خلفيات مأساه الزهراء (المجلد 4)

اشارة

نويسنده : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

ناشر : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

موضوع : حضرت فاطمه زهرا (س)

التشيع

التشيع والامامة

بداية

إن الأمور التي تشير إلي _ أو تدل علي _ ما يرمي إليه البعض في حديثه عن الإمام والإمامة، وعن الشيعة والتشيع، كثيرة ومتنوعة، والمكتوب منها كثير وخطير، فكيف بالمسموع في النوادي، والمدارس، والسهرات، والمجالس.

ونحن نقتصر هنا علي ذكر مجموعة من كلماته _ وهي كثيرة ليست قليلة _ عسي أن نبلغ بها غايتنا في إعطاء الصورة الوافية عن الإتجاه الفكري العام، وعما تحتله هذه الشؤون الحساسة فيما يراد له أن يأخذ موقعه في عقل وفكر الناس، وتكون له آثاره علي مواقفهم، وحتي علي مواقعهم..

ما يلي من صفحات، ومن الله نستمد القوة والحول، ومنه نطلب السداد والرشاد.

الشيعة في قفص الإتهام.

ثم إن ذلك البعض يشير بطريقته الخاصة إلي أن الشيعة هم الذين اعتبروا أنفسهم مجتمعا يختلف عن غيرهم.. وكأن الآخرين هم الأساس، الذي فصل الشيعة أنفسهم عنه، وبالتالي، فإنهم قد نأوا بأنفسهم عن معونة أهل السنّة ونصحهم، علي عكس ما كان من عليّ أمير المؤمنين عليه السلام تجاه الخلفاء _ مع أنّه هو صاحب القضية معهم، فصاحب القضية يتعاون، ويقدم النصح والمشورة، والشيعة لا يفعلون ذلك، مما يوضح: أنهم أقل وعيا، وأقل إسلامية من المتقدمين، فهو يقول:

"المسلمون في عصر الخلافة الراشدة (!!) كانوا أقرب إلي المواجهة الواقعية لمثل هذه المشكلة، بعدها، عاش المسلمون أوضاعا حادّة تحولت إلي حروب بين السنّة والشيعة، ثم إلي حالة انفصال اعتبرت الشيعة نفسها مجتمعا يختلف عن مجتمع السنة، بينما كان الإمام علي _ وهو صاحب القضية _ يتعاون مع الخلفاء، ويعطيهم المشورة والنصح، بالرغم من رفضه للمسألة،

مما يعني: أن المتقدمين كانوا أكثر وعيا، وأكثر إسلامية" [1] .

الشيعة إرهابيون في المجال الفكري!

دعوة السنّة والشيعة إلي التنازل عما ورثوه.

الشيعة مصداق للآية: (إنا وجدنا آباءنا علي أمة..).

لا يوجد نقد علمي عند الشيعة والسنة.

لا حرية إلا لمناقشة القضايا السنية.

ثم هو يتهم الشيعة بالإرهاب الفكري، وأنه ليست هناك أية حريّة في داخ_ل المذهب الشيعي، ويظهر رغبته في تنازل الشيعة والسنة عما ورثوه.

فهو يقول:

"المشكلة هي أن السنّة لا يريدون أن يتنازلوا عن أي شيء مما ورثوه، وأن الشيعة لا يريدون أن يتنازلوا عن أي شيء مما ورثوه، بقطع النظر عما إذا كان ما ورثوه يخضع للبرهان أو للدليل أو لا يخضع، لأن القضية في بعض أوضاعها: (إنّا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون) [2] .

لذلك لا نجد أية حرية في داخل المذهب السني لمناقشة القضايا السنية، وليست هناك أية حرية في داخل المذهب الشيعي لمناقشة القضايا الشيعية.. الحرية المطروحة هنا وهناك هي مناقشة الآخر.. أما أن نناقش فكرنا في عملية نقد علمي فهذا ليس واردا، بل قد تجد هناك إرهابا فكريا هنا، وإرهابا فكريا هناك" [3] .

التشيع وجهة نظر في فهم الإسلام.

إتهام الشيعة بأنهم انفصاليون، لا يتعاونون مع إخوانهم ولا ينصحونهم.

وهو يعتبر التشيع مجرد وجهة نظر، في مقابل وجهة نظر أخري هي التسنن، ووجهة النظر عموما: قد تكون خطأ، وقد تكون صوابا.. كما أن وجهة النظر الأخري كذلك. مع أن التشيع هو حقيقة الإسلام، وصريح هذا الدين، فهو يقول:

"وقد تكون القضية المطروحة هي أن لا يكون خط التشيع – فيما هو التشيع وجهة نظر في فهم الإسلام _ حالة معزولة عن الواقع

العام للمسلمين" [4] .

الفكر الإلهي! والفكر البشري.

الإمامة فكر بشري..!

كل التراث الفقهي والكلامي فكر بشري.

الحقيقة نسبية..

بديهيات الإسلام فقط فكر إلهي.

وهو يعتبر أن كل التراث الفكري والعقيدي والفلسفي، فكر بشري، باستثناء البديهيات، فإنها: فكر إلهي.

ولا ندري كيف نفسر عبارة (فكر إلهي)، وما تحمله من جرأة علي الذات الإلهية، فهل الله يجلس ليوازن ويفكر، ويقدم ويؤخر، ثم يخرج بهذه النتيجة أو تلك؟

ولنتوقف قليلا أيضا عند اعتبار ذلك كله فكرا بشريا..!!

أما عباراته التي تضمنت ذلك فهي التالية:

".. ونحن نعتقد: من خلال ذلك: أن كل ما جاءنا من تراث فقهي، وكلامي، وفلسفي، هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين، من خلال معطياتهم الفكرية، ولا يمثل الحقيقة، إلاّ بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة علي أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة.

وبهذا، فإننا نعتبر: أن كل الفكر الإسلامي، ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية هو فكر بشري، وليس فكرا إلهيّا، قد يخطئ فيه البشر فيما يفهمونه من كلام الله، وكلام رسول الله(ص) وقد يصيبون.

وعلي هذا الأساس، فإننا نعتقد أن من الضروري جدا أن ننظر إلي التراث المنطلق من اجتهادات المفكرين، أينما كانت مواقع تفكيرهم، نظرة بعيدة عن القداسة في حياتهم ومؤهلاتهم الروحية والعملية في حياة الناس الآخرين، فيمن يكون علي مستوي المراجع أو الأولياء في تقواهم لله سبحانه وتعالي الخ.." [5] .

وقفة قصيرة

إن هذا البعض قد اعتبر كل التراث الفقهي والكلامي (أي العقائدي) والفلسفي هو نتاج أفكار المجتهدين، وهو كله ليس إلهيا، وإنما هو فكر بشري، حتي الإمامة فإنها عنده من المتحول، لأن النص لم يكن عنده صريح الدلالة بحيث لا مجال لاحتمال الخلاف فيه، ولا موثوق السند إلي درجة لا

يمكن الشك فيه [11] ، فالإمامة إذن فكر بشري أيضا، لأنها بحاجة إلي الاجتهاد، وليست من البديهيات عند جميع المسلمين.

هذا كله عدا عن أن كلامه الآنف الذكر صريح في أنه يعتبر الحقيقة نسبية، فلا يستطيع أحد أن يدعي أنه يملك الحقيقة كلها، بل هو يملك منها بحسب ما يقتنع به من مقاييس الحقيقة..

فقد يكون أمر مّا يمثل الحقيقة عند شخص، _ بحسب تلك المقاييس _ ويمثل الباطل عند آخر بحسب المقاييس التي يملكها ذلك الآخر أيضا.

ونحن قد ناقشنا هذه المقولات في كتابنا (لماذا كتاب مأساة الزهراء؟)، ونؤكد علي القاريء الكريم أن يراجع ما كتبناه هناك..

غير أنّا نذكّر هنا بأن ما هو فكر إلهي عند هذا البعض، هو أمور يسيرة وعناوين محدودة جدّا، عبّر عنها في بعض كتاباته بالثّابت، ويقابلها المتحوّل. فقال:

"إن من الثابت: التوحيد، والنبوة، والمعاد، ومسلمات الشريعة، مثل: وجوب الصلاة، والصوم، والجهاد، والحج، والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الزنا والسرقة، والخمر، والميسر، والنميمة، واللواط، والغيبة، وقتل النفس المحترمة، ونحوها مما لا يخرج عن دائرة العناوين العامة جدا، دون تفاصيلها، فإن التفاصيل تدخل في نطاق الاجتهادات الشخصية البشرية، غير الإلهية" [12] .

وهو ما عبّر عنه هذا البعض بالمتحول.

ويقول:

"المراد من الضروري الشيء البديهي الثابت بشكل طبيعي جدا، وعفوي جدا، من دون حاجة إلي الإستدلال بين المسلمين، مثل وجوب الصلاة، ووجوب الصوم، ووجوب الحج، ووجوب الزكاة، كما ذكرنا. أما تفاصيل الصلاة، وتفاصيل الصوم، أو الحج، أو الزكاة، فهذه أمور يختلف فيها المسلمون، ويحتاج فيها إلي أن يستدل بعضهم علي بعض، ليثبت قناعته من خلال ذلك، وكل شيء يحتاج إلي الإستدلال بحسب طبيعته، أو بحسب طبيعة الواقع العام،

باعتبار أن الناس يختلفون فيه فهو أمر نظري" [13] .

سند حديث: (من مات ولم يعرف إمام زمانه) موضع نقد.

أجاب البعض عن سؤال حول حديث النبي(ص):

"س:.. قال الرسول: من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟.

ج: الواقع أن سند هذا الحديث ليس فوق مستوي النقد" [14] .

ومن الواضح: أن أبرز تجليات هذا الحديث قد كانت في موقف فاطمة الزهراء(ع) من أبي بكر، حيث ماتت وهي مهاجرة له، كما دلت عليه النصوص القاطعة، ولم تكن تعتبره إمام زمانها، ولا يمكن بحال أن يقال: إنها ماتت ميتة جاهلية، وهي التي يغضب الله لغضبها، ويرضي لرضاها.

وهو من الأحاديث الثابتة المروية لدي أهل السنة والشيعة، وتجدهم به يستدلون، وعليه يعتمدون، علي اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.

ولا ندري ما هو الداعي لإثارة الشبهة حول سند هذا الحديث؟! مع أن الأفرقاء قد تلقوه بالقبول كما ألمحنا إليه؟!.. وذكرنا ذلك في كتابنا "مأساة الزهراء(ع)":

الخلاف بعد النبي لم يضر بالإسلام.

المسيرة الإسلامية لم تنحرف بعد النبي (ص).

ويتحدث عن خلافات الصحابة بعد النبي(ص) فيقول:

"علينا أن نمارس خلافنا في الرأي كما مارسه الأولون، فقد مارسوه فيما لم يكن الاختلاف مضرة للإسلام، حتي سارت المسيرة الإسلامية في طريقها المستقيم" [10] .

ظاهر الكلام أن الصحابة لم يمارسوا خلافاتهم بصورة مضرة للإسلام، فلم يكن اغتصاب بعضهم للإمامة مثلا ضررا علي الدين، ولا انحرافا بل سارت المسيرة الإسلامية في طريقها المستقيم!!!

إبعاد علي(ع) كان نتيجة فهم الكلام بطريقة معينة.

المسلمون(!!) فهموا ذلك.

الخطأ في اجتهاد أهل السقيفة.

مشكلتنا: أن حديث الغدير مروي بشكل مكثف.

ينبغي لأهل السنّة أن يناقشوا سند حديث الغدير.

كلمات النبي (ص) في الغدير، تجعل الشك في أذهان

الناس.

النبي (ص) لم يكتب كتابا للأمة لأنه أراد للتجربة أن تتحرك.

أ _ ويقول البعض:

"إنطلق رسول الله(ص) ليؤكد مسألة القيادة من بعده، حتي لا تكون حركة المسلمين في فراغ، بعد أن ينتقل (ص) إلي الرفيق الأعلي.

ولكن المسلمين فهموا القضية بطريقة معينة، ففرضت الأوضاع الجديدة نفسها، والتي أوجدوها خارج دائرة توجيهات رسول الله (ص)؛ فأبعد علي (ع).." [11] .

فالفهم الخاطيء لكلام النبي(ص) كان هو السبب في إبعاد علي عليه السلام..

ب _ ولكنه يذكر في مورد آخر: أن سبب فهم المسلمين لهذا الأمر بطريقة معينة هو أن النبي (ص) قد تكلم بطريقة تلقي بأذهان الناس الشك، فهو يقول:

"بيعة الغدير مما يذكره السنة والشيعة، لكن دخل بعض الناس علي الخط، كما يقرأ في كلمة (مولي): من كنت مولاه فعلي مولاه، يعني ناصره، فالقضية ربما كانت من خلال طبيعة الكلمات مجالا لأن النبي (ص) مثلا، بأذهان الناس يصير شك.

أما لماذا لم يكتب النبي(ص) كتابا؟ كان النبي ذاك الوقت يريد للتجربة أن تتحرك" [12] .

ج _ وإذا ضممنا إلي ما تقدم حديث البعض عن سند حديث الغدير، ودعوته أهل السنة للبحث فيه أيضا، فهو يقول في نطاق سؤال وجواب:

سؤال: يقول تاريخ الشيعة بأن رسول الله (ص) نصّب عليا (كرّم الله وجهه) علي مشهد من (120) ألف مسلم ما بقي منهم إلاّ أربعة أو خمسة، فهل هذا مقبول منطقيا؟

"جواب _ عندما ندرس كيف تتبدل الأوضاع، وكيف تتغير الأفكار وكيف تختلط الأوراق فإننا نجد بالتجربة الكثير من واقعنا، والسبب في ذلك هو أن المؤثرات التي يمكن أن تتحرك في الواقع الإجتماعي أمام أية قضية لا تتحرك في المجري الإجتماعي الذي يرضاه الناس

أو يحبونه.

فلا بد أن تتحرك الكثير من الأساليب والوسائل من أجل إبعاد القضية عن خطها المستقيم ولو بالقول.

لقد قال رسول الله (ص) (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهل إن معناه من كنت أحبه فعلي يحبه ومن كنت ناصره فعلي ناصره، أو إن معناه من كنت أولي به من نفسه _ وهو معني الحاكمية _ فعلي أولي به من نفسه، فبعض الناس يقول هذا تصريح وليس تأكيدا. إنّ مشكلتنا هي أن (حديث الغدير) هو من الأحاديث المروية بشكل مكثف من السنة والشيعة، ولذلك فان الكثير من إخواننا المسلمين السنة يناقشون الدلالة ولا يناقشون السند، في الوقت الذي لا بد أن ندرس القضية من خلال ذلك أيضا، فعندما ندرس قصة الحسن والحسين (ع) نجد أن النبي (ص) ربّي لهم حبّا في نفوس المسلمين وقد استطاعوا أن يعمقوا هذا الحب من خلال سلوكهم وسيرتهم. وكدليل علي ذلك عندما انطلق الإمام الحسين (ع) وقد بايعه أهل الكوفة التقي (الفرزدق) في الطريق فقال له: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) ونحن عشنا أيها الأحبة، الكثير من هذا في (العراق) وعشناه في (لبنان) ونعيشه في أكثر من موقع في العالم، لأن مسألة الجماهير هي أنها تنطلق بانفعال وتتحرك بانفعال أيضا. هذه هي المسألة التي تجعل هذا الواقع واقعا قريبا من المنطق" [13] .

د _ مشكلة هذا البعض إذن هي أن حديث الغدير مروي بشكل مكثف عند السنة والشيعة.. ورغم أن أهل السنة يناقشون في دلالة حديث الغدير فقط، فإنه يتمني عليهم أن يناقشوا السند بالإضافة إلي المتن..

ه_ _ ومهما يكن من أمر، فإن ذلك البعض نفسه هو الذي اعتبر قضية الإمامة من المتحول الذي لا صراحة فيه من حيث

الدلالة إلي درجة عدم احتمال الخلاف فيه، ولا موثوقا سندا إلي درجة عدم إمكان الشك فيه، فهو يقول وهو يتحدث عن الثابت والمتحول داخل الثقافة الإسلامية:

"هناك المتحول الذي يتحرك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها ومدلولها للاجتهاد، ما لم يكن صريحا بالمستوي الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه، ولم يكن موثوقا بالدرجة التي لا يمكن الشك فيه، وهذا هو الذي عاش المسلمون الجدل فيه، كالخلافة والإمامة، والحسن والقبح العقليين" [14] .

فالإمامة إذن تعاني من مشكلة، إما في السند أو في الدلالة، ولأجل ذلك اختلف المسلمون؛ فهم مأجورون فيما توصلت إليه اجتهاداتهم، ولو أخطأوا في تلك الاجتهادات.

وقفة قصيرة

ونحن قبل أن نتابع حديثنا نلفت النظر إلي النقاط التالية:

1 _ أمّا بالنسبة لأسانيد أحاديث الإمامة.. فنقول: إنها متواترة في موارد عديدة منها.. عند السنة والشيعة معا، وصحيحة السند في موارد كثيرة أخري عند السنة والشيعة أيضا.. وحديث الغدير أيضا من الأحاديث المتواترة، كما لا يخفي علي من لاحظ كتاب الغدير للعلاّمة الأميني، وغيره من مؤلفات علماء هذا المذهب، وكذلك مؤلفات سائر المسلمين.

فلا معني للحديث حول هذا الموضوع، كما لا معني لاعتبار الإمامة من المتحول استنادا إلي ذلك، ولو جزئيا.

2 _ إن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم، قد أمره الله بتبليغ ما أنزله إليه في قوله تعالي: (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته) [15] .

فإذا كان قد تكلم بكلمات تستوجب الشك في أذهان الناس، فمعني ذلك: أنه لم يبلغ ما أمره الله بتبليغه.

فإمّا أنه تعمّد زرع الشكّ والشبهة في عقول الناس، أو أنه لم يحسن التبليغ، ولم يعرف الطريقة المناسبة التي يتحقق بها ذلك، وكلا الأمرين باطل لا يصح نسبته

إلي النبي (ص).

وفي كلا الحالين: كيف يصح أن ينزل الله سبحانه بعد إتمام الحجة في يوم الغدير الآية الشريفة التي تقول:

(اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا) [16] .

فهل يصح _ والعياذ بالله _ أن يقال: إن الله سبحانه لم يكن عالما بأن رسوله قد أوهم الناس وشكّكهم، ولم يبلغهم ذلك، ولم يمتثل أمره.. أم أن الله _ والعياذ بالله _ قد أراد أن يمتنّ علي الناس بأمر وهمي لا حقيقة له؟!..

3 _ إن فهم المسلمين للنص بطريقة معينة، هل يعني: أن القصة كانت مجرد فهم واجتهاد خاطيء – ولم يكن ثمة تعمد إلي إبعاده عليه الصلاة والسلام؟! _ وإذا كان ذلك نتيجة فهم خاطيء فالظاهر أنهم مأجورون علي هذا الخطأ في الاجتهاد..؟

4 _ إن هذا الفهم المعيّن للنص هل كان عامّا للمسلمين كلهم _ كما هو ظاهر عبارته _ وهل شمل هذا الفهم المعيّن سلمان، وأبا ذر، والهاشميين وغيرهم.. أم اقتصر علي فريق دون فريق..؟!

وماذا نصنع بقول القائل بعدما بايعوا عليا (ع) يوم الغدير:بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة؟!

5 _ وإذا كانت الإمامة لا بد فيها من ثبوت النص، ثم وضوحه، فهل يعني ذلك: أن تصبح الإمامة فاقدة لكلا هذين الشرطين، ويكون عدّها من المتحول قد وقع من أهله في محله؟! وذلك لأنها ليست من البديهيات عند بعض المسلمين، منذ وفاة الرسول (ص) علي حدّ زعم البعض، فهي إذن فكر بشري قابل للاجتهاد وليس إلهيّا علي حدّ تعبير ذلك البعض أيضا، كما تقدّم في مطلع هذا الفصل؟!

ولسنا ندري هل إن وجود شبهة في أمر بديهي لدي البعض

يجعل هذا البديهي من المتحول، ومجرد وجهة نظر؟ وبالتالي يجعله فكرا بشريا؟.. وهل إذا كانت هناك شبهة في مقابل البديهة تسقط البديهة عن بداهتها؟!

نعم قد دل الدليل علي أن من لم يقل بالإمامة _ مع بداهتها _ لشبهة طرأت عليه، لا لجحود وإنكار، يحكم بإسلامه.

الإمامة من المتحول لا من الثابث.

الإمامة تتحرك في النصوص الخاضعة للاجتهاد.

نصوص الإمامة ليست صريحة بحيث لا يحتمل الخلاف فيها.

نصوص الإمامة ليست بدرجة عدم إمكان الشك فيها.

مسألة الحسن والقبح العقليين من المتحول.

مسألة الحسن والقبح العقليين ليست موثوقة بدرجة لا شك فيها..

نصوص الحسن والقبح العقليين ليست موثوقة لا يحتمل الخلاف فيها.

ويقول البعض، وهو يتحدث عن الثابت، والمتحول:

".. في داخل الثقافة الإسلامية ثابت يمثل الحقيقة القطعية، مما ثبت بالمصادر الموثوقة، من حيث السند والدلالة، بحيث لا مجال للاجتهاد فيه، لأنه يكون من قبيل الاجتهاد في مقابل النص.

وهذا هو المتمثل ببديهيات العقيدة كالإيمان بالتوحيد، والنبوة، واليوم الآخر، ومسلمات الشريعة، كوجوب الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمة الخمر، والميسر، والزنا.. واللواط، والسرقة، والغيبة، والنميمة، وقتل النفس المحرمة ونحو ذلك..

هذا بالإضافة إلي الوضوح في الموقف السلبي أو الإيجابي من المفاهيم المتقابلة، من الظلم، والعدل، والكذب، والصدق، والخيانة، والأمانة، ونحو ذلك.

فلا مجال لتحريكها في مستوي رفض المبدأ، بل قد يثور الجدل فيها علي مستوي التفاصيل في المفردات الصغيرة المتناثرة في نطاق الظروف والطوارئ.

وهناك المتحول الذي يتحرك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها، ومدلولها للاجتهاد، مما لم يكن صريحا بالمستوي الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه، ولم يكن موثوقا بالدرجة التي لا يمكن الشك فيه.

وهذا الذي عاش المسلمون الجدل

فيه كالخلافة والإمامة والحسن، والقبح العقليين، والذي ثار الخلاف فيه بين العدلية وغيرهم.. الخ" [17] .

وقفة قصيرة

1 _ إنني أعتقد أن القارئ الكريم في غني عن التذكير بأن الإمامة هي من الثوابت القطعيّة التي لم يزل النبي (ص) يؤكدها قولاً وعملاً بالإشارة والتلميح، وبالكناية والتصريح، وبالقول والفعل.

والنصوص الدالة علي ذلك تعد بالمئات، بالإضافة إلي الكثير من الآيات القرآنية التي أوضحت هذا الأمر بجلاء تام..

وإذا لم يكن ذلك كله مما يوجب القطع واليقين، وهو عبارة عن تواترات عديدة، وصريحة فأي شيء بعد هذا يمكن أن يوجب ذلك؟!

2 _ إن مجرد حصول الشبهة في الأمر البديهي لا يخرجه عن دائرة البداهة، ولا يجعله نظرياً، اجتهادياً، لدخوله في دائرة المشكوك في سنده وفي دلالته.. حسبما ورد في مقولة هذا البعض..

3 _ ولو صح ذلك.. للزم اعتبار وجوب الصلاة، والصوم، وغير ذلك من العبادات، من المشكوك، فإنه يدخل في دائرة المتحول الاجتهادي المشكوك في سنده وفي دلالته، لوجود فِرَق يعتبرها نفس هذا الشخص فرقاً إسلامية _ كالدروز مثلاً _، لا تجد ضرورة لممارسة هذه الشعائر، ولا تعتبرها من الأحكام الثابتة والملزمة.

وقد كتب هذا البعض نفسه مقدمات لكتب صدرت عن اتباع تلك الفرق أيد فيها إسلاميتها، ومدحها بما تيسر له.. ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك..

وأعتقد أن إلقاء نظرة سريعة علي مقولات الفرق المعدودة في فرق المسلمين.. يثير العجب، والدهشة مما أثارته تلك الفرق والمذاهب من مقولات، وشبهات حول أبده البديهيات.. فهل تخرجها تلك الشبهات عن دائرة البداهة، وتجعلها من المتحول في عالم النصوص التي لا يقين بسندها، ولا بدلالتها؟!.

4 _ والأغرب من ذلك كله.. أنه جعل مسألة الحسن والقبح العقليين من

المتحول الذي يتحرك في عالم النصوص التي لم تكن صريحة بالمستوي الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه، ولا موثوقا بالدرجة الذي لا يمكن الشك فيه، مع أن المسألة عقلية كما هو صريح عنوانها.. فأين هذه المسألة من عالم النصوص المتيقنة أو المشكوكة.

عقائد الإمامية و شعائرهم

وهابية، أم ماذا؟

بداية

إننا نذكر في هذا الفصل بعض الشعائر والعقائد التي يناقش البعض في جدواها، أو في صحتها، أو يري فيها نوعا من التخلف، ويعتبرها من الموروث، الذي لا يتردّد في توجيه النقد القاسي واللاذع له، إلي درجة يمكن أن يقال: إنها تتجاوز حدّ التشهير المهين، ولا نريد أن نمعن في إفساح المجال هنا أمام الظنون في أن يكون الهدف هو استبعاد تلك الشعائر، أو إسقاط أو زعزعة ثبات تلك العقائد بهذا الأسلوب.. بل نريد هنا _ فقط _ عرض نم_اذج من تلك الأقاويل..

ويبقي للقارئ أن يختار متابعة سائر ما سجّله ذلك البعض في هذا السياق، ليصدر حكمه بعد ذلك علي تلك المقولات، وفق الضوابط والموازين المرضيّة والموثوقة، والمعتمدة والمقبولة، عقلا وشرعا وعرفا.

أمّا البحث المشبع حول تلك الأقاويل، فنتركه إلي فرصة أخري، لأن ذلك قد يثقل علي القارئ، الذي حصل منّا علي وعد مسبق بأن لا يتعرض هذا الكتاب إلي البحث والإستدلال، وإن كان يتوخي بعض التوضيح والتصحيح، كلما يتبلور لدينا شعور بضرورة المبادرة إلي إلفات نظر القارئ الكريم إلي ذلك، لسبب أو لآخر..

فإلي ما يلي من مطالب:

البركة لا تتجمد في المسجد ليتبرك الناس بأرضه وجدرانه.

المبارك ليس هو من يضع يده علي الرؤوس ليمنحهم بركته.

المبارك ليس هو الحامل للأسرار الخفية التي تدفع الناس للمس ثوبه أو جسده.

بداية توضيحية تغني عن الوقفة القصيرة:

ونقول: لقد كان النبي (ص) يتبرك

بعرق علي. وكان يبّرك علي الأطفال، ويحنكهم بريقه، ويستجيب لطلب البركة منه، فيضع يده في أواني الماء التي كانوا يأتون بها إليه بعد الصلاة.

وكانت أم سُليم تجمع عرقه (ص) في قارورة لأجل التبرك به.

وكان الصحابة يقتسمون شعره حين يحلق رأسه، بل هو كان يوزعه عليهم.

وكان المسلمون وما زالوا يقبِّلون الكعبة، والحجر الأسود، ويتبركون بمقامات الأئمة، وبمقام إبراهيم، وبماء زمزم، ولا يرون ذلك عملاً عبثياً أو غير عقلائي أو غير مشروع، هم يجلونها ويتبركون بها، بهذا التقبيل.

ولكن البعض يري أن البركة لا تتجمد في المسجد، مستندا إلي قوله تعالي: (باركنا حوله) مع أن التبرك بالكعبة، وبالحجر الأسود، وبرسول الله علي النحو الذي ذكرناه قد كان موجودا وشائعا، وقد قَبّلَ النبي (ص) نفسه الحجر الأسود، كما هو معلوم وغير ذلك [18] .

فلنقرأ ما يقوله البعض بهذا الصدد لنجد إن كان يتوافق مع هذه الحقيقة الإسلامية والإيمانية، إنه يقول:

".. (الذي باركنا حوله) فيما كانت البركة تمثله من امتداد وحركة علي كل الساحات المحيطة به.. لأن البركة ليست مجرد حالة غيبية روحية تثير المشاعر القدسية في أجواء ضبابية حالمة، بل هي _ إلي جانب ذلك _ قوة حركية روحية تندفع بالكلمة الطيبة التي تملكها، و بالطاقة الحية التي تحركها، وبالأفق الرحب، الذي تفتحه وبالشعور الحميم الذي تثيره وبالخطوات الثابتة التي تقودها.. لتكون _ في جميع ذلك _ مشروع حياة نافعة مليئة بكل ما يحقق للإنسان سعادته وللكون نظامه.."

ومن خلال ذلك فإننا نفهم معني الشخص المبارك، فهو ليس الإنسان الحامل للأسرار الخفية التي تدفع الناس أن يلمسوا ثيابه وجسده، ليأخذوا منه البركة أو يطلبوا منه أن يضع يده علي رؤوسهم ليمنحهم بذلك بركته،

بل هو الإنسان الذي يعيش الطاقة الروحية التي تحرك فيه كل طاقاته ليوجهها إلي الناس والحياة من حوله لتنطلق خيرا ورحمة ومحبة وسلاما في نفع شامل غير محدود كما ورد تفسير قوله تعالي في حديث عيسي ع_ن نفسه (وجعلني مباركا) فقد جاء في التفسير أن معناه: وجعلني نفاعاً للناس فيما توحي به البركة من امتداد للطاقة في حياة الناس.

وهكذا نفهم معني الأرض المباركة فيما تعطيه من خيرات علي مستوي الثمرات المادية، مما تنتجه أو علي مستوي الثمرات الروحية، مما توحيه وتتحرك به علي خط الرسالات و الرسل فيما تحتويه منها ومنهم في كل زمان وبذلك نفهم سر التعبير في قوله (باركنا حوله) بدلا من (باركناه) فقد يكون السر في ذلك هو الإيحاء بأن البركة لا تتجمد في المسجد لتبقي فيه ليأتي الناس إليه ليحصلوا علي البركة من أرضه وجدرانه. بل تنطلق منه في ما تمثله رسالته من روحية للذات ومن منهج للحياة في انفتاح الإنسان علي الله من خلال وحي رسالاته التي تثير فيه المسئولية النابضة بالروح و المتحركة مع الواقع: لتمتد إلي كل مكان فتتحول البركة من نبع يتحرك في داخل الأرض إلي نهر جار ينساب في كل عقل وفي كل روح، ويصل إلي كل ارض للإنسان فيها وجود ليملأها بالخير والمحبة والحياة.. ومن الطبيعي لهذه البركة المحيطة بالمسجد فيما حوله أن تكون منطلقة منه مما يعني ذلك أن التعبير يختزن في داخله معني البركة في المسجد فيما يوحيه من معني البركة فيما حوله والله العالم [19] .

تقاليد العوام في زيارة القبور قد تتّخذ منحي خطيراً في خط الإنحراف.

لا يكفي في استقامة العقيدة عدم الدليل علي المنع من بعض الأعمال.

الخلط

بين مظاهر احترام الخالق والخلق ممنوع.. ولو لم يكن كفراً أو شركاً.

ما يدعي به الله لا يدعي به غيره.

يعقوب سجد ليوسف تحيّة وتعظيماً.

سجود يعقوب ليوسف لأن ذلك كان هو التقليد الشائع في احترام السلطان.

يقول البعض:

"إن التقاليد المتّبعة لدي العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء وفي زيارة قبورهم قد تتّخذ إتجاهاً خطيراً في خط الإنحراف في التصور والممارسات، وذلك من خلال الجانب الشعوري الذي يترك تأثيره علي الإنفعالات الذاتية في الحالات المتنوعة التي قد تدفع إلي المزيد من الممارسات المنحرفة في غياب الضوابط الفكرية التربوية، في ما ينطلق به التوجيه الإسلامي للحدود التي يجب الوقوف عندها من خلال طبيعة الحقائق الواقعية للعقيدة، لأنه لا يكفي، في استقامة العقيدة، أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معيّن، أو من كلماتٍ خاصةٍ، أو من طقوس متنوعة، بل لا بد من الإنفتاح علي العناصر القرآنية للفكرة العقيدية، والأجواء المحيطة بها، والروحية المميزة المتحركة في طبيعتها، حتي لا تختلط مظاهر الاحترام بين ما يقدّم للخالق وما يقدّم للمخلوق، بقطع النظر عما إذا كان ذلك شركاً أو كفراً، أو لم يكن. ولا سيما إذا عرفنا أن الشعوب قد يقلّد بعضها بعضاً في الكثير من الطقوس والعادات في مظاهر الاحترام والتعظيم، مما قد يؤدي إلي التأثر الشعبي ببعض التقاليد الموجودة لدي بعض الشعوب غير الإسلامية التي قد تشتمل علي العناصر الفكرية أو الروحية البعيدة عن فكر الإسلام وروحه.

إن هناك نوعاً من التوازن في الحدود النفسية للإرتباط الروحي بالأشخاص، من حيث الشكل أو المضمون، لا بد للمسلم من مراعاته من أجل الإحتفاظ بالأصالة الفكرية التوحيدية في خط الإنفتاح علي الله بما لا يدعو به إلي

غيره، لإبقاء الصفاء العقيدي في العمق الشعوري الروحي للإنسان المسلم، لأن ذلك هو السبيل الأمثل للاستقامة علي الخط المستقيم، لأننا لا نريد أن نصل في استغراقنا العاطفي إلي لون من ألوان عبادة الشخصية في ما تتحرك به مشاعر العاطفة بعيداً عن رقابة العقل، الأمر الذي يدفعنا إلي أن نتحمل مسؤولياتنا في الساحة الفكرية، لنراقب طبيعة الأساليب الشعبية في ذلك كله؛ لنبقي من خلال المراقبة الدقيقة في مواقع التوازن الفكري والروحي في خط العقيدة" [20] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن التقاليد المتبعة لدي العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء تتمثل في تقبيل ضريح النبي أو الإمام، ووضع الخد عليه، ومسحه باليد أو بالثوب، والدعاء عنده وطلب شفاء مريض، أو قضاء حاجة، والصلاة إلي الله قرب ذلك الضريح، وقراءة القرآن والأدعية المأثورة، والبكاء إلي الله والطلب والإبتهال إليه بأن يغفر ذنوبهم ويرحمهم، وقد يقام مجلس عزاء يذكر فيه ما جري علي أهل بيت النبوة (ع) في سبيل هذا الدين..

وقد يحدث أن يؤتي بالمريض ليكون إلي جانب ضريح الإمام(ع) ويتعلّق بالضريح أو يعلّقه أهله به، في عملية إلحاح شديد علي الإمام ليكون واسطتهم إلي الله سبحانه ليشفي هذا المريض.

وهو يقصد ذلك كله _ فيما يظهر _ وذلك لقوله:

"لا يكفي في استقامة العقيدة أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معين أو كلمات خاصة أو من طقوس متنوعة ".

وقد اعترف هذا البعض نفسه بأن المسلمين يمارسون التوسل بالأنبياء والأولياء:

"من موقع التوجه إلي الله بأن يجعلهم الشفعاء لهم وأن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء فيما جعله لهم من حق، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله" [21] .

واعترف أيضاً بأنه:

"إذا كان

الله قادراً علي أن يحقّق ذلك من خلالهم في حياتهم فهو القادر علي أن يحقّق ذلك بعد مماتهم باسمهم، لأن القدرة في الحالين واحدة" [22] .

ويقول:

"إن الذهنية العقيدية لدي المسلمين لا تحمل أي لون من ألوان الشرك بالمعني العبادي" [23] .

فما يعني أن يدّعي هذا البعض هنا:

"أن التقاليد المتّبعة لدي العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء، وفي زيارة قبورهم، قد تتّخذ اتجاهاً خطيراً في خط الانحراف في التصور والممارسات".

2 _ وقد يتذرع هذا البعض بأن هناك قلة جداً قد لا يصلون إلي الواحد بالألوف الكثيرة حينما يصلون إلي مقام النبي أو الإمام فإنهم يسجدون علي الأعتاب.. وهذا سجود لغير الله سبحانه، وهو اتجاه خطير في التصور والممارسات.

ونقول له:

أولاً: إن كلامه لم يشر إلي هذه الحالة النادرة بل جاء ليتحدث عن تلك الأمور المتعارفة والشائعة التي أصبحت تقاليد متّبعة لدي العوام من المسلمين، علي حدّ تعبيره. والشيء الذي لا يحصل إلا نادراً، ومن قبل قلة من الناس، لا يقال له: تقاليد متّبعة.

ثانياً: إن هؤلاء الذين يسجدون علي الأعتاب إنما يسجدون لله شكراً له علي ما وفقهم إليه من زيارة قبر وليه، ولا يسجدون لا للنبي ولا للولي، فما هو المحذور في ذلك؟

ثالثاً: إن هذا البعض نفسه يقرّ بأن الملائكة قد سجدوا لآدم وهم العباد المكرمون. واللافت أن هذا الأمر جاء امتثالاً لأمر مباشر صادر من الله سبحانه ولم يكن بمبادرة منهم. واعتبر ذلك تحية وإكراماً له.. فلماذا لا يجد في هذا السجود أيضاً معني التحية والإكرام. بل إن هذا البعض قد أقرّ بأن يعقوب وهو نبي مرسل _ وزوجته وأولاده قد سجدوا ليوسف، وقد رضي يوسف

وهو نبي، بسجود إخوته وحتي بسجود أبويه له، رغم أنه مأمور بإكرامهما وبإعزازهما والبرّ بهما.

ويزيد الأمر حساسية أن هذا الأب الذي سجد لولده لم يزل يعيش ويعاني من الآلام والأحزان حتي ابيضت عيناه من الحزن علي نفس هذا الولد، الذي وجده بعد أن فقده.. وإذا به يجد أن هذا الولد النبي ليس فقط لا يعترض علي سجود إخوته له، بل هو لا يعترض حتي علي سجوده هو له أيضاً.

ومن الواضح أن الأنبياء لا يقومون بأي عمل خصوصاً إذا كان من هذا القبيل إلا إذا عرفوا رضا الله سبحانه وتعالي به.

علماً بأن بعض العلماء يقولون: إن السجود عبادة بذاته.

نعم وقد أقر هذا البعض واعترف بأن السجود في قصة يعقوب ويوسف كان ليوسف مباشرة. وقد برّر ذلك بأنه من:

"التقليد المتّبع في احترام صاحب العرش الذي يملك السلطة..".

فليكن إذن هذا السجود لله علي عتبة المقام سجوداً له، وقد أصبح تقليداً متبعاً.

فهو يقول:

"ربما نلاحظ أن الصورة الشكلية، في ما تعارف عليه الناس م_ن ط_ق_وس ف_ي مظاهر الع_ب_ادة، لا ت_م_ثل _ بمجرّده_ا _ معني العبادة، بل لا بد من أن ينضم إليها الإستغراق في الذات التي يوجّه إليها الفعل المعيّ_ن، في ما يشبه حالة الذوبان الذي يفقد الإنسان معه الإحساس بإرادته أمامها، أو في الالتفات إلي وجوده معها. ولذلك لا بد من وجود حالةٍ نفسية في مستوي الانسحاق في انطباق مفهوم العبادة عليه. وهذا ما نستوحيه في مسألة أمر الله للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم (ع)، باعتبار ما يمثله ذلك من معني الاحترام الناشيء من الإيحاء بعظمة خلقه _ كما هو أحد الاحتمالات في ذلك _ فإن من الطبيعي أن الله لم يأمر

بذلك بمعني العبادة لآدم (ع) حتي علي مستوي المظهر؛ لأن الله لا يرضي بعبادة غيره وإن كان من أقرب خلقه إليه. ولذلك، لم يكن ردّ فعل إبليس علي المسألة اعتراضاً علي منافاة ذلك للإخلاص لله وللإيمان بوحدانيته، بل اعتراضاً علي أن يكون عنصر التراب أفضل من عنصر النار، بحيث لا يتناسب ذلك مع سجود المخلوق من النار، التي هي أقوي من التراب، للمخلوق من التراب، لأن السجود يمثل التعبير عن التعظيم، باعتبار أنه صاحب القيمة الفضلي والمستوي الأرفع.

وهكذا، فإننا لم نجد من الملائكة استغراباً للأمر، في ما يمكن أن يحمله، حسب هذا الفرض، من المنافاة للتوحيد في العبادة.

وهذا ما نستوحيه من سجود يعقوب (عليه السلام) وزوجته وأولاده ليوسف (عليه السلام)، وذلك قوله تعالي: (ورفع أبويه علي العرش وخرُّوا له سُجداً) (يوسف:100) فإن الظاهر أن المراد منها هو سجود أبويه وإخوته له، لأنه قال _ بعد ذلك _: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) (يوسف: 100) وكان، في ما قصّه علي أبيه من رؤياه في بداية القصة، ما ذكره الله سبحانه: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيتُ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) (يوسف: 4)، فهل يمكن أن يكون في سجود يعقوب (ع) وزوجته وأولاده لون من ألوان العبادة ليوسف عليه السلام الذي يعيش العبودية لله في أعلي مواقعها، كما عاشها أبوه عليه السلام في هذا المستوي؟

إن المسألة هي _ في ما يبدو _ مسألة التقليد المتّبع في احترام صاحب العرش، الذي يملك السلطة، في السجود له، تعبيراً عن الشعور بعظمته وعن التقدير لمقامه الرفيع.

وفي ضوء ذلك، لا بدّ من التدقيق في طبيعة

الأشكال المتعارفة لدي الناس، التي تلتقي _ بشكل أو بآخر _ بالشكليات الطقوسية للعبادة، ودراسة خلفياتها الفكرية والروحية في شخصية م_ن يمارسها، ومعرفة التقاليد الاجتماعية في مسألة الاحترام والتقدير، في ما تعتاده المجتمعات من طرق تعبير مختلفة، لنميّز بين ما يسيء إلي التوحيد في العبادة، عندما تكون الخلفيات مرتبطة بالإستغراق بالشخص أو الجهة، بحيث يفقد الإنسان الإحساس بوجوده معه، أو بحضور الله في علوّ موقعه في المعني الإلهي التوحيدي فيه، وبين ما يسيء إلي التوحيد، لأنه ينطلق من حالة عُرفية تقليدية في ما هو الإحترام والحب والتعظيم، لكنها لا تغفل عن الإحساس بعظمة الله في مقام وحدانيته، في ما تمارسه من أعمالٍ وأقوال" [24] .

إنتهي كلام هذا البعض.

وقفة قصيرة

واللافت للنظر هنا:

أن عدداً من الروايات عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تصرّح بأن سجود يعقوب(ع) إنما كان إعظاماً وشكراً لله سبحانه [25] .

وفي نص آخر: عبادة لله [26] .

وفي نص رابع: "إنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف، كما كان السجود من الملائكة لآدم، ولم يكن لآدم، وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله لاجتماع شملهم" [27] .

وبعدما تقدم نقول:

إن هذا البعض لم يلتفت إلي هذه الروايات، بل تجاهلها وحكم بأنهم إنما سجدوا ليوسف (ع) استجابة إلي تقاليد كانت شائعة عند الناس آنئذٍ.. رغم أن الروايات تؤكد أن السجود إنما هو لله سبحانه عبادة أو شكراً له، أو إعظاماً، أو طاعة لله، وتحية لآدم..

بل إن الرواية الأخيرة قد صرّحت بأن يوسف (عليه السلام) قد سجد معهم أيضاً..

فهل السجود علي أعتاب مقامات الأنبياء والأئمة والأولياء إعظاماً أو شكراً،

أو عبادة أو طاعة لله، أو حتي تحية للنبي أو الولي، بعد أن فعلته الملائكة والأنبياء قد يتّخذ اتجاهاً خطيراً في التصور والممارسات؟!

3 _ ما معني قوله:

"لا يكفي في استقامة العقيدة أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معين، أو من كلمات خاصة أو من طقوس متنوعةٍ، بل لا بد من الإنفتاح علي العناصر القرآنية الفكرية العقيدية ".

ألف: فمن الذي قال لهذا البعض:

"إنه لا يكفي عدم وجود دليل مانع من عمل معين".

وما هو دليله علي هذه المقولة، فإنها محض ادعاء يحتاج إلي دليل يوجب اليقين، ولا يكفي مطلق الحجة، كما قرره هذا البعض.

ب: إن الدليل علي تلك الطقوس التي تزعج هذا البعض موجود، وهو مفيد لليقين.. فإن الدعاء والصلاة والإستشفاع، وقراءة القرآن، والبكاء إلي الله وطلب غفران الذنوب، وإقامة مجالس العزاء، والتبرّك بآثار الأنبياء والأولياء وزيارة قبورهم وتعظيمهم، كل ذلك قد دلّت الأدلة القطعية والمفيدة لليقين عليه.. بل وفوق اليقين.

وكذا السجود لله تعظيماً وشكراً، وعبادة له سبحانه في مقاماتهم..

بل وحتي لو كان السجود لهم تحيةً وتعظيماً وإكراماً فإن هذا البعض نفسه قد اعترف بأنه قد صدر مثله أيضاً عن الأنبياء والملائكة في السجود لآدم وليوسف (عليهما السلام).

فما بالك بما عدا السجود من طقوس ذكرناها أو ذكرنا القسم الأعظم والأهم منها مما يزعج هذا البعض ويثير حفيظته ويجهد للتشكيك بمشروعيته وتزيين عدم فعله للناس بمثل هذه الأساليب.

4 _ ولا ندري ما المانع من أن "تختلط مظاهر الاحترام بين ما يقدّم للخالق، وما يقدّم للمخلوق". فإنه هو نفسه قد قرّر: أن نبي الله يعقوب(ع) قد سجد لنبي الله يوسف(ع). وكان يسجد أيضاً لله سبحانه.. فإذا جاز

هذا الاختلاط في السجود الذي هو أجلي مظاهر التعبد، فإن الأمر يصبح بالنسبة لغيره من مظاهر الاحترام أيسر وأسهل. ما دام أنها لا ترقي في عباديتها لمستوي السجود.

ولا ندري أيضاً، ما المانع من أن يخاطب الله ويدعوه به بما يخاطب و يدعو به غيره.

فهل إذا قال: (يا رب أعطني ويا رب اغفر لي ذنبي واقبل توبتي والخ..)

وإذا قال لإنسان ما: أيها الإنسان الغني أعطني وحين يرتكب جرماً في حق أحد من الناس، فإنه يقول لذلك المجني عليه أو للقاضي اغفر ذنبي واقبل توبتي.

فهل يضرّ تشابه القولين بالصفاء العقيدي وفي العمق الشعوري للمسلم.

ويتأكد هذا الأمر حين يتضح: أن المسلمين يلتزمون خط التوحيد وأن ذهنيتهم لا تحمل أي لون من ألوان الشرك.

5 _ وأما بالنسبة لتقليد الشعوب بعضها بعضاً، فإن الله سبحانه حين رضي من نبيه يعقوب(ع) أن يمارس السجود ليوسف(ع) كان يعرف أن الشعوب قد يقلّد بعضها بعضاً في الكثير من الطقوس والعادات.

6 _ إن تقليد الشعوب لبعضها البعض.. واحتمال أن يؤدي ذلك إلي التأثر ببعض التقاليد غير الإسلامية لا يوجب تحريم الحلال، وإلا لزم أن يحكم هذا البعض حتي بتحريم ممارسة الصلاة إذا كان البعض قد يسيء فهمها، ويفسرها تفسيراً خاطئاً يجعله بعيداً عن خط الإيمان، ويثير فيه حالة العناد والعداء للدين وأهله.

7 _ وأما التوازن الذي يدعي البعض:

"أنه لا بد للمسلم من مراعاته من أجل الإحتفاظ بالأصالة الفكرية التوحيدية.."

فإن الله سبحانه حين أمر الملائكة بالسجود لآدم ورضي بسجود يعقوب ليوسف عليهما السلام، كان يعرف هذا التوازن، ورأي أن السجود ليوسف(ع)، وأن التبرك بآثار الأنبياء والأولياء، والإستشفاع بهم وزيارة قبورهم ووضع الخد علي القبر، وإقامة

مجالس العزاء وطلب الحاجات من الله سبحانه بحق صاحب القبر، بل وطلبها من النبي والولي نفسه ليكونوا وسيلته إلي الله _ مع علمه بأنهم أحياء يرزقون يرون مقامه، ويسمعون كلامه ويردّون سلامه وغير ذلك _ إن ذلك كله يسير في خط التوازن، وهو الذي يرسّخ الأصالة التوحيدية ويحفظها ويرعاها.

لا فائدة من مسك حديد قبر النبي (ص).

الدعوة إلي تغيير الزيارات المرسومة.

ومع أن النبي (ص) كان إذا قصّ شعره، وزّع ذلك الشعر علي أصحابه، وكان (ص) يؤتي بالأواني وفيها الماء ليضع يده الشريفة فيها كي يتبركوا بها، وكان عرقه يؤخذ ويجعل في القوارير، وكانت فاطمة تتبرّك بتراب قبر حمزة عليه السلام، فجعلت منه مسبحة لها.. إضافة إلي أن الصحابة كانوا يأخذون تراب قبر النبي (ص) للبركة إلي غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه، وقد جمع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الأحمدي كتابا ضخما أسماه: التبرك (تبرك الصحابة والتابعين بآثار الأنبياء والصالحين)، أورد فيه مئات النصوص الدالّة علي ذلك..

نعم.. مع ذلك نجد البعض يتحدث عن فائدة التبرك بقبر النبي الأعظم(ص) فيقول:

"ما الفائدة التي نستفيدها من أن نمسك الشباك، أو نمسك الحديد.. فكما قلنا هذا ليس حراما، كما يقول الآخرون، وليس ضروريا، فيمكن ترك ذلك" [28] .

ويقول:

"ليس من الضروري أن يذهب إلي قرب الضريح ولا يعني إن مسك الضريح، أنه يمسك جسد النبي، يكفي الزيارة من المسجد، وأن يتصور الإنسان حياته.

وبهذا يمكن أن يحصل علي ثواب الزيارة، مع الإبتعاد عن القبر، وعن الزحام، وربما تكون الزيارة أكثر ثوابا وأجرا" [29] .

ثم هو يدعو إلي تغيير الزيارات المرسومة، فيقول:

"قد ينبغي لنا أن نفكّر بالعمل علي تجديد الزيارات المرسومة للنبي

محمد(ص)، أو للأئمة من أهل البيت (ع) باعتبار حاجة المرحلة المعاصرة إلي تربية الأمة علي المفاهيم الإسلامية التي تفرضها حاجة الحركة الإسلامية العالمية" [30] .

ونقول:

لو سلمنا الحاجة إلي تربية الأمة علي المفاهيم التي تفرضها الحاجة في هذه المرحلة، فما الداعي إلي إلغاء الزيارات المرسومة التي تمثل ثوابت المذهب وتتحدث عنها..

التعبد لقبر النبي والولي وتمثال المسيح(ع).

صنمية لا شعورية للشخصيات المقدسة.

تعليق صورة علي (ع) صنمية.

قدّمنا للناس أشكالا اعتبرناها طقوسا ومقدسات.

لا يخطر في بال أحد “الرحلة” في أجواء صاحب القبر.

تجميد الشخصية المقدسة في القبر أو التمثال.

ويقول:

"الإنسان وهو يحدق بالصورة قد ينسي حتي الإيحاءات التي يراد للصورة أن تنقلها، أو حتي أنه ينسي كل القيم التي يعبر عنها صاحب الصورة، أو كما هي الحال في تماثيل تمثيل السيد المسيح(ع)، أو زيارة قبور الأنبياء والأولياء فيما هي التجربة مشتركة بين الإسلام والمسيحية".

"فإنك حين ترصد وعي هؤلاء الناس للصورة، للتمثال، فإنك لا تجد في الغالب أن هناك وعيا للآفاق التي يمثلها صاحب الصورة أو التمثال، فنجد أن الناس تتجه إلي القبر (قبر النبي أو الولي) لتقبل الضريح، لتتمسّك به لتخاطب صاحب القبر بطريقة مادية لتتصوره وجودا ماديا تخاطبه، من دون أن يخطر في بال أحد البدء برحلة في أجواء صاحب التمثال أو صاحب القبر.

إن هذا يمثل نوعا من تجميد الشخصية المقدسة أو الشخصية المعظمة في هذا التمثال أو في القبر بحيث يتعبد الناس لا شعوريا للتمثال، فحين يجلسون أمام تمثال السيدة مريم (ع) أو تمثال السيد المسيح (ع) أو حين يجلسون أمام قبر نبي أو ولي أو إمام، فإننا نجد العنصر المادي هو الطاغي، تماما كما لو أنهم يتعبدون.

لذلك أنا أتصوّر أن هناك نوعا من الصنمية اللاشعورية الموجودة لدي المؤمنين من مسلمين ومسيحيين للشخصيات التي يقدسونها من خلال هذه الأشكال التي قدمناها إليهم، واعتبرناها طقوسا ومقدسات، بحيث ينتقل الإنسان عن القيمة الدينية أمام الصورة المادية.

وحتي مسألة تعليق الإنسان في صدره أيقونة، حتي أن بعضهم يعلق صورة السيد المسيح، أو العذراء، ونجد عندنا من يعلق صورة الإمام علي، أو صورة الإمام الخميني، أو صورة بعض الشخصيات" [31] .

إنه يقول هذا، مع أننا _ نحن شيعة أهل البيت _ لم نزل طيلة مئات السنين نزور قبر النبي (ص)، والأئمّة (ع)، وقبور الأولياء والعلماء والصلحاء.. كما أن معظم المسلمين يزورون قبر النبي (ص) والأولياء عندهم، ولم يصبح أحد عابدا لأحد منهم، ولا أحسسنا بهذه المعاني التي نسبها إلي من يزور قبور النبي (ص) والأئمة عليهم السلام.

أضف إلي ذلك: أنه لا يصح قياس المسلمين بالمسيحيين، فإن المسيحيين يعيشون حالة العبادة الشعورية.. أما المسلمون، فلا يعيشون حالة الصنمية أصلا، بل هم يمتثلون أمر الله سبحانه، وما شرعه من علاقة عاطفية تجاه أنبيائه وأوليائه وأصفيائه، وخيرته من خلقه.

واللافت للنظر جداً أن هذا البعض لا يأبي عن اتخاذ عشرات، بل مئات الوضعيات لتلتقط له آلآف الصور الملونة، وتنشر في أرجاء المعمورة؛ ليعلقها الناس علي جدران بيوتهم، وفي أماكن عملهم وسياراتهم، بل وفي علاقات مفاتيحهم وفي.. وفي.. ولم نسمع منه يوماً نهياً لأتباعه هؤلاء عن مثل هذا، ولا حذرهم من أن يغرقوا في مادة الصورة ليغيبوا عن القيمة الدينية التي يطلبون!!.

حسينيات

اشاره

وفيما يلي من صفحات لمحة من كلام البعض حول شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) وما يرتبط به من الشعائر والعبادات:

الإلتفات إلي الجانب الإنساني دون الرسالي

في قضية الحسين (ع) تخلّف.

تمثيل عاشوراء صنمية.

سُئِلَ البعض عن الإجتماعات وتمثيل واقعة عاشوراء، فكان له جواب مميز(!!) وذلك كما يلي:

"س:.. الإجتماعات والتماثيل؟!

ج: هذه صنمية. نحن الآن ليس عندنا شغل بالإمام الحسين (ع) بصفته الشخصية، كما أنه هناك جماعة يؤلّهون الإمام علي (ع)، هل نحن يعني نقبل منهم؟. نلعنهم.."

إلي أن قال:

"نحن نخاطب الحسين من خلال دوره الرسالي، و من خلال ممارسته الشخصية للخط الرسالي الذي يدعو إليه، فإذن لا يمكن لنا أن نغير صورة الحسين (ع) ونجعله مجرد شخص لا يوحي لنا إلا بالبكاء، ولا يوحي لنا إلا باللطم. لا، إنما يوحي لنا بالحركة في سبيل الإسلام، وبالحركة في سبيل تغيير أنفسنا، الواقع قضية الحسين هو هذا.. وهذا الموجود عندنا من الإستغراق في قضية الحسين (ع) بعيدا عن الجانب الرسالي، إنما هو تخلف. هذا ناشئ من انه أخذنا يعني الكثير من خصائص التخلف وغرقنا فيها، ولا زلنا غارقين فيها" [32] .

ثمّ يذكر أن عنصر المأساة يجب أن يبقي. فنبكي علي الحسين حتي تبقي قضية الحسين خالدة.

فيلاحظ: أنه يعتبر تمثيل قضية عاشوراء صنمية مع أنه كان قد دعا إلي تمثيل عاشوراء في مسرحية وقد أعلن ذلك في مقابلة أجرتها معه جريدة السفير في عشرة محرم سنة 1417ه_ [33] .

وهو يعتبر أن الالتفات إلي الجانب الإنساني من قضية الإمام الحسين (ع) مع غض النظر عن الجانب الرسالي منها تخلف ثم هو يركز علي الجانب الرسالي، بعيداً عن صفته الشخصية، وتجد الكثير من تصريحاته المشيرة إلي ذلك، فلنقرأ معا النص التالي أيضا..

ذاتيات الحسين (ع) في زيارة وارث.

التوجه إلي الله مباشرة، لا إلي الحسين (ع).

وفي شرح زيارة الإمام

الحسين عليه السلام، أعني (زيارة وارث).

نجده يقول:

إنه لم يحدثنا عن أية ذاتية من ذاتيات الحسين (ع) وذاتية الحسين تمثل الكمال، ولكنه حدثنا عن عبودية الحسين لله سبحانه تعالي، لذلك فإن الله يريدنا ألا نتوجه إلي الناس مباشرة بل أن نتوجه إلي الله مباشرة [34] .

1ً _ إن هذا البعض يقول هذا مع أن الزيارة تشير إلي بعض ذاتيات الإمام عليه السلام أيضا، فقد جاء فيها: أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها [35] .

أليس هذا حديثا عن ذاتيات الحسين عليه السلام؟!..

2ً _ ألا يريد الله منا: أن نستشفع إليه بأنبيائه، وأوليائه.. فما معني نفي التوجه إلي الناس مباشرة؟!..

زيارة الناحية المقدسة للامام الحسين (ع) موضوعة.

ذيل زيارة عاشوراء موضوع أيضاً.

ويقول البعض في سؤال وجواب جاء علي النحو التالي:

س: في الزيارة المعروفة (وخرجن ناشرات الشعور لاطمات الخدود) فكيف يمكن لبنات الرسالة أن يخرجن ناشرات الشعور؟

"ج: أولا: إن هذا المقطع هو من (زيارة الناحية) وهي زيارة موضوعة من قبل بعض العلماء لم يثبت – لدينا – صدورها عن الإمام الحجة (ع) فلم يثبت سندها عنه، ولذلك فهي زيارة مفجعة تثير الشعور، ولكنها لا تمثل كلام الإمام خصوصا وأن مسألة خروجهن ناشرات الشعور شيء لا يمكن تصديقه في هذه القصة، وإنما ذكرت إثارة للجو بلسان الحال، أي أنهن لولا وج_ود ال_رج_ال الأجانب لنشرن شعورهن." [36] .

وقد حكم أيضا علي ذيل زيارة عاشوراء بأنه غير ثابت، فقد سئل عن الأدعية والزيارات التي ثبتت مصادرها عن الأئمة الأطهار (ع) فقال في الجواب:

"هناك زيارة وارث وزيارة أمين الله وهكذا زيارة

عاشوراء بدون ذيلها... الذي قد يري العلماء أنه من الزيادات الخ.."

ونقول:

إن المبادرة إلي الحكم القاطع علي زيارة الناحية بأنها موضوعة من قبل بعض العلماء، في غير محله. وذلك للأسباب التالية:

1ً _ إن هذا البعض تارة يقول هي موضوعة، ثم يلحق ذلك مباشرة بقوله:

(لم يثبت لدينا صدورها عن الإمام الحجة).

ومن المعلوم أن عدم ثبوت ذلك عنده لا يبرر الحكم القاطع عليها بأنها موضوعة من قبل بعض العلماء..

2ً _ إن الفقرة التي هي مورد السؤال قد وردت في الزيارة المنقولة عن الشريف المرتضي رحمه الله [37] ، وهي التي قال المجلسي عنها:

)والظاهر أن الزيارة من مؤلفات السيد والمفيد رحمهما الله. ولعله وصل إليهما خبر في كيفية الصلاة، فان الاختراع فيها غير جائز) [38] .

وقال أيضا:

الظاهر أنه من تأليف السيد المرتضي رضي الله عنه، قال في مصباح الزائر زيارة بألفاظ شافية، يذكر فيها بعض مصائب يوم الطف يزار بها الحسين صلوات الله عليه، زار بها المرتضي علم الهدي رضوان الله عليه، وسأذكرها علي الوصف الذي أشار هو إليه [39] .

ولكن عاد المجلسي رحمه الله، وذكر نصا آخر للزيارة يختلف عن النص الذي أورده السيد المرتضي، وقد ذكرت الفقرة السابقة فيها أيضا.. ولكنه استظهر منها أنها زيارة مروية وليست من تأليف أحد.. ثم احتمل أن يكون المرتضي قد أخذ هذه الرواية ثم زاد عليها ما شفي غليل صدره، وأبان فيه عن مكنون سره.. واحتمل أيضا أن تكون رواية أخري له خاصة به..

وإليك نص عبارة المجلسي رحمه الله:

".. أقول: قال مؤلف (المزار الكبير) زيارة أخري في يوم عاشوراء مما خرج من الناحية إلي أحد الأبواب، قال: تقف عليه

وتقول:السلام علي آدم صفوة الله وخليفته، وساق الزيارة إلي آخرها مثل ما مر" [40] .

فظهر أن هذه الزيارة منقولة مروية، ويحتمل أن لا تكون مختصة بيوم عاشوراء، كما فعله السيد المرتضي.

وأما الاختلاف الواقع بين تلك الزيارة وبين ما نسب إلي السيد المرتضي، فلعله مبني علي اختلاف الروايات.

والأظهر أن السيد أخذ هذه الزيارة، وأضاف إليها من قبل نفسه ما أضاف [41] .

3ً _ وأما بالنسبة لاستبعاد أن تكون النساء قد خرجن من الخدور ناشرات الشعور، كما ورد في زيارة الناحية والتشكيك في الزيارة استنادا إلي ذلك، فلا يصلح أساسا للتشكيك، وذلك لأن ظروف الحروب الضارية ربما توجد حالة من الذعر والإندهاش، تؤدي بالنساء أن يخرجن علي حالة لا يخرجن عليها في الظروف العادية. والنساء اللواتي حضرن كربلاء من مختلف القبائل العربية، وقد يكون فيهن نساء يسرع إليهن الخوف، ونساء أكثر صلابةً وثباتا، فلم يكن كل من حضر من النساء في كربلاء في مستوي زينب عليها السلام من حيث المعرفة والصلابة والثبات.

وبعد كل ما تقدم فإننا لا نستطيع قبول هذا الحكم القاطع من ذلك البعض علي هذه الزيارة بالوضع. ونظير هذا كلامه علي (ذيل) زيارة عاشوراء بعد ثبوته عن الأئمة عليهم السلام من دون مبرر ظاهر. وكيف يثبت لديه أول الزيارة ولم يثبت لديه ذيلها مع أن الذي أثبتها هو سند واحد ثبت به فقرات هذه الزيارة جميعا!!.

من الأساليب الشائعة في قراءة العزاء: أن الحسين(ع) فدي بنفسه ذنوب شيعته.

ذنوب الشيعة مغفورة بشكل مباشر كما في التفكير المسيحي.

ذنوب الشيعة مغفورة بشفاعة الحسين من خلال استشهاده.

الشفاعة من خلال الشهادة أسلوب بعيد عن التفكير الإسلامي.

يقول البعض:

".. ثم ما معني

أن يتحمل شخص العذاب والآلام ليفدي بذلك خطايا البشرية القليلة والكثيرة إذ لا نعقل معني لاستيفاء الحق بذلك.. فان الفكرة الطبيعية المعقولة هي أن يتحمل الإنسان مسئولية خطأه فيجني ثمارها بنفسه وهذا هو ما ركزه القرآن في قوله تعالي (ولا تزر وازرة وزر أخري) (الأنعام 164).

وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلي أن مثل هذه الفكرة _ وهي فكرة التكفير ع_ن خطايا الآخرين بالآلام التي يتحملها شخص م_عين عظيم يقف ليفدي الناس بذلك _ قد انتقلت إلي بعض الأساليب الشائعة في عرض قضية الإمام الحسين في ثورته واستشهاده.. فان بعض القارئين للسيرة يحاولون أن يذكروا أن الحسين فدي بنفسه ذنوب شيعته وخطاياهم مما يقتضي غفران تلك الذنوب بتضحيته إما بشكل مباشر، كما في التفكير المسيحي.. أو بشكل غير مباشر باعتبار أنه يشفع لهم من خلال هذه الشهادة.. إننا نحب أن نسجل ابتعاد هذه الأساليب عن التفكير الإسلامي وعن الطابع الإسلامي للثورة الحسينية التي انطلقت من اجل إقامة الحق وإزهاق الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيدا عن أي حالة فداء لذنوب الآخرين، بل هو الفداء والتضحية للحق وفي سبيل الله" [42] .

وقفة قصيرة

1 _ ليت هذا البعض قد ذكر لنا مَن مِن قراء السيرة الحسينية يقول: إن الحسين باستشهاده فدي بنفسه ذنوب الشيعة بشكل مباشر كما في التفكير المسيحي؟ أو حتي بشكل غير مباشر كما يذكر هذا الرجل؟

فنحن طيلة عمرنا لم نقرأ ولم نسمع بهذه المقولة من أحد من الناس، من علماء، أو قراء عزاء، أو غيرهم، إلا ما ينقلونه عن اعتقاد المسيحيين بذلك فيما يتعلق بالمسيح عليه السلام.

فكيف أصبح هذا من الأساليب الشائعة في عرض قضية الإمام الحسين (ع) ونحن لا نجد

أحدا يذكر هذا أصلا؟!

2 _ أما غفران ذنوب الشيعة بشفاعة الإمام الحسين عليه السلام، فما هو المحذور في ذلك، إذا كانت أوصاف الشيعة الذين تنالهم الشفاعة تنطبق عليهم.

وقد وردت هذه الأوصاف في أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وهي أمور يحسن بكل موال ومحب، بل وبكل عاقل أن يقرأها ويتمعن فيها ويتحري سبيل الاتصاف بها، ليجد أن شفاعة الإمام الحسين لمن يتحلي بهذه الأوصاف ليست أمراً مستغرباً، بل هي محض الإنصاف ومنتهي العدل والفصل، فراجع كتاب صفات الشيعة للشيخ الصدوق رحمه الله تعالي [43] .

الإضراب عن الطعام حتي الموت قد يجوز، واللطم في عاشوراء إضرار بالنفس لا يجوز.

الإضراب المضر يجوز إذا حقق مشروعاً عاماً ولا يجوز اللطم العنيف في عاشوراء لأنه مضر.

الإضراب الانتحاري عن الطعام إذا حفظ الواقع العام فهو جهاد _ لكن التطبير علي الحسين حرام.

ضرب الرأس في عاشوراء تخلف.

ضرب الظهور بالسلاسل تخلّف.

اللطم إذا لم يكن هادئاً، عاقلاً حزيناً نوع من التخلف.

ضرب الظهور بالسلاسل حرام لأنه إضرار بالنفس.

كل ما فيه إضرار بالنفس في عاشوراء حرام.

سئل البعض:

_ من أساليب الاحتجاج كتعبير عن المعارضة علي الظلم هو الإضراب عن الطعام، فهل الشرع يجيز هذا العمل، لا سيما إذا كان يجرّ إلي التهلكة كالموت مثلاً؟

فأجاب:

"الأصل في الشرع الإسلامي أن لا يضر الإنسان نفسه _ إذ يحرم إضرار الإنسان بنفسه لا سيما إذا كان الضرر بالغاً، والأصل أن لا يلقي الإنسان بيده إلي التهلكة لأن الله لم يرخّص له ذلك، فأنت لا تملك حياتك لتملك الحرية في إنهاء حياتك. وربما تفرض المصلحة الإسلامية العليا أن تضرب ع_ن الطعام لأن ذلك يمكن أن يحقق مشروعاً عاماً

حيوياً يمنح الناس الكثير من النتائج الإيجابية في حياتهم، فقد يجوز ذلك إذا كان لهذا المشروع من الأهمية ما يغلب المفسدة التي تحصل من الإضرار بالنفس.

أمّا الإضرار الذي يؤدي إلي التهلكة فلا نملك أساساً شرعياً، فيما نواجهه من حالات الاحتجاج، ما يمكن أن نرخص به الآخرين.

وأما في المطلق، أي إذا وصلت القضية إلي حد إما أن يسقط الواقع كله أو أن يضرب الإنسان عن طعام إضراباً انتحارياً _ إذا صح التعبير _ فذلك يكون نوعاً من أنواع الجهاد، لأن الجهاد قد يجعلك تضحي بنفسك في ساحة المعركة السياسية. ولا بد في هذا من أن يحدده أهل الخبرة الذين يعون طبيعة التحرك والنتائج الإيجابية أو السلبية المترتبة عليه من جراء التحدي" [44] .

ويقول:

"لذلك نحن نريد أن نتخفف من كل هذه التركة الثقيلة التي انطلقت من خلال عصور التخلف.

وأنا أصرّ من موقع فقهي، فكري، إسلامي مسؤول، ولو شتمني الشاتمون، ولو اتهمني المتهمون؛ لأن المسألة هي مسألة حركتنا الإسلامية في العالم، وقضية إشراقة الإسلام في العالم:

إن ضرب الرأس بالسيف تخلّف.

إن ضرب الظهور بالسلاسل تخلّف.

وإن اللطم _ إذا لم يكن هادئاً، عاقلاً حزيناً هو نوع من أنواع التخلّف.

فللحزن تعبيره العقلاني، الذي لا يمثل مجرّد حالة استعراضية، وإنما هي الحالة التي تملك تعبيراً عن الحزن الخ.." [45] .

ويقول:

"الشيخ الأنصاري وجماعة من العلماء يقولون: إن الإضرار بالنفس محرم، حتي لو لم يؤد إلي التهلكة، كما لو جرح الإنسان يده. وهكذا يندرج تحت هذا العنوان _ أي حرمة الإضرار _ التطبير، وضرب الظهور بالسلاسل، الذي يؤدي إلي الإدماء، أو ما يشبهه" [46] .

ويقول:

"لو خرجت وأنت في حالة تعرُّق ولفحك

الهواء البارد، فأصبت بالحمي، فحتي لو شفيت بعد يومين فهذا حرام، لأنه تعريض النفس للضرر، والإضرار بالنفس ظلم للنفس، وظلم النفس محرم (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (النحل /118). وعلي هذا الأساس، فنحن نقول: بأنه يمكن للإنسان أن يلطم بحسب ولائه، وبحسب محبته، لكن بشرط أن لا يكون اللطم مضراً بالجسد، بحيث يدمي الجسد، أو انه يصيب رئة الإنسان، أو ما أشبه ذلك." [47] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا البعض يري أن اللطم إذا لم يكن هادئاً تخلّف، وأن ضرب الظهر بالسلاسل والرأس بالسيف تخلّف. ويحرم ذلك كله باعتباره إضراراً بالنفس.

ولكنه هنا يجيز الإضراب عن الطعام في مواجهة الظلم، من أجل المصلحة الإسلامية العليا، حيث يمكن أن يحقق ذلك مشروعاً عاماً يمنح الناس الكثير من النتائج الإيجابية في حياتهم..

بل هو يجيز الإضراب عن الطعام إضراباً انتحارياً يؤدي إلي التهلكة _ إذا كان ذلك يحفظ الواقع كله من السقوط، ويعتبره نوعاً من الجهاد، رغم أنه لا توجد معركة عسكرية _، لأن الجهاد قد يجعلك تضحي بنفسك في ساحة المعركة السياسية..

فهل لا يري هذا البعض: أن مراسم كربلاء، وعاشوراء الإمام الحسين، واللطم، بل والتطبير في هذه المناسبة، يمكن أن يمنح الناس الكثير من النتائج الإيجابية في حياتهم؟! و أليس في ذلك مصلحة تغلب مفسدة الإضرار بالنفس؟!

بل هو يري _ فقط _ فيه الناحية السلبية، من حيث إنه يضر بجسد الفرد، ويلحق به بعض الأذي بحسب زعمه..

جوّز الانتحار أو الإضراب عن الطعام فقط في ساحة المعركة السياسية لحفظ الواقع السياسي، ويا ليته قد جوز اللطم العنيف وأخرجه عن دائرة التخلف في ساحة الدعوة إلي الله، وإقامة الشعائر لحفظ الواقع الإيماني والديني للناس؟!.

التشنيع

علي اللطم في عزاء الحسين (ع)

ويقول البعض:

"هل نفكر أيها الأحبة كيف نضرب رقاب العدو، وكيف نضرب رؤوس الأعداء بالمقدار الذي نفكر فيه كيف نضرب رؤوسنا وبأيدينا؟ أي همّ هو الهمّ الكبير عندنا؟"

"القوم يتسلحون، وأمريكا تعطيهم أقوي السلاح ليضربوننا ويقتلوننا (كذا) ونحن نتناقش: كيف لنا أن نضرب رؤوسنا، ونجلد ظهورنا، ونظل نلعن بعضنا بعضا؟ والعدو يصب علينا كل لعنات التاريخ.. من كان صغيرا بهذا الحجم، فليس من شأنه أن يتحدث عن الكبار.." [48] .

الإحتفال بشرب الخمر في عاشوراء.

ثم إن هذا البعض يقول:

"ثمّة أناس في العراق يحتفلون في عاشوراء بشرب الخمر، فأي حزن علي الحسين عندما يصبح الإنسان في غيبوبة. لقد كان البعض يشرب الخمر ليلة العاشر من المحرم من أجل الإحماء" [49] .

ولكنه اعتذر عن هذا الكلام في أجوبته علي الشيخ التبريزي بأنه لم يقصد الشيعة في كلامه، واليك نص عبارته:

"لم أقصد الشيعة في كلامي الذي حرّفه المحرّفون، بل قصدت بعض الناس في شمال العراق من غير الشيعة، من أهل الفرق الباطلة، وعلي هذا فان حساب هذا المحرف علي ربّه يوم القيامة؛ لأني ذكرت في العدد الثاني من منبر السبت: أن الشيعة لم يقوموا بذلك، وأن لهم الأثر الكبير في تخليد قضية الحسين(ع) في العراق".

ونقول:

إن كلام هذا البعض مذكور في (منبر السبت) بتاريخ 20 حزيران 1996م. بعين العبارة، ولم نجد فرقا بينها وبين نقل السائل.

ونقول: كيف يصح هذا الإعتذار مع أن عبارة (من أجل الإحماء) إنما تنطبق علي خصوص الشيعة.

ومن جهة أخري: إن كلام هذا البعض مذكور في (منبر السبت) بتاريخ 20/ حزيران/ 1996 بعين العبارة ولم نجد فرقا بينها وبين نقل السائل. غير

أننا رجعنا إلي كلامه في (منبر السبت)، العدد الثاني، الموجود أيضا بصورة معدلة في العدد الثاني من (رؤي ومواقف) ص 118، فوجدناه يذكر أن هؤلاء الناس ربما لا يتبعون التشيع بالمعني الصحيح، وذكر أيضا: الحديث جاء عن مناطق تسيء إلي التشيع في عاشوراء، وذلك يعني: أن مقصوده هو الشيعة الذين ليس لديهم التزام ديني.. وعبارته في (منبر السبت) العدد الثاني هي التالية:

".. قلت: إنه في بعض المواقع في العراق ومما يناسب القري التي لها وضع خاص، وفيها الكثير من الانحراف العقيدي، فإن الناس هناك يعيشون ه_ذا ال_ج_وّ، ورب_م_ا هم لا يتبعون التشيع بالمعني الصحيح،.. ونحن نعرف أن العراقيين استطاعوا أن يجسّدوا شعائر أهل البيت (ع)، ويجسّدوا روحيّة أهل البيت (ع). وأعتقد أن الجوّ الذي انطلقت فيه مآتم أهل البيت (ع)، ومواكب أهل البي_ت (ع) هي التي حفظت الإسلام، في كثير من مواقعه.

أنا لم أقل هذا عن النجف أو كربلاء، أو الكاظمية، إنّما جاء الحديث عن مناطق تسيء إلي التشيع في عاشوراء" [50] .

وأما عبارته التي نقلها السائل عن (منبر السبت)، فهي موجودة في العدد الصادر بتاريخ 20 حزيران 1996 بعين العبارة التي ذكرناها، ولم يحرفها أحد كما ذكرنا، أما ما ذكره بعد ذلك، فهو لا يصلح تفسيرا لعبارته الآنفة الذكر، لأن غير الشيعة من أهل الفرق الباطلة لا يعنيهم الحزن علي الحسين في عاشوراء؛ ليقال: أي حزن علي الحسين عندما يصبح الإنسان في غيبوبة؟.

وسيأتي كلامه عن الشهادة لعلي (ع) بالولاية في الإقامة للصلاة،وكلامه حول التكتف، وقول (آمين) في الصلاة في قسم الفتاوي والآراء الفقهية؛ فانتظر..

بعض الحديث عن العصمة

بداية

لقد أصبحت مقولات هذا البعض حول عصمة الأنبياء ومقاماتهم كالنار علي المنار، وكالشمس في رابعة النهار..

وهي علي درجة كبيرة من الكثرة والتنوع، بحيث يصعب جدا الجمع بين أطرافها.. وقد ذكرنا شطراً كبيراً مما يبين موقفه من هذا الأمر بصورة جلية وواضحة، وبقي الكثير الكثير مما لم نذكره مما لا يمكن استقصاؤه.

وكما كان رأينا في فصول الكتاب سوف نفعل هنا، بأن نقدم للقارئ الكريم طائفة من مقولاته حول هذه الموضوعات فنذكر منها ما يلي:

يمكن أن يخطيء النبي في تبليغ آية ثم يصحح بعد ذلك.

يمكن أن ينسي النبي آية ثم يصحح.

النزوات الشخصية تدفع النبي إلي الفعل.

لابد من أدلة أخري علي العصمة، ولا يكفي الموجود.

آدم انحرف عن الخط الرسالي، أو الإصلاحي، أو التقوائي، ثم تراجع لمصلحة المبدأ.

فعل آدم لا تعبير ولا دلالة عن الفكرة بخلاف القول.

لقد قرر العلامة الطباطبائي رحمه الله: العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة استنادا إلي قوله تعالي: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).

فناقشه البعض بقوله:

"ونلاحظ علي ذلك: أن ما ذكره لا يلازم ما ذكره من العصمة عن الخطأ في التبليغ، فإن هداية الناس إلي حق الإعتقاد، وحق العمل، كما أن الحديث عن (أن الله إذا أراد شيئا فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ، وإذا سلك بفعل إلي غاية فلا يضل في سلوكه) لا يقتضي إلا أن يصل الوحي إلي الناس _ لهدايتهم _ كاملاً غير منقوص. وهذا ما يؤكد وصوله عن طريقه من غير خطأ.

ولا ملازمة بين ذلك، وبين العصمة، فإن من الممكن من الناحية التجريدية أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت معين، ليصحح ذلك، ويصوّبه بعد ذلك، لتأخذ الآية

صيغتها الكاملة الصحيحة" [51] .

"وإذا قيل: إن احتمال الخطأ والنسيان إذا كان وارداً في الحالة الأولي، فهو موجود في الحالة الثانية، مما يؤدي إلي فقدان الأساس الذي يحصل من خلاله الإيمان بواقع الآية في الوحي المنزل، فلا يصير الإنسان إلي يقين بذلك!!

فإن الجواب هو: من الممكن تقديم القرائن القطعية في الحالة الثانية التي تؤدي إلي اليقين، تماما كما قيل في مسألة سهو النبي _ في رأي الشيخ الصدوق _ علي أساس بعض الروايات التي أوضح النبي فيها القضية من دون لبس، بالطريقة التي اقتنع فيها الناس بأن المسألة كانت سهوا _ كأي سهو آخر مما يحدث للناس _ لو صحت الرواية.

إن قضية الغرض الإلهي في وصول الوحي إلي الناس، لا يستلزم إلا الوصول في نهاية المطاف من غير خطأ، ولكن لا مانع من حدوث بعض الحالات التي يقع فيها الخطأ، لا ليستمر، بل لينقلب إلي صواب تؤكده القرائن القطعية التي توحي بالحقيقة في وجدان الإنسان.

ويتابع العلامة الطباطبائي حديثه في العصمة ليشمل _ في استيفاء هذه الآية مع آية ثانية _ العصمة عن المعصية في العمل فيقول:

يمكن تتميم دلالتهما علي العصمة من المعصية أيضا بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء، فالفاعل لفعل يدل بفعله علي أنه يراه حسنا جائزا كما لو قال: إن الفعل الفلاني حسن جائز، فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضا منه، فإن فعله يناقض حينئذ قوله، فيكون حينئذ مبلغا لكلا المتناقضين، وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق، فإن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلا للآخر، فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما

لا يخفي.

ونلاحظ علي ذلك، أن ما ذكره من دلالة الفعل علي نهج دلالة القول صحيح _ من ناحية المبدأ _ وذلك في الحالة العادية الطبيعية للتعبير الإنساني بواسطة النقل، ولكن قد ينطلق الفعل من الإنسان علي أساس الواقع العملي الذي قد يتحرك فيه من خلال أوضاعه الشخصية الخاضعة لبعض النزوات الطارئة بفعل الضغوط الداخلية أو الخارجية الحسية والمعنوية، فيتراجع عنها لمصلحة المبدأ الذي كان قد بينه للناس من موقع الوحي أو نحوه، تماما كما هي الحالة الجارية في سلوك المصلحين والرساليين _ حتي الأتقياء منهم _ في انحراف خطواتهم العملية عن الخط الرسالي أو الإصلاحي أو التقوائي بشكل طارئ، لا يتحول إلي إصرار، علي هدي ما جاء في قوله تعالي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) (الأعراف: 201).

أو علي ما حدثنا الله به عن آدم عليه السلام في معصيته، ولو كان ذلك علي طريقة عصيان الأمر الإرشادي، ثم توبته بعد ذلك، فإن مثل هذا لا يوحي بالتناقض، لأن الفعل لم يتحرك في أجواء الدلالة التعبيرية عن الفكرة التي عبر عنها القول، لأن مقامه ليس هذا المقام.

وفي هذه الحال ليست هناك طريقة عقلائية في موضوع الدلالة.

إننا نتصور أن هذا الأسلوب الإستدلالي في تقرير العصمة في القول والفعل لا يملك القوة في الإستدلال من خلال المناقشات المذكورة وغيرها، فلا بد من اللجوء إلي أدلة أخري قد يكتشف الإنسان فيها أن النبوة حدث غير عادي في معني الرسالة، لأنها حركة إلهية في هداية البشرية إلي الله، وتغيير الحياة علي صورة أخلاق الله، مما يفرض إنسانا يعيش الرسالة في عمقه الروحي، وتأمله الفكري، وأخلاقيته العظيمة في صدقه مع ربه

ونفسه، ومع الناس، وأمانته في ماله ودينه، ومسؤوليته، وإنسانيته، بحيث تكون الرسالة التي يحملها منسجمة مع الروح التي يتجسد فيها، لتكون الرسالة جسدا يتحرك، ويكون الجسد رسالة تنفتح علي الله، وعلي الإنسان والحياة في اتجاه التغيير.

إن هذا الدور التغييري، الذي يستهدف تغيير الإنسان بالكلمة والقدوة، بحاجة إلي الإنسان الصدمة الذي يصدم الواقع الفاسد بكل قوة، الأمر الذي ينفتح فيه اللطف الإلهي علي إعطاء المزيد من القوة الروحية، والأخلاقية، والفكرية والعصمة العملية لهذا الإنسان، سواء أكان ذلك بالطريقة التي يبقي فيها عنصر الاختيار له لسلوك الإتجاه المضاد، أم كان بطريقة أخري، لا يبقي فيها له ذلك العنصر، لأن القضية هي حاجة البشرية إليه، أما قضية الثواب وعلاقتها بالاختيار، فهي مسألة لا تعقيد فيها، لأنها في جميع الأحوال.. الخ" [52] .

وقف_ة قصيرة

ونقول:

إن الحديث عن جبرية العصمة سيأتي في وقفتنا مع هذا البعض في الفقرة التالية، ولكننا نكتفي هنا بما يلي:

1 _ إن هذا البعض يحاول إسقاط الأدلة القاطعة التي ساقها العلامة السيد الطباطبائي من أجل أن يمهد السبيل لطرح ما زعمه من العصمة الإجبارية التي تفقد جهد، وجهاد المعصوم أية قيمة..

وفي النص السابق رأيناه يحاول ادعاء أن النبي قد يخطيء أولاً، ثم يُصار إلي تصحيح الخطأ بعد ذلك.

2 _ وحين واجه إشكال إمكانية تكرر الخطأ، حاول التخلص منه بدعوي أن القرائن القطعية هي التي تحسم الأمر..

ونقول له:

أولاً: إذا كانت القرائن القطعية هي التي تحسم الأمر في المرة الثانية، فلماذا لا تحسمه في المرة الأولي..

ثانياً: من الذي قال له:

"إن القرائن القطعية قد حسمت ذلك في المرة الثانية، فلماذا لا يتكرر الخطأ فيها، وفي التي بعدها.. وهكذا إلي التي تليها.."

هذا، عدا عن أنه يحتمل في كل مقطع أن يخطئ وأن يصيب.

فأي دليل عيّن له المرة الثانية لحسم الأمر بالقرينة القطعية فيها دون سواها..

ومن الذي حصر هذا النسيان وذلك الخطأ في هذا الوقت المعين دون سواه، ولماذا جاء النسيان فيه، وجاء التذكر فيما عداه..

3 _ إن استدلاله بحديث سهو النبي غير مقبول فإن الرواية حاولت إثبات الإسهاء الإلهي المتعمد للنبي (صلي الله عليه وآله) لكي لا يغلو الناس فيه، ويعبدوه.

فلا يصح قوله..

"إن النبي قد أوضح للناس أن القضية قد كانت سهواً كأي سهو آخر مما يحدث للناس".

4 _ إن ثمة نقاشات كثيرة حول صحة هذه الرواية، وهو نفسه قد أشار إلي ذلك حين قال: "لو صحت الرواية" فاستعمل (لو) الدالة علي الإمتناع.

5 _ إن استدلاله بهذه الرواية ليس إلا مصادرة علي المطلوب، وبما هو محل النزاع..

6 _ إذا كانت المسألة عقائدية عقلية، فكيف يستدل عليها بالأخبار، فضلاً عن الإستدلال بخبر واحد فيه الكثير من العلل والأسقام..

علي أنه هو نفسه يشترط في الخبر أن يكون متواتراً وقطعياً أو مفيداً للإطمئنان.. إذا كان يتحدث عن العقائد والتاريخ وغيرها.. فأين اليقين هنا، وأين الإطمئنان الحاصلان من خلال الكثرة والتواتر؟.

7 _ إذا كانت هداية الناس إلي حق الإعتقاد، وحق العمل تقتضي وصول الوحي في نهاية المطاف كاملا غير منقوص، كما يقول.. فأي معني لاحتمال الخطأ والنسيان، في وقت معين، ما دام ثمة تعهد إلهي بالإيصال الصحيح والكامل..

8 _ وإذا جاز الخطأ في مورد، فإنه يجوز في موارد، وقد يأخذ الخطأ مجراه، إلي جانب الصواب. كلٌ في دائرته.. ويكون الوصول التام قد تحقق، لأن الصواب قد أبلغ، وإن لم

يستطع الناس التمييز بينه وبين ما هو خطأ. فكيف جزم هذا البعض:

"أن الوصول بهذه الطريقة سوف يرفع اشتباهات بعض الناس.."

9 _ وكيف يطمئن الناس إلي صدق، وصحة ما يلقيه اليهم النبي (صلي الله عليه وآله)، وهم يحتملون أنه قد يكون واقعا في الخطأ في هذا الإبلاغ.. ألا يفترض أن يستمر شكهم علي لائحة الإنتظار إلي آخر حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليطمئنوا عند ذلك فقط إلي عدم ورود تصحيح علي ما كان قد بلّغه لهم..

نعم.. ولا بد أن ينتظروا هذا التصحيح المحتمل إلي آخر حياته (ص) في كل كبيرة، وصغيرة، ومن الألف إلي الياء..

ويكون موت النبي (صلي الله عليه وآله) هو الدليل علي صحة ما تلقوه، وعلي عدم وقوع الخطأ منه بعد المرة الأخيرة.

10 _ ويبقي هنا سؤال: ما هو مصير الذين ماتوا في زمن النبي (صلي الله عليه وآله)، وهم غير مطمئنين لشيء مما جاءهم به؟!

11 _ وهل يصح مع ذلك كله: أن يأمر الله الناس بطاعة الرسول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

وأن يقول لهم: (ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)، وهل يصح قوله تعالي لهم:

(وما ينطق عن الهوي)؟!، إلا أن يكون الله سبحانه هو الذي يخطط لإيقاع الناس في الخطأ!!

فهل يصح إطلاق هذا القول؟!

11 _ ولا ندري أخيراً كيف أن فعل النبي لم يتحرك في الأجواء التعبيرية عن الفكرة التي عبر عنها القول.. مع أن قول الرسول وفعله وتقريره حجة، وشرع ودين.. وإذا جاز في الفعل ذلك، فلماذا لم يجز في القول أيضاً؟!

لا مشكلة في العصمة الإجبارية.

الثواب للعباد في كل شيئ إنما هو بالتفضل لا بالإستحقاق.

الإستدلال علي

العصمة بحاجة إلي تطوير في مواجهة التحديات.

الإصلاح في العالم قد تتولاه قيادات غير معصومة.

الإستدلال العقلي علي العصمة في غير التبليغ ضعيف.

ويقول البعض:

"ونلاحظ أن الشيخ المفيد لم يشرح كيفية بقاء الاختيار مع وجوب العصمة من خلال ما يفعله الله بعبد من عبيده، فتكون النتيجة، أنه لا يؤثر معه معصية له، لأن هذا الأمر الثابت في تكوين الإنسان إما أن يكون مؤثرا في ذات الإنسان بحيث يعصمه من الخطأ في الفكر، والعمل، فلا يكون الخطأ مقدورا له، وإما أن يكون مؤثرا فيه بحيث تبقي له القدرة علي الخطأ، فيكون الخطأ جائزا له في ذاته، وتكون العصمة خاضعة للعوامل الأخري بالإضافة إليه من سلب، أو إيجاب.

إن هذا الأسلوب في الحديث عن اختيارية العصمة مع الالتزام بأنها ناشئة من فعل الله التكويني بنبيه أو وليه لا يمثل إلا مفهوما ينطلق من الجمع في الدليل بين وجوب العصمة، ولزوم الاختيار، لا من دراسة دقيقة لنوعية الصورة الواقعية للجمع بين الأمرين.

إننا نتساءل ما هو المانع من اختيار الله بعض عباده ليكونوا معصومين باعتبار حاجة الناس إليهم في ذلك، وما هي المشكلة في ذلك انطلاقا من مصلحة عباده، وإذا كان هناك إشكال من ناحية استحقاقهم الثواب علي أعمالهم إذا لم تكن اختيارية لهم فإن الجواب عليه هو أن الثواب إذا كان بالتفضل في جعل الحق للإنسان به علي الطاعة لا بالإستحقاق الذاتي، فلماذا لا يكون التفضل بشكل مباشر إذ لا قبح في الثواب علي ما لا يكون بالاختيار بل القبح في العقاب علي غير المقدور.

ثم.. إننا نلاحظ في أسلوب الإحتجاج للعصمة في كتب المتكلمين، أنه بحاجة إلي الكثير من التطوير في مواجهة علامات الإستفهام الكبيرة

التي تثيرها التحديات المضادة لا سيما فيما يتصل بالالتزام العقلي الذي يفرض العصمة في غير حالات التبليغ، فإن الواقع الإصلاحي والتغييري في العالم قد يحصل من خلال قيادات غير معصومة بطريقة، وبأخري مما يشكل نقطة ضعف علي الإستدلال للفكرة، مما يفرض الإتجاه بالإستدلال نحو أساليب أخري تتصل بالتعمق في طبيعة النبوة أو الإمامة كموقعين رساليين قياديين يختلفان عن أي موقع قيادي آخر، بالمستوي الذي تختلف فيه أوضاعها عن أي وضع آخر، بالإضافة إلي عناصر أخري قد تحتاج الفكرة من خلال المناقشات الجديدة، لأن هذه المسألة لم تعد تتحرك في الدوائر الإسلامية المذهبية التي تفرض مسألة العصمة بشكل كلي لتضعها في نطاق التبليغ في دائرة النبوة " [53] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن الحديث عن جبرية العصمة، وجعل الثواب بالتفضل للبشرية كلها وفي كل شيئ، ونفي أن يكون للإستحقاق أي دور فيه، استناداً إلي القول بأن الثواب علي غير المقدور غير قبيح، بل القبح إنما هو في العقاب علي غير المقدور..

إن هذا الحديث غير مقبو ل، ولا معقول.. وذلك لما يلي:

1 _ إن قبح العقاب علي غير المقدور، وعدم قبح الثواب عليه، لا ينتج أن يكون الثواب للعباد كلهم وفي كل شيء بالتفضل لا بالإستحقاق، بل تحتاج المثوبة بالتفضل إلي شرط آخر، وهو أن لايلزم من سلب القدرة محذور آخر، مثل:

الترجيح بلا مرجح، وهو غير وارد في حق الله تعالي.

أو الخروج عن دائرة العدل.

أو أن يصبح أشقي الأشقياء كفرعون _ إذا فعل حسنة واحدة _ أفضل من أعظم الأنبياء كنبينا محمد (صلي الله عليه وآله).

أو أن يكون علي خلاف القاعدة التي رسمها، والسنة التي أجراها الله سبحانه في عباده، حيث جعل المثوبة

والعقوبة بالإستحقاق بصورة عامة.

وهذه اللوازم كلها، وكذلك ثمة لوازم أخري فاسدة سوف تكون موجودة هنا إذا كان ثواب العباد كلهم في كل شيء بالتفضل لا بالإستحقاق.. وسيتضح ذلك في النقاط التالية:

2 _ انه إذا كان الله يجبر الأنبياء علي أمور ثم يثيبهم عليها تفضلاً منه مع أنهم لا اختيار لهم فيها، ولا يفعل ذلك بغيرهم من الناس، ولا يتفضل عليهم فيما لا اختيار لهم فيه، بل يطلب منهم بذل جهود جبارة ومقاومة الإغراءات القوية، لكي يثيبهم، فهل هذا من العدل؟!

وهل يصح نسبته إلي الله تعالي؟!.

3 _ لماذا رجح هؤلاء علي غيرهم فقرر عصمتهم التكوينية الجبرية، وأن يثيبهم علي الأمر غير المقدور لهم، وجعلهم أنبياء وأئمة، ولم يختر غيرهم لذلك، ولم يعصم غيرهم، ولم يثبهم علي مثل ذلك؟ فهل هذا إلا من قبيل الترجيح بلا مرجح..

4 _ قد ذكرنا في كتاب مأساة الزهراء (ج1 ص 60 _ 64) أن جبرية العصمة تعني أن يكون أشقي الأشقياء _ ابن ملجم، أو فرعون مثلاً _ إذا عمل حسنة واحدة في حياته، مهما كانت تلك الحسنة صغيرة، أو امتنع عن سيئة واحدة، أفضل من خاتم الأنبياء محمد (ص)، لأنه إنما فعل ذلك باختياره، وبمجاهدة نفسه، وغرائزه، وشهواته، وأهوائه..

5 _ إن هذا الرجل يتحدث كثيرا عن أوضاع سلبية في الفكر، وفي الممارسة للأنبياء، وعن نسيانهم، في الأمور الحياتية الصغيرة، وعن سهوهم في الأمور الحياتية، وعن أن العصمة لا تمنع من الخطأ في تقدير الأمور، وعن نقاط الضعف في حياتهم العملية، وعن أمور كثيرة، وتفاصيل متنوعة لممارسات زعم أنها صدرت، أو يحتمل أن تكون قد صدرت من الأنبياء (عليهم السلام) بعضها يصل إلي حد الشرك

بالله سبحانه، وقتل نفوس بريئة، وارتكاب جرائم دينية..

نعم.. إن هذا الرجل يتحدث عن ذلك كله وسواه، مما ذكرنا بعضه في مواضع مضت من هذا الكتاب.

ثم يقول لنا: إن العصمة إجبارية.. فهل عجز الله عن إجبار وليه، أو نبيه علي ما يريد؟!.. وكيف يمكن أن نلائم بين جبرية العصمة، وبين صدور الأخطاء الصغيرة، أو الكبيرة، المقصودة، وغير المقصودة هنا، وهناك..

أو احتمال الشرك، واحتمال وقوع جرائم دينية منهم؟

6 _ هل استثني الله سبحانه أنبياءه، و أولياءه من قاعدة: "لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين"؟! وأين الدليل علي هذا التخصيص، والاستثناء إلا عجز هذا البعض عن حل بعض الإشكالات السطحية، ومواجهة الشبهات التي يثيرها الآخرون، فما كان منه إلا الإنصياع لها، والقبول بها ثم تلمس المبررات لها بمثل هذه التعليلات الضعيفة.

7 _ إن هذا البعض قد فرق أيضاً حسبما هو معروف بين الطاعات والمعاصي ولا ندري ما هو المبرر للتفريق بين الطاعات، فلا جبر فيها و بين المعاصي، ففيها الجبر.. وهذا هو نفس قول الأشاعرة [54] .

فإن من الواضح: أن ترك الطاعة هو الآخر يكون من المعاصي، فالنبي إذن لا يقدر علي هذا الترك، فما معني كونه مختارا في فعل أمر لا يقدر علي تركه؟.

8 _ إن مقولة البلخي التي التزم هذا البعض بها من أن الثواب للبشر جميعاً وفي كل شيء إنما هو بالتفضل قد رفضها علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم.. والتزموا بأن الثواب إنما هو بالإستحقاق لا بالتفضل، إذ لا يجوز في حكم العقل أن يعطي العاصي ويمنع المطيع، ولو أن المثوبة كانت من باب التفضل لجاز ذلك، وقد ذكرنا الدليل علي ذلك، وذكرنا الرد علي مقولة

البلخي في كتابنا (مأساة الزهراء _ ج1، ص63و64 فراجع).

الشفاعة

بداية

إن كلام هذا البعض حول شفاعة الأنبياء، والأوصياء، وسائر اولياء الله تعالي لعباده المذنبين من المؤمنين لا تكاد تجد له موافقا في المذاهب الإسلامية، إلا ما يعرف من قول ابن تيمية وجماعة الوهابية، المخالف لأقوال المسلمين جميعاً، ولنصوص القرآن الصريحة الآمرة بابتغاء الوسيلة إلي الله تعالي، والدالة علي ثبوت الشفاعة ولو في الجملة، وهذه نماذج من كلماته تدل علي هذا المعني نذكرها هنا ونعلق عليها بما يناسب حال الكتاب ويقتضيه المقام:

أطلب من الله أن يشفع عليا فيك.

يا محمد، يا علي، شرك في العبادة.

يقول البعض:

"وكما قلنا فان الشرك في العبادة، هو أن تدعو غير الله، حتي الأنبياء والأئمة، لا يمكن أبدا أن تدعوهم بمعني أن تقول: يا الله، يا محمد، هذا لا يجوز".

نعم أن تتوسل بمحمد ليشفع لك إلي الله هذا لا يضر. أن تقول: يا الله يا علي بالمعني الذي تقول به: ي_ا الله.. هذا لا يجوز.. نعم أن تطلب من الله أن يشفّع عليا بك لقربه منه، ولأنه يشفّع أولياءه فهذا لا يضر" [55] .

ونقول:

إن هذا هو نفس قول الوهابيين، وتلك هي كتبهم مشحونة برمي الشيعة بالكفر والشرك من أجل ذلك..ولأجل ذلك ينكر هذا البعض دعاء التوسل مع أنه يقال إنه مروي عن أهل البيت.

الله لا يريدنا أن نتوجه إلي أحد من الناس

الشفاعة بالشكل وليست حقيقية.

لا معني للتقرب للأنبياء، والأوصياء لأجل شفاعتهم.

ويقول البعض:

"لذلك فإن الله يريدنا ألا نتوجه إلي الناس مباشرة، بل أن نتوجه إلي الله مباشرة وأن يكون الناس أولياء، لاحظوا مثلا في دعاء ي_وم الخميس (واجعل توسلي به شافعا) شفّعه فيّ،

أن تختزن في نفسك أن النبي (ص) لا يملك الشفاعة في نفسه بل تجعله شفيعا أمام الله وتطلب من الله أن يشفعه فيك، فمعني ذلك وكما في أدب أهل البيت لنا أن الشفاعة عندم_ا تطلبها فإنك تطلبها من الله (واجعله شفيعا مشفعا) أي أن يكون شفيعا تشفعه فالله سبحانه وتعالي الذي يجعل الأنبياء شفعاء (ولا يشفعون إلا لمن ارتضي) (الأنبياء 28) (ولا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) ولذلك فإن بعض الناس إذا ذبح ذبيحة للسيدة زينب أو للعباس أو للحسين أو طعاما تصور أنه عمل بطريقة (أطعم الفم تستحي العين)" [56] .

ثم هو يقول:

"إن الشفاعة إنما هي بالشكل فقط، وليست حالة وساطة بالمعني الذي يفهمه الناس في علاقاتهم بالعظماء حيث يلجأون إلي الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودة أو مصلحة أو موقع معين ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده".

ثم يقول بالحرف:

"إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له، ورفع درجته عنده، لتكون المسألة _ في الشكل _ واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماما كما لو كان النبي السبب، أو الولي هو الواسطة".

إلي أن قال:

"وفي ضوء ذلك لا معني للتقرب للأنبياء، والأولياء، ليحصل الناس علي شفاعتهم، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئا بالمعني الذاتي المستقل. بل الله هو المالك لذلك كله علي جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة، ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلي الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له" [57] .

ويقول ابن عبد الوهاب عن الشفاعة

المنفية عنده: هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله إلي أن قال: والمثبتة هي التي تطلب من الله، الشافع مكرم بالشفاعة.. الخ.

ويقول ابن عبد الوهاب أيضا: فالشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وأقول اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فًيّ.

وأمثال هذا، فإن قال: النبي (ص) أعطي الشفاعة وأنا اطلبه مما أعطاه الله.

فالجواب: إن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا، وقال: فلا تدعوا مع الله أحدا.. الخ [58] .

وقفة قصيرة

إننا لا نريد هنا بحث موضوع الشفاعة، ولكننا نلمح إلي بعض الأمور بصورة عابرة، فنقول:

1 _ إن الكل يعلم: أن لا أحد يدعو محمدا صلي الله عليه وآله، أو عليا عليه السلام، أو أي نبي أو ولي، كوجودات منفصلة عن الله تعالي، ومستقلة عنه بالتأثير، ولم تحدث في كل هذا التاريخ الطويل أن تكونت ذهنية شرك عند الشيعة نتيجة لذلك، فضلا عن غيرهم.

2 _ إننا نوضح معني الشفاعة في ضمن النقاط التالية:

أ _ إن الإنسان المذنب، قد لا يجد في نفسه الأهلية أو الشجاعة لمخاطبة ذلك الذي أحسن إليه، وأجرم هو في حقّه، أو هكذا ينبغي أن يكون شعوره في مواقع كهذه، فيوسط له من يحل مشكلته معه، ممن لا يرد هذا المحسن طلبهم ولا يخيّب مسألتهم..

ب _ إن الله إنما يريد المغفرة للعبد المذنب، بعد شفاعة الشفيع له.. ولم تكن تلك الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولا تحقق الشفاعة.. فلو أن الشفيع لم يبادر إلي الشفاعة لكان العذاب قد نال ذلك العبد المذنب.

وهذا كما لو صدر من أحد أولادك ذنب، فتبادر إلي عقوبته، فإذا وقف في وجهك من يعز عليك، وتشفع به، فانك تعفو عنه إكراما

له، وان لم يفعل ذلك، كما لو لم يكن حاضرا مثلا، فانك ستمضي عقوبتك في ذلك الولد المذنب لا محالة..

فالشفاعة علي هذا سبب في العفو، أو جزء سبب له.

إذن فليس صحيحا ما يقوله البعض من أن الله تعالي له قد تعلقت إرادته بالمغفرة للعبد قبل الشفاعة، بحيث تكون المغفرة له حاصلة علي كل حال، ثم يكرم الله نبيه ويقول له: هذا العبد أريد أن أغفر له، فتعال وتشفّع إلي فيه..

ج _ إذا كان الشخص المذنب قد أقام علاقة طيبة مع ذلك الشافع، وتودّد إليه، ورأي منه سلوكا حسنا، واستقامة وانقيادا، فان الشافع يري أن من اللائق المبادرة إلي مساعدته في حل مشكلته، أما إذا كان قد أغضبه وأساء إليه أو تعامل معه بصورة لا توحي بالثقة، ولا تشير إلي الإستقامة، فإنه لا يبادر إلي مساعدته، ولا يلتفت إليه.. فسلوك المشفوع له أثر كبير في مبادرة الشافع إلي الشفاعة.

د _ وحين يكون الشفيع لا يريد شيئا لنفسه من ذلك الشخص ولا من غيره، ويكون ما يرضيه هو ما يرضي الله سبحانه، فان تقديم الصدقات والقربات للفقراء، والإهتمام بما يرضي الشافع هو في الواقع إثباتات عملية علي أن ذلك المذنب راغب في تصحيح خطأه وتدارك ما فاته، وهو براهين وإثباتات علي أنه قد التزم جادة الاستقامة، وندم علي ما فرط منه، فإذا قدم مالا للفقراء، أو أطعم أو ذبح شاة، وفرقها علي المحتاجين، فان ذلك لا يكون رشوة للنبي، أو الولي.. وهو يعلم أن النبي والولي لا يأخذ ذلك لنفسه، بل يعود نفعه إلي الفقراء والمحتاجين، أو يستثمر في سبيل الله، وفي نشر الدين، والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول علي رضا

الشافع، الذي رضاه رضا الله.

ه_ _ أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي وللوصي، ولم يلمس الشافع منه أنه يتحرق لتحصيل العفو، والرضا عنه، ويقرع كل باب، ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل هذا الإشكال، ويبادر إلي العمل بكل ما يعلم أنه يرضي سيده عنه، فانه لا يشفع له، ولا كرامة..

و _ ومن الواضح: أن من يكون جرمه هائلا وعظيما، فان إمكانية وفرص الإقدام علي الشفاعة له تتضاءل وتضعف..

فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه، ولا يرضي الله سبحانه له ذلك..

كما أن من يدير ظهره لأولياء الله، ولا يهتم لرضاهم، ولا يزعجه سخطهم، فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعا، لأن الإهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالي، ومن المقربات إليه، وموجبات رضاه..

فالتوسل إليهم، والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبيل نجاة، وطريق هدي وسلامة وسعادة.

ز _ إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله، وأن المقصر لا يتشفع بنظيره، لأن الشفاعة مقام عظيم، وكرامة إلهية. فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل أحد، بل الذين يشفعون هم أناس مخصوصون بكرامة الله سبحانه، لأنهم يستحقونها..

ح _ قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة؛ لتكون شفاعة النبي أو الوصي بعدها _ بالشكل _ ومن دون أن يكون لها تسبيب حقيقي..

بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة، فإنها هي سبب المغفرة، وهي سبب إرادة الله بان يغفر لذلك المذنب، ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك المذنب.

ولولا ذلك، فإنه لا يبقي معني للشفاعة.. ولا يكون العفو إكراما للشافع، واستجابة له، وقد نجد في حديث الرسول(ص) ما يفيد هذا المعني فهو

يقول: (إدّخرتُ الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي)، حيث لم يقل ادّخرها الله لأهل الكبائر من أمتي..

أراد لعباده أن يدعوه بشكل مباشر ليستجيب لهم.

لا حاجة في الحديث مع الله إلي الوسائط من البشر أو من غيرهم.

إن من يراجع كلام البعض يجد أنه في كثير من كتبه يؤكد علي عدم الحاجة إلي توسيط أحد في الطلب من الله سبحانه، بل هو يصرح هنا: بأن استجابة الله لعباده مرهونة بأن يدعوه بشكل مباشر، فهو يقول:

".. لا واسطة بين العبد وربه في خطابه وسؤاله له:

وقد نلاحظ في التوجه الإنساني بوحدانية العبادة والاستعانة.. في خطاب العبد لربه في هذه الآية الكريمة (إياك نعبد وإياك نستعين).. أن الإنسان لا يحتاج في حديثه مع الله وفي طلبه منه إلي أية واسطة من بشر أو غيره، لأن الله لا يبتعد عن عبده ولا يضع أي فاصل بينه وبينه.. إلا ما يضعه العبد من فواصل تبعده عن مواقع رحمته، وتحبس دعاءه عن الصعود إلي درجات القرب من الله.. بل أراد لعباده أن يدعوه بشكل مباشر ليستجيب لهم، وحدثهم عن قربه منهم بحيث يسمع كلامهم حتي لو كان يمثل الهمس أو في مثل وسوسة الصدور، وذلك قوله تعالي (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (البقرة 186) وقوله تعالي (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد) (سورة ق16)" [59] .

وقفة قصيرة

ولنا هنا ملاحظات:

1 _ إن هذا البعض لم يقدم أي دليل علي مدّعاه في أن استجابة الله مرهونة بالتوجه إليه تعالي مباشرة.

2 _ وأما القول بأنه لا حاجة في الحديث إلي

الوسائط من البشر أومن غيرهم، فلا مجال لقبوله، ونحن نري روايات كثيرة تتحدث عن التوسل إلي الله تعالي بالأنبياء والأولياء عليهم السلام. وذلك يدل علي وجود حاجة إلي ذلك لا سيما بالنسبة إلي الخاطئين، ولولا حاجتهم إلي ذلك تربويا وإيمانيا لما وجّههم الله إليه.

ومما يدل علي توسيط الوسائط ما رواه ابن شهر آشوب، عن علي عليه السلام في قوله تعالي: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال: أنا وسيلته [60] .

وفي حديث آخر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فيما يرتبط بالأئمة من ولد الحسين قال (ص): هم العروة الوثقي، وهم الوسيلة إلي الله تعالي [61] .

وعن علي بن إبراهيم في تفسيره للآية قال: فقال، تقربوا إليه بالإمام [62] .

وعن عثمان بن حنيف: إن رجلاً ضريراً أتي إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: ادعُ الله أن يعافيني.

فقال: إن شئت دعوتُ وإن شئتَ صَبَرْتَ،وهو خير.

قال: فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:

اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلي ربي في حاجتي لتقضي اللهم شفعه في.. [63] .

هذا مضافاً إلي دعاء القرآن الذي نقرأه جميعا _ وربما كان هذا البعض يقرؤه _ في ليالي القدر _ والذي هو عبارة عن توسل بالله تعالي وبأهل البيت (ع) واحداً تلو الآخر من نبيهم إلي قائمهم (ع). إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة والمتنوعة في هذا المجال.

3 _ إن هذا البعض يناقض نفسه في كثير من موارد مخالفاته، ومن جملتها هذا المورد، حيث يقول حول الفرق بين ما يفعله الوثنيون في عبادة الأصنام وما يفعله المسلمون في احترام الأولياء:

".. وهذا هو الفرق بين ما يفعلونه وبين ما يفعله المسلمون الذين يؤكدون شرعية الشفاعة والتوسل بالأنبياء والأولياء باعتبار أن المسلمين يفعلون ذلك من موقع التوجه إلي الله بان يجعلهم الشفعاء لهم وأن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء فيما جعله لهم من حق، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله وهو الاعتراف بأنهم عباد الله المكرمون المطيعون له الخاضعون لألوهيته الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وأنهم البشر الذين منحهم الله رسالته فيما ألقاه إليهم من وحيه، ومنحهم ولايته فيما قربهم إليه في خطهم العملي فكيف يقاس هذا بذاك" [64] .

ومن يمعن النظر في أقوال وكتب هذا الرجل يجد له الكثير من التناقضات المماثلة، نعرض عن ذكرها هنا خوف ملالة القارئ الكريم، ولكي لا نخرج عما رسمناه في كتابنا هذا الرامي إلي ذكر بعض أقواله وآرائه التي يخالف فيها ما جري عليه علماء المذهب بصورة عامة.وربما وفقنا الله تعالي لإبراز تناقضاته هذه في فصل خاص من هذا الكتاب.

الله هو الجدير بالعبادة وطلب الشفاعة.

الشافعون لا يقربون بعيداً من الله.

الشفاعة كرامة للشافع فيشفعه الله بمن يريد أن يغفر له.

الشفاعة لا تنطلق من رغبة الشفيع الخاصة.

الشفاعة مهمة محددة فلا تستغرق في ذات النبي والولي لأجلها.

التوسل بالشفعاء معناه وجود نقاط ضعف في قدرة أو في عظمة الله تعالي.

لا معني للتوجه للمخلوق لطلب الشفاعة ما دام لا يملكها بنفسه.

أطلب من الله ليمنح الخاطئ الشفاعة من خلال الشافع.

لا يطلب أحد من مخلوق شيئاً، بل الطلب من الله فقط والقصد إليه حتي في الشفاعة.

الشفاعة وظيفة إلهية محددة الموقع والشخص والدور.

طلب الشفاعة مباشرة من المخلوق لا ينسجم مع التوحيد.

يقول

البعض:

".. (ولا تنفع الشفاعة عنده) فليست هناك مراكز قوي تفرض نفسها علي الله، من موقع القوة الذاتية التي تترك تأثيراتها علي قرار الله، فيمن يعطيه أو فيمن يمنعه لتكون هناك نقاط ضعف في قدرته أو في عظمته الإلهية.. ليحتاج الناس إلي التوسل إليه بالشفعاء ليصلوا من خلالهم إلي مواقع رحمته ورضاه، ليتعبدوا لهم للحصول علي رضاهم الذي يؤدي للحصول علي رضاه.. فليس هناك أحد اقرب إليه من أحد، من حيث الذات، فهو الذي يقرب الناس إليه، ويمنحهم درجة القرب إليه من خلال أعمالهم.. ويبقيهم في دائرة الخضوع له المنتظرين لإذنه في كل ما يفعلون أو ما يتركون.. فيعرفون أنهم لا يملكون الشفاعة أمامه لأي شخص لأنهم لا يملكون معه أيّ شيء (إلا لمن أذن له) في ذلك فأراد تكريمه بالشفاعة لبعض الخاطئين الذين يريدون إن يغفر لهم بحيث تكون الشفاعة وظيفة إلهية محددة الموقع معينة الشخص والدور، من دون زيادة ولا نقصان،.. وفي ضوء ذلك نفهم أن الشفاعة ليست حالة ذاتية للشفعاء لدي الله، بل هي مهمة محددة في دائرة المهمات التي قد يوكلها إلي بعض عباده، لمصلحة يراها، في وقت محدود، ودور خاص، مما يفرض علي المؤمنين عدم الاستغراق في ذات النبي أو الولي.. طلبا للشفاعة، بل في توجيه الخطاب لله أن يمنحه الشفاعة من خلالهما" [65] .

ويقول أيضا:

".. فليس هناك إلا العمل.. وإذا كانت هناك من شفاعة، فإنها لا تنطلق من رغبة الشفيع الخاصة بل هي بأمره ورضاه،فلا معني لأن تتوجه إلي المخلوق بطلب الشفاعة ما دام لا يملكها بنفسه، بل ينتظر أمر الله فيها.. فهو الجدير بالعبادة وطلب الشفاعة.. وفي ضوء ذلك، كان التوحيد يمثل الصفاء الروحي الذي يعيش

معه الإنسان في حركة الإيمان المطلق بعيدا عن كل التعقيدات الخانقة التي تجر معها المزيد من العادات والتقاليد والأجواء الضاغطة علي الفكر والروح والشعور" [66] .

ويقول أيضا:

".. ولا يقبل من أحد رجاءً ولا شفاعةً في حق نفسه أو في حق غيره، لأن أي واحد منهم لا يملك حقاً ذاتياً في ذلك كله إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة فأراد الله أن يكرمه بها ليجعل له الكرامة باستنقاذ من يريد الله أن ينقذه من النار، ويرحمه برحمته، وذلك هو الذي رضي الله قوله فيما يعبر عنه القول من العقيدة الصافية الحقة، والروح الراضية المرضية والعمل الخالص الذي يتحرك في رضا الله من خلال وعي الإيمان وطهر الإخلاص.

وفي ضوء هذه الآية نستفيد تقرير مبدأ الشفاعة التي تؤكد وجودها لدي بعض الأشخاص المقربين إلي الله. ولكن من خلال إعطاء الله ذلك فيكون القصد والتوجه لله في المسألة في الشفاعة لا إلي الشخص لأنه لا يملك من أمر الشفاعة شيئاً في نفسه.. وذلك هو الحد الفاصل بين الاستغراق في الشخص من خلال الاستغراق في ذاته، وبين الاستغراق في الله علي أساس الكرامة التي يمنحها لبعض عباده في شفاعته للآخرين استجابة لإرادة الله له في ذلك.. وهذا هو الذي يعطي للعقيدة صفاءها فلا يطلب أحد من مخلوق شيئاً بل يكون الطلب كله لله، والقصد إليه في كل شيء حتي في الشفاعة التي لا يملكها أحد إلا بإذنه" [67] .

ويقول البعض أيضا:

".. تلك هي مواقعهم فيما تتميز به مواقعهم الشخصية، وفيما يقفون عنده من حدود مواقعهم أمام الله فلا يتجاوزونها فيما يعيشونه في داخل حياتهم الخاصة، وفيما يتحركون به من العلاقات في حياة الآخرين.. فلا

يتصرفون معهم إلا بما يعلمون أن الله يرضي عنه، فلا يرون لأنفسهم الحرية في أن تتدخل العوامل الذاتية فيما يريدون أن يتقدموا به إلي الله، من الشفاعة لبعض الخاطئين، أو المنحرفين، لأنهم يعرفون أن الشفاعة ليست حالة ذاتية ينطلق بها المقربون إلي الله ليستفيدوا من مواقع القرب، في علاقاتهم الخاصة بالأشخاص، ليقربوا بعيدا عن الله، كما يفعل الناس في الدنيا، ليتقرب الناس إليهم بما يتقربون به إلي المقربين من الملوك والأمراء، ليشفعوا لهم عنده، فينفعلون بذلك، فيما يتحدثون به، إلي رؤسائهم، في قضايا الامتيازات والشفاعات، وما إلي ذلك..

إن المقربين من عباد الله المكرمين، سواء منهم الملائكة أو الأنبياء والأولياء، لا يعيشون في مشاعرهم العنصر الذاتي، بل يتمثلون في وجدانهم العنصر الروحي فهم يعرفون مواقع رضا الله فيتحركون فيها، ومحالّ كرامة الله ورحمته، فينطلقون إليها، ويعلمون أن الشفاعة كرامة يريد الله أن يكرم بها بعض خلقه فيشفّعهم فيمن يريد أن يغفر لهم ويرحمهم لأنهم في الموقع الذي يمكن لهم فيه أن يتقربوا من رحمته ومغفرته ولذلك فهم يعرفون مواقع الشفاعة فيمن يطلبون من الله أن يشفعهم فيهم فلا يشفعون للكافرين والمشركين والمنحرفين الذين حاربوا الله ورسوله، لأنهم ليسوا في مواقع الرحمة التي سيستحقون فيها الرحمة [68] .

وقفة قصيرة

لا نريد أن نسهب القول في بيان حقيقة الشفاعة، فأمرها أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، وقد ذكرنا فيما تقدم في بضع توضيحات قد تكون مفيدة في هذا المجال فلا بأس بمراجعتها. غير أننا نذكّر القارئ بالأمور التالية:

1 _ إننا نرشد، هنا إلي الأحاديث التي تتحدث عن أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) يشفع لأهل الكبائر من أمته، فيشفعه الله تعالي فيهم، لكنه لا يشفع لمن آذي

ذريته [69] .

وفي بعض الروايات: هل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟! [70] .

وفي بعضها: ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة [71] والأحاديث الدالة علي هذا المعني كثيرة فلتراجع في مظانها.

وهذا معناه أن قول البعض: إن الشافع لا يقرّب بعيداً عن الله غير صحيح، بل هم يقربون _ بشفاعتهم _ ذلك البعيد. وهذا هو معني الشفاعة، كما ظهر بذلك أيضا عدم صحة قوله: إن الشفاعة إنما هي لمن يستحق الرحمة ممن هو في مواقع الرحمة، فليست الشفاعة ناشئة عن استحقاق لها من قبل المشفوع له.

2 _ قد ذكرنا فيما تقدم أيضاً: أن الشفاعة هي التي تنتج المغفرة وتؤثر فيها، وتكون سببا في حصولها، لا أن إرادة المغفرة هي التي تؤثر في إجراء الشفاعة علي نحو مراسم شكلية تهدف إلي مجرد تكريم الشافع.

إذن فللشفاعة مهمتان:

الأولي: التسبب بحصول المغفرة، والتأثير في إنتاجها، حيث لولاها لم تحصل المغفرة، ولم يكن هناك إرادة لها.

الثانية: أن تظهر بسببها الكرامة الإلهية والمنزلة الربانية للشافع.

3 _ أما قوله: إن الشفاعة لا تنطلق من رغبة الشفيع الخاصة، بل هي بأمر الله ورضاه.. فالروايات التالية بخلافه:

إن الشفيع في يوم القيامة يقول: أي رب عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا، فشفعني فيه، فيقول:اذهب فأخرجه من النار.. الخ [72] .

ثم يشفع لخادمه [73] ، ويشفع لمحبيه وأهل مودته [74] ويشفع لجيرانه [75] ، ولأهل بيته [76] ، ولمن له به معرفة بالدنيا [77] ، بل والشفاعة للعدو المحارب، والذي كان قد احسن للمؤمن في دار الدنيا [78] .

وذلك يوضح عدم صحة عدة أمور، وردت في كلام ذلك البعض.

الأول: عدم

صحة قوله: إن الشفاعة لا تنطلق من رغبة الشفيع الخاصة.

الثاني: عدم صحة قول البعض: إن الشفاعة هي في دائرة المهمات التي قد يوكلها الله إلي بعض عباده إذ إنها كرامة للشافع، ورحمة للمشفوع له.

الثالث: عدم صحة قول هذا البعض: إن كونها مهمة محددة، يستتبع أن لا يستغرق المؤمن في ذات النبي والولي طلباً للشفاعة.

الرابع: إن معني قوله تعالي: (لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) أن من أذن الله له بالشفاعة ورضيه وارتضاه لها، وجعل له هذا المقام هو الذي تنفع شفاعته، كالأنبياء، والأولياء، والشهداء، فالشفاعة التي أعطيت لهؤلاء هي التي تنفع وتؤثر في غفران الذنوب وكل شفاعة سواها باطلة، وغير مقبولة، ولا مرضية.

وبعبارة أخري: إنما يشفع من أكرمه الله ببلوغه مقاماً يؤهله لأن يشفع للمؤمنين الخاطئين، وهذا يعني عدم صحة قول البعض: إنه لا معني لأن نتوجه إلي المخلوق بطلب الشفاعة مادام لا يملكها بنفسه، فإن المراد بملك الشفاعة هو أن يجعله الله في مقام الشفاعة، فإذا بلغ هذا المقام فله أن يشفع لمن يشاء، حتي للخادم والجار، والمعين، ولأهل الكبائر وغير ذلك.

إذن فلا مانع من أن نتوجه إليه بعد أن وصل إلي هذا المقام فنوجه إليه الخطاب، ونطلب منه أن يستعمل صلاحياته التي حصل عليها.

5 _ معني قوله: (لا يشفعون إلا لمن ارتضي) أي ارتضي الله دينه [79] فلم يكن مشركا ولا ظالماً [80] وهو من أهل التوحيد، من أهل شهادة أن لا إله ألا الله [81] كما في روايات أهل البيت عليهم السلام، لا كما فسرها هذا الرجل بقوله: أي ارتضاه الله للشفاعة.

6 _ يتضح مما تقدم: أن هناك فئات لا تنالها الشفاعة. وقد

دلت الروايات الكثيرة علي ذلك، مثل ما ورد: من أن الشفاعة لا تنال مستخفاً بالصلاة [82] ولا تنال من أنكر الشفاعة، أو أنكر الحوض والمعراج [83] .

7 _ إن حاجة الناس إلي التوسل بالشفعاء، ناتجة عن قصور أعمالهم عن أن تبلغ بهم إلي مقام الاستغناء عن الشفعاء، وليست ناشئة عن ضعف في قدرته أو في عظمته تعالي، بل هذا التوسل دليل كمال قدرته تعالي، ونهاية عظمته.

ويدل علي أن الشفاعة هي السبب في حدوث المغفرة، لا أن إرادة المغفرة متقدمة علي الشفاعة. قوله تعالي: (ولا تنفع الشفاعة عنده ألا لمن إذن له) حيث دلت علي أن للشفاعة تأثيراً ونفعاً.

ويدل علي ذلك أيضا ما رواه جابر بن يزيد قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا جابر لا تستعن بعدونا في حاجة ولا تستعطه ولا تسأله شربة ماء، إنه ليمر به المؤمن في النار فيقول: يا مؤمن ألست فعلت بك كذا وكذا، فيستحي منه، فيستنقذه من النار، فإنما سمي المؤمن مؤمناً، لأنه يؤمن علي الله فيؤمن (فيجيز خ ل) أمانه [84] .

إلي أن قال:

فأما في يوم القيامة فإنا و أهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن علي الأعراف بين الجنة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم صلوات الله وسلامه، والطيبون من آلهم، فنري بعض شيعتنا في تلك العرصات، فمن كان منهم مقصّراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كل عصر إلي يوم القيامة، فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفونهم إلي الجنة زفا، وإنا لنبعث علي آخرين (من خ ل) محبينا من خيار شيعتنا كالحمام، فيلتقطونهم من

العرصات كما يلتقط الطير الحبّ، وينقلونهم إلي الجنان بحضرتنا، وسيؤتي بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن صان (قد حاز خ ل) الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك إلي مائة ألف من النصّاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة وأولئك النصاب النار، وذلك ما قال الله تعالي (ربما يودّ الذين كفروا) يعني بالولاية (لو كانوا مسلمين) في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم [85] .

عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: أما إن من شيعة علي (ع) لمن يأتي يوم القيامة، وقد وضع له في كفة سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيارة، تقول الخلائق: هلك هذا العبد، فلا يشكّون أنه من الهالكين وفي عذاب الله من الخالدين، فيأتيه النداء من قبل الله تعالي: يا أيها العبد الجاني هذه الذنوب الموبقات، فهل بإزائها حسنة تكافؤها وتدخل الجنة برحمة الله، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟

يقول العبد: لا أدري، فيقول منادي ربنا عز وجل: إن ربي يقول: نادِ في عرصات القيامة: ألا إن فلان بن فلان من بلد كذا وقرية كذا وكذا، قد رهن بسيئاته كأمثال الجبال والبحار ولا حسنة بإزائها، فأي أهل هذا المحشر كانت لي عنده يد أو عارفة [86] فليغشني بمجازاتي عنها، فهذا أوان شدة حاجتي إليها فينادي الرجل لذلك، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب: لبيك لبيك لبيك أيها الممتحن في محبتي، المظلوم بعداوتي؛ ثم يأتي هو ومن معه عدد كثير وجم غفير وإن كانوا أقل عدداً من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن إخوانه

المؤمنون، كان بنا باراً ولنا مكرماً، وفي معاشرته إيانا – مع كثرة إحسانه إلينا – متواضعاً، وقد نزلنا له عن جميع طاعتنا وبذلنا له؛ فيقول علي عليه السلام: فبماذا تدخلون جنة ربكم؟

فيقولون: برحمة الله الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالي آلك يا أخا رسول الله، فيأتي النداء من قبل الله تعالي: يا أخا رسول الله هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له؟ فإني أنا الحكم، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلا بد من فصلي بينه وبينهم، فيقول علي عليه السلام، يارب أفعل ما تأمرني، فيقول الله: يا علي اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله؛ فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك فيقول لهم: اقترحوا عليّ ما شئتم أعطكم عوضاً من ظلاماتكم قبله؛ فيقولون يا أخا رسول الله تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك علي فراش محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فيقول (ع) قد وهبت ذلك لكم، فيقول الله عز وجل، فانظروا يا عبادي الآن إلي ما نلتموه من علي، فداء لصاحبه من ظلاماتكم؛ ويظهر لهم ثواب نفس وجد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها، فيكون ذلك ما يرضي الله به خصماء أولئك المؤمنين، ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عل قلب بشر؛ يقولون: ربنا الخ.. [87] .

وفي كتاب فضائل الشيعة للصدوق _ رحمه الله _ بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة نشفع في المذنب من شيعتنا، فأما المحسنون فقد نجاهم الله [88] .

وعن معاوية بن وهب قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) قال نحن والله المأذونون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صوابا، قلت: جعلت فداك وما تقولون؟ قال: نمجد ربنا، ونصلي علي نبينا، ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا.

وروي هذا الحديث بطرق متعددة.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: إذا كان يوم القيامة ولّينا حساب شيعتنا، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عز وجل حكمنا فيها فأجبنا، ومن كانت مظلمته بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح.

وروي مثل ذلك عن جميل عن أبي الحسن (ع) [89] .

وعن سماعة عن أبي الحسن الأول، وعن عبدالله عن أبي عبدالله (ع) [90] ، وعن محمد بن جعفر عن أبيه عن جده (ع) مثله [91] .

ومما يدل علي أن الناس يحتاجون إلي الشفاعة ما ورد في تفسير قوله تعالي: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له). عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولي لامرأة علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليهما علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن، فقال: يا أبا جعفر تغرون الناس وتقولون: شفاعة محمد؟

فغضب أبو جعفر عليه السلام حتي تربد وجهه، ثم قال: ويحك يا أبا أيمن، أغرك أن عف بطنك وفرجك؟ أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلي شفاعة محمد (ص) ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟

ثم قال: ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم

القيامة، ثم قال أبو جعفر إن لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الشفاعة في أمته ولنا شفاعة، في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم. ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإن المؤمن ليشفع حتي لخادمه، ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد [92] .

قال عبيد بن زرارة: قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المؤمن: هل له شفاعة؟ قال: نعم، فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمد (ص) يومئذ؟ فقال: نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحد إلا يحتاج إلي شفاعة محمد يومئذ [93] .

عن علي بن أبي حمزة قال: قال رجل لأبي عبدالله عليه السلام: إن لنا جاراً من الخوارج يقول: إن محمداً يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع؟ فقال أبو عبدالله (ع): ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة [94] .

قال الشيخ الصدوق في اعتقاداته:

إعتقادنا في الشفاعة أنها لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلي الشفاعة، وقال النبي (ص) من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي [95] .

وهناك ما يدل علي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يبادر إلي الشفاعة فيشفعه الله، ونذكر من ذلك: ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال: يشفع فيهم فيشفّع حتي يبقي الخادم فيقول: يا رب خويدمتي قد كانت تقيني الحر والقر فيشفع فيها [96] .

عن علي عليه السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا علي الصراط أدعو وأقول: رب سلّم شيعتي ومحبيّ وأنصاري ومن تولاني في دار الدنيا، فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك وشفّعت في شيعتك، وشفع كل رجل من شيعتي، ومن تولاني ونصرني، وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفاُ من جيرانه وأقربائه. وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا اله إلا الله، ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت [97] .

مما يدل علي أن الشفاعة هي السبب في المغفرة..

ومما يدل أيضاً علي أن الشفاعة تكون أيضا لمن لا يستحقها، ممن لا حسنة له:

ما روي عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال:.. وان الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب، وان المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة، فيقول: يا رب جاري كان يكفّ عني الأذي فيشفع فيه، فيقول الله تبارك وتعالي: أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك، فيدخله الجنة وما له من حسنة، وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [98] .

ومما يدل أيضاً علي أن الشفاعة هي السبب في المغفرة.

وعلي أنه يصح طلب الشفاعة من غير الله سبحانه.

وعلي أنهم يشفعون لمن يشاؤون ويحبون.

وعلي أنهم يقسمون علي الله سبحانه وتعالي بحق النبي(ص) وعلي (ع)، النصوص التالية:

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلي النار

والملك ينطلق به، قال: فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا، وأسعفك في الحاجة تطلبها مني، فهل عندك اليوم مكافأة؟ فيقول المؤمن للملك الموكل به: خل سبيله؛ قال: فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله [99] .

وعن سماعة بن مهران قال: قال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت لك حاجة إلي الله فقل: (اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي فإن لهما عندك شأناً من الشأن، وقدراً من القدر، فبحق ذلك الشأن وذلك القدر أن تصلي علي محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن إلا وهو يحتاج إليهما في ذلك اليوم [100] .

وع_ن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولي به، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني وعدت الشفاعة، ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب، أتروني مؤثرا عليكم غيركم، ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة، فيقولون: إلي من؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فقال: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من؟

فيقال: إلي إبراهيم، فيأتون إلي إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من؟

فيقال إيتوا موسي، فيأتونه

فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من؟

فيقال أيتوا محمداً، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتي يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟

فيقول: أحمد، فيرحبون ويفتحون الباب، فإذا نظر إلي الجنة خرّ ساجدا يمجد ربه بالعظمة، فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك وسل تعطي واشفع تشفّع، فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجدا، ويمجّد ربه ويعظمه، فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك وسل تعطي واشفع تشفّع، فيقوم فما يسأل شيئا ألا أعطاه إياه [101] .

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله رحيم بعباده ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها يتراحم الناس وترحم الوالدة ولدها، وتحنن الأمهات من الحيوانات علي أولادها فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلي تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمد ثم يشفّعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتي إن الواحد ليجيء إلي مؤمن من الشيعة، فيقول: اشفع لي، فيقول: وأي حق لك علي؟

فيقول: سقيتك يوما ماء فيذكر ذلك فيشفع له، فيشفّع فيه، ويجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا، فاشفع لي، فيقول: وما حقك علي ؟

فيقول استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار، فيشفع له فيشفّع فيه. ولا يزال يشفع حتي يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه. فإن المؤمن أكرم علي الله مما تظنون [102] .

لا يتدخل أحد إلا بإذنه الذي يلقيه الله إليه فيما يريد، وفيما لا يريد.

لا معني لأن يتوجه الإنسان للشفعاء ولو عبر الواسطة.

المطلوب هو التخلص من الإغراق في أسلوب الطلب من الأنبياء والأولياء.

الإغراق في الطلب من النبي والولي إلي حد ينسي الطالب ربه

مرفوض.

يستغرق في ذات النبي والولي حتي ينسي ربه.

لا يملك أحد أن يتدخل في إنقاذ أحد من خلال موقع مميز خاص.

يقول البعض:

".. (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ليس هناك إلا كلمته وإرادته، فلا يملك أحد أن يتدخل في إنقاذ أحد من مصير محتوم، أو رفعه إلي درجة عالية من خلال قوة ذاتية أو موقع مميز خاص، إلا بإذنه الذي يلقيه إلي بعض عباده المقربين في ما يريد، وفي ما لا يريد، وبذلك يمكن لنا أن نقرّر مبدأ الشفاعة في نطاق الخط الذي يريد الله للشافعين أن يسيروا عليه في ما يريد الله أن يكرمهم بالمغفرة لبعض المذنبين، أو برفع الدرجة لبعض المطيعين من دون أن يتنافي ذلك مع مبدأ التوحيد في ما يتوسل به الناس من شفاعة.

وفي هذا الجو، يمكن لنا أن نستوحي طبيعة ما يملكه الشفعاء من ميزة الشفاعة من حيث ارتباطها بإرادة الله بإذنه، فالمغفرة التي تنال المذنبين من الله، والبلاء الذي يرفع عن المبتلين من الله، والمثوبة التي تحصل للمطيعين منه _ جل شأنه _ يمنحها لهذا ولذاك، بكرامة هذا النبي، أو هذا الولي التي أراد أن يكرمهم بها.

ولهذا فلا معني لأن يتوجه العباد إليهم حتي عبر الواسطة، بل يكون التوجه إلي الله بأن يجعلنا ممن يشفع بهم، لأنهم لا يملكون الشفاعة بأنفسهم، بل يملكونها من خلال وحيه وإذنه وتعليمه، وبذلك نتخلص من هذا الإغراق في أسلوب الطلب من الأنبياء والأولياء بالمستوي الذي قد ينسي فيه الطالب ربه في استغراقه العميق في ذات النبي أو الولي، إذا لم يكن واعياً بالدرجة التي يستطيع من خلالها أن يضع الأشياء في مواقعها الصحيحة من العقيدة والشريعة" [103]

.

وقفة قصيرة

ونقول:

1_ لماذا حمل الشفاعة بإذن الله علي معني أنه لا بد من صدور الإذن الفعلي الذي يلقيه إلي الشافع فيما يريد، وفيما لا يريد؟

ولماذا لا يكون معناها: أن من بلغ مقاماً يؤهله لأن يشفع للناس، فإن الله سبحانه يأذن له بذلك إذناً عاماً فيشفع لمن يشاء من خلق الله سبحانه.

وأما قوله تعالي: (لا يشفعون إلا لمن ارتضي) فإن معناه: ارتضي الله دي_نه، فلم يكن مشركاً ولا ظالماً _ كما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وقد تحدثنا عن ذلك فيما تقدم.

2 _ إن هذا البعض نفسه قد اعترف بأن المسلمين إنما يمارسون التوسل بالأنبياء والأولياء:

"من موقع التوجه إلي الله بأن يجعلهم الشفعاء لهم، وأن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء فيما جعله لهم من حق، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله، وهي الإعتراف بأنهم عباد الله المكرمون..الخ " [104] .

إلي أن قال:

"هكذا نري ان الذهنية العقيدية لدي المسلمين لا تحمل أي لون من ألوان الشرك بالمعني العبادي، كما لا يحملون ذلك بالمعني الفكري، بل يختزن في دائرة التعظيم للأنبياء، والأولياء الشعور العميق بأن الله هو خالق الكون ومدبره الخ" [105] .

ويقول أيضاً:

"إذا كان الله قادراً علي أن يحقق ذلك من خلالهم في حياتهم، فهو القادر علي أن يحقق ذلك، بعد مماتهم باسمهم، لأن القدرة في الحالتين واحدة" [106] .

فكيف يقول هذا البعض هنا:

"إننا نحتاج إلي أن نتخلص من الإغراق في أسلوب الطلب من الأنبياء، والأولياء بالمستوي الذي قد ينسي فيه الطالب ربه في استغراقه العميق في ذات النبي أو الولي.. الخ"،

فإن المسلمين _ باعترافه _ واعون للمسألة الفكرية بدقة.

هذا عدا

عن حديثه عن الصنمية اللاشعورية. التي تتمثل في الوقوف أمام قبر النبي والولي، وعن أن ثمة شركاً في العبادة حين يقول القائل يا محمد يا علي، فراجع ما ذكرناه في قسم (عقائد الشيعة وشعائرهم).

3 _ وما علي من استغرق في ذات الولي والنبي من غضاضة إذا كان يعلم أن الله سبحانه قد منحه مقام الشفاعة وأصبح يقول للنار: هذا لي، وهذا لك، كما ورد عن الأئمة (ع) في تفسير قول رسول الله (صلي الله عليه وآله) في علي (صلوات الله وسلامه عليه) (علي قسيم الجنة والنار).

4 _ قد ظهر مما تقدم: أن قول هذا البعض:

"لا يملك أحد أن يتدخل في إنقاذ أحد من مصير محتوم، أو رفعه إلي درجة عالية من خلال قوة ذاتية، أو موقع مميز خاص، إلا بإذنه الذي يلقيه إلي بعض عباده المقربين فيما يريد، وفيما لا يريد".

قد ظهر أن هذا القول لا يستقيم إذ من الجائز أن يكون الله سبحانه قد منح بعض أوليائه وأنبيائه قوة ذاتية تمكنهم من ذلك كما منح _ بنص الكتاب _ آصف بن برخيا قدرة الإتيان بعرش بلقيس من اليمن إلي بيت المقدس (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)، حيث نسب الإتيان به إلي نفسه.

كما أن من الجائز أن يبلغ أحدهم بفضل الله وكرمه موقعاً خاصاً يؤهله لأن ينقذ هذا أو ذاك، كما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين، قسيم الجنة والنار الذي يقول للنار: هذا لي وهذا لك.

والحديث مع هذا البعض حول هذا الموضوع يطول، ويمكن الإكتفاء بما ذكرناه في هذا الكتاب، إن في ذلك لذكري لمن ألقي السمع وهو شهيد.

الرجعة.. والبداء..

اشاره

ضرورة تأويل أحاديث الرجعة.

لا ضرورة للرجعة

بمعناها المعروف.

لقد حاول البعض إنكار الرجعة بمعناها الدقيق، باعتبار عدم وجود مبررات كافية لها... فهو يقول:

"ويحدّثنا الشيخ المفيد في كتابه في (أوائل المقالات)، عن اختلاف علماء الإمامية في تفسير معني الرجعة التي اتفقوا عليها من ناحية المبدأ، فقد كان جماعة من الشيعة يؤولون الأخبار الواردة في الرجعة علي طريق الإستفاضة إلي رجوع الدولة ورجوع الأمر والنهي إلي الأئمة (ع) وإلي شيعتهم وأخذهم بمجاري الأمور دون رجوع أعيان الأشخاص كما نقل ذلك السيد المرتضي عن جماعة من الشيعة تأوّلوا الرجعة بذلك.

وإذا كان محققو الشيعة قد رفضوا هذا التأويل لعدم لزوم محال عقلي في هذا الموضوع، فإننا نتصور أن هؤلاء القوم لم ينطلقوا في تأويلهم من الإستحالة العقلية لأن الرجعة ليست أشد صعوبة من البعث ولكنهم انطلقوا من الفكرة التي تثير التساؤل حول ضرورة ذلك فإذا كان المقصود الإنتصاف للمظلومين من الظالمين وغلبة المحقين علي المبطلين، فإن ذلك حاصل في يوم القيامة، وإذا كانت القضية هي إظهار الحق علي الباطل، وبسط العدل في الكون فإن وجود الدولة المهديّة الشاملة كفيل بذلك، وإذا كانت المسألة تحقيق الأمنيات في دولة الحق للمؤمنين وشفاء غيظهم من معاصريهم من المبطلين فيما يمكن أن تحققه الرجعة من حصول الأماني وشفاء الغيظ، فإن يوم القيامة يحقق ذلك بأعظم مما يحدث من خلال الرجعة لأنه يتصل بالمصير الأبدي في النعيم والشقاء.

إن المسألة ليست مرتبطة بالإمكان والإستحالة، بل هي مرتبطة بالمبررات العملية الواقعية في ضرورة ذلك، مما يجعل التأويل أكثر قربا للالتزام بالأحاديث من إبقائها علي ظاهرها، لا سيّما عند مواجهة التحدّيات الفكريّة في هذه المسألة التي لا تمثل _ في طبيعتها _ أصلا من أصول العقيدة" [107] .

مع أن

عدم التمكن من فهم مبررات الرجعة، وعدم قدرة البعض علي مواجهة التحديات المعاصرة، لا يخوّله تأويل الأحاديث التي قد تصل إلي مائتين وعشرين حديثا، بالإضافة إلي أدلة وشواهد عديدة أخري..

وقد تحدّثنا عن هذا الأمر في كتابنا: (مأساة الزهراء عليها السلام) ج1 ص103 _ 106 فراجع.

أدلة الرجعة لم يأت بها القرآن.

أدلة الرجعة ليست قطعية.

أدلة الرجعة هي الأحاديث المتواترة.

أدلة المعاد قطعية لأنها من القرآن.

وسئل البعض:

السؤال: هل تؤمنون بما يقوله الشهيد مطهري من أن أدلة الرجعة ليست كأدلة المعاد قطعية؟

فأجاب:

"صحيح ذلك، لأن أدلة المعاد جاء بها القرآن، وهي مما تسالم عليه المسلمون. أما الرجعة فقد دلت عليها الأحاديث وهي متواترة، وإن اختلفت" [108] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إذا كانت أدلة المعاد قرآنية، فأدلة الرجعة أيضاً كذلك، فإن هناك آيات كثيرة تدل علي الرجعة.. وتتحدث عنها.

وقد ذكرها العلماء في كتبهم التي تتحدث عن هذا الموضوع، حتي إن الحر العاملي _ رحمه الله _ قد أورد في كتابه: (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان علي الرجعة) أربعاً وستين آية قرآنية تدل علي هذه القضية، وأن الأئمة المعصومين قد فسروها بها..

ومن هذه الآيات قوله تعالي (يوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآيات الله).. وهي ظاهرة الدلالة علي هذا الأمر، وقد فسرتها الرواية عن الأئمة (ع) بذلك أيضاً.

وأما تفسير هذا البعض لهذه الآية بقوله:

"وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلهم المؤمنين منهم والمكذبين بآيات الله" [109] .

فلا مجال لقبوله، لأن كلامه هذا يناقض تصريح الآية بأن الحشر هو لفوج ممن يكذب، وليس لكل من يكذب ولا يكون ذلك إلا في الرجعة قبل يوم القيامة..

2

_ إن أحاديث الرجعة تعد بالمئات، وقد ذكر العالم الجليل السيد عبد الله شبر: أنها قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام، والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم، كالكليني، والصدوق، والطوسي، والمرتضي، والكشي، والنجاشي، والعياشي، والقمي، وسليم، والمفيد, والكراجكي والنعماني.. إلي أن قال:

(وإذا لم يكن هذا متواتراً، ففي أي شيء دعوي التواتر، مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف، وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين.

فيحتال في تخريب الملة القويمة، بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين، من استبعادات المتفلسفين، وتشكيكات الملحدين، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون..) [110] .

3 _ وقول هذا البعض: صحيح ذلك لأن أدلة المعاد جاء بها القرآن، وهي مما تسالم عليه المسلمون.

يظهر منه: أن أدلة الرجعة ليست قطعية.. مع أن آيات القرآن قد دلت عليها..

كما أن الحديث المتواتر باعترافه قد دلّ عليها أيضاً، فهل يكون ما دل عليه الحديث المتواتر ليس قطعياً؟.

إنه لأمر عجيب وغريب، فإن المتواتر يفيد القطع واليقين بلا ريب، وهذا هو الفرق بين المتواتر، وبين غيره..

4 _ إن البديهيات تختلف وتتفاوت، فالبديهيات الدينية، قد تكون عقلية كوجود الله وتوحيده وصفاته.. وقد تكون سمعية وهي التي جاء النص الصريح والقطعي فيها بحيث إن أي مراجع لذلك الدليل بعيدا عن الهوي والعصبية سيكون مضطراً للإنقياد للحق، والإنصياع له، كما أن البديهي قد يكون بديهياً عند فئة من الناس ولا يكون بديهياً عند فئة أخري، فهناك بديهيات لدي الفقهاء، وبديهيات لدي علماء الكلام. وبديهيات لدي أهل الحديث وعلوم القرآن.. وهكذا، وهناك

بديهيات في كل علم كعلم الفلسفة والنحو والطب وما إلي ذلك. فإذا لم تكن مسألة الرجة من البديهيات العقلية، فلا يدل ذلك علي أنها ليست من بديهيات الدين.

فإذا اختلف علماء الكلام مع علماء الفقه في أمر فقهي، فلا يعني ذلك أن الأمر ليس من البديهيات.

وكذلك لو اختلف الناس العاديون أو الفقهاء مع علماء الحديث أو الكلام في أمر يختص بالحديث أو بالإعتقادات، فإن ذلك لا يخرج البديهي عن بداهته.

إذن.. ليس كل ما اختلف فيه المسلمون يكون ظنياً، فإن الإختلاف في البديهي لأجل الشبهة لا يجعل البديهي نظرياً وإلا، لكان من ينكر وجود الله ليس منكراً للبديهي.. وذلك ظاهر وما عليه إلا أن يرجع إلي كتاب المنطق للشيخ محمد رضا المظفر ج1، ص 22و 23، ليعرف صحة هذا الأمر..

إغلاق ملف البداء من عقائد الشيعة.

الإشكال في البداء تعبيري.

لنسقط عقائدنا تلافيا للحملات الظالمة.

ثم إن ذلك البعض يدعو إلي إخراج عقيدة البداء من عقائد الشيعة، تفاديا للحملات الظالمة، ويعتبر أن الخلاف في هذا الموضوع تعبيري لا معنوي، فهو يقول:

"ولعل أفضل طريقة شيعية للتعبير عن معني البداء لدي الشيعة ما ذكره الشيخ المفيد في أوائل المقالات بقوله:

(أقول في معني البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء والإماتة بعد الإحياء وما يذهب إليه أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال. فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائل بين العبد وبين الله عزّ وجلّ، ولو لم يرد به سمع أعلم صحّته ما استجزت إطلاقه كما انه لو لم يرد عليّ سمع بان الله تعالي يغضب ويرضي ويحب

ويعجب لما أطلقت ذلك عليه سبحانه. ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه علي المعاني التي لا تأباها العقول، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب، وإنما خالفهم من خالفهم في اللفظ دون ما سواه وقد أوضحت من كلمتي في إطلاقه بما يقصر معه الكلام وهذا مذهب الإمامية بأسرها، وكل من فارقها في المذهب ينكره علي ما وصفت من الإسم دون المعني ولا يرضاه.

وإنني أري أنه لا بد من إغلاق ملف الحديث وعدم إدخاله في تفاصيل عقيدة الإمامية، لأن الإشكال فيه تعبيري لا معنوي، وقد كانت هناك تعبيرات صادرة عن الأئمة (ع) في مواجهة بعض الأفكار المطروحة في زمانهم ضد اليهود، أو لحالات معينة ظرفية، ليكون الحديث عنها مقتصرا علي مواقع الجدل في تفسير أحاديث الأئمة (ع) التي وردت فيها هذه الكلمة مقارنة بالأحاديث التي وردت فيها الإشارة إلي المعني الظاهر منها لتتفادي من خلال إبعاد عنوان البداء عن خط العقيدة _ كما هو الصحيح _ مواجهة الحملات الظالمة التي يشنها البعض علي الشيعة، وليستنبطوا من بعض الكلمات أن الشيعة يبررون بالبداء ما يصدر عن الأئمة (ع) أو منهم بطريقة معينة، ثم يصدر منهم أو من الأئمة بطريقة أخري مخالفة لها تماما، كما يتحدثون _ بنفس الأسلوب _ عن عقيدة الشيعة في التقية، لأن الإصرار علي الكلمات الموحية في ظاهرها بغير ما نعتقده، هو إصرار علي أمر لا ضرورة فيه بل قد يكون فيه ضرر كبير علي العقيدة والمذهب، ونحن نعرف أن الكلمات قد تموت في زمن المستقبل بعد أن كانت حية في الزمان الماضي، لأن الظروف التي اقتضت استعمالها في هذا المعني أو ذاك حقيقة أو مجازاً، تغيرت وتبدلت مما يعني تغيّر

وسائل التعبير عن المعاني في حركة التطور في التعبير" [111] .

وقفة قصيرة

ونقول:

هل كل عقيدة تشن الحملات الظالمة علينا من أجلها يلزم أن نتخلي عنها؟! وماذا سيبقي من هذه العقائد والشعائر في نهاية الأمر؟! وماذا لو كان البعض يشن حملات ظالمة علي الإسلام نفسه فهل نتخلي عنه أيضا.

علي أنه تحسن الإشارة إلي أن هذا البعض قد ذكر أن الشيخ المفيد قد أشار إلي الفرق الجوهري بين عقيدة الشيعة في البداء وعقيدة غيرهم، حيث قال أهل العدل خاصة بالزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منها بالأعمال [112] .

هذا وقد روي عن الإمام الصادق والباقر عليهما السلام: (ما عبد الله تعالي بشيء مثل البداء) [113] .

التشهير بالعلماء و بالحوزات الدينية وبالشيعة

التشهير بالحوزات العلمية و بالعلماء

بداية

العلماء والحوزات العلمية، وكذلك الصفوة من المؤمنين الملتزمين، هم المنارة التي تبعث نور المعرفة في كل اتجاه، وهم الحصون المنيعة التي تحفظ هذا الدين، وتذود عن حياضه، وترفع أعلامه وبيارقه خفّاقة في سماء العز والعظمة والسؤدد، فأي إضعاف لها ولهم أو تشويه لصورتها وصورتهم، سيؤثّر سلباً علي ثقة الناس بها، وبهم، وسيحوّل سكون نفوسهم إليهم و إليها إلي قلق وتشويش، ثم إلي فراغ يجد فيه أعداء الدين فرصتهم الذهبية لاقتحام حصون الإيمان، ونسف قواعده، وإسقاط بنائه الشامخ العتيد، وليهينوا _ من ثَمّ _ ما عزّ وغلا بلؤمهم الرخيص، وحقدهم البغيض..

أمّا بالنسبة للتشهير بالحوزات العلميّة، وبعلماء الأمة، ومراجع الدّين، ثم نعتهم بأوصاف لا تليق بهم فحدّث عن ذلك ولا حرج، ونحن نكتفي هنا بذكر نموذج ضئيل جدّا من مقولات البعض في هذا المجال، فلاحظ ما يلي:

ليس في الحوزات العلمية حريّة فكر.

لا يستطيع الطالب مناقشة العقائديات والفقه والإجتماعيّات.

تغيير الحوزات يحتاج إلي ما يشبه الثورة.

هناك تجربة (تغييرية) تمشي بين الألغام.

يقول البعض:

"ولقد أطلق العصر تحدّيات في العقائد بالنسبة

للمفاهيم الإسلامية وفي الإتجاهات الفكريّة التي لا تنطلق من الجانب الفلسفي فقط، وإنما تنطلق في الجانب الحركي الذي يتصل بقضايا الناس وحركة الناس وواقع الناس وقضايا التقنين والتشريع. لذلك فنحن لحدّ الآن لم نحصل للأسف علي نقلة نوعيّة في الحوزات. وإن مسألة تغيير الحوزات تحتاج إلي ما يشبه الثورة، وأظن أن ظروف الثورة لحد الآن ليست متوفرة، لأننا نعرف أنه ليست في الحوزات حرية فكر، فلا يستطيع الطالب أن يناقش فيها حتي بعض القضايا التاريخية في الهواء الطلق. فكيف يمكن أن يناقش فيها قضايا عقيدية أو اجتماعية أو فقهية، وما إلي ذلك؟! علما أن هناك محاولة تجربة تمشي بين الألغام وإن شاء الله تتكلل بالنجاح" [114] .

إنتخاب المرجع كانتخاب البابا.

المرجعية: فردية، شخصية، مزاجية.

مرجعيات لاعلاقة لها بالواقع المعاصر، وتحدياته، وتطلعاته.

يقول البعض:

"كما أن المسألة لا بد أن تنطلق من أن يشارك علماء الشيعة بأجمعهم أو بأكثريتهم لانتخاب المرجع، تماما كما هي المسألة بالنسبة للبابا في انتخابه عالميا، لأن المرجعية بحسب واقعها الفردي الشخصي المزاجي كالتي تتحرك في واقعنا قد تخرّج مرجعا طليعيا وقد تخرج مرجعا ليس له أي علاقة بالواقع المعاصر وتحدياته وتطلعاته".

إلي أن قال:

"كنت أضع تشبيها لمسألة المرجعية _ كطرح المسألة في إطار استكمال مشروع _ ب_ (الفاتيكان) وإن كانت خصائصنا الفكرية تختلف عن خصائصهم، ولكننا نشير إلي طبيعة التنظيم الموجودة هناك، فهناك أجهزة تتصل بجانب التنسيق وأجهزة تتصل بجانب العلاقات السياسية والإجتماعية وتدرس كل الوسط الكاثوليكي في العالم" [115] .

توهين وهتك الحوزات العلمية الدينية.

يشربون المخدرات لعدم الدليل عندهم علي الحرمة.

الأفيون والترياك في الحوزات العلمية.

يقول البعض:

"وكذلك الأمر في مسألة الأفيون والترياك بل في الحوزات

العلمية كانوا يمارسون شرب الترياك علي أساس أنه ليس فيها دليل، وحتي فقهاؤنا عندما أرادوا أن يفتوا بحرمة هذا الإدمان هل إنه بنفسه محرم أم لا، فلم يثبت لديهم إلا في الحالات التي يتحول الإدمان إلي مشكلة صحية غالبة فوق العادة" [116] .

ونحن رغم أننا قضينا في الحوزات العلمية ما يقرب من ثلاث وثلاثين سنة، فإننا لم نجد لهذا الأفيون وسواه من المخدرات المحرمة عند الفقهاء أثرا فيها، بل وجدنا رجال الدين من أشد الناس حنقا، وشدّةً، وأعظمهم جهادا في مواجهة ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمعات.

الغوغاء منعت الفقهاء من إعلان فتاواهم.

الغوغاء منعت المفكرين من أن ينطلقوا في أفكارهم بحريّة.

العامّة أصبحت تحكم الخاصّة.

لا يمكن الفتوي بخلاف ما اعتاده الناس.

ويُسأل البعض..:

"ألا تري أن بعض فقهائنا يبالغون في مسايرة العرف والناس في طرح المسائل الشفوية ولا يدونونها في رسائلهم؟"

فيجيب:

"قد يكون لهؤلاء العذر، لأن المشكلة هي أن كثيرا منهم يبتلون بالغوغاء الذين يعطلون عليهم أمرهم، ذلك أن مشكلة الكثيرين هي مشكلة قيادة الغوغاء وحركة الغوغاء، يقول الإمام علي (ع): (الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم علي سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يسيرون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور الحق ولم يلجأوا إلي ركن وثيق)، فهذا هو الذي منع الكثيرين من المفكرين أن ينطلقوا في أفكارهم بكل حرية، ومنع الكثير من الفقهاء أن يعلنوا عن فتاواهم لأنهم يخافون من العامّة.

والمشكلة أن العامّة أصبحت تحكم الخاصّة، فهل يستطيع أحد أن يفتي في شيء اعتاد الناس عليه؟ أو ي_حرم شيئا ل_م ينطلق الناس فيه من قاعدة ولكنهم ألفوا المشكلة" [117] .

اجتهاد فقهائنا غير منفتح علي كل تفاصيل القرآن.

القرآن أساس

لاستنباط فتاواه.

المنهج التقليدي أبعد الفقهاء عن استيحاء القرآن.

يقول البعض:

"ولقد رأيت أن فقهاءنا الأقدمين والمحدثين لم تنفتح حركة الاجتهاد لديهم علي كل تفاصيل القرآن، وهم الذين تعلمنا منهم، ولكن كان لهم منهج تقليدي خاص يجعلهم لا يستوحون من القرآن كثيرا من الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية العامّة. فحاولت أن أدخل القرآن كأساس لاستنباطي للفتاوي لأعتبر القرآن هو الذي يشع ضوءا علي الأحاسيس ويعطيها إشراقة" [118] .

الخطاب الإسلامي يمثل هروبا من الواقع.

أسلوب العلماء في الخطاب فوقي غالبا.

يقول البعض:

"إن الغالب في الخطاب الإسلامي _ ويمكنكم ملاحظة ذلك _ كونه خطابا واقعيا غير أن الأسلوب الخطابي الإسلامي لدي الكثير من الذين يمارسونه علي مستوي الوعّاظ والمرشدين والعلماء غالبا ما يصاغ بطريقة فوقية وبطريقة كلية لا بطريقة حركة الجزئيات".

إلي أن قال:

"كما أتصور أن هناك تجارب جيدة في هذا المجال. وأنا مع الأخ السائل في أن الخطاب العام الإسلامي هو خطاب وعظي فوقي لا يلامس الواقع بل يمثل هروبا من الواقع لأن الكثيرين من الوعّاظ لا يريدون أن يضعوا أيديهم علي الجرح بل يريدون أن يعظوا الجرح في أن يدبّر أمره بنفسه" [119] .

تشويه العلماء صورة فهم النص القرآني والنبوي.

يقول البعض:

"ومع الأسف إن الطريقة التي درج عليها الكثيرون من العلماء في استنطاق قواعد اللغة العربية، ربما تؤدي إلي الكثير من تشويه صورة فهم النص القرآني، أو فهم النص النبوي، أو أحاديث أهل البيت (ع).." [120] .

علماؤنا لا يهتمون بالقرآن.

وهو القائل عبر أثير إذاعة تابعة له:

"علماؤنا لا يهتمون بالقرآن، القرآن عندهم علي الهامش".

إختصاص العلماء مقتصر علي الفقه.

العلماء لا يملكون عمق التحليل في العقائد.

العلماء لا يهتمون

بالمسائل العقيدية.

لا إلمام للعلماء بالعقائد.

خوف العلماء من العامة هو سبب عدم اهتمامهم بالعقائد.

ويقول هذا البعض:

"من المؤسف أن المسائل العقيدية لا تولي الإهتمام المناسب عند العلماء انطلاقا من اقتصار تخصصهم علي الفقه وأصوله، مما يجعلهم غير ملمين بالجانب العلمي للعقائد، فلا يملكون عمق التحليل فيه، وربما كانت مراقبة العوام سببا لذلك لدي البعض منهم" [121] .

ونقول:

لعله غاب عن ذهنه توقف الاجتهاد علي كثير من العلوم ومن جملتها علم الكلام في كثير من مباحثه، علما أن الفقهاء المتكلمين كثيرون، ومنهم المفيد، وابن شاذان، والعلاّمة الحلي، والشيخ الطوسي، والسيد المرتضي، والفاضل المقداد، وغيرهم ممن لا تتيسّر الإحاطة بهم، ولا مجال لحصر أسمائهم، وليراجع الفهرست الذي وضعه في هذا الشأن السيد محسن الأمين في الجزء الأول من أعيان الشيعة، وليراجع أيضاً: تأسيس الشيعة لفنون الإسلام وغيرهما.

المرجعيات تقبع في الزاوية.

إكتفاء المرجعيات بالعاطفة.

لا توجد مرجعية رائدة.

الأسماء المطروحة للمرجعية تقليدية غير منفتحة.

حركة المراجع تنطلق من طموحاتهم للمرجعية.

ويقول:

"إن المرجعيّات عندما تنطلق في صيغتها التقليديّة فإنّها تقبع في زاوية معينة من الساحة، وتكتفي بهذا الجوّ العاطفي الذي تمنحه إياها الساحة" [122] .

ويقول:

"إن الأسماء المطروحة لا تزال أسماء تقليدية تنطلق طموحاتها للمرجعية من خلال خبرتها في الفقه والأصول، وقد تختلف بعض الأسماء عن بعض في بعض نوافذ الوعي".

إلي أن قال:

"لذلك فان من الصعب من خلال هذه الأسماء أن ينفتح الواقع علي مرجعية رائدة منفتحة علي الواقع الإسلامي كله" [123] .

ونحن نجلّ علماءنا عن أن يكون لهم طموحات للمرجعية، فان هذا ما لم نعهده منهم، بحسب ما عرفناه عنهم وألفناه منهم.

أسماء المرجعيات لا تملك الكثير من الوعي.

لا إضاءات كبيرة في الحركة التاريخية للمرجعيّات.

ويقول ذلك البعض:

"إن الأسماء المطروحة في ساحة الحوزات العلمية لا تملك الكثير من الوعي المرجعي الذي يطل علي المسألة السياسية من موقع متقدم، باعتبار أن حركتهم التاريخية من حياتهم الماضية لا تمثل إضاءات كبيرة" [124] .

التخلف سبَّب خطأ العلماء في فهم النص والواقع.

أغلب العلماء لا تزال نظرتهم سلبية للمرأة.

قليل من العلماء درس القضايا بعمق.

يقول هذا البعض:

"إن جو التخلف حين يتفشي لا يستثني علماء الدين من الإصابة والتأثر به، إذا ما كان عندهم الإستعداد لذلك، بحيث يعكس عالم الدين هذا التأثر اللاشعوري بالبيئة، ورواسب التخلف الموجودة فيها في فهمه للنص والواقع.

لذلك فان غالبية علماء الدين تبنّوا ولا يزالون نظرة سلبية تجاه المرأة، وقليل منهم من درس القضايا بالعمق الخ.." [125] .

العلماء قوي تخلّف.

العلماء قوي عنت.

العلماء غير مستعدين للحوار.

العلماء لا يقرؤون.

العلماء لا يسمعون.

العلماء يصدّرون فتاوي ض_الة.

العلماء يصدّرون كلمات نابية.

سئل البعض:

الا تعتقدون أن الاختلاف في الاجتهاد يؤدي إلي بروز مدارس مختلفة بعضها يخالف بعضها الآخر؟

فأجاب:

"هذا صحيح، ولكن هناك فرق بين من يتحدث بطريقة موضوعية علمية وبين من يتحدث بخلاف ذلك. فالسيد الخوئي مثلاً كان لا يري ولاية الفقيه العامّة، في حين أن السيد الخميني يري ولاية الفقيه العامة. ولكن كلاًّ منهم يحترم الآخر، فالسيد الخوئي كان يشجّع جماعة من المؤمنين أن يدفعوا الحقوق الشرعية للثورة الإسلامية في وقتها. وأنا أعرف أن الحكومة العراقية حاولت الضغط علي السيد الخوئي لإصدار ولو موقف حيادي بين العراق وبين إيران في الحرب، ولكنه رفض ذلك. ولقد قلت مثلما قال الإمام الخميني إن هذا يحزّ في قلبي ويدميه

أكثر من الرصاص، ولست الوحيد في ذلك، فالكثير من العلماء المصلحين المجاهدين يواجهون من قوي التخلّف العنت، فهؤلاء غير مستعدين للحوار، ولا هم يقرأون أو يسمعون، بل يصدّرون الفتاوي الضالّة، والكلمات النابية. وإني لأعتبر الفتاوي التي تتحرك بلا حساب من دون ارتكاز، فتاوي ضالة ولا غرابة أن نري أنه من نفس الموقع الذي كان يُواجه الإمام الخميني بالأمس يواجه العلماء الصالحون والمجاهدون اليوم [126] .

وقفة قصيرة

لست أدري كيف نفسر قول هذا البعض عبر إذاعة تابعة له عن علماء الأمة، ومراجع الطائفة بأنهم معقّدون، وأنهم عملاء للمخابرات تارة أو واقعون تحت تأثيرها أخري، وبأنهم موساد. وأنهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً، وأن مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، وأنهم إنما يفهمون الكلام بغرائزهم، وأنهم يعانون من عقدة. وأنهم متخلفون. وأنهم يثيرون الفتنة، ويربكون الساحة، وأنهم، وأنهم..

وأنه هو المصلح، وهو الواعي، والمجاهد، والمنفتح، والمجدّد، والمثقّف، وأنه يقول مثل ما قال الإمام الخميني!!!! وأنه هو العلماء الصالحون والمجاهدون، وأنه..، وأنه..

وما ذلك إلا لأنهم واجهوه بكلمة الحق، ولم يقبلوا منه جرأته علي الأنبياء، وردّوا عليه تعدّياته علي قضايا العقيدة. ونصحوه، وبذلوا الكثير من المحاولات لإصلاح أمره، ورأب الصدع. ودعوه للحوار العلمي.. فرفض. ورفض، وهاجمهم في كل اتجاه وعلي كل صعيد. واستخدم للتشهير بهم وتحقيرهم مختلف التعابير والوسائل المتوفرة لديه.. وما أكثرها..

الواقع الشيعي كان خارج التاريخ.

لعل الشيعة عزلوا أنفسهم عن حركة الحياة، أو عزلوهم.

كان الشيعة جماعات منفصلة عن الواقع السياسي والثقافي في العالم.

الذهنية العامة للشيعة في العالم لا تزال ذهنية تقليدية.

الواقع الشيعي والحوزات تفكر في الثقافة الفقهية والأصولية للمرجع.

الشيعة وحوزاتهم لا يفكرون بالانفتاح والمعاصرة.

الشيعة والحوزات لا يلاحظون وجود

ثقافة سياسية.

الواقع الشيعي والحوزات لا يزال واقعاً تقليدياً.

دور المرجع محصور في الفتوي وقبض الحقوق والتراخيص.

الواقع الشيعي والحوزات هو ضد مصلحة التشيع.

لا توجد لدي مراجع النجف وإيران أفكار أو تطلعات بمستوي حاجة الواقع الشيعي.

سئل البعض:

ما الفرق بين دور المرجعية الدينية ماضياً وحاضراً؟ كيف هي العلاقة بين المرجعية الدينية وبين موضوع ولاية الفقيه وقيادة النظام الإسلامي؟ وما الضرورات الواجب دراستها في ما يخص المرجعية في العالم الإسلامي؟

فأجاب:

"بالنسبة إلي مسألة المرجعية في الماضي والحاضر أعتقد أن الموضوع مختلف جداً، بحيث أن الشروط التي كانت توضع للمرجع في الماضي، لا بد من إضافة شروط إليها في الحاضر لأن الواقع الشيعي كان خارج التاريخ وكان الشيعة يمثلون مجرّد جماعات منفصلة عن الواقع السياسي والثقافي في العالم، باعتبار أنهم عزلوا أنفسهم أو أن الآخرين عزلوهم عن حركة الحياة. أما الآن فقد أصبح المسلمون الشيعة في قلب التجربة السياسية والثقافية والأمنية في العالم، بحيث نجد أن العالم يعمل علي دراسة الفكر الشيعي وكل حركات الشيعة وكل خطوطهم السياسية، مما يفرض وجود قيادة للعالم الإسلامي الشيعي تختلف عن القيادة السابقة، بحيث لا بد أن تكون _ بالإضافة إلي معرفتها الواسعة بالشريعة وتقواها _ أن تكون واعية للواقع السياسي العالمي ومنفتحة علي الواقع الثقافي العالمي ومنطلقة في سبيل التخطيط للأوضاع الجديدة قبل أن يفرضها الآخرون علينا.

ونحن نلاحظ أن الذهنية العامة لدي الشيعة في العالم لا تزال هي الذهنية التقليدية، التي تنظر إلي الفقيه الذي يراد تقليده باعتباره الأعلم في الفقه والأصول وهو الأورع وما إلي ذلك. وهذا ما لاحظناه في التجربة التي عشناها، سواء في الذين رجعوا إلي المرجع الموجود في النجف أو المرجع الموجود

في إيران، فإننا لا نجد في هذا الجانب أية أفكار جديدة أو تطلعات جديدة بالمستوي الذي يحتاجه الواقع الشيعي، لأنه ليست هناك أية مبادرات هنا أو هناك مما يعني أن الواقع الشيعي حتي واقع الحوزات _ لا يزال يفكر بأن المرجع الشيعي هو المرجع الذي يتميز بثقافة فقهية أصولية، من دون أن يلاحظ وجود ثقافة سياسية ومعاصرة أو انفتاح علي الواقع المعاصر. إن هذا يعني أن الواقع الشيعي _ حتي في عالم الحوزات _ لا يزال واقعاً تقليدياً، فلا فرق بين موقع وآخر.

ونحن نعتقد أن هذا من الأمور التي هي ضد مصلحة حركة التشيع، لأن دور المرجع بقي محصوراً في إصدار الفتاوي وقبض حقوق وترخيص أخري ولا دور في خارج نطاق هذا الموضوع.

.. الجديد الذي حصل في واقع التشيع هو مسألة الولاية، باعتبار أن الولي الفقيه هو الإنسان الذي لا بد أن يكون _ بالإضافة إلي اجتهاده وعدالته _ عارفاً بأمور زمانه ومحيطاً بها ومنفتحاً علي كل قضايا الواقع الإسلامي في العالم، لا الواقع الشيعي فحسب بل واقع المستضعفين في العالم" [127] .

بعض المراجع يعطون الرأي فيما لا يملكون معرفته.

بعض المراجع يعطون آراءهم اعتماداً علي نظرات سريعة.

بعض المراجع يعطون الرأي اعتماداً علي غير الثقات.

بعض المراجع يعطون الرأي اعتماداً علي من لا يملك دقّة المعرفة.

ويقول البعض أيضاً.

"ونحن نلاحظ أن بعض المراجع قد يعطون الرأي في كثير من المواقف أو المواقع أو الأشخاص فيما لا يملكون معرفته اعتماداً علي نظرات سريعة، أو علي نقل بعض الأشخاص الذين لا يملكون الثقة أو دقّة المعرفة" [128] .

وقفة قصيرة

1 _ إن من يراجع الفقرات التي ذكرناها في هذا الفصل؛ بالإضافة إلي نصوص

أخري منثورة في ثنايا هذا الكتاب يجد أن من حقه أن يخرج بالنتيجة التالية:

إن هذا البعض حين يرمي الطائفة وعلماءها بما يرميهم به نجده يطلق أوصافاً أخري تخالفها، مثل التجديد والانفتاح والمعاصرة وما إلي ذلك، ملمّحاً أو مصرّحاً بأنه هو الوحيد _ تقريبا _ الذي يتحلي بها _ فيرسم بذلك لنفسه شخصية ذات مواصفات معينة، ثم يسقطها علي الأدلة الشرعية، ثم يقدمها إلي القارئ والمستمع علي أساس أنها هي الأدلة، وهي الشرع.. حتي ليجد الإنسان العادي نفسه أمام خيار وحيد هو هذا الرجل دون سواه.

2 _ إننا نريد للقارئ أن يسأل هذا البعض عن المصلحة وعن السبب في طرحه لتساؤلات، واحتمالات ترتبط بواقع طائفة الشيعة الإمامية دون غيرها.. حتي تكون النتيجة هي إظهار هذه الطائفة علي أن من الممكن أن تكون هي قد عزلت نفسها عن حركة الحياة، وأن الواقع الشيعي خارج حركة التاريخ، وأنه تقليدي. وأنه ضد مصلحة التشيع. وأن الشيعة لا يفكرون بالانفتاح والمعاصرة.. وما إلي ذلك!!.

3 _ ثم نريد للقارئ أيضاً أن يسأله عن السبب والسر في مهاجمته للحوزات العلمية للشيعة بهذه الحدّة والشدّة..

4 _ ويسأله كذلك عن السر في وصف المراجع بهذه الأوصاف المهينة والمشينة.

5 _ ثم نريد من القارئ الكريم أن يقف ليتأمل بتجرّد، ومقارنة، ليعرف من خلال ذلك من هو ذلك الذي لا يملك معرفة كافية في أمور العقيدة.. هل هم المراجع.. الذين تصدّوا لمقولات هذا البعض، التي طالت مختلف شؤون العقيدة، ومفرداتها. والدين وحقائقه، وشعائره ومسلماته..

أم هو الذي أطلق هذه المقولات التي يتعذّر علي الإنسان العادي حصرها، وكثير منها تخالف أبده البديهيات فضلاً عن الكثير الآخر الذي هو داء ليس له دواء؟!

ومن هو ذلك الجدير بالثقة، هل هو الحوزات العلمية التي هبّت بعلمائها ومراجعها للدفاع عن حقائق الدين؟ أم هو الذي لا يكل ولا يمل ولا يرتدع عن محاولات التشكيك بهذه الحقيقة وبتلك في مختلف قضايا الدين والإيمان؟!

ومن هو المتسرّع، هل هو الذي يجيب بالمتناقضات في أكثر الأمور حساسية كمسألة العصمة وغيرها؟!

أم هو الذي يشكل لجنة من العلماء الموثوقين ليدرسوا مقولات غريبة، أطلقها البعض ولا يزال يؤكدها ويرسخها بمختلف ما يملك من وسائل؟

ومن الذي لا يملك الدقّة في المعرفة؟ ويعيش هاجس العمل السياسي، وتستهلكه النشاطات الاجتماعية..

هل هو هذا البعض؟ أم هم علماء الحوزات العلمية ومراجعها، الذين يقضون عمرهم في التحقيق والتدقيق في أمور الدين ويحملون هَمّ الحفاظ علي الإسلام وحفظ ورفعة شأن المسلمين، ولا همّ لهم، ولا عمل سوي ذلك؟!.

إن الحوزات العلمية هي التي خرّجت أساطين العلم وأفذاذ الرجال، ممن لم يزل هو وغيره يفخرون بهم ويحاول اكتساب الثقة والمقام الرفيع بربط اسمه باسمهم، وأن يحكي للناس ما يقول عنه: إنه تاريخ له معهم..

بل إنه هو نفسه لم يزل يلهج بانتسابه لهذه الحوزات، ويتغنّي باستمرار بالتلمُّذ علي أيدي علمائها، خصوصاً السيد الخوئي رحمه الله وغيره.

مع أن الذين عاشوا في النجف يعرفون: أن تلمُّذه عليه إنما كان لفترة وجيزة، لا تقاس بتلمّذ الآخرين. من علماء الأمة ومراجعها علي يدي ذلك العالم الجليل والبارع.. خصوصاً إذا أخذنا بنظر الإعتبار الفرق الشاسع بين من يحضر الدرس لمجرد الحضور، فلا يهتم بالقيام بأي نشاط سوي هذا الحضور، وبين من يقضي الساعات ويسهر الليالي للتحقيق في ما سمعه من أستاذه. والتدقيق في النصوص المؤيّدة أو المفنّدة.

الرواسب الجاهلية انعكست علي فهم العلماء للنصوص حول

المرأة.

أجواء التخلف انعكست علي فهم العلماء للنصوص حول المرأة.

العلماء استغرقوا في الجانب الوحيد الذي عاشوه حول المرأة.

النصوص كانت متوافقة مع الذهنية الاجتماعية السائدة.

هناك رواسب جاهلية في عمق المجتمع المسلم.

سئل البعض:

هل هذا يعني أن المعرفة الأصح بالنظرة الإسلامية إلي المرأة، تمّت في العصر الحالي، ولماذا؟

فأجاب:

"أعتقد أن عصرنا الحالي هو العصر الذي حقّق فيه علماء الإسلام الانفتاح الأوسع علي الجانب الإنساني والاجتماعي الذي يؤكد إنسانية المرأة بالدّرجة ذاتها في تأكيده علي إنسانية الرجل.

وربما يعود ذلك إلي الآفاق الجديدة التي فتحت في العالم؛ الأمر الذي جعل العلماء يفكرون في الجانب الآخر من الصورة، وقد كانوا مستغرقين في الجانب الوحيد الذي عايشوه في دائرة مجتمعهم، وفي دائرة النصوص المتوافقة مع الذهنية الاجتماعية السائدة" [129] .

ويقول:

"هناك رواسب جاهلية لا تزال موجودة في عمق المجتمع المسلم، وقد انعكست هذه الرواسب متضافرة مع أجواء التخلّف علي فهم النصوص المتصلة بقضية المرأة، وهي نصوص قد تكون خاضعة لظرف معين أو لحالة معينة" [130] .

وقفة قصيرة

إن هذا البعض يقول:

"إن العلماء يفهمون النصوص من خلال رواسب الجاهلية المتضافرة مع أجواء التخلف".

ثم هو يقول:

"إن النصوص حول المرأة لا يمكن أن تفيد في إعطاء رأي الإسلام في المرأة، لأنها نصوص كانت خاضعة لظرف معين أو حالة معينة.."

ولا ندري إن كانت مسألة الحجاب، ومسألة الإرث ومسألة قيمومة الرجل و.. كانت الأخري خاضعة لهذا الظرف، أو لتلك الحالة!!

التقاليد والعادات تجبر الفكر علي الخضوع لها وتبنّيها.

التقاليد والعادات تضغط علي طريقة التفكير.

العلماء الكبار يخافون من مواجهة ضرب الظهور بالسلاسل في عاشوراء.

العلماء يخافون من مواجهة ضرب الرؤوس بالسيوف في عاشوراء.

العلماء لا بد

أن يتأثروا بالأفكار السائدة في المجتمع.

يقول البعض:

"علي هذا النحو، تضغط التقاليد والعادات علي طريقة التفكير وتجبر الفكر علي الخضوع لها وتبنّيها، وهو ما نشهد له أمثلة حيّة في الواقع الإسلامي، حيث تحوّل ضرب الرؤوس بالسيوف وضرب الظهور بالسلاسل في عاشوراء إلي عادة متجذرة يخاف العلماء الكبار الوقوف في وجهها، باعتبار أنها أحد مظاهر التعبير عن الهوية الشيعية.

العلماء كانوا، ومازالوا، جزءاً من المجتمع، وبالتالي،لا بد من أن يتأثروا بالأفكار السائدة فيه" [131] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا البعض قد وقع في التناقض، فتارة يقول:

"إن العادات والتقاليد تجبر الفكر علي الخضوع لها وتبنيها وتضغط علي تفكير العلماء.. مما بعني أن الفكر قد قبل بالفكرة وتبناها".

ومعني ذلك أنهم يبرزون أفكارهم بلا خوف ولا وجل من أحد، لأنها أفكارهم وقناعاتهم.

وتارة يقول:

"إن العلماء يخافون من الناس".

ومعني ذلك أنهم لا يتبنون أفكار الناس ولا يوافقونهم عليها، ولا يخضع فكرهم لها..

والخلاصة: إن الموافق للناس لا يخاف من إبراز ما عنده: والذي يخاف من إبراز ما عنده لا يوافق الناس ولا يتبنّي ما عندهم.

اهانات للأمة وعلمائها أو هكذا ينتقم لنفسه

نحن أناس متعصبون.

نحن أناس لسنا ملتزمين.

ويسأل البعض:

لماذا يمثل التقليد مشكلة عند الشيعة.

فيجيب: ويورد في الإجابة كلاماً يتحدث فيه عن لزوم الإبتعاد عن العصبية، وأن مشكلة التقليد هي مشكلة العصبيات.

ويقول:

"إن العصبية ليست ديناً (فمن تعصب أو تعصب له، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) ونحن أناس متعصبون، ولسنا ملتزمين" [132] .

ويقصد بكلامه هذا شيعة أهل البيت رضوان الله تعالي عليهم.

تجمّد مفهوم المسلمين لدينهم.

المسلمون يتعلّقون باللفظ دون المعني.

المسلمون عاجزون عن استحضار القيمة الحقيقية للإستغفار.

المسلمون تعاملوا

مع الإستغفار كعبارة لغوية معلّبة.

يقول البعض:

"لقد تجمّد مفهوم المسلمين لدينهم، فأصبحوا يتعلّقون باللّفظ دون المعني. ونحن نري أن القرآن كان منطلقاً فكرياً. أما الدعاء، وأعني هنا الدعاء النبوي بشكل خاص، فقد كان تجسيداً لخبرة وتجربة الرسول (صلي الله عليه وآله) التي نستوحيها ونستلهمها.." [133] .

ويقول:

"ونحن نري: أن المشكلة في قضية الإستغفار بالتحديد هي عدم قدرة المسلمين علي استحضار القيمة الحقيقية للإستغفار، التي ترتبط بالسلوك، وتنعكس عليه. بل إنهم _ بكل أسف _ تعاملوا معها باعتبارها عبارة لغوية معلّبة، الغرض منها، هو ترديدها لفظاً" [134] .

وقفة قصيرة

إنك تراه يهين المسلمين جميعاً، وينسب إليهم جمود مفهوم الدين لديهم، وأنهم يتعلّقون باللفظ دون المعني.. ليُظهر نفسه علي أنه هو المنفتح المجدّد، والواعي، فيقول:

"ونحن نري أن القرآن كان منطلقاً فكرياً إلخ.."

ثم هو يهين المسلمين مرة أخري، ويتهمهم بأنهم "غير قادرين علي استحضار القيمة الحقيقية للإستغفار إلخ.." مظهراً نفسه أنه المفكّر والواعي الذي يعرف المشكلة، ويأسف لطريقة تعامل المسلمين معها.

هناك عقليات لا تزال تعيش قبل مئات السنين في أساليبها وفي نظرتها.

عقليات تنظر للأمور من خلال الزوايا المغلقة التي تتحرك فيها.

عقليات تنظّر للأمور من الأجواء التجريدية التي تغرق فيها بعيداً عن الواقع.

الكثيرون يعيشون خارج نطاق التاريخ.

إن هؤلاء يفرضون أنفسهم علي مواقع الوعي في الأمة.

هؤلاء الكثيرون يفرضون أنفسهم علي مواقع القرار.

فرض أنفسهم علي مواقع القرار يفقد الأمة توازنها.

فرض أنفسهم علي مواقع القرار يضيّعها في متاهات التجريد.

هؤلاء لا يصلحون لمواقع القرار.

الأمة لا تتحرك للمستقبل من خلال كهوف الماضي.

إنهم كهوف تحمل الكثير من الظلام.

إنهم كهوف تحمل الكثير من عناصر التخلّف.

سئل البعض:

في كلمة له أثناء

افتتاح مؤتمر عن جمال الدين الأفغاني في طهران [135] حمل رئيس الجمهورية الإسلامية السابق الشيخ رفسنجاني علي من أسماهم (المتعصبين في الحوزات الدينية) وأشاد بمن أسماهم أصحاب (العقول المنفتحة) وبمنظّري (التغيير الواقعي).

كيف تنظرون إلي هذه الرؤية، وأين هي التحديّات الحقيقية التي تواجه الحوزات الدينيّة وحركة العلماء عموماً؟

فأجاب:

"إنني ألتقي مع هذا الطرح الذي يدرس رسالة الحوزات الدينية دراسة واقعية ميدانية رسالية بحجم الرسالة الموكلة إلي هذه الحوزات في الإنفتاح علي العالم بالإسلام.

إنَّ هناك عقليات لا تزال تعيش قبل مئات السنين في أساليبها وفي نظرتها إلي الأمور من خلال الزوايا المغلقة التي تتحرّك فيها، والأجواء التجريديّة التي تغرق فيها بعيداً عن الواقع. إنَّ هناك الكثيرين من هؤلاء الذين يعيشون خارج نطاق التاريخ، ويفرضون أنفسهم علي مواقع الوعي في الأمة، وعلي حركة القرار في الأمة، فيؤدي بالأمة إلي أن تفقد توازنها وتضيع في متاهات التجريد بعيداً عن حركيّة الواقع، إنَّ مثل هؤلاء لا يصلحون لأن يكونوا في مواقع القرار، لأنَّ القرار، سواءً كان فقهيّاً أو سياسيّاً أو اجتماعياً يمثل حركة الأمة نحو المستقبل، ولا يمكن للأمة أن تتحرّك نحو المستقبل من خلال كهوف الماضي التي تحمل الكثير من الظلام ومن عناصر التخلّف" [136] .

الكثيرون من المسلمين اليوم يقولون لعلي: كم شعرة في رأسي.

نحن المسلمين نريد دخول الحياة من الزوايا المغلقة.

نحن المسلمين نريد أن نجر ذكري أهل البيت إلي جو التخلّف.

يقول البعض:

"إنّ الكثيرين منا في ما يتحدثون وفي ما يتناقشون به ومما يثيرونه من أشياء هامشية، قد يقولون لعلي (ع) وللزهراء (ع) وللأئمة (ع) كم شعرة في رأسي، لأن ضيق الفكرة هنا هو ضيق الفكرة نفسه هناك، ولقد أراد علي

(ع) من خلال رسول الله (ص)، وكذلك أراد لنا ابناؤه وزوجته الطاهرة (ع)، أن ندخل الحياة من الباب الواسع، ولكننا نريد أن ندخلها من الزوايا المنغلقة، فمشكلة أهل البيت (ع) أنهم أرادوا أن يفتحوا لنا أبواب الوعي، ونحن نريد أن نجرّ ذكراهم إلي جوّ التخلّف لأن المتخلفين لا يحبّون إلاّ أن يعيش الآخرون معهم في أجواء التخلّف" [137] .

فيلاحظ: أنه قد تحدث أولاً عن "الكثيرين منا" ثم استطرد في حديثه ليتحدث "عنا" بصورة التعميم، ويدخلنا من ثم في أجواء التخلف، خصوصاً في ما يرتبط بالمناسبات المرتبطة بأهل البيت، مثل عاشوراء، وعيد الغدير وغيرهما.

ندرس الكثير من التاريخ ومن القرآن علي أساس مشاعرنا لا عقولنا.

الكثيرون منا موقفهم هو تأويل ما لا ينسجم مع الموروث.

أصبح استظهار النصوص خاضعاً للذهنيات المسبقة لدينا.

صار القرآن صوراً لما نفكر به بدل العكس.

التاريخ صورة لما نفكر به بدل العكس.

عواطفنا تحكم الكثير من حركة البحث عندنا.

لسنا عقلانيين ولا موضوعيين.

لا ندرس القرآن والسنة علي أساس القواعد التي يتلاقي عليها الناس في فهم النص.

التضليل والتفسيق يطال من يقول إن القرآن ظاهر فيما لا يتفق مع المتوارث.

نحن ضعفاء في الثقافة وفي الحجّة.

يقول البعض:

"مشكلتنا أننا ندرس الكثير من نصوص التاريخ أو نصوص القرآن الكريم علي أساس مشاعرنا لا علي أساس عقولنا، ولهذا تري الكثيرين قد يأخذون موقفاً مسبقاً من مختلف القضايا، فإذا كان النص يتفق مع موقفهم أخذوا به، وأما إذا كان لا ينسجم مع ما توارثوه فإنهم يعملون علي تأويله وإبعاده عن ظاهره وعن سياقه، ولذا فقد أصبحت عملية استظهار النصوص خاضعة للذهنيات المسبّقة التي نحملها. وغدونا نفرض الكثير من هذه الذهنيات علي القرآن

نفسه، حتي صار القرآن صورة لما نفكر به، بدل أن يكون ما نفكر به صورة قرآن، والأمر نفسه حصل بالنسبة للمسائل التاريخية التي تتصل ببعض الخطوط الفكرية والثقافية والعقيدية، فإن البعض يختار من النصوص التاريخية ما يناسبه ويرفض منها ما لا يروق له، أو أنه يحاول أن يرتب التاريخ علي حسب مزاجه ومذاقه الفكري، لا أن يجعل مزاجه الفكري خاضعاً لنتائج البحث العلمي التاريخي.

تحكّم العاطفة في حركة البحث

إن مشكلتنا أننا عاطفيون، وعواطفنا هي التي تحكم الكثير من حركة البحث عندنا، ولسنا عقلانيين موضوعيين ندرس الأمور علي أساس الكتاب والسنة انطلاقاً من القواعد التي يتلاقي عليها الناس في فهم النص العربي، ولا نخضع تفكيرنا للنتائج المستفادة من الكتاب والسنة، حتي إذا جاءنا شخص وقال إنّ الكتاب ظاهر في أمر ما، أو السنّة ظاهرة في حكم ما مما لا يتفق مع المألوف والمتوارث، نادينا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتحركت حملات التكفير والتضليل والتفسيق.

إن الذين يتّبعون هذه الأساليب فيتهمون من خالفهم في اجتهاداتهم بالكفر والضلال والفسق والانحراف، ضعفاء في ثقافتهم كما هم ضعفاء في حجّتهم، لأن من يملك الحجة لا يشتم، ومن يملك البرهان الساطع لا ينطق بالكلمات غير المسؤولة" [138] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن كلام هذا البعض موجّه إلي أهل الإسلام.. كما هو ظاهر. فهو يتهمهم بتلك التهم الباطلة، ويسجل للتاريخ هذه الشهادة عليهم.. وسوف تكون شهادة مقبولة عند الأعداء، لأنها تمثل اعترافاً طوعياً. يفرح به الأعداء، ويحزن له الأصدقاء، الذين يعرفون أنه غير صحيح، أو لا أقل هو غير دقيق.

ولا نريد أن نقول هنا أكثر من ذلك.

2 _ إن الظاهر من كلام هذا البعض: أنه بصدد التجريح بعلماء الإسلام وبمراجع

الدين الذين وقفوا من مقولاته المخالفة لحقائق الدين والتاريخ والعقيدة وغيرها موقفاً صريحاً، وقوياً وحازماً..

وقد وصفهم بأنهم "أيدهم الله" ضعفاء في ثقافتهم، كما هم ضعفاء في حجتهم، فأين هو دليله المفيد لليقين في هذا الأمر، فإن هذا النفي يحتاج إلي دليل، ولا بد أن يكون يقينياً حسب مقرراته.

3 _ إنه يصور الأمر فيما بينه وبين غيره علي أنه اختلاف في الاجتهاد مع أن الأمر ليس كذلك، إذ ليس من حق أحد أن يجتهد في الحقائق اليقينية الثابتة والذي يفعل ذلك، فإنه يتحمل مسؤولية ما قدم عليه، فإن خالف أمور العقيدة وحقائق الدين، فإنه تترتب عليه آثار ذلك، ويحكم عليه بما يحكم علي كل مخالف، ولا يصح له أن يعتذر بالاجتهاد، ولا يمنع اجتهاده هذا ترتب تلك الآثار والأحكام عليه، وإلا لصح للمسيحي واليهودي والملحد أن يعتذر بالاجتهاد.. فإن اجتهاد المسيحي والملحد لا يمنع من الحكم عليه بالكفر وبعدم جواز تزويجه، وبحرمانه من الإرث، وعدم قبول شهادته، وحرمة أكل ذبيحته وما إلي ذلك..

كيف يكون مؤمناً ويغتاب المراجع؟!

يغتاب بحجّة نصرة المذهب ومواجهة الضلال.

لا يريدون نصرة المذهب ولا مواجهة الضلال ولكنه الشيطان يوسوس.

سئل البعض:

لي صديق عزيز أذهب إليه، ونجلس، ونتحدث، ولكنه يتكلم بالسوء علي مرجعيّة كبيرة ومؤمنة. وعندما أقول له: لا يجوز ذلك. لا يقبل مني، بل يزيد حملاته، وهو إنسان مؤمن.

فأجاب:

".. كيف يكون مؤمناً، وهو يغتاب المراجع؟، وهو يعلم أن الغيبة طعام كلاب أهل النار.

وأن الله تعالي يقول: (ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه((الحجرات12).

وأن الغيبة أشد من الزنا.

قالوا: كيف؟.

قال: لأن الزنا قد يغفره الله للإنسان إذا تاب، ولكن

الغيبة لا يغفرها الله، حتي يغفرها صاحبها.

لقد أصبح البعض من الناس يبرر لنفسه اغتياب الآخرين بعناوين مختلفة؛ فمنهم من يقول أريد نصرة المذهب، والوقوف ضد الضلال، وهكذا.. ولكنه الشيطان يوسوس لبعض الناس" [139] .

وقفة قصيرة

1 _ لا أدري كيف أجاز هذا البعض لنفسه أن ينفي الإيمان عن إنسان، لمجرّد أنه ارتكب جريمة الغيبة.

2 _ من أين علم أن ما يذكره ذلك الصديق لصديقه هو من مفردات الغيبة المحرّمة، فلعل تلك المرجعية التي يتحدث عنها تستحق أكثر من ذلك.. بسبب ما صدر عنها من مخالفات للدين وللإسلام كله، بنظر هذا المغتاب؟ ولعل المغتاب قد سمع أو قرأ ما يبرر له غيبة ذلك الذي يوصف بأنه (مرجعية)..

3 _ وحتي لو لم تكن تلك المرجعية بهذه المثابة من الإنحراف والسقوط، فلعل ذلك الصديق الذي أحبه ذلك الرجل، ولمس منه الإيمان والتقوي _ لعله _ معذور في اغتيابه لذلك الشخص.

أما وصف المرجعية بأنها كبيرة فلا يدفع هذا الاحتمال، ولا يزيل آثاره.

4 _ لماذا لا نقبل ممن يقول: أريد نصرة المذهب، ومواجهة الضلال، ونصدقه فيما يقول؟، أو لماذا لا نأخذ كلامه مأخذ الجدّ علي الأقل ونحقق وندقق في الأمر؟! وكيف صح من هذا البعض أن يعتبر ذلك وسوسات شيطانية؟!.

5 _ ثم إن نفس هذا البعض يغتاب المراجع، ويصفهم بعدم التقوي، ويصغّر من شأنهم، ويصورهم علي أنهم ألعوبة في أيدي غيرهم حتي علي شاشات التلفاز وفي الإذاعات وعلي صفحات الصحف والمجلات..، فلماذا لا يرضي بأن نأخذ بمداليل كلامه ونطبقه عليه أيضاً؟ أم أن باءه تجرّ، وباء غيره لا تجر؟!.

6 _ إن هذا البعض يقول:

"إن النفي يحتاج إلي دليل، والإثبات كذلك".

ويقول:

"إن الدليل

لابد أن يوجب اليقين".

فما دليله علي نفي الإيمان عن هذا الشخص المسؤول عنه؟!.

لا يجوز التهجّم علي علماء الدين.

ثم يناقض نفسه فيتهجم علي المراجع والعلماء فيقول:

من يضلّل ويكفّر.. لا يستعمل علمه.

المشكلة في من يضلل ويكفر هو انعدام التقوي.

سئل البعض:

هل يجوز التهجم علي علماء الدين وغيرهم لسبب أو لآخر، مع عدم معرفتنا بظروفهم، وعدم الإطلاع علي طبيعة أوضاعهم؟!.

فأجاب:

"لا يجوز ذلك" [140] .

ونقول:

إننا لم نعرف إن كان مقصوده: أنه مع الاطلاع علي الأوضاع والظروف يجوز التهجّم علي العلماء، أم أنه لا يجوز.

ولأجل ذلك اتجهنا نحو بيانات أخري لهذا البعض، فوجدناه قد سئل مرة أخري، وذلك في الأسبوع التالي للأسبوع الذي وجه إليه فيه السؤال السابق فقيل له:

ما هو الحكم في الطعن بسيرة العالم وتسقيطه.

فأجاب:

"هذا إجرام وربما يصل إلي درجة كبيرة من الحرمة، لأنه إساءة إلي موقع القيادة الربانية" [141] .

وحتي هذا المقدار لم يقنعنا أيضاً، فتابعناه في الأسابيع التالية، فوجدناه يوجّه له سؤال آخر بعد شهر واحد من توجيه السؤال السابق، والسؤال هو:

يطلق بعض الناس العنان لألسنتهم في الكلام حول المراجع العظام، والعلماء العاملين. وفي كل مكان يجلسون فيه يتحدثون عن أن المجتهد الفلاني أصدر فتوي بكذا. أو حرم كذا، وأحلّ كذا، ويبدأون بتقييم هؤلاء، وتقييم هؤلاء، وتقييم فتاواهم. فما رأيكم بمثل هذا الصنف من الناس.

فأجاب:

"السؤال أولاً: هل إن هؤلاء يملكون الثقافة الشرعية فيما يقيّمون؟! وهل يملكون التقوي التي يستطيعون من خلالها أن يقيّموا العلماء والمراجع؟! ذلك أن كثيراً من هؤلاء إما أن يكونوا من العوام، أو من أشباه العوام بأساليبهم وبطريقتهم..".

إلي أن قال:

"وباختصار نقول: إن الشخص

الذي ليس عنده علم وثقافة لا يصح أن يتدخل في هذه الأمور. والذي عنده علم يُسأل عن الدليل.

أما الذي عنده علم، ويضلّل، ويكفّر الناس، فهذا لا يستعمل علمه. وإلا فمن السهل أن يتّهم، ويفسّق الناس علي الطريقة السائدة في الأوساط السياسية: فهذا خائن، وهذا عميل.

ولدينا الشيء نفسه، فهذا كافر، وهذا فاسق، وهذا ضال. والمشكلة هي انعدام التقوي.

وحينما نقول: أن لا دخل للجاهل في هذه الأمور، لأنه لا يعرف أسس الفتوي، نري أن البعض يقول: إن العلماء السابقين الخ.." [142] .

وقفة قصيرة

1 _ إننا لا نريد أن نناقش ما قاله هذا البعض هنا، ولكننا نلفت نظر القارئ إلي أن الجواب لا يتناسب مع السؤال.. فإنه سأله عن أناس يتداولون فيما بينهم الحديث عن فتاوي العلماء، ويقيّمونها.. فجاء الجواب بهذه الطريقة القاسية التي تحمل في طياتها الكثير من الإهانة لهم..

فهل تقييم الأشخاص فيما يعلنون به من أفعال.. سواء أكانت فتاوي أم غيرها حرام وممنوع، حتي استحق هؤلاء هذه القسوة من هذا البعض؟!

أم أن ذلك يعتبر من مفردات الغيبة عنده؟!.

وهل الحديث عما هو ظاهر ومعروف ويتدواله الناس وخصوصاً تقييم الفتاوي، ومن يفتي بها، بهدف الرجوع إليه في التقليد، أو بهدف تلمس مواقع الصواب والخطأ، هل يعتبر جريمة تستحق كل هذه الضجّة والقسوة والإهانات؟!

2 _ كيف ولماذا يشكّك بتقوي هؤلاء الذين يحاولون تقييم الفتوي والمفتي؟!. ولنفرض جدلاً _ أنهم قد أخطأوا ويخطئون في التصدّي لأمر ليسوا أهلاً له.. فهل ذلك يخرجهم عن جادة التقوي؟!!

3 _ ونلاحظ: أنه حكم علي العالم الذي يصدر حكمه علي البعض بالفسق، أو بالضلال أو بالكفر بأنه لا يستعمل علمه.

وسؤالنا هو:

ألف: من أين عرف أنه

لم يستعمل علمه فان النفي _ حسب قوله هو _ يحتاج إلي دليل ولابد في الدليل _ حسب قوله _ أيضاً من أن يكون قطعياً.

ب: ومن أين عرف أنه يتّهم ويفسّق الناس علي الطريقة السائدة عند السياسيين فإن مقتضي حمله علي الأحسن هو أن نقول: إنه قد استعمل علمه، واستعمل الطريقة الشرعية الصحيحة التي أدت به إلي هذه النتائج. وانصاع إلي حكم الشرع بوجوب التصدّي لضلال هذا، أو لكفر، أو لفسق ذاك..

4 _ إنه حكم علي العالم الذي يصدر الحكم علي أهل الضلال والفسق بأنه يعاني من "انعدام التقوي".

ونقول له أيضاً:

أولاً: النفي يحتاج إلي دليل، حسب قوله. ولابد من أن يكون قطعياً حسب قوله كذلك.

ثانياً: مقتضي الحمل علي الأحسن. ومقتضي حمل فعل المسلم علي الصحّة هو أن نصفه بأنه في حكمه هذا _ الذي يعرّض نفسه فيه لمثل هذه الإهانات _ في أقصي درجات التقوي والورع، والانقياد لأحكام الله سبحانه.

وبعدما تقدم فإننا ندعو القارئ العزيز للاطلاع علي بعض ما يصف به هذا البعض علماء الأمة وأعلامها فيما تقدم ويأتي من مطالب في هذا الكتاب.

5 _ إننا نتفهم جيداً ونعطي الحق الكامل لأي إنسان يواجه تهمة مَّا في أن يدافع عن نفسه..

ولكن ليس من حقه أن يمارس في ذلك أساليب غير مشروعة، مثل كيل التهم إلي مراجع الأمة وعلمائها. وتحقيرهم علي صفحات الجرائد، ومن خلال الإذاعات، وعلي شاشات التلفزة المحلية منها والإقليمية، وربما العالمية أيضاً، فضلاً عما يسجله في المقابلات، وما يلقيه في المحاضرات وما إلي ذلك.

إن المتهم إذا كان يعتقد ببراءة نفسه، فما عليه إلا أن يقدم الدليل والحجة.. وكيف وأني له أن يقدم الدليل علي

ذلك؟ وهذه كتبه زاخرة بهذه المقولات، وتلك هي الإذاعات وأجهزة التلفاز، وأشرطة الفيديو، وأشرطة التسجيل لم تزل تحمل للناس علي مر الأيام التأكيد تلو التأكيد علي نفس تلك المقولات التي اعترض عليها علماء الامة وفقهاؤها، ومراجعها ولم يزل هو نفسه يشجّع من حوله علي الكتابة والدفاع عن تلك المقولات، وتزيينها للناس، وتمحّل المؤيِّدات لها في قول هذا العالم أو ذاك ونشهد _ وللأسف _ في كثير مما يقدمونه للناس من كتابات للدفاع عنه عملية خيانة وتزوير، كبيرة وخطيرة جعلتنا نحسب ألف حساب للأخطار التي تنشأ عن هذه الخيانة، وعن ذلك التزوير، نعوذ بالله من الزلل، في القول والفكر وفي العمل..

6 _ إن هذا البعض لم يزل يؤنب الناس علي تصدّيهم لأمور لا خبرة لهم فيها. وما قرأناه آنفاً لعله من أخف حملاته علي هذا النوع من الناس..

ولكننا نجده في مقابل ذلك يفيض في خطبه لهم علي المنابر في كثير من البحوث الكلامية، والاستدلالات الفقهية، وغيرها من العلوم.. وكأنه يدرّسهم دروس الاجتهاد العليا. مع أن الحاضرين تحت منبره، هم من الناس العاديين الذين لا يملكون ثقافة فقهية أو غيرها تخوّلهم فهم هذه المطالب، والتمييز بين صحيحها وسقيمها، وحقها وباطلها..

والذين يلقي عليهم دروسه هذه هم الذين إذا اعترض عليه أحدهم بما لا يروق له، يواجهه بالتأنيب واللوم علي تصدّيه لأمور لا يفهمها..

ومهما يكن من أمر، فإن بالإمكان التأكد من صدقية هذا القول بأدني مراجعه لأي كتاب ينشر محاضراته، وأسئلته وأجوبته..

متفرقات و تناقضات

في المتفرقات

علي.. و مناوئوه

اشاره

1000 _ فكرة (التفضيل) إتعاب للفكر وإرضاء للزّهو.

التفضيل ليس جزءا من العقيدة ولا من الخط.

والله سبحانه يقول: (تلك الرسل فضّلنا بعضهم علي بعض)..

لكن البعض يقول:

"فكرة تفضيل نبي علي آخر،

أو تفضيل إمام علي نبي، كما قد يثار ذلك لدي بعض الفرقاء، أو فيما يثار من تفضيل فاطمة الزهراء (ع) علي مريم، أو العكس، فإن هذا حديث لا يجني الخائض فيه أية فائدة علي مستوي الدين أو الدنيا سوي إتعاب الفكر، أو إرضاء الزهو الذاتي.." [143] .

ويقول:

"هذه الأمور ليست جزءا من العقيدة، وليست جزءا من الخط" [144] .

وقفة قصيرة

إن النبي (ص) والأئمة (ع) هم الذين تحدّثوا عن تفضيل أناس علي غيرهم، وكذلك القرآن حين قال: (تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض)، فهل كان ذلك إتعاباً للفكر، وإرضاءً للزهو الذاتي؟!.

وإذا لم نستطع فهم فوائد بعض الأمور، فهل يجوز لنا أن نبادر إلي التشكيك فيها، وتسخيفها، وردّها بهذه الطريقة؟!.

(حديث الكساء المتواتر)، في سنده مناقشة!!

سئل عن حديث الكساء الذي يفسر آية التطهير، فجاء السؤال والجواب كما يلي:

س: ما صحة رواية أهل الكساء؟

ج _ "الرواية مشهورة، ولكن بعض العلماء يناقش في سندها، باعتبار أن بعض رجال السند ضعاف" [145] .

مع أن حديث الكساء متواتر وليس مشهورا فقط، وهذا مما لا يخفي علي أحد من العلماء، ولا معني لأن يبحث في سند الحديث المتواتر، أما المشهور فإن للبحث في سنده مجالا.

علي (ع) يشرب الخمر.

ولا نريد أن نتهم البعض بما هو بريء منه، ولكننا نقف متحيرين حين تتناهي إلي مسامعنا أخبار متضاربة حول اعتذاراته عن ذكر رواية في تفسير له، تنسب إلي علي (ع) شرب الخمر. ونكتفي هنا بتسجيل واحدة من تلك الأعذار حيث سأله أحدهم:

س: نسب البعض اليكم بأنكم تقول_ون: بأن آية: (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري) نزلت ف_ي الإمام علي (ع).

ج: " ناقشنا هذه المقولة الباطلة والمفتراة

علينا اكثر من مرة. والذي صف حروف التفسير للطبعة الجديدة لم يصف مناقشتنا لهذه المقولة، خيانة منه وكيدا وحسابه علي الله سبحانه".

(هذه العبارات في اجوبته علي أسئلة قدمت إليه وموقعة ومختومة بختمه بتاريخ 16/ج2/1410 ه_. ق).

ومرة أخري قيل له:

روي عنكم أنكم ذكرتم في حلقات التفسير، رواية يرويها إخواننا من أهل السنة في أن الإمام علي (ع) كان يشرب، بدون أي تعليق من جنابكم أي أنه ذكرها في تفسيره _ بعنوان أنها سبب نزول آية:)لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري(، ولم يعلق عليها..

فأجاب:

"لم تذكر في تفسير (من وحي القرآن) الرواية المذكورة. وثانيا: فإن هذا الكلام قد دس في الطبعة الجديدة من قبل من كان يتولي صف الأحرف. وعندما يري تفسير (من وحي القرآن)، في طبعته الجديدة، فسوف ترون فيه مناقشة علمية من جميع الجهات حول هذه الرواية" [146] .

إعتراض عمر علي النبي (ص) في الحديبية كان وعي الصحابة !!

عدالة الصحابة.

نفي جرأة أحد علي النبي (ص).

لا سلبية من الصحابة تجاه النبي (ص).

ومما يدل علي نظرته إلي الصحابة قوله:

"نلاحظ أن ليس هناك في التاريخ شخصية اتفق عليها المسلمون كشخصية النبي (ص). ولم يحدث هناك أية سلبية حيال النبي في كل واقع الإسلام" [147] .

والملفت للنظر: أن هذا النص بعينه قد ذكر في كتاب الندوة ج2 ص 376، لكن فقرة:

"ولم يحدث هناك أيّة حالة سلبية تجاه النبي في كل واقع الإسلام" قد حذفت، مع أن هذه الفقرة قد ذكرها في سياق حديثه عن التحريف وإدانته علما أن كتاب الندوة إنما هو عبارة عن مجموع المحاضرات التي ألقيت في دمشق وطبعت في نشرة فكر وثقافة كما هو واضح

لمن راجع هذا الكتاب.

مع أن بعض الصحابة قد نفروا الناقة برسول الله (ص) ليلة العقبة ورفضوا تجهيز جيش أسامة، وقال بعضهم عنه (ص): إن النبي ليهجر!!

والكل يعلم ماذا جري له (ص) مع بعضهم في يوم الحديبية.

وإن كان هذا البعض قد اعتبر اعتراض من اعترض علي النبي (ص) مظهرا عدم تسليمه لما يقرره الرسول (ص) وعن شكه في صوابية تصرفاته (ص) _ اعتبر البعض ذلك _ وعي الصحابة!!

مع أن من اعترض معروف ومحدد، ولا يمكن نسبة ما صدر عنه إلي الصحابة، كما لا يمكن اعتبار ذلك وعيا!!

يقول ذلك البعض:

"لا يمكن لأية قيادة إسلامية أن تقدم التنازلات للأعداء، حتي إن ذلك كان وعي الصحابة في عهد الرسالة، عندما كان النبي يقدم التنازلات التكتيكية لمصلحة الخطة الإستراتيجية، فإن المسلمين كانوا يقفون ويقولون: إننا لا نعطي الدنية في ديننا. وإننا كنا لا نتنازل لهم قبل الإسلام، فكيف نتنازل لهم بعد أن أعزنا الله بالإسلام" [148] .

هل تواعد أبو بكر مع النبي (ص) علي الخروج معاً ليلة الهجرة.

أبو بكر خشي علي نفسه وعلي النبي.

النبي يقول لأخيه ابي بكر: لا تحزن إن الله معنا..

كان الإهتزاز الروحي والفكري والعملي لأبي بكر في البلاء والمحنة فثبته النبي (ص).

يقول البعض:

"(إلا تنصروه) إن امتنعتم عن نصره، فإن الله لا يعجز عن ذلك، كما فعل ليلة الهجرة (فقد نصره الله) وخلصه من أيدي قريش التي أطبقت علي بيته وانتظرت الصباح لتهجم عليه (إذ أخرجه الذين كفروا) من موطنه (ثاني اثنين) فقد كان معه أبو بكر الذي تواعد وإياه علي الخروج معاً حتي دخلا الغار، وأقبلت قريش حتي وقفت علي بابه، وبدأ الحوار فيما بينهم،

بين قائل يحثهم علي الدخول، وقائل يدفعهم إلي الرجوع".

ويقول:

"واشتد الضغط علي مشاعر أبي بكر الذي كان يخشي من الموقف علي نفسه، وعلي النبي (ص) (إذ هما في الغار) يتحاوران، فيتحدث أبو بكر عن أجواء الخوف المدمر، ولكن النبي كان يعيش آفاق النصرة التي وعد الله بها، والله لا يخلف وعده، فكان يشجع أبا بكر علي الثبات في الموقف، وعلي الإطمئنان لنصر الله (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).

فلو كان الناس بأجمعهم مع الإنسان وكان الله ضده، لم ينفعه ذلك شيئاً، ولو كان الله معه وكان الناس ضده لم يضره ذلك شيئاً، لأن الله هو الذي يملك القوة كلها، فلا قوة لأحد إلا من خلال ما أعطاه، فهو الذي يملك من الإنسان ما لا يملكه الإنسان من نفسه، فإذا أراد رعاية عبد من عباده، برحمته وقوته ولطفه، فإنه يأخذ بكل أسباب القوة من خلال الله، وتلك هي الأجواء الروحية التي تطوف بالإنسان في ملكوت الله عندما تشتد عليه الأهوال، وتضيق عليه السبل، وتكثر حوله التحديات، ويهجم عليه أهل البغي والطغيان، فإذا أحس من نفسه ضعفاً أمام ذلك كله، وشعر بالحزن يزحف إلي قلبه، وبالخوف يسيطر علي روحه، رجع إلي الله في روحية العبد الخاشع، وذهنية الإنسان الملتجئ إليه المعتصم به، فعاش معه ابتهالاته ودعواته وروحية الصلاة في ضميره، فإذا بالضعف يتبدل إلي القوة، وبالخوف يتحول إلي شعور بالأمن، وبالحزن ينطلق إلي الفرح الروحي، ليوحي لنفسه بأن الله معه، ليثبت أمام الزلزال، وليقول لإخوانه الذين يعيشون الإهتزاز الروحي والفكري والع_م_لي أم_ام ع_واصف الم_حنة والب_لاء: لا ت_حزنوا إن الله معنا" [149] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن دعوي وجود تواعد فيما بين النبي (صلي

الله عليه وآله) وبين أبي بكر علي الهجرة معاً.. يقابلها نصوص تقول: إنه (صلي الله عليه وآله) قد لقي أبا بكر علي طريق المصادفة.. فطلب منه أبو بكر مرافقته، فلم يرفض النبي (صلي الله عليه وآله) ذلك..

بل إن ثمة نصّاً آخر يقول: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أخذه معه ليتلافي بذلك بعض السلبيات المحتملة، ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.

2 _ ثم هو يسجل خبراً يحكي لنا فيه حقيقة مشاعر أبي بكر، حيث قرر أن الضغط قد اشتد علي مشاعره لأنه كان يخشي من الموقف علي نفسه وعلي النبي (صلي الله عليه وآله).

وقد كنا نتوقع أن يذكر لنا النصوص التي أثبتت له هذه الحقيقة التي تدخل في دائرة المشاعر الخفية بشقيها: أعني خوف أبي بكر علي نفسه أولاً، ثم خوفه علي النبي (صلي الله عليه وآله) ثانياً، حتي استطاع هذا البعض أن يقدمها كحدث صادر وواقع.. وهو الذي يشترط اليقين في الأخذ بالأخبار في قضايا التاريخ، وفي الأخبار عن حالات الأشخاص، وغير ذلك.

فكيف بما يدخل في دائرة المشاعر والأحاسيس؟!.

3 _ ولا ندري كيف عرف أن أبا بكر قد عاش الإهتزاز الروحي والعملي والفكري.. مع أن هناك من يقول: إن حزن هذا الرجل لم يكن مبرراً بدرجة يقينية.. خاصة إذا فرضنا أن حزنه كان علي النبي (صلي الله عليه وآله).. فإن ما رآه من الآيات من شأنه أن يمنحه اليقين برعاية الله سبحانه لنبيه (صلي الله عليه وآله).

فقد رأي العنكبوت قد نسجت علي باب الغار!!.. ورأي حمامة وحشية تبيض علي باب الغار، وتجلس لاحتضان بيضها، ورأي شجرة تنبت _ لساعتها _ كل ذلك علي باب الغار..

علي أن

الله حين أنزل السكينة، فإنما أنزلها علي رسوله، ولم ينزلها علي ذلك الذي عاش الإهتزاز الروحي والفكري والعملي أمام عواصف المحنة والبلاء علي حد تعبير هذا البعض.. ولا ندري السبب في هذا الاستثناء له وقد أنزل سكينته علي رسوله (صلي الله عليه وآله)، وعلي المؤمنين في موقف حرج آخر.. فما بال هذه السكينة لا تنزل علي (إخوان رسول الله) وهم يواجهون عواصف المحنة والبلاء _ علي حد تعابير هذا الرجل _ ألاّّتحزنوا إن الله معنا.

4 _ علي أن الآية الشريفة لم تتحدث عن خوف أبي بكر، وإنما تحدثت عن حزنه، والخوف إنما يكون من أمر داهم في المستقبