه قبل المعاوضة و إما بانتقال العوض الآخر إليه بعدها. و من هنا يمكن أن يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك علي إرادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعني اشتر في ملكي و خذه لنفسك كما ورد في مورد بعض الأخبار السابقة: اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك و يمكن أن يقال إنه إذا اشتري لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا كما لو باع الغير لنفسه فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض تعين له. و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله علي مالك الطعام فافهم.

مسألة لو كان له طعام علي غيره- فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته

اشارة

فهنا مسائل ثلاث

أحدها أن يكون المال سلما

بأن أسلفه طعاما في العراق و طالبه بالمدينة مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة- فلا إشكال
المكاسب، ج‌3، ص 319
في عدم وجوب أدائه في ذلك البلد و أولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم و تراضيا علي ذلك قال الشيخ لم يجز- لأنه بيع الطعام قبل قبضه و هو حسن بناء علي إرادة بيع ما في ذمته بالقيمة أو إرادة مطلق الاستبدال من البيع المنهي عنه أما لو جعلنا المنهي عنه عن خصوص البيع و لم يحتمل التراضي علي خصوص كون القيمة ثمنا بل احتمل كونه مثمنا و السلم ثمنا فلا وجه للتحريم لكن الإنصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية فيبني الحكم علي انصراف التراضي المذكور إلي البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال و أما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره علي ذلك قولان المشهور كما قيل العدم- لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة. و عن جماعة منهم العلامة في التذكرة الجواز لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه و توضيحه أن الطعام قد حل و التقصير من المسلم إليه حيث إنه لو كان في ذلك البلد أمكنه أداء الواجب بتسليم المال إلي المشتري إن حضر و إلا دفعه إلي وليه و لو الحاكم أو عزله و كيف كان فتعذر البراءة مستند إلي غيبته فللغريم مطالبة قيمة بلد الاستحقاق حينئذ و قد يتوهم أنه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و إن كان أزيد قيمة كما سيجي‌ء القول بذلك في القرض و لو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة لبلد الاستحقاق فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق فيطالبه بنفس الحق.

الثانية أن يكون ما عليه قرضا

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة لأنه إنما يستحقها في بلد القرض فإلزامه بالدفع في غيره إضرار خلافا للمحكي عن المختلف و قواه جامع المقاصد هنا لكنه جزم بالمختار في باب القرض أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق فالظاهر جوازها وفاقا للفاضلين و حكي عن الشيخ و القاضي. و عن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من أن الحق هو الطعام علي أن يسلم في بلد الاستحقاق و قد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق فلا وجه لسقوطه غاية الأمر الرجوع إلي قيمته لأجل الإضرار و لذا لو لم يختلف القيمة فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر لكن مقتضي ملاحظة التضرر إناطة الحكم بعدم الضرر علي المقترض أو بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة كما فعله العلامة في القواعد و شارحه جامع المقاصد ثم إنه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر المثل في بلد المطالبة و فيه تأمل فتأمل. و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة و كأنه يتفرع علي ما عن الشهيد رحمه الله في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد القرض حتي مع عدم تضرره فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق أولي و لعله لأن مقتضي اعتبار بلد القرض أن ليس للمقرض إلا مطالبة تسليم ماله في بلد القرض و مجرد تعذره في وقت من جهة توقفه علي مضي زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة كما لو أخر التسليم اختيارا في بلد القرض أو احتاج تسليم المثل إلي مضي زمان فتأمل.

الثالثة أن يكون الاستقرار من جهة الغصب

فالمحكي عن الشيخ و القاضي أنه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب و لعله لظاهر قوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا و المالك لأضعافه في غيره يعد فقيرا فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الأزمان فإن اللازم علي هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه و حله أن المماثلة في الجنس و الصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية و لو لا قاعدة نفي الضرر و انصراف إطلاق العقد في مسألتي القرض و السلم لتعين ذلك فيهما أيضا و لو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد لأن اللازم عليه حينئذ المثل في هذا البلد لو تمكن فإذا تعذر قامت القيمة مقامه. و في المبسوط و عن القاضي قيمة بلد الغصب و هو حسن بناء علي حكمها في المثل و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره و يحتمل وقت التعذر لأنه وقت الانتقال إلي القيمة- . و في المسألة أقوال مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد فليراجع إلي هنا
المكاسب، ج‌4، ص 320

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.