خلفيات مأساه الزهراء (المجلد 5)

اشارة

نويسنده : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

ناشر : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

موضوع : حضرت فاطمه زهرا (س)

اهل الكتاب و كتبهم و أعداء الله

اهل الكتاب والتوحيد

بداية

إننا نذكر هنا نبذة من مقولات البعض التي ذكرها في كتبه ونشراته ومؤلفاته لكي نكون قد قمنا بواجبنا، وليعرف الجميع: أننا حين كتبنا كتابنا: (مأساة الزهراء) لم يكن الدافع لنا هو مجرد الانفعال والتعصب لقضية تاريخية، هامشية (!) أخطأ فيها من أخطأ، وأصاب فيها من أصاب.. كما يقوله البعض ويروّج له آخرون. فإن نقاشنا مع صاحب هذه المقولات لا ينحصر في هذه القضية، بل يتعداها إلي ما هو أعظم وأكبر، وأدهي وأخطر..

ونذكر هنا نماذج من مقولاته مما يرتبط بموضوع: التوحيد وأهل الكتاب.

وسوف يجد القارئ الكريم أمامه مصادر ذلك كله مع ذكر رقم الجزء والصفحة، ليتمكن من الرجوع بنفسه إليها، من أجل الوقوف عليها... وإذا أراد المزيد فسيجد في كتب ذلك البعض ما يريد. والموارد التي اخترناها هي التالية:

الإسلام يلتزم مقدسات أهل الكتاب.

وفي محاولة لتقديم إغراءات، هي في الحقيقة عبارة عن تنازلات، نجد البعض يقول:

"إن المسلمين عندما يطلقون المسألة الإسلامية للجمهورية الإسلامية في أي مكان فانهم ينطلقون من الخط القرآني الذي يعترف بأهل الكتاب، ويدعو أهل الكتاب إلي كلمة سواء، ويلتزم مقدسات أهل الكتاب ولا يلغيهم".

وقفة قصيرة

ونقول:

هل يلتزم الإسلام بثالوث أهل الكتاب أم يقبل بإنجيلهم، وتوراتهم؟ أم بكنائسهم وبيعهم؟ أم بغير ذلك مما يظنون قداسته كما هو ظاهر كلامه؟

أما قوله تعالي: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله). فلا يعني أنه يقول عنهم: إنهم موحّدون. كما يزعم هذا البعض بل هو يدعوهم إلي قبول هذا التوحيد فلا يعبدوا غير الله، ولا يشركوا به عيسي ولا غيره.. وقد صرّح القرآن بمقولتهم هذه كما سيأتي..

الثالوث المسيحي لا إشكال فيه.

وينقل المطران إلياس

عودة في مقدمة كتاب: تحدي الممنوع عن ذلك البعض قوله:

".. وهو لا يتردد في الإشارة إلي الفرق بين المعني الظاهري لعقيدة الثالوث المسيحية، وهو الذي يثير التساؤلات والمعني اللاهوتي والعميق لها" [1] .

وقفة قصيرة

إن كتاب (تحدي الممنوع) يتبناه ذلك البعض ويلتزم به، وقد وضع كلام المطران عودة في مقدمته، وقد أسند المطران هذا الكلام إلي ذلك البعض ولم يعترض عليه.

إذن فالمعني اللاهوتي العميق للثالوث لا يثير التساؤلات... وليس فيه إشكال!! مع أن الله سبحانه قد قال: (لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة)!!!

(أهل الكتاب) ليسوا كفارا بالمصطلح القرآني.

التوحيد الإيماني لأهل الكتاب.

ثم إن ذلك البعض يقول عن كتاب تحدي الممنوع _ الذي يعتبر نفسه مسئولا عنه:

"إذا كان هناك شخص يترجم الكتاب إلي الإنكليزية، فنحن مستعدون لإجازته في ذلك" [5] .

ثم نجد المطران إلياس عودة يقول في مقدمة الكتاب عن النص القرآني فيما يتصل بأهل الكتاب إنه:

"محكم من حيث تمييزه بينهم وبين الكفار، ومن حيث عدم نفيه للتوحيد الإيماني عندهم، إن القرآن لا ينفي التوحيد الإيماني عن المسيحيين، ويعتبر أهل الكتاب عنصرا آخر غير المشركين" [5] .

ويقول البعض:

"المسلمون يعتبرون أن المسيحيين يكفرون، باعتبار أنهم يكفرون برسول الله (ص)، ويكفرون بالقرآن، ليس المراد الكفر بالله.

فالقرآن أكد أن المسيحيين يلتقون مع المسلمين في توحيد الله (وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).

فالمسلم لا يعتبر المسيحي كافرا في مسألة الإيمان بالله، وإن كان يناقشه في تفاصيل هذا الإيمان" [5] .

ويقول:

"ليس معني أن القرآن يقول عن أهل الكتاب إنهم كافرون: أنه الكفر الذي يخرجهم عن الإيمان بالله، وعن توحيده، ولكن

معناه الكفر بالرسول" [5] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ قد تحدث القرآن عن كفر النصاري في قوله تعالي: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) [11] .

ويقول سبحانه: (يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ورسوله وما أنزل إلينا..) [12] .

وقال تعالي: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذاب اليم، أفلا يتوبون إلي الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام، أنظر كيف نبيّن لهم الآيات ثم انظر أني يؤفكون قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّا ولا نفعا والله هو السميع العليم ق_ل يا أه_ل الكت_اب لا تغلوا في دينك_م غير الحق..) [13] .

وقال عز وجل: (وإذ قال الله يا عيسي بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله) [9] .

وقال سبحانه: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنّي يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [10] .

فظهر من الآيات السابقة أن القرآن يعتبر النصاري كفارا بل ومشركين أيضا. لا من حيث كفرهم بالرسول وحسب، وإنما لما يعتقدونه في الألوهية أيضا..

2 _ أما قوله تعالي: (قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا

وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد) فإما هو ناظر لأولئك الذين بقوا علي شريعة عيسي عليه السلام، لأن ما يؤمن به المسلمون ليس هو ما عليه المسيحيون بالفعل، وإنما هو ما أنزله الله حقيقة علي عيسي(ع).

وإما أن يراد به تقرير الحقيقة التي أكّدها الإسلام، من وجهة نظر الإسلام الذي لا يحكي إلاّ الواقع، وإلاّ الحقيقة.

3 _ أما ما نقله عنه المطران إلياس عودة من أن القرآن لا يعتبر أهل الشرك كفارا، فهو لا يصح أيضا، وذلك لما ذكرناه من الآيات الصريحة في كفرهم. هذا بالإضافة إلي قوله تعالي: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتي تأتيهم البينة).

فقد حكم الله سبحانه علي أهل الكتاب كلهم بالكفر، لأن كلمة (من) هنا بيانية لا تبعيضية، إذ لو كانت تبعيضية لكان عليه أن يقول: (والمشركون) _ بالرفع _ إذ إن جرّها يقتضي أن يكون بكلمة (من) المقدرة، فهل يلتزم بأن يكون بعض المشركين مؤمنين؟!.

التثليث شرك فلسفي وليس شركا ً إيمانيا.

الشرك الفلسفي والشرك المباشر.

تجسد الله كتجسد الكلمة في كتاب.

كفر أهل الكتاب ككفر بعض المسلمين بالمعني العميق.

ثم هو يعتبر تثليث الأقانيم مسألة فلسفية تتحرك في دائرة فهم سر الله، وهذه محاولة للتقليل من بشاعة هذا الأمر وغرابته إسلاميا، فيقول:

"إن مسألة تثليث الأقانيم هي مسألة فلسفية تتحرك في دائرة فهم سر الله، وفهم شخصية الخالق. ربما كانت هناك أفكار تتحدث عن ابن بالتجسد، وأب بالتجسد، ولكن الفكرة الموجودة في أغلب التفكير المسيحي هي أن المسألة ليست مسألة تجسد كما هو التجسد الإنساني عندما يكون هناك ابن منفصل عن أب، ولكنه تماما كما هي الكلمة عندما تتجسد في كتاب، قد تتجسد في

شخص" [11] .

فالثالوث بذلك قد أصبح أقل غرابة وخطأ مما قد يتصوره الناس، بل لم يعد فيه أي إشكال، فلم يعد ثمة حرج من الجهر بالقول:

إن القرآن حين تحدث عن كفر النصاري، فإنما تحدث عنه باعتباره:

"كفرا فلسفيا في التفاصيل بلحاظ الصفات تماما كما هو الرأي الكلامي، أو الفقهي الذي يري المجسمة في الدائرة الإسلامية كافرين بالمعني العميق. وهذا هو ما تحرك فيه الجدل الكلامي بين القائلين بخلق القرآن، والقائلين بقدمه" [12] .

وفي مورد آخر يقول:

"إن الإسلام اعتبر الكلمة السواء التي تجمعهم بالمسلمين تمثل عبادة الله الواحد، ورفض اعتبار الإنسان ربا للإنسان.

ويختلف معهم في اعتبار المسيح تجسيدا له؛ فإن الله لا يمكن أن يتجسد، مما يجعل هذه العقيدة شركا فلسفيا، لا شركا مباشرا" [13] .

وقفة قصيرة

ونقول:

قد راقت هذه الأفكار لبعض المسيحيين أنفسهم إلي درجة أن قال أحد رجالاتهم الكبار عن دفاعات هذا البعض عن تثليث المسيحيين:

"هو نوع من التقريب بين المعتقدات لا تفوته العبقرية" [14] .

مع أن القرآن قد قال:

(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة).

وقال:

(وإذ قال الله يا عيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)(المائدة 116).

ولا ندري كيف استفاد من القرآن كفر النصاري فلسفيّا وتوحيدهم إيمانيا، ومن جهة ثانية فقد تق_دم أن دعوة الله تعالي أه_ل الكتاب إلي كلمة سواء ليس معناها الاعتراف بأنهم موحدون، بل هي دعوة منه له_م إلي التوحيد، ونبذ عبادة غير الله سبحانه، فه_ي علي كفرهم أدلّ.

النصاري واليهود موحدون كالمسلمين.

لا شرك عند اليهود والنصاري، لا في العبادة ولا في

العقيدة.

يمكن اكتشاف قناعات مشتركة ومشاعر قريبة مع اليهود.

ويقول البعض في تفسيره قوله تعالي: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله):

".. إنها تطرح مع فكرة اللقاء علي قاعدة مشتركة.. ليمكن لنا من خلال ذلك أن نكتشف وجود لغة مشتركة، وقناعات مشتركة.. ومشاعر قريبة إلي بعضها مما يوحي بوجود أساس واقعي للتفاهم.. لأن القضايا المسلمة لدي كل فريق يمكن أن تتدخل لتحسم الخلاف في القضايا المتنازع فيها.. فهي تدعوهم إلي كلمة سواء بيننا وبينكم فنحن نؤمن بالوحدانية كما تؤمنون، وبذلك فإننا نلتقي معاً في نطاق عبادة الله الواحد فلا نشرك في العقيدة ولا نشرك في العبادة.. وعلي ضوء ذلك فإننا نلتقي في فكرة أن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، لأن ذلك يعني الشرك بالله في خلقه.. فلا مجال لأن نحل ما حرمه الله علينا، إذا أمرنا هؤلاء بذلك ولأن نحرم ما أحل الله لنا، إذا أمرنا هؤلاء بذلك.. فإن ذلك يعني الخضوع والعبادة اللذين يؤديان إلي الشرك في نهاية المطاف.. وهذا هو ما استوحاه أحد أئمة أهل البيت (ع) في هذه الفقرة فيما يروي عنه، في الجواب عن سؤال قدم إليه، وخلاصته، أن اليهود لا يتخذون بعضهم أرباباً من دون الله فكيف يطرح عليهم هذه الصيغة التي تشعر بوجود شيء لديهم من هذا القبيل فيريد الله أن يخلصهم منه ويفرض عليهم منهجه الحق؟.. وكان الجواب يتلخص في التأكيد علي هذا الجانب، فإنهم أحلو لهم حراما وحرموا حلالاً فاتبعوهم في ذلك فكانت تلك ربوبية عملية، وهذا ما نواجهه، في ساحة العمل المنحرف، في التزامنا بما تصدره بعض المؤسسات أو الحكومات من قوانين تتنافي مع قوانين

الإسلام ومفاهيمه، فإن ذلك يمثل إشراكاً في جانب العمل وإن لم يكن إشراكاً في خط العقيدة [15] .

وقفة قصيرة

إن ما يستوقفنا هنا بالإضافة إلي إطلاقه مقولة: "إن الأئمة يستوحون من الآيات القرآنية"، التي ناقشناها في المقصد الأول: (المنهج الفكري والاستنباطي) و قلنا إنها تنافي حقيقة: أن ما عندهم هو علم من ذي علم نعم، إن الذي يستوقفنا هنا هو ما يلي:

1 _ حكمه علي النصاري بأنهم يؤمنون بالوحدانية كالمسلمين، ويلتقون معهم في عبادة الله الواحد، فلا يشركون في العقيدة ولا في العبادة، مع أن الله قد تحدث عنهم بخلاف ذلك كما أوضحنا فيما تقدم من هذا الفصل، وقد قال تعالي: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا اله واحد) [16] .

وقال تعالي مخاطباً النصاري: (قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضراً ولا نفعاً وهو السميع العليم) [17] .

وقال عز وجل: (وإذ قال الله يا عيسي بن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) [18] .

وثمة آيات أخري تفيد هذا المعني يمكن مراجعتها لمن أراد التوسع والاستقصاء.

ويشير إلي ذلك أيضا أنه لما نزل قوله تعالي (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) قال ابن الزبعري: فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنصاري تعبد عيسي؛ فأُخبر النبي (ص)، فقال: يا ويل أمه، أما علم أن (ما) لما لا يعقل، و (من) لمن يعقل؟ الخ.. [19] حيث أقرّه(ص) علي أنهم يعبدون عيسي (ع) وأنكر عليه استفادة عموم قوله (ما تعبدون) للإنسان، مع أنها في لغة العرب مختصة بغيره.

2 _ قوله: يمكن اكتشاف لغة، أو قناعات مشتركة، أو مشاعر قريبة إلي

بعضها بيننا وبين اليهود.. هو أمر لا يمكن قبوله؛ بعد أن قال الله عز وجل: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود).

كما أننا لا ندري كيف يمكن أن نكتشف قناعات مشتركة بين التوحيد والتثليث المسيحي؟.

بعض اليهود يعتقدون بأن لله ولداً.

بعض النصاري يعتقدون بأن لله ولداً.

يقول البعض:

".. وهكذا نجد أن فكرة الولد لله، فيما تمثلت به من عقيدة بعض النصاري وبعض اليهود، وبعض العرب، كانت ناشئة من القدرات الخارقة التي يدعونها لهؤلاء، فيما يرون أنه لا يمكن أن يكون إلا عن نسبة إلهية عضوية، نظرا إلي أن أصحاب هذه العقيدة لا يتعقلون إمكانية إعطاء الله لهؤلاء بعضا من القدرة التي قد يصنعون بها ما يقومون به من المعجزات، أو ما يعيشونه من أوضاع مميزة.. و في ضوء ذلك نعرف أن التخلف بفهم بعض الأمور هو المسؤول عن انحراف العقيدة، وأن الاستغراق في تضخيم الأشخاص، فيما يوحيه من تصورات، وفيما يثيره من انفعالات هو الأساس في عبادة الشخصية، ولو بطريقة غير مباشرة، مما يفرض علي العاملين الحذر في إثارة الحديث عن صفات العظماء، في تقييم شخصيتهم، ذلك لاعتماد النظرة الموضوعية الهادئة بعيدا عن النظرة الانفعالية الحادة" [20] .

وقفة قصيرة

قال تعالي: (وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقالت النصاري: المسيح ابن الله. ذلك قولهم بأفواههم، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنيّ يؤفكون).. [21] .

لكن ذلك البعض لا يرضي بنسبة ذلك إلي اليهود، و لا إلي النصاري، بصورة مطلقة، كما أطلق القرآن ذلك. بل هو ينسبه إلي بعض من هؤلاء، وبعض من أولئك.!!

ورغم أنه في هذا الموضع قد ذكر ذلك بصورة خالية عن الترديد والاحتمال، فإنه في موضع آخر وهو

يفسر الآية المذكورة أعلاه، والتي هي من سورة التوبة،لا يغفل عن التصريح بما لا يتوافق مع إطلاق الآية، فهو يقول:

".. وقد لا يكون هذا القول لليهود وللنصاري ظاهرة شاملة في الجميع، بل ربما كان حالة محدودة في بعض الأشخاص والمراحل. وإنما ينسبها الله إليهم من خلال إرادته لتقديم النموذج الحي للانحراف، في التصور والعقيدة" [22] .

ولا ندري كيف نفهم ما يرمي إليه في تعليله للآية التي تنسب ذلك إلي عامة النصاري؟ فهل إن إرادة تقديم النموذج الحي تستدعي أن ينسب أمرا إلي أناس لا يعتقدون به، أو لا يعتقد به الكثيرون منهم علي حدّ قوله؟!

إننا لا نريد أن نسمح لأنفسنا بالاسترسال في الإحتمالات إلي حد يجعلنا نعتبر أن قوله هذا يمثل جرأة علي العزة الإلهية في اتهامه تعالي _ والعياذ بالله _ بالقصور في التعبير عن مقصوده؟!.

ولا نريد أن نتهمه بأنه ينسب إلي الله تعالي: أنه تعمد تشويه صورة اليهود والنصاري بنسبة أمر إليهم أكثرهم بريء منه! لأنه كان مجرد حالة محدودة في الأشخاص والمراحل؟

كما لا نريد أن نتوهم: أن كلام هذا البعض يدخل في نطاق مغازلة النصاري وغيرهم فإن ذلك لا يبيح له ولا لغيره تبرئتهم مما ينسبه القرآن إليهم؟!

الجزية ض_ريبة مقابل الحماية والإعفاء من الجندية.

الجزية ض_ريبة تعني فرض سلطة الإسلام علي غير المسلمين.

المسيحية والإسلام مجرد تنوع في بعض التصورات التفصيلية للدين.

فرضت الجزية لمعالجة الحالة القائمة في المجتمع الأول للدعوة.

يقول البعض في معرض حديثه عن الجزية التي يفرضها الإسلام، علي أهل الكتاب من غير المسلمين:

".. الأمر الذي يجعل الإنسان يشعر بالأجواء المشتركة في القيم الروحية والفكرية والتشريعية.. في حركة المجتمع العملية، وبذلك تلتقي

الساحة المشتركة بالكثير من الإيجابيات التي لا تهزمها، السلبيات الأخري.. ولهذا أقر الإسلام التعايش الإسلامي المسيحي في مجتمع واحد.. ولكنه أراد لحكمه أن يكون في المواقع المتقدمة التي تحكم الساحة كلها، من أجل المحافظة علي قوة القاعدة وسلامة خط السير، واستمرار حركة العقيدة في أجواء الدعوة والعمل، من دون حواجز ثابتة أو مواقف معقدة.. يسمح للمجتمع أن يتنوع في تصوراته التفصيلية للدين مع عدم الموافقة علي بعض هذه التصورات، ولكنه لم يسمح له أن يكون خارج سلطته أو حكمه، لأن المجتمع الذي تتعدد فيه السلطات سوف يكون محكوما للتمزق والضعف والفساد وهذا مما لم يمكن للإسلام أن يسمح به، لأنه يؤدي إلي الخراب والدمار، فلا بد من وحدة السلطة،.. ولا بد من التقاء جميع أفراد الشعب علي أساس الخضوع لتلك السلطة فكيف يكون الخضوع..

أما في المسلمين فبالالتزام بمفاهيم الإسلام في عقيدته وشريعته وأسلوبه في العمل والحياة.. في باب النظرية والتطبيق.. لأن ذلك هو معني الانتماء للإسلام علي مستوي الحكم والعقيدة والحياة تماما كأية أمة تلتزم بعقيدة معينة ونظام معين إذا عاشت في داخل الإطار الذي تحكمه تلك العقيدة وذلك النظام.. واما في غير المسلمين الذين لا يريد الإسلام أن يفرض عليهم أحكامه في كثير من القضايا العبادية والقتالية والحياتية المتعلقة ببعض الأوضاع والعادات.. فلا بد له من فرض سلطته بطريقة أخري، وهي فرض ضريبة تابعة في تقدير كميتها ونوعيتها لتقدير ولي الأمر الذي يدرس المسألة من موقع مصلحة الإسلام العليا، ودراسته للواقع الذي يعيشه هؤلاء من ناحية واقعهم المالي ونحوه.. وليس لهذه الضريبة التي تسمّي بالجزية كما نلاحظ التعبير بذلك في الآية.. أي مدلول تعسفي فيما يتعلق بإنسانية هؤلاء بل هي علي العكس من

ذلك _ ذات مدلول واقعي يتحرك من موقع النظرة إلي الأعباء التي يتحملها الحكم الإسلامي، فيما يحمله من مسئولية حماية هؤلاء ورعايتهم وتوفير الضمانات الحقيقية لوجودهم، مع عدم تحمليهم أية مسئولية في الدخول في الحروب، التي يخوضها المسلمون ضد الآخرين ممن يدينون بدينهم، أو ممن يختلفون عنهم في ذلك.. وعدم مطالبتهم بالضرائب الأخري المفروضة علي المسلمين.. ولولي الأمر أن يعفو عنها في بعض الظروف وله أن يخفف منها في بعض آخر" [23] .

إلي أن قال:

".. وربما كان من الملاحظ أن الجزية لم تذكر في القرآن إلا في هذه الآية.. مما قد يوحي بأن القرآن كان يركز الموضوع من ناحية المبدأ.. من خلال معالجة الحالة القائمة في المجتمع الأول للدعوة.. لتكون نقطة الانطلاق للتشريع الذي تتكفله السنة النبوية، فيما يلهم الله به نبيه من تفاصيل الشريعة.. وهذا باب يمكن لنا أن نفتحه في دراستنا القرآنية.. لنقف _ من خلاله _ حيث يقف النص القرآني في مدلوله فلا نحمله اكثر مما يتحمل اعتمادا علي أن التشريع يتسع لأكثر ما يتسع له النص مما يؤدي إلي التأويل أو توسيع المعني بعيدا عن ظاهر اللفظ.. بل نترك الأمر في تكامل التشريع إلي السنّة التي جاءت لتعطينا توضيح ما أجمله القرآن وتوسيع ما شرعه من حيث المبدأ.. إنها ملاحظة للتفكير وللمناقشة فيما نرجو أن نصل به إلي النتائج الصحيحة في الفهم القرآني الصحيح والله العالم.

ومن خلال ذلك نستطيع أن نستوحي الفكرة الإسلامية التي تضع مسألة الدعوة إلي القتال في نطاقها الطبيعي المعقول فلا تكون عملية سيطرة غاشمة للقوة ضد حرية الإنسان وإرادته.. بل تكون عملية إخضاع قانوني للسلطة الحاكمة في عملية تنظيمية دقيقة وهذا ما يمكننا أن

نفهمه بقليل من التفصيل" [24] .

وقفة قصيرة

إننا نشير هنا إلي الأمور التالية:

1 _ إن هذا البعض يقول:

".. إن الجزية المفروضة علي أهل الكتاب هي مجرد دفع ضريبة في مقابل حمايتهم وإعفائهم من محاربة إخوانهم في الدين أو غيرهم، وعدم مطالبتهم بالضرائب الأخري المفروضة علي المسلمين".

وذلك من منطلق أنه قد أقر "التعايش الإسلامي المسيحي في مجتمع واحد".

معتبرا أن الإسلام يسمح للمجتمع أن يتنوع في تصوراته التفصيلية للدين، مع عدم الموافقة علي بعض هذه التصورات.

مع أن الله سبحانه قد صرح بان الجزية ليست مجرد ضريبة، وإنما هي أكثر من ذلك حيث اعتبر أنه لابد من قتال هؤلاء الناس (حتي يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون)، وهذا معناه أن هذه الجزية تستبطن الصغار والذل لأولئك الذين يستكبرون عن الحق، و يمتنعون عن الاستجابة له. قال تعالي: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) [25] .

2 _ لماذا التخفيف إلي هذا الحد من حدة الفوارق بين الإسلام والمسيحية، فهل الإختلاف بينهما _ حقا _ هو مجرد تنوع في بعض التصورات التفصيلية، حيث إن الإسلام يوافق علي بعض تلك التصورات ولا يوافق علي بعضها الآخر؟ أم أن الخلاف بينهما اعمق واكبر، واشد واخطر؟!.

3 _ لقد حاول البعض أن يستفيد من عدم ذكر القرآن للجزية إلا في سورة التوبة: أن القرآن يريد معالجة حالة كانت قائمة آنذاك، أي في المجتمع الأول للدعوة، محدودة بحدود الزمان والمكان. وعلي هذا الأساس لا بد أن يقف عند حدود النص القرآني، فلا يحمله اكثر مما

يتحمل. بل يكون النص مجرد نقطة انطلاق للتشريع الذي تتكفله السنة النبوية، استنادا إلي أن التشريع يتسع لأكثر مما يتسع له النص.

فلا بد أن يترك الأمر في تكامل التشريع إلي السنة، وإلا لوقعنا في التأويل أو توسيع المعني، بعيدا عن ظاهر اللفظ.

ونقول:

أ _ إن هذا لو صح لوجب أن يجري بالنسبة لآية الخمس، وبالنسبة لآية صلاة الجمعة مع أنه يقول: إنها آبية عن التخصيص بزمان دون زمان، إلي غير ذلك من آيات كثيرة.

فلماذا لا يحمل كل تلك الآيات علي أنها قد وردت لمعالجة حالة كانت قائمة في عصر الدعوة الأول؟.

ب _ إن ما ذكره هذا البعض هنا فراراً عن الإلتزام بالجزية، التي لابد أن يعطوها (عن يد و هم صاغرون).. يتناقض مع قوله الآخر:

"إن العناوين القرآنية هي العناوين الأصلية التي تحكم وتفسر كل مفردات العناوين الموجودة في السنة، فهي التي توسعها وتضيقها لأنها هي الأساس في حركة الأحكام في الموضوعات.

كما أن المفهوم القرآني هو المفهوم الحاكم علي كل جزئيات المفاهيم الموجودة في الأحاديث، لأنه هو المقياس لصحة الأحاديث وفسادها" [26] .

الانجيل والتوراة

اشاره

الإنجيل أكثره (علي الأقل) كلام الله.

بعض المسلمين قد يقول بتحريف الإنجيل.

البعض يعتبر أن هذا الإنجيل المتداول. أكثره _ علي الأقل _ كلام الله، فقد وجه إليه سؤال:

هل تعتبر الإنجيل الذي بين أيدينا كلام الله؟.

فأجاب:

"هو علي الأقل في أكثره كلام الله. لكن هناك جدل بين المسلمين والمسيحيين في بعض الأمور التي قد يختلف فيها المسلمون والمسيحيون.

ربما يقول بعض المسلمين: إن هناك تحريفا، وربما يرّد عليهم المسيحيون ذلك، لكن لا إشكال أن الإنجيل الذي جاء به السيد المسيح أنزله الله سبحانه وتعالي" [27]

.

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ يلاحظ كلمة _ علي الأقل _ فهل يريد أن يقول إن الإنجيل الموجود فعلا، يحتمل أن يكون (كله كلام الله)؟.

وليلاحظ أيضا قوله:

ربما يقول بعض المسلمين الخ..

فهل بعض المسلمين فقط يقول ذلك؟

أم أنهم جميعا يقولون بذلك؟

وهل يوجد فعلا من المسلمين من يقول بعدم تحريف الإنجيل؟؟

وهل أكثر هذا الإنجيل _ علي الأقل _ هو كلام الله؟

ألا يعني احتماله أن يك_ون جميعه كلام الله أنه ليس في الإنجيل أي تحريف فضلا عن أن يكون كله من التأليف؟!.

2 _ إن المسيحيين أنفسهم يصرحون بأن هذه الأناجيل هي من تأليف من هي بأسمائهم. واليك بعض كلماتهم حول ذلك:

أ _ (إن النظرية السائدة بين العلماء في الوقت الحاضر: أن إنجيل مرقس كان أقدم إنجيل كتب. وأن متّي ولوقا أسّسا كتابيهما جزئيا علي مرقس.. وجزئيا علي مصادر أخري غير معروفة حصلا عليها.) [28] .

ب _ إن مرقس هو المرجع الأكبر لمتّي ولوقا، لأن إنجيل مرقس هو علي العموم الك_رازة الشفوية، التي أراد الكرازة البشريون كتابتها [29] .

ج _ حسب التقليد المبكر جدا، المسلم للكنيسة، فان القديس يوحنا كتب إنجيله تحت إلحاح شديد ومتواصل من رجال الكنيسة.. وبهذا يقول التقليد: إنهم اضطروا يوحنا لكتابة إنجيله بعد أن تعهدوا بالصوم والصلاة... إذن فسرُّ الإلحاح علي القديس يوحنا لكتابة إنجيله واضح، لأن بلبلة الأفكار بسبب مهاجمة الهراطقة للإيمان المسيحي الخ.. [30] .

د _ ويذكر هو _ أي لوقا _ أنه كتب هذا الإنجيل بعد بحث دقيق، إذ كانت ظروف طيبة، ولا بد أن موارده كانت جيدة [31] .

ه_ _ أسفار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين عرفوا بأنهم لسان

حال الله في وسط شعبهم، ظل عدد كبير منهم مجهولا.. [32] .

و _ وقال لوقا في أول إنجيله:(إذ كان الكثيرون _ قد أخذوا في إنشاء رواية للأحداث التي جرت فيما بينّاه، علي حسب ما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان، ثم صاروا خداما للكلمة رأيت أنا أيضا _ بعد إذ تحققت بدقة جميع الأشياء من البدء، أن أكتبها إليك بحسب ترتيبها أيها الشريف، ثاوفليس، ولكي تعرف جيدا قوة التعليم الذي وعظت به [33] .

ليس من المعلوم أن الإنجيل معرض للنسخ.

أحكام الإنجيل هي أحكام القرآن.

هذا الإنجيل لا يتعرض للشريعة المفصّلة لكي ينسخ.

الإنجيل أخلاق ومبادئ وقيم عامة في البعد الروحي والإنساني فلا مجال لنسخه.

القرآن مصدّق لهذا الإنجيل الموجود بين أيدينا.

الحاجات الطارئة بعد التوراة والإنجيل فرضت إحداث اجتهاد جديد.

المفاهيم القديمة في التوراة والإنجيل تتبدل.

الإنجيل والتوراة اللذين بين أيدينا هما نفس اللذين كانا في زمن النبي (ص).

التحريف في التوراة والإنجيل مختص ببعض الجزئيات كالبشارة بالرسول (ص).

لو كان تحريف التوراة والإنجيل كبيراً.

الحُكم بما في هذا الإنجيل من مبادئ وقيم يلتقي بالحُكم بما في القرآن.

يقول البعض:

"ليس من المعلوم أنَّ الإنجيل قد تعرّض للنسخ في آياته لا سيّما أن مضمونه ليس متضمناً للشريعة المفصّلة، بل هو أخلاق ومبادئٌ وقيمٌ عامةٌ في البعد الروحي والإنساني، فلا مانع من أن يتوجّه القرآن إليهم بالحكم بما في الإنجيل لأنه يلتقي بالحكم بما في القرآن، الأمر الذي يشدّهم _ من موقع اللقاء _ إلي ما في القرآن علي أساس (الكلمة السواء). والله العالم" [34] .

ويقول أيضاً:

"وقد لاحظنا أن القرآن قد صرّح عن وجود بعض الأحكام في التوراة، كما

في القصاص. وهذا ما يجعل من الإسلام رسالة جامعة للرسالات، مع بعض الاختلاف في الحاجات الطارئة التي تفرض إحداث اجتهاد جديد، أو تبديل مفهوم قديم.

وربما نستفيد من الحديث عن القرآن بأنه مصدّق الذي بين يديه، أن هذا الحديث موجه إلي اليهود والنصاري الذين يحتفظون بالتوراة والإنجيل ليقارنوا بين القرآن وبين الكتابين، ليجدوا صدق هذه الدعوة فإذا عرفنا أن الكتاب الذي بأيدينا من التوراة والإنجيل هو الكتاب الذي كان بأيديهم في زمن الدعوة، فإننا نخرج من ذلك بنتيجة واضحة، وهي أن الإنجيل والتوراة لم يحرّفا بالدرجة التي لا يبقي فيها مفهوم صحيح من مفاهيم الرسالة أو آية سالمة من التحريف من آياتهما، بل إنهما يتضمّنان الكثير من النصوص الصحيحة والمفاهيم الحقّة التي تصلح أن تكون أساساً للمقارنة بينها وبين القرآن لمعرفة صدقه، من خلال اشتماله علي ما في التوراة والإنجيل، ليكون التحريف مختصاً ببعض الجزئيات كالبشارة بالنبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم ونحو ذلك ولولا ذلك.لما كان هناك مجال للإحتجاج بهما علي ص_دق الق_رآن، لاختلاف مفاه_يمه_ما _ بلحاظ التحريف _ عن مفاهيم القرآن، والله العالم" [35] .

وقفة قصيرة

ونلاحظ علي كلام هذا البعض الأمور التالية:

1 _ إن من يقرأ التوراة المتداولة في هذه الأيام سيلاحظ: أن أكثر ما جاء فيها لا يمكن القبول به.. وأن الكثير من مضامينها يصل في سخفه، وابتذاله حدوداً خطيرة إلي درجة يصبح معها القول بكون التحريف جزئياً ويسيراً مهزلة من المهازل، وسخرية بالعقل البشري، ومهانة له. وذلك بدءاً من تجسيم الله، وانتهاءً.. بالحديث عن عريّ الأنبياء، وارتكابهم الجرائم، والزنا حتي بالبنات والأخوات، وشرب الخمر، وقتل النفوس المحترمة.. إلي غير ذلك مما يندي له جبين الإنسان ألماً وخجلاً..

فقول البعض

إذن:

"إن التحريف إنما نال بعض جزئياتها من قبيل البشارة بنبوة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم.."

لا يمكن قبوله، وليس له دليل يدل عليه، ولا نحب أن نقول أكثر من ذلك..

2 _ هذه هي التوراة المتداولة بمرأي منا ومسمع، وتلك هي أحكامها ومفاهيمها التي يتحدّث عنها هذا البعض، فليرجع إليها الناس ليروا مدي بعد الكثير منها عن مقتضيات الفطرة، وأحكام العقل، وعن الخُلُقِ الرضي الكريم..

3 _ وأما عن مضمون الإنجيل، وأنه أخلاق، ومبادئ، وقيم عامة في البعد الروحي والإنساني.. فهو إنما يتحدث عن هذا الإنجيل الذي بين أيدينا، والذي ينسب مريم إلي الفاحشة حين يتهمها بيوسف النجار..

كما أنه يقرّر أن المسيح هو ابن الله، وأن الله ثالث ثلاثة.. وأن.. وأن..

فهل إن ذلك كله.. يلتقي فيه مع القرآن؟!. أم أن التحريف قد اقتصر _ حسب دعوي هذا البعض _ علي البشارة بنبوة نبينا (صلي الله عليه وآله)؟!

4 _ ومن الذي قال لهذا البعض: إن الإنجيل الحقيقي المنزّل من عند الله، والموجود عند صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه، والذي هو وحي إلهي، يلتقي مع هذا الكتاب، الذي لا شكّ في أنه قد أُلِّف بعد عهد عيسي عليه الصلاة والسلام.؟!.

5 _ علي أن الله سبحانه قد صرّح في القرآن الكريم في عدة آيات بأن التوراة والإنجيل قد أُنزلا من عند الله سبحانه؛ (وأنزل التوراة والإنجيل) [36] .

ونحن نري أن هذا الإنجيل الذي بين أيدينا مجرّد سيرة ذاتية للمسيح. ويصرّح علماء النصاري بأنه من تأليف أناس بأعيانهم وأشخاصهم، عاشوا بعد السيد المسيح بعشرات السنين. فراجع الفصل السابق من هذا الكتاب.

فكيف نفسّر قوله:

"إن التحريف لم ينل إلا بعض الجزئيات،

كالبشارة بالنبي محمد ونحو ذلك"؟!

يقول الشيخ البلاغي: (إن أكثر الموجود في العهدين لا تُعقل نسبته إلي وحي الله لأنبيائه، وإن القسم الباقي لا نقدر ان نجد له سنداً يوصله إلي الأنبياء والوحي) [37] .

وفيما يرتبط بالسؤال عن السبب في أن البيضاوي والرازي قالا: إن التحريف إنما هو بالتأويل. وعن ابن تميمة قال: إن التحريف الواقع في العهدين هو تبديل المعاني.. أجاب البلاغي رحمه الله بجواب مسهب، فكان مما قال:

(إن كتب العهدين كانت مخفيّة بسيطرة علماء الدين منكم (النصاري) ومن اليهود، مستورة حتي علي عامة اليهود والنصاري، ولم تظهر، وتنتشر باللسان العربي والفارسي إلا قبل قرنٍ أو قرنين، بعناية البرتستنت وإصلاحهم، ولم يكن لها أثر في بلاد الإسلام في زمان هؤلاء الذي ينقل عنهم الغريب بن العجيب، ولم يكن لهم نصيب من معرفة أمرها إلا السماع باسمها.. [38] .

وقد حكي الله سبحانه: أن القرآن يبين: أن اليهود يُبدون من التوراة ما يوافق أهواءهم علي القراطيس، ويخفون كثيراً. فهو يقول:

(.. قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسي نوراً وهدي للناس، تجعلونه قراطيس تبدونها، وتخفون كثيراً) [39] .

وقال تعالي: (يحرّفون الكلم من بعد مواضعه) [40] .

وبعد.. فإن وجود بعض الأحكام فيما يسمّيه اليهود توراةً، لا يعني: أن التحريف مختص ببعض الجزئيات كما يقول هذا البعض. ولا يكفي ذلك لإصدار مثل هذه الأحكام.

6 _ قلنا أكثر من مرة: إن الله سبحانه حين يقول: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله)، فإنما يريد أن يفرض عليهم التزام التوحيد ورفض عبادة غير الله سبحانه.. لأنهم يدّعون أن ربهم هو المسيح، علي قاعدة الأب والابن

والروح القدس.. كما هو معلوم..

ولا يريد الله سبحانه أن يقول في الآية المشار إليها آنفاً: إن بيننا وبينكم نقاط التقاء هي التوحيد، ونقاط افتراق.. فلنلتق علي ما اتفقنا عليه، ولنتحاور فيما افترقنا فيه _ علي حد تعبير البعض.. الذي أخذه عن أحمد حسن البنا _ زعيم الإخوان المسلمين، أو عن رشيد رضا المعروف بكونه سلفياً.

فإننا لم نلتق معهم علي عبادة الله الواحد، لأنهم يختلفون معنا في هذا الأمر أيضاً.

7 _ إن قوله تعالي: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون..) [41] يدل علي أن فيه، أحكاماً تفصل بها المنازعات، وتكون مرجعاً لحل الاختلافات. فما معني نفي ذلك؟! من قبل البعض بصورة قاطعة ونهائية..

8 _ لا أدري كيف أفسّر قول هذا البعض عن أحكام الإسلام وتشريعاته التي اقتضتها الحاجات الطارئة بأنها اجتهاد فهل النبي صلي الله عليه وآله هو أحد المجتهدين أم أن المراد هو الإجتهاد في إصدار الأحكام في المنازعات المالية، أو الحدود والقصاصات؟! لكن من البديهي أن ذلك لا يدخل في دائرة التشريع بحيث يكون من الأحكام الكليّة العامة، بل هو مجرّد بذل جهد في تشخيص الواقع في موارد جزئية وخاصّة، تخضع للتشريع، ومن موارد انطباق قواعده وأحكامه.

وإن كان مراده: أن الحالا ت الطارئة تقتضي إحداث اجتهادات جديدة، ينتج عنها وضع أحكام كلية وعامة.. فإن من الواضح: أن أحكام الإسلام ليست من قبيل الاجتهاد.

9 _ ما معني تعبيره "بالتبديل في مفهوم قديم.."فهل المفاهيم الدينية _ بما هي مفاهيم _ قابلة للتبديل؟! وهل هناك جديد وقديم في المفاهيم الدينية؟!

10 _ أما بالنسبة إلي دليله علي عدم تحريف التوراة والإنجيل،

إلا في بعض الجزئيات، كالبشارة بالنبي محمد صلي الله عليه وآله..

وهو أنها لو كانت محرّفة بدرجة كبيرة، لم يصح الاحتجاج بها علي صدق القرآن.

فهو احتجاج عجيب وغريب..

إذ من القريب جداً أن تكون لديهم بعض نسخ التوراة الحقيقية والإنجيل الحقيقي بالإضافة إلي ما هو محرّف.. حيث كانوا يتكتمون علي تلك، ويبعدونها ما أمكنهم عن أنظار عوامهم.. حتي لا يجدوا فيها هذا التوافق والانسجام الظاهر والعميق فيما بينها وبين القرآن، حتي لا يكون ذلك سبب هدايتهم إلي الحق ودخولهم في هذا الدين الحنيف.. ولا يبقي لأولئك الأحبار والرهبان المزوّرين للحق أي دور، فيواجهون الفشل الذريع والخيبة القاتلة..

فكانوا يظهرون ما حرّف من التوراة والإنجيل.. ولم يكن بإمكانهم الاحتجاج علي الرسول بكتبهم المحرّفة، لأن الخرق سوف يتسع علي راقعه. وتكون الفضيحة عليهم أعظم، حينما يضع المسلمون أيديهم علي تناقضات كتبهم، ويظهرون ما فيها من عوار، وخلل..

ومما يدل علي ذلك قول الله سبحانه عن معرفتهم برسول الله (صلي الله عليه وآله): الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم.. [42] .

وقد قال الله عنهم: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدي، من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون) [43] .

ويقول: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) [44] .

الدفاع عن أعداء الله

اشاره

يقول البعض: "أسعي لاقتحام المسلمات"

بداية

إننا سنورد في هذا الفصل مجرّد عيّنات عن دفاع هذا البعض عن أعداء الله وعن المرتدين، الذين أعلنوا الحرب علي الإسلام، وهتك حرماته، وتحقير مقدساته..، وذلك بصورة صريحة تارة، ومبطنة أخري. ومن أراد المزيد، فسيجده في مواضع كثيرة من كتب هذا البعض ونشراته، ومحاضراته.. فنقول:

مصادرة كتب الضلال لا تحقّق النتائج المرجوّة.

مصادرة الكتب ومهاجمة الكاتب.. تجعل لهما شعبية وتأييداً.

لو أخذت كتب الضلال طريقها بسلام قد لا تحدث لها هذه الشعبية.

ربما كانت مصادرة الكتب في الماضي تقوّي الحق وتضعف الباطل.

التصدّي للكتب اليوم يقوّي الباطل، ويضعف الحق.

كلما أهملت كتاب الضلال أكثر كلما فقد قوته أكثر.

أعط الحرية للباطل تحجّمه.

أعط الحرية للضلال تحاصرها.

الباطل إذا ظهر فقد يقبله الآخرون وقد لا يقبلونه.

إذا اضطهد الباطل ولاحقت من يلتزم به، فسيأخذ معني الشهادة.

إضطهاد الباطل يجعله الفكر الشهيد.

نحن نعطي الباطل قوّته إذا منعناه حريته.

إذا أعطيناه الحرية وناقشناه فسينكمش.

علماء دين ومثقفون يحبّون الراحة في الحوار فيمارسون قمع الفكر الآخر من الحوار.

يقول البعض:

"أعطِ الحريّة للباطل تحجّمه، وأعط الحريّة للضلال تحاصرها، لأن الباطل عندما يتحرك في ساحة من الساحات، هناك أكثر من فكرٍ يواجهه، ولا يفرض نفسَه علي المشاعر الحميمة للنّاس، يكون فكراً مجرّد فكر، قد يقبله الآخرون، وقد لا يقبلونه، ولكن إذا اضطهدته، ومنعت الناس من أن يقرأوه، ولاحقت الذين يلتزمونه بشكلٍ أو بآخر، فإنّ معني ذلك، أنّ الباطل سوف يأخذ معني الشهادة، وسيكون (الفكر الشهيد) الذي لا يحمل أية قداسةٍ للشهادة، لأنّ الناس تتعاطف مع المُضطَّهَدين، لا الناس المُضطهِدين، حتي مع الفكر المضطّهد، مع الحبّ المضطهد، ومع العاطفة المضطهدة، لذلك نحن نعطي الباطل قوّته،

عندما نمنعه حريّته، ولكنّنا عندما نعطيه الحرية، ثم نأخذ حريتنا في مناقشته بالأساليب العلميّة الموضوعيّة، فإنه إذا لم يبتعد عن الساحة تماماً، سينكمش وسيأخذ مكاناً صغيراً له في الساحة.. بعضُ الناس سواءً كانوا سياسيين، أم كانوا علماء دين، أم كانوا مثقفين، لا يُحبّون أن يتعبوا في مواجهة الفكر الآخر، ولذلك فإنّهم يحبون أن يقمعوا الفكر الآخر ليرتاحوا من الجدل والمجادلين، ومن الحوار والمحاورين بعض الناس لا يحبّون أن يدخلوا في مواقع الحوار، ولذلك فإنّهم يضطهدونك لأنّهم لا يريدون أن يتعبوا في مناقشتك" [45] .

وسئل البعض:

تقوم بعض المراكز الدينيّة الرسمية في العالم العربي والإسلامي بمصادرة بعض الكتب التي تعتبر أنً مضامينها تحمل شيئاً من التحدّي للإسلام، ألا تعتقدون أنَّ أعمالاً كهذه تصنع من أفكار هؤلاء (أفكار شهداء) يتعاطف الجمهور معها؟

فأجاب:

"نحن قد نتفق مع هذه المراكز الدينية الرسميّة وقد نختلف معها في تقويم أنَّ هذا الكتاب أو غيره مخالفٌ للإسلام أو غير مخالف. ولكننا لا نعتقد أن مصادرة هذه الكتب يمكن أن تحقّق النتائج التي يريدها هؤلاء ويعتقدون أنّ من واجبهم المحافظة علي الإسلام، بمصادرة هذه الكتب التي تتحدث عن الإسلام بشكلٍ سلبيّ، عن عقيدته وشريعته ومقدساته، لأننا بحسب التجربة، رأينا أنَّ مصادرة الكتب ومهاجمة الكتّاب تجعل شعبية للكتاب المصادر، وشعبيّة وتأييداً للكاتب، قد لا تحدث هذه الشعبيّة فيما لو أخذت هذه الكتب طريقها بسلام..

نحن نقول، ربّما كان الواقع السياسي والثقافي في الماضي يجعل من مصادرة الكتاب أو منعه من الإنتشار وسيلة من وسائل تقوية الحق وإضعاف الباطل.. أما الآن فإن الوقوف ضد الكتب يقوّي الباطل ويضعف الحق، لأن القوي المعادية تعلن معركة الحريات في الوقت الذي لا تستطيع هذه المراكز الدينية

مواجهتها.

وعلي هذا فكلما أهملت الكتاب الذي يواجهك أكثر كلما فقد قوته أكثر، وكلما حاربته أكثر كلما أخذ قوة من قوي الاستكبار في العالم، حيث صار الحديث عن الكاتب والكتاب، بأن الكاتب بطل الحرية والكتاب كتاب الحريات، في الوقت الذي لا يمثل الإثنان معاً شيئاً لا في معني الحرية ولا في معني البطولة.

لا نعتقد أن مصادرة الكتب تحقق النتائج التي يريدها من يرون أن من واجبهم المحافظة علي الإسلام" [46] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إذا كان إعطاء الحريّة للباطل من موجبات تحجيمه، وإعطاء الحرية للضلال من موجبات محاصرته، فلماذا شرّع الله النهي عن المنكر؟! فليعطِ للمنكر حريته فإنه يحاصره ويحجّمه. أليس الباطل والضلال من جملة المنكرات؟!.

2 _ وإذا صح هذا، فلا بد ان يصح العكس، فيقال: إذا سلبت حرية الهدي فانه ينتشر، وإذا سلبت حرية الحق، فانه ينطلق ويكبر؟!

والدليل علي ذلك قوله:

"أما الآن فان الوقوف ضد الكتب (أي كتب الضلال والإنحراف) يقوي الباطل، ويضعف الحق".

وقوله:

"لذلك نحن نعطي الباطل قوته عندما نمنعه حريته".

3 _ وإذا صح قول هذا البعض:

"كلما أهملت الكتاب الذي يواجهك أكثر كلما فقد قوته أكثر، وكلما حاربته أكثر، كلما أخذ قوة من قوي الاستكبار في العالم، حيث صار الحديث عن الكاتب والكتاب، بأن الكاتب بطل الحرية، والكتاب كتاب الحريات".

نعم، إذا صح قوله هذا.. فان فتوي آية الله العظمي السيد الخميني قدس سره في حق سلمان رشدي تصبح بلا مبرر..

بل إن هذه الفتوي تصبح جريمة كبري، لا بد من معاقبة من أصدرها رضوان الله تعالي عليه، لأنه قد تسبب، بتقوية كتاب "آيات شيطانية"، وجعل منه كتاب "الحرّيات"، ومن سلمان رشدي بالذات "بطل الحرية" علي

حد تعبير هذا البعض!!.

4 _ إن هذا البعض يريد أن يفسح المجال للكتب التي تتحدث عن الإسلام، وعن عقيدته وشريعته ومقدساته بشكل سلبي، حتي لو كانت تتضمن سبّ النبي (ص)، ونسبة الخنا والدعارة _ والعياذ بالله _ إلي بيت النبوة والرسالة والإمامة.

نعم، إنه يريد لهذه الكتب أن تأخذ طريقها بسلام _ علي حدّ تعبير هذا البعض _ رغم أن الحكم الإسلامي في من سبّ رسول الله (ص) هو القتل..

وذلك استناداً منه إلي استحسانات عقلية لم يُقم لها الإسلام وزناً، حينما فرض محاصرة الباطل، واضطهاد المنكر، ومنعه ورفضه باليد، وباللسان وبالقلب وهو أضعف الإيمان.

5 _ وقد اعترف هذا البعض فيما نقلناه عنه آنفاً بأنك حين تعطي للضلال وللباطل حريته، فانه يكون مجرد فكر قد يقبله الآخرون.. وقد لا يقبلونه.. وسؤالنا هو:

ماذا لو قبل الآخرون هذا الفكر، واختاروا طريق الضلال؟!

فهل يرضي الله تعالي بإفساح المجال للضلال إلي أن يقبله الآخرون؟!

وهل الخطة الإلهية هي إفساح المجال للضلال لينتشر، ثم يقوم بمقاومته بعد ذلك.. أم أن اللازم هو وأده وهو في مهده؟!.

إنه إذا صح ذلك.. فلماذا لا يكون الأنبياء دعاةً للضلال أولاً، وممن يسهم في نشره، ثم بعد ذلك يوجد المناخ المناسب لبذل الجهد، وللجدل وللمجادلين.. وذلك لكي لا يصبح الضلال شهيداً.. ويكون فكره "الفكر الشهيد" علي حد تعبير هذا البعض؟!!

6 _ ولم نستطع أن ندرك سرّ حكمه الذي أطلقه حين قال: إن الضلال والباطل "لا يفرض نفسه علي المشاعر الحميمة".. في حين أننا نري باستمرار أن الكثيرين من دعاة الضلال يصبحون من أشد الناس تعلقاً بضلالهم، وهم يضحّون من أجله بكل غال ونفيس، ويقدمون أنفسهم قرابين له، بملء إرادتهم،

وعن سابق معرفة وتصميم.. وكم رأينا مشاهد حتي علي شاشات التلفاز تقشعرّ لها الأبدان من دقّ المسامير في الأكف وفي الأرجل، من أجل التعبير عن المشاعر الحميمة تجاه فكرٍ يصرّح هذا البعض نفسه بأنه فكر باطل علي أقل تقدير..

ويقول البعض:

عمن ينكر نبوّة داود وسليمان (عليهما السلام)، ويستدل علي أن نبي الله يوسف لم يكن أميناً علي عرض مولاه، ويقول عن نبي الله داود: كان لوطياً مفضوحاً _ يقول _ ما يلي:

الشكّ في العقيدة ليس كفراً.

البقاء علي الشك لا يجعله مرتداً.

الإقتناع بالكفر لا يجعله مرتداً ما لم يعلن ذلك.

الإعلان بالكفر هو الجريمة وليس الكفر نفسه.

سئل البعض:

هل يوجب الإرتداد عن الإسلام _ والعياذ بالله _ القتل. أو بمعني آخر: هل يباح دم المرتد حقاً؛ فإذا الجواب نعم. هل يتعارض ذلك مع حرية الفكر الإنساني؟.

فأجاب:

"قد تخلق مسألة الإرتداد اهتزازاً أو ارتباكاً في داخل النظام العام للدولة والمجتمع مما قد يسيء إلي القاعدة التي يرتكز عليها توازن المجتمع المسلم؛ ولذلك فإنها تدخل في صلب النظام العام، من خلال الحدود الموضوعية له التي قد تفرض وضع العقوبات الرادعة. ولذلك فهي لا تتّصل بحرية الفكر؛ لأن الإسلام يفتح كل ساحته الثقافية لكل صاحب شبهة في الدين، ليجيب علي كل سؤال، وليتابع البحث والحوار مع صاحب الشبهة إلي نهاية المطاف.

وقد ورد في أحاديث أهل البيت (ع) عن رجل سأل الإمام الصادق (ع) قال: رجل شكّ في الله؟

قال: كافر.

ثم قال: شك في رسول الله؟

قال كافر.

ثم قال: إنما يكفر إذا حجد.

مما يعني: أن الشكّ في العقيدة ليس كفراً ما دام الإنسان باحثاً عن الحقيقة كما أن بقاءه علي

الشك، أو اقتناعه بالكفر لا يجعله مرتداً، ما لم يعلن ذلك، الأمر الذي يجعل الإعلان هو الجريمة.

أما الحديث عن تعارض ذلك مع حرّية الفكر، فإن جوابه هو أن الفرق بين الدولة الإسلامية وغيرها هو أن الإسلام يقيم دولته علي أساس العقيدة، مما يجعل للعقيدة، دور الأساس في توازن الدولة والمجتمع. ويجعل من الإساءة إليها أو تهديدها إساءة وتهديداً للنظام كله.

أما غيرها فإنها لا تقوم علي العقيدة، ولذلك لا دخل للعقيدة في حركة النظام، بل تكون الجريمة في الخيانة العظمي للأرض أو للأمور الحيوية الأخري..

وبكلمة واحدة: إن إعلان الارتداد هو الجريمة. وليس الارتداد الفكري الذي يعيش في داخل الفكر" [47] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ قد نقلنا كلام هذا البعض كله لأنه. ما فتئ يتهم من يعترض علي أفكاره وطروحاته بأنهم يمارسون ذلك علي طريقة ويل للمصلين. أو بأنهم يقطّعون كلامه بصورة تفقده مضمونه الأساس ليصبح دالاً علي خلاف مقصوده.

رغم علم هذا البعض _ ومن حوله معه _ بأن الرد علي هذا الإتهام سهل جداً، وذلك بالطلب إلي السامع والقارئ بأن يرجع إلي نص كلامه في نفس الجزء والصفحة المسجّل، ليجد أن الكلام تام في دلالته، وأن كل ما يتصل بموضع الإشكال مذكور من بدايته إلي نهايته..

ولكن المشكلة هي أنهم يعرفون: أن القليلين جداً من الناس هم الذين يبادرون إلي هذا الأمر.. وأن أكثر الناس يأخذون الأمر بحسن نيّة وسلامة طويّة، وبثقة ومحبة، واستبعاد خصوصاً وهم يرون هذا البعض يجهر بذلك علناً مع التأكيد الشديد، ومع إظهار البراءة وإزجاء تظلمّ خاشع ما عليه من مزيد..

2 _ بالنسبة للبقاء في دائرة الشك، نقول: لقد تحدثنا عن هذا الموضوع فيما تقدم من هذا

الكتاب، فلا نعيد، وأشرنا إلي ذلك أيضاً في الوقفة القصيرة السابقة غير أننّا نضيف: أننا لا ندري ماذا يعني هنا بقوله:

"إن الاقتناع بالكفر لا يجعل الإنسان مرتداً، ولا يكون قد ارتكب بذلك جريمة"!!

فان كان يريد به ما يفهم منه كل أحد، فان المصيبة ستكون عظيمة.. وإن كان يريد منه أمراً آخر. فإن المصيبة تكون في قدرته علي البيان أعظم..

3 _ لا ندري ما هو دليل هذا البعض علي أن الإعلان بالكفر هو الجريمة.. فإنه عليه السلام قد قال: (إنما يكفر إذا جحد)، سواء أكان قد أعلن هذا الجحود أم لم يعلنه. فما هو ربط هذا الدليل بتلك الدعوي.

4 _ ولو سلّمنا ذلك، فلا يصح تحديد مستوي هذا الإعلان، بأن يؤدي إلي الاهتزاز والارتباك داخل النظام العام للدولة والمجتمع. إذ يكفي مجرّد أن يعلن ذلك، ليستحق بذلك العقوبة، ويجري الحكم الإسلامي في حقه، وإن لم يترتب علي إعلانه أي إرباك لا في الدولة ولا في المجتمع.

5 _ بل إن الإرتداد الفكري حتي علي مستوي الشك، ولو لم يصل إلي حد أنّ الإعلان به قد يحدث، اهتزازاً و إرباكاً في الدولة وفي المجتمع، هو أمر مرفوض في الإسلام، وله أحكامه وآثاره علي فاعله، وعلي غيره. فلماذا لا يعتبره جريمة يستحق فاعلها العقاب بالقتل. فإن النتائج علي هذا الصعيد واحدة..

6 _ إن ما ذكره من أن الارتداد قد يحدث اهتزازاً وارتباكاً قد يسيء إلي القاعدة التي يرتكز عليها توازن المجتمع.. لا يجدي شيئاً، فإنه لا يتعدي دائرة الإحتمال إذ إنه كما قد يسيء، هو أيضاً قد لا يسيء وقد لا يحدث اهتزازاً ولا ارتباكاً وفي هذه الصورة الأخيرة، فهل ذلك يعني ترك

العقوبة؟! وحتي في الصورة الأولي، فإنه لو أساء فلابد أن يثبت أن الإساءة تصل إلي درجة توجب جعل عقوبات رادعة عنها؛ فمجرد وجود احتمال من هذا القبيل لا يبرر إصدار أحكام قاطعة بهذا المستوي من الخطورة..

7 _ ثم إننا نسأل هذا البعض: من الذي قال له: إن حكم قتل المرتد يرتبط بالاهتزاز والارتباك في النظام العام؟ وإن ملاك الحكم هو ذلك، فهل أطلعه الله علي غيبه؟!. أو كشف له عن ملاكات أحكامه؟! أليس هذا مجرد تكهّن ورجم بالغيب، يستند إلي استحسانات وحدسيات، لا مجال لجعلها أساساً لإصدار أحكام بهذه الخطورة.. وتصل إلي حد النفي لتشريع إلهي أو إثباته؟!

ما دمت في دائرة الشك فلست بكافر.

لا يوجد كافر في العالم.

الإسلام يشجع علي الشك.

يقول البعض:

"إن الناس منقسمون إلي مؤمنين وشاكين" [48] .

والشاكون عنده ليسوا كفارا بمقتضي قوله:

"الإنسان الذي يشك بالإسلام لا يعتبر كافرا، ولكن الذي يجحد بالله ورسوله، فالإسلام يفسح المجال للتعبير عن الشكوك لدي الناس، ويحاورهم، فإن أقيمت عليهم الحجة، فلا معني لجحوده، وإذا لم يقتنع، ولم تقم الحجة، فليس للمسلمين سبيل عليه" [49] .

ويقول:

"نحن نعرف من حديث الإمام الصادق (ع) أن الإسلام يشجع علي الشك، الشك طريق لليقين، الشك الموضوعي، أو الشك العلمي.

والشك ليس كفرا، وإنما الجحود هو الكفر، فلقد جاء شخص وسأل الإمام جعفر الصادق _ كما في الكافي _ قال: رجل شك في الله؟

قال: كافر.

قال: شك في رسول الله؟.

قال: كافر.. ثم قبل أن يقوم الرجل، قال إنما يكفر إذا جحد،الحديث.

فما دمت في دائرة الشك، فأنت لست بكافر" [50] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1_ واضح: أن الإسلام لا يشجع المتيقنين بالإسلام علي

الشك فيه، وإن كان يشجعهم علي التعمق في دراسته، كل بحسب استعداده، ولكنه يشجع غيرهم علي الشك ليمكن بذلك فتح مجال البحث أمامهم.

2_ إن الشك العلمي والموضوعي لا يحتاج إلي أكثر من فرض القضية في دائرة الشك، وإن كان ذلك الفارض مؤمنا بها لم يتزلزل إيمانه.

3_ إن بعض الروايات قد أشارت إلي أن خطور بعض الأمور بالبال، ولو من خلال وسوسة شيطانية لا ينافي الإيمان، فقد روي بسند حسن كالصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: جاء رجل إلي النبي (ص) فقال: يا رسول الله، هلكت.

فقال له: أتاك الخبيث. فقال لك: من خلقك؟

فقلت له: الله.

فقال لك: الله من خلقه؟

فقال إي والذي بعثك بالحق لكان كذا.

فقال رسول الله (ص): ذاك والله محض الإيمان.

قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج، فقال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام: أن رسول الله (ص) إنما عني: بقوله: "ذاك _ والله _ محض الإيمان"خوفه أن يكون قد هلك، حيث عرض له ذلك في قلبه [51] .

وثمة روايات أخري في هذا المجال، فمن أرادها فليراجعها في مظانها.

4_ إن من الواضح: أن البقاء في دائرة الشك يوجب الكفر، لأن ذلك يستبطن الجحود، وإن لم يصرح به، خصوصا إذا أقيمت الحجة عليه، ولم يقبل بها، فان استمرار الشك بعد ذلك يكون تكلفا للشك، وحملا للنفس عليه عنادا، وذلك يمثل استمرار رفض الحق والإباء عن تحمل مسئولياته..

فلا يصح إطلاق القول: (ما دمت في دائرة الشك فأنت لست بكافر).

ويدل علي ذلك ما روي بسند صحيح عن أبي عبد الله (ع): من شك في الله وفي رسوله فهو كافر [52]

.

وروي بسند صحيح أيضا عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من شك في رسول الله؟

قال: كافر.

قلت: فمن شك في كفر الشاك، فهو كافر؟

فأمسك عني، فرددت عليه ثلاث مرات، فاستبنت في وجهه الغضب [53] .

وروي بسند صحيح آخر عنه عليه السلام: إن الشك والمعصية في النار، ليسا منا ولا إلينا [54] .

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول في خطبته: لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا [55] .

إن هذه دراسات من قِبَل أناس مثقفين.

إن هؤلاء الدارسين قد اخطأوا في آلية الدراسة، حيث توجهوا إلي التوراة المحرّفة.

إنهم باحثون يجهلون ما يقوله القرآن عن الأنبياء.

لو رجعوا إلي القرآن لعرفوا: أنه يبيّن عصمة الأنبياء وصفاءهم وإخلاصهم لله.

كلامه يعني: أن عصمة الأنبياء تحتاج إلي بيان قرآني.

لا مصلحة في التصدي لهؤلاء الناس، لأن ذلك يستغل ممن لا يعي النتائج السلبية.

قصة زواج الأخوة بالأخوات من ابناء آدم تمنع من مصادرة القضية الفلسطينية ومن قتل المسلمين.

لا مصلحة في التصدّي لمن يسبّ الأنبياء لأن الاستكبار يستغل ذلك.

لا مصلحة في التصدّي.. لأن الاستعمار يصادر القضية الفلسطينية.

لا مصلحة في التصدّي.. لأن الاستعمار يقتل المسلمين.

وتوضيح ما جري نوجزه فيما يلي:

نشرت جريدة السفير اللبنانية مقالاً لسفير لبناني سابق، يتناول فيه الضجة التي أثيرت حول المغنّي مارسيل خليفة، لتلحينه بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن النبي يوسف (عليه السلام).. فكان مما كتبه ما يلي:

"إنه حَوّلَ أسطورة بكائية توراتية إلي (قضية) أعمي بها بصائر اللبنانيين وأبصارهم وحولهم إلي يعقوب جديد ابيضت عيناه، وانطفأ نورهما لكثرة ما أذرف من الدمع علي فراق ابنه يوسف، كما

جاء في (الكتب المقدسة). وفي شعر محمود درويش!..

فإذا بالغياري علي الدين يتنادون لمجابهة هذا الخطر الداهم الذي يقوّض إيماننا وقيمنا الروحية وإذ بمثقفينا (يطرحون الصوت) للإعتصام في نقابة الصحافة من أجل الدفاع عن (الحرية) و(الديموقراطية) و (حقوق الإنسان) لمواجهة هذه (الأصولية) الزاحفة علينا من غياهب القرون الوسطي.

أحبّ أن أصارح القارئ أنني لست من المعجبين بمارسيل خليفة ولا بموسيقاه ولا بصوته. فقد أتيح لي ان استمع إلي بعض أغنياته وكنت كلما سمعتها أكاد أصاب بالغثيان، فأغانيه عبارة عن مقطوعات رَتيبة ذات نمط واحد لا يتغير وتكاد لا تصلح إلا لمناسبات البكاء والنواح كعاشوراء في (الحسينيات) أو (أسبوع الآلام) في الكنائس.

ولكن القضية ليست هنا.

القضية هي التذرّع بالكتب المقدسة كلما تعلق الأمر بالإبداع والتجديد والخروج علي ما وضعه (السلف الصالح) من قوالب جامدة وأحكام ثابتة لا تحول ولا تزول وإرغام الناس علي التقيد بها وتنصيب رجال الدين أنفسهم حرّاساً عليها وحماة لها.

فمن أعطاهم هذا الحق؟

وفي الموضوع الذي نحن بصدده من أعطي الجهات الدينية الحق في أن تحكم و(تفتي) بجواز هذا الأمر أو عدم جوازه؟

فالذين أقاموا القيامة علي مارسيل خليفة ولم يقعدوها وأوصلوها حتي إلي القضاء، حجتهم في ذلك أن (أغنية يوسف) قد ورد في القرآن ذكرها وأنه لا يجوز التغني بالآيات القرآنية. مع أن الآية الرابعة من سورة المزمل تنص: (ورتل القرآن ترتيلاً). والترتيل القرآني قد فسّر تفاسير عديدة. منها مثلاً أنه إذا قرأت القرآن فاقرأه بصوت منخفض أو إذا قرأته فاقرأه بكلمات واضحة وبطيئة. ومنها أيضاً ن تقرأه بصوت مختلف عن القراءة العادية بحيث يكون له وقع مختلف في أذني المستمع وفي عقله. ومنها أيضاً أن تقرأه بصوت رخيم. وقد

ورد في قاموس (المنجد) أن الترتيل، إذا كان يقصد قراءة القرآن، فذلك يعني أن تقرأه بتأنق في تلاوته. أما عند المسيحيين فترتيل الصلاة يعني أن تتلوها ملحّنة".

ثم يقول:

"والآن من هو هذا اليوسف، الذي يكاد يصبح الشغل الشاغل للبنانيين في هذه الأيام؟!

تخبرنا التوراة تفصيلاً والقرآن لماماً أن يوسف هذا كان أحد أبناء يعقوب الملقب بإسرائيل (لأنه حسب الرواية التوراتية أسر الله الذي تبدّي له بصورة إنسان طرحه أرضاً ولم يطلق سراحه إلا بعد أن باركه وأصبح منذ ذلك الحين يدعي إسرائيل أي (أسر الرب) وذهب مع قافلة إلي مصر وهناك أصبح حارساً لأمراء القمح لدي الفرعون وأن امرأة هذا الأخير تعلّقت به (وه_مّت به وهمّ بها) كما ورد في القرآن (الآية 24من سورة يوسف) مما يدل علي أنه لم يكن أميناً علي عرض مولاه، الذي محضه ثقته. وهو السبط الثاني عشر ليعقوب جد بني إسرائيل الرابضين علي حدودنا الجنوبية.

فهل أصبحت مهمتنا الدفاع عن هؤلاء الأسباط وإطراء فواحشهم؟!

إنه لأمر غريب والله. والأغرب منه أن الإسرائيليين وفقاً لتوراتهم يسمّون داود وسليمان ملوكاً (التوراة _ سفر الملوك) بينما نحن نقدسهم ونرفعهم إلي مصافّ (الأنبياء)!

بل إن ابنة موشي دايان _ النائبة عن حزب العمل الإسرائيلي _ لم تتورع عن الدخول في اشتباك سياسي مع مناحيم بيغن، عندما راح ه_ذا يتغني بداود فما ك_ان منها إلا أن صرخت في وجهه: "ومن يكون داود هذا الذي تفتخرون بالإنتساب إليه ألم يكن (لوطياً) مفضوحا"؟!

ونحن ألم يئن الأوان بعد لإعادة النظر في كل هذه المفاهيم المسمومة التي أدخلتها الصهيونية إلي عقولنا والتخلّص منها كما تخلّص من ترّهاتها بعض اليهود العلمانيين.. أنفسهم؟!

لذلك فاني أقترح علي القاضي الذي

سوف ينظر بقضية مارسيل خليفة في الأيام القليلة المقبلة أن يصرف النظر عن السير في هذه الدعوي وأن يطوي ملفها ويعتبرها غير ذات موضوع" [56] . انتهي..

وقد وفق الله المخلصين للقيام بمجهود كبير في سبيل الدفاع عن هذا الدين، وإدانة هذه الجرأة، وقد صدرت بيانات من جهات عديدة، وصدر بيان وقعه أكثر من مئة عالم من علماء الشيعة وكتبت مقالات كثيرة جداً تعدّ بالعشرات، وعلّقت لافتات عديدة في بيروت وضواحيها، كتبت عليها عبارات إدانة للجرأة علي مقام الأنبياء عليهم السلام.

وقاموا وفقهم الله بأداء بعض الواجب في هذا المجال.. وإذ بنا نفاجأ بموقف لهذا البعض غريب وعجيب، نقلته عنه جريدة السفير في يوم الخميس الواقع في 4/11/1999، ثم أعاد الحديث عنه مرّة أخري في إذاعة البشائر _ صوت الإيمان _ وهي إذاعة محلية تابعة له.. في ليلة الخميس الواقع في 10/11/1999م.

والذي نشرته عنه جريدة السفير هو التالي:

(فضل الله يستنكر الإساءة للمقدسات)

"استنكر السيد محمد حسين فضل الله في درس التفسير أمس أية إساءة للمقدسات.

وقال: إن مشكلة بعض المثقفين العلمانيين أنهم يدرسون الأنبياء من خلال ما هو موجود في التوراة التي بين أيدي الناس وهي محرّفة.

وأضاف: إننا نقول لهؤلاء المثقفين _ لاسيما أن بعضهم من المسلمين _ عليكم الرجوع إلي القرآن لمعرفة أن الله تعالي تحدث عن كل هؤلاء الأنبياء الذين ذكروهم بطريقة سلبية بالطريقة التي بين فيها عصمتهم وصفاءهم وإخلاصهم لله.

كما أننا لا نجد هناك أية مصلحة لإيجاد حالة من الإثارة فوق العادة لمثل هذه الأمور، لأنها تستغل من قبل جهات لا تريد بالإسلام خيراً أو جهات لا تعي النتائج السلبية من خلال إشغال الواقع الإجتماعي بمثل هذه الأمور.

إننا إذ نستنكر أية إساءة للمقدسات لكن علينا أن ندرس الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تمرّ به الأمة الإسلامية، لا سيما في مثل هذه الظروف الصعبة التي يقف فيها الاستكبار العالمي بكل مواقعه ومحاوره ليقتل المسلمين هنا وهناك، وليصادر القضية الفلسطينية"انتهي.

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا نلاحظ علي هذا الكلام، وعلي ما أورده هذا البعض نفسه في إذاعته المحلية ما يلي:

1 _ إن هذا البعض قد اعتبر أقوال السفير اللبناني السابق السالفة الذكر وأمثاله من "المثقفين" [57] _ علي حدّ تعبيره _ اعتبرها "دراسة للأنبياء" ولكن من خلال ما هو موجود في التوراة.. مع أنها لا تعدو عن كونها مجرّد إساءات، وتجريح، وإهانات للمقدسات، وتكذيب لنص القرآن، ولحقائق الدين ممن يدعي الإسلام وينسب نفسه إلي التشيع.. (فهل يصح أن يقال لمثل هذه الترّهات بأنها "دراسة" علي حد تعبير هذا البعض؟!

2 _ إنه قد اعتبرها دراسة للموضوع من خلال التوراة، وأن الدارس لم يرجع إلي القرآن، مع أن الأمر ليس كذلك فإن كاتب هذه المقالة المنشورة قد اعتمد علي القرآن أكثر مما اعتمد علي التوراة، حيث نجده قد استدل ببعض آياته محدداً السور وأرقام تلك الآيات فيها، ومتتبعاً للنصوص التفسيرية لها.. حتي انتهي إلي كتب اللغة أيضاً.. بل هو يشير إلي حجم التعرض لقصّة يوسف في القرآن والتوراة فيقول: "تخبرنا التوراة تفصيلاً والقرآن لماماً أن يوسف هذا الخ".

3 _ إن المفهوم من كلام هذا البعض: أنه يقدم العذر لأولئك "المثقفين"؛ حيث إنهم وفق البيان الذي قدّمه قد اجتهدوا فأخطأوا، لأنهم قد درسوا الأنبياء من خلال التوراة فقط.

ولذلك فإننا نجده قد أرشدهم وأمرهم بالرجوع إلي القرآن، لمعرفة أن الله تعالي قد تحدث عن هؤلاء الأنبياء بالطريقة التي

تبين عصمتهم وصفاءهم وإخلاصهم لله حتي تكون دراستهم للأنبياء مستوفية لشروط الصحة..

إذن.. فهؤلاء "المثقفون" لم يعرفوا الحقيقة، لأن الحقيقة موجودة في القرآن، وهم لم يرجعوا إليه، ولم يطلعوا عليه، ليعرفوها.. فأخطأوا في دراستهم!!.. وفي اجتهادهم.. فهل يقتنعون بأجر واحدٍ؟! وفقاً للقاعدة التي أخذها هذا البعض من مصادر غير الشيعة، والتي تقول: إن المجتهد إذا أصاب، فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد!! [58] .

4 _ هل إن ما نقله هؤلاء المثقفون _ علي حد تعبيره _ كشاهد مقبول ومرضي عندهم عن ابنة موشي دايان عن أن نبي الله داود عليه السلام كان _ والعياذ بالله _ لوطياً مفضوحاً _ هل إن ما نقلوه كان نتيجة دراسة لأقوال هذه المرأة الخبيثة؟!. والحاقدة؟.

وهل أصبحت ابنة موشي دايان من مصادر الدراسة والتوثيق للحقائق. إلي درجة أن كلامها يرسل إرسال المسلّمات، ويستشهد به _ المثقفون!! _ في البحوث والدراسات؟! ولنفترض أن التوراة نفسها تنسب هذا الأمر الشنيع إلي داود، فهل يجوز لذلك الذي درس الأنبياء من خلال التوراة أن ينسب ذلك إلي هذا النبي العظيم أيضاً. ويرسله إرسال المسلّمات!!.

5 _ وحين انتهي هذا البعض إلي الحديث عما قام به المخلصون الغياري من التصدّي لذلك الأثيم، السابّ للأنبياء، نجده يقول:

"إنه لا يجد أية مصلحة لإيجاد حالة من الإثارة فوق العادة لمثل هذه الأمور، لأنها تستغل من قبل جهات لا تريد بالإسلام خيراً، أو جهات لا تعي النتائج السلبية من خلال إشغال الواقع الاجتماعي والسياسي، لأن الاستكبار يقف ليقتل المسلمين هنا وهناك، وليصادر القضية الفلسطينية"؟

ولكنه هو نفسه قد تحدث في خطبة صلاة الجمعة في نفس ذلك الأسبوع العصيب عن زواج الإخوة بالأخوات من بنات آدم

عليه السلام، وتكاثر البشر من خلال ذلك، فهل قصة زواج الإخوة بالأخوات من أبناء آدم (ع)، وتكاثر البشر بهذه الطريقة أهم، وأولي من القضية الفلسطينية؟ وأهم وأولي من الدفاع عن أنبياء الله، وعن القرآن والإسلام؟!.

وهل إشغال الساحة الإسلامية بمسائل زواج الإخوة بالأخوات، كما دأب البعض علي ترويج ذلك في السنوات الأخيرة _ وما ندري ماذا يقصد من وراء هذا الترويج _ هل إن ذلك يمنع قوي الاستكبار من قتل المسلمين، ومن مصادرة القضية الفلسطينية؟!.

ولا ندري كيف ثبت عند هذا البعض:

"أن التناسل قد كان عن طريق زواج الإخوة بالأخوات"

وهو الذي يشترط الثبوت القطعي واليقيني للحوادث التاريخية ولا يكفي مطلق الحجة؟!

وكيف حصل لهذا البعض هذا القطع واليقين؟! مع وجود روايات تصرح بإنكار الأئمة الأطهار لهذا الأمر الخطير، الذي يوجب الطعن بطهارة مولدهم _ حسبما أشارت إليه تلك الروايات [59] ومع أن روايات إثبات ذلك موافقة لما عند غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام)..

6 _ ويتلخص موقف هذا البعض من قضية سبّ الأنبياء علي صفحات الجرائد بإيجاد العذر المقبول والمعقول _ بنظره طبعاً _ لمن فعل ذلك.. والتشكيك بل وإدانة من تصدّي لردّ التعدّي، والدفاع عن ساحة قدس القرآن والأنبياء والأصفياء..

وقد رأينا في المقابل أنه حين وجه لهذا البعض نفسه نقد علمي صحيح لا يحمل أية إساءة لشخصه قد ثارت ثائرته، وأقام الدنيا ولم يقعدها بعد بحجة أن في هذا إسقاطاً للرمز!! فماذا تراه سيفعل لو أن بعض الإهانات التي وجهها هؤلاء "المثقفون"للأنبياء. أو بعض ما وجهه هو نفسه إلي الأنبياء _ قد وجَّه إليه هو شخصياً. نعم، ماذا سيفعل؟ وكيف سيكون موقفه؟

7 _ إن هذا البعض نفسه يقول: إن

التحريف للتوراة قد نال معانيها، وأما تحريفات ألفاظها فكانت جزئية وطفيفة [60] .

فإذا صح ذلك، فلماذا يردع ذلك "المثقف"عن الاعتماد علي التوراة ويطلب منه الرجوع إلي القرآن؟!، وهل يصح ردعه عن دراسة كلام الله والاستفادة منه؟!، ثم.. تسويق المعاني التي يتوصل إليها؟! خصوصاً إذا كان ذلك الرجل مثقفاً قادراً علي ممارسة البحث والدراسة!! فليسمح له بالإعتماد علي التوراة إذن، فإنها لم تحرّف إلا تحريفات جزئية _ حسب زعمه _ إذا كان قادراً علي فهم معانيها بصورة سليمة، ومن دون تأثر بإلقاءات من يريدون حرف معانيها عن مسارها الطبيعي. إذ من الواضح أن مجرّد تحريفات جزئية وطفيفة لألفاظها لا تؤدي إلي نتائج خطيرة. وهل النتائج التي انتهي إليها كاتب المقال في جريدة السفير ليس لها هذا الخطر؟!

8 _ إن من الواضح أن معني كلام هذا البعض هو: أن التصدّي لدراسة الأنبياء من خلال التوراة ليس فيه أية إساءة، ولا مجال لإدانة من يتصدّي إلي ذلك، لا سيما إذا كان من "المثقفين"وكان أميناً في نقل مضامينها، فإن كان ثمة من إساءة ومن سلبية فإنما منشؤها من التوراة نفسها.. مع أن الحقيقة هي أن دراسة الأنبياء يجب أن تكون من المصادر المأمونة والموثوقة، التي لا تسيء إليهم عليهم الصلاة والسلام.

9 _ المفروض أن هذا البعض يعلم: أن قضية طهارة الأنبياء وعصمتهم عن فعل القبيح، لا تحتاج إلي النص الديني، وإلي الخبر الشرعي، سواء أكان من التوراة، أو من غيرها.. فان ذلك مما يعرف بالعقل، وتقود إليه الفطرة السليمة، فكيف صح له أن يجد العذر لهؤلاء في سبّهم الأنبياء، ورميهم هذا النبي بأنه لم يكن أميناً علي عرض مولاه، وذاك النبي بأنه كان لوطياً مفضوحاً؟!..

10

_ قد يكون لهذا البعض عذره _ باعتقاده _ في دفاعه عن كاتب المقال السيء، ومن قبله عن نصر حامد أبو زيد، وأضرابهما، وعدم رضاه باتخاذ موقف قوي وحاسم منهما، وممن هم علي شاكلتهما، وفق ما تفرضه أحكام الشرع والدين. وكيف يهاجمهم وهو نفسه قد وصف الأنبياء، أو احتمل في حقّهم عبادة الشمس والقمر والكواكب، وقتل النفس البريئة، وارتكاب جريمة دينية.. والجهل بالتكليف الشرعي. والخطأ في تقدير الأمور، والنظر إلي السماء نظرة حائرة بلهاء، والتهرب من المسؤوليات، والخطأ غير المقصود. وغير ذلك مما يجد القارئ شطراً وافياً منه في هذا الكتاب. فلعله وجد: أن ردّة الفعل إذا كانت قوية، تجاه هؤلاء.. فإنها ستكون تجاهه أقوي وأشد، لأنه يتكلم باسم الدين، وعلي أنه من رجاله وأعلامه..

11 _ ولنا الحق في أن نحتمل في حقّه أيضاً أن يكون ممن لا يري في نسبة هذه القبائح إلي الأنبياء أي محذور، فلا مبرر لأية ردّة فعل تجاههم، فانه يراهم كسائر الناس الذين لا يجد مانعاً من وصفهم بأي شيء مما ينسجم مع الضعف البشري..

فمن يواجه هؤلاء ويتصدّي لهم يكون _ بنظره _ لهم ظالماً، وسيجد نفسه امام الله عاصياً وآثماً. فمن واجبه إذن أن يواجه هؤلاء المدافعين عن المقدسات، وعن الأنبياء، وينهاهم عن المنكر، ويأمرهم بالمعروف؟!

12 _ ومن يدري فلعل تشكيكات هذا البعض، وكذلك مواقفه المتواصلة، وإصراره علي وصف الأنبياء بالسذاجة والإنجذاب إلي القبيح، وممارسة الرغبة المحرمة وغير ذلك مما ذكرنا آنفاً بعضه، وسواه مما لم نذكره في هذا الكتاب _ نعم لعل ذلك _ قد كان له الأثر في إيجاد قدر كبير من الجرأة لدي هؤلاء، ومن هم علي شاكلتهم للطعن بقداسة الأنبياء، وتصغير شأنهم،

وتوهين قدرهم، وفي نسبة القبائح، والإساءات والتقصيرات إليهم..

13 _ إن هذا البعض قد طرح في قضية نصر حامد أبي زيد لزوم إثارة جو إعلامي من حوله.. بدلاً من إطلاق الحكم الإسلامي العادل والصحيح في حقه..

فيا ليته رضي منا حتي ولو بهذا المقدار في حق من يصف نبياً من أنبياء الله بأنه لوطي مفضوح، ويصف نبياً آخر بأنه لم يكن أميناً علي عرض مولاه، ويرفض تقرير القرآن لنبوة نبيّين هما داود وسليمان..

14 _ وأخيراً.. كيف حكم بلزوم إطلاق الحرّية لكتب الضلال.. ثم حارب "كتاب مأساة الزهراء" وغيره مما يراه في هذا الإتجاه، وحاول منعها من التداول علي الأقل بين أنصاره ومريديه لأنه أسهم في فضح توجهاته الفكرية؟!

الدعوة إلي تجميد حكم إسلامي بلا مبرر.

الحكم الإسلامي بالكفر يظهر الشخص بصورة المضطهد.

الحكم الإسلامي يكسب المحكوم عليه عطفاً في مسألة التفريق بينه وبين زوجته.

لو عولجت قضية نصر أبو زيد بطرح أفكار تعارضه وتنتقده لما كبرت القضية في الإعلام العالمي.

إصدار حكم الإسلام في حق أبي زيد أخرج قضيّته عن حجمها الطبيعي.

ليس هناك في العالم من يجحد الفكر الديني.

لا يجحدون الفكر الديني رغم رسمهم علامات استفهام حول وجود الخالق.

لا يوجد ملحد في العالم.

الملحدون لا ينكرون، ولكنهم يشكّون.

أدلة الملحدين هي رفض أدلة وجود الله.

الملحدون يعجزون عن الاستدلال علي عدم وجود الله.

الشكّ في وجود الله ليس كفراً..

