المكاسب - الجزء الثاني

اشارة

سرشناسه : انصاري، مرتضي‌بن محمدامين، ق‌۱۲۸۱ - ۱۲۱۴
عنوان و نام پديدآور : ...المكاسب / مرتضي الانصاري؛ التحقيق مركز التحقيقات لموسسه احسن الحديث
مشخصات نشر : قم: احسن الحديث، ۱۴۲۱ق. = ۱۳۷۹.
مشخصات ظاهري : ج ۳
شابك : 964-5738-11-3(دوره) ؛ 964-5738-08-3۱۵۰۰۰ريال:(ج.۱) ؛ 964-5738-09-1۲۲۰۰۰ريال:(ج.۲) ؛ 964-5738-10-5۱۷۰۰۰ريال:(ج.۳)
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : كتابنامه
موضوع : معاملات (فقه)
شناسه افزوده : موسسه احسن الحديث. مركز تحقيقات
رده بندي كنگره : BP۱۹۰/۱/الف‌۸م‌۷ ۱۳۷۹
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۳۷۲
شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۹-۲۷۷۱

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم إلي يوم الدين
كتاب البيع

[تعريف البيع

اشارة

و هو في الأصل كما عن المصباح المنير مبادلة مال بمال

و الظاهر اختصاص المعوض بالعين

فلا يعم إبدال المنافع بغيرها و عليه استقر اصطلاح الفقهاء في البيع. نعم ربما يستعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها بل يظهر ذلك من كثير من الأخبار كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر و بيع سكني الدار التي لا يعلم صاحبها و كأخبار بيع الأرض الخراجية و شرائها و الظاهر أنها مسامحة في التعبير كما أن لفظة الإجارة تستعمل عرفا في نقل بعض الأعيان كالثمرة علي الشجرة.

و أما العوض فلا إشكال في جواز كونه منفعة

كما في غير موضع من القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و لا يبعد عدم الخلاف فيه. نعم نسب إلي بعض الأعيان الخلاف فيه و لعله لما اشتهر في كلامهم من أن البيع لنقل الأعيان و الظاهر إرادتهم بيان المبيع نظير قولهم إن الإجارة لنقل المنافع.

[جعل عمل الحر عوضا]

و أما عمل الحر فإن قلنا إنه قبل المعاوضة عليه من الأموال فلا إشكال و إلا ففيه إشكال من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة يدل عليه ما تقدم عن المصباح.

[أقسام الحق و ما يقع منها عوضا]

و أما الحقوق فإن لم تقبل المعاوضة بالمال- كحق الحضانة و الولاية فلا إشكال و كذا لو لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار لأن البيع تمليك الغير و لا ينتقض ببيع الدين علي من هو عليه لأنه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط و لذا جعل الشهيد في قواعده الإبراء مرددا بين الإسقاط و التمليك. و الحاصل أنه يعقل أن يكون مالكا في ذمته فيؤثر تمليكه السقوطو لا يعقل أن يتسلط علي نفسه و السر أن مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد بخلاف الملك فإنها نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج إلي من يملك عليه يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه فافهم. و أما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه فهي و إن قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح إلا أن في جواز وقوعها عوضا للبيع إشكالا من أخذ المال في عوضي المبايعة لغة و عرفا مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين و لما يصح أن يكون أجرة في الإجارة في حصر الثمن في المال.

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]

ثم الظاهر أن لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية بل هو باق علي معناه العرفي كما سنوضحه إن شاء الله إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه ففي المبسوط و التذكرة و غيرهما انتقال عين من شخص إلي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي و حيث إن في هذا التعريف مسامحة واضحة عدل آخرون إلي تعريفه بالإيجاب و القبول الدالين علي الانتقال و حيث إن البيع من مقولة المعني دون اللفظ مجردا أو بشرط قصد المعني و إلا لم يعقل إنشاؤه باللفظ عدل جامع المقاصد إلي تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة.
و يرد عليه مع أن النقل ليس مترادفا للبيع و لذا صرح في التذكرة بأن إيجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات و أن المعاطاة عنده بيع مع خلوها عن الصيغة أن النقل بالصيغة أيضا لا يعقل إنشاؤه بالصيغة و لا يندفع هذا بأن المراد أن البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة فجعله مدلول الصيغة إشارة إلي تعيين ذلك الفرد من النقل لا أنه مأخوذ في مفهومه حتي يكون مدلول بعت نقلت بالصيغة لأنه إن أريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور لأن المقصود معرفة مادة بعت و إن أريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار علي مجرد التمليك و النقل

[أولي التعاريف للبيع

اشارة

فالأولي تعريفه بأنه إنشاء تمليك عين بمال و لا يلزم عليه شي‌ء مما تقدم.

نعم يبقي عليه أمور

منها أنه موقوف علي جواز الإيجاب بلفظ ملكت

و إلا لم يكن مرادفا له و يرده أنه الحق كما سيجي‌ء.

و منها أنه لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه

لأن الإنسان لا يملك مالا علي نفسه و فيه مع ما عرفت و ستعرف من تعقل تملك ما علي نفسه- و رجوعه إلي سقوطه عنه نظير تملك ما هو مساو لما في ذمته و سقوطه بالتهاتر أنه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع إذ ليس للبيع لغة و عرفا معني غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الألفاظ و لذا قال فخر الدين إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شي‌ء مما يساويها فلا يعقل البيع.

و منها أنه يشمل التمليك بالمعاطاة

مع حكم المشهور بل دعوي الإجماع علي أنها ليست بيعا و فيه ما سيجي‌ء من كون المعاطاة بيعا و أن مراد النافين نفي صحته.

و منها صدقه علي الشراء

فإن المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع و فيه أن التمليك فيه ضمني و إنما حقيقته التملك بعوض و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت تقدم علي الإيجاب أو تأخر و به يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين حيث إن الاستيجار يتضمن تمليك العين بمال أعني المنفعة.

و منها انتقاض طرده بالصلح علي العين بمال

اشارة

و بالهبة المعوضة و فيه أن حقيقة الصلح و لو تعلق بالعين ليست هو التمليك علي وجه المقابلة و المعاوضة بل معناه الأصلي هو التسالم- و لذا لا يتعدي بنفسه إلي المال. نعم هو متضمن للتمليك إذا تعلق بعين لا أنه نفسه

[حقيقة الصلح

و الذي يدلك علي هذا أن الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة فيفيد التمليك و قد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية و هو مجرد التسليط و قد يتعلق بالحقوق فيفيد الإسقاط أو الانتقال و قد يتعلق بتقرير أمر بين المتصالحين كما في قول أحد الشريكين
المكاسب، ج‌2، ص 80
لصاحبه صالحتك علي أن يكون الربح لك و الخسران عليك فيفيد مجرد التقرير فلو كانت حقيقة الصلح هي عين كل من هذه المعاني الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا و هو واضح البطلان فلم يبق إلا أن يكون مفهومه معني آخر و هو التسالم فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقة.
فالصلح علي العين بعوض تسالم عليه و هو يتضمن التمليك لا أن مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام و حقيقته هو إنشاء التمليك و من هنا لم يكن طلبه من الخصم إقرارا له بخلاف طلب التمليك.

و أما الهبة المعوضة

و المراد بها هنا ما اشترط فيه العوض فليست إنشاء تمليك بعوض علي جهة المقابلة و إلا لم يعقل تملك أحدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر مع أن ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب الهبة بل غاية الأمر أن المتهب لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع في هبته فالظاهر أن التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه عوضا لا أن حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الأولي. فقد تحقق مما ذكرنا أن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلا البيع فلو قال ملكتك كذا بكذا كان بيعا و لا يصح صلحا و لا هبة معوضة و إن قصدهما إذ التمليك علي جهة المقابلة الحقيقية ليس صلحا و لا هبة فلا يقعان به. نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجه تحققهما مع قصدهما فما قيل من أن البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض فيقدم علي الصلح و الهبة المعوضة محل تأمل بل منع لما عرفت من أن تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير. نعم لو أتي بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة غير حقيقته كان مقتضي الأصل اللفظي- حمله علي المعني الحقيقي فيحكم بالبيع لكن الظاهر أن الأصل بهذا المعني ليس مراد القائل المتقدم و سيجي‌ء توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله

بقي القرض داخلا في ظاهر الحد

و يمكن إخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة لا معاوضة للعين بهما و لذا لا يجري فيه ربا المعاوضة و لا الغرر المنفي فيها و لا ذكر العوض و لا العلم به فتأمل.

[استعمال البيع في معان أخر]

اشارة

ثم إن ما ذكرناه تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت و غيره من المشتقات و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله في معان أخري غير ما ذكر

أحدها التمليك المذكور

لكن بشرط تعقبه بتملك المشتري و إليه نظر بعض مشايخنا حيث أخذ قيد التعقب بالقبول مأخوذا في تعريف البيع المصطلح و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل و صحة السلب عن المجرد و لهذا لا يقال باع فلان ماله إلا بعد أن يكون قد اشتراه غيره و يستفاد من قول القائل بعت مالي أنه اشتراه غيره لا أنه أوجب البيع فقط.

الثاني الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول

و هو الانتقال كما يظهر من المبسوط و غيره.

الثالث نفس العقد المركب من الإيجاب و القبول

و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد قال بل الظاهر اتفاقهم علي إرادة هذا المعني في عناوين أبواب المعاملات حتي الإجارة و شبهها التي ليست في الأصل اسما لأحد طرفي العقد.

[المناقشة في هذه الاستعمالات

أقول أما البيع بمعني الإيجاب المتعقب للقبول فالظاهر أنه ليس مقابلا للأول و إنما هو فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة علي إرادة الإيجاب المثمر إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرد فقول المخبر بعت إنما أراد الإيجاب المقيد فالقيد مستفاد من الخارج لا أن البيع مستعمل في الإيجاب المتعقب للقبول و كذلك لفظ النقل و الإبدال و التمليك و شبهها مع أنه لم يقل أحد بأن تعقب القبول له دخل في معناها. نعم تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج في نظر الشارع لا في نظر الناقل إذ التأثير لا ينفك عن الأثر فالبيع و ما يساويه معني من قبيل الإيجاب و الوجوب- لا الكسر و الانكسار كما تخيله بعض فتأمل و منه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معني البيع المصطلح فضلا عن أن يجعل أحد معانيه. و أما البيع بمعني الأثر و هو الانتقال فلم يوجد في اللغة و لا في العرف و إنما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط و قد يوجه بأن المراد من البيع المحدود المصدر من المبني للمفعول أعني المبيعية و هو تكلف حسن و أما البيع بمعني العقد فقد صرح الشهيد الثاني رحمه الله بأن إطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية و الظاهر أن المسبب هو الأثر الحاصل في نظر الشارع لأنه المسبب عن العقد لا النقل الحاصل من فعل الموجب لما عرفت من أنه حاصل بنفس إنشاء الموجب من دون توقفه علي شي‌ء كحصول وجوب الضرب في نظر الأمر بمجرد الأمر و إن لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره. و إلي هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوي من قولهم لزم البيع أو وجب أو لا بيع بينهما أو إقالة في البيع و نحو ذلك. و الحاصل أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعني اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف علي تحقق الإيجاب و القبول فإضافة العقد إلي البيع بهذا المعني ليست بيانية و لذا يقال انعقد البيع و لا ينعقد البيع.

[البيع و نحوه من العقود اسم للصحيح أو الأعم

[اختيار الشهيدين كونه للصحيح

اشارة

ثم إن الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك علي أن عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة و المجاز كالتبادر و صحة السلب قال و من ثم حمل الإقرار به عليه حتي لو ادعي إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة و انقسامه إلي الصحيح و الفاسد أعم من الحقيقة انتهي و قال الشهيد الأول في قواعده الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق علي الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه و ظاهره إرادة الإطلاق الحقيقي

[المناقشة فيما أفاده الشهيدان

و يشكل ما ذكراه بأن وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و إطلاقات أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شي‌ء فيها مع أن سيرة علماء الإسلام التمسك بها في هذه المقامات.

[توجيه ما أفاده الشهيدان

نعم يمكن أن يقال إن البيع و شبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل بعت عقد الإنشاء لا يستعمل حقيقة- إلا فيما كان صحيحا مؤثرا و لو في نظر القائل ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده و إلا كان صورة بيع نظير الهازل عند العرف. فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد
المكاسب، ج‌2، ص 81
للأثر و مجاز في غيره إلا أن الإفادة و ثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف و الشرع.

و أما وجه تمسك العلماء بإطلاق أدلة البيع و نحوها

فلأن الخطابات لما وردت علي طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشرعية علي ما هو الصحيح المؤثر عند العرف أو علي المصدر الذي يراد من لفظ بعت فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء علي كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا فتأمل فإن للكلام محلا آخر

الكلام في المعاطاة

[حقيقة المعاطاة]

اعلم أن المعاطاة علي ما فسره جماعة أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر

[صور المعاطاة]

و هو يتصور علي وجهين أحدهما أن يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر إلي تمليكه. الثاني أن يتعاطيا علي وجه التمليك. و ربما يذكر وجهان آخران أحدهما أن يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة بل يعطي شيئا ليتناول شيئا فدفعه الآخر إليه. الثاني أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع. و يرد الأول بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الإباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العناوين الخاصة و الثاني بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض علي وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير. نعم يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك كون التمليك المطلق أعم من البيع

ثم إن المعروف بين علمائنا في حكمها أنها مفيدة لإباحة التصرف

اشارة

و يحصل الملك بتلف إحدي العينين و عن المفيد و بعض العامة القول بكونها لازمة كالبيع و عن العلامة رحمه الله في النهاية احتمال كونها بيعا فاسدا في عدم إفادتها إباحة التصرف

[محل النزاع في المعاطاة]

و لا بد أولا من ملاحظة أن النزاع في المعاطاة هل المقصود بها الإباحة أو المقصود بها التمليك الظاهر من الخاصة و العامة هو المعني الثاني.
[تنزيل المحقق الثاني الإباحة علي الملك الجائز]
و حيث إن الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزل المحقق الكركي الإباحة في كلامهم علي الملك الجائز المتزلزل و أنه يلزم بذهاب إحدي العينين و حقق ذلك في شرحه علي القواعد و في تعليقه علي الإرشاد بما لا مزيد عليه

[توجيه صاحب الجواهر بأن محل النزاع هي المعاطاة بقصد الإباحة]

لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ إلي جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرد الإباحة و رجح بقاء الإباحة في كلامهم علي ظاهرها المقابل للملك و نزل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة علي هذا الوجه و طعن علي من جعل محل النزاع في المعاطاة بقصد التمليك قائلا إن القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب إلي أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب و كبرائهم.

[المناقشة في توجيه المحقق الثاني

و الإنصاف أن ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب مثل الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلي في السرائر و ابن زهرة في الغنية و الحلبي في الكافي و العلامة في التذكرة و غيرها

[المناقشة في توجيه صاحب الجواهر]

بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف إلا أن جعل محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك أبعد منه بل لا يكاد يوجد في كلام أحد منهم ما يقبل الحمل علي هذا المعني

[دلالة كلام الفقهاء علي بعد التوجيهين

و لننقل أولا كلمات جماعة ممن ظفرنا علي كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة علي الملك المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي و أبعدية جعل محل الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك فنقول و بالله التوفيق قال في الخلاف إذا دفع قطعة إلي البقلي أو الشارب فقال أعطني بها بقلة أو ماء فأعطاه فإنه لا يكون بيعا و كذلك سائر المحقرات و إنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه و فائدة ذلك أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك لأن الملك لم يحصل لهما و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة يكون بيعا صحيحا و إن لم يحصل الإيجاب و القبول و قال ذلك في المحقرات دون غيرها. دليلنا أن العقد حكم شرعي و لا دلالة في الشرع علي وجوده هنا فيجب أن لا يثبت و أما الإباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهي. و لا يخفي صراحة هذا الكلام في عدم حصول الملك و في أن محل الخلاف بينه و بين أبي حنيفة ما لو قصد البيع لا الإباحة المجردة كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية حيث إنه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال و ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي أيضا فتمسكه بأن العقد حكم شرعي يدل علي عدم انتفاء قصد البيع و إلا لكان الأولي بل المتعين التعليل به إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معني للتمسك بتوقفه علي الأسباب الشرعية كما لا يخفي. و قال في السرائر بعد ذكر اعتبار الإيجاب و القبول و اعتبار تقدم الأول علي الثاني ما لفظه فإذا دفع قطعة إلي البقلي أو إلي الشارب فقال أعطني فإنه لا يكون بيعا و لا عقدا لأن الإيجاب و القبول ما حصلا و كذلك سائر المحقرات و سائر الأشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان أو غير ذلك و إنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه و لكل منهما أن يرجع فيما بذله لأن الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود الفاسدة لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار إلي كل واحد منهما و إنما ذلك علي جهة الإباحة انتهي. فإن تعليله عدم الملك بعدم حصول الإيجاب و القبول يدل علي أن ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك مع أن ذكره في حيز شروط العقد يدل علي ما ذكرناه و لا ينافي ذلك قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة إلي آخر قوله كما لا يخفي. و قال في الغنية بعد ذكر الإيجاب و القبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي و معلومية العوضين و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ما هذا لفظه و اعتبرنا حصول الإيجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الإيجاب من البائع بأن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك بألف فإنه لا ينعقد بذلك بل لا بد أن يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت حتي ينعقد و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو أن يدفع إلي البقلي قطعة و يقول أعطني بقلا فيعطيه فإن ذلك ليس ببيع و إنما هو إباحة للتصرف. يدل علي ما قلناه الإجماع المشار إليه و أيضا فما اعتبرناه مجمع علي صحة العقد به و ليس علي صحة مما عداه دليل
المكاسب، ج‌2، ص 82
و لما ذكرناه نهي ص عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة علي التأويل الآخر و معني ذلك أن يجعل اللمس بشي‌ء أو النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا انتهي. فإن دلالة هذا الكلام علي أن المفروض من قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة منها ظهور أدلته الثلاثة في ذلك. و منها احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد. و قال الحلبي في الكافي بعد ذكر أنه يشترط في صحة البيع أمور ثمانية ما لفظه و اشترط الإيجاب و القبول لخروجه من دونهما عن قبول حكم البيع إلي أن قال فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع و لم يستحق التسليم و إن جاز التصرف مع إخلال بعضها للتراضي دون عقد البيع و يصح معه الرجوع انتهي و هو في الظهور قريب من عبارة الغنية. و قال المحقق رحمه الله في الشرائع- و لا يكفي التقابض من غير لفظ و إن حصل من الأمارات ما دل علي إرادة البيع انتهي. و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد به البيع بل للتنبيه علي أنه لا عبرة بقصد البيع من الفعل. و قال في التذكرة في حكم الصيغة الأشهر عندنا أنه لا بد منها فلا يكفي التعاطي في الجليل و الحقير مثل أعطني بهذا الدينار ثوبا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه و به قال الشافعي مطلقا لأصالة بقاء الملك و قصور الأفعال عن الدلالة علي المقاصد و عن بعض الحنفية و ابن شريح في الجليل و قال أحمد ينعقد مطلقا و نحوه قال مالك فإنه قال بع بما يعتقده الناس بيعا انتهي و دلالته علي قصد المتعاطيين للملك لا تخفي من وجوه أدونها جعل مالك موافقا لأحمد في الانعقاد من جهة أنه قال بع بما يعتقده الناس بيعا و قال الشهيد في قواعده بعد قوله قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي و ذكر أمثلة لذلك ما لفظه و أما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك و إن كان في الحقير عندنا و دلالتها علي قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفي هذا كله مع أن الواقع في أيدي الناس- هي المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس مع أنهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس ثم إنك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد و مع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد أنهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل فقال المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع و إن لم تكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر عبارة المفيد و لا يقول أحد من الأصحاب إنها بيع فاسد سوي المصنف في النهاية و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها و قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يتناولها لأنها بيع بالاتفاق حتي من القائلين بفسادها لأنهم يقولون هو بيع فاسد و قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ عام إلا ما أخرجه الدليل. و ما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدي العينين يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر و بالذهاب يتحقق اللزوم لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك فإذا لم يحصل كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف في العين و كافة الأصحاب علي خلافه و أيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده. و إنما الأفعال لما لم تكن دلالتها علي المراد بالصراحة كالأقوال لأنها تدل بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها فيجوز التراد ما دام ممكنا و مع تلف إحدي العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم لأن إحداهما في مقابل الآخر و يكفي تلف بعض إحدي العينين لامتناع التراد في الباقي إذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر انتهي و نحوه المحكي عنه في تعليقته علي الإرشاد و زاد فيه أن مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة علي ملك الرقبة كسائر البيوع فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلناه و إلا لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد إذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل و عليه يتفرع النماء و جواز وطء الجارية- و من منع فقد أغرب انتهي. و الذي يقوي في النفس إبقاء ظواهر كلماتهم علي حالها و أنهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و أن الإباحة لم
تحصل بإنشائها ابتداء بل إنما حصلت كما اعترف به في المسالك من استلزام إعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليه الإذن في التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة و حاصله أن المقصود هو الملك فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنه لم يصدر منه إلا التمليك و إن كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد إلي نص في ذلك مع أن إلغاء الشارع للأثر المقصود و ترتب غيره بعيد جدا مع أن التأمل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية. و يؤيد إرادة الملك أن ظاهر إطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصح إلا من المالك كالوطئ و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات كما إذا وقعت هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع بعيد. و سيجي‌ء ما ذكره بعض الأساطين و من أن هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة لكن الإنصاف أن القول بالتزامهم لهذه الأمور أهون من توجيه كلماتهم فإن هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضي الأصل عدم الملكية و لم يساعد عليها دليل معتبر و اقتضي الدليل صحة التصرفات المذكورة مع أن المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد المنع عما يتوقف علي الملك كإخراجه في خمس أو زكاة و كوطئ الجارية. [و صرح الشيخ في المبسوط بأن الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب و القبول و لا يحل وطؤها.] و مما يشهد علي نفي البعد عما ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك أنه قد صرح الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و كظاهر العلامة في القواعد بعدم حصول الملك بإهداء الهدية بدون الإيجاب و القبول و لو من الرسول نعم يفيد ذلك إباحة التصرف لكن الشيخ استثني وطء الجارية ثم إن المعروف بين المتأخرين- أن من قال بالإباحة المجردة في المعاطاة قال إنها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة و معقد إجماع الغنية و ما أبعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم و كلاهما خلاف الظاهر. و يدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد أن الإيجاب و القبول من شرائط
المكاسب، ج‌2، ص 83
صحة انعقاد البيع بالصيغة و أما الأول فإن قلنا إن البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح و لو بناء علي ما قدمناه في آخر تعريف البيع من أن البيع في العرف اسم للمؤثر منه في النقل فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث إنهم متشرعة و متدينون بالشرع صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيا و إلا كان صوريا نظير بيع الهازل في نظر العرف فيصح علي ذلك نفي البيعية عنه علي وجه الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسره بالعقد لأنهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر في النقل في نظر الشارع. إذا عرفت ما ذكرناه فالأقوال في المعاطاة علي ما تساعده ظواهر كلماتهم ستة اللزوم مطلقا كما هو ظاهر شيخنا المفيد و يكفي في وجود القائل به قول العلامة رحمه الله في التذكرة الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة و اللزوم بشرط كون الدال علي التراضي أو المعاملة لفظا حكي ذلك عن بعض معاصري الشهيد الثاني و بعض متأخري المحدثين لكن في عد هذا من الأقوال في المعاطاة تأمل و الملك الغير اللازم ذهب إليه المحقق الثاني و نسبه إلي كل من قال بالإباحة و سوغ جميع التصرفات و في النسبة ما عرفت و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كما هو ظاهر عبائر كثيرة بل ذكر في المسالك أن كل من قال بالإباحة يسوغ جميع التصرفات و إباحة ما لا يتوقف علي الملك و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد علي القواعد و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب و قبول و القول بعدم إباحة التصرف مطلقا نسب إلي ظاهر [المبسوط] و النهاية لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها. و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة [و إن قصد المتعاطيان بها التمليك بل لم نجد قائلا به إلي زمان المحقق الثاني الذي قال به و لم يقتصر علي ذلك حتي نسبه إلي الأصحاب. نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه الأقوي أن المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فإن تلفت لزمت انتهي و لذا نسب ذلك إليه في المسالك لكن قوله بعد ذلك و لا يحرم علي كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد ظاهر في أن مراده مجرد الانتفاع إذ لا معني لهذه العبارة بعد الحكم بالملك. و أما قوله و الأقوي إلي آخره فهو إشارة إلي خلاف المفيد رحمه الله و العامة القائلين باللزوم و إطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و إطلاق الفسخ علي الرد بهذا الاعتبار أيضا و كذا اللزوم. و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه أن الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها علي الإيجاب و القبول ثم قال و هل يستغني عن الإيجاب و القبول في هدية الأطعمة الأقرب عدمه نعم يباح التصرف بشاهد الحال انتهي. و صرح بذلك أيضا في الهدية فإذا لم يقل في الهدية بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع. و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثاني إلي حصول الملك و لا يخلو عن قوة للسيرة المستمرة علي المعاملة المأخوذة بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الإيصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك و يدل عليه أيضا عموم قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ حيث إنه يدل علي حلية جميع التصرفات المترتبة علي البيع بل قد يقال إن الآية دالة عرفا بالمطابقة علي صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفي لكنها محل تأمل. و أما منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة و أما دعوي الإجماع في كلام بعضهم علي عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التي هو أحد العقود و لذا صرح في الغنية بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع و دعوي أن البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها. و مما ذكرنا يظهر وجه التمسك بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ- . و أما قوله ص: إن الناس مسلطون علي أموالهم فلا دلالة فيه علي المدعي- لأن عمومه باعتبار أنواع السلطنة فهو إنما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا في حقه أم لا أما إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة في حقه و ماضية شرعا لكن شك في أن هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطي مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه فلا يجوز الاستدلال علي سببية المعاطاة في
الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس علي أموالهم و منه يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجي‌ء من شروط الصيغة و كيف كان ففي الآيتين مع السيرة كفاية اللهم إلا أن يقال إنهما لا تدلان علي الملك و إنما تدلان علي إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطي و العتق و الإيصاء و إباحة هذه التصرفات إنما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع و عدم القول بالانفكاك دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم- حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات. و صرح في المسالك أن من أجاز المعاطاة سوغ جميع التصرفات غاية الأمر أنه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف علي الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فإن الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها علي الملك يحصل بالتزام هذا المقدار و لا يتوقف علي الالتزام بالملك من أول الأمر فيقال إن مرجع هذه الإباحة أيضا إلي التمليك. و أما ثبوت السيرة و استمرارها علي التوريث فهي كسائر سيرهم الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة في الدين مما لا يحصي في عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفي و دعوي أنه لم يعلم من القائل بالإباحة- جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة علي الملك كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و عدم جواز وطء الجارية المأخوذ بها. و قد صرح الشيخ رحمه الله بالأخير في معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية علي جوازها فيثبت الملك مدفوعة بأنه و إن لم يثبت ذلك إلا أنه لم يثبت أن كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من أول الأمر فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف علي الملك لا من أول الأمر. فالأولي حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا هذا مع إمكان إثبات صحة المعاطاة في الهبة و الإجارة ببعض إطلاقاتهما و تتميمه في البيع بالإجماع المركب هذا مع أن ما ذكر من أن للفقيه- التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه و لذا ذكر بعض الأساطين في شرحه علي القواعد
المكاسب، ج‌2، ص 84
في مقام الاستبعاد أن القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة منها أن العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود. و منها أن يكون إرادة التصرف من المملكات- فتملك العين أو المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة و إن لم يخطر ببال مالك الأول الإذن في شي‌ء من هذه التصرفات لأنه قاصد للنقل من حين الدفع و أنه لا سلطان له بعد ذلك بخلاف من قال أعتق عبدك عني أو تصدق بمالك عني. و منها أن الأخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا يتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه أو عدم العلم به فينفي بالأصل- فيكون متعلقة بغير الأملاك و أن صفة الغني و الفقر تترتب عليه كذلك فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك. و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا إلي غرابة استناد الملك إلي التصرف. و منها جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الآخر و التلف من الجانبين مع التفريط معينا للمسمي من الطرفين و لا رجوع إلي قيمة المثل حتي يكون له الرجوع بالتفاوت و مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها فالقول بأنه المطالب لأنه يملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب و القول بعدم الملك بعيد جدا مع أن في التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه بعيد لعدم قابليته حينئذ و بعده ملك معدوم و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين. و منها أن التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية- فلا يتوقف علي النية فهو بعيد و إن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطئا بالشبهة و الجاني عليها و المتلف لها جانيا علي مال الغير و متلفا له. و منها أن النماء الحادث قبل التصرف- إن جعلنا حدوثه مملكا له دون العين فبعيد و معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الأكثر و شمول الإذن له خفي. و منها قصر التمليك علي التصرف مع الاستناد فيه إلي أن إذن المالك فيه إذن في التمليك فيرجع إلي كون المتصرف في تمليك نفسه موجبا قابلا و ذلك جار في القبض بل هو أولي منه لاقترانه بقصد التمليك دونه انتهي. و المقصود من ذلك كله استبعاد هذا القول لا أن الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول و العمومات إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء أما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود ففيها أولا أن المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقامها شرعا فإن تبعية العقود للقصود- و عدم انفكاكها عنها إنما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعني ترتب الأثر المقصود عليه فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه أما المعاملات الفعلية التي لم يدل علي صحتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها كما نبه عليه الشهيد في كلامه المتقدم من أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات نعم إذا دل الدليل علي ترتب أثر عليه حكم به و إن لم يكن مقصودا. و ثانيا أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير فإنهم أطبقوا علي أن عقد المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحة مع أنهما لم يقصدا إلا ضمان كل منهما بالآخر و توهم أن دليلهم علي ذلك قاعدة اليد مدفوع بأنه لم يذكر هذا الوجه إلا بعضهم معطوفا علي الوجه الأول و هو إقدامهما علي الضمان فلاحظ المسالك و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك- مع إجازته علي قول كثير و ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما علي قول نسبه في المسالك و كشف اللثام إلي المشهور. نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه أن التخلف عن المقصود يحتاج إلي الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للأصل. و أما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضي الجمع بين الأصل و دليل جواز تصرف المطلق و أدلة توقف بعض التصرفات علي الملك فيكون كتصرف ذي الخيار- و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطء و البيع و العتق و شبههما
. و أما ما ذكره من تعلق الأخماس و الزكوات- إلي آخر ما ذكره فهو استبعاد محض و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها مع أن تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغني المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان علي الملك. و أما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه. و أما كون التلف مملكا للجانبين فإن ثبت بإجماع أو سيرة كما هو الظاهر كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه في يد كل منهما من ماله مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع لأن هذا هو مقتضي الجمع بين هذا الإجماع و بين عموم علي اليد ما أخذت و بين أصالة عدم الملك إلا في الزمان المتيقن وقوعه فيه توضيحه أن الإجماع لما دل علي عدم ضمانه بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد رعاية لعموم علي اليد ما أخذت فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية في أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه فإذا قدر التلف من مال ذي اليد فلا بد من أن يقدر في آخر أزمنة إمكان تقديره رعاية لأصالة عدم حدوث الملكية قبله كما تقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد. و أما ما ذكر من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر علي القول بالإباحة أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا- و إذا تلف فظاهر إطلاقهم التملك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه نعم لو قام إجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله. و أما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي عن بعض أن القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلي الآخذ بل حكمه حكم أصله و يحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرد الإباحة ثم إنك بملاحظة ما ذكرنا تقدر علي التخلص من سائر ما ذكره مع أنه رحمه الله لم يذكرها للاعتماد و الإنصاف أنها استبعادات في محلها. و بالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك- المعتضدة بالشهرة المحققة إلي زمان المحقق الثاني و بالاتفاق المدعي في الغنية و القواعد هنا و في المسالك في مسألة توقف الهبة علي الإيجاب و القبول
المكاسب، ج‌2، ص 85
مشكل و رفع اليد عن عموم أدلة البيع و الهبة و نحوهما المعتضد بالسيرة القطعية المستمرة و بدعوي الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني بناء علي تأويله لكلمات القائلين بالإباحة أشكل. فالقول الثاني لا يخلو عن قوة و عليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا- كما حكي عن ظاهر المفيد أو بشرط كون الدال علي التراضي لفظا كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني و قواه جماعة من متأخري المحدثين أو هي غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع في ماله كما عليه أكثر القائلين بالملك بل كلهم عدا من عرفت وجوه أوفقها بالقواعد هو الأول بناء علي أصالة اللزوم في الملك- و للشك في زواله بمجرد رجوع مالكه الأصلي. و دعوي أن الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر و المفروض انتفاء الفرد الأول بعد الرجوع و الفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أول الأمر فلا ينفع الاستصحاب بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأول مدفوعة مضافا إلي إمكان دعوي كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب- فتأمل بأن انقسام الملك إلي المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف في حقيقته و إنما هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك. فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب و يدل عليه مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في أن اللزوم من خصوصيات الملك- أو من لوازم السبب المملك و مع أن المحسوس بالوجدان أن إنشاء الملك في الهبة اللازمة و غيرها علي نهج واحد أن اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك- فإما أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدي الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع فإن كان الأول كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و قصد عدمه أو عدم قصده و هو بديهي البطلان إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع و عدمه و إن كان الثاني لزم إمضاء الشارع العقد علي غير ما قصده المنشئ و هو باطل في العقود لما تقدم من أن العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود و إن أمكن القول بالتخلف هنا في مسألة المعاطاة بناء علي ما ذكرنا سابقا انتصارا للقائل بعدم الملك من منع وجوب إمضاء المعاملات الفعلية علي طبق قصود المتعاطيين لكن الكلام في قاعدة اللزوم في الملك تشمل العقود أيضا و بالجملة فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا- و كذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم- أو الجائز كالصلح من دون عوض و الهبة. نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة و يدل علي اللزوم مضافا إلي ما ذكر عموم قوله ص: الناس مسلطون علي أموالهم فإن مقتضي السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته بغير اختياره- فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة. فاندفع ما ربما يتوهم أن من غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص علي ملكه و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الأصلي و بما ذكرنا تمسك المحقق رحمه الله في الشرائع علي لزوم القرض بعد القبض بأن فائدة الملك السلطنة و نحوه العلامة في موضع آخر و منه يظهر جواز التمسك بقوله ع: لا يحل مال أمرا إلا عن طيب نفسه حيث دل علي انحصار سبب حل مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك فلا يحل بغير رضاه. و توهم تعلق الحل بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع أول الكلام مدفوع بما تقدم من أن تعلق الحل بالمال يفيد العموم بحيث يشمل التملك أيضا فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه إلا بطيب نفس المالك و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لا ريب أن الرجوع ليس تجارة و لا عن تراض فلا يجوز أكل المال. و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا لأن حصر مجوز أكل المال في التجارة إنما يراد به أكله علي أن يكون ملكا للأكل لا لغيره و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثني منها حيث إن أكل المال و نقله عن مالكه بغير رضا المالك أكل و تصرف بالباطل عرفا. نعم بعد إذن المالك الحقيقي و هو الشارع و حكمه التسلط علي فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن البطلان- و لذا كان أكل المارة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لو لا إذن المالك الحقيقي و كذا الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية هذا كله مضافا إلي ما دل علي لزوم
خصوص البيع مثل قوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا. و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي أن العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد الله بن سنان أو العهد المشدد كما عن بعض أهل اللغة و كيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة و كذلك قوله ص: المؤمنون عند شروطهم فإن الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ. و الحاصل أن الحكم باللزوم في مطلق الملك و في خصوص البيع مما لا ينكر إلا أن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع علي عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه صريحا بعض الأساطين في شرحه علي القواعد و تعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به قائل إلي زمان بعض متأخري المتأخرين فإن العبارة المحكية عن المفيد رحمه الله في المقنعة لا تدل علي هذا القول كما عن الخلاف الاعتراف به فإن المحكي عنه أنه قال ينعقد البيع علي تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا أيضا و افترقا بالأبدان انتهي.
و يقوي إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره في اللزوم و كأنه لذلك حكي كاشف الرموز عن المفيد و الشيخ رحمهما الله أنه لا بد في البيع عندهما من لفظ مخصوص. و قد تقدم دعوي الإجماع من الغنية علي عدم كونها بيعا و هو نص في عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا في عدم الملكية الذي لا نقول به. و عن جامع المقاصد يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع نعم قول العلامة رحمه الله في التذكرة إن الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة يدل علي وجود الخلاف المعتد به في المسألة و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور و كذلك نسبته في المختلف إلي الأكثر. و في التحرير الأقوي أن المعاطاة غير لازمة ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء علي
المكاسب، ج‌2، ص 86
عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلي أنها ليست مملكة و إنما تفيد الإباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا إذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها إلا بعض من تأخر عن المحقق الثاني تبعا له و هذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور لأن قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع.
نعم يمكن أن يقال بعد ثبوت الاتفاق المذكور إن أصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل و كيف كان فتحصيل الإجماع علي وجه استكشاف قول الإمام ع من قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا و إن كان هذا لا يقدح في الإجماع علي طريق القدماء كما تبين في الأصول. و بالجملة فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ في اللزوم- ما أحسنه و ما أمتن دليله إن لم ينعقد إجماع علي خلافه في غاية الحسن و المتانة و الإجماع و إن لم يكن محققا علي وجه يوجب القطع إلا أن المظنون قويا تحققه علي عدم اللزوم مع عدم لفظ دال علي إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ أصلا أم وجد و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض و قد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار بل يظهر منها أن إيجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين أهل السوق و التجار بل يمكن دعوي السيرة علي عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة- التي يراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضي. نعم ربما يكتفون بالمصافقة فيقول البائع بارك الله لك أو ما أدي هذا المعني بالفارسية نعم يكتفون بالتعاطي في المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها بل ينكرون علي الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين نعم الاكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد للسيرة و لغير واحد من الأخبار كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالي في شروط الصيغة

بقي الكلام في الخبر الذي يتمسك به في باب المعاطاة

بقي الكلام في الخبر الذي يتمسك به في باب المعاطاة
تارة علي عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف و أخري علي عدم إفادتها اللزوم جمعا بينه و بين ما دل علي صحة مطلق البيع كما صنعه في الرياض و هو قوله ع:
إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام و توضيح المراد منه يتوقف علي بيان تمام الخبر و هو ما رواه ثقة الإسلام الكليني في باب بيع ما ليس عنده و الشيخ في باب النقد و النسيئة عن ابن أبي عمير عن يحيي بن الحجاج عن خالد بن الحجاج أو ابن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني و يقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا فقال أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك قلت بلي قال لا بأس إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام إلي آخر الخبر. و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أخري مجردة عن قوله ع إنما يحلل إلي آخر كلامه كلها تدل علي أنه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه و نقول إن هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها الأول أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ الدال علي التحريم و التحليل بمعني أن تحريم شي‌ء و تحليله لا يكون إلا بالنطق بهما فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال. الثاني أن يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه كما في قولك هذا الكلام صحيح أو فاسد لا مجرد اللفظ أعني الصوت و يكون المراد أن المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة بالكلام مثلا المقصود الواحد و هو التسليط علي البضع مدة معينة يتأتي بقولها ملكتك بضعي أو سلطتك عليه أو آجرتك نفسي أو أحللتها لك و بقولها متعت نفسي بكذا فما عدا الأخير موجب لتحريمه و الأخير محلل و علي هذا المعني ورد قوله ع: إنما يحرم الكلام في عدة من روايات المزارعة منها ما في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله ع: عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط ثلاثة للبذر و ثلاثة للبقر قال لا ينبغي أن يسمي بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض ازرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمي بذرا و لا بقرا فإنما يحرم الكلام. الثالث أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه فيكون وجوده محللا و عدمه محرما أو بالعكس أو باعتبار محله و غير محله فيحل في محله و يحرم في غيره و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة. الرابع أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة- و من الكلام المحرم إيجاب البيع و إيقاعه ثم إن الظاهر عدم إرادة المعني الأول لأنه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث إن ظاهره حصر أسباب التحليل و التحريم في الشريعة في اللفظ يوجب عدم ارتباط له في الحكم المذكور في الخبر. جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لأن ظاهر الحكم كما يستفاد من عدة روايات أخر تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع علي الرجل قبل شراء المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق في التحليل و التحريم في هذا الحكم أصلا فكيف يعلل به و كذا المعني الثاني إذ ليس هنا مطلب واحد حتي يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما فتعين الثالث و هو أن الكلام الدال علي الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة إلا وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل لأنه بيع ما ليس عنده و لا يحلل إلا عدمه إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر. فحاصل الرواية أن سبب التحليل و التحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدما و وجودا و المعني الرابع و هو أن المقاولة و المراضاة مع المشتري الثاني قبل اشتراء العين محلل للمعاملة و إيجاب البيع معه محرم لها و علي كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة علي اعتبار الكلام في التحليل كما هو المقصود في مسألة المعاطاة. نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجه آخر بعد ما عرفت من أن المراد بالكلام هو إيجاب البيع بأن يقال إن حصر المحلل و المحرم في الكلام لا يتأتي إلا مع انحصار إيجاب البيع في الكلام إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام إلا أن يقال إن وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد إذ المفروض أن المبيع عند مالكه الأول فتأمل. و كيف كان فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور كما يشعر به قوله ع في
رواية أخري- واردة في هذا الحكم أيضا و هي رواية يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ع
المكاسب، ج‌2، ص 87
عن رجل قال لي اشتر هذا الثوب أو هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها فإن الظاهر أن المراد من مواجبة البيع ليس مجرد إعطاء العين للمشتري و يشعر به أيضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلي أصل المال قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يريد أن يبيع بيعا فيقول أبيعك به ده دوازده أو ده يازده فقال لا بأس إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة فإن ظاهره علي ما فهمه بعض الشراح أنه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد و إنما يكره حين العقد و في صحيحة ابن سنان: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ثم توجبه علي نفسك ثم تبيعه منه بعده

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم علي القول بإفادتها الملك بيع

- بل الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد أنه مما لا كلام فيه حتي عند القائلين بكونها فاسدة كالعلامة في النهاية و دل علي ذلك تمسكهم له بقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و أما علي القول بإفادتها الإباحة فالظاهر أنها بيع عرفي لم تؤثر شرعا إلا الإباحة فنفي البيع عنها في كلامهم و معاقد إجماعاتهم هو نفي البيع المفيد شرعا للزوم زيادة علي الملك هذا علي ما اخترناه سابقا من أن مقصود المتعاطيين في المعاطاة التمليك و البيع و أما علي ما احتمله بعضهم بل استظهره من أن محل الكلام هو ما إذا قصدا مجرد الإباحة فلا إشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا و علي هذا فلا بد عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلي الأدلة الدالة علي صحة هذه الإباحة العوضية من خصوص أو عموم و حيث إن المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم: إن الناس مسلطون علي أموالهم كان مقتضي القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبتت شرطيته كما أنه لو تمسك لها بالسيرة كان مقتضي القاعدة العكس. و الحاصل أن المرجع علي هذا عند الشك في شروطها هي أدلة هذه المعاملة سواء اعتبرت في البيع أم لا و أما علي المختار من أن الكلام فيما إذا قصد به البيع فهل يشترط فيه شروط البيع مطلقا أم لا كذلك أم تبني علي القول بإفادتها الملك و القول بعدم إفادتها إلا الإباحة وجوه يشهد للأول كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل علي اشتراطه في البيع و يؤيده أن محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو أن الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشروط أم لا كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثير من العامة و الخاصة فما انتفي فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و إن فرض مشاركا له في الحكم و لذا ادعي في الحدائق أن المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة إذا استكمل فيها شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و أنها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض و مقابل المشهور في كلامه قول العلامة رحمه الله في النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف في اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شروط البيع. و يشهد للثاني أن البيع في النص و الفتوي ظاهر فيما حكم به باللزوم و ثبت له الخيار في قولهم:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه أما علي القول بالإباحة فواضح لأن المعاطاة ليست علي هذا القول بيعا في نظر الشارع و المتشرعة إذ لا نقل فيه عند الشارع فإذا ثبت إطلاق الشارع عليه في مقام فنحمله علي الجري علي ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله علي النقل في نظرهم. و قد تقدم سابقا في تصحيح دعوي الإجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك و أما علي القول بالملك فلأن المطلق ينصرف إلي الفرد المحكوم باللزوم في قولهم البيعان بالخيار و قولهم إن الأصل في البيع اللزوم و الخيار إنما ثبت لدليل و إن البيع بقول مطلق من العقود اللازمة و قولهم البيع هو العقد الدال علي كذا و نحو ذلك. و بالجملة فلا يبقي للمتأمل شك في أن إطلاق البيع في النص و الفتوي يراد به ما لا يجوز فسخه إلا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل و وجه الثالث ما تقدم للثاني علي القول بالإباحة من سلب البيع عنه و للأول علي القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ و إن لم يكن لازما و يمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص فيحمل علي العرفي و إن لم يفد عند الشارع إلا الإباحة و بين ما ثبت بالإجماع علي اعتباره في البيع بناء علي انصراف البيع في كلمات المجمعين إلي العقد اللازم. و الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة لكونها بيعا ظاهرا علي القول بالملك كما عرفت من جامع المقاصد و أما علي القول بالإباحة فلأنها لم تثبت إلا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط فلا يشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا ثم إنه حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه علي القواعد أنه بعد ما منع من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي إلا بعد تلف العين يعني العين الأخري ذكر أنه يجوز أن يكون الثمن و المثمن في المعاطاة مجهولين لأنها ليست عقدا و كذا جهالة الأجل و أنه لو اشتريت أمة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن انتهي و حكي عنه في باب الصرف أيضا أنه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين. أقول حكمه قدس سره بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم إفادتها للملك إلا أن حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف معللا بأن المعاطاة ليست عقدا يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك حيث إن المفيد للملك منحصر في العقد و أن يكون باعتبار عدم اللزوم حيث إن الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم و الأقوي اعتبارها و إن قلنا بالإباحة- لأنها بيع عرفي و إن لم يفد شرعا إلا الإباحة. و مورد الأدلة الدالة علي اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب و لما عرفت من أن الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد و عدم تأثيره شيئا خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقي الباقي و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيه أيضا و إن خصصنا الحكم بالبيع بل الظاهر التحريم حتي عند من لا يراها مفيدة للملك لأنها معاوضة عرفية و إن لم تفد الملك بل معاوضة شرعية- كما اعترف بها الشهيد رحمه الله في موضع من الحواشي حيث قال إن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة انتهي و لو قلنا إن المقصود للمتعاطيين الإباحة لا الملك فلا يبعد أيضا جريان
المكاسب، ج‌2، ص 88
الربا لكونها معاوضة عرفا فتأمل و أما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم فيمكن نفيه علي المشهور لأنها جائزة عندهم فلا معني للخيار و إن قلنا بإفادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمن المعاطاة إلا أن أثره يظهر بعد اللزوم و علي هذا فيصح إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم و يحتمل أن يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع فلا تجري لاختصاص أدلتها بما وضع علي اللزوم من غير جهة الخيار و بين غيرها كخيار الغبن و العيب بالنسبة إلي الرد دون الأرش فتجري لعموم أدلتها و أما حكم الخيار بعدم اللزوم فسيأتي بعد ذكر الملزمات.

الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين

فالملك أو الإباحة في كل منهما بالإعطاء فلو حصل الإعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيته فلا يتحقق المعاوضة و لا الإباحة رأسا لأن كلا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية الآخر أو الإباحة إلا أن الظاهر من جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في الدروس جعله من المعاطاة و لا ريب أنه لا يصدق معني المعاطاة- لكن هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء علي عموم الحكم لكل بيع فعلي فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض أو مبيحا له به و أخذ الآخر له تملكا له بالعوض أو إباحة له بإزائه فلو كان المعطي هو الثمن كان دفعه علي القول بالملك و البيع اشتراء و أخذه بيعا للمثمن به فيحصل الإيجاب و القبول الفعليان بفعل واحد [في زمان واحد ثم صحة هذا علي القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة إذ يدل عليها ما دل علي صحة المعاطاة من الطرفين. و أما علي القول بالإباحة فيشكل بأنه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل علي تأثيرها في الإباحة اللهم إلا أن يدعي قيام السيرة عليها كقيامها علي المعاطاة الحقيقي و ربما يدعي انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن- من غير صدق إعطاء أصلا فضلا عن التعاطي كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من المحقرات كالخضراوات و نحوها و من هذا القبيل الدخول في الحمام و وضع الأجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته فالمعيار في المعاطاة وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا في التصرف و يظهر ذلك من المحقق الأردبيلي رحمه الله أيضا في مسألة المعاطاة و سيأتي توضيح ذلك في مقامه إن شاء الله. ثم إنه لو قلنا إن اللفظ غير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة أمكن خلو المعاطاة من الإعطاء و الإيصال رأسا فيتقاولان علي مبادلة شي‌ء بشي‌ء من غير إيصال و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء علي الملك و أما علي القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد.

الأمر الثالث تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية

مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف و أما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام المثمن في العوضية فإذا أعطي الحنطة في مقام اللحم قاصدا أن هذا المقدار من الحنطة يساوي درهما هو ثمن اللحم فيصدق عرفا أنه اشتري اللحم بالحنطة و إذا انعكس انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدراهم و الدنانير هو الثمن و صاحبه هو المشتري و لو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام المثمن في العوضية أو لوحظت القيمة في كليهما بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل علي كون أحدهما بالخصوص بائعا ففي كونه بيعا و شراء بالنسبة إلي كل منهما بناء علي أن البيع لغة كما عرفت مبادلة مال بمال و الشراء ترك شي‌ء و أخذ غيره كما عن بعض أهل اللغة فيصدق علي صاحب اللحم أنه باعه بحنطة و أنه اشتري الحنطة فيحنث لو حلف علي عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة. نعم لا يترتب عليهما أحكام البائع و لا المشتري لانصرافهما في أدلة تلك إلي من اختص بصفة البيع أو الشراء فلا تعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين أو كونه بيعا بالنسبة إلي من يعطي أولا لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة إلي الآخذ لكونه قابلا عرفا أو كونه معاطاة مصالحة لأنها بمعني التسالم علي شي‌ء و لذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه لك ما عندك و لي ما عندي علي الصلح أو كونه معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة و عرفا علي الدافع أولا دون الآخر و صدق المشتري علي الآخذ أولا دون الآخر فتدبر.

الرابع أن أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله

يتصور بحسب قصد المتعاطيين علي وجوه أحدها أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر- و الآخر في أخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليك بل دفع لما التزمه علي نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الإيجاب و القبول بدفع العين الأولي و قبضها فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه صححنا سابقا عدم توقف المعاطاة علي قبض كلا العوضين فيكون إطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقومة بالعطاء من الطرفين و مثله في هذا الإطلاق لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها و بهذا الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم يكن إعطاء و في صحته تأمل ثانيها أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إياه فيكون تمليك بإزاء تمليك فالمقابلة بين التملكين لا الملكين و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة و هذا بعيد عن معني البيع و قريب إلي الهبة المعوضة لكون كل من المالين خاليا عن العوض لكن إجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الأول لأنه إنما ملكه بإزاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك من الثاني لم يتحقق تملكه إلا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأول علي نحو الداعي لا العوض فلا يقدح تخلفه فالأولي أن يقال إنها مصالحة و تسالم علي أمر معين أو
المكاسب، ج‌2، ص 89
معاوضة مستقلة. ثالثها أن يقصد الأول إباحة ماله بعوض- فيقبل الآخر بأخذه إياه فيكون الصادر من الأول الإباحة بالعوض و من الثاني بقبوله لها التمليك كما لو صرح بقوله أبحت لك كذا بدرهم. رابعها أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة أخري فيكون إباحة بإزاء إباحة أو إباحة بداعي إباحة علي ما تقدم نظيره في الوجه الثاني من إمكان تصوره علي نحو الداعي و علي نحو العوضية و كيف كان فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين علي فرض قصد المتعاطيين لهما و منشأ الإشكال أولا الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي ملكية المتصرف بأن يقول أبحت لك كل تصرف من دون أن يملكه العين و ثانيا الإشكال في صحة الإباحة بالعوض الراجعة إلي عقد مركب من إباحة و تمليك. فنقول أما إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك فالظاهر أنه لا يجوز- إذ التصرف الموقوف علي الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد إذن المالك فإن إذن المالك ليس مشرعا و إنما يمضي فيما يجوز شرعا فإذا كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول كما صرح به العلامة في القواعد فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه. نعم يصح ذلك بأحد الوجهين كلاهما في المقام مفقود أحدهما أن يقصد المبيح بقوله أبحت لك أن تبيع مالي أن ينشئ توكيلا له لنفسك [إنشاء توكيل له في بيع ماله له ثم نقل الثمن إلي نفسه بالهبة أو في نقله أولا إلي نفسه ثم بيعه أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة فيكون إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله كما صرح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد أعتق عبدك عني بكذا استدعاء لتمليكه و إعتاق المولي عنه جواب لذلك الاستدعاء فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدر وقوعه قبل العتق آنا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج إلي الشروط المقررة لعقد البيع و لا شك أن المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلي نفسه أولا و لا في نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة و لا قصد المخاطب التملك عند البيع حتي يتحقق تمليك ضمني مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو إجمالا في مسألة أعتق عبدك عني و لذا عد العامة و الخاصة من الأصوليين دلالة هذا الكلام علي التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرفوها بأنها دلالة مقصودة للمتكلم تتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه فمثلوا للعقلي بقوله تعالي وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و للشرعي بهذا المثال و من المعلوم بحكم الفرض أن المقصود فيما نحن فيه ليس إلا مجرد الإباحة. الثاني أن يدل دليل شرعي- علي حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة- فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما فيقع البيع في ملكه أو يدل دليل شرعي علي انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل غير العتق فإنه حينئذ يقال بالملك المقدر آنا ما للجمع بين الأدلة و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه إذ المفروض أنه لم يدل دليل بالخصوص علي صحة هذه الإباحة العامة و إثبات صحته بعموم مثل الناس مسلطون علي أموالهم يتوقف علي عدم مخالفة مؤداه لقواعد أخري مثل توقف انتقال الثمن إلي الشخص علي كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق علي الملك و صحة الوطي علي التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الإذن في مطلق التصرف. و لأجل ما ذكرنا صرح المشهور بل قيل لم يوجد خلاف في أنه لو دفع إلي غيره مالا و قال اشتر به لنفسك طعاما من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء أو اقتراض الطعام أو استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصح كما صرح به في مواضع من القواعد و علله في بعضها بأنه لا يعقل شراء شي‌ء لنفسه بمال الغير و هو كذلك فإن مقتضي مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه و إلا لم يكن عوضا و بدلا و لما ذكرنا حكم الشيخ و غيره بأن الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف لكن لا يجوز وطء الجارية مع أن الإباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات. و عرفت أيضا أن الشهيد في الحواشي لم يجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و لا وطء الجارية مع أن مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة و دعوي أن الملك التقديري هنا أيضا لا يتوقف علي دلالة دليل خاص بل تكفي الدلالة بمجرد الجمع بين عموم
الناس مسلطون علي أموالهم الدال علي جواز هذه الإباحة المطلقة و بين أدلة توقف مثل العتق و البيع علي الملك نظير الجمع بين الأدلة في الملك التقديري مدفوعة بأن عموم الناس مسلطون علي أموالهم إنما يدل علي تسلط الناس علي أموالهم لا علي أحكامهم فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا فالإباحة و إن كانت مطلقة إلا أنه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلا ما هو جائز بذاته في الشريعة. و من المعلوم أن بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضي العقل و النقل الدالين علي لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض فلا يشمله العموم في الناس مسلطون علي أموالهم حتي يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة علي توقف البيع علي الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم علي عموم- الناس مسلطون علي أموالهم الدال علي إمضاء الإباحة المطلقة من المالك علي إطلاقها نظير حكومة الدليل علي عدم جواز عتق مال الغير علي وجوب الوفاء بالنذر و العهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر. نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آنا ما فتأمل. و أما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع أو العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلي الميت- أو شراء العبد المعتق عليه- بل هو ملك حقيقي حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتصل بناء علي الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه. و بالجملة فما نحن فيه لا ينطبق علي التمليك الضمني المذكور أولا في أعتق عبدك عني لتوقفه علي القصد و لا علي الملك المذكور ثانيا في شراء من ينعتق عليه
المكاسب، ج‌2، ص 90
لتوقفه علي التنافي بين دليل التسلط و دليل توقف العتق علي الملك و عدم حكومة الثاني علي الأول و لا علي التمليك الضمني المذكور ثالثا في بيع الواهب و ذي الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق إلا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره- سواء صرح بذلك كما لو قال بع مالي لنفسك أو اشتر بمالي لنفسك أم أدخله في عموم قوله أبحت لك كل تصرف فإذا باع المباح له علي هذا الوجه وقع البيع للمالك إما لازما بناء علي أن قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثر أو موقوفا علي الإجازة بناء علي أن المالك لم ينو تملك الثمن هذا و لكن الذي يظهر من جماعة- منهم قطب الدين و الشهيد رحمهما الله في باب بيع الغاصب أن تسليط المشتري البائع الغاصب علي الثمن و الإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا و أنه يملك الثمن بدفعه إليه فليس للمالك إجازة هذا الشراء و يظهر أيضا من محكي المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشتري جارية بعين مغصوبة أن له وطء الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع.
و مقتضي ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره علي ماله و إن لم يكن علي وجه الملكية يوجب جواز التصرفات المتوقفة علي الملك فتأمل و سيأتي توضيحه في مسألة البيع الفضولي إن شاء الله. و أما الكلام في صحة الإباحة بالعوض- سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة علي الملك أم خصصنا الإباحة بغيرها فمحصله أن هذا النحو من الإباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر بل كلاهما ملك للمبيح إلا أن المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا مع التأمل في صدق التجارة عليها فضلا عن البيع إلا أن يكون نوعا من الصلح لمناسبة له لغة لأنه في معني التسالم علي أمر بناء علي أنه لا يشترط فيه لفظ الصلح كما يستفاد من بعض الأخبار الدال علي صحته بقول المتصالحين لك ما عندك و لي ما عندي و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين و لو كانت معاملة مستقلة كفي فيها عموم الناس مسلطون علي أموالهم و المؤمنون عند شروطهم و علي تقدير الصحة ففي لزومها مطلقا- لعموم المؤمنون عند شروطهم أو من طرف المباح له حيث إنه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح حيث إن ماله باق علي ملكه فهو مسلط عليه أو جوازها مطلقا وجوه أقواها أولها ثم أوسطها. و أما حكم الإباحة بالإباحة فالإشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا في سابقه و الأقوي فيها أيضا الصحة و اللزوم للعموم أو الجواز من الطرفين لأصالة التسلط.

الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه

اعلم أنه ذكر المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد- علي ما حكي عنه أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة و كذا في الهبة و ذلك لأنه إذا أمره بعمل علي عوض معين فعمله استحق الأجرة و لو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل و لم يستحق أجرة مع علمه بالفساد و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد فإن ظاهرهم جواز الإتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز بل يمنع من مطلق التصرف و هي ملاحظة وجيهة انتهي.
و فيه أن معني جريان المعاطاة في الإجارة علي مذهب المحقق الثاني- الحكم بملك المأمور الأجر المعين علي الأمر و ملك الأمر العمل المعين علي المأمور به و لم نجد من صرح به في المعاطاة. و أما قوله لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل و لا سيما إذا لم يكن العمل تصرفا في عين من أموال المستأجر. و قوله لم يستحق أجرة مع علمه بالفساد ممنوع لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل لأنه لم يقصد التبرع و إنما قصد عوضا لم يسلم إليه. و أما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدل علي جريان المعاطاة فيها إلا إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة فإن جماعة كالشيخ و الحلي و العلامة صرحوا بأن إعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة دون الملك لكن المحقق الثاني رحمه الله ممن لا يري كون المعاطاة عند القائلين بهما مفيدة للإباحة المجردة و توقف الملك في الهبة علي الإيجاب و القبول كاد أن يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك و مما ذكرنا يظهر المنع في قوله بل مطلق التصرف هذا و لكن الأظهر بناء علي جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره من الإجارة و الهبة لكون الفعل مفيدا لتمليك فيهما. و ظاهر المحكي عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره حيث قال في باب الرهن إن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه المذكور في البيع آت هنا لكن استشكله في محكي جامع المقاصد بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع بخلاف ما هنا و لعل وجه الإشكال عدم تأدي المعاطاة بالإجماع في الرهن علي النحو الذي أجروها في البيع- لأنها هناك إما مفيدة للإباحة أو الملكية الجائزة علي الخلاف و الأول غير متصور هنا و أما الجواز فكذلك لأنه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن خصوصا بملاحظة أنه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها إلي اللزوم ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان و إن جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما أطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة علي اللفظ و كان هذا هو الذي دعا المحقق الثاني إلي الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة و الهبة و القرض و الاستشكال في الرهن. نعم من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة علي اللفظ أو حمل تلك العقود علي اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن و لذا جوز بعضهم الإيجاب بلفظ الأمر كخذه و الجملة الخبرية أمكن أن يكون بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم لإطلاق بعض أدلة الرهن و لم يقم هنا إجماع- علي عدم اللزوم كما قام في المعاوضات. و لأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف بأن يكتفي فيه بالإقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم علي اللفظ و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع فتأمل. نعم يظهر الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من الذكري تبعا للشيخ رحمه الله ثم إن الملزم فيما تجري فيه من العقود الأخر هو الملزم في باب البيع كما سننبه به بعد هذا

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة علي كل من القول بالملك و القول بالإباحة

. اعلم أن الأصل علي القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة و أما علي القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم- لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم و أصالة سلطنة المالك
المكاسب، ج‌2، ص 91
الثابتة قبل المعاطاة و هي حاكمة علي أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها إذا عرفت هذا فاعلم أن تلف العوضين ملزم إجماعا علي الظاهر المصرح به في بعض العبائر أما علي القول بالإباحة فواضح لأن تلفهما من مال المالك و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه- و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفع بما سيجي‌ء. و أما علي القول بالملك فلما عرفت من أصالة اللزوم و المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة علي نحو جواز البيع الخياري- حتي يستصحب بعد التلف لأن هذا الجواز من عوارض العقد لا العوضين- فلا مانع من بقائه- بل لا دليل علي ارتفاعه بعد تلفهما بخلاف ما نحن فيه فإن الجواز فيه هنا بمعني جواز الرجوع في العين نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة فلا يبقي بعد التلف متعلق الجواز بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة هذا مع أن الشك في أن متعلق الجواز هل هو أصل المعاملة أو الرجوع في العين أو تراد العينين يمنع من استصحابه فإن المتيقن تعلقه بالتراد إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم علي ثبوت أزيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق إلا مع بقائهما و منه يعلم حكم ما لو تلفت إحدي العينين- أو بعضها علي القول بالملك. و أما علي القول بالإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك أصالة عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها- و فيه أنها معارضة- بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده أو قيمته- و التمسك بعموم علي اليد هنا في غير محله- بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان و لا بعده إذا بني مالك العين الموجودة علي إمضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع إنما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع و ليس هذا من مقتضي اليد قطعا هذا و لكن يمكن أن يقال إن أصالة بقاء السلطنة حاكمة علي أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة مع أن ضمان التالف ببدله معلوم- إلا أن الكلام في أن البدل هو البدل الحقيقي أعني المثل أو القيمة أو البدل الجعلي أعني العين الموجودة فلا أصل هذا مضافا إلي ما قد يقال من أن عموم الناس مسلطون علي أموالهم يدل علي السلطنة علي المال الموجود بأخذه و علي المال التالف بأخذ بدله الحقيقي و هو المثل أو القيمة فتدبر. و لو كان أحد العوضين دينا في ذمة أحد المتعاطيين- فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه و الظاهر أنه في حكم التلف لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف- و الظاهر أن الحكم كذلك علي القول بالإباحة فافهم. و لو نقلت العينان أو إحداهما بعقد لازم فهو كالتلف علي القول بالملك لامتناع التراد- و كذا علي القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة. و لو عادت العين بفسخ ففي جواز التراد علي القول بالملك لإمكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان أجودهما ذلك إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز التراد بقول مطلق بل المتيقن منه غير ذلك- فالموضوع غير محرز في الاستصحاب.
و كذا علي القول بالإباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ إلي ملك الثاني فلا دليل علي زواله بل الحكم هنا أولي منه علي القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا حتي يستصحب بل المحقق أصالة بقاء سلطنة المالك الأول المقطوع بانتفائها. نعم لو قلنا إن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلي المالك الأول و إن كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه كان مقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا علي ملك مالكه الأول أو عائدا إليه بفسخ و كذا لو قلنا إن البيع لا يتوقف علي سبق الملك بل يكفي فيه إباحة التصرف و الإتلاف و يملك الثمن بالبيع كما تقدم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع لكن الوجهين ضعيفان بل الأقوي رجوعه بالفسخ إلي البائع. و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيها و لا رجوعه بنفسه إلي عينه فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب و كذا علي القول بالإباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك. نعم لو كان غير معاوضة كالهبة- و قلنا إن التصرف في مثله لا يكشف عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتي لا يعقل كون العوض ما لا لأحد و انتقال المعوض إلي الآخر بل الهبة ناقلة للملك عن ملك المالك المتهب فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلي المالك لا الواهب اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخري أو عودها إلي مالكها بهذا النحو من العود إذ لو عادت بوجه آخر كان حكمه حكم التلف. و لو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول علي القول بالملك لم يبعد كون إجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة. و لو أجاز المالك الثاني نفذت بغير إشكال و ينعكس الحكم إشكالا و وضوحا علي القول بالإباحة و لكل منهما رد العين قبل إجازة الآخر- . و لو رجع الأول فأجاز الثاني فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغا الرجوع و يحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و تلغو الإجازة و إن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا. و لو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرجوع علي القول بالملك لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف. أما علي القول بالإباحة فالأصل بقاء التسلط علي ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع المال الممتزج به نعم لو كان المزج ملحقا له بالإتلاف- جري عليه حكم التلف. و لو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة- كطحن الحنطة و فصل الثوب فلا لزوم علي القول بالإباحة و علي القول بالملك ففي اللزوم وجهان مبنيان علي جريان استصحاب جواز التراد و منشأ الإشكال أن الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة- نظير الفسخ في العقود اللازمة حتي يورث بالموت و يسقط بالإسقاط ابتداء أو في ضمن معاملة بل هو علي القول بالملك نظير الرجوع في الهبة- و علي القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرضا
المكاسب، ج‌2، ص 92
الباطني بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف فلو مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع علي القول بالملك للأصل لأن من له و إليه الرجوع هو المالك الأصلي و لا يجري الاستصحاب. و لو جن أحدهما فالظاهر قيام وليه مقامه في الرجوع علي القولين.

السابع أن الشهيد الثاني في المسالك ذكر وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة

قال يحتمل الأول لأن المعاوضات محصورة و ليست إحداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج إلي دليل و يحتمل الثاني لإطباقهم علي أنها ليست بيعا حال وقوعها فكيف تصير بيعا بعد التلف و تظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن أو بعضه- و علي تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حين المعاطاة أو من حين اللزوم كل محتمل و يشكل الأول بقولهم إنها ليست بيعا و الثاني بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها اللهم إلا أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه و الأقوي عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء علي أنها ليست لازمة و إنما يتم علي قول المفيد و من تبعه و أما خيار العيب و الغبن فيثبتان علي التقديرين كما أن خيار المجلس منتف انتهي. و الظاهر أن هذا تفريع علي القول بالإباحة في المعاطاة و أما علي القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل فينبغي الكلام في كونها معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتي يتبعه حكمها بعد اللزوم إذ الظاهر أنه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال في ذلك عندهم علي ما تقدم من المحقق الثاني فإذا لزم صار بيعا لازما فتلحقه أحكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه علي اللزوم لو لا الخيار. و قد تقدم أن الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار و كيف كان فالأقوي أنها علي القول بالإباحة بيع عرفي لم يصححه الشارع و لم يمضه إلا بعد تلف إحدي العينين أو ما في حكمه و بعد التلف تترتب عليه أحكام البيع- عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من أول الأمر. و المحكي من حواشي الشهيد- أن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة- و الظاهر أنه أراد التفريع علي مذهبه من الإباحة و كونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الأخري لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفي فلا بد أن يقول بالإباحة اللازمة فافهم.

الثامن لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة بما إذا تحقق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل

و هو قبض العينين أما إذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللزوم فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي‌ء زائد علي الإنشاء اللفظي كما قويناه سابقا بناء علي التخلص بذلك عن اتفاقهم علي توقف العقود اللازمة علي اللفظ فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما و إن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار أمور زائدة علي اللفظ فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلي حكم المعاطاة مطلقا أو بشرط تحقق قبض العين معه أو لا يتحقق به مطلقا. نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة فالإنشاء القولي السابق كالعدم لا عبرة به و لا بوقوع القبض به خاليا عن قصد الإنشاء بل بانيا علي كونه حقا لازما لكونه من آثار الإنشاء القولي السابق نظير القبض في العقد الجامع للشرائط ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الأول تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين. قال المحقق في صيغ عقوده [علي ما حكي عنه بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة] إنه لو أوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة انتهي و في الروضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة علي النطق أنها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح انتهي و ظاهر الكلامين صورة وقوع الإنشاء بغير القبض بل يكون القبض من آثاره و ظاهره كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة أنه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه هو الوجه الأخير لأن مرادهم بالعقد الفاسد إما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين و إما ما يشتمل هذا و غيره كما هو الظاهر و كيف كان فالصورة الأولي داخلة قطعا و لا يخفي أن الحكم فيها بالضمان مناف لجريان الحكم بالمعاطاة و ربما يجمع بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين فيقال إن موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلا بزعم صحة المعاطاة فإذا انتفت الصحة انتفي الإذن لترتبه علي زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير إذن و أكلا للمال بالباطل لانحصار وجه الحل في كون المعاملة بيعا أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال بغير عوض. و الأولان قد انتفيا بمقتضي الفرض و كذا البواقي للقطع من جهة زعمهما صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي‌ء في المقابل فالرضا المتقدم كالعدم فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد و استمر رضاهما فلا كلام في صحة المعاملة و رجعت إلي المعاطاة كما إذا علم الرضا من أول الأمر بإباحتهما التصرف بأي وجه اتفق سواء صحت المعاملة أم فسدت فإن ذلك ليس من البيع الفاسد في شي‌ء. أقول المفروض أن الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن إلا إنشاء واحدا هو التمليك و من المعلوم أن هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك و الموجود بعده إن كان إنشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ إنما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط مع أنك عرفت أن ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما و منه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد العقد غير مبني علي صحة العقد ثم إن ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد دون غيره من الصور مع أن كلام الجميع مطلق. يرد عليه أن هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد فإن كان لا علي وجه المعاطاة بل كل منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضا صاحبه بتصرفه في ماله فهذا ليس
المكاسب، ج‌2، ص 93
من المعاطاة بل هي إباحة مجانية من الطرفين تبقي ما دام العلم بالرضا و لا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع لأنه كالإذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه أثر المعاطاة من اللزوم بتلف إحدي العينين أو جواز التصرف إلي حين العلم بالرجوع أو مع ثبوت أحدهما و إن كان علي وجه المعاطاة فهذا ليس إلا التراضي السابق علي ملكية كل منهما لمال الآخر و ليس تراضيا جديدا بناء علي أن المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثاني فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدم عن صيغ العقود أن الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي يدخل في المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا علي وجه المعاوضة. و تفصيل الكلام أن المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط إما أن يقع تقابضهما بغير رضا من كل منهما في تصرف الآخر بل حصل قهرا عليهما أو علي أحدهما و إجبارا علي العمل بمقتضي العقد فلا إشكال في حرمة التصرف في المقبوض علي هذا الوجه و كذا إن وقع علي وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما علي ملكية الآخر اعتقادا أو تشريعا كما في كل قبض وقع علي هذا الوجه لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع كما في نظائره. و هذان الوجهان مما لا إشكال فيه في حرمة التصرف في العوضين كما أنه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد و إما إن وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه علي استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لإنشاء تمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لولاها لكان الرضا أيضا موجودا و كان المقصود الأصلي من المعاملة التصرف و أوقعا العقد الفاسد وسيلة له و يكشف عنه أنه لو سئل كل منهما عن رضاه بتصرف صاحبه علي تقدير عدم التمليك أو بعد تنبيهه علي عدم حصول الملك كان راضيا فإدخال هذا في المعاطاة يتوقف علي أمرين الأول كفاية هذا الرضا المركوز في النفس بل الرضا الشأني لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره إلي هذا و لعله لصدق طيب النفس علي هذا الأمر المركوز في النفس. الثاني أنه لا يشترط في المعاطاة إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض بل و لا بمطلق الفعل بل يكفي وصول كل من العوضين إلي المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله أو بعده علي الوجه المذكور و فيه إشكال من أن ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلامة رحمه الله في رد كفاية المعاطاة في البيع إن الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد و كذا استدلال المحقق الثاني علي عدم لزومها بأن الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة و كذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله في قواعده من أن الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول و إنما يفيد الإباحة إلي غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أن محل الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض و كذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم أن البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي. و من أن الظاهر أن عنوان التعاطي في كلماتهم لمجرد الدلالة علي الرضا و أن عمدة الدليل علي ذلك هي السيرة و لذا تعدوا إلي ما إذا لم يحصل إلا قبض أحد العوضين و السيرة موجودة في المقام فإن بناء الناس علي أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضورهم و وضعهم الفلوس في الموضع المعد له و علي دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس في كوز الحمامي. فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف و هذا ليس ببعيد علي القول بالإباحة

مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع

اشارة

قد عرفت أن اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود مما نقل عليه عقد الإجماع و تحقق فيه الشهرة العظيمة مع الإشارة إليه في بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة أما مع العجز عنه كالأخرس فمع عدم القدرة علي التوكيل لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار اللفظ و قيام الإشارة مقامه و كذا مع القدرة علي التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل لأن الوجوب بمعني الاشتراط كما فيما نحن فيه هو الأصل بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس فإن حمله علي صورة عجزه عن التوكيل حمل للمطلق علي الفرد النادر مع أن الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب. ثم لو قلنا إن الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكية فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين علي مباشرة اللفظ و الظاهر أيضا كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه و أما مع القدرة علي الإشارة فقد رجح بعض الإشارة و لعله لأنها أصرح في الإنشاء من الكتابة. و في بعض روايات الطلاق ما يدل علي العكس و إليه ذهب الحلي رحمه الله هناك. ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ تارة يقع في مواد الألفاظ من حيث إفادة المعني بالصراحة و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية و من حيث اللغة المستعملة في معني المعاملة و أخري في هيئة كل من الإيجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضي و ثالثة في هيئة تركيب الإيجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات. قال في التذكرة الرابع من شروط الصيغة التصريح فلا يقع بالكناية بيع البتة مثل قوله أدخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه مني أو سلطتك عليه بكذا عملا بأصالة بقاء الملك و لأن المخاطب لا يدري بم خوطب انتهي. و زاد في غاية المراد علي الأمثلة مثل قوله أعطيتكه بكذا أو تسلط عليه بكذا و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة فلا ينعقد بالمجازات حتي صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد. و المراد بالصريح كما يظهر من جماعة من الخاصة
المكاسب، ج‌2، ص 94
و العامة في باب الطلاق و غيره ما كان موضوعا بعنوان ذلك العقد لغة أو شرعا و من الكناية ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع فيفيد إرادة نفسه بالقرائن و هي علي قسمين عندهم جلية و خفية. و الذي يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللازمة و الفتاوي المتعرضة لصيغها في البيع بقول مطلق و في بعض أنواعه و في غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتد به في المعني المقصود فلا فرق بين قوله بعت و ملكت و بين قوله نقلت إلي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا و هذا هو الذي قواه جماعة من متأخري المتأخرين. و حكي عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق حيث حكي عن تلميذه كاشف الرموز أنه حكي عن شيخه المحقق أن عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و أنه اختاره أيضا و حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه أنه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل أسلمت إليك و عاوضتك. و حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين بل هو ظاهر العلامة رحمه الله في التحرير حيث قال إن الإيجاب هو اللفظ الدال علي النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما و نحوه المحكي عن التبصرة و الإرشاد و شرحه لفخر الإسلام فإذا كان الإيجاب هو اللفظ الدال علي النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته إلي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا بل قد يدعي أنه ظاهر كل من أطلق اعتبار الإيجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و أتباعه فتأمل. و قد حكي عن الأكثر تجويز البيع حالا بلفظ المسلم. و صرح جماعة أيضا في بيع التولية بانعقاده بقوله وليتك العقد أو وليتك السلعة و التشريك في المبيع بلفظ شركتك. و عن المسالك في مسألة تقبل أحد الشريكين في النخل حصة صاحبه بشي‌ء معلوم من الثمرة أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل مع أنه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع و أما في غيره فظاهر جماعة في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله تصرف فيه أو انتفع به و عليك رد عوضه أو خذه بمثله و أسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله في البيع من الكنايات مع أن القرض من العقود اللازمة علي حسب لزوم البيع و الإجارة. و حكي عن جماعة في الرهن أن إيجابه يؤدي بكل لفظ يدل عليه مثل قوله هذه وثيقة عندك. و عن الدروس تجويزه بقوله خذه أو أمسكه بمالك. و حكي عن غير واحد تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ تعهدت المال و تقلدته و شبه ذلك. و لقد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الإجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد و تردد جماعة في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل علي تسليم الأرض للمزارعة. و عن مجمع البرهان كما في غيره أنه لا خلاف في جوازها بكل لفظ يدل علي المطلوب مع كونه ماضيا و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع.
و قد جوز جماعة الوقف بلفظ حرمت و تصدقت مع القرينة الدالة علي إرادة الوقف مثل أن لا يباع و لا يورث مع عدم الخلاف كما عن غير واحد علي أنهما من الكنايات و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع أنه ليس صريحا فيه. و مع هذه الكلمات كيف يجوز أن يسند إلي العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له و أنه لا يجوز بالألفاظ المجازية خصوصا مع تعميمها للقريبة و البعيدة كما تقدم عن بعض المحققين و لعله لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في أكثرها بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني علي ما حكي عنه في باب السلم و النكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة علي المجازات البعيدة و هو جمع حسن و لعل الأولي أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء أ كان اللفظ الدال علي إنشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر ليرجع الإفادة بالأخرة إلي الوضع إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع علي إرادة المطلب من ذلك اللفظ و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته علي المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد فإن الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال أو اقتران حال يدل علي إرادة البيع جزما. و مما ذكرنا يظهر الإشكال في الاقتصار علي المشترك اللفظي اتكالا علي القرينة الحالية المعينة و كذا المشترك المعنوي و يمكن أن ينطبق علي ما ذكرنا الاستدلال المتقدم في عبارة التذكرة بقوله قدس سره لأن المخاطب لا يدري بم خوطب إذ ليس المراد أن المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية بل المراد أن الخطاب بالكناية لما لم يدل علي المعني المنشأ ما لم يقصد الملزوم لأن اللازم الأعم كما هو الغالب بل المطرد في الكنايات لا يدل علي الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع مع الملزوم الخاص فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب و إنما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم. و المفروض علي ما تقرر في مسألة المعاطاة أن النية بنفسها أو مع انكشافها بغير الأقوال لا تؤثر في النقل و الانتقال فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية. ثم إنه ربما يدعي أن العقود المؤثرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية كما حكي عن الإيضاح من أن كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوي العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتي بعضها. و أما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها علي العنوان المعبر به عن تلك المعاملة في كلام الشارع فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة معبرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة فلا بد من اشتمال عقدها علي هذه العناوين
المكاسب، ج‌2، ص 95
فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك و هكذا الكلام في العقود المنشئة للمقاصد الأخر كالبيع و الإجارة و نحوهما. فخصوصية اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها علي هذه العناوين الدائرة في لسان الشارع أو ما يرادفها لغة أو عرفا لأنها بهذه العناوين موارد للأحكام الشرعية التي لا تحصي. فعلي هذا فالضابط وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في لسان الشارع إذ لو وقع بإنشاء غيرها فإن كان لا مع قصد تلك العناوين كما لو لم تقصد المرأة إلا هبة نفسها أو إجارة نفسها مدة الاستمتاع لم تترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة علي الزوجية الدائمة أو المنقطعة و إن كان بقصد هذه العناوين دخل في الكناية التي عرفت أن تجويزها رجوع إلي عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال. فما ذكره الفخر رحمه الله مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده قدس سره و إليه يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من أن العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه. و ما عن المسالك من أنه يجب الاقتصار في العقود اللازمة علي الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة و مراده بالمنقولة شرعا هي المأثورة في كلام الشارع. و عن كنز العرفان في باب النكاح أنه حكم شرعي حادث فلا بد له من دليل يدل علي حصوله و هو العقد اللفظي المتلقي من النص ثم ذكر لإيجاب النكاح ألفاظا ثلاثة و عللها بورودها في القرآن. و لا يخفي أن تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من تفسير توقيفية العقود و أنها متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار علي المتيقن و من هذا الضابط تقدر علي تميز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الألفاظ المتقدمة في أبواب العقود المذكورة من غيره و أن الإجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة أو السكني مثلا لا يبعد جوازه و هكذا. إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول

[الإشارة إلي بعض ألفاظ عقد البيع

منها لفظ بعت في الإيجاب

و لا خلاف فيه فتوي و نصا و هو و إن كان من الأضداد بالنسبة إلي البيع و الشراء لكن كثرة استعماله في البيع وصلت إلي حد تغنيه عن القرينة.

و منها لفظ شريت

[فلا إشكال في وقوع البيع به لوضعه له كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في البيع. و عن القاموس شراه يشريه ملكه بالبيع و باعه كاشتراه فهما ضدان و عنه أيضا كل من ترك شيئا و تمسك بغيره فقد اشتراه و ربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع و كونه محتاجا إلي القرينة المعينة و عدم نقل الإيجاب به في الأخبار و كلام القدماء و لا يخلو عن وجه

و منها لفظ ملكت بالتشديد

و الأكثر علي وقوع البيع به بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق عليه حيث قال إنه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت و يدل عليه ما سبق في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض المنحل إلي مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفا و لغة كما صرح به فخر الدين حيث قال إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري. و ما قيل من أن التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر منه عند الإطلاق غيرها فيه أن الهبة إنما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك فهي مشتركة معني بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها فإن اتصل بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركب بمقتضي الوضع التركيبي البيع و إن تجرد عن ذكر العوض اقتضي تجريد الملكية المجانية. و قد عرفت سابقا أن تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي فلو أراد منه الهبة المعوضة أو قصد المصالحة بنيت صحة العقد علي صحة عقد بلفظ غيره مع النية. و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في شرح الإرشاد إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري و أما الإيجاب باشتريت ففي مفتاح الكرامة أنه قد يقال بصحته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها في نسختين من تعليق الإرشاد. أقول و قد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف علي بعت و ملكت شبههما أو ما يقوم مقامهما إذ إرادة خصوص لفظ شريت من هذا بعيد جدا و حمله علي إرادة ما يقوم مقامهما في اللغات الأخر للعاجز عن العربية أبعد فيتعين إرادة ما يراد فهما لغة أو عرفا فيشمل شريت و اشتريت لكن الإشكال المتقدم في شريت أولي بالجريان هنا لأن شريت استعمل في القرآن الكريم في البيع بل لم يستعمل فيه إلا فيه بخلاف اشتريت. و دفع الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال علي كونه إيجابا إما بناء علي لزوم تقديم الإيجاب علي القبول و إما لغلبة ذلك غير صحيح لأن الاعتماد علي القرينة غير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فيه إلا أن يدعي أن ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته علي خصوص العقد و تميزه عما عداه من العقود. و أما تميز إيجاب عقد معين عن قبوله الراجع إلي تمييز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة بل يكفي استفادة المراد و لو بقرينة المقام أو غلبته أو نحوهما و فيه إشكال. و أما القبول فلا ينبغي الإشكال في وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا. و أما بعت فلم ينقل إلا من الجامع مع أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء و لعل الإشكال فيه كإشكال اشتريت في الإيجاب. و اعلم أن المحكي عن نهاية الأحكام و المسالك أن الأصل في القبول قبلت و غيره بدل لأن القبول علي الحقيقة مما لا يمكن به الابتداء و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن و سيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الإيجاب. ثم إن في انعقاد القبول بلفظ الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ و شبهها وجهين.

فرع لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول

ثم اختلفا في تعيين الموجب و القابل إما بناء علي جواز تقديم القبول و إما من جهة اختلافهما في المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف ثم عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء علي واحد منهما.

مسألة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية

في العقد للتأسي كما في جامع المقاصد لأن عدم صحته بالعربي غير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولي و في الوجهين ما لا يخفي و أضعف منهما منع صدق العقد علي غير العربي مع التمكن من العربي فالأقوي صحته بغير العربي.
و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء علي اشتراط العربي الأقوي ذلك بناء علي أن دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار علي المتيقن من أسباب
المكاسب، ج‌2، ص 96
النقل و كذا اللحن في الأعراب. و حكي عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك بفتح الباء و بين ما لو قال جوزتك بدل زوجتك فصحح الأول دون الثاني إلا مع العجز عن التعلم و التوكيل و لعله معني صحيح في الأول إلا البيع بخلاف التجويز فإن له معني آخر فاستعماله في التزويج غير جائز و منه يظهر أن اللغات المحرفة لا بأس بها إذا لم يتغير بها المعني. ثم هل المعتبر عربية جميع أجزاء الإيجاب و القبول كالثمن و المثمن أم تكفي عربية الصيغة الدالة علي إنشاء الإيجاب و القبول حتي لو قال بعتك أين كتاب را به ده درهم كفي و الأقوي هو الأول لأن غير العربي كالمعدوم فكأنه لم يذكر في الكلام. نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الإيجاب كما لا يجب في القبول و اكتفي بانفهامها و لو من غير اللفظ صح الوجه الثاني لكن الشهيد رحمه الله في غاية المراد في مسألة تقديم القبول نص علي وجوب ذكر العوضين في الإيجاب. ثم إنه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعني اللفظ بأن يكون فارقا بين معني بعت و أبيع و أنا بائع أو يكفي مجرد علمه بأن هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع الظاهر هو الأول لأن عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام بل بقصد المتكلم منه المعني الذي وضع له عند العرب فلا يقال إنه تكلم و أدي المطلب علي طبق لسان العرب إذا ميز بين معني بعت و أبيع و أوجدت البيع و غيرها بل علي هذا لا يكفي معرفة أن بعت مرادف لقوله فروختم حتي يعرف أن الميم في الفارسي عوض عن تاء المتكلم فيميز بين بعتك و بعت بالضم و بعت بفتح التاء فلا ينبغي ترك الاحتياط و إن كان في تعينه نظر و لذا نص بعض علي عدمه

مسألة المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية

بل في التذكرة الإجماع علي عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر مني و لعله لصراحته في الإنشاء إذ المستقبل أشبه بالوعد و الأمر استدعاء لا إيجاب مع أن قصد الإنشاء بالمستقبل خلاف المتعارف. و عن القاضي في الكامل و المهذب عدم اعتبارها و لعله لإطلاق البيع و التجارة و عموم العقود و ما دل في بيع الآبق و اللبن في الضرع من الإيجاب بلفظ المضارع و فحوي ما دل عليه في النكاح و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع في الإنشاء علي وجه لا يحتاج إلي قرينة المقام فتأمل.

مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الإيجاب علي القبول

و به صرح في الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة كما عن الإيضاح و جامع المقاصد و لعله الأصل بعد حمل آية وجوب الوفاء علي العقود المتعارفة كإطلاق البيع و التجارة في الكتاب و السنة. و زاد بعضهم أن القبول فرع الإيجاب فلا يتقدم عليه و أنه تابع له فلا يصح تقدمه عليه. و حكي عن غاية المراد عن الخلاف الإجماع عليه و ليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم الإيجاب متفق عليه فيؤخذ به فراجع خلافا للشيخ في المبسوط في باب النكاح و إن وافق الخلاف في البيع إلا أنه عدل عنه في باب النكاح بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحته بين الإمامية حيث إنه بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل زوجني فلانة جائز بلا خلاف قال أما البيع فإنه إذا قال بعينها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتي يسبق الإيجاب انتهي. و كيف كان فنسبة القول الأول إلي المبسوط مستندة إلي كلامه في باب البيع و أما في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق رحمه الله في الشرائع و العلامة في التحرير و الشهيدين في بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها و فحوي جوازه في النكاح الثابت بالأخبار مثل: خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل علي صحة تقديم القبول بقوله للمرأة أتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة رسول الله ص إلي أن قال فإذا قالت نعم فهي امرأتك و أنت أولي الناس بها. و رواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين كما قيل المشتملة علي تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها. و التحقيق أن القبول إما أن يكون بلفظ قبلت و رضيت و إما أن يكون بطريق الأمر و الاستيجاب نحو بعني فيقول المخاطب بعتك و إما أن يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت فإن كان بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لما عرفت في صدر المسألة بل المحكي عن الميسية و المسالك و مجمع الفائدة أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ قبلت و هو المحكي عن نهاية الأحكام و كشف اللثام في باب النكاح و قد اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين أيضا بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه. و يدل عليه مضافا إلي ما ذكر و إلي كونه خلاف المتعارف من العقد أن القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب فلا يعقل تقدمه عليه و ليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالإيجاب سواء تحقق قبل ذلك أم لا حيث إن الرضا لشي‌ء لا يستلزم في تحققه في الماضي فقد يرضي الإنسان بالأمر المستقبل بل المراد منه الرضا بالإيجاب علي وجه يتضمن إنشاء نقل ماله في الحال إلي الموجب علي وجه العوضية لأن المشتري ناقل كالبائع و هذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الإيجاب إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال فإن من رضي بمعاوضة ينشأها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلي الموجب بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله و ينقله إلي غيره علي وجه العوضية. و من هنا يتضح فساد ما حكي عن بعض المحققين في رد الدليل المذكور و هو كون القبول فرع الإيجاب و تابعا له و هو أن تبعية القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ و لا القصد للقصد حتي يمتنع تقديمه و إنما هو علي سبيل الفرض و التنزيل بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقي إليه من الموجب و الموجب مناولا كما يقول السائل في مقام الإنشاء أنا راض بما تعطيني و قابل لما تمنحني فهو متناول قدم إنشاءه أو أخر فعلي هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت إن لم يقم إجماع علي خلافه انتهي. و وجه الفساد ما عرفت سابقا من أن الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال و ليس المراد أن أصل الرضا بشي‌ء تابع لتحققه في الخارج أو لأصل الرضا به حتي يحتاج إلي توضيحه بما ذكره من المثال بل المراد الرضا الذي يعد قبولا و ركنا في العقد. و مما ذكرنا
المكاسب، ج‌2، ص 97
يظهر الوجه في المنع عن تقدم القبول بلفظ الأمر كما لو قال يعني هذا بدرهم فقال بعتك لأن غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة علي الرضا بها لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقلة نقل في الحال للدرهم إلي البائع كما لا يخفي. و أما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا علي الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر علي خلافه و أما فحوي جوازه في النكاح ففيها بعد الإغماض عن حكم الأصل بناء علي منع دلالة رواية سهل- علي كون لفظ الأمر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد إيجاب النبي ص و يؤيده أنه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول منع الفحوي و قصور دلالة رواية أبان من حيث اشتمالها علي كفاية قول المرأة نعم في الإيجاب ثم اعلم أن في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافا كثيرا بين كلمات الأصحاب فقال في المبسوط إن قال بعنيها بألف فقال بعتك صح و الأقوي عندي أنه لا يصح حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت و اختار ذلك في الخلاف و صرح به في الغنية فقال و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و هو أن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك فإنه لا ينعقد حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت و صرح به أيضا في السرائر و الوسيلة. و عن جامع المقاصد أن ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي و حكي الإجماع عن ظاهر الغنية أيضا أو صريحها. و عن المسالك المشهور بل قيل إن هذا الحكم ظاهر كل من اشتراط الإيجاب و القبول و مع ذلك كله فقد صرح الشيخ في المبسوط في باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع و نسبته إلينا مشعر بقرينة السياق إلي عدم الخلاف فيه بيننا فقال إذا تعاقدا فإن تقدم الإيجاب علي القبول فقال زوجتك فقال قبلت التزويج صح و كذا إذا تقدم الإيجاب علي القبول في البيع صح بلا خلاف و إما أن تأخر الإيجاب و سبق القبول فإن كان في النكاح فقال الزوج زوجنيها فقال زوجتكها صح و إن لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدي: قال الرجل زوجنيها يا رسول الله فقال زوجتكها بما معك من القرآن فقدم القبول و تأخر الإيجاب و إن كان هذا في البيع فقال بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتي يسبق الإيجاب انتهي. و حكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم إلي كل من جوز تقديم القبول علي الإيجاب بقول مطلق و تمسك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج إلا أن المحقق مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب صرح بجواز تقديم القبول علي الإيجاب. و ذكر العلامة قدس سره الاستيجاب و الإيجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الإيجاب و القبول كالمعاطاة و جزم بعدم كفايته مع أنه تردد في اعتبار تقديم القبول و كيف كان فقد عرفت أن الأقوي المنع في البيع لما عرفت بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ قبلت يمكن المنع هنا بناء علي اعتبار الماضوية فيما دل علي القبول ثم إن هذا كله بناء علي المذهب المشهور بين الأصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك. و أما علي ما قويناه سابقا في مسألة المعاطاة من أن البيع العرفي موجب للملك و أن الأصل في الملك اللزوم فاللازم الحكم باللزوم في كل مورد لم يقم إجماع علي عدم اللزوم و هو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأسا أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الإجماع علي عدم إفادتها اللزوم و أما في غير ذلك فالأصل اللزوم. و قد عرفت أن القبول علي وجه طلب البيع قد صرح في المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكي في الكامل أيضا فتأمل و إن كان التقديم بلفظ اشتريت أو ابتعت أو تملكت أو ملكت هذا بكذا فالأقوي جوازه لأنه إنشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا ففي الحقيقة إنشاء المعاوضة كالبائع إلا أن البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه و المشتري ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله ففي الحقيقة كل منهما يخرج ماله إلي صاحبه و يدخل مال صاحبه في ملكه إلا أن الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض و في القبول مفهوم من نفس الفعل و الإخراج بالعكس و حينئذ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معني القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه
عقيب الإيجاب و إنشاء انتقال مال البائع إلي نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول أطلق عليه القبول و هذا المعني مفقود في الإيجاب المتأخر- لأن المشتري إنما ينقل ماله إلي البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا و البائع إنما ينشئ انتقال الثمن إليه كذلك لا بمدلول الصيغة. و قد صرح في النهاية و المسالك علي ما حكي بأن اشتريت ليس قبولا حقيقة و إنما هو بدل و أن الأصل في القبول قبلت لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به و مرادهما أنه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع كما أن رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلي البائع إلا إذا وقع متأخرا و لذا منعنا عن تقديمه فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلي إفادة نقل المال و مطاوعة البيع عند التقدم و التأخر متعاكسان. فإن قلت إن الإجماع علي اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتي يقع قبولا لأن إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معني الانتقال و قبول الأثر فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فإن مجرد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول كما لو نوي تملك المباحات أو اللقطة فإنه لا قبول فيه رأسا. قلت المسلم من الاجتماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعني الشامل للرضا بالإيجاب و أما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الأثر فلا- فقد تبين من جميع ذلك أن إنشاء القبول لا بد أن يكون جامعا لتضمن إنشاء النقل و للرضا بإنشاء البائع تقدم أو تأخر و لا يعتبر إنشاء انفعال نقل البائع. فقد تحصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ اشتريت وفاقا لمن عرفت بل هو ظاهر إطلاق
المكاسب، ج‌2، ص 98
الشيخ في الخلاف حيث إنه لم يتعرض إلا للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب و الإيجاب و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت و كذا السيد في الغنية حيث أطلق اعتبار الإيجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الإيجاب و كذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد. و الحاصل أن المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء الحلي و ابن حمزة فمن التعجب بعد ذلك حكاية الإجماع عن الخلاف علي تقديم الإيجاب مع أنه لم يزد علي الاستدلال بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب بأن ما عداه مجمع علي صحته و ليس علي صحته دليل و لعمري أن مثل هذا مما يوهن الاعتماد علي الإجماع المنقول و قد نبهنا علي أمثال ذلك في مواردها نعم يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه في المسألة الآتية و هو الوصل بين الإيجاب و القبول فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال. ثم إن ما ذكرنا جار في كل قبول يؤدي بإنشاء مستقل كالإجارة التي يؤدي قبولها بلفظ تملك منك منفعة كذا أو ملكت و النكاح الذي يؤدي قبولها بلفظ نكحت و تزوجت و أما بالإنشاء في قبوله إلا قبلت أو ما يتضمنه كارتهنت فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه إذ لا التزام في قبوله لشي‌ء كما كان في قبول البيع التزام بنقل ماله إلي البائع بل لا ينشئ به معني غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم أن الرضا يجوز تعلقه بأمر مترقب كما يجوز تعلقه بأمر محقق فيجوز أن يقول رضيت برهنك هذا عندي فيقول رهنت. و التحقيق عدم الجواز لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفي أنه لا يصدق الارتهان علي قبول الشخص إلا بعد تحقق الرهن لأن الإيجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال و كذا القول في الهبة و القرض فإنه لا يحصل من إنشاء القول فيهما التزام بشي‌ء- و إنما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوهما قبول المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض. و أما المصالحة المشتملة علي المعاوضة فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين و كانت نسبتها إليهما علي وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر كان البادي منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة و عرفا. ثم لما انعقد الإجماع علي توقف العقد علي القبول لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول إذ لو قال أيضا صالحتك كان إيجابا آخر- فيلزم تركيب العقد من إيجابين و تحقق من جميع ذلك أن تقديم القبول في الصلح أيضا غير جائز إذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت. و قد عرفت أن قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل علي إنشاء لنقل العوض في الحال.
فتلخص مما ذكرنا أن القبول في العقود علي أقسام لأنه إما أن يكون التزاما بشي‌ء من القابل كنقل مال عنه أو زوجية و إما أن لا يكون فيه سوي الرضا بالإيجاب. و الأول علي قسمين لأن الالتزام الحاصل من القابل إما أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة أو متغايرا كالاشتراء. و الثاني أيضا علي قسمين لأنه إما أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض و إما أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة و العارية و شبههما فتقديم القبول علي الإيجاب لا يكون إلا في القسم الثاني من كل من القسمين. ثم إن مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفي فكل من التزم بنقل ماله علي وجه العوضية لمال آخر يسمي مشتريا و كل من نقل ماله علي أن يكون عوضه مالا من آخر يسمي بائعا. و بعبارة أخري كل من ملك ماله غيره بعوض فهو البائع و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشتري و إلا فكل منهما في الحقيقة يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله.

و من جملة شروط العقد الموالاة بين إيجابه و قبوله

ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و الشيخ المقداد. قال الشهيد في قواعده الموالاة معتبرة في العقد و نحوه و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثني و المستثني منه. و قال بعض العامة لا يضر قول الزوج بعد الإيجاب الحمد لله و الصلاة علي رسول الله قبلت نكاحها و منه الفورية في استتابة المرتد فيعتبر في الحال و قيل إلي ثلاثة أيام و منه السكوت في أثناء الأذان فإن كان كثيرا أبطله و منه السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها و كذا التشهد و منه تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع فإن تعمدوا أو نسوا حتي ركع فلا جمعة و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة و منه الموالاة في التعريف بحيث لا ينسي أنه تكرار و الموالاة في سنة التعريف فلو رجع في أثناء المدة استؤنفت ليتوالي انتهي. أقول حاصله أن الأمر المتدرج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف فلا بد في ترتب الحكم المعلق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتصالية فالعقد المركب من الإيجاب و القبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئته الاتصالية و لذا لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد و انضباط ذلك إنما يكون بالعرف فهو في كل أمر بحسبه فيجوز الفصل بين كل من الإيجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات الفصل بما لا يجوز بين الحروف كما في الأذان و القراءة. و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا كما هو مقتضي التمسك بآية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك أما لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد و أما جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثني منه فلأنه منشأ الانتقال إلي هذه القاعدة فإن أكثر الكليات إنما يلتفت إليها من التأمل في مورد خاص. و قد صرح في القواعد مكررا بكون الأصل في هذه القاعدة كذا و يحتمل بعيدا أن يكون الوجه فيه أن الاستثناء أشد ربطا بالمستثني منه من سائر اللواحق لخروج المستثني منه معه عن
المكاسب، ج‌2، ص 99
حد الكذب إلي الصدق فصدقه يتوقف عليه فلذا كان طول الفصل هناك أقبح فصار أصلا في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام ثم تعدي منه إلي سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا أو معني أو من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا أو قراءة أو أذانا و نحو ذلك ثم في تطبيق بعضها علي ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد فإن غاية ما يمكن أن يقال في توجيهها إن المطلوب في الإسلام الاستمرار فإذا انقطع فلا بد من إعادته في أقرب الأوقات. و أما مسألة الجمعة فلأن هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة فيقدح الإخلال بها و للتأمل في هذه الفروع و في صحة تفريعها علي الأصل المذكور مجال ثم إن المعيار في الموالاة موكول إلي العرف كما في الصلاة و القراءة و الأذان و نحوها و يظهر من رواية سهل الساعدي المتقدمة في مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الإيجاب و القبول بكلام طويل أجنبي بناء علي ما فهمه الجماعة من أن القبول فيها قول ذلك الصحابي زوجنيها و الإيجاب قوله ص بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن و لعل هذا موهن آخر للرواية فافهم.

و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد

بأن لا يكون معلقا علي شي‌ء بأداة الشرط بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي‌ء لا في غيرها و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلي و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدس الله أرواحهم. و عن فخر الدين في شرح الإرشاد في باب الوكالة أن تعليق الوكالة علي الشرط لا يصح عند الإمامية و كذا غيره من العقود لازمة كانت أو جائزة. و عن تمهيد القواعد دعوي الإجماع عليه و ظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف الاتفاق عليه و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و إن لم يتعرض الأكثر في هذا المقام و يدل عليه فحوي فتاويهم و معاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كل ما دل علي الإذن حتي أن العلامة ادعي الإجماع علي ما حكي عنه علي عدم صحة أن يقول الموكل أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي و علي صحة قوله أنت وكيلي و لا تبع عبدي إلا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا و فرق بينهما جماعة بعد الاعتراف بأن هذا في معني التعليق بأن العقود لما كانت متلقاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و إن أفادت فائدتها فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع و بالجملة فلا شبهه في اتفاقهم علي الحكم. و أما الكلام في وجه الاشتراط فالذي صرح به العلامة في التذكرة أنه مناف للجزم حال الإنشاء بل جعل الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق. قال الخامس من الشروط الجزم فلو علق العقد علي شرط لم يصح و إن كان الشرط المشية- للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدته- و هو أحد قولي الشافعي و أظهرهما عندهم الصحة لأن هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد لأنه لو لم يشأ لم يشتر انتهي و تبعه علي ذلك الشهيد رحمه الله في قواعده قال لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا إلا مع الجزم و الجزم ينافي التعليق انتهي. و مقتضي ذلك أن المعتبر هو عدم التعليق علي أمر مجهول الحصول كما صرح به المحقق في باب الطلاق. و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان في الجامع و المسالك في مسألة إن كان لي فقد بعته أن التعليق إنما ينافي الإنشاء في العقود و الإيقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول لكن الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم أن الجزم ينافي التعليق لأنه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق علي الوصف كان الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه فاعتبر المعني العام دون خصوصيات الأفراد ثم قال فإن قلت فعلي هذا يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل- إن كان لي فقد بعته منك بكذا قلت هذا تعليق علي واقع لا متوقع الحصول فهو علة للوقوع أو مصاحب له لا معلق عليه الوقوع و كذا نقول لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج و إنكار التزويج حيث تدعيه المرأة إن كانت زوجتي فهي طالق انتهي كلامه رحمه الله و علل العلامة في القواعد صحة إن كان لي فقد بعته بأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا و كذا كل شرط علم وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع و لا في وقوعه انتهي. و تفصيل الكلام أن المعلق عليه- إما أن يكون معلوم التحقق و إما إما يكون محتمل التحقق و علي الوجهين فإما أن يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل و علي التقادير فإما أن يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشي‌ء مما يصح تملكه شرعا أو مما يصح إخراجه عن الملك كغير أم الولد و غير الموقوف و نحوه و كون المشتري ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا و ممن يجوز العقد معه بأن يكون بالغا و إما أن لا يكون كذلك. ثم التعليق إما مصرح به و إما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة و قوله في القرض و الهبة خذ هذا بعوضه أو خذه بلا عوض يوم الجمعة فإن التمليك معلق علي تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال و لهذا احتمل العلامة في النهاية و ولده في الإيضاح بطلان بيع الوارث لمال مورثه بظن موته معللا بأن العقد و إن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر أنه غير قادح وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و الصيمري. و
حكي أيضا عن المبسوط و الإيضاح في مسألة ما لو قال إن كان لي فقد بعته بل لم يوجد في ذلك خلاف صريح و لذا ادعي في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا و ما كان منها معلوم الحصول في المستقبل و هو المعبر عنه بالصفة فالظاهر أنه داخل في معقد اتفاقهم علي عدم الجواز و إن كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه و نحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فإنه قال إذا قال الواقف إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته لم يصح الوقف بلا خلاف لأنه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق أيضا انتهي فإن ذيله يدل علي أن مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير
المكاسب، ج‌2، ص 100
مختص بالإمامية. نعم مماثلته للعتق مختصة بهم و ما كان منها مشكوك الحصول و ليست صحة العقد معلقة عليه في الواقع كقدوم الحاج فهو المتيقن من معقد اتفاقهم و ما كانت صحة العقد معلقة عليه كالأمثلة المتقدمة فظاهر إطلاق كلامهم يشمله إلا أن الشيخ في المبسوط حكي في مسألة إن كان لي فقد بعته قولا من بعض الناس بالصحة و أن الشرط لا يضره مستدلا بأنه لم يشترط إلا ما يقتضيه إطلاق العقد لأنه إنما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل إذا كان أذن له في الشراء فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضر إظهاره و شرطه كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك انتهي و هذا الكلام و إن حكاه عن بعض الناس إلا أن الظاهر ارتضاؤه له و حاصله أنه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه في الواقع فتعليقه ببعض مقدماته كالالتزام ببعض غاياته فكما لا يضر الالتزام بما يقتضي العقد إلزامه كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلقا عليه و مقيدا به. و هذا الوجه و إن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد لأن المعلق علي ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الأثر الشرعي علي العقد دون إنشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلم فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع علي شي‌ء و المعلق علي شي‌ء ليس معلقا في كلام المتكلم علي شي‌ء بل و لا منجزا بل هو شي‌ء خارج عن مدلول الكلام إلا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بتحقق الإجماع عليه مع أن ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدل علي أن محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم. و يؤيد ذلك أن الشهيد في قواعده جعل الأصح صحة تعليق البيع علي ما هو شرط فيه كقول البائع بعتك إن قبلت و يظهر منه ذلك أيضا في أواخر القواعد. ثم إنك قد عرفت أن العمدة في المسألة هو الإجماع و ربما يتوهم أن الوجه في اعتبار التنجيز- هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق و بطلانه واضح لأن المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصور فيه إلا أن الكلام ليس فيه و إن كان الكلام في أنه- كما يصح إنشاء الملكية المتحققة علي كل تقدير فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة علي تقدير دون آخر كقوله هذا لك إن جاء زيد غدا و خذ المال قرضا أو قراضا إذا أخذته من فلان و نحو ذلك فلا ريب في أنه أمر متصور واقع في العرف و الشرع كثيرا كما في الأوامر و المعاملات من العقود و الإيقاعات. و يتلو هذا الوجه في الضعف ما قيل من أن ظاهر ما دل علي سببية العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك. و فيه بعد الغض عن عدم انحصار أدلة الصحة و اللزوم في مثل قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- لأن دليل حلية البيع و تسلط الناس علي أموالهم كاف في إثبات ذلك أن العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به علي طبق مدلوله فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلا مفاد أوفوا بالعهد في أن العقد كالعهد إذا وقع علي وجه التعليق فترقب تحقق المعلق عليه في تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد. و الحاصل أنه إن أريد بالمسبب مدلول العقد- فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها- و إن أريد به الأثر الشرعي و هو ثبوت الملكية فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكية المنجزة بل هو مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلق و إن كان معلقا فأثره الملكية المعلقة مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدا مع أن ما ذكره لا يجري في مثل قوله بعتك إن شئت أو إن قبلت فقال قبلت فإنه لا يلزم هنا تخلف أثر العقد عنه مع أن هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال فإن العقد حينئذ يكون مراعي لا موقوفا مع أن ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخر مقتضاها عنها كما لا يخفي و ليس الكلام في خصوص البيع و ليس علي هذا الشرط في كل عقد دليل علي حدة. ثم الأضعف من الوجه المتقدم التمسك في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها علي المتيقن و ليس إلا العقد العاري عن التعليق إذ فيه أن إطلاق الأدلة مثل حلية البيع و تسلط الناس علي أموالهم و حل التجارة عن تراض و وجوب
الوفاء بالعقود و أدلة سائر العقود كافية في التوقف. و بالجملة فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلتها و وقوع كثير منها في العرف علي وجه التعليق بغير الإجماع محققا أو منقولا مشكل ثم إن القادح هو تعليق الإنشاء. و أما إذا أنشأ من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ مترددا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم أن المال له أو أن المبيع مما يتمول أو أن المشتري راض حين الإيجاب أم لا أو غير ذلك مما تتوقف صحة العقد عليه عرفا أو شرعا بل الظاهر أنه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر عليه إذا تحقق القصد إلي التمليك العرفي. و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد. نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية أو الشك فيها عند إنشاء الطلاق فإنه لا يتحقق القصد إليه منجزا من دون العلم بالزوجية و كذا الرقبة في العتق و حينئذ فإذا مست الحاجة إلي شي‌ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء علي ما هو شرط فيه فلا بد من إبرازه بصورة التنجز و إن كان في الواقع معلقا أو يوكل غير الجاهل بالحال بإيقاعه و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا علي كون الموكل مالكا للفعل لأن فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن إلا أن ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوج امرأة يشك في أنها محرمة عليه فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد قال و كذا الإيقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها أو ولي نائب الإمام ع قاضيا لا يعلم أهليته و إن ظهر أهلا. ثم قال و يخرج من هذا البيع مال مورثه لظنه حياته فبان ميتا لأن الجزم هنا حاصل- لكن خصوصية البائع غير معلومة و إن قيل بالبطلان أمكن لعدم القصد إلي نقل ملكه و كذا لو زوج أمة أبيه فظهر ميتا انتهي. و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه بإمكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق فافهم. و قال في موضع آخر و لو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا و يشكلان في العالم بالحكم لعدم قصدهما إلي طلاق صحيح انتهي.

و من جملة شروط العقد التطابق بين الإيجاب و القبول

المكاسب، ج‌2، ص 101
فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع علي وجه خاص- من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط فقبل المشتري علي وجه آخر لم ينعقد و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالإيجاب فحينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا فقال اشتريته لنفسي لم ينعقد و لو قال بعت هذا من موكلك فقال الموكل غير المخاطب قبلت صح و كذا لو قال بعتك فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد. و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير و لو قال للاثنين بعتكما العبد بألف فقال أحدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم يقع و لو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز- و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشتري اشتريت كل نصف منه بخمسين و فيه إشكال. و من جملة الشروط في العقد أن يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الإنشاء فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب لم ينعقد ثم إن عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الإغماء بل النوم- فوجه الاعتبار عدم تحقق معني المعاقدة و المعاهدة حينئذ. و أما صحة القبول من الموصي له بعد موت الموصي فهو شرط تحققه لا ركن فإن حقيقة الوصية الإيصاء و كذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك و إن كان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه عن مفهوم التعاهد و التعاقد لأن المعتبر فيه عرفا رضا كل منهما لما ينشأه الآخر حين إنشائه كمن يعرض له الحجر بفلس أو سفه أو رق أو قرض أو مرض موت. و الأصل في جميع ذلك أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق و كذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راض أو كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير فصحة كل من الإيجاب و القبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من أول العقد إلي أن يتحقق تمام السبب و به يتم معني المعاقدة فإذا لم يكن هذا المعني قائما في نفس أحدهما أو قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معني المعاقدة ثم إنهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد بل يكفي حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الإيجاب و قبل القبول اللهم إلا أن يلتزم بكون الحكم في المكره علي خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة

فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل كما لو فرضنا أنه لا قائل بجواز تقديم القبول علي الإيجاب و جواز العقد بالفارسية أردؤها أخيرها و الأولان مبنيان علي أن الأحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية فالإيجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة إشارة الأخرس و إيجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة إلي واجد الماء أم هي أحكام عذرية لا يعذر فيها إلا من اجتهد أو قلد فيها. و المسألة محررة في الأصول هذا كله إذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا إلي فعل الآخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب. و أما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين علي صفة صحة الإنشاء إلي آخر العقد فالظاهر أن اختلافها يوجب فساد المجموع لأن الإخلال بالموالاة أو التنجيز أو البقاء علي صفة صحة الإنشاء يفسده عبارة من يراها شروطا فإن الموجب إذا علق مثلا أو لم يبق علي صفة صحة الإنشاء إلي زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب بالقبول و كذا القابل إذا لم يقبل إلا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك فإنه يجب علي الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة فتأمل.

مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه- و كان مضمونا عليه

اشارة

أما عدم الملك فلأنه مقتضي فرض الفساد

و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه- و هو أحد الأمور المتفرعة علي القبض بالعقد الفاسد

اشارة

فهو المعروف- . و ادعي الشيخ في باب الرهن و في موضع من البيع الإجماع عليه صريحا و تبعه في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد و في السرائر أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان و في موضع آخر نسبه إلي أصحابنا و يدل عليه النبوي المشهور: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي و الخدشة في دلالته بأن كلمة علي ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدل علي الضمان ضعيفة جدا فإن هذا الظهور إنما هو إذا أسند الظرف إلي فعل من أفعال المكلفين لا إلي مال من الأموال كما يقال عليه دين فإن لفظة علي حينئذ لمجرد الاستقرار في العهدة- عينا كان أو دينا و من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به علي ضمان الصغير بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التمييز و الشعور. و يدل علي الحكم المذكور أيضا- قوله ع: في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أنه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة فإن ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريق أولي- و ليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء بل من قبيل إحداث نمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم. ثم إن هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة- كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده- و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و هذه القاعدة أصلا و عكسا و إن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدم علي العلامة إلا أنها يظهر من كلمات الشيخ رحمه الله في المبسوط فإنه علل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة بأنه دخل علي أن يكون المال مضمونا عليه- . و حاصله أن قبض المال مقدما علي ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب للضمان و هذا المعني يشمل المقبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها. و ذكر أيضا في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد أن صحيحة لا يوجب الضمان فكيف يضمن بفاسده و هذا يدل علي العكس المذكور و لم أجد من تأمل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق أجرة المثل أم لا

[القول في قاعدة الضمان

اشارة

و كيف كان فالمهم بيان معني القاعدة أصلا و عكسا ثم بيان المدرك فيها.

[أما أصلها]

فتقول و من الله الاستعانة إن المراد بالعقد أعم من الجائز و اللازم بل مما كانت فيه شائبة الإيقاع
المكاسب، ج‌2، ص 102
أو كان أقرب إليه فيشمل الجعالة و الخلع و المراد بالضمان في الجملتين- هو كون درك المضمون عليه بمعني كون خسارته و دركه في ماله الأصلي فإذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه منه و أما مجرد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معني للضمان أصلا فلا يقال إن الإنسان ضامن لأمواله ثم تداركه من ماله تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضي هو و المالك علي كونه عوضا و إمضاء الشارع كما في المضمون بسبب العقد الصحيح و أخري بأداء عوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و إن لم يتراضيا عليه- و ثالثة بأداء أقل الأمرين من العوض الواقعي و الجعلي كما ذكره بعضهم في بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض. فإذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي لأن هذا هو التدارك حقيقة و لذا لو اشترط ضمان العارية لزمت غرامة مثلها أو قيمتها. و لم يرد في أخبار ضمان المضمونات من المغصوبات و غيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق- و أما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع فاحتمال أن يكون المراد بالضمان في قولهم يضمن بفاسده هو وجوب أداء العوض المسمي نظير الضمان في العقد الصحيح ضعيف في الغاية لا لأن ضمانه بالمسمي يخرجه عن فرض الفساد إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين علي ملك مالكه و إن كان عند تلف أحدهما يتعين الآخر للعوضية نظير المعاطاة علي القول بالإباحة- بل لأجل ما عرفت من معني الضمان و أن التدارك بالمسمي في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطأ علي عوضيته لا لأن معني الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتي يوجب ذلك تفكيكا في العبارة فافهم- . ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع- لتكون أفراده مثل البيع و الصلح و الإجارة و نحوها لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان و إنما المقتضي له بعض أصنافه فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان لأنه قد لا يفيد إلا فائدة الهبة غير المعوضة أو الإبراء فالموجب للضمان هو المشتمل علي المعاوضة فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا و لا يلتفت إلي أن نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا فلا يضمن بفاسده و كذا الكلام في الهبة المعوضة و كذا عارية الذهب و الفضة. نعم ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم أن صحيح العارية لا يوجب الضمان فينبغي أن لا يضمن بفسادها و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها. ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه فلو اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح ففي الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة إشكال كما لو استأجر إجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين و قلنا بصحة هذا الشرط فهل تضمن بهذا الفاسد لأن صحيحة يضمن به و لو لأجل الشرط أم لا و كذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة. و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا تبعا لظاهر المسالك. و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل بناء علي أنها هبة مشروطة لا معاوضة و ربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أن كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد. و رتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا أجرة كما اختاره الشهيدان- أو باع بلا ثمن كما هو أحد وجهي العلامة في القواعد. و يضعف بأن الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح و فاسد لا ما يفرض تارة صحيحا و أخري فاسدا فالمتعين بمقتضي هذه القاعدة الضمان في مسألة البيع لأن البيع الصحيح يضمن به- . نعم ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة بأنه أقدم علي العين مضمونة عليه- لا يجري في هذا الفرع لكن الكلام في معني القاعدة لا في مدركها ثم إن لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده- إما بمعني في بأن يراد كلما تحقق الضمان في صحيحة تحقق في فاسده- . و إما لمطلق السببية الشامل للناقصة لا العلة التامة فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلا بعد القبض كما في السلم و الصرف بل مطلق البيع حيث إن المبيع قبل القبض مضمون علي البائع بمعني أن دركه عليه و يتداركه برد الثمن فتأمل و كذا الإجارة و النكاح و الخلع فإن المال في ذلك كله مضمون علي من انتقل
عنه إلي أن يتسلمه من انتقل إليه. و أما العقد الفاسد فلا تكون علة تامة أبدا بل يفتقر في ثبوت الضمان إلي القبض فقبله لا ضمان فجعل الفاسد سببا إما لأنه المنشأ للقبض علي وجه الضمان الذي هو سبب للضمان و إما لأنه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض و لذا علل الضمان الشيخ و غيره بدخوله علي أن تكون العين مضمونة عليه. و لا ريب أن دخوله علي الضمان إنما هو بإنشاء العقد الفاسد فهو سبب لضمان ما يقبضه و الغرض من ذلك كله دفع ما يتوهم أن سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد علي الصحيح في سببية الضمان و يقال كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. و قد ظهر من ذلك أيضا فساد توهم أن ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد إلي القبض فلا بد من تخصيص القاعدة بإجماع و نحوه ثم إن المدرك لهذه الكلية- علي ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل هو إقدام الآخذ علي الضمان ثم أضاف إلي ذلك قوله ص: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي. و الظاهر أنه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط حيث علل الضمان في موارد كثيرة من البيع و الإجارة الفاسدين بدخوله علي أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمي فإذا لم يسلم له المسمي رجع إلي المثل أو القيمة و هذا الوجه لا يخلو عن تأمل لأنهما إنما أقدما و تراضيا و تواطئا بالعقد الفاسد علي ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة و المفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاص و مطلق الضمان لا يبقي بعد انتفاء الخصوصية حتي يتقوم بخصوصية أخري فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت فحكم شرعي تابع لدليله و ليس مما أقدم عليه المتعاقدان. و هذا كله مع أن مورد هذا التعليل أعم من وجه من المطلب إذ قد يكون الإقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع علي البائع- إذا تلف في يد المشتري- و كما إذا
المكاسب، ج‌2، ص 103
قال بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة. نعم قوي الشهيدان في الأخير عدم الضمان و استشكل العلامة في مثال البيع في باب السلم. و بالجملة فدليل الإقدام مع أنه مطلب يحتاج إلي دليل لم نحصله منقوض طردا و عكسا و أما خبر اليد فدلالته و إن كانت ظاهرة و سنده منجبرا إلا أن مورده مختص بالأعيان فلا يشمل المنافع و الأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة- اللهم إلا أن يستدل علي الضمان فيها بما دل علي احترام مال المسلم و أنه لا يحل إلا عن طيب نفسه و أن حرمة ماله كحرمة دمه و أنه لا يصلح ذهاب حق أحد مضافا إلي أدلة نفي الضرر فكل عمل وقع من عامل لأحد بحيث يقع بأمره و تحصيلا لغرضه فلا بد من أداء عوضه لقاعدتي الاحترام و نفي الضرار. ثم إنه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال علي الضمان بالإقدام و الدخول عليه بيان أن العين و المنفعة- التين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتي لا يقضي احترامهما بتداركهما بالعوض كما في العمل المتبرع به و العين المدفوعة مجانا أو أمانة فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضي اليد في الأموال و احترام الأعمال. نعم في المسالك ذكر كلا من الأقدام و اليد دليلا مستقلا فيبقي عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض. و يبقي الكلام حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلي الضامن و لم يقع بأمره كالسبق في المسابقة الفاسدة حيث حكم الشيخ و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق أجرة المثل خلافا لآخرين- و وجهه أن عمل العامل لم يعد نفعه إلي الآخر- و لم يقع بأمره أيضا. فاحترام الأموال التي منها الأعمال لا يقضي بضمان الشخص له و وجوب عوضه عليه لأنه ليس كالمستوفي له و لذا كانت شرعيته علي خلاف القاعدة حيث إنه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل و تمام الكلام في بابه- ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد- بين جهل الدافع بالفساد و بين علمه مع جهل القابض. و توهم أن الدافع في هذه الصورة هو الذي سلطه عليه و المفروض أن القابض جاهل- . مدفوع بإطلاق النص و الفتوي و ليس الجاهل مغرورا لأنه أقدم علي الضمان قاصدا و تسليط الدافع العالم لا يجعله أمانة مالكية لأنه دفعه علي أنه ملك المدفوع إليه لا أنه أمانة عنده أو عارية و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به و ستأتي تتمة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري. هذا كله في أصل الكلية المذكورة

و أما عكسها

و هو أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فمعناه أن كل عقد لا يفيد صحيحة ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضمانا كما في عقد الرهن و الوكالة و المضاربة و العارية غير المضمونة بل المضمونة بناء علي أن المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه- لا بأمر خارج عنه كالشرط الواقع في متنه و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة- ثم إن مقتضي ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا لأن صحيح الإجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به في القواعد و السرائر. و حكي عن التذكرة و إطلاق الباقي إلا أن صريح الرياض الحكم بالضمان و حكي فيها عن بعض نسبته إلي المفهوم من كلمات الأصحاب و الظاهر أن المحكي عنه- هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة. و ما أبعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد حيث قال في باب الغصب إن الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة و الذي ينساق إليه النظر هو الضمان لأن التصرف فيها حرام لأنه غصب فيضمنه ثم قال إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك- فيقال إنه دخل علي عدم الضمان بهذا الاستيلاء و إن لم يكن مستحقا و الأصل براءة الذمة من الضمان فلا تكون العين بذلك مضمونة و لو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن لأن استيلاءه بغير حق و هو باطل انتهي. و لعل الحكم بالضمان في المسألة- إما لخروجها عن قاعدة ما لا يضمن لأن المراد بالمضمون مورد العقد و مورد العقد في الإجارة المنفعة فالعين يرجع في حكمها إلي القواعد- و حيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا و من طرف المالك لم يكن فيه ضمان و أما في فاسدها فدفع الموجر للعين إنما هو للبناء علي استحقاق المستأجر لها لحق الانتفاع فيها و المفروض عدم الاستحقاق- فيده عليها يد عدوان موجبة للضمان و إما لأن قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد- و الأقوي عدم الضمان. فالقاعدة المذكورة غير مخصصة بالعين المستأجرة و لا متخصصة
ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد
منها الصيد الذي استعاره المحرم من المحل
بناء علي فساد العارية فإنهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة مع أن صحيح العارية لا يضمن به و لذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان علي تقديري الصحة و الفساد إلا أن يقال إن وجه ضمانه بعد البناء علي أنه يجب علي المحرم إرساله و أداء قيمته أن المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف- بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف.

و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا

بالنسبة إلي المنافع التي لم يستوفها فإن هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح مع أنها مضمونة في العقد الفاسد إلا أن يقال إن ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد- . و فيه نظر لأن نفس المنفعة غير مضمونة بشي‌ء في العقد الصحيح- لأن الثمن إنما هو بإزاء العين دون المنافع و يمكن نقض القاعدة أيضا بحمل المبيع فاسدا علي ما صرح به في المبسوط و الشرائع و التذكرة- و التحرير من كونه مضمونا علي المشتري خلافا للشهيدين و المحقق الثاني و بعض آخر تبعا للعلامة في القواعد مع أن الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء علي أنه للبائع. و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما إذا اشترط الدخول في البيع و حينئذ لا نقض علي القاعدة و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة بناء علي أنه لا يجوز التصرف بها فأخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان ثم إن مبني هذه القضية السالبة- علي ما تقدم من كلام الشيخ في المبسوط هي الأولوية و حاصلها أن الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده. و توضيحه أن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع إمضاء الشارع له فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان لأن أثر الضمان إما من الإقدام علي الضمان و المفروض عدمه و إلا لضمن بصحيحه و إما من حكم الشارع بالضمان
المكاسب، ج‌2، ص 104
بواسطة هذه المعاملة الفاسدة و المفروض أنها لا تؤثر شيئا. و وجه الأولوية أن الصحيح إذا كان مفيدا للضمان- أمكن أن يقال إن الضمان من مقتضيات الصحيح- فلا يجري في الفاسد لكونه لغوا غير مؤثر علي ما سبق تقريبه من أنه أقدم علي ضمان خاص- و الشارع لم يمضه فيرتفع أصل الضمان لكن يخدشها أنه يجوز أن تكون صحة الرهن و الإجارة المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر علي العين شرعا مؤثرة في رفع الضمان- بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلطا لهما علي العين فلا أولوية. فإن قلت إن الفاسد و إن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضي عموم علي اليد هو الضمان- خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة علي القابض و بقي الباقي.
قلت ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها و هي عموم ما دل علي أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض- أو سلطه علي الانتفاع به أو استأمنه منه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه- أو العمل فيه بلا أجرة أو معها أو غير ذلك فهو غير ضامن. أما في غير التمليك بلا عوض أعني الهبة فالدليل المخصص لقاعدة الضمان- عموم ما دل علي أن من استأمنه المالك علي ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه- . و أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال علي خروجها من عموم اليد بفحوي ما دل علي خروج مورد الاستيمان فإن استيمان المالك لغيره علي ملكه إذا اقتضي عدم ضمانه له- اقتضي التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق أولي. و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض كما في المعاوضات فإنه عين التضمين فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن أن دفع المالك إليه ملكه علي وجه لا يضمنه بعوض واقعي أعني المثل أو القيمة و لا جعلي فليس عليه ضمان.

الثاني من الأمور المتفرعة علي عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد- وجوب رده فورا إلي المالك

و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه- علي تقدير عدم جواز التصرف فيه كما يلوح من مجمع الفائدة بل صرح في التذكرة كما عن جامع المقاصد أن مئونة الرد علي المشتري لوجوب ما لا يتم إلا به و إطلاقه يشمل ما لو كان في رده مئونة كثيرة إلا أن يقيد بغيرها بأدلة نفي الضرر. و يدل عليه أن الإمساك آنا ما تصرف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز لقوله عجل الله تعالي فرجه: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه و لو نوقش في كون الإمساك تصرفا كفي عموم قوله ص: لا يحل مال امرأ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه حيث يدل علي تحريم جميع الأفعال المتعلقة به التي منها كونه في يده. و أما توهم أن هذا بإذنه حيث إنه دفعه باختياره فمندفع بأنه إنما ملكه إياه عوضا- فإذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا و المفروض أن كونه علي وجه الملكية المجانية مما لم ينشئها المالك و كونه مالا للمالك و أمانة في يده أيضا مما لم يؤذن فيه و لو أذن له فهو استيداع جديد كما أنه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة هذا و لكن الذي يظهر من المبسوط عدم الإثم في إمساكه معللا بأنه قبضه بإذنه مالكه و كذا السرائر ناسبا له إلي الأصحاب و هو ضعيف و النسبة غير ثابتة و لا يبعد إرادة صورة الجهل لأنه لا يعاقب.

الثالث أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة- استوفاها المشتري قبل الرد

كان عليه عوضها علي المشهور بل ظاهر ما تقدم من السرائر كونه بمنزلة المغصوب الاتفاق علي الحكم. و يدل عليه عموم قوله لا يحل مال امرأ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه بناء علي صدق المال علي المنفعة و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح خلافا للوسيلة فنفي الضمان محتجا بأن الخراج بالضمان كما في النبوي المرسل. و تفسيره أن من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له فالباء للسببية أو المقابلة- فالمشتري لما أقدم علي ضمان المبيع و تقبله علي نفسه بتقبيل البائع و تضمينه إياه علي أن يكون الخراج له مجانا كان اللازم من ذلك أن خراجه له علي تقدير الفساد- كما أن الضمان عليه علي هذا التقدير أيضا. و الحاصل أن ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج و مرجعه إلي أن الغنيمة و الفائدة بإزاء الغرامة و هذا المعني مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة مثل قوله في مقام الاستشهاد علي كونه منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري أ لا تري أنها لو احترقت كانت من مال المشتري و نحوه في الرهن و غيره. و فيه أن هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتي يكون الخراج بإزائه و إنما هو أمر قهري حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم و المغصوب. فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج التزام الشي‌ء علي نفسه و تقبله له مع إمضاء الشارع له و ربما ينتقض ما ذكرناه- في معني الرواية بالعارية المضمونة حيث إنه أقدم علي ضمانها مع أن خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة و إنما تملك الانتفاع الذي عينه المالك فتأمل. و الحاصل أن دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه و عدم حله إلا عن طيب النفس و ربما يرد هذا القول بما ورد في شراء الجارية المسروقة- من ضمان قيمة الولد و عوض اللبن بل عوض كلما انتفع. و فيه أن الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أن مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن لا ما كان فساده من جهة التصرف في مال الغير و أضعف من ذلك رده بصحيحة أبي ولاد المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ردا علي أبي حنيفة القائل بأنه إذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب سقط كراها كما يظهر من تلك الصحيحة. نعم لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق القول بأن الخراج بالضمان انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردا عليه هذا كله في المنفعة المستوفاة و أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة- و لعله لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين فهي مقبوضة في يده و لذا يجري علي المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر و يتحقق قبض الثمن في السلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا مضافا إلي أنه مقتضي احترام مال المسلم إذ كونه في يد غير مالكه مدة طويلة من غير أجرة مناف للاحترام لكن يشكل الحكم- بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة بأن مجرد ذلك لا يكفي في تحقق الضمان إلا أن يندرج في عموم علي اليد ما أخذت و لا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع و حصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ و دعوي أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان مشكلة. و أما احترام
المكاسب، ج‌2، ص 105
مال المسلم فإنما يقتضي عدم حل التصرف فيه و إتلافه بلا عوض- و إنما يتحقق ذلك في الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا كما عن الإيضاح أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للأصل السليم مضافا إلي أنه قد يدعي شمول قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده له و من المعلوم أن صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة لأنها له مجانا و لا يتقسط الثمن عليها و ضمانها مع الاستيفاء لأجل الإتلاف فلا ينافي القاعدة المذكورة لأنها بالنسبة إلي التلف لا الإتلاف مضافا إلي الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة الساكتة عن ضمان غيرها في مقام البيان.: و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه بغير إذنه فقال ع: الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها و سكت عن المنافع الفائتة فإن عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع- يوجب عدم الضمان هنا بطريق أولي. و الإنصاف أن للتوقف في المسألة كما في المسالك تبعا للدروس و التنقيح مجالا و ربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الإشكال و التوقف بصورة علم البائع علي ما استظهر السيد العميد و المحقق الثاني من عبارة الكتاب. و عن الفخر حمل الإشكال في العبارة علي مطلق صورة عدم الاستيفاء فتحصل من ذلك كله أن الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة الأول الضمان و كأنه للأكثر. الثاني عدم الضمان كما عن الإيضاح. الثالث الضمان إلا مع علم البائع كما عن بعض من كتب علي الشرائع. الرابع التوقف في هذه الصورة كما استظهره جامع المقاصد و السيد العميد من عبارة القواعد.
الخامس التوقف مطلقا كما عن الدروس و التنقيح و المسالك و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين. و قد عرفت أن التوقف أقرب إلي الإنصاف إلا أن المحكي عن التذكرة ما لفظه أن منافع الأموال من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها عند علمائنا أجمع. و لا يبعد أن يراد باليد العادية مقابل اليد الحقة فتشمل يد المشتري فيما نحن فيه خصوصا مع غلبته و لا سيما مع جهل البائع به و أظهر منه ما في السرائر في آخر باب الإجارة من الاتفاق أيضا علي ضمان منافع المغصوب الفائتة مع قوله في باب البيع إن البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشي‌ء المغصوب إلا في ارتفاع الإثم عن إمساكه انتهي. و علي هذا فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة و إن كان المتراءي من ظاهر صحيحة أبي ولاد- اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلي غير محل الرخصة إلا أنا لم نجد بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها.

الرابع- إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله بلا خلاف

إلا ما يحكي عن ظاهر الإسكافي. و قد اختلفت كلمات أصحابنا في تعريف المثلي فالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و المحقق و تلميذه و العلامة و غيرهم قدس الله أرواحهم بل المشهور علي ما حكي- أنه ما تساوت أجزاؤه من حيث القيمة و المراد بأجزائه ما يصدق عليه اسم الحقيقة و المراد بتساويها من حيث القيمة تساويها بالنسبة بمعني كون قيمة كل بعض بالنسبة إلي قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار و لذا قيل في توضيحه- إن المقدار منه إذا كان يساوي قيمة فنصفه يساوي نصف تلك القيمة. و من هنا رجح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميا قال إذ لو انفصل نقصت قيمته قلت و هذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليا إذ لو انكسر نصفين نقصت قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع إلا أن يقال إن الدرهم مثلي بالنسبة إلي نوعه و هو الصحيح و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة و لا الدقاقة مثلا للأرز. و من هنا يظهر أن كل نوع من أنواع الجنس الواحد بل كل صنف من أصناف نوع واحد مثلي بالنسبة إلي أفراد ذلك النوع أو الصنف- فلا يرد ما قيل من أنه إن أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه علي شي‌ء من المعرف إذ ما من مثلي إلا و أجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة فإن قفيزا من حنطة يساوي عشرة و من أخري يساوي عشرين و إن أريد التساوي في الجملة فهو في القيمي موجود كالثوب و الأرض انتهي. و قد لوح هذا المورد في آخر كلامه إلي دفع إيراده بما ذكرنا من أن كون الحنطة مثلية معناه أن كل صنف منها متماثل للأجزاء و متساويا في القيمة لا بمعني أن جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة فإذا كان المضمون بعضا من صنف فالواجب دفع مساوية من هذا الصنف لا القيمة و لا بعض من صنف آخر. لكن الإنصاف أن هذا خلاف ظاهر كلماتهم فإنهم يطلقون المثلي علي جنس الحنطة و الشعير و نحوهما مع عدم صدق التعريف عليه و إطلاق المثلي علي الجنس باعتبار مثلية أنواعه أو أصنافه و إن لم يكن بعيدا إلا أن انطباق التعريف علي الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا إلا أن يهملوا خصوصيات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة و نقصانها كما التزمه بعضهم. غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيات عند أداء المثل عوضا عن التالف- أو القرض و هذا أبعد- هذا مضافا إلي أنه يشكل اطراد التعريف بناء علي هذا بأنه إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا فإنه قل ما يتفق ذلك في الصنف الواحد من النوع لأن أشخاص ذلك الصنف لا تكاد تتساوي في القيمة لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة و نقصانها كما لا يخفي و إن أريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة و إن لم تتساو حقيقة تحقق ذلك في أكثر القيميات فإن لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها و لذا اختار العلامة في باب القرض من التذكرة علي ما حكي عنه أن ما يصح فيه السلم من القيميات مضمون في القرض بمثله. و قد عد الشيخ في المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات مع أن كل نوع منهما مشتمل علي أصناف متقاربة في القيمة بل متساوية عرفا ثم لو فرض أن الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيمية عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثلية لم يوجب ذلك إصلاح طرد التعريف. نعم يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمه الحكم بضمان المثلي
المكاسب، ج‌2، ص 106
بالمثلي و القيمي بالقيمة ثم إنه قد عرف المثلي بتعاريف أخر أعم من التعريف المتقدم أو أخص. فعن التحرير أنه ما تماثلت أجزاؤه و تقاربت صفاته و عن الدروس و الروضة البهية أنه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات و عن المسالك و الكفاية أنه أقرب التعريفات إلي السلامة و عن غاية المراد ما تساوت أجزاؤه في الحقيقة النوعية و عن بعض العامة أنه ما قدر بالكيل أو الوزن. و عن آخر منهم زيادة جواز بيعه سلما- . و عن ثالث منهم زيادة جواز بيع بعضه ببعض- . إلي غير ذلك مما حكاه في التذكرة عن العامة. ثم لا يخفي أنه ليس للفظ المثلي حقيقة شرعية و لا متشرعة و ليس المراد معناه اللغوي إذ المراد بالمثل لغة المماثل فإن أريد من جميع الجهات فغير منعكس و إن أريد من بعضها فغير مطرد و ليس في النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتي يبحث عنه. نعم وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم علي أن المثلي يضمن بالمثل و غيره بالقيمة و من المعلوم أنه لا يجوز الاتكال في تعيين معقد الإجماع علي قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين- و حينئذ فينبغي أن يقال كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا إشكال في ضمانه بالمثل للإجماع. و يبقي ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين فإن صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميات- و ظاهر غيره كونهما مثليين و كذا الحديد و النحاس و الرصاص فإن ظواهر عبائر المبسوط و الغنية و السرائر كونها قيمية. و عبارة التحرير صريحة في كون أصولها مثلية و إن كان المصوغ منها قيميا. و قد صرح الشيخ في المبسوط بكون الرطب و العنب قيميين و التمر و الزبيب مثليين و قال في محكي المختلف إن في الفرق إشكالا بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب و العنب مثليين. و قد حكي عن موضع من جامع المقاصد أن الثوب مثلي و المشهور خلافه و أيضا فقد مثلوا للمثلي بالحنطة و الشعير و لم يعلم أن المراد نوعهما أو كل صنف- و ما المعيار في الصنف و كذا التمر و الحاصل أن موارد عدم تحقق الإجماع علي المثلية فيها كثيرة- فلا بد من ملاحظة أن الأصل الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو بالقيمة أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل و القيمة و لا يبعد أن يقال إن الأصل هو تخيير الضامن لأصالة براءة ذمته عما زاد علي ما يختاره فإن فرض إجماع علي خلافه فالأصل تخيير المالك لأصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضي به المالك مضافا إلي عموم علي اليد ما أخذت حتي تؤدي فإن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين خرج ما إذا رضي المالك بشي‌ء آخر و الأقوي تخيير المالك من أول الأمر لأصالة الاشتغال و التمسك بأصالة البراءة لا يخلو من منع. نعم يمكن أن يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال و الإجماع علي عدم تخيير المالك التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين أعني تعين المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة و لا للضامن الامتناع و بين تعيين القيمة كذلك فلا متيقن في البين و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح- فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوي فتأمل هذا و لكن يمكن أن يقال- إن القاعدة المستفاد من إطلاقات الضمان- في المغصوبات و الأمانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل لأنه أقرب إلي التالف من حيث المالية و الصفات ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما- لأنهما أقرب من حيث المالية- لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما و لأجل الاتكال علي هذا الظهور لا تكاد تظفر علي مورد واحد من هذه الموارد علي كثرتها قد نص المشهور فيه علي ذكر المضمون به بل كلها إلا ما شذ و ندر قد أطلق فيها الضمان فلو لا الاعتماد علي ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان. و قد استدل في المبسوط و الخلاف علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة بقوله تعالي فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ بتقريب أن مماثل ما اعتدي هو المثل في المثلي و القيمة في غيره و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل و ربما يناقش في الآية بأن مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء لا المعتدي به و فيه نظر. نعم الإنصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليها- بالقول المشهور لأن مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة و المالية- و هذا يقتضي اعتبار المثل حتي في القيميات سواء وجد المثل
فيها أم لا أما مع وجود المثل فيها كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات فإن مقتضي العرف و الآية إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك و لو بأضعاف قيمته و دفعه إلي مالك الذراع المتلف مع أن القائل بقيمية الثوب لا يقول به- و كذا لو أتلف عليه عبدا و له في ذمة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف فإنهم لا يحكمون بالتهاتر القهري كما يشهد به ملاحظ كلماتهم في بيع عبد من عبدين. نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس و المسالك إلي جواز رد العين المقترضة إذا كانت قيمية لكن لعله من جهة صدق أداء القرض بأداء العين لا من جهة ضمان القيمي بالمثل و لذا اتفقوا علي عدم وجوب قبول غيرها و إن كان مماثلا لها من جميع الجهات. و أما مع عدم وجود المثل للقيمي التالف فمقتضي الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر كما لو تعذر المثل في المثلي فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي و لا يقولون به و أيضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا فمقتضي ذلك عدم جواز إلزام المالك بالمثل لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية- مع أن المشهور كما يظهر من بعض إلزامه به و إن قوي خلافه بعض بل ربما احتمل جواز دفع المثل و لو سقط المثل عن القيمة بالكلية و إن كان الحق خلافه- فنبين أن النسبة بين مذهب المشهور و مقتضي العرف و الآية عموم من وجه فقد يضمن بالمثل بمقتضي الدليلين- و لا يضمن به عند المشهور كما في المثالين المتقدمين. و قد ينعكس الحكم كما في المثال الثالث و قد يجتمعان في المضمون به كما في أكثر الأمثلة ثم إن الإجماع علي ضمان القيمي بالقيمة علي تقدير تحققه لا يجدي بالنسبة إلي ما لم يجمعوا علي كونه قيميا ففي موارد الشك يجب الرجوع إلي المثل بمقتضي الدليل السابق و عموم الآية بناء علي ما هو الحق المحقق من أن العام المخصص بالمجمل مفهوما المردد بين الأقل و الأكثر
المكاسب، ج‌2، ص 107
لا يخرج عن الحجية بالنسبة إلي موارد الشك. فحاصل الكلام أن ما أجمع علي كونه مثليا يضمن بالمثل مع مراعاة الصفات التي يختلف فيها الرغبات و إن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه عن قيمة التالف بناء علي تحقق الإجماع علي إهمال هذا التفاوت مضافا إلي الخبر الوارد في أن الثابت في ذمة من اقترض دراهم و أسقطها السلطان و روج غيرها هي الدراهم الأولي و ما أجمع علي كونه قيميا يضمن بالقيمة بناء علي ما سيجي‌ء من الاتفاق علي ذلك و إن وجد مثله- أو كان مثله في ذمة الضامن و ما شك في كونه قيميا أو مثليا يلحق بالمثلي مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع و التالف و مع الاختلاف الحق بالقيمي فتأمل.

الخامس ذكر في القواعد أنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل

ففي وجوب الشراء تردد انتهي. أقول كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل- بأن صارت قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه فالظاهر أنه لا إشكال في وجوب الشراء و لا خلاف كما صرح به في الخلاف حيث قال إذا غصب ماله مثل الحبوب و الأدهان فعليه مثل ما تلف في يده يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف و في المبسوط يشتريه بأي ثمن كان إجماعا انتهي. و وجهه عموم النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي و يؤيده فحوي حكمهم بأن تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال إلي القيمة بل ربما احتمل بعضهم ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية كالماء علي الشاطئ و الثلج في الشتاء و إما إن كانت لأجل تعذر المثل و عدم وجدانه إلا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس مع وصف الإعواز بحيث يعد بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا عرفا. فالظاهر أن هذا هو المراد بعبارة القواعد لأن الثمن في الصورة الأولي ليس بأزيد من ثمن المثل بل هو ثمن المثل و إنما زاد علي ثمن التالف يوم التلف فحينئذ يمكن التردد في الصورة الثانية كما قيل من أن الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة في الكفارة و الهدي و أنه يمكن معاندة البائع و طلب أضعاف القيمة و هو ضرر و لكن الأقوي مع ذلك وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد بل إطلاق السرائر و نفي الخلاف المتقدم عن الخلاف لعين ما ذكر في الصورة الأولي ثم إنه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره و لا بين كون قيمته في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف أم لا وفاقا لظاهر المحكي عن التحرير و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد. و في السرائر أنه الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلة و أصول المذهب و هو كذلك لعموم الناس مسلطون علي أموالهم هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة و أما مع تعذره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.

السادس لو تعذر المثل في المثلي

اشارة

السادس لو تعذر المثل في المثلي
فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك لأن منع المالك ظلم- و إلزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر فوجبت القيمة جمعا بين الحقين مضافا إلي قوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ فإن الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه أزيد مما اعتدي و أما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل علي إلزامه بقبول القيمة لأن المتيقن أن دفع القيمة علاج لمطالبة المالك و جمع بين حق المالك بتسليطه علي المطالبة و حق الضامن لعدم تكليفه بالتعذر و المعسور أما مع عدم المطالبة فلا دليل علي سقوط حقه عن المثل. و ما ذكرنا يظهر من المحكي عن التذكرة و الإيضاح حيث ذكرا في رد بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذر المثل ما لفظه أن المثل لا يسقط بالإعواز أ لا تري أن المغصوب منه لو صبر إلي زمان وجدان المثل ملك المطالبة و إنما المصير إلي القيمة وقت تغريمها انتهي. لكن أطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل و لعلهم يريدون صورة المطالبة و إلا فلا دليل علي الإطلاق و يؤيد ما ذكرنا- أن المحكي عن الأكثر في باب القرض أن المعتبر في المثلي المتعذر قيمته يوم المطالبة. نعم عبر بعضهم بيوم الدفع فليتأمل و كيف كان فلنرجع إلي حكم المسألة فنقول إن المشهور أن العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمته هو يوم الدفع لأن المثلي ثابت في الذمة إلي ذلك الزمان و لا دليل علي سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر أدائه. و قد صرح بما ذكرنا المحقق الثاني و قد عرفت من التذكرة و الإيضاح ما يدل عليه- و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو للحلي في البيع الفاسد و التحرير في باب القرض و المحكي عن المسالك لأنه وقت الانتقال إلي القيمة و يضعفه أنه إن أريد بالانتقال- انقلاب ما في الذمة إلي القيمة في ذلك الوقت فلا دليل عليه و إن أريد عدم وجوب إسقاط ما في الذمة إلا بالقيمة فوجوب الإسقاط بها و إن حدث يوم التعذر مع المطالبة إلا أنه لو أخر الإسقاط بقي المثل في الذمة إلي تحقق الإسقاط و إسقاطه في كل زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان و ليس في الزمان الثاني مكلفا بما صدق عليه الإسقاط في الزمان الأول هذا و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلي ما تقدم سابقا من الآية و من أن المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلي أقرب الأموال إلي التالف بعد تعذر المثل توجه القول بصيرورة التالف قيميا بمجرد تعذر المثل إذ لا فرق في تعذر المثل بين تحققه ابتداء كما في القيميات- و بين طروه بعد التمكن كما في ما نحن فيه. و دعوي اختصاص الآية و إطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداء لا يخلو عن تحكم- ثم إن في المسألة احتمالات أخر- ذكر أكثرها في القواعد و قوي بعضها في الإيضاح و بعضها بعض الشافعية و حاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها أنه إما أن نقول باستقرار المثل في الذمة إلي أوان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الذي اخترناه- تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الإقباض و ذكره في القواعد خامس الاحتمالات و إما أن نقول بصيرورته قيميا عند الإعواز فإذا صار كذلك فإما أن نقول إن المثل المستقر في الذمة قيمي فتكون القيمية صفة للمثل بمعني أنه لو تلف وجبت قيمته و إما أن نقول إن المغصوب انقلب قيميا بعد أن كان مثليا. فإن قلنا بالأول فإن جعلنا الاعتبار في القيمي بيوم التلف كما هو أحد الأقوال كان المتعين قيمة المثل يوم الإعواز كما صرح به في السرائر في البيع الفاسد و التحرير في باب القرض لأنه يوم تلف القيمي و إن جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما
المكاسب، ج‌2، ص 108
هو القول الآخر في القيمي كان المتجه اعتبار زمان تلف العين لأنه أول أزمنة وجوب المثل في الذمة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه و هذا مبني علي القول بالاعتبار في القيمي بوقت الغصب كما عن الأكثر و إن جعلنا الاعتبار فيه بأعلي القيم من زمان الضمان إلي زمان التلف كما حكي عن جماعة من القدماء في الغصب كان المتجه الاعتبار بأعلي القيم من يوم تلف العين إلي زمان الإعواز و ذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات. و إن قلنا إن التالف انقلب قيميا احتمل الاعتبار بيوم الغصب كما في القيمي المغصوب و الاعتبار بالأعلي منه إلي يوم التلف و ذكر هذا أول الاحتمالات في القواعد. و إن قلنا إن المشترك بين العين و المثل صار قيميا جاء احتمال الاعتبار بالأعلي من يوم الضمان إلي يوم تعذر المثل لاستمرار الضمان فيما قبله من الزمان إما للعين و إما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلي من حين الغصب إلي التلف و هذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات و احتمل الاعتبار بالأعلي من يوم الغصب إلي دفع المثل- و وجهه في محكي التذكرة و الإيضاح بأن المثل لا يسقط بالإعواز قالا أ لا تري أنه لو صبر المالك إلي وجدان المثل استحقه- فالمصير إلي القيمة عند تغريمها و القيمة الواجبة علي الغاصب أعلي القيم. و حاصله أن وجوب دفع قيمة المثلي يعتبر من زمن وجوبها أو وجوب مبدلها أعني العين فيجب أعلي القيم منهما فافهم. إذا عرفت هذا فاعلم أن المناسب لإطلاق كلامهم- لضمان المثل في المثلي هو أنه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة غاية الأمر يجب إسقاطه مع مطالبة المالك فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة إلا يوم الإسقاط و تفريغ الذمة و أما بناء علي ما ذكرنا من أن المتبادر من أدلة الضمان التغريم بالأقرب إلي التالف فالأقرب كان المثل مقدما مع تيسره و مع تعذره ابتداء كما في القيمي أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه كان المتعين هو القيمة فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا و هو حال الإعواز فحال الإعواز معتبر من حيث إنه أول أزمنة صيرورة التالف قيميا لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين فعلي القول باعتبار يوم التلف في القيمي توجه ما اختاره الحلي رحمه الله. و لو قلنا بضمان القيمي بأعلي القيم من حين الغصب إلي حين التلف- كما عليه جماعة من القدماء توجه ضمانه فيما نحن فيه بأعلي القيم من حين الغصب إلي زمان الإعواز إذ كما أن ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائها المتدارك لارتفاع القيم كذلك يشترط تعذر المثل في المثلي إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية- و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثلية كان أداء مثلها عند تلفها كرد عينها في إلغاء ارتفاع القيم فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين و المثل. فإن قلنا إن تعذر المثل يسقط المثل كما أن تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلي زمان الإعواز و هو أصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية علي ما قيل. و إن قلنا إن تعذر المثل لا يسقط المثل و ليس كتلف العين كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذر المثل أيضا مضمونا فيتوجه ضمان القيمة من حين الغصب إلي حين دفع القيمة و هو المحكي عن الإيضاح و هو أوجه الاحتمالات علي القول بضمان ارتفاع القيمة مراعي بعدم رد العين أو المثل. ثم اعلم أن العلامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات أنه لو تلف المثلي و المثل موجود ثم أعوز ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ تعذر المثل بعد وجود المثل في بعض أزمنة التلف لا ما تعذر فيه المثل ابتداء. و عن جامع المقاصد أنه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف و لعله لعدم تنجز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات و يمكن أن يخدش فيه بأن التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمة ابتداء كما لا يشترط في استقراره استدامة علي ما اعترف به مع طرو التعذر بعد التلف و لذا لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض. و بالجملة فاشتغال الذمة بالمثل إن قيد بالتمكن لزم الحكم بارتفاعه بطروء التعذر و إلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من أول الأمر إلا أن يقال إن أدلة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكن و إن لم يكن مشروطا به عقلا فلا تعم صورة العجز. نعم إذا طرأ العجز فلا دليل علي سقوط المثل و انقلابه قيميا- و قد يقال علي المحقق المذكور إن اللازم مما ذكره أنه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ القيمة
لم يكن له المطالبة و لا أظن أحدا يلتزمه و فيه تأمل. ثم إن المحكي عن التذكرة أن المراد بإعواز المثل أن لا يوجد في البلد و ما حوله و زاد في المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في الانقطاع المسلم فيه- . و عن جامع المقاصد الرجوع فيه إلي العرف و يمكن أن يقال- إن مقتضي عموم وجوب أداء مال الناس و تسليطهم علي أموالهم أعيانا كانت أم في الذمة وجوب تحصيل المثل كما كان يجب رد العين أينما كانت و لو كانت في تحصيلها مئونة كثيرة و لذا كان يجب تحصيل المثل بأي ثمن كان و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة نعم لو انعقد الإجماع علي ثبوت القيمة عند الإعواز تعين ما عن جامع المقاصد- كما أن المجمعين إذا كانوا بين معبر بالإعواز و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع إلي الأخص و هو المتعذر لأنه المجمع عليه. نعم ورد في بعض أخبار السلم أنه إذا لم يقدر المسلم إليه- علي إيفاء المسلم فيه تخير المشتري. و من المعلوم أن المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلي المتوقف علي استحالة النقل من بلد آخر بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه ثم إن في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالا من حيث إن العبرة بفرض وجوده و لو في غاية العزة كالفاكهة في أول زمانها أو آخره- أو وجود المتوسط الظاهر هو الأول لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلا إذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون في هذا الجنس بمقتضي رغبتهم. نعم لو ألجأ إلي شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه إلا أن يبذله بإزاء عتاق الخيل و شبهها فإن الراغب في الجمد في العراق من حيث إنه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه و إنما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالإهداء إلي سلطان قادم إلي العراق مثلا أو معالجة مشرف علي الهلاك و نحو ذلك من الأغراض و لذا لو وجد
المكاسب، ج‌2، ص 109
هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذر كما ذكرنا في المسألة الخامسة. فكل موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه ثم إنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه و لو كان في غير بلد الضمان و كانت قيمة المثل هناك أزيد و أما مع تعذره و كون قيمة المثل في بلد التلف مخالفا لها في بلد المطالبة فهل له المطالبة بأعلي القيمتين أم يتعين قيمة بلد المطالبة أم بلد التلف وجوه. و فصل الشيخ في المبسوط في باب الغصب بأنه إن لم يكن في نقله مئونة فإن كالنقدين فله المطالبة بالمثل سواء أ كانت القيمتان مختلفتين أم لا و إن كان في نقله مئونة فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا لأنه لا ضرر عليه في ذلك و إلا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتي يوفيه بذلك البلد ثم قال إن الكلام في القرض كالكلام في الغصب و حكي نحو هذا عن القاضي أيضا فتدبر. و يمكن أن يقال إن الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم علي القول به مع الإطلاق لانصراف العقد إليه و ليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف- . بقي الكلام في أنه هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة كالماء علي الشاطئ إذا تلفه في مفازة و الجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف أم لا الأقوي بل المتعين هو الأول بل حكي عن بعض نسبته إلي الأصحاب و غيرهم. و المصرح به في محكي التذكرة و الإيضاح و الدروس قيمة المثل في تلك المفازة و يحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه عن المالية.

فرع- لو دفع القيمة في المثلي المتعذر مثله ثم تمكن من المثل

فالظاهر عدم عود المثل في ذمته وفاقا للعلامة رحمه الله- و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة لأن المثل كان دينا في الذمة سقط بأداء عوضه مع التراضي فلا يعود كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده هذا علي المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالإعواز و أما علي القول بسقوطه و انقلابه قيميا. فإن قلنا بأن المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله- فأولي بالسقوط لأن المدفوع نفس ما في الذمة. و إن قلنا إن المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا احتمل وجوب المثل عند وجوده لأن القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل و سيأتي أن حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

السابع- لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا

اشارة

فقد حكي الاتفاق علي كونه مضمونا بالقيمة و تدل عليه الأخبار المتفرقة في كثير من القيميات فلا حاجة إلي التمسك بصحيحة أبي ولاد الآتية في ضمان البغل و لا بقوله ع: من أعتق شقصا من عبد قوم عليه بل الأخبار كثيرة بل قد عرفت أن مقتضي إطلاق أدلة الضمان في القيميات هو ذلك بحسب المتعارف إلا أن المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا بل يمكن دعوي انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما لصورة تعذر المثل كما هو الغالب- فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي و إن فرض تيسر المثل له كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه و كما لو أتلف عليه ذراعا من مائه ذراع كرباس منسوج علي طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلا هو الإجماع كما يستظهر. و علي تقديره ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل خصوصا مع الاستدلال عليه كما في الخلاف و غيره بقوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ بناء علي أن القيمة مماثلة للتالف في المالية فإن ظاهر ذلك جعلها- من باب الأقرب إلي التالف بعد تعذر المثل و كيف كان فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي. و عن الشيخ و المحقق في الخلاف و الشرائع في باب القرض فإن أرادوا ذلك مطلقا حتي مع تعذر المثل فتكون القيمة عندهم بدلا عن المثل حتي يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا في مسألة تعين القيمة متفرعا علي هذا القول فترده إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة منها صحيحة أبي ولاد الآتية. و منها رواية العبد. و منها ما دل علي أنه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من ذمته بحساب ذلك فلو لا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد ضمان التالف. و منها غير ذلك من الأخبار الكثيرة. و إن أرادوا أنه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا نظرا إلي ظاهر آية الاعتداء و نفي الضرر لأن خصوصيات الحقائق قد تقصد اللهم إلا أن يحقق إجماع علي خلافه و لو من جهة أن ظاهر كلمات هؤلاء إطلاق القول بضمان المثل فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا في المسألة ثم إنهم اختلفوا في تعين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد. فالمحكي في غاية المراد عن الشيخين و أتباعهما تعين قيمة يوم التلف و عن الدروس و الروضة نسبته إلي الأكثر. و الوجه فيه علي ما نبه عليه جماعة منهم العلامة في التحرير أن الانتقال إلي البدل إنما هو يوم التلف إذ الواجب قبله هو رد العين و ربما يورد عليه- أن يوم التلف يوم الانتقال إلي القيمة أما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا و يدفع بأن معني ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته و معني ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف حتي يكون عند التلف كأنه لم يتلف- و تداركه ببدله علي هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه. و مما ذكرنا ظهر أن الأصل في ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف فإن خرج المغصوب من ذلك مثلا فبدليل خارج. نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوي الاتفاق علي كون المبيع فاسدا بمنزلة المغصوب إلا في ارتفاع الإثم ألحقناه بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل بل يمكن أن يقال إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي ولاد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف إذ يلزم حينئذ أن يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف لما ذكرنا من أن معني التدارك الالتزام بقيمته يوم وجوب التدارك. نعم لو فرضت دلالة الصحيحة علي وجوب أعلي القيم أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد علي مقتضي التدارك مؤاخذة له بأشق الأحوال.

فالمهم حينئذ صرف الكلام إلي معني الصحيحة بعد ذكرها

ليلحق به البيع الفاسد إما لما ادعاه الحلي- و إما لكشف الصحيحة عن معني التدارك و الغرامة في المضمونات. و كون العبرة في جميعها بيوم الضمان كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد
المكاسب، ج‌2، ص 110
و حيث إن الصحيحة مشتملة علي أحكام كثيرة و فوائد خطيرة فلا بأس بذكرها جميعا- و إن كان الغرض متعلقا ببعضها. فروي الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن أبي ولاد قال: اكتريت بغلا إلي قصر بني هبيرة- ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلما صرت إلي قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه نحو النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت أنه توجه إلي بغداد فاتبعته فظفرت به و فرغت فيما بيني و بينه و رجعت إلي الكوفة و كان ذهابي و مجي‌ء خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلل منه فيما صنعت و أرضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال لي ما صنعت بالبغل فقلت قد رجعته سليما قال نعم بعد خمسة عشر يوما قال فما تريد من الرجل قال أريد كري بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما فقال إني ما أري لك حقا لأنه اكتراه إلي قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلي النيل و إلي بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكري فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكري قال فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع فرحمت مما أفتي به أبو حنيفة و أعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله ع بما أفتي به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركاتها [قال فقلت لأبي عبد الله ع فما تري أنت جعلت فداك قال ع أري له عليك مثل كري البغل ذاهبا من الكوفة إلي النيل [و مثل كري البغل ذاهبا من النيل إلي بغداد و مثل كري البغل من بغداد إلي الكوفة و توفيه إياه قال قلت جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه قال لا لأنك غاصب فقلت أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني- قال نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر فقال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك قال أنت و هو إما يحلف هو علي القيمة فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك قلت إني أعطيته دراهم و رضي بها و حللني قال إنما رضي فأحلك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه و أخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شي‌ء عليك بعد ذلك إلخ و محل الاستشهاد فيها فقرتان الأولي قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته إلي ما بعد فإن الظاهر أن اليوم قيد للقيمة إما بإضافة القيمة المضافة إلي البغل إليه- ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة لا لأن ذا القيمة بغل غير معين حتي توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضمونا بالمثل و القيمة إنما هي قيمة المثل و إما بجعل اليوم قيدا للاختصاص- الحاصل من إضافة القيمة إلي البغل و أما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله ع نعم القائم مقام قوله ع يلزمك يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فبعيد جدا بل غير ممكن لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان كما يدل عليه أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته. و قد أطنب بعض في جعل الفقرة ظاهرة في تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه و لم يأت بشي‌ء يساعده التركيب اللغوي و لا التفاهم العرفي. الثانية قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوي فيه لعدم الاعتبار به فلا بد أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة بناء علي أنه يوم الاكتراء لأن الظاهر من صدر الرواية- أنه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة و من المعلوم أن اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة إنما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة. و أما قوله ع في جواب السؤال عن إصابة العيب عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده فالظرف متعلق بعليك لا قيد للقيمة إذ لا عبرة
في أرش العيب بيوم الرد إجماعا- لأن النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين فالمعني عليك أداء الأرش يوم رد البغلة و يحتمل أن يكون قيدا للعيب. و المراد العيب الموجود في يوم الرد لاحتمال ازدياد العيب إلي يوم الرد فهو مضمون دون العيب القليل الحادث أولا لكن يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلي يوم الرد و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لأن المعيب لو رد إلي الصحة أو نقص- لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي- فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف أيضا فتعين تعلقه بقوله ع عليك- . و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب قيمة التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض في الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل الغصب و يحتمل يوم حدوث العيب- الذي هو يوم تلف وصف الصحة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات و المعاوضات و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له في اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا أيضا علي ذلك. نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنه لا يبعد أن يكون مبني الحكم في الرواية علي ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام أن العبرة بقيمة ما اشتري به البغل و إن نقص بعد ذلك لأنه خسر المبلغ الذي اشتري به البغلة.
و يؤيده التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية بيوم الاكتراء فإن فيه إشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة من حيث إنه يوم المخالفة إلا أن يقال إن الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه علي سهولة إقامة الشهود علي قيمته في زمان الاكتراء لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس- و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث إنه زمان المخالفة فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة بل للتنبيه علي سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين- في مقابل قول السائل و من يعرف ذلك فتأمل. و يؤيده أيضا قوله ع فيما بعد في جواب قول السائل و من يعرف ذلك قال أنت و هو إما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت له لزمه أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فيلزمك
المكاسب، ج‌2، ص 111
فإن العبرة لو كانت بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك- مع كونه مخالفا للأصل ثم لا وجه لقبول بينته لأن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه. و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الذي يرضي به المحلوف له و يصدقه فيه من دون محاكمة و التعبير برده اليمين علي الغاصب من جهة أن المالك أعرف بقيمة بغله فكان الحلف حقا له ابتداء خلاف الظاهر و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف- فإنه يمكن أن يحمل توجه اليمين علي المالك علي ما إذا اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما أو الاطلاع من الخارج علي قيمته سابقا و لا شك حينئذ أن القول قول المالك و يكون سماع البينة في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا- مع اتفاقهما علي بقائه عليها إلي يوم التلف و فتكون الرواية قد تكلفت لحكم صورتين من صور تنازعهما. و يبقي بعض الصور مثل دعوي المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة و لعل حكمها أعني حلف الغاصب- يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية و أما علي تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة فلا بد من حمل الرواية علي ما إذا اتفقا علي قيمة اليوم السابق علي يوم المخالفة أو اللاحق له فادعي الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة و لا يخفي بعده و أبعد منه حمل النص علي التعبد و جعل الحكم مخصوصا في الدابة المغصوبة أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا و فتوي من كون البينة علي المدَّعي و اليمين علي من أنكر كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة و الغصب- و أضعف من ذلك الاستشهاد بالرواية علي اعتبار أعلي القيم من حين الغصب إلي التلف كما حكي عن الشهيد الثاني إذ لم يعلم لذلك وجه صحيح و لم أظفر بمن وجه دلالتها علي هذا المطلب. نعم استدلوا علي هذا القول بأن العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته و فيه أن ضمانها في تلك الحال إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه مسلم إذ تداركه لا يكون إلا بذلك لكن المفروض أنها لم تتلف فيه و إن أريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلا و إن تنزلت بعد ذلك فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين و إن أريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعي بالتلف فهو و إن لم يخالف الاتفاق إلا أنه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل عدا ما حكاه في الرياض عن خاله العلامة قدس الله تعالي روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل علي المالك و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر. نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة بأن العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة فكما أنه إذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة فكذا إذا حيل بينها و بين المالك حتي تلفت إذ لا فرق مع عدم التمكن منها بين إن تتلف أو تبقي نعم لو ردت فتتدارك تلك المالية بنفس العين و ارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا و إنما هو مقوم لمالية المال و به تمايز الأموال كثرة و قلة. و الحاصل أن للعين في كل زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية أزيلت يد المالك منها و انقطعت سلطنته عنها فإن ردت العين فلا مال سواها يضمن- و إن تلفت استقرت عليا تلك المراتب لدخول الأدني تحت الأعلي- نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادة حيث إنه يضمن الأعلي منها- و لأجل ذلك استدل العلامة في التحرير- للقول باعتبار يوم الغصب بقوله لأنه زمان إزالة يد المالك. و نقول في توضيحه إن كل زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين علي حسب ماليته- ففي زمان أزيلت من مقدار درهم و في آخر عن درهمين و في ثالث عن ثلاثة فإذا استمرت الإزالة إلي زمان التلف وجبت غرامة أكثرها فتأمل. و استدل في السرائر و غيرها علي هذا القول- بأصالة الاشتغال ذمته بحق المالك و لا تحصل البراءة إلا بالأعلي و قد يجاب بأن الأصل في المقام البراءة حيث إن الشك في التكليف بالزائد. نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد ثم إنه حكي عن المفيد و القاضي و الحلبي الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض إلي حكم المشتري و لم يعلم له وجه و لعلهم يريدون به يوم القبض لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض فافهم ثم إنه
لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف علي جميع الأقوال إلا أنه تردد فيه في الشرائع و لعله كما قيل- من جهة احتمال كون القيمي مضمونا بمثله و دفع القيمة إنما هو لإسقاط المثل- . و قد تقدم أنه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوي ثم إن ما ذكرنا من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة و أما إذا كان بسبب الأمكنة كما إذا كان في محل الضمان بعشرة و في مكان التلف بعشرين و في مكان المطالبة بثلاثين فالظاهر اعتبار محل التلف لأن مالية الشي‌ء تختلف بحسب الأماكن و تداركه بحسب ماليته ثم إن جميع ما ذكرنا من الخلاف- إنما هو في ارتفاع القيمة السوقية الناشئة من تفاوت رغبة الناس و أما إذا كان حاصلا من زيادة في العين فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان أعلي القيم و في الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة و إنما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه- النازلة منزلة الجزء الفائت. نعم يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة فإن العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها أو أعلي القيم ثم إن في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذر الوصول إليها و إن لم تهلك كما لو سرقت أو غرقت أو ضاعت أو أبقت لما دل علي الضمان بهذه الأمور في باب الأمانات المضمونة. و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه- أو بعدم رجاء وجدانه أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها أو و لو كانت قصيرة وجوه- . ظاهر أدلة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الأولين- لكن ظاهر إطلاق الفتاوي الأخير كما يظهر من إطلاقهم أن اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل إلي قيمته إلي أن تبلغ الساحل. و يؤيده أن فيه جمعا بين
المكاسب، ج‌2، ص 112
الحقين بعد فرض رجوع القيمة إلي ملك الضامن عند التمكن من العين فإن تسلط الناس علي مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه نظير ما تقدم في تسلطه علي مطالبة القيمة للمثل المتعذر في المثلي. نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك علي أداء القيمة أشكل الحكم- ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف- بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعي لكن ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذر- و هو الأوفق بأصالة عدم تسلط المالك علي أزيد من إلزامه برد العين فتأمل و لعل المراد به التعذر في الحال و إن كان لتوقفه علي مقدمات زمانية يتأخر لأجلها ذو المقدمة ثم إن ثبوت القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقا للضامن فلا يجوز للمالك الامتناع بل له أن يمتنع من أخذها و يصبر إلي زوال العذر كما صرح به الشيخ في المبسوط. و يدل عليه قاعدة تسلط الناس علي أموالهم و كما أن تعذر رد العين في حكم التلف فكذا خروجه عن التقويم ثم إن المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في المبسوط و الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين. و لعل الوجه فيه أن التدارك لا يتحقق إلا بذلك- و لو لا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة في الملكية لاحتملنا أن يكون مباحا له إباحة مطلقة و إن لم يدخل في ملكه نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة علي القول بها فيها و يكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين- . و حكي الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله و علي أي حال فلا تنتقل العين إلي الضامن فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه و دخول العين في ملكه و ليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض و المعوض فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له. و قد استشكل في ذلك المحقق و الشهيد الثانيان قال الأول في محكي جامعه إن هنا إشكالا فإنه كيف تجب القيمة و يملكها الآخذ و تبقي العين علي ملكه و جعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه انتهي و قال الثاني إن هذا لا يخلو عن إشكال من حيث اجتماع العوض و المعوض علي ملك المالك من دون دليل واضح- و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا و توقف تملك المغصوب منه للبدل علي اليأس من العين و إن جاز له التصرف كان وجها في المسألة انتهي و استحسنه في محكي الكفاية

[الكلام في بدل الحيلولة]

أقول الذي ينبغي أن يقال هنا إن معني ضمان العين ذهابها من مال الضامن و لازم ذلك إقامة مقابلها من ماله مقامها- ليصدق ذهابها من كيسه ثم إن الذهاب إن كان علي وجه التلف الحقيقي أو العرفي المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابلها من ماله مقامها في الملكية و إن كان الذهاب بمعني انقطاع سلطنته عنها و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية- وجب قيام مقابلها مقامها في السلطنة لا في الملكية ليكون مقابل و تداركا للسلطنة الفائتة- فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة- . نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة علي الملك لتوقف بعض التصرفات عليه وجب تملكه للمبذول تحقيقا لمعني التدارك و الخروج عن العهدة و علي أي تقدير فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة علي ملك مالكها- إنما الكلام في البدل المبذول و لا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة- و بالسلطنة المطلقة عليها و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ إلي أن إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك هل تستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التصرف و قد تقدم في المعاطاة بيان ذلك ثم إنه قد تحصل مما ذكرنا أن تحقيق ملكية البدل- أو السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين علي ملك مالكها إنما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا- أما لو لم يفت إلا بعض ما ليس به قوام الملكية فالتدارك لا يقتضي ملكه و لا السلطنة المطلقة علي البدل. و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذ- لم يبعد انكشاف ذلك عن انتقال العين إلي الغارم و لذا استظهر غير واحد أن الغارم لقيمة الحيوان الذي وطئه يملكه لأنه و إن وجب بالوطء نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر لكن هذا لا يعد فواتا لما به قوام المالية هذا كله مع انقطاع السلطنة مع بقائها علي مقدار ماليتها السابقة أما لو خرجت عن التقويم مع بقائها علي صفة الملكية- . فمقتضي قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين علي ملك المالك به لأن القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن التقويم لا عوض عن العين نفسها كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب فإن بقاءها علي ملك مالكها لا ينافي معني الغرامة لفوات معظم الانتفاعات به فيقوي عدم جواز المسح بها إلا بإذن المالك و لو ببذل القيمة. قال في القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة و لو طلب المالك نزعها و إن أفضي إلي التلف وجب ثم يضمن الغاصب النقص و لو لم تبق لها قيمة غرم جميع القيمة انتهي و عطف علي ذلك في محكي جامع المقاصد قوله و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين و لو استوعبت القيمة أخذها و لم تدفع العين انتهي و عن المسالك في هذه المسألة أنه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين و القيمة لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع بل قال يمكن أن لا يجوز و تتعين القيمة لكونه بمنزلة التلف- و حينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط إذ لا غصب فيه يجب رده كما قيل بجواز المسح- بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل و قبل المسح انتهي. و استجوده بعض المعاصرين- ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه لصيرورته معوضا شرعا و فيه أنه لا منشأ لهذا الاقتضاء و أدلة الضمان قد عرفت أن
المكاسب، ج‌2، ص 113
محصلها يرجع إلي وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء أ كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليتها كغرق المال أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيتها و لا يخفي أن العين علي التقدير الأول- خارجة عن الملكية عرفا. و علي الثاني السلطنة المطلقة علي البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين و هذا معني بدل الحيلولة. و علي الثالث فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية كيف و لم تتلف هي و ليس لها علي تقدير التلف أيضا عهدة مالية- بل الأمر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال- بل لو استلزم ردها ضررا ماليا علي الغاصب أمكن سقوطه فتأمل. و لعل ما عن المسالك من أن ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالإخراج فتتعين القيمة فقط محمول علي صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء الداخلة فيه الخشبة كما لا يأبي عنه عنوان المسألة فلاحظ و حينئذ فلا ينافي ما تقدم سابقا من بقاء الخيط علي ملك مالكه و إن وجب بذل قيمته ثم إن هنا قسما رابعا و هو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية فيه كما لو صار الخل المغصوب خمرا. فاستشكل في القواعد وجوب ردها مع القيمة و لعله من استصحاب وجوب ردها و من أن الموضوع في المستصحب ملك المالك إذ لم يجب إلا رده و لم يكن المالك إلا أولي به إلا أن يقال إن الموضوع في الاستصحاب عرفي و لذا كان الوجوب مذهب جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني و يؤيده أنه لو عادت خلا ردت إلي المالك بلا خلاف ظاهر ثم إن مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع سواء أ كان للسوق أم للزيادة المتصلة بل المنفصلة كالثمرة و لا يضمن منافعها فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك. و عن التذكرة و بعض آخر ضمان المنافع و قواه في المبسوط بعد أن جعل الأقوي خلافه. و في موضع من جامع المقاصد أنه موضع توقف- و في موضع آخر رجح الوجوب- . ثم إن ظاهر عطف التعذر علي التلف في كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر و قبل الدفع كالحاصل بعد التلف لكن مقتضي القاعدة ضمانه له لأنه مع التلف تتعين القيمة- و لذا ليس له الامتناع من أخذها بخلاف تعذر العين فإن القيمة غير متعينة فلو صبر المالك حتي يتمكن من العين كان له ذلك و تبقي العين في عهدة الضامن في هذه المدة فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف أو أعلي القيم إليه أو يوم الغصب علي الخلاف. و الحاصل أن قبل دفع القيمة تكون العين الموجودة في عهدة الضامن فلا عبرة بيوم التعذر و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأجرة و النماء إلي دفع البدل و إن تراخي عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا فمقتضي القاعدة ضمان الارتفاع إلي يوم دفع البدل نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر في المثلي. ثم إنه لا إشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها علي مالكها كما صرح به في جامع المقاصد فورا و إن كان في إحضارها مئونة كما كان قبل التعذر لعموم: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي و دفع البدل لأجل الحيلولة إنما أفاد خروج الغاصب عن الضمان بمعني أنه لو تلفت لم تكن عليه قيمتها بعد ذلك- و استلزم ذلك علي ما اخترناه من عدم ضمان المنافع و النماء المنفصل و المتصل بعد دفع الغرامة. و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي فلا يجوز استصحابه- بل مقتضي الاستصحاب و العموم هو الضمان المدلول عليه المغيي في قوله ص:
علي اليد ما أخذت المغيي بقوله: حتي تؤدي و هل الغرامة المدفوعة يعود ملكها إلي الغارم بمجرد طرو التمكن فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلي القيم أو أنها باقية علي ملك مالك العين و تكون العين مضمونة بها لا بشي‌ء آخر في ذمة الغاصب فلو تلفت استقر ملك المالك علي الغرامة فلم يحدث في العين إلا حكم تكليفي بوجوب رده. و أما الضمان و عهدة جديدة فلا وجهان أظهرهما الثاني لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة و عدم طرو ما يزيل ملكيته عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا و مجرد عود التمكن لا يوجب عود سلطنة المالك حتي يلزم من بقاء ملكيته علي الغرامة الجمع بين العوض و المعوض غاية ما في الباب قدرة الغاصب علي إعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة و وجوبها عليه و حينئذ فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكية المالك للغرامة. و توهم أن المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمن التعذر فلا يعود لعدم عود مبدله ضعيف في الغاية بل كان بدلا عن أصل السلطنة يعود بعودها فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه- أو خروجه عن ملكه بناقل لازم بل جائز و لا يجب رد نمائه المنفصل و لو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة أولا إذ ما لم تتحقق السلطنة لم يعد الملك إلي الغارم فإن الغرامة عوض عن السلطنة لا عوض عن قدرة الغاصب علي تحصيلها للمالك فتأمل. نعم للمالك مطالبة عين ماله- لعموم: الناس مسلطون علي أموالهم و ليس ما عنده من المال عوضا عن مطلق السلطنة- حتي سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها علي الوجه المقصود من الأملاك و لذا لا تباح لغيره بمجرد بذل الغرامة. و مما ذكرنا يظهر أيضا أنه ليس للغاصب حبس العين إلي أن يدفع المالك القيمة كما اختاره في التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد. و عن السرائر الجزم بأن له ذلك- و لعله لأن القيمة عوض إما عن العين و إما عن السلطنة عليها و علي أي تقدير فيتحقق التراد و حينئذ فلكل من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتي يتسلم ما بيد الآخر- . و فيه أن العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا و لذا تحقق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة فالمالك مسلط عليها- و المعوض للغرامة هي السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالتراد اللهم إلا أن يقال له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة و هي السلطنة الفائتة و الأقوي الأول- ثم لو قلنا
المكاسب، ج‌2، ص 114
بجواز الحبس- لو حبسها فتلفت العين محبوسة فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب لأنه حبسها بحق نعم يضمنها لأنه قبضها لمصلحة نفسه و الظاهر أنه بقيمة يوم التلف علي ما هو الأصل في كل مضمون و من قال بضمان المقبوض بأعلي القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلي زمان التلف. و ذكر العلامة في القواعد أنه لو حبس فتلف محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع القيمة الأولي و الظاهر أن مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة بناء علي زوال حكم الغصب عن العين لكونها محبوسة بغير عدوان لا خصوص حين التلف و كلمات كثير منهم لا تخلو عن اضطراب ثم إن أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب و لكن الظاهر أن أكثرها بل جميعها في حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا إذ ليس في الغصب خصوصية زائدة. نعم ربما يفرق من جهة نص في المغصوب مخالف لقاعدة الضمان كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاد أو أعلي القيم علي ما تقدم من الشهيد الثاني دعوي دلالة الصحيحة عليه و أما ما اشتهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال فلم نعرف له مأخذا واضحا. و لنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد و إن بقي منه أحكام أخر أكثر مما ذكرنا- و لعل بعضها يجي‌ء في بيع الفضولي إن شاء الله تعالي

الكلام في شروط المتعاقدين

[من جملة شرائط المتعاقدين البلوغ

مسألة المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي

اشارة

بل عن الغنية الإجماع عليه و إن أجاز الولي. و في كنز العرفان نسبه عدم صحة عقد الصبي إلي أصحابنا و ظاهرها إرادة التعميم لصورة إذن الولي. و عن التذكرة أن الصغير محجور عليه بالنص و الإجماع سواء أ كان مميزا أم لا في جميع التصرفات إلا ما استثني كعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبيره و وصيته و إيصال الهدية و إذنه في الدخول علي خلاف في ذلك انتهي. و استثناء إيصال الهدية و إذنه في دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثني منه لمطلق أفعاله لأن الإيصال و الإذن ليسا من التصرفات القولية و الفعلية و إنما هو في الأول آلة في إيصال الملك كما لو حملها علي حيوان و إرسالها و الثاني كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول و هو رضا المالك.

[الاستدلال علي البطلان بحديث رفع القلم

و احتج علي الحكم في الغنية بقوله ص: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم حتي يستيقظ و قد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار و قال إن مقتضي رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم و نحوه الحلي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا و تبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة و غيره.

[الاستدلال بروايات عدم جواز أمر الصبي

اشارة

و استدلوا أيضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر ع: إن الجارية إذا زوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتي يبلغ خمس عشرة سنة إلي آخر الحديث.
و في رواية ابن سنان: متي يجوز أمر اليتيم قال حتي يبلغ أشده قال ما أشده قال احتلامه و في معناها روايات أخر

[المناقشة في دلالة هذه الروايات

لكن الإنصاف أن جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرف لأن الجواز مرادف للمضي فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف علي الإجازة كما يقال بيع الفضولي غير ماض بل موقوف. و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله إلا أن يكون سفيها فلا دلالة لها حينئذ علي سلب عبارته و أنه إذا ساوم وليه متاعه و عين له قيمته و أمر الصبي لمجرد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا و كذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليه.

[المناقشة في دلالة حديث رفع القلم

و أما حديث رفع القلم ففيه أولا أن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام و لذا بنينا كالمشهور علي شرعية عبادات الصبي. و ثانيا أن المشهور علي الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء به بعد البلوغ أو علي الولي إذا وقع بإذنه أو إجازته كما تكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ و حرمة تمكينه من مس المصحف. و ثالثا لو سلمنا اختصاص الأحكام حتي الوضعية بالبالغين لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ- موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلي وقت البلوغ. و بالجملة فالتمسك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي و ما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين

[ترديد بعضهم في الصحة و تصريح آخرين بها]

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و إلا فالمسألة محل إشكال و لذا تردد المحقق في الشرائع في إجازة المميز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية و استشكل فيها في القواعد و التحرير. و قال في القواعد و في صحة بيع المميز بإذن الولي نظر بل عن الفخر في شرحه أن الأقوي الصحة مستدلا بأن العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه و لكن لم أجده فيه و قواه المحقق الأردبيلي علي ما حكي عنه و يظهر من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده حيث قال و هل يصح بيع المميز و شراؤه الوجه عندي أنه لا يصح. و اختار في السرائر صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده. و ذكر المحقق الثاني أنه لا يبعد بناء المسألة علي أن أفعال الصبي و أقواله شرعية أم لا ثم حكم بأنها غير شرعية و أن الأصح بطلان العقد. و عن المختلف أنه حكي في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدل علي صحة بيع الصبي و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن إشكال و إن أطنب بعض المعاصرين في توضيحه حتي ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه

[الحجة في المسألة هي الشهرة و الإجماع المحكي

اشارة

فالإنصاف أن الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة و الإجماع المحكي عن التذكرة بناء علي أن استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلا بإذن الولي شاهد علي أن مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة لا نفي الاستقلال في التصرف و كذا إجماع الغنية- بناء علي أن استدلاله بعد الإجماع بحديث رفع القلم دليل علي شمول معقده للبيع بإذن الولي و ليس المراد نفي صحة البيع المتعقب بالإجازة حتي يقال إن الإجازة عند السيد غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل و لو كان غير مسلوب العبارة كالبائع الفضولي و يؤيد الإجماعين ما تقدم عن كنز العرفان.

[المناقشة في تحقق الإجماع

نعم لقائل أن يقول إن ما عرفت من المحقق و العلامة و ولده و القاضي و غيرهم خصوصا المحقق الثاني الذي
المكاسب، ج‌2، ص 115
بني المسألة علي شرعية أفعال الصبي يدل علي عدم تحقق الإجماع و كيف كان فالعمل علي المشهور

[ما يستأنس به للبطلان الأخبار المستفيضة]

و يمكن أن يستأنس له أيضا بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عمد الصبي و خطأه واحد كما في صحيحة ابن مسلم و غيرها و الأصحاب و إن ذكروها في باب الجنايات إلا أنه لا إشعار في نفس الصحيحة بل و غيرها بالاختصاص بالجنايات و لذا تمسك بها الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر علي أن إخلال الصبي المحرم بمحظورات الإحرام التي يختص حرمتها بحال التعمد لا يوجب كفارة علي الصبي و لا علي الولي لأن عمده خطأ. و حينئذ فكل حكم شرعي تعلق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبي و إيقاعه مع القصد كعقد الهازل و الغالط و الخاطي و إيقاعاتهم بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم و هو ما عن قرب الإسناد بسند أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ع أنه كان يقول: المجنون المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدها خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم إلي آخر الحديث فإن ذكر رفع القلم في الذيل ليس له وجه ارتباط إلا أن يكون علة لأصل الحكم و هو ثبوت الدية علي العاقلة أو أن يكون معلولا لقوله عمدهما خطأ يعني أنه لما كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع و في الواقع رفع القلم عنهما و لا يخفي أن ارتباطها بالكلام علي وجه العلية أو المعلولية للحكم المذكور في الرواية أعني عدم مؤاخذة الصبي و المجنون بمقتضي جناية العمد و هو القصاص و لا بمقتضي شبه العمد و هي الدية في مالهما لا يستقيم إلا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الأخروية و الدنيوية المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية و عدم ترتب ذلك علي أفعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما مع القصد و التعمد لترتبت عليه غرامة أخروية أو دنيوية. و علي هذا فإذا التزم علي نفسه مالا بإقرار أو معاوضة و لو بإذن الولي فلا أثر لهما في إلزامه بالمال و مؤاخذته به و لو بعد البلوغ فإذا لم يلزمه شي‌ء بالتزاماته و لو كانت بإذن الولي فليس ذلك إلا لسلب قصده و عدم العبرة بإنشائه إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات علي نفسه لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة إذن الولي و قد فرضنا الحكم مطلقا فيدل بالالتزام علي كون قصده في إنشاءاته و إخباراته مسلوب الأثر ثم إن مقتضي عموم هذه الفقرة بناء علي كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما كما هو ظاهر المحكي عن بعض إلا أن يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع القلم و لا يخلو من بعد لكن هذا غير وارد علي الاستدلال لأنه ليس مبنيا علي كون رفع القلم علة للحكم لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي و المجنون فيختص رفع قلم المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل فيخرج مثل الإتلاف فافهم و اغتنم. ثم إن القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علي البالغين فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير.

[رأي المؤلف في المسألة و دليله

و الحاصل أن مقتضي ما تقدم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود و الأخبار المتقدمة بعد انضمام بعضها إلي بعض عدم الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلي مقتضاها كإنشاء العقود أصالة و وكالة و القبض و الإقباض و كل التزام علي نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجار.

[كلام العلامة في عدم صحة تصرفات الصبي

قال في التذكرة و كما لا يصح تصرفاته اللفظية كذا لا يصح قبضه و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتهب له الولي و لا لغيره و إن إذن الموهوب له بالقبض و لو قال مستحق الدين للمديون سلم حقي إلي الصبي فسلم مقدار حقه إليه لم يبرأ عن الدين و بقي المقبوض علي ملكه و لا ضمان علي الصبي لأن المالك ضيعه حيث دفعه إليه و بقي الدين لأنه في الذمة و لا يتعين إلا بقبض صحيح كما لو قال ارم حقي في البحر فرمي مقدار حقه بخلاف ما لو قال للمستودع سلم مالي إلي الصبي أو ألقه في البحر لأنه امتثل أمره في حقه المعين و لو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن و إن كان بإذن الولي إذ ليس له تضييعها بإذن الولي. و قال أيضا لو عرض الصبي دينارا علي الناقد لينقده أو متاعا إلي مقوم ليقومه فأخذه لم يجز له رده إلي الصبي بل علي وليه إن كان فلو أمره الولي بالدفع إليه فدفعه إليه برأ من ضمانه إن كان المال للولي و إن كان للصبي فلا كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر فإنه يلزمه ضمانه و إذا تبايع الصبيان و تقابضا و أتلف كل واحد منهما ما قبضه فإن جري بإذن الوليين فالضمان عليهما و إلا فلا ضمان عليهما بل علي الصبيين و يأتي في باب الحجر تمام الكلام و لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول علي أهل الدار أو أدخل الهدية إلي إنسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه انتهي كلامه رفع مقامه

[لا فرق في معاملة الصبي بين الأشياء اليسيرة و الخطيرة]

اشارة

ثم إنه ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق في معاملة الصبي بين أن تكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة لما عرفت من عموم النص و الفتوي حتي أن العلامة في التذكرة لما ذكر حكاية أن أبا الدرداء اشتري عصفورا من صبي فأرسله ردها بعدم الثبوت و عدم الحجية و توجيهه بما يخرجها عن محل الكلام

[تفصيل المحدث الكاشاني بين الأشياء اليسيرة و الخطيرة و المناقشة فيه

و به يظهر ضعف ما عن المحدث الكاشاني من أن الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج انتهي. فإن الحرج ممنوع سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقرات و التزام مباشرة البالغين لشرائها أم أراد أنه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس علي نصب الصبيان للبيع و الشراء في الأشياء الحقيرة ثم إن أراد استقلاله في البيع و الشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة فالظاهر كونه مخالفا للإجماع. و أما ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله ع قال: و نهي النبي ص عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده معللا بأنه إن لم يجد سرق فمحمول علي عوض كسبه من التقاط أو أجرة عن إجارة أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي أو عن عمل أمر به من دون إجارة فأعطاه المستأجر أو الأمر أجرة المثل فإن هذه كلها مما يملكه الصبي لكن
المكاسب، ج‌2، ص 116
يستحب للولي و غيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوي الصبي فيها لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات و كيف كان فالقول المذكور في غاية الضعف. نعم ربما صحح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف من جهة استقرار السيرة و استمرارها علي ذلك و فيه إشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في كثير من سيرهم الفاسدة و يؤيد ذلك ما يري من استمرار سيرتهم علي عدم الفرق بين المميزين و غيرهم و لا بينهم و بين المجانين و لا بين معاملاتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولي أصلا و بين معاملاتهم لأوليائهم علي سبيل الألية مع أن هذا مما لا ينبغي الشك في فسادها خصوصا الأخير مع أن الإحالة علي ما جرت العادة به كالإحالة علي المجهول فإن الذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلي كل صبي ماهر فطن فيه بحيث لا يغلب في المساومة عليه فيكلون إلي من بلغ ست سنين شراء باقة بقل أو بيع بيضة دجاج بفلس و إلي من بلغ ثماني سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما و إلي من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق و البلدان و لا يفرقون بينه و بين من أكمل خمس عشر سنة و لا يكلون إليه شراء مثل القري و البساتين و بيعها إلا بعد أن يحصل له التجارب و لا أظن أن القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة علي هذا التفصيل و كيف كان فالظاهر أن هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم. و قد عرفت حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز رد المال إلي الصبي إذا دفعه إلي الناقد لينقده أو المتاع الذي دفعه إلي المقوم ليقومه مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للولي و كذا حكمه بالمنع من رد مال الطفل إليه بإذن الولي مع أنه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

[دعوي كاشف الغطاء إفادة معاملة الصبي الإباحة لو كان مأذونا و المناقشة فيه

و قال كاشف الغطاء رحمه الله بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة و وكالة ما لفظه نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا علي رءوس الأشهاد حتي يظن أن ذلك من إذن الأولياء خصوصا في المحقرات ثم قال و لو قيل بتملك لأخذ منهم لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهي. أما التصرف و المعاملة بإذن الأولياء سواء أ كان علي وجه البيع أم المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنه خلاف المشهور و المعروف حتي لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة لأنها تصرف لا محالة و إن لم تكن بيعا و لا معاوضة و إن أراد بذلك أن إذن الولي و رضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في أعاره الصبي. فتوضيحه ما ذكره بعض المحققين من تلامذته و هو أنه لما كان بناء المعاطاة علي حصول المراضاة كيف اتفقت و كانت مفيدة لإباحة التصرف خاصة كما هو المشهور و جرت عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة و الرضا باعتماد غيرهم في التصرف فيها علي الأمارات المفيدة للظن بالرضا في المعاوضات و كان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها علي قول الصبي تعيين القيمة و الاختلاف الذي يتسامح به في العادة فلأجل ذلك صح القول بالاعتماد علي ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار و في إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق بل ما ذكرنا أولي بالجواز من الهدية من وجوه و قد استند فيه في التذكرة إلي تسامح السلف. و بالجملة فالاعتماد في الحقيقة علي الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ و الإعطاء مع البناء علي ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا علي قول الصبي و معاملته من حيث إنه كذلك و كثيرا ما يعتمد الناس علي الإذن المستفاد من غير وجود ذي يد أصلا مع شهادة الحال بذلك كما في دخول الحمام و وضع الأجرة عوض الماء التالف في الصندوق و كما في أخذ الخضراوات الموضوعة للبيع و شرب ماء السقاءين و وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لهما و غير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها كما يعتمد علي مثل ذلك في غير المعاوضات من أنواع التصرفات فالتحقيق أن هذا ليس مستثني من كلام الأصحاب و لا منافيا له و لا يعتمد علي ذلك أيضا في مقام الدعوي و لا فيما إذا طالب المالك بحقه و أظهر عدم الرضا انتهي. و حاصله أن مناط الإباحة و مدارها في المعاطاة ليس علي وجود تعاط قائم بشخصين أو بشخص منزل منزلة شخصين بل علي تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه في ماله حتي لو فرضنا أنه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق كإطارة الريح و نحوها فتراضيا علي التصرف بإخبار صبي أو بغيره من الأمارات كالكتابة و نحوها كان هذا معاطاة أيضا و لذا يكون وصول الهدية إلي المهدي إليه علي يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضا المهدي بالتصرف بل التملك كافيا في إباحة الهدية بل في تملكها. و فيه أن ذلك حسن إلا أنه موقوف أولا علي ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة أو تمليك و أنه يكتفي فيها بمجرد الرضا. و دعوي حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلي الصبي مدفوعة بأنه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها و به يفرق بين ما نحن فيه. و مسألة إيصال الهدية بيد الطفل فإنه يمكن فيه دعوي كون دفعها إليه للإيصال إباحة أو تمليكا كما ذكر أن إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في انتفاع المستعير و أما دخول الحمام و شرب الماء و وضع الأجرة و القيمة فلو حكم بصحتهما بناء علي ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء انحصرت صحة وساطة الصبي بما يكتفي فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكتفي فيه. و الحاصل أن دفع الصبي و قبضه بحكم العدم فكل ما يكتفي فيه بوصول كل من العوضين إلي صاحب الآخر بأي وجه اتفق فلا تضر فيه مباشرة الصبي لمقدمات الوصول ثم إن ما ذكر مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليا كان أو غيره. و أما ما ذكره كاشف الغطاء أخيرا من صيرورة الشخص موجبا و قابلا ففيه أولا أن تولي وظيفة الغائب و هو من أذن للصغير إن كان بإذن منه فالمفروض انتفاؤه و إن كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن
موضوع الفضولي مشكل بل ممنوع. و ثانيا أن المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمن أذن للصبي
المكاسب، ج‌2، ص 117
ثم إنه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الألية بالصبي و لا بالأشياء الحقيرة بل هو جار في المجنون و السكران بل البهائم و في الأمور الخطيرة إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار و كان الصغير آلة فلا فرق في الألية بينه و بين غيره. نعم من تمسك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشم لإدخال ذلك تحت القاعدة فله تخصيص ذلك بالصبي لأنه المتيقن من موردها كما أن ذلك مختص بالمحقرات.

مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به

اشارة

مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به
- و اشتراط القصد بهذا المعني في صحة العقد بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه و لا إشكال فلا يقع من دون قصد إلي اللفظ كما في الغالط أو إلي المعني كما في الهازل لا بمعني عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعني عدم تعلق إرادته به و إن أوجد مدلوله بالإنشاء كما في الأمر الصوري فهو شبيه الكذب في الأخبار أو قصد معني يغاير مدلول العقد بأن قصد الأخبار أو الاستفهام أو إنشاء معني غير البيع مجازا أو غلطا فلا يقع البيع لعدم القصد إليه و لا المقصود إذا اشترطت فيه عبارة خاصة ثم إنه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره كما صرح به في المسالك حيث قال إنهما قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله. و فيه أنه لا دليل علي. اشتراط أزيد من القصد المتحقق في صدق مفهوم العقد مضافا إلي ما سيجي‌ء في أدلة الفضولي و أما معني ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار.

[كلام صاحب المقابس في اعتبار تعيين المالكين

اشارة

و اعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه كلاما في هذا المقام في أنه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل أو الانتقال بالنسبة إليهما أم لا. و ذكر أن في المسألة أوجها و أقوالا و أن المسألة في غاية الإشكال و أنه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس الله أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه ثم قال و تحقيق المسألة أنه إن توقف تعين المالك علي التعيين حال العقد لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه في النية أو مع التلفظ به أيضا كبيع الوكيل و الولي العاقد عن اثنين في بيع واحد أو الوكيل عنهما و الولي عليهما في البيوع المتعددة فيجب أن يعين من يقع له البيع أو الشراء من نفسه أو غيره و أن يميز البائع من المشتري إذا أمكن الوصفان في كل منهما فإذا عين جهة خاصة تعينت و إن أطلق فإن كانت هناك جهة ينصرف إليها الإطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه و غيره إذا لم يقصد الإبهام أو التعيين بعد العقد و إلا وقع لاغيا و هذا جار في سائر العقود من النكاح و غيره. و الدليل علي اشتراط التعيين و لزوم متابعته في هذا القسم أنه لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك معين في نفس الأمر و أن لا يحصل الجزم بشي‌ء من العقود التي لم يتعين فيه العوضان و لا بشي‌ء من الأحكام و الآثار المترتبة علي ذلك و فساد ذلك ظاهر و لا دليل علي تأثير التعيين المتعقب و لا علي صحة العقد المبهم لانصراف الأدلة إلي ما هو الشائع المعروف من الشريعة و العادة فوجب الحكم بعدمه و علي هذا فلو اشتري الفضولي لغيره في الذمة فإن عين ذلك الغير تعين و وقف علي إجازته سواء تلفظ بذلك أم نواه و إن أبهم مع قصد الغير بطل و لا يتوقف إلي أن يوجد له مجيز إلي أن قال و إن لم يتوقف تعين المالك علي التعيين حال العقد بأن يكون العوضان معينين و لا يقع العقد فيهما علي وجه يصح إلا لمالكهما. ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه أو عدمه مطلقا أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل و عدمه فيصح أوجه أقواها الأخير و أوسطها الوسط و أشبهها للأصول الأول و في حكم التعيين ما إذا عين المال بكونه في ذمة زيد مثلا و علي الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير- وقع عنه و لغا قصد كونه عن الغير و لو باع مال زيد عن عمرو فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه و إلا وقف علي إجازته و لو اشتري لنفسه بمال في ذمة زيد فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع له و تعلق المال بذمته لا عن زيد ليقف علي إجازته و إن كان وكيلا فالمقتضي لكل من العقدين منفردا موجود و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما و لما لم يتعين احتمل البطلان للتدافع و صحته عن نفسه لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء و ترجيح جانب الأصالة. و عن الموكل لتعين العوض في ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغوا كما في المعين و لو اشتري عن زيد بشي‌ء في ذمته فضولا و لم يجز فأجاز عمرو و لم يصح عن أحدهما. و قس علي ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب و لا فرق علي الأوسط في الأحكام المذكورة بين النية المخالفة و التسمية و يفرق بينهما علي الأخير و يبطل الجميع علي الأول انتهي كلامه.

[المناقشة فيما أفاده صاحب المقابس

أقول مقتضي المعاوضة و المبادلة- دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر و إلا لم يكن كل منهما عوضا و بدلا و علي هذا فالقصد إلي العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك إلا أن ملكية العوض و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف علي تعيين المالك فإن من الأعواض ما يكون متشخصا بنفسه في الخارج كالأعيان. و منها ما لا يتشخص إلا بإضافته إلي مالك كما في الذمم لأن ملكية الكلي لا تكون إلا مضافة إلي ذمة و إجراء أحكام الملك علي ما في ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا غير معهود. فتعين الشخص في الكلي إنما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم علي تعيين صاحب الذمة. فصح علي ما ذكرنا أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر سواء في العوض المعين أم في الكلي و أن اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشق الأول من تفصيله إنما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه لا لتوقف المعاملة علي تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا فإن من اشتري لغيره في الذمة إذا لم يعين الغير لم يكن الثمن ملكا لأن ما في الذمة ما لم يضف إلي شخص معين لم تترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا و كذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين فإنه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال بعت عبدا بألف ثم قال قبلت فلا يصير العبد قابلا للبيع و لا الألف قابلا للاشتراء به حتي يسند كلا منهما إلي معين أو إلي نفسه من حيث إنه نائب عن ذلك المعين فيقول بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان فيمتاز البائع عن المشتري. و أما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان العوضان معينين فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أن من لوازمها العقلية دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية و البدلية فلا حاجة إلي تعيين من ينقل عنهما أو إليهما العوضان و إذا لم تقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد فإن
المكاسب، ج‌2، ص 118
جعل [من العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملكه المعوض فقال ملكتك فرسي هذا بحمار عمرو فقال المخاطب قبلت لم يقع البيع لخصوص المخاطب لعدم مفهوم المعاوضة معه و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتي- . و أما ما ذكره من مثال من باع مال نفسه عن غيره فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره و الظاهر وقوعه عن البائع و لغوية قصده عن الغير لأنه أمر غير معقول لا يتحقق القصد إليه حقيقة و هو معني لغويته و لذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي‌ء و لا يقع عن نفسه أبدا. نعم لو ملكه فأجاز قيل بوقوعه له لكن لا من حيث إيقاعه أولا لنفسه فإن القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما و وجوده كعدمه إلا أن يقال إن وقوع بيع مال نفسه لغيره إنما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية لم لا يجعل هذا قرينة علي عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية- أو علي تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع- كما سيأتي أن المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصور إلا علي هذا الوجه و حينئذ يحكم ببطلان المعاملة لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي. و من هنا ذكر العلامة و غيره في عكس المثال المذكور أنه لو قال المالك للمرتهن بعه لنفسك بطل و كذا لو دفع مالا إلي من يطلب الطعام و قال اشتر به لنفسك طعاما هذا و لكن الأقوي صحة المعاملة المذكورة- و لغوية القصد المذكور لأنه راجع إلي إرادة إرجاع فائدة البيع إلي الغير لا جعله أحد ركني المعاوضة و أما حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن و اشتراء الطعام فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب لا أن المخاطب إذا قال بعته لنفسي أو اشتريته لنفسي لم يقع لمالكه إذا أجازه و بالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولي و شرائه لنفسه و وقوعه للمالك يدل علي عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك

[هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري و القابل للبائع

ثم إن ما ذكرناه كله حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشتري من يبيع له و من يشتري له. و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب و تعيين القابل لخصوص البائع فيحتمل اعتباره إلا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكل من المتخاطبين كما في غالب البيوع و الإجارات فحينئذ يراد من ضمير المخاطب في قوله ملكتك كذا أو منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيا أو جعليا كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية. و يحتمل عدم اعتباره إلا إذا علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح و الوقف الخاص و الهبة و الوكالة و الوصية و الأقوي هو الأول عملا بظاهر الكلام الدال علي قصد الخصوصية و تبعية العقود للقصود و علي فرض القول الثاني فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره. قال في التذكرة لو باع الفضولي أو اشتري مع جهل الآخر فإشكال ينشأ من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد و هذا الإشكال و إن كان ضعيفا مخالفا للإجماع و السيرة إلا أنه مبني علي ما ذكرناه من مراعاة ظاهر الكلام. و قد يقال في الفرق بين البيع و شبهه و بين النكاح إن الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود و تختلف الأغراض باختلافهما فلا بد من التعيين و توارد الإيجاب و القبول علي أمر واحد و لأن معني قوله بعتك كذا بكذا رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع و المشتري يطلق علي المالك و وكيله و معني قولها زوجتك نفسي رضاها بكونه زوجا و الزوج لا يطلق علي الوكيل انتهي. و يرد علي الوجه الأول من وجهي الفرق أن كون الزوجين كالعوضين إنما يصلح وجها لوجوب التعيين في النكاح لا لعدم وجوبه في البيع مع أن الظاهر أن ما ذكرناه من الوقف و إخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها علي وجه النيابة أو الفضولي فلا بد من وجه مطرد في الكل. و علي الوجه الثاني أن معني بعتك في لغة العرب كما نص عليه فخر المحققين و غيره هو ملكتك بعوض و معناه جعل المخاطب مالكا و من المعلوم أن المالك لا يصدق علي الولي و الوكيل و الفضولي. فالأولي في الفرق ما ذكرناه من أن الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير و لا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوي كونه غير أصيل فتأمل بخلاف النكاح و ما أشبهه فإن الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد بل ربما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصل كما لو قال زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج و كذا قوله وقفت عليك و أوصيت لك و وكلتك و لعل الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات علي الوكيل فيها فلا يقال للوكيل الزوج و لا الموقوف عليه و لا الموصي له و لا الموكل بخلاف البائع و المستأجر فتأمل حتي لا يتوهم رجوعه إلي ما ذكرناه سابقا و اعترضنا عليه.

مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار

[المراد من الاختيار]

و المراد به القصد إلي وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة و عدم طيب النفس لا الاختيار في مقابل الجبر.

[ما يدل علي اشتراط الاختيار]

و يدل عليه قبل الإجماع قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و قوله ص:
لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و قوله ص في الخبر المتفق عليه بين المسلمين: رفع أو وضع عن أمتي تسعة أشياء أو ستة و منها ما أكرهوا عليه. و ظاهره و إن كان رفع المؤاخذة إلا أن استشهاد الإمام ع به في رفع بعض الأحكام الوضعية يشهد لعموم المؤاخذة فيه لمطلق الإلزام عليه بشي‌ء. ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن ع: في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك فقال ع لا قال رسول الله ص وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا. و الحلف بالطلاق و العتاق و إن لم يكن صحيحا عندنا من دون الإكراه أيضا إلا أن مجرد استشهاد الإمام ع في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما أكرهوا عليه يدل علي أن المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة و العقاب الأخروي هذا كله مضافا إلي الأخبار الواردة في طلاق المكره بضميمة عدم الفرق ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان أن المكره قاصد إلي اللفظ غير قاصد إلي مدلوله بل يظهر
المكاسب، ج‌2، ص 119
ذلك من بعض كلمات العلامة و ليس مرادهم أنه لا قصد له إلا إلي مجرد التكلم كيف و الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعني قصدا صوريا. و الخالي عن القصد إلي غير التكلم هو من يتكلم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني.

[المراد من قولهم: المكره قاصد إلي اللفظ غير قاصد إلي مدلوله

فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلي وقوع مضمون العقد في الخارج و أن الداعي له إلي الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج لا أن كلامه الإنشائي مجرد عن المدلول كيف و هو معلول الكلام الإنشائي إذا كان مستعملا غير مهمل و هذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفي علي من له أدني تأمل في معني الإكراه لغة و عرفا و أدني تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ و جعله مقابلا للقصد. و حكمهم بعدم وجوب التورية- في التفصي عن الإكراه و صحة بيعه بعد الرضا و استدلالهم له بالأخبار الواردة في طلاق المكره و أنه لا طلاق إلا مع إرادة الطلاق حيث إن المنفي صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة و عرفا و فيما ورد فيمن طلق مداراة بأهله إلي غير ذلك. و في أن مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق إكراها لا ينبغي أن يحمل علي الكلام المجرد عن قصد المفهوم الذي لا يسمي خبرا و لا إنشاء و غير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلي وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع و عدم طيب النفس به لا عدم إرادة المعني من الكلام و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أن المكره و الفضولي قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله. نعم ذكر في التحرير و المسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك. قال في التحرير لو أكره علي الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه علي القصد انتهي. و بعض المعاصرين بني هذا الفرع علي تفسير القصد بما ذكرناه من متوهم كلامهم فرد عليهم بفساد المبني و عدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور و لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به

[حقيقة الإكراه لغة و عرفا]

ثم إن حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير علي ما يكرهه و يعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بتوعد منه مظنون الترتب علي ترك ذلك الفعل مضر بحال الفاعل أو متعلقة نفسا أو عرضا أو مالا فظهر من ذلك أن مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب علي تركه لا يدخله في المكره عليه كيف و الأفعال الصادرة من العقلاء كلها أو جلها ناشئة عن دفع الضرر و ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من إبعاد شخص يوجب صدق المكره عليه فإن من أكره علي دفع مال و توقف علي بيع بعض أمواله فالبيع الواقع منه لبعض أمواله و إن كان لدفع الضرر المتوعد به علي عدم دفع ذلك المال و لذا يرتفع التحريم عنه لو فرضت حرمته عليه لحلف أو شبهه ليس مكرها.

[المعيار في صدق الإكراه

فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر عن الاستقلال في التصرف بحيث لا تطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمد إليه عن رضا و إن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر أو ترجيحا لأقل الضرري ن إلا أن هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به فإن النفس مجبولة علي كراهة ما يحمله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشق تحمله. و الحاصل أن الفاعل و إن يفعل لدفع الضرر لكنه مستقل في فعله و مخلي و طبعه فيه بحيث تطيب نفسه بفعله و إن كان من باب علاج الضرر و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير علي تركه و هذا مما لا تطيب النفس به و ذلك معلوم بالوجدان

[هل يعتبر عدم إمكان التفصي عن الضرر بما لا ضرر فيه

ثم إنه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضررا آخر كما حكي عن جماعة أم لا الذي يظهر من النصوص و الفتاوي عدم اعتبار العجز عن التورية لأن حمل عموم رفع الإكراه و خصوص النصوص الواردة في طلاق المكره و عتقه و معاقد الإجماعات و الشهرات المدعاة في حكم المكره علي صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدا بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد كما لا يخفي علي من راجعها مع أن القدرة علي التورية لا تخرج الكلام عن حيز الإكراه عرفا.

[هل يعتبر العجز عن التخلص بغير التورية]

هذا و ربما يستظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا في صدق الإكراه مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال: لا يمين في غضب و لا في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في إكراه قلت أصلحك الله و ما الفرق بين الجبر و الإكراه قال الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب و ليس ذلك بشي‌ء.
و يؤيده أنه لو خرج عن الإكراه عرفا بالقدرة علي التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها لأن المناط حينئذ انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به في فعل المكره عليه فلا فرق بين أن يتخلص عنه بكلام آخر أو فعل آخر أو بهذا الكلام مع قصد معني آخر. و دعوي أن جريان حكم الإكراه مع القدرة علي التورية تعبدي لا من جهة صدق حقيقة الإكراه كما تري لكن الإنصاف أن وقوع الفعل عن الإكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن التفصي بغير التورية لأنه يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به علي الترك و مع القدرة علي التفصي لا يكون الضرر مترتبا علي ترك المكره عليه بل علي تركه و ترك التفصي معا فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين من فعل المكره عليه و التفصي فهو مختار في كل منهما و لا يصدر كل منهما إلا باختياره فلا إكراه و ليس التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه حتي لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما كما لو أكرهه علي أحد الأمرين حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها عليه لأن الفعل المتفصي به مسقط عن المكره عليه لا بدل له و لذا لا تجري عليه أحكام المكره عليه إجماعا فلا يفسد إذا كان عقدا و ما ذكرناه و إن كان جاريا في التورية إلا أن الشارع رخص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصي بوجه آخر لما ذكرنا من ظهور النصوص و الفتاوي و بعد حملها علي صورة العجز عن التورية مع أن العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه خصوصا: في قصة عمار و أبويه حيث أكرهوا علي الكفر فأبي أبواه فقتلا و أظهر لهم عمار ما أرادوا فجاء باكيا إلي رسول الله ص فنزلت الآية مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
المكاسب، ج‌2، ص 120
بِالْإِيمانِ فقال له رسول الله ص إن عادوا عليك فعد و لم ينبهه علي التورية فإن التنبيه في المقام و إن لم يكن واجبا إلا أنه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي ص باعتبار شفقته علي عمار و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفي

[الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها]

هذا و لكن الأولي أن يفرق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها بتحقق الموضوع في الأول دون الثاني لأن الأصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الإكراه أن يعلم أو يظن المكره بالفتح أنه لو امتنع مما أكره عليه لوقع فيما توعد عليه و معلوم أن المراد ليس امتناعه عنه في الواقع و لو مع اعتقاد المكره بالكسر عدم الامتناع بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره و هذا المعني يصدق مع إمكان التورية و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لأن المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه و عدم وقوع الضرر عليه. و الحاصل أن التلازم بين امتناعه و وقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الإكراه موجود مع التمكن بالتورية لا مع التمكن بغيرها فافهم

[عدم اعتبار العجز في الإكراه الرافع لأثر المعاملات

ثم إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوغ للمحرمات و مناطه توقف دفع ضرر المكره علي ارتكاب المكره عليه.
و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أن المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة و قد يتحقق مع إمكان التفصي مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة أو مطالعة فجاءه من أكرهه علي بيع شي‌ء مما عنده و هو في هذه الحال غير قادر علي دفع ضرره و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره فالظاهر صدق الإكراه حينئذ بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي‌ء بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده و توقف دفع ضرر إكراه الشخص علي أمر خدمه بدفعه و طرده فإن هذا لا يتحقق في حقه الإكراه و يكذب لو ادعاه بخلاف الأول إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل و لو فرض في ذلك المثال إكراهه علي محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل و قد تقدم الفرق بين الجبر و الإكراه في رواية ابن سنان.

[المراد من الإكراه الرافع لأثر المعاملات

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعني الجبر المذكور و الرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر في تلك الرواية أنه قد يكون من الأب و الولد و المرأة فالمعيار فيه عدم طيب النفس فيها لا الضرورة و الإلجاء و إن كانت هي المتبادر من لفظة الإكراه و لذا يحمل الإكراه في حديث الرفع عليه فيكون الفرق بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض لكن الداعي علي اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أن العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس حيث استدلوا علي ذلك بقوله تعالي تِجارَةً عَنْ تَراضٍ. و لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و عموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق و خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلق مداراة مع عياله.

[الفرق بين الإكراه في الأحكام التكليفية و الأحكام الوضعية]

فقد تلخص مما ذكرنا أن الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخص من الرافع لأثر الحكم الوضعي. و لو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الإكراه كانت النسبة بينهما العموم من وجه لأن المناط في رفع الحكم التكليفي هو دفع الضرر و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة و طيب النفس

[لو أكره الشخص علي أحد الأمرين

و من هنا لم يتأمل أحد في أنه إذا أكره الشخص علي أحد الأمرين المحرمين لا بعينه فكل منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم لأن المعيار في دفع الحرمة دفع الضرر المتوقف علي فعل أحدهما أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره علي طلاق إحدي زوجتيه. فقد استشكل غير واحد في أن ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه و يرجحه علي الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه مكره عليه باعتبار جنسه أم لا. بل أفتي في القواعد بوقوع الطلاق و عدم الإكراه و إن حمله بعضهم علي ما إذا قنع المكره بطلاق إحداهما مبهمة لكن المسألة عندهم غير صافية عن الإشكال من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية و إن كان الأقوي وفاقا لكل من تعرض للمسألة تحقق الإكراه لغة و عرفا مع أنه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الإكراه أصلا إذ الموجود في الخارج دائما إحدي خصوصيات المكره عليه إذ لا يكاد يتفق الإكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات. نعم هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك بمعني أن وجوده الخارجي ناش عن إكراه و اختيار و لذا لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل و يستحقه باعتبار الخصوصية. و تظهر الثمرة فيما لو ترتب أثر علي خصوصية المعاملة الموجودة فإنه لا يرتفع بالإكراه علي القدر المشترك مثلا لو أكرهه علي شرب الماء أو شرب الخمر لم يرتفع تحريم الخمر لأنه مختار فيه و إن كان مكرها في أصل الشرب و كذا لو أكرهه علي بيع صحيح أو فاسد فإنه لا يرتفع أثر الصحيح لأنه مختار فيه و إن كان مكرها في جنس البيع لكنه لا يترتب علي الجنس أثر يرتفع بالإكراه و من هنا يعلم أنه لو أكره علي بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها لأن القدر المشترك بين الحق و غيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا و إلا لوقع الإيفاء أيضا باطلا فإن اختار البيع صحيح لأن الخصوصية غير مكره عليها و المكره عليه و هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر و لو أكرهه علي بيع مال أو أداء مال غير مستحق كان إكراها لأنه لا يفعل البيع إلا فرارا من بدله أو وعيده المضرين كما لو أكرهه علي بيع داره أو شرب الخمر فإن ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده

[لو أكره أحد الشخصين علي فعل واحد]

ثم إن إكراه أحد الشخصين علي فعل واحد بمعني إلزامه عليهما كفاية و إيعادهما علي تركه كإكراه شخص واحد علي أحد الفعلين في كون كل منهما مكرها.

[صور تعلق الإكراه

و اعلم أن الإكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم و قد يتعلق بالمالك دون العاقد كما لو أكره علي التوكيل في بيع ماله فإن العاقد قاصد مختار و المالك مجبور و هو داخل في عقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الإكراه و قد ينعكس كما لو قال بع مالي أو طلق زوجتي و إلا قتلتك و الأقوي هنا الصحة لأن العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوي القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض فهذا أولي من المالك المكره علي العقد إذا رضي لاحقا. و احتمل في المسالك عدم الصحة نظرا إلي
المكاسب، ج‌2، ص 121
أن الإكراه يسقط حكم اللفظ كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلقها ثم قال و الفرق بينهما أن عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره فإن عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد- فإن كان الأمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور انتهي و هو حسن و قال أيضا لو أكره الوكيل علي الطلاق دون الموكل ففي صحته وجهان أيضا من تحقق الاختيار في الموكل المالك و من سلب عبارة المباشر انتهي. و ربما يستدل علي فساد العقد في هذين الفرعين بما دل علي رفع حكم الإكراه و فيه ما سيجي‌ء من أنه إنما يرفع حكما ثابتا علي المكره لو لا الإكراه و لا أثر للعقد هنا بالنسبة إلي المتكلم به لو لا الإكراه. و مما يؤيد ما ذكرنا حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا و من المعلوم أنه إنما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر و هو النقل و الانتقال و أما التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها عليه فلا معني للحوق الرضا به لأن ما مضي و انقطع لا يتغير عما وقع عليه و لا ينقلب. نعم ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور بأن القصد إلي المعني و لو علي وجه الإكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد و لا يعرف إلا من قبل العاقد فإذا كان مختارا أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها اللهم إلا أن يقال إن الكلام بعد إحراز القصد و عدم تكلم العاقد لاغيا أو موريا و لو كان مكرها مع أنه يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضا فتأمل.

فروع

[الإكراه علي بيع عبد من عبدين

و لو أكرهه علي بيع واحد غير معين من عبدين فباعهما أو باع نصف أحدهما ففي التذكرة إشكال. أقول أما بيع العبدين فإن كان تدريجا فالظاهر وقوع الأول مكرها دون الثاني- مع احتمال الرجوع إليه في التعيين سواء ادعي العكس أم لا و لو باعهما دفعة احتملت صحة الجميع لأنه خلاف المكره عليه و الظاهر أنه لم يقع شي‌ء منهما عن إكراه و بطلان الجميع لوقوع أحدهما مكرها عليه و لا ترجيح و الأول أقوي.

[الإكراه علي معين فضم غيره إليه

و لو أكره علي بيع معين فضم إليه غيره و باعهما دفعة فالأقوي الصحة في غير ما أكره عليه و أما مسألة النصف فإن باع النصف بعد الإكراه علي الكل بقصد أن يبيع النصف الآخر امتثالا للمكره بناء علي شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين فلا إشكال في وقوعه مكرها عليه و إن كان لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا إكراها لكن في سماع دعوي البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر.

[الإكراه علي الطلاق

اشارة

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير لو أكره علي الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق انتهي- . و نحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع لأن الإكراه أسقط أثر اللفظ و مجرد النية لا حكم لها. و حكي عن سبطه في نهاية المرام أنه نقله قولا و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الإجماع علي بطلان عقد المكره و الإكراه متحقق هنا إذ المفروض أنه لولاه لما فعله ثم قال و المسألة محل إشكال انتهي و عن بعض الأجلة أنه لو علم أنه لا يلزمه إلا اللفظ و له تجريده عن القصد فلا شبهه في عدم الإكراه و إنما يحتمل الإكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و إن لم يرده المكره أم لا انتهي. ثم إن بعض المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك و بناه علي أن المكره لا قصد له أصلا فرده بثبوت القصد للمكره و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه و فيه ما عرفت سابقا من أنه لم يقل أحد بخلو المكره عن قصد معني اللفظ و ليس هذا مرادا من قولهم إن المكره غير قاصد إلي مدلول اللفظ و لذا شرك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في ذلك كما عرفت سابقا فبناء هذا الحكم في هذا الفرع علي ما ذكر ضعيف جدا و كذا ما تقدم عن بعض الأجلة من أنه إن علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية فنوي اختيارا صح لأن مرجع ذلك إلي وجوب التورية علي العارف بها المتفطن لها إذ لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعني بحيث يتكلم به لاغيا و قد عرفت أن ظاهر الأدلة و الأخبار الواردة في طلاق المكره و عتقه عدم اعتبار العجز عن التورية.

[أقسام الإكراه علي الطلاق و أحكامها]

و توضيح الأقسام المتصورة في الفرع المذكور أن الإكراه الملحق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به إما أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه لبنائه علي تحمل الضرر المتوعد به و لا يخفي بداهة وقوع الطلاق هنا و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه فلا معني لجعله في التحرير أقرب و ذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك و جعله قولا في نهاية المرام و استشكاله فيه لعموم النص و الإجماع. و كذا لا ينبغي التأمل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلا في داعي الوقوع بل هو بضميمة شي‌ء اختياري للفاعل و إن كان الداعي هو الإكراه فإما أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر كمن قال له ولده طلق زوجتك و إلا قتلتك أو قتلت نفسي فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أو كان الداعي علي الفعل شفقة دينية علي المكره بالكسر أو علي المطلقة أو علي غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرم و الحكم في الصورتين لا يخلو عن إشكال. و إن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره أن الحذر لا يتحقق إلا بإيقاع الطلاق حقيقة لغفلته عن أن التخلص غير متوقف علي القصد إلي وقوع أثر الطلاق و حصول البينونة فيوطن نفسه علي رفع اليد عن الزوجة و الإعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا و هذا كثيرا ما يتفق للعوام. و قد يكون هذا التوطين و الإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي أو كونه رأي مذهب بعض العامة فزعم أن الطلاق يقع مع الإكراه فإذا أكره علي الطلاق فقد طلق قاصدا لوقوعه لأن القصد إلي اللفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد إلي وقوعها فيرضي نفسه بذلك و يوطنها عليه و هذا أيضا كثيرا ما يتفق للعوام و الحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال إلا أن تحقق الإكراه أقرب

[عقد المكره لو تعقبه الرضا]

[الاستدلال علي الصحة]

ثم إن المشهور بين المتأخرين أنه لو رضي المكره بما فعله صح العقد بل عن الرياض تبعا للحدائق أن عليه اتفاقهم لأنه عقد حقيقي فيؤثر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع و هو طيب النفس. و دعوي اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد خالية عن الشاهد مدفوعة بالإطلاقات
المكاسب، ج‌2، ص 122
و أضعف منها دعوي اعتبارها في مفهوم العقد- اللازم منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة و أضعف من الكل دعوي اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق و كون إكراهه علي العقد تعبديا لا لتأثير فيه و يؤيده فحوي صحة عقد الفضولي حيث إن المالك طيب النفس بوقوع أثر العقد و غير منشئ للنقل بكلامه. و إمضاء إنشاء الغير ليس إلا طيب النفس بمضمونه و ليس إنشاء مستأنفا مع أنه لو كان فهو موجود هنا فلم يصدر من المالك هنالك إلا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد و هذا موجود فيما نحن فيه مع زائد و هو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد لما عرفت من أن عقده إنشاء حقيقي. و توهم أن عقد الفضولي واجد لما هو مفقود هنا و هو طيب نفس العاقد بما ينشؤه مدفوع بالقطع بأن طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية إذ يكفي فيه مجرد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه و لا في النقل و الانتقال لعدم مدخلية غير المالك فيه. نعم لو صح ما ذكر سابقا من توهم أن المكره لا قصد له إلي مدلول اللفظ أصلا و أنه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعني الصوت كما صرح به بعض صح أنه لا يجدي تعقب الرضا إذ لا عقد حينئذ لكن عرفت سابقا أنه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوي فراجع

[ما استدل به علي البطلان و المناقشة فيه

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد و إن انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ الدال علي اعتبار كون العقد عن التراضي مضافا إلي النبوي المشهور الدال علي رفع حكم الإكراه مؤيدا بالنقض بالهازل مع أنهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا و الكل كما تري لأن دلالة الآية علي اعتبار وقوع العقد عن التراضي إما بمفهوم الحصر و إما بمفهوم الوصف و لا حصر كما لا يخفي لأن الاستثناء منقطع و غير مفرغ. و مفهوم الوصف علي القول به مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ و دعوي وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة و سيجي‌ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية علي اعتبار سبق التراضي في البيع الفضولي. و أما حديث الرفع ففيه أولا أن المرفوع فيه هي المؤاخذة و الأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره و إلزامه بشي‌ء و الحكم بوقوف عقده علي رضاه راجع إلي أن له أن يرضي بذلك و هذا حق له لا عليه. نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتي يرضي المكره أو يفسخ و هذا إلزام لغيره و الحديث لا يرفع المؤاخذة و الإلزام عن غير المكره كما تقدم و أما إلزامه بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو من توابع الحق الثابت له بالإكراه لا من أحكام الفعل المتحقق علي وجه الإكراه ثم إن ما ذكرنا واضح علي القول بكون الرضا ناقلا و كذلك علي القول بالكشف بعد التأمل. و ثانيا أنه يدل علي أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الإكراه يرتفع عنه إذا وقع مكرها عليه كما هو معني رفع الخطأ و النسيان أيضا و هذا المعني موجود فيما نحن فيه لأن أثر العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه سبب مستقل لنقل المال و من المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه و هذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الإكراه العلة التامة للملكية لم يكن ثابتا للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ليرتفع به إذ المفروض أن الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه و بعبارة أخري أن اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه هو اللزوم المنفي بهذا الحديث و المدعي ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه علي رضا المالك و هذا غير مرتفع بالإكراه لكن يرد علي هذا أن مقتضي حكومة الحديث علي الإطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس فلا يجوز الاستناد إليها لصحة بيع المكره و وقوفه علي الرضا اللاحق فلا يبقي دليل علي صحة بيع المكره فيرجع إلي أصالة الفساد. و بعبارة أخري أن أدلة صحة البيع تدل علي سببية مستقلة فإذا قيدت بغير المكره لم يبق لها دلالة علي حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل علي صحة البيع بالمعني الأعم من السببية المستقلة كان دليل الإكراه حاكما عليه مقيدا له فلا ينفع اللهم إلا أن يقال إن الإطلاقات المقيدة للسببية المستقلة مقيدة بحكم الأدلة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له. و أما المرضي به بالرضا اللاحق فإنما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف و هو أصل البيع قبل الرضا و لا نقول بتأثيره بل مقتضي الأدلة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره و وجوب الوفاء به. فالإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه و الرضا به لاحقا و لازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام و هذا لا يرتفع بالإكراه لأن الإكراه مأخوذ فيه بالفرض [إلا أن يقال إن أدلة الإكراه كما ترفع السببية المستقلة [التي أفادتها الإطلاقات قبل التقييد كذلك ترفع مطلق الأثر عن العقد المكره عليه لأن التأثير الناقص أيضا استفيد من الإطلاقات بعد تقييدها بالرضا الأعم من اللاحق و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا إذ علي الأول يكون تمام المؤثر نفسه و علي الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد و هو تعقبه للرضا و كيف كان فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له لا يترتب عليه إلا كونه جزء المؤثر التام و هذا أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا أو وصف تعقبه له فتأمل.

بقي الكلام في أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف

مقتضي الأصل و عدم حدوث حل مال الغير إلا عن طيب نفسه هو الأول إلا أن الأقوي بحسب الأدلة النقلية هو الثاني كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي و ربما يدعي أن مقتضي الأصل هنا و في الفضولي هو الكشف لأن مقتضي الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعني و هو النقل من حين العقد و ترتب الآثار عليه لا يكون إلا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل. و فيه أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل إلا أن إنشاءه لما كان في زمان التكلم فإن كان ذلك الإنشاء مؤثرا في نظر الشارع في زمان التكلم حدث الأثر فيه و إن كان مؤثرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده. فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من
المكاسب، ج‌2، ص 123
اجتماع ما يعتبر في الحكم و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف و السلم و الهبة أو بعد انقضاء زمان الخيار علي مذهب الشيخ غير مناف لمقتضي الإيجاب و لم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلي الأزمنة. فإن قلت حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان بعد الرضا إلا أن حكمه بذلك لما كان من جهة إمضائه للرضا بما وقع فكأنه حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله. قلت المراد هو الملك شرعا و لا معني لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك و سيأتي توضيح ذلك في البيع الفضولي إن شاء الله. و إن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضي فسخ العقد- فإنه و إن كان حلا للعقد السابق و جعله كأن لم يكن إلا أنه لا ترتفع به الملكية السابقة علي الفسخ لأن العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلقة ثم علي القول بالكشف هل للطرف غير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله.

مسألة و من شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا

اشارة

فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقدا إلا بإذن سيده سواء أ كان لنفسه في ذمته أو بما في يده أم لغيره

[الدليل علي هذا الشرط]

لعموم أدلة عدم استقلاله في أموره. قال الله تعالي ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ. و عن الفقيه بسنده إلي زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا: المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلا بإذن سيده قلت فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق قال بيد السيد ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ فشي‌ء الطلاق. و الظاهر من القدرة خصوصا بقرينة الرواية هو الاستقلال إذ المحتاج إلي غيره في فعل غير قادر عليه فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنه شي‌ء فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولي فهو شرعا بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه لا أنه لا يترتب عليه حكم شرعي أصلا كيف و أفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار

[هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيد]

اشارة

و كيف كان فإنشاءات العبد لا يترتب عليه آثارها من دون إذن المولي- أما مع الإذن السابق فلا إشكال و أما مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع لأن المنع فيه ليس من جهة العوضين- الذين يتعلق بهما حق المجيز فله أن يرضي بما وقع علي ماله من التصرف في السابق و أن لا يرضي بل المنع من جهة راجعة إلي نفس الإنشاء الصادر و ما صدر علي وجه لا يتغير منه بعده و بتقرير آخر أن الإجازة إنما تتعلق بمضمون العقد و حاصله أعني انتقال المال بعوض و هذا فيما نحن فيه ليس منوطا برضا المولي قطعا إذ المفروض أنه أجنبي عن العوضين و إنما له حق في كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده فإذا وقع علي وجه يستقل به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعا

[مختار المؤلف و دليله

إلا أن الأقوي هو لحوق إجازة المولي لعموم أدلة الوفاء بالعقود و المخصص إنما دل علي عدم ترتب الأثر علي عقد العبد من دون مدخلية المولي أصلا سابقا و لاحقا لا مدخلية إذنه السابق و لو شك أيضا وجب الأخذ بالعموم في مورد الشك. و تؤيد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة السابقة فإن جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة. فالمراد بالإذن هو الأعم إلا أنه خرج الطلاق بالدليل و لا يلزم تأخير البيان لأن الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق بحيث لا يحتاج إلي رضا المولي أصلا بل و مع كراهة المولي كما يرشد إليه التعبير عن السؤال بقوله بيد من الطلاق.

[ما يؤيد المختار]

و يؤيد المختار بل يدل عليه ما ورد في صحة نكاح العبد الواقع بغير إذن المولي إذا أجازه معللا بأنه لم يعص الله تعالي و إنما عصي سيده فإذا أجاز جاز بتقريب أن الرواية تشمل ما لو كان العبد هو العاقد علي نفسه و حمله علي ما إذا عقد الغير له مناف لترك الاستفصال مع أن تعليل الصحة بأنه لم يعص الله تعالي إلي آخره في قوة أن يقال إنه إذا عصي الله بعقد كعقد علي ما حرم الله تعالي علي ما مثل به الإمام ع في روايات أخري واردة في هذه المسألة كان العقد باطلا لعدم تصور رضا الله تعالي بما سبق من معصيته أما إذا لم يعص الله و عصي سيده أمكن رضا سيده فيما بعد بما لم يرض به سابقا فإذا رضي به و أجاز صح. فيكون الحاصل أن معيار الصحة في معاملة العبد بعد كون المعاملة في نفسها مما لم ينه عنه الشارع هو رضا سيده بوقوعه سابقا أو لاحقا و أنه إذا عصي سيده بمعاملة ثم رضي السيد بها صح و أن ما قاله المخالف من أن معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده و أنه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامة غير صحيح فافهم و اغتنم و من ذلك يعرف أن استشهاد بعض بهذه الروايات علي صحة عقد العبد و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة بل و مع سبق النهي أيضا لأن غاية الأمر هو عصيان العبد و إثمه في إيقاع العقد و التصرف في لسانه الذي هو ملك للمولي لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد خصوصا النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالة علي أن معصية السيد لا تقدح بصحة العقد في غير محله بل الروايات ناطقة كما عرفت بأن الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولي و تبدله بالرضا بما فعله العبد و ليست كراهة الله عز و جل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق فكأنه قال لم يعص الله حتي يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا و إنما عصي سيده فإذا أجاز جاز فقد علق الجواز صريحا علي الإجازة. و دعوي أن تعليق الصحة علي الإجازة من جهة مضمون العقد و هو التزويج المحتاج إلي إجازة السيد إجماعا لا نفس إنشاء العقد حتي لو فرضناه للغير يكون محتاجا إلي إجازة مولي العاقد مدفوعة بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية بأن رضا المولي بفعل العبد بعد وقوعه يكفي في كل ما يتوقف علي مراجعة السيد و كان فعله من دون مراجعته أو مع النهي عنه معصية له و المفروض أن نفس العقد من هذا القبيل. ثم إن ما ذكره من عصيان العبد بتصرفه في لسانه و أنه لا يقتضي الفساد يشعر بزعم أن المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولي و فيه أولا منع حرمة هذه التصرفات الجزئية للسيرة المستمرة علي مكالمة العبيد
المكاسب، ج‌2، ص 124
و نحو ذلك من المشاغل الجزئية. و ثانيا بداهة أن الحرمة في مثل هذه لا توجب الفساد فلا يظن استناد العلماء في الفساد إلي الحرمة. و ثالثا أن الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحا في صحة العقد غير صحيح لأن مقتضاه أن التكلم إن كان معصية لله تعالي يكون مفسدا مع أنه لا يقول به أحد فإن حرمة العقد من حيث إنه تحريك اللسان كما في الصلاة و القراءة المضيقة و نحوهما لا يوجب فساد العقد إجماعا. فالتحقيق أن المستند في الفساد هو الآية المتقدمة و الروايات الواردة في عدم جواز أمر العبد و مضيه مستقلا و أنه ليس له من الأمر شي‌ء.

فرع لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه- فباعه مولاه صح و لزم

بناء علي كفاية رضا المولي الحاصل من تعريضه للبيع من إذنه الصريح بل يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني و لا يقدح عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب لأن هذا الشرط ليس علي حد غيره من الشروط المعتبرة في كل من المتعاقدين من أول الإيجاب إلي آخر القبول بل هو نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء حيث يكفي تحققه بعد الإيجاب و قبل القبول الذي بني المشتري علي إنشائه فضولا. و عن القاضي البطلان في المسألة مستدلا عليه باتحاد عبارته مع عبارة السيد فيتحد الموجب و القابل و فيه مع اقتضائه المنع لو أذن له السيد سابقا منع الاتحاد أولا و منع قدحه ثانيا هذا إذا أمره الأمر بالاشتراء من مولاه فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولي فعن جماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان أنه لا يصح لعدم الإذن من المولي. و ربما قيل بالجواز حينئذ أيضا بناء علي ما سبق منه من أن المنع لأجل النهي و هو لا يستلزم الفساد و فيه ما عرفت أن وجه المنع هو أدلة عدم استقلال العبد في شي‌ء لا منعه عن التصرف في لسانه فراجع ما تقدم و الله أعلم.

مسألة و من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع

اشارة

فعقد الفضولي لا يصح أي لا يترتب عليه ما يترتب علي عقد غيره من اللزوم و هذا مراد من جعل الملك و ما في حكمه شرطا ثم فرع عليه بأن بيع الفضولي موقوف علي الإجازة كما في القواعد فاعتراض جامع المقاصد عليه بأن التفريع في غير محله لعله في غير محله و كيف كان فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهم المسائل

[اختلاف الفقهاء في صحة عقد الفضولي و اتفاقهم علي بطلان إيقاعه

فنقول اختلف الأصحاب و غيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم علي بطلان إيقاعه كما في غاية المراد علي أقوال.

[المراد بالفضولي

و المراد بالفضولي كما ذكره الشهيد هو كامل غير المالك للتصرف و لو كان غاصبا. و في كلام بعض العامة أنه العاقد بلا إذن من يحتاج إلي إذنه و قد يوصف به نفس العقد و لعله تسامح و كيف كان فيشمل العقد الصادر من البكر الرشيدة بدون إذن الولي و من المالك إذا لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال كما يومئ إليه استدلالهم لفساد الفضولي بما دل علي المنع من نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليها و حينئذ فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحوهما و بيع العبد بدون إذن السيد

[هل العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه فضولي

و كيف كان فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا و طيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوي لأن العاقد لا يصير مالكا للتصرف و مسلطا عليه بمجرد علمه برضا المالك. و يؤيده اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليا و فرعوا عليه بيع الفضولي. و يؤيده أيضا استدلالهم علي صحة الفضولي بحديث عروة البارقي مع أن الظاهر علمه برضا النبي ص بما يفعله و إن كان الذي يقوي في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب- عدم توقفه علي الإجازة اللاحقة بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد سواء علم به العاقد أو انكشف بعد العقد حصوله حينه أو لم ينكشف أصلا فيجب علي المالك فيما بينه و بين الله تعالي إمضاء ما رضي به و يرتب الآثار عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقود. و قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. و ما دل علي علم المولي بنكاح العبد و سكوته إقرار منه و رواية عروة البارقي الآتية حيث أقبض المبيع و قبض الدينار لعلمه برضا النبي ص و لو كان فضوليا موقوفا علي الإجازة لم يجز التصرف في المعوض و العوض بالقبض و الإقباض و تقرير النبي ص له علي ما فعل دليل علي جوازه هذا مع أن كلمات الأصحاب في بعض المقامات يظهر منها خروج هذا الفرض عن الفضولي و عدم وقوفه علي الإجازة مثل قولهم في الاستدلال علي الصحة إن الشرائط كلها حاصلة إلا رضا المالك. و قولهم إن الإجازة لا يكفي فيها السكوت لأنه أعم من الرضا و نحو ذلك ثم لو سلم كونه فضوليا لكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه علي الإجازة لأنه لا دليل علي توقفه مطلقا علي الإجازة اللاحقة كما هو أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم ملكه مع أنه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما إذ وقوعه برضاه لا ينفك عن ذلك مع الالتفات ثم إنه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا مع العلم برضا السيد و لو لم يأذن له لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار و عدم منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف
ثم اعلم أن الفضولي قد يبيع للمالك و قد يبيع لنفسه و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك و قد يسبقه المنع.

فهنا مسائل ثلاث

الأولي أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك

اشارة

- و هذا هو المتيقن من عقد الفضولي

و المشهور الصحة

اشارة

بل في التذكرة نسبها إلي علمائنا تارة صريحا و أخري ظاهرا بقوله عندنا إلا أنه ذكر عقيب ذلك أن لنا فيه قولا بالبطلان. و في غاية المراد حكي الصحة عن العماني و المفيد و المرتضي و الشيخ في النهاية و سلار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و حكي عن الإسكافي و استقر عليها رأي من تأخر عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المتأخرين

[مقتضي العمومات الصحة]

لعموم أدلة البيع و العقود لأن خلوه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه و اشتراط ترتب الأثر بالرضا و توقفه عليه أيضا لا مجال لإنكاره فلم يبق الكلام إلا في اشتراط سبق الإذن و حيث لا دليل عليه فمقتضي الإطلاقات عدمه و مرجع ذلك كله إلي عموم حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد خرج منه العاري عن الإذن و
المكاسب، ج‌2، ص 125
الإجازة معا و لم يعلم خروج ما فقد الإذن و لحقه الإجازة و إلي ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر من أهله وقع في محله. فما ذكره في غاية المراد من أنه من باب المصادرات لم أتحقق وجهه لأن كون العاقد أهلا للعقد من حيث إنه بالغ عاقل لا كلام فيه و كذا كون المبيع قابلا للبيع فليس محل الكلام إلا خلو العقد عن مقارنة إذن المالك و هو مدفوع بالأصل و لعل مراد الشهيد أن الكلام في أهلية العاقد و يكتفي في إثباتها بالعموم المتقدم.

[الاستدلال للصحة بقضية عروة البارقي و المناقشة فيه

و قد اشتهر الاستدلال عليه: بقضية عروة البارقي حيث دفع إليه النبي ص دينارا و قال له اشتر لنا به شاة للأضحية فاشتري به شاتين ثم باع إحداهما في الطريق بدينار فأتي النبي ص بالشاة و الدينار فقال له رسول الله ص بارك الله لك في صفقة يمينك فإن بيعه وقع فضولا و إن وجهنا شراءه علي وجه يخرج عن الفضولي- هذا و لكن لا يخفي أن الاستدلال بها يتوقف علي دخول المعاملة- المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي. توضيح ذلك أن الظاهر علم عروة برضا النبي ص بما يفعل و قد أقبض المبيع و قبض الثمن و لا ريب أن الإقباض و القبض في بيع الفضولي حرام لكونه تصرفا في مال الغير فلا بد إما من التزام أن عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض و هو مناف لتقرير النبي ص و إما من القول بأن البيع الذي يعلم تعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء علي كون الإجازة كاشفة و سيجي‌ء ضعفه فيدور الأمر بين ثالث و هو جعل هذا الفرد من البيع و هو المقرون برضا المالك خارجا عن الفضولي كما قلناه. و رابع و هو علم عروة برضا النبي ص بإقباض ماله للمشتري حتي يستأذن و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الأمانة و إلا فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا فلا يستحق قبض المال فلو كان المشتري عالما فله أن يستأمنه علي الثمن حتي ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا و لكن الظاهر هو أول الوجهين كما لا يخفي خصوصا بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة علي جهة المعاطاة- . و قد تقدم أن المناط فيها مجرد المراضاة و وصول كل من العوضين إلي صاحب الآخر و حصوله عنده بإقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضا المالكين ثم وصل كل من العوضين إلي صاحب الآخر و علم برضا صاحبه كفي في صحة التصرف و ليس هذا من معاملة الفضولي لأن الفضولي صار آلة في الإيصال و العبرة برضا المالك المقرون به

[الاستدلال للصحة بصحيحة محمد بن قيس

اشارة

و استدل له أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمد ابن قيس عن أبي جعفر الباقر ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر فقال وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال ع الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها فقال له خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتي ينفذ البيع لك فلما رءاه أبوه قال له أرسل ابني قال لا و الله لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه الحديث قال في الدروس و فيها دلالة علي صحة الفضولي و أن الإجازة كاشفة

[المناقشة في الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

و لا يرد عليها شي‌ء مما يوهن الاستدلال بها فضلا عن أن يسقطها و جميع ما ذكر فيها من الموهنات موهونة- إلا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد من جهة ظهور المخاصمة في ذلك. و إطلاق حكم الإمام ع بتعيين أخذ الجارية و ابنها من المالك بناء علي أنه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرد و مناشدة المشتري للإمام ع و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده. و قوله حتي ترسل ابني الظاهر في أنه حبس الولد و لو علي قيمته يوم الولادة و حمل إمساكه الوليدة علي حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها علي القيمة ينافيه قوله ع فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الوليدة. و الحاصل أن ظهور الرواية في رد البيع أولا مما لا ينكره المنصف إلا أن الإنصاف أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للإنكار فلا بد من تأويل ذلك الظاهر لقيام القرينة و هي الإجماع علي اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد. و الحاصل أن مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها علي تصحيح بيع الفضولي بالإجازة بناء علي قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي كان ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا للاقتصار علي موردها لوجه علمه الإمام ع مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوي عدم الإذن للولد فاحتال ع حيلة يصل بها الحق إلي صاحبه

[توجيه الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

و أما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير ع في قوله خذ ابنه حتي ينفذ لك البيع. و قول الباقر ع في مقام الحكاية فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه في أن للمالك أن يجيز العقد الواقع علي ملكه و ينفذه لم يقدح في ذلك ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الرد فيئول ما يظهر منه الرد بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرد أو كون حبس الوليدة علي الثمن أو نحو ذلك و كأنه قد اشتبه مناط الاستدلال علي من لم يستدل بها في مسألة الفضولي أو يكون الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة فإنها لا تزيد علي الإشعار- و لذا لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي بل ذكرها في موضع آخر لكن الفقيه في غني عنه بعد العمومات المتقدمة.

[الاستدلال لصحة بيع الفضولي بفحوي صحة نكاحه

اشارة

و ربما يستدل أيضا بفحوي صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر و العبد- الثابتة بالنص و الإجماعات المحكية فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولي بذلك مضافا إلي ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح لأنه يكون منه الولد كما في بعض الأخبار. و قد أشار إلي هذه الفحوي في غاية المراد و استدل بها في الرياض بل قال إنه لولاها أشكل الحكم من جهة الإجماعات المحكية علي المنع و هو حسن

[المناقشة في الاستدلال المذكور]

إلا أنها ربما توهن بالنص الوارد في الرد علي العامة- الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني لأن المال له عوض و البطلان في الأول لأن البضع ليس له عوض: حيث قال الإمام ع في مقام ردهم و اشتباههم في وجه الفرق سبحان الله ما أجور هذا الحكم و أفسده فإن
المكاسب، ج‌2، ص 126
النكاح أولي و أجدر أن يحتاط فيه لأنه الفرج و منه يكون الولد الخبر و حاصله أن مقتضي الاحتياط كون النكاح الواقع أولي بالصحة من حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره فدل علي أن صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولي خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح فمقتضي حكم الإمام ع أن صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم صحة النكاح الواقع بطريق أولي و حينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلي صحة البيع لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية و إلا لم يتحقق الأولوية كما لا يخفي. فالاستدلال بصحة النكاح علي صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولي بالبطلان من جهة أن البضع غير قابل للتدارك بالعوض بقي الكلام في وجه جعل الإمام ع الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله مستدلا بأنه يكون منه الولد أن الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين و لا احتياط في البين و يمكن أن يكون الوجه في ذلك أن إبطال النكاح في مقام الإشكال و الاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين علي تقدير الصحة واقعا فتتزوج المرأة و يحصل الزني بذات البعل- بخلاف إبقائه فإنه علي تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلا وطء المرأة الخالية عن المانع و هذا أهون من وطء ذات البعل. فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا و كيف كان فمقتضي هذه الصحيحة أنه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب ذلك التعدي إلي الحكم بصحة بيع الفضولي. نعم لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح لأن النكاح أولي بعدم الإبطال كما هو نص الرواية ثم إن الرواية و إن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي إلا أن المستفاد منها قاعدة كلية هي أن إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح من دون العكس الذي هو مبني الاستدلال في مسألة الفضولي-

[ما يؤيد صحة بيع الفضولي

[ما ورد في المضاربة]

هذا ثم إنه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة- مثل موثقة جميل عن أبي عبد الله ع: في رجل دفع إلي رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشتري غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرطه. و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب فإنها إن أبقيت علي ظاهرها من عدم توقف ملك الربح علي الإجازة كما نسب إلي ظاهر الأصحاب و عد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص كما في المسالك و غيره كان فيها استيناس لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلي غيره و إن حملناها علي صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو الغالب. و بمقتضي الجمع بين هذه الأخبار و بين ما دل علي اعتبار رضا المالك في نقل ماله و النهي عن أكل المال بالباطل- اندرجت المعاملة في الفضولي و صحتها في خصوص المورد و إن احتمل كونها للنص الخاص إلا أنها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

[ما ورد في اتجار غير الولي في مال اليتيم

و من هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم و أن الربح لليتيم فإنها إن حملت علي صورة إجازة الولي كما هو صريح جماعة تبعا للشهيد كان من أفراد المسألة و إن عمل بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدمهم خرجت عن مسألة الفضولي لكن يستأنس بها للمسألة بالتقريب المتقدم و ربما احتمل دخولها في المسألة من حيث إن الحكم بالمضي إجازة إلهية لاحقه للمعاملة فتأمل.

[رواية ابن أشيم

و ربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن أشيم الواردة: في العبد المأذون الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة و يعتقها و يحجه عن أبيه فاشتري أباه و أعتقه ثم تنازع مولي المأذون و مولي الأب و ورثة الدافع و ادعي كل منهم أنه اشتراه بماله فقال أبو جعفر ع يرد المملوك رقا لمولاه و أي الفريقين أقاموا البينة بعد ذلك علي أنه اشتراه بماله كان رقا له الخبر بناء علي أنه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال- في تملك المبيع بعد مطالبتهم المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوي الشراء بالمال و لا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع.

[صحيحة الحلبي

و مما تؤيد المطلب أيضا صحيحة الحلبي: عن الرجل يشتري ثوبا و لم يشترط علي صاحبه شيئا- فكرهه ثم رده علي صاحبه فأبي أن يقبله إلا بوضيعة قال لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد علي صاحبه الأول ما زاد فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا علي صحة بيع الفضولي لنفسه.

[موثقة عبد الله

و يمكن التأييد له أيضا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق فيشترط عليه أنك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته و ما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت و دع ما كرهت قال لا بأس الخبر بناء علي أن الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه ليكون الورق عليه قرضا فيبيع علي صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة و يوفيه دينه. و لا ينافي هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر لأن وصفه بذلك باعتبار أصل حرفته و شغله لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. و يحتمل أن يكون لصاحب الورق بإذنه مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره و يحتمل أن يكون فضوليا عن صاحب الورق فيتخير ما يريد و يرد ما يكره و ليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسمسار علي وجه ينافي كونه فضوليا كما لا يخفي فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه و حكم الإمام ع بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم علي جميع الاحتمالات.

[أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه

و ربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده. و حاصله أن المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجي زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا و هو عصيان الله تعالي. و أما المانع الذي يرجي زواله كعصيان السيد فبزواله يصح العقد و رضا المالك من هذا القبيل فإنه لا يرضي أولا و يرضي ثانيا بخلاف سخط الله عز و جل بفعل فإنه يستحيل رضاه

[مختار المؤلف الصحة]

هذا غاية ما يمكن أن يحتج و يستشهد به للقول بالصحة و بعضها و إن كان مما يمكن الخدشة فيه إلا أن في بعضها الآخر غني و كفاية

و احتج للبطلان بالأدلة الأربعة.

أما الكتاب

فقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد علي أن غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض غير
المكاسب، ج‌2، ص 127
مبيح لأكل مال الغير و إن لحقها الرضا و من المعلوم أن الفضولي غير داخل في المستثني و فيه أن دلالته علي الحصر ممنوعة لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ و صريح المحكي عن جماعة من المفسرين ضرورة عدم كون التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه. و أما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد فهو مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخري ككونه واردا مورد الغالب كما فيما نحن فيه. و في قوله تعالي وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مع احتمال أن يكون عن تراض خبرا بعد خبر لتكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها و إن كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد فيكون المعني إلا أن يكون سبب الأكل تجارة و يكون عن تراض و من المعلوم أن السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي إنما نشأ عن التراضي مع أن الخطاب لملاك الأموال و التجارة في الفضولي إنما تصير تجارة المالك بعد الإجازة فتجارته عن تراض. و قد حكي عن المجمع أن مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم أن معني التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد و لعله يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبرا بعد خبر

و أما السنة

اشارة

فهي أخبار منها النبوي المستفيض: و هو قوله ص لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك- فإن عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه علي تسليمه لعدم تملكه فيكون مساوقا للنبوي الآخر: لا بيع إلا فيما يملك بعد قوله ص لا طلاق إلا فيما يملك و لا عتق إلا فيما يملك و لما ورد في توقيع العسكري ع إلي الصفار: لا يجوز بيع ما ليس يملك و ما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله: أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه و ما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد: في أرض بفم النيل اشتراها رجل و أهل الأرض يقولون هي أرضنا و أهل الأستان يقولون هي أرضنا فقال لا تشترها إلا برضا أهلها و ما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل: في رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها قال قل له ليمنعها أشد المنع فإنها باعت ما لم تملكه

[المناقشة في الاستدلال بالروايات

و الجواب عن النبوي أولا أن الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للإجماع و النص علي جواز بيع الكلي و من البيع البيع لنفسه لا عن مالك العين و حينئذ فإما أن يراد بالبيع مجرد الإنشاء فيكون دليلا علي عدم جواز بيع الفضولي لنفسه فلا يقع له و لا للمالك بعد إجازته و إما أن يراد ما عن التذكرة من أن يبيع عن نفسه ثم يمضي ليشتريه من مالكه قال لأنه ص ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي و يشتريه و يسلمه فإن هذا البيع غير جائز و لا نعلم فيه خلافا للنهي المذكور و للغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها انتهي. و هذا المعني يرجع إلي المراد من روايتي خالد و يحيي الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه و يكون بطلان البيع بمعني عدم وقوع البيع للبائع بمجرد انتقاله إليه بالشراء فلا ينافي أهليته لتعقب الإجازة من المالك. و بعبارة أخري نهي المخاطب عن البيع دليل علي عدم وقوعه مؤثرا في حقه فلا يدل علي الغاية بالنسبة إلي المالك حتي لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له و هذا المعني أظهر من الأول و نحن نقول به كما سيجي‌ء. و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع لكنها بالعموم فيجب تخصيصه بما تقدم من الأدلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز. و بما ذكرناه من الجوابين يظهر الجواب عن دلالة قوله لا بيع إلا في ملك فإن الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه و أن النفي راجع إلي نفي الصحة في حقه لا في حق المالك مع أن العموم لو سلم وجب تخصيصه بما دل علي وقوع البيع للمالك إذا أجاز. و أما الروايتان فدلالتهما علي ما حملنا عليه السابقين أوضح و ليس فيهما ما يدل و لو بالعموم علي عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز. و أما الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع فإنما هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض و الضيعة رأسا علي ما يقتضيه السؤال فيهما. و توضيحه أن النهي في مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد إلا أنه بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه. و من المعلوم أن عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه و لذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا و لذا عد في الشرائع و القواعد من شروط المتعاقدين أعني شروط الصحة كون العاقد مالكا أو قائما مقامه و إن أبيت إلا عن ظهور الروايتين في لغوية عقد الفضولي رأسا وجب تخصيصهما بما تقدم من أدلة الصحة. و أما رواية القاسم بن فضيل فلا دلالة فيها إلا علي عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي لأنه باع ما لا يملك و هذا حق لا ينافي صحة الفضولي. و أما توقيع الصفار فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك بمعني وقوعه للبائع علي جهة الوجوب و اللزوم و يؤيده تصريحه ع بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك فلا دلالة علي عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز. و بالجملة فالإنصاف أنه لا دلالة في تلك الأخبار بأسرها علي عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز و لا تعرض فيها إلا لنفي وقوعه للعاقد.

الثالث الإجماع علي البطلان

ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا بأن الصحة مذهب قوم من أصحابنا معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم و ادعاه ابن زهرة أيضا في الغنية و ادعي الحلي في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشتري بعين المغصوب و الجواب عدم الظن بالإجماع بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين و المفيد و المرتضي و الشيخ بنفسه في النهاية التي هي آخر مصنفاته علي ما قيل و أتباعهم إلي الصحة و أتباع المتأخرين عليه عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين.

الرابع ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه

اشارة

فإن الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف ففي التوقيع المروي في الاحتجاج: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه و لا ريب أن بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

[المناقشة في دليل العقل

و الجواب أن العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتب الآثار عليها ليس تصرفا فيه. نعم لو فرض كون العقد علة تامة و لو عرفا لحصول الآثار كما في بيع المالك أو الغاصب المستقل كان حكم العقد جوازا و
المكاسب، ج‌2، ص 128
منعا حكم معلولة المترتب عليه ثم لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه- مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال بناء علي أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي مع أن تحريمه لا يدل علي الفساد مع أنه لو دل لدل علي بطلان البيع بمعني عدم ترتب الأثر عليه و عدم استقلاله في ذلك و لا ينكره القائل بالصحة خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة. و مما ذكرنا ظهر الجواب عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري بناء علي أن العقد المقرون بهذا القصد قبيح محرم لا نفس القصد المقرون بهذا العقد.

و قد يستدل للمنع بوجوه أخر ضعيفة

أقواها أن القدرة علي التسليم معتبرة في صحة البيع و الفضولي غير قادر و أن الفضولي غير قاصد حقيقة إلي مدلول اللفظ كالمكره كما صرح في المسالك. و يضعف الأول مضافا إلي أن الفضولي قد يكون قادرا علي إرضاء المالك بأن هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا بل يكفي تحققه في المالك فحينئذ يشترط في صحة العقد مع الإجازة قدرة المجيز علي تسليمه و قدرة المشتري علي تسليمه علي ما سيجي‌ء. و يضعف الثاني بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره لا أزيد منه بدليل الإجماع علي صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق فإن دعوي عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع كما تري.

المسألة الثانية أن يسبقه منع من المالك

و المشهور أيضا صحته

و حكي عن فخر الدين أن بعض المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك و يلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي: أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر بعد تضعيف السند علي أنه إن نكح بعد منع مولاه و كراهته فإنه يقع باطلا و الظاهر أنه لا يفرق بين النكاح و غيره. و يظهر من المحقق الثاني حيث حمل فساد بيع الغاصب نظرا إلي القرينة الدالة علي عدم الرضا و هي الغصب و كيف كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا عدا تخيل أن المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة المختصة بغير المقام و أن العقد إذا وقع منهيا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد فلا ينفع الإجازة اللاحقة بناء علي أنه لا يعتبر في الرد سوي عدم الرضا الباطني بالعقد علي ما يقتضيه حكم بعضهم بأنه إذا حلف الموكل علي نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد لأن الحلف عليه أمارة عدم الرضا

[مختار المؤلف و دليله

هذا و لكن الأقوي عدم الفرق لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة و كفاية العمومات مضافا إلي ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس و جريان فحوي أدلة نكاح العبد بدون إذن مولاه مع ظهور المنع فيها و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد مع أن رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد حينئذ مع جريان المؤيدات المتقدمة له من بيع مال اليتيم و المغصوب و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح في منعه عما عداه. و أما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما فلم يدل دليل علي كونه فسخا لا ينفع بعده الإجازة. و ما ذكره في حلف الموكل غير مسلم و لو سلم فمن جهة ظهور الإقدام علي الحلف علي ما أنكره في رد البيع و عدم تسليمه له. و مما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا و أن كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا تقدح في حصته إذا لحقه الإجازة.

المسألة الثالثة أن يبيع الفضولي لنفسه

اشارة

و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب و قد يتفق من غيره بزعم ملكية المبيع كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة

[الأقوي الصحة و الدليل عليه

و الأقوي فيه الصحة وفاقا للمشهور للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم و فحوي الصحة في النكاح و أكثر ما تقدم من المؤيدات مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة

[الإشكال علي صحة هذا البيع من وجوه

اشارة

و لا وجه للفرق بينه و بين ما تقدم من الفضولي للمالك إلا وجوه تظهر من كلمات جماعة بعضها مختص ببيع الغاصب و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة

منها إطلاق ما تقدم من النبويين:

لا تبع ما ليس عندك و: لا بيع إلا في ملك بناء علي اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه. و الجواب عنه يعرف مما تقدم من أن مضمونهما عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه غير المالك بلا تعرض فيهما لوقوعه و عدمه بالنسبة إلي المالك إذا أجاز.

و منها بناء المسألة علي ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك

و هذا غالبا مفقود في المغصوب و قد تقدم عن المحقق الكركي أن الغصب قرينة عدم الرضا و فيه أولا أن الكلام في الأعم من بيع الغاصب. و ثانيا أن الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا فقد يرضي المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة و تملك الثمن فليس في الغصب دلالة علي عدم الرضا بأصل البيع بل الغاصب و غيره من هذه الجهة سواء. و ثالثا قد عرفت أن سبق منع المالك غير مؤثر.

و منها أن الفضولي إذا قصد إلي بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة

إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة فحقيقته ترجع إلي إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه و هذا ليس بيعا و الجواب عن ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب- أن قصد المعاوضة الحقيقية مبني علي جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي هذا الأمر غير الحقيقي حقيقية نظير المجاز الادعائي في الأصول. نعم لو باع لنفسه من دون بناء علي ملكية المثمن و لا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للمالك لعدم تحقق معني المعاوضة و لذا ذكروا أنه لو اشتري بماله لغيره شيئا بطل و لم يقع له و لا لغيره و المراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه و قد تخيل بعض المحققين أن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام و هو ما لو باع مال غيره لنفسه لأنه عكسه و قد عرفت أن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد لتملك المثمن لأن مفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز.

و منها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فإن تعلقت إجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد

لأن معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته و إن تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا إمضاء النقل الفضولي فيكون النقل من المنشئ غير مجاز و المجاز غير منشأ و قد أجاب عن هذا المحقق القمي رحمه الله في بعض أجوبة مسائله بأن الإجازة في هذه الصورة مصححة للبيع لا بمعني لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود بل بمعني تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك
المكاسب، ج‌2، ص 129
و وقوع البيع عنه و قال نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه. و قد صرح في موضع آخر بأن حاصل الإجازة يرجع إلي أن العقد الذي قصد إلي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي فيكون عقدا جديدا كما هو أحد الأقوال في الإجازة و فيه أن الإجازة علي هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري لأن المفروض عدم رضا المشتري ثانيا بالمذكور و لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز فالمشتري إنما رضي بذلك الإيجاب المغاير لمؤدي الإجازة فإذا التزم يكون مرجع الإجازة إلي تبديل عقد بعقد و بعدم الحاجة إلي قبول المشتري ثانيا فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري و هذا خلاف الإجماع و العقل. و أما القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم- و إنما حكي كاشف الرموز عن شيخه أن الإجازة من مالك المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع فهو [بيع قائم مقام إيجاب البائع و ينضم إليه القبول المتقدم من المشتري و هذا لا يجري فيما نحن فيه لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملك المبيع منه فإذا بني علي كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر فالاكتفاء عنه بمجرد إجازة البائع الراجعة إلي تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضا البائع و إنشائه عن رضا المشتري و إنشائه و هذا ما ذكرناه من أنه خلاف الإجماع و العقل فالأولي في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. و توضيحه أن البائع الفضولي إنما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن و أما كون الثمن مالا له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه إلي ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمعني المعاوضة و المبادلة و حيث إن البائع يملك المثمن بانيا علي تملكه له و تسلطه عليه عدوانا أو اعتقادا لزم من ذلك بناؤه علي تملك الثمن و التسلط عليه و هذا معني قصد بيعه لنفسه و حيث إن المثمن ملك لمالكه واقعا فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه فعلم من ذلك أن قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتي يتردد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه المعوض إلا باقتضاء المعاوضة لذلك و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير فقال للبائع الأصيل تملكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم فإن مفهوم هذا الإنشاء هو تملك الفضولي للثوب فلا مورد لإجازة مالك الدراهم علي وجه ينتقل الثوب إليه فلا بد من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب. و بالجملة فنسبة المتكلم الفضولي تملك المثمن إلي نفسه بقوله ملكت أو تملكت كإيقاع المتكلم الأصلي التمليك علي المخاطب الفضولي بقوله ملكتك هذا بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك و بهذا استشكل العلامة رحمه الله عليه في التذكرة حيث قال لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد و لا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته لأنه حينئذ إنما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعم من كونه أصليا أو نائبا و لذا يجوز مخاطبته و إسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا و ليس إلا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا فإذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره علي الوجه الأعم من كونه نائبا أو أصليا أما الفضولي فهو أجنبي عن المالك لا يمكن فيه ذلك الاعتبار و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الإشكال في بعض كلماته فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه مع أنه لا يخفي مخالفته للفتاوي و أكثر النصوص المتقدمة في المسألة كما اعترف به أخيرا و أخري بأن الإجازة إنما تتعلق بنفس مبادلة العوضين و إن كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها و فيه أن حقيقة العقد في العبارة التي ذكرنا في الإشكال أعني قول المشتري الغاصب تملكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم ليس إلا إنشاء تملكه للمبيع فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملك المالك الأصلي له بل يتوقف علي نقل مستأنف. فالأنسب في التفصي أن يقال إن نسبة الملك إلي الفضولي العاقد لنفسه في قوله تملكت منك أو قول غيره له ملكتك ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا و
لذا لو عقد لنفسه من دون البناء علي مالكيته للثمن التزمنا بلغويته ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بإزاء مال غيره فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادعائيا فلو لم يكن أحدهما و عقد لنفسه لم تتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه تملكت منك كذا و كذا فالمنسوب إليه التملك إنما هو المتكلم لا من حيث هو بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا و حيث إن الثابت للشي‌ء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن إلا أن الفضولي لما بني علي أنه المالك المسلط علي الثمن أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن إلي نفسه فالإجازة الحاصلة من المالك متعلقة بإنشاء الفضولي و هو التملك المسند إلي مالك الثمن و هو حقيقة نفس المجيز فيلزم من ذلك انتقال المثمن إليه هذا مع أنه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة للعقد الفضولي- موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي- ذكره شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد و تبعه غير واحد من أجلاء تلامذته و ذكر بعضهم في ذلك وجهين أحدهما أن قضية بيع مال الغير عن نفسه أو الشراء بمال الغير لنفسه جعل ذلك المال له ضمنا حتي أنه علي فرض صحة ذلك البيع أو الشراء تملكه قبل آن انتقاله إلي غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال أعتق عبدك عني أو قال بع مالي عنك أو اشتر لك بمالي كذا فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء. و نقول في المقام أيضا إذا أجاز المالك صح البيع أو الشراء و صحته تتضمن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق
المكاسب، ج‌2، ص 130
قاضية بتملكه المبيع ليقع البيع في ملكه و لا مانع منه. الثاني أنه لا دليل علي اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه أو الشراء به فلو قال بع هذا لنفسك أو اشتر لك بهذا ملك الثمن في الصورة الأولي بانتقال المبيع عن مالكه إلي المشتري و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية و يتفرع عليه أنه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك إلي مالكه دون العاقد. أقول و في كلا الوجهين نظر أما الأول فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة كما تقدم في بعض فروع المعاطاة مع أن قياس الإجازة علي الإذن قياس مع الفارق لأن الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع بخلاف الإجازة فإنها لا تتعلق إلا بما وقع سابقا و المفروض أنه لم يقع إلا مبادلة مال الغير بمال آخر. نعم لما بني هو علي ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه فالإجازة من المالك إن رجعت إلي نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز و إن رجعت إلي المبادلة منضمة إلي بناء العاقد علي تملك المال فهي و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد إلا أن مرجع هذا إلي إجازة ما بني عليه العاقد من التملك و إمضائه له إذ بعد إمضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل إلا أن من المعلوم عدم الدليل علي تأثير الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقة شرعا بل الدليل علي عدمه لأن هذا مما لا يؤثر فيه الإذن لأن الإذن في التمليك لا يؤثر التملك فكيف إجازته. و أما الثاني فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة و لذا صرح العلامة رحمه الله في غير موضع من كتبه تارة بأنه لا يتصور و أخري بأنه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئا بل ادعي بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن اشتر لنفسك به طعاما و قد صرح به الشيخ و المحقق و غيرهما. نعم سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب أن ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما أن الغاصب مسلط علي الثمن و أن لم يملكه فإذا اشتري به شيئا ملكه و ظاهر هذا إمكان أن لا يملك الثمن و يملك المثمن المشتري إلا أن يحمل ذلك منهم علي التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا- كما نسبه الفخر رحمه الله إلي الأصحاب أو آنا ما قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا للشراء و كيف كان فالأولي في التفصي عن الإشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا
ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة إنما هو إلي مالك المعوض لكنه بحسب بناء الطرفين علي مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة البيع لنفسه مختص بصورة علم المشتري الأصيل و هو أن المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا فقد حكم الأصحاب علي ما حكي عنهم بأن المالك لو رد فليس للمشتري الرجوع علي البائع بالثمن و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية و إلا لكان ردها موجبا لرجوع كل عوض إلي مالكه و حينئذ فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن لسبق اختصاص الغاصب به فيكون البيع بلا ثمن و لعل هذا هو الوجه في إشكال العلامة في التذكرة حيث قال بعد إشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري أن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل انتهي أقول هذا الإشكال بناء علي تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس للمشتري استرداد الثمن مع رد المالك و بقائه و بعد تسليم أن الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط علي تقديري الرد و الإجازة لأن التسليط المراعي بعدم إجازة البيع إنما يتوجه علي القول بالنقل حيث إن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله إلي مالك المبيع بالإجازة فلا يبقي مورد للإجازة. و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه إشكال أصلا لأن الرد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له علي مال نفسه و الإجازة كاشفة عن كونه تسليطا له علي ما يملكه غيره بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالإقباض و لذا لو لم يقبضه الثمن حتي أجاز المالك أورد لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك فانتظر ثم اعلم أن الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره إنما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز و هو الذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه. و أما الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع و أجاز سواء باع لنفسه أو للمالك فلا دخل له بما نحن فيه لأن الكلام هنا في وقوع البيع للمالك و هناك في وقوعه للعاقد إذا ملك و من هنا يعلم أن ما ذكره في الرياض من أن بيع الفضولي لنفسه باطل و نسب إلي التذكرة نفي الخلاف فيه في غير محله إلا أن يريد ما ذكرناه و هو خلاف ظاهر كلامه.

بقي هنا أمران

الأول أنه لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو دينا أو في ذمة الغير

و منه جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير ثم إن تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي- إما بإضافة الذمة إلي الغير بأن يقول بعت كرا من طعام في ذمة فلان بكذا أو بعت هذا بكذا في ذمة فلان و حكمه أنه لو أجاز فلان يقع العقد له و إن رد بطل رأسا و إما بقصده العقد له فإنه إذا قصده في العقد تعين كونه صاحب الذمة لما عرفت من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر إلا علي احتمال ضعيف تقدم عن بعض فكما أن تعيين العوض في الخارج يعني عن قصد من وقع له العقد كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلي ذمة شخص خاص و حينئذ فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد و إن رد فمقتضي القاعدة بطلان العقد واقعا- لأن مقتضي رد العقد بقاء كل عوض علي ملك صاحبه إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و بين من وقع له العقد- فلا معني لخروجه عن ملك مالكه و تردده بين الفضولي و من وقع له العقد إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج إلي إجازة و وقع له إلا أن الطرف الآخر لو لم يصدقه علي هذا القصد و حلف علي نفي العلم حكم له علي الفضولي لوقوع العقد له ظاهرا كما عن المحقق و فخر الإسلام و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد
المكاسب، ج‌2، ص 131
الثاني. و قد يظهر من إطلاق بعض الكلمات كالقواعد و المبسوط وقوع العقد له واقعا و قد نسب ذلك إلي جماعة في بعض فروع المضاربة حيث عرفت أن قصد البيع للغير- أو إضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي إلي ذمة ذلك الغير كما أن إضافة الكلي إليه توجب صرف البيع أو الشراء إليه و إن لم يقصده أو لم يضفه إليه ظهر من ذلك التنافي بين إضافة البيع إلي غيره و إضافة الكلي إلي نفسه أو قصده من غير إضافة و كذا بين إضافة البيع إلي نفسه و إضافة الكلي إلي غيره فلو جمع بين المتنافيين بأن قال اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان ففي الأول يحتمل البطلان لأنه في حكم شراء شي‌ء للغير بعين ماله و يحتمل إلغاء أحد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو لغيره و في الثاني يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير فيقع للغير بعد إجازته لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء علي التملك في ذمة الغير اعتقادا و يحتمل الصحة بإلغاء قيد ذمة الغير لأن تقييد الشراء أولا بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من إضافة الذمة إلي الغير و المسألة تحتاج إلي تأمل. ثم إنه قال في التذكرة لو اشتري فضوليا فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان أو الوقف علي الإجازة إلا أن أبا حنيفة قال يقع للمشتري بكل حال و إن كان في الذمة لغيره و أطلق اللفظ. قال علماؤنا يقف علي الإجازة فإن أجازه صح و لزمه أداء الثمن و إن رد نفذ عن المباشر. و به قال الشافعي في القديم و أحمد و إنما يصح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره و إنما توقف علي الإجازة لأنه عقد الشراء له فإن أجازه لزمه و إن رده لزم لمن اشتراه و لا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا. و قال أبو حنيفة يقع عن المباشر و هو جديد للشافعي انتهي و ظاهره الاتفاق علي وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا كما يشعر به تعليله بقوله لأنه تصرف في ذمته لا في مال الغير لكن أشرنا سابقا إجمالا إلي أن تطبيق هذا علي القواعد مشكل لأنه إن جعل المال في ذمته بالأصالة فيكون ما في ذمته كعين ماله فيكون كما لو باع عين ماله لغيره. و الأوفق بالقواعد في مثل هذا إما البطلان لو عمل بالنية بناء علي أنه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا و إما صحته و وقوعه لنفسه لو ألغيت النية بناء علي انصراف المعاملة إلي مالك العين قهرا و إن نوي خلافه و إن جعل المال في ذمته لا من حيث الأصالة بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا فمع الإشكال في صحة هذا لو لم يرجع إلي الشراء في ذمة الغير أن اللازم من هذا أن الغير إذا رد هذه المعاملة و هذه النيابة تقع فاسدة من أصلها لا أنها تقع للمباشر. نعم إذا عجز المباشر من إثبات ذلك علي البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا و نص عليه جماعة من باب التوكيل و كيف كان فوقوع المعاملة في الواقع مرددة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد و يمكن تنزيل العبارة علي الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.

الثاني الظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين البيع العقدي و المعاطاة

بناء علي إفادتها للملك إذ لا فارق بينها و بين العقد فإن التقابض بين الفضوليين أو فضولي و أصيل إذا وقع بنية التمليك و التملك فأجازه المالك فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الإجازة فعموم مثل قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ شامل و يؤيده رواية عروة البارقي حيث إن الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة و توهم الإشكال فيه من حيث إن الإقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير فلا يترتب عليه أثر في غير محله إذ قد لا يحتاج إلي إقباض مال الغير كما لو اشتري الفضولي لغيره في الذمة مع أنه قد يقع الإقباض مقرونا برضا المالك- بناء علي ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي مع أن النهي لا يدل علي الفساد- مع أنه لو دل لدل علي عدم ترتب الأثر المقصود و هو استقلال الإقباض في السببية فلا ينافي كونه جزء سبب و ربما يستدل علي ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك و هما من وظائف المالك و لا يتصور صدورهما من غيره و لذا ذكر الشهيد الثاني أن المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول و ذكر أن قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين و لا أثر لهما إلا إذا صدرا من المالك أو بإذنه. و فيه أن اعتبار الإقباض و القبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها إنما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة فهو عندهم من الأسباب الفعلية كما صرح الشهيد في قواعده و المعاطاة عندهم عقد فعلي و لذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها أن البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي و حينئذ فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه المعني القائم بنفسه المقصود من قوله ملكتك و اعتبار مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حل مال الغير لا يخلو عن تحكم. و ما ذكره الشهيد الثاني لا يجدي فيما نحن فيه لأنا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد الموجود في قوله لعدم الدليل و لو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضا إلا أن يقال إن مقتضي الدليل ذلك- خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول لكنك قد عرفت أن عقد الفضولي ليس علي خلاف القاعدة. نعم لو قلنا إن المعاملة لا يعتبر فيها قبض و لو اتفق معها بل السبب المستقل هو تراضي المالكين بملكية كل منهما لمال صاحبه مطلقا أو مع وصولهما أو وصول أحدهما لم يعقل وقوعها من الفضولي. نعم الواقع منه إيصال المال و المفروض أنه لا مدخل له في المعاملة فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقه لكن الإنصاف أن هذا المعني غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة إنما قصدهم إلي العقد الفعلي هذا كله علي القول بالملك. و أما علي القول بالإباحة فيمكن القول ببطلان الفضولي لأن إفادة المعاملة المقصود بها الملك الإباحة خلاف القاعدة فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين مع أن حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن و الآثار الأخر مثل بيع المال علي القول بجواز مثل هذا التصرف إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية لم تؤثر أثرا فإذا أجاز حدث
المكاسب، ج‌2، ص 132
الإباحة من حين الإجازة اللهم إلا أن يقال بكفاية وقوعها مع الإباحة الواقعية إذا كشف عنها الإجازة فافهم

القول في الإجازة و الرد

أما الكلام في الإجازة

اشارة

فيقع تارة في حكمها و شروطها و أخري في المجيز و ثالثة في المجاز

أما حكمها

[هل الإجازة كاشفة أم ناقلة]

[هل الإجازة كاشفة أم ناقلة]
فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم علي توقفها علي الإجازة في كونها كاشفة بمعني أنه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتي كأن الإجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة بمعني ترتب آثار العقد من حينها حتي كأن العقد وقع حال الإجازة علي قولين

[الأكثر علي الكشف و استدلالهم عليه

اشارة

[الأكثر علي الكشف و استدلالهم عليه
فالأكثر علي الأول و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة بأن العقد سبب تام في الملك لعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة فإذا أجاز تبين كونه تاما يوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي‌ء آخر و بأن الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه و ليس إلا نقل العوضين من حينه

[ما استدل به فخر الدين للأكثر]

[ما استدل به فخر الدين للأكثر]
و عن فخر الدين في الإيضاح الاحتجاج لهم بأنها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود- لأن العقد حالها عدم انتهي.

[المناقشات التي يذكر علي القول بالكشف

[المناقشات التي يذكر علي القول بالكشف
و يرد علي الوجه الأول أنه إن أريد بكون العقد سببا تاما كونه علة تامة للنقل إذا صدر عن رضا المالك فهو مسلم إلا أن بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب و لا يتبين كونه تاما إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا غاية الأمر أن لازم صحة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن فيكون لها دخل في تمامية السبب كالرضا المقارن فلا معني لحصول الأثر قبله و منه يظهر فساد تقرير الدليل بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط و كلها حاصلة إلا رضا المالك فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله فإنه إذا اعترف أن رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله. و دعوي أن الشروط الشرعية ليست كالعقلية بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم السبب علي السبب كغسل الجمعة يوم الخميس و إعطاء الفطرة قبل وقتها فضلا عن تقدم المشروط علي الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة و كغسل العشائين لصوم اليوم الماضي علي القول به مدفوعة بأنه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره و تكثير الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي فهي كدعوي أن التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما لأن النقيض الشرعي غير العقلي. فجميع ما ورد مما يوهم ذلك أنه لا بد من التزام أن المتأخر ليس سببا أو شرطا بل السبب و الشرط هو الأمر المنتزع من ذلك لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه بأن يقال إن الشرط تعقب الإجازة و لحوقها بالعقد و هذا أمر مقارن للعقد علي تقدير الإجازة لمخالفته الأدلة اللهم إلا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه علي لحوقه و هذا مع أنه لا يستحق إطلاق الشرط عليه غير صادق علي الرضا لأن المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله لأنه لا يحل لغيره بدون طيب النفس و أنه لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير و انقطاع سلطنة المالك. و مما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام بل التزم به غير واحد من المعاصرين من أن معني شرطية الإجازة مع كونها كاشفة شرطية الوصف المنتزع منها و هو كونها لاحقه للعقد في المستقبل فالعلة التامة العقد الملحق به الإجازة و هذه صفة مقارنة للعقد و إن كانت نفس الإجازة متأخرة عنه. و قد التزم بعضهم بما يتفرع علي هذا من أنه إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد و فيه ما لا يخفي من المخالفة للأدلة و يرد علي الوجه الثاني أولا أن الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد إلا أن مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتي يتعلق الإجازة و الرضا بذلك النقل المقيد بكونه في ذلك الحال بل هو نفس النقل مجردا عن ملاحظة وقوعه في زمان و إنما الزمان من ضروريات إنشائه- فإن قول العاقد بعت ليس نقلت من هذا الحين و إن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين فالزمان ظرف للنقل لا قيد له فكما أن إنشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان فكذلك إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة و كما أن الشارع إذا أمضي نفس العقد وقع النقل من زمانه فكذلك إذا أمضي إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة. و لأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضي القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب مع أنه ليس إلا رضا بمضمون الإيجاب فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه و كان القبول رضا بذلك كان معني إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب لأن الموجب ينقل من حينه و القابل يتقبل ذلك و يرضي به. و دعوي أن العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه مدفوعة بأن سببيته للملك ليست إلا بمعني إمضاء الشارع لمقتضاه فإذا فرض مقتضاه مركبا من نقل في زمان و رضا بذلك النقل كان مقتضي العقد الملك بعد الإيجاب و لأجل ما ذكرنا أيضا لا يكون فسخ العقد إلا انحلاله من زمانه لا من زمان العقد فإن الفسخ نظير الإجازة و الرد لا يتعلق إلا بمضمون العقد و هو النقل من حينه فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد علي وجه القيدية لكان رده و حله موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد و السر في جميع ذلك ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلا ظرفا فجميع ما يتعلق بالعقد من الإمضاء و الرد و الفسخ إنما يتعلق بنفس
المضمون دون المقيد بذلك الزمان. و الحاصل أنه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله أو رضيت بانتقال مالي إلي زيد و غير ذلك من الألفاظ التي لا تعرض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه كيف و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها، و نحو ذلك. و من المعلوم أن الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي و بتقرير آخر أن الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي أو مقام نفس إنشائه فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلا بعد الإجازة فهي إما
المكاسب، ج‌2، ص 133
شرط أو جزء سبب للملك. و بعبارة أخري المؤثر هو العقد المرضي به و المقيد من حيث إنه مقيد لا يوجد إلا بعد القيد و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيد المجردة عن القيد. و ثانيا فلانا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه علي المشروط و لا جزء سبب و إنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق و جاعلة له سببا تاما حتي كأنه وقع مؤثرا فيتفرع عليه أن مجرد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكية من غير التفات إلي وقوع عقد سابق ليس بإجازة لأن معني إجازة العقد جعله جائزا نافذا ماضيا لكن نقول لم يدل دليل علي إمضاء الشارع لإجازة المالك علي هذا الوجه لأن وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلي العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد و النذر و من المعلوم أن المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلا بعد الإجازة فلا يجب الوفاء إلا بعدها و من المعلوم أن الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي فما لم يجب الوفاء فلا ملك و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود بدعوي أن الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد و قس علي ذلك ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فإن الملك ملزوم لحلية التصرف فقبل الإجازة لا يحل التصرف خصوصا إذا علم عدم رضا المالك باطنا أو تردده في الفسخ و الإمضاء. و ثالثا سلمنا دلالة الدليل علي إمضاء الشارع- لإجازة المالك علي طبق مفهومها اللغوي و العرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا بتقريب أن يقال إن معني الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤداه العرفي فإذا صار العقد بالإجازة كأنه وقع مؤثرا ماضيا كان مقتضي العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه فيجب شرعا العمل به علي هذا الوجه لكن نقول بعد الإغماض عن أن مجرد كون الإجازة بمعني جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب كون مقتضي العقد و مؤداه العرفي ترتب الآثار من حين العقد كما أن كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب و إمضاء له لا يوجب ذلك حتي يكون مقتضي الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب فتأمل إذا المعني علي حقيقته غير معقول لأن العقد الموجود علي صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له لاستحالة خروج الشي‌ء عما وقع عليه فإذا دل الدليل الشرعي علي إمضاء الإجازة علي هذا الوجه غير المعقول فلا بد من صرفه بدلالة الاقتضاء إلي إرادة معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة فإذا أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلي المشتري و إن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك و وقع النماء في ملكه. و الحاصل أنه يعامل بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه بالنسبة إلي ما أمكن من الآثار و هذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات و ستأتي الثمرة بينه و بين الكشف الحقيقي و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف إلا الأستاذ شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته و إلا فظاهر كلام القائلين بالكشف أن الانتقال في زمان العقد و لذا عنون العلامة رحمه الله في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله و في زمان الانتقال إشكال فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال-

[معاني الكشف

اشارة

[معاني الكشف
و قد تحصل مما ذكرنا أن كاشفية الإجازة علي وجوه ثلاثة قال بكل منها قائل

أحدها و هو المشهور الكشف الحقيقي

أحدها و هو المشهور الكشف الحقيقي
و التزام كون الإجازة فيها شرطا متأخرا و لذا اعترض عليهم جمال المحققين في حاشيته علي الروضة بأن الشرط لا يتأخر.

الثاني الكشف الحقيقي

الثاني الكشف الحقيقي
و التزام كون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد.

الثالث الكشف الحكمي

الثالث الكشف الحكمي
و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقق الملك في الواقع إلا بعد الإجازة.

[مقتضي القواعد و العمومات هو النقل ثم الكشف الحكمي

[مقتضي القواعد و العمومات هو النقل ثم الكشف الحكمي
و قد تبين من تضاعيف كلماتنا أن الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل ثم بعده الكشف الحكمي. و أما الكشف الحقيقي مع كون نفس الإجازة من الشروط فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال و لذا استشكل فيه العلامة في القواعد و لم يرجحه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد بل عن الإيضاح اختيار خلافه تبعا للمحكي عن كاشف الرموز و قواه في مجمع البرهان و تبعهم كاشف اللثام في النكاح

[ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعني الأعم

[ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعني الأعم
هذا بحسب القواعد و العمومات. و أما الأخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف- كما صرح به في الدروس و كذا الأخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور فتحتمل الكشف الحكمي.

[ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي

[ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي
نعم صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات للزوجة غير المدركة حتي تدرك و تخلف ظاهره في قول الكشف إذ لو كان مال و الميت قبل إجازة الزوجة باقية علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم. فإطلاق الحكم بالعزل منضما إلي عموم: الناس مسلطون علي أموالهم يفيد أن العزل لاحتمال كون الزوجة غير المدركة وارثه في الواقع فكأنه احتياط في الأموال قد غلبه الشارع علي أصالة عدم الإجازة كعزل نصيب الحمل و جعله أكثر مما يحتمل.

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل

اشارة

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل
فنقول

أما الثمرة علي الكشف الحقيقي

أما الثمرة علي الكشف الحقيقي
بين كون نفس الإجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و لحوقها له فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد.

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي
مع كون نفس الإجازة شرطا فإنه يظهر في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز فإن الوطء علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة و حلال واقعا لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه و لو أولدها صارت أم ولد علي الكشف الحقيقي و الحكمي لأن مقتضي جعل الواقع ماضيا ترتب حكم وقوع الوطء في الملك و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك و إن حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك و لو نقل المالك أم الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل علي الكشف الحقيقي لانكشاف وقوعه في ملك الغير مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد و بقي صحيحا علي الكشف الحكمي و علي المجيز
المكاسب، ج‌2، ص 134
قيمتها لأنه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه و بين مقتضي صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل كما في الفسخ بالخيار مع انتقال المتعلقة بنقل لازم. و ضابط الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتب آثار ملكية المشتري من حين العقد- فإن ترتب شي‌ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته كإتلاف النماء و نقله و لم يناف الإجازة جمع بينه و بين مقتضي الإجازة بالرجوع إلي البدل و إن نافي الإجازة كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق فات محلها مع احتمال الرجوع إلي البدل و سيجي‌ء

ثم إنهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل مواضع

منها النماء

منها النماء
فإنه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين و علي النقل لمن انتقلت عنه و للشهيد الثاني في الروضة عبارة توجيه المراد منها كما فعله بعض أولي من توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر.

و منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف

و منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف
بمعني أنه لو جعلناها ناقلة كان فسخ الأصيل لفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق بخلاف ما لو جعلت كاشفة فإن العقد تام من طرف الأصيل غاية الأمر تسلط الآخر علي فسخه و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه بل قبل تحقق شرط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة فلا يرد ما اعترضه بعض من منع جواز الإبطال علي القول بالنقل معللا بأن ترتب الأثر علي جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه و فيه أن الكلام في أن عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب فالأولي في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ بإطلاقات صحة العقود و لزومها و لا يخلو من إشكال.

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه
بناء علي النقل- و إن قلنا بأن فسخه غير مبطل لإنشائه فلو باع جارية من فضولي جاز له وطؤها و إن استولدها صارت أم ولد لأنها ملكه و كذا لو زوجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير فلو حصلت الإجازة في المثالين لغت لعدم بقاء المحل قابلا. و الحاصل أن الفسخ القولي و إن قلنا إنه غير مبطل لإنشاء الأصيل إلا أن له فعل ما ينافي انتقال المال عنه علي وجه يفوت محل الإجازة فينفسخ العقد بنفسه بذلك و ربما احتمل عدم جواز التصرف علي هذا القول أيضا و لعله لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حق الأصيل و إن لم يجب في الطرف الآخر و هو الذي يظهر من المحقق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث قال لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرف في العين لإمكان الإجازة و لا سيما علي القول بالكشف انتهي. و فيه أن الإجازة علي القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا أو شطرا فما لم يتحقق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء علي أحد من المتعاقدين لأن المأمور به بالوفاء هو العقد المقيد الذي لا يوجد إلا بعد القيد و هذا كله علي النقل و أما علي القول بالكشف فلا يجوز التصرف فيه علي ما يستفاد من كلمات جماعة كالعلامة و السيد العميدي و المحقق الثاني و ظاهر غيرهم و ربما اعترض عليه بعدم المانع له من التصرف لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له و لذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا. نعم إذا حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال إلي المجيز فيأخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه قال نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف انتهي. أقول مقتضي عموم وجوب الوفاء وجوبه علي الأصيل و لزوم العقد و حرمة نقضه من جانبه و وجوب الوفاء عليه ليس مراعي بإجازة المالك بل مقتضي العموم وجوبه حتي مع العلم بعدم إجازة المالك و من هنا يظهر أنه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة لكن ما ذكره البعض المعاصر صحيح علي مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالإجازة لعدم إحراز الشرط مع الشك فلا يجب الوفاء به علي أحد من المتعاقدين. و أما علي المشهور في معني الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد و قد تحقق فيجب علي الأصيل الالتزام به و عدم نقضه إلي أن ينقض فإن رد المالك فسخ العقد من طرف الأصيل كما أن إجازته إمضاء له من طرف الفضولي. و الحاصل أنه إذا تحقق العقد فمقتضي العموم علي القول بالكشف المبني علي كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا حرمة نقضه علي الأصيل مطلقا فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة بمعني عدم اجتماعه مع صحة العقد فهو غير جائز و من هنا تبين فساد توهم أن العمل بمقتضي العقد كما يوجب حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه لأن مقتضي العقد مبادلة المالين فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه تنافي مقتضي العقد أعني المبادلة. توضيح الفساد أن الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم علي نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطي عنه و هذا لا يدل إلا علي حرمة التصرف في ماله حيث التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل و أما دخول البدل في ملكه فليس مما التزمه علي نفسه بل مما جعله لنفسه و مقتضي الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم علي نفسه و أما قيد كونه بإزاء مال فهو خارج عن الالتزام علي نفسه و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة فلو لم يتصرف في مال صاحبه لم يكن ذلك نقضا للمبادلة فالمرجع في هذا التصرف فعلا و تركا إلي ما يقتضيه الأصل و هي أصالة عدم الانتقال. و دعوي أن الالتزام المذكور إنما هو علي تقدير الإجازة و دخول البدل في ملكه فالالتزام معلق علي تقدير لم يعلم تحققه فهو كالنذر المعلق علي شرط حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه فكما أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الإجازة لا يعد نقضا لما التزمه إذ لم يلتزمه في الحقيقة إلا معلقا مدفوعة بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال بأن الفرق بينهما أن الالتزام هنا غير
المكاسب، ج‌2، ص 135
معلق علي الإجازة و إنما التزم بالمبادلة متوقعا للإجازة فيجب عليه الوفاء به و يحرم عليه نقضه إلي أن يحصل ما يتوقعه من الإجازة أو ينتقض إلزامه برد المالك و لأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الأصيل علي نفسه دون غيرها. قال في القواعد في باب النكاح و لو تولي الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة فإن كان زوجا حرمت عليه الخامسة و الأخت و الأم و البنت إلا إذا فسخت علي إشكال في الأم و في الطلاق نظر لترتبه علي عقد لازم فلا يقع المصاهرة و إن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ و الطلاق هنا معتبر انتهي. و عن كشف اللثام نفي الإشكال و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل و فرعوا عليه تحريم المصاهرة و أما مثل النظر إلي المزوجة فضولا و إلي أمها مثلا و غيره مما لا يعد تركه نقضا لما التزم العاقد علي نفسه فهو باق تحت الأصول لأن ذلك من لوازم علاقة الزوجية غير الثابتة بل المنفية بالأصل فحرمة نقض العاقد لما عقد علي نفسه لا تتوقف علي ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين

[ثمرات ذكرها كاشف الغطاء و ما يرد عليها]

[ثمرات ذكرها كاشف الغطاء و ما يرد عليها]
ثم إن بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبه بها و بما يمكن أن يقال عليها منها ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين بموته قبل إجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل و كذا لو انسلخت قابلية المنقول- بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه إلي غير ذلك و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة و فيما قارن العقد فقد الشرط ثم حصل و بالعكس و ربما يعترض علي الأول بإمكان دعوي ظهور الأدلة- في اعتبار استمرار القابلية إلي حين الإجازة علي الكشف فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا إلي حين الإجازة. و فيه أنه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية و لا استمرار التملك المكشوف عنه بالإجازة إلي حينها كما لو وقعت بيوع متعددة علي مال فإنهم صرحوا بأن إجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا و كما يشعر به بعض أخبار المسألة المتقدمة حيث إن ظاهر بعضها و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة مضافا إلي فحوي خبر تزويج الصغيرين الذي يصلح لما ذكر في الثمرة الثانية أعني خروج المنقول عن قابلية تعلق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف و شبهه فإن موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد مضافا إلي إطلاق رواية عروة حيث لم يستفصل النبي ص عن موت الشاة أو ذبحه و إتلافه نعم ما ذكره أخيرا من تجدد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح ثمرة للمسألة لبطلان العقد ظاهرا علي القولين و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط.
و بالجملة فباب المناقشة و إن كان واسعا إلا أن الأرجح في النظر ما ذكرناه و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات و معرفة مجلس الصرف و السلم و الأيمان و النذور المتعلقة بمال البائع أو المشتري و تظهر الثمرة أيضا في العقود المترتبة علي الثمن أو المثمن و سيأتي إن شاء الله.

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي

الأول أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي
و معني الإجازة وضعا أو انصرافا بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك و أدلة وجوب الوفاء بالعقود و غيرهما من الأدلة الخارجية فلو قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة علي القول بالكشف أو الإمضاء من حين العقد علي القول بالنقل ففي صحتها وجهان.

الثاني أنه يشترط في الإجازة أن تكون باللفظ الدال عليها علي وجه الصراحة العرفية


الثاني أنه يشترط في الإجازة أن تكون باللفظ الدال عليها علي وجه الصراحة العرفية
كقوله أمضيت و أجزت و أنفذت و رضيت و شبه ذلك. و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية و ليس ببعيد إذا اتكل عليها عرفا و الظاهر أن الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف كالتصرف في الثمن و منه إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي‌ء و كتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا كما صرح به العلامة رحمه الله و ربما يحكي عن بعض اعتبار اللفظ بل نسب إلي صريح جماعة و ظاهر آخرين و في النسبة نظر و استدل عليه بعضهم بأنها كالبيع في استقرار الملك و هو يشبه المصادرة و يمكن أن يوجه بأن الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع و شبهه يقتضي اعتبار اللفظ و من المعلوم أن النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الإجازة. و فيه نظر بل لو لا شبهه الإجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق كما يستظهر من كثير من الفتاوي و النصوص فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من الرضا فلا يدل عليه فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ إلي عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا. و حكي عن آخرين أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت لأن الحلف يدل علي كراهتها. و ذكر بعض أنه يكفي في إجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها. و من المعلوم أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلي إجازتها بل المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا و إن لم يفد القطع دفعا للحرج عليها و علينا ثم إن الظاهر أن كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل الثمن و تمكين الزوجة اكتفي به من جهة الرضا المدلول عليه به لا من جهة سببية الفعل تعبدا. و قد صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح و لم يعبروا بالإجازة. و قد ورد فيمن زوجت نفسها في حال السكر أنها إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضا منها و عرفت أيضا استدلالهم علي كون الإجازة كاشفة بأن العقد مستجمع للشرائط عدا رضا المالك فإذا حصل عمل السبب التام عمله. و بالجملة فدعوي الإجماع في المسألة دونها خرط القتاد و حينئذ فالعمومات المتمسك بها لصحة الفضولي السالمة عن ورود مخصص عليها عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في حل
المكاسب، ج‌2، ص 136
ماله و انتقاله إلي الغير و رفع سلطنته عنه أقوي حجة في المقام مضافا إلي ما ورد في عدة أخبار من أن سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده إقرار منه له عليه و ما دل علي أن قول المولي لعبده المتزوج بغير إذنه طلق يدل علي الرضا بالنكاح فيصير إجازة و علي أن المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه معصية المولي التي ترتفع بالرضا. و ما دل علي أن التصرف من ذي الخيار رضا منه و غير ذلك. بقي في المقام أنه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ و كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدال عليه فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا للعقد أو سابقا فإذا فرضنا أنه علم رضا المالك بقول أو فعل يدل علي رضاه ببيع ماله كفي في اللزوم لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولي و الظاهر أن الأصحاب لا يلتزمون بذلك فمقتضي ذلك أن لا يصح الإجازة إلا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن الفضولي. و يؤيد ذلك أنه لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرد الكراهة فسخا فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك لأن الكراهة الحاصلة حينه و بعده و لو آنا ما تكفي في الفسخ بل يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا و إن كان مجرد الرضا إجازة.

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد
إذ مع الرد ينفسخ العقد فلا يبقي ما تلحقه الإجازة و الدليل عليه بعد ظهور الإجماع بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا أن الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد و إلا لم يكن مكلفا بالوفاء بالعقد لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين أو من قام مقامهما. و قد تقرر أن من شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معني المعاهدة هذا مع أن مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه فلا يبقي ما تلحقه الإجازة فتأمل. نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة- ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد اللهم إلا أن يقال إن الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف بل لا بد من إنشاء الفسخ. و دعوي أن الفسخ هنا ليس بأولي من الفسخ في العقود اللازمة و قد صرحوا بحصوله فيها بالفعل يدفعها أن الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطئ و العتق و نحوهما لا مثل أخذ المبيع. و بالجملة فالظاهر هنا و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ فإن سلم ظهور الرواية في خلافه فلتطرح أو تأول.

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك علي ماله

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك علي ماله
فموضوعها المالك فقولنا له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع و الكل راجع إلي أن له أن يتصرف فلو مات المالك لم يورث الإجازة و إنما يورث المال الذي عقد عليه الفضولي فله الإجازة بناء علي ما سيجي‌ء من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميتا و الفرق بين إرث الإجازة و إرث المال يظهر بالتأمل.

الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن و لا لإقباض المبيع

الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن و لا لإقباض المبيع
و لو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت الإجازة لأن مرجع إجازة القبض إلي إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري. و مرجع إجازة الإقباض إلي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة علي قبض المبيع لكن ما ذكرنا إنما يصح في قبض الثمن المعين و أما قبض الكلي و تشخيصه فوقوعه من الفضولي علي وجه تصححه الإجازة يحتاج إلي دليل معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض و الإقباض و إتمام الدليل علي ذلك لا يخلو عن صعوبة و عن المختلف أنه حكي عن الشيخ أنه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري بالثمن ثم ضعفه بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض و علي أي حال فلو كانت إجازة العقد دون القبض لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق كانت إجازة العقد إجازة لقبض صونا للإجازة عن اللغوية و لو قال أجزت العقد دون القبض ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان.

السادس الإجازة ليست علي الفور

السادس الإجازة ليست علي الفور
للعمومات و لصحيحة محمد بن قيس و أكثر المؤيدات المذكورة بعدها و لو لم يجز المالك و لم يرد حتي لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه علي القول بالكشف- فالأقوي تداركه بالخيار أو إجبار المالك علي أحد الأمرين- .

السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا

السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا
وجهان الأقوي التفصيل فلو أوقع العقد علي صفقة فأجاز المالك بيع بعضها فالأقوي الجواز كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز أحدهما و ضرر التبعض علي المشتري يجبر بالخيار و لو أوقع العقد علي شرط فأجاز المالك مجردا عن الشرط فالأقوي عدم الجواز بناء علي عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط و إن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء و لذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط و لو انعكس الأمر بأن عقد الفضولي مجردا عن الشرط و أجاز المالك مشروطا ففي صحة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز العقد فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا تقدم علي الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا أو بطلانها لأنه إذا لغا الشرط لغا المشروط لكون المجموع التزاما واحدا أقواها الأخير.

و أما القول في المجيز

اشارة

و أما القول في المجيز
فاستقصاؤه يتم ببيان أمور

الأول يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرف بالبلوغ و العقل و الرشد

و لو أجاز المريض بني نفوذها علي منجزات المريض- و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل.

الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد

فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة و لا تنفعه إجازته إذا بلغ أو إجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع أم لا يشترط قولان أولهما للعلامة في ظاهر القواعد و استدل له بأن صحة العقد و الحال هذه ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائما و بلزوم الضرر علي المشتري لامتناع تصرفه في العين- لإمكان عدم
المكاسب، ج‌2، ص 137
الإجازة و لعدم تحقق المقتضي و في الثمن لإمكان تحقق الإجازة فيكون قد خرج عن ملكه. و يضعف الأول مضافا إلي ما قيل من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه عادة بمنع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه دائما سواء قلنا بالنقل أم بالكشف و أما الضرر فيتدارك بما تتدارك به صورة النقض المذكورة هذا كله مضافا إلي الأخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا الشاملة لصورة ولي النكاح و إهماله الإجازة إلي بلوغهم و صورة عدم وجود الولي بناء علي عدم ولاية الحاكم علي الصغير في النكاح و انحصار الولي في الأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه و كيف كان فالأقوي عدم الاشتراط وفاقا للمحكي عن ابن المتوج البحراني و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم بل لم يرجحه غير العلامة ره ثم اعلم أن العلامة في القواعد مثل لعدم وجوب المجيز ببيع مال اليتيم.
و حكي عن بعض العامة و هو البيضاوي علي ما قيل الإيراد عليه لا يتم علي مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام ع في كل عصر. و عن المصنف قدس سره أنه أجاب بأن الإمام غير متمكن من الوصول إليه و انتصر للمورد بأن نائب الإمام و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون بل للفساق الولاية علي الطفل في مصالحه مع عدم العدول لكن الانتصار في غير محله إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الإمام يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد و العدول أيضا فإن أريد وجود ذات المجيز فالأولي منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الإمام ع و إن أريد وجوده مع تمكنه من الإجازة فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول إذا لم يطلعوا علي العقد فالأولي ما فعله فخر الدين و المحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان علي خلاف المصلحة فيرجع الكلام أيضا إلي اشتراط إمكان فعليه الإجازة من المجيز لا وجود ذات من شأنه الإجازة فإنه فرض غير واقع في الأموال.

الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد

اشارة

سواء كان عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أم للمانع و عدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما و المانع كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ثم فك الرهن. فالكلام يقع في مسائل

الأولي أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر- و الأقوي صحة الإجازة بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن فإنه لا حاجة إلي الإجازة كما صرح به في التذكرة

الثانية أن يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد

اشارة

سواء أ كان هو البائع أم غيره لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه و هذه تتصور علي صور لأن غير المالك إما أن يبيع لنفسه أو للمالك و الملك إما أن ينتقل إليه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث ثم البائع الذي يشتري الملك إما أن يجيز العقد الأول و إما أن لا يجيزه فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له

و المهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك و أجاز

اشاره

و ما لو باع و اشتري و لم يجز إذا يعلم حكم غيرهما منهما. أما المسألة الأولي فقد اختلفوا فيها- فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه أنه صح البيع و الرهن فيما عدا الزكاة فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ صح البيع و الرهن و فيه إشكال لأن العين مملوكة و إذا أدي العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها إلي إجازة مستأنفة كما لو باع مال غيره ثم اشتراه انتهي. بل يظهر مما حكاه عن الشيخ عدم الحاجة إلي الإجازة إلا أن يقول الشيخ بتعلق الزكاة بالعين كتعلق الدين بالرهن فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم و لم يحتج إلي إجازة مستأنفة و بهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في الدروس و هو ظاهر المحكي عن الصيمري و المحكي عن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد هو البطلان و مال إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه

[الأقوي الصحة]

و الأقوي هو الأول للأصل و العمومات السليمة عما يرد عليه

[ما أورده المحقق التستري علي الصحة]

اشارة

ما عدا أمور لفقها بعض من قارب عصرنا مما يرجع أكثرها إلي ما ذكر في الإيضاح و جامع المقاصد

[الإيراد الأول و جوابه

الأول أنه قد باع مال الغير لنفسه و قد مر الإشكال فيه و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك و فيه أنه قد سبق أن الأقوي صحته و ربما يسلم هنا عن بعض الإشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

[الإيراد الثاني و جوابه

أنا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة علي التسليم فقد اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز لأنه البائع حقيقة و الفرض هنا عدم إجازته و عدم وقوع البيع عنه و فيه أن الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد أم لا لأن الداعي علي اعتبار الرضا سلطنة الناس علي أموالهم و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب أنفسهم و قبح التصرف فيها بغير رضاهم و هذا المعني لا يقتضي أزيد مما ذكرنا و أما القدرة علي التسليم فلا نضايق من اعتبارها في المالك حين العقد و لا يكتفي بحصولها فيمن هو مالك حين الإجازة و هذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع المذكور لأن الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

[الإيراد الثالث و جوابه

الثالث أن الإجازة حيث صحت كاشفة علي الأصح مطلقا لعموم الدليل الدال عليه و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه و فيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتي فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد فإن مقدار كشف الإجازة تابع لصحة البيع فإذا ثبت بمقتضي العمومات أن العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد صدر من أهل العقد في المحل القابل للعقد عليه و لا مانع من وقوعه إلا عدم رضا مالكه فكما أن مالكه الأول إذا رضي يقع البيع له فكذلك مالكه الثاني إذا رضي يقع البيع له و لا دليل علي اعتبار كون الرضا المتأخر ممن هو مالك حال العقد و حينئذ فإذا ثبتت صحته بالدليل فلا محيص عن القول بأن الإجازة كاشفة
المكاسب، ج‌2، ص 138
عن خروج المال عن ملك المجيز في أول أزمنة قابليته إذ لا يمكن الكشف فيه علي وجه آخر فلا يلزم من التزام هذا المعني علي الكشف محال عقلي و لا شرعي حتي يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحة فإن كان لا بد من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة أو في القول بأن الواجب في الكشف عقلا أو شرعا أن يكون عن خروج المال ملك المجيز وقت العقد. و قد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحة و لذا لم يصدر من المستدل علي البطلان و أنه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها و لا يتوهم أن هذا نظير ما لو خصص المالك الإجازة بزمان متأخر عن العقد إذ التخصيص إنما يقدح مع القابلية كما أن تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز بناء علي ما سبق في دليل الكشف من أن معني الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية تأثيرها إلا من زمان ملك المجيز للمبيع.

[الإيراد الرابع

اشارة

الرابع أن العقد الأول إنما صح و ترتب عليه أثره بإجازة الفضولي و هي متوقفة علي صحة العقد الثاني المتوقفة علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي فتكون صحة الأول مستلزمة لكون المال المعين ملكا للمالك و ملكا للمشتري معا في زمان واحد و هو محال لتضادهما فوجود الثاني يقتضي عدم الأول و هو موجب لعدم الثاني أيضا فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد و هو محال. فإن قلت مثل هذا لازم في كل عقد فضولي- لأن صحته موقوفة علي الإجازة المتأخرة المتوقفة علي بقاء مالك المالك و مستلزمة لملك المشتري كذلك فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد فيلزم إما بطلان عقد الفضولي مطلقا أو بطلان القول بالكشف فلا اختصاص لهذا الإيراد بما نحن فيه. قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق لأنها في الحقيقة رفع اليد و إسقاط للحق و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني.

[الجواب عن الإيراد الرابع

أقول قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب علي العقد الأول بعد إجازة العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد لا من حين العقد و حينئذ فتوقف إجازة العقد الأول علي صحة العقد الثاني مسلم و توقف صحة العقد الثاني علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي إلي زمان العقد مسلم أيضا فقوله صحة الأول تستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان واحد ممنوع بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي. نعم إنما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادعي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد و لكن هذا أمر تقدم دعواه في الوجه الثالث و قد تقدم منعه فلا وجه لإعادته بتقرير آخر كما لا يخفي. نعم يبقي في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي علي القول بالكشف و هو كون الملك حال الإجازة للمجيز و المشتري معا و هذا إشكال آخر تعرض لاندفاعه أخيرا غير الإشكال الذي استنتجه من المقدمات المذكورة و هو لزوم كون الملك للمالك الأصلي و للمشتري.
نعم يلزم من ضم هذا الإشكال العام- إلي ما يلزم في المسألة علي القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد قبل العقد الثاني لوجوب التزام مالكية المالك الأصلي حتي يصح العقد الثاني و مالكية المشتري له لأن الإجازة تكشف عن ذلك و مالكية العاقد له لأن ملك المشتري لا بد أن يكون عن ملكه و إلا لم تنفع إجازته في ملكه من حين العقد لأن إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير إلي غيره. ثم إن ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني لأن الإجازة إذا وقعت فإن كشفت عن مالك المشتري قبلها كشفت عما يبطلها لأن الإجازة لا تكون إلا من المالك الواقعي و المالك الظاهري إنما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الإجازة و لذا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته لأن المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية. ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة و العقد الثاني من كفاية الملك الصوري في الأول دون الثاني تحكم صرف خصوصا مع تعليله بأن الإجازة رفع لليد و إسقاط للحق فليت شعري أن إسقاط الحق كيف يجدي و ينفع مع عدم الحق واقعا مع أن الإجازة رفع لليد من الملك أيضا بالبديهة. و التحقيق أن الإشكال إنما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة علي الوجه المشهور من كونها شرطا متأخرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.

[الإيراد الخامس و جوابه

الخامس أن الإجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الأول- و عن كون المال ملك المشتري الأول فقد وقع العقد الثاني علي ماله فلا بد من إجازته كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأول فلا بد من إجازة المشتري البيع الثاني حتي يصح و يلزم فعلي هذا يلزم توقف إجازة كل من الشخصين علي إجازة الآخر و توقف صحة كل من العقدين و الإجازة- علي إجازة المشتري غير الفضولي و هو من الأعاجيب بل من المستحيل لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن و تملك المشتري الأول المبيع بلا عوض إن اتحد الثمنان و دون تمامه إن زاد الأول و مع زيادة إن نقص لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له و قد كان المبيع له أيضا بما بذله من الثمن و هو ظاهر. و الجواب عن ذلك ما تقدم في سابقه من ابتنائه علي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد و هو ممنوع. و الحاصل أن منشأ الوجوه [الثلاثة] الأخيرة شي‌ء واحد و المحال علي تقديره مسلم بتقريرات مختلفة قد نبه عليه في الإيضاح و جامع المقاصد

[الإيراد السادس و جوابه

السادس أن من المعلوم أنه يكفي في إجازة المالك و فسخه- فعل ما هو من لوازمهما فلما باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه و تملك الثمن و هو لا يجامع صحة العقد الأول فإنها تقتضي تملك المالك للثمن الأول و حيث وقع الثاني يكون فسخا له و إن لم يعلم بوقوعه فلا تجدي الإجازة المتأخرة. و بالجملة حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة بل أولي منها فكما أن التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي. و الجواب أن فسخ عقد الفضولي هو إنشاء رده و أما الفعل المنافي لمضيه كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر و بيع المالك ماله المبيع فضولا
المكاسب، ج‌2، ص 139
من آخر فليس فسخا له خصوصا مع عدم التفاته إلي وقوع عقد الفضولي غاية ما في الباب أن الفعل المنافي لمضي العقد مفوت لمحل الإجازة فإذا فرض وقوعه صحيحا فات محل الإجازة و يخرج العقد عن قابلية الإجازة إما مطلقا كما في مثال التزويج أو بالنسبة إلي من فات محل الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع فإن محل الإجازة إنما فات بالنسبة إلي الأول فللمالك الثاني أن يجيز. نعم لو فسخ المالك الأول نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعا و لعموم تسلط الناس علي أموالهم بقطع علاقة الغير عنها. فالحاصل أنه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا إنه إبطال لأثر العقد في الجملة فهو مسلم و لا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلي المالك الثاني فيكون له إجازة و إن أريد أنه إبطال للعقد رأسا فهو ممنوع إذ لا دليل علي كونه كذلك و تسمية مثل ذلك الفعل ردا في بعض الأحيان من حيث إنه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة إلي فاعله بحيث تكون الإجازة منه بعده لغوا. نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا لم يبعد كونه كالإنشاء بالقول لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب إذ المقصود أن مجرد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد و لذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد علي حالة من قابلية لحوق الإجازة. و أما الالتزام في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرد الفعل المنافي فلأن صحة التصرف المنافي تتوقف علي فسخ العقد و إلا وقع في ملك الغير بخلاف ما نحن فيه فإن تصرف المالك في ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه لوقوعه في ملكه فلا يتوقف علي فسخه غاية الأمر أنه إذا تصرف فات محل الإجازة و من ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله أخيرا و بالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة بل أولي فإن قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث علي المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق فضلا عن دعوي الأولوية و سيجي‌ء مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد.

[الإيراد السابع

اشارة

السابع الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي ص عن بيع ما ليس عندك- فإن النهي فيها إما لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلي المخاطب و إلي المالك فيكون دليلا علي فساد العقد الفضولي و إما لبيان فساده بالنسبة إلي المخاطب خاصة كما استظهرناه سابقا فيكون دالا علي عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقا و لو ملكه فأجاز بل الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع و إلا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج إلي البيان. و خصوص رواية يحيي بن الحجاج المصححة إليه قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل يقول لي اشتر لي هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها. و رواية خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني و يقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا قال أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك قلت بلي قال لا بأس به إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام بناء علي أن المراد بالكلام عقد البيع فيحلل نفيا و يحرم إثباتا كما فهمه في الوافي أو يحلل إذا وقع بعد الاشتراء- و يحرم إذا وقع قبله أو أن الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان بعنوان العقد الملزم و يحلل إذا كان علي وجه المساومة و المراضاة. و صحيحة ابن مسلم قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال له ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه.: و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه قال لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه. و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله ع يجيئني الرجل فيطلب مني بيع الحرير و ليس عندي منه شي‌ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتي يجتمع علي شي‌ء ثم أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه المتاع فقال أ رأيت إن وجد هو مبيعا أحب إليه مما عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه عنه [و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف عنه و تدعه قلت نعم قال لا بأس. و غيرها من الروايات و لا يخفي ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها و من حيث التعليل في بعضها الآخر في عدم صحة البيع قبل الاشتراء و أنه يشترط في البيع الثاني تملك البائع له و استقلاله فيه و لا يكون قد سبق منه و من المشتري إلزام و التزام سابق بذلك المال.

[الجواب عن الإيراد السابع

و الجواب عن العمومات أنها إنما تدل علي عدم ترتب الأثر المقصود من البيع و هو النقل و الانتقال المنجز علي بيع ما ليس عنده فلا يجوز ترتب الأثر علي هذا البيع لا من طرف البائع بأن يتصرف في الثمن و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع و منه يظهر الجواب عن الأخبار- فإنها لا تدل خصوصا بملاحظة قوله ع: و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها إلا علي أن الممنوع منه هو الإلزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء فكذا بعده من دون حاجة إلي إجازة و هي المسألة الآتية أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة إلي الإجازة و سيأتي أن الأقوي فيها البطلان. و ما قيل من أن تسليم البائع المبيع بعد اشترائه إلي المشتري الأول مفروض في مورد الروايات و هو إجازة فعلية مدفوع بأن التسليم إنما وقع باعتقاد لزوم البيع السابق و كونه من مقتضيات لزوم العقد و أنه مما لا اختيار للبائع فيه بل يجبر عليه إذا امتنع فهذا لا يعد إجازة و لا يترتب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي لأن المعتبر في الإجازة قولا و فعلا ما يكون عن سلطنة و استقلال لأن ما يدل علي اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدل علي عدم كفاية ذلك. نعم يمكن أن يقال إن مقتضي تعليل نفي البأس- في رواية خالد المتقدمة بأن المشتري إن شاء أخذ و إن شاء ترك ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه علي الأصيل و هذا محقق فيما نحن فيه بناء علي ما تقدم من أنه ليس للأصيل في عقد الفضولي فسخ المعاملة قبل إجازة المالك أو رده لكن الظاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم إرادة اللزوم من الطرفين.
المكاسب، ج‌2، ص 140
و الحاصل أن دلالة الروايات عموما و خصوصا- علي النهي عن البيع قبل الملك مما لا مساغ لإنكاره و دلالة النهي علي الفساد أيضا مما لم يقع فيه المناقشة في هذه المسألة إلا أنا نقول إن المراد بفساد البيع هو عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع مثلا لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي‌ء قبل تملكه علي الوجه الذي يقصده أهل المعاملة كان يترتب عليه بعد البيع النقل و الانتقال و جواز تصرف البائع في الثمن و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من مالكه و تسليمه و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه ففساد البيع بمعني عدم ترتب جميع ذلك عليه و هو لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممن يملكه بعد العقد و لا يجب علي القول بدلالة النهي علي الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر أصلا كما يستفاد من وجه دلالة النهي علي الفساد فإن حاصله دعوي دلالة النهي علي إرشاد المخاطب و بيان أن مقصوده من الفعل المنهي عنه و هو الملك و السلطنة من الطرفين لا يترتب عليه فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين لا أنه لغو من جميع الجهات فافهم اللهم إلا أن يقال إن عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين علي عقد بمجرد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة كالقبض في الهبة و نحوها و الإجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقول مطلق إذ معني صحة المعاملة شرعا أن يترتب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه و لو مع شرط لاحق و عدم بناء المتعاملين علي مراعاة ذلك الشرط لا يوجب النهي عنه إلا مقيدا بتجرده عن لحوق ذلك الشرط فقصدهم ترتب الملك المنجز علي البيع قبل التملك بحيث يسلمون الثمن و يطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد. فالإنصاف أن ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع و عدم ترتب أثر الإنشاء المقصود منه عليه مطلقا حتي مع الإجازة و أما صحته بالنسبة إلي المالك إذا أجاز فلأن النهي راجع إلي وقوع البيع المذكور للبائع فلا تعرض فيه لحال المالك إذا أجاز فيرجع فيه إلي مسألة الفضولي. نعم قد يخدش فيها أن ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة- ورودها في بيع الكلي و أنه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ثم اشتراء بعض أفراده و تسليمه إلي المشتري الأول و المذهب جواز ذلك و إن نسب الخلاف فيه إلي بعض العبائر فيقوي في النفس أنها و ما ورد في سياقها في بيع الشخصي أيضا كروايتي يحيي و خالد المتقدمين أريد بها الكراهة أو وردت في مقام التقية لأن المنع عن بيع الكلي حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع مذهب جماعة من العامة كما صرح به في بعض الأخبار مستندين في ذلك إلي النهي النبوي عن بيع ما ليس عندك لكن الاعتماد علي هذا التوهين و رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع الشخصي و عموم مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلي خلاف الإنصاف إذ غاية الأمر حمل الحكم في مورد تلك الأخبار و هو بيع الكلي قبل التملك علي التقية و هو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا فتدبر فالأقوي العمل بالروايات و الفتوي بالمنع عن البيع المذكور. و مما يؤيد المنع مضافا إلي ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوي الاتفاق رواية الحسن بن زياد الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه قال: قلت لأبي عبد الله ع إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني الله بعد فأجدد النكاح قال فقال علموا أنك تزوجت قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك إقرار منهم أنت علي نكاحك الخبر فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق علي ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته فلو كانت صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلي الاستفصال عن أن المولي سكت أم لا للزوم العقد حينئذ علي كل تقدير.

[مورد الروايات ما لو باع لنفسه غير مترقب للإجازة]

ثم إن الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشتري المشتري غير مترقب لإجازة المالك و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا و هذا هو الذي ذكره العلامة رحمه الله في التذكرة نافيا للخلاف في فساده قال و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلمها و به قال الشافعي و أحمد و لا نعلم فيه خلافا لقوله ص: لا تبع ما ليس عندك و لاشتمالها علي الغرر فإن صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها و لا قادر علي تسليمها أما لو اشتري موصوفا في الذمة سواء كان حالا أم مؤجلا فإنه جائز إجماعا انتهي. و حكي عن المختلف الإجماع علي المنع أيضا و استدلاله بالغرر و عدم القدرة علي التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة مجيز بل وقع علي وجه يلزم علي البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه فحينئذ لو تبايعا علي أن يكون العقد موقوفا علي الإجازة فاتفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الأخبار و لا في معقد الاتفاق و لو تبايعا علي أن يكون اللزوم موقوفا علي تملك البائع دون إجازته فظاهر عبارة الدروس أنه من البيع المنهي عنه في الأخبار المذكورة حيث قال و كذا لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجازه و كذا لو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده و قد نهي عنه انتهي. لكن الإنصاف ظهورها في الصورة الأولي و هي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل و الانتقال و عدم الوقوف علي شي‌ء.
و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك حيث علل المنع بالضرر و عدم القدرة علي التسليم و أصرح منه كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد و النسيئة و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلي البائع- فأجازه فالظاهر أيضا الصحة لخروجه عن مورد الأخبار. نعم قد يشكل فيه من حيث إن الإجازة لا متعلق لها لأن العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصلي و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة و هي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه فتأمل. و لو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا عليه عدوانا فإن أجاز المالك فلا كلام في الصحة
المكاسب، ج‌2، ص 141
بناء علي المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك و إن ملكه الثالث و أجازه أو ملكه البائع فأجازه فالظاهر أنه داخل في المسألة السابقة

[لو باع لنفسه ثم تملكه و لم يجز]

ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه في المسألة المذكورة حال المسألة الأخري و هي ما لو لم يجز البائع بعد تملكه فإن الظاهر بطلان البيع الأول لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقينا- مضافا إلي قاعدة تسلط الناس علي أموالهم و عدم صيرورتها حلالا من دون طيب النفس فإن المفروض أن البائع بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأول و التزامه قبل تملكه بكون هذا المال المعين للمشتري ليس التزاما إلا بكون مال غيره له اللهم إلا أن يقال إن مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط علي كل عاقد و شارط هو اللزوم علي البائع بمجرد انتقال المال إليه و إن كان قبل ذلك أجنبيا لا حكم لوفائه و نقضه و لعله لأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الإيضاح بناء علي صحة الفضولي صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف علي الإجازة قيل و يلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك و قد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكية في المعتبر لكن يضعفه أن البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلي حكم العام فتأمل- مضافا إلي معارضة العموم المذكور- بعموم سلطنة الناس علي أموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا عن طيب النفس.
و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه و إن عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولي الذي هو بمنزلة الإجازة ثم لو سلم عدم التوقف علي الإجازة فإنما هو فيما إذا باع الفضولي لنفسه أما لو باع فضولا للمالك أو لثالث ثم ملك هو فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة إلي البائع أشكل و لو باع وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكل فلا إشكال في عدم وقوع البيع له بدون الإجازة و لا معها.
نعم يقع للوارث مع إجازته

المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف

اشارة

و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه إما لعدم الولاية فانكشف كونه وليا و إما لعدم الملك فانكشف كونه مالكا و علي كل منهما فإما أن يبيع عن المالك و إما أن يبيع لنفسه فالصور أربعة

الأولي أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع

فلا ينبغي الإشكال في اللزوم حتي علي القول ببطلان الفضولي- لكن الظاهر من المحكي عن القاضي أنه إذا أذن السيد لعبده في التجارة فباع و اشتري و هو لا يعلم بإذن سيده و لا علم به أحد لم يكن مأذونا في التجارة و لا يجوز شي‌ء مما فعله فإن علم بعد ذلك و اشتري و باع جاز ما فعله بعد الإذن و لم يجز ما فعله قبل ذلك فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد و العبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه و شراؤه منهم جائزا و جري ذلك مجري الإذن الظاهر فإن اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز انتهي و عن المختلف الإيراد عليه بأنه لو أذن الولي و لا يعلم العبد ثم باع العبد صح لأنه صادف الإذن و لا يؤثر فيه إعلام المولي بعض المتعاملين انتهي و هو حسن.

الثانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا

فالظاهر أيضا صحة العقد لما عرفت من أن قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع و لا يقدح و في توقفه علي إجازته للمولي عليه وجه لأن قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع علي الوجه المأذون فتأمل.

الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا

و قد مثل له الأكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا و المشهور الصحة بل ربما استفيد من كلام العلامة في القواعد و الإرشاد في باب الهبة الإجماع و لم نعثر علي مخالف صريح إلا أن الشهيد رحمه الله ذكر في قواعده أنه لو قيل بالبطلان أمكن و قد سبقه في احتمال ذلك العلامة و ولده في النهاية و الإيضاح لأنه إنما قصد نقل المال عن الأب لا عنه و لأنه و إن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك و لأنه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أن المبيع لغيره انتهي. أقول أما قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه لأنه إنما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنه مالك باعتقاده ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك لكن أخطأ في اعتقاده أن المالك أبوه و قد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة أي ما لو باع ملك غيره باعتقاده أنه ملكه. نعم من أبطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده هنا لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه و لذا نقول نحن كما سيجي‌ء باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب النفس حال العقد. و أما ما ذكره من أنه في معني التعليق ففيه مع مخالفته لمقتضي الدليل الأول كما لا يخفي منع كونه في معني التعليق لأنه إذا فرض أنه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو ظاهر هذا الدليل فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه فبيعه كبيع الغاصب مبني علي دعوي السلطنة و الاستقلال علي المال لا علي تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالإرث عن مورثه لأن ذلك لا يجامع و ظن الحياة اللهم إلا أن يراد أن القصد الحقيقي إلي النقل معلق علي تملك الناقل و بدونه فالقصد صوري علي ما تقدم من المسالك من أن الفضولي و المكره قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله لكن فيه حينئذ أن هذا القصد الصوري كاف و لذا قلنا بصحة عقد الفضولي و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد معللا بعلمه بكون المبيع لغيره. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في صحة العقد إلا أن ظاهر المحكي من غير واحد لزوم العقد و عدم الحاجة إلي إجازة مستأنفة لأن المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه و لأن قصده إلي نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرد القصد إلي نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه و إن لم يشعر به فهو أولي من الإذن في ذلك فضلا عن إجازته و إلا توجه عدم وقوع العقد له لكن الأقوي وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنه لم يقصد إلي البيع الناقل للملك الآن بل مع إجازة المالك لاندفاعه بما ذكره بقوله إلا أن يقال
المكاسب، ج‌2، ص 142
إن قصده إلي أصل البيع كاف. و توضيحه أن انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد حتي يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه و إنما هو من الأحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقف علي الأمور المتأخرة و عدمه مع أن عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه فالدليل علي اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلط الناس علي أموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا بطيب أنفسهم و حرمة أكل المال إلا بالتجارة عن تراض. و بالجملة فأكثر أدلة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا. و أما ما ذكرناه من أن قصد نقل ملك نفسه إن حصل أغني عن الإجازة و إلا فسد العقد ففيه أنه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد إلي نقل المال المعين و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره مع خطائه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع و لذا بنينا علي صحة العقد بقصد نقل مال نفسه مع كونه مالا لغيره. و أما أدلة اعتبار التراضي و طيب النفس فهي دالة علي اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنه ماله لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في الواقع فإن حكم طيب النفس و الرضا لا يترتب علي ذلك فلو أذن في التصرف في مال يعتقد أنه لغيره و المأذون يعلم أنه له لم يجز له التصرف بذلك الإذن و لو فرضنا أنه أعتق عبدا عن غيره فبان أنه لم ينعتق و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره فبانت زوجته لأن القصد المقارن إلي طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما فلا تنفع الإجازة و لو غره الغاصب فقال هذا عبدي أعتقه عنك فأعتقه عن نفسه فبان كونه له فالأقوي أيضا عدم النفوذ وفاقا للمحكي عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد مع حكمه بصحة البيع هنا و وقوفه علي الإجازة لأن العتق لا يقبل الوقوف فإذا لم يحصل القصد إلي فك ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة بخلاف البيع فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة كما يتوهم. نعم ينبغي إيراد التناقض علي من حكم هناك بعدم النفوذ و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة إلي الإجازة فإن القصد إلي إنشاء يتعلق بمعين هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به إن كان يكفي في طيب النفس و الرضا المعتبر في جميع إنشاءات الناس المتعلقة بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق و إن اعتبر في طيب النفس المتعلق بإخراج الأموال عن الملك العلم بكونه مالا له و لم يكف مجرد مصادفة الواقع وجب الحكم بعدم لزوم البيع فالحق أن القصد إلي الإنشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعني قابليته للتأثير و لا يحتاج إلي العلم بكونه مالا له لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج عن ماله بمجرد الإنشاء ثم إن كان ذلك الإنشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود و إلا وقع الإنشاء باطلا كما في الإيقاعات ثم إنه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الإجازة- أن هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ فعقده متزلزل من حيث الحدوث لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا و تبعه بعض من عاصرناه معللا بقاعدة نفي الضرر إذ فيه أن الخيار فرع الانتقال و قد تقدم توقفه علي طيب النفس. و ما ذكراه من الضرر المترتب علي لزوم البيع ليس لأمر راجع إلي العوض و المعوض و إنما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين أن يجهل أصل الانتقال كما يتفق في الفضولي أو يعلمه و يجهل تعلقه بماله و من المعلوم أن هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي علي الإجازة إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوي هذا الضرر. ثم إن الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي- بل يجي‌ء علي القول بالبطلان إلا أن يستند في البطلان بما تقدم- من قبح التصرف في مال الغير فيتجه عنده حينئذ البطلان [ثم يغرم المثمن إن كان جاهلا].

الرابعة أن يبيع لنفسه باعتقاده أنه لغيره فانكشف أنه له

و الأقوي هنا أيضا الصحة و لو علي القول ببطلان الفضولي و الوقوف علي الإجازة بمثل ما مر في الثالثة و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالث و لذا قوي اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة.

و أما القول في المجاز

اشارة

فاستقصاؤه يكون ببيان أمور

الأول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك

فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء و لا إحراز سائر الشروط بالنسبة إلي الأصيل فقط علي الكشف للزومه عليه حينئذ بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت و لو علي القول بالنقل عليها و ذلك لأن العقد إما تمام السبب أو جزؤه و علي أي حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده و لهذا لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا لأن الإجازة علي القول بالنقل أشبه بالشرط و لو سلم كونها جزء فهو جزء للمؤثر لا للعقد فيكون جميع ما دل من النص و الإجماع علي اعتبار الشروط في البيع ظاهره في اعتبارها في إنشاء النقل و الانتقال بالعقد. نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الأثر الشرعي علي العقد من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة و لعل من هذا القبيل القدرة علي التسليم و إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلي زمان الإجازة أم لا لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطهما حتي علي القول بالنقل. نعم علي القول بكونها بيعا مستأنفا يقوي الاشتراط و أما شروط العوضين فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل و أما بناء علي الكشف فوجهان و اعتبارها عليه أيضا غير بعيد.

الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل

من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة وجهان من كون الإجازة كالإذن السابق فيجوز تعلقه بغير المعين إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل و من أن الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد لأن المعاهدة الحقيقية إنما تحصل بين المالكين بعد الإجازة فتشبه القبول مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل و من هنا يظهر قوة احتمال
المكاسب، ج‌2، ص 143
اعتبار العلم بوقوع العقد و لا يكفي مجرد احتماله فيجيزه علي تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه لأن الإجازة و إن لم تكن من العقود حتي تشملها معاقد إجماعهم علي عدم جواز التعليق فيها إلا أنها في معناها و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق- مع أن الوفاء بالعقد السابق لا يكون إلا في حق العاقد فتأمل.

الثالث [حكم العقود المترتبة]

اشارة

المجاز إما العقد الواقع علي نفس مال الغير و إما العقد الواقع علي عوضه و علي كل منهما إما أن يكون المجاز أول عقد وقع علي المال أو علي عوضه أو آخره أو عقدا بين سابق و لاحق واقعين علي مورده أو بدله أو بالاختلاف و مجمع الكل فيما إذا باع عبدا لمالك بفرس ثم باعه المشتري بكتاب ثم باعه الثالث بدينار و باع البائع الفرس بدرهم و باع الثالث الدينار بجارية و باع بائع الفرس الدرهم برغيف ثم بيع الدرهم بحمار و بيع الرغيف بعسل أما إجازة العقد الواقع علي مال المالك أعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده أعني العبد بالدينار بناء علي الكشف و أما بناء علي النقل فيبني علي ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه و هي فسخ بالنسبة إلي ما قبله مما ورد علي مورده أعني بيع العبد بفرس بالنسبة إلي المجيز. أما بالنسبة إلي من ملك بالإجازة و هو المشتري بالكتاب فقابليته للإجازة مبنية علي مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد هذا حال العقود السابقة و اللاحقة علي مورده أعني مال المجيز. و أما العقود الواقعة علي عوض مال المجيز- فالسابقة علي هذا العقد و هو بيع الفرس بالدرهم فيتوقف لزومها علي إجازة المالك الأصلي للعوض و هو الفرس و اللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد. و أما إجازة العقد الواقع علي العوض- أعني بيع الدرهم برغيف فهي ملزمة للعقود السابقة عليه سواء وقعت علي نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم علي عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم و للعقود اللاحقة له إذا وقعت علي العوض و هو بيع الدرهم بالحمار. أما الواقعة علي هذا البدل المجاز أعني بيع الرغيف بالعسل فحكمها حكم العقود الواقعة علي المعوض ابتداء. و ملخص ما ذكرنا أنه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة علي مال المجيز فإن وقعت من أشخاص متعددة كانت إجازة منها فسخا لما قبله و إجازة لما بعده علي الكشف و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر و لعل هذا هو المراد من المحكي عن الإيضاح و الدروس في حكم ترتب العقود من أنه إذا أجاز عقدا علي المبيع صح و ما بعده و في الثمن ينعكس فإن العقود المترتبة علي المبيع لا يكون إلا من أشخاص متعددة. و أما العقود المترتبة علي الثمن فليس مرادهما أن يعقد علي الثمن الشخصي مرارا لأن حكم ذلك حكم العقود المترتبة علي المبيع علي ما سمعت سابقا من قولنا أما الواقعة علي هذا البدل المجاز إلي آخره بل مرادهما ترامي الأثمان في العقود المترتبة كما صرح بذلك المحقق و الشهيد الثانيان و قد علم من ذلك أن مرادنا بما ذكرنا في المقسم من أن العقد المجاز علي عوض مال الغير ليس العوض الشخصي الأول له بل العوض و لو بواسطة.

[الإشكال في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب

ثم إن هنا إشكالا في شمول الحكم لجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب أشار إليه العلامة رحمه الله في القواعد و أوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه فقال الأول فيما حكي عنه إن وجه الإشكال أن المشتري مع العلم يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن و لذا لو تلف لم يكن له الرجوع و لو بقي ففيه الوجهان فلا تنفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه و من أن الثمن عوض عن العين المملوكة و لم يمنع من نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك فإذا أجاز جري مجري الصادر عنه انتهي. و قال في محكي الحواشي إن المشتري مع علمه بالغصب- يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن فلا يدخل في ملك رب العين فحينئذ إذا اشتري به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه و أتلفه عند الدفع إلي البائع فتتحقق ملكيته للمبيع فلا يتصور نفوذ الإجازة فيها لصيرورته ملكا للبائع و إن أمكن إجازة المبيع مع احتمال عدم نفوذها أيضا لأن ما دفعه إلي الغاصب كالمأذون له في إتلافه فلا يكون ثمنا فلا تؤثر الإجازة في جعله ثمنا فصار الإشكال في صحة البيع و في التتبع ثم قال إنه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع لاستحالة كون المبيع بلا ثمن فإذا قيل إن الإشكال في صحة العقد كان صحيحا أيضا انتهي. و اقتصر في جامع المقاصد علي ما ذكره الشهيد أخيرا في وجه سراية هذا الإشكال إلي صحة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب و المحكي عن الإيضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري علي كون الإجازة ناقلة فيكون منشأ الإشكال في الجواز و العدم الإشكال في الكشف و النقل. قال في محكي الإيضاح إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبع العقود و رعاية مصلحته و الربح في سلسلتي الثمن و المثمن و أما إذا كان عالما بالغصب فعلي قول الأصحاب من أن المشتري إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع علي الغاصب بالثمن مع وجود عينه فيكون قد ملك الغاصب مجانا لأنه بالتسليم إلي الغاصب- ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الأصحاب و المالك قبل الإجازة لم يملك الثمن لأن الحق أن الإجازة شرط أو سبب فلو لم يكن للغاصب فيكون الملك بغير مالك و هو محال فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن علي سبب ملك المالك له أي الإجازة فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن و ربحه له و ليس للمالك أخذه لأنه ملك الغاصب و علي القول بأن إجازة المالك كاشفة فإذا أجاز العقد كان له و يحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن فإن له إجازة البيع و أخذ الثمن و حقه مقدم علي حق الغاصب لأن الغاصب يؤخذ بأخس أحواله و أشقها عليه و المالك مأخوذ الأحوال ثم قال و الأصح عندي مع وجود عين الثمن للمشتري العالم أخذه و مع التلف ليس له الرجوع به انتهي كلامه رحمه الله.

[عدم ورود الإشكال علي تقدير الكشف

و ظاهر كلامه أنه لا وقع للإشكال علي تقدير الكشف و هذا هو المتجه إذ حينئذ يندفع ما استشكله القطب و الشهيد بأن تسليط
المكاسب، ج‌2، ص 144
المشتري للبائع علي الثمن علي تقدير الكشف تسليط علي ملك الغير بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالإقباض فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل بمقتضاه و إذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا من المشتري علي ماله فليس له أن يسترده بناء علي ما نقل من الأصحاب. نعم علي القول بالنقل يقع الإشكال في جواز إجازة العقد الواقع علي الثمن لأن إجازة المالك المبيع له موقوفة علي تملكه للثمن لأنه قبلها أجنبي عنه و المفروض أن تملكه الثمن موقوف علي الإجازة علي القول بالنقل و كذا الإشكال في إجازة العقد الواقع علي المبيع بعد قبض البائع الثمن أو بعد إتلافه إياه علي الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري علي الثمن بصورة التلف و عدمه لأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله إلي مالك المبيع بالإجازة فلا يبقي مورد للإجازة. و ما ذكره في الإيضاح من احتمال تقديم حق المجيز لأنه أسبق و أنه أولي من الغاصب المأخوذ بأشق الأحوال فلم يعلم له وجه بناء علي النقل لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز و التسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب فكيف يكون حق المجيز أسبق. نعم يمكن أن يقال إن حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعله لأجل التسليط المراعي بعدم إجازة مالك المبيع لا لأن نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب علي تقديري الرد و الإجازة و حيث إن حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة علي عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع علي عقد فاسد وجب الاقتصار فيه علي المتيقن و هو التسليط علي تقدير عدم الإجازة فافهم.

مسألة في أحكام الرد

[ما يتحقق به الرد]

لا يتحقق الرد قولا إلا بقوله فسخت و رددت و شبه ذلك مما هو صريح في الرد لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليته من طرف المجيز و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك و الوجه في ذلك أن تصرفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الإجازة لفرض خروجه عن ملكه.

[هل يتحقق الرد بالتصرف غير المخرج عن الملك

و أما التصرف غير المخرج عن الملك- كاستيلاد الجارية و إجارة الدابة و تزويج الأمة فهو و إن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه إلا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد لأن صحة الإجازة علي هذا النحو توجب وقوعها باطلة و إذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع الإجازة. و الحاصل أن وقوع هذه الأمور صحيحة مناقضة لوقوع الإجازة لأصل العقد فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحا فلا بد من امتناع وقوع الآخر أو إبطال صاحبه أو إيقاعه علي غير وجهه و حيث لا سبيل إلي الأخيرين تعين الأول. و بالجملة كل ما يكون باطلا علي تقدير لحوق الإجازة المؤثرة من حين العقد فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الإجازة لامتناع اجتماع المتنافيين. نعم لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسكني و اللبس كان عليه أجرة المثل إذا أجاز فتأمل و منه يعلم أنه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع علي وقوع العقد و وقوعها بدونه لأن التنافي بينهما واقعي و دعوي أنه لا دليل علي اشتراط قابلية التأثير من حين العقد في الإجازة و لذا صحح جماعة كما تقدم إجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا ثم ملكه مدفوعة بإجماع أهل الكشف علي كون إجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه. نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلي كون المؤثر التام هو العقد الملحق بالإجازة كانت التصرفات مبنية علي الظاهر و بالإجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي و تصح الإجازة.

بقي الكلام في التصرفات غير المنافية لملك المشتري

اشارة

من حين العقد- كتعريض المبيع و البيع الفاسد و هذا أيضا علي قسمين لأنه إما أن يقع حال التفات المالك إلي وقوع العقد من الفضولي علي ماله و إما أن تقع في حال عدم الالتفات

[ما يقع في حال التفات المالك إلي وقوع العقد من الفضولي

أما الأول فهو رد فعلي للعقد و الدليل علي إلحاقه بالرد القولي مضافا إلي صدق الرد عليه فيعمه ما دل علي أن للمالك الرد مثل ما وقع في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه. و ما ورد فيمن زوجته أمه و هو غائب من قوله ع: إن شاء قبل و إن شاء ترك إلا أن يقال إن الإطلاق مسوق لبيان أن له الترك فلا تعرض فيه لكيفيته إن المانع من صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد مضافا إلي فحوي الإجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطئ و البيع و العتق- فإن الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها علي قصد فسخ البيع و إلا فتوقفها علي الملك لا يوجب حصول الفسخ بها بل يوجب بطلانها لعدم حصول الملك المتوقف علي الفسخ قبلها حتي تصادف الملك و كيف كان فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق أولي.

[ما يقع في حال عدم التفات المالك

و أما الثاني و هو ما يقع في حال عدم الالتفات فالظاهر عدم تحقق الفسخ به لعدم دلالته علي إنشاء الرد و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللاحقة و لا يكفي مجرد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف علي القصد و الالتفات إلي وقوع المردود نظير إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا و لو مع عدم الالتفات إلي وقوع الطلاق علي ما يقتضيه إطلاق كلامهم. نعم لو ثبتت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هنا بطريق أولي كما عرفت لكن لم يثبت ذلك هناك فالمسألة محل إشكال بل الإشكال في كفاية سابقه أيضا فإن بعض المعاصرين يظهر منهم دعوي الاتفاق علي اعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة و لذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد علي متعلقها جاهلا بفساده و قرره في الإيضاح و جامع المقاصد علي الإشكال.

[حاصل الكلام فيما يتحقق به الرد]

و الحاصل أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي و في حكمه تفويت محل الإجازة بحيث لا يصح وقوعها علي وجه يؤثر من حين العقد. و أما الرد الفعلي و هو الفعل المنشأ به لمفهوم الرد فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به و أما مجرد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد لعدم الالتفات إلي وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للأصل و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية- و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي أوضح. و أما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو بالخيار فهو منحصر باللفظ أو الرد الفعلي. و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطئ و العتق فالظاهر أن الفسخ بهما من باب تحقق
المكاسب، ج‌2، ص 145
القصد قبلهما لا لمنافاتهما لبقاء العقد لأن مقتضي المنافاة بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه و تمام الكلام في محله ثم إن الرد إنما يثمر في عدم صحة الإجازة بعده. و أما انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضولي فلا يتوقف علي الرد بل يكفي فيه عدم الإجازة و الظاهر أن الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة علي إرادته منه لا مطلق الأخذ لأنه أعم و لذا ذكروا أن الرجوع في الهبة لا يتحقق به.

مسألة لو لم يجز المالك

اشارة

فإن كان المبيع في يده فهو- و إلا فله انتزاعه ممن وجده في يده مع بقائه و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد و مع التلف يرجع إلي من تلف عنده بقيمته يوم التلف أو بأعلي القيم من زمان وقع في يده و لو كان قبل ذلك في ضمان آخر و فرضت زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه كما صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة هذا كله حكم المالك مع المشتري

و أما حكم المشتري مع الفضولي

اشارة

فيقع الكلام فيه تارة في الثمن و أخري فيما يغرمه للمالك زائدا علي الثمن فهنا مسألتان

الأولي أنه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا بكونه فضوليا

اشارة

سواء كان باقيا أم تالفا و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا- لأن اعترافه مبني علي ظاهر يده. نعم لو اعترف به علي وجه يعلم عدم إسناده إلي اليد كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة لم يرجع بشي‌ء و لو لم يعلم استناد الاعتراف إلي اليد أو إلي غيرها ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلي اليد أو بظاهر لفظ الإقرار من دلالته علي الواقع وجهان

[لو كان عالما بكونه فضوليا و كان الثمن باقيا]

و إن كان عالما بالفضولية فإن كان الثمن باقيا استرده وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا و مجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد لتسليط كل من المتبايعين صاحبه علي ماله و لأن الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك كما هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن فإن تملك البائع للثمن قبله يلزم فوات محل الإجازة لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة فتأمل. و هل يجوز للبائع التصرف فيه وجهان بل قولان أقواهما العدم لأنه أكل مال بالباطل هذا كله إذا كان باقيا

[حكم ما لو كان الثمن تالفا]

و أما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم رحمهم الله الاتفاق عليه و وجهه كما صرح به بعضهم كالحلي و العلامة و غيرهما و يظهر من آخرين أيضا أنه سلطه علي ماله بلا عوض. و توضيح ذلك أن الضمان إما لعموم علي اليد ما أخذت و إما لقاعدة الإقدام علي الضمان الذي استدل به الشيخ و غيره علي الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه و الأول مخصص بفحوي ما دل علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه كما في الوديعة أو الانتفاع به كما في العارية أو لاستيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة فإن الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان فالتسليط علي التصرف فيه و إتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق أولي و دعوي أنه إنما سلطه في مقابل العوض لا مجانا حتي يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم عدم الضمان فيها مندفعة بأنه إنما سلطه في مقابل ملك غيره فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه فهو يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها و من ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان و هو الإقدام علي الضمان هنا لأن البائع لم يقدم علي ضمان الثمن إلا بما علم المشتري أنه ليس ملكا له. فإن قلت تسلطه علي الثمن بإزاء مال الغير- لبنائه و لو عدوانا علي كونه ملكا له و لو لا هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه فهو إنما سلطه علي وجه يضمنه بماله إلا أن كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن و تعاقدا معرضين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة علي أموال الناس بين السراق و الظلمة بل بني المشتري علي كون المثمن ملكا للبائع فالتسليط ليس مجانا و تضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي إلا أن كون المثمن مالا له ادعائي فهو كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير فإن المشتري يرجع إلي البائع بالثمن مع التلف اتفاقا مع أنه إنما ضمنه الثمن بإزاء هذا الشي‌ء الذي هو مال الغير فكما أن التضمين هنا حقيقي و كون المثمن مالا له اعتقادي لا يقدح حينئذ تخلفه في التضمين فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه علي ملك المثمن عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله. قلت الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن و خسارته عليه و إذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك. و ما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد علي كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك و التملك منهما ادعاء مع عدم كون البائع أهلا لذلك في الواقع و إلا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين و الضمان و التضمين الحقيقي بالنسبة إليهما و لذا ينتقل الثمن إلي مالك المبيع و يدخل في ضمانه بمجرد الإجازة. و الحاصل أنه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع علي الثمن و أما رجوع المشتري مع اعتقاد المتابعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطإ مع أنه إنما ضمنه بمال الغير فلعدم طيب نفسه علي تصرف البائع فيه دون ضمان و إن كان ما ضمنه به غير ملك له و لا يتحقق به التضمين لأنه إنما طابت نفسه بتصرف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكا له و صيرورته مباحا له بتسليطه عليه و هذا مفقود فيما نحن فيه لأن طيب النفس بالتصرف- و الإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل. و مما ذكرنا يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشتري بالفساد حيث إنه ضمن البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به و كذا البائع مع علمه بالفساد ضمن المشتري بما يعلم أن المشتري لا يضمن به فكأنه لم يضمنه بشي‌ء وجه الفساد أن التضمين الحقيقي حاصل هنا لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر أن فساد العقد مانع عن مضي هذا الضمان و التضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص صار أصل إقدام الشخص علي الضمان الحقيقي أو قاعدة إثبات اليد علي مال من دون
المكاسب، ج‌2، ص 146
تسليط مجاني أو استيمان عن مالكه موجبا لضمانه علي الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه و شي‌ء منهما غير موجود فيما نحن فيه كما أوضحناه بما لا مزيد عليه.
و حاصله أن دفع المال إلي الغاصب ليس إلا كدفعه إلي ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع و تسليطه علي إتلافه في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلي هذا الثالث.
نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك كالخمر و الخنزير و الحر قوي اطراد ما ذكرنا فيه من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال- كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد هذا و لكن إطلاق قولهم أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه نظرا إلي أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ففاسده كذلك إلا أن يفسر بما أبطلناه سابقا من أن كل عقد يضمن علي فرض صحته يضمن علي فرض فساده و لا ريب أن العقد فيما نحن فيه و في مثل المبيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة إذا فرض صحيحا لا يكون فيها ضمان فكذلك مع الحكم بالفساد لكنك عرفت ضعف هذا المعني فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية فإن معناه أن كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه فيختص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا و أخري فاسدا. نعم يمكن تطبيق المعني المختار فيما نحن فيه و شبهه بأن لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح بل يراد مطلق المعاملة المالية التي لا يوجد لها فردان صحيح و فاسد فيقال إن ما نحن فيه و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر و الفرد الصحيح من هذه المعاملة و هي الهبة غير المعوضة لا ضمان فيها ففاسدها كذلك فتأمل و بالجملة فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض و لذا لم يصرح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن مع اتفاقهم عليه و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. نعم ذكر الشهيد رحمه الله و غيره عدم الضمان في الإجارة بلا أجرة و يؤيد ما ذكرنا ما دل من الأخبار علي كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا و إن أمكن الذب عنه بأن المراد التشبيه في التحريم فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت ثم إن مقتضي ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه بل باع عن المالك و دفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلي المالك فتلف في يده- إذ لم يسلطه عليه و لا إذن له في التصرف فيه فضلا عن إتلافه و لعل كلماتهم و معاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع لنفسه و إن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضولية و كذا يقوي الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري بل أخذه بناء علي العقد الواقع بينهما فإنه لم يحصل هنا من المشتري تسليط إلا بالعقد و التسليط العقدي مع فساده غير مؤثر في دفع الضمان و يكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع فيه مع اتفاقهم ظاهرا علي عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة و كذا يقوي الضمان لو اشترط علي البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها و لو كان الثمن كليا فدفع إليه المشتري بعض أفراده فالظاهر عدم الرجوع لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا.

المسألة الثانية أن المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن

اشارة

فإما أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة علي الثمن إذا رجع المالك بها علي المشتري كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين و الثمن عشرة و إما أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار و وطء الجارية و اللبن و الصوف و الثمرة و إما أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع كالنفقة و ما صرفه في العمارة و ما تلف منه أو ضاع من الغرس و الحفر أو إعطائه قيمة للولد المنعقد حرا و نحو ذلك أو نقص من الصفات و الأجزاء

[لو كان عالما بالفضولية]

ثم المشتري إن كان عالما فلا رجوع له في شي‌ء من هذه الموارد لعدم الدليل عليه

[لو كان جاهلا بالفضولية]

اشارة

و إن كان جاهلا فأما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض. و عن الكفاية رجوع المشتري الجاهل بها علي البائع بل في كلام بعض تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد دعوي الإجماع علي الرجوع ما لم يحصل في مقابله نفع و في السرائر أنه يرجع قولا واحدا و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرر للمشتري و موقع إياه في خطرات الضمان و متلف عليه ما يغرمه فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع من شهادته و القاعدة نفي الضرر مضافا إلي ظاهر رواية جميل أو فحواها: عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي‌ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت فإن حرية ولد المشتري إما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا و علي التقديرين يثبت المطلوب مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها أخذت منه نوع إشعار لعلية الحكم فيطرد في سائر ما أخذ منه

[توجيه بعض الروايات الساكتة عن رجوع المشتري إلي البائع

و أما السكوت عن رجوع المشتري إلي البائع- في بعض الأخبار فهو لعدم كونه مسوقا لذلك كرواية زرارة: في رجل اشتري من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلي أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها و رواية زريق قال: كنت عند أبي عبد الله ع يوما إذ دخل عليه رجلان فقال أحدهما إنه كان علي مال لرجل من بني عمار و له بذلك حق و شهود فأخذ المال و لم أسترجع عنه الذكر بالحق و لا كتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة بذلك و ذلك لأني وثقت به و قلت له مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقه و عقيب هذا طالبني بالمال وراثه و حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت عن الحاكم فباع علي قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال و هذا رجل
المكاسب، ج‌2، ص 147
من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي ثم إن ورثة الميت أقروا أن أباهم قد قبض المال و قد سألوه أن يرد علي معيشتي و يعطونه الثمن في أنجم معلومة فقال إني أحب أن تسأل أبا عبد الله ع عن هذا فقال الرجل يعني المشتري كيف أصنع جعلت فداك قال تصنع أن ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة إلي صاحبها و تخرج يدك عنها قال فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا قال نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع و إما أن يصبر عليك إلي وقت حصاد الزرع فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له و رد عليك القيمة و كان الزرع له قلت جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا قال له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه قلت أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء فقال يرد ذلك إلي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها علي صاحبها و رد البناء و الغرس و كل محدث إلي ما كان أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الأرض كلما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب كل ذلك مردود إليه. و فيه مع أنا نمنع ورودها- إلا في مقام حكم المشتري مع المالك أن السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلي البائع مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجه إليه غرم لأن الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه علي طبق البينة المأمور بالعمل بها و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف- و تصرفه في أمور المسلمين فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

[ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة]

و أما الثاني و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع و النماء ففي الرجوع بها خلاف أقواهما الرجوع وفاقا للمحكي عن المبسوط و المحقق و العلامة في التجارة و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم. و عن التنقيح بأن عليه الفتوي لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم مال الغير إلي غيره الجاهل فأكله و تؤيده قاعدة نفي الضرر- فإن تغريم من أقدم علي إتلاف شي‌ء من دون عوض مغرورا من آخر بأن له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه إلي من غره في ذلك ضرر عظيم و مجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر و كيف كان فصدق الضرر و إضرار الغار به مما لا يخفي خصوصا في بعض الموارد فما في الرياض من أنه لا دليل علي قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام لوصول العوض إلي المشتري لا يخلو عن شي‌ء مضافا إلي ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور بل هي مبنية علي قوة السبب علي المباشر لكنه لا يخلو من نظر لأنه إنما يدعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة و الإجماع بصورة الضرر و أما قوة المسبب علي المباشر فليست بنفسها دليلا علي رجوع المغرور إلا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره و كما في الريح العاصف الموجب للإحراق و الشمس الموجبة لإذابة الدهن و إراقتها و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلي المباشر أصلا كما نسب إلي ظاهر الأصحاب في المكره لكون المباشر بمنزلة الآلة و أما في غير ذلك فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلي دليل مفقود فلا بد من الرجوع بالأخرة إلي قاعدة الضرر أو الإجماع المدعي في الإيضاح علي تقديم السبب إذا كان أقوي أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة أو كون الغار سببا في تغريم المغرور فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته و لا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه أما الأخير فواضح و أما الأول فقد عرفته و أما الإجماع و الأخبار فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة إلا أن تحققهما في نظائر المسألة كاف فإن رجوع آكل طعام الغير إلي من غره بدعوي تملكه و إباحته له مورد الإجماع ظاهرا و رجوع المحكوم عليه إلي شاهدي الزور مورد الأخبار و لا يوجد فرق بينهما و بين ما نحن فيه أصلا. و قد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبري إلي منع الصغري فإن الإنصاف أن مفهوم الغرر و الموجب للرجوع في باب الإتلاف و إن كان غير منقح إلا أن المتيقن منه ما كان إتلاف المغرور لمال الغير و إثبات يده عليه لا بعنوان أنه مال الغير بل قصده إلي إتلافه مال نفسه أو مال من أباح له الإتلاف فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير فيشبه المكره في عدم القصد هذا كله مضافا إلي ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة بناء علي أن حرية الولد منفعة راجعة إلي المشتري و هو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء علي تفسير المسالك و فيه تأمل.

[ما يغترمه في مقابل العين

ثم إن ما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين- من زيادة القيمة علي الثمن الحاصلة وقت العقد كما لو باع ما ساوي عشرين بعشرة فتلف فأخذ منه المالك عشرين فإنه لا يرجع بعشرة الثمن و إلا لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغره في ذلك لأنه لو فرض صدق البائع في دعوي الملكية لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع و أما العشرة الزائدة فإنما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه فحصل الغرور فوجب الرجوع. و مما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أن المشتري إنما أقدم علي ضمان العين و كون تلفها منه كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه و مع الإقدام لا غرور و لذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن. توضيح الاندفاع- أن الإقدام إنما كان علي ضمانه بالثمن إلا أن الشارع جعل القبض علي هذا النحو من الإقدام مع فساد العقد و عدم إمضاء الشارع له سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية فالمانع من تحقق الغرور و هو الإقدام لم يكن إلا في مقابل الثمن و الضمان المسبب عن هذا الإقدام لما كان لأجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا علي الغار
المكاسب، ج‌2، ص 148
فغرامة العشرة الزائدة و إن كانت مسببة عن الإقدام إلا أنها ليست مقدما عليها هذا كله مع أن التحقيق علي ما تقدم سابقا- أن سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا علي وجه الائتمان و أن ليس الإقدام علي الضمان علة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان و إن استدل به الشيخ و أكثر من تأخر عنه و قد ذكرنا في محله توجيه ذلك بما يرجع إلي الاستدلال باليد فراجع و كيف كان فجريان قاعدة الغرر فيما نحن فيه أولي منه فيما حصل في مقابلته نفع هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولي

[ما يغترمه بإزاء الأجزاء التالفة]

هذا كله فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة. و أما ما يغرمه المشتري بإزاء أجزائه التالفة فالظاهر أن حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد علي ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله علي ما اخترناه و يجي‌ء علي القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

[ما يغترمه بإزاء الأوصاف التالفة]

و أما ما يغرمه بإزاء أوصافه فإن كانت مما لا يسقط عليه الثمن كما عدا وصف الصحة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت فالظاهر رجوع المشتري علي البائع لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك.

[حكم ما يغترمه المشتري فيما إذا كان البيع فاسدا من غير جهة الفضولية]

ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشتري علي البائع بما يغرمه إنما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا- من غير جهة كون البائع غير مالك- أما لو كان فاسدا من جهة أخري فلا رجوع علي البائع لأن الغرامة لم تجي‌ء من تغرير البائع في دعوي الملكية و إنما جاءت من جهة فساد البيع فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة غاية الأمر كون المغروم له هو البائع علي تقدير الصدق و المالك علي تقدير كذبه فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به علي تقديري صدق البائع و كذبه ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن كل ما يرجع المشتري به علي البائع إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به علي المشتري إذا رجع عليه- لأن المفروض قرار الضمان علي البائع. و أما ما لا يرجع المشتري به علي البائع كمساوي الثمن من القيمة فيرجع البائع به علي المشتري إذا غرمه للمالك و الوجه في ذلك حصول التلف في يده.

[حكم المالك بالنسبة إلي الأيادي المتعاقبة]

فإن قلت إن كلا من البائع و المشتري- يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب للضمان و حصول التلف في يد المشتري لا وجه له و لا دليل علي كونه سببا لرجوع البائع عليه. نعم لو أتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق. قلت توضيح ذلك يحتاج إلي الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف- و صيرورته في عهدة كل منهما مع أن الشي‌ء الواحد لا يعقل استقراره إلا في ذمة واحدة و أن الموصول في قوله علي اليد ما أخذت شي‌ء واحد كيف يكون علي كل واحدة من الأيادي المتعددة فنقول معني كون العين المأخوذة علي اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه فإذا فرضت أيد متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي لكن ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعددة معناه لزوم خروج كل منها عن العهدة عند تلفها و حيث إن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد كان معناه تسلط المالك علي مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه فهو يملك ما في ذمة كل منهم علي البدل بمعني أنه إذا استوفي من أحدهم سقط من الباقي لخروج الباقي عن كونه تداركا لأن المتدارك لا يتدارك. و الوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي أن مطالبته ما دام لم يحصل إليه المبدل و لا بد له فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله فلو بقي شي‌ء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر. و يتحقق مما ذكرنا أن المالك إنما يملك البدل علي سبيل البدلية إذ يستحيل اتصاف شي‌ء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف و أصلا إلي المالك و يمكن أن يكون نظير ذلك ضمان المال علي طريقة الجمهور حيث إنه ضم ذمة إلي ذمة أخري و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا كما في الإيضاح و ضمان الأعيان المضمونة علي ما استقر به في التذكرة و قواه في الإيضاح و ضمان الاثنين لواحد كما اختاره ابن حمزة. و قد حكي فخر الدين و الشهيد عن العلامة في درسه أنه نفي المنع من ضمان الاثنين علي وجه الاستقلال قال و نظيره في العبادات الواجب الكفائي و في الأموال الغاصب من الغاصب هذا حال المالك بالنسبة إلي ذوي الأيدي.

[حكم الأيادي المتعاقبة بعضها بالنسبة إلي بعض

و أما حال بعضهم بالنسبة إلي بعض فلا ريب في أن اللاحق إذا رجع عليه لا يرجع إلي السابق- ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان كما لا ريب في أن السابق إذا رجع عليه و كان غارا للاحقه لم يرجع إليه إذ لا معني لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له فنقول إن الوجه في رجوعه هو أن السابق اشتغلت ذمته له بالبدل قبل اللاحق فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل فهذا الضمان يرجع إلي ضمان واحد من البدل و المبدل علي سبيل البدل إذ لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل و إلا خرج بدله عن كونه بدلا فما يدفعه الثاني فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول فإنه تدارك نفس العين معينا إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد فإن أداه إلي المالك سقط تدارك الأول له و لا يجوز دفعه إلي الأول قبل دفع الأول إلي المالك لأنه من باب الغرامة و التدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول فحال الأول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنه يستحق الدفع إليه إلا بعد الأداء. و الحاصل أن من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين علي البدل من المالك و من سبقه في اليد فتشتغل ذمته إما بتدارك العين و إما بتدارك ما تداركها و هذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين علي البدل كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمة إشخاص علي البدل لشي‌ء واحد لشخص واحد و ربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلي من تلف في يده لو رجع عليه إن ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل و إن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب
المكاسب، ج‌2، ص 149
بأداء ما اشتغلت ذمته به فيملك حينئذ من أدي بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية قال و بذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي إذ لا دليل علي شغل ذمم متعددة بمال واحد فحينئذ يرجع عليه و لا يرجع هو انتهي و أنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره بأن خطابه ذمي و خطاب غيره شرعي مع كون دلالة علي اليد ما أخذت بالنسبة إليهما علي السواء. و المفروض أنه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء و الخطاب الذمي مع أنه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كل من ذوي الأيدي مشغول الذمة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم أو إبراء المالك نظير الاشتغال بغيره من الديون في إجباره علي الدفع أو الدفع عنه من ماله و تقديمه علي الوصايا و الضرر فيه مع الغرماء و مصالحة المالك عنه مع آخر إلي غير ذلك من أحكام ما في الذمة مع أن تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري و لا قهري بل المتجه علي ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد أداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك مع أن اللازم مما ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن لحقه في الأيدي العادية إلا بمن تلف في يده مع أن الظاهر خلافه فإنه يجوز له أن يرجع إلي كل واحد ممن بعده. نعم لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلي أحد لواحقه إلي أن يستقر علي من تلفت في يده

[لو كانت العين باقية في الأيادي المتعاقبة]

هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري و قد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين و أنه يرجع المالك بها علي من في يده أو من جرت يده عليها فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده غرم للمالك بدل الحيلولة- و للمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة و لا ترتفع سلطنة المالك علي مطالبة الأول بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني لأن عهدتها علي الأول فيجب عليه تحصيلها و إن بذل ما بذل. نعم ليس للمالك أخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه و لو لم يقدر علي استردادها إلا المالك و طلب من الأول عوضا عن الاسترداد فهل يجب عليه بذل العوض أو ينزل منزلة التعذر فيغرم بدل الحيلولة أو يفرق بين الأجرة المتعارفة للاسترداد و بين الزائدة عليها مما يعد إجحافا علي الغاصب الأول وجوه هذا كله مع عدم تغير العين و أما إذا تغيرت فتجي‌ء فيه صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها و إن كان كثير مما ذكرنا أيضا مما لا يناسب ذكره إلا في باب الغصب إلا أن الاهتمام بها دعاني إلي ذكرها في هذا المقام بأدني مناسبة اغتناما للفرصة وفقنا الله لما يرضيه عنا من العلم و العمل إنه غفار الزلل.

مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه

فعلي القول ببطلان الفضولي فالظاهر أن حكمه حكم ما يقبل الملك مع ما لا يقبله- و الحكم فيه الصحة لظهور الإجماع بل دعواه عن غير واحد مضافا إلي صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان الفضولي من قوله ع: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك و لما ذكرنا قال بها من قال ببطلان الفضولي كالشيخ و ابن زهرة و الحلي و غيرهم. نعم لو لا النص و الإجماع أمكن الخدشة فيه بما سيجي‌ء في بيع ما يملك و ما لا يملك و أما علي القول بصحة الفضولي فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة بل و كذا مع الرد فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ للمشتري- مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة و سيجي‌ء في أقسام الخيار بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع لكن عن الغنية الجزم بعدمه و يؤيده صحيحة الصفار و ربما حمل كلام الشيخ علي ما إذا ادعي البائع الجهل أو الإذن و كلام الغنية علي العالم ثم إن صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم ربا و بيع آبق من دون ضميمة و سيجي‌ء الكلام في محله ثم إن البيع المذكور صحيح- بالنسبة إلي المملوك بحصته من الثمن و موقوف في غيره بحصته و طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلي أن يقوم كل منهما منفردا فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلي مجموع القيمتين مثاله كما عن السرائر ما إذا كان ثمنها ثلاثة دنانير و قيل إن قيمة المملوك قيراط و قيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن و ما ذكرنا من الطريق هو المصرح به في الإرشاد حيث قال و يسقط المسمي علي القيمتين و لعله أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من أنهما يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما و لهذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الإرشاد حيث قال طريق تقسيط المسمي علي القيمتين إلي آخره. لكن الإنصاف أن هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها علي عبارة الإرشاد التي اخترناها في طريق التقسيط و استظهرناه من السرائر إذ لو كان المراد من تقويمها معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج إلي قولهم ثم يقوم أحدهما ثم تنسب قيمته إذ ليس هنا إلا أمران تقويم كل منهما و نسبة قيمته إلي مجموع القيمتين فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلي قيمة المجموع و من هنا أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد إطلاق القول بذلك إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب و زوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم أحدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة فإنه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين إلي العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة فيبقي للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد مع أنه لم يستحق من الثمن إلا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين و نصفا. و الحاصل أن البيع إنما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الإجازة و يصح في نصيب المالك بحصة كأن يأخذها مع إجازة مالك الجزء الآخر هذا و لكن الظاهر أن كلام الجماعة إما محمول علي الغالب من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع أو مرادهم من تقويمهما تقويم كل منهما منفردا و يراد من تقويم أحدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين و إلا ففساد الضابط المذكور في كلامهم
المكاسب، ج‌2، ص 150
لا يحتاج إلي النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي لا يمكن القول فيها و إن كان ضعيفا بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد و بين قيمة المجموع بل تنتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد فإن هذه فرض ممكن كما صرح به في رهن جامع المقاصد و غيره فإن الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن كما لو باع جارية مع أمها قيمتهما مجتمعتين عشرة و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية فإن نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلي مجموع القيمتين- نسبة الشي‌ء إلي مماثله فيرجع بكل الثمانية و كأن من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا أو كان عنده غير ممكن. فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا و نسبة قيمة أحدهما إلي مجموع القيمتين فإن قلت إن المشتري إنما بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر و هذا الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما فالبائع إنما يستحق من الثمن ما يوزع علي ماله منفردا فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلي العشرة و هو درهم واحد فالزيادة ظلم علي المشتري و إن كان ما أوهمته عبارة الشرائع و شبهها من أخذ البائع أربعة و المشتري واحدا أشد ظلما كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة فاللازم أن يقسط الثمن علي قيمة كل من الملكين منفردا أو علي هيئته الاجتماعية و يعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا و يبقي للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا و قيمة هيئته الاجتماعية. قلت فوات وصف الانضمام- كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات و إن كان مضمونا في باب العدوان غاية الأمر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة و لا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع و ملك غيره متعددين في الوجود كعبد و جارية أو متحدين كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره فإنه لا يوزع الثمن علي قيمة المجموع أثلاثا لأن الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان لكونه أقل رغبة منه بل يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين و يؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة هذا كله في القيمي أما المبيع المثلي- فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس المبيع فيقابل كل من حصتي البائع و الأجنبي بما يخصه و إن كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة قيمتي الحصتين و تقسيط الثمن علي المجموع فافهم.

مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار

فإن علم أنه أراد نصفه أو نصف الغير عمل به و إلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار إلا مفهوم هذا اللفظ ففيه احتمالان حمله علي نصفه المملوك له و حمله علي النصف المشاع بينه و بين الأجنبي و منشأ الاحتمالين إما تعارض ظاهره النصف أعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلي نصفه المختص و إن لم يكن له هذا الظهور في غير المقام و لذا يحمل الإقرار علي الإشاعة كما سيجي‌ء أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه لأن بيع مال الغير لا بد فيه إما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه و إما من بنائه علي تملكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب و الكل خلاف المفروض هنا. و مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين قول البائع بعت غانما مع كون الاسم مشتركا بين عبده و عبد غيره حيث ادعي فخر الدين الإجماع علي انصرافه إلي عبده فقاس عليه ما نحن فيه إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير فيبقي ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع و انصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلي مال المتصرف سليمين عن المعارض فيفسر بهما إجمال لفظ المبيع ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه فهل هو كالأجنبي وجهان مبنيان علي أن المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ المبيع إلي مال البائع في مقام التصرف أو ظهور التمليك في الأصالة الأقوي هو الأول لأن ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق و ظهور النصف في المشاع و إن كان كذلك أيضا إلا أن ظهور المقيد وارد علي ظهور المطلق. و ما ذكره الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي إلي مدلول اللفظ و إن كان مرجعه إلي ظهور وارد علي ظهور المقيد إلا أنه مختص بالفضولي لأن القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الولي فالأقوي فيهما الاشتراك في البيع تحكيما لظاهر النصف إلا أن يمنع ظهور النصف إلا في النصف المشاع في المجموع و أما ملاحظة حقي المالكين و إرادة الإشاعة في الكل من حيث إنه مجموعهما فغير معلومة- بل معلومة العدم بالفرض. و من المعلوم أن النصف المشاع بالمعني المذكور يصدق علي نصفه المختص فقد ملك كليا يملك مصداقه فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك عن غيره أيضا لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره فإن الظاهر وقوعه لنفسه لأنه عقد علي ما يملكه فصرفه إلي الغير من دون صارف لا وجه له و لعله لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي لا نصف الباقي و قيمة نصف الموهوب و إن ذكروا ذلك احتمالا و ليس إلا من جهة صدق النصف علي الباقي فيدخل في قوله تعالي فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ و إن كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات بل لا تغاير بينهما إلا بالاعتبار فلا وجه لاعتبار القيمة نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيمية لكن الظاهر أنهم لم يريدوا هذا الوجه و إنما عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح- من أنه إذا أقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث فصالحه المقر له علي ذلك النصف كان النصف مشاعا في نصيبها فإن أجاز شريكه نفذ في المجموع و إلا نفذ في الربع فإن مقتضي ما ذكروه هنا اختصاص المصالحة بنصف المقر له لأنه إن أوقع الصلح علي نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقر أو معه و إن أوقعه علي مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلي حصته فلا وجه لاشتراكه بينه و بين
المكاسب، ج‌2، ص 151
شريكه و لذا اختار سيد مشايخنا قدس الله أسرارهم اختصاصه بالمقر له و فصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح علي نصفه أو مطلق النصف و بين ما إذا وقع علي النصف الذي أقر به ذو اليد فاختار مذهب المشهور في الثالث لأن الإقرار منزل علي الإشاعة و حكمه بالاختصاص في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول و انصرافا في الثاني إلي النصف المختص و اعترضه في مجمع الفائدة بأن هذا ليس تفصيلا بل مورد كلام المشهور هو الثالث لفرضهم المصالحة علي ذلك النصف المقر به و تمام الكلام في محله و علي كل حال فلا إشكال في أن لفظ النصف المقر به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه إلي نصفه يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه و لهذا أفتوا ظاهرا علي أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما علي نصف العين بأن ثلث العين لفلان حمل علي الثلث المشاع في النصيبين- فلو كذبه الشريك الآخر دفع المقر إلي المقر له نصف ما في يده لأن المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلي المقر و المقر له علي حد سواء فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع علي الاستحقاق. و دعوي أن مقتضي الإشاعة تنزيل المقر به علي ما في يد كل منهما فيكون في يد المقر سدس و في يد المنكر سدس كما لو صرح بذلك و قال إن له في يد كل منهما سدسا و إقراره بالنسبة إلي ما في يد الغير غير مسموع فلا يجب إلا أن يدفع إليه ثلث ما في يده و هو السدس المقر به و قد تلف السدس الآخر بزعم المقر علي المقر له بتكذيب المنكر مدفوعة بأن ما في يد الغير ليس عين ماله فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره و دار غيره بل هو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر و حصة المقر له بزعم المقر إلا أنه لما يجبر المكذب علي دفع شي‌ء مما في يده فقد تلف سدس مشاع يوزع علي المقر و المقر له فلا معني لحسابه علي المقر له وحده إلا علي احتمال ضعيف و هو تعلق الغصب بالمشاع و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك فيتمحض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه و ما يأخذه الشريك لنفسه لكنه احتمال مضعف في محله و إن قال به أو مال إليه بعض علي ما حكي للحرج أو السيرة. نعم يمكن أن يقال في هذا المقام بأن التلف في المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر و الشارع إنما أذن له في أخذ ما يأخذه علي أنه من مال المقر له فالشارع إنما حسب السدس في يد المنكر علي المقر له فلا يحسب منه علي المقر شي‌ء و ليس هذا كأخذ الغاصب جزء معينا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتي يحسب علي كلا الشريكين. و الحاصل أن أخذ الجزء لما كان بإذن الشارع و إنما أذن له علي أن يكون من مال المقر له و لعله لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح إلي الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب أن أحد الأخوين إذا أقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده و هو الثالث و لا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلي أنه أقر بتساويهما في مال المورث و كل ما حصل كان لهما و كل ما نوي كذلك هذا و لكن لا يخفي ضعف هذا الاحتمال من جهة أن الشارع ألزم بمقتضي الإقرار معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به. و من المعلوم أن مقتضي الواقع لو فرض العلم بصدق المقر هو كون ما في يده علي حسب إقراره بالمناصفة و أما المنكر فإن كان عالما فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه إلا ما قابل حصته عما في يدهما و الزائد حق لهما عليه. و أما مسألة الإقرار بالنسب فالمشهور و إن صاروا إلي ما ذكر و حكاه الكليني عن الفضل بن شاذان علي وجه الاعتماد بل ظاهره جعل فتواه كروايته إلا أنه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة حتي قوي في المسالك الحمل علي الإشاعة و تبعه سبطه و السيد [صاحب الرياض في شرحي النافع. و الظاهر أن مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث كالفضل و الكليني بل و غيرهما. فروي الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا عن وهب بن وهب أبي البختري عن جعفر ابن محمد عن أبيه ع قال: قضي
علي ع في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين علي أبيه أنه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك علي الورثة و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا و كذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته و بالإسناد قال قال علي ع:
من أقر لأخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه فإن أقر اثنان فكذلك إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم. و عن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد و تمام الكلام في محله من كتاب الإقرار و الميراث إن شاء الله.

مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله

كالخمر و الخنزير صفقة بثمن واحد صح في المملوك عندنا كما في جامع المقاصد و إجماعا كما عن الغنية و يدل عليه إطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة و دعوي انصرافه إلي صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة بل اللزوم في العقود عدا ما يقال من أن التراضي و التعاقد إنما وقع علي المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا فالحكم بالإمضاء في البعض مع كونه مقصودا إلا في ضمن المركب يحتاج إلي دليل آخر غير ما دل علي حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض و لذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه و قد نبه عليه في جامع المقاصد في باب فساد الشرط و ذكر أن في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا و تمام الكلام في باب الشروط- و يكفي هنا الفرق بالنص و الإجماع. نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري لما ذكر في المسالك وفاقا للمحكي في التذكرة عن الشافعي من جهة إفضائه إلي الجهل بثمن المبيع قال في التذكرة بعد ذلك و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرية الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه انتهي. و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلي نقله عرفا و إن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل حقيقة فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع و حكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عما يحكم عليه من الشارع مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن إلي المملوك لا البطلان لأن المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه سلامة البعض له قادم علي ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه
المكاسب، ج‌2، ص 152
حيث قال إن هذا الحكم مقيد بجهل المشتري بعين المبيع و حكمه و إلا لكان البذل بإزاء المملوك ضرورة أن القصد إلي الممتنع كلا قصد انتهي لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور حيث حكموا بالتقسيط- و إن كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن إلي البائع لأنه سلطه عليه مجانا فإن مقتضي ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك إما لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي و إما لبقاء ذلك القسط له مجانا كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك إلا أنك قد عرفت أن الحكم هناك لا يكاد ينطبق علي القواعد ثم إن طريق تقسيط الثمن علي المملوك و غيره- يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير من أن العبرة بتقويم كل منهما منفردا و نسبة قيمة المملوك إلي مجموع القيمتين لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك. و قد ذكروا أن الحر يفرض عبدا بصفاته و يقوم و الخمر و الخنزير يقومان بقيمتهما عند من يراهما مالا و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين علي ذلك لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفار و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنه شاة و الخمر بعنوان أنها خل فبان الخلاف- بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل و الشاة كالحر.

[القول في أولياء التصرف

مسألة يجوز للأب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل- بالبيع و الشراء

اشارة

و يدل عليه قبل الإجماع الأخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة و فحوي سلطنتهما علي بضع البنت في باب النكاح

[عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب و الجد]

و المشهور عدم اعتبار العدالة للأصل و الإطلاقات و فحوي الإجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق في التزويج خلافا للمحكي عن الوسيلة و الإيضاح فاعتبراها فيهما مستدلا في الأخير بأنها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه و لا يصرف عن ماله و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا تقبل إقراراته و إخباراته عن غيره مع نص القرآن علي خلافه انتهي. و لعله أراد بنص القرآن آية الركون إلي الظالم التي أشار إليها في جامع المقاصد و في دلالة الآية نظر و أضعف منها ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة إذ المحذور يندفع كما في جامع المقاصد بأن الحاكم متي ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل عزله و منعه من التصرف في ماله و إثبات اليد عليه و إن لم يظهر خلافه فولايته ثابتة و إن لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد و تتبع سلوكه و شواهد أحواله انتهي

و هل يشترط في تصرفه المصلحة- أو يكفي عدم المفسدة أم لا

يعتبر شي‌ء وجوه- يشهد للأخير إطلاق ما دل علي أن مال الوالد للوالد كما في رواية سعد بن يسار و أنه و ماله لأبيه كما في النبوي المشهور و صحيحة ابن مسلم: إن الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء و ما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا ع: من أن علة تحليل مال الولد لوالده أن الولد موهوب للوالد في قوله تعالي يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ و يؤيده أخبار جواز تقويم جارية الابن علي نفسه لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب- كما يشهد له قوله ع في رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله ع ما يحل للرجل من مال ولده قال قوته بغير سرف إذا اضطر إليه قال فقلت له فقول رسول الله ص للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له أنت و مالك لأبيك فقال إنما جاء بأبيه إلي النبي ص فقال يا رسول الله هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و علي نفسه فقال النبي ص أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي‌ء أو كان رسول الله ص يحبس الأب للابن و نحوها صحيحة أبي حمزة الثمالي: عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر ع ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه أن الله لا يحب الفساد. فإن الاستشهاد بالآية يدل علي إرادة الحرمة من عدم الحب دون الكراهة و أنه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل هذا كله مضافا إلي عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإن إطلاقه يشمل الجد و يتم في الأب بعدم الفصل و مضافا إلي ظهور الإجماع علي عدم اعتبار المفسدة بل في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع تبعا لشيخه في شرح القواعد علي إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة و ليس ببعيد فقد صرح به في محكي المبسوط حيث قال و من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة الأب و الجد للأب و وصي الأب و الجد و الحاكم و من يأمره ثم قال و كل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا علي وجه الاحتياط و الحظ للصغير لأنهم إنما نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه علي وجه لا حظ فيه كان باطلا لأنه خلاف ما نصب له انتهي و قال الحلي في السرائر لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا بما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه إلي الطفل دون المتصرف فيه و هذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب انتهي. و قد صرح بذلك أيضا المحقق و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم بل في شرح الروضة للفاضل الهندي أن المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء و استظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين. و قد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد أن قطب الدين قدس سره نقل عن العلامة رحمه الله أنه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الإتلاف بالاقتراض لأنا قائلون بجواز اقتراض ماله و هو يستلزم جواز إتلافه قال و توقف زاعما أنه لا يقدر علي مخالفة الأصحاب هذا و لكن الأقوي كفاية عدم المفسدة- وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم لمنع دلالة الروايات علي أكثر من النهي عن الفساد فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد علي الولد و ماله. و أما الآية الشريفة فلو سلم دلالتها فهي مخصصة بما دل علي ولاية الجد و سلطته الظاهرة في أن له أن يتصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة له فإن ما دل علي ولاية الجد في النكاح معللا بأن البنت و أباها للجد. و قوله ص: أنت و مالك لأبيك خصوصا مع استشهاد الإمام ع به في مضي نكاح الجد بدون إذن الأب ردا علي من أنكر ذلك و حكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الأمراء و غير ذلك يدل علي ذلك مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد دون الأب و دعوي عدم القول بالفصل ممنوعة فقد حكي عن بعض متأخري المتأخرين
المكاسب، ج‌2، ص 153
القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر

[مشاركة الجد و إن علا للأب في الحكم

ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعي في أن الجد و إن علا يشارك الأب في الحكم و يدل عليه ما دل علي أن الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه و ما دل علي أن الولد و والده لجده

و لو فقد الأب و بقي الجد فهل أبوه أو جده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص هو بالولاية

قولان من ظاهر أن الولد و والده لجده و هو المحكي عن ظاهر جماعة و من أن مقتضي قوله تعالي وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ كون القريب أولي بقريبه من البعيد فينفي ولاية البعيد و خرج منه الجد مع الأب و بقي الباقي و ليس المراد من لفظ الأولي التفضيل مع الاشتراك في المبدأ بل هو نظير قولك هو أحق بالأجر من فلان و نحوه و هذا محكي عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية و للمسألة مواضع أخر تأتي إن شاء الله.

مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم

اشارة

و المراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوي و قد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر أكثر حضار مجلس المذاكرة فنقول مستعينا بالله

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة

أحدها الإفتاء فيما يحتاج إليها العامي في علمه

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات الاستنباطية من حيث ترتب حكم فرعي عليها و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه إلا ممن لا يري جواز التقليد للعامي و تفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلي مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني الحكومة

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات و غيرها في الجملة و هذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف فتوي و نصا و تفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم و المحكوم به و المحكوم عليه موكول إلي كتاب القضاء.

الثالث ولاية التصرف في الأموال و الأنفس

اشارة

و هو المقصود بالتفصيل هنا فنقول

الولاية تتصور علي وجهين

الأول استقلال الولي بالتصرف

مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به و مرجع هذا إلي كون نظره سببا في جواز تصرفه.

الثاني عدم استقلال غيره بالتصرف

و كون تصرف الغير منوطا بإذنه و إن لم يكن هو مستقلا بالتصرف و مرجع هذا إلي كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره و بين موارد الوجهين عموم من وجه ثم إذنه المعتبر في تصرف الغير إما أن يكون علي وجه الاستنابة كوكيل الحاكم و إما أن يكون علي وجه التفويض و التولية كمتولي الأوقاف من قبل الحاكم و إما أن يكون علي وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره لفظا في الصلاة علي ميت لا ولي له

[ثبوت الولاية بالمعني الأول للنبي و الأئمة ع

اشارة

إذا عرفت هذا فنقول مقتضي الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد- بشي‌ء من الأمور المذكورة خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالأدلة الأربعة

[الاستدلال بالكتاب

قال الله تعالي النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ و إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ الآية إلي غير ذلك.

[الاستدلال بالروايات

و قال النبي ص كما في رواية أيوب بن عطية: أنا أولي بكل مؤمن من نفسه و قال في يوم غدير خم: أ لست أولي بكم من أنفسكم قالوا بلي قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
و الأخبار في افتراض طاعتهم و كون معصيتهم كمعصية الله كثيرة يكفي في ذلك منها مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة و التوقيع الآتي حيث علل فيه حكومة الفقيه و تسلطه علي الناس بأني قد جعلته كذلك و أنه حجتي عليكم.

[الاستدلال بالإجماع و العقل

و أما الإجماع فغير خفي و أما العقل القطعي فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة أنهم أولياء النعم و غير المستقل حكمه بأن الأبوة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب علي الابن في الجملة كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام علي الرعية بطريق أولي لأن الحق هنا أعظم بمراتب فتأمل. و المقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الإمام مختص بالأوامر الشرعية و أنه لا دليل علي وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته علي الأموال و الأنفس. و بالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة بعد التتبع و التأمل أن للإمام سلطنة مطلقة علي الرعية من قبل الله تعالي و أن تصرفهم نافذ علي الرعية ماض مطلقا هذا كله في ولايتهم بالمعني الأول.

و أما بالمعني الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم

فهو و إن كان مخالفا للأصل إلا أنه قد وردت أخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم و عدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلي المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة علي شخص معين من الرعية كالحدود و التعزيرات و التصرف في أموال القاصرين و إلزام الناس بالخروج عن الحقوق و نحو ذلك يكفي في ذلك ما دل علي أنهم أولو الأمر و الولاية فإن الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع علي شخص خاص و كذا ما دل علي وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلي رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإنه دل علي أن الإمام هو المرجع الأصلي. و ما عن العلل بسنده عن الفضل بن الشاذان: عن مولانا أبي الحسن الرضا ع في علل حاجة الناس إلي الإمام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل و منها أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل عاشوا و بقوا إلا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه من أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بلا رئيس و هو يعلم أنه لا بد لهم منه و لا قوام لهم إلا به هذا مضافا إلي ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و الحكومات و أنها لإمام المسلمين و في الصلاة علي الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد و غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع و كيف كان فلا إشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون إذنهم و رضاهم لكن لا عموم يقتضي أصالة توقف كل تصرف علي الإذن. نعم الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلي رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضي كونهم أولي الأمر و ولاته و المرجع الأصلي في الحوادث الواقعة و المرجع في غير ذلك من موارد الشك إلي إطلاقات أدلة تلك التصرفات إن وجدت علي الجواز أو المنع و إلا فإلي الأصول العملية لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاص مع التمكن منه لم يجز إجراء الأصول لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلي الحجة و إنما تنفع ذلك مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض
و بالجملة فلا يهمنا التعرض لذلك

إنما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه

اشارة

المكاسب، ج‌2، ص 154
بأحد الوجهين المتقدمين فنقول

أما الولاية علي الوجه الأول أعني استقلاله في التصرف

فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء مثل: إن العلماء ورثة الأنبياء و ذلك أن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي‌ء منها أخذ بحظ وافر و أن: العلماء أمناء الرسل. و قوله ع: مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه و قوله ص: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل و في المرسلة المروية في الفقه الرضوي: أن منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل و قوله ع في نهج البلاغة: أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ إلي آخر الآية و قوله ص ثلاثا: اللهم ارحم خلفائي قيل و من خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي و قوله ع في مقبولة [عمر] بن حنظلة: قد جعلته عليكم حاكما و في مشهورة أبي خديجة: جعلته عليكم قاضيا و قوله عجل الله فرجه: هم حجتي عليكم و أنا حجة الله. إلي غير ذلك مما يظفر به المتتبع لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالنبي و الأئمة ص في كونهم أولي بالناس في أموالهم فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف فلا دليل علي وجوب الدفع إليه شرعا. نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما- بدفعهما إلي الفقيه مطلقا أو بعد المطالبة لو أفتي بذلك الفقيه وجب اتباعه إن كان ممن يتعين تقليده ابتداء أو بعد الاختيار فيخرج عن محل الكلام هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار وجب حملها علي إرادة العام من الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته من حيث كونه رسولا مبلغا و إلا لزم تخصيص أكثر أفراد العام لعدم سلطنة الفقيه علي أموال الناس و أنفسهم إلا في موارد قليلة بالنسبة إلي موارد عدم سلطنته. و بالجملة فأقامه الدليل علي وجوب إطاعة الفقيه كالإمام إلا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني أعني توقف تصرف الغير علي إذنه

فيما كان متوقفا علي إذن الإمام ع و حيث إن موارد التوقف علي إذن الإمام غير مضبوطة فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها فنقول كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج إن علم كونه وظيفة شخص خاص كنظر الأب في مال ولده الصغير أو صنف خاص كالإفتاء و القضاء أو كل من يقدر علي القيام به كالأمر بالمعروف فلا إشكال في شي‌ء من ذلك و إن لم يعلم ذلك و احتمل كونه مشروطا في جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع فيه إليه ثم إن علم الفقيه من الأدلة جواز توليته لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاص تولاه مباشرة أو استنابة إن كان مما يري الاستنابة فيه و إلا عطله فإن كونه معروفا لا ينافي إناطته بنظر الإمام ع و الحرمان عنه عند فقده كسائر البركات التي حرمنا منها بفقده عجل الله تعالي فرجه. و مرجع هذا إلي الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده من موجد خاص. أما وجوب الرجوع إلي الفقيه في الأمور المذكورة فيدل عليه مضافا إلي ما يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ص و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه و الانتهاء فيها إلي نظره بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه و إلي ما تقدم من قوله ع: مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه التوقيع المروي في إكمال الدين و كتاب الغيبة و احتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر: إني سألت العمري رضي الله عنه أن يوصل لي إلي الصاحب عجل الله فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت علي فورد الجواب بخطه عليه آلاف التحية و السلام في أجوبتها و فيها و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بد من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلي الرئيس مثل النظر في أموال القاصرين لغيبة أو موت أو صغر أو سفه و أما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه منها أن الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة لا الرجوع في حكمها إليه. و منها التعليل بكونهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإنه إنما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر فكان هذا منصب ولاة الإمام من قبل نفسه لا أنه واجب من قبل الله سبحانه علي الفقيه بعد غيبة الإمام و إلا كان المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم كما وصفهم في مقام آخر بأنهم أمناء الله علي الحلال و الحرام. و منها أن وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلي العلماء الذي هو من بديهيات الإسلام من السلف إلي الخلف مما لم يكن يخفي علي مثل إسحاق ابن يعقوب حتي يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلي رأي أحد و نظره فإنه يحتمل أن يكون الإمام ع قد وكله في غيبته إلي شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان. و الحاصل أن الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه و لا بالمنازعات ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كل معروف لكل أحد مثل قوله ع: كل معروف صدقة و قوله ع: عون الضعيف من أفضل الصدقة و أمثال ذلك و إن كانت عموما من وجه إلا أن الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها و كونها بمنزلة المفسر الدال علي وجوب الرجوع إلي الإمام ع أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر في قوله أُولِي الْأَمْرِ و علي تسليم التنزل عن ذلك فالمرجع بعد تعارض العمومين إلي أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي ولي الأمر هذا لكن المسألة لا تخلو عن إشكال و إن كان الحكم به مشهورا و علي أي تقدير. فقد ظهر مما ذكرنا أن ما دلت عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعية إيجادها في الخارج مفروغا عنها بحيث لو فرض عدم الفقيه كان علي الناس القيام بها كفاية و أما ما يشك في مشروعيته كالحدود
المكاسب، ج‌2، ص 155
لغير الإمام و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجد و ولاية المعاملة علي مال الغائب بالعقد عليه و فسخ العقد الخياري عنه و غير ذلك فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها للفقيه- بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر. نعم الولاية علي هذه و غيرها ثابتة للإمام ع بالأدلة المتقدمة المختصة به مثل آية أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. و قد تقدم أن إثبات عموم نيابته للفقيه عنه ع في هذا النحو من الولاية علي الناس ليقتصر في الخروج عنه علي ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.
و بالجملة فهاهنا مقامان أحدهما وجوب إيكال المعروف المأذون فيه إليه لتقع خصوصياته عن نظره و رأيه كتجهيز الميت الذي لا ولي له فإنه يجب أن تقع خصوصياته من تعيين الغاسل و المغسل و تعيين شي‌ء من تركته للكفن و تعيين المدفن عن رأي الفقيه الثاني مشروعية تصرف خاص في نفس أو مال أو عرض و الثابت بالتوقيع و شبهه هو الأول دون الثاني و إن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعية و عدمها أيضا من وظيفته إلا أن المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة علي المشروعية. نعم لو ثبتت أدلة النيابة عموما تم ما ذكر ثم إنه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية أن السلطان ولي من لا ولي له و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا تحتاج إلي أدلة عموم النيابة. و قد عرفت ما يصلح أن يكون دليلا عليه و أنه لا يخلو عن وهن في دلالته مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بأن المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الإمام و يظهر ذلك من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال من المخالفين كما يكون ذلك للإمام ع إذا ظهر للشك في عموم النيابة و هو في محله. ثم إن قوله ع من لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له بل المراد عدم الملكة يعني أنه ولي من من شأنه أن يكون له ولي بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه فيشمل الصغير الذي مات أبوه و المجنون بعد البلوغ و الغائب و الممتنع و المريض و المغمي عليه و الميت الذي لا ولي له و قاطبة المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة و نحو ذلك لكن يستفاد منه ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور و هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم فتثبت به مشروعية ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين. نعم ليس له فعل شي‌ء لا تعود مصلحته إليهم و إن كان ظاهر الولي يوهم ذلك إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد بمن لا ولي له من من شأنه أن يكون له ولي يراد به كونه ممن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه لا بمعني أنه ينبغي أن يكون عليه ولي له عليه ولاية الأخبار بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه. و الحاصل أن الولي المنفي هو الولي للشخص لا عليه فيكون المراد بالولي المثبت ذلك أيضا فمحصله أن الله جعل الولي الذي يحتاج إليه الشخص و ينبغي أن يكون له هو السلطان فافهم.

مسألة في ولاية عدول المؤمنين

[حدود ولاية المؤمنين

اعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه و هو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذر الوصول فالظاهر جواز توليته لا حاد المؤمنين لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلي شخص و اعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط له بفرض التعدد و كونه شرطا مطلقا له لا شرطا اختياريا مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط لكونه من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة. نعم لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الإمام صح الرجوع إلي أصالة عدم المشروعية كبعض مراتب النهي عن المنكر حيث إن إطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حد الجرح. قال الشهيد رحمه الله في قواعده يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية علي الأصح كدفع ضرورة اليتيم لعموم وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي و قوله ص: و الله تعالي في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه و قوله ص: كل معروف صدقة و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع و تفريقها في أربابها و كذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي فيه وجهان وجه الجواز ما ذكرنا و لأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح تلك الأموال و هي مطلوبة لله تعالي. و قال بعض المتأخرين عن العلامة لا شك أن القيام بهذه المصالح أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها و يصرفونها إلي غير مستحقها فإن توقع إمام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلي حين تمكنه من صرفها إليه و إن يئس من ذلك كما في هذا الزمان تعين صرفه علي الفور في مصارفه لما في إبقائه من التغرير و حرمان مستحقيه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه و لو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتي يصل إليهم و مع اليأس يتصدق بها عنهم و يضمن و عند العامة تصرف في المصارف العامة انتهي. و الظاهر أن قوله فإن توقع إلي آخره من كلام الشهيد رحمه الله و لقد أجاد فيما أفاد إلا أنه لم يبين وجه عدم الجواز و لعل وجهه أن مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه كما في قطع الدعاوي و إقامة الحدود كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب و جد فإن كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلي شخص خاص. نعم لو فرض المعروف علي وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا كحفظ اليتيم من الهلاك الذي يعلم رجحانه علي مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة أو فرض علي وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل أحد إلا أنه خرج ما لو تمكن من الحاكم حيث دلت الأدلة علي وجوب إرجاع الأمور إليه و هذا كتجهيز الميت و إلا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل علي عدم ولاية أحد علي مال أحد أو نفسه و لهذا لا يلزم عقد الفضولي علي المعقود له بمجرد كونه معروفا و مصلحة و لا يفهم من أدلة المعروف ولاية للفضولي علي المعقود عليه لأن المعروف هو التصرف في المال أو النفس علي الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف. و بالجملة تصرف غير الحاكم يحتاج إلي نص عقلي أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي فافهم.
بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولي المصلحة عند فقد الحاكم
كما هو ظاهر أكثر الفتاوي حيث يعبرون بعدول المؤمنين و هو مقتضي الأصل و يمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار أيضا
المكاسب، ج‌2، ص 156
ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره إلي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن إذ لم يكن الميت صبر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج قال فذكرت ذلك لأبي جعفر ع فقلت له يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلي أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما تري في ذلك قال إذا كان القيم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس الخبر بناء علي أن المراد من المماثلة أما المماثلة في التشيع أو في الوثاقة و ملاحظة مصلحة اليتيم و إن لم يكن شيعيا أو في الفقاهة بأن يكون من نواب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين أو في العدالة و احتمال الثالث مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس مع عدم الفقيه و لو مع تعذره و هذا بخلاف الاحتمالات الأخر فإن البأس ثابت للفاسق أو الخائن المخالف و إن تعذر غيرهم فتعين أحدهما الدائر بينها فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها و هو العدل
[ظاهر بعض الروايات كفاية الأمانة]
لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم فيكون مفسرا لاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة. ففي صحيحة علي بن رئاب: رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد و ما تري في بيعهم قال فقال إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم الخبر و موثقة زرعه عن سماعة: في رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقر كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس بناء علي أن المراد من يوثق به و يطمأن بفعله عرفا و إن لم يكن فيه ملكه العدالة لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل علي اشتراط تحقق عنوان العدالة قال: سألت الرضا ع و عن الرجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي‌ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك فإن تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا فقال ع إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك.
[رأي المؤلف في المسألة]
هذا و الذي ينبغي أن يقال أنك قد عرفت أن ولاية غير الحاكم لا تثبت إلا في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدل علي رجحان التصدي لذلك المعروف أو يكون هناك دليل خاص يدل عليه فما ورد فيه نص خاص علي الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا فقد يشمل الفاسق و قد لا يشمل. و أما ما ورد فيه العموم فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق أو تكليفه بالنسبة إلي نفسه و أنه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا و قد يكون بالنسبة إلي ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه علي وجه المصلحة كالشراء منه مثلا. أما الأول فالظاهر جوازه و أن العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة لعموم أدلة فعل ذلك المعروف و لو مثل قوله ع: عونك الضعيف من أفضل الصدقة و عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و نحو ذلك. و صحيحة محمد بن إسماعيل السابقة قد عرفت أنها محمولة علي صحيحة علي بن رئاب المتقدمة بل موثقة زرعه و غير ذلك مما سيأتي و لو ترتب حكم الغير علي الفعل الصحيح منه كما إذا صلي فاسق علي ميت لا ولي له فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شك في صحته و لو شك في حدوث الفعل منه و أخبر به ففي قبوله إشكال. و أما الثاني فالظاهر اشتراط العدالة فيه فلا يجوز الشراء منه و إن ادعي كون البيع مصلحة بل يجب أخذ المال من يده و يدل عليه بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة بل و موثقة زرعه بناء علي إرادة العدالة من الوثاقة أن عموم أدلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرد تصرف الفاسق فإن وجوب إصلاح مال اليتيم و مراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق و لا يجدي هنا حمل فعل المسلم علي الصحيح كما في مثال الصلاة المتقدم لأن الواجب هناك هي صلاة صحيحة و قد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق و إذا شك في صحتها أحرزت بأصالة الصحة. و أما الحكم فيما نحن فيه فلم يحمل علي التصرف الصحيح و إنما حمل علي موضوع هو إصلاح المال و مراعاة الحال و الشك في أصل تحقق ذلك فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها. و إن شئت قلت إن شراء مال اليتيم لا بد أن يكون ذا مصلحة له و لا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع كما لو شك المشتري في بلوغ البائع فتأمل. نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري و أخذ الثمن من الفاسق لأن مال اليتيم الذي يجب إصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم أنه الثمن أو المثمن و أصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول فتدبر
[هل يجوز مزاحمة من تصدي من المؤمنين
ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين فالظاهر أنه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي لا علي وجه النيابة من حاكم الشرع فضلا عن كونه علي وجه النصب من الإمام فمجرد وضع العدل يده علي مال اليتيم لا يوجب منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه و لو نقله بعقد جائز فوجد الآخر المصلحة في استرداده جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله لليتيم أو مطلق وليه من غير تخصيص بالعاقد و أما لو أراد بيعه من شخص و عرضه لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة و إن كان في يد الأول. و بالجملة فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب و الجد- من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر
[مزاحمة فقيه لفقيه آخر]
و أما حكام الشرع فهل هم كذلك فلو عين فقيه من يصلي علي الميت الذي لا ولي له أو من يلي أمواله أو وضع اليد علي مال يتيم فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا
[رأي المؤلف في المسألة]
الذي ينبغي أن يقال إنه إن استندنا في ولاية الفقيه إلي مثل التوقيع المتقدم جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم لأن المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلي الحكام هم العوام فالنهي عن المزاحمة يختص بهم و أما الحكام فكل منهم حجة من الإمام ع فلا يجب علي واحد منهم إرجاع الأمر
المكاسب، ج‌2، ص 157
الحادث إلي الآخر فيجوز له مباشرته و إن كان الآخر دخل فيه و وضع يده عليه فحال كل منهم حال كل من الأب و الجد في أن النافذ هو تصرف السابق و لا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك و بنائه علي ما يغاير تصرف الآخر كما يجوز لأحد الحاكمين تصدي المرافعة قبل حكم الآخر و إن حضر المترافعان عنده و أحضر الشهود و بني علي الحكم و أما لو استندنا في ذلك علي عمومات النيابة و أن فعل الفقيه كفعل الإمام و نظره كنظر الذي لا يجوز التعدي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له علي الأنفس و الأموال حتي يقال إنه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل علي النيابة في ذلك بل من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلي الفقيه بكونه حجة منه ع علي الناس فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر و وضع يده عليه و بني فيه بحسب نظره علي تصرف و إن لم يفعل نفس ذلك التصرف و لأن دخوله فيه كدخول الإمام ع فدخول الثاني فيه و بناؤه علي تصرف آخر مزاحم له فهو كمزاحمة الإمام ع فأدلة النيابة عن الإمام ع لا تشمل مما كان فيه مزاحمة الإمام ع. فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام و بين الأب و الجد لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة و بين كون كل واحد منهم نائبا و ربما يتوهم كونهم كالوكلاء المتعددين في أن بناء واحد منهم علي أمر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بني عليه الأول و يندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير و إن بني عليه الأول و دخل فيه أما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله و فرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم علي الإذن في مخالفة نفس الموكل و التعدي عما بني هو عليه مباشرة أو استنابة كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و لا نقيصة. و الوهم إنما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة فتأمل هذا كله مضافا إلي لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلي الحكام مثل هذه الأزمان التي شاع فيها القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة و كيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل إلزام قولي أو فعلي يجب الرجوع فيه إلي الحاكم فإذا قبض مال اليتيم من شخص أو عين شخصا لقبضه أو جعله ناظرا عليه فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره لأن نظره كنظر الإمام. 96 و أما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها بل بني علي الحكم فيها فلأن وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم
[هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم
ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا. ذكر الشهيد في قواعده أن فيه وجهين و لكن ظاهر كثير من كلماتهم أنه لا يصح إلا مع المصلحة بل في مفتاح الكرامة أنه إجماعي و أن الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين و عن شيخه في شرح القواعد أنه ظاهر الأصحاب و قد عرفت تصريح الشيخ و الحلي بذلك حتي في الأب و الجد. و يدل عليه بعد ما عرفت من أصالة عدم الولاية لأحد علي أحد عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و حيث إن توضيح معني الآية علي ما ينبغي لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الأحكام فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام فنقول إن القرب في الآية يحتمل معاني أربعة الأول مطلق التقليب و التحريك حتي من مكان إلي آخر فلا يشمل مثل إبقائه علي حال أو عند أحد. الثاني وضع اليد عليه بعد أن كان بعيدا عنه و مجتنبا فالمعني تجنبوا عنه و لا تقربوه إلا إذا كان القرب أحسن فلا يشمل حكم ما بعد الوضع. الثالث ما يعد تصرفا عرفا كالاقتراض و البيع و الإجارة و ما أشبه ذلك فلا يدل علي تحريم إبقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه إلا بتنقيح المناط. الرابع مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم أعم من الفعل و الترك و المعني لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا إلا ما كان أحسن من غيره فيدل علي حرمة الإبقاء في الفرض المذكور لأن إبقاءه قرب له بما ليس أحسن. و أما لفظ الأحسن في الآية فيحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل و يحتمل أن يراد به الحسن و علي الأول فيحتمل التصرف الأحسن من تركه كما يظهر من بعض و يحتمل أن يراد به ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات و علي الثاني فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة و يحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه علي ما قيل من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله ثم إن الظاهر من احتمالات القرب هو الثالث و من احتمالات الأحسن هو الاحتمال الثاني أعني التفضيل المطلق و حينئذ فإذا فرضنا أن المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم ثم فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا فأراد الولي جعلها دينارا فلا يجوز لأن هذا التصرف ليس أصلح من تركه و إن كان يجوز لنا من أول الأمر بيع المال بالدينار لفرض عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا أما لو جعلنا الحسن بمعني ما لا مفسدة فيه فيجوز و كذا لو جعلنا القرب من المعني الرابع لأنا إذا فرضنا أن القرب يعم إبقاء مال اليتيم علي حاله كما هو الاحتمال الرابع فيجوز التصرف المذكور إذ بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقدا فكما أنه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا لأن القدر المشترك أحسن من غيره و أحد الفردين فيه لا مزية لأحدهما علي الآخر فيخير فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كل من إبقاء الدراهم علي حالها و جعلها دينارا قربا و القدر المشترك أحسن من غيره فأحد الفردين لا مزية فيه علي الآخر فهو مخير بينهما. و الحاصل أنه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما حسنا و عدم مزية لأحد الفردين تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول عن أحدهما بعد فعله إلي الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلي مال اليتيم و إن كان فيه نفع يعود إلي المتصرف لكن الإنصاف أن المعني الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلي المعني الثالث و إن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلا ما كان أحسن من غيره
[ظاهر بعض الروايات كفاية عدم المفسدة]
. نعم ربما يظهر من بعض الروايات أن مناط حرمة التصرف هو الضرر لا أن مناط الجواز هو النفع. ففي حسنة الكاهلي قال: لأبي عبد الله ع إنا ندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معهم خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم
المكاسب، ج‌2، ص 158
و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك قال إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و إن كان فيه ضرر فلا [الحديث بناء علي أن المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم فيكون المراد بالضرر في الذيل أن لا يصل إلي الأيتام ما يوازي ذلك فلا تنافي بين الصدر و الذيل علي ما زعمه بعض المعاصرين من أن الصدر دال علي إناطة الجواز بالنفع و الذيل دال علي إناطة الحرمة بالضرر فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع و لا مضر و هذا منه مبني علي أن المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه بمعني أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه و هكذا و أنت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتي يحصل التنافي. و في رواية ابن المغيرة: قلت لأبي عبد الله ع إن لي ابنة أخ يتيمة فربما أهدي لها الشي‌ء فأكل منه ثم أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي فأقول يا رب هذا بهذا فقال لا بأس فإن ترك الاستفصال عن مساواة العوض و زيادته يدل علي عدم اعتبار الزيادة إلا أن يحمل علي الغالب من كون التصرف في الطعام المهدي إليها و إعطاء العوض بعد ذلك أصلح إذ الظاهر من الطعام المهدي إليها هو المطبوخ و شبهه
و هل يجب مراعاة الأصلح أم لا
وجهان.
قال الشهيد رحمه الله في القواعد هل يجب علي الولي مراعاة المصلحة في مال المولي عليه أو يكفي نفي المفسدة يحتمل الأول لأنه منصوب لها و لأصالة بقاء الملك علي حاله و لأن النقل و الانتقال لا بد لهما من غاية و العدميات لا تكاد تقع غاية و علي هذا هل يتحري الأصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان. نعم لمثل ما قلناه لا لأن ذلك لا يتناهي- و علي كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الأصلح و يترتب علي ذلك أخذ الولي بالشفعة للمولي عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة و تزويج المجنون حيث لا مفسدة و غير ذلك انتهي. و الظاهر أن فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا غير لازم لعدم الدليل عليه فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده و كان الاتجار به أصلح منه لا يجب إلا إذا قلنا بالمعني الرابع من معاني القرب في الآية بأن يراد لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلا أن يكون أحسن من غيره و قد عرفت الإشكال في استفادة هذا المعني بل الظاهر التصرفات الوجودية فهي المنهي عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره و من الترك فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك. نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة و أما إذا كان في الترك مفسدة و دار الأمر بين أفعال بعضها أصلح من بعض فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه- بل ربما يعد العدول في بعض المقامات إفسادا كما إذا اشتري في موضع بعشرة و في موضع آخر قريب منه بعشرين فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال و لو ارتكبه عاقل عد سفيها ليست فيه ملكه إصلاح المال و هذا هو الذي أراده الشهيد بقوله و لو ظهر في الحال. نعم قد لا يعد العدول من السفاهة كما لو كان بيعه مصلحة أو كان بيعه في بلد آخر مع إعطاء الأجرة منه أن ينقله إليه و العلم بعدم الخسارة فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة لكن ظاهر الآية وجوبه.

مسألة يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما

اشارة

فلا يصح نقله إلي الكافر عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل عن الغنية عليه الإجماع خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا و سيأتي عبارة الإسكافي في المصحف.

[الاستدلال علي عدم الصحة]

و استدل للمشهور تارة بأن الكافر يمنع من استدامته لأنه لو ملكه قهرا بإرث أو أسلم في ملكه بيع عليه فيمنع من ابتدائه كالنكاح و أخري بأن الاسترقاق سبيل علي المؤمن فينتفي بقوله تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و بالنبوي المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم و استدلالهم به في موارد متعددة حتي في عدم جواز علو بناء الكافر علي بناء المسلم بل عدم جواز مساواته و هو قوله ص: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه. و من المعلوم أن ما نحن فيه أولي بالاستدلال عليه به لكن الإنصاف أنه لو أغمض النظر عن دعوي الإجماع المعتضدة بالشهرة و اشتهار التمسك بالآية حتي أسند في كنز العرفان إلي الفقهاء و في غيره إلي أصحابنا لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الإشكال في الدلالة. أما حكاية قياس الابتداء علي الاستدامة فغاية توجيهه أن المستفاد من منع الشارع عن استدامته عدم رضاه بأصل وجوده حدوثا و بقاء من غير مدخلية لخصوص البقاء كما لو أمر المولي بإخراج أحد من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد فإنه يفهم من ذلك عدم جواز الإدخال لكن يرد عليه أن هذا إنما يقتضي عدم كون الرضا بالحدوث علي نهج عدم الرضا بالبقاء. و من المعلوم أن عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم إبقائه و بإخراجه عن ملكه و ليس معناه عدم إمضاء الشارع بقاءه حتي يكون العبد المسلم خارجا بنفسه شرعا عن ملك الكافر فيكون عدم رضاه بالإدخال علي هذا الوجه فلا يدل علي عدم إمضائه لدخوله في ملكه ليثبت بذلك الفساد. و الحاصل أن دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة علي إمضاء الشارع لآثار المنهي عنه و عدمه و المفروض انتفاء الدلالة في المتبوع. و مما ذكرنا يندفع التمسك للمطلب بالنص الوارد في عبد كافر أسلم فقال أمير المؤمنين ع: اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا ثمنه إلي صاحبه و لا تقروه عنده بناء علي أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان و الاحتراز يدل علي المنع من بيعه من الكافر فيفسد. توضيح الاندفاع أن التخصيص بالمسلمين إنما هو من جهة أن الداعي علي الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر و النهي عن إبقائه عنده و هي لا تحصل بنقله إلي كافر آخر فليس تخصيص المأمور به لاختصاص مورد الصحة به بل لأن الغرض من الأمر لا يحصل إلا به فافهم. و أما الآية فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها و لو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص فلا بد من حملها علي معني لا يتحقق فيه تخصيص أو بقرينة ما قبلها الدالة علي إرادة نفي الجعل في الآخرة. و أخري من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار علي المؤمنين و هو ما روي في العيون عن أبي الحسن ع ردا علي من زعم أن المراد بها
المكاسب، ج‌2، ص 159
نفي تقدير الله سبحانه بمقتضي الأسباب العادية تسلط الكفار علي المؤمنين حتي أنكروا لهذا المعني الفاسد الذي لا يتوهمه ذو مسكة أن الحسين بن علي ع لم يقتل بل شبه لهم و رفع كعيسي علي نبينا و آله و عليهم السلام و تعميم الحجة علي معني يشمل الملكية و تعميم الجعل علي وجه يشمل الاحتجاج و الاستيلاء لا يخلو عن تكلف. و ثالثة من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دل علي صحة البيع و وجوب الوفاء بالعقود و حل أكل المال بالتجارة و تسلط الناس علي أموالهم و حكومة الآية عليها غير معلومة و إباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة و في كثير من الفروع في الابتداء يقرب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية بأن يراد من السبيل السلطنة فيحكم بتحقق الملك و عدم تحقق السلطنة بل يكون محجورا عليه مجبورا علي بيعه و هذا و إن اقتضي التقييد في إطلاق ما دل علي استقلال الناس في أموالهم و عدم حجرهم بها لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر علي المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة لبيان أن الجعل شي‌ء لم يكن و لن يكون و إن نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيد بحال دون حال هذا مضافا إلي أن استصحاب الصحة في بعض المقامات- يقتضي الصحة كما إذا كان الكفر مسبوقا بالإسلام بناء علي شمول الحكم لمن كفر عن الإسلام أو كان العبد مسبوقا بالكفر فيثبت في غيره بعدم الفصل و لا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد لأن استصحاب الصحة مقدم عليها فتأمل

[تمليك منافع المسلم من الكافر]

ثم إن الظاهر أنه لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات كالهبة و الوصية. و أما تمليك المنافع ففي الجواز مطلقا كما يظهر من التذكرة و مقرب النهاية بل ظاهر المحكي عن الخلاف أو مع وقوع الإجارة علي الذمة كما عن الحواشي و جامع المقاصد و المسالك أو مع كون المسلم الأجير حرا كما عن ظاهر الدروس أو المنع مطلقا كما هو ظاهر القواعد و محكي الإيضاح أقوال أظهرها الثاني فإنه كالدين ليس ذلك سبيلا فيجوز. و لا فرق بين الحر و العبد كما هو ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة و حواشي الشهيد و جامع المقاصد بل ظاهر المحكي عن الخلاف نفي الخلاف فيه حيث قال فيه إذا استأجر كافر مسلما بعمل في الذمة صح بلا خلاف و إذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا صح أيضا عندنا انتهي. و ادعي في الإيضاح أنه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين و بين الثابت في الذمة بالاستيجار خلافا للقواعد و ظاهر الإيضاح فالمنع مطلقا لكونه سبيلا و ظاهر الدروس التفصيل بين العبد و الحر فيجوز في الثاني دون الأول حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا قال و جوزها الفاضل و الظاهر أنه أراد إجازة الحر المسلم انتهي. و فيه نظر لأن ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا و لو كانت علي العين. نعم يمكن توجيه الفرق بأن يد المستأجر علي الملك- الذي ملك منفعته بخلاف الحر فإنه لا تثبت للمستأجر يد عليه و لا علي منفعته خصوصا لو قلنا بأن إجارة الحر تمليك الانتفاع لا المنفعة فتأمل

و أما الارتهان عند الكافر

ففي جوازه مطلقا كما عن ظاهر نهاية الأحكام أو المنع كما في القواعد و الإيضاح أو التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر كما إذا وضعناه عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط و القواعد و الإيضاح في كتاب الرهن و الدروس و جامع المقاصد و المسالك أو التردد كما في التذكرة وجوه أقواها الثالث لأن استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل بخلاف استحقاقه لأخذ حقه من ثمنه

و أما إعارته من كافر

فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد و جامع المقاصد و المسالك بل عن حواشي الشهيد رحمه الله أن الإعارة و الإيداع أقوي منعا من الارتهان و هو حسن في العارية لأنها تسليط علي الانتفاع فيكون سبيلا و علوا و محل نظر في الوديعة لأن التسليط علي الحفظ و جعل نظره إليه مشترك بين الرهن و الوديعة مع زيادة في الرهن التي قيل من أجلها بالمنع و هي التسلط علي منع المالك عن التصرف فيه إلا بإذنه و تسلطه علي إلزام المالك ببيعه. و قد صرح في التذكرة بالجواز في كليهما. و مما ذكرنا يظهر عدم صحة وقف الكافر عبده المسلم علي أهل ملته

[المقصود من الكافر]

ثم إن الظاهر من الكافر كل من حكم بنجاسته و لو انتحل الإسلام كالنواصب و الغلاة و المرتد غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية و لذا استدل الحنفية بالآية علي ما حكي عنهم بحصول البينونة بارتداد الزوج و هل يلحق بذلك أطفال الكفار فيه إشكال و يعم المسلم المخالف لأنه مسلم فيعلو و لا يعلي عليه و المؤمن في زمان نزول آية نفي السبيل لم يرد به إلا المقر بالشهادتين و نفيه عن الأعراب الذين قالوا آمنا بقوله تعالي وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ إنما كان لعدم اعتقادهم بما أقروا به فالمراد بالإسلام هنا أن يسلم نفسه لله و رسوله في الظاهر لا الباطن بل قوله تعالي وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ دل علي أن ما جري علي ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب. و الحاصل أن الإسلام و الإيمان في زمان الآية كانا بمعني واحد و أما ما دل علي كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية فهو لا يقاوم بظاهره لما دل علي جريان جميع أحكام الإسلام عليهم من التناكح و التوارث و حقن الدماء و عصمة الأموال و أن الإسلام ما عليه جمهور الناس. ففي رواية حمران بن أعين قال: سمعت أبا جعفر ع يقول الإيمان ما استقر في القلب و أفضي به إلي الله عز و جل و صدقه العمل بالطاعة لله و التسليم لأمره و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا إلي الإيمان إلي أن قال فهل للمؤمن فضل علي المسلم في شي‌ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك قال لا بل هما يجريان في ذلك مجري واحد و لكن للمؤمن فضل علي المسلم في إعمالهما و ما يتقربان به إلي الله عز و جل.

[بيع العبد المؤمن من المخالف

و من جميع ما ذكرنا ظهر أنه لا بأس ببيع المسلم من المخالف و لو كان جارية إلا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لأخبار دلت علي ذلك فإن فحواها يدل علي المنع من بيع الجارية المؤمنة لكن الأقوي عدم التحريم

ثم إنه قد استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم مواضع

منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق

بأن يكون ممن ينعتق علي الكافر قهرا واقعا كالأقارب أو ظاهرا كمن أقر بحرية مسلم ثم اشتراه أو بأن يقول الكافر للمسلم أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه. ذكر ذلك العلامة في التذكرة و تبعه جامع المقاصد و المسالك و الوجه في الأول واضح وفاقا للمحكي عن الفقيه و النهاية و السرائر مدعيا عليه الإجماع و المتأخرين كافة فإن مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا بل لم تعتبر الملكية إلا مقدمة للانعتاق خلافا للمحكي عن المبسوط
المكاسب، ج‌2، ص 160
و القاضي فمعناه لأن الكافر لا يملك حتي ينعتق لأن التملك بمجرده سبيل و السيادة علو إلا أن الإنصاف أن السلطنة غير متحققة في الخارج و مجرد الإقدام علي شرائه لينعتق منه من الكافر علي المسلم لكنها غير منفية. و أما الثاني فيشكل بالعلم بفساد البيع علي تقديري الصدق و الكذب لثبوت الخلل أما في المبيع لكونه حرا أو في المشتري لكونه كافرا فلا تتصور صورة صحيحة لشراء من أقر بانعتاقه إلا أن تمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي فتأمل. و أما الثالث فالمحكي عن المبسوط و الخلاف التصريح بالمنع لما ذكر في الأول.

و منها ما لو اشترط البائع عتقه

فإن الجواز هنا محكي عن الدروس و الروضة و فيه نظر فإن ملكيته قبل الإعتاق سبيل و علو بل التحقيق أنه لا فرق بين هذا و بين إجباره علي بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرد ذلك. و الحاصل أن السبيل فيه ثلاثة احتمالات كما عن حواشي الشهيد مجرد الملك و يترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية و بالملك المستقر و لو بالقابلية كشروط العتق و يترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق و المستقر فعلا و يترتب عليه استثناء الجميع و خير الأمور أوسطها

[حكم تملك الكافر للمسلم قهرا]

ثم إن ما ذكرنا كله حكم ابتداء تملك الكافر المسلم اختيارا. أما التملك القهري فيجوز ابتداء كما لو ورثه الكافر من كافر- أجبر علي البيع فمات قبله- فإنه لا ينعتق عليه و لا علي الكافر الميت لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث لكن لا يثبت بها أصل تملك الكافر فيحتمل أن ينتقل إلي الإمام ع بل هو مقتضي الجمع بين الأدلة ضرورة أنه إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل كان الميت بالنسبة إلي هذا المال ممن لا وارث له فيرثه الإمام ع و بهذا التقرير يندفع ما يقال إن إرث الإمام مناف لعموم أدلة ترتيب طبقات الإرث. توضيح الاندفاع أنه إذا كان مقتضي نفي السبيل عدم إرث الكافر فيتحقق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام ع فإن الممنوع من الإرث لغير الوارث. فالعمدة في المسألة ظهور الاتفاق المدعي صريحا في جامع المقاصد ثم هل يلحق بالإرث كل ملك قهري أو لا يلحق أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا أو غيره وجوه خيرها أوسطها ثم أخيرها

[عدم استقرار المسلم علي ملك الكافر و وجوب بيعه عليه

ثم إنه لا إشكال و لا خلاف في أنه لا يقر المسلم علي ملك الكافر بل يجب بيعه عليه: لقوله ع في عبد كافر أسلم اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا إليه ثمنه و لا تقروه عنده. و منه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم و يحتمل أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا- لكون المالك غير قابل للسلطنة علي هذا المال غاية الأمر أنه دل النص و الفتوي علي تملكه له و لذا ذكر فيها أنه يباع عليه بل صرح فخر الدين رحمه الله في الإيضاح بزوال ملك السيد عنه و يبقي له حق استيفاء الثمن منه و هو مخالف لظاهر النص و الفتوي كما عرفت و كيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه- فالظاهر أنه لا خيار له و لا عليه- وفاقا للمحكي في الحواشي في خيار المجلس و الشرط لأنه إحداث ملك فينتفي لعموم نفي السبيل لتقديمه علي أدلة الخيار كما يقدم علي أدلة البيع و يمكن أن يبتني علي أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد. فإن قلنا بالأول ثبت الخيار و لأن فسخ العقد يجعل الملكية السابقة كأن لم تزل و قد أمضاها الشارع و أمر بإزالتها بخلاف ما لو كانت الملكية الحاصلة غير السابقة فإن الشارع لم يمضها لكن هذا المبني ليس بشي‌ء لوجوب الاقتصار في تخصيص نفي السبيل علي المتيقن نعم يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيبا و يشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوة أدلة نفي الضرر فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع بخلاف ما لو تضرر الكافر فإن هذا الضرر إنما حصل من كفره الموجب لعدم قابلية تملك المسلم إلا فيما خرج بالنص. و يظهر مما ذكرنا حكم الرجوع في العقد الجائز كالهبة و خالف في ذلك كله جامع المقاصد فحكم بثبوت الخيار و الرد بالعيب تبعا للدروس قال لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر لانتفاء المقتضي لأن نفي السبيل لو اقتضي ذلك لاقتضي خروجه عن ملكه فعلي هذا لو كان المبيع معاطاة فهي علي حكمها و لو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها. نعم لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسبب ناقل يمنع الرجوع و لم يلزم منه تخسير للمال انتهي. و فيما ذكره نظر لأن نفي السبيل لا يخرج منه إلا الملك الابتدائي و خروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه بالفسخ. و استلزام البيع للخيارات ليس عقليا بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحة العقد الذي خص بنفي السبيل فهذا أولي بالتخصيص به مع أنه علي تقدير المقاومة يرجع إلي أصالة الملك و عدم زواله بالفسخ و الرجوع فتأمل. و أما ما ذكره أخيرا بقوله لا يبعد ففيه أن إلزامه بما ذكر ليس بأولي من الحكم بعدم جواز الرجوع فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلي ملك المسلم بمنزلة التصرف المانع من الفسخ و الرجوع. و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره في القواعد من قوله رحمه الله و لو باعه لمسلم بثوب ثم وجد في الثمن عيبا جاز رد الثمن و هل يسترد العبد أو القيمة فيه نظر ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا و من كون الرد بالعيب موضوعا علي القهر كالإرث انتهي محل تأمل إلا أن يقال إن مقتضي الجمع بين أدلة الخيار و نفي السبيل ثبوت الخيار و الحكم بالقيمة فيكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن كنقل المبيع في زمن الخيار و كالتلف الذي هو مانع عقلي و هو حسن إن لم يحصل السبيل بمجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف باستحقاق بدله و لذا حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق علي المشتري فتأمل.

مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلي الكافر

ذكره الشيخ و المحقق في الجهاد و العلامة في كتبه و جمهور من تأخر عنه. و عن الإسكافي أنه قال و لا اختار أن يرهن الكافر مصحفا أو ما يجب علي المسلم تعظيمه و لا صغيرا من الأطفال انتهي. و استدلوا عليه بوجوب احترام المصحف و فحوي المنع من بيع العبد المسلم من الكافر و ما ذكره حسن و إن كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع. و في إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف كما صرح به في المبسوط أو الكراهة كما هو صريح الشرائع و نسبه الصيمري إلي المشهور قولان تردد بينهما العلامة في التذكرة و لا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلي النبي ص من طرق الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه ص و إن كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم
المكاسب، ج‌2، ص 161
كان فحكم أحاديث الأئمة ص حكم أحاديث النبي ص

القول في شرائط العوضين

يشترط في كل منهما كونه متمولا

اشارة

لأن البيع لغة مبادلة مال بمال

و قد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع

لأن الأول ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها و نفي الفائدة عنها و الثاني ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير ثم قسموا عدم الانتفاع إلي ما يستند إلي خسة الشي‌ء كالحشرات و إلي ما يستند إلي قلته كحبة حنطة و ذكروا أنه ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك و لذا يحرم غصبه إجماعا. و عن التذكرة أنه لو تلف لم يضمن أصلا و اعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل. و الأولي أن يقال إن ما تحقق أنه ليس بمال عرفا فلا إشكال و لا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين إذ لا بيع إلا في ملك و ما لم يتحقق فيه ذلك فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا فالظاهر فساد المعاملة و ما لم يتحقق فيه ذلك فإن ثبت دليل من نص أو إجماع علي عدم جواز بيعه فهو و إلا فلا يخفي وجوب الرجوع إلي عمومات صحة البيع و التجارة. و خصوص قوله ع في المروي عن تحف العقول: و كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه إلي آخر الرواية و قد تقدمت في أول الكتاب

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين عن بيع ما يشترك فيه الناس

كالماء و الكلاء و السماك و الوحوش قبل اصطيادها بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل

و احترزوا أيضا به عن الأرض المفتوحة عنوة

و وجه الاحتراز عنها أنها غير مملوكة لملاكها علي نحو سائر الأملاك بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض و إن قل و لذا لا تورث بل و لا من قبيل الوقف الخاص علي معينين لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا و لا كالوقف علي غير معينين كالعلماء و المؤمنين و لا من قبيل تملك الفقراء الزكاة و السادة الخمس بمعني كونهم مصارف له لعدم تملكهم منافعه بالقبض لأن مصرفه منحصر في مصالح المسلمين فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل عليها الدليل و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملاك ثم إن كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعي عليه الإجماع و دل عليه النص كمرسلة حماد الطويلة و غيرها.

[أقسام الأرضين و أحكامها]

اشارة

و حيث جري في الكلام ذكر بعض أقسام الأرضين فلا بأس بالإشارة إجمالا إلي جميع أقسام الأرضين و أحكامها فنقول و من الله الاستعانة الأرض إما موات و إما عامرة- و كل منهما إما أن يكون كذلك أصلية أو عرض لها ذلك فالأقسام أربعة لا خامس لها

الأول ما يكون مواتا بالأصالة بأن لم تكن مسبوقة بالعمارة

و لا إشكال و لا خلاف منافي كونها للإمام ع و الإجماع عليه محكي عن الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك و ظاهر جماعة أخري و النصوص بذلك مستفيضة بل قيل إنها متواترة و هي من الأنفال. نعم أبيح التصرف فيها بالإحياء بلا عوض و عليه يحمل ما في النبويين: موتان الأرض لله و لرسوله ص ثم هي لكم مني أيها المسلمون و نحوه الآخر: عادي الأرض لله و لرسوله ثم هي لكم مني. و ربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلي الإمام ع كما في صحيحة الكابلي قال: وجدنا في كتاب علي ع إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلي الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها الخبر و مصححة عمر بن زيد: أنه سأل رجل أبا عبد الله ع عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و أجري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا فقال أبو عبد الله ع كان أمير المؤمنين ع يقول من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه إلي الإمام ع في حال الهدنة فإذا ظهر القائم عجل الله تعالي فرجه فليوطن نفسه علي أن تؤخذ منه و يمكن حملها علي بيان الاستحقاق و وجوب إيصال الطسق إذا طلب الإمام ع لكن الأئمة ع بعد أمير المؤمنين ص حللوا لشيعتهم و أسقطوا ذلك عنهم كما يدل عليه قوله ع: ما كان لنا فهو لشيعتنا و قوله ع في رواية مسمع بن عبد الملك: كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك إلي أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم و أما ما كان أيدي سواهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغره الخبر. نعم ذكر في التذكرة أنه لو تصرف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها و يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة علي حال الحضور و إلا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال للإمام في الأراضي في حال الغيبة بل الأخبار متفقة علي أنها لمن أحياها و ستأتي حكاية إجماع المسلمين علي صيرورتها ملكا بالإحياء.

الثاني ما كانت عامرة بالأصالة

أي لا من معمر و الظاهر أنه أيضا للإمام ع و كونها من الأنفال و هو ظاهر إطلاق قولهم و كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام ع و عن التذكرة الإجماع عليه و في غيرها نفي الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار المحكية عن تفسير علي ابن إبراهيم عن الصادق ع حيث عد من الأنفال كل أرض لا رب لها و نحوها المحكي عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر ع. و لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار حيث جعل فيها من الأنفال كل أرض ميتة لا رب لها بناء علي ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب لأن الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا و هل تملك هذه بالحيازة وجهان من كونها مال الإمام و من عدم منافاته للتملك بالحيازة كما تملك الموات بالإحياء مع كونها مال الإمام فدخل في عموم النبوي: من سبق إلي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به.

الثالث ما عرضت له الحياة بعد الموت

و هو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الإحياء بإجماع الأمة كما عن المهذب و بإجماع المسلمين كما عن التنقيح و عليه عامة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة لكن يبالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة فلا بد من الملاحظة.

الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة

فإن كانت العمارة أصلية فهي مال الإمام ع و إن كانت العمارة من معمر ففي بقائها علي ملك معمرها أو خروجها
المكاسب، ج‌2، ص 162
عنه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا خلاف معروف في كتاب إحياء الموات منشأه اختلاف الأخبار.
ثم القسم الثالث إما أن تكون العمارة فيه من المسلمين أو من الكفار فإن كانت من المسلمين فملكهم لا يزول إلا بناقل أو بطروء الخراب علي أحد القولين و إن كانت من الكفار فكذلك إن كانت في دار الإسلام و قلنا بعدم اعتبار الإسلام و إن اعتبرنا الإسلام كانت باقية علي ملك الإمام ع و إن كانت في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم و بالاغتنام كسائر أموالهم. ثم ما ملكه الكفار من الأرض إما أن يسلم عليه طوعا- فيبقي علي ملكه كسائر أملاكه و إما أن لا يسلم عليه طوعا فإن بقيت يده عليه كافرا فهي أيضا كسائر أملاكه تحت يده و إن ارتفعت يده عنها فإما أن يكون بانجلاء المالك عنها تخليتها للمسلمين أو بموت أهلها و عدم الوارث فيصير ملكا للإمام ع و يكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و إن رفعت يده عنها قهرا و عنوة فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة كالنخل و الأشجار و البنيان للمسلمين كافة إجماعا علي ما حكاه غير واحد كالخلاف و التذكرة و غيرهما و النصوص به مستفيضة: ففي رواية أبي برده المسئول فيها عن بيع أرض الخراج قال ع و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين قال قلت يبيعها الذي هي في يده قال و يصنع بخراج المسلمين ما ذا ثم قال لا بأس اشتري حقه منها- و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه. و في مرسلة حماد الطويلة: ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلا ما احتوي عليه العسكر إلي أن قال و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون لهم صالحا و لا يضربهم فإذا أخرج منها ما أخرجه بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح إلي أن قال فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و أكرتها فيدفع إليهم أنصباؤهم و هم علي قدر ما صالحهم عليه و يؤخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانهم علي دين الله و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير الخبر. و في صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله ع عن السواد ما منزلته قال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد فقلنا نشتريه من الدهاقين قال لا يصلح إلا أن تشتريها منهم علي أن تصيرها للمسلمين فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها قلت فإن أخذها منه قال يرد عليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل و رواية ابن شريح قال:
سألت أبا عبد الله ع عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه و قال إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها فقال لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ففيها: و سألته عن رجل اشتري أرضا من أراضي الخراج فبني بها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها أ له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدوا جزية رءوسهم قال يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال و في خبر أبي الربيع قال: لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هي في‌ء للمسلمين إلي غير ذلك و ظاهره كما تري عدم جواز بيعها حتي تبعا للآثار المملوكة فيها علي أن تكون جزء من المبيع فيدخل في ملك المشتري. نعم يكون للمشتري علي وجه كان للبائع أعني مجرد الأولوية و عدم جواز مزاحمته إذا كان التصرف و إحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته و لو لعموم الشيعة كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو بإذن الحاكم الشرعي بناء علي عموم ولايته لأمور المسلمين و نيابته عن الإمام ع و لكن ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف فيها قال لا يجوز التصرف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة و لا يصح أن تبني فيها دور أو منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك و متي فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا و هو علي حكم الأصل و يمكن حمل كلامه علي صورة عدم الإذن من الإمام ع حال حضوره و يحتمل إرادة التصرف بالبناء علي وجه الحيازة و التملك و قال في الدروس لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام سواء كان بالبيع أم بالوقف أم بغيرهما. نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك و أطلق في المبسوط أن التصرف فيها لا ينفذ و قال ابن إدريس إنما نبيع و نوقف تحجيرنا و بناءنا و تصرفنا لا نفس الأرض انتهي. و قد ينسب إلي الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور فيجوز التصرف في الأول و لو بالبيع و الوقف لا في الثاني إلا بإذن الإمام و كذا إلي جامع المقاصد و في النسبة نظر بل الظاهر موافقتهما لفتوي جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة بإحداث الآثار و جواز نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار و المعني أنها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال في المسالك في شرح قول المحقق و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها إلي آخرها إن المراد أنه لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة أما لو فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز علي الأقوي قال فإذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في المبيع علي سبيل التبع و كذا الوقف و غيره و يستمر كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها هكذا ذكره جمع من المتأخرين و عليه العمل انتهي. نعم ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة حيث قال إن قال قائل إن ما ذكرتموه إنما دل علي إباحة التصرف في هذه الأرضين و لا يدل صحة تملكها بالشراء و البيع و مع عدم صحته لا يصح ما يتفرع عليهما. قلنا إنا قد قسمنا الأرضين ثلاثة أقسام أرض أسلم عليها أهلها فهي ملك لهم يتصرفون فيها و أرض تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه علي هذا الوجه. و أما الأنفال و ما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء و إنما أبيح لنا التصرف فيها حسب ثم استدل علي أراضي الخراج برواية أبي برده السابقة الدالة علي جواز بيع آثار التصرف دون رقبة
المكاسب، ج‌2، ص 163
الأرض و دليله قرينة علي توجيه كلامه و كيف كان فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار مما لا دليل عليه إن أرادوا الانتقال. نعم المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا فالذي ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرف معه حتي يثبت حق الاختصاص فنقول أما في زمان الحضور و التمكن من الاستئذان فلا ينبغي الإشكال في توقف التصرف علي إذن الإمام لأنه ولي المسلمين فله نقلها عينا و منفعة. و من الظاهر أن كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول علي صورة عدم إذن الإمام ع مع حضوره. و أما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف إلا فيما أعطاه السلطان الذي حل قبول الخراج و المقاسمة منه أو جوازه مطلقا نظرا إلي عموم ما دل علي تحليل مطلق الأرض للشيعة لا خصوص الموات التي هي مال الإمام ع و ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض فيجوز التصرف في عينها مجانا أو عدم جوازه إلا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام أو التفصيل بين من يستحق أجرة هذه الأرض فيجوز له التصرف فيها لما يظهر من قوله ع للمخاطب في بعض أخبار حل الخراج و أن لك نصيبا في بيت المال و بين غيره الذي يجب عليه حق الأرض و لذا أفتي غير واحد علي ما حكي بأنه لا يجوز حبس الخراج و سرقته عن السلطان الجائر و الامتناع عنه. و استثني بعضهم ما إذا دفعه إلي نائب الإمام ع أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح و بين الباقية علي عمارتها من حين الفتح فيجوز إحياء الأول لعموم أدلة الإحياء و خصوص رواية سليمان بن خالد و نحوها وجوه أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث ثم الرابع ثم الخامس. و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار و أثمارها و أخشاب الأبنية و السقوف الواقعة و الطين المأخوذ من سطح الأرض و الجص و الحجارة و نحو ذلك فإن مقتضي القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح- من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين و لذا صرح جماعة كالعلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم علي ما حكي عنهم بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض. نعم الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين لأنها مما ينقل و حينئذ مقتضي القاعدة عدم صحة أخذها إلا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع إمكان أن يقال لا مدخل لسلطان الجور لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض لا أجزاؤها إلا أن يكون الأخذ علي وجه الانتفاع لا التملك فيجوز و يحتمل كون ذلك بحكم المباحات لعموم من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به و يؤيده بل يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف علي بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني و ما يعمل من التربة الحسينية و يقوي هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]

اشارة

و اعلم أنه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا- . و فرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف إلا فيما استثني و لا الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته و لا أم الولد إلا في المواضع المستثناة. و المراد بالطلق تمام السلطنة علي الملك بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء و يكون مطلق العنان في ذلك لكن هذا المعني في الحقيقة راجع إلي كون الملك مما يستقل المالك بنقله و بكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون إذن ذي الحق لمرجعه إلي أن من شرط البيع أن يكون متعلقة مما يصح للمالك بيعه مستقلا و هذا لا محصل له فالظاهر أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أم الولد بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة و غيرهما مما ثبت منعه عن تصرف المالك كالنذر و الخيار و نحوهما و هذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق. فمعني الطلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لأحد الحقوق التي ثبت منها للمالك عن التصرف في ملكه فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في الفرعية و الأصالة بالعكس ثم إن أكثر من تعرض لهذا الشرط- لم يذكر من الحقوق إلا الثلاثة المذكورة ثم عنونوا حق الجاني و اختلفوا في حكم بيعه و الظاهر أن الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة و قد أنهاها بعض من عاصرناه إلي أزيد من عشرين فذكر بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر النذر المتعلق بالعين قبل البيع و الخيار المتعلق به و الارتداد و الحلف علي عدم بيعها و تعيين الهدي للذبح و اشتراط عتق العبد في عقد لازم و الكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة إلي ما لم يتحرر منه حيث إن المولي ممنوع عن التصرف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء و التدبير المعلق علي موت غير المولي بناء علي جواز ذلك فإذا مات المولي و لم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه و تعلق حق الموصي له بالموصي به بعد موت الموصي و قبل قبوله بناء علي منع الوارث من التصرف فيه قبله و تعلق حق الشفعة بالمال فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها و تغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشتري أمة حبلي فوطئها فأتت بالولد بناء علي عدم جواز بيعها و كونه مملوكا ولد من حر شريك في أمة حال الوطء فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه إلا بتقويمه و أخذ قيمته و تعارض السبب المملك و المزيل للملك كما لو قهر حربي أباه و الغنيمة قبل القسمة بناء علي حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك و غير ذلك مما سيقف عليه المتتبع لكنا نقتصر علي ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ثم أم الولد ثم الرهن ثم الجناية إن شاء الله.

مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا محققا في الجملة و محكيا

اشارة

و لعموم قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله. و رواية أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن ع قلت جعلت فداك اشتريت أرضا إلي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفيت المال خبرت أن الأرض وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها إلي من أوقفت عليه قلت لا أعرف لها ربا قال تصدق بغلتها. و ما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين ع و غيره من الأئمة ص مثل ما عن ربعي بن عبد الله
المكاسب، ج‌2، ص 164
عن أبي عبد الله ع في صورة وقف أمير المؤمنين ع: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب و هو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها الله الذي يرث السماوات و الأرض و أسكن هذه صدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين. فإن الظاهر من الوصف كونه صفة لنوع الصدقة لا لشخصها و يبعد كونه شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم خصوصا مع كونه شرطا عليهم مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه علي الإطلاق فاسدا بل مفسدا لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه أو طرو الحاجة أو صيرورته مما لا ينتفع به أصلا إلا أن يقال إن هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم- في رواية ابن راشد في انصرافه إلي البيع لا لعذر مع أن هذا التقييد مما لا بد منه علي تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا مع احتمال علم الإمام بعدم طرو هذه الأمور المبيحة و حينئذ يصح أن يستغني بذلك عن التقييد علي تقدير كون الصفة شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع فإن العلم بعدم طرو مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع كما لا يخفي. فظهر أن التمسك بإطلاق المنع عن البيع علي كون الوصف داخلا في أصل الوقف كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر و إن كان الإنصاف ما ذكرناه من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع.

و مما ذكرنا ظهر أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة

حق الواقف حيث جعلها بمقتضي صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها و حق البطون المتأخرة عن بطن البائع و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فإن الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر فيه التقرب و يكون لله تعالي عمله و عليه عوضه و قد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقي الباقي و قد يرتفع كلها و سيجي‌ء التفصيل

[هل الوقف يبطل بنفس البيع أو بجوازه

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلي أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه- فمعني جواز بيع العين الموقوفة جواز إبطال وقفها إلي بدل أو لا إليه فإن مدلول صيغة الوقف و إن أخذ فيه الدوام و المنع عن المعاوضة عليه إلا أنه قد يعرض ما يجوز مخالفة هذا الإنشاء كما أن مقتضي العقد الجائز كالهبة تمليك المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه فتأمل إلا أنه ذكر بعض في هذا المقام أن الذي يقوي في النظر بعد إمعانه أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد. نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه. ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه و قد سبقه إلي ذلك بعض الأساطين في شرحه علي القواعد حيث استدل علي المنع عن بيع الوقف بعد النص و الإجماع بل الضرورة بأن البيع و أضرابه ينافي حقيقة الوقف لأخذ الدوام فيه و أن نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء و فيه أنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره و هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها و عن بدلها حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع فهذا لا محصل له فضلا عن أن يحتاج إلي نظر فضلا عن إمعانه و إن أريد به انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر كلامه حيث جعل المنع من المبيع من مقومات مفهوم الوقف ففيه مع كونه خلاف الإجماع إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلي ملك الواقف إن المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك و لذا يطلق عليه الصدقة و يجوز إيجابه بلفظ تصدقت إلا أن المالك له بطون متلاحقة فإذا جاز بيعه مع الإبدال- كان البائع وليا عن جميع الملاك في إبدال مالهم بمال آخر و إذا جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود علي القول بجوازه فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم فإذا لم يبيعوه لم يبطل و لذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع أو لم يتفق البيع كان الوقف علي حاله و لذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف و إن بلغ حدا يجوز بيعه معللا باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن.
إذا عرفت أن مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم

أن لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا

أحدها عدم الخروج عنه أصلا

و هو الظاهر من كلام الحلي حيث قال في السرائر بعد نقل كلام المفيد قدس سره و الذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه و قبضه لا يجوز الرجوع فيه و لا تغيره عن وجوهه و سبله و لا بيعه سواء كان بيعه أعود عليهم أم لا و سواء خرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا أم لا قال الشهيد رحمه الله بعد نقل أقوال المجوزين و ابن إدريس سد الباب و هو نادر مع قوته و قد ادعي في السرائر عدم الخلاف في المؤبد قال إن الخلاف الذي حكيناه بين أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف علي قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم و أما إذا كان الوقف علي قوم و من بعدهم علي غيرهم و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غيره إلي أن يرث الله الأرض لم يجز بيعه علي وجه بغير خلاف بين أصحابنا انتهي. و فيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد و حكي المنع مطلقا عن الإسكافي و فخر الإسلام أيضا إلا في الآلات الموقوفة و أجزائها التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع. قال الإسكافي في ما حكي عنه في المختلف إن الموقوف رقيقا أو غيره لو بلغ حاله إلي زوال ما سبله من منفعته فلا بأس ببيعه و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته أو رد ثمنه علي منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح انتهي. و قال فخر الدين في الإيضاح في شرح قول والده قدس سرهما و لو خلق حصير المسجد و خرج عن الانتفاع
المكاسب، ج‌2، ص 165
به أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق فالأقرب جواز بيعه قال بعد احتمال المنع بعموم النص في المنع و الأصح عندي جواز بيعه و صرف ثمنه في المماثل إن أمكن و إلا ففي غيره انتهي. و نسبة المنع إليهما علي الإطلاق لا بد أن يبني علي خروج مثل هذا عن محل الخلاف و سيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا فلاحظ.

الثاني الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد

و هو المحكي عن القاضي حيث قال في محكي المهذب إذا كان الشي‌ء وقفا علي قوم و من بعدهم علي غيرهم و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غير ذلك إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه فإن كان وقفا علي قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم حسب ما قدمناه و حصل الخوف من هلاكه أو فساده أو كانت بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدي إلي فساده فإنه حينئذ يجوز بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم علي حسب استحقاقهم فإن لم يحصل شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه و لا يجوز هبة الوقف و لا الصدقة به أيضا. و حكي عن المختلف و جماعة نسبه التفصيل إلي الحلبي لكن العبارة المحكية عن كافية لا تساعده بل ربما استظهر منه المنع علي الإطلاق فراجع. و حكي التفصيل المذكور عن الصدوق. و المحكي عن الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية إن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم و لو كان عليهم و علي أولادهم ما تناسلوا و من بعد علي فقراء المسلمين إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها لم يجز بيعه أبدا ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي كما لا يخفي ثم إن هؤلاء إن كانوا ممن يقولون برجوع الوقف المنقطع إلي ورثة الموقوف عليه فللقول بجواز بيعه وجه أما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلي الواقف أو ورثته فلا وجه للحكم بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم و قد حكي القول بهذين عن القاضي إلا أن يوجه بأنه لا يقول ببقائه علي ملك الواقف حتي يكون حبسا بل هو وقف حقيقي و تمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم و حينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبد لكن هذا الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكي عنه القول المتقدم حيث إنه يقول [إن المحكي عنه بقاء الوقف مطلقا علي ملك الواقف [و جواز بيع الوقف حينئذ مع عدم مزاحمة حق الموقوف عليه مما لا إشكال فيه .

الثالث الخروج عن عموم المنع و الحكم بالجواز في المؤبد في الجملة

اشارة

و أما المنقطع فلم ينصوا عليه و إن ظهر عن بعضهم التعميم و من بعضهم التخصيص بناء علي قوله برجوع المنقطع إلي ورثة الواقف كالشيخ و سلار قدس سرهما و من حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلي وجوه البر كالسيد أبي المكارم بن زهرة فلازمه جعله كالمؤبد و كيف كان

فالمناسب أولا نقل عبائر هؤلاء

[كلام الشيخ المفيد]

فنقول قال المفيد في المقنعة الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم و التقرب إلي الله بصلتهم أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أعود عليهم و أنفع لهم من تركه علي حاله و إذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلي من وقف عليه لم يجز له الرجوع في شي‌ء منه و لا تغيير شرائطه و لا نقله عن وجوهه و سبله. و في اشتراط الواقف في الوقف أنه متي احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه جاز له فعل ذلك و ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع و لا هبة و لا أن يغيروا شيئا من شروطه إلا أن يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلي ثمنه كان لهم حله و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات انتهي كلامه. و قد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد جواز بيع الوقف في خمسة مواضع و ضم صورة جواز الرجوع و جواز تغيير الشرط إلي المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلي الموقوف عليهم و وفاة الواقف فلاحظ و تأمل. ثم إن العلامة ذكر في التحرير أن قول المفيد بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف إلا أن يحدث إلي قوله أنفع لهم من تركه علي حاله متأول و لعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

[كلام السيد المرتضي

و قال في الانتصار علي ما حكي عنه و مما انفردت الإمامية به القول بأن الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه و أن أرباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة إلي ثمنه جاز لهم بيعه و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ثم احتج باتفاق الإمامية ثم ذكر خلاف ابن الجنيد و رده بكونه مسبوقا ملحقا بالإجماع و أنه إنما عول في ذلك علي ظنون له و حسان و أخبار شاذة لا يلتفت إلي مثلها انتهي ثم قال و أما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو دعت أربابه الضرورة إلي ثمنه لشدة فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه و لو لم تبق منفعته فيه إلا من الوجه الذي ذكرناه انتهي.

[كلام الشيخ الطوسي في المبسوط]

و قال في المبسوط و إنما يملك الموقوف عليه بيعه علي وجه عندنا و هو أنه إذا خيف علي الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة و لا يقدرون علي القيام فحينئذ يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك لا يجوز بيعه انتهي ثم احتج علي ذلك بالأخبار.

[كلام سلار قدس سره

و قال سلار فيما حكي عنه و لا يخلو الحال في الوقف و الموقوف عليهم من أن يبقي و يبقوا علي الحال التي وقف فيها أو تغير الحال فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف و لا هبته و لا تغير شي‌ء من أحواله و إن تغير الحال في الوقف حتي لا ينتفع به علي أي وجه كان أو لحقت الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو أنفع لهم انتهي.

[كلام ابن زهرة قدس سره

و قال في الغنية علي ما حكي عنه و يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلي بيعه بدليل إجماع الطائفة و لأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم تبق له منفعة إلا علي الوجه الذي ذكرنا
المكاسب، ج‌2، ص 166
جاز انتهي.

[كلام ابن حمزة قدس سره

و قال في الوسيلة و لا يجوز بيعه يعني الوقف إلا بأحد شرطين الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به انتهي.

[كلام الراوندي قدس سره

و قال الراوندي في فقه القرآن علي ما حكي عنه و إنما يملك بيعه علي وجه عندنا و هو إذا خيف علي الوقف الخراب أو كانت بأربابه حاجة شديدة
[كلمات ابن سعيد في الجامع و النزهة]
و قال في الجامع علي ما حكي عنه فإن خيف خرابه أو كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه انتهي و عن النزهة لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه أو تؤدي المنازعة فيه بين أربابه إلي ضرر عظيم أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة و يكون بيع الوقف أصلح لهم انتهي

[كلام المحقق قدس سره

و قال في الشرائع و لا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلي خرابه لخلف بين أربابه و يكون البيع أعود و قال في كتاب الوقف و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم قيل يجوز بيعه و الوجه المنع انتهي. و مثل عبارة الشرائع في كتاب البيع و الوقف عبارة القواعد في الكتابين.

[كلام العلامة في التحرير و الإرشاد و التذكرة]

و قال في التحرير لا يجوز بيع الوقف بحال و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف و لم يجز بيعها و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه علي ما رواه أصحابنا ثم ذكر كلام ابن إدريس و فتواه علي المنع مطلقا و تنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز علي المنقطع و نفيه الخلاف علي المنع في المؤبد ثم قال و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكن من عمارتها و يشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها انتهي و قال في بيع التحرير و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا و لو أدي بقاؤه إلي خرابه جاز و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه علي الوقف انتهي و عن بيع الإرشاد لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلي الخلف بين أربابه علي رأي و عنه في باب الوقف لا يصح بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشي به الخراب و قال في التذكرة في كتاب الوقف علي ما حكي عنه و الوجه أن يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد انتهي.
[كلمات الشهيد قدس سره في غاية المراد و الدروس و اللمعة]
و قال في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه انتهي و قال في غاية المراد يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف و إذا كان البيع أعود مع الحاجة و قال في الدروس لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلي فساده و قال في اللمعة لو أدي بقاؤه إلي خرابه لخلف أربابه فالمشهور الجواز انتهي

[كلام الصيمري قدس سره

و قال في تلخيص الخلاف علي ما حكي عنه إن لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف و فتنة و خشي خرابه و لا يمكن سد الفتنة بدون بيعه و هو قول الشيخين و اختاره نجم الدين و العلامة انتهي

[كلام الفاضل المقداد قدس سره

و قال في التنقيح علي ما حكي عنه إذا آل الوقف إلي الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا جاز بيعه. و عن تعليق الإرشاد يجوز بيعه إذا كان فساد تستباح فيه الأنفس.

[كلام الفاضل القطيفي قدس سره

و عن إيضاح النافع أنه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال و نهب الأموال و لم يندفع إلا بالبيع قال فلو أمكن زواله و لو بحاكم الجور لم يجز و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه انتهي و مثله الكلام المحكي عن تعليقه علي الشرائع.

[كلام المحقق الثاني قدس سره

و قال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلي موافقة الأكثر إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع أحدها إذا خرب و اضمحل بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا اندرست و جذعه إذا انكسر. ثانيها إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال و مستنده صحيحة علي بن مهزيار و يشتري بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان و يتولي ذلك الناظر الخاص إن كان و إلا فالحاكم. ثالثها إذا لحقت بالموقوف عليه حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلة و غيرها لرواية جعفر بن حنان عن الصادق ع انتهي كلامه رفع مقامه

[كلام الشهيد الثاني قدس سره

و قال في الروضة و الأقوي في المسألة ما دلت عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد ع من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد و علله ع بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس و ظاهره أن خوف أدائه إليهما أو إلي أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك قال و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرنا و إن احتاج إليه أرباب الوقف و لم تكفهم غلته أو كان أعود أو غير ذلك مما قيل لعدم دليل صالح عليه انتهي. و نحوه ما عن الكفاية
هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية و الظاهر أن المراد بتأدية بقاء الوقف إلي خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف لا التأدية علي وجه القطع فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها و خشيتها في بعضها الآخر و لذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا و أخري بذاك كما اتفق للفاضلين و الشهيد و نسب بعضهم عنوان الخوف إلي الأكثر كالعلامة في التذكرة و إلي الأشهر كما عن إيضاح النافع و آخر عنوان التأدية إلي الأكثر كجامع المقاصد أو إلي المشهور كاللمعة فظهر من ذلك أن جواز البيع بظن تأدية بقائه إلي خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن المتيقن من فتوي المشهور ما كان من أجل اختلاف أربابه اللهم إلا أن يستظهر من كلماتهم كالنص كون الاختلاف من باب المقدمة و أن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب
إذا عرفت ما ذكرنا

فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد و أخري في المنقطع

أما الأول [أي الوقف المؤبد]

اشارة

فالذي ينبغي أن يقال فيه

إن الوقف علي قسمين

أحدهما ما يكون ملكا للموقوف عليهم

فيملكون منفعته فلهم استئجاره و أخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.

و الثاني ما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير

كما في المساجد و المدارس و الربط بناء علي القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة فلو سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل

[محل الكلام في القسم الأول

و الظاهر أن محل الكلام في بيع
المكاسب، ج‌2، ص 167
الوقف إنما هو القسم الأول و أما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. و بالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق لا فيما لم يكن ملكا و حينئذ فلو خرب المسجد و خربت القرية و انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد لم يجز بيعه و صرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.

[كلام كاشف الغطاء في الأوقاف العامة مع اليأس عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة]

اشارة

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر أنه لا يصح بيع الأرض الوقف العام مطلقا لا لعدم التمامية بل لعدم أصيل الملكية لرجوعها إلي الله و دخولها في مشاعره أمكن الانتفاع بها في الوجه الذي وضعت له أولا و مع اليأس من الانتفاع بالجهة المقصودة تؤجر للزراعة و نحوها مع المحافظة علي الآداب اللازمة لها إن كانت مسجدا مثلا و إحكام السجلات لئلا تغلب اليد فتفضي بالملك دون الوقف المؤبد و تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب و الأحوج و الأفضل احتياطا و مع التعارض فالمدار علي الراجح [فالبواقي علي الترجيح و إن تعذر صرفت إلي غير المماثل كذلك فإن تعذر صرفت في مصالح المسلمين [هذا حيث لا تكون الأرض من المفتوحة عنوة و أما ما كانت منها فقد سبق أنها بعد زوال الآثار ترجع إلي ملك المسلمين و أما غير الأرض من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها فإن بقيت علي حالها و أمكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي أعدت له كانت علي حالها و إلا جعلت في المماثل و إلا ففي غيره و إلا ففي المصالح علي ما نحو ما مر و إن تعذر الانتفاع بها باقية علي حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه أشبهت في أمر الوقف الملك بعد إعراض المالك فيقوم فيها احتمال الرجوع إلي حكم الإباحة و العود ملكا للمسلمين تصرف في مصالحهم و العود إلي المالك الأول و مع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك و يحتمل بقاؤها علي الوقف و تباع احترازا عن التلف و الضرر و لزوم الحرج و يصرف مرتبا علي النحو السابق و لعل هذا هو الأقوي كما صرح به بعضهم انتهي

[المناقشة فيما أفاده كاشف الغطاء]

و فيه أن إجارة الأرض و بيع الآلات- حسن لو ثبت دليل علي كونها ملكا للمسلمين و لو علي نحو الأرض المفتوحة عنوة لكنه غير ثابت و المتيقن خروجها عن ملك مالكها أما دخولها في ملك المسلمين فمنفي بالأصل. نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة و لا يتعلق عليهم أجرة

[ما ورد في بيع ثوب الكعبة و هبته

ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة و هبته مثل رواية مروان بن عبد الملك قال: سألت أبا الحسن ع عن رجل اشتري من كسوة الكعبة شيئا فاقتضي ببعضه حاجته و بقي بعضه في يده هل يصلح له أن يبيع ما أراد قال يبيع ما أراد و يهب ما لم يرد و ينتفع به و يطلب بركنه قلت أ يكفن به الميت قال لا.

[الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد و بين نفس المسجد]

قيل و في رواية أخري: يجوز استعماله و بيع بقيته و كذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع اللهم إلا أن يقال إن ثوب الكعبة و حصر المسجد ليسا من قبيل المسجد بل هما مبذولان للبيت و المسجد فيكون كسائر أموالهما و معلوم أن وقفية أموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأول و ليست من قبيل نفس المسجد فهي ملك للمسلمين فللناظر العام التصرف فيه بالبيع. نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيز الانتفاع بل كان جديدا غير مستعمل و بين ما يكون من الأموال وقفا علي المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد و الثوب الذي يلبس به البيت فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف

[الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد]

ثم الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد أن الحصير يتصور فيه كونه وقفا علي المسلمين و لكن يضعه في المسجد لأنه أحد وجوه انتفاعهم كالماء المسبل الموضوع في المسجد فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر بل يمكن الانتفاع به في غيره و لو مع حاجته لكن يبقي الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه و إن كان الظاهر في الأول الاختصاص و أوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه و في الثاني العموم فيجوز التوضؤ منه و إن لم يرد الصلاة في المسجد. و الحاصل أن الحصير و شبهها الموضوعة في المساجد و شبهها تتصور فيها أقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين و ليست من قبيل نفس المسجد و أضرابه فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرناه.

[الجذع المنكسر من جذوع المسجد]

نعم ما ذكرناه لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان مع أن المحكي عن العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني جواز بيعه و إن اختلفوا في تقييد الحكم و إطلاقه كما سيجي‌ء إلا أن نلتزم بالفرق بين أرض المسجد فإن وقفها و جعلها مسجدا فك ملك بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب و الأحجار فإنها تصير ملكا للمسلمين فتأمل.

[حكم أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا]

و كيف كان فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها مع التصرف في منافعها كما تقدم عن بعض الأساطين أو بدونه- و أما إجزاؤه كجذوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينها يجب صرف عينها فيه لأن مقتضي وجوب إبقاء الوقوف و إجرائها علي حسب ما يوقفها أهلها وجوب إبقائها جزء للمسجد لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونتها بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال و إن لم تكن مصلحة في رده جزء للمسجد فبناء علي ما تقدم من أن الوقف في المسجد و أضرابه فك ملك لم يجز بيعه لفرض عدم الملك. و حينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلي مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك كإحراقه لآجر المسجد و نحو ذلك كما عن الروضة و إلا صرف في مسجد آخر كما في الدروس و إلا صرف في سائر مصالح المسلمين قيل بل لكل أحد حيازته و تملكه و فيه نظر. و قد ألحقت بالمساجد المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة علي الطريقة المعروفة و الكتب الموقوفة علي المشتغلين و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارة و البواري الموضوعة لصلاة المصلين و غير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو المسلمين و نحوهم من غير المحصورين لا لتحصيل المنافع بالإجارة و نحوها و صرفها في مصارفها كما في الحمامات و الدكاكين و نحوها لأن جميع ذلك صارت بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم إبقاؤها علي الإباحة كالطرق العامة و الأسواق و هذا كله حسن علي تقدير كون
المكاسب، ج‌2، ص 168
الوقف فيها فك ملك لا تمليكا

[إتلاف الموقوفات العامة]

و لو أتلف شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف. ففي الضمان وجهان- من عموم علي اليد فيجب صرف قيمته في بدله و من أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه و المفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم كما لو جعلت المدرسة بيت المسكن أو محرزا. و أن الظاهر من التأدية في حديث اليد الإيصال إلي المالك فيختص بأملاك الناس و الأول أحوط و قواه بعض.
إذا عرفت جميع ما ذكرناه فاعلم

أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور

الأولي أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه

كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير الخلق و الأقوي جواز بيعه وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم لعدم جريان أدلة المنع- أما الإجماع فواضح. و أما قوله ع: لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه إلي غير هذه الحالة. و أما قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها فلا يدل علي المنع هنا لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف و ليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف و إن ذكر في متن العقد للاتفاق علي أنه لا فرق بين ذكره فيه و تركه و قد تقدم ذلك و يضعف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه و لو سلم أن المأخوذ في الوقف إبقاء العين فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين و المفروض تعذره هنا. و الحاصل أن جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه فهو ملك للبطون يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون و هو الحاكم أو المتولي. و الحاصل أن الأمر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الكل. و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليه و به يندفع استصحاب المنع مضافا إلي كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و هو انتفاع جميع البطون بعينه و قد ارتفع قطعا فلا يبقي ما كان في ضمنه. و أما الثاني فمع منافاته لحق سائر البطون يستلزم جواز بيع البطن الأول إذ لا فرق بين إتلافه و نقله و الثالث هو المطلوب. نعم يمكن أن يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي إلي آخر البطون فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقي لهم فينتهي ملكه إلي من أدرك آخر أزمنة بقائه فتأمل. و كيف كان فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة فلا وجه لترخيص البطن الموجود في إتلافه. و مما ذكرنا يظهر أن الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك كالإسكافي و العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني. و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك فإن المبيع إذا كان ملكا للموجودين بالفعل و للمعدومين بالقوة كان الثمن كذلك فإن الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها فكما أن الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضي تمليك الواقف و عدم تعقل الملك للمعدوم إنما هو في الملك الفعلي لا الشأني. و دعوي أن الملك الشأني ليس شيئا محققا موجودا يكذبها إنشاء الواقف له كإنشائه للملك الموجود فلو جاز أن تخرج العين الموقوفة إلي ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم علي نهج دخول المعوض جاز أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود و إليه أشار الشهيد قدس سره في الفرع الآتي حيث قال إنه يعني الثمن صار مملوكا علي حد الملك الأول إذ يستحيل أن يملك لا علي حدة خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة- . و اختاره المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول و لعل وجهه أن الوقف ملك للبطن الموجود غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة به فإذا فرض جواز بيعه انتقل الثمن إلي من هو مالك له فعلا و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن و لا دليل عليه و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم إذ لا عموم لفظي يقتضي البدلية و التنزيل بل هو بدل في الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك.
و فيه أن النقل إلي المشتري إن كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق إلي البطن اللاحق فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا و إن كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا يزول إلا بالناقل فهو لا يكون إلا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له فالثمن لهم علي نحو المثمن. و مما ذكرنا تعرف أن اشتراك البطون في الثمن أولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول حيث إنها بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقت فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن فإنه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم علي وجه المعاوضة الحقيقة فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض و من هنا اتضح أيضا أن هذا أولي بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا لأن حق الرهنية متعلق بالعين من حيث إنها ملك لمالكها الأول فجاز أن يرتفع لا إلي بدل بارتفاع ملكية المالك الأول بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم فإنه ليس قائما بالعين من حيث إنها ملك للبطن الموجود بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن الموجود منشأ بإنشائه مقارن له بحسب الجعل متأخرا عنه في الوجود. و قد تبين مما ذكرنا أن الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون علي ترتيبهم فإن كان مما يمكن أن يبقي و ينتفع به البطون علي نحو المبدل و كانت مصلحة البطون في بقائه أبقي و إلا أبدل مكانه ما هو أصلح و من هنا ظهر عدم الحاجة إلي صيغة الوقف في البدل بل نفس البدلية تقتضي كونه كالمبدل و لذا علله الشهيد رحمه الله في غاية المراد بقوله لأنه صار مملوكا علي حد الملك الأول إذ يستحيل أن يملك لا علي حدة ثم إن هذه العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم أو لوليهم أن ينظر فيها و يتصرف فيها بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالإبدال بعين أخري أصلح لهم بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق و ليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا لعذر لأن ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي و بدل الوقف إنما هو بدل له في كونه ملكا للبطون فلا يترتب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي. و مما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف كما هو ظاهر التذكرة و الإرشاد و جامع المقاصد و التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة بل قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين
المكاسب، ج‌2، ص 169
فاللازم ملاحظة مصلحتهم خلافا للعلامة و ولده و الشهيد و جماعة فأوجبوا المماثلة مع الإمكان لكون المثل أقرب إلي مقصود الواقف. و فيه مع عدم انضباط غرض الواقف إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته فبيع فدار الأمر بين أن يشتري بثمنه بستانا في موضع لا يصل إليهم إلا قيمة الثمرة و بين أن يشتري ملكا آخر يصل إليهم أجرة منفعته فإن الأول و إن كان مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلي غرض الواقف أنه لا دليل علي وجوب ملاحظة الأقرب إلي مقصوده إنما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في إنشاء الوقف لتجري الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها فالحاصل أن الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا مدلول كلام الواقف و إذا بيع و انتقل الثمن إلي الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلا مصلحتهم هذا. قال العلامة في محكي التذكرة كل مورد جوزنا بيع الوقف فإنه يباع و يصرف الثمن إلي جهة الوقف فإن أمكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به كان أولي و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه و إلا صرف الثمن إلي الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء لأن فيه جمعا بين التوصل إلي غرض الواقف من نفع الموقوف عليه علي الدوام و بين النص الدال علي عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد فإذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب لأنه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الأول الذي وقع عليه العقد و مراعاة الخصوصية الكلية تفضي إلي فوات الغرض بأجمعه و لأن قصر الثمن علي البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه مع أنهم يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الأول و تعذر وجودهم حال الوقف و قال بعض علمائنا و الشافعية إن ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف الثمن علي الموقوف عليهم علي رأي انتهي. و لا يخفي عليك مواقع الرد و القبول في كلامه رحمه الله ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون و يحتمل أن يكون هذا إلي الناظر إن كان لأنه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلي الوقف إلا أن يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلي التصرف في نفس العين و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف و يحتمل بقاؤها لتعلق حقه بالعين الموقوفة فيتعلق ببدلها ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين فلا يجوز دفعه إلي البطن الموجود لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون و حينئذ فيوضع عند أمين حتي يتمكن من شراء ما ينتفع به و لو مع الخيار إلي مدة و لو طلب ذلك البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته و لا يعطل الثمن حتي يوجد ما يشتري به من غير خيار. نعم لو رضي الموجود بالاتجار به و كانت المصلحة في التجارة جازت مع المصلحة إلي أن يوجد البدل و الربح تابع للأصل و لا يملكه الموجودون لأنه جزء من المبيع و ليس كالنماء الحقيقي. ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض الخراب لكله أو بعضه فيباع البعض المخروب و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعة جاز مع رضا الكل لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون فلهم التصرف فيه علي ظن المصلحة و منه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم علي نحو هذا الوقف فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم و لو خرب بعض الوقف و خرج عن الانتفاع و بقي بعضه محتاجا إلي عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة فهل يصرف ثمن المخروب إلي عمارة الباقي و إن لم يرض البطن الموجود وجهان آتيان فيما إذا احتاج إصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة إلي صرف منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود إذا لم يشترط الواقف إخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم و هنا فروع أخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

الصورة الثانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به

بحيث يصدق عرفا أنه لا منفعة فيه كدار تهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها بأجرة لا تبلغ شيئا معتدا به فإن كان ثمنه علي تقدير البيع لا يعطي به إلا ما كانت منفعته كمنفعة العرصة فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز و إن كان يعطي بثمنه ما تكون منفعته أكثر من منفعة العرصة بل ساوت منفعة الدار ففي جواز البيع وجهان من عدم دليل علي الجواز مع قيام المقتضي للمنع و هو ظاهر المشهور حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا. و قد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف و لم يجز بيعها اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور علي النفع المعتد به بحسب حال العين فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صار عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي كجمع الزبائل فيها و نحوه يصدق عليه أنه لا يجدي نفعا و كذا القرية الموقوفة فإن خرابها بغور أنهارها و هلاك أهلها و لا يكون بسلب منافع أراضيها رأسا و يشهد لهذا ما تقدم عن التحرير من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية مع أنها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية فالظاهر دخول الصورة المذكورة في إطلاق كلام من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا و يشمله الإجماع المدعي في الانتصار و الغنية لكن الخروج بذلك عن عموم أدلة وجوب العمل بمقتضي وقف الواقف الذي هو حبس العين و عموم قوله ع لا يجوز شراء الوقف مشكل. و يؤيد المنع حكم أكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة بناء علي جواز الانتفاع بها في وجوه أخر كالتسقيف و جعلها جسرا و نحو ذلك بل ظاهر المختلف حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلي رحمهما الله لفظيا حيث نزل تجويز الشيخ علي صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة أخري الإنفاق علي المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا. نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز لانصراف
المكاسب، ج‌2، ص 170
قوله ع لا يجوز شراء الوقف إلي غير هذه الحالة و كذا حبس العين و تسبيل المنفعة إنما يجب الوفاء به ما دامت المنفعة المعتد بها موجودة و إلا فمجرد حبس العين و إمساكه و لو من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الأولي ثم إن الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر غير الخراب لجريان ما ذكرناه فيه ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنه ذكر بعض أن جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف و عرفت وجه النظر فيه ثم وجه بطلان الوقف في الصورة الأولي بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء و الاستدامة و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها. و فيه ما عرفت سابقا من أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد مع أنه لا دليل عليه مضافا إلي أنه لا دليل علي اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة فإن الشرط في العقود الناقلة يكفي وجوده حين النقل فإنه قد يخرج المبيع عن المالية و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري مع أن جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلي الجواز كما تقدم ثم ذكر أنه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية فخربت حتي خرجت عن قابلية ذلك فإنه و إن لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا لكن ليس من عنوان الوقف و احتمال بقاء العرصة علي الوقف باعتبار أنها جزء من الوقف و هي باقية و خراب غيرها و إن اقتضي بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها يدفعه أن العرصة كانت جزء من الوقف من حيث كونه بستانا لا مطلقا فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي قد فرض خرابه و لو فرض إرادة وقفها ليكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها لعدم ذهاب عنوان الوقف و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية من أنه لو أوصي بدار فانهدمت قبل موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء موضوعها. نعم لو لم تكن الدارية و البستانية و نحو ذلك مثلا عنوانا للوقف و إن قارنت وقفه بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت علي حسب ما يقبله لم يبطل الوقف بتغير أحواله ثم ذكر أن في عود الوقف إلي ملك الواقف أو وارثه بعد البطلان أو الموقوف عليه وجهين. أقول يرد علي ذلك ما قد يقال بعد الإجماع علي أن انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف بل و لا جواز البيع و إن اختلفوا فيه عند الخراب أو خوفه لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفي أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان لأنه إن أريد العنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان فلا شك أنه ليس إلا كقوله بعت هذا البستان أو وهبته فإن التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي و إن لم يكن في ضمن عنوان البستان و ليس التمليك من قبيل الأحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات و إن أريد بالعنوان شي‌ء آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف و العلم و لا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة علي عنوانه. و أما تأييد ما ذكر بالوصية فالمناسب أن يقاس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها و خروج البستان عن ملك الموصي بموته و قبول الموصي له فهل يرضي أحد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة. نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات أخر ثم ما ذكره من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد إطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف علي عدم عوده إليه أبدا.

الصورة الثالثة أن يخرب بحيث تقل منفعته لكن لا إلي حد يلحق بالمعدوم

و الأقوي هنا المنع و هو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة حيث جوز الشيخ في محكي الخلاف بيعها محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا علي هذا الوجه لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل و لا يرجي عوده و منعه الحلي قائلا و لا يجوز بيعها بل ينتفع بها بغير البيع مستندا إلي وجوب بقاء الوقف علي حاله مع إمكان الانتفاع و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها لإمكان التسقيف بها و نحوه. و حكي موافقته عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و أكثر المتأخرين. و حكي في الإيضاح عن والده قدس سرهما أن النزاع بين الشيخ و الحلي لفظي و استحسنه لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها و الحلي فرض وجود منفعة لها و منع لذلك بيعها و قيل يمكن بناء نزاعهما علي رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ و لا يخلو عن تأمل. و كيف كان فالأقوي هنا المنع و أولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب فلا يجوز بذلك البيع إلا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان أعود و سيجي‌ء تفصيله.

الصورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف

و الظاهر أن المراد منه أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه و قد نسب جواز البيع هنا إلي المفيد و قد تقدمت عبارته فراجع. و زيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة إلي البطن الموجود و قد تلاحظ بالنسبة إلي جميع البطون إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه و الأقوي المنع مطلقا وفاقا للأكثر بل الكل بناء علي ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد علي ذلك و علي تقديره فقد تقدم عن التحرير أن كلام المفيد متأول و كيف كان فلا إشكال في المنع لوجود مقتضي المنع و هو وجوب العمل علي طبق إنشاء الواقف. و قوله ع: لا يجوز شراء الوقف و غير ذلك و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل وقف غلة له علي قرابته من أبيه و قرابته من أمه و أوصي لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي علي قرابته من أبيه و قرابته من أمه فقال جائز للذي أوصي له بذلك قلت أ رأيت إن لم يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم فقال أ ليس في وصيته أن يعطي الذي أوصي له من تلك الغلة ثلاثمائة درهم و يقسم الباقي علي قرابته من أبيه
المكاسب، ج‌2، ص 171
و أمه قلت نعم قال ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتي يوفوا الموصي له ثلاثمائة درهم ثم لهم ما يبقي بعد ذلك قلت أ رأيت إن مات الذي أوصي له قال إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها بينهم فأما إذا انقطع ورثته فلم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلي ما يخرج من الوقف ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة قلت فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا إليها و لم يكفهم ما يخرج من الغلة قال نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا. و الخبر المروي عن الاحتجاج: إن الحميري كتب إلي صاحب الزمان جعلني الله فداه أنه روي عن الصادق ع خبر مأثور إذا كان الوقف علي قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علي بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم علي البيع أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه فأجاب ع إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه و إذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و مفترقين إن شاء الله دلت علي جواز البيع إما في خصوص ما ذكره الراوي و هو كون البيع أصلح و إما مطلقا بناء علي عموم الجواب لكنه مقيد بالأصلح لمفهوم رواية جعفر كما أنه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر علي صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره بما في بيع كل واحد بقرينة رواية الاحتجاج. و يؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصة ضيعة الإمام ع من الوقف. و الجواب عن رواية جعفر فإنها إنما تدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم لا لمجرد كون البيع أنفع فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدم عن ظاهر النزهة و سيجي‌ء الكلام في هذا القول بل يمكن أن يقال إن المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع الذي يلاحظه الفاعل ليكون منشأ لإرادته فليس مراد الإمام ع بيان اعتبار ذلك تعبدا بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل يعني إذا كان الأمر علي ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز كما يقال إذا أردت البيع و رأيته أصلح من تركه فبع و هذا مما لا يقول به أحد و يحتمل أيضا أن يراد من الخير هو خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل. و عن المختلف و جماعة الجواب عنها بعدم ظهورها في المؤبد لاقتصارها علي ذكر الأعقاب و فيه نظر لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل علي الاختصاص إذ يصح أن يقال في الوقف المؤبد إنه وقف علي الأولاد مثلا و حينئذ فعلي الإمام ع أن يستفصل إذا كان بين المؤبد و غيره فرق في الحكم فافهم و كيف كان ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الإشكال علي جواز البيع بمجرد الأنفعية إشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة. و مما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري ثم لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأول البائع يتصرف فيه علي ما شاء و منه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد فإن مقتضي كون العين مشتركة بين البطون كون بدلها كذلك كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع فيكون تجويز البيع في هذه الصورة و التصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حق اللاحقين آنا ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب لئلا يقع البيع علي المال المشترك فيستحيل كون بدله مختصا.

الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة

و قد تقدم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه و تدل عليه رواية جعفر المتقدمة و يرده أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم كما لا يخفي و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي. و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة و بينها و بين مطلق الفقير عموم من وجه إذ قد يكون فقيرا و لا يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر علي مئونة سنته فالرواية بظاهرها غير معمول بها مع أنه قد يقال إن ظاهر الجواب جواز البيع بمجرد رضا الكل و كون البيع أنفع و لو لم يكن حاجة و كيف كان فلا يبقي للجواز عند الضرورة الشديدة إلا الإجماعان المعتضدان بفتوي جماعة و في الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع و عن قاعدة وجوب كون الثمن علي تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود مع وهنهما بمصير جمهور المتأخرين و جماعة من القدماء إلي الخلاف بل معارضتهما بالإجماع المدعي في السرائر إشكال.

الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة أو إذا كان فيه مصلحة

للبطن الموجود أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة علي حسب ما يشترط فقد اختلفت كلمات العلامة و من تأخر عنه في ذلك فقال في الإرشاد لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم و شراء غيره بثمنه فالوجه الجواز انتهي و في القواعد و لو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج و شبهه و شراء غيره بثمنه أو عند خرابه و عطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه ففي صحة الشرط إشكال و مع البطلان ففي إبطال الوقف نظر انتهي و ذكر في الإيضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولي و في وجه المنع أن الوقف للتأبيد و البيع ينافيه قال و الأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال انتهي قال الشهيد في الدروس و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة بينهم فأولي بالجواز انتهي و يظهر منه أن للشرط تأثيرا و أنه يحتمل المنع من دون الشرط و التجويز معه. و عن المحقق الكركي أنه قال التحقيق أن كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة لأنه شرط مؤكد و ليس بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف لأنه مقيد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع و إلا فلا للمنافاة فلا يصح حينئذ حبسها لأن اشتراط شراء شي‌ء
المكاسب، ج‌2، ص 172
بثمنه يكون وقفا مناف لذلك لاقتضائه الخروج عن الملك فلا يكون وقفا و لا حبسا انتهي. أقول و يمكن أن يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها و المؤمنون عند شروطهم بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف فلعله مناف لإطلاقه و لذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته فإن التحقيق كما عرفت سابقا أن جواز البيع لا يبطل الوقف بل هو وقف يجوز بيعه فإذا بيع خرج عن كونه وقفا ثم إنه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه و أما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف فمعني كونه حبسا كونه محبوسا من أن يتصرف فيه بعض طبقات الملاك علي نحو الملك المطلق و أما حبس شخص الوقف فهو لازم لإطلاقه و تجرده عن مسوغات الإبدال شرعية كانت كخوف الخراب أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد فتأمل. ثم إنه روي صحيحا في الكافي: ما ذكره أمير المؤمنين ع في كيفية وقف ماله في عين ينبع و فيه فإن أراد الحسن أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه و إن شاء جعله شروي الملك و إن ولد علي و أموالهم إلي الحسن بن علي و إن كان دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء و لا حرج عليه فيه فإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب و يجعل ثلثا في آل أبي طالب و أنه يضعه فيهم حيث يراه الله ثم قال و إن حدث بحسن بن علي حدث و حسين حي فإن الآخر منهما ينظر في بني علي إلي أن قال فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم و إنه يشترط علي الذي يجعله إليه أن يترك المال علي أصوله و ينفق الثمرة حيث أمره به من سبيل الله و وجوهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني عبد المطلب و القريب و البعيد لا يباع شي‌ء منه و لا يوهب و لا يورث الرواية و ظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون و صرف ثمنه فيما ينتفعون به و السند صحيح و التأويل مشكل و العمل أشكل.

الصورة السابعة أن يؤدي بقاؤه إلي خرابه علما أو ظنا

و هو المعبر عنه بخوف الخراب في كثير من العبائر المتقدمة و الأداء إلي الخراب قد يكون للخلف بين أربابه و قد يكون لا له و الخراب المعلوم أو المخوف قد يكون علي حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدا به و قد يكون علي وجه نقص المنفعة و أما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر كانتفاعه السابق أو أزيد فلا يجوز بيعه إلا علي ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من أن تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه و قد عرفت ضعفه. و قد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلي الخراب و لو لغير الاختلاف و من أخري تقييدهم به.

الصورة الثامنة أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس

و إن لم يعلم أو يظن بذلك فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

الصورة التاسعة أن يؤدي الاختلاف بينهم إلي ضرر عظيم

من غير تقييد بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة

أن يلزم فساد تستباح منه الأنفس

و الأقوي الجواز مع تأدية البقاء إلي الخراب- علي وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا

سواء كان لأجل الاختلاف أم غيره و المنع في غيره من جميع الصور أما الجواز في الأول فلما مر من الدليل علي جواز بيع ما سقط عن الانتفاع فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه فدار الأمر بين انقطاع شخصه و نوعه و بين انقطاع شخصه لا نوعه كان الثاني أولي فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلا. و أما الأدلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الإجماع و انصراف النصوص إلي غير هذه الصورة. و أما الموقوف عليهم فالمفروض إذن الموجود منهم و قيام الناظر العام أو الخاص مقام غير الموجود. نعم قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع إلي زمان وجدان البدل أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلي الباقي. و مما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلي آخر أزمنة إمكان البقاء مع عدم فوات الاستبدال فيه- و مع فوته ففي تقديم البيع إشكال و لو دار الأمر بين بيعه و الإبدال به و بين صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره ففي ترجيح حق البطن الذي تفوته المنفعة أو حق الواقف و سائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الوقف وجهان لا يخلو أولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعة مقدما علي الموقوف عليه. و قد يستدل علي الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح من أن بقاء الوقف علي حاله و الحال هذه إضاعة و إتلاف للمال و هو منهي عنه شرعا فيكون البيع جائزا و لعله أراد الجواز بالمعني الأعم فلا يرد عليه أنه يدل علي وجوب البيع. و فيه أن المحرم هو إضاعة المال المسلط عليه لا ترك المال الذي لا سلطان عليه إلي أن يخرب بنفسه و إلا لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة علي الخراب بغير البيع مهما أمكن مقدما علي البيع أو إذا لم يمكن البيع. و الحاصل أن ضعف هذا الدليل بظاهره واضح و يتضح فساده علي القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير و يتلوه في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذب و غاية المرام من أن الغرض من الوقف استيفاء منافعه و قد تعذرت فيجوز إخراجه عن حده تحصيلا للغرض منه و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض كما أنه لو تعطل الهدي ذبح في الحال و إن اختص بموضع فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المعتذر. و فيه أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف لأنه الذي دلت عليه صيغة الوقف و المفروض تعذره فيسقط و قيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص لكونه أقرب إلي مقصود الواقف فرع الدليل علي وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلي غرض الواقف بعد تعذر أصل الغرض فالأولي منع جريان أدلة المنع مع خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا و جعل ذلك مؤيدا.

[الدليل علي المنع في غير ما ذكرنا]

اشارة

و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها فلعموم قوله ع لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك فإن ترك الاستفصال فيه بين علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف علي
المكاسب، ج‌2، ص 173
بعض الوجوه المجوزة و بين عدمه الموجب لحمل فعل البائع علي الصحة يدل علي أن الوقف ما دامت له غلة لا يجوز بيعه و كذا قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله. و ما دل علي أنه يترك حتي يرثها وارث السماوات و الأرض

[التمسك بالاستصحاب علي المنع

هذا كله مضافا إلي الاستصحاب في جميع هذه الصور و عدم الدليل الوارد عليه

[الاستدلال بمكاتبة ابن مهزيار علي الجواز في غير ما ذكرنا]

عدا المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصور فيها و هي مكاتبة ابن مهزيار قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني ع أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس و يسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو تقويمها علي نفسه بما اشتراها به أو يدعها موقوفة. فكتب إلي أعلم فلانا أني آمره أن يبيع حصتي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إلي و أن ذلك رأيي إن شاء الله تعالي أو يقومها علي نفسه إن كان ذلك أوفق له قال و كتبت إليه أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و أنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلي كل إنسان منهم ما [كان وقف له من ذلك أمرته. فكتب بخطه إلي أعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل فليبع فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس

[الاستدلال بالمكاتبة علي الجواز فيما لو كان الخراب علي وجه نقص المنفعة]

حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة بناء علي أن قوله فإنه إلي آخره تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف و أن المراد بالمال هو الوقف فإن ضم النفوس إنما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف لا أن المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفي فيكون حاصل التعليل أنه كلما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه و فيه أن المقصود جواز بيعه إذا أدي بقاؤه إلي الخراب علما أو ظنا لا مجرد كونه ربما يؤدي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح علي ما هو الظاهر من لفظه ربما كما لا يخفي علي المتتبع لموارد استعمالاتها و لا أظن أن أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال أداء بقائه إلي الخراب لأن كلمات من عبر بهذا العنوان كما عرفت بين قولهم أدي بقاؤه إلي خرابه و بين قولهم يخشي أو يخاف خرابه.
و الخوف عند المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم مثل قولهم يجب الإفطار و التيمم مع خوف الضرر و يحرم السفر مع خوف الهلاك و لا يتحقق إلا بعد قيام أمارة الخوف هذا مع أن مناط الجواز علي ذكر تلف الوقف رأسا و هو القسم الأول من الصورة السابعة التي جوزنا فيها البيع فلا يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف مع أنه لا وجه بناء علي عموم التعليل للاقتصار علي خوف خراب خصوص الوقف بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف.

و أما تقريب الاستدلال بالمكاتبة علي جواز البيع في الصورة الثامنة

و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال و النفوس فهو أن الحكم بالجواز معلق علي الاختلاف إلا أن قوله ع فإنه ربما إلي آخره مقيد بالاختلاف الخاص و هو الذي لا يؤمن معه من التلف لأن العلة تقيد المعلول كما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض. و فيه أن اللازم علي هذا تعميم الجواز في كل مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس و إن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم فيجوز بيع الوقف لإصلاح كل فتنة و إن لم يكن لها دخل في الوقف اللهم إلا أن يدعي سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقي حتي يتعدي إلي جميع موارده لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع و هو الذي فهمه الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة كما تقدم كلامه لكن الحكم علي هذا الوجه مخالف للمشهور فلا يبقي حينئذ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات و القواعد مع ما فيها من ضعف الدلالة كما سيجي‌ء إليه الإشارة.

[الاستدلال بالمكاتبة علي الصورة التاسعة و رده.]

و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال علي الصورة التاسعة و رده.

و أما تقريب الاستدلال علي الصورة العاشرة

فهو أن ضم تلف النفس إلي تلف الأموال مع أن خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا يدل علي اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلي حيث يخاف منه تلف النفس و لا يكفي بلوغه إلي ما دون ذلك بحيث يخاف منه تلف المال فقط. و فيه أن اللازم علي هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة مع أن ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس و المقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة هو اعتبار الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

[استناد الفتاوي بجواز بيع الوقف إلي ما فهم من المكاتبة المذكورة]

و الحاصل أن جميع الفتاوي المتقدمة في جواز بيع الوقف الراجعة إلي اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنا أو احتمالا إلي مطلق الفساد أو فساد خاص أو اعتبار الاختلاف مطلقا أو اختلاف خاص مستندة إلي ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة

و الأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز

بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس لا مطلق الاختلاف لأن الذيل مقيد و لا خصوص المؤدي علما أو ظنا لأن موارد استعمال لفظة ربما أعم من ذلك و لا مطلق ما يؤدي إلي المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدي عن مورد النص و إن كان فيه إشارة إلي التعليل.

[الإيراد علي المكاتبة بإعراض المشهور عنها]

و علي ما ذكرنا فالمكاتبة غير معني بها عند المشهور لأن الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه إلي الخراب الغير اللازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس فتكون النسبة بين فتوي المشهور و مضمون الرواية عموما من وجه لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية و قصور مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة لأن اختلاف فتاوي المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز من قوله ع إن كان قد علم الاختلاف المنضم إلي قوله فإنه ربما جاء في الاختلاف.

[الإيراد علي المكاتبة بعدم ظهورها في الوقف المؤبد أو ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم

و أما دلالة المكاتبة علي كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام فهي علي تقدير قصورها منجبرة بالشهرة فيندفع بها ما يدعي من قصور دلالتها من جهات مثل عدم ظهورها في المؤبد لعدم ذكر البطن اللاحق و ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم و عدم تمام الوقف كما عن الإيضاح و أوضحه الفاضل المحدث المجلسي و جزم به المحدث البحراني و مال إليه في الرياض. قال الأول في بعض حواشيه علي بعض كتب الأخبار إنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر علي ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوف
المكاسب، ج‌2، ص 174
عليهم و لم يدفعها إليهم و حاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف و يشتد لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد و يدفع إليهم ثمنها أيهما أفضل انتهي موضع الحاجة.
و الإنصاف أنه توجيه حسن لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك فلا يجوز رفع اليد عن مقتضي ترك الاستفصال في الجواب كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد علي ذكر بعض البطون فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبد. و الحاصل أن المحتاج إلي الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبد لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه أو غير ذلك مما تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين. نعم يحتاج إلي الاعتضاد بالشهرة من جهة أخري و هي أن مقتضي القاعدة كما عرفت لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون و ظاهر الرواية تقريره للسائل في تقسيم ثمن الوقف علي الموجودين فلا بد إما من رفع اليد عن مقتضي المعاوضة إلا بتكلف سقوط حتي سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع لتقع المعاوضة في مالهم و إما من حمل السؤال علي الوقف المنقطع أعني الحبس الذي لا إشكال في بقائه علي ملك الواقف أو علي الوقف غير التام لعدم القبض أو لعدم تحقق صيغة الوقف و إن تحقق التوطين عليه و تسميته وقفا بهذا الاعتبار. و يؤيده تصدي الواقف بنفسه للبيع إلا أن يحمل علي كونه ناظرا أو يقال إنه أجنبي استأذن الإمام ع في بيعه عليهم حسبة بل يمكن أن يكون قد فهم الإمام ع من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها مع أن المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله أن مورد السؤال هو الوقف الباقي علي ملك الواقف لانقطاعه أو لعدم تمامه. و يؤيده أن ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف للإمام هو هذا النحو أيضا إلا أن يصلح هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبد التام و يقال إنه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف و موجبا لتكلف الالتزام بسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع أو بمنع تقرير الإمام ع للسائل في قسمة الثمن إلي الموجودين.

[القدر المتيقن من المكاتبة]

و يبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع و قد عرفت الأظهر منها لكن في النفس شي‌ء من الجزم بظهوره فلو اقتصر علي المتيقن من المحتملات و هو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا إلي تلف خصوص مال الوقف و نفوس الموقوف عليهم كان أولي و الفرق بين هذا و القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع أن المناط في ذلك القسم العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا. و المناط هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و إن لم يتلف الوقف فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف

[المراد من التلف في المكاتبة]

و ليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتي يتحد مع ذلك القسم المتقدم إذ لا يتناسب هذا ما هو الغالب في تلف الضيعة التي هي مورد الرواية فإن تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها

[هل الثمن للبطن الموجود أو يشتري به ما يكون وقفا]

ثم إن الظاهر من بعض العبائر المتقدمة بل المحكي عن الأكثر أن الثمن في هذا البيع للبطن الموجود إلا أن ظاهر كلام جماعة بل صريح بعضهم كجامع المقاصد هو أنه يشتري بثمنه ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان و هذا منه قدس سره مبني علي منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن علي الموجودين أو علي منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضي قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل لكن الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر فتعين الأول و هو منع التقرير لكنه خلاف مقتضي التأمل في الرواية.

و أما الوقف المنقطع

اشارة

و هو ما إذا وقف علي من ينقرض- بناء علي صحته كما هو المعروف- فإما أن نقول ببقائه علي ملك الواقف و إما أن نقول بانتقاله إلي الموقوف عليهم و علي الثاني فإما أن يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم إلي ورثتهم عند انقراضهم و إما أن يقال بعوده إلي ملك الواقف و إما أن يقال بصيرورته في سبيل الله

[هل يجوز بيع الوقف المنقطع أم لا]

فعلي الأول لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك و في جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم إشكال- من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به و لذا منع الأصحاب كما في الإيضاح علي ما حكي عنهم بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة مدة العدة مع عدم كثرة التفاوت. نعم المحكي عن جماعة كالمحقق و الشهيدين في المسالك و الدروس و غيرهم صحة البيع في السكني الموقتة بعمر أحدهما بل ربما يظهر من محكي التنقيح الإجماع عليه و لعله إما لمنع الغرر و إما للنص و هو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن نعيم قال: سألت أبا الحسن ع عن رجل جعل داره سكني لرجل زمان حياته أو جعلها له و لعقبه من بعده قال هي له و لعقبه من بعده كما شرط قلت فإن احتاج إلي بيعها أ يبيعها قال نعم قلت فينقض بيعه الدار السكني قال لا ينقض البيع السكني كذلك سمعت أبي يقول قال أبو جعفر لا ينقض البيع الإجارة و لا السكني و لكن يبيعه علي أن الذي يشتريه لا يملك ما اشتري حتي ينقضي السكني علي ما شرط إلي آخر الخبر. و مع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة و ولده و المحقق الثاني و لو باعه من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف فالظاهر جوازه لعدم الغرر و يحتمل العدم لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشتري لا توجب معرفة البيع و كذا لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه. نعم لو انتقل إلي الواقف ثم باع صح جزما و أما مجرد رضا الموقوف عليهم فلا يجوز البيع من الأجنبي لأن المنفعة مال لهم فلا تنتقل إلي المشتري بلا عوض اللهم إلا أن يكون علي وجه الإسقاط لو صححناه منهم أو تكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم فيكون العوض موزعا عليهما و لا بد أن يكون
المكاسب، ج‌2، ص 175
ذلك علي وجه الصلح لأن غيره لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما خصوصا مع جهالة المنفعة و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح من أنه لو اتفق الواقف و الموقوف عليه علي البيع في المنقطع جاز سواء أراد بيع الواقف أم بيع الموقوف عليه كما يدل كلامه عليه المحكي عنه في مسألة السكني- حيث أجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة كما في السكني علي قول صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال فتأمل. و تمام الكلام في هذه المسائل في باب السكني و الحبس إن شاء الله.

[حكم البيع بناء علي صيرورته ملكا مستقرا للموقوف عليهم

و علي الثاني فلا يجوز البيع للواقف لعدم الملك و لا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاؤه في يدهم إلي انقراضهم.

[حكم البيع بناء علي عوده إلي ملك الواقف

و علي الثالث فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين كما لا يجوز أيضا للواقف لغير المالك فعلا و إن أجاز الموقوف عليه إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال علي أن الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة لعدم تسلطه علي النقل فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع ثم إنه قد أورد علي القاضي قدس سره حيث جوز الموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع علي ملك الواقف و يمكن رفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة و هو ملك الموقوف عليهم ثم عوده إلي الواقف إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع و يتضح ذلك بمراجعة المسألة في كتاب الوقف.

[حكم البيع بناء علي صيرورته في سبيل الله

و علي الرابع فالظاهر أن حكمه حكم الوقف المؤبد كما صرح به المحقق الثاني علي ما حكي عنه لأنه حقيقة وقف مؤبد كما لو صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص ثم إن ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع فإنما هو بالنسبة إلي البطن الذي لا بطن بعده يتلقي الملك من الواقف و أما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم و أما علي تقدير القول بملكهم فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا و في الجواز في الصورة التي جوزنا لاشتراك دليل المنع و يتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد المبيع.

و أما الوقف المنقطع

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أم ولد لسيدها

اشارة

فإن ذلك يوجب منع المالك عن بيعها بلا خلاف بين المسلمين علي الظاهر المحكي عن مجمع الفائدة. و في بعض الأخبار دلالة علي كونه من المنكرات في صدر الإسلام مثل ما: روي عن قول أمير المؤمنين لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده قال له خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي.

و في حكم البيع كل تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق أو مستلزم للنقل كالرهن

كما يظهر من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد منها جعل أم ولد ملكا غير طلق كالوقف و الرهن و قد عرفت أن المراد من الطلق تمامية الملك و الاستقلال في التصرف فلو جاز الصلح عنها و هبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها كما أن المجهول الذي يصح الصلح عنه و هبته و الإبراء عنه و لا يجوز بيعه لا يخرج عن كونه طلقا. و منها كلماتهم في رهن أم الولد فلاحظها. و منها كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع فإن المصرح به في كلام الشهيدين في خيار الغبن أن البائع لو فسخ يرجع إلي القيمة لامتناع انتقال أم الولد و كذا في كلام العلامة و ولده و جامع المقاصد ذلك أيضا في زمان مطلق الخيار. و منها كلماتهم في مستثنيات بيع أم الولد ردا و قبولا فإنها كالصريحة في أن الممنوع مطلق نقلها لا خصوص البيع. و بالجملة فلا يبقي للمتأمل شك في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل و مع ذلك كله فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من النواقل للأصول و خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع و قد عرفت ظهوره من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة و مع ذلك فهو الظاهر من المبسوط و السرائر حيث قالا إذا مات ولدها جاز بيعها و هبتها و التصرف فيها بسائر أنواع التصرف. و قد ادعي في الإيضاح الإجماع صريحا علي المنع عن كل ناقل و أرسله بعضهم كصاحب الرياض و جماعة إرسال المسلمات بل عبارة بعضهم ظاهرة في دعوي الاتفاق حيث قال إن الاستيلاد مانع من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولي إلي ملك غيره أو المعرضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن علي خلاف في ذلك ثم إن عموم المنع لكل ناقل و عدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين و الوجه فيه ظهور أدلة المنع المعنونة بالبيع في إرادة مطلق النقل فإن مثل قول أمير المؤمنين ع في الرواية السابقة: خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي يدل علي كون مطلق نقل أم الولد إلي الغير كان من المنكرات و هو مقتضي التأمل فيما سيجي‌ء من أخبار بيع أم الولد في ثمن رقبتها و عدم جوازه فيما سوي ذلك هذا مضافا إلي ما اشتهر و إن لم نجد نصا عليه من أن الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيدها. و الحاصل أنه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل ثم إن المنع مختص بعدم هلاك الولد فلو هلك جاز اتفاقا فتوي و نصا و لو مات الولد و خلف ولدا ففي إجراء حكم الولد عليه لأصالة بقاء المنع و لصدق الاسم فيندرج في إطلاق الأدلة و تغليبا للحرية أو العدم لكونه حقيقة في ولد الصلب و ظهور إرادته من جملة الأخبار و إطلاق ما دل من النصوص و الإجماع علي الجواز بعد موت ولدها أو التفصيل بين كونه وارثا لعدم ولد الصلب للمولي و عدمه لمساواة الأول مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع وجوه حكي أولها عن الإيضاح و ثالثها عن المهذب البارع و نهاية المرام و عن القواعد و الدروس و غيرهما التردد.

بقي الكلام في معني أم الولد

فإن ظاهر اللفظ اعتبار انفصال الحمل إذ لا يصدق الولد إلا بالولادة لكن المراد هنا مجازا ولدها و لو حملا للمشارفة و يحتمل أن يراد الولادة من الوالد دون الوالدة و كيف كان فلا إشكال بل لا خلاف في تحقق الموضوع بمجرد الحمل. و يدل عليه الصحيح عن محمد بن مارد: عن أبي عبد الله ع
المكاسب، ج‌2، ص 176
في رجل يتزوج الجارية فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها قال هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك و إن شاء أعتق و في رواية السكوني عن جعفر بن محمد قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل فقال يرد عليها مهر مثلها و تسعي في قيمتها فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد لكن في دلالتها علي ثبوت الحكم بمجرد الحمل نظر لأن زمان الحكم بعد تحقق السعي و العجز عقيب الحمل و الغالب ولوج الروح حينئذ ثم الحمل يصدق بالمضغة اتفاقا علي ما صرح في الرياض و استظهره بعض آخر و حكاه عن جماعة هنا و في باب انقضاء عدة الحامل و في صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن ع عن الحبلي يطلقها زوجها ثم تضع سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة أ تنقضي بذلك عدتها فقال ع كل شي‌ء وضعته يستبين أنه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت به عدتها و إن كانت مضغة ثم الظاهر صدق الحمل علي العلقة و قوله ع و إن كانت مضغة تقرير لكلام السائل لا بيان لأقل مراتب الحمل كما عن الإسكافي و حينئذ يتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن بعض بل عن الإيضاح و المهذب البارع الإجماع عليه. و في المبسوط فيما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر و لا خفي لكن قالت القوابل إنه مبدأ خلق آدمي و إنه لو بقي لخلق و تصور قال قوم إنها لا تصير أم ولد بذلك و قال بعضهم تصير أم ولد و هو مذهبنا انتهي و لا يخلو عن قوة لصدق الحمل. و أما النطفة فهي بمجردها لا عبرة بها ما لم تستقر في الرحم لعدم صدق كونها حاملا و علي هذا الفرد ينزل إجماع الفاضل المقداد- علي عدم العبرة بها في العدة و أما مع استقرارها في الرحم فالمحكي عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد بها و هو الذي قواه في المبسوط في باب العدة بعد أن نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدة به مستدلا بعموم الآية و الأخبار و مرجعه إلي صدق الحمل. و دعوي أن إطلاق الحامل حينئذ مجاز بالمشارفة يكذبها التأمل في الاستعمالات و ربما يحكي عن التحرير موافقة الشيخ مع أنه لم يزد فيه علي حكاية الحكم عن الشيخ. نعم في بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك نعم قوي في السرائر موافقته فيما تقدم عن الشيخ في مسألة الجسد الذي ليس فيه التخطيط و نسب القول المذكور إلي الجامع أيضا. و اعلم أن ثمرة تحقق الموضوع فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها إنما تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء فيحكم ببطلانه إذا كان الملقي حملا و أما بيعها بعد الإلقاء فيصح بلا إشكال و حينئذ فلو وطئها المولي ثم جاءت بولد تام أو غير تام فيحكم ببطلان البيع الواقع بين أول زمان العلوق و زمان الإلقاء. و عن المسالك الإجماع علي ذلك فذكر صور الإلقاء المضغة و العلقة و النطفة في باب العدة إنما هو لبيان انقضاء العدة بالإلقاء. و في باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أن المملوكة بعد الوطء صارت أم ولد لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلي أن تصير النطفة علقة و لذا عبر الأصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق الذي هو اللقاح. نعم لو فرض عدم علوقها بعد الوطء إلي زمان صح البيع قبل العلوق ثم إن المصرح به في كلام بعض حاكيا له عن غيره أنه لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء فيتحقق بالمساحقة لأن المناط هو الحمل و كون ما يولد منها ولدا للمولي شرعا فلا عبرة بعد ذلك بانصراف الإطلاقات إلي الغالب من كون الحمل بالوطء. نعم يشترط في العلوق بالوطء أن يكون الوطء علي وجه يلحق الولد بالواطي و إن كان محرما كما إذا كانت في حيض أو ممنوعة الوطء شرعا لعارض آخر أما الأمة المزوجة فوطؤها زناء لا يوجب لحوق الولد ثم إن المشهور اعتبار الحمل في زمان الملك فلو ملكها بعد الحمل لم تصر أم ولد خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن حمزة فاكتفيا بكونها أم ولد قبل الملك و لعله لإطلاق العنوان و وجود العلة و هي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها و يرد الأول منع إطلاق يقتضي ذلك فإن المتبادر من أم الولد صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية كالمدبر و المكاتب. و العلة المذكورة غير مطردة و لا منعكسة كما لا يخفي مضافا
إلي صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية مستفادة من الأخبار كروايتي السكوني و محمد بن مارد المتقدمتين و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها. و من الإجماع علي أنها لا تباع إلا لأمر يغلب ملاحظته علي ملاحظة الحق الحاصل منها باستيلاد أعني تشبثها بالحرية و لذا كل من جوز البيع في مقام لم يجوز إلا بعد إقامة الدليل الخاص فلا بد من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتي يثبت بالدليل ثبوت ما هو أولي بالملاحظة في نظر الشارع من الحق المذكور فلا يصغي إذا إلي منع الدليل علي المنع كلية و التمسك بأصالة صحة البيع من حيث قاعدة تسلط الناس علي أموالهم حتي يثبت المخرج ثم إن المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلية المذكورة في الجملة لكن المحكي في السرائر عن السيد قدس سره عموم المنع و عدم الاستثناء و هو غير ثابت. و علي تقدير الثبوت فهو ضعيف يرده مضافا إلي ما ستعرف من الأخبار قوله ع في صحيحة زرارة: و قد سأله عن أم ولد تباع و تورث وحدها حد الأمة بناء علي حملها علي أنها قد تعرض لها ما يجوز ذلك.

و أما المواضع القابلة للاستثناء

اشارة

و إن وقع التكلم في استثنائها لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولي بالملاحظة من الحق و هي صور يجمعها تعلق حق للغير بها أو تعلق حقها بتعجيل العتق أو تعلق حق سابق علي الاستيلاد أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

[موارد القسم الأول

فمن موارد القسم الأول ما إذا كان علي مولاها دين و لم يكن له ما يؤدي هذا الدين

و الكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدين ثمن رقبتها و يقع فيما إذا كان غير ثمنها و علي الأول يقع الكلام تارة بعد موت المولي و أخري في حال حياته أما بعد الموت فالمشهور الجواز بل عن الروضة أنه موضع وفاق و عن جماعة أنه لا خلاف فيه و لا ينافي ذلك مخالفة السيد في أصل المسألة لأنهم يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أم الولد أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها في مقابل صورة حياة
المكاسب، ج‌2، ص 177
المولي المختلف فيها. و كيف كان فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة- لا لما قيل من قاعدة تسلط الناس علي أموالهم لما عرفت من انقلاب القاعدة إلي المنع في خصوص هذا المال بل لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي إبراهيم ع أسألك عن مسألة فقال سل قلت لم باع أمير المؤمنين ص أمهات الأولاد قال في فكاك رقابهن قلت فكيف ذلك قال أيما رجل اشتري جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها و بيعت و أدي ثمنها قلت فتباع فيما سوي ذلك عن دين قال لا و في رواية أخري لعمر بن يزيد عن أبي الحسن ع قال: سألته عن بيع أم الولد تباع في الدين قال نعم في ثمن رقبتها. و مقتضي إطلاقها بل إطلاق الصحيحة كما قيل ثبوت الجواز مع حياة المولي كما هو مذهب الأكثر بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا نعم تردد فيه الفاضلان. و عن نهاية المرام و الكفاية أن المنع نادر لكنه لا يخلو عن قوة و ربما يتوهم القوة من حيث توهم تقييدها بالصحيحة السابقة بناء علي اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولي كما يشهد به قوله فيها و لم يدع من المال إلي آخر الرواية فيدل علي نفي الجواز عما سوي هذا الفرد إما لورودها في جواب السؤال عن موارد بيع أمهات الأولاد فيدل علي الحصر و إما لأن نفي الجواز في ذيلها فيما سوي هذه الصورة يشمل بيعها في الدين مع حياة المولي. و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح. نعم يمكن أن يقال في وجه القوة بعد الغض عن دعوي ظهور قوله تباع الظاهر في الدين في كون البائع غير المولي فيما بعد الموت أن النسبة بينها و بين رواية ابن مارد المتقدمة عموم من وجه فيرجع إلي أصالة المنع الثابتة بما تقدم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها. نعم ربما يمنع عموم القاعدة علي هذا الوجه بحيث يحتاج إلي المخصص فيقال يمنع الإجماع في محل الخلاف و لا سيما مع كون المخالف جل المجمعين بل كلهم إلا نادرا و حينئذ فالمرجع إلي قاعدة سلطنة الناس علي أموالهم لكن التحقيق خلافه و إن صدر هو عن بعض المحققين لأن المستفاد من النصوص و الفتاوي أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها إلا إذا كان هناك حق أولي منه بالمراعاة و ربما توهم معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين فتبقي قاعدة السلطنة و أصالة بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد و لا يعارضها أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها لأن بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدين كما لا يخفي. و يندفع أصل المعارضة بأن أدلة وجوب أداء الدين مقيدة بالقدرة العقلية و الشرعية و قاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية كما في المرهون و الموقوف فالأولي في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد علي إطلاق رواية ابن مارد الظاهر في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها كما يشهد به قوله فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها مع أن ظاهر البدء في البيع ينافي الاضطرار إليه لأجل ثمنها. و بالجملة فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت لا إشكال في رجحان دلالتها- علي دلالة رواية ابن مارد علي المنع كما يظهر بالتأمل مضافا إلي اعتضادها بالشهرة المحققة و المسألة محل إشكال ثم علي المشهور من الجواز- فهل يعتبر فيه عدم ما يفي به الدين و لو من المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير أو مما عداها كما عن جماعة الأقوي هو الثاني بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق لأن الحكم بالجواز في هذه الصورة في النص و الفتوي مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد فتكون ملكا طلقا كسائر الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات. فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد أنه هل تباع أم الولد في الدين علي حد سائر الأموال التي تباع فيه. و حاصل الجواب تقرير ذلك في خصوص ثمن الرقبة فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلي أم الولد كسائر الديون بالنسبة إلي سائر الأموال.
و مما ذكرنا يظهر أنه لو كان نفس أم الولد مما يحتاج إليها المولي للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها لأن غاية الأمر كونها بالنسبة إلي الثمن كجارية أخري يحتاج إليها. و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز فإذا كان للميت كفن و أم ولد بيعت أم الولد في الدين دون الكفن إذ يصدق أن الميت لم يدع ما يؤدي عنه الدين عداها لأن الكفن لا يؤدي عن الدين ثم إنه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع- أو استدان الثمن و اشتري به أما لو اشتري في الذمة ثم استدان ما أوفي به البائع فليس بيعها في ثمن رقبتها بل ربما تأمل فيما قبله فتأمل. و لا فرق بين بقاء جميع الثمن في الذمة أو بعضها و لا بين نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها عليها. نعم لو أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه كما عن غاية المراد التصريح به و لو كان الثمن مؤجلا لم يجز للمولي بيعها قبل حلول الأجل و إن كان مأيوسا عن الأداء عند الأجل. و في اشتراط مطالبة البائع أو الاكتفاء باستحقاقه و لو امتنع عن التسلم أو الفرق بين رضاه بالتأخير و إسقاطه لحق الحلول و إن لم يسقط بذلك و بين عدم المطالبة فيجوز في الأول دون الثاني وجوه أحوطها الأول و مقتضي الإطلاق الثاني و لو تبرع متبرع بالأداء فإن سلم إلي البائع برئت ذمة المشتري و لا يجوز بيعها و إن سلم إلي المولي أو الورثة ففي وجوب القبول نظر و كذا لو رضي البائع باستسعائها في الأداء و لو دار الأمر بين بيعها ممن تنعتق عليه أو بشرط العتق و بيعها من غيره ففي وجوب تقديم الأول وجهان و لو أدي الولد ثمن نصيبه انعتقت عليه و حكم الباقي يعلم من مسائل السراية و لو أدي ثمن جميعها فإن أقبضه البائع فكالمتبرع و إن كان بطريق الشراء ففي وجوب قبول ذلك علي الورثة نظر من الإطلاق و من الجمع بين حقي الاستيلاد و الدين و لو امتنع المولي من أداء الثمن من غير عذر فلجواز بيع البائع لها مقاصة مطلقا أو مع إذن الحاكم وجه و ربما يستوجه خلافه لأن المنع لحق أم الولد فلا يسقط بامتناع المولي و لظاهر الفتاوي و تغليب جانب الحرية و في الجميع نظر. و المراد بثمنها ما جعل عوضا لها في عقد مساومتها و إن كان صلحا و في إلحاق الشرط المذكور في متن العقد بالثمن- كما إذا اشترط الإنفاق علي البائع مدة معينة إشكال و علي العدم لو فسخ البائع فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ استردت و إن قلنا
المكاسب، ج‌2، ص 178
بمنعه عنه فتنتقل إلي القيمة و لو قلنا بجواز بيعها حينئذ في أداء القيمة أمكن القول بجواز استردادها لأن المانع عنه هو عدم انتقالها فإذا لم يكن بد من نقلها لأجل القيمة لم يمنع عن ردها إلي البائع كما لو بيعت علي البائع في ثمن رقبتها هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها. و أما بيعها في دين آخر- فإن كان مولاها حيا لم يجز إجماعا علي الظاهر المصرح به في كلام بعض و إن كان بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع أيضا لأصالة بقاء المنع في حال الحياة و لإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمين منطوقا و مفهوما و بهما يخصص ما دل بعمومه علي الجواز مما يتخيل صلاحيته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أم الولد كمفهوم مقطوعة يونس: في أم ولد ليس لها ولد مات ولدها و مات عنها صاحبها و لم يعتقها هل يجوز لأحد تزويجها قال لا هي أمة لا يحل لأحد تزويجها إلا بعتق من الورثة و إن كان لها ولد و ليس علي الميت دين فهي للولد و إذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه و تستسعي في بقية ثمنها خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز البيع حينئذ مع استغراق الدين. و الجواز ظاهر اللمعتين و كنز العرفان و الصيمري و لعل وجه تفصيل الشيخ أن الورثة لا يرثون مع الاستغراق فلا سبيل إلي انعتاق أم الولد الذي هو الغرض من المنع عن بيعها و عن نكاح المسالك- أن الأقوي انتقال التركة إلي الوارث مطلقا و إن منع من التصرف بها علي تقدير استغراق الدين فينعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين و لزمه أداء قيمة النصيب من ماله و ربما ينتصر للمبسوط علي المسالك أولا بأن المستفاد مما دل علي أنها تعتق من نصيب ولدها أن ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن يقوم عليه أصلا و إنما الكلام في باقي الحصص إذا لم يف نصيبه من جميع التركة لقيمة أمة هل تقوم عليه أو تسعي هي في أداء قيمتها. و ثانيا بأن النصيب إذا نسب إلي الوارث- فلا يراد منه إلا ما يفضل من التركة بعد أداء الدين و سائر ما يخرج من الأصل المقصود منه النصيب المستقر الثابت لا النصيب الذي يحكم بتملك الوارث له تفصيا من لزوم بقاء الملك بلا مالك. و ثالثا أن ما ادعاه من الانعتاق علي الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب و لا دل عليه دليل معتبر و ما توهمه الأخبار و كلام الأصحاب من إطلاق الملك فالظاهر أن المراد به غير هذا القسم و لذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف علي من ينعتق عليه بناء علي صحة الوقف و انتقال الموقوف إلي الموقوف عليه. و رابعا أنه يلزم علي كلامه- أنه متي كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها ما يساوي قيمة أمة يقوم عليه سواء كان هناك دين مستغرق أم لا و سواء كان نصيبه الثابت في الباقي بعد الديون و نحوها يساوي قيمتها أم لا و كذلك لو ساوي نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك فإنه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان و يسقط من القيمة نصيبه الباقي الثابت إن كان له نصيب و يطلب بالباقي هذا مما لا يقوله أحد من الأصحاب و ينبغي القطع ببطلانه.
و يمكن دفع الأول بأن المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب ولدها حتي مع الدين المستغرق فالدين غير مانع من انعتاقها علي الولد لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة الولد قهرا بقيمة نصيبه أو وجوب بيعها في القيمة جمعا بين ما دل علي الانعتاق علي الولد الذي يكشف عنه إطلاق النهي عن بيعها و بين ما دل علي أن الوارث لا يستقر له ما قابل نصيبه من الدين علي وجه يسقط حق الديان غاية الأمر سقوط حقهم عن عين هذا المال الخاص و عدم كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها و دفع عينها إلي الديان و يكون لهم أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين. و الحاصل أن مقتضي النهي عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولي عدم تسلط الديان علي أخذها و لو مع امتناع الولد عن فكها بالقيمة و عدم تسلط الولد علي دفعها وفاء عن دين أبيه و لازم ذلك انعتاقها علي الولد فيتردد الأمر حينئذ بين سقوط حق الديان عن ما قابلها من الدين فتكون أم الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حق الديان بها و بين أن يتعلق حق الديان بقيمتها علي من يتلف في ملكه و تنعتق عليه و هو الولد و بين أن يتعلق حق الديان بقيمتها علي رقبتها فتسعي فيها و بين أن يتعلق حق الديان بمنافعها فلهم أن يؤجروها مدة طويلة نفي أجرتها بدينهم كما قيل بتعلق حق الغرماء بمنافع أم ولد المفلس. و لا إشكال في عدم جواز رفع اليد عما دل علي بقاء حق الديان متعلقا بالتركة فيدور الأمر بين الوجهين الأخيرين فتعتق علي كل حال و يبقي الترجيح بين الوجهين محتاجا إلي التأمل. و مما ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثاني- فإن مقتضي المنع عن بيعها مطلقا أو في دين غير ثمنها استقرار ملك الوارث عليها و منه يظهر الجواب عن الوجه الثالث- إذ بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها علي أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء فلا مانع عن انعتاقها و لا جامع بينها و بين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق. و أما ما ذكره رابعا فهو إنما ينافي الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلقا بالولد أما إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي‌ء. فالضابط حينئذ أنها تنعتق علي الولد ما لم يتعقبه ضمان من نصيبه فإن كان مجموع نصيبه أو بعض نصيبه يملكه مع ضمان أداء ما قابله من الدين كان ذلك في رقبتها. و مما ذكرنا يظهر أيضا أنه لو كان غير ولدها أيضا مستحقا لشي‌ء منها بالإرث لم يملك نصيبه مجانا بل إما أن يدفع إلي الديان ما قابل نصيبه فتسعي أم الولد كما لو لم يكن دين فينعتق نصيب غير ولدها عليه مع ضمانها أو ضمان ولدها قيمة حصتها التي فكها من الديان و إما أن يخلي بينها و بين الديان فتنعتق أيضا عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم و أما حرمان الديان عنها عينا و قيمة و إرث الورثة لها و أخذ غير ولدها قيمة حصته منها أو من ولدها و صرفها في غير الدين فهو باطل لمخالفته لأدلة ثبوت حق الديان من غير أن يقتضي النهي عن التصرف في أم الولد لذلك. و مما ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد علي ما في المسالك بما ذكرناه أن الجمع بين فتاوي الأصحاب و أدلتهم مشكل جدا حيث
المكاسب، ج‌2، ص 179
إنهم قيدوا الدين بكونه ثمنا و حكموا بأنها تعتق علي ولدها من نصيبه و أن ما فضل عن نصيبه تنعتق بالسراية و تسعي في أداء قيمتها و لو قصدوا أن أم الولد أو سهم الولد مستثني من الدين كالكفن عملا بالنصوص المزبورة فله وجه إلا أنهم لا يعدون ذلك من المستثنيات و لا ذكر في النصوص صريحا انتهي. و أنت خبير بأن النصوص المزبورة لا تقتضي سقوط حق الديان كما لا يخفي.

و منها تعلق كفن مولاها بها

علي ما حكاه في الروضة بشرط عدم كفاية بعضها له بناء علي ما تقدم نظيره في الدين من أن المنع لغاية الإرث و هو مفقود مع الحاجة إلي الكفن و قد عرفت أن هذه حكمة غير مطردة و لا منعكسة. و أما بناء علي ما تقدم من جواز بيعها في غير ثمنها من الدين مع أن الكفن يتقدم علي الدين فبيعها له أولي بل اللازم ذلك أيضا بناء علي حصر الجواز في بيعها في ثمنها علي ما تقدم من أن وجود مقابل الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع عن بيعها فيعلم من ذلك تقديم الكفن علي حق الاستيلاد و إلا لصرف مقابله في ثمنها و لم تبع و من ذلك يظهر النظر فيما قيل من أن هذا القول مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدين المستوعب و توضيحه أنه إذا كان للميت المديون أم ولد و مقدار ما يجهز به فقد اجتمع هنا حق الميت و حق بائع أم الولد و حق أم الولد فإذا ثبت عدم سقوط حق بائع أم الولد دار الأمر بين إهمال حق الميت بترك الكفن و إهمال حق أم الولد ببيعها فإذا حكم بجواز بيع أم الولد حينئذ بناء علي ما تقدم في المسألة السابقة كان معناه تقديم حق الميت علي حق أم الولد و لازم ذلك تقديمه عليها مع عدم الدين و انحصار الحق في الميت و أم الولد اللهم إلا أن يقال لما ثبت بالدليل السابق تقديم دين ثمن أم الولد علي حقها و ثبت بعموم النص تقديم الكفن علي الدين اقتضي الجمع بينهما تخصيص جواز صرفها في ثمنها- بما إذا لم يحتج الميت إلي الكفن بنفسه أو لبذل باذل أو بما إذا كان للميت مقابل الكفن لأن مقابل الكفن غير قابل للصرف في الدين فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدين علي الكفن أما إذا لم يكن هناك دين و تردد الأمر بين حقها و حق مولاها الميت فلا دليل علي تقديم حق مولاها ليخصص به قاعدة المنع عن بيع أم الولد عدا ما يدعي من قاعدة تعلق حق الكفن بمال الميت لكن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلق به حق سابق مانع من التصرف فيه و الاستيلاد من ذلك الحق و لو فرض تعارض الحقين فالمرجع إلي أصالة فساد بيعها قبل الحاجة إلي الكفن فتأمل. نعم يمكن أن يقال نظير ما قيل في الدين- من أن الولد يرث نصيبه و ينعتق عليه و تتعلق بذمته مئونة التجهيز أو تستسعي أمه و لو بإيجار نفسها في مدة و أخذ الأجرة قبل العمل و صرفها في التجهيز و المسألة محل إشكال.

و منها ما إذا جنت علي غير مولاها في حياته

أما بعد موته فلا إشكال في حكمها لأنها بعد موت المولي تخرج عن التشبث بالحرية إما إلي الحرية الخالصة أو الرقية الخالصة و حكم جنايتها عمدا أنه إن كان في مورد ثبت القصاص فللمجني عليه القصاص نفسا كان أو طرفا و له استرقاقها كلا أو بعضا علي حسب جنايتها فيصير المقدار المسترق منها ملكا طلقا و ربما تخيل بعض أنه يمكن أن يقال إن رقيتها للمجني عليه لا تزيد علي رقيتها للمالك الأول لأنها تنتقل إليه علي حسب ما كانت عند الأول ثم ادعي أنه يمكن أن يدعي ظهور أدلة المنع خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في عدم بيع أم الولد مطلقا. و الظاهر أن مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا و إلا فهو احتمال مخالف للإجماع و النص الدال علي الاسترقاق الظاهر في صيرورة الجاني رقا خالصا و ما وجه به هذا الاحتمال من أنها تنتقل إلي المجني عليه علي حسب ما كانت عند الأول ففيه أنه ليس في النص إلا الاسترقاق و هو جعلها رقا له كسائر الرقيق لا انتقالها عن المولي الأول إليه حتي يقال إنه إنما كان علي النحو الذي كان للمولي الأول. و الحاصل أن المستفاد بالضرورة من النص و الفتوي أن الاستيلاد يحدث للأمة حقا علي مستولدها يمنع من مباشرة بيعها و من البيع لغرض عائد إليه مثل قضاء ديونه و كفنه علي خلاف في ذلك و إن كانت الجناية خطأ فالمشهور أنها كغيرها من المماليك يتخير المولي بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلي المجني عليه و بين أن يفديها بأقل الأمرين علي المشهور أو بالأرش علي ما عن الشيخ و غيره. و عن الخلاف و السرائر و استيلاد المبسوط أنه لا خلاف في أن جنايتها تتعلق برقبتها لكن عن ديات المبسوط أن جنايتها علي سيدها بلا خلاف إلا من أبي ثور فإنه جعلها في ذمتها تتبع بها بعد العتق و هو المخالف لما في الاستيلاد من المبسوط و ربما يوجه بإرادة نفي الخلاف بين العامة و ربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف و الأظهر أن المراد بكونها علي سيدها عود خسارة جنايتها علي السيد في مقابل عدم خسارة المولي لا من عين الجاني و لا من مال آخر و كونها في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق و ليس المراد وجوب فدائها. و علي هذا أيضا يحمل ما في رواية مسمع عن أبي عبد الله ع قال: أم الولد جنايتها في حقوق الناس علي سيدها و ما كان من حقوق الله في الحدود فإن ذلك في بدنها فمعني كونها علي سيدها أن الأمة بنفسها لا تتحمل من الجناية شيئا. و مثلها ما أرسل عن علي ع في قوله: المعتق علي دبر فهو من الثلث و ما جني هو و المكاتب و أم الولد فالمولي ضامن لجنايتهم. و المراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولي المردد بين ملكه الجاني أو ملك آخر و كيف كان فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك سليمة عن المخصص و لا يعارضها أيضا إطلاق المنع عن بيع أم الولد لأن ترك فدائها و التخلية بينها و بين المجني عليه ليس نقلا لها خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط و المهذب و المختلف من تعيين الفداء علي السيد. و لعله للروايتين المؤيدتين بأن استيلاد المولي هو الذي أبطل أحد طرفي التخيير فتعين عليه الآخر بناء علي أنه لا فرق بين إبطال طرفي التخيير بعد الجناية كما لو قتل أو باع عبده الجاني و بين إبطاله قبلها كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها و قد عرفت معني الروايتين و المؤيد مصادرة لا يبطل به إطلاق النصوص

و منها ما إذا جنت علي مولاها- بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجني عليه غير المولي

فهل تعود ملكا طلقا بجنايتها
المكاسب، ج‌2، ص 180
علي مولاها فيجوز له التصرف الناقل فيها كما هي المحكي في الروضة عن بعض و عدها السيوري من صور الجواز أو لا كما هو المشهور إذ لم يتحقق بجنايتها علي مولاها إلا جواز الاقتصاص منها و أما الاسترقاق فهو تحصيل للحاصل. و ما يقال في توجيهه من أن الأسباب الشرعية تؤثر بقدر الإمكان فإذا لم تؤثر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولي أثر جديد و هو استقلال جديد في التصرف فيها مضافا إلي أن استرقاقها لترك القصاص كفكاك رقابهن الذي أنيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدمة و مضافا إلي أن المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمدا فيندفع بما لا يخفي و أما الجناية علي مولاها خطأ فلا إشكال في أنها لا يجوز التصرف فيها كما لا يخفي. و روي الشيخ في الموثق عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي ع قال: إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية و عن الشيخ و الصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه ص: إن أم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فهي حرة لا تبعة عليها و إن قتلته عمدا قتلت به. و عن الشيخ عن حماد عن جعفر عن أبيه: إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها و يمكن حملها علي سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها. و عن الشيخ في التهذيب و الاستبصار الجمع بينهما بغير ذلك فراجع.

و منها ما إذا جني حر عليها بما فيه ديتها

فإنها لو لم تكن مستولدة كان للمولي التخيير بين دفعها إلي الجاني و أخذ قيمتها و بين إمساكها و لا شي‌ء له لئلا يلزم الجمع بين العوض و المعوض ففي المستولدة يحتمل ذلك و يحتمل أن لا يجوز للمولي أخذ القيمة ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة و أما احتمال منع الجاني عن أخذها و عدم تملكه لها بعد أخذ الدية منه فلا وجه له لأن الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها لا عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوض بحكم الشرع و المسألة من أصلها موضع إشكال لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوض لأن الدية عوض شرعي عما فات بالجناية لا عن رقبة العبد و تمام الكلام في محله.

و منها ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت

حكاه في الروضة و كذا لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون فكأنه فيما إذا أسرها غير مولاها و لم يثبت كونها أمة المولي إلا بعد القسمة و قلنا إن القسمة لا تنقص و يغرم الإمام قيمتها لمالكها لكن المحكي عن الأكثر و المنصوص أنها ترد علي مالكها و يغرم قيمتها للمقاتلة.

و منها ما إذا خرج مولاها عن الذمة

و ملكت أمواله التي هي منها.

و منها ما إذا كان مولاها ذميا و قتل مسلما

فإنه يدفع هو و أمواله إلي أولياء المقتول هذا ما ظفرت به من موارد القسم الأول و هو ما إذا عرض لأم الولد حق للغير أقوي من الاستيلاد.

و أما القسم الثاني و هو ما إذا عرض لها حق لنفسها أولي بالمراعاة من حق الاستيلاد

فمن موارده ما إذا أسلمت و هي أمة ذمي

فإنها تباع عليه بناء علي أن حق إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولي من حق الاستيلاد المعرض للعتق و لو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع عمومات صحة البيع دون قاعدة سلطنة الناس مسلطون علي أموالهم المقتضية لعدم جواز بيعها عليه لأن المفروض أن قاعدة السلطنة قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي سلطنة الكافر علي المسلم فالمالك ليس مسلطا قطعا و لا حق له في عين الملك جزما إنما الكلام في تعارض حقي أم الولد من حيث كونها مسلمة فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر و من حيث كونها في معرض العتق فلا يجوز إخراجها عن هذه العرصة و الظاهر أن الأول أولي للاعتبار و حكومة قاعدة نفي السبيل علي جل القواعد و لقوله ص: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه. و مما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للتمسك باستصحاب المنع قبل إسلامها لأن الشك إنما هو في طرو ما مقدم علي حق الاستيلاد و الأصل عدمه مع إمكان معارضة الأصل بمثله لو فرض في بعض الصور تقدم الإسلام علي المنع عن البيع و مع إمكان دعوي ظهور قاعدة المنع في عدم سلطنة المالك و تقديم حق الاستيلاد علي حق الملك فلا ينافي تقديم حق آخر لها علي هذا الحق.

و منها ما إذا عجز مولاها عن نفقتها و لو في كسبها

فتباع علي من ينفق عليها علي ما حكي عن اللمعة و كنز العرفان و أبي العباس و الصيمري و المحقق الثاني. و قال في القواعد لو عجز عن الإنفاق علي أم الولد أمرت بالتكسب فإن عجزت أنفق عليها من بيت المال و لا يجب عتقها و لو كانت الكفاية بالتزويج وجبت و لو تعذر الجميع ففي البيع إشكال انتهي. و ظاهره عدم جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولي أو كسبه أو مالها أو عوض بضعها أو وجود من يؤخذ بنفقتها أو بيت المال و هو حسن و مع عدم ذلك كله فلا يبعد المنع عن البيع أيضا و فرضها كالحر في وجوب سد رمقها كفاية علي جميع من اطلع عليها و لو فرض عدم ذلك أيضا أو كون ذلك ضررا عظيما عليها فلا يبعد الجواز لحكومة أدلة نفي الضرر و لأن رفع هذا عنها أولي من تحملها ذلك رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها مع جريان ما ذكرناه أخيرا في الصورة السابقة من احتمال ظهور أدلة المنع في ترجيح حق الاستيلاد علي حق مالكها لا علي حقها الآخر فتدبر.

و منها بيعها علي من تنعتق عليه

علي ما حكي من الجماعة المتقدم إليهم الإشارة لأن فيه تعجيل حقها و هو حسن لو علم أن العلة حصول العتق فلعل الحكمة انعتاق خاص اللهم إلا أن يستند إلي ما ذكرناه أخيرا في ظهور أدلة المنع أو يقال إن هذا عتق في الحقيقة. و يلحق بذلك بيعها بشرط العتق- فلو لم يف المشتري احتمل وجوب استردادها كما عن الشهيد الثاني و يحتمل إجبار الحاكم أو العدول المشتري علي الإعتاق إذ إعتاقها عليه قهرا و كذلك بيعها ممن أقر بحريتها و يشكل بأنه إن علم المولي صدق المقر لم يجز له البيع و أخذ الثمن في مقابل الحر و إن علم بكذبه لم يجز أيضا لعدم جواز بيع أم الولد و مجرد صيرورتها حرة علي المشتري في ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في الواقع و بقائها في الواقع علي صفة الرقية للمشتري لا يجوز البيع بل الحرية الواقعية و إن تأخرت- أولي من الظاهرية و إن تعجلت.

و منها ما إذا مات قريبها و خلف تركة و لم يكن له وارث سواها

فتشتري من مولاها للعتق و ترث قريبها و هو مختار الجماعة
المكاسب، ج‌2، ص 181
السابقة و ابن سعيد في النزهة و حكي عن العماني و عن المهذب إجماع الأصحاب عليه و بذلك يمكن ترجيح أخبار الإرث علي قاعدة المنع مضافا إلي ظهورها في رفع سلطنة المالك و المفروض هنا عدم كون البيع باختياره بل تباع عليه لو امتنع

و أما القسم الثالث- و هو ما يكون الجواز لحق سابق علي الاستيلاد

فمن مواردها ما إذا كان علوقها بعد الرهن

فإن المحكي عن الشيخ و الحلي و ابن زهرة و المختلف و التذكرة و اللمعة و المسالك و المحقق الثاني و السيوري و أبي العباس و الصيمري جواز بيعها حينئذ و لعله لعدم الدليل علي بطلان حكم الرهن السابق بالاستيلاد اللاحق بعد تعارض أدلة حكم الرهن و أدلة المنع عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها خلافا للمحكي عن الشرائع و التحرير فالمنع مطلقا. و عن الشهيد في بعض تحقيقاته الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن و وقوعه بدونه و عن الإرشاد و القواعد التردد و تمام الكلام في باب الرهن.

و منها ما إذا كان علوقها بعد إفلاس المولي و الحجر عليه

و كانت فاضلة عن المستثنيات في أداء الدين فتباع حينئذ كما في القواعد و اللمعة و جامع المقاصد.
و عن المهذب و كنز العرفان و غاية المرام لما ذكر من سبق تعلق حق الديان بها و لا دليل علي بطلانه بالاستيلاد و هو حسن مع وجود الدليل علي تعلق حق الغرماء بالأعيان أما لو لم يثبت إلا الحجر علي المفلس في التصرف و وجوب بيع الحاكم أمواله في الدين فلا يؤثر في دعوي اختصاصها بما هو قابل للبيع في نفسه فتأمل و تمام الكلام في باب الحجر إن شاء الله.

و منها ما إذا كان علوقها بعد جنايتها

و هذا في الجناية التي لا تجوز البيع لو كانت لاحقة بل تلزم المولي بالفداء و أما لو قلنا بأن الجناية اللاحقة أيضا ترفع المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.

و منها ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها

فإن المحكي عن الحلي جواز استردادها مع كونها ملكا للمشتري و لعله لاقتضاء الخيار ذلك فلا يبطله الاستيلاد خلافا للعلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم فحكموا بأنه إذا فسخ رجع بقيمة أم الولد و لعله لصيرورتها منزلة التالف و الفسخ بنفسه لا يقتضي إلا جعل العقد من زمان الفسخ كأن لم يكن و أما وجوب رد العين فهو من أحكامه لو لم يمنع عقلا أو شرعا و المانع الشرعي كالعقلي. نعم لو قيل إن الممنوع إنما هو نقل المالك أو النقل من قبله لديونه أما الانتقال عنه بسبب يقتضيه الدليل خارج عن اختياره فلم يثبت فلا مانع شرعا من استرداد عينها. و الحاصل أن منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلي دليل مفقود اللهم إلا أن يدعي أن الاستيلاد حق لأم الولد مانع عن انتقالها عن ملك المولي لحقه أو لحق غيره إلا أن يكون للغير حق أقوي أو سابق يقتضي انتقالها و المفروض أن حق الخيار لا يقتضي انتقالها بقول مطلق بل يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا و المفروض أن تعلق حق أم الولد مانع شرعا كالعتق و البيع علي القول بصحتهما في زمان الخيار فتأمل.

و منها ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها

بناء علي ما استظهر الاتفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معين فيتعلق به حق المضمون له و حيث فرض سابقا علي الاستيلاد فلا يزاحم به علي قول محكي في الروضة.

و منها ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة

إذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل الوطء ثم حصل بعده بناء علي ما ذكروه من خروج المنذور كونها صدقة عن ملك الناذر بمجرد النذر في المطلق بعد حصول الشرط في المعلق كما حكاه صاحب المدارك عنهم في باب الزكاة و يحتمل كون استيلادها كإتلافها فيحصل الحنث و تستقر القيمة جمعا بين حقي أم الولد و المنذور له و لو نذر التصدق بها فإن كان مطلقا قلنا بخروجها عن الملك بمجرد ذلك كما حكي عن بعض فلا حكم للعلوق و إن قلنا بعدم خروجها عن ملكه احتمل تقديم حق المنذور له في العين و تقديم حق الاستيلاد و الجمع بينهما بالقيمة و لو كان معلقا فوطئها قبل حصول الشرط صارت أم ولد فإذا حصل الشرط وجب التصدق بها لتقدم سببه و يحتمل انحلال النذر لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد مع الرجوع إلي القيمة أو بدونه و تمام الكلام يحتاج إلي بسط تمام لا يسعه الوقت.

و منها ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته فللمولي أن يبيعها

علي ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب بناء علي أن مستولدته أم ولد بالفعل غير معلق علي عتقه فلا يجوز له بيع ولدها.

و [أما] القسم الرابع- فهو ما كان إبقاؤها في ملك المولي غير معرض لها للعتق

لعدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث أو لعدم ثبوت النسب من طرف الأم أو الأب واقعا لفجور أو ظاهرا باعتراف ثم إنا لم نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلا قليلا من كثير ما يحتمله من الكلام فيطلب تفصيل كل واحد من مقامه

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا

اشارة

فإن الظاهر بل المقطوع به الاتفاق علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.
و حكي عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم علي ذلك و قد حكي الإجماع عن غيره أيضا. و عن المختلف في باب تزويج الأمة المرهونة أنه أرسل عن النبي ص: إن الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن.

و إنما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله أو يقع موقوفا علي الإجازة

أو سقوط حقه بإسقاطه أو بالفك. فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم الأول إلا أن صريح الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم هو كونه موقوفا و هو الأقوي للعمومات السليمة عن المخصص لأن معقد الإجماع و الأخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال كما يشهد به عطف المرتهن علي الراهن مع ما ثبت في محله من وقوع تصرف المرتهن موقوفا لا باطلا. و علي تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين علي خلافه هذا كله مضافا إلي ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده إذ المستفاد منه أن كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع و حصول الرضا. و ليست تلك كمعصية الله أصالة في إيقاع العقد التي لا يمكن أن يلحقها رضا الله تعالي
المكاسب، ج‌2، ص 182
هذا كله مضافا إلي فحوي أدلة صحة الفضولي لكن الظاهر من التذكرة أن كل من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا و فيه نظر لأن من استند في البطلان في الفضولي إلي مثل قوله ص: لا بيع إلا في ملك لا يلزمه البطلان هنا بل الأظهر ما سيجي‌ء عن إيضاح النافع من أن الظاهر وقوف هذا العقد و إن قلنا ببطلان الفضولي. و قد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه- من القول بالبطلان متمسكا بظاهر الإجماعات و الأخبار المحكية علي المنع و النهي قال و هو موجب للبطلان و إن كان لحق الغير إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد لا لأمر خارج منه و هو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاء في بيع الوقف و أم الولد و غيرهما مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير. ثم أورد علي نفسه بقوله فإن قلت فعلي هذا يلزم بطلان العقد الفضولي و عقد المرتهن مع أن كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن في المنع كما دلت عليه الرواية فيلزم بطلان عقد الجميع أو صحته فالفرق تحكم. قلنا إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم و لا يحل له الإجازة المتعقبة و إن كان عقدا أو إيقاعا فإن وقع بطريق الاستقلال لا علي وجه النيابة عن المالك فالظاهر أنه كذلك كما سبق في الفضولي و إلا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما و قد لا يكون كذلك و كذا الصادر عن المرتهن إن وقع بطريق الاستقلال المستند إلي البناء علي ظلم الراهن و غصب حقه أو إلي زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه و إن كان بقصد النيابة عن الراهن في مجرد إجراء الصيغة فلا يزيد عن عقد الفضولي فلا يتعلق به نهي أصلا. و أما المالك فلما حجر علي ماله برهنه و كان عقده لا يقع إلا مستندا إلي ملكه لانحصار المالكية فيه و لا معني لقصده النيابة فهو منهي عنه لكونه تصرفا مطلقا و منافيا للحجر الثابت عليه فتخصص العمومات بما ذكر و مجرد الملك لا يقضي بالصحة إذ الظاهر بمقتضي التأمل الصادق أن المراد بالملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه و لذلك لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا للمنع عن التصرف. ثم قال و بالجملة فالذي يظهر من تتبع الأدلة أن العقود ما لم تنته إلي المالك فيمكن وقوعها موقوفة علي إجازته و أما إذا انتهت إلي إذن المالك أو إجازته أو صدرت عنه و كان تصرفه علي وجه الأصالة فلا تقع علي وجهين بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان وضع ذلك العقد علي اللزوم و أما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح و هو قوله ع: إنه لم يعص الله و إنما عصي سيده فهو جار فيمن لم يكن مالكا كالعبد لا يملك أمر نفسه و أما المالك المحجور عليه فهو عاص لله بالأصالة بتصرفه و لا يقال إنه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا و إنما منع الله من تفويت حقه بالتصرف و ما ذكرناه جار في كل مالك متول لأمر نفسه إذا حجر علي ماله لعارض كالمفلس و غيره فيحكم بفساد الجميع و ربما تتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة فالقول بالبطلان هنا كما اختاره أساطين الفقهاء هو الأقوي انتهي كلامه رفع مقامه. و يرد عليه بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير علي وجه الاستقلال و بيعه علي وجه النيابة و منع اقتضاء مطلق النهي لا لأمر خارج الفساد. أولا أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن و لا ينوي الاستقلال و قد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا و لا حرمة في شي‌ء من ذلك. و ثانيا أن المتيقن من الإجماع و الأخبار علي منع الراهن كونه علي نحو منع المرتهن علي ما تقتضيه عبارة معقد الإجماع و الأخبار أعني قولهم الراهن و المرتهن ممنوعان و معلوم أن المنع في المرتهن إنما هو علي وجه لا ينافي وقوعه موقوفا و حاصله يرجع إلي منع العقد علي الرهن و الوفاء بمقتضاه علي سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك و إثبات المنع أزيد من ذلك يحتاج إلي دليل و مع عدمه يرجع إلي العمومات. و أما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلي الفرق فيما بينهما فلم أتحقق الفرق بينهما بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير فإن منع الله جل ذكره من
تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير من غير فرق بين بيع الفضولي و نكاح العبد و بيع الراهن. و أما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أم الولد ففيه أن الحكم فيهما تعبد و لذا لا يؤثر الإذن السابق في صحة البيع فقياس الرهن عليهما في غير محله. و بالجملة فالمستفاد من طريقة الأصحاب بل الأخبار أن المنع من المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الإبطال رأسا بل إنما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الأثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذي الحق و يندرج في ذلك الفضولي و عقد الراهن و المفلس و المريض و عقد الزوج لبنت أخت زوجته أو أخيها و للأمة علي الحرة و غير ذلك فإن النهي في جميع ذلك إنما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا و هو صيرورته سببا مستقلة لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا بناء علي ما سيجي‌ء من أن ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشتري رهنا للبائع و بعبارة أخري الرهن و البيع متنافيان فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد أعني ما قبل الإجازة و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه من أنه علي تقدير صحة البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع و يدفعه أن القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع و إلا لجري ذلك في العقد الفضولي أيضا لأن فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ الإجازة يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الإجازة و أما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه فلا يلزم في مسألة إجازة المرتهن. نعم يلزم في مسألة فك الرهن و سيجي‌ء التنبيه عليه إن شاء الله تعالي.

[هل إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة]

ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في مسألة الفضولي و محصله أن مقتضي القاعدة النقل إلا أن الظاهر من بعض الأخبار هو الكشف و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوي لأن إجازة
المكاسب، ج‌2، ص 183
المالك أشبه بجزء المقتضي و هي هنا من قبيل رفع المانع و من أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن مع أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة و الاعتذار عن ذلك ببناء العتق علي التغليب كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني علي العبد المرهون مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق مع أن العلامة قدس سره في تلك المسألة قد جوز العفو مراعي بفك الرهن هذا إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه أما إذا أسقط حق الرهن ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدين

[هل تنفع الإجازة بعد الرد أم لا]

ثم إنه لا إشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة و هو واضح و هل ينفع الإجازة بعد الرد وجهان من أن الرد في معني عدم رفع اليد عن حقه فله إسقاطه بعد ذلك و ليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معني أحد المتعاقدين و قد تقرر أن رد أحد المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر بخلافه هنا فإن المرتهن أجنبي له حق في العين و من أن الإيجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك و المرتهن فرضاء كل منهما جزء مقوم للإيجاب المؤثر فكما أن رد المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم كذلك رد المرتهن و هذا هو الأظهر من قواعدهم

[فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة]

ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة لسقوط حق المرتهن بذلك كما صرح به في التذكرة.
و حكي عن فخر الإسلام و الشهيد في الحواشي و هو الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد بل بمطلق السقوط الحاصل بالإسقاط أو الإبراء أو بغيرهما نظرا إلي أن الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن و سقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه

و الفرق بين الإجازة و الفك

أن مقتضي ثبوت الحق له هو صحة إمضائه للبيع الواقع في زمان حقه و إن لزم من الإجازة سقوط حقه فيسقط حقه بلزوم البيع. و بالجملة فالإجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير إجازة المالك بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء فإنه ليس فيه دلالة علي مضي العقد حال وقوعه فهو أشبه شي‌ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملكهما و قد تقدم الإشكال فيه عن جماعة مضافا إلي استصحاب عدم اللزوم الحاكم علي عموم أوفوا بالعقود بناء علي أن هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص و ليس ذلك محل التمسك بالعام إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتي يقال إن المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط فيبقي ما بعد السقوط داخلا في العام. و يؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق الإجازة و لو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح هذا و لكن الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور من جهة أن عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم علي حق المالك بتسليط المالك فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي و إنما هو من جهة المانع فإذا زال أثر المقتضي. و مرجع ما ذكرنا إلي أن أدلة سببية البيع المستفادة من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و من: الناس مسلطون علي أموالهم و نحو ذلك عامة و خروج زمان الرهن يعلم أنه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم بمناط المستصحب و ارتفاعه فالمقام من باب وجوب العمل بالعام لا من مقام استصحاب حكم الخاص فافهم. و أما قياس ما نحن فيه علي نكاح العبد بدون إذن سيده فهو قياس مع الفارق لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي النكاح إذ لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا. و لأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره ثم عتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف-

[هل سقوط حق الرهانة كاشف أو ناقل

هذا و لكن مقتضي ما ذكرنا كون سقوط حق الرهانة بالفك أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا و مؤثرا من حينه لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه خصوصا بناء علي الاستدلال علي الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا من أن مقتضي مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه فإن هذا غير متحقق في فك الرهن فهو نظير بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع حيث إنه لا يسع القائل بصحته إلا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين العقد و إلا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد هذا

[ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو الكشف

و لكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف. و قد تقدم عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني علي المرهون أن الفك يكشف عن صحته و يدل علي الكشف أيضا ما استدلوا به علي الكشف في الفضولي من أن العقد سبب تام إلي آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد ثم إن لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الأصيل فلا يجوز له فسخه بل و لا إبطاله بالإذن للمرتهن في البيع.

[لو باع الراهن فهل يجب عليه فك الرهن من مال آخر أم لا يجب

نعم يمكن أن يقال بوجوب فكه من مال آخر إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني إلا بذلك فالوفاء بمقتضي الرهن غير مناف للوفاء بالبيع و يمكن أن يقال إنه إنما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه و أما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب و لذا لا يجب علي من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه و يدفعه إليه بناء علي لزوم العقد بذلك و كيف كان فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك و إن لزم من ذلك إبطال بيع الراهن لتقدم حق المرتهن أو يجبر الحاكم الراهن علي فكه من مال آخر جمعا بين حقي المشتري و المرتهن اللازمين علي الراهن البائع وجهان و مع انحصار المال في المبيع فلا إشكال في تقديم حق المرتهن

مسألة إذا جني العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كله أو بعضه

فالأقوي صحة بيعه وفاقا للمحكي عن العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم بل في شرح الصيمري أنه المشهور لأنه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق
المكاسب، ج‌2، ص 184
عن ملك مولاه علي ما هو المعروف عمن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجي‌ء و تعلق حق المجني عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع به و مجرد إمكان مطالبة أولياء المجني عليه له في كل وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليته. و علي تقدير تسليمه فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير فيكون موقوفا علي افتكاكه عن القتل و الاسترقاق فإن افتك لزم و إلا بطل البيع من أصله و يحتمل أن يكون البيع غير متزلزل فيكون تلفه من المشتري في غير زمن الخيار لوقوعه في ملكه غاية الأمر أن كون المبيع عرضة لذلك يوجب الخيار مع الجهل كالمبيع الأرمد إذا عمي و المريض إذا مات بمرضه و يرده أن المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع لازما لأدائه إلي سقوط حق الغير فلا بد إما أن يبطل و إما أن يقع مراعي. و قد عرفت أن مقتضي عدم استقلال البائع في ماله و مدخلية الغير فيه وقوع بيعه مراعي لا باطلا و بذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين بيع المريض الذي يخاف عليه من الموت و الأرمد الذي يخاف عليه من العمي الموجب للانعتاق فإن الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجزا بخلاف تعلق حق الغير اللهم إلا أن يقال إن تعلق حق المجني عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجزا لأن للبائع سلطنة مطلقة عليه و كذا للمشتري و لذا يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحق غاية الأمر أن له التسلط علي إزالة ملكهما و رفعه بالإتلاف أو التمليك و هذا لا يقتضي وقوع العقد مراعي و عدم استقرار الملك. و بما ذكرنا ظهر الفرق بين حق المرتهن المانع من تصرف الغير و حق المجني عليه غير المانع فعلا غاية الأمر أنه مانع شأنا و كيف كان فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان فإنه قال فيما حكي عنه إذا كان للرجل عبد جان فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه فإن كانت جنايته توجب القصاص فلا يصح البيع و إن كانت جنايته توجب الأرش صح إذا التزم مولاه بالأرش ثم استدل بأنه إذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه لأنه قد باع منه ما لا يملكه فإنه حق للمجني عليه و أما إذا وجب عليه الأرش صح لأن رقبته سليمة و الجناية أرشها فقد التزمه السيد فلا وجه يفسد البيع انتهي و قد حكي عن المختلف أنه حكي عنه في كتاب الظهار التصريح بعدم بقاء ملك المولي علي الجاني عمدا حيث قال إذا كان عبد قد جني جناية فإنه لا يجزي عتقه عن الكفارة و إن كانت خطأ جاز ذلك و استدل بإجماع الفرقة فإنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل ملكه إلي المجني عليه و إن كانت خطأ فدية ما جناه علي مولاه انتهي و ربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافي في المحكي عنه في الرهن و هي أن من شرط الرهن أن يكون رهن الراهن مثبتا لملكه إياه غير خارج بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته عن ملكه انتهي و ربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب القصاص حيث قال إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح و لم يسقط القود و لو قيل لا يصح لئلا يبطل حق الولي من الاسترقاق كان حسنا و كذا بيعه و هبته انتهي. لكن يحتمل قويا أن يكون مراده بالصحة وقوعه لازما غير متزلزل كوقوع العتق لأنه الذي يبطل به حق الاسترقاق دون وقوعه مراعي بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق و كيف كان فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة إلي عدم الملك و هو ممنوع لأصالة بقاء ملكه و ظهور لفظ الاسترقاق في بعض الأخبار في بقاء الملك. نعم في بعض الأخبار ما يدل علي الخلاف و يمكن أن يكون مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه فإنه ينتقل إلي المجني عليه و يكون عدم جواز بيعه من المولي مبنيا علي المنع عن بيع الفضولي المستلزم للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق للغير تنافيه السلطنة المطلقة من المشتري عليه كما في الرهن.

مسألة إذا جني العبد خطأ صح بيعه علي المشهور

بل في شرح الصيمري أنه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطأ أو شبه عمد و يضمن المولي أقل الأمرين من قيمته و دية الجناية و لو امتنع كان للمجني عليه أولوية انتزاعه فيبطل البيع و كذا لو كان المولي معسرا فللمشتري الفسخ مع الجهالة لتزلزل ملكه ما لم يفد به المولي انتهي. و ظاهره أنه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد إلا أن المحكي عن السرائر و الخلاف أنه لا يجوز إلا إذا أفداه المولي أو التزم بالفداء إلا أنه إذا باع ضمن. و الأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع لكونه ملكا للمولي و تعلق حق الغير لا يمنع عن ذلك لأن كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع رأسا فضلا عن تعلق حق الغير و لعل ما عن الخلاف و السرائر مبني علي أصلهما من بطلان الفضولي و ما أشبهه من كل بيع يلزم من لزومه بطلان حق الغير كما يومئ إليه استدلال الحلي عن بطلان البيع قبل التزامه و ضمانه بأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني فلا يجوز إبطاله و مرجع هذا المذهب إلي أنه لا واسطة بين لزوم البيع و بطلانه فإذا صح البيع أبطل حق الغير. و قد تقدم غير مرة أنه لا مانع من وقوع البيع مراعي بإجازة ذي الحق أو سقوط حقه فإذا باع المولي فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقل الأمرين علي الخلاف وقع مراعي فإن فداه المولي أو رضي المجني عليه بضمانه فذاك و إلا انتزعه المجني عليه من المشتري و علي هذا فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حق المجني عليه. قال في كتاب الرهن من القواعد و لا يجبر السيد علي فداء الجاني و إن رهنه أو باعه بل يتسلط المجني عليه فإن استوعبت الجناية القيمة بطل الرهن و إلا ففي المقابل انتهي لكن ظاهر العلامة في غير هذا المقام و غيره هو أن البيع بنفسه التزام بالفداء و لعل وجهه أنه يجب علي المولي حيث تعلق بالعبد و هو مال من أمواله و في يده حق يتخير المولي في نقله عنه إلي ذمته بأن يوفي حق المجني عليه إما من العين أو من ذمته فيجب عليه إما تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره و إما أن يفديه من ماله فإذا امتنع المشتري من رده و المفروض عدم سلطنة البائع علي أخذه قهرا للزوم الوفاء بالعقد وجب عليه دفع الفداء. و يرد عليه أن فداء العبد غير لازم قبل البيع و بيعه ليس إتلافا له حتي يتعين عليه الفداء و وجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي إلا رفع يده لا رفع يد الغير بل هذا أولي بعدم وجوب الفك من الرهن الذي تقدم في آخر المسألة الخدشة في وجوب الفك علي الراهن بعد بيعه لتعلق الدين هناك بالذمة و تعلق الحق هنا بالعين فتأمل. ثم إن المصرح به في التذكرة و المحكي عن غيرها أن للمشتري فك العبد و حكم رجوعه إلي البائع حكم قضاء الدين عنه.
المكاسب، ج‌2، ص 185

مسألة الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم

اشارة

فإن الظاهر الإجماع علي اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد و في التذكرة أنه إجماع و في المبسوط الإجماع علي عدم جواز بيع السمك في الماء و لا الطير في الهواء و عن الغنية أنه إنما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء و الطير في الهواء فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف و استدل في التذكرة علي ذلك بأنه نهي النبي ص عن بيع الغرر و هذا غرر و النهي هنا يوجب الفساد إجماعا علي الظاهر المصرح به في موضع من الإيضاح و اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة يجبر إرساله أما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و أهل اللغة حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء مع أن معني الغرر علي ما ذكره أكثر أهل اللغة صادق عليه. و المروي عن أمير المؤمنين ع أنه عمل ما لا يؤمن معه الضرر.

[معني الغرر لغة]

و في الصحاح الغرة الغفلة و الغار الغافل و أغره أي أتاه علي غرة منه و اغتر بالشي‌ء أي خدع به و الغرر الخطر. و نهي رسول الله ص عن بيع الغرر و هو مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء إلي أن قال و التغرير حمل النفس علي الغرر انتهي و عن القاموس ما ملخصه غره غرا و غرورا و غره بالكسر فهو مغرور و غرير كأمير خدعه و أطمعه بالباطل إلي أن قال غرر نفسه تغريرا و تغره كتحله أي عرضها للهلكة و الاسم الغرر محركه إلي أن قال و الغار الغافل و اغتر غفل و الاسم الغرة بالكسر انتهي و عن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر بالغفلة أنه نهي عن بيع الغرر و هو ما كان له ظاهر يغر المشتري و باطن مجهول و قال الأزهري بيع الغرر ما كان علي غير عهدة و لا ثقة و تدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول و قد تكرر في الحديث و منه حديث مطرف:
إن لي نفسا واحدة و إني لأكره أن أغرر بها أي أحملها علي غير ثقة و به سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل الإنسان علي محابه و وراء ذلك ما يسوؤه انتهي. و قد حكي أيضا عن الأساس و المصباح و المغرب و الجمل و المجمع تفسير الغرر بالخطر ممثلا له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء. و في التذكرة أن أهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين و مراده من التفسير التوضيح بالمثال و ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير كما يظهر بالتأمل. و بالجملة فالكل متفقون علي أخذ الجهالة في معني الغرر سواء تعلق الجهل بأصل وجوده أم بحصوله في يد من انتقل إليه أم بصفاته كما و كيفا و ربما يقال إن المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه و عدمه ضرورة حصوله في بيع كل غائب خصوصا إذا كان في بحر و نحوه بل هو أوضح شي‌ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما. و الحاصل أن من الواضح عدم لزوم المخاطرة في بيع مجهول المال بالنسبة إلي التسلم و عدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر. و فيه أن الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين و احتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا لجهالة بالصفات

[استدلال الفريقين بالنبوي المذكور علي شرطية القدرة]

هذا مضافا إلي استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي المذكور علي اعتبار القدرة علي التسليم كما يظهر من الانتصار حيث قال فيما حكي عنه. و مما انفردت به الإمامية القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة و لا يشتري وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري و خالف باقي الفقهاء في ذلك و ذهبوا إلي أنه لا يجوز بيع الآبق علي كل حال إلي أن قال و يعول مخالفونا في منع بيعه علي أنه بيع غرر و أن نبينا ص نهي عن بيع الغرر إلي أن قال و هذا ليس بصحيح لأن هذا المبيع يخرجه من أن يكون غررا لانضمام غيره إليه انتهي. و هو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي علي اشتراط القدرة علي التسليم فالظاهر اتفاق أصحابنا أيضا علي الاستدلال به كما يظهر للمتتبع و سيجي‌ء في عبارة الشهيد التصريح به و كيف كان فالدعوي المذكورة مما لا يساعدها اللغة و لا العرف و لا كلمات أهل الشرع

[كلام الشهيد في تفسير الغرر]

اشارة

و ما أبعد ما بينه و بين ما عن قواعد الشهيد رحمه الله حيث قال الغرر لغة ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه قاله بعضهم و منه قوله تعالي مَتاعُ الْغُرُورِ و شرعا هو جهل الحصول [باليد و التصرف. و أما المجهول المعلوم الحصول أو مجهول الصفة فليس غررا و بينهما عموم و خصوص من وجه لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل أم بالوصف الآن و وجود الجهل بدون الغرر في المكيل و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر و قد يتوغل في الجهالة كحجر لا يدري أ ذهب أم فضة أم نحاس أم صخر و يوجدان في العبد الآبق المجهول الصفة و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود و أخري بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود و الطير في الهواء و بالجنس كحب لا يدري ما هو و سلعة من سلع مختلفة و بالنوع كعبد من عبيد و بالقدر ككيل لا يعرف قدره و البيع إلي مبلغ السهم و بالعين كثوب من ثوبين مختلفين و بالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الأصحاب و لو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل كما لو شرط في العقد صيرورة الزرع سنبلا.
و الغرر قد يكون بماله مدخل ظاهرا في العوضين و هو ممتنع إجماعا و قد يكون مما يتسامح به عادة لقلته كأس الجدار و قطن الجبة و هو معفو عنه إجماعا و نحوه اشتراط الحمل و قد يكون مرددا بينهما و هو محل الخلاف كالجزاف في مال الإجارة و المضاربة و الثمرة قبل بدو الصلاح و الآبق قبل الضميمة انتهي. و في بعض كلامه تأمل ككلامه الآخر في شرح الإرشاد حيث ذكره في مسألة تعين الأثمان بالتعيين الشخصي عندنا فقال قالوا يعني المخالفين من العامة تعيينها غرر فيكون منهيا عنه.
أما الصغري فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع. و أما الكبري فظاهره إلي أن قال قلنا إنا نمنع الصغري لأن الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف بحيث لو تركه وبخ عليه و ما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه انتهي.

[المناقشة فيما أفاده الشهيد في شرح الإرشاد]

فإن مقتضاه أنه لو اشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا لأن العقلاء يقدمون علي الضرر القليل رجاء للنفع الكثير و كذا لو اشتري المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس بناء علي المعروف من
المكاسب، ج‌2، ص 186
تحقق الغرر بالجهل بالصفة و كذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالأولي أن هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلي التنازع في المعاملات و ليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء أو المتسفهة ثم إنه قد حكي عن الصدوق رضوان الله عليه في معاني الأخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة بكونها غررا مع أنه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة بناء علي ما فسر به من أنه قول أحدهما لصاحبه انبذ إلي الثوب أو أنبذه إليك فقد وجب البيع. و بيع الحصاة بأن يقول إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع و لعله كان علي وجه خاص يكون فيه خطر و الله العالم.

[التمسك بالنبوي المذكور أخص من المدعي

و كيف كان فلا إشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة علي التسليم بالنبوي المذكور إلا أنه أخص من المدعي لأن ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه ليس في بيعه خطر لأن الخطر إنما يطلق في مقام تحتمل السلامة فيه و لو ضعيفا لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال علي بطلانه بلزوم السفاهة و كون أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا و إن كان ملكا فيصح عتقه و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه إلا أنه لا ينافي سلب صفة التمول منه عرفا و لذا يجب علي غاصبه رد تمام قيمته إلي المالك فيملكه مع بقاء العين علي ملكه علي ما هو ظاهر المشهور

ثم إنه ربما يستدل علي هذا الشرط بوجوه أخر.

منها ما اشتهر عن النبي ص من قوله: لا تبع ما ليس عندك

بناء علي أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب و السلف إجماعا فهو كناية لا عن مجرد الملك لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام و لا عن مجرد السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة و العامة علي عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعها و لو من نفسه فإن السلطنة و القدرة علي التسليم حاصلة هذا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد حتي كأنه عنده و إن كان نائبا و علي أي حال فلا بد من إخراج بيع الفضولي عنه بأدلته أو بحمله علي النهي المقتضي للفساد بمعني عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك و كيف كان فتوجيه الاستدلال بالخبر علي ما نحن فيه ممكن. و أما الإيراد عليه بدعوي أن المراد به الإشارة إلي ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشي‌ء غير المملوك ثم تحصيله بشرائه و نحوه و دفعه إلي المشتري فمدفوع لعدم الشاهد علي اختصاصه بهذا المورد و ليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد. نعم يمكن أن يقال إن غاية ما يدل عليه هذا النبوي بل النبوي الأول أيضا فساد البيع بمعني عدم كونه علة تامة لترتب الأثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعي بانتفاء صفة الغرر و تحقق كونه عنده و لو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعني لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر و بين إخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع و بيع العبد الجاني عمدا و بيع المحجور لرق أو سفه أو فلس فإن البائع في هذه الموارد عاجز شرعا من التسليم و لا رجحان لهذه التخصيصات فحينئذ لا مانع من التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعي بالتمكن منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به. و قد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضالة و المجحود من غير بينة مراعي بإمكان التسليم و احتمله في التذكرة لكن الإنصاف أن الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم علي فساد بيع الغرر بمعني عدم تأثيره رأسا كما عرفت من الإيضاح.

و منها أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين إلي صاحبه

فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع و يضعف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة و إن أريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز بعد العقد. و قد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب ثم يدفع بمعارضته بأصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح فافهم.

و منها أن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه

و لا يتم إلا بالتسليم و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع علي التسليم بل منع عدم كون الغرض منه إلا الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق.

و منها أن بذل الثمن علي غير المقدور سفه

فيكون ممنوعا و أكله أكلا بالباطل. و فيه أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصوله العوض سفه فافهم.

[هل القدرة شرط أو العجز مانع

اشارة

ثم إن ظاهر معاقد الإجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا كما هو كذلك في التكاليف و قد أكدت الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط و مع ذلك كله

[استظهار صاحب الجواهر أن العجز مانع و المناقشة فيه

فقد استظهر بعض من تلك العبارة أن العجز مانع لا أن القدرة شرط قال و تظهر الفائدة في موضع الشك ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة و جعله دليلا علي أن القدرة المتفق عليها ما إذا تحقق العجز. و فيه مع ما عرفت من أن صريح معاقد الإجماع خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة أن العجز أمر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر فكيف يكون مانعا مع أن المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم ثم لو سلم صحة إطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي و لا في غيرهما فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها أو لا معه فالأصل عدمها أعني العجز سواء جعلت القدرة شرطا أم العجز مانعا. و إذا شككنا في أن الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في أن المراد بالعجز ما يعم التعسر كما حكي أم خصوص التعذر فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا. و الحاصل أن التردد بين شرطية الشي‌ء و مانعية مقابله إنما يصح و يثمر في الضدين مثل الفسق و العدالة لا فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و
المكاسب، ج‌2، ص 187
الجهل و أما اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس لشك المالك في القدرة و العجز و مبنيا علي كون القدرة شرطا أو العجز مانعا كما يظهر من أدلتهم علي الصحة و الفساد بل لما سيجي‌ء عند التعرض لحكمها

[العبرة بالقدرة في زمان الاستحقاق

ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان استحقاق التسليم فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق و لو حين العقد و يتفرع علي ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري و فيما لا يعتبر التسليم فيه رأسا كما إذا اشتري من ينعتق عليه فإنه ينعتق بمجرد الشراء و لا سبيل لأحد عليه و فيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد إما لاشتراط تأخيره مدة و إما لتزلزل العقد كما إذا اشتري فضولا فإنه لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك فلا تعتبر القدرة علي التسليم قبلها لكن يشكل علي الكشف من حيث إنه لازم من طرف الأصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر علي تحصيله نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين و مثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكه بل و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم لأن تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف علي تحققه فلا يلزم غرر و لو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلي تعذر الشرط. و من المعلوم أن تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله فإن الشروط المتأخرة لا يجب إحرازها حال العقد و لا العلم بتحققها فيما بعد. و الحاصل أن تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه لا من شروط تأثيره و السر فيه أن التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور. و بعبارة أخري الاعتبار بالقدرة علي التسليم بعد تمام النقل و لهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده و المفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل و هو القبض حاصل في يد المشتري فالقبض مثل الإجازة بناء علي النقل و أولي منها بناء علي الكشف. و كذلك الكلام في عقد الرهن فإن اشتراط القدرة علي التسليم فيه بناء علي اشتراط القبض إنما هو من حيث اشتراط القبض فلا يجب إحرازه حين الرهن و لا العلم بتحققه بعده فلو رهن ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثر العقد أثره و سيجي‌ء الكلام في باب الرهن اللهم إلا أن يقال إن المنفي في النبوي- هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم إذا وقع علي عوض مجهول قبل القبض أو غير مقدور غرر عرفا لأن اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي فيصدق الغرر و الخطر عرفا و إن لم يتحقق شرعا إذ قبل التسليم لا انتقال و بعده لا خطر لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا و من هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لا عن المالك ما لا يقدر علي تسليمه اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع علي كون أثر المعاملة شرعا علي وجه لا يلزم منه خطر فإن العرف إذا اطلعوا علي انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا و هكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة فتأمل. ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقق الثاني حيث حكي عنه أنه قال في إيضاح النافع إن القدرة علي التسليم من مصالح المشتري فقط لا أنها شرط في أصل صحة البيع فلو قدر علي التسلم صح البيع و إن لم يكن البائع قادرا عليه بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز و ينتقل إليه و لا يرجع علي البائع لعدم القدرة إذا كان البيع علي ذلك مع العلم فيصح بيع المغصوب و نحوه. نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم تصح المعاوضة عليه بالبيع لأنه في معني أكل المال بالباطل و ربما احتمل إمكان المصالحة عليه و من هنا يعلم أن قوله يعني المحقق في النافع لو باع الآبق منفردا لم يصح إنما هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا و لو أراد غير ذلك فهو غير مسلم انتهي. و فيه ما عرفت من الإجماع و لزوم الغرر غير المندفع بعلم المشتري لأن الشارع نهي عن الإقدام عليه إلا أن يجعل الغرر هنا بمعني الخديعة فيبطل في موضع تحققه و هو عند جهل المشتري و فيه ما فيه.

[القدرة علي التسليم شرط بالتبع و المقصد الأصلي هو التسلم

ثم إن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين أن القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع و إنما المقصد الأصلي هو التسلم و من هنا لو كان المشتري قادرا دون البائع كفي في الصحة كما عن الإسكافي و العلامة و كاشف الرموز و الشهيدين و المحقق الثاني و عن ظاهر الانتصار أن صحة بيع الآبق علي من يقدر علي تسلمه مما انفردت به الإمامية و هو المتجه لأن ظاهر معاقد الإجماع بضميمة التتبع في كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر و غيره مختص بغير ذلك و منه يعلم أيضا أنه لو لم يقدر أحدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسلم كما لو اعتاد الطائر العود صح وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم. نعم عن نهاية الأحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال علي التسليم و أن عود الطائر غير موثوق به إذ ليس له عقل باعث. و فيه أن العادة باعثة كالعقل مع أن الكلام علي تقدير الوثوق و لو لم يقدر علي التحصيل و تعذر عليهما إلا بعد مدة مقدرة عادة و كانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو أزيد. ففي بطلان البيع لظاهر الإجماعات المحكية و لثبوت الغرر أو صحته لأن ظاهر معاقد الإجماع التعذر رأسا و لذا حكم مدعيه بالصحة هنا. و الغرر منفي مع العلم بوجوب الصبر عليه إلي انقضاء مدة كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة وجهان بل قولان تردد فيهما في الشرائع ثم قوي الصحة و تبعه في محكي السرائر و المسالك و الكفاية و غيرها. نعم للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة و لو كانت مدة التعذر غير مضبوطة عادة كالعبد المنفذ إلي الهند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها ففي الصحة إشكال- من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف الوقف المنقطع

[الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين

ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبائعين لأن الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع و تجددها بعد ذلك صح و لو لم تتجدد بطل و المعتبر هو الوثوق فلا يكفي مطلق
المكاسب، ج‌2، ص 188 الظن و لا يعتبر اليقين

[هل العبرة بقدرة الموكل أو الوكيل

ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لا ما إذا كان وكيلا في مجرد العقد فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه و أما لو كان وكيلا في البيع و لوازمه بحيث يعد الموكل أجنبيا عن هذه المعاملة فلا إشكال في كفاية قدرته و هل تكفي قدرة الموكل الظاهر نعم مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك. و ربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي المالك برجوع المشتري عليه و فرع علي ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي لأن التسليم المعتبر في العاقد غير ممكن قبل الإجازة و قدرة المالك إنما تؤثر لو بني العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع لأن بيع المأذون لا تكفي فيه قدرة الآذن مطلقا بل مع الشرط المذكور و هو غير متحقق في الفضولي و البناء علي القدرة الواقعية باطل إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية إلي أن قال و الحاصل أن القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها إن وجدت لم تنفع ثم قال لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك و إنه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا- لمصاحبة الإذن للبيع غاية الأمر حصوله بالفحوي و شاهد الحال و هما من أنواع الإذن و مع الإذن لا يكون فضوليا و لا تتوقف صحة بيعه علي الإجازة و لو سلمنا بقاءه علي الصفة فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم علي هذا الفرض و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثم في تفريع الفضولي ثم في الاعتراض الذي ذكره ثم في الجواب عنه أولا و ثانيا تأمل بل نظر فتدبر.

مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا

علي المشهور بين علمائنا كما في التذكرة بل إجماعا كما في الخلاف و الغنية و الرياض و بلا خلاف كما عن كشف الرموز لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف و مع احتماله بيع غرر منفي إجماعا نصا و فتوي خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا و لعله الإسكافي حيث إن المحكي عنه أنه لا يجوز أن يشتري الآبق وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع انتهي و قد تقدم عن الفاضل القطيفي في إيضاح النافع منع اشتراط القدرة علي التسليم و قد عرفت ضعفه لكن يمكن أن يقال بالصحة في خصوص الآبق لحصول الانتفاع به بالعتق خصوصا مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع فإنه يندفع به الغرر عرفا لكن سيأتي ما فيه فالعمدة الانتفاع بعتقه و له وجه لو لا النص الآتي و الإجماعات المتقدمة مع أن قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر و كما لا يجوز جعله مثمنا لا يجوز جعله منفردا ثمنا لاشتراكهما في الأدلة. و قد تردد في اللمعة في جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا و إن قرب أخيرا المنع منفردا و لعل وجه الاستناد في المنع عن جعله مثمنا هو النص و الإجماع الممكن دعوي اختصاصهما بالثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق. و يؤيده حكمه بجواز بيع الضال و المحجور مع خفاء الفرق بينهما و بين الآبق في عدم القدرة علي التسليم و نظير ذلك ما في التذكرة حيث ادعي أولا الإجماع علي اشتراط القدرة علي التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر ثم قال و المشهور بين علمائنا المنع عن بيع الآبق منفردا إلي أن قال و قال بعض علمائنا بالجواز و حكاه عن بعض العامة أيضا. ثم ذكر الضال و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا أو اشتراط الضميمة فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر و التوجيه يحتاج إلي تأمل. و كيف كان فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه فتعتبر فيه القدرة علي التسليم وجهان بل قولان من عمومات الصلح و ما علم من التوسع فيه لجهالة المصالح عنه إذا تعذرت أو تعسرت معرفته بل مطلقا و اختصاص الغرر المنفي بالبيع و من أن الدائر علي السنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع حتي أنهم يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات كالإجارة و المزارعة و المساقاة و الجعالة بل قد يرسل في كلماتهم عن النبي ص أنه نهي عن الغرر و قد رجح بعض الأساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن علي المسامحة من الصلح و ظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر علي تسليمه علي القول بعدم اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه. و أما الضال و المحجور و المغصوب و نحوها مما لا يقدر علي تسليمه فالأقوي فيها عدم الجواز وفاقا لجماعة للغرر المنفي المعتضد بالإجماع المدعي علي اشتراط القدرة علي التسليم إلا أن يوهن بتردد مدعيه كالعلامة في التذكرة في صحة بيع الضال منفردا و بمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضمونا علي البائع و أما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به فهو ضرر قد أقدم عليه و جهالتها غير مضرة مع إمكان العلم بتلك المدة كضالة يعلم أنها لو لم توجد بعد ثلاثة أيام فلن توجد بعد ذلك و كذا في المغصوب و المنهوب. و الحاصل أنه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي لانفساخ البيع من أصله و فرض عدم تسلط البائع علي مطالبته بالثمن لعدم تسليم المثمن فإنه لا خطر حينئذ في البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها هذا و لكن يدفع جميع ما ذكر أن المنفي في حديث الغرر كما تقدم هو ما كان غررا في نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع و لذا قوينا فيما سلف جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم. و من المعلوم أن بيع الضال و شبهه ليس محكوما عليه في العرف بكونه في ضمان البائع بل يحكمون بعد ملاحظة إقدام المشتري علي شرائه بكون تلفه منه فالانفساخ بالتلف حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غررا. و مما ذكر يظهر أنه لا يجدي في رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعي بالتسليم فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به و إلا تخير بين الفسخ و الإمضاء كما استقر به في اللمعة فإن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي فرض فيه العجز عن تسليم المبيع فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع
المبطل له لكن قد مرت المناقشة في ذلك بمنع إطلاق الغرر علي مثل هذا بعد اطلاعهم علي الحكم الشرعي اللاحق للمبيع من ضمانه قبل العلم و من عدم التسلط علي مطالبة الثمن فافهم. و لو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد فباعه علي أن يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلي ثلاثة أيام
المكاسب، ج‌2، ص 189
أمكن جوازه لعدم الغرر حينئذ عرفا و لذا لا يعد بيع العين غير المرئية الموصوفة بالصفات المعينة من بيع الغرر لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراط فيه الموجب للتسلط علي الرد و لعله لهذا اختار في محكي المختلف تبعا للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع فإن الظاهر منه اشتراط ضمانه. و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه و إن كان قد يرد علي هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان فتأمل.

مسألة يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة

كما عن الانتصار و كشف الرموز و التنقيح بل بلا خلاف كما عن الخلاف حاكيا فيه كما عن الانتصار إطباق العامة علي خلافه. و ظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غررا حيث حكي احتجاج العامة بالغرر فأنكره عليهم مع الضميمة و فيه إشكال. و الأولي لنا التمسك قبل الإجماعات المحكية المعتضدة بمخالفة من جعل الرشد في مخالفته بصحيحة رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن ع أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها شيئا ثوبا أو متاعا فنقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فإن ذلك جائز و موثقة سماعة عن أبي عبد الله ع: في الرجل قد يشتري العبد و هو آبق عن أهله فقال لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر فيقول أشتري منك هذا الشي‌ء و عبدك بكذا و كذا فإن لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه. و ظاهر السؤال في الأولي و الجواب في الثانية الاختصاص بصورة رجاء الوجدان و هو الظاهر أيضا من معاقد الإجماعات المنقولة فالمأيوس عادة من الظفر به الملحق بالتألف لا يجوز جعله جزء من المبيع لأن بذل جزء من الثمن في مقابله لو لم يكن سفها أو أكلا للمال بالباطن لجاز جعله مثمنا يباع به مستقلا فالمانع عن استقلاله بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع للنهي عن الغرر السليم عن المخصص نعم يصح تملكه علي وجه التبعية للمبيع باشتراط و نحوه و أيضا الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها و أما صحة بيعها منفردة فلا تظهر من الرواية [فلو أضاف إلي الضميمة ما لا يتعذر تسليمه كفي و لا يكفي ضم المنفعة إلا إذا فهمنا من قوله ع فإن لم يقدر إلي آخر الرواية تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته للثمن فيكون ذكر اشتراط الضميمة معه من باب المثال أو كناية عن نقل مال أو حق إليه مع الآبق لئلا يخلو الثمن عن المقابل فتأمل. ثم إنه لا إشكال في انتقال الآبق إلي المشتري إلا أنه لو بقي علي إباقه و صار في حكم التالف لم يرجع علي البائع بشي‌ء و إن اقتضت قاعدة التلف قبل القبض استرداد ما قابله من الثمن فليس معني الرواية أنه لو لم يقدر علي الآبق وقعت المعاوضة علي الضميمة و الثمن لتكون المعاوضة علي المجموع مراعاة لحصول الآبق في يده كما يوهمه ظاهر المحكي عن كاشف الرموز من أن الآبق ما دام آبقا ليس مبيعا في الحقيقة و لا جزء مبيع مع أنه ذكر بعد ذلك ما يدل علي إرادة ما ذكرناه بل معناها أنه لا يرجع المشتري بتعذر الآبق الذي هو في حكم التلف الموجب للرجوع بما يقابله التالف بما يقابله من الثمن و لو تلف قبل اليأس ففي ذهابه علي المشتري إشكال و لو تلفت الضميمة قبل القبض فإن كان بعد حصول الآبق في اليد فالظاهر الرجوع بما قابلته الضميمة لا مجموع الثمن لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا و لا بعد الحصول في اليد و كذا لو كان بعد إتلاف المشتري له مع العجز عن التسليم كما لو أرسل إليه طعاما مسموما لأنه بمنزلة القبض و إن كان قبله ففي انفساخ البيع في الآبق تبعا للضميمة أو بقائه بما قابله من الثمن وجهان من أن العقد علي الضميمة إذا صار كأن لم يكن تبعه العقد علي الآبق لأنه كان سببا في صحته و من أنه كان تابعا له في الحدوث فيما إذا تحقق تملك المشتري له فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأسا هو انحلال المقابلة الحاصلة بينه و بين ما يخصه من الثمن لا الحكم الآخر الذي كان يتبعه في الابتداء لكن ظاهر النص أنه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن أصلا و لا يوضع له شي‌ء منه أبدا علي تقدير عدم الظفر به و من هنا ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد من جهة الضميمة فقط لاشتراط خيار يخص بها. نعم لو عقد علي الضميمة فضولا و لم يجز مالكها انفسخ العقد بالنسبة إلي المجموع ثم لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا إما بعد القدرة عليه أو قبلها كان له الرجوع بأرشه كذا قيل.

مسألة المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا

فلو باع بحكم أحدهما بطل إجماعا كما عن المختلف و التذكرة و اتفاقا كما عن الروضة و حاشية الفقيه للسلطان. و السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري إبطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين. و الأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين.
و يؤيده التعليل في رواية حماد بن ميسرة عن جعفر عن أبيه ع: أنه يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم. لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة قال: سألت أبا عبد الله ع فقلت ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه علي ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له هذه الألف درهم حكمي عليك فأبي أن يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بألف درهم قال فقال أري أن تقوم الجارية بقيمة عادلة فإن كان ثمنها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد إليه ما نقص من القيمة و إن كانت قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له قال فقلت أ رأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك أن تردها و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب. لكن التأويل فيها متعين لمنافاة ظاهرها لصحة البيع و فساده فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع إذ لو كان صحيحا لم يكن معني لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص. نعم هي محتاجة إلي أزيد من هذا التأويل بناء علي القول بالفساد بأن يراد من قوله باعنيها بحكمي قطع المساومة علي أن أقومها علي نفسي بقيمتها العادلة في نظري حيث إن رفاعة كان نحاسا يبيع و يشتري الرقيق فقومها رفاعة علي نفسه بألف درهم أما معاطاة و إما مع إنشاء الإيجاب وكالة و القبول أصالة فلما مسها و بعث الدراهم لم يقبلها المالك لظهور غبن له في المبيع و أن رفاعة مخطئ في القيمة أو لثبوت خيار الحيوان للبائع علي القول به. و قوله ع إن كانت قيمتها أكثر فعليك أن ترد ما نقص
المكاسب، ج‌2، ص 190
إما أن يراد به لزوم ذلك عليه من باب إرضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية حيث إن المالك لا حاجة له في الجارية فيسقط خياره ببذل التفاوت و إما أن يحمل علي حصول الحبل بعد المس فصارت أم ولد فتعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع و قد يحمل علي صورة تلف الجارية و ينافيه قوله ع فيما بعد فليس عليك أن تردها إلي آخر الرواية. و كيف كان فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري و انصراف الثمن إلي القيمة السوقية لهذه الرواية كما حكي عن ظاهر الحدائق فضعيف. و أضعف منه ما عن الإسكافي من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت و يكون للمشتري الخيار و يرده أن البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار و أما بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر كما تقدم عند حكاية قول الإسكافي في مسألة القدرة علي التسليم.

مسألة العلم بقدر المثمن كالثمن

اشارة

شرط بإجماع علمائنا كما عن التذكرة. و عن الغنية العقد علي المجهول باطل بلا خلاف و عن الخلاف ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و إن شوهد إجماعا و في السرائر ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف و الأصل في ذلك ما تقدم من النبوي المشهور

و في خصوص الكيل و الوزن خصوص الأخبار المعتبرة

منها صحيحة الحلبي

اشارة

عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم ثم إن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته قال لا يصلح إلا أن يكيل و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام. و في رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة.

[الإيراد علي الصحيحة و الجواب عنه

و الإيراد علي دلالة الصحيحة بالإجمال أو باشتمالها علي خلاف المشهور من عدم تصديق البائع غير وجيه لأن الظاهر من قوله ع سميت فيه كيلا أنه يذكر فيه الكيل فهي كناية عن كونه مكيلا في العادة اللهم إلا أن يقال إن وصف الطعام كذلك الظاهر في التنويع مع أنه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن إلا في مثل الزرع قائما يبعد إرادة هذا المعني فتأمل. و أما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول علي شرائه سواء زاد أم نقص خصوصا إذا لم يطمأن بتصديقه لا شراؤه علي أنه القدر المعين الذي أخبر به البائع فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف. قال في التذكرة لو أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل صح عندنا و قال في التحرير لو أعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد أم نقص لم يجز. و أما نسبة الكراهة إلي هذا البيع فليس فيه ظهور في المعني المصطلح يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح في الفساد.

[رواية سماعة]

و في الصحيح عن ابن محبوب عن زرعه عن سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن فقال إما أن تأتي رجلا في طعام قد اكتيل أو وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته منه و لم تكله أو لم تزنه إذا أخذه [كان المشتري الأول [قد أخذه بكيل أو وزن و قلت له عند البيع إني أربحك فيه كذا و كذا [و قد رضيت بكيلك و وزنك و دلالتها أوضح من الأولي.

[رواية أبان

و رواية أبان عن محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله ع اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل فقال لا أما أنت فلا تبعه حتي تكيله دلت علي عدم جواز البيع بغير كيل إلا إذا أخبره البائع فصدقه.

[رواية أبي العطارد]

و فحوي رواية أبي العطارد و فيها قلت: فأخرج الكر و الكرين فيقول الرجل أعطيته بكيلك فقال إذا ائتمنك فلا بأس

[و مرسلة ابن بكير]

و مرسلة ابن بكير عن رجل: سأل أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل فقال إما أن يأخذ كله بتصديقه و إما أن يكيله كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه إرشادي محمول علي أنه إن صدقه فلا حاجة إلي كلفة كيل البعض و إلا فلا يجزي كيل البعض و تحتمل الرواية الحمل علي استيفاء المبيع بعد الاشتراء
و كيف كان ففي مجموع ما ذكر من الأخبار و ما لم يذكر مما فيه إيماء إلي المطلب من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل. و تقرير الإمام كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده و غيرها مع ما ذكر من الشهرة المحققة و الاتفاقات المنقولة كفاية في المسألة

[هل الحكم منوط بالغرر الشخصي أم لا]

ثم إن ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي و إن كانت حكمته سد باب المسامحة المقتضية إلي الوقوع في الغرر كما أن حكمه الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند إهمال ذلك الشرط فحينئذ يعتبر التقدير بالكيل أو الوزن و إن لم يكن في شخص المقام غرر كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو غيره المتساوي له في القيمة فإنه لا يتصور هنا غرر أصلا مع الجهل بمقدار كل من العوضين لأنه مساو للآخر في المقدار أو يحتمل غير بعيد حمل الإطلاقات و لا سيما الأخبار علي المورد الغالب و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا علي التقدير. فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفي كما في الفرض المزبور و كما إذا كان للمتبائعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع و كما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وزن الميزان لمثله كما لو دفع فلسا و أراد به دهنا لحاجة فإن الميزان لم يوضع لمثله فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين. و لا منافاة بين كون الشي‌ء من جنس المكيل و الموزون و بين عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة أو لكثرة كزبرة الحديد كما نبه عليه في القواعد و شرحها و حاشيتها. و مما ذكرنا يتضح عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة فإنها و إن كانت من الموزون و لذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها إلا أنها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها لا تتوقف علي وزنها فهي كالقليل و الكثير من الموزون الذي لا يدخله الوزن و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان و كذا الدرهم و الدينار الخالصان فإنهما و إن كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا إجماعا إلا أن ذلك لا ينافي جواز جعلهما عوضا من دون معرفة بوزنهما لعدم غرر في ذلك أصلا و يؤيد ذلك جريان سيرة الناس علي المعاملة بهما من دون معرفة أغلبهم بوزنها. نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانهما عن وزنهما المقرر في وضعهما من حيث تفاوت قيمتهما بذلك فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب و من هنا لا يجوز إعطاء الناقص منهما لكونه غشا و خيانة و بهذا يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود و شبهها حيث إن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه. و إلي ما ذكرنا من الفرق
المكاسب، ج‌2، ص 191
أشير في صحيحة عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الشي‌ء بالدراهم فأعطي الناقص الحبة و الحبتين قال لا حتي تبينه ثم قال إلا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا. و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع و كيله مدار الغرر الشخصي قريب في الغاية إلا أن الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في موارد كثيرة

[وجوب معرفة العدد في المعدود و الدليل عليه

ثم إن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر و يشير إليه بل يدل عليه تقرير الإمام ع في الرواية الآتية المتضمنة لتجويز الكيل في المعدود المتعذر عده. و يظهر من المحكي عن المحقق الأردبيلي المناقشة في ذلك بل الميل إلي منعه و جواز بيع المعدود مشاهدة و ترده رواية الجواز الآتية. و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها بإعدادها كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب. و عد العلامة البطيخ و الباذنجان في المعدودات حيث قال في شروط السلم من القواعد و لا يكفي في السلم و صحته العد في المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ و الباذنجان و الرمان و إنما اكتفي بعدها في البيع للمعاينة انتهي و قد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ و الرمان إذا كانا رطبين لعدم الوزن و ثبوته مع الجفاف بل يظهر منه كون القثّاء و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة و كل ذلك محل تأمل لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن فالظاهر أن تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد كما في الجوز و البيض.

مسألة [في التقدير بغير ما يتعارف التقدير به

اشارة

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع- في المكيل و الموزون و المعدود بما يتعارف التقدير به هو عدم حصول الغرر الشخصي فلا إشكال في جواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك- بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا لكن تقدم أن ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدي إلي التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات زيادة علي التراضي الفعلي حال المعاملة و حينئذ فيقع الكلام و الإشكال في تقدير بعض المعاملات بغير ما تعارف فيه

[هل يجوز بيع المكيل وزنا و بالعكس

اشارة

فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدمه علي أقوال ثالثها جواز الكيل وزنا دون العكس لأن الوزن أصل الكيل و أضبط و إنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا. فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا حيث قال و لو أسلم في المكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن الإمام الصادق ع و كأنه أشار بها إلي رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي ص قال: لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن. و لا يخفي قصور الرواية سندا بوهب و دلالة بأن الظاهر منها جواز إسلاف الموزون في المكيل و بالعكس لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن و بالعكس. و يعضده ذكر الشيخ الرواية في باب إسلاف الزيت في السمن

[الكلام في مقامين

اشارة

فالذي ينبغي أن يقال إن الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر من حيث جعله دليلا علي التقدير المعتبر فيه بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون و بالعكس و تارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره بالمتعارف.

أما الأول [التقدير بغير ما تعارف تقديره به من حيث جعله طريقا إلي ما تعارف فيه

فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح به عادة و قد يكون مما لا يتسامح فيه و أما الأول فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الآخر طريقا إليه و تؤيده رواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائره علي قدر ذلك قال لا بأس و استدل بها في التذكرة علي جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي إليه و أردفه بقوله و لأنه يحصل المطلوب و هو العلم. و استدلاله الثاني يدل علي عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر و التقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في مورد السؤال و هو تعذر وزن مائة راوية من الزيت و لا يخفي أن هذه العلة لو سلمت علي وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال إنما يجب الاقتصار علي موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير و قد عرفت أن هذا في الحقيقة تقدير و ليس بجزاف نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجي‌ء و أما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه فالظاهر أيضا الجواز مع البناء علي ذلك المقدر المستكشف من التقدير إذا كان ذلك التقرير أمارة علي ذلك المقدار لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف فيكون نظير إخبار البائع بالكيل و يتخير المشتري لو نقص.
و ما تقدم من صحيحة الحلبي في أول الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة علي المتعارف.

[الثاني التقدير بغير ما تعارف تقديره به مستقلا]

و أما كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالة من غير ملاحظة التقدير المتعارف فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا علي المشهور كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة المنهي عنه في الأخبار و معقد الإجماعات لأن الوزن أضبط من الكيل و مقدار مالية المكيلات معلوم به أصالة من دون إرجاع إلي الكيل.
و المحكي المؤيد بالتتبع أن الوزن أصل الكيل و أن العدول إلي الكيل من باب الرخصة و هذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات و يشهد لأصالة الوزن أن المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة علي اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ إلا الوزن إذ ليس هنا كيل واحد تقاس المكاييل عليه. و أما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ففيه إشكال بل لا يبعد عدم الجواز. و قد عرفت عن السرائر أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف فإن هذه مجازفة صرفه إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه وعاء منضبط فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو مل‌ء اليد فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة. فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلي كفاية المشاهدة ثم إنه قد أعلم مما ذكرنا أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة و الرطل و الوزنة باصطلاح أهل العراق الذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم فهي غير جائزة لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه و جعله في الميزان و وضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة هذا كله في المكيل و الموزون.
المكاسب، ج‌2، ص 192
و أما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه فالكلام فيه كما عرفت في أخويه و ربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع: أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال لا بأس به. فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة- و لم يردعه الإمام ع بالتنبيه علي أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار لكن التقرير غير واضح فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات و لذا قوي في الروضة الجواز مطلقا. و أما كفاية الكيل فيه أصالة فهو مشكل لأنه لا يخرج عن المجازفة و الكيل لا يزيد علي المشاهدة. و أما الموزون فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم أنه لا يكفي العد في المعدودات و إن جاز بيعها معجلا بالعد بل لا بد من الوزن أنه لا خلاف في أنه أضبط و أنه يغني عن العد. فقولهم في شروط العوضين إنه لا بد من العد في المعدودات محمول علي أقل مراتب التقدير لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم و يكفي الوزن عن العد فإنه بوهم كونه الأصل في الضبط إلا أن يريدوا هنا الأصالة و الفرعية بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة فافهم.

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي‌ء مكيلا أو موزونا

فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا و إلا فلا. و عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق نسبته إلي الأصحاب و ربما منع ذلك بعض المعاصرين قائلا إن دعوي الإجماع علي كون المدار هنا علي زمانه ص علي وجه المذكور غريبة فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا. نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلي حكم الربا لا أنه كذلك بالنظر إلي الجهالة و الغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه ص في رفع شي‌ء من ذلك و إثباته انتهي. أقول ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط العوضين و إنما ذكروه في باب الربا حق إلا أن المدار وجودا و عدما في الربا علي اشتراط الكيل و الوزن في صحة بيع جنس ذلك الشي‌ء و أكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط و المعيار فيه هنا يعني في شروط العوضين إلا أن الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا و في ذلك الباب. و أما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا و عدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو خلاف الواقع. أما أولا فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه. قال في المبسوط في باب الربا إذا كانت عادة الحجاز علي عهده ص في شي‌ء الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد و ما كانت فيه وزنا لم يجز إلا وزنا في سائر البلاد و المكيال مكيال أهل المدينة و الميزان ميزان أهل مكة هذا كله لا خلاف فيه فإن كان مما لا تعرف عادته في عهده ص حمل علي عادة البلد الذي فيه ذلك الشي‌ء فإذا ثبت ذلك فما عرف بالكيل لا يباع إلا بالكيل و ما عرف فيه الوزن لا يباع إلا وزنا انتهي. و لا يخفي عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع لا لخصوص مبايعة المتماثلين و نحوه كلام العلامة في التذكرة. و أما ثانيا فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا و في باب الربا أن الموضوع في كلتا المسألتين شي‌ء واحد أعني المكيل و الموزون قد حمل عليه حكمان أحدهما عدم صحة بيعه جزافا و الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا و يزيده وضوحا ملاحظة أخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين. و أما ثالثا فلأنه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا أن من شرط الربا كون الكيل و الوزن شرطا في صحة بيعه. قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل و الوزن في الربا تفريعا علي ذلك إنه لا رباء في الماء إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن و قال في الدروس و لا يجري الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا ثم قال و كذا الحجارة و التراب و الحطب و لا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لأن الوزن غير شرط في صحته انتهي. و هذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا و شرح القواعد و حاشيتهما للمحقق الثاني و الشهيد عند قول العلامة و المراد بالمكيل و الموزون هنا جنسه و إن لم يدخلاه لقلته كالحبة و الحبتين من الحنطة أو لكثرته كالكزبرة و لازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل و الوزن في صحة بيعه أنه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو موزونا علي عهد رسول الله ص لزم أن لا يجوز بيعه جزافا و إلا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه. و بالجملة فتلازم الحكمين أعني دخول الربا في جنس و اشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفي علي المتتبع في كتب الأصحاب و حينئذ فنقول كل ما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره ص فهو ربوي في زماننا و لا يجوز بيعه جزافا فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا و إن لم يلزم غرر للإجماع و لما عرفت من أن اعتبار الكيل و الوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع و اعتبار الانضباط في المسلم فيه لأن في تركه مظنة التنازع و التغابن و نحو ذلك. و الظاهر كما عرفت من غير واحد أن المسألة اتفاقية. و أما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه ص
فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا و الظاهر أنه إجماعي كما يشهد به دعوي بعضهم الإجماع علي أن مثل هذا ليس بربوي و الشهرة محققة علي ذلك. نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من إطلاق النهي عن بيع المكيل و الموزون جزافا الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام ع أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو أحدهما و إن لم يتعارف في غيره و كذلك قوله ع:
ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب و في عرفه و إن لم يكن كذلك في عرف الشارع اللهم إلا أن يقال إنه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة و أصحابهم كان غير مقدر في زمان الشارع حتي يتحقق المنافاة و الأصل في ذلك أن مفهوم المكيل و الموزون في الأخبار لا يراد بهما كلما فرض صيرورته كذلك حتي يعم ما علم كونه غير مقدر في زمن الشارع بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم و هذه الأفراد لا يعلم عدم كونها مكيلة و لا موزونة في زمن النبي ص لكن يرد علي ذلك مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال أو يوزن أنه لا دليل حينئذ علي اعتبار الكيل
المكاسب، ج‌2، ص 193 فيما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل و الموزون بل لا بد من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الأخبار و لا دليل أيضا علي إلحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان و الحاصل أن الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن علي ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي ص ثم بما اتفقت عليه بالبلاد ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلي نفسه في غاية الإشكال فالأولي تنزيل الأخبار علي ما تعارف تقديره عند المتبايعين و إثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة و كذا الإشكال لو علم التقدير في زمن الشارع و لم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع و لكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية و لكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلفت البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه انتهي و ذكر المحقق الثاني أيضا أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو العرف السابق و لا أثر للتغير الطاري للاستصحاب و لظاهر قوله ص: حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة و أما في الأقارير و نحوهما فالظاهر الحوالة علي عرف ذلك العصر الواقع فيه شي‌ء عنها حملا له علي ما يفهمه المواقع انتهي. أقول ليس الكلام في مفهوم المكيل و الموزون بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم فإن المراد بقولهم ع: ما كان مكيلا فلا يباع جزافا و لا يباع بعضه ببعض إلا متساويا إما أن يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف و علي أي تقدير فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد فلا بد لبيان حكم غير المراد من دليل خارجي و إرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها و خصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقه لا مع عدمه غير صحيحة كما لا يخفي. و لعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع و عرف العام و العرف الخاص معللا باحتمال إرادة الكيل و الوزن المتعارف عرفا عاما أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلي كل بلد بلد كما قيل في المأكول و الملبوس في السجدة من الأمر الوارد بهما لو سلم و الظاهر هو الأخير انتهي و قد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها علي عرفهم صلوات الله عليهم فكل ما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب إجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة و ما لم يعلم فهو بناء علي قواعدهم يرجع إلي العرف العام إلي آخر ما ذكره من التفصيل ثم قال و يمكن أن يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإن الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلي تسميته عرفا مكيلا و يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم ع انتهي. أقول قد عرفت أن الكلام هنا ليس في معني اللفظ لأن مفهوم الكيل معلوم لغة و إنما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم ثم لو فرض كون الكلام في معني اللفظ كان اللازم حمله علي العرف العام إذا لم يكن عرف شرعي لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ علي المعني العرفي بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعني الشرعي و مع العجز يحكم بإجمال اللفظ كما هو واضح هذا كله مع أن الأخبار إنما وصلت إلينا من الأئمة ص فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع و أما ما استشهد به للرجوع إلي العرف العام من قوله ع ما سميت فيه كيلا إلي آخره فيحتمل أن يراد به عرف المخاطب فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين. نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص لمقطوعة ابن هاشم الآتية فتأمل. و أبعد شي‌ء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد من أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليهما
فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله إلي آخره. و بالجملة فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل لكن الظاهر أن كلها متفق عليها.
نعم اختلفوا فيما إذا كانت البلاد مختلفة في أن لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو أنه يغلب جانب التحريم كما عليه جماعة من أصحابنا لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير ثم إنه يشكل الأمر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ففيه وجوه أقواها و أحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر و أشكل من ذلك ما لو علم كون الشي‌ء غير مكيل في زمان الشارع أو في العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص و لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي الغرر لاحتمال كون ذلك الشي‌ء من المبتذلات في زمن الشارع أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته و قد بلغ عند قوم في العزة إلي حيث لا يتسامح فيها فالأقوي وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع فيه الغرر من الكيل أو الوزن أو العد. و بالجملة فالأولي جعل المدار فيما لا إجماع فيه علي وجوب التقدير بما بني الأمر في مقام استعلام مالية الشي‌ء علي ذلك التقدير فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العدد بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان و البطيخ فإنه لا يجاب إلا بالوزن و إذا سئل عن مقدار الحنطة و الشعير فربما يجاب بالكيل و ربما يجاب بالوزن لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن و قد تقدم أن الوزن أصل في الكيل. و ما ذكرنا هو المراد بالمكيل و الموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل و الوزن عند البيع و بدخول الربا فيهما و أما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء و التين و الخضريات فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلفت البلاد في التقدير و العدم فلا إشكال في التقدير في بلد التقدير و أما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشي‌ء عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة
المكاسب، ج‌2، ص 194
كفت المشاهدة و إن كان لعدم مبالاتهم بالغرر و إقدامهم عليه حرصا مع الاعتياد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها فإن النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر و المجازفات كبيع الملاقيح و المضامين و الملامسة و المنابذة و الحصاة علي بعض تفاسيرها و ثمر الشجر قبل الوجود و غير ذلك لم ترد إلا ردا علي من تعارف عندهم الإقدام علي الغرر و البناء علي المجازفات الموجبة لفتح أبواب المنازعات. و إلي بعض ما ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله ذكره في حديث طويل قال: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلي العامة و لا يؤخذ فيه بالخاصة فإن كان قوم يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم لأن أصل اللحم أن يوزن و أصل الجوز أن يعد. و علي ما ذكرنا فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد و لا ببلد المتعاقدين و في شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلي العادة مع اتفاقها اتفاقي و لو اختلفت فلكل بلد حكمه كما هو المشهور. و هل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين الأقوي الأول و لو تعاقدا في الصحراء رجعا إلي حكم بلدهما و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم أو ذو الاعتبار علي ذي الجزاف أو البائع في مبيعه و المشتري في ثمنه أو يبني علي الإقراع مع الاختلاف و ما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير و لعله الأقوي و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان و الأولي التخلص بإيقاع المعاملة علي وجه لا تفسدها الجهالة من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة و نحوها و لو حصل الاختلاف في البلد الواحد علي وجه التساوي فالأقوي التخيير و مع الاختصاص بجمع قليل إشكال انتهي
@@@

مسألة لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور

اشارة

و عبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه و يدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة. و ما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول علي صورة إيقاع المعاملة غير مبنية علي المقدار المخبر به و إن كان الأخبار داعيا إليها فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر. و قد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك

[هل يعتبر كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار]

ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار كما تشهد به الروايات المتقدمة فلو لم يفد ظنا فإشكال من بقاء الجهالة الموجبة للغرر و من عدم تقييدهم الأخبار بإفادة الظن و لا المخبر بالعدالة و الأقوي بناء علي اعتبار التقدير و إن لم يلزم الغرر الفعلي هو الاعتبار. نعم لو دار الحكم مدار الغرر كفي في صحة المعاملة إيقاعها مبنية علي المقدار المخبر به و إن كان مجهولا. و يندفع الغرر ببناء المتعاملين علي ذلك المقدار فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة علي أوصاف مذكورة في العقد فيقول بعتك هذه الصبرة علي أنها كذا و كذا صاعا و علي كل تقدير فالحكم فيه الصحة

[ثبوت الخيار للمشتري لو تبين الخلاف بالنقيصة]

اشارة

فلو تبين الخلاف فإما أن يكون بالنقيصة و إما أن يكون بالزيادة فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ و بين الإمضاء بل في جامع المقاصد احتمال البطلان كما لو باعه ثوبا علي أنه كتان فبان قطنا ثم رده بكون ذلك من غير الجنس و هذا منه و إنما الفائت الوصف لكن يمكن أن يقال إن مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية لا تشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما في أصل الحقيقة بخلاف الجزء و الكل فتأمل فإن المتعين الصحة و الخيار. ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة و للمشتري مع النقيصة بقوله تخير المغبون فربما تخيل بعض تبعا لبعض أن هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء معللا بأن خيار الوصف إنما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد و يدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة في التذكرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص و في باب الصرف من القواعد بأنه لو تبين المبيع علي خلاف ما أخبر به البائع تخير المشتري بين الفسخ و الإمضاء بحصة معينة من الثمن. و تصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة بابتنائها علي المسألة المعروفة و هي مسألة ما لو باع متساوي الأجزاء علي أنه مقدار معين فبان أقل و من المعلوم أن الخيار في تلك المسألة إما لفوات الوصف و إما لفوات الجزء علي الخلاف الآتي. و أما التعبير بالمغبون فيشمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع و المشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف حيث قال تخير المغبون منهما. و أما ما ذكره من أن الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ففيه أن ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ككتابة العبد و خياطته. و أما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو العد فهذا لا يحتاج إلي ذكره في متن العقد فإن هذا أولي من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في العقد فإن معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد بخلاف معرفة وجود المقدار المعين

[عدم الإشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف

و كيف كان فلا إشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف و إنما الإشكال في أن المختلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع أو وصف من أوصافه فلذلك اختلف في أن الإمضاء هل هو بجميع الثمن أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الأجزاء إلي المعدوم و تمام الكلام في موضع تعرض الأصحاب المسألة

[كل ما يكون طريقا عرفيا إلي مقدار المبيع فهو بحكم إخبار البائع

ثم إن في حكم إخبار البائع بالكيل و الوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا إلي مقدار المبيع و أوقع العقد بناء عليه كما إذا جعلنا الكيل في المعدود و الموزون طريقا إلي عده أو وزنه.

مسألة قال في الشرائع يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

و إن لم يمسحا و لو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك و تعذر إدراكه بالمشاهدة انتهي و في التذكرة لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صح كالثوب و الدار و الغنم إجماعا و صرح في السرائر بجواز بيع قطيع الغنم و إن لم يعلم عددها. أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد لثبوت الغرر غالبا مع جهل أذرع الثوب و عدد قطيع الغنم و الاعتماد علي عددها علي ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة. و بالجملة فإذا فرضنا أن مقدار مالية الغنم قلة و كثرة يعلم بالعدد فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها و بين الجهل بالمقدار في المكيل و الموزون و المعدود و كذا الحكم في عدد الأذرع و الطاقات و الكرابيس و الجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب. نعم ربما يتفق
المكاسب، ج‌2، ص 195
تعارف عدد خاص في أذرع بعض طاقات الكرابيس لكن الاعتماد علي هذا من حيث كونه طريقا إلي عدد الأذرع نظير إخبار البائع و ليس هذا معني كفاية المشاهدة و تظهر الثمرة في ثبوت الخيار إذ علي تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلي ما حصل التخمين به من المشاهدة إلا إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا و عرضا. و بالجملة فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم به و لو لم يكن غرر كما استظهرناه في المكيل و الموزون فافهم.

مسألة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء

اشارة

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين و شبه ذلك يتصور علي وجوه

الأول أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان

فيريد بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة أصوع عشرها و من عبد من العبدين نصفهما و لا إشكال في صحة ذلك و لا في كون المبيع مشاعا في الجملة و لا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة و عدمه و لا بين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه لأن الكسر مقدر بالصاع فلا يعتبر العلم بنسبته إلي المجموع هذا و لكن قال في التذكرة و الأقرب أنه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل بخلاف الذراع من الأرض انتهي و لم يعلم وجه الفرق إلا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة.

الثاني أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه

اشارة

من الأفراد المتصورة في المجموع نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد و هذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة و لا إشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين لأنه غرر لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما و أما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع بل في الرياض نسبته إلي الأصحاب. و عن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلي الأصحاب و استدل علي المنع بعضهم بالجهالة التي يبطل معها البيع إجماعا و آخر بأن الإبهام في البيع مبطل له لا من حيث الجهالة. و يؤيده أنه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي و لم يدر أيهما هو صح خلافا لبعض العامة و ثالث بلزوم الغرر و رابع بأن الملك صفة وجودية محتاجة إلي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج و أحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامه به لأنه أمر انتزاعي من أمرين معينين و يضعف الأول بمنع المقدمتين لأن الواحد علي سبيل البدل غير مجهول إذ لا تعين له في الواقع حتي يجهل و المنع عن بيع المجهول و لو لم يلزم غرر غير مسلم نعم وقع في معقد بعض الإجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين. ففي السرائر بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف علي جواز بيع عبد من عبدين قال إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا و فتاواهم و تصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف انتهي و عن الخلاف في باب السلم أنه لو قال أشتري منك أحد هذين العبدين أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء دليلنا أنه بيع مجهول فيجب أن لا يصح و لأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين و لأنه لا دليل علي صحة ذلك في الشرع. و قد ذكرنا هذه المسألة في البيوع و قلنا إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية و لم يقس غيرهما عليهما انتهي و عبارته المحكية في باب البيوع أنه روي أصحابنا أنه إذا اشتري عبدا من عبدين علي أن للمشتري أن يختار أيهما شاء أنه جائز و لم يرووا في الثوب شيئا ثم قال دليلنا إجماع الفرقة و قوله ص: المؤمنون عند شروطهم انتهي. و سيأتي أيضا في كلام فخر الدين أن عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي يوجب النهي عنه الفساد إجماعا و ظاهر هذه الكلمات صدق الجعالة و كون مثلها قادحة اتفاقا مع فرض عدم نص بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته لإجماع الأمة. و مما ذكرنا من منع كبري الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع أعني كون الإبهام مبطلا. و أما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الأفراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة و لذا يجوز الإسلاف في الكلي من هذه الأفراد مع أن الانضباط في السلم آكد و أيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة و لا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا و لذا رد في الإيضاح حمل الصاع من الصبرة علي الكلي برجوعه إلي عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد إجماعا. و أما الرابع فيمنع احتياج صفة الملك إلي وجود خارجي فإن الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري و لا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري فالوجه أن الملكية أمر اعتباري يعتبرها العرف و الشرع أو أحدهما في مواردها و ليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة و السواد و لذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين بل بأحد الشخصين و نحوهما فالإنصاف كما اعترف به جماعة أولهم المحقق الأردبيلي عدم دليل معتبر علي المنع. قال في شرح الإرشاد علي ما حكي عنه بعد أن حكي عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين و فيه تأمل إذ لم يقم دليل علي اعتبار هذا المقدار من العلم فإنهما إذا تراضيا علي ذراع من هذا الكرباس من أي طرف أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك انتهي. فالدليل هو الإجماع لو ثبت و قد عرفت من غير واحد نسبته إلي الأصحاب قال بعض الأساطين في شرحه علي القواعد بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب و الأرض الراجع إلي بيع الكسر المشاع و إن قصدا معينا من عين أو كليا لا علي وجه الإشاعة بطل لحصول
الغرر بالإبهام في الأول و كونه بيع المعدوم و باختلاف الأغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر و للإجماع المنقول فيه إلي أن قال و الظاهر بعد إمعان النظر و نهاية التتبع أن الغرر الشرعي لا يستلزم
المكاسب، ج‌2، ص 196
الغرر العرفي و بالعكس و ارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية و لعل الدائرة في الشرع أضيق و إن كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين و فهم الأصحاب مقدم لأنهم أدري بمذاق الشارع و أعلم انتهي. و لقد أجاد حيث التجأ إلي فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات.

فرع علي المشهور من المنع لو اتفقا علي أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع

لاتفاقهما علي بطلانه و لو اختلفا فادعي المشتري الإشاعة فيصح البيع و قال البائع أردت معينا. ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا بأصالة الصحة و أصالة عدم التعيين انتهي. و هذا حسن لو لم يتسالما علي صيغة ظاهرة في أحد المعنيين أما معه فالمتبع هو الظاهر و أصالة الصحة لا تصرف الظواهر و أما أصالة عدم التعيين فلم أتحققها. و ذكر بعض من قارب عصرنا أنه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل الفعل علي الصحة قرينة صارفة و فيه نظر.

الثالث من وجوه بيع البعض من الكل أن يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق

اشارة

في الأفراد المتصورة في تلك الجملة

[الفرق بين الوجه الثاني و الثالث

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرقت الصيعان و قال بعتك أحدها أن المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المشخصة غير معين فيكون بيعه مشتملا علي الغرر و في هذا الوجه أمر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم كل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به و مثله ما لو قسم الأرباع و باع ربعا منها من غير تعيين و لو باع ربعا قبل القسمة صح و تنزل علي واحد منها مشاعا لأنه حينئذ أمر كلي. فإن قلت المبيع في الأولي أيضا أمر كلي. قلنا ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلي و بحسب الواقع جزئي غير معين و لا معلوم و المقتضي لهذا المعني هو تفريق الصيعان و جعل كل واحد منها برأسه فصار إطلاق أحدها منزلا علي شخصي غير معلوم فصار كبيع أحد الشياة و أحد العبيد و لو قال بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة انتهي. و حاصله أن المبيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الأفراد المتصورة في تلك الجملة. و في الإيضاح أن الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة و بين الفرد المنتشر
ثم الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعني كما هو صريح جماعة منهم الشيخ و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم بل الظاهر عدم الخلاف فيه و إن اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة علي الكلي أو الإشاعة لكن يظهر مما عن الإيضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي و أن منشأ القول بالتنزيل علي الإشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعني و الكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة.
قال في الإيضاح في ترجيح التنزيل علي الإشاعة إنه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين فلا يكون معلوم العين و هو الغرر الذي يدل النهي عنه علي الفساد إجماعا و لأن أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح و لا بعينه هو المبهم و إبهام المبيع مبطل انتهي و تبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلي ما في الإيضاح من لزوم الإبهام و الغرر و أخري إلي عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا علي وجه الإشاعة و ثالثة باتفاقهم علي تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة علي الإشاعة. و يرد الأول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر فكيف نسلم في الكلي. و الثاني بأنه معهود في الوصية و الإصداق مع أنه لم يفهم مراده من المعهودية فإن أنواع الملك بل كل جنس لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر إلا أن يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي المشترك بين أفراد موجودة فيكفي في رده النقض بالوصية و شبهها هذا كله مضافا إلي صحيحة الأطنان الآتية فإن موردها إما بيع الفرد المنتشر و إما بيع الكلي في الخارج. و أما الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

مسألة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجوه

اشارة

بناء علي المشهور من صحته وجهان بل قولان حكي ثانيهما عن الشيخ و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة و استدل في جامع المقاصد بأنه السابق إلي الفهم. و برواية بريد بن معاوية عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري من رجل عشرة آلاف طن قصب في أنبار بعضه علي بعض من أجمة واحدة و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري قد قبلت و اشتريت و رضيت فأعطاه المشتري من ثمنه ألف درهم و وكل المشتري من يقبضه فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال ع العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع. و يمكن دفع الأول بأن مقتضي الوضع في قوله صاعا من صبرة هو الفرد المنتشر الذي عرفت سابقا أن المشهور بل الإجماع علي بطلانه و مقتضي المعني العرفي هو المقدار المقدر بصاع و ظاهره حينئذ الإشاعة لأن المقدار المذكور عن مجموع الصبرة مشاع فيه. و أما الرواية فهي أيضا ظاهره في الفرد المنتشر كما اعترف به في الرياض لكن الإنصاف أن العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلي فيجعلون الخيار في التعيين إلي البائع و هذه أمارة فهمهم الكلي. و أما الرواية فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر فلا بأس بحملها علي الكلي لأجل القرينة الخارجية و تدل علي عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع و كونه مالا للمشتري فالقول الثاني لا يخلو من قوة بل لم نظفر بمن جزم بالأول و إن حكاه في الإيضاح قولا-

ثم إنه يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا أمور.

أحدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع

لأن المفروض أن المشتري لم يملك إلا الطبيعة المعراة عن التشخيص الخاص فلا يستحق علي البائع خصوصية فإذا طالب بخصوصية زائدة علي تلك الطبيعة فقد طالب ما ليس حقا له و هذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج فليس لمالكه اقتراح الخصوصية علي من عليه الكلي و لذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا وصي الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده و نحو ذلك إلا أنه قد جزم المحقق القمي قدس سره في غير موضع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشتري و لم يعلم له وجه مصحح فيا ليته قاس ذلك علي طلب الطبيعة حيث إن الطالب لما ملك الطبيعة علي المأمور و استحقها منه لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون
المكاسب، ج‌2، ص 197
أخري و كذلك مسألة التمليك كما لا يخفي و أما علي الإشاعة فلا اختيار لأحدهما لحصول الشركة فتحتاج القسمة إلي التراضي.

و منها أنه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه

لأن كل فرد من أفراد الطبيعة و إن كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه إلا أنه يتوقف علي تعيين مالك المجموع و إقباضه فكل ما تلف قبل إقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري فعلا فينحصر في الموجود و هذا بخلاف المشاع فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة إلي اختيار و إقباض فكل ما يتلف من المال فقد تلف من المشتري جزء بنسبة حصته.

و منها أنه لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر

فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول لأن الكلي المبيع ثانيا إنما هو سار في مال البائع و هو ما عدا الصاع من الصبرة فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض و هذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة

[صور إقباض الكلي

ثم اعلم أن المبيع إنما يبقي كليا ما لم يقبض- و أما إذا قبض فإن قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري و إن قبض في ضمن الباقي بأن أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء و الباقي أمانة حصلت الشركة بحصول ماله في يده و عدم توقفه علي تعيين و إقباض حتي يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا و ينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف علي البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما. و الحاصل أن كل جزء معين قبل الإقباض قابل لكونه كلا أو بعضا ملكا فعليا للمشتري و الملك الفعلي له حينئذ هو الكلي الساري فالتالف المعين غير قابل لكون جزئه محسوبا علي المشتري لأن تملكه لمعين موقوف علي اختيار البائع و إقباضه فيحسب علي البائع بخلاف التالف بعد الإقباض فإن تملك المشتري لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الإقباض فنسبة كل جزء معين من الجملة إلي كل من البائع و المشتري علي حد سواء. نعم لو لم يكن إقباض البائع للمجموع علي وجه الإيفاء- بل علي وجه التوكيل في التعيين أو علي وجه الأمانة حتي يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض

[لو باع ثمرة شجرات و استثني منها أرطالا معلومة]

هذا كله مما لا إشكال فيه و إنما الإشكال في أنهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات و استثني منها أرطالا معلومة أنه لو خاست الثمرة سقط من المستثني بحسابه و ظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة علي الإشاعة و لذا قال في الدروس إن في هذا الحكم دلالة علي تنزيل الصاع من الصبرة علي الإشاعة و حينئذ يقع الإشكال في الفرق بين المسألتين حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق علي تنزيلها علي الإشاعة. و المشهور هنا التنزيل علي الكلي بل لم يعرف من جزم بالإشاعة و ربما يفرق بين المسألتين بالنص فيما نحن فيه علي التنزيل علي الكلي و هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة. و فيه أن النص إن استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده إلي مسألة الاستثناء أو بيان الفارق و خروجها عن القاعدة و إن اقتصر علي مورده لم يتعد إلي غير مورده حتي في البيع إلا بعد إبداء الفرق بين موارد التعدي و بين مسألة الاستثناء. و بالجملة فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء علي التعدي عن مورده الشخصي و أضعف من ذلك الفرق بقيام الإجماع علي الإشاعة في مسألة الاستثناء لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلي توقيف بالخصوص و أضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء و مسألة الزكاة و غيرهما مما يحمل الكلي فيها علي الإشاعة و بين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع و إيجابه علي البائع فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلي المشتري إذ هو شبه الكلي في الذمة. و فيه مع أن إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة و الاستثناء أن إيجاب القبض علي البائع يتوقف علي بقائه إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف و الحكم بالبقاء يتوقف علي نفي الإشاعة فنفي الإشاعة بوجوب الإقباض لا يخلو عن مصادرة كما لا يخفي. و أما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق و مثله في الضعف لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع منها و إن بقي قدره فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء فإن التلف فيه بعد القبض و المستثني بيد المشتري أمانة علي الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما و لهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البائع هناك انتهي و فيه مع ما عرفت من أن التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة فكيف يثبت به أنه إن أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض أنه بعد قبض المشتري. ففيه أنه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشتري و لا كلام فيه و لا إشكال و إنما الإشكال في الفرق بين المشتري في مسألة الصاع و البائع في مسألة الاستثناء حيث إن كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه فكيف يحسب نقص التلف علي أحدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلي و إن أريد من كون التلف بعد القبض أن الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك فإذا دفع الكل إلي المشتري فقد دفع مالا مشتركا فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة إلي المشتري فالاشتراك كان قبل القبض. ففيه أن الإشكال بحاله إذ يبقي سؤال الفرق بين قوله بعتك صاعا من هذه الصبرة و بين قوله بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها و ما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول مع كون مقتضي الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه إلا بعد إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك هذا مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك و عدم جواز تصرف المشتري إلا بإذن البائع كما يشعر به فتوي جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني بأنه لو فرط المشتري وجب أداء المستثني من الباقي و يمكن أن يقال إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن كان علي عدم الإشاعة
المكاسب، ج‌2، ص 198
قبل التلف و اختصاص الاشتراك بالتألف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوي جماعة منهم بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كانت حصة البائع في الباقي. و يؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة علي استقلال المشتري في التصرف و عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء فالمسألتان مشتركتان في التنزيل علي الكلي و لا فرق بينها إلا في بعض ثمرات التنزيل علي الكل و هو حساب التالف عليهما و لا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق إلا دعوي أن المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع و إن كان بناؤهم علي الإشاعة من أول الأمر أمكن أن يكون الوجه في ذلك أن المستثني كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل إلي المشتري بالبيع كليا بمعني أنه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع. فمعني بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها بعتك الكلي الخارج الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع فهو كلي كنفس الصاع فكل منهما مالك لعنوان كلي فالموجود مشترك بينهما لأن نسبة كل جزء منه إلي كل منهما علي نهج سواء فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح و كذا التالف نسبته إليهما علي السواء فيحسب عليهما و هذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا فإن مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتي يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع. فإن قلت إن مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج فيكون كليا كنفس الصاع. قلت نعم و لكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتي يبقي ما بقي ذلك العنوان ليكون الباقي بعد تلف البعض مصداقا لهذا العنوان و عنوان الصاع علي نهج سواء ليلزم من تخصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح فيجي‌ء الاشتراك فإذا لم يبق إلا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له و لا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع فتأمل. هذا ما خطر عاجلا بالبال و قد أوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر إلي نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفا الله عن الزلل في المعاثر.

[أقسام بيع الصبرة]

قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد إن أقسام بيع الصبرة عشرة لأنها إما أن تكون معلومة المقدار أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع و بيع جزء منها معلوم مشاع و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه و بيعها كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا و المجهولة كلها باطلة إلا الثالث و هو بيع مقدار معلوم تشتمل الصبرة عليه و لو لم يعلم باشتمالها عليه فظاهر القواعد و المحكي عن حواشي الشهيد و غيرها عدم الصحة و استحسنه في الروضة ثم قال نعم لو قيل بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها و المحكي عن ظاهر الدروس و اللمعة الصحة قال فيها فإن نقصت تخير بين أخذ الموجود منها بحصة من الثمن و بين الفسخ لتبعض الصفقة و ربما يحكي عن المبسوط و الخلاف خلافه و لا يخلو من قوة و إن كان في تعيينه نظر لا لتدارك الضرر بالخيار لما عرفت غير مرة من أن الغرر إنما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد بل لمنع الغرر. و إن قيل عدم العلم بالوجود من أعظم أفراد الغرر. قلت نعم إذا بني العقد علي جعل الثمن في مقابل الموجود و أما إذا بني علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع غير المعلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا و ربما تحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه. و فيه أن الغرر إن ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا و لكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة إلا مع العلم بالاشتمال أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال. و أما الرابع مع الجهالة و هو بيعها كل قفيز بكذا فالمحكي عن جماعة المنع و عن ظاهر إطلاق المحكي من عبارتي المبسوط و الخلاف أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع. قال في الخلاف لأنه لا مانع منه و الأصل جوازه و ظاهر إطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال. و عن الكفاية نفي البعد عنه إذ المبيع معلوم بالمشاهدة و الثمن مما يمكن أن يعرف بأن تكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزائها قال و له نظائر ذكر جملة منها في التذكرة و فيه نظر.

مسألة إذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها

اشارة

فإن اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلي غيرها المجهول عند المتبايعين فلا يصح البيع إلا بذكر صفات تصحح بيع الغائب لأن الرؤية القديمة غير نافعة و إن اقتضت العادة بقاءها عليها فلا إشكال في الصحة و لا خلاف فيها أيضا إلا من بعض الشافعية و إن احتمل الأمران جاز الاعتماد علي أصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد فيكون نظير إخبار البائع بالكيل و الوزن لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها و لو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة علي خلافه فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول و هو ما اقتضت العادة تغيره لم يجز البيع و إلا جاز ذكر تلك الصفات لا بدونه لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمة فانكشف التغير تخيير المغبون و هو البائع إن تغير إلي صفات زادت في ماليته و المشتري إن نقصت عن تلك الصفات لقاعدة الضرر و لأن الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة فهي من قبيل تخلف الشرط كما أشار إليه في نهاية الأحكام و المسالك بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط انتهي و توهم أن الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد صيرورتها مأخوذة فيه حتي لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد و الصفات المرئية سابقا حيث إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها
المكاسب، ج‌2، ص 199
كانت دخولها في العقد كان أولي من دخول الشرط المذكور علي وجه الشرطية و لذا لو لم يبن البيع عليها و لم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا فالذكر اللفظي إنما يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد و احتمل في نهاية الأحكام البطلان و لعله لأن المضي علي البيع و عدم نقضه عند تبين الخلاف إن كان وفاء بالعقد وجب فلا خيار و إن لم يكن وفاء لم يدل دليل علي جوازه. و بعبارة أخري العقد إذا وقع علي الشي‌ء الموصوف انتفي متعلقة بانتفاء صفته و إلا فلا وجه للخيار مع أصالة اللزوم و يضعفه أن الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع إما ببناء العقد عليها و إما بذكرها في متن العقد لا تعد من مقومات العقد كما أنها ليست من مقومات المبيع ففواتها فوات حق للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه و تمام الكلام في باب الخيار إن شاء الله.

فرعان

الأول لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري

ففي المبسوط و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك تقديم قول المشتري لأن يده علي الثمن كما في الدروس و هو راجع إلي ما في المبسوط و السرائر من أن المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن و لا ينتزع منه إلا بإقراره أو ببينة تقوم عليه انتهي. و تبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية حيث تمسك بأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة و لأن البائع يدعي علمه بالمبيع علي هذا الوصف الموجود و الرضا به و الأصل عدمه كما في التذكرة و لأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد و يمكن أن يضعف الأول بأن يد المشتري علي الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد أمانة غاية الأمر أنه يدعي سلطنته علي الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد إلا أن يقال إن وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع علي الثمن بناء علي ما ذكره العلامة في أحكام الخيار من التذكرة و لم ينسب خلافه إلا إلي بعض الشافعية من عدم وجوب تسليم الثمن و المثمن في مدة الخيار و إن تسلم الآخر و حينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع علي أخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه إلا أصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجي‌ء. و الثاني مع معارضته بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع علي وصف آخر حتي يكون حق له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفي غيره بالأصل الذي يرجع إليه أصالة عدم تغير المبيع لم يجر أصالة عدم علمه بهذا الوصف. و الثالث بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا و لذا يجوز له إمضاء العقد و ثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت فعليه الإثبات و المرجع أصالة لزوم العقد. و لأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البائع هذا و يمكن بناء المسألة علي أن بناء المتبايعين حين العقد علي الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية و المسالك و لهذا لا يحصل من فقدها الأخيار لمن اشترطت له و لا يلزم بطلان العقد أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي‌ء المقيد و لذا لا يجوز إلغاؤها في المعقود عليه كما يجوز إلغاء غيرها من الشروط فعلي الأول يرجع النزاع في التغير و عدمه إلي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع و عدمه و الأصل مع البائع. و بعبارة أخري النزاع في أن العقد وقع علي الشي‌ء الملحوظ فيه الوصف المفقود أم لا لكن الإنصاف أن هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار لكنه ليس شيئا مستقلا حتي يدفع عند الشك بالأصل بل المراد به إيقاع العقد علي العين الملحوظ كونها متصفة بهذا الوصف و ليس هنا عقد علي العين و التزام بكونها متصفة بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد فحينئذ يرجع النزاع إلي وقوع العقد علي ما ينطبق علي الشي‌ء الموجود حتي يلزم الوفاء به و عدمه و الأصل عدمه. و دعوي معارضته بأصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة بالوصف المفقود ليثبت اللزوم مدفوعة بأن عدم وقوع العقد علي العين المقيدة لا يثبت لزوم العقد الواقع إلا بعد إثبات وقوع العقد علي العين غير المقيدة بأصالة عدم وقوع العقد علي المقيد و هو غير جائز كما حقق في الأصول. و علي الثاني يرجع النزاع إلي رجوع العقد و التراضي علي الشي‌ء المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود و عدمه و الأصل مع المشتري. و دعوي معارضته بأصالة عدم وقوع العقد علي الشي‌ء الموصوف بالصفة المفقودة مدفوعة بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا حتي يلزم علي المشتري الوفاء به فإلزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف علي ثبوت تعلق العقد بهذا و هو غير ثابت و الأصل عدمه و قد تقرر في الأصول أن نفي أحد الضدين بالأصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب عليه حكمه. و بما ذكرنا يظهر فساد التمسك بأصالة اللزوم حيث إن المبيع ملك المشتري و الثمن ملك البائع اتفاقا و إنما اختلافهما في تسلط المشتري علي الفسخ فينفي بما تقدم من قاعدة اللزوم. توضيح الفساد أن الشك في اللزوم و عدمه من حيث الشك في متعلق العقد فإنا نقول الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتي لا
يثبت اللزوم و هو وارد علي أصالة اللزوم. و الحاصل أن هنا أمرين أحدهما عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود و أخذه فيه و هذا الأصل ينفع في عدم الخيار لكنه غير جار لعدم الحالة السابقة. و الثاني عدم وقوع العقد علي الموصوف بذاك الوصف المفقود و هذا جار غير نافع نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من أصله فإن أصالة عدم كريته نافعة غير جارية و أصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور فافهم و اغتنم. و بما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد الحاكمة علي الأصول العملية المتقدمة مثل ما دل علي حرمة أكل المال إلا أن تكون تجارة عن تراض و عموم لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و عموم أن الناس مسلطون علي أموالهم بناء علي أنها تدل علي عدم تسلط المشتري علي استرداد الثمن من البائع لأن المفروض صيرورته
المكاسب، ج‌2، ص 200
ملكا إذ لا يخفي عليك أن هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لم يدفع عوضه الذي وقع المعاوضة عليه إلي المشتري فإذا شك في ذلك فالأصل عدم دفع العوض و هذا هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه فإن عدم وصول حقه إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف.
فإن قلت لا دليل علي كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور بل نقول قد خرج عن تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه و بين ما لم ينطبق علي المدفوع فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة. قلت السبب في الخيار و سلطنة المشتري علي فسخ العقد و عدم وجوب الوفاء به عليه هو عدم كون العين الخارجية منطبقة علي ما وقع العقد عليه و بعبارة أخري هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه إلي المشتري لا وقوع العقد علي ما لا يطابق العين الخارجية كما أن السبب في لزوم العقد تحقق مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلي ملك المشتري و الأصل موافق للأول و مخالف للثاني مثلا إذا وقع العقد علي العين علي أنها سمينة فبانت مهزولة فالموجب للخيار هو أنه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه و هو السمين لا وقوع العقد علي السمين فإن ذلك لا يقتضي الجواز و إنما المقتضي للجواز عدم انطباق العين الخارجية علي متعلق العقد و من المعلوم أن عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك. فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه و كذلك صحة ما في التذكرة من أصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود حتي يجب الوفاء بما ألزم. نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من أصالة بقاء يد المشتري علي الثمن كأنه لا يناسب أصالة اللزوم بل يناسب أصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد كما يظهر من المختلف في باب السبق و الرماية و سيأتي تحقيق الحال في باب الخيار. و أما دعوي ورود أصالة عدم تغير المبيع علي الأصول المذكورة- لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع فهي مدفوعة مضافا إلي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمن المشاهدة كما إذا علم بكونها سمينة و أنها صارت مهزولة و لا يعلم أنها في زمان المشاهدة كانت باقية علي السمن أو لا فحينئذ مقتضي الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة فالأصل تأخر التغير لا عدمه الموجب للزوم العقد بأن مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلي عدم كونها حين المشاهدة سمينة و من المعلوم أن هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد نظير أصالة عدم وقوع العقد علي السمين. نعم لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة و تعلق العقد بالمهزول ثبت لزوم العقد و لكن الأصول العدمية في مجاريها لا تثبت وجود أضدادها هذا كله مع دعوي المشتري النقص الموجب للخيار و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع فمقتضي ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع لأن الأصل عدم وقوع العقد علي هذا الموجود حتي يجب عليه الوفاء به. و ظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا و لم يعلم وجهه.

الثاني لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف المشاهد

و اختلفا في تقدم التغير علي البيع ليثبت الخيار و تأخره عنه علي وجه لا يوجب الخيار تعارض كل من أصالة عدم تقدم البيع و التغير علي صاحبه و حيث إن مرجع الأصلين إلي أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا و أصالة بقاء السمن و عدم وجود الهزال حال البيع و الظاهر أنه لا يترتب علي شي‌ء منهما الحكم بالجواز و اللزوم لأن اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه و انتقاله إلي المشتري و أصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين إليه كما أن أصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه. فالمرجع إلي أصالة عدم وصول حق المشتري إليه كما في المسألة السابقة إلا أن الفرق بينهما هو أن الشك في وصول الحق هناك ناش عن الشك في نفس الحق و هنا ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم. و بعبارة أخري الشك هنا في وصول الحق و هناك في حقه الواصل و مقتضي الأصل في المقامين عدم اللزوم و من ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع بأن اتفقا علي مشاهدته مهزولا و وقوع العقد علي المشاهد و حصل السمن و اختلفا في تقدمه علي البيع ليثبت الخيار للبائع فافهم و تدبر فإن المقام لا يخلو عن إشكال و اشتباه و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية و اختلفا في تقدم التلف علي البيع و تأخره فالأصل بقاء ملك المشتري علي الثمن لأصالة عدم تأثير البيع. و قد يتوهم جريان أصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه و هو وجود المبيع. و فيه أن صحة العقد عبارة من كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا فإذا فرضنا أنه عقد علي شي‌ء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا في تمليك العين لأن تمليك المعدوم لا علي قصد تمليكه عند الوجود و لا علي قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة غير معقول و مجرد إنشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجهل بالحال فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم لأن التمليك الحقيقي غير متحقق و الصوري و إن تحقق لكنه ليس بفاسد إذ اللغو فاسد عرفا أي قبيح إذا صدر عمن علم بالحال. و بالجملة المد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع فافهم هذا فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقدم بيع الراهن علي رجوع المرتهن عن إذنه في البيع و تأخيره عنه حيث تمسك بأصالة صحة الرجوع عن الإذن لأن الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسدا لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه. نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الإنشاء الحقيقي عرفا و لو فيما إذا باع بلا ثمن أو باع ما هو غير مملوك كالخمر و الخنزير و كالتالف شرعا كالغريق و المسروق أو معدوم قصد تملكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة كما لو باع ما أتلفه زيد علي عمرو أو صالحه إياه بقصد حصول أثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة و الفساد فإذا حكم بفساد شي‌ء من ذلك ثم شك في أن العقد الخارجي منه أم من الصحيح حمل علي الصحيح.
المكاسب، ج‌2، ص 201

مسألة لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما تختلف قيمته باختلاف ذلك

كما في كل وصف يكون كذلك إذ لا فرق في توقف رفع الغرر علي العلم بين هذه الأوصاف و بين تقدير العوضين بالكيل و الوزن و العد. و يغني الوصف عن الاختبار فيما يضبط من الأوصاف دون ما لا يضبط كمقدار الطعم و الرائحة و اللون و كيفياتها فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه إلا باختبار شي‌ء من جنسه ثم الشراء علي ذلك النحو من الوصف مثل أن يكون الأعمي قد رأي قبل العمي لؤلؤة فبيعت منه لؤلؤة أخري علي ذلك الوصف و كذا الكلام في الطعم و الرائحة لمن كان مسلوب الذائقة و الشامة. نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف إلا استعلام صحة المبيع و فساده جاز شراؤها بوصف الصحة كما في الدبس و الدهن مثلا فإن المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما بخلاف بعض أنواع الفواكه و الروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها و رائحتها و لا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها و فسادها. و إطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته بالوصف محمول علي ما إذا أريدت الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة لا الزائدة علي الصحة التي تختلف بها القيمة بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان لجواز شرائها من دون اختبار و لا وصف بناء علي أصالة الصحة و كيف كان فقد قوي في السرائر عدم الجواز أخيرا بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعي عليه الإجماع في الغنية قال يمكن أن يقال إن بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون بالوصف لأنه غير غائب فيباع مع خيار الرؤية بالوصف فإذا لا بد من شمه و ذوقه لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلي الوصف و هذا قوي انتهي و يضعفه أن المقصود من الاختبار رفع الغرر فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر و الغائب تحكما بل الأقوي جواز بيعه من غير اختبار و لا وصف بناء علي أصالة الصحة وفاقا للفاضلين و من تأخر عنهما لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه فذكره في الحقيقة يرجع إلي ذكر وصف الصحة و من المعلوم أنه غير معتبر في البيع إجماعا بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب. و أما رواية محمد بن العيص عن الرجل: يشتري ما يذاق أ يذوقه قبل أن يشتري قال نعم فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري. فالسؤال فيها عن جواز الذوق لا عن وجوبه ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلي المفيد و القاضي و سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة. قال في المقنعة كل شي‌ء من المطعومات و المشمومات يمكن للإنسان اختباره من غير إفساد له كالأدهان المختبرة بالشم و صنوف الطيب و الحلويات المذوقة فإنه لا يصح بيعها بغير اختبار فإن ابتيعت بغير اختبار كان البيع باطلا و المتبايعان فيها بالخيار فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس انتهي و عن القاضي أنه لا يجوز بيعها إلا بعد أن يختبر فإن بيعت من غير اختبار كان المشتري مخيرا في رده لها علي البائع و المحكي من سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة إطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار من غير تعرض لخيار المتبايعين كالمفيد أو للمشتري كالقاضي ثم المحكي عن المفيد و سلار أن ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة و عن النهاية و الكافي أن بيعه جائز علي الشرط الصحة أو البراءة من العيوب و عن القاضي لا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة و البراءة من العيوب قال في محكي المختلف بعد ذكر عبارة القاضي إن هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين أما الصحة أو البراءة من العيوب و ليس بجيد بل الأولي انعقاد البيع سواء شرط أحدهما أم خلي عنهما أم شرط العيب و الظاهر أنه إنما صار إلي الإبهام من عبارة الشيخين حيث قالا إنه جاز علي شرط الصحة أو بشرط الصحة و مقصودهما أن البيع بشرط الصحة أو علي شرط الصحة جائز لا أن جوازه مشروط بالصحة أو البراءة انتهي. أقول و لعله لنكتة بيان أن مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة لكن الإنصاف أن الظاهر من عبارتي المقنعة و النهاية و نحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلي آخرها. و عبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ. و ظاهر الكل كما تري اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده كما تقدم عن الحلي فلا يكفي ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء
عنها بأصالة السلامة و يدل عليه أن هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار و إن فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور التي لا تضبط خصوصية طعمها و ريحها بالوصف و الظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي تدور عليها السلامة من العيب إلا أن تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار كشاهد علي أن المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة كما أن مقابله و هو ما يفسد الشي‌ء باختباره كالبيض و البطيخ كذلك غالبا. و يؤيده حكم القاضي بخيار المشتري و كيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا يضبط بالأوصاف فلا خلاف معهم منا و لا من الأصحاب و إن كان مذهبهم موافقا للحلي بناء علي إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية و إن كان مذهبهم عدم كفاية البناء علي أصالة السلامة عن الاختبار و الوصف و إن كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار فقد عرفت أن الظاهر من حالهم و حال غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلي السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية. و يمكن أن يقال بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء إلا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد مع أن الكلام في كفاية أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف أعم و لا من الشرع لعدم الدليل عليه إن السلامة من العيب الخاص متي ما كانت
المكاسب، ج‌2، ص 202
مقصودة علي جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس و الرائحة في الجلاب و الحموضة في الخل و غير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية فلا بد في دفع الغرر من إحراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات و حيث فرض عدم اعتبار أصالة السلامة فلا بد من الاختبار أو الوصف أو الاعتقاد بوجودها لأمارة عرفية مغنية عن الاختبار و الوصف و متي ما كانت مقصودة لا علي هذا الوجه لم يجب إحرازها. نعم لما كان الإطلاق منصرفا إلي الصحيح جاز الخيار عند تبين العيب فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الإطلاق إلي النقد لا النسيئة و انصراف إطلاق الملك في المبيع إلي غير مسلوب المنفعة سدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في إحراز الصحة و البناء عليها علي أصالة السلامة. بعبارة أخري الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض و مثل هذا لا يعتبر إحراز السلامة منه و قد يستلزمه ككون الجارية خنثي و كون الدابة لا تستطيع من المشي أو الركوب و الحمل عليه و هذا مما يعتبر إحراز السلامة منها و حيث فرض عدم إحرازها بالأصل فلا بد من الاختبار أو الوصف. هذا و يؤيد ما ذكرناه من التفصيل أن بعضهم كالمحقق في النافع و العلامة في القواعد عنونا المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه- هذا و لكن الإنصاف أن مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري و شك فيه فلا بد في رفع الغرر من إحراز السلامة عنه إما بالاختبار و إما بالوصف و إما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف إما لأجل الانصراف و إما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا فلا بد إما من كفاية الإطلاق في الكل للأصل و الانصراف و إما من عدم كفايته في الكل نظرا إلي أنه لا يتوقع به الغرر إذا حصل منه الوثوق حتي أنه لو شك في أن هذا العبد صحيح أو أنه أجذم لم يجز البناء علي أصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق بل لا بد من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم و هذا و إن كان لا يخلو عن وجه إلا أنه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب و عدمها.

مسألة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون الاختبار

إجماعا علي الظاهر و الأقوي عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد و كفاية الاعتماد علي أصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة أو البراءة من العيوب أو خصوص أحدهما. و قد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة و النهاية الظاهرتين في ذلك و إرجاعهما إلي ما أراده من قوله في القواعد جاز بيعه بشرط الصحة من أنه مع الصحة يمضي البيع و لا معها يتخير المشتري و عرفت أن هذا التأويل مخالف للظاهر حتي أن قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة و لذا قال في جامع المقاصد كما يجوز بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا و كيف كان فإذا تبين فساد البيع فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر و نحوه فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة و الجوز تخير بين الرد و الأرش و لو فرض بلوغ الفساد إلي حيث لا يعد الفاسد من أفراد ذلك الجنس عرفا كالجوز الأجوف الذي لا يصلح إلا للإحراق فيحتمل قويا بطلان البيع إن لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع لوقوعه علي ما ليس بمتمول و إن كان تبين الفساد بعد الكسر ففي الأول تبين الأرش خاصة لمكان التصرف فيه. و يظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه علي قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد و المراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحة و فاسده غير المكسورة لأن الكسر نقص حصل في يد المشتري و منه يعلم ثبوت الأرش أيضا و لو لم يكن لمكسوره قيمة لأن العبرة في التمول بالفاسد غير المكسور و لا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول و يبطل البيع في الثاني أعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط و السرائر و ظاهر من تأخر عنهما و ظاهرهم بطلان البيع من رأس كما صرح به الشيخ و الحلي و العلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه علي ما لا قيمة له كالحشرات و هو صريح جماعة ممن تأخر عنهم أو ظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس فإن ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد لا من أصله و جعل الثاني احتمالا و نسبه إلي ظاهر الجماعة و لم يعلم وجه ما اختاره و لذا نسب في الروضة خلافه إلي الوضوح و هو كذلك فإن الفاسد الواقعي إن لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا لأن اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي و إن كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه و بين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا أرش و لا رد بل كان البيع لازما و قد تلف المبيع بعد قبضه و إن كان بينه و بين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم هو استرجاع نسبه تفاوت ما بين الصحيح و الفاسد من الثمن لا جميع الثمن اللهم إلا أن يقال إنه مال واقعي إلي حين تبين الفساد فإذا سقط عن المالية لأمر سابق علي العقد و هو فساده واقعا كان في ضمان البائع فينفسخ البيع حينئذ بل يمكن أن يقال بعدم الانفساخ فيجوز له الإمضاء فيكون مكسورة ملكا له و إن خرج عن المالية بالكسر و حيث إن خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا علي البائع و تدارك هذا العيب أعني فوات المالية لا يكون إلا بدفع تمام الثمن لكن سيجي‌ء ما فيه من مخالفته للقواعد و الفتاوي.
و فيه وضوح كون ماليته عرفا و شرعا من حيث الظاهر و أما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من أول الأمر مع أنه لو كان مالا واقعيا فالعيب حادث في ملك المشتري فإن العلم مخرج له عن المالية لا كاشف فليس هذا عينا مجهولا و لو سلم فهو كالأرمد يعمي بعد الاشتراء و المريض يموت مع أن فوات المالية يعد تلفا لا عيبا ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشتري الثمن إلي حين تبين الفساد. و عن الدروس و اللمعة أنها تظهر في مئونة نقله عن الموضع الذي اشتراه فيه إلي موضع اختباره فعلي الأول علي البائع و علي الثاني علي المشتري لوقوعه في ملكه و في جامع المقاصد الذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع علي البائع بها لانتفاء المقتضي و تبعه الشهيد الثاني فقال لأنه نقله بغير أمره فلا يتجه الرجوع عليه بها و كون المشتري
المكاسب، ج‌2، ص 203
هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرم إنما يتجه مع الغرور و هو منفي هنا لاشتراكهما في الجهل انتهي. و اعترض عليه بأن الغرر لا يختص بصورة علم الغار و هنا قول ثالث نفي عنه البعد بعض الأساطين و هو كونه علي البائع علي التقديرين و هو بعيد علي تقدير الفسخ من حين تبين الفساد هذا كله في مئونة النقل من موضع الشراء إلي موضع الكسر. و أما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه لمطالبة مالكه أو لكونه مسجدا أو مشهدا فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة فالظاهر علي البائع علي التقديرين لأنه بعد الفسخ ملكه و أما لو لم يكن قابلا للتملك فلا يبعد مؤاخذة المشتري به و في رجوعه علي البائع ما تقدم في مئونة نقله إلي موضع الكسر. ثم إن المحكي في الدروس عن الشيخ و أتباعه أنه لو تبرأ البائع عن البيع فيما لا قيمة لمكسوره صح قال و يشكل بأنه أكل مال بالباطل و تبعه الشهيد و المحقق الثانيان. و قد تصدي بعض لتوجيه صحة الاشتراء بالبراءة بما حاصله منع بطلان البيع و إن استحق المشتري مجموع الثمن من باب الأرش المستوعب فإن الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن و لذا يسقط بالإسقاط و لا يتعين علي البائع الإعطاء من نفس الثمن ليسقط بالتبري و ليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع إذ المثمن يتحقق علي حسب معاملة العقلاء و لم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع فمن فرض رضاه بذلك يكون قادما علي بذل ماله علي هذا النحو.
نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب و لعله لذلك لم يعبروا بالبطلان و إن ذكر المحقق و غيره الرجوع بالثمن و فهم منه جماعة بطلان البيع لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية و إن لم يكن له قيمة و هو أعم من بطلان البيع انتهي محصله. و فيه مواقع للنظر فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع كالشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و العلامة في التذكرة معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له و بين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن الظاهر في البطلان فإن الرجوع بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان و يكفي في ذلك ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة البطلان من أول الأمر و اختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد علي ما لا قيمة له و حكاية ذلك عن بعض الشافعية قال و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة بل لأن الرد ثبت علي سبيل استدراك الظلامة و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع. و تظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن يختص حتي يجب عليه تطهير الموضع عنها انتهي. هذا مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان بناء علي ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا و عرفا حكم ظاهري و تمول العوضين شرط واقعي لا علمي و لذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا و غير ذلك إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لا يفهم فلعله أراد الملكية مضافا إلي أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن إشكال لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب. نعم ذكر العلامة في التذكرة و التحرير و القواعد أن المشتري للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن أو طلب الأرش فإن استوعبت الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن أيضا و قد تصدي جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد فراجع و كيف كان فلا أجد وجها لما ذكره و أضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ و أتباعه بصحة البيع و اشتراط البائع علي المشتري البراءة من العيوب و زعم أن معني اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب فيكون مرادفا لاشتراط الصحة و أنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ و الأتباع فإن كلامهم ظاهر أو صريح في أن المراد براءة البائع من العيوب لا المشتري. نعم لم أجد في كلام الشيخين و المحكي عن غيرهما تعرضا لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر فإن بيع ما لا يعلم صحته و فساده لا يجوز إلا بناء علي أصالة الصحة و اشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتذار بوجود العيوب و عدمها. و قد صرح العلامة و جماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة و سيجي‌ء توضيحه في باب الخيارات إن شاء الله.

مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره

مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره
و الفأر بالهمزة قيل جمع فأرة كتمر و تمرة. و عن النهاية أنه قد لا يهمز تخفيفا. و مستند الحكم العمومات غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص عدا توهم النجاسة المندفع في باب النجاسات بالنص و الإجماع أو توهم جهالته بناء علي ما تقدم من احتمال عدم العبرة بأصالة الصحة في دفع الغرر. و يندفع بما تقدم من بناء العرف علي الأصل في نفي الفساد و بناء الأصحاب علي عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد و أما الغرر من جهة تفاوت أفراد الصحيح الذي لا يعلم إلا بالاختبار فلا رافع له. نعم قد روي في التذكرة مرسلا عن الإمام الصادق ع جواز بيعه لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة و كيف كان فإذا فرض أنه ليست له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في القيمة. فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بإبرة ثم إخراجه و شمه ثم لو شمه و لم يرض به فهل يضمن هذا النقص الذي أدخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه و لو بكونه جزء أخيرا لسبب النقص بأن فتق قبله بإدخال الخيط و الإبرة مرارا وجه مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم
المكاسب، ج‌2، ص 204
فالأولي أن يباشر البائع ذلك فيشم المشتري الخيط ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف و هو كذلك و صرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة و هو حسن إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر و الصغر

مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه

مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه
لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولا إذ لا نعني بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا و يتفرع علي ذلك أنه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكا لجهالته و إن ضم إليه القصب أو غيره و لا اللبن في الضرع و لو ضم إليه ما يحلب منه أو غيره علي المشهور كما في الروضة. و خص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما إلي المعلوم و جوزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم و هو المحكي عن المختلف و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و المقتصر و استحسنه المحقق و الشهيد الثانيان و لعل المانعين لا يريدون إلا ذلك نظرا إلي أن جهالة التابع لا يوجب الغرر و لا صدق اسم المجهول علي المبيع عرفا حتي يندرج في إطلاق ما دل من الإجماع علي عدم جواز بيع المجهول فإن أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول خلافا للشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة. و المحكي عن الإسكافي و القاضي بل في مفتاح الكرامة أن الحاصل من التتبع أن المشهور بين المتقدمين هو الصحة بل عن الخلاف و الغنية الإجماع في مسألة السمك و اختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المحدث العاملي و المحدث الكاشاني و حكي عن ظاهر غاية المراد و صريح حواشيه علي القواعد و حجتهم علي ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك و اللبن و غيرهما. ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها بوجود سهل فيها سهل عن أبي عبد الله ع قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شي‌ء من سمك فيباع و ما في الأجمة و رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع: لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كانت فيها قصب و المراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة. و رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ع: في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال تصيد كفا من سمك تقول أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا و موثقة سماعة عن أبي عبد الله ع كما في الفقيه قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع قال لا إلا أن يحلب لك في سكرجة فيقول اشتر مني هذا اللبن الذي في الأسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي فإن لم يكن في الضرع شي‌ء كان ما في السكرجة و عليها تحمل صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل له نعم ببيع ألبانها بغير كيل قال نعم حتي تنقطع أو شي‌ء منها بناء علي أن المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه أو بيع شي‌ء منه محلوب في الخارج و ما بقي في الضرع بعد حلب شي‌ء منه و في الصحيح إلي ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله ع ما تقول في رجل اشتري من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما قال لا بأس إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف و موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ع: في الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون شي‌ء من هذا أبدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل به قال ع إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به. و ظاهر الأخيرين كموثقة سماعة أن الضميمة المعلومة إنما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع لا من حيث جهالته فإن ما في الأسكرجة غير معلوم بالوزن و الكيل و كذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي مع أن المشهور كما عن الحدائق المنع عن بيع الأصواف علي ظهور الغنم بل عن الخلاف عليه الإجماع و القائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلي الأصواف فتبين أن الرواية لم يقل أحد بظاهرها و مثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلي المجهول روايتا أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون و لذا جعلوه من الربويات و لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه. و أما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها علي بيع السمك إلا بقرينة
روايتي أبي بصير و البزنطي اللتين عرفت حالهما فتأمل. ثم علي تقدير الدلالة إن أريد انتزاع قاعدة منها و هي جواز ضم المجهول إلي المعلوم و إن كان المعلوم غير مقصود بالبيع إلا حيلة لجواز نقل المجهول فلا دلالة فيها علي ذلك و لم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة بل المعلوم من بعضهم بل كلهم خلافه فإنا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شي‌ء معلوم إليه كما يشهد به تتبع كلماتهم و إن أريد الاقتصار علي مورد النصوص و هو بيع سمك الآجام و لبن الضرع و ما في البطون مع الأصواف فالأمر سهل علي تقدير الإغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل من عدم جواز بيع المجهول مطلقا بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم و أصله من العلامة. قال في القواعد في باب شرط العوضين كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و إن انضم إلي معلوم و يجوز مع الانضمام إلي معلوم إن كان تابعا انتهي. و ارتضي هذا التفصيل جماعة ممن تأخره عنه إلا أن مرادهم من المقصود و التابع غير واضح و الذي يظهر من مواضع من القواعد و التذكرة أن مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع و بالمقصود ما كان جزء. قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع لو شرط أن الأمة حامل أو الدابة كذلك صح أما لو باع الدابة و حملها و الجارية و حملها بطل لأن كل ما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود و يصح تابعا انتهي و في باب ما يندرج في المبيع قال السادس العبد و لا يتناول ماله
المكاسب، ج‌2، ص 205
الذي ملكه مولاه إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا إن العبد يملك فينتقل إلي المشتري مع العبد و كان جعله للمشتري إبقاء له علي العبد فيجوز أن يكون مجهولا أو غائبا أما إذا أحلنا تملكه و باعه و ما معه صار جزء من المبيع فتعتبر فيه شرائط البيع انتهي. و بمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا و بين جعله جزء صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد و عدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار و أخشاب السقوف. و قال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين لو باع الحمل مع أمه جاز إجماعا. و في موضع آخر من باب الشرط في العقد لو قال بعتك هذه الدابة و حملها لم يصح عندنا لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء و لا جزء. و قال أيضا و لو باع الحامل و يشترط للمشتري الحمل صح لأنه تابع كأسس الحيطان و إن لم يصح ضمه في البيع مع الأم للفرق بين الجزء و النابع و قال في موضع آخر لو قال بعتك هذه الشاة و ما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا. و قال في موضع آخر لو باعه دجاجة ذات بيضة و شرطها صح و إن جعلها جزء من المبيع لم يصح. و هذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول علي وجه الجزئية من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول و قد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض قال و ما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول إن جعل جزء من المبيع لا يصح و إن اشترط صح و نحو ذلك فليس بشي‌ء لأن العبارة لا أثر لها و الشرط محسوب من جملة المبيع و لأنه لو باع الحمل و الأم صح البيع و لا يتوقف علي بيعها اشتراطه انتهي و هو الظاهر من الشهيدين في اللمعة و الروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع و قد صرح الشيخ في مسألة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال و عن الشهيد لو اشتراه و ماله صح و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك و إن أحلنا ملكه اشترط و قال في الدروس لو جعل الحمل جزء من البيع فالأقوي الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع انتهي. و اختاره جامع المقاصد ثم إن التابع في كلام هؤلاء يحتمل أن يراد به ما يعد في العرف تابعا كالحمل مع الأم و اللبن مع الشاة و البيض مع الدجاج و مال العبد معه و الباغ في الدار و القصر في البستان و نحو ذلك مما نسب البيع عرفا إلي المتبوع لا إليهما معا و إن فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الأحيان بل بالتابع خاصة كما قد يتفق في حمل بعض أفراد الخيل و هذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات كما تقدم عن الدروس و جامع المقاصد من صحة بيع الأم و حملها لأن الحمل تابع. قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم عن القواعد و يجوز مع الانضمام إلي معلوم إذا كان تابعا إن إطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخري إلا أن يقال التبعية إنما تتحقق مع الأم لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها و مثله زخرفة جدران البيت انتهي. و في التمثيل نظر لخروج زخرفة الجدران عن محل الكلام في المقام إلا أن يريد مثال الأجزاء لأمثال التابع لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد وفاقا للشيخ رحمه الله مع أن مال العبد تابع عرفي كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد و اشتراط ماله و يحتمل أن يكون مرادهم من التابع بحسب قصد المتبايعين و هو ما يكون المقصود بالبيع غيره و إن لم يكن تابعا عرفيا كمن اشتري قصب الآجام و كان فيها قليل من السمك أو اشتري سمك الآجام و كان فيها قليل من القصب و هذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع و قد يكون كذلك بحسب الشخص كمن أراد السمك القليل لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شراؤه إلا في ضمن قصبة الأجمة و الأول هو الظاهر من مواضع من المختلف منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه حيث حمل رواية سماعة المتقدمة علي ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن و يصير أصلا و الذي في الضرع تابعا. و قال في مسألة بيع ما في بطون الأنعام مع الضميمة و المعتمد
أن نقول إن كان الحمل تابعا صح البيع كما لو باع الأم و حملها أو باع ما يقصد مثله بمثل الثمن و ضم الحمل فهذا لا بأس به و إلا كان باطلا. و أما الاحتمال الثاني أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبائعين فلم نجد عليه شاهدا إلا ثبوت الغرر علي تقدير الغرض الشخصي بالمجهول و انتفاءه علي تقدير تعلقه بالمعلوم و يمكن تنزيل إطلاقات عبارات المختلف عليه كما لا يخفي و ربما احتمل بعض بل استظهر أن مراده بكون المعلوم مقصودا و المجهول تابعا كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم بمعني أن الإقدام منهما و لو بتصحيح البيع علي أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو و إن سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع قال و لا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلي الغرض ما فيه الغرر نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض بإيقاع العقد علي شي‌ء معين معلوم لا نزاع فيه و جعل ذلك من التوابع و اللواحق لما عقد عليه البيع فلا يقدح حصوله و عدم حصوله كما أومئ إليه في ضميمة الآبق و ضميمة الثمر علي الشجر و ضميمة ما في الضروع و ما في الآجام انتهي. و لا يخفي أنه لم توجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل إلا أن يريد بالتابع جعل المجهول شرطا و المعلوم مشروطا فيريد ما تقدم من القواعد و التذكرة و لا أظن إرادة ذلك من كلامه بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في الموارد المتفرقة. و الأوفق بالقواعد أن يقال أما الشرط و الجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة و أما قصد المتبايعين بحسب الشخص فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجودا و عدما لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية بل و كذلك قصدهما بحسب النوع علي الوجه الذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع له و للمجهول. و أما التابع العرفي فالمجهول منه و إن خرج عن الغرر عرفا إلا أن المجعول منه جزء داخل ظاهرا في معقد الإجماع علي اشتراط العلم بالمبيع المتوقف علي العلم بالمجموع. نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا خرج عن بيع الغرر و عن
المكاسب، ج‌2، ص 206
معقد الإجماع علي اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين. و أما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع و إن لم يضم إليه حين العقد و لم يخطر ببال المتبايعين فالظاهر عدم الخلاف و الإشكال في عدم اعتبار العلم به إلا إذا استلزم غررا في نفس المبيع إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع لا الساري من المجهول إلي المعلوم فافهم.

مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة

مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة
علي المشهور بل لا خلاف فيه في الجملة بل عن فخر الإسلام التصريح بدعوي الإجماع. قال فيما حكي عنه نص الأصحاب علي أنه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة فقد استثني من المبيع أمر مجهول و استثناء المجهول مبطل للبيع إلا في هذه الصورة فإنه لا يبطل إجماعا انتهي. و الظاهر أن إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع و لو من أول الأمر بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلي هذا أيضا ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة الأول جواز الاندار بشرطين كون المندر متعارف الاندار عند التجار و عدم العلم بزيادة ما يندره و هو للنهاية و الوسيلة و عن غيرهما. الثاني عطف النقيصة علي الزيادة في اعتبار عدم العلم بها و هو للتحرير. الثالث اعتبار العادة مطلقا و لو علم الزيادة أو النقيصة و مع عدم العادة فيما يحتملهما و هو لظاهر اللمعة و صريح الروضة. الرابع التفصيل بين ما يحتمل الزيادة و النقيصة فيجوز مطلقا و بين ما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي. الخامس عطف العلم بالنقيصة علي الزيادة و هو للمحقق الثاني ناسبا له إلي كل من لم يذكر النقيصة. السادس إناطة الحكم بالغرر ثم إن صور المسألة أن يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم أنه عشرة أرطال فإذا أريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض و قلنا بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا علي ما هو مفروض المسألة و معقد الإجماع المتقدم فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا و حينئذ فلا يحتاج إلي الاندار لأن الثمن و المثمن معلومان بالفرض و أخري يباع علي وجه التسعير بأن يقول بعتكه كل رطل بدرهم- فتجي‌ء مسألة الاندار للحاجة إلي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم و يمكن أن تحرر المسألة علي وجه آخر و هو أنه بعد ما علم وزن الظرف و المظروف و قلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا أي مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم و هل هو منوط بالمعتاد بين التجار و التراضي أو بغير ذلك. فالكلام في تعيين مقدار المندر لأجل إحراز شرط صحة بيع المظروف بعد قيام الإجماع علي عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير أو بإخبار البائع و إلي هذا الوجه ينظر بعض الأساطين حيث أناط مقدار المنذر بما لا يحصل معه غرر. و اعترض علي ما في القواعد و مثلها من اعتبار التراضي في جواز إندار ما يعلم زيادته بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا و تبعه في ذلك بعض أتباعه. و يمكن أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من المبيع علي جواز الاندار إذ علي الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا علي جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول لا علي جواز إندار مقدار معين إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن فتأمل. و كيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين فإن جماعة منهم كما عرفت من الفاضلين و غيرهما خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة- فلو كان الاندار لإحراز وزن المبيع و تصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا إذ لا معني لإيقاع العقد علي وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض. و قد صرح المحقق و الشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما و لا يخفي أنه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف سواء فرض زائدا أم ناقصا هذا مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة علي إندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا بل يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع مثلا لو كان المجموع عشرة أرطال و كان المعتاد إسقاط رطل للظرف فإذا تراضيا علي أن يندر للظرف رطلا فكأنه شرط للمشتري أن لا يحسب عليه رطلا و لو تراضيا علي إندار نصف رطل فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة أرطال و نصف ثمنا للتسعة فلا معني للاعتراض علي من قال في اعتبار التراضي في إندار ما علم زيادته أو نقيصته بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا و كيف كان فالظاهر هو الوجه الأول فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول كما عنون المسألة بذلك في اللمعة بل نسبه في الحدائق إليهم لا من حيث إندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد و التواطؤ علي إيقاع العقد علي الباقي بعد الاندار.
و ذكر المحقق الأردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة أن المراد أنه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد و لا أنقص بل و إن تفاوت لا يكون إلا بشي‌ء يسير متساهل به عادة ثم دفع ثمن الباقي مع الظرف إلي البائع انتهي. فظاهره الوجه الأول الذي ذكرناه حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف و جعل الاندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه. و في الحدائق في مقام الرد علي من ألحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها قال إن الاندار حق للمشتري لأنه قد اشتري مثلا مائة من من السمن في هذه الظروف فالواجب قيمة المائة المذكورة و له إسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن انتهي. و هذا الكلام و إن كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة إلا أن جعل الاندار حقا للمشتري و التمثيل بما ذكره لا يخلو من نظر فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في هذه الظروف لأن التعبير بهذا مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من فإن باعه بثمن معين فلا حاجة إلي الاندار و لا حق للمشتري و إن اشتراه علي
المكاسب، ج‌2، ص 207
وجه التسعير بقوله كل من بكذا فالإندار إنما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع علي المشتري من الثمن فكيف يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدث. و قد علم مما ذكرنا أن الاندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن إنما هو لتعيين حق البائع و ليس حقا للمشتري- . و أما الأخبار فمنها موثقة حنان قال: سمعت معمر الزيات قال لأبي عبد الله ع إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق فقال له إن كان يزيد و ينقص فلا بأس و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه قيل و ظاهره عدم اعتبار التراضي. أقول المفروض في السؤال هو التراضي لأن الحاسب هو البائع أو وكيله و هما مختاران و المحسوب له هو المشتري. و التحقيق أن مورد السؤال صحة الاندار من إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف أو مع ردها إلي البائع من دون وزن لها فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه فلا إطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي. و يؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة فإن النهي عنه ليس ارتكابه بغير تراض فافهم فحينئذ لا يعارضها ما دل علي صحة ذلك مع التراضي مثل رواية علي ابن أبي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله ع قال جعلت فداك نطرح ظروف السمن و الزيت كل ظرف كذا و كذا رطلا فربما زاد و ربما نقص قال إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس فإن الشرط فيه مسوق- لبيان كفاية التراضي في ذلك و عدم المانع منه شرعا فيشبه التراضي العلة التامة غير متوقفة علي شي‌ء و نحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه موسي ع: عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق فيقول ادفع للناسية رطلا أو أكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع قال إذا لم يعلم وزن الناسية و الجوالق فلا بأس إذا تراضيا. ثم إن قوله ع إن كان يزيد و ينقص في الرواية الأولي يحتمل أن يراد به الزيادة و النقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة بمعني زيادة مجموع ما أندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه أو بمعني أنه يزيد في بعض الزقاق و ينقص في بعض آخر أو أن يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض أخري النقيصة و هذا هو الذي فهمه في النهاية حيث اعتبر أن يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة و ينقص أخري و نحوه في الوسيلة. و يشهد للاحتمال الأول رجوع ضمير يزيد و ينقص إلي مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق و للثاني عطف النقيصة علي الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالها و للثالث ما ورد في بعض الروايات من أنه: ربما يشتري الطعام من أهل السفينة ثم يكيله فيزيد قال ع و ربما نقص قلت و ربما نقص قال فإذا نقص يردون عليكم قلت لا قال لا بأس. فيكون معني الرواية أنه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة و ناقصا أخري فلا بأس بما يحسب و إن بلغ ما بلغ و إن زاد دائما فلا يجوز إلا بهبة أو إبراء من الثمن أو مع التراضي بناء علي عدم توقف الشق الأول عليه و وقوع المحاسبة من السمسار بمقتضي العادة من غير اطلاع صاحب الزيت و كيف كان فالذي يقوي في النظر و هو المشهور بين المتأخرين جواز إندار ما يحتمل الزيادة و النقيصة لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشتري من الثمن لكن العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال و أما مع العلم بالزيادة أو النقيصة فإن كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها و لعله مراد من لم يقيده بالعلم و مع الجهل بها أو عدمها فلا يجوز إلا مع التراضي لسقوط حق من له الحق سواء تواطئا علي ذلك في متن العقد بأن قال بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم علي أن يسقط لكل ظرف كذا فهو هبة له أو تراضيا عليه بعده بإسقاط من الذمة أو هبة للعين هذا كله مع قطع النظر عن النصوص و أما مع ملاحظتها فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله
و كان الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب و حيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار واقعا بمعني عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة أو النقيصة علمنا بها كذلك فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به فإن تلك تحتاج إلي هبة جديدة و لا يكفي إقباضها من حيث كونها حقا للمشتري هذا كله مع تعارف إندار ذلك المقدار و عدم العلم بالزيادة و أما مع عدم أحد القيدين فمع الشك في الزيادة و النقيصة و عدم العادة يجوز الاندار لكن مراعي بعدم انكشاف أحد الأمرين و معها يجوز بناء علي انصراف العقد إليها لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد لأن هذا ليس من أفراد المطلق حتي ينصرف بكون العادة صارفة له ثم الظاهر أن الحكم المذكور- غير مختص بظروف السمن و الزيت بل يعم كل ظرف كما هو ظاهر معقد الإجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله و عبارة النهاية و الوسيلة و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله جميعا و تؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد لكن لا يبعد أن يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشي‌ء فيه و عدم تفريغه منه كقوارير الجلاب و العطريات لا مطلق الظرف اللغوي أعني الوعاء و يحتمل العموم و هو ضعيف. نعم يقوي تعدية الحكم إلي كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه كالشمع في الحلي المصنوعة من الذهب و الفضة و كذا المظروف الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من الدبس في الزقاق و أما تعدية الحكم إلي كل ما ضم إلي المبيع مما لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.

مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و إن لم يعلم إلا بوزن المجموع

مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و إن لم يعلم إلا بوزن المجموع
المكاسب، ج‌2، ص 208
علي المشهور بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة إلا ما أرسله في الروضة و نسبه في التذكرة إلي بعض العامة استنادا إلي أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم و الظرف لا يباع وزنا بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد و اختلاف قيمتهما فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا و الذي يقتضيه النظر أما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه فالقطع بالجواز منضما إذ لم يحصل من الانضمام مانع و لا ارتفع شرط و أما في غيره من أحد المنضمين الذين لا يكفي في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و ألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنها ألفي مثقال فإن الإقدام علي هذا البيع إقدام علي ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء و أما مع انتفاء الغرر الشخصي و انحصار المانع في النص الدال علي لزوم الاعتبار بالكيل و الوزن و الإجماع المنعقد علي بطلان البيع إذا كان المبيع المجهول المقدار في المكيل و الموزون فالقطع بالجواز لأن النص و الإجماع إنما دلا علي لزوم اعتبار العلم بالمبيع لا علي كل جزء منه و لو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشوة بالشمع و عدم جواز بيع الشمع كذلك فإن فرضنا الشمع تابعا لا تضر جهالته و إلا فلا ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور إحداها أن يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا فيسقط الثمن علي قيمتي كل من المظروف و الظرف لو احتيج إلي التقسيط فإذا قيل قيمة الظرف درهم و قيمة المظروف تسعة كان للظرف عشر الثمن. الثانية أن يبيعه مع ظرفه بكذا علي أن كل رطل من المظروف بكذا فيحتاج إلي إندار مقدار للظرف و تكون قيمة المظروف ما بقي بعد ذلك و هذا في معني بيع كل منهما منفردا. الثالثة أن يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي أن يكون التسعير للظرف و المظروف و طريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك أن يوزن الظرف منفردا و ينسب إلي الجملة و يؤخذ له من الثمن بتلك النسبة و تبعه علي هذا غير واحد و مقتضاه أنه لو كان الظرف رطلين و المجموع عشرة أخذ له خمس الثمن و الوجه في ذلك ملاحظة الظرف و المظروف شيئا واحدا حتي أنه يجوز أن يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه من المظروف فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف لأنه إذا باع كل رطل من الظرف و المظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم علي الرطل و المظروف بحسب قيمة مثلهما فإذا كانت قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه مساوية لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود فكيف يقسط الثمن عليه أخماسا.

[تنبيهات البيع

مسألة [المعروف استحباب التفقه في مسائل التجارات

المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده و يسلم من الربا. و عن إيضاح النافع أنه قد يجب و هو ظاهر عبارة الحدائق أيضا و كلام المفيد رحمه الله في المقنعة أيضا لا يأبي الوجوب لأنه بعد ذكر قوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و قوله تعالي أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال فندب إلي الإنفاق من طيب الاكتساب و نهي عن طلب الخبيث للمعيشة و الإنفاق فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب و الحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال و لا كان علي ثقة تفقه من طيب الاكتساب و قال تعالي أيضا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله و حرم من المتاجر و الاكتساب و جاءت الرواية عن أمير المؤمنين ع أنه كان يقول: من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم قال قال الصادق ع: من أراد التجارة فلينفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات انتهي. أقول ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب إلا أن تعبيره بلفظ ينبغي ربما يدعي ظهوره في الاستحباب. إلا أن الإنصاف أن ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة فإن معرفة الحلال و الحرام واجبة علي كل أحد بالنظر إلي ما يبتلي به من الأمور و ليست معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا و دفعة بل عند الالتفات إلي احتمال الحرمة في فعل يريد أن يفعله أو عند إرادة الإقدام علي أفعال يعلم بوجود الحرام بينها فإنه معاقب علي ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم و إن لم يلتفت عند فعله إلي احتمال تحريمه فإن التفاته السابق و علمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها من الأفعال من الحرام كاف في حسن العقاب و إلا لم يعاقب أكثر الجهال علي أكثر المحرمات لأنهم يفعلونها و هم غير ملتفتين إلي احتمال حرمتها عند الارتكاب و لذا أجمعنا علي أن الكفار يعاقبون علي الفروع. و قد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الأخبار ثم لو قلنا بعدم العقاب علي فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من غير شعور كما هو ظاهر جماعة تبعا للأردبيلي رحمه الله من عدم العقاب علي الحرام المجهول حرمته عن تقصير لقبح خطاب الغافل فيقبح عقابه لكن وجوب تحصيل العلم و إزالة الجهل واجب علي هذا القول كما اعترفوا به. و الحاصل أن التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا علي فعل الحرام و لا علي ترك التعلم إلا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلي احتمال تحريمه لا يوجد له وجه بعد ثبوت أدلة التحريم و وجوب طلب العلم علي كل مسلم و عدم تقبيح عقاب من التفت إلي وجود الحرام من أفراد البيع التي يزاولها تدريجا علي ارتكاب الحرام في هذا الأثناء و إن لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام ثم إن المقام يزيد علي غيره بأن الأصل في المعاملات الفساد فالمكلف إذا أراد التجارة و بني علي التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس علي وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الإقدام علي كل تصرف منها بمقتضي أصالة عدم انتقالها إليه إلا مع العلم بإمضاء الشارع لتلك المعاملة و يمكن أن يكون في قوله ع:
المكاسب، ج‌2، ص 209
التاجر فاجر و الفاجر في النار إلا من أخذ الحق و أعطي الحق إشارة إلي هذا المعني بناء علي أن الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق و أخذ الحق فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي لنهي الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه بناء علي أصالة عدم انتقاله إليه و في غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا يقع في الحرام و كيف كان فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر بل الأولي وجوبه عليه عقلا و شرعا و إن كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط و يمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع علي مسائل الربا الدقيقة و المعاملات الفاسدة كذلك و يطلع علي موارد الشبهة و المعاملات غير الواضحة الصحة فيجتنب عنها في العمل فإن قدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوي لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات. و يشهد للغاية الأولي قوله ع في مقام تعليل وجوب التفقه: إن الربا أخفي من دبيب النملة علي الصفا. و للغاية الثانية قول الصادق ع في الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات لكن ظاهر صدره الوجوب فلاحظ. و قد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد و لا يخلو عن وجه في مقام التوجيه ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا الجامعة بين أكل المال بالباطل و ارتكاب الموبقة الكذائية لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد بل يكفي فيه التقليد الصحيح فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا و أدلة تحصيل المعاش. نعم ربما أورد في هذا المقام و إن كان خارجا عنه التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات و أنواع المعاملات المتوقف علي الاجتهاد و بين أدلة طلب الاكتساب و الاشتغال في تحصيل المال لأجل الإنفاق علي من ينبغي أن ينفق عليه و ترك إلقاء كله علي الناس الموجب لاستحقاق اللعن فإن الأخبار من الطرفين كثيرة يكفي في طلب الاكتساب ما ورد من أن أمير المؤمنين ع قال: أوحي الله تعالي إلي داود يا داود إنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا [قال فبكي [داود] ع أربعين صباحا [فأوحي الله إلي الحديد أن لن لعبدي داود] فألان الله عز و جل له الحديد فكان يعمل [في كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها و استغني عن بيت المال إلي آخر الحديث و ما أرسله في الفقيه عن الصادق ع: ليس منا من ترك دنياه لآخرته أو آخرته لدنياه: العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال. و أما الأخبار في طلب العلم و فضله فهي أكثر من أن تذكر و أوضح من أن تحتاج إلي الذكر و ذكر في الحدائق أن الجمع بينهما بأحد الوجهين. أحدهما و هو الأظهر بين علمائنا تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم و يقال بوجوب ذلك علي غير طالب العلم المستقل تحصيله و استفادته و تعليمه و إفادته قال و بهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة بمنية المريد في آداب المفيد و المستفيد حيث قال في جملة شرائط العلم و أن يتوكل علي الله و يفوض أمره إليه و لا يعتمد علي الأسباب فيتوكل عليها فيكون وبالا عليه و لا علي أحد من خلق الله تعالي بل يلقي مقاليد أمره إلي الله تعالي يظهر له من نفحات قدسه و لحظات أنسه ما به يحصل به مطلوبه و يصلح به مراده. و قد ورد في الحديث عن النبي ص: قد تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره بمعني أن غيره محتاج إلي السعي علي الرزق حتي يحصل له و طالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب و كفاه مئونة الرزق إن أحسن النية و أخلص القربة و عندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته لا يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالي و جميل ما اشتغلت بالعلم و هو مبادي العشر الثلاثين و تسعمائة إلي يومنا هذا و هو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث و خمسين و تسعمائة و بالجملة ليس الخبر كالعيان. و روي شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناد إلي الحسين ابن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك فقلت فلانا فقال إذا و الله لا تسعف بحاجتك و لا تبلغ أملك و لا تنجح طلبتك قلت و ما علمك رحمك الله قال إن أبا عبد الله
ع حدثني أنه قرأ في بعض الكتب أن الله تبارك و تعالي يقول و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي علي عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل من الناس غيري باليأس و لأكسونه ثوب المذلة عند الناس و لأنحينه من قربي و لأبعدنه من فضلي أ يؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع بالفكر باب غيري و بيدي مفاتيح الأبواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها و من ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي و ملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي و أمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا بقولي أ لم يعلم أن من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني فما لي أراه لاهيا عني أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده و سأل غيري أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلي أ بخيل أنا فيبخلني عبدي أ و ليس الجود و الكرم لي أ و ليس العفو و الرحمة بيدي أ و ليس أنا محل الآمال فمن يقطعها دوني أ فلا يخشي المؤملون أن يؤملوا غيري فلو أن أهل سماواتي و أهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة و كيف ينقص ملك أنا قيمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي و يا بؤسا لمن عصاني و لم يراقبني انتهي الحديث الشريف و انتهي كلام شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله. قال في الحدائق و يدل علي ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلي أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول: أيها الناس اعلموا إن كمال الدين طلب العلم و العمل به ألا و إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه لكم و سيفي لكم و العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه إلي آخر الخبر. قال و يؤكد ما رواه في الكافي بسنده
المكاسب، ج‌2، ص 210
عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: يقول الله عز و جل و عزتي و جلالي و عظمتي و كبريائي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني [لا يؤثر عبد هواه علي هواي إلا شتت عليه أمره و لبست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم أوته منها إلا ما قدرت له و عزتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السماوات و الأرض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و أتته الدنيا و هي راغمة إلي آخر الحديث انتهي كلامه.
و أنت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد الثاني رحمه الله و ما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلة الطرفين لأن ما ذكر من التوكل علي الله و عدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب و لذا كان أمير المؤمنين ص و علي أخيه و زوجته و ولديه و ذريته جامعا بين أعلي مراتب التوكل و أشد مشاق الاكتساب و هو الاستقاء لحائط اليهودي. و ليس الشهيد أيضا في مقام إن طلب العلم أفضل من التكسب و إن كان أفضل بل في مقام إن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين و الحاصلة من الموقوفات للمدارس و أهل العلم و الموجودة الحاصلة غالبا للعلماء و المشتغلين من معاشرة السلطان و أتباعه و المراودة مع التجار و الأغنياء و العلماء الذين لا ينتفع منهم إلا بما في أيديهم من وجوه الزكوات و رد المظالم و الأخماس و شبه ذلك كما كان متعارفا في ذاك الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها. و بالجملة فلا شهادة فيما ذكره من كلام الشهيد الثاني رحمه الله من أوله إلي آخره و ما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور أعني تخصيص أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم ثم إنه لا إشكال في أن كلا من طلب العلم و طلب الرزق ينقسم إلي الأحكام الأربعة أو الخمسة و لا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب و لا الواجب الكفائي الواجب العيني و لا إشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين المعينين مقدم علي غيره و كذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به و قد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم فيجب أو يستحب مقدمة 287 بقي الكلام في المستحب من الأمرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما و لا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المترتبة علي الأمرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلا شي‌ء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة و يترتب علي اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة منها تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه علي وجه الصلة أو الصدقة الواجبة و المستحبة فيحصل بذلك ثواب الصدقة و ثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة علي تحصيل العلم و رب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا إشكال في أن اشتغاله بالعلم و الأكل من وجوه الصدقات أرجح. و ما ذكر من حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي‌ء من وظائف النبوة و الرئاسة العلمية. و بالجملة فطلب كل من العلم و الرزق إذا لوحظ المستحب منهما من حيث النفع العائد إلي نفس الطالب كان طلب العلم أرجح و إذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلي الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل فتثبت من ذلك كله أن تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم غير الواجبين مع المسير إلي الحج المستحب أو إلي مشاهد الأئمة [صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين أو مع السعي في قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال إلي غير ذلك مما لا يحصي.

مسألة لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية و اختلفوا في حرمته و كراهته.

فعن التقي و القاضي و الحلي و العلامة في المنتهي الحرمة و هو المحكي عن ظاهر الدروس و حواشي المحقق الثاني و عن الشيخ و ابن زهرة لا يجوز و أول في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة و هي أي الكراهة مذهب الأكثر بل عن إيضاح النافع أن الشيخ ادعي الإجماع علي عدم التحريم و عن نهاية الأحكام تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا و ليس حراما إجماعا. و مستند التحريم ظواهر الأخبار. منها عن منهال القصاب قال قال أبو عبد الله ع: لا تلق فإن رسول الله ص نهي عن التلقي قال و ما حد التلقي قال ما دون غدوة أو روحه قلت و كم الغدوة و الروحة قال أربعة فراسخ قال ابن أبي عمير و ما فوق ذلك فليس بتلق و في خبر عروة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: لا يتلقي أحدكم تجارة خارجا من المصر و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض و في رواية أخري: لا تلق و لا تشتر ما تلقي و لا تأكل منه. و ظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة فيكون أكلا بالباطل و لم يقل به إلا الإسكافي. و عن ظاهر المنتهي الاتفاق علي خلافه فتكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الأصحاب فتقصر عن إفادة الحرمة و الفساد. نعم لا بأس بحملها علي الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل مما يشتري من المتلقي و لا بأس به حسما لمادة التلقي. و مما ذكرنا يعلم أن النهي في سائر الأخبار أيضا محمول علي الكراهة لموافقته للأصل مع ضعف الخبر و مخالفته للمشهور ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ كما في كلام بعض و الظاهر أن مرادهم خروج الحد عن المحدود لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا كان أربعة فراسخ و قد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه. و روي أن حد التلقي روحه فإذا صار إلي أربعة فراسخ فهو جلب فإن الجمع بين صدرها و ذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج الحد عن المحدود كما أن ما في الرواية السابقة أن حده ما دون غدوة أو روحه محمول علي دخول الحد في المحدود لكن قال في المنتهي حد علماؤنا التلقي بأربعة فراسخ فكرهوا التلقي إلي ذلك الحد فإن زاد علي ذلك كان تجارة و جلبا و هو ظاهر لأن بمضيه و رجوعه يكون مسافرا يجب عليه القصر فيكون سفرا حقيقيا إلي أن قال و لا يعرف بين علمائنا خلاف فيه انتهي. و التعليل بحصول السفر الحقيقي يدل علي مسامحة في التعبير و لعل الوجه في التحديد بالأربعة أن الوصول علي الأربعة
المكاسب، ج‌2، ص 211
بلا زيادة و لا نقيصة نادر فلا يصلح أن يكون ضابطا لرفع الكراهة إذ لا يقال إنه وصل إلي الأربعة إذا تجاوز عنها و لو يسيرا فالظاهر أنه لا إشكال في أصل الحكم و إن وقع اختلاف في التعبير في النصوص و الفتاوي ثم إنه لا إشكال في اعتبار القصد إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي فلو تلقي الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم و كذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي فلا يكره لغرض آخر و لو اتفقت المعاملة قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد. و فيه أنه مبني علي عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير فيحتمل أن تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ادخاره عن أعين الناس و بيعه تدريجا بخلاف ما إذا أتي الركب و طرحوا أمتعتهم في الخانات و الأسواق فإن له أثرا بينا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء في وقت الغلاء إذا أتي بالطعام و كيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة ثم إنه لا فرق بين أخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما. نعم لا بأس باستيهابهم و لو بإهداء شي‌ء إليهم و لو تلقاهم لمعاملات أخر غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية. نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله ص: المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض قوي سراية الحكم إلي بيع شي‌ء منهم و إيجارهم المساكن و الخانات كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل كما يدل عليه النبوي العامي: لا تلقوا الجلب فمن تلقي و اشتري منه فإذا أتي السوق فهو بالخيار قوي سراية الحكم إلي كل معاملة توجب غبنهم كالبيع و الشراء منهم متلقيا و شبه ذلك لكن الأظهر هو الأول و كيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر و ثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار. و قد يحكي عن الحلي ثبوت الخيار و إن لم يكن غبن و لعله لإطلاق النبوي المتقدم المحمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة و اختلفوا في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي علي قولين سيجي‌ء ذكر الأقوي منهما في مسألة خيار الغبن إن شاء الله.

مسألة يحرم النجش علي المشهور

كما في الحدائق بل عن المنتهي و جامع المقاصد أنه محرم إجماعا لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد ص و في النبوي المحكي عن معاني الأخبار: لا تناجشوا و لا تدابروا قال و معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها و لكن ليسمعه غيره فيزيد لزيادته و الناجش الخائن. و [أما] التدابر [فالمصارمة و] الهجران [مأخوذ من أن يولي الرجل صاحبه دبره و يعرض عنه بوجهه انتهي كلام الصدوق. و الظاهر أن المراد بزيادة الناجش مؤاطاة البائع المنجوش له.

مسألة إذا دفع إنسان إلي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية علي ذلك المال من دون الدافع كما الإمام أورد المظالم المدفوع إلي الحاكم فله صور إحداها أن تظهر قرينة علي عدم جواز رضاه بالأخذ منه كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده و لا إشكال في عدم الجواز لحرمة التصرف في مال الناس علي غير الوجه المأذون فيه الثانية أن تظهر قرينة حالية أو مقالية علي جواز أخذه منه مقدارا مساويا لما يدفع إلي غيره أو أنقص أو أزيد و لا إشكال في الجواز حينئذ إلا أنه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلي الأصناف المختلفة كأن عين للمجتهدين مقدارا و للمشتغلين مقدارا و اعتقد الدافع عنوانا يخالف معتقد المدفوع إليه. و التحقيق هذا مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية كأن يقول ادفع إلي كل مشتغل كذا و إلي كل مجتهد كذا و خذ أنت ما يخصك و إن كان علي وجه الداعي بأن كان الصنف داعيا إلي تعيين ذلك المقدار كان المتبع اعتقاد الدافع لأن الداعي إنما يتفرع علي الاعتقاد لا الواقع. الثالثة أن لا تقوم قرينة علي أحد الأمرين و يطلق المتكلم و قد اختلف كلماتهم فيها بل كلمات واحد منهم فالمحكي عن وكالة المبسوط و زكاة السرائر [و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المسالك و الكفاية] و مكاسب النافع و كشف الرموز و المختلف و التذكرة و جامع المقاصد تحريم الأخذ مطلقا و عن النهاية و مكاسب السرائر و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المسالك و الكفاية أنه يجوز له الأخذ منه إن أطلق من دون زيادة علي غيره و نسبه في الدروس إلي الأكثر و في الحدائق إلي المشهور و في المسالك هكذا شرط كل من سوغ له الأخذ و عن نهاية الأحكام و التنقيح و المهذب البارع و المقنعة الاقتصار علي نقل القولين و عن المهذب البارع حكاية التفصيل بالجواز إن كانت الصيغة بلفظ ضعه فيهم أو ما أدي معناه و المنع إن كانت بلفظ ادفعه و عن التنقيح عن بعض الفضلاء أنه إن قال هو للفقراء جاز و إن قال أعطه للفقراء فإن علم فقره لم يجز إذ لو أراده لخصه و إن لم يعلم جاز. احتج القائل بالتحريم مضافا إلي ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم المؤيد بما قالوه فمن وكلته امرأة أن يزوجها من شخص فزوجها من نفسه أو وكله في شراء شي‌ء فأعطاه من عنده بمصححة ابن الحجاج المسندة في التحرير إلي مولانا الصادق ع و إن أضمرت في غيره قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه و احتج المجوزون بأن العنوان المدفوع إليه شامل له و الفرض الدفع إلي هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية في الغير و اللفظ و إن سلم عدم شموله له لغة إلا أن المنساق عرفا صرفه إلي كل من اتصف بهذا العنوان فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز. نعم لو كان المدفوع إليهم أشخاصا خاصة و كان الداعي علي الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور و الرواية معارضة بروايات أخر مثل ما في الكافي في الصحيح عن سعد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا قال نعم و عن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم [عن أبي إبراهيم ع : في رجل أعطي مالا يفرقه فيمن يحل له أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له قال يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره و صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن ع
المكاسب، ج‌2، ص 212
عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة قال لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره و لا يجوز له أن يأخذ- إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه و الذي ينبغي أن يقال أما من حيث دلالة اللفظ الدال علي الإذن في الدفع و الصرف فإن المتبع الظهور العرفي و إن كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره كما أن الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم علي الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد من تلك القرائن ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد فالأولي حمل الأخبار المجوزة علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر و حمل الصحيحة السابقة المانعة علي ما إذا لم يعلم الأمر فقر المأمور فأمره بالدفع إلي مساكين علي وجه تكون المسكنة داعية إلي الدفع لا موضوعا و لما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع علي الرضا بوصول شي‌ء من المال إليه ثم علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع إلي ظاهر اللفظ لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي و لو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلي المنع إذ لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن من المالك أو الشارع.

مسألة احتكار الطعام

اشارة

و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته. و قد اختلف في حرمته فعن المبسوط و المقنعة و الحلبي في كتاب المكاسب و الشرائع و المختلف الكراهة و عن كتب الصدوق و الاستبصار و السرائر و القاضي و التذكرة و التحرير و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و الروضة التحريم. و عن التنقيح و الميسية تقويته.
و هو الأقوي بشرط عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم الحناط قال: قال لي أبو عبد الله ع ما عملك قلت حناط و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست قال فما يقول من قبلك فيه قلت يقولون محتكر فقال يبيعه أحد غيرك قلت ما أبيع أنا من ألف جزء جزء قال لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي ص فقال له يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر فإن الظاهر منها أن عليه عدم البأس وجود الباذل فلولاه حرم. و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع: أنه سئل عن الحكرة فقال إنما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعام أو متاع يباع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل و زاد في الصحيحة المحكية عن الكافي و التهذيب قال: و سألته عن الزيت فقال إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه و عن أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة: في كتابه إلي مالك الأشتر فامنع من الاحتكار فإن رسول الله ص منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا نجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به و عاقبة في غير إسراف و صحيحة الحلبي قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك قال إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام فإن الكراهة في كلامهم ع و إن كانت تستعمل في المكروه و الحرام إلا أن في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل علي كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي إرادة التحريم و حملها علي تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفي. و إن شئت قلت إن المراد بالبأس في الشرطية الأولي التحريم لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها و يؤيد التحريم ما عن المجالس بسنده عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: أيما رجل اشتري طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به غلاء للمسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع و في السند بعض بني فضال و الظاهر أن الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري ع عند سؤاله عنها: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند. و قد ذكرنا أن هذا الحديث أولي بالدلالة علي عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادعاه الكشي علي تصحيح ما يصح عن جماعة. و يؤيده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام أنه أرسل عن النبي ص عن جبرائيل ع قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت يا مالك لمن هذا فقال لثلاثة المحتكرين و المدمنين الخمر و القوادين. و مما يؤيد التحريم ما دل علي وجوب البيع عليه فإن إلزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الإلزام علي ترك المكروه خلاف الظاهر و خلاف قاعدة سلطنة الناس مسلطون علي أموالهم-

ثم إن كشف الإبهام عن أطراف المسألة إنما يتم ببيان أمور

الأول في مورد الاحتكار

فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة و بعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام. و في رواية غياث بن إبراهيم: ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن.
و عن الفقيه زيادة الزيت. و قد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا. و في المحكي عن قرب الإسناد برواية أبي البختري عن علي ع قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و عن الخصال في رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه ع عن النبي ص قال: الحكرة في ستة أشياء في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن و الزبيب ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا. و عن كشف الرموز و ظاهر السرائر دعوي الاتفاق عليه و عن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه و أما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الأخبار. و لذا اختاره الصدوق و العلامة في التحرير حيث ذكر أن به رواية حسنة و الشهيدان و المحقق الثاني. و عن الإيضاح أن عليه الفتوي و أما الملح فقد ألحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الأحكام و الدروس و المسالك و لعله لفحوي التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس إليه.

الثاني [ما هو حد الاحتكار]

روي السكوني عن أبي عبد الله ع: أن الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الغلاء و الشدة ثلاثة أيام فما زاد علي الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون و ما زاد علي ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون و يؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة.
المكاسب، ج‌2، ص 213
و حكي عن الشيخ و محكي القاضي و الوسيلة العمل بها. و في الدروس أن الأظهر تحريمه مع حاجة الناس و مظنتها الزيادة علي ثلاثة أيام في الغلاء و أربعين في الرخص للرواية انتهي. و أما تحديده بحاجة الناس فهو حسن كما عن المقنعة و غيرها و يظهر من الأخبار المتقدمة. و أما ما ذكره من حمل رواية السكوني عن بيان مظنة الحاجة فهو جيد و منه يظهر عدم دلالتها علي التحديد بالعددين تعبدا.

الثالث [عدم حصر الاحتكار في شراء الطعام بل مطلق جمعه و حبسه

مقتضي ما في صحيحة الحلبي المتقدمة في بادئ النظر حصر الاحتكار في شراء الطعام لكن الأقوي التعميم بقرينة تفريع قوله ع فإن كان في المصر طعام و يؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه سواء أ كان بالاشتراء أم بالزرع أو الحصاد أو الإحراز إلا أن يراد جمعه في ملكه و يؤيد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بأن يترك الناس ليس لهم طعام و عليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوبا له أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة و بقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحسبه متربصا للغلاء.

الرابع أقسام حبس الطعام

كثيرة لأن الشخص إما أن يكون قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر أو حصل له من دون تحصيل له و الحبس إما أن يراد منه نفس تقليل الطعام إضرارا بالناس في أنفسهم أو يريد به الغلاء و هو إضرارهم من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله و إن حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به أهل البلد كما قد يتفق ورود عسكر أو زوار في البلاد و توقفهم يومين أو ثلاثة أيام فتحدث للطعام عزة لا تضر بأكثر أهل البلد و قد يريد بالحبس لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخر هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه و قد يحبس انتظارا لأيام الغلاء من دون حصول الغلاء بحبسه بل لقلة الطعام في آخر السنة أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ثم حبسه لانتظار أيام الغلاء قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال و قد يكون لحب إعانة المضطرين و لو بالبيع عليهم و الإرفاق بهم ثم حاجة الناس قد تكون لأكلهم و قد تكون للبذر أو لعلف الدواب أو للاسترباح بالثمن. و عليك باستخراج هذه الأقسام و تمييز المباح و المكروه و المستحب من الحرام.

الخامس الظاهر عدم الخلاف كما قيل في إجبار المحتكر علي البيع

حتي علي القول بالكراهة بل عن المهذب البارع الإجماع عليه.
و عن التنقيح كما في الحدائق عدم الخلاف فيه و هو الدليل المخرج عن قاعدة عدم جواز الإجبار لغير الواجب و لذا ذكرنا أن ظاهر أدلة الإجبار تدل علي التحريم لأن إلزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم لا يسعر عليه إجماعا كما عن السرائر و زاد وجود الأخبار المتواترة و عن المبسوط عدم الخلاف فيه لكن عن المقنعة أنه يسعر عليه بما يراه الحاكم و عن جماعة منهم العلامة و ولده و الشهيد أنه يسعر عليه إن أجحف بالثمن لنفي الضرر و عن الميسي و الشهيد الثاني أنه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهي عن التسعير و الجبر بنفي الإضرار.

خاتمة و من أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه.

ففي مرسلة ابن فضال عن رجل عن أبي عبد الله ع: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها و لكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بد للمؤمن منه إن الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا لا مال لهم و في صحيحة الثمالي عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص في حجة الوداع: ألا أن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتي تستكمل رزقها فاتقوا الله عز و جل و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شي‌ء من الرزق أن تطلبوه بشي‌ء من معصية الله فإن الله تبارك و تعالي قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما فمن اتقي الله عز و جل و صبر آتاه الله برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة. و عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أن الله عز و جل لم يجعل للعبد و إن اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت مكابدته أن يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم و لم يحل من العبد في ضعفه و قلة حيلته أن يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم أيها الناس إنه لن يزداد امرأ نقيرا بحذقه و لم ينتقص امرأ نقيرا لحمقه فالعالم لهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته و العالم لهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته و رب منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه و رب مغرور في الناس مصنوع له فأفق أيها الساعي من سعيك و قصر من عجلتك و انتبه من سنة غفلتك و تفكر فيما جاء عن الله عز و جل علي لسان نبيه ص و عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن الله عز و جل وسع في أرزاق الحمقي ليعتبر العقلاء و يعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة و في مرفوعة سهل بن زياد أنه قال قال أمير المؤمنين ع: كم من متعب نفسه مقتر عليه و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير و في رواية علي بن عبد العزيز قال: قال لي أبو عبد الله ع ما فعل عمر بن مسلم قلت جعلت فداك أقبل علي العبادة و ترك التجارة فقال ويحه أ ما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له إن قوما من أصحاب رسول الله ص لما نزلت وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أغلقوا الأبواب و أقبلوا علي العبادة و قالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي ص فأرسل إليهم فقال ما حملكم علي ما صنعتم قالوا يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا علي العبادة فقال إنه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب و قد تقدم في رواية أنه: ليس منا من ترك آخرته لدنياه و لا من ترك دنياه لآخرته.
و تقدم أيضا حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام و علي جميع أنبيائه الصلاة و السلام. بعد الحمد لله الملك العلام علي ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة و كتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص و العام
المكاسب، ج‌3، ص 214

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.