ويقول البعض:

"إن الردّة هي عملية جحود للإسلام، ولفظ له، وأعتقد: أنه ليس هناك في العالم من يحجد الفكر الديني، إذ إن كل حركة الفكر المضاد تتحرك راسمة علامات استفهام حول وجود الخالق، ولكنها لم تستطع إلي الآن أن تقدّم دليلاً علي

النفي فالنفي تماماً كما الإثبات يحتاج إلي دليل، لذلك فإنني لا أتصور أن هناك ملحداً في العالم لسبب بسيط جداً، وهو أنه لم يستطع أحد منذ أن نشأت الفلسفة المادية حتي الآن، أن يقيم دليلاً علي عدم وجود الله إنهم يقيمون الأدلة لو سميناها أدلة علي رفض أدلة وجود الله، ولكنهم لا يقيمون الدليل علي عدم وجود الله، معني ذلك أننا نضع هؤلاء في دائرة الشكّ _ والشكّ ليس كفراً _ بل هو حالة تساؤل وإثارة علامة استفهام تستوجب النقاش، بينما يدخل الكفر في دائرة الجحود، والإسلام ليس ضد النقاش، بل هو يدعو إليه.

وفي هذا المجال ننقل عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه جاءه رجل فقال له: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن شكَّ في الله؟ فقال: كافر يا أبا محمّد، قال: فشكَّ في رسول الله (ص)؟ فقال: كافر ثم التفت إلي زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد" [61] .

وورد في حديث آخر عنه أنه قال: (لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا) [62] .

إلي أن قال حول مسألة الحكم بالإرتداد علي نصر حامد أبو زيد وأمثاله:

"إن الإسلام لن يخسر كثيراً في تجميد حكم في حالة خاصة، ولكنه قد يعاني كثيراً أمام الواقع العالمي من إطلاق المسألة بهذا الشكل. ثم إننا في اتباعنا هذا الأسلوب نُظهر تلك الشخصية بصورة المضطهد، الأمر الذي يكسبه عطفاً، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالتفريق بينه وبين زوجته، مما يجعل هناك بعداً عاطفياً حتي علي مستوي الناس العاديين الذين لا يعيشون معني الحكم الإسلامي في هذه الأمور لذلك فإنني أتصوّر أنه لو تركت مسألة (مثل مسألة نصر أبو زيد) في حجمها الطبيعي

جداً وعولجت بطريقة أو بأخري، بطرح أفكار تعارضه وتنتقده وتثير الجو الإعلامي من حوله، دون إفساح المجال لمثل هذه التفصيلات، لما كان من الممكن أن تأخذ هذا الحجم في الواقع العالمي الإعلامي وفي الواقع الداخلي، بل لظهرت كقضية فكر إسلامي يقابل فكراً منحرفاً.

إنني أرصد الظاهرة من حيث السلبيات والإيجابيات التي يمكن أن تصيب الواقع والخط الإسلاميين، ولذلك أنصح بدراسة الظروف الموضوعية التي تحيط بمثل هذه الحالات، من ناحية الواقع السياسي الثقافي والاجتماعي" [63] .

وقفة قصيرة

ونقول:

ا _ إنه لا معني لتبرئة الذين يتحركون فكرياً في الاتجاه المضاد للإسلام وللإيمان، ويرسمون علامات استفهام حول وجود الخالق، ويدعون إلي الإلحاد ويعلنونه، ولكنهم حين يستدلّون عليه إنما يستدلّون بأدلة باطلة..

نعم، لا معني لتبرئتهم من أمر، هم أنفسهم يعلنون الإلتزام به!!

2 _ كما لا معني لإنكارهم بلا دليل سوي اتخاذهم سبيل الجحود للحقائق بلا مبرر!!

3 _ ثم لا معني لوضعهم في دائرة الشكّ، وهم يعلنون أنهم في دائرة اليقين بالنسبة لما يعلنونه، بل لابد من إلزامهم بما يلزمون به أنفسهم.

4 _ إن وجود الملحد في العالم لا يتوقف علي وجود أدلة صحيحة تثبت عدم وجود الخالق.

5 _ إن الشكّ الذي يعلنونه _ لو سلّمنا أنه لا يدخلهم في دائرة الإلحاد، لكنه لا يدخلهم في دائرة الإيمان والإسلام، الذي يتطلب اليقين والاعتقاد بالحق. إذ لا شكّ في أن هذا اليقين غير موجود، والإرتداد عن الإسلام لا يحتاج إلي أكثر من الخروج منه وإعلان عدم الإلتزام به.

ويتّضح ذلك جلياً حين نجدهم يصرّون علي البقاء في دائرة الشك _ المزعوم _ ويؤلفون الكتب التي تثبت بزعمهم عدم صحة ما استند إليه المؤمنون في إيمانهم. ويحاربون

هذا اليقين لدي المؤمنين ويحاولون إزالته بمختلف السبل، إذ إن شكاً كهذا، تحميه _ بزعمهم _ البراهين والأدلة علي النفي _ حتي لو كانت أدلة واهية _ يمثل إصراراً علي البقاء خارج دائرة اليقين، وإن اظهر مدّعيه أنه شاكّ بهدف ذرّ الرماد في العيون، تلافياً لبعض الإحراجات أو السلبيات التي ربما تواجهه.

وخلاصة الأمر: أن وضع أمثال هؤلاء الذين يعلنون الإلحاد في دائرة الشكّ ما هو إلا تبرع من هذا البعض، يرفضه أولئك المعنيون به أنفسهم قبل غيرهم ولا يقبلونه.

6 _ أما بالنسبة لحديث (لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا) فنقول:

أولاً: إن هذا البعض يصرّ علي لزوم تحصيل القطع واليقين في كل المعارف الإيمانية، والتاريخية وغيرها سوي الأحكام الفقهية الفرعية ولا يكتفي بمطلق الحجة _ فهل هذه الرواية يقينية عنده من حيث السند، ومن حيث الدلالة؟! أم أن خبر الواحد عنده يفيد اليقين كالخبر المتواتر؟!.

ثانياً: إن هذه الرواية قد افترضت حالة الجهل، والوقوف عند هذا الحدّ.. فهي لا تدل علي براءة من يجهد لإثبات مدّعاه، ويعمل لإيجاد الشكوك لدي الآخرين، ويكتب الكتب، والمقالات ويلقي الخطب والمحاضرات. ويدعو إلي الشك _ بزعمه.. نعم.. إنها لا تدل علي براءة هذا وأمثاله من الكفر، ولا تبقيه في دائرة الإيمان..

6 _ أما بالنسبة للرواية التي تقول: إن رجلاً سأل الإمام الصادق عليه السلام:

ما تقول في من شكّ في الله.

فقال: كافرٌ يا أبا محمد.

فقال: فشكّ في رسول الله (ص)؟.

فقال: كافر.

ثم التفت إلي زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد [64] .

فإن الرواية السابقة قد بيّنت المراد منها حيث افترضت في الشاكّ أن يلزم حدّه، ويقف عنده.

فإن

من يصبح داعية للشك، ويريد إشاعته، وإخراج الناس من حالة الإيمان ليس داخلاً في مضمون هذه الرواية كما أن من أقيمت الحجة عليه، واطلع علي البراهين المثبتة للالوهية وللنبوة لا يعود معذوراً في شكّه، فإن لله الحجّة البالغة علي كل البشر، ولا يصح ولا يقبل الشكّ بعد الإلتفات إلي تلك الحجّة، أو بعد الإطلاع عليها.

8 _ إن أسلوب الحكم بالإرتداد علي من يثير أفكاراً مخالفة للإسلام علي حدّ تعبير هذا البعض ليس من مخترعاتنا نحن كبشر، بل هو حكم إلهي لا بد من إعلام الناس به وتعليمه لمن يجهله، ويجب بيانه لكل من يحتمل في حقه ابتلاؤه به بشكل أو بآخر، وتحديد موارده ليمكن إجراء أحكامه. فان المرتد تبين منه زوجته المسلمة، ويحرم عليها التبذل أمامه، ولا يجوز لها معاملته كزوج. ويجب علي المسلمين التفريق بينهما، كما أن المرتد لا يرث المسلم، حتي لو كان أباً، أو أخاً، أو ابناً، له.. نعم، إن هذه الأحكام، ثابتة حتي لو اعتبر غير الملتزمين بالإسلام، هذا الرجل مضطهداً، ومظلوماً، واكسبه ذلك عطفاً منهم، فإننا لا نتوقع من هذا النوع من الناس غير ذلك..

ولو أن الشارع أراد مراعاة هؤلاء لم يمكن إجراء أي حكم من أحكامه. خصوصاً ما يتعلق منها بما يندفع إليه الفساق لممارسة حالات الشكّ والفجور والإنحراف

فلا مجال لرفع اليد عن هذا الحكم الإسلامي الصارم والحازم من أجل استحسانات من هذا القبيل، سواء بالنسبة لنصر حامد أبي زيد، أو بالنسبة لغيره.

وإذا تأملنا في كلام هذا البعض، فإننا سنجد أن من الطبيعي أن ينسحب كلامه هذا حتي علي مثل سلمان رشدي الذي عرف الجميع موقف الدين منه وحكم الإسلام، الذي أعلنه الإمام الخميني في

حقه.. ورأي الجميع أيضاً، مدي تعاطف المستكبرين والحاقدين مع ذلك الرجل المرتد والحاقد.

الفتاوي.. ومقولات حول المرأة

الفقه.. والفتاوي

بداية

إننا نقدّر: أن ما قدمناه فيما يتعلق بالمنهج الإستنباطي للبعض، قد جعل الصورة واضحة فيما يرتبط بالطريقة التي يتبعها في استنباط الفتاوي الشرعية واستنتاج الأفكار الدينية، كما أن ذلك قد أظهر إلي حد بعيد ما ستكون عليه الأمور في نهاية المطاف، والنتائج التي سوف تؤدي إليها هذه الطريقة في الإستنتاج والإجتهاد!! إن صح التعبير ولسوف لن يكون مستغرباً _ بعد كل ذلك _ ما ستطّلع عليه في هذه الفصول من الفتاوي البديعة التي أطلقها.

وأي غرابة فيما ستسمع وتقرأ في هذه الفصول بعد أن اطلع القارئ الكريم علي ما تقدم من تجويز العمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وفتح باب التأويل ودعوي إمكان الاستيحاء بطريقة يزعم أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يستوحون القرآن بها، وبعد تسويغ العمل بروايات العامة بدعوي عدم وجود الداعي للكذب فيها، بل ترك العمل بالكثير الكثير من روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بزعم كثرة الكذب والوضع فيها، وكون تنقيح إسنادها _ بسبب ذلك _ من المسائل المعقدة!! وبعد.. وبعد..

فإلي جملة من تلك الفتاوي والآراء التي سيجد القارئ الكريم من خلالها صحة ما نقول، ومن الله التوفيق والسداد..

مجرد نماذج فقط

بداية

اشاره

يقول البعض:

"ما من فتوي أفتيها في أي شيء، وفي أي شأن من الشؤون العامّة أو الخاصّة، إلاّ ولدي دليل اجتهادي علي طريقة المجتهدين، مما يسمّيه الإمام الخميني: (الإجتهاد الجواهري)، أي علي طريقة صاحب جواهر الكلام.

وما من فتوي أفتيها إلاّ وهناك فتوي مماثلة لأكثر من عالم من علمائنا الكبار، وقد تكون الخصوصية هي أن الفتاوي هذه اجتمعت عندي بما لم تجتمع عند بعض العلماء، ولذلك استغربها الناس" [65] .

ويقول ذلك البعض أيضا عن فتاويه، التي ربما استظرفها بعض إخوانه:

"إن هذه

الفتاوي بأجمعها مستنبطة من أدلتها، وما من فتوي إلاّ وه_ناك من العلماء من يوافقني فيها الرأي" [66] .

تعمد قول آمين ولو لم يقصد بها الدعاء لا يبطل الصلاة.

الميل إلي جواز التكتف في الصلاة.

الشهادة بالولاية فيها مفاسد كثيرة.

وكنموذج للمفارقات في منهجه الفقهي نذكر المثال التالي:

إنه يعتبر أن في قول: (أشهد أن عليا ولي الله) في الإقامة مفاسد كثيرة، حيث يقول وهو يتحدث عنها:

"لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة، في مقدماتها وأفعالها، لأن ذلك قد يؤدي إلي مفاسد كثيرة" [67] .

ولا ندري لماذا لا يزيلها من الأذان أيضا، فإنه أيضا من مقدمات الصلاة كما هو مقتضي عبارته؟!.

ثم يقول وهو يعدد مبطلات الصلاة:

"تعمّد قول آمين علي الأحوط، وإن كان للصحة وجه، لا سيّما إذا قصد بها الدعاء" [68] .

ثم يعد من المبطلات أيضا:

"التكفير _ وهو التكتف بوضع اليد اليمني علي الشمال، أو العكس _ علي الأحوط، ولاسيّما إذا قصد الجزئية، وان كان الأقوي عدم البطلان بذلك، في فرض عدم الجزئية، وانتفاء التشريع، خصوصا إذا قصد به الخضوع والخشوع لله".. الخ [69] .

إذن فليس لديه دليل علي بطلان الصلاة بالتكتف، ولا بقول آمين تعمدا، لكون المسألة احتياطية عنده، والإحتياط عنده يستبطن الميل للجواز [70] ، بل لا مانع عنده من قول آمين في الصلاة حتي لو لم يقصد بها الدعاء، لوجود وجه للصحة عنده. وكذلك الحال بالنسبة للتكتف في الصلاة، مع عدم قصد الجزئية.

والملفت هنا: أنه لم يسجل أي تحفظ علي ذلك _ فلم يعتبره يؤدي إلي مفاسد كثيرة _ كما تحفظ علي الشهادة الثالثة معتبرا لها كذلك، رغم أن التكتف

وقول آمين كلاهما مثلها عنصران جديدان دخلا في أمر واجب _ وهو الصلاة _ لا في مستحب.

فهذا العنصر قد دخل في الصلاة نفسها، لا فيما يحتمل كونه جزءا منها، رغم أن هذا الإحتمال _ أعني احتمال الجزئية _ موهون جدا..

ولماذا هذا الإحتياط في الشهادة الثالثة؟! أمن أجل مجرد احتمال؟ أليس هو نفسه يشن هجوما قويا علي كل العلماء الذين يوجبون الإحتياط حتي في موارد الأحكام الإلزامية [71] ؟!.

أم أنه نسي قوله السابق: إن الإنسان إذا أراد أن يعيش اجتهاده لنفسه من خلال تحفظاته الذاتية، فعليه أن لا يبرز للمجتمع كمرجع في الفتوي، بل عليه أن يحتفظ بفتاويه واحتياطاته لنفسه؟

ومن الغريب أيضا أن ينبذ الإحتياط في معظم مسائ_ل الفقه، _ ومسائله الفقهية تشهد بذلك _ ثم ينبري للإحتياط في الشهادة الثالثة لاحتمالات بعيدة لا يصح له الإعتداد بها بعد النظر إلي حكمه في مثيلاتها.

ولعل ما ذكرناه من التلميح يغني القارئ عن التصريح، فيما يرتبط بموقفه من أمرين: أحدهما يرتبط بعلي(ع)، والآخر _ أعني التكتف وتعمد قول آمين في الصلاة _ يرتبط بجهة تريد أن تكرس ما سوي خط ونهج علي (ع)!!. بعد أن حكم باستلزام ذكر الشهادة لأمير المؤمنين (ع) _ في كل من الأذان والإقامة _ لمفاسد كثيرة، والذي نتمناه هو أن لا يتوسل إلي المنع من قولها فيهما بالجبر والقهر.. وذلك إمّا عملا بالقاعدة التي استدل بها علي حرمة التدخين، وكل مضرّ، واستنبطها من قوله تعالي: (وإثمهما أكبر من نفعهما) [72] حيث فسّر الإثم بالضرر، من دون أن يكون لذلك شاهد من اللغة.. ولم يفسّر النفع بالمثوبة مع عدم وجود مرجح لأحدهما علي الآخر في نفسه، ومن حيث الإستعمال

في اللغة العربية، وإما عملا بلزوم دفع المنكر والفساد علي نحو التدرج في مراتب النهي عن المنكر، إلي أن تصل إلي حدّ القهر والغلبة مع إمكان ذلك.

وبعد، فإننا لا نريد أن نذكر هذا البعض بتعهداته بأن تكون جميع فتاويه تحظي بموافق لها من علماء الطائفة، فإن حكمه الإحتياطي باستحباب ترك الشهادة لعلي(ع) في الإقامة والأذان من دون قصد الجزئية كحكمه بطهارة كل إنسان، وأحكام له أخري لم نجد له موافقا، لا من الأولين ولا من الآخرين، بعد تتبعنا الواسع فيما يرتبط بالشهادة الثالثة لما يزيد علي رأي مائة عالم رضوان الله تعالي عليهم أجمعين..

فليته يذكر لنا عالما واحدا يعتدّ برأيه في هذه الطائفة، يقول: الأحوط استحبابا ترك الشهادة بالولاية في الإقامة وفي الأذان مع عدم قصد الجزئية!!

الدليل علي جواز الضحك.

وتحدث عن جواز الضحك في نطاق الجواب علي السؤال التالي:

الحديث يقول: الضحك يميت القلب،..

والعلم يقول: إضحكوا تصحوا، فحين تضحك، فإنّك تساعد جسمك علي العرق، وتحريك دمك، وفرز مادة الكربون، كما أن الفم قد يطلق عناصر هرمونية.

ج: "من قال بأن الضحك غير جيد؟! كثرة الضحك تميت القلب، وإلاّ، فالله يقول: (فليضحكوا قليلا)، ليس معناها أن لا يضحك أحد، لا، لازم دائما يبتسم المؤمن، لازم دائما يكون مبتسم.

الآن الفرزدق في مدحه للإمام زين العابدين(ع):

يُغضِي حياء ويُغضَي من مهابته فلا يُكلم إلا حين يبتسم

يعني ابتسامته تسبق كلمته. لا، يضحك الإنسان، يبتسم الانسان قي هذه الحياة.لكن عليه أن لا يكثر من الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب" [73] .

ونقول:

1 _ لاحظ استدلاله علي جواز الضحك بآية: (فليضحكوا قليلا، وليبكوا كثيرا)، التي عني الله بها غير المؤمنين من أهل

العذاب في الآخرة!!

2 _ ولا بأس بالتأمل أيضا في استشهاده بشعر الفرزدق علي جواز الضحك، مع أنه إنما تحدث عن التبسم، لا عن الضحك.

3 _ يلاحظ أخيرا أنه فسّر بيت الفرزدق بطريقة تظهر أنه قد قرأ كلمة (يكلَّم) بصيغة المبني للمعلوم، أي بكسر اللام، مع أنّها بفتح اللام المشدّدة.

الأخ والزوج وتارك الصلاة يتم إقناعه بالحكمة والموعظة الحسنة.

يجوز الإغلاظ في القول للأبوين في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يجوز حبس الأبوين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يجوز ضرب الأبوين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يجب الإغلاظ للأبوين وضربهما وحبسهما في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ضرب وحبس الأبوين والإغلاظ لهما من مصاديق البرّ بهما.

لا تضرب الزوجة مع إصرارها علي المنكر، بل تمارس عليها ضغوط خفيفة.

سئل البعض:

كيف يتصرف المؤمن مع الأب أو الأم إذا صدر منهما المنكر، أو ترك المعروف، وذلك من جهة جواز أو وجوب الإغلاظ عليهما في القول. وجواز أو وجوب الضرب، أو أن لهما مع الإبن وضعاً خاصاً؟.

فأجاب:

".. إذا توقف الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر علي الإغلاظ في القول، أو الضرب أو الحبس، أو نحو ذلك، جاز أو وجب القيام به، لأنه من مصاديق البّر بهما.

ولكن لا بد من التدقيق في دراسة الوسائل من الناحية الواقعية في ضرورتها أو جدواها، وعدم التسرّع في ذلك، فلا يقدم علي التصرفات السلبية، قبل اقتناعه بها. بطريقة شرعية، حتي لا يختلط عليه مورد البر بمورد العقوق" [74] .

وسئل البعض:

لقد ورد عنكم بأنه يجوز شرعاً أن ينهر الولد أباه بالعنف والضرب في سبيل الهداية، إذا كان الوالد علي ضلال، فهل لكم أن توضحوا لنا

هذا الأمر؟!

فأجاب:

"من أعظم موارد الإحسان إلي الوالدين هدايتهما إلي الصراط المستقيم، وإبعادهما عن الضلال، ومعصية الله. فإذا توقف ذلك علي العنف بالطريقة المعتدلة، بحيث يؤدي إلي هدايتهما، ولا طريق غير ذلك جاز، بل وجب.

وقد ورد في الحديث عن الأئمة عليهم السلام: أن شخصاً جاء إلي أحد الأئمة (ع) وقال له: إن أمي لا تردّ يد لامس، أي أنها تمارس الزنا، أو ما أشبه ذلك مما فيه معصية لله، فقال: احبسها فإن ذلك بر بها" [75] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن المعروف الذي يؤمر به قد يكون هو صلة رحمه مثلاً، فإذا قطع رحمه جاز ضربه لأجل ذلك.. والمنكر الذي لا يرتدع عنه قد يكون هو النظر للمرأة بشهوة أو الغيبة أو الكذب فيجوز الضرب والحبس للوالدين من أجل ذلك عند هذا البعض..

فهل ذلك مقبول يا تري؟

2 _ إن الله سبحانه يقول(وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم. فلا تطعهما، وصاحبهما في الدينا معروفاً) [76] .

والشرك هو من أعظم الذنوب بل هو أعظمها، حيث إن الله سبحانه يقول: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [77] .

فلا بد من ضربه ليقلع عن هذا المنكر الذي هو فيه.

فكيف إذا لم يكتف مرتكب هذا الذنب العظيم بشركه هذا، بل زاد عليه بأن حاول أن يدعو الناس إلي هذا الشرك وإقناعهم به؟!.

وكيف إذا زاد علي ذلك بأن مارس التخويف للمؤمنين، من أجل أن يحملهم عليه؟!

وكيف إذا بلغ به الأمر في ذلك إلي حد القتال عليه بالسلاح، أو بغيره من أجل فرض ذلك علي الناس المؤمنين المهتدين؟!.

ومع ذلك فإن

الله سبحانه يطلب من الولد إذا كان فاعل ذلك هما أبواه _ أن لا يستجيب لهما فيما يطلبانه منه، ويجاهدانه عليه.

ويلاحظ: أنه لم يأمره _ بأن يعاملهما بالمثل ليدفعهما عن نفسه..

ولا أمره بأن يغلظ لهما في القول.. أو أن يظهر التنفّر منهما.. أو حتي أن يتركهما ويبتعد عنهما..

بل هو أمر بصلتهما، وبمصاحبتهما. ثم يزيد علي ذلك أن تكون هذه الصلة والصحبة علي درجة من الإيجابية بحيث يعرف ذلك منه فيهما فيقول سبحانه: (وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً).

3 _ ورغم أن الله سبحانه لم يسجل في القرآن أية حالة سلبية يمكن للولد أن يمارسها تجاه والديه، بل كل ما في القرآن قد جاء علي النقيض من ذلك..

وقد سجّل بالنسبة للزوجات بعضاً من ذلك حيث أجاز ضربهن، وهجرهن في المضاجع إذا ظهرت عليهن أمارات النشوز فقال تعالي: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) [78] .

نعم، رغم ذلك كله، فإننا نجد لهذا البعض بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للزوجة موقفاً آخر..

فقد سئل:

ما هو الواجب علي المكلف تجاه زوجته التي لا تلتزم الحجاب الشرعي. وقد حاول معها مراراً بالإقناع فلم تلتزم؟!. وما حكم صلاتها وعبادتها؟!.

فأجاب:

"الواجب عليه أن يأمرها بالمعروف، وينهاها عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة. وأن يمارس بعض الضغوط الخفيفة، الذكية، التي لا تخلق مشكلة كبري. ولا يجب عليه طلاقها مع امتناعها عن الاستجابة إلي ذلك.

أما صلاتها وعباداتها فهي صحيحة مع استجماعها للشرائط.." [79] .

4 - وحين يسأل البعض أيضاً عن التعامل مع تارك الصلاة، وهو من الأقارب نجد: أنه لا يطلب

من السائل حبسه أو ضربه، بل يطلب منه الصبر علي الحياة معه..

فقد سئل:

كيف نتعامل مع تارك الصلاة خصوصاً إذا كان هذا التارك من الأقرباء؟

فأجاب:

"إذا كان من الأقرباء مثل الزوج، أو الزوجة، أو الأخ، أو الأخت، أو من غيرهم فبطريقة: (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [80] و(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [81] و(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) [82] ؟.

إذا اتبعنا ذلك، وكنّا جادين، ونملك عقلاً وصدراً واسعاً، فإننا نستطيع الصبر علي من عاشوا في تربية سيئة، أو بيئة سيئة، أو ضالة لنحاول إقناعهم بالحقِّ في نهاية المطاف" [83] .

فنلاحظ: أنه لم يوصِ بالعنف علي تارك الصلاة في صورة إصراره علي هذه المعصية الكبيرة.

5 _ وفي مورد آخر نجد: أنه هو نفسه قد ناقض نفسه حين سئل عن أب يحمل أفكاراً إلحادية، هل يجب علي أبنائه البرّ به، وكسب رضاه؟..

فأجاب بالإيجاب، واستدل علي ذلك بنفس آية: (وإن جاهداك علي ان تشرك بي..) فراجع [84] .

فيا سبحان الله، كيف يجب البرّ بأب يحمل أفكاراً إلحادية، وكسب رضاه، ويجب ضرب الأب المسلم الذي لا ريب في إسلامه ودينه وعقيدته.. وكيف يمكن لولده كسب رضاه بعد أن ينهال عليه بالركل والضرب، ويواجهه بالحبس، وما إلي ذلك؟!

6 _ علي أن الرواية التي يتمسك بها هذا البعض لتجويز ضرب الوالدين وحبسهما غير ظاهرة الدلالة علي ما يقول. فقد روي الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الصادق (ع) قال: جاء رجل إلي رسول الله (ص) فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس.

قال: احبسها.

قال: قد فعلت.

قال: فامنع من

يدخل عليها.

قال: قد فعلت.

قال: قيّدها فإنك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز وجل) [85] .

فيرد علي استدلاله بهذه الرواية:

أولاً: إن الرواية لم تذكر الضرب، فكيف استفاد ذلك منها، فإن الحبس أدني من الضرب، والانتقال من الأدني إلي الأعلي مما لا يقبله العرف في مقام الخطاب؛ فليس هذا المورد من موارد مفهوم الموافقة كما هو ظاهر.

ثانياً: من أين علم: أن المقصود من قول ذلك الرجل عن أمه: إنها لا ترد يد لامس هو أنها تمارس الزنا؟!

ثالثاً: إذا كانت الرواية مخالفة لظاهر القرآن فلا بد من تأويلها إن أمكن أو طرحها.

رابعاً: المراد بالحبس قد لا يكون هو السجن، بل يكون معني لا يتنافي مع البرّ بها، كأن يكون المراد مجرّد وضع العراقيل أمام خروجها وملاقاتها للرجال، والخلوة بهم، فإن لم ينفع ذلك فقد أجاز له الإمام أن يمنع الرجال من الوصول إليها فإن لم ينفع ذلك لجأ إلي تضييق الخناق عليها إلي درجة أن لا تستطيع أن تري رجلاً أو أن يراها رجل.

وذلك لا يستلزم سجنها بالمعني المعروف للسجن، بل تبقي علي اتصال مباشر بالنساء وبالأولاد، وبالمحارم.

وأما المراد بتقييدها.. فقد يكون سدّ منافذ اتصالها بالرجال إلي درجة تصبح لا حول لها ولا قوة، وغير قادرة علي أي تحرك وقد احتمل الحر العاملي أن يكون المراد:

(هو أن يربط الزانية بالزوج كما يربط البعير الشارد بالعقل) [86] .

ولو لم يمكن قبول هذه التفسيرات للرواية فلا بد من التوقف عن العمل بها لأنها تكون _ كما قلنا _ منافية لظاهر القرآن فلا مجال للأخذ بظاهرها، خصوصاً علي القاعدة التي يقول: إنه يلتزم بها، من

عرض كل الحديث علي القرآن..

7 _ بقي أن نشير إلي أن هذا البعض قد يلجأ إلي التمسك بكلام الآيات العظام: السيد الخوئي قدس سره والشيخ التبريزي حفظه الله، وأطال بعمره في هذا المقام ولكننا نقول له:

أولاً:

إننا لو سلمنا: أن ما ذكراه متطابق مع ما ذكره.. فإننا نقول:

إن منهج هذا الرجل _ كما هو ظاهر لا يخفي _ هو جمع الأقوال التي تتناسب مع منهجه، وضم بعضها إلي بعض ليصبح المجموع مخلوقاً فريداً ومتميزاً لا شبيه له ولا نظير.

ثانياً:

إن من الواضح: أن هذين العلمين لهما منهج سليم في الإستدلال والإستنباط ولو فرض ظهور إخلال به في بعض الموارد، فانهما إذا نبههما أحد إلي عدم انسجام ما يذهبان إليه في مورد، مع قواعدهما ومع منهجهما فإنهما يتنبّهان إلي ذلك ويرجعان إلي الأصول والمناهج التي أصلاها واعتمداها..

وهذا بخلاف من يكون منهجه يتناغم وينسجم مع المقولات التي عرفنا في هذا الكتاب جانباً منها.

ثالثاً:

إن الملاحظ هو أن السؤال الوارد في صراط النجاة، وإن كان عن أن مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل تشمل الوالدين أو لا تشملهما.

لكن جواب آية الله العظمي السيد الخوئي قدس سره هو:

"إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختصان بغير الوالدين" [87] .

فلم يشر إلي المراتب لكنه تحدث عن أن علي الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حتي والديه.

أما آية الله العظمي التبريزي حفظه الله فهو يشترط في ضرب البالغين إذن الحاكم الشرعي حيث إن دخول الضرب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ظاهر [88] ، علي أن ثمة من يحتمل أنه يقصد بقوله:

"لكن لا بأس بالنسبة إلي الوالد

والوالدة أو غيرهما من الأهل إذا توقف منعهم عن محارم الله علي ذلك"

أن للوالد والوالدة الحق في ضرب أبنائهم إذا توقف امتناع الأبناء عن المنكرات علي ذلك لا العكس.

وحتي لو قيل: إن السيد الخوئي أو غيره يجيزون ذلك، فليس من حق من يتخذ لنفسه منهجاً مغايراً أن يحتج بقول هؤلاء في ذلك..

أضف إلي ما تقدم: أن الأقاويل الفريدة، والعجيبة، والغريبة، لهذا البعض تدل علي خلل حقيقي في منهجه.. وذلك ظاهر لا يحتاج إلي بيان.

هذا كله عدا عن المفارقات التي ظهرت في أقاويل هذا البعض في خصوص هذا المورد حيث لم يفت بذلك بالنسبة لغير الأبوين، كما تقدم.

مع موت الدماغ لا يجب وض_ع أجهزة التنفس، ولا يحرم قطعها.

إذا تحقق موت الدماغ لا يجب التغذية.

لا بد للطبيب أن يستأذن ولي المريض في إنهاء هذا النوع من الحياة.

الميت دماغياً لديه حياة الخلية لا حياة الإنسان.

الموت الطبي ليس محرزاً بالدليل الشرعي.

سئل البعض:

قد تصل حالة المريض إلي أن يتعطل العقل (الدماغ) ويموت، ويحاول الدكتور المحافظة علي حياة المريض عبر أجهزة التنفس والتغذية التي بدونها لا يستطيع المريض أن يتنفس أو يتغذي، مما يؤدي إلي الموت، فنحن في حيرة، هل يجوز رفع هذه الأجهزة عن المريض؟ وهل يعتبر رفعها قتلاً؟ علماً أن الدماغ قد مات، وموته يعني موت الإنسان طبّياً، فإلي من نرجع في هذه الأمور؟

فأجاب:

"إذا تحقق موت الدماغ باليقين، فلا يجب وضع أجهزة التنفس والتغذية، ولا يحرم رفعها إذا كانت موجودة، ولا يعتبر ذلك من القتل المحرَّم" [89] .

ويُسأل هذا البعض مرة أخري:

(الموت الرحيم) هل يرجع تحديده للطبيب، أم للحاكم الشرعي، أم للمريض نفسه؟

فيجيب:

"إذا كان المقصود من الموت الرحيم، الموت الذي يريح المريض، باعتبار أن الآلام تصل إلي حد لا تطاق عادة، فإن هذا لا يجوز، فإن قتل الإنسان حتي لو كان ذلك رأفةً به لا يجوز.

وإذا كان المراد بالموت الرحيم، هو قتل المريض تخفيفاً علي أهله من جهة أنه ميؤوس منه، باعتبار أنه سيموت بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام قطعاً، فهذا لا يجوز أيضاً، لأنه لو بقيت لهذا المريض ساعة من الحياة، لما جاز لنا أن نسلبها هذا الإنسان.

أما إذا كان المراد بالموت الرحيم حالة الموت الدماغي، كما لو افترضنا أن المريض مات طبياً، بمعني توقف الدماغ بالطريقة التي لا مجال فيها ولو بنسبة 1% بعودته إلي العمل، ففي هذه الحالة نري أنه لا يجب وضع الجهاز الذي يطيل أمد الحياة للجسد بمعني حركة القلب، ولا يحرم إزالة الجهاز، لو كان موجوداً في هذه الحالة.

وهذه المسألة يرجع تحديدها للطبيب المشرف علي المريض، كما أنها تكليف الأهل لتمكين الطبيب من ذلك، حيث لا سلطة للطبيب علي أن ينهي حياة هذا الإنسان أو ينهي هذا النوع من الحياة، لأن للمريض ولياً، ولا بد للطبيب من مراجعته في هذا الشأن. حيث يجوز للولي نتيجة تشخيص الحالة من قبل الطبيب أن يسمح له بإجراء هذه العملية. ولعل الأساس في ذلك أن الأدلة التي تدل علي وجوب إنقاذ حياة المريض لا تشمل هذا النوع من الحياة التي هي حياة الخلية لا حياة الإنسان، تماماً كما هو مظهر الحياة في ذنب الأفعي أو الوزغ بعد الموت، كما أن الدليل الذي دلّ علي حرمة إنهاء الحياة للإنسان بالقتل لا يشمل هذا المورد.

وليس الأساس هو صدق الموت علي الموت

الطبي، لأن ذلك ليس محرزاً بحسب الأدلة الشرعية، والله العالم" [90] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا قبل أن ندخل في بيان مواضع الخلل في كلام هذا البعض نشير إلي أن علينا أن نعترف بالعجز عن فهم فقرة وردت والسؤال حيث يفهم منه أنه يمكن الرجوع إلي الميت (بالموت الرحيم) في تحديد الموت الرحيم..

وبعد هذه الملاحظة نقول:

1 _ هل يستطيع هذا البعض الجزم بأن هذا الموت الدماغي هو الموت الحقيقي، الذي يكون فيه عزرائيل قد أتم قبض روح ذلك الشخص، وصعد بها إلي الملأ الأعلي.. بحيث يصح أن نقول جزماً: إنه قد أصبح جسداً لا روح فيه؟!.

2 _ ما معني تعليله لزوم إجازة ولي المريض للطبيب بقوله:

"حيث لا سلطة للطبيب علي أن ينهي حياة هذا الإنسان، أو هذا النوع من الحياة، لأن للمريض ولياً".

فإذا كانت حياة فكيف جاز إزهاقها؟!. وإذا لم تكن حياة فلماذا احتاج الطبيب إلي إجازة الولي؟!.

إلا إذا كان المقصود هو إجازته من حيث التصرُّف في جسد الميت.

ويجاب عنه: أن رفع الأجهزة قد لا يكون فيه تصرُّف في المريض يحتاج إلي إجازة، لا سيما إذا كانت الأجهزة ملكاً للطبيب.

3 _ وإذا كانت حياة أو نوعاً من الحياة فكيف جاز للولي الإجازة بإزهاق روح هذا المريض وإنهاء حياته؟! أو فقل: إنهاء هذا النوع من الحياة. ومن أين جاءته السلطة علي ذلك؟!، وما هو الدليل علي جواز أن يسمح للطبيب بإجراء هذه العملية؟! فإن ولايته بالنسبة إلي المريض لا تعني جواز قتله، أو جواز إنهاء هذا النوع من الحياة.

4 _ أما بالنسبة لإطلاق الأدلة. فنقول: ما هو الوجه الذي قيد إطلاقها وجعله لا يشمل هذا النوع من الحياة؟!. ولماذا

لا يشمل دليل حرمة القتل هذا المورد.. مع اعترافه بعدم صدق الموت علي الموت الطبي. ومع اعترافه بأن الأدلة الشرعية غير قادرة علي شمول الموت الطبي.

5 _ وهل يلتزم هذا البعض بوجوب غسل مسّ الميت لمن مسّ إنساناً قد مات دماغه؟!.. وهل يجيز دفنه وهو في هذه الحالة؟!. وهل تعتدّ زوجته منذ بدء هذا الموت الدماغي عدة الوفاة، ثم تتزوج بغيره؟! خصوصاً إذا امتد وضع الأجهزة إلي أشهر عديدة ولو أنه صلي عليه وغسله غسل الميت وهو في هذه الحالة هل يلتزم بإجزاء هذه الصلاة، وذلك الغسل، وعدم لزوم إعادتهما بعد فصل الأجهزة عنه وتوقف قلبه؟!..

وإذا قالوا: إن الاحتياط يقتضي عدم ترتيب كل هذه الآثار، ويقتضي إعادة ما يحتاج إلي إعادة..

فإننا نقول: لماذا لا يقتضي الاحتياط عدم إبعاد الأجهزة عنه والإقدام علي قتله؟!

6 _ ما معني تشبيه هذه الحالة بحالة ذنب الأفعي أو الوزغ بعد الموت؟ فإن كان التحرك نتيجة عملية خروج الروح منه، فإن الموت لا يصدق إلا بعد انتهاء خروجها، وإن كانت مجرّد تقلّصات للخلايا بعد خروج الروح، فلماذا لا يصدق عليه أنه موت بحسب الأدلة الشرعية حسب اعترافه؟!.

7 _ من الذي قال لهذا البعض إن هذا المستوي من المرض مهما كان خطيراً يجيز له أن يحرم المريض من أنفاسٍ بقيت له يُنيله الله من خلالها الثواب الجزيل، والأجر العظيم علي ما يعانيه في هذه الدنيا. فلماذا يريد أن يحرمه من هذا الثواب؟.

8 _ وبعد.. ألم يسمع هذا البعض بالكثير من الحالات التي تم فيها شفاء مريض قد يئس الأطباء من شفائه؟ وشخّصوا موته دماغياً؟، وأعلن ذلك في تقارير نشرت في الصحف، وعلي شاشات التلفاز؟ فلماذا يحرمه

من هذه الفرصة. أو علي الأقل يحرم أهله من الدعاء والابتهال إلي الله لشفائه؟ ومن ثواب هذا الدعاء.. ويحرمهم من الصبر علي المعاناة، ومن ثواب وأجر الصابرين؟.. ويدفعهم إلي ارتكاب جريمة في حق إنسان يعترف هو نفسه بأن الأدلة الشرعية لا تساعد علي اعتباره ميتاً..

9 _ وإذا كان الموت الطبي غير محرز بالأدلة الشرعية، فكيف أحرز عدم وجوب تغذية ذلك المريض؟!..

فإن كان ذلك خوفاً علي الأموال، فالأموال إنما هي للمريض نفسه، أو من بيت المال.

وكيف أحرز جواز أن يأذن الولي بإنهاء هذا النوع من الحياة؟!.

10 _ والأغرب من ذلك والأعجب: أنه حكم علي هذا النوع من الحياة: أنه حياة الخلية _ كما هو الحال في ذنب الأفعي _ لا حياة الإنسان.. ثم هو يقول:

"إن الموت الطبي غير محرز بالأدلة الشرعية"!!.

فإذا كان قد أحرز أنها حياة الخلية فقط.. لا حياة الإنسان، فإن عليه أن يحرز موته طبياً.

11 _ إن حياة الجنين قبل ولوج الروح فيه هي الأخري حياة الخلية أو حياة النباتية فلماذا حرم الشارع المساس بها. ومنع الحامل من محاولة الإسقاط؟!

عملية إعادة العذرية جائزة في صورة الحرج.

إعطاء الرخصة في إعادة العذرية قد يؤدي إلي التساهل في العلاقات الشرعية _ كالمتعة.

التساهل في العلاقة الشرعية قد يحقق بعض المفاسد الأخلاقية.

سئل البعض:

ما تعليقكم علي من تقوم بعملية إعادة العذرية لمن فقدتها، لحدث أو خطأ ما من أجل إيهام الزوج القادم بأنها عذراء، في حال كونها تعيش في مجتمع لا يغفر لها غلطتها، وقد يعرضّها ذلك إلي خطر كبير يهدد حياتها؟

فأجاب:

"إذا كان الأمر يؤدي إلي عار لا يتحمل عادةً، ويؤثر تأثيراً كبيراً علي سمعتها، مما

يشكل حرجاً عليها، أو إلي قتل أو ما أشبه ذلك، فإنه يجوز لها، ولكن لا بد من الاحتياط في ذلك بعدم اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة القصوي.

ولا يكتفي فيه بالحالات العاطفية في ظروف المرأة التي فقدت عذريتها، لأن إعطاء الرخصة في مثل هذه الأمور قد يشجع الكثيرات علي الجرأة في ممارسة الإنحراف الجنسي، وفي التساهل في العلاقات _ حتي الشرعية _ كالعقد المنقطع، مما قد يحقق بعض المفاسد الأخلاقية أو المشاكل الاجتماعية الناشئة من ذلك" [91] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إذا كانت العلاقة في المتعة شرعية، فهل المطلوب هو التعقيد في العلاقات الشرعية أم التسهيل؟.

2 _ وهل ممارسة المتعة بصورة شرعية يحقق المفاسد الأخلاقية؟! وكيف؟!

3 _ وإذا كان الزواج جارياً وفق أحكام الشرع فلماذا وما هو المبرر لنشوء مشاكل اجتماعية فيه إلا الحمية الجاهلية، ورفض الإنقياد لأحكام الله؟! وإذا كان الزواج المنقطع يفسد الأخلاق، فإن الزواج الدائم أيضاً كذلك لا سيما إذا تكرر الطلاق والزواج.

4 _ وما هو الربط بين التشدد في أمر إعادة العذرية وبين فساد الأخلاق في الزواج الموقت؟!. فإنه إذا جاز لها أن ترخص زوجها في افتضاضها، فإن ذلك ليس من فساد الأخلاق في شيء.

بل ممارسة لحق مشروع ومعترف به وممضي من قبل الشارع.

5 _ وهل إعادة المرأة لعذريتها من شؤون الحاكم الشرعي، حتي تحتاج كل من تريد إعادة العذرية لنفسها أن تستأذن منه؟!

6 _ ومهما يكن من أمر.. فإن عطفه الزواج المنقطع علي مسألة الشذوذ الجنسي وجعلهما في خانة واحدة غريب وعجيب!!، ولا يمكن قبوله بأي وجه..

كما أن اعتبار الزواج المنقطع سبباً في الانحراف الأخلاقي. أغرب وأعجب!!.

وما عشت أراك الدهر عجباً!!.

طهارة كل إنسان.

الرأي العلمي للشهيد الصدر هو طهارة كل إنسان.

الشهيد الصدر فضل الإحتياط في الفتوي بنجاسة الكافر.

سئل البعض:

يبدو أن بعض فتاواكم الجديدة هي مما سبق لعلماء آخرين وفقهاء ومراجع أن قالوا بها. هل تسلطون الضوء _ بشكل استقرائي _ علي بعض النماذج والأمثلة في هذا الصدد؟

فأجاب:

"إن رأينا في طهارة كل إنسان يوافق الرأي العلمي للسيد الشهيد (الصدر) والذي فضل الإحتياط في الفتوي حوله. وهناك أكثر من فقيه معاصر يلتقي معنا فيه" [92] .

وقفة قصيرة

ونسجل هنا الملاحظات التالية:

1 _ إن هذا البعض يدعي:

"أن الرأي العلمي للشهيد الصدر هو طهارة كل إنسان.."

وقد راجعنا الكتاب الاستدلالي للشهيد الصدر، فلم يظهر لنا من كلامه أنه يقول: بطهارة كل إنسان حتي الملحد.. بل نجد في كلامه ما يشير إلي ضد ذلك، فهو يقول وهو يتحدث عن الإجماع علي نجاسة الكافر:

(.. وأما بالنسبة إلي المشرك، ومن هو أسوأ منه، فإن لم يمكن التعويل علي الإجماع فيه جزماً، لضآلة منافذ التشكيك، فلا أقل من التعويل عليه بنحو الاحتياط الوجوبي) [93] .

ويقول:

(وعلي ضوء ذلك كله نلاحظ: أن أدلة القول بالنجاسة لم يتم شيء منها في الكتابي. وأن المتيقن من تلك الأدلة _ التي عمدتها الإجماع _ المشرك ومن يوازيه، أو من هو أسوأ منه كالملحد.

وعلي هذا يتجه التفصيل بين هذا المتيقن، فيحكم بالنجاسة في حدود المتيقن، ويحكم بالطهارة في ما زاد علي ذلك) [94] .

2 _ أما بالنسبة لقوله:

".. وهناك أكثر من فقيه يلتقي معنا فيه.."

فنقول: قد عرفنا فيما تقدم حال ما نسبه إلي الشهيد الصدر في هذا المقام، حيث ظهر أنها نسبة غير صحيحة؛ فنحن بالنسبة

لما نسبه إلي غيره رحمه الله لا يسعنا إلا الإنتظار إلي الوقت الذي يبوح لنا هذا البعض فيه بأسمائهم لنراجع كتبهم، فلعل حالهم حال ذلك الشهيد السعيد الذي عرفنا حقيقة موقفه.

3 _ أما احتياط الشهيد الصدر في الفتوي بنجاسة غير الكتابي فيقابله ما ذكره هذا الشهيد السعيد رحمه الله في الفتاوي الواضحة ص227 حيث يقول ما يلي:

(.. وكل كافر نجس، ويستثني من نجاسة الكافر قسمان من الكفار.. [95] أحدهما أهل الكتاب..الخ..).

يحتمل احتمالاً قوياً جداً أن الإقامة جزء من الصلاة.

تذكر الشهادة بالولاية في الأذان ولا يجوز ذكرها احتياطاً في الإقامة.

الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم جائزة في كل موقع في الصلاة.

سئل البعض:

هل تعتبر الإقامة عندكم جزءاً من الصلاة؟.

فأجاب:

"لم يثبت عندي أنها جزء من الصلاة، ولكن يحتمل ذلك من جهة بعض الروايات، مما جعلنا نحتمل احتمالا قوياً جداً، لأن الإقامة لا بد فيها من الطهارة أو الوضوء أما الأذان فلا تجب فيه الطهارة ويجوز الالتفات في الأذان، فيما لا يجوز الالتفات في الإقامة.

وتجوز الفاصلة بين الأذان وبين الصلاة، ولكن لا يجوز أن تكون هناك فاصلة بين الإقامة وبين الصلاة.

وهناك حديث نناقش في سنده: (إذا دخل في الإقامة، فقد دخل في الصلاة)، وهو موجود في الوسائل.

ولذلك نقول: الأحوط أن لا ندخل في الإقامة أي شيء لا يجوز إدخاله في الصلاة.

وهذا هو الذي جعلنا لا نذكر الشهادة الثالثة في الإقامة، مع أننا نقولها في أذان صلواتنا. وإن كانت هي ليست أصلاً، لا في الآذان ولا في الإقامة. بإجماع العلماء تقريباً. باعتبار احتمال أن تكون الإقامة جزءاً من الصلاة، فلا يجوز أن تدخل فيها شيئاً من باب الإحتياط"

[96] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن الاحتياط قول بالجواز، وميل إليه حسب تقرير والتزام هذا البعض، فلا يصغي لقوله:

"فلا يجوزان تدخل فيها شيئاً.. من باب الاحتياط.."

فانه تعبير متناقض بناء علي ما يقوله نفس هذا البعض.. لأن كلمة لا يجوز تناقض الميل إلي الجواز، وعدّ من يقوله من القائلين بالجواز.

2 _ لقد سئل هذا البعض نفسه:

هل يجوز للإنسان الاستعاذة في أي موضع من مواضع الصلاة؟

فأجاب:

"نعم، يستطيع أن يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) في كل موقع من الصلاة؛ لأن هذا من الذكر لله سبحانه وتعالي. والدعاء لله سبحانه وتعالي. وهو جائز في كل موقع من الصلاة" [97] .

ويا ليته رضي بمثل هذا بالنسبة إلي الشهادة لعلي بأنه ولي الله في الإقامة علي الأقل. فإنها أيضاً فيها ذكر الله سبحانه، وقربة له، وطاعة، وامتثال لأوامره المطلقة التي تطلب منا الشهادة لعلي بالولاية..

3 _ إن التمسك بأمر لم يثبت لدي هذا البعض، وإنما هو مجرد احتمال.. لا يوجب علماً ولا عملاً، ولا يستند إلي دليل علمي مقبول..

لا مجال لتفسيره إلا علي أنه التماس للمبررات، وتمسك ولو بمثل الطحلب للتمكن من الإصرار علي استبعاد هذه الشهادة من الإقامة. بعد أن لم يستطع إقناع الناس بأن في ذكرها مفاسد كثيرة علي حد تعبيره.

ويؤكد لنا هذه الحقيقة: أنه لم يفعل مثل ذلك في أي موقف آخر.. ولم يستند إلي الاحتمالات مهما كانت قوية إلا في مثل هذا المورد اللهم إلا في مورد قول آمين، والتكتف بالصلاة، ونحو ذلك.

بل إنه قد احتاط في التكتف بالصلاة حتي مع قصد الجزئية رغم أنه بدعة. مع تصريحه بأن الاحتياط الإلزامي بالنفي ميل إلي الجواز

لعدم وجود الدليل علي التحريم.

4 _ قد ورد في الروايات جواز التكلم وهو يقيم الصلاة، وبعد ما يقيم [98] وذلك ينقض حكمه بأنها جزء من الصلاة، ثم احتياطه بعدم جواز ذكر الشهادة لعلي (عليه السلام) بالولاية فيها.

5 _ قد ذكر أنه يجب التوجه إلي القبلة في الإقامة، ولا يجب ذلك في الأذان، وهذا غير مسلّم، فقد روي أن علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم (عليه السلام): عن رجل يفتتح الأذان والإقامة، وهو علي غير القبلة، ثم استقبل القبلة، قال: لا بأس [99] .

6 _ إن الروايات التي وردت عن الأئمة عليهم السلام، وهي تعد بالمئات. قد قرنت في معظمها فيما بين الأذان والإقامة.. وتحدثت عنهما بأسلوب واحد، غير أنها أفردت الإقامة ببعض الخصوصيات والأحكام، وأفردت الأذان أيضاً ببعض الخصوصيات.. مع أن الروايات _ حتي في موارد الحديث عن تلك الخصوصيات لهذا وتلك قد قرنت بينهما في الحديث، وذلك يشير إلي اشتراكهما في حكمهما العام، وهو الإستحباب. وإن اختلفا في بعض تفاصيل هذا الإستحباب.

7 _ إن هذا البعض قد برر احتماله القوي (!!) جداً (!!) بأن الإقامة جزء من الصلاة بأمور أربعة هي:

"عدم جواز الإلتفات.

اشتراط الطهارة.

اشتراط الإستقبال.

عدم الفصل بينها وبين الصلاة.."

ونحن نجد أن هذه الأربعة مجتمعة قد اشترطت في دعاء التوجه إلي الصلاة [100] ، وعند القيام إليها [101] وفي التكبيرات السبع التي تفتتح بها الصلاة، فان التكبيرات التي تسبق تكبيرة الإحرام ليست جزءاً من الصلاة..

كما أنه يستحب الدعاء بالمأثور في أثناء تلك التكبيرات [102] ،

8 _ ورد في الروايات:

أ: أن مفتاح الصلاة التكبير [103] فلو كانت الإقامة جزءاً من الصلاة لكان اللازم القول:

إن مفتاح الصلاة الإقامة.

ب: لقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن النبي (صلي الله عليه وآله): (افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) [104] .

ج: في حديث عن (الله اكبر) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (لا تفتح الصلاة إلا بها) [105] .

د: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يكبر حتي افتتح الصلاة، (قال: يعيد الصلاة) [106] .

ه_: في حديث عن ابن يقطين: سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل ينسي أن يفتتح الصلوة حتي يركع، (قال: يعيد الصلاة) [107] .

و: عن الإمام الرضا (عليه السلام): (الإمام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح) [108] .

ز: عن عمار: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها خلف إمام، فلم يفتتح الصلاة، قال: (يعيد الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح) [109] .

ح: عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الإنسان لا ينسي تكبيرة الافتتاح) [110] .

ط: عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير الخ.. [111] .

ي: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل عن رجل (نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتي كبر للركوع الخ..)

فكل هذه الأحاديث _ باستثناء حديث: ب _ اعتبرت أن افتتاح الصلاة هو التكبير لا الإقامة فكيف يحتمل هذا البعض احتمالاً قوياً جداً!! أن الإقامة جزء من الصلاة وما قيمة الرواية الضعيفة باعترافه التي تحدث عنها؟!

ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية [112] .

9 _ إن هذا البعض قد ذكر _ حسبما تقدم _ عن قول: "أشهد أن علياً ولي الله" ما يلي:

".. لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر

جديد في الصلاة، وفي مقدماتها وأفعالها لأن ذلك قد يؤدي إلي مفاسد كثيرة.."

مما يعني: أن حديثه شامل للأذان وللإقامة. ولأجل ذلك نقول:

قد أيّد بعض العلماء رجحان الشهادة بالولاية لعلي (عليه السلام) في الأذان والإقامة بما يلي..

ألف: بعد قتل الأسود العنسي: (لما طلع الفجر نادي المسلمون بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب) [113] .

وفي نص آخر: (ثم نادينا بالأذان فقلت: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب، والقينا إليهم برأسه) [114] .

والمنادي هو (قيس، ويقال: وبر بن يحنش) [115] .

فنجد أن النبي (ص) لم يعترض علي إدخالهم هذا النص في أحد مقدمات الصلاة، وهو الأذان، ولا شك أنه قد كان من بينهم كثيرون من الصحابة الأتقياء الذين لا يرضون بالبدعة، ولسوف يذكرون للنبي (ص) أي تصرف من هذا القبيل.

ب _ إن مما لا شك فيه: أنه يستحب للمؤذن الصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله) في الأذان عند بلوغه: أشهد أن محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله)..

وقد روي ذلك زرارة عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام): (وصل علي النبي صلي الله عليه وآله كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره) [116] .

ج _ الكليني بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام)؛ أنه قال: (إنا أول أهل بيت نوّه الله بأسمائنا، إنه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادي:

أشهد أن لا إله إلا الله ثلاثاً.

أشهد أن محمداً رسول الله، ثلاثاً.

أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً، ثلاثاً) [117] .

د _ وروي الطبرسي، عن القاسم بن معاوية، عن الإمام الصادق حديثاً مطولاً يقول

في آخره:

إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين [118] (ولي الله) [119] .

ه_ _ روي: أن أبا ذر (رض) أذّن بالولاية لعلي (عليه السلام)، فشكاه الناس لرسول الله (ص) فأقره علي ما فعل.

و _ روي أيضاً ما يقرب من ذلك عن سلمان [120] .

ومهما يكن من أمر فان الشهادة الثالثة لا تزال تذكر في الأذان والإقامة منذ مئات السنين، ولم نجد أن الإصرار علي ذلك قد جعل الناس يعتقدون أنها أصبحت جزءاً من الأذان والإقامة. فالتزامهم بها كالتزامهم بالصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله). عند ذكر اسمه الشريف في الأذان والإقامة أيضاً.

وأما جزئيتها من الصلاة، فالذي دل علي ذلك من الأخبار هو حديث ضعيف تخالفه أخبار كثيرة حسبما تقدم أما ما حاول تأييد قوله هذا به فهو أمور لا تصلح للتأييد..

ويا ليته حكم بجواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، استناداً إلي بعض الأخبار الشاذة التي أشار إليها الشيخ الصدوق وغيره، مع أنها لا يخالفها، ولا يعارضها شئ من الأخبار، ومع أنه لا يقصد بها الجزئية للأذان، ولا للإقامة.. إننا نقول:

لماذا جرّت باؤه هناك إلي درجة أنه يدعي وجود احتمال قوي جداً لجزئية الإقامة للصلاة، ولم تجر باؤه هنا إلي درجة أنه أصبح يدعي وجود مفاسد كثيرة من ذكر الشهادة الثالثة في الأذان حتي مع عدم قصد الجزئية؟!

تقبيل يد العالم يدخل في عالم اللياقات والمجاملات.

ليست المسألة أن تقبيل يد العالم من خلال دليل شرعي.

سئل البعض:

ما هو الدليل الشرعي علي تقبيل يد العالم؟! وكذلك القيام له عند دخوله؟

فأجاب:

".. ليس ذلك من باب الإحترام لذاته كشخص،

ولكنه احترام لما يمثل من موقع. فليست المسألة أن تقبل يد أو جبهة العالم من خلال دليل شرعي.. فهذه القضايا تدخل في عالم اللياقات، والمجاملات الاجتماعية، وهي بحسب ما يقصد الإنسان منها" [121] .

وقفة قصيرة

1 _ إن هذا البعض قد ذكر هذا الكلام هنا علي النحو الذي تري.. ولكنه حين تحدث عن التبرك بقبر النبي (ص) قال:

"ما الفائدة التي نستفيدها من أن نمسك الشباك أو نمسك الحديد" [122] .

وقال:

"ولا يعني إن مسك الضريح أنه يمسك جسد النبي يكفي الزيارة من المسجد، وأن يتصور الإنسان حياته" [123] .

فليقبل منا بإمساك الضريح أو الشباك من باب اللياقة مع رسول الله (ص)، أو من باب المجاملات الإجتماعية.. أو فليترك أمر حسن ذلك إلي ما يقصده الإنسان من ذلك.

2 _ قد ذكر هذا البعض أن المسالة ليست هي تقبيل يد أو جبهة العالم من خلال دليل شرعي. فهذه القضايا تدخل في عالم اللياقات، والمجاملات الإجتماعية..

مع أن الأدلة الدالة علي رحجان تقبيل الجبهة واليد للمؤمن وللعالم ومحبوبية ذلك لدي الشارع موجودة..

والنصوص حول تقبيل الناس يد النبي والأئمة عليهم السلام كثيرة جداً [124] .

فقد روي عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لكم لنوراً تعرفون به في الدنيا حتي إن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته [125] .

وعن رفاعة بن موسي: عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تقبل رأس أحد ولا يده إلا (يد) رسول الله (ص) أو من أريد به رسول الله (ص) [126] والحديث صحيح.

وروي عنه (ص) أنه قال: (لا يجوز لأحد أن يقبل يد أحد إلا يد رجل

من أهل بيتي أو يد عالم) [127] .

وحتي تقبيل يد غير العالم فان النبي (ص) حين قبل يد سعد بن معاذ، وقال: هذه يد يحبها الله ورسوله [128] فهل كان النبي صلي الله عليه وآله يمارس اللياقات، والمجاملات الإجتماعية مع سعد؟!.. أم أنه (ص) قد فعل ذلك لكونه أمراً يحبه الله ورسوله ويرضاه الله ويثيبه عليه..

فقه الجنس..

اشاره

نظر الرجال إلي عورات النساء.

النظر إلي عورة الرجال جائز في المزاح.

حرمة النظر إلي العورات ليس تعبديا.

من أسقط حرمة نفسه جاز النظر إلي عورته.

محاولة تجويز النظر إلي نوادي العراة.

إن من الواضح بأن حرمة النظر إلي أجساد وعورات الناس معلومة بالبداهة، وقد روي بسند صحيح عن أبي عبد الله(ع) في تفسير قوله تعالي: (قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، قال(ع):

كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلاّ هذه الآية فإنّها من النظر، فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلي فرج أخيه، ولا يحل للمرأة أن تنظر إلي فرج أختها [129] .

وروي الكليني عن الإمام الصادق(ع) أيضا في تفسير الآية السابق_ة:

فنهاهم أن ينظروا إلي عوراتهم، وأن ينظر المرء إلي فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه، وقال: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن)، من أن تنظر إحداهن إلي فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها..الخ [130] .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين (ع) إذا حضرت ولادة المرأة، قال: أخرجوا من في البيت من النساء، لا يكن أول ناظر إلي عورتها [131] .

وفي حديث المناهي قال: ونهي المرأة أن تنظر إلي عورة المرأة [132] .

وفي حديث آخر: "ليس للوالدين أن

ينظرا إلي عورة الولد، وليس للولد أن ينظر إلي عورة الوالد.

وقال: لعن رسول الله (ص) الناظر والمنظور إليه في الحمّام بلا مئزر" [133] .

وجاء في حديث آخر: عورة المؤمن علي المؤمن حرام [134] .

وراجع أمر النبي (ص) لأم أنس وهو يعلمها كيف تغسل إحدي النساء غسل الأموات، حيث أمرها أن تلقي علي عورتها ثوبا ستيرا ثم تدخل يدها من تحت ذلك الثوب لمباشرة غسلها [135] .

ولكن هذا البعض يحلل نظر المرأة إلي عورة المرأة، بل هو يحلل النظر إلي عورات النساء والرجال علي حدّ سواء حتي المسلمين والمسلمات إذا أسقطوا وأسقطن حرمة أنفسهم وأنفسهن، بل هو يقول:

"إذا أراد البعض المزاح وأظهر عورته مصرّا علي ذلك جاز للآخرين النظر إليه".

وذلك استنادا إلي استحسانات عقلية وإلي القياس.

فهلاّ ذكر لنا عالما واحدا يوافقه في هذه الفتوي؟!

وكيف ثبت له أن إسقاط الإنسان المسلم لحرمة نفسه يوجب سقوطها بالفعل؟! وهل حرمته تابعة لإسلامه، وناشئة من الجعل الإلهي أم أنها تابعة لقرار الشخص نفسه؟!

ويستدل علي ذلك بدليل استحساني فيقول:

"عالم النظر هو عالم الإحترام فكل إنسان يسقط احترامه من هذا الجانب، جاز للآخرين النظر إليه، لأن النظر ليس حالة أخلاقية تنطلق من تحذير الناس من الوقوع في هذا الفخ، بل في احترام الإنسان الذي ينظر إليه.

وهذا يختلف باختلاف الأزمان، فلو أن النساء قد اعتادت الخروج بلباس البحر جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ. وعلي هذا فلا بد من الإقتصار علي ما جرت عادتهن علي عدم ستره ولا يجوز التلصص علي النساء للإطلاع علي ما يخفينه، وإن كن غير مسلمات.

وهناك نقطة مهمة، وهي التعليل (بأنهن لا ينتهين إذا نهين) يشمل كل النساء

من المسلمات والكافرات اللاتي يكشفن بعض أجزاء من الجسد، مع الإصرار علي ذلك بحيث لا يستجبن لأي نهي عن الموضوع، وذلك من خلال إلغاء خصوصية المورد.

هذا بالإضافة إلي ما أشرنا إليه من أن حرمة النظر ناشئة من حرمة الجسد لدي صاحبه، مما يخفيه منه، لا من خلال حالة تعبدية في مثل هذه الموارد، ولذلك ورد أنه لا مانع من النظر إلي عورة الكافر فهي كعورة الحمار،من خلال عدم الإحترام له من قبل الشرع،أو من قبل صاحبه.

وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلي العورة عندما تكشفها صاحبتها، كما في نوادي العراة، أو السابحات في البحر في بعض البلدان، أو نحو ذلك.

بل قد يستوحي الإنسان جواز النظر إلي عورة الرجل، إذا كان ممن لا ينتهي إذا نهي تمرّدا أو مزاحا، أو نحو ذلك، لأنه لا خصوصية للمرأة في تلك الرخصة، بل ربما كان التحفظ من المنع بالنسبة إلي المرأة أكثر من الرجل.

فالقضية _ من خلال استيحاء التعليل _ هي أن كل إنسان يهتك حرمة نفسه بكشف ما لا يجوز كشفه في الشرع أو في العرف الإجتماعي، ولا يستجيب للردع عن ذلك من الناس، فإن الشارع يسقط حرمته، ولا يجعل منه مشكلة للآخرين، في المنع عن النظر إلي ذلك" [136] .

ولا يصح لأحد أن يعترض هنا ويقول إن ذلك بحث علمي، قد تطابقه الفتوي، وقد لا تطابقه..لأن ذلك البعض يصر علي إطلاق الفتوي بمجرد تمامية الأدلّة عليها، فهو يقول:

"إن الإنسان إذا أراد أن يعيش اجتهاده لنفسه، من خلال تحفظاته الذاتية، فعليه أن لا يبرز للمجتمع كمرجع في الفتوي. بل عليه أن يحتفظ بفتاواه واحتياطاته لنفسه.

أما إذا كنت الإنسان الذي يقف

لينيب عن المجتمع في اجتهاداته، وفي اكتشاف الحكم الشرعي، فعليك أن تتحمل مسئولياتك الإجتماعية، فإذا تمت لديك الأدلة الشرعية التي تستطيع أن تقدمها أمام الله لو حاسبك، فليست هناك مشكلة في أن تطلق الفتوي، ولن يحاسبك الله علي ما لا يد لك فيه، لو كان هناك خطأ غير مقصود" [137] .

ويقول:

"عندما يثبت عندنا الحكم الشرعي، من خلال أدلة، ونري أنه يحل مشكلة للناس، فإننا نفتي بذلك، ولا نحتاط، لأن الإحتياط عندما لا يكون واجبا فسوف يعقد حياة الناس، إلاّ إذا أردت أن تملأ الرسالة بالإحتياطات اجلس في بيتك واحتط لنفسك، لأن للناس مشاكلهم وقضاياهم" [138] .

وقد سجل ذلك في كتابه الذي طرحه للتداول، وهو (المسائل الفقهية) فقد أورد سؤالا يقول:

(النظر إلي النساء اللواتي إذا نهين لا ينتهين هل يجوز في موضع العورة أيضا؟!)

فأجاب:

"يجوز ذلك في الأوضاع التي اعتدن كشفها بشكل طبيعي" [139] .

ليس للمرأة إلا ما يخرج عند بداية الشهوة.

الذهنية الفقهية من خلال بعض النصوص _ وجود ماء للمرأة.

الذهنية الفقهية _ من خلال النص تخالف بديهيات الطب.

لا بد من تأويل الأخبار عن ماء المرأة، أو ردّ علمها إلي أهلها.

يرد روايتين تدلان علي حرمة الإستمناء للمرأة.

الداعي لتحليل استمناء المرأة نساء سجن أزواجهن أو غابوا.

الإستمناء للمرأة لا يؤدي إلي أضرار كبيرة توجب التحريم.

بعض الروايات هي السبب في فهم هذا المعني من الآية.

الروايات لا تمثل سنداً قطعياً.

الكشف عن أن المرأة لا ماء لها لا يفيد إلا الظن.

قد يكشف العلم أن للمرأة ماءً.

لعل الترائب لا تختص بالمرأة.

تخصيص الترائب بالإضافة للمرأة _ دليل عموم مفهومها.

يقول البعض:

"ربما بعض القضايا نحتاج

فيها إلي الرجوع للخبراء، مثلاً هناك جدل في مسألة، وهذا الجدل ينطلق من فكرة أن الرجل إذا خرج منه المني فعليه أن يغتسل، كما أنه لا يجوز له الإستمناء، أي ممارسة العادة السرية لإخراج المني، هذا أمر لا شك فيه، هنا وقع نزاع:

هل حكم المرأة كحكم الرجل؟

هل المرأة إذا وصلت إلي قمة الشهوة من دون عملية جنسية كاملة، من دون دخول كما يقولون، عليها الإغتسال أم لا؟

وهل يحرم علي المرأة العادة السرية، بقطع النظر عن النتائج السلبية النفسية وغيرها؟

هل يحرم هذا العمل في ذاته بقطع النظر عن النتائج السلبية التي تجعله حراماً بالعنوان الثانوي؟

هنا ينطلق البحث من حيث ما كان متوفراً لدي القدماء، ولكنهم لم يصلوا فيه إلي نتيجة:

هل للمرأة منيّ أم ليس للمرأة منيّ؟

هل يخرج من المرأة عند وصولها إلي قمة الشهوة ماء كماء الرجل، أم أن المسألة هي مسألة توترات وتشنجات نفسية من دون أن يكون هناك أي ماء عند وصولها إلي اللحظة الحاسمة؟ هناك ماء يخرج في بداية الشهوة، ولكن هذا الماء ليس هو المني، هو بمثابة المني، هو مظهر الشهوة وليس قمتها.

والسؤال عندما تصل إلي منتهي اللذة في شكل سطحي من دون دخول، هل يخرج منها شيء أم لا؟

كانت الذهنية الفقهية من خلال بعض النصوص أو غيرها تقول إن للمرأة ماء كما للرجل. كما أن الرجل إذا خرج منه الماء يحكم عليه بوجوب الغسل ويحرم عليه إخراجه بطريقة ذاتية، كذلك المرأة.

حاولت أن أرجع إلي أهل الخبرة في هذا المجال، لأننا لا نملك الوسائل التي تستطيع أن ننهي فيها هذا الجدل.

هل للمرأة ماء أم لا؟

لأن المسألة متصلة بالجانب التشريعي.

ولذلك

حملت أسئلتي هذه إلي بعض المختصين من أصدقائنا في أميركا ليرجعوا فيها إلي أهل الاختصاص الكبار وجهت سؤالاً إلي عميد كلية الطب في الجامعة الأميركية سابقاً الدكتور عدنان مروة، وكانت النتيجة أن المرأة لا منيّ لها.

وأن هناك ماء يخرج في بداية الشهوة يعادل عملية الانتصاب للرجل، فهو مظهر الشهوة وليس نهايتها، وهذا ليس هو المنيّ.

أما عندما تصل المرأة إلي قمة اللذة، فإنه لا يخرج منها شيء، وليست هناك غدة تفرز الماء وبعدما وصلت إلي هذه النتيجة، والتي رأيت أنها من الأمور البديهية لدي الأطباء، تقرّرت لدي الفتوي بأن المرأة إذا لم تدخل في عملية جنسية كاملة لا تحكم بالجنابة، حتي لو وصلت إلي قمة الشهوة فليس عليها الغسل.

وهكذا فإن العادة السرية بالنسبة إلي المرأة ليست محرّمة من هذه الجهة، لأن العادة السرية تحرّم مع حصول الإمناء كما يقول السيد الخوئي في بعض أجوبة استفتاءاته.

فإذا لم يكن هناك منيّ فليس هناك إمناء.

لكننا في الوقت نفسه لا نشجع علي ممارسة هذه العادة، ليس من ناحية الحرمة الذاتية بل من ناحية الأضرار النفسية وغير النفسية التي قد تؤثر علي الحياة الجنسية للمرأة في المستقبل، وقد تؤدي إلي أزمات نفسية في ذاتها.

لكننا كنا نعالج الأمر من خلال ذاتية العمل، لا من خلال العناوين السلبية الأخري التي يمكن أن تنعكس علي العمل، في الجانب النفسي من حياة المرأة أو في الجانب الجسدي الآخر الذي قد يؤدي إليه إدمان هذه العادة مثلاً" [140] .

ويقول:

"أما مسألة جواز العادة السرية للمرأة فنلتقي فيه مع رأي كل الفقهاء الذين يربطون الحرمة للرجل والمرأة بالإستمناء الذي يتوقف علي إخراج المني بالعادة السرية.

وهذا ما صرح به السيد

الخوئي في كتابه: منية السائل [141] جواباً عن السؤال عن حرمة العادة السرية للمرأة فأجاب:

يحرم مع حصول الإمناء هذا مع ملاحظة: أن أهل الخبرة من الأطباء يقولون:

إن المرأة لا مني لها، مما يفرض تأويل الأخبار الواردة عن ماء المرأة، أو ردّ علمها إلي أهلها في الحرمة في مثل هذه الأمور علي تقدير ثبوتها مطلقاً.

وهناك وجه للقول بالحرمة علي تقدير عدم ثبوت نفي الماء عن المرأة، بقاعدة اشتراك المرأة والرجل" [142] .

ويقول:

"ولكننا في الوقت نفسه نرجح للمرأة أن لا تأخذ بهذه العادة، إذا صحّت فرضية عدم وجود مني لها، لأن ممارستها لهذه العادة القبيحة قد يُسيء إليها عند زواجها، ويسبب لها مضاعفات نفسية، وعصبية، وطبية جسدية ليست في مصلحة حياتها الطبيعية، أو وضعها الاجتماعي أو مستقبلها الزوجي.

وقد حاول بعض الفضلاء _ ردّاً علي رأينا من حلية العادة السرية للمرأة بقطع النظر عن الإمناء _ أن يستدل بروايتين:

الأولي: رواية (عبيد بن زرارة) قال:

كان لنا جار شيخ له جارية فارهة، قد أُعطي بها ثلاثين ألف درهم، وكان لا يبلغ منها ما يريد، وكانت تقول: اجعل يدك بين شفريَّ فإني أجد لذلك لذة، وكان يكره أن يفعل ذلك.

فقال لزرارة: سل أبا عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) عن هذا، فسأله فقال:

لا بأس أن يستعين بكل شيء من جسده عليها، ولكن لا يستعين بغير جسده عليها" [143] .

الثانية: روايته الأخري: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يكون عنده جواري فلا يقدر علي أن يطأهن، يعمل لهن شيئاً يلذذهن به؟؟

قال: أما ما كان من جسده فلا بأس [144] .

ولكنّ الروايتين ظاهرتان في عدم جواز استعمال وسيلٍة خارجيةٍ

من قبل الرجل لتلبية حاجات زوجته الجنسية، لأنها طلبت منه الممارسة بيده، أو بشيء من جسده، وليس له أن يفعل ذلك بغيره، ولا إشارة فيها إلي مسألة ممارستها لذلك بيدها من قريب أو من بعيد.

سؤال: طالما أن هذه الفتوي لا تمثل في موضوعها أية ضرورة عملية، بل ربما تؤدي إلي بعض الفساد والانحلال الخلقي، عندما تأخذ النساء بهذه الفتوي فيقعن في السلبيات الأخلاقية، لذلك فإن البعض قد يتساءل لماذا لا تكون هناك فتوي بالإحتياط عليها؟، أو لماذا هذه الإثارة بشكل عام؟..

جواب: إن هذا البعض الذي يتحدث بهذه الطريقة لا يعيشٍ المشاكل الحادّة التي تتحرك في الواقع النسائي، أمام بعض الأوضاع القاسية الملحّة التي تدفع المرأة إلي معرفة الحكم الشرعي الذي يعمل علي أن يجد الحل لهذه المشاكل من خلال الأدلة الشرعية.

ونحن عشنا، في نطاق دراسة الواقع والإستفتاءات الموجهة إلينا، عمق هذه المشكلة في عدّة حالات، الحالة التي يكون زوج المرأة في السجن، ولا تعرف حياته أو موته، أو أنه يقضي فيه مدة طويلة من دون أن تكون لها ظروف شرعية أو اجتماعية للطلاق، أو الحالة التي غاب فيها الزوج غيبة منقطعة، والحكم المشهور أنها تصبر أربع سنين، ليطلقها الحاكم الشرعي بعد ذلك، فإذا كان وليه ينفق عليها فتبقي _ علي حالها _ إلي الأبد، أو الحالة التي يغيب فيها الزوج في بلاد الإغتراب لمدة طويلة جداً لا تحتمل عادة، وليس بوسعه أو وسعها الإلتقاء لأسباب مادية أو غيرها.

إن هذه الحالات التي تتحول إلي مشاكل جنسية خانقة تفرض علي الفقيه التفكير في الحل إذا كان له في الأدلة الشرعية ما يحقق النتائج الإيجابية، ومن الطبيعي أن للعادة السرية مشاكلها، ولكن يبقي للتحريم

أو للإهمال الشرعي مشاكله الأكثر تأثيراً علي حياة المرأة، لا سيّما المتزوجة التي لا تملك فرصة شرعية للحل من الناحية الجنسية.. هذه هي الأمور التي دفعتني إلي دراسة المسألة بطريقٍة مسؤولةٍ شرعاً.

سؤال: ألا يمكن اعتبار هذه الأضرار التي تذكرونها سبباً لتحريم هذه العادة؟

جواب: لا أتصور أنها تؤدي إلي إضرار بحيث يمكن من خلاله الحكم بالحرمة" [145] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن التقرير الذي استند إليه في الحكم بعدم وجود ماء للمرأة قد ذكره هو نفسه في آخر كتابه: فقه الحياة.. حيث ذكر هناك: أنه وجّه أسئلة إلي أهل الاختصاص، وإلي الدكتور عدنان مروة، فأجابه هذا بما يلي:

السلام عليكم، هذه أجوبة مقتضبة للمسائل التي طرحتموها في رسالتكم:

_ المسألة الأولي: هل للمرأة مني كمني الرجل، بحيث يكون من فصيلته، أو مشابهاً له، وذلك عند بلوغ اللذة؟

_ الجواب: لا مني عند المرأة مشابهاً لمني الرجل، والسائل الذي تفرزه المرأة مع الإثارة الجنسية هو رشح من جدران المهبل، ويستمر مع الإثارة الجنسية، سواء تصاحبت هذه الإثارة مع جماع، أو عادة سرية، أو قراءة كتاب، أو حتي تفكير في أمور مدعاة للإثارة، وبذلك فهو مشابه للإنتصاب عند الرجل.

بلوغ اللذة أو الرعشة عند الرجل يتزامن مع قذف المني، بينما عند المرأة فبلوغ الرعشة يتزامن مع تغييرات فسيولوجية أبرزها التشنج في العضلات، وازدياد في خفقان القلب، وازدياد في سريان الدم في الجلد، مما يحدث احمراراً وسخونة [146] .

ويذكر هذا البعض نفسه عن الدكتور كرم كرم أنه أجاب:

"عند المرأة السائل يرشح كالعرق، دونما دفع إلي مسافة، وهذا يحصل في كل مراحل الإستجابة، سواء في البداية عند الإثارة، أو في الهضبة، أو الإيغاف أي النشوة.

أي أنه ليست

هنالك حالة خاصة تتميز برمي سائل، أو تقيؤه، أو قذفه من عضو إلي مكان آخر..

هو عرق ترشح به أغشية المهبل، منذ بداية الإثارة الجنسية ليزداد، ويتصبب في المراحل اللاحقة، عند الهضبة، أو الإيغاف في النشوة" [147] .

وقفة قصيرة

راجع حياتنا الجنسية، مشكلاتها وحلولها ص 97 الطبعة الخامسة عشرة منشورات المكتب التجاري ترجمة الدكتور جان يالزلي.@.

وراجع ما قاله الدكتور كليفورد أدامز [148] .

فضلاً عما قاله آخرون..

6 _ إن تعبير الفقهاء بكلمة الإمناء والاستمناء _ لا يعني: أنهم يقصدون خروج مني من المرأة يشبه مني الرجل بحيث يكون من فصيلته _ علي حد تعبير هذا البعض _ لكي نحتاج إلي تأويل الأخبار التي تتحدث عن ماء المرأة _ كما يقول أيضاً.

بل يقصدون خروج الماء المصاحب للشهوة، سواء أكان من فصيلة ماء الرجل أو من غير فصيلته _ كما أن عشرات الروايات إنما تحدثت عن إنزال المرأة، وعن ماء المرأة، ولم يرد التعبير الآخر إلا في عدد يسير منها. وقد قلنا: إن ذلك قد جاء علي سبيل المجاز والعناية من حيث الفتور وخروج ماء حين الإثارة والشهوة، من المرأة، كما هو الحال في الرجل.. فصح التعبير بهذا عن ذاك.. كما يصح التعبير بالخسوفين والكسوفين، واستعمال كلمة خسوف وكسوف بالنسبة لكل من الشمس والقمر علي حد سواء.

7 _ بقي أن نشير إلي أن هذا البعض قد ردّ الإستدلال بالرواية التي تقول: ولكن لا يستعين بغير جسده عليها..

والرواية التي تقول: (أما ما كان من جسده، فلا بأس..)

ونسأل هذا البعض: هل يجوز لها أن تمارس هي العادة السرية بوسائل أخري غير يدها أيضاً؟!.. أم أنه يشترط في جواز العادة السرية لها أن تكون بيدها..

إنه لم يشترط ذلك في كل أحاديثه المكتوبة التي اطلعنا عليها..

كما أن أدلته التي استند إليها للحكم بجواز العادة السرية، وهي أنه ليس للمرأة ماء تقتضي الجواز مطلقاً، أي سواء أكان ذلك بيدها، هي أم بيد غيرها، أم بأية وسيلة تقع تحت اختيارها، حتي الآلات المشبهة لإحليل الإنسان.. فان المانع عنده من استعمال العادة السرية هو خروج المني، ولا مني للمرأة، فلا يبقي مانع يمنع من ذلك..

ويصبح تقييد الإمام (عليه السلام) بأن يستعين عليها زوجها بجسده، ولا يستعين عليها بغير جسده _ في غير محله _ نعوذ بالله من الزلل في الفكر والقول والعمل..

8 _ أما بالنسبة لحجم الأضرار النفسية التي تنشأ من ممارستها للعادة السرية.. حيث قال:

"لا أتصور أنها تؤدي إلي أضرار بحيث يمكن من خلاله الحكم بالحرمة".

فلا ندري كيف يمكن قبوله منه.. وهو ليس مطّلعاً علي الغيب لكي يملك تقدير حجم الضرر هنا، فيحكم بأنه لا يوجب الحرمة.. وتقدير حجمه في شرب الدخان ليحكم بالحرمة فيه..

فكيف عرف أن شرب الدخان يكون ضرره أكبر من نفعه.. ولكن استعمال العادة السرية نفعه أكبر من ضرره؟!..

وأين هو الدليل القطعي الذي يشترطه هو في أمثال هذه الأمور؟!.

وأي مقياس حدّد له هذه الأحجام التي هي موضوعات واقعية للأحكام.

9 _ وأما قوله إن التحريم له مشاكله الأكثر تأثيراً علي حياة المرأة.. ولا سيما المتزوجة التي لا تملك فرصة شرعية من الناحية الجنسية..

فذلك غير مقبول أيضاً، فإن في صورة التحريم يمكن للعزباء اللجوء إلي الزواج الموقت ويمكن للمتزوجة التي تتعرض للإنقطاع عن زوجها مدة طويلة أن تلجأ إلي طلاق الحاكم الشرعي، حيث يخاف عليها الوقوع في الحرام.. إن لم يمكن

التحمل والصبر أبداً.

10 _ وإلا، فهل يمكن أن يجيز هذا البعض اللواط للمسجونين الذين يعانون من الجوع إلي الجنس المماثل، وهل يجيز السحاق أيضاً للواتي تعانين من شذوذ جنسي أو اللواتي في السجن.. حتي لا يقع هؤلاء وأولئك بأضرار خطيرة وكبيرة؟!..

11 _ ثم إن هذا البعض لم يكن موفقاً، حتي حين تحدث عن وجود ماء للمرأة، وهو يفسر قوله تعالي: (خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب).

وذلك لأنه وإن اعترف بأنه لا يملك اختصاصاً في هذا المجال.. لكنه عاد، واعتبر أن إرادة الماء الممتزج من ماء الرجل والمرأة من كلمة (الماء الدافق). ناشئ من بعض الروايات التي لا تمثل سنداً قطعياً..

ونقول:

أولاً: إن ذلك لم ينشأ من الروايات، بل هو ناشئ من أن أهل اللغة يصرّحون باختصاص الترائب بالنساء.. وشذ منهم من اعتبرها عامة فيهم وفي الرجال.. ويظهر ذلك من طبيعة تفسيرهم لكلمة الترائب حيث: يذكرون أنها معلق الحلي علي الصدر وموضع القلادة، ونحو ذلك من تعبيرات تناسب حال المرأة.

وقال الفراء: (يعني صلب الرجل. والترائب المرأة..) [149] .

وعدا ذلك كله، فإن الزبيدي قال: بأن الترائب خاصة بالنساء، وشذّ من قال غير ذلك من علماء غريب اللغة. فاستمع إليه يقول:

(.. قال شيخنا: والترائب عام في الذكور والإناث وجزم أكثر أهل الغريب أنه خاص بالنساء، وهو ظاهر البيضاوي، والزمخشري)تاج العروس ج1 ص158.@.

ثانياً: قوله عن الروايات إنها:

"لا تمثل سنداً قطعياً في ما هي الحقيقة الشرعية"

غير مقبول:

وذلك لأن الروايات ربما تزيد علي الثلاثين رواية تصرّح كلها بوجود ماء للمرأة، وهذا العدد يجعلها متواترة، فكيف إذا عرفنا: أن عدداً وفيراً منها صحيح السند؟!.

ثالثاً: إن ه_ذا البعض

لا يشترط في (ما هي الحقيقة الشرعية) _ علي حد تعبيره _ قطعية السند، بل يكفي عنده كونه معتبراً وحجة شرعية..

رابعاً: إنه يعترف بأن:

"هذا الكشف العلمي الناشيء من تأملات تجريبية لا يفيد إلا الظن".

فكيف جعله مستنداً لحكمه بجواز العادة السرية للمرأة؟! مؤكداً علي أنها لا ماء لها سوي ما يظهر في أول الشهوة، وأن ذلك بمثابة الإنتصاب لدي الرجل.

خامساً: إنه يقول: إن الحقيقة القرآنية لا تصدر من تجربة ظنية.. بل هي وحي الله.. وقد يكتشف الإنسان نظرية علمية جديدة تقلب موازين هذا الإكتشاف رأساً علي عقب. فتثبت بأن للمرأة ماءً كما هو للرجل. كما تتحدث عن مصدره بما لا يتنافي مع القرآن..

ونحن نقول له بالنسبة لفتواه بجواز العادة السرية للمرأة واعتماده علي أقوال الدكتور عدنان مروه.. نفس هذا الكلام..

رغم أننا قد عرفنا أن عدنان مروه لم ينفِ وجود ماءٍ للمرأة، بل أكّد ذلك وأيّده..

سادساً: بالنسبة لما ذكره أخيراً من أن الظاهر هو أن الترائب اسم لمجمع عظام الصدر العلوية، سواء أكانت في الرجل أو في المرأة. قد عرفت الجواب عنه مما أسلفناه، فإن علماء غريب اللغة، وهم أعرف يؤكدون ويجزمون _ إلا شاذاً منهم _ بأن الترائب تختص بالنساء، ولا تطلق علي الرجل لا من قريب ولا من بعيد.

فلماذا يأخذ بقول شاذ، ويترك قول كل من عداه من علماء غريب اللغة..

أليست اللغة توقيفية سماعية، وليست اجتهادية؟!.

سابعاً: أما بالنسبة لاحتياج تخصيص كلمة ترائب بالمرأة إلي الإضافة.. فهو غريب وعجيب وذلك لما يلي:

1 _ إن التخصيص لم يرد في الآية القرآنية..

2 _ إن القيد قد يكون احترازياً، وقد يكون توضيحياً، أو تأكيدياً.

ومن الواضح: أنه

هنا قيد توضيحي، فهو من قبيل قولك: سنام الجمل _ صوف الأنعام _ ريش الطير _ ترائب المرأة _ وما إلي ذلك..

3 _ إن الدليل علي أنه قيد توضيحي أو للتأكيد _ تصريح أهل اللغة باختصاص الترائب بالمرأة حسبما أشرنا إليه فيما سبق.

التأثيرات السلبية للإستمناء علي المرأة أقل خطورة منها علي الرجل.

إذا لم تبلغ المرأة ذروة الشهوة من الزوج فيكفيها استعمال الإستمناء.

السحاق للمرأة كالإستمناء لها لا يحقق المعني الإنساني للجنس.

اللواط يشبه الإستمناء للرجل فان الطرف الآخر لا يشعر باللذة.

ويقول البعض:

"حرّم الإسلام العادة السرية بالنسبة إلي الرجال باعتبار أنها عملية تفريغ للطاقة، مما يؤدي إلي تبديدها في غير منفعة، وتعطيل الدافع الطبيعي إلي الزواج وبناء الأسرة.. فالشاب عندما يفكر بالزواج، يكون الجنس دافعه الأساس إلي ذلك، كذلك الفتاة.

فالجنس هو الحافز الذي يشد الإنسان بقوة إلي دخول الحياة الزوجية بما فيها من مسؤوليات، فإذا أدمن الشاب العادة السرية، فقد يمنعه ذلك من الإلحاح في طلب الزواج ويحدّ من اندفاع الرغبة فيه. لذا حرّم الإسلام العادة السرية للرجل.

أما بالنسبة للمرأة، فإن الموقف الإجتهادي تبعاً للقول بوجود مني لها أو القول بعدم وجوده. فالقول بوجود مني للمرأة، وهو قول يتبناه بعض الفقهاء والعلماء الآخرين، يجعل من حكم المرأة حكم الرجل نفسه في هذا المجال.

أما علي القول بأن ليس للمرأة مني لعدم وجود غدة تفرزه لديها، وعدم حاجتها إليه لعدم تعلق خصوبتها ومقدرتها علي التناسل به، علي العكس من الرجل الذي تتعلق خصوبته ومقدرته علي التناسل بالحيوانات المنوية الموجودة فيه، فإن الموقف الفقهي، يقضي بعدم تحريمها علي المرأة حسب رأي البعض، لأن العادة السرية إنما تحرم بعنوان الإستمناء. وما دامت

المرأة لا تملك منياً، فإن ممارستها للعادة السرية لا تحمل معني الإستمناء، أي تفريغ الطاقة إلي الخارج.. وإن كانت لا تخلو من تأثيرات سلبية هي أقل خطورة من التأثيرات السلبية التي تحملها علي الرجل، فهي لا تمنع المرأة من الإقبال علي الزواج مهما حققت لها العادة من لذة؛ لأنها لا يمكن أن تشعر المرأة بالإكتفاء الذي يشعرها به الرجل.

وعلي كل حال، لو قلنا: إن العادة السرية محرمة علي المرأة لاحتمال انطوائها علي تأتيرات سلبية علي علاقتها بالرجل، فإنها تبقي حلاً لها بعد الزواج، إذا لم تبلغ كفايتها الجنسية، لجهة تأخر بلوغها الذروة في الشهوة، إلا بعد بلوغ زوجها ذلك. مما يجعل العادة وسيلة للوصول إلي تلبية حاجتها الجنسية. وبالتالي يجعلها أمراً مرجوحاً شرعاً.

ولكن علي جميع الحقول، وإن كان بإمكان الرجل والمرأة تحقيق لذتهما بالعادة السرية، ولكنها مجرد لذة مادية، يعيش فيها الإنسان لذته مع نفسه، دون أية مشاركة مع الآخر. وهي مجرد عملية آلية يتم فيها إفراغ المادة إلي الخارج، لذا فان المرأة التي تمارس العادة السرية لا تحصل علي لذة الطمأنينة الجنسية، والسكينة التي يسعي إليها الإنسان لدي ممارسة الجنس عادة، بل تمارس نوعاً من التنفيس عن احتقان الشهوة داخل الجسد.

وحالها في ذلك كحال من يفقأ دملة في جسده مثلاً، ليتخفف من ضغط الألم الذي يحس به" [150] .

وسئل البعض:

_ ما هو موقف الإسلام من المثليّة الجنسية؟ وهل يختلف موقفه من السحاق عن موقفه من اللواط؟ وهل يمكن للمثليّة أن تكون بديلاً عن الزواج الطبيعي؟

فأجاب:

"السحاق تماماً كاللواط، لا يحقق للذّة الجنسية معناها الإنساني الكامن في هذا التنوع الطبيعي بين عنصر فاعل وعنصر آخر منفعل، حيث يعطي كل

طرف فيها للآخر شعوراً خاصاً باللذة، والسحاق من هذه الناحية يشبه العادة السرية بالنسبة للمرأة، وهو وإن كان علاقة بين امرأة وامرأة، فإن اللذة التي تنتج عنه من نوع واحد ليس فيها نوع من التفاعل بين خصوصيتين متنوعتين لجهة ما تعطيه إحداهما للأخري.

وهكذا أيضاً، فإن اللواط يشبه الإستمناء بالنسبة للرجل، باعتبار أن الطرف الآخر الذي تمارس معه العملية الجنسية، لا يحصل علي أية لذة إلا إذا كان مريضاً، بينما تجعل العملية الجنسية الطبيعية بين رجل وامرأة كلاً منهما يتفاعل مع الآخر ويعطيه شيئاً من خصوصيته، بحيث يشعران معاً، إذا استكملا العلاقة الجنسية بشكل طبيعي وخالٍ من الأنانية التي يعيشها الرجل حيال المرأة في هذا المجال عادة، بالاتحاد الإنساني في تنوّع اللذّة، تماماً كما هو الاتحاد الإنساني في القضايا العاطفية الأخري.

لذلك، فإن من يلجأون إلي مثل هذه الوسائل في تفجير الطاقة أو التنفيس عنها، لا يمكنهم أن يجدوا في تلك الوسائل بديلاً عن العملية الجنسية الطبيعية وعن الزواج" [151] .

وقفة قصيرة

إن وقفتنا القصيرة السابقة ربما تكون كافية لتوضيح وجوه الخلل في كلمات هذا البعض هنا، ولكننا بالإضافة إلي ما قدمناه هناك نذكر القارئ الكريم هنا بما يلي:

أولاً: إنه اعتبر أن السبب في تحريم العادة السرية علي الرجال: هو أنها عملية تفريغ للطاقة تؤدي إلي تبديدها من غير منفعة، وتعطيل الدافع للزواج، وبناء الأسرة.

وهو كلام غير صحيح وذلك للإعتبارات الآتية:

ألف: إنه لو صح لاقتضي تحريم وطء العقيم التي لا رحم لها، واليائس. وغيرهما ممن يكون إفراغ الطاقة فيهما تبديداً لها في غير منفعة..

ب: لو صح ذلك، لكان عليه تجويزها للرجال في صورة عدم الحصول علي زوجة، فإن التبديد في غير منفعة

إنما يكون في صورة وجود الزوجة، وإمكانية الحمل عندها، أو علي الأقل إمكانية الإستفادة من الطاقة، ولو لأجل الجنين، أو لغير ذلك من أسباب.

ج: لو صح هذا للزم منه الإعتراض علي سلامة الخلقة، التي جعلت الإحتلام وسيلة لتبديد الطاقة، والذي قد يحصل حتي مع وجود زوجة أيضاً..

د: لو لزم الإحتفاظ بالطاقة إلي هذه الدرجة للزم تحريم الإستمناء بيد الزوجة أيضاً. وتحريم التفخيذ، وأي ممارسة جنسية لا تدخل في نطاق تثمير الطاقة الكامنة في الجسد..

ه_: وأما بالنسبة لتعطيل الدافع الطبيعي للزواج، فهو مجرد دعوي. فإن الناس في العالم بأسره، باستثناء قلة قليلة جداً منهم، من المؤمنين ومن غيرهم _ يمارسون العادة السرية، ولا يفقدون الدافع نحو المرأة، وهم يتزوجون، وينجبون الأولاد، ويقيمون علاقات محرمة مع النساء.

و: إن دليله أخص من مدعاه، فإن المحرم هو مطلق استعمال العادة السرية ولو مرة في العمر، مع أن الذي قد يؤدي إلي تعطيل الدافع الطبيعي هو حسب قوله: "إدمان الشاب للعادة السرية". فيصير المحرم خصوص هذا الإدمان.

ز: إن هذا البعض اعتبر تعطيل الدافع نحو الزواج ناشئاً عن الحد من الدافع الجنسي الناشئ عن العادة السرية.

ونقول: من الذي قال: إنه يحرم الحد من الدافع الجنسي.. فقد وجدنا الشارع يحدد سبلاً تؤدي إلي التقليل والحد من الدافع الجنسي.. فيحث مثلاً علي الصوم، فإن الصوم له وجاء..

ح: كما أنه لا دليل علي حرمة الحد من الإلحاح في طلب الزواج، والحد من اندفاع الرغبة فيه.. بل لا يحرم ترك أصل الزواج.. وإن كان ذلك مرغوبا عنه شرعاً..

ط: من أين علم أن علة تحريم العادة السرية علي الرجال هو خصوص ما ذكره، فهل أطلعه الله علي غيبه،

ومن الذي قال له: إن ما ذكره هو تمام علّة هذا التحريم؟!.. بل من الذي قال له: إن ذلك يدخل في دائرة العلة أصلاً؟! فإن ذلك كله يدخل في دائرة الإستحسان والقول بغير علم.

وخلاصة القول:

إن التصدي لمعرفة علل الأحكام هو الذي أوقع هذا البعض في هذه الورطة.. وقد كان يمكنه التسليم لأمر الله سبحانه ونهيه لو لم يسعَ لاقتحام المسلمات وإصابة دين الله بعقله.. مع علمه بقول الإمام الصادق (عليه السلام): إن دين الله لا يصاب بالعقول.

ثانياً: قد ذكر: أن سبب القول بتحليل الاستمناء للمرأة هو أنها لا مني لها. وقد ذكرنا في الوقفة القصيرة السابقة إجابتنا علي هذه المقولة.. فلا نعيد، غير أننا نذكر للقارئ الكريم هنا الملاحظات التالية:

1 _ قوله:

"إن العادة السرية أقل خطورة علي المرأة منها علي الرجل".

لم يقدم عليه أي دليل. فلا بد من رده عليه وإليه.

2 _ قوله:

"إن العادة السرية لا تمنع المرأة من الإقبال علي الزواج مهما حققت لها من لذة.. بينما الحال بالنسبة للرجل علي خلاف ذلك".

هو الآخر مجرد دعوي بلا دليل، سواء بالنسبة للمرأة، أو بالنسبة للرجل. حسبما أوضحناه بالنسبة لهذا الأخير آنفاً..

3 _ قوله:

"إن العادة السرية لا تشعر المرأة بالإكتفاء الذي يشعرها به الرجل".

وجعل ذلك هو الفارق بينها وبين الرجل، حيث إن العادة السرية للرجل تشعر بالإكتفاء لا يصح، فإن حال الرجل أيضاً كحال المرأة في ذلك، والواقع الخارجي أدل دليل علي هذا الأمر.

4 _ قد صرح هذا البعض بأن ممارسة العادة السرية:

"تبقي حلاً لها، إذا لم تبلغ كفايتها الجنسية من الرجل، لجهة تأخر بلوغها الذروة الجنسية في الشهوة، مما يجعل هذه

العادة وسيلة لتلبية حاجتها الجنسية".

فهل يجيز لها السحاق أيضاً إذا لم تبلغ حاجتها الجنسية من الرجل، باعتبار ان المرأة لا ماء لها. وأن ذلك يصلح وسيلة للوصول إلي حاجتها الجنسية.. وقد قال هو نفسه عن السحاق إنه:

"لا يحقق للذة الجنسية معناها الإنساني الكامن في التنوع الطبيعي، بين عنصر فاعل، وعنصر آخر منفعل، حيث يعطي كل طرف فيها للآخر شعوراً خاصاً باللذة والسحاق من هذه الناحية يشبه العادة السرية بالنسبة للمرأة ".

ثم ذكر أن اللواط يشبه الإستمناء للرجل:

"باعتبار أن الطرف الآخر الذي تمارس معه العملية الجنسية الطبيعية لا يحصل علي أية لذة إلا إذا كان مريضاً بينما تجعل العملية الجنسية الطبيعية بين رجل وامرأة.. الخ.." [152] .

فإذا كان السحاق للمرأة كالعادة السرية، فهل يأتي يوم نسمع فيه أن السحاق أيضاً قد أصبح حلالاًً، كما أصبحت العادة السرية للمرأة حلالاً؟!

وإذا كان اللواط كالعادة السرية بالنسبة للرجل، فهل سيأتي يوم نسمع فيه الترخيص به في كل أسبوع مرة في حالات الإحساس بالحاجة الملحة، وخوف المرض أو الألم في الخصيتين [153] كما ذكرناه في هذا الكتاب؟!

إننا لا نحب أن نعيش لهذا اليوم الذي نسمع فيه أمثال هذه الفتاوي.

5 _ هل كون المرأة لا تحصل علي لذة الطمأنينة الجنسية، وعلي السكينة يوجب تحليل الإستمناء لها، وإذا أجاز للمرأة أن تمارس نوعاً من التنفيس عن احتقان الشهوة داخل الجسد _ دون أن تحصل علي الطمأنينة الجنسية وعلي السكينة.. ويكون حالها في ذلك حال من يفقأ دملة في جسده؛ ليتخفف من ضغط الألم الذي يحس به.. فلم لا يجوّز للرجل أن يمارس هذا التنفيس ويكون حاله حال من يفقأ دملة ليتخفف من ضغط الألم

الذي يحس به، فيجيز له الإستمناء..

6 _ علي أن إجابته عن موقف الإسلام حول اللواط والسحاق تبقي غير قادرة علي تأكيد جانب التحريم فإن مجرد أن لا يحقق اللذة للطرف الآخر، أو للطرفين معاً لا يصلح منشأً للتحريم.. إذ ليس من الضروري تحقيق اللذة في الاتصال الجنسي المحرم، فضلاً عن لذة أي طرف كان.

7 _ وإذا كان أحد الطرفين تتحقق له اللذّة، فإن مقتضي كلامه أن يكون اللواط حلالاً علي الفاعل حراماً علي المفعول به لأن اللذة تتحقق للفاعل علي الأقل..

8 _ ولا ندري كيف عرف هذا البعض:

"أنه لا توجد لذة لدي طرف بعينه إلا إذا كان مريضاً"!!

فهل عرف ذلك بضرب (المندل)؟!.

9 _ ولا ندري أخيراً.. ما قيمة هذه القياسات التبرعية، والإستحسانات في جانب التشريع الإلهي الصائب؟! ولماذا نعلل الأحكام بأمور قد يقال لنا: إننا لا نحتاج إليها، ولا تمثل ضرورة بالنسبة إلينا، فيسقطون الحكم الشرعي بذلك عن حيويته، وعن قداسته، وعن تأثيره في صيانة المجتمع الإنساني من الإنحراف؟!..

بلوغ المرأة

اشاره

بلوغ النساء بالحيض.

السن علامة علي الحيض. فإذا علم عدم الحيض فلا بلوغ بالسن.

جواز السباحة المختلطة قبل البلوغ أي لعمر الخامسة عشرة من الجنسين.

استدل البعض علي أن بلوغ الجارية إنما هو بالحيض بقوله تعالي: (وابتلوا اليتامي، حتي إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشداً، فادفعوا إليهم أموالهم) [154] .

معتبراً أن البلوغ الذي يجعل الإنسان مطالباً بتطبيق أحكام الشرع هو بلوغ النكاح، أي الوصول إلي مرحلة النضج الجنسي، الذي يتحقق لدي الشاب بخروج المني، ولدي الفتاة بحدوث الحيض. ثم أيّد ذلك بما نسبه إلي بعض الأطباء، الذين يعتبرهم أهل خبرة، ويعتبر قولهم حجة.

فهو يقول:

"(بلغوا النكاح): أي

السن الذي يملكون فيه القدرة علي الزواج، وهو النضج الجنسي" [155] .

ويقول:

"(حتي إذا بلغوا النكاح): أي السن الذي يبلغون فيه البلوغ الطبيعي، الذي يتحول فيه الإنسان من حالة الصبا إلي حالة النضج الجنسي، بحيث يقدر فيه علي النكاح الذي يملك فيه قابلية التناسل، وذلك فيما نستقربه _ بالإحتلام لدي الذكر، والحيض لدي الأنثي.

أما السن فقد يكون علامة علي ذلك ببلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والأنثي ببلوغ التسع _ كما يقولون _ باعتبار أنها تحيض لتسع. ولكن إذا علم عدم الحيض في تلك السن لم يتحقق بلوغها، والبحث موكول إلي الفقه" [156] .

ثم هو يشرح المسألة التالية:

(مسألة 1): لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، حرة كانت أو أمة، دواماً كان النكاح أو متعة.

فيقول:

"للنصوص الكثيرة، منها ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن يحيي [157] ، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة، فلا يدخل بها حتي يأتي لها تسع سنين.

وما رواه في الكافي عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن صفوان بن يحيي، عن موسي بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا يدخل بالجارية حتي يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين) [158] .

المرأة تبلغ بالبلوغ الجنسي وليس بالتسع.

يقول البعض:

(والترديد بين التسع والعشر ليس من جهة اختلافهن في كبر الجثة وصغرها، وقوة البنية وضعفها، كما عن بعض المحدثين، بل من جهة ما استقربناه من أن بلوغ المرأة يكون باستعدادها

الجنسي، المعبر عنه في القرآن ببلوغ النكاح، وفي الروايات (وذلك لأنها تحيض لتسع) [159] مما يعني أن الأساس في بلوغ المرأة هو الحيض، غاية الأمر أن البيئات تختلف في السن الذي تبلغ فيه المرأة المحيض.

وعليه تحمل الروايات التي تعبر بالتسع أو العشر أو الثالثة عشرة، ولكنها لا تتأخر عادة عن الثالثة عشرة، كما أن بلوغ الرجل لا يتأخر عادة عن الخامسة عشرة، وإن كان قد يتقدم عليها بالبلوغ الجنسي في بعض الأحيان.

أما جمهور العامة فقد ذهبوا إلي أن المدار علي القدرة علي الجماع، ففي شرح النووي (وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع. ويختلف ذلك باختلافهن ولا يضبط بسن معين، وهذا هو الصحيح وليس في حديث عائشة تحديد، ولا المنع عن ذلك فيمن أطاقته قبل التسع، ولا الإذن فيه لمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً) [160] [161] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذا البعض نفسه نقل في كتابه فقه الحياة أجوبة للدكتور عدنان مروّه علي أسئلة وجهها إليه هذا البعض وقد اعتبر تلك الأجوبة من جملة الوثائق التي اعتمد عليها في فتواه بجواز الإستمناء للمرأة.

وقد سأله البعض أيضاً:

ما هو سن الحيض للمرأة الأدني؟!

فأجاب ذلك الدكتور:

".. قبل حدوث الحيض الأول تمر الفتاة بمراحل من النمو والتغييرات الجسدية، التي تعزي إلي ظهور هرمونات الأنوثة. هذه التغييرات تحدث كذلك إذا ما أخذت الفتاة عن قصد أو غير قصد هذه المركّبات.

بعد معدل سنة علي ظهور هذه التغييرات من الممكن ان يبدأ الحيض الأول بين السنوات 9 _ إلي 16 سنة من العمر. عندما يتأخر عن سن 16 يتوجب استشارة الطبيب، هناك حالات مرضية يحدث الطمث والإباضة في سنٍ مبكرٍ

جداً، مثل عمر ثلاث سنوات. وهناك تقارير حالات حمل في هذا العمر" [162] .

2 _ إن معني ذلك هو أن الحيض لو تأخر حتي السادسة عشر فلا تكون البنت بالغة، ولا يجب عليها الحجاب، ولا الصوم، ولا الصلاة، ولا غير ذلك.

وقد أشار هذا البعض إلي ذلك حين قال: لكنها لا تتأخر عادة عن الثالثة عشرة مما يعني أن يتأخر بلوغها أيضاً إلي هذه السن بالذات.

3 _ إن هذا البعض تارة يقول:

"إن بلوغ الجارية هو بالحيض"

وأخري يقول:

"إنه بالبلوغ الجنسي".

ونقول:

إن الحيض إنما يكون عادة بعد العاشرة. أما البلوغ الجنسي فقد يسبق الحيض، بل هو قد يسبق التسع أيضا، حتي إن مجلة "لوبوان"الفرنسية تقول:

".. سبع سنوات!! هو العمر الذي تظهر فيه أولي علامات البلوغ عند ربع الفتيات الأميركيات من العرق الأسود. وعند سبعة بالمائة من فتيات العرق الأبيض.

هذا البلوغ المبكر الذي أثار قلق الاختصاصيين، لا يرافقه تغير في العمر الذي تحدث فيه العادة الشهرية. ويبدو أن السبب في ذلك هو السمنة المفرطة، والزيادة الملحوظة في الاستهلاك غير الإرادي للهرمونات. كما تعود هذه الظاهرة أيضاً إلي وجود مواد تنشط إفراز هرمون الأستروجين في بعض المواد الكيميائية التي تستخدمها النساء، وخصوصاً في مستحضرات تجميل الوجه، وطلاء الأظافر" [163] .

4 _ بل لو علم أنها لا تحيض، فعليه أن يقول: إنها لا تبلغ أبداً.. ودعواه أنه لا بد من التحديد بالسن وهو الثالثة عشرة لا مبرر لها وفقاً لما قرره والتزم به، ويجوز لها وفق فتواه أن تسبح مع أبناء الرابعة عشرة من الفتيان وفقاً لفتواه في هذا المجال، أيضاً فقد سئل هذا البعض:

_ ما حكم السباحة المختلطة بالنسبة

لأطفال دون سن البلوغ، علماً أن ذلك يعتبر أحد الدروس في المدارس الأوروبية وأن مثل هذه السباحة المختلطة مما يترك أثراً سلبياً في المستقبل بالنسبة للأطفال؟

فأجاب:

"هو في ذاته جائز لأنه رفع القلم عن الطفل، ولكن كما ذكر السؤال فإن هذا يؤدّي إلي أن يتربّي الطفل علي هذه العادة، ويعتبرها أمراً طبيعياً جداً، وربما امتدت معه إلي حال البلوغ وقد يصعب أن نمنعهم من ذلك عندما يكبرون" [164] .

بل يجوز لبنت الرابعة عشرة أن تسبح مع الرجال في مختلف أعمارهم لأن المفروض أنها غير بالغة ولا يحرم النظر إلي غير البالغ، ولا يحرم لمسه وتقبيله. فضلاً عن غير البالغين، فإن ذلك كله يحل لهم لأن القلم مرفوع عنهم وهم بهذه السن.

5 _ قد جاء في تقرير الدكتور عدنان مروة أن هناك حالات مرضية، فيحدث الطمث والإباضة حتي في عمر ثلاث سنوات، وقد سجلت حالات حمل في هذا السن أيضاً..

فمن أين عرف هذا الرجل ان هذه الحالات مرضية؟!.

6 _ ولو سلمنا.. فمن الذي قال: إن الحيض في سن السابعة أو السادسة هو حالة مرضية..أيضاً؟!.

وثمة إشكالات أخري نضرب صفحاً عن ذكرها، توفيراً للإشتغال بما هو أهم.

ومهما يكن من أمر، فإننا قد تعرضنا لهذا الأمر في كتابنا الصحيح من سيرة النبي (صلي الله عليه وآله)؛ وقد قلنا هناك ما يلي:

أولاً: إذا كان المعيار في البلوغ هو النضج الجنسي وكان التعبير الطبيعي عن ذلك هو خروج المني لدي الشاب، وحصول الحيض لدي الفتاة، فلا يبقي معني لتحديد البلوغ بالسن كلية فإذا رأت الفتاة وهي في سن الخامسة أو السادسة أو السابعة أو الثامنة من عمرها، بل وحتي وهي في سن الثالثة

مثلاً قبل بلوغها سن التاسعة، دماً بصفات دم الحيض فعلي هذا البعض أن يحكم بكونه حيضاً؛ ويكون به بلوغها.

مع أن الفقهاء يحكمون بكونه استحاضة وهو إجماعي عندهم [165] .

وهم مجمعون أيضاً علي أنه لا بلوغ قبل سن التاسعة؛ مما يعني أن الروايات التي تحدثت عن الحيض كعلامة للبلوغ، إنما أرادت أنه علامة علي البلوغ في خصوص صورة الاشتباه في مقدار السن.

وهي علامة مبنية علي الغالب لا يلتفت معها إلي الشاذ النادر جداً، فإذا علم البلوغ بالسن كان هو المعيار، فلو خرج دم بصفة دم الحيض قبل سن التاسعة لا يعتد به، بل يعتبر استحاضة [166] .

ومهما يكن من أمر، فمع الإشتباه في السن فإن الدم لا يكون علامة علي البلوغ إلا بعد التسع، فإذا علم بالحيض فقد علم بتجاوز التسع سنين.

ويبقي لنا هنا سؤال وهو:

ماذا لو تأخر دم الحيض (معيار النضج الجنسي لدي الفتاة)، وكذلك تأخر خروج المني لدي الشاب إلي السادسة عشرة، أو الثامنة عشرة، أو أكثر؟!

فهل يحكم بتأخر البلوغ تبعاً لذلك؟!، فإذا كان الجواب بالإيجاب، فما معني كون البلوغ بالخامسة عشرة لدي الشباب؟! وبالثالثة عشرة لدي الفتاة حسبما صرّح به نفس هذا القائل في موارد أخري؟!.

وإذا كان الجواب بالنفي فذلك هو ما نريد بيانه وتقريره، وهو أن الحيض ليس هو الميزان في البلوغ.

ثانياً: إن الآية لم تبين لنا: أن المقصود، هل هو فعلية حصول قذف المني، وخروج دم الحيض؟ أو حصول القابلية؟ فإن القابلية تبدأ من سن التاسعة، كما يستفاد من الروايات الآتية إن شاء الله.

ومما يشير إلي ذلك: أنها عبرت ببلوغ النكاح وهذا يحصل بحصول القابلية له ولم تشر إلي ما سوي

ذلك.

ثالثاً: ليس في الآية الكريمة حديث عن البلوغ الشرعي، وإنما هي قد حدّدت شرطي تسليم أموال اليتامي إليهم، وهما: الرشد، وبلوغ النكاح، أي صيرورة اليتيم أهلاً للزواج. فالأهلية للزواج شرط لدفع المال إليه، وإن كان الذي أصبح أهلاً للزواج ربما يكون قد وضع عليه قلم التكليف قبل ذلك بسنوات. فلا ملازمة بين هذه الأهلية وبين البلوغ الشرعي، بمعني وضع قلم التكليف عليه، إذ قد تمنع الحالة الصحية والبنية الجسدية من تحقق أهلية الزواج والنكاح، لكنها لا تمنع من وضع قلم التكليف.

كما أن من الممكن أن يتأخر الرشد عن سن التكليف، وعن حصول الأهلية للنكاح معاً.

ورابعاً: لا نسلم أن بلوغ النكاح هو فعلية النضج الجنسي المتمثل بالحيض وقذف المني، بل المراد بالنسبة للفتاة القدرة علي ممارسة الجنس دون أن يحدث ذلك سلبيات أو مشاكل عضوية كالإفضاء للفتاة، وذلك في الظروف الطبيعية، وحيث يكون ثمة تناسب بين الشريكين.

أما بالنسبة للشاب، فبلوغ النكاح هو بخروج المني، أو بلوغ السن الذي تتحقق معه قابلية النكاح عادة، بالقياس إلي نوع الشباب وغالبيتهم.

وفي الروايات ما يفيد عدم الضمان إذا وطأ الزوجة بعد سن التاسعة، وثبوت الضمان لو وطأها قبل ذلك. كما دلت الروايات علي أن الصبي الذي لا ينزل المني قد يطأ المرأة أيضاً [167] .

خامساً: لو سلمنا: أن المراد هو النضج الجنسي، فإننا نقول: إن هذا النضج والتجاوب الجنسي له مراتب، ولعل أقصاها هو حالة حصول الحيض في الفتاة وبلوغ سن الخامسة عشرة لدي الشباب.

فقد يكون المراد ببلوغ النكاح هو بلوغ أولي تلك المراتب، كما تشير إليه كلمة (بلوغ). فإذا قيل: فلان بلغ درجة الاجتهاد مثلاً، فلا يعني ذلك أنه قد بلغ أعلي

مراتبه، بل يكفي بلوغه أولي تلك المراتب.

وقد تكون أولي مراتب الحيوية والتجاوب الجنسي في الفتاة هي بلوغ البنت سن التاسعة. فلا يلزم من بلوغ النكاح حصول الحيض بالفعل، بل قد يبلغ النكاح مع علمنا بعدم حصول الحيض فعلاً.

وبعدما تقدم فإن النتيجة هي:

إن المعيار هو السن، وخروج المني في الذكور. وبلوغ التاسعة في الإناث، ولكن بما أن ذلك قد يشتبه أحياناً، بسبب عدم ضبط الناس لتواريخ مواليدهم، أو لاحتمال التزوير فيها أحياناً، من أجل التخلص والتملص من أمر مكروه لهم، فقد جعل الإنبات في الذكر والأنثي، والحيض في الأنثي علامة علي ذلك، لأن ذلك يعني إلا فيما ندر ندرة كبيرة أن من تحيض، أو من أنبت قد تجاوز السن المحدد للتكليف.

وهذا بالذات هو ما حصل في بني قريظة [168] وأشارت إليه بعض النصوص التي تقول: فإن كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ، فإنه يمتحن بريح إبطه، أو نبت عانته فإذا كان ذلك، فقد بلغ [169] .

سادساً: إن هذا البعض قد جعل البلوغ منوطاً بالنضج الجنسي المتمثل بزعمه بحدوث الحيض بالفعل. وجعل أمر الشارع بإعطاء المال لها في هذه الحال إذا كانت رشيدة من آثار هذا البلوغ الشرعي المصاحب للرشد.

فإذا صح جعل إعطاء المال قرينة علي تحقق البلوغ الشرعي، حين البلوغ الجنسي فلم لا يجعل جواز الوطء الذي هو ممارسة فعلية للجنس دليلاً علي هذا البلوغ الجنسي الشرعي. وقد حددت الروايات جواز الوطء هذا بسن التاسعة، سواءاً حصل حيض فعلاً، أم لم يحصل.

كما أن الروايات قد ذكرت آثاراً أخري لذلك، كوجوب استبراء الأمة إذا كانت بنت تسع سنين.. وغير ذلك والإستبراء يشير إلي إمكانية الحمل وهو معني النضج الجنسي. ونحن

نشير فيما يلي إلي هذه الروايات، التي يمكن تصنيفها إلي طوائف، فلاحظ ما يلي:

الطائفة 01

ذلك القسم الذي تحدث عن عدم جواز وطء الجارية قبل بلوغ تسع سنين.

أو أنه إذا دخل بها قبل ذلك فأفضاها كان ضامناً، ونذكر منها ما يلي:

1 _ معتبرة غياث بن إبراهيم عن علي (عليه السلام) [170] .

2 _ وثمة رواية أخري عنه (عليه السلام) [171] .

3 _ وصحيحة الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام). وثمة رواية أخري عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أيضاً [172] .

4 _ ورواية أبي أيوب عنه (عليه السلام) [173] .

5 _ وحديث أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) [174] .

6 _ وصحيحة حمران عن الإمام الصادق (عليه السلام) [175] .

7 _ ورواية أخري عن الإمام الصادق (عليه السلام) [176] .

8 _ وموثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) [177] التي ردّد فيها بين التسع والعشر سنين.

9 _ وصحيحة رفاعة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) [178] وفيها: أن الطمث قد تحبسه الريح.

10 _ ومرسل يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله(عليه السلام) [179] .

11 _ وحديث عمار السجستاني عن أبي عبد الله (عليه السلام) [180] .

12 _ وعن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد(عليه السلام) [181] .

13 _ وذكرت الروايات: (أن علياً (عليه السلام) بني بفاطمة، (عليها السلام) وهي بنت تسع سنين) [182] .

14 _ وروايات تدّعي: أن النبي (ص) قد بني بعائشة، وهي بنت تسع أو عشر سنين [183] وإن كنا قد شككنا بقوة في صحة هذه الروايات، فراجع [184] .

15 _ رواية بريد العجلي عن الإمام أبي

جعفر (عليه السلام) [185] .

فإن الروايات المتقدمة كلها قد تحدثت عن جواز وطء بنت تسع سنين، وعدم الضمان لو حدث أمر ما بسبب ذلك.

وبعضها كموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قد رددت بين التسع والعشر سنين. فهذا الترديد إن كان من الراوي فلا إشكال. وإن كان من الإمام؛ فهو محمول علي ملاحظة عدم قدرة بنت تسع علي تحمل الوطء أحياناً، بسبب ضعف بنيتها، أو بسبب عدم التناسب بينها وبين الطرف الآخر من ناحية جسدية.

وإن كان البعض قد حمله علي الترديد من حيث الأفضلية والإستحباب.

الطائفة 02

هناك قسم آخر من الروايات قد تحدث عن وجوب استبراء الجارية إذا كانت بنت تسع سنين ووجوب العدّة عليها كذلك، وأنه لا يجوز له وطؤها إذا لم يستبرئها، ولا الزواج منها بدون ذلك، وهو واضح الدلالة علي وجود النضج الجنسي لديها، لأن إمكانية الحمل الذي يراد التحرّز منه بالإستبراء، لا يعني غير ذلك ونذكر من هذه الروايات ما يلي:

16 _ رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، دلّت علي وجوب استبراء الجارية شهراً، إذا كانت بنت تسع سنين، إذا كانت لم تدرك مدرك النساء في الحيض، وإذا كانت دون تسع، فلا استبراء لها [186] .

17 _ رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله في عدّة الأمة التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل. قال: خمسة وأربعون ليلة [187] .

وراجع رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله [188] عنه (ع).

والمراد ببلوغ المحيض هنا هو حدوث الحيض بالفعل. أي لم يحدث لها ذلك.

18 _ وكذا رواية ربيع بن القاسم عن أبي عبد الله(عليه السلام) [189] .

19 _ حديث عبد الله بن عمر، عن

أبي عبد الله، في الجارية الصغيرة، يشتريها الرجل، وهي لم تدرك، أو قد يئست من المحيض. فقال (عليه السلام): لا بأس بأن لا يستبرئها [190] .

20 _ ورواية الصدوق عن أبي جعفر (عليه السلام) مثل حديث ابن عمر [191] .

21 _ وحديث أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الجارية الصغيرة التي لم تطمث، وليست بعذراء، يستبرئها؟ قال (عليه السلام): أمر شديد، إذا كان مثلها يعلق فليستبرئها [192] .

22 _ رواية عبد الرحمان بن الحجاج عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حول الثلاثة اللاتي يتزوجن علي كل حال، أي من دون حاجة إلي عدّة، وذكر أن بنت تسع ليست منهن، بل هي بحاجة إلي عدّة. وفيها: أن التي لم تبلغ تسعاً فهي لا تحيض [193] ، ومثلها لا تحيض. وقد وصف البعض هذه الرواية ب_ (الموثّقة).

ولكن آية الله الخوئي، قد اعتبر هذه الرواية ضعيفة السند [194] وهو كما قال.

23 _ صحيحة الحلبي، حول جواز وطء الجارية التي لم تطمث بسبب كونها صغيرة، وأنها بحاجة إلي عدّة، إن كانت قد بلغت [195] .

أي بلغت مرحلة الحبل، فإن العدّة؛ إنما هي للإستبراء من هذه الناحية، كما ذكره آية الله الخوئي [196] .

24 _ صحيحة حماد بن عثمان، عن الإمام الصادق؛ في الصبية التي لا يحيض مثلها والتي يئست من المحيض، قال: ليس عليها عدّة [197] وإن دخل بها.

25 _ صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما في التي تحيض كل ثلاثة أشهر [198] ، أو سنة، أو في سبعة أشهر، والمستحاضة والتي لم تبلغ المحيض.. إلي أن قال: فذكر أن عدّة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر ولا يكون ذلك إلا

في فرض الدخول بهن.

26 _ رواية ابن أبي يعفور عن الصادق(عليه السلام): في الجارية لم تطمث، ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل. قال: ليس عليها عدّة، يقع عليها [199] .

27 _ حديث هارون بن حمزة الغنوي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في جارية حدثة، طلقت، ولم تحض بعد، فمضي لها شهران، ثم حاضت أتعتد بالشهرين؟ قال (عليه السلام): نعم.. الخ [200] .

28 _ وقريب منه حديث ابن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) [201] .

29 _ حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): التي لا يحبل مثلها لا عدّة عليها [202] فإن الكلام إنما هو في صورة الدخول بها.

حيث يظهر أنه ناظر إلي التي لم تبلغ التاسعة، والتي يئست من المحيض.

30 _ عن أبي بصير قال: عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر [203] ، والتي تعدت من المحيض ثلاثة أشهر، فإن أخذنا بروايات ابن أبي حمزة البطائني باعتبار أنهم إنما كانوا يروون عنه قبل وقفه، فهذه الرواية تكون صحيحة ومعتبرة..

وقد يقال: لم يظهر أن هذا هل هو ما يذهب إليه أبو بصير شخصياً، أو أنه ينقله عن المعصوم.

والجواب: إن أبا بصير لا يقول ذلك من عند نفسه في أمر توقيفي كهذا.

لكن الشيخ وغيره قد حملوا هذه الرواية علي المسترابة، أي التي لا تحيض، وهي في سن من تحيض [204] .

31 _ رواية جميل بن دراج عن الإمام الصادق والإمام والباقر عليهما السلام في الرجل يطلق الصبية، التي لم تبلغ وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض، وارتفع طمثها ولا تلد مثلها، قال: ليس عليهما عدّة [205] ، وإن دخل

بها.

الطائفة 03
روايات تحديد البلوغ بالتسع

أما الروايات التي حدّدت البلوغ بالتسع بشكل صريح فهي التالية:

32 _ ما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد، عن الإمام الصادق (عليه السلام): حدّ بلوغ المرأة تسع سنين [206] وهي رواية معتبرة.

33 _ مرسلة أخري عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، وجاز أمرها، وأقيمت الحدود التامة لها وعليها [207]

يلاحظ: أن الرواية قد أوجبت دفع المال للجارية في سن التاسعة، فهي تصلح تفسيراً لآية: (وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح).

34 _ موثق الحسن بن راشد، عن العسكري (عليه السلام): إذا بلغ الغلام ثماني سنين، فجائز أمره، ووجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تم للجارية تسع سنين فكذلك [208] .

فهذه الرواية وإن كانت قد حددت البلوغ للجارية ببلوغ تسع سنين، لكن تحديدها لبلوغ الغلام بثمان سنوات يبقي منشأ للإشكال فيها من هذه الناحية، لكنه لا يمنع عن الأخذ بها فيما لا إشكال فيه.

35 _ وخبر سليمان بن حفص المروزي، عن الرجل (عليه السلام): إذا تم للجارية تسع سنين. فجائزٌ أمرها. وقد وجبت عليها الفرائض والحدود [209] .

36 _ حديث يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا بلغت الجارية تسع سنين ذهب عنها اليتم، وزوّجت، وأقيمت الحدود التامة عليها ولها. وإن لم تدرك مدرك النساء في الحيض [210] وإذا ثبت اتحاد يزيد هذا مع بريد العجلي كانت الرواية صحيحة.

37 _ وقريب من ذلك رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) [211] .

38 _ موثقة عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، التي عللت المثوبة والعقوبة للبنت ببلوغ تسع سنين، بأنها تحيض لتسع سنين [212] .

39

_ وأخيراً، فقد قال صاحب الجواهر: إن بعض الروايات تقول: إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها [213] .

مع احتمال أن يكون رحمه الله قد استفاد هذا الحكم من خلال الروايات المتقدمة، وليس هذا نص رواية بخصوصها.

حصيلة ما تقدم

وقد اتضح من خلال طوائف الروايات المختلفة والكثيرة التي قدمناها، مثل صحيحة الحلبي وغيرها: أن البلوغ غير مقيّد بحدوث حيضٍ فعلي، فقد تبلغ ولا تحيض، فيجب أن تعتد، وأن تُستبرأ.

وأفادت رواية يزيد الكناسي، وعدد آخر غيرها: أن بلوغ تسع سنين يثبت أحكام البلوغ كإقامة الحدود، ووجوب الفرائض عليها، وإن لم تدرك مدرك النساء في الحيض.

كما أن رواية عبد الرحمن بن الحجاج، وغيرها قد ذكرت: أن التي تبلغ تسع سنين لا يجوز تزويجها علي كل حال، بل تحتاج إلي عدّة، وذلك لأن مثلها تحيض. وإن لم يتحقق الحيض منها بالفعل.

وطائفة أخري كرواية ابن سنان قد علّلت المثوبة والعقوبة حين بلوغ تسع سنين بأنها تحيض لتسع سنين.

وصرّحت روايات أخري كصحيح رفاعة بجواز وطء التي لم تحض، لأن المانع من الحيض ليس هو الحبل دائماً، لأن المحيض قد تحبسه الريح.

فاتضح: أن البلوغ إنما هو بتسع سنين، وأن بلوغ النكاح، المتمثّل في الوصول إلي مرحلة الحبل يراد به إمكانية الحبل، ولا يلازم ذلك حدوث الحيض فعلاً.

واتضح: أن الميزان ليس هو فعلية الحيض لكل فتاة، بل إمكانية ذلك، وحدوثه في بعض الموارد يكفي لإنشاء حكم عام علي الجميع.

وبذلك يتضح المراد من الروايات التالية:

روايات البلوغ بالحيض

1 _ روي بسند حسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر إلا أن لا تجده [214] .

فهذه الرواية لا تنفي لزوم الإختمار في مرحلة ما قبل الحيض. لأنها إنما تحدثت عن لزوم الإختمار عليها في هذه المرحلة وسكتت عما عداها.

كما أن قوله عليه السلام: (إذا حاضت) ليس نصاً في فعلية الحيض، وإنما هو نص في حصول القابلية له، وظاهر فيما

سوي ذلك، فلا ينافي الروايات التي هي نص في ذلك حيث حدّدت البلوغ بسن التاسعة.

وهذا الكلام بعينه يجري فيما يلي من روايات:

2 _ مرسلة الفقيه: علي المرأة إذا حاضت الصيام [215] .

3 _ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام): لا تغطي رأسها حتي تحرم عليها الصلاة [216] ، أي ولو بأن تصبح في سن تحيض فيه مثيلاتها. والمراد بحرمة الصلاة حرمتها بسبب الحيض.

4 _ حديث قرب الإسناد، عن علي (عليه السلام): إذا حاضت الجارية، فلا تصلّي إلا بخمار [217] .

5 _ رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): الجارية إذا طمثت عليها الحج [218] .

6 _ وكذا رواية شهاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) حول ذلك أيضاً [219] .

7 _ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): علي الجارية إذ حاضت الصيام والخمار [220] .

8 _ حديث يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا يصلح للحرّة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده [221] .

9 _ وعن علي (عليه السلام) بسند ضعيف أنه أتي بجارية لم تحض، قد سرقت، فضربها أسواطاً، ولم يقطعها [222] .

10 _ موثقة عمار الساباطي: عن الصادق (عليه السلام)، عن الجارية: إذا أتي لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة، وجري عليها القلم [223] .

فإن الروايات السبع الأولي والعاشرة مع ضعف أسانيد أكثرها قد اتضح أنها بملاحظة الشواهد التي ذكرناها فيما سبق لا تنافي الروايات التي تحدّد البلوغ بالتسع، إذ لا مانع من أن تكون ناظرة إلي إمكانية الحيض منها ببلوغها تسعاً، حيث يوجد

في أمثالها من تحيض. وليس المراد فعلية حدوث الحيض لكل فتاة.

أما حديث علي (عليه السلام) حول عدم قطع السارقة، فلا يفيد شيئاً، إذ قد يكون عمر الجارية أقل من تسع.

كما أن عدم قطعها ولو كانت في التاسعة قد يكون لأجل أنها لم تسرق من الحرز أو لسبب آخر، كعدم كونها رشيدة مثلاً.كما أنه لا يأبي عن الحمل علي ما ذكرناه آنفاً.

أما حديث عمار، فقد قال البحراني وغيره: إنه غير معمول به [224] .

ولا يمكنه معارضة سائر الروايات التي أسلفناها؛ فإنها أكثر عدداً، وأصح سنداً.

لفت نظر

قال بعض كبار فقهائنا:

(أما الأنثي فعندنا تسع سنين. وقال الشافعي: كالذكر. وقال أبو حنفية: سبعة عشر سنة. وقال صاحباه: كالذكر. وقال مالك كما حكي عنه: البلوغ أن يغلظ الصوت، أو ينشق الغضروف، وهو رأس الأنف. قال: وأما السن فلا تعلق له بالبلوغ) [225] .

فلعل صاحبنا قد أخذ ذلك من فقهاء أهل السنة كما عوّدنا في العديد من الموارد.

البلوغ عند اليهود

وأخيراً، فإننا نشير إلي أن بلوغ البنت عند اليهود هو ببلوغها سن الثانية عشرة، فقد قال أحمد شلبي نقلاً عنهم:

(وأما البنات فمن لم تبلغ منهن الثانية عشرة، فلها النفقة والتربية حتي تبلغ هذه السن تماماً، وليس لها شيء بعد ذلك) [226] .

وقال أيضاً:

(السن المفروضة لصحة التزوج هي الثالثة عشرة للرجل، والثانية عشرة للمرأة، ولكن يجوز نكاح من بدت عليه علامات بلوغ الحلم قبل هذه السن) [227] .

فاقرأ واعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً!! [228] .

فتاوي بديعة

بداية

وأما عن الفتاوي البديعة.. فانها كثيرة جداً.. ولا يمكن استقصاؤها في هذه العجالة.. وليس لدينا أية نية في ذلك.. فقد قلنا: إننا لا نريد أن نشغل أنفسنا في هذا الأمر، ما دام أن هناك ما هو أهم وأولي..

وذلك لاعتقادنا أن أثر هذه الفتاوي إنما ينال أشخاصاً بخصوصهم، كما أن لفتاويه هذه أمداً محدوداً تنتهي إليه، وتتوقف عنده. أما العقائد والمفاهيم، والتفسير، والتاريخ، وما إلي ذلك، فإن طلابها لا ينحصرون في فئة دون فئة، ولا يختص أخذها منه بزمان دون زمان.. فالكل يأخذ العقيدة، والمفهوم الديني، من أي إنسان كان، إذا كان يثق بمعرفته، أو كان غافلاً عن حقيقة حاله.. كما أن الناس يأخذون ذلك من الأحياء ومن الأموات، ولو قبل مئات السنين.

ولأجل ذلك.. فإننا نورد في هذا الفصل فتاوي يسيرة، توضح كيف أنه يأخذ بشواذ الأقوال.. إن كان ثمة من قائل يوافقه.. وما أكثر الفتاوي التي لم يقل بها أحد، لا من الأولين ولا من الآخرين..

وأظن أن إلقاء نظرة علي جزء يسير من فتاويه يعطي العالم الحاذق الإنطباع الصحيح عن توجهاته، وحتي عن منطلقاته العامة، والفقهية خاصة.. بل إن الإنسان العادي سيجد نفسه

أمام أمر محير، وملفت لا يمكنه البخوع له والتسليم به بسهولة.. ونحن نورد هنا ما يلي:

الزواج الموقت مع المحافظة علي الضوابط الشرعية قد يعرض المجتمع لأوبئة وامراض خطيرة وقاتلة.

الزواج الموقت مع الضوابط الشرعية قد يوجب هتك حرمة المرأة المؤمنة.

الزواج الموقت مع الضوابط الشرعية قد يسئ إلي المناخ الأخلاقي.

الزواج الموقت مع الضوابط الشرعية إذا تحول إلي حرفة فهو كالبغاء.

ويسأل البعض:

إذا كانت طبيعة الزواج الموقت تتيح للمرأة إقامة عدد لا محدود من العلاقات الجنسية، ألا يشكل ذلك مدخلاً لتسهيل عمل المرأة في البغاء؟!

فأجاب:

"إن تحول المرأة من رجل إلي الآخر، مع المحافظة علي الضوابط الشرعية، من عدة وما إلي ذلك ليس محرماً بالعنوان الأولي، ولكن بعض العناوين الثانوية التي قد يحملها هذا الأمر، كهتك حرمة المرأة المؤمنة، أو الإساءة للمناخ الأخلاقي والنفسي العام، أو إلحاق الضرر بالمجتمع عن طريق تعريضه لبعض الأوبئة والأمراض الخطيرة أو القاتلة في نتائجها.. كل هذه الأمور من شأنها أن تجعل هذا الأمر محرماً، وبالتالي، ومن باب أولي، أن يحرم الزواج المؤقت في حالة تحويله من قبل المرأة إلي حرفة مرفوضة كالبغاء.. إلخ" [229] .

وقفة قصيرة

إننا لا ندري كيف يمكن تحول الزواج الموقت مع المحافظة علي الضوابط الشرعية، من عدة وما إلي ذلك إلي حرفة، ويصبح مثل البغاء..

وهل يمكن إذا روعيت في هذا الزواج الشرائط الشرعية ومنها العدة أن يسيء إلي المناخ الأخلاقي؟!

وهل يمكن أن يعرض المجتمع لأمراض خطيرة وقاتلة؟!..

وهل سوف يقول نفس هذا الكلام بالنسبة للزواج الدائم إذا تعقبه الطلاق؟! وتحولت فيه المرأة من رجل إلي آخر مع المحافظة علي الضوابط الشرعية؟!

نعم، إننا لا ندري كيف يكون ذلك كذلك؟!.. ومن يدري

فليبادر إلي إيضاح هذه الأمور لنا، وسنكون له من الشاكرين.

له موقف سلبي من أكثر ظواهر زواج المتعة.

لا يشجع علي زواج المتعة في المراحل التي نعيشها ويحذر منه.

زواج المتعة _ بسبب الظ_روف _ ليس حلا للمشكلة _ بل هو يوجد مشاكل أخري.

في زواج المتعة سلبيات عامة وخاصة ولذا يحذر الفتيات منه.

سئل البعض:

بالنسبة إلي زواج المتعة، هناك قول إنّكم من حلّل وشجّع علي زواج المتعة حتي بين الفتيات العذاري، بينما هو محلّل للأرامل والعوانس، حتي أنّ الرسول الكريم لجأ إليه في الحروب التي كان يبتعد فيها الرجل إلي قلب الصحراء، بعيداً عن أماكن سكن الأهل، ما هو ردّكم؟

فأجاب:

"لم أدعُ إليه بل ربّما وقفت موقفاً سلبياً من أكثر ظواهره، أنا لا أقول بحرمته، وإن كنت أتحفّظ بالنسبة إلي العذاري، وأعتبر أنّ المجتمع لو انفتح عليه بشكل عام لا من خلال دائرة لاستطاع أن يخفّف من المشكلة الجنسية التي يعاني منها الناس، ولكنّنا في المراحل التي نعيشها لم أكن ممّن يشجّع هذا الزواج. بل كنت أُحذّر الفتيات منه انطلاقاً من السلبيّات الكثيرة التي تحدث علي المستوي الخاص وعلي المستوي العام، ولذلك فإنّني لا أري من خلال الظروف المحيطة بالموضوع، لا أري فيه حلاً للمشكلة، وإنّما أري فيه تعقيداً لمشاكل أُخري" [230] .

وقفة قصيرة

وأحسب أن كلامه هذا قد جاء علي درجة من الوضوح بحيث لا يحتاج إلي تعليق، ولكنني مع ذلك ألفت نظر القارئ الكريم إلي ما يلي:

1 _ ما الفرق بين المراحل التي نعيشها، وبين غيرها من المراحل، فإن كان يخاف من نقد الذين يحرمون زواج المتعة، فإن هذا النقد قائم منذ مئات السنين. ولم يتغير شيء عما كان عليه.

وإن كان يخاف من تشنيع غير المسلمين علي الشيعة في هذا الأمر، فان من يقبل بالزواج المدني، ويشرع المعاشرة خارج دائرة الأديان، ويمارس الزنا والفواحش بصورة قانونية، أو علي أنه العرف والظاهرة السائدة عنده.. لا يحق له أن يثير انتقادات حول زواج يري فيه من يمارسه: أنه مشروع، ومقبول دينياً، وليست فيه أية سلبية من جهة الإساءة إلي الناحية الإنسانية.

2 _ ليته عدّد لنا أكثر ظواهر الزواج المؤقت التي له موقف سلبي منها، لنتمكن نحن أيضاً من تحديد موقفنا منها.

أما ما ذكره في النص السابق، فإنما هو ظاهرة واحدة، وهي تعدد زواج المتعة مع الحفاظ علي الضوابط الشرعية.. إلي حد أن يصبح حرفة.. فمع أن الأمر في الزواج الدائم قد يكون كذلك، إذا تعدد الطلاق والزواج لامرأة واحدة، أو لزوج واحد..

نعم، ومع أن الأمر كذلك لكننا لم نستطع إلي الآن أن نعرف ظواهر زواج المتعة التي يتحدث عنها هذا البعض..

3 _ إن كان ثمة مشاكل يوجدها الزواج المؤقت بما هو زواج، لا من حيث الممارسات الخاطئة خارج دائرة الضابطة الشرعية.

فلماذا لا يقف موقفاً سلبياً من الزواج الدائم أيضاً. فإنه أيضاً فيه سلبيات عامة وخاصة بسبب أن الممارسات الخاطئة في الحياة الزوجية قد تكون فيه أكثر منها في الزواج المؤقت. وتلك هي المحاكم الشرعية تغص بأصحاب المشاكل.. فلماذا لا يحذر الفتيات من الزواج الدائم أيضاً لأجل هذه المشاكل، كما حذرها من زواج المتعة؟!

التورية بالقسم علي الزوجة كذب محرم.

التورية من مصاديق الكذب.

التورية بالقسم للزوجة إساءة لله وإساءة للحقيقة.

سئل البعض:

هل يمكن التورية في قسم الزوج لزوجته بأنه لن يتزوج عليها، وأن ليس لديه امرأة أخري. وهي متأكدة من

خلاف ما يقول؟.

فأجاب:

"لا يجوز الكذب علي الزوجة، لا سيما القسم الكاذب. فالزوج هنا يسيء إساءتين، فهو لم يحترم الله من جهة. ولم يحترم الحقيقة من جهة ثانية" [231] .

وقفة قصيرة

إننا نسجل هنا ما يلي:

1 _ إن هذا البعض قد اعتبر التورية من قبيل الكذب. مع أن من الواضح أنها ليست كذلك..

2 _ لم نفهم معني كون التورية للزوجة تشتمل علي إساءة للحقيقة _ ولماذا!! وكيف؟!.

3 _ إنه حرم التورية في مورد قد يترتب علي القول الصريح فيه مشاكل كثيرة ربما تؤدي إلي هدم الحياة الزوجية بكاملها. مع أنه يجيز ارتكاب أمور معلومة التحريم في حالات الحرج أو الإضطرار، الذي يصل إلي درجة التأثير حتي علي مستوي النجاح في المدرسة، أو في حالات الإحراجات العرفية، والخجل.. فيجيز مثلاً مصافحة الرجل للمرأة. في مثل هذه الحالات وسنورد في هذا الفصل المزيد من الأمثلة لذلك.

4 _ إنه حرم التورية رغم أنه قد أطلق قاعدته العجيبة والغريبة التي تقول:

"إن الغاية تبرر الواسطة، بل تنظفها"

وقد أوضحنا مدي الخلل في كلامه الذي أورده دفاعاً عن قاعدته المشار إليها.

تقبل شهادة غير المسلم في غير القضاء إذا أفادت الاطمئنان.

تقبل شهادة غير المسلم في الطلاق إذا أفادت الاطمئنان في غير القضاء.

سئل البعض:

هل تقبل شهادة غير المسلم علي الزواج، أو الطلاق أو البيع والشراء؟!

فأجاب:

"الأصل عدم القبول، ولكن إذا أفادت الاطمئنان في تكليف الإنسان الشخصي وليس في مقام القضاء، فيمكن أن يعمل الإنسان باطمئنانه" [232] .

وقفة قصيرة

إذن، فيجوز العمل باطمئنان يستند إلي شهادة غير المسلم علي الزواج أو الطلاق. وهذا يخالف قوله تعالي: (وأشهدوا ذَوَي عدل منكم) فهل غير المسلم منا؟، وهل هو عادل؟!

تأجير شقق للدعارة يجوز بالعنوان الأولي في بعض الحالات.

سئل البعض حول شقق لممارسة المنكرات:

أعمل في مكتب عقاري وصاحبه يؤجر شقق لممارسة الفساد والمنكرات، وأحياناً أقوم شخصياً بتأجير

هذه الشقق فما هو موقفي؟

فأجاب:

"إذا كانت هذه الشقق أماكن للدعارة فلا يجوز ذلك بالعنوان الأولي في بعض الحالات، وفي العنوان الثانوي في حالات أخري" [233] .

وقفة قصيرة

نقول:

1 _ إن معني كلام هذا البعض: أنه يجوز بالعنوان الأولي تأجير شقق للدعارة، ومع عدم وجود عنوان ثانوي يمنع فالأمر يبقي جائزاً في تلك الحالات المشار إليها..

2 _ ونحن لو سلمنا صحة هذه الفتوي، ولم نرد أن ننازعه في وجود دليل علمي لها أو عدم وجوده فإننا نقول:

لماذا يصر هذا البعض علي طرح أجوبته هذه (!!) علي الملأ العام، ولا يطلب من السائل _ إن كان ثمة من سائل _ أن يأتيه ليجيبه علي سؤاله _ الذي من هذا القبيل علي انفراد، وخلف الأبواب المغلقة، تماماً كما يفعل معنا، ومع غيرنا حينما نطلب منه الحوار والمناقشة فيما يطرحه من أمور خطيرة وحساسة تمس العقيدة، وحقائق الدين، ومفاهيمه وشعائره؟!

وأية مصلحة في إشاعة هذا النوع من الفتاوي بين الناس؟!..

وهل من المفروض أن ننشر كل ابتلاءات الناس، ومصائبهم في كل اتجاه؟!

وهل هذه الفتاوي هي الحل الشرعي الذي رضيه الله ورسوله ودلت عليه الآيات والأحاديث الشريفة؟!.

إذا كانت صلاة الجمعة عند أهل السنة جامعة للشرائط لم تجب إعادتها.

سئل البعض:

ما حكم من يصلي صلاة الجمعة في يوم الجمعة في جامع السنة، وخلف شيخ سني، هل يجب عليه إعادة الصلاة؟ أم أن صلاته صحيحة؟

فأجاب:

"إذا كانت صلاته جامعة لشروط صحة الصلاة فلا يجب عليه الإعادة" [234] .

وقفة قصيرة

إن من الواضح: أن الحديث ليس هو عن الصلاة خلفهم في المسجد الحرام في مكة، فان ذلك مما ثبت جوازه من خلال الروايات والنصوص الخاصة به، والتي لا يمكن تعديتها إلي سائر البلاد والعباد. وإنما الكلام في المشاركة في أية صلاة جمعة تقام في أي بلد في العالم، حيث يشترط الفقهاء كون إمام الجماعة

ممن يعترف بإمامة الأئمة(ع). بالإضافة إلي شروط أخري معروفة. ولا ندري كيف يمكن أن تكون الصلاة خلف السني جامعة للشرائط المعتبرة في صلاة الجمعة.

لا يجب الصوم حيث يطول النهار، ولا تكون له نهاية واضحة.

لا يوجد شهر رمضان حيث لا نهاية للنهار بحيث لا يتيقن بالشروق والغروب.

سئل البعض:

هل يمكن توضيح كيفية تقسيم الفرائض اليومية في بلد يكون الليل لأكثر من عشرين ساعة، مع الأخذ بنظر الإعتبار: أنه يوجد أشبه بالنهار، ولكن من دون تحقق اليقين للشروق والغروب، وماذا لو كان العكس، أي مدة النهار عشرين ساعة؟!

فأجاب:

"في هذه الصورة لو كان هناك نهار ولو لمدة أربع ساعات، وكان هناك فجر أو ظهر وعصر، فعليه أن يصلي في هذه الأوقات.

أما إذا لم تكن هناك أوقات واضحة، فعليه أن يصلي صلاة الصبح في نهاية الليل، وقبل شروق النهار، ويصلي الظهر والعصر خلال هذه المدة أو في منتصف النهار.

ولو فرضنا لو لم يكن هناك نهاية كلية، فعليه أن يصلي الصلوات الخمس من دون الإلتزام بأوقات معينة، لأنه إنما يجب الإلتزام بالوقت في صورة ما إذا كانت هناك أوقات متنوعة. أما إذا كان الوقت واحداً _ والصلاة لا تسقط بحال _ فعليه أن يصلي خمس صلوات كيفما كان. والأحسن احتياطاً هو أن يصلي بأوقات اقرب البلدان إلي بلده، ممن تستقيم فيه الأوقات..

أما الصوم ف_لا يجب، لأنه ليس هناك شهر رمضان" [235] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا البعض يقول:

"إنه ما من فتوي يفتي بها إلا وله موافق من فقهائنا رضوان الله عليهم" [236] .

ونحن نطلب منه أن يدلنا علي فقيه يقول بسقوط صيام شهر رمضان من دائرة التشريع عمّن يعيش في مناطق

من هذا القبيل؟!

كما أننا نتعجب منه، حيث حكم عليه بأن يصلي خمس صلوات كيف كان ولم يحكم بصيام مقدار يوم كيفما كان!!..

وثانياً: إن الأمر بإقامة الصلاة قد شرط له في القرآن ثلاثة أوقات هي: دلوك الشمس، وغسق الليل، وقرآن الفجر، فإذا لم تتحقق هذه الأوقات لا يتحقق دخول وقت الصلاة فكيف حكم بخمس صلوات كيف اتفق.

بل عليه أن يحكم بها في خصوص هذه الأوقات دون سواها، فكيف جاز له التعبير "كيفما كان"كما أنه إذا كان الليل ستة أشهر والنهار كذلك فإنه يصلي _ علي مبناه _ خمس صلوات فقط في السنة كلها.

لا مانع من إنشاء عقد الزواج بالكتابة أو بالفعل.

وسئل البعض:

هل اللفظ في العقد شرط لازم؟ أم أن الكتابة والتوقيع السائدان الآن يجزيان دون اللفظ؟

فأجاب:

"لا مانع من إنشاء العقد باللفظ أو بالكتابة أو بالفعل، بشرط أن يكون كل ذلك وسيلة من وسائل إنشاء العقد بالعرف العام، يعني أن مسألة العقد لا تخضع في خصوصيتها اللفظية أو الفعلية أو الكتابية للجانب الشخصي في اختيار هذا اللفظ أو ذاك، بل لا بد أن يكون اللفظ والفعل والكتابة مصداقاً لعنوان المعاملة، بحيث إنه يقال: (فلان) تزوج، أو فلان (باع)، أو فلان (اشتري).

ولا يشترط اللفظ بشكل خاص إلاَّ في موضوع الزواج. حيث يحسن فيه الاحتياط، بان يأتي الإنسان بما يكون متيقناً حصول الزواج به عند الفقهاء جميعاً" [237] .

وقفة قصيرة

1 _ إن احتياطه في أن يكون العقد باللفظ ليس إلزامياً بل هو حسن..

ونحب أن يدلنا علي الفعل الذي يتحقق به عقد الزواج _ هل هو مباشرة النكاح؟

أم مباشرة الإثارات الجنسية كملاعبة النهدين وتبادل القبل الشهوانية.. أم ماذا؟!.

2

_ ما أسهل أن يشيع بين الناس خصوصاً في أوربا: أن المعاشرة الجنسية إيجاب وقبول وبها ينعقد الزواج. وأن يصبح الطلاق مجرد طرد من المنزل أو ما إلي ذلك..

فهل ينعقد الزواج بهذه الوسيلة إذا أصبحت في العرف العام وسيلة من وسائل إنشاء العقد؟!..

وكذا الحال بالنسبة لغيرها من الوسائل التي ربما يخترعها خيال هذا الإنسان؟!..

يجوز للمرأة أن تلبس زينتها الظاهرة.

يجوز للمرأة أن تخرج متعطرة.

التعطر المثير مكروه..

التعطر المثير قد يحرم.

سئل البعض:

هل يجوز للمرأة لبس الخاتم أو الأساور غير الملفتين للنظر؟

فأجاب:

أنا أستفيد من قوله تعالي: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) [238] أنه يجوز لبس الزينة الظاهرة الموجودة في المواقع الظاهرة من زينتها الجسدية، أي يجوز لها أن تلبس الخاتم، وما إلي ذلك. ولكن بشرط أن لا تكون الزينة مثيرة".

وسئل:

ما هو الحكم في وضع العطور؟

فأجاب:

"يجوز للمرأة أن تخرج متعطّرة، ولكن إذا وصل التعطُّر إلي حد الإثارة، وإلي حد أن يطمع الذي في قلبه مرض، أي تتكون لديه مشاعر غير نظيفة، من حيث طبيعة الموضوع، لا من خلال عقدة الشخص، ففي هذه الحالة يكره، بل قد يحرم" [239] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا يخالف الأحاديث التي تنهي المرأة عن التطيب والخروج من بيتها. والأحاديث التي تنهاها عن التزين لغير زوجها. بل لقد جاء أن الزهراء (ع) حين خطبت خطبتها في المسجد بعد وفاة الرسول: أمرت فنيطت دونها ملاءة وسيأتي بعض الحديث عن الحجاب إن شاء الله.

الإعجاب الروحي المتبادل يجيز تبادل الرسائل المعبرة عن الإعجاب وعن الحب.

الإعجاب الروحي المتبادل يجيز الحديث عن الإعجاب وعن الحب.

الإعجاب الجسدي يبيح الرسائل والحديث عن الألم والمعاناة والحب

العاطفي.

الإعجاب الجسدي يبيح تبادل رسائل الغرام.

سئل البعض:

عن الإعجاب المتبادل بين الشاب والفتاة فأجاب بأنه:

قد يحصل:

"1_ الإعجاب المتبادل، بالأخلاق، أو الشخصية أو المواهب المختلفة، وبكلمة مختصرة إن الإعجاب يكون بالجمال العقلي والروحي دون الجمال الحسّي، وقد يصل هذا الإعجاب إلي درجة عالية تتناسب طردياً مع درجة التزام الطرف الآخر والتصور لكمالاته، غير أن هذا الشعور بعيد جداً عن كل ميل غريزي، فما هو الحكم الشرعي:

2 _ فيما لو بقي هذا الأمر في نطاق الشعور فقط ولم يتجاوزه إلي السلوك؟

3 _ إذا تجاوز الإعجاب حدود الشعور إلي سلوك محدد، كتبادل الحديث أو الرسائل التي تفصح عما يكنه كل طرف للآخر؟

4 _ في مجالات الإختلاط إذا حصل هناك إعجاب متبادل من خلال العناصر العقلية والروحية والثقافية الكامنة في داخل الشخصية، بعيداً عن أيّ ميل غريزيّ، فلا مشكلة شرعية من هذه الجهة، إذا لم يؤدّ إلي انحرافات عملية شرعيةٍ، سواء بقي في داخل المنطقة الشعورية الداخلية، أو تجاوزه إلي الحديث أو الرسائل المتبادلة المعبرة عن الإعجاب والشعور الداخلي [240] .

5 _ وقد يتعدي الإعجاب بالكمالات الروحية والجمال العقلي إلي الإعجاب بالجمال الحسّي أيضاً مع ميل غريزي بين الطرفين ورغبة في الزواج ولا يتم ذلك الزواج لظروف معينة وموانع، فما حكم هذا الشعور:

أ _ إذا بقي مكتوماً حبيساً.

ب _ إذا تجاوز ذلك بان أفصح كل طرف عن حبه للآخر بالكلام والرسائل التي تظهر الشوق، وآلام الفراق، والشكوي. ولا يتجاوز السلوك ذلك، أي يعصمان أنفسهما من الإنحدار إلي المتعة الجسدية.

6 _ إذا تعدي الإعجاب (الكمالي) إلي الإعجاب (الجسدي) الذي يتحول إلي ميل غريزي يستهدف الزواج، من دون أن تكون

هناك فرصة واقعية له، فليس ذلك محرماً، سواء أبقي هذا الشعور حبيساً في النفس، أو كان ظاهراً في الكلام الذي يوحي بالألم والمعاناة، والرغبة في الزواج، من دون أن يبلغ الدرجة التي تدفع إلي علاقة محرمة "كاملةً أو ناقصة"، فإن الله لم يحرم علي الإنسان الحب العاطفي، ولكنه حذّر من بعض المشاعر، وحرم بعض النظرات وبعض أجواء الاختلاط التي قد تقود الإنسان _ ولو بطريقة لا شعورية _ إلي ارتكاب المحرّم، علي قاعدة (أن المحرمات حمي الله فمن حام حول الحمي أوشك أن يقع فيه)، باعتبار أن ذلك يمثل الحالة الوقائية المانعة من الإنحراف والوقوع في الحرام" [241] .

لا يجوز التبرع للهيئات التي تصرف جزءاً من المال علي ض_رب السلاسل.

وسئل البعض:

هل يجوز التبرع بالأموال للهيئات والمواكب الحسينية التي تصرف جزءاً من تلك الأموال علي شؤون التطبير، وضرب السلاسل؟

فأجاب:

"لا يجوز ذلك في الموارد المذكورة لأنه صرف علي أمر غير مشروع، أما في غير ضرب الرؤوس بالسيف، وضرب الظهور بالسلاسل، فيجوز. بل هو راجح شرعاً" [242] .

يجوز دخول الكفار إلي المساجد وإلي داخل الأضرحة المقدسة.

سئل البعض:

هل يجوز دخول الكفار إلي مساجد المسلمين، أو إلي داخل الأضرحة المقدسة للمشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت (ع)؟

فأجاب:

"يجوز ذلك وإن كان الأحتياط لا ينبغي تركه" [243] .

الأقوي طهارة الكافر مطلقاً.

سئل البعض:

ما رأيكم في نجاسة الكافر؟

فأجاب:

"الكافر في رأينا طاهر مطلقاً، سواء كان كتابياً أو ملحداً، أو مشركاً، أو يهودياً أو غير ذلك، فالإنسان كله طاهر عندنا. وأما الآية الكريمة: إنما المشركون نجس؛ فلا تدل علي النجاسة الخبثية، وإنما تدل علي النجاسة الفكرية المعنوية" [244] .

يجوز الإستمناء عند

خوف المرض، أو الألم في الخصيتين في السفر أكثر من شهر.

سئل البعض:

رجل متزوج يتطلب عمله السفر إلي بلدان أخري، وقد يطول سفره أكثر من شهر، وليس بمقدوره أن يصطحب معه زوجته، كما ليس بإمكانه أن يتزوج زواجاً مؤقتاً خلال مدة إقامته في ذلك البلد الذي يسافر إليه، وهو يعاني من احتباس المني بحيث يؤدي ذلك إلي حصول آلام في الخصيتين، ويسبب له إزعاجات نفسية، وتوترات عصبية مثيرة، فهل يجوز له استخدام طريقة الإستمناء لتفريغ المادة ليرتاح منها ولو في الأسبوع مرة؟

فأجاب:

"إذا كان يخاف من حدوث المرض أو الألم فيجوز ذلك، انطلاقاً من قوله تعالي: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولكن لا بد من التدقيق في إحراز الموضوع، والحذر من تحوله إلي عادة في المستقبل" [245] .

وقفة قصيرة

ونقول:

لا ندري إن كان هذا البعض سيحلّل ما هو أبعد من الإستمناء، إذا كان احتباس المني يؤدي إلي آلام في الخصيتين، أو إذا كان عدم التعرض للواط (في المأبون) أو عدم الزنا للمعتادة علي الزنا يسبب لها إزعاجات نفسية وتوترات عصبية مثيرة.. وذلك أيضاً استناداً إلي قاعدة (ما جعل عليكم في الدين من حرج) و بعد التدقيق في إحراز الموضوع أيضاً؟!

نسأل الله أن يقف الأمر عند حد الإستمناء، ولا يتعداه إلي ما هو أعظم كإباحة الزنا واللواط أيضاً..

يجوز للمرأة مصافحة المريض عند استقباله في العيادة في حالات الحرج.

سئل البعض:

ما هو حكم مصافحة المرأة الأجنبية في بلاد الغرب، إذا كان ذلك ضمن سياق المهنة الطبية عند استقبال المريض في العيادة في مستشفي أجنبية، حيث يتوقّف شرط القبول للعمل كطبيب علي حسن استقبال المريض والمرأة بشكل خاص، خصوصاً إذا تذكرنا

أنه بعد هذه المصافحة يتم الكشف علي المرأة بأكملها؟

فأجاب:

"هذه حالة تختلف حسب الأشخاص، فإذا كان الشخص يقع في حرج شديد فإنه يجوز ذلك(ومَاَ جَعَلَ عَلَيكْمُ فِي الدينِ مِنْ حَرَجِ) [246] . لكن إذا تمكّن أن يلبس قفّازات ولو بلاستيكية فيجب عليه ذلك. هذا لو فرضنا ان هناك حرجا، وإلا فإنّ البعض يحاول خلق الأوهام في هذا المجال، ولا يتوقف حسن الاستقبال علي ذلك، بل يمكن التعويض عنه بالعناية الشديدة بالمريض، بطرق أخري عديدة".

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا البعض: يري أن حسن الاستقبال لو توقف علي المصافحة ضمن سياق المهنة الطبية، وكان ذلك مما يحرج، ولم يكن في ذلك أي توهم، فان هذه المصافحة تجوز.. وقد استدل علي ذلك بآية رفع الحرج..

فهل إذا أحرج الإنسان المسلم وهو بين أصدقائه في حانة، وأصروا عليه بأن يشرب كأساً من الخمر، أو بمشاركتهم في فواحشهم، كالزنا وغيره، فهل يجيز لهذا البعض مشاركتهم في ذلك، استناداً إلي هذه الآية. مع اشتراط أن لا تكون هناك أية أوهام؟!

يمكن أن ترث الزوجة الأرض.

الأحوط وجوباً مصالحة الورثة مع الزوجة في إرث الأرض.

سئل البعض:

عن إرث الزوجة من بيت زوجها:

فأجاب:

"المشهور بين علمائنا: أن الزوجة تستحق البناء، ولا تستحق من الأرض شيئاً. وعلي ذلك فلا بد أن نري كم يساوي البناء بدون أرض، ويقدر الثمن، إذا كان عندها أولاد علي ضوء ذلك.

ولكننا نحتاط، ونري أن هناك إمكانية أن ترث الزوجة الأرض. ولذا يحتاج الأمر كاحتياط وجوبي إلي الصلح بين الورثة وبين الزوجة" [247] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذه الفتوي تفيد _ حسب دعوي الإرث لفاطمة (عليها السلام) في فدك _ شراكة معها لعائشة وحفصة وسائر زوجات النبي (ص)..

2 _ إن الاحتياط الوجوبي عنده ميل إلي عدم الوجوب، فلا أثر لهذا الإحتياط حسب ما هو مقرر عنده خصوصاً، وأنه يعتبر القول بالإحتياط هو نتيجة عدم امتلاك الدليل، فكيف إذا صرّح _ كما هو الحال _ هنا بأنه يري أن هناك إمكانية أن ترث الزوجة الأرض؟!

الغاية تبرر الواسطة! بل تنظفها!

بداية

هناك فتاوي كثيرة.. لا مجال لاستقصائها تهدف _ ربما _ إلي تكريس واقع معين، ومعالجة الثغرات التي ربما لا يكون إبقاؤها في صالح شخص بعينه أو جهة بخصوصها..

فتأتي الفتاوي لتؤيد، وتسدد، وتقوي، وتمنع وتعطي، وما إلي ذلك..

ولسوف نكتفي في هذا الفصل بذكر نماذج تعطي الإنطباع العام.. وليس الهدف من إيرادها إلا لفت نظر القارئ ليكون أكثر وعياً وتنبهاً والتفاتاً لحقيقة ما يجري حوله.. وإن كنا نظن أن جميع ما ذكرناه في هذا الكتاب بجميع أقسامه وفصوله كاف وشاف إن شاء الله.

والموارد التي اخترناها هي التالية:

لا أعتقد أن ثمة من يقدر أن يشهد بأعلمية أحد.

الذين يشهدون مطلعون علي علم أستاذهم جاهلون بعلوم غيره.

لا يمكن الإطلاع علي كل الآراء والتمييز بينها.

الشهادة بالأعلمية ليست واقعية.

ليس هناك أعلم.

لا يوجد اعلم بشكل مطلق في الدنيا كلها.

علي المقلد أن يعمل بالأحتياط في الرجوع إلي الأعلم بعد موت مقلَّده.

سئل البعض:

من هم أصحاب الخبرة برأيكم؟! وهل هم من حضروا البحث الخارج عند المجتهد لكي نعرف من خلالهم من هو الأعلم؟

فأجاب:

"لا أعتقد أن هناك شخصاً يقدر أن يشهد أن فلاناً أعلم؛ لأن أغلب الذين يشهدون بذلك هم حاضرون

عنده، ومطلعون علي علمه، ولكنهم غير مطلعين علي علوم الآخرين.

فالذي يشهد أن فلاناً أعلم يجب أن يطلع علي كل آراء العلماء، ويميز بينها. وهذا غير ممكن.

ولذلك نقول: إن الشهادة بالأعلمية هي ليست واقعية.

كما أننا نقول: أن ليس هناك أعلم، فلكل ورد رائحة.

ولا يوجد أعلم بشكل مطلق في الدنيا كلها" [248] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا نلاحظ هنا ما يلي:

1 _ إن هذا البعض نفسه يقول:

"إن النفي يحتاج إلي دليل كما الإثبات يحتاج إلي دليل".

فهل اطلع علي علوم علماء جميع من في الدنيا حتي صح إطلاق هذا الحكم القاطع بأنه:

"لا يوجد أعلم بشكل مطلق في الدنيا كلها.."؟!

أم أن الله سبحانه قد أطلعه علي غيبه بشكل استثنائي؛ فأخبر بذلك استناداً إلي ما أطلعه الله عليه؟!

ونطلب من القارئ الكريم أن يراجع ما قاله من: أنه لا يوجد ملحد في العالم. إذ لا يمكن لأحد أن يدعي أنه قد فتش العالم كله عن الله فلم يجده، حتي يصح له أن ينفي وجود الله.. فإن النفي يحتاج إلي دليل..

فنحن نطالبه هنا بنفس ما استدل به هناك!!

2 _ قوله:

"لا أعتقد أن هناك شخصاً يقدر أن يشهد أن فلاناً أعلم.."

عجيب وغريب فإنه هو نفسه قد كان إلي الأمس القريب يشهد بأن السيد الخوئي قدس سره هو الأعلم، وكان يدعو إلي تقليده بإصرار. وقد استمر علي ذلك إلي أن توفي ذلك العالم الكبير.

إلا أن يدعي: أنه هو فقط القادر علي أن يشهد بأن هذا أو ذاك أعلم(!!)

3 _ من أين عرف أن الذين يشهدون بأعلمية هذا أو ذاك غير مطلعين علي علوم الآخرين. فإن هذا يدخل في دائرة الطعن

إما بعدالتهم، إذا كانوا ملتفتين إلي الحقيقة، ولكنهم يصرون علي أن يشهدوا زوراً..

أو رميهم بالغفلة إلي حد البله. وكيف يمكن أن نرمي بذلك أمة تعد بالمئات من أهل العلم والفضل والإجتهاد، الذين خولهم وعيهم العلمي واتزانهم أن يتبوؤا مقامات سامية في آفاق الفضيلة والمعرفة إلي درجة الإجتهاد الذي يحتاج إلي الأفق الفكري الرحب، والقادر علي استيعاب المعارف في أدق تفاصيلها؟!..

4 _ والغريب هنا: أنه هو نفسه لم يزل يقرر الأحكام التي تدور حول الأعلم، فراجع مسائله الفقهية وفتاويه الواضحة وفقه الشريعة في مبحث التقليد.. فهل هو يشغل الناس بأمور غير واقعية، وغير قابلة للتحقق؟! وما المبرر إذن لإشغاله الناس بذلك؟.

5 _ ويكفي أن نذكر هنا: أنه رغم إنكاره وجود الأعلم من الأساس، فإنه هو نفسه يحكم علي العامي الذي توفي مرجعه أن يحتاط بالرجوع إلي الأعلم من الأحياء.

فقد سئل هذا البعض:

إذا كان شخص مقلداً لمن يقول بوجوب تقليد الأعلم كالسيد الخوئي، ثم مات هذا المجتهد، فهنا يرجع المكلف إلي الحي ولا يصح له التقليد، فبأي اعتبار يرجع إلي الحي، هل يرجع إلي الأعلم؟ أم يتخير بين الأحياء؟!

فأجاب:

"لا بد له أن يعرف أن هناك رأيين رأي يقول: أن يرجع إلي الحي الأعلم، وهذا موافق للإحتياط. وهناك رأي يقول عليه أن يرجع إلي الحي، حتي لو لم يكن الأعلم.

فالمقلد لا بد له أن يتدبر أمره، ويعمل بالإحتياط، إذا لم يكن ممن يملك الرأي في ذلك" [249] .

ونقول:

لماذا لم يقل لهذا السائل: لا يوجد أعلم في العالم؟!

وإذا كان يجيز تقليد غير الأعلم فلماذا لم يقل له: ارجع إلي أي كان من المجتهدين؟!

وإذا كان يجيز البقاء علي

تقليد الميت، فلماذا لم يقل له: ابق علي تقليد من كنت تقلده؟!

وإذا كان يجيز تقليد الميت ابتداء، فلماذا لم يخيره بين الأموات والأحياء؟!

وإذا كان أمره بالإحتياط لا ينافي ذلك كله.. فلماذا ألزمه به، ولم يعطه فرصة للتخلص منه..

وإذا كان الإحتياط فتوي بالجواز، ويعد من يوجب الإحتياط قائلاً بالجواز [250] ، فلماذا الإلزام به؟

لا أجوز التبعيض في التقليد.

يجوز التبعيض في التقليد.

تجويز التبعيض يحول التبعيض إلي لعبة.

لا أجوز التبعيض حتي لا تنتهك حرمة الفتوي.

يقول البعض:

"هناك العديد من المسائل الحساسة التي لا أجوز فيها التبعيض، حتي لا يتحول التبعيض من رخصة إلي لعبة تنتهك بها حرمة الفتوي" [251] .

وقفة قصيرة

ونقول:

لقد بات واضحاً: أنه حين يدل الدليل علي جواز التبعيض، فهو أمر يرتبط بالتماس الحجة علي الحكم الشرعي. فلا يحق لأي فقيه أن يمنع منه بحجة أنه يؤدي إلي انتهاك حرمة الفتوي، فإن علي الفقيه أن يبين للمكلف أحكامه الكلية الشرعية الفرعية.. علي أساس أنه من أهل الخبرة في اكتشاف تلك الأحكام من أدلتها.. وليس ولياً للناس يمنعهم من ممارسة هذا الحكم أو ذاك. لمجرد أنه يتوهم أنهم يتلاعبون بالحكم..

2 _ إن تلاعبهم إن كان حلالاً فلا يصح المنع عنه، وإن كان حراماً، فإنهم هم المسؤولون عنه، والمحاسبون عليه.

3 _ ولو صح هذا المنع هنا فلا بد أن يصح بالنسبة لسائر الأحكام.. فهل يأتي يوم يمنع فيه الناس عن العمل بحكم الصلاة بحجة أنهم قد يتلاعبون به، ويسيئون الاستفادة منه.. أو يمنع عن العمل بأحكام الزنا واللواط بحجة أنهم أيضاً يتلاعبون بتلك الأحكام ويسيئون الاستفادة منها؟!

فإذا كان يجوز للعامي أن يأخذ الفتوي من الشيخ الطوسي فلماذا

يمنعه هذا البعض عن أمر جائز له؟!.

4 _ ما معني انتهاك حرمة الفتوي.. فان ذلك إذا كان جائزاً فلا يتحقق الإنتهاك، وإذا لم يكن جائزاً فلماذا أفتي لهم المفتي به.

يجوز تقليد الميت ابتداء.

الأحوط وجوباً عدم جواز تقليد الميت ابتداءً لبعض العناوين الثانوية.

عدم جواز تقليد الميت ابتداء لأنه يخل بأجواء المرجعية.

نظام المرجعية مفيد للمسلمين. ولذا جعلنا هذا التقليد احتياطاً وجوبياً.

قد أفتي البعض بجواز تقليد الميت ابتداءً، حتي لقد قال بعد كلام مطول له، يحاول فيه إثبات عدم اشتراط الحياة في مرجع التقليد، لا ابتداءً، ولا بقاءً:

".. لا نجد أساساً للحياة، ولا نعتقد أن ذلك يمثل مشكلة في هذا الموضوع".

وقال:

"إنني اعتبر أن مسألة شرطية الحياة من الأمور التي لا حساب لها أبداً في مسألة الحجة في كل المسيرة العقلائية.. والمسيرة الفقهية ليست بدعاً من المسيرة الخ.." [252] .

ولكنه عاد فتراجع عن ذلك، حيث سئل:

هل صحيح أنكم عدلتم عن فتواكم بجواز تقليد الميت ابتداء؟!

فأجاب:

"سجلنا في ذلك احتياطاً وجوبياً، من جهة بعض العناوين الثانوية.." [253] .

وقد بين لنا هذا العنوان الثانوي بجلاء، حين ق_ال في إجابة أخري له:

".. فعدم جواز تقليد الميت ابتداء من جهة أنه يخل بأجواء المرجعية. فهناك من يقلد الشيخ الطوسي، وآخر يقلد الشيخ المفيد.

ولقد رأينا أن نظام المرجعية الذي هو نظام يستفيد منه المسلمون الشيعة يختل بهذه الطريقة. ولذا جعلنا هذا التقليد احتياطاً وجوبياً" [254] .

وقفة قصيرة

إننا نحب تذكير القارئ هنا بما يلي:

1 _ إن هذا الإحتياط الوجوبي لا يفيد شيئاً، ما دام أن الإحتياط الوجوبي عنده ميل إلي القول بالجواز. بل هو يعد من يفتي بالإحتياط الوجوبي

بالمنع في جملة القائلين بالجواز [255] .

2 _ إن هناك من يتهم هذا البعض بأنه يفصّل الفتاوي علي قياس شخص بعينه، ويستند في ذلك إلي أمور كثيرة، لعل منها ما يذكره في شروط المرجع، وما يقوله في مجالات النيل من العلماء، والمراجع.. حيث يصفهم بأوصاف مخجلة، ومنفرة تتقزز منها النفوس، حين يصورهم علي أنهم ألعوبة أو أضحوكة، يعيشون ذهنية التخلف، وفي كهوف الظلام.. ويعانون من سطحية، وسذاجة ظاهرة. بالإضافة إلي وصفهم بقلة الدين.. وما إلي ذلك..

وقد ذكرنا في هذا الكتاب بعضاً من هذه الأقاويل..

ونحن لا نحب أن ندخل في أجواء كهذه.. ولكننا نقول: إن المرجعية وأجواءها لا تبرر التصرف في الأحكام الشرعية.. ولا تجعل للمتصدي لمقامها _ حتي لو كان تصديه مبرراً ومقبولاً _ لا تجعل له ولاية التصرف في أحكام الله، وأوامره ونواهيه.

وكنا ولا زلنا لا نحب أن نقول إن هذه الفتوي الإحتياطية!! (علي حد تعبيره) تصب في اتجاه تكريس كيان بعينه.. وترمي إلي شد أزر هذا الكيان.. وقد كان من الحري إبعاد الفتوي والفتاوي عن هذه الأجواء.. لأن دخولنا في أجواء كهذه قد يهيئ للبعض فرصة رمينا بما نحن منه براء والله ولينا، وهو الهادي إلي سواء السبيل.

3 _ ما معني أن يمنع إنسان مّا الناس من العمل بحكم الله تعالي، تحت شعار العنوان الثانوي، خصوصاً فيما يرتبط بأمر رجوع الناس إلي الحجة الشرعية في دائرة التنجيز والتعذير؟! فهل يحق له _ أساساً _ أن يصدر فتوي من هذا القبيل؟!.

4 _ وإذا أجاز لنفسه ذلك، فمن يدري؟ فلعله يفتينا بوجوب اجتماع الناس علي شخص واحد في التقليد فلا يجوز لهم تقليد سواه، ولا يجوز لغيره أن يتصدي

لهذا المقام.

فإن نظام المرجعية هو نظام يستفيد منه المسلمون الشيعة، يختل إن لم يرجعوا إلي مرجع واحد..

5 _ ومن يدري، فلعله سوف يعين لهم اسم ذلك المرجع ومكانه.. ما دام أنه قد حدد لهم أوصافه في كتابه فقه الحياة. وفي كتابه: المعالم الجديدة للمرجعية ص128 و122 و123 والندوة ج1 ص498 وغير ذلك.

6 _ وإذا كان حريصاً علي مقام المرجعية إلي هذا الحد فلماذا لم يكن حريصاً هذا الحرص علي نظام ولاية الفقيه، فيصدر له الفتاوي التي تحفظه، وتقويه. بدلاً من الإعلان بكثير من الإشكالات، التي لا محل أو لا داعي لها في الملأ العام علي الأقل..

العلماء السابقون ليسوا أنبياء ولا أئمة..

ما من فتوي إلا وهناك من العلماء من يوافقني فيها.

إن من يراجع: احتجاجات البعض علي صحة أقواله، يجده يردد باستمرار: إن فلاناً قال كذا، وان فلانا الآخر قال كذا.. وهكذا..

بل هو يقول:

".. ما من فتوي إلا وهناك من العلماء من يوافقني فيها الرأي" [256] .

ويقول:

"ما من فتوي أفتيها إلا وهناك فتوي مماثلة لأكثر من عالم من علمائنا الكبار.." [257] .

ورغم أن هذا الكلام منه ليس دقيقاً، فهناك فتاوي عديدة لا نجد من يوافقه عليها، مثل طهارة كل إنسان، وجواز النظر إلي عورة المرأة المسلمة وإلي عورة الرجل المسلم إذا أسقطا حرمة نفسيهما، وأصرا علي التعري ولو مزاحاً.. وما إلي ذلك. وقد أشرنا إلي ذلك في المواضع المناسبة من هذا الكتاب.

لكن ما يلفت نظرنا هو أنه لم يزل يهاجم العلماء السابقين، ويصغر من شأنهم، ويقول: نحن رجال، وهم رجال. وكم ترك الأول للآخر. وما إلي ذلك.

ويكفي أن نذكر هنا _ كنموذج ومثال _

العبارة التالية:

"إن البعض يقول: إن العلماء السابقين لم يفتوا بهذه الفتوي. والحال: أن العلماء السابقين ليسوا أنبياء ولا أئمة. نعم إذا خالف العالم الله ورسوله فعندها يمكن مؤاخذته. أما إذا خالف العلماء الآخرين من أمثاله فما هو الضير.."

ثم ذكر كيف أن السيد الحكيم أفتي بطهارة الكتابي، فخالف بذلك مشهور العلماء قبله. (والسيد الخميني رحمه الله أفتي بحلية الشطرنج، فيما كان كل علماء الشيعة وكثير من علماء السنة يفتون بحرمة الشطرنج) [258] .

مع أننا قد ذكرنا: أن السيد الإمام الخميني رحمه الله قد أفتي بحلية الشطرنج إذا خرج عن كونه من آلات القمار، ولم يفت بحليته مطلقاً ليخالف بذلك العلماء السابقين.

مقولات حول المرأة وتشهير.. وإهانات

بداية

إن لهذا البعض مقولات كثيرة ومتنوّعة حول المرأة. وهي مقولات فيها الكثير من الهنات، وفيها العديد من المؤاخذات، ولعل أهم ما فيها أنه ينسبها إلي الإسلام، مع أنها مجرّد رؤي وأفكار، ربما تكون قد ولدت من خلال ما واجهه هذا البعض من أسئلة وإحراجات في حياته العملية..

وقد كان بإمكانه تجنّب الكثير منها لو لا أنه يصر علي التزام مماشاة الكثير مما هو سائد من أفكار وطروحات تحت ضغط هاجس التجديد بالإضافة إلي أنه يصرّ علي أن يجيب علي كل سؤال يطرح عليه، مع أن علياً عليه السلام يقول: من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله [259] .

ونحن _ ومهما يكن من أمر _ فقد كان لا بدّ لنا من أن نلفت النظر إلي وهن هذه المقولات، ليتخذ الناس الموقف الصحيح والمسؤول والحازم منها، لجهة قبولها أو رفضها كجزء من مفاهيمهم الإيمانية والحياتية، مما قد ينسبونه إلي الإسلام بطريقة أو بأخري..

ونحن نقدّم في هذا الفصل بعضاً من تلك الأقاويل لتكون

نموذجاً لغيرها من مقولات لم نوفّق لذكرها.. وتشير إلي ما ضمّنها إيّاه من إهانات وجهها إلي الأمة المسلمة، وإلي علمائها أيضا، فنقول:

المسلمون عاشوا واقع التخلف.

التخلف جعل المسلمين يتأثرون بالمجتمعات الأخري.

التخلّف والتأثر بالغير هما السبب في النظرة السلبية للمرأة.

ثمة رواسب جاهلية كثيرة لدي المجتمعات الإسلامية.

الرواسب الجاهلية أثّرت في نظرة المسلمين للمرأة.

الإستقبال الرافض للأنثي لا يزال لدي المسلمين.

المشاعر السلبية عند ولادة الأنثي لدي المسلمين لا تزال موجودة.

الشعور بالإحباط والكمد عند ولادة الأنثي لدي المسلمين.

الشعور بأن البنت عار لدي المسلمين.

الكلمات التي تقال للأم عند الولادة تؤكد هذه النظرة.

سئل البعض:

بما أن النص القرآني ثابت وواضح في دلالته علي مساواة الجنسين؛ ما مبرر قراءته مغايراً، ماضياً وحاضراً؟

فأجاب:

"إن واقع التخلف الذي عاشه المسلمون، جعلهم يتأثرون بالمجتمعات الأخري التي تحيط بهم وبما تحمله من نظرة سلبية إلي المرأة، وقد عزز هذا التأثر رواسب جاهلية كثيرة بقيت في المجتمعات الإسلامية، فنحن نجد أن ما تحدث عنه القرآن الكريم من استقبال رافض للمولود الأنثي في قوله تعالي: (وإذا بُشّر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتواري من القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) (النحل؛ 58 _ 59)، ومن شعور بالإحباط والكمد، وما إلي ذلك من مشاعر سلبية عند ولادتها، لا يزال موجوداً وإن اختفي الوأد، ولكن الشعور بأن البنت عار، أو أنها ليست المولود المفضل للأم وللأب، لا زال موجوداً، لذلك، فإن الكلمات التي تقال للأم حين ولادة البنت هي: (الحمد لله علي السلامة)، بينما يقال لها: (مبروك) عند ولادة الصبي" [260] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ لنفترض أن

هناك بالفعل شرذمة من الناس عاشت أو تعيش واقع التخلّف، فهل يصح إطلاق هذه المعاني علي جميع الناس، بما فيهم المثقفون، والمؤمنون الملتزمون، والعلماء الواعون، الذين كانوا ومازالوا طليعة التحرّر والوعي، ورواداً في المعرفة وفي العلم، وفي الإكتشافات وفي الأبحاث التي أسهمت في نشوء حضارات عملاقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً؟!

2 _ لا نجد فرقاً فيما يرتبط بمكانة الأنثي بين كلمة (مبروك) وكلمة (الحمد الله علي السلامة..) فكلا الكلمتين يقولهما الناس حين ولادة الأنثي والذكر علي حدّ سواء وقد يعكسون الأمر فيقولون لمن ولدت أنثي "مبروك")، ولمن ولدت ذكراً (الحمد الله علي السلامة). وقد تقال الكلمات معاً لمن ولدت الذكر، ولمن ولدت الأنثي علي حد سواء.

3 _ وحتي لو صح ما ذكره من التخصيص في عبارات التهنئة، فإنه لا يدل علي أن المجتمع الإسلامي لا يزال ينظر للأنثي نظرة دونية أو يشعر بأن البنت عار، وإن كان الناس يفضّلون ولادة الذكر، لما يرونه فيه من القوة، والمعونه لهم، ولشعورهم بالإعتزار به..

وقد رأينا في النصوص المروية عن النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) ما يدل علي رجحان طلب الولد الذكر، وثمة أدعية تقرأ من أجل ذلك.. فهل يعني ذلك أن النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) ينظرون إلي الأنثي نظرة دونية، أو علي أنها عار؟!

4 _ إن ما ذكره هذا البعض من أن ما تحدّث عنه القرآن من استقبال رافض للمولود الأنثي:

"..(وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتواري من القوم من سوء ما بشر به) ومن شعور بالإحباط والكمد.. وما إلي ذلك من مشاعر سلبية عند ولادتها لا يزال موجوداً وإن اختفي الوأد..".

إن

هذا الكلام عجيب وغريب.. فهل صحيح أن هناك ظاهرة عامة لا تزال تميّز المجتمع الإسلامي بعد انتشار الإسلام وظهوره، بحيث تعتبر ظاهرة تستحق توجيه إهانة وإدانة للمجتمع كله بسبب التزامه بها؟! وهي أنه إذا ولدت البنت في المجتمع المسلم يصير الواحد منهم مسودّ الوجه وهو كظيم،. وأن هذه الظاهرة الشاملة لاتزال قائمة إلي هذه الأيام، حيث يتواري الأب من القوم من سوء ما بشّر به؟!

وهل لا يزال الشعور بالإحباط والكمد من أجل ذلك ظاهرة في المجتمع الإسلامي؟!

5 _ ولنفرض أن هذا الأمر قد صح عن أحد أو عن شرذمة أو شراذم من الناس.. فهل هو إلا في نطاق محدود لا يصحّح أبداً إطلاق دعوي بهذه الخطورة، وفيها هذا الخزي العظيم، وهذه الإهانة للمجتمعات الإسلامية عبر العصور والدهور إلي يومنا هذا؟! وهل إن ذلك يبرر هتك حرمة الأمة الإسلامية أمام المجتمعات، وأهل الأديان الأخري؟!.

6 _ وبعد كل ما تقدم نقول: أية مصلحة يجدها هذا البعض في التشهير المهين بالمجتمع الإسلامي وهو يدعي أنه يريد أن يحفظ للمجتمع الإسلامي كرامته وسؤدده، ويريد له أن يتسلق مدارج المجد والكرامة، والقوّة؟!.

النظرة الحديثة للمرأة أحدثت تغييراً إيجابياً منفتحاً.

في النظرة الحديثة تغيير إيجابي علي مستوي الإعتراف بإنسانية المرأة.

النظرة القديمة تعتبر المرأة ناقصة العقل، والدين، والإمكانات.

النظرة القديمة تعتبر المرأة ناقصة الإنسانية.

فهم النص القرآني تأثر في الماضي بالواقع السائد.

فهم النص القرآني تأثر بالواقع المتأثر بمفاهيم الجاهلية.

إثارة قضية المرأة بقوّة أدي إلي تكوين نظرة عادلة لم تكن.

عدد كبير قد يكون فيهم علماء دين ينظرون إلي المرأة نظرة دونيّة.

دونيّة المرأة قدر إلهي من وجهة نظرهم.

لم تكن المرأة تتمتع بحرية.

إثارة قضايا المرأة

ساعد علي تصحيح النظرة إليها.

سئل البعض:

تبدو قراءة النص القرآني علي هذا النحو أمراً جديداً إلي حد ما، خصوصاً علي مستوي النظرة إلي المرأة، التي تصنف كمخلوق من الدرجة الثانية، فهل يدل ذلك علي وقوع تغيير ماّ علي هذا المستوي؟ ما سببه؟

فأجاب:

"إذا ما قارنّا النظرة إلي المرأة في الماضي التي تعتبرها مخلوقاً ناقص العقل والدين والإمكانات، وبالتالي ناقص الإنسانية، لا سيما بالقياس إلي الرجل.. بالنظرة الحديثة، التي تقول بالمساواة الإنسانية بين الرجل والمرأة أقرّينا بوجود تغييرين علي هذا المستوي.

فالنظرة الحديثة التي تستنطق القرآن والسنة بشكل موضوعي ومنفتح، أدت إلي إحداث تغيير إيجابي واضح علي مستوي الإعتراف بإنسانية المرأة، ودورها في الحياة. والسبب أن فهم النص القرآني، وهو نص ثابت، تأثر، في الماضي، إلي حد بعيد بالواقع الإجتماعي السائد آنذاك، والذي لم يكن قد ابتعد كثيراً عن مفاهيم الجاهلية، في حين أن إثارة قضيّة المرأة بشكل قوي في عصرنا الحالي، حثّ العلماء علي إعادة استنطاق النص ودراسة الواقع؛ الأمر الذي أدي إلي تكوين نظرة عادلة إليها، ولا أدّعي أن ذلك حصل بشكل كامل، فهناك عدد كبير من الناس _ قد يكون من بينهم علماء دين _ ما زالوا ينظرون إلي المرأة نظرة دونية، باعتبار أن دونيتها قدر إلهي من وجهة نظرهم.

إن طرح قضية المرأة بقوة في عصرنا الحالي، وهو أمر لم يكن قد حدث قبلاً، فرض بذل مزيد من الجهد، وأثار حواراً واسعاً لم يكن مطروحاً في الماضي، لأن الواقع الذي كان يحكم المرأة، كان واقعاً ساكناً، لا تتمتع فيه المرأة بأية حرية، ولا تواجهه أية تحديات تفرض عليه التفكير في الإتجاه الآخر.

وليس معني ذلك أن هذه الرؤية العادلة لشخصية

المرأة سببها السعي لإرضاء الآخرين، ولكن بروز تحديات معاصرة، فرض التفكير فيها علي هذا النحو؛ فالإنسان، لا يتحسس عادة المشاكل إلا عندما يعيشها في حياته، ولا يفكر فيها بشكل عميق وشامل إلا عندما تفرض نفسها عليه إن هذا النوع من أنواع الإثارة الفكرية والإجتماعية حول قضايا المرأة، هو ما دفع كثيرين للتفكير في هذا الإتجاه، مما ساعد علي تصحيح النظرة إليها" [261] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذه الإهانات موجهة إلي علماء الدين. وهي تؤثّر _ ولا شك _ سلباً علي سمعة ديننا ومجتمعنا، فلا بد إذن من مطالبة هذا البعض بأن يسمي لنا من يعرفهم من علماء ديننا الذين ينظرون للمرأة نظرة دونية، ويعتبرون دونيتها هذه من القدر الإلهي، فان إطلاق اتهامات بهذا المستوي من الخطورة في حق حماة الدين وأعلامه لا يمكن أن يقبل من أي كان إلا بالشاهد الظاهر، والدليل القاطع لأي ريب أو شك.

2 _ ما معني التعريض بل التصريح بعدم وجود نظرة عادلة للمرأة قبل هذا العصر، بل اعتبر أن النظرة لها قد تأثرت إلي حدّ بعيد بالمفاهيم الجاهلية.. فأي مفهوم جاهلي _ بالتحديد قد أثّر في نظرة علماء المسلمين إلي المرأة في السابق؟!.

وهل يستطيع أن يبين لنا بالأرقام مفردات النظرة الظالمة التي أزالها هو في هذا العصر؟!.

وهل النظرة التي أخذها علماؤنا من القرآن والسنة تبتعد عن العدالة والإنصاف بالنسبة للمرأة؟! وأين؟ وكيف؟!

أم أنها مجرد دعاوي تطلق في الهواء حيث لا رقيب ولا حسيب، كلما كان ثمة إحساس بالحاجة إلي إطلاقها في حالة استعراضية فيها الكثير من العجيج والضجيج، والكثير من الهزال والخواء؟!.

إن كرامة علماء الأمة، وكرامة ديننا فوق كل اعتبار،وإن من يحاول المساس بهذه

الكرامة لن يكون في موضع الكرامة بلا شك، بل سيجد المواجهة الصريحة والصارمة، وعليه أن لا يتوقع هو ولا أي من أتباعه أن يزجي أحد له المدائح وأن يحمله علي عربة من الألقاب.

3 _ لا ندري ماذا يقصد بقوله:

"لأن الواقع الذي كان يحكم المرأة كان واقعاً ساكناً لا تتمتع فيه المرأة بأية حرية، ولا تواجهه أية تحديات تفرض عليه التفكير في الاتجاه الآخر.."

إن مراجعة سريعة كانت أو متأنيّة للتاريخ الإسلامي تظهر أن المرأة المسلمة كانت ولا تزال تتمتع بحرية كبيرة في مجال التعاطي مع شؤون الحياة في نطاق التعبير عن طموحاتها، وعن شخصيتها وعن خصائصها الإنسانية.

ولنفرض جدلاً: أن طائفة من الناس قد مارسوا علي المرأة في نطاقهم المحدود بعض الضغوط، والنفوذ، ومحاولة فرض الهيمنة: لكن ذلك لا يعني صحة القول بأن المرأة _ بقول مطلق وشامل _ لا تتمتّع بأية حرّية.. كما أن ذلك لا يعني إطلاق القول بأن المرأة في المجتمعات الحديثة أصبحت تتمتع بهذه الحرية التي يتغني بها هؤلاء، فإنها لا زالت ترزح تحت ضغوط الرجل، ولم يعطها الشيء الكثير من فرص الإنطلاق في الحياة وفي مجالاتها المختلفة، بل لم يزل هو صاحب القرار الأول والأخير، وهو الذي يعطي ويمنع. ولا تزال تحت سيطرته وتتحرك وفق إرادته..

كما لا بد من التفريق بين النظرة الدينية والتشريعية، وبين التطبيق والممارسة التي قد لا تلتزم بالقيم والمبادئ والأحكام.

ولنفرض مرة أخري _ جدلاً أيضاً _ أنها سلبت جانباً من حرياتها في بعض المجالات والشؤون، بسبب سوء التطبيق أو عدم التطبيق لأحكام الإسلام، فإن ذلك لا يعني الإصرار علي أنها قد سلبت جميع حرّياتها بإطلاق شعار "لا تتمتّع المرأة فيه بأية حرية".

4 _ أما قوله:

"إن واقع المرأة كان ساكناً لا تواجهه أية تحدّيات تفرض عليه التفكير في الإتجاه الآخر".

فلا ندري ما هي مبرراته، وكيف عرف أن واقعها لم يواجه أية تحدّيات علي الإطلاق؟!.

وهذا هو التاريخ يشهد جدالاً متنوعاً حول الكثير من قضايا المرأة. وتساؤلات كثيرة عن طبيعة دورها في الحياة. والمجالات التي يمكنها الإنطلاق فيها. وتلك هي كتب التاريخ والتراجم حافلة بالأحاديث المتنوعة عن نوابغ النساء في مختلف العلوم والفنون، وعن تصدّي كثير من النساء للنشاطات التربوية، والإجتماعية، والثقافية، والسياسية أيضاً..

5 _ إن هذا البعض قد قرّر أن النظرة السابقة التي كان العلماء قد استخلصوها من القرآن الكريم، كانت تعتبر المرأة مخلوقاً ناقص الإنسانية، من حيث إنها ناقصة العقل، والدين، والإمكانات..

أما النظرة الحديثة التي تستنطق القرآن بشكل موضوعي ومنفتح، فقد اعترفت بإنسانية المرأة.

وقرّر أيضاً: أن السبب في نشوء النظرة القديمة الظالمة للمرأة هو الواقع الإجتماعي، القريب من مفاهيم الجاهلية.

ومن الواضح: أن ذلك لا يمكن قبوله.. فإن علماء الإسلام رضوان الله تعالي عليهم، لم ينكروا إنسانية المرأة ولم ينقصوا منها.. غير أنهم التزموا وألزموا الناس بقبول تعاليم الشرع الحنيف فيما يرتبط بشؤون المرأة، فاعتبروا شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل واحد. وأعطوها في الإرث نصف ما للرجل، وألزموها بتعاليم الشريعة فيما يرتبط بالحجاب، وأحكام الزوجية، وما فرضه الله عليها تجاه زوجها..

ولم يجحدوا شيئاً ثبتت لهم روايته عن النبي (صلي الله عليه وآله) وعن الأئمة الطاهرين المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وأما أنهن ناقصات العقل والدين والإمكانات، وتشنيعه علي علماء الإسلام بذلك.

فإن الظاهر هو أنه يشير به إلي ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من أن النساء

ناقصات عقل ودين وحظّ..

حيث إنه لم يزل ينكر هذا القول، ويتلمّس المهارب والمسارب فراراً من الإلتزام به.. وسيأتي كلامه حول هذا الحديث في الفقرة التالية فانتظر..

وصف حديث الإمام علي (عليه السلام) بأنه نص تاريخي.

لا ربط للشهادة بتمام العقل أو بنقصانه.

الإسلام يميّز المرأة علي الرجل في قض_ايا المال..

القعود عن الصلاة حال الحيض لا دخل له في الإيمان.

سئل البعض:

نختلف معكم سماحة السيّد حول مقولة واردة في كتاب (تأمّلات إسلامية) أنّ النساء ناقصات عقل وحظ ودين، هل هذا الطرح يناسب العصر الحالي والمرأة دخلت معترك الحياة بأوجهها كافة، فهي اعتلت أرفع المناصب، مثلاً كوزيرة ونائبة وعالمة وطبيبة وجندية إلي آخره، وبالنسبة إلي نقطة الشهادة؟

فأجاب:

"لقد كنت في مورد نقض هذه الفكرة مع كل الجواب الدقيق جداً، لأنّي كنت أتحدّث عن نص تاريخي يقول: إنّ النساء ناقصات العقول ناقصات الحظوظ وناقصات الإيمان، هذا النص منقول عن الإمام علي في نهج البلاغة، وكنت أناقش هذا النص علي أساس أنّه في ظاهره لا يمكن أن يلتقي بما نعرفه من المفهوم الإسلامي الذي تعلمناه من الإمام علي (ع) خصوصاً أنّ التعليل الذي عللت به هذه العناوين لا ينسجم مع طبيعة هذه العناوين لأن التعليل بأنّ النساء ناقصات العقول، علي أساس أنّ شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل، كان تعليقي علي هذه المسألة أنّ قضية الشهادة لا ترتبط بقضية العقل لأنّ قضية الشهادة هي قضية سلامة في الحس فيما يراه الإنسان أو يسمعه وأمانة في النقل، وهذه أمور تتّصل بالجانب الحسّي للإنسان لا بالجانب العقلي، فأيّة علاقة لها بنقص العقل، علي أنّ الشهادة في القرآن الكريم عللت بتعليل واضح يقول(أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخري)،

حتي إذا نسيت المرأة الحقيقة أو انحرفت عاطفياً في نقلها لهذه الحقيقة فإنّ المرأة الأُخري التي إلي جانبها تصحّح لها خطأها وتذكرها عندما تنسي، إذاً المسألة هي مسألة احتياط للعدالة نتيجة أنّ العاطفة لدي المرأة قد تجعلها تتعاطف مع إنسان تشهد له أو عليه، والمناسبة أنّ امرأة تصحّح لامرأة، فلو فرضنا كانت المرأة ناقصة فإنّ انضمام الناقص إلي الناقص لا يعطي الكمال.

ولذلك نقول إذا كان الرجل يتّهم في شهادته لا تقبل الشهادة. فهذا احتياط للعدالة وليس نقصاً، والملاحظة الدقيقة التي يجب أن نلاحظها أنّ الإسلام جعل امرأة تذكر امرأة.

وأمّا نقصان الحظ في الإرث فمن جهة أن للذكر مثل حظ الأُنثيين وهذا أمر نعتقد أنّه في حصّة المرأة. لا في حصّة الرجل لأن الإسلام عندما أخذ من المرأة نصف حصّتها أعطاها المهر وأعطاها النفقة علي نفسها فلا يجب أن تنفق علي نفسها في البيت الزوجي حتي لو فرضنا أنّها كانت غنية، والنفقة علي الأولاد لا تجب عليها أيضاً بينما الرجل يدفع المهر وينفق عليها وعلي الأولاد ممّا يجعل حصّة المرأة أكثر من حصّة الرجل لأنّ القضية ليست قضية ما نعطي بل هي ما نأخذ في مقابل ما نعطي، ولذلك هذا ليس نقص حظّ.

وأمّا نقص الإيمان فقعودهن عن الصلاة في أيام الدورة الشهرية وعن الصوم وهذا أمر تشريعي وليس للإيمان دخل في ذلك.

كنت أُناقش هذه الفكرة وكنت أقول: إنّ المرأة تملك عقلاً كاملاً ويمكن أن يكون دينها أعمق من دين الكثيرين من الرجال وإن مسألة الحظ هي مسألة تكون في حالة الرجل أكثر من حالة المرأة" [262] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا قبل كل شيء نلفت نظر القارئ الكريم إلي أن هذا البعض قد عبر

عن رواية مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنها نص تاريخي.. فما هو المبرر لاستخدام هذا التعبير، حتي لو كان مطلقه لا يري صحته ولا يلتزم بمضمونه؟! وألا يحمل هذا التعبير التشكيك الخفي بصدقيّة هذا النص، والتشويش عليه، وإثارة الإلتباسات فيه بطريقة إيحائية؟!..

2 _ إنه يذكر:

"أن كلام الإمام عليه السلام في هذا النص لا يلتقي في ظاهره مع ما يعرفه من المفهوم الإسلامي الذي تعلمه من الإمام (عليه السلام)".

غير أنه لم يبين لنا هذا المفهوم وآفاقه، وحدوده وثغوره. ومن أين، وكيف عرف أن هذا لا يلتقي مع ذاك؟!. وبدون بيان ذلك، فإن كلامه هذا يبقي مجرّد شعار، لا يتمتع بأية قيمة علمية، ولا يستحق التوقف عنده.

3 _ إنه يقول: إنه يعتقد أن جعل حظّ الذكر مثل حظ الأنثيين هو:

"في حصّة المرأة لا في حصّة الرجل، لأن الإسلام أعطي المرأة المهر، والنفقة علي نفسها في البيت الزوجي ولو كانت غنية، كما أنه أعفاها من نفقة الأولاد.. بينما الرجل هو الذي يعطي المهر، وينفق عليها وعلي الأولاد، (مما يجعل حصّة المرأة أكثر من حصة الرجل)".

علي حد تعبيره.

ثم أكد ذلك في قوله أخيراً:

"إن مسألة الحظ هي مسألة تكون في حالة الرجل اكثر من حالة المرأة".

فإذا صح قوله هذا، فإنه يكون قد وجه تهمة إلي الإسلام نفسه بأنه قد أنقص من حظّ الرجل.. فما فرّ منه، قد عاد فوقع فيه.. فإنه يريد أن ينكر أن يكون ثمة نقصان حظّ للمرأة، فوقع في غائلة نقصان الحظّ بالنسبة للرجل. فإن كان نقصان الحظ قبيحاً وظلماً، فلا يصح تشريعه بالنسبة للرجل والمرأة علي حد سواء، فلماذا أنكر تشريعه بالنسبة للمرأة، وقبل وأقر بتشريعه

بالنسبة للرجل؟!.

4 _ وقد ردّ علي التعليل المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام حول موضوع الشهادة، بأن قضية الشهادة لا ترتبط بالعقل، وإنما ترتبط بسلامة الحس فيما يراه الإنسان ويسمعه، وترتبط بالأمانة في النقل، فأي ربط لذلك بنقص العقل.

وهو ردّ غير صحيح، لأن ما ذكره إنما يصح في مورد لا تطغي فيه علي العقل المؤثرات التي تمنعه من ضبط الوقائع، وحفظها سليمة عن النقص أو عن الزيادات والطوارئ التي ربما تخلط بعض الأمور ببعضها الآخر..

فإن بين سلامة الحواس. في ضبط الأمور، وبين أداء الشهادة مرحلة تحتاج إلي مراقبة.. يؤمن معها عدم ضياع شيء، أو عدم اختلاط الأمور ببعضها.

5 _ لو كان الأمر مرتبطاً بسلامة الحواس، وبالأمانة في النقل وحسب، لكان اللازم قبول شهادة الصبيان المميزين في سن الخامسة والسادسة وأقل من ذلك فكيف إذا كان الصبي في سن الثانية عشرة والثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة؟! إذا تأكدنا من سلامة الحواس لديه وعدم الكذب في النقل..

بل ربما يمكن قبول شهادة حتي المجانين في بعض الحالات والفروض إذا كانوا سليمي الحواس. فهل يقبل هذا البعض بذلك.

وقد يتطور الأمر لقبول شهادة الببغاء التي تحكي الأقوال كما هي!! فهل يرضي ذلك هذا البعض؟!

6 _ إن هذا البعض نفسه قد اعترف بأن الشهادة في القرآن الكريم قد علّلت بتعليل واضح هو قوله تعالي: (أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخري).

"حتي إذا نسيت المرأة الحقيقة أو انحرفت عاطفياً في نقلها لهذه الحقيقة، فإن المرأة الأخري التي إلي جانبها تصحّح لها خطأها وتذكّرها عندما تنسي".

فالقرآن قد قرّر هذا النسيان والخطأ في جانب المرأة دون الرجل، مما يعني أنها بدون ذلك تبقي في معرض الضلال

عن الحقيقة والإبتعاد عنها.. والذي يضل ويحتاج إلي التذكير هو عقل الإنسان، وليس هو الحواس..

7 _ علي أن هذا البعض قد أشار هنا إلي أمرين..

أحدهما: نسيان المرأة للحقيقة..

الثاني: انحراف المرأة عاطفياً في نقلها للحقيقة _ نتيجة _ أن العاطفة لدي المرأة قد تجعلها تتعاطف مع إنسان فتشهد له أو عليه. والمناسبة: أن امرأة تصحّح لامرأة.

ونقول: إن هذا الكلام غير صحيح فإن الآية لم تشر إلي الإنحراف العاطفي في النقل، بل أشارت إلي الضلال عن الحقيقة ثم التذكير بها، لتكون الشهادة سليمة وقويمة..

8 _ وأما أن تأثير العاطفة علي المرأة قد يجعلها تخرج عن جادّة الصواب فهو لا يدخل في دائرة الضلال والتذكير، بل يدخل في دائرة الصدق والكذب، والأمانة وعدم الأمانة.

فإن العاطفة إذا جعلتها تغير وتزوّر في عناصر الشهادة، فإنها سوف تصرّ علي أقوالها، ولن ينفع جعل المرأة الأخري إلي جانبها، حيث يكون ذلك من قبيل وضع الحجر إلي جنب الإنسان..

بل سوف تكون هناك شهادتان متناقضتان، تكذّب إحداهما الأخري.

9 _ وعن نقصان عقل المرأة بالنسبة إلي عقل الرجل، وهو ما استبعده هذا البعض، ورفضه، نقول:

من قال: إنه لا يوجد اختلاف في حقيقة وجوهر عقل المرأة عن جوهر وحقيقة عقل الرجل.. وإن كان كل منهما يكفي لصحة توجّه التكليف والخطاب الإلهي إلي صاحبه..

وكمثال علي ذلك نذكر أنه إذا كان هناك محرّك لسيارة بعينها، له خصوصيات مميزة، وفائقة.. ويعطي قوة دفع بدرجة عالية جداً..

وهناك محرّك آخر، يمكن الاستفادة منه في نفس تلك السيارة، ولكنه لا يحمل مواصفات وميزات المحرّك الآخر، بل هو يعطي للسيارة قوة اندفاع عادية أو عالية، بدرجة مّا.

والمقصود من صنع السيارة هو

أن تسير بسرعة مائة كيلو متر، بحمولة ألف كيلو غ_رام مثلاً فالمحرّكان كلاهما كافيان لتحقيق الغرض المنشود من السيارة.

ولا يشعر الإنسان مع أي منهما أن ثمة نقصاً ظاهراً، أو عجزاً عن تحقيق ذلك الغرض. وإن كان ثمة ميزة في أحدهما ليست في الآخر، بحيث تظهر الحاجة إلي تلك الميزات في صورة إرادة التعدّي عن مستوي الغرض المرسوم، بسبب ظروف طارئة، الأمر الذي يستدعي التماس ما يعوّض عن النقص الحاصل في ميزات هذا بالنسبة لذاك.

وليكن عقل المرأة بالنسبة لعقل الرجل بهذه المثابة. حتي إذا احتيج إلي شهادتها في بعض المجالات، فإن انضمام امرأة أخري هو الذي يجبر النقص ويسد الخلل..

وليحمل الحديث المروي عن أمير المؤمنين حول أن النساء ناقصات العقول علي هذا المعني.

10 _ وأما ما ذكره هذا البعض من أن انضمام الناقص إلي الناقص لا يعطي الكمال. فهو غير صحيح علي إطلاقه، وذلك لأن هذين الناقصين قد يكونان جزأي علة لأمر ثالث، ينتج عن انضمام أحدهما إلي الآخر.. ويكون الكمال متجسداً في ذلك الأمر الآخر. وهذه هي حال الأجزاء التركيبية التي تتألف منها الآلات المركّبة، والهيئات في مختلف الحقول. كما هو الحال في القطع التي تتألف منها السيارة،. أو الأشكال التي يتألف منها الرسم الكامل لصورة إنسان، أو أي شيء آخر..

وقد يكون المقصود هو أن ينتج هذا الناقص بما هو ناقص كمالاً من سنخه، ومستنداً إليه، فإذا لم يستطع الرجل وحده أو المرأة وحدها إنتاج ولد مثلاً.. فحتي لو انضم إلي الرجل عشرات سواه من أمثاله أو انضم إلي المرأة عشرات من أمثالها، فإنهم وإنهن لن يستطيعوا، ولن يستطعن تحقيق أي شيء في هذا المجال..

والمقصود في موضوع الشهادة هو

استكمال الصورة لحقيقة ما جري _ في ما يرتبط بموضوع الشهادة، والتحرّز عن الوقوع في الضلال الناشئ عن عدم الإلتفات أو النسيان، أو اختلاط بعض الأمور فيما بينها؛ فتتساعد المرأتان علي ترسيم الحقيقة بأمانة ودقة..

ولكن لا من خلال تعمّد شهادة الزور انسياقاً مع العاطفة، مع هذا الفريق أو ذاك. بل من خلال التدقيق في رسم ملامح الحقيقة، التي قد لا تهتم المرأة بالتدقيق فيها ربما بحسب خصوصية وحالات العقل الذي أودعه الله فيها، أو بحسب طبيعة اهتماماتها، وتوجهاتها، فيما اعتادته وألفته، أو بحسب ما أهّلها الله له في هذه الحياة، الأمر الذي يحجز العقل عن تأدية المهمات التي تطلب منه علي النحو الأكمل والأفضل.

ولا ضير في اعتبار ذلك نقصاناً في العقل، ما دام أن ذلك يدخل في دائرة اهتمامات العقل، ويقع في نطاق صلاحياته، وربما يكون الشيخ محمد عبده راغباً في توضيح هذه النقطة عينها، حين قال في شرح هذه الرواية بالذات ما يلي:

".. خلق الله النساء وحمّلهن ثقل الولادة، وتربية الأطفال إلي سن معينة لا تكاد تنتهي حتي تستعد لحمل وولادة، وهكذا، فلا يكدن يفرغن من الولادة والتربية، فكأنهن قد خصّصن لتدبير أمر المنزل وملازمته..

وهو دائرة محدودة، يقوم عليهن فيها أزواجهن. فخلق لهن من العقول بقدر ما يحتجن إليه في هذا..

وجاء الشرع مطابقاً للفطرة، فكنّ في أحكامه غير لاحقات للرجال، لا في العبادة؛ ولا الشهادة، ولا الميراث" [263] .

بل إن هذا البعض نفسه الذي ينكر صحّة هذا الحديث، يقول:

".. قد يكون السبب فيه (أي في شهادة امرأتين) هو قوة الجانب العاطفي الذي تقتضيه طبيعة الأمومة، التي تحتاج في تحمل مسؤولياتها وأعبائها الثقيلة المرهقة إلي رصيد كبير من

العاطفة بما تقتضيه طبيعة الأنوثة، التي توحي بالأجواء والمشاعر العاطفية المرهفة، التي تثير في الجو الزوجي الحنان والعاطفة والطمأنينة. وربما العاطفة فتخرج بالمرأة عن خط العدل في الشهادة، وتضل عن الهدي، لا سيما إذا كان جو القضية المشهود بها يوحي بالمأساة في جانب المشهود عليه أو المشهود له، فتتجه العاطفة إلي مراعاة مصلحته من خلال الحالة المأساوية الخاصة التي تحيط به، فكان لابد من امرأة مثلها تصحّح لها الخطأ وتذكّرها المسؤولية" [264] .

11 _ وأما قول هذا البعض:

إن القعود عن الصلاة والصيام أيام الدورة الشهرية راجع إلي التشريع، ولا دخل له بالإيمان..

فيردّه: أن جعل الأحكام الشرعية، إنما يراعي فيه ما هو الواقع الماثل للعيان، ولا تأتي الأحكام بصورة مزاجية وأهوائية.. فإذا اقتضت سنة الحياة والفطرة الإنسانية حكماً شرعياً، فإن المشرّع الحكيم ينشيء ذلك الحكم ليحفظ المصالح، وليدفع المفاسد التي قد تلحق بالفطرة، ويختزنها الواقع.

وقد اقتضت فطرة المرأة، ودورها في الحياة وتكوينها الإنساني أن تكون ذات عادة شهرية، تمثل حدثاً يمنعها من الصلاة والصيام، تماماً كما هو حدث الجنابة والنفاس.

فجاء التشريع الإلهي لينسجم مع تلك الفطرة، وذلك التكوين، فشرّع لها القعود عن الصلاة والصيام، ومنعها من دخول المساجد، وغير ذلك.

وعلي هذا الأساس يتضح أن هذا الدور، وذلك التكوين قد اقتضي أمراً وهو النفاس والدورة الشهرية، كان هو السبب في إبعاد المرأة عن الأجواء الروحانية، وأثّر في حالتها النفسية، ولم تتمكن من الاستفادة من هذه الأجواء، وربما لا تستطيع أن تستفيد. الأمر الذي لم تستطع معه _ تكويناً وفطرةً ودوراً _ أن تؤكد وتعمّق الحالة الإيمانية بالمستوي الذي يجعلها تسامي الرجل _ عموماً _ في هذا المجال.

وإذا كان ثمة نساء

كالزهراء عليها السلام قد بلغن أعلي الدرجات في المعرفة، والعصمة، والطهر والإيمان، فان ذلك لا يدل علي خلاف القاعدة، وتبديل التشريع، وقد قرّر نفس ذلك البعض هذه الحقيقة، فقال ما ملخصه:

"إن الخصائص الفردية ليس لها تأثير علي التشريع لأنها تختلف وتتفاوت بل يلحظ في التشريع الخصائص النوعية التي تتمثل في البعد الإنساني التكويني للشخص. أمّا الخصائص الشخصية فقد تكون لها تأثير في التفاصيل" [265] .

وعلي كل حال، فإن هذا الأمر يعرف بالوحي، من قبل علام الغيوب، خالق المرأة والرجل. لا في المختبرات، ولا بالتجارب الناقصة.. علي أن الله سبحانه قد حفظ السيدة الزهراء عليها السلام عن الإبتلاء بحدث الحيض والنفاس، فلا يقاس بها غيرها ممن لسن مثلها، ولأجل ذلك حفظت من الإبتلاء بنقص العقل والدين، وحصلت علي الكمال بأعلي درجاته، وأقصي غاياته.

12 _ بقي أن نشير.. إلي أن الحديث الذي نحن بصدد البحث حوله ليس في سياق مدح أو ذم المرأة، وإنما هو بصدد تقرير حقيقة واقعية، هي محدودية طاقات المرأة إذا ما قورنت بطاقات الرجل فهو يقول: لا تحمّلوها ما لا تطيق. فالمرأة كبنت، وكزوجة، وكأم وحاضنة للولد يفترض فيها أن تعطي الدفء، والسكن، والعاطفة والحنان، والرقّة والراحة والبهجة لزوجها، ولأولادها، ولمن حولها تماماً كما هو روض الرياحين، في أزاهيره وفي نفحاته.

كما أن هذا الحديث لا يريد أن يتحدث عن أن الناس لضآلة تفكيرهم، أو لعوامل ومآرب أخري قد يقلّدونها أعلي المناصب، وقد يملّكونها عليهم، كما هو الحال في ملكة سبأ، بل ربما يعبدونها.. فان ذلك قد يحصل، ولكن هل ذلك هو الموقع الذي وضعه_ا الله فيه، وأهّلها له؟!

إن علياً (عليه السلام)، وهو الذي يشرب من عين الإسلام الصافية

يريد أن يقول: إن إقحامها، أو وضعها في غير الموضع الذي أهّلها الله له ليس في صالحها، ولا في صالح الناس.

وذلك ليس انتقاصاً لحقوقها، بل هو عين العدل، وجوهر الحكمة والعقل.

كما أن ذلك لا يعني: أن لا يكون ثمة نساء يتفوّقن في المدرسة علي كثير من الرجال.

ونحن في ختام كلامنا هذا نورد مفردة قرآنية، تدلل علي هذه الحقيقة التي ذكرناها وتؤكدها، وهي: أن الله سبحانه حين تحدّث عن نشوز النساء قال: (الرجال قوّامون علي النساء بما فضّل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً..) [266] .

فنجد:

ألف: إن الله تعالي قرّر: أن الرجال قوّامون علي النساء؛ لسببين:

أحدهما: أن الله تعالي قد فضلهم علي النساء.

الثاني: أنهم هم المسؤولون عن الإنفاق عليهن.

ب: إنه تعالي قد أجاز للرجل _ في حالة خوف نشوز المرأة: ثلاثة أمور:

أولها: موعظتهن.

الثاني: هجرهنّ في المضاجع.

الثالث: ضربهن.

ج: إنه تعالي قد جعل مشروعية ذلك تنتهي عند حدّ عودتهن إلي خطّ الطاعة..

ولكنه سبحانه وتعالي لم يقرّر في صورة خوف المرأة من نشوز زوجها أي شيء من ذلك، ولم يعطها الحق في عمل أي شيء ضدّه، فهو سبحانه وتعالي يقول:

(.. وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً، والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشحّ، وإن تحسنوا وتتّقوا، فإن الله كان بما تعملون خبيراً) [267] .

فنراه لم يشر حتي لأن تقف المرأة من زوجها موقف الواعظ له، فضلاً عن أن تهجره

في المضجع، أو أن تضربه.

بل دعاهما إلي الصلح، وحثّهما عليه، وأكّده بالنص عليه ثلاث مرات وأرشدهما إلي أن الصلح خير.

هذا كله عدا عن الروايات الكثيرة التي من جملتها اعتبارها أحد الضعيفين في قوله: (أوصيكم بالضعيفين).

ومنها: الحثّ علي أن لا يملّك الرجل المرأة من أمرها ما جاوز نفسها..

وكذلك ما روي عن علي (عليه السلام) من وصفه للخوارج بأن لهم حلوم الأطفال، وعقول ربّات الحجال..

وكذا ما روي من أن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة..

وأنه ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.. إلي غير ذلك مما لا مجال لتتبعه..

وكل ذلك وسواه لا يمنع من أن تصل بعض النساء إلي مقامات سامية، في مواقع القرب والكرامة الإلهية.. وعلي رأس كل نساء العالمين الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

ونذكر القارئ الكريم أخيراً بما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة من أنه كمل من الرجال كثير، وكمل من النساء أربع.. هنّ آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلوات الله عليها..

13 _ ونختم ملاحظاتنا هنا بالتحذير من أن يعتبر الإنسان عقله وفكره مهما كان قوياً ونشيطاً _ حاكماً، ومهيمناً ومعياراً يقاس عليه كلام المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ فيرفض ويقبل علي هذا الأساس، بل العكس هو الصحيح.

ونحذّر أيضاً من أن يتخيل أحد أنه يستطيع أن يدرك علل الأحكام.. فضلاً عن أن يتمادي به الخيال ليصل به إلي حد رفض ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من حكم أو حقائق بيّنوها، فيرفض ذلك استناداً إلي استحسانات، أو تعليلات أوحي له بها وهمه، دونما ارتكاز إلي علم قاطع، وبرهان ساطع.

14 _ ولا ننسي أن

نعيد إلي ذهن القارئ الكريم أن هذا البعض يطرح أحيانا إمكانية أن تمارس المرأة الضرب ضد زوجها.. فهل ذلك يتماشي مع ما فرضه الله سبحانه، حسبما بيّناه فيما سبق؟!

تكذيب رواية، المرأة شرّ كلّها.

التفسير الصحيح لرواية: المرأة شرّ كلها.. مرفوض.

ويقول البعض:

"..(ولقد كرمنا بني آدم) (الإسراء /70) فالتكريم الإلهي ليس مختصاً بالرجل بل هو شامل لكل بني آدم، علي اختلاف ألوانهم، وأعراقهم، وأنواعهم، ذكوراً، وإناثاً، بيضاً، أو سوداً، عرباً، أو عجماً.

ولهذا.. فإننا نرفض كل الروايات التي تحطّ من شأن المرأة وإنسانيتها، كما نرفض الروايات التي تحط من شأن بعض الأقوام والأعراق.

ونعتقد: أن المعصوم لا يصدر عنه أمثال هذه الروايات المخالفة للقرآن الكريم.

فمن الروايات التي تحطّ من شأن المرأة ما نسب إلي أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها: أنه لا بدّ منها) [268] فإننا نشك أن هذه الكلمة للإمام علي (ع).. وذلك..

1 _ أن الإمام علي عليه السلام وسائر الأئمة الخ.."

ثم يذكر..

"أن الإنسان لم يخلق شريراً في أصل خلقته وأن عنصر الإغراء لا يصلح تفسيراً لهذه الكلمة، لأن الرجال يمثلون عنصر إغراء للمرأة. ولو سلمنا بأن عنصر الإغراء شرّ، فلما يطلق الحكم بهذه السعة، فإن الإغراء ليس هو كل عناصر شخصية المرأة.

وإذا كانت شرّاً كلّها، لم يجز عقابها، فإن الله هو الذي خلقها كذلك، وأودع الشرّ في أصل خلقتها وقوله: (لا بدّ منها). هل يعقل من يكون وجوده ضرورة ان يكون شرّاً كلّه.

والرجل طرف في عملية التناسل فَلِمَ لَم يكن شرّاً.

وعلي قد أكرم المرأة، فكيف يتكلم بهذه الكلمة.. وهو يعرف أن في النساء من يتفوّقن علي الرجال، أدباً، وعلماً وعملاً.

والزهراء شاهد علي ذلك، وامتيازها بالعصمة يؤكد امتياز المرأة بما يمنع صدور مثل هذه الكلمة عن علي(ع).."

ويقول:

"لا نجد لها حملاً صحيحاً. وإذا كان هناك من يحاول صرفها إلي امرأة بعينها لتكون (أل) التعريف عهدية، وليست للجنس.

فهذا لا يصح، لأن الكلمة حسب ما يظهر منها واردة علي نحو الإطلاق. وقد قرأت في كتاب بهجة المجالس: أن هذه الكلمة هي للمأمون العباسي، وربما نسبت خطأ لأمير المؤمنين" [269] .

وقفة قصيرة

إن ث_مّة نقاطاً عديدة يمكن الحديث حولها هنا، ولكننا سوف نقتصر منها علي ما يلي:

1 _ إن لهذه الكلمة صيغتين: إحداهما تقول: (المرأة شرّ كلها، وشرّ منها أنه لا بد منها) [270] .

والأخري تقول: (النساء شرّ كلّهن، وشر ما فيهنّ قلّة الإستغناء عنهنّ) [271] .

ولو أن هذا البعض قد صبّ جام غضبه علي هذا النص الأخير، لأمكن التغاضي عن ذلك، ولو في حدود معينة..

ولكن حديثه هو عن خصوص النص الأول، الذي يريد أن يعتبره مشتملاً علي الحطّ من شأن المرأة..

مع أنه إذا كانت (أل) التعريف، للعهد، أي بأن تكون المرأة المعهودة التي أثارت الفتنة في حرب الجمل هي المقصودة به، فإنه لا يبقي لكل تلك الإستدلالات مورد ولا محل.. إذ إن المقصود _ والحال هذه _ هو امرأة بعينها، وليس المقصود هو جنس المرأة..

إذ كما يحتمل أن تكون (أل) جنسية، فإنه يحتمل فيها العهد أيضاً وإذا كانت هناك قرائن تعين إرادة العهد منها.. فلا مبرر لحملها علي الجنس..

وتلك القرائن هي نفس ما ذكره هذا البعض من أدلّته علي عدم إمكان أن تصدر الإهانة لجنس المرأة من علي عليه السلام، فإنها تدل علي أنه يقصد بها امرأة معيّنة خرجت

علي إمام زمانها، وحاربته.

وقتل بسببها الألوف من المسلمين والمؤمنين..

ولم تزل تبغض وصي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي استشهد، فأظهرت الفرح، وسجدت لله شكراً [272] وسمّت عبداً لها بعبد الرحمان حباً بقاتل علي(ع) [273] .

وحين أخبرت بقتله قالت:

فألقت عصاها واستقر بها النوي كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ [274] .

وفي نص آخر: أنها قالت:

فإن تك ناعيا فلقد نعاه نعيٌّ ليس في فيه الترابُ

ثم قالت: من قتله فقيل: رجل من مراد.

فقالت: ربّ قتيل الله بيدي رجل من مراد.

فقالت لها زينب بنت أبي سلمة:

أتقولين مثل هذا لعلي في سابقته وفضله؟!.

فضحكت، وقالت: بسم الله إذا نسيت ذكّريني [275] .

والخلاصة:

أن قول البعض: إن تلك الأدلة تدل علي أنه (عليه السلام) قد قصد الإهانة لجنس المرأة وهذا لا يصح صدوره منه عليه السلام.

فيبقي هناك احتمالان:

أحدهما: أن يكون الخبر كاذباً من أساسه..

والآخر: أن يقصد به الحديث عن امرأة بعينها..كان عليه السلام يري أنها مصدر شرور، ومصائب وبلايا.. وأنها بحكم كونها كانت زوجة لرسول الله (ص)، وبنتاً للخليفة الأول أبي بكر ومدلّلة ومحترمة لدي الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.. وتتزعم تيّار العداء لوصي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقد جعلت من نفسها غطاء لكل أعدائه والمناوئين له كمعاوية، وطلحة، والزبير، وبني أمية، وغيرهم. والتي يطلع قرن الشيطان من بيتها، حيث تقول الرواية: خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) من بيت عائشة وقال: (إن الكفر من ها هنا، حيث يخرج قرن الشيطان..) [276] .

فهذه المرأة شر كلها، وهي أيضاً لابد منها، لأنها أم المؤمنين، ويجب علي كل الناس مراعاة جانب الإحترام لرسول الله (صلي

الله عليه وآله) فيها. ولا يمكن لأحد التخلّص من هذا الواجب.

ومن جهة أخري، فإن من حق علي (عليه السلام) الذي خرجت عليه هذه المرأة وحاربته وقتل بسببها الألوف أن يتذمّر من وجودها ويعرف الناس علي واقعها ويعلن أنها لا يأتي منها إلا الشرّ، والمصائب والبلايا علي الأمة.

وبذلك نعرف؛ وكذلك، بسبب القرائن التي أشار إليها ذلك البعض والدالّة علي أنه عليه السلام لم يكن ليذم جنس المرأة.

نعرف: أن المراد من قوله (عليه السلام): (المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها أنه لابد منها). هو امرأة بعينها دون سائر النساء.

فلماذا إذن حكم هذا البعض علي هذه الكلمة بضرسٍ قاطع أنها مكذوبة ولا يمكن أن تصح؟!.

2 _ وقد اتضح أن قول البعض:

"إن الرواية _ بحسب ما يظهر منها واردة علي نحو الإطلاق.."

غير كافٍ للحكم علي الرواية بعدم الصحّة.. فإن هذه القرائن التي ذكرناها، وذكرها هو نفسه كافية لتعيين أحد المعنيين المحتملين فيها..

فإن احتمال إرادة الجنس من كلمة (أل) يساوي احتمال إرادة (العهد) منها.

وإذا كان الإطلاق وعدم وجود القرينة يستدعي صرفها للجنس..

فإن وجود القرائن الصارفة عن الجنس، والمعينة للعهد.. تكفي في إسقاط (ذلك الإطلاق) عن صلاحيته للقرينية، فإن الإطلاق إنما يكون قرينة علي هذا، حيث لا توجد قرينة علي غيره، فإذا وجدت القرينة علي الغير فإن الإطلاق ينقلب إلي تقييد، ولا يبقي ثمة إطلاق ليتمسك به..

3 _ علي أن استدلالاته التي أوردها لرد المعني الأول هي الأخري تحتاج إلي التأمل ولا تخلو من النقد..

فقد استدل مثلاً بآية: (لقد كرمنا بني آدم..).

مع أن هذا التكريم، إنما هو من جهة العطاء، وإفاضة النعم عليهم، فيشمل بذلك المؤمن والكافر، حتي

أمثال فرعون ونمرود، وأشقي الأولين والآخرين.. فإن تكريم الله تعالي لهم بالعطاء، والنعم لا يمنع من أن يكونوا بؤرة الشرور والآثام، فيكون فرعون مثلاً شراً كله.. وكذلك غيره من الكافرين والمشركين.. وذلك يدل علي أن تكريمهم إنما هو بالنعم، وبالتفضلات المناسبة، حتي وإن كانوا ممن لا يستحقون ذلك.. فإنه لا يشترط في العطاء أن يكون من تعطيه مستحقاً لذلك العطاء..

وثمة مناقشات أخري في سائر أدلة هذا البعض لا نري حاجة إلي التعرض لها، فإن فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.

كلمة أخيرة

وبعد هذه الجولة في مقولات سجلها البعض في كتبه ومؤلفاته، أو في صحفه ومجلاته، فقد أسفر الصبح لذي عينين، ولم يبقَ عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.. ولم يعد مقبولا من أي من الناس أن يقول: لا يوجد ما هو أساسي أو جوهري، وإن الحديث إنما هو عن أمور هامشية.

وقد ظهر بذلك كله، وسواه مما نسأل الله أن يوفقنا لإيراده في كتب لاحقة، ما هي الدوافع التي دعتنا لتأليف كتابنا:

(مأساة الزهراء(عليها السلام)، شبهات وردود)

فهل يكون ما ذكرناه وسواه مما لم نذكره هو السبب الذي دعا مراجع الدين العظام إلي اتخاذ موقفهم القوي والصريح الذي عرف عنهم؟!

أم أنهم لم يطلعوا علي شيء من ذلك، ولم يراعوا الدقة فيما قالوه أو أصدروه؟!

إننا نرفض قبول هذه الفرضية الأخيرة.. وذلك وفقا لما قاله البعض عنهم.. حيث سُئِلَ:

كيف يتم إثبات المجتهد حتي يقلد، وإذا أنكر بعض المراجع اجتهاد ه_ذا العالم فكيف يتم التمييز والتوصل إلي حلّ مثل هذه الحالة الصعبة؟..

فأجاب:

"عندما يشهد العلماء بنفي أو إثبات خاصةً إذا كانوا من المراجع فإن شهادتهم ناشئة عن خبرة وتأمل لأن الإنسان المؤمن العالم

المجتهد الورع لا يمكن أن يقول بغير علم، لذلك لا بد للإنسان أن يأخذ بشهادته" [277] .

والحمد لله رب العالمين.

جعفر مرتضي العاملي

پاورقي

[1] تحدي الممنوع ص8 والمرشد ص354.

[2] الندوة ج1 ص548.

[3] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص 295.

[4] المصدر السابق ص 321.

[5] المصدر السابق ص 294.

[6] سورة المائدة: الآية 178 و 72.

[7] سورة المائدة، الآية 59.

[8] سورة المائدة الآية 73-77.

[9] سورة المائدة الآية 116.

[10] سورة التوبة الآية 30-32.

[11] آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص 246.

[12] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص100-101.

[13] المسائل الفقهية ج 2 ص451.

[14] المرشد العددان 3و4 ص 373.

[15] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 6 ص 43 و 44.

[16] سورة المائدة الآية 73.

[17] سورة المائدة آية 76.

[18] سورة المائدة آية 116.

[19] راجع الكني والألقاب ج 1 ص294.

[20] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 15 ص 226.

[21] سورة التوبة الآية 30.

[22] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 11 ص 93.

[23] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 11 ص 74 و75 و راجع ص 86 و89.

[24] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 11 ص 84 _85.

[25] سورة التوبة الآية 29.

[26] مجلة المنطلق العدد 113 صفحة 32، و راجع رسالة في الرضاع ومجلة المرشد.

[27] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص285.

[28] تفسير الكتاب المقدس ج 5 ص 10 تأليف جماعة من اللاهوتيين.

[29] المصدر السابق ج 1 ص 118.

[30] مدخل لشرح إنجيل يوحنا، للأب متّي المسكين ص 52 و53.

[31] تفسير العهد الجديد لوليم باركلي، انجيل لوقا ص 11.

[32] مدخل إلي الكتاب المقدس، للأباء اليسوعيين ص:خ.

[33] العهد الجديد، مطبعة البوليسية سنة 1980 جونية لبنان ص 107.

[34] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج8 ص195.

[35] من وحي

القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج5 ص212.

[36] سورة آل عمران، الآية 3 وراجع الآية 65 والمائدة 46 و110 والحديد 27 وغير ذلك.

[37] الرحلة المدرسية ص239.

[38] راجع: الرحلة المدرسية ص239. ومواضع عديدة أخري مثل ص114.

[39] سورة الأنعام، الآية: 91.

[40] سورة المائدة، الآية: 41.

[41] سورة المائدة، الآية 47.

[42] سورة البقرة، الآية 146 وسورة الأنعام الآية 20.

[43] سورة البقرة الآية 159.

[44] سورة البقرة الآية 174.

[45] للإنسان والحياة ص62.

[46] بينات، الجزء الأول ص287و288.

[47] رؤي ومواقف عدد1ص139.

[48] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص 10، وراجع المرشد عدد 3 و4 ص 362.

[49] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي ص 439.

[50] الندوة ج1 ص 549 وراجع:رؤي ومواقف عدد1 ص 139.

[51] الكافي ج 1 ص 425 والبحار ج55 ص 324.

[52] الكافي ج2 ص386.

[53] الكافي ج2 ص387.

[54] الكافي ج2 ص400 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص573 وفيه: إن صاحب الشك الخ...

[55] الكافي ج1ص45 وج2 ص399.

[56] السفير، الثلاثاء 26 تشرين الأول 1999 العدد 8435، والمقالة هي للمدعو: مصطفي الزين، وهو سفير لبناني سابق.

[57] لكنه يقول عن النبي الأعظم (ص) أنه لم يكن مثقفاً بالديانات السابقة وتاريخ الأنبياء حسبما تقدم في هذا الكتاب.

[58] راجع كتابنا: مأساة الزهراء ج1 ص139 و140.

[59] راجع كتاب: العلل للصدوق ص17.

[60] راجع: من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج5 ص212 وراجع كتاب: لهذا كانت المواجهة ص126 و127.

[61] الوسائل: ج18، باب: 10.

[62] (م.ن: ج18، باب 12، وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوي والعمل في كل مسألة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم (ع)، ص: 115، رواية 11.

[63] الشعب عدد: 1089 الواقع في 30 آب 1996. رؤي ومواقف ج2 ص11و111 و113.

[64] الكافي ج2 ص399.

[65] فكر وثقافة عدد 4 ص2، بتاريخ 6-7-1996.

[66] الندوة ج1 ص

510.

[67] المسائل الفقهية ج2 ص123.

[68] المسائل الفقهية ج1 ص92.

[69] المسائل الفقهية ج1 ص91.

[70] راجع فقه الحياة ص33-34 متنا وهامشا.

[71] المرشد عدد3-4 ص263.

[72] سورة البقرة الآية 219.

[73] الموسم العددان 21و22 ص 315-316.

[74] المسائل الفقهية ج2 ص305 وفقه الشريعة ج1 ص632 و633.

[75] بينات، العدد رقم 154 بتاريخ 20 رجب 1420ه_ 29 تشرين الأول 1999م.

[76] سورة لقمان، الآية: 15.

[77] سورة النساء، الآية: 116.

[78] سورة النساء، الآية: 34.

[79] المسائل الفقهية ج2ص306.

[80] سورة النحل، الآية: 125.

[81] سورة آل عمران، الآية: 159.

[82] سورة الإسراء، الآية: 53.

[83] الندوة ج2 ص530.

[84] راجع الندوة ج2 ص500 و501.

[85] وسائل الشيعة ج28 ص150 من لا يحضره الفقيه ج4 ص51.

[86] بداية الهداية ج2 ص462.

[87] صراط النجاة ج3 ص140.

[88] صراط النجاة ج3 ص142.

[89] رؤي ومواقف ج1 ص141.

[90] فقه الحياة ص 158/ 159.

[91] فقه الحياة ص 162.

[92] حاشية منهاج الصالحين للسيد الحكيم تعليقاً علي قوله في تعداد النجاسات: (العاشر: الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام (321) علي الأحوط، والأقوي الطهارة في أهل الكتاب) وكذا السيد محمد سعيد الحكيم في منهاج الصالحين ص126، يقول: (الثامن: الكافر غير الكتابي علي الأحوط وجوباً. أما الكتابي.. فالظاهر طهارته بنفسه). _ فقه الحياة ص 33 متناً وهامشاً.

[93] بحوث في شرح العروة الوثقي ج 3 ص 255.

[94] المصدر السابق ص283.

[95] الفتاوي الواضحة ص227.

[96] فكر وثقافة عدد 177 ص4 بتاريخ 29/3/1421 ه_.

[97] فكر وثقافة عدد 175 ص4 بتاريخ 15/3 /1421 ه_.

[98] راجع الوسائل ط دار إحياء التراث ج4 ص630 و629 وفي هامشه عن التهذيب ج1 ص149 وعن الاستبصار ج1 ص154 وعن السرائر ص475.

[99] وسائل الشيعة ط دار إحياء التراث ج4 ص673 عن قرب الإسناد ص86.

[100] راجع: وسائل الشيعة ط دار إحياء التراث ج4 ص724.

[101] راجع:

المصدر السابق ص 708.

[102] راجع: المصدر السابق ص721.

[103] المصدر السابق ص714 عن التهذيب ج1 ص330.

[104] المصدر السابق ص715 عن الكافي (الفروع) ج1 ص21 وعن من لا يحضره الفقيه ج1 ص12.

[105] المصدر السابق ص715 عن المجالس ص113.

[106] المصدر السابق ص716 عن التهذيب ج1 ص176 وعن الاستبصار ج1 ص177.

[107] المصدر السابق عن المصدرين السابقين أيضاً.

[108] المصدر السابق ص716 و718 عن الفروع ج1 ص96 وعن التهذيب ج1 ص 232 و176 وعن الفقيه ج1 ص133.

[109] المصدر السابق عن التهذيب ج1 ص237.

[110] المصدر السابق ص 617 و618 عن الفقيه ج1 ص 115.

[111] المصدر السابق ص618 عن الفروع ج1 ص96 وعن التهذيب ج1 ص176 وعن الاستبصار ج1 ص178.

[112] المصدر السابق عن التهذيب ج1 ص 176 وعن الفقيه ج1 ص115 وعن الاستبصار ج1 ص178.

[113] تاريخ الخميس ج2 ص156.

[114] تاريخ الأمم والملوك ط الاستقامة ج2 ص469 والكامل في التاريخ ج2 ص340 والبداية والنهاية ج6 ص310.

[115] البداية والنهاية ج6ص310.

[116] وسائل الشيعة ج5 ص451 ط مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث وفي هامشه عن الفقيه ج1 ص184 والكافي ج 3 ص303.

[117] الكافي ج1 ص441.

[118] الاحتجاج ج1 ص1 ص365 / 366 والأنوار النعمانية ج1 ص169 وراجع: تفسير القمي ج1 ص336 وبحار الأنوار ج81 ص112.

[119] روي خبر الاحتجاج هذا، وجاء في آخره هاتان الكلمتان في بحار الأنوار ج27 ص1و2. فلعل نسخة الاحتجاج التي كانت عند المجلسي رحمه الله كانت تشتمل علي ذلك.

[120] رسالة الهداية ص45.

[121] فكر وثقافة عدد 173 بتاريخ ربيع الأول 1421 ه_.

[122] الموسم عدد 21_22 ص299.

[123] المصدر السابق ص74.

[124] راجع: التبرك- تبرك الصحابة والتابعين بآثار النبي والصالحين من ص 344 حتي ص 406.

[125] الكافي (الأصول) ج2 ص185، والوسائل ج8 ص166. ومستدرك الوسائل ج2 ص98 ومرآة

العقول ج 9 ص78/79 والبحار ج76 ص37.

[126] الكافي (الأصول) ج2 ص185 والوسائل ج8 ص166 ومستدرك الوسائل ج2 ص98 والبحار ج76 ص37.

[127] إحقاق الحق ج9 هامش ص 497 عن محاضرات الأدباء.

[128] وراجع الإصابة ج2 ص38 وأسد الغابة ج2 ص269.

[129] تفسير القمي ج 2 ص 101.

[130] الكافي ج 2 ص 35-36.

[131] الخصال ج 2 ص585 والكافي ج6 ص 17 وتهذيب الأحكامج7 ص436 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص365 والوسائل ج21 ص385 وج 20 ص 221.

[132] من لا يحضره الفقيه ج4 ص202 والوسائل ج1 ص299.

[133] الكافي ج6 ص503 والوسائل ج2 ص56.

[134] الكافي ج6 ص497 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص66 والوسائل ج2 ص39.

[135] راجع: تهذيب الأحكام ج1 ص302 والإستبصار ج1 ص207 والوسائل ج2ص492.

[136] كتاب النكاح ج1 ص66.

[137] المرشد ص 301و302.

[138] فكر وثقافة عدد 3 بتاريخ6-7-1996.

[139] المسائل الفقهية ج 1 ص244.

[140] حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع ص553 و554 وراجع: فقه الحياة ص210 فما بعدها.

[141] منية السائل ص 129.

[142] فقه الحياة ص33 و34.

[143] وسائل الشيعة ج14 ص77_78.

[144] وسائل الشيعة ج14 ص77_78.

[145] فقه الحياة ص211 و212.

[146] فقه الحياة ص281.

[147] فقه الحياة ص258.

[148] المعرفة الجنسية عند الرجل والمرأة ص 73 و 74.

[149] لسان العرب ج1 ص230.

[150] دنيا المرأة ص 329 _ 331.

[151] دنيا المرأة ص331.

[152] دنيا المرأة ص331.

[153] المسائل الفقهية ج1 ص188.

[154] سورة النساء الآية /6.

[155] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج7 ص82.

[156] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج7 ص85.

[157] كذا في الوسائل، ولكن في الكافي (علي بن إبراهيم؛ ومحمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن أبي عمير..) وما في الكافي هو الصحيح، ونبهنا عليه من أجل الإلفات إلي الأخطاء الكثيرة في الوسائل التي قد

توجب الاشتباه والرواية صحيحة، راجع الوسائل ج14 باب 45 من أبواب مقدمات النكاح رواية 1 ص70. وراجع الكافي ج5، كتاب النكاح، باب الحد الذي يدخل بالمرأة فيه ص398.

[158] موثقة، راجع الكافي في كتاب النكاح ج5 باب الحد الذي يدخل بالمرأة فيه ص398.

[159] راجع الوسائل ج13 ص431 رواية 12، وهناك أحاديث كثيرة بهذا السياق منها (لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر..) الوسائل ج14، ص168 رواية 1 وقوله (عليه السلام) (وعلي الصبي إذا احتلم الصيام وعلي المرأة إذا حاضت الصيام) الوسائل ج7 ص169 رواية 12.

[160] شرح النووي علي صحيح مسلم ج9 ص206 طبعة دار إحياء التراث العربي.

[161] كتاب النكاح ج1 ص177و178.

[162] فقه الحياة ص282 و283.

[163] مجلة لوبوان ص31 بتاريخ 16 شباط سنة 2001م.

[164] الندوة ج6 ص715.

[165] مفتاح الكرامة ج1 ص339 عن المعتبر والمنتهي، وشرح المفاتيح، والذكري، والمدارك، ومجمع الفائدة والبرهان وستأتي إن شاء الله.

[166] راجع جواهر الكلام ج26 ص44/45.

[167] راجع: وسائل الشيعة، ط مؤسسة آل البيت ج28 ص 82و83.

[168] جامع المدارك ج3 ص362 وقد صرح بالإنبات فقط.

[169] الوسائل ج13 ص428 وتفسير القمي ج1 ص131.

[170] راجع التهذيب للشيخ الطوسي ج7 ص410 والوسائل ج20 ص103 أبواب مقدمات النكاح باب 45 ج7.

[171] تهذيب الأحكام ج3 أو 1 ص234 ح57.

[172] الكافي ج5 ص 398 رقم 2و4. والوسائل ج20 ص101/103 باب 45من أبواب / مقدمات النكاح.وتهذيب الأحكام ج7 ص410. وراجع: الخصال ص420. ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص 413.

[173] الكافي ج5 ص429 ج 12 وتهذيب الأحكام ج7 ص311 ج49 و50.

[174] الكافي ج5 ص398 وتهذيب الأحكام ج7 ص391 ح42 وراجع: ص451. وراجع: دعائم الإسلام ج2 ص214 ونوادر أحمد بن محمد بن عيسي ص71 ومستدرك الوسائل ج14 ص213، و214 والوسائل ج20 ص102.

[175]

الوسائل ج20 ص104 ح 493 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص431 و432.

[176] من لا يحضره الفقيه ج3 ص413، وتهذيب الأحكام ج7ص410.

[177] تهذيب الأحكام ج7 ص451 ج14 وص410 وج9ص184 ح742 وراجع: من لا يحضره الفقيه ج3 ص 412 ح4440 وج4ص221 والكافي ج7ص68 وج 5 ص398 ومستدرك الوسائل ج14 ص214 والوسائل ج19 ص366 وج18 ص411 وج20 ص102. وراجع: الخصال ص420.

[178] الكافي ج3ص108 وج5 ص475 وتهذيب الأحكام ج7ص468 ج8 ص177 والاستبصار ج3ص364 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص94 والوسائل ج2 ص339 وج21 ص86.

[179] الوسائل ج20_ ص494 وتهذيب الأحكام ج7 ص311 والاستبصار ج4 ص295 والكافي ج5 ص429.

[180] الكافي ج5ص398/399 وتهذيب الأحكام ج7ص391و451 والوسائل ج20ص102.

[181] الوسائل ج 20 ص103 وتهذيب الأحكام ج70 ص410.

[182] الكافي ج8ص340 والبحار ج19 ص113 و116 ومصادر ذلك كثيرة فراجع ولادة فاطمة الزهراء في كتاب: الصحيح من سيرة النبي (صلي الله عليه وآله).

[183] راجع: الكافي ج7 ص388 والبحار ج22 ص235 ومصادر ذلك كثيرة.

[184] راجع ج3 ص285.من كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص).

[185] تهذيب الأحكام ج 10 ص 249 والاستبصار ج 4 ص 294 والكافي ج7 ص314 ح 18 والوسائل ج20 ص494.

[186] الوسائل ج21 ص85 وعيون أخبار الرضا ج2 ص19 رقم 44.

[187] الوسائل ج21 ص84 وتهذيب الأحكام ج8 ص172 والاستبصار ج3 ص358.

[188] تهذيب الأحكام ج8 ص172 والاستبصار ج3 ص358 والوسائل ج21 ص84.

[189] الوسائل ج21 ص84 /85و104/105 وج18 ص 258 وتهذيب الأحكام ج8 ص170 والكافي ج5 ص473 والاستبصار ج3 ص358.

[190] الوسائل ج21 ص 85 وج18 ص260 والكافي ج5 ص472.

[191] من لا يحضره الفقيه ج3 ص 446 ح4546 والوسائل ج21 ص85.

[192] الوسائل ج21 ص85 والكافي ج5 ص475 وتهذيب الأحكام ج8 ص176 والاستبصار ج3 ص362.

[193] الكافي ج6 85 وراجع: تهذيب الأحكام

ج 7 ص 469 وج 8 ص 67و137 والاستبصار ج3ص337 والوسائل ج22 ص179 و181 و183.

[194] راجع: التنقيح في شرح العروة الوثقي ج6 ص86.

[195] الوسائل: ج21 ص83 وتهذيب الأحكام ج8 ص171 والكافي ج5 ص473 والاستبصار ج3 ص 357.

[196] مباني العروة الوثقي ج1 ص154.

[197] الوسائل ج22ص178و171و182 وتهذيب الأحكام ج8 ص66 و137 والكافي ج6 ص85 والاستبصار ج3 ص337.

[198] جواهر الكلام ج32 ص247 والوسائل ج22 ص183/184 وتهذيب الأحكام ج8 ص119 و120 والاستبصار ج3 ص323 والكافي ج6 ص99.

[199] الوسائل ج21 ص83 وتهذيب الأحكام ج8 ص171 والاستبصار ج3 ص357.

[200] تهذيب الأحكام ج8 ص139 والوسائل ج22 ص181.

[201] تهذيب الأحكام ج8 ص138 والوسائل ج22 ص180.

[202] الوسائل ج22 ص170 و182 والكافي ج6 ص85 وتهذيب الأحكام ج8 ص68 والاستبصار ج3 ص338.

[203] تهذيب الأحكام ج8 ص67 و138 والاستبصار ج3 ص338 والكافي ج6 ص85 والوسائل ج22 ص179.

[204] راجع: الوسائل ج22 ص179 وتهذيب الأحكام ج8ص68 والمختلف ج6 ص611 والكافي ج6 ص86 عن معاوية بن حكيم.

[205] من لا يحضره الفقيه ط جماعة المدرسين ج3 ص513 والكافي ج6 ص 84/86 وتهذيب الأحكام ج8 ص66 والوسائل ج22 ص178 وعن هامشه عن السرائر.

[206] الخصال ص421 والوسائل ج20 ص104 ومستدرك الوسائل ج1 ص86/87.

[207] الوسائل ج19 ص367 وج18 ص411 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص221ح5522.

[208] جواهر الكلام ج26 ص37 لكن في تهذيب الأحكام ج9 ص183 وفي الوسائل ج19 ص212: سبع سنين. والظاهر أنه تصحيف تسع، لأنهما في الرسم متقاربان. وما أكثر ما يقع ذلك بسبب عدم وجود النقط في السابق.

[209] تهذيب الأحكام ج9 ص184 ح16/4 وج 10 ص120 ح481 والاستبصار ج4 ص249 ح945 والوسائل ج28 ص397 وجواهر الكلام ج26 ص36/37 وفي هامشه عن المستدرك ج1 ص7.

[210] الاستبصار ج3 ص237 ح855 والكافي ج7 ص198 ومن

لا يحضره الفقيه ج4 ص221 وتهذيب الأحكام ج10 ص38 ح133 وج7 ص382 ح1544 والوسائل ج1 ص43، وكتاب الحدود باب اشتراط البلوغ في وجوب الحد تاماً.

[211] الكافي ج7 ص197 و198 وتهذيب الأحكام ج15 ص 37 و38 ح132 و133 والوسائل ج17 ص360 وج 18 ص411 وراجع مستطرفات السرائر ص 428.

[212] الوسائل ج19 ص365 وتهذيب الأحكام ج9 ص184 والكافي ج7 ص68.

[213] جواهر الكلام ج3 ص142.

[214] الكافي ج5 ص525.

[215] الوسائل ج1 ص45 وراجع ج10 ص 237 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص122.

[216] الوسائل ج20 ص228 كتاب النكاح، باب 126 ح2 والكافي ج5 ص 533.

[217] قرب الإسناد ص41 ح506.

[218] الوسائل ج11 ص45 عن من لا يحضره الفقيه ج2 ص435.

[219] الوسائل ج11 ص45 عن الكافي ج4 ص276 ح8 وعن تهذيب الأحكام ج5 ص6 والاستبصار ج2 ص146.

[220] الوسائل ج10 ص236 وج4 ص410 وعن التهذيب ج4 ص281 ح851 وص 326 ح1015 والاستبصار ج2 ص123 ح398 وعن المقنع للصدوق ص62.

[221] الوسائل ج4 ص405 وعن الفقيه ج1 ص373.

[222] الكافي ج7 ص232 والوسائل ج28 ص295 وتهذيب الأحكام ج10 ص121.

[223] الوسائل ج1 ص45 ح82 وتهذيب الأحكام ج2 ص380 ح1588 والاستبصار ج1 ص408.

[224] راجع: الحدائق الناضرة ج20 ص349 وجامع المدارك ج3 ص366.

[225] كنز العرفان ج2 ص102.

[226] مقارنة الأديان: اليهودية ص301 عن المقارنات والمقابلات ص334.

[227] مقارنة الأديان اليهودية ص302 عن المقارنات والمقابلات ص371 و372.

[228] راجع: الصحيح من سيرة النبي ج11 ص228_247.

[229] دنيا المرأة ص 340 و341.

[230] المرأة بين واقعها الرسالي ص 101.

[231] فكر وثقافة عدد 171 بتاريخ 16/2/1421 ه_.

[232] فكر وثقافة عدد 180 ص4 بتاريخ 20/4/1421 ه_.

[233] الندوة ج4 ص58.

[234] فكر وثقافة عدد 8 بتاريخ 10/ آب/ 1996 م.

[235] فكر وثقافة بتاريخ 7/2/1998 م.

[236] راجع: الندوة ج1 ص510 وفكر

وثقافة عدد 4 ص2 بتاريخ 6/7/1996م.

[237] فقه الحياة ص264/265.

[238] سورة النور الآية 31.

[239] فقه الحياة ص54.

[240] المسائل الفقهية ج2 ص410.

[241] المسائل الفقهية ج2 ص411.

[242] المسائل الفقهية ج1 ص145.

[243] المسائل الفقهية ج1 ص37.

[244] فكر وثقافة عدد 8 بتاريخ 10/آب/1996م.

[245] المسائل الفقهية ج1 ص188.

[246] الندوة ج6 ص723.

[247] فكر وثقافة عدد 182 ص 4 بتاريخ 5/5/1421 ه_.ق.

[248] فكر وثقافة عدد 170 ص3 بتاريخ 9/2/1421 ه_.

[249] فكر وثقافة عدد 180 بتاريخ 20/4/1421 ه_.

[250] قد صرح بذلك، ونقلناه عنه في اكثر من مورد في هذا الكتاب.

[251] فكر وثقافة عدد 182 ص3 بتاريخ 5/5 1421 ه_.ق.

[252] فقه الحياة ص 20 و21.

[253] فكر وثقافة عدد 175 ص4 بتاريخ 15/3/1421 ه_.

[254] فكر وثقافة عدد 181 ص4 بتاريخ 28/4/1421 ه_.

[255] فقه الحياة ص33 –34 متناً وهامشاً.

[256] الندوة ج1 ص510.

[257] فكر وثقافة عدد 4 ص2 بتاريخ 6/7/1996.

[258] فكر وثقافة عدد 175 ص3 بتاريخ 15/3/1421 ه_.ق.

[259] نهج البلاغة، الحكمة رقم 85.

[260] دنيا المرأة ص 29 و30.

[261] دنيا المرأة ص28.

[262] المرأة بين واقعها وحقها في الاجتماع ص 98- 100.

[263] شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ج1 ص125 /126 مطبعة الاستقامة.

[264] من وحي القرآن: الطبعة الأولي ج5 ص 114/115.

[265] من وحي القرآن _ الطبعة الأولي _ ج 5 ص116.

[266] سورة النساء، الآية 34.

[267] سورة النساء، الآية 128.

[268] نهج البلاغة، الحكمة رقم 238.

[269] راجع جميع ما تقدم في كتاب: الزهراء القدوة ص168-170.

[270] غرر الحكم ج1 ص79. المطبوع مع ترجمة محمد علي الأنصاري ونهج البلاغة الحكمة رقم 238.

[271] ربيع الأبرار ج4 ص291.

[272] الجمل ص159.

[273] قاموس الرجال ج10 ص475 والجمل والبحار ج32 ص341 و342.

[274] الكامل في التاريخ ج3ص394. والجمل ص159 وطبقات ابن سعد ج3ص40 والبحار ج32 ص 340.

[275] أخبار الموفقيات ص131

وقاموس الرجال ج1 ص475 عن الأغاني والكامل في التاريخ ج3 ص394 والجمل ص159 والبحار ج32 ص341.

[276] راجع: مسند أحمد ج 2 ص 26 و18، وللحديث مصادر كثيرة فراجع الغدير للعلامة الأميني.

[277] الندوة ج1 ص504.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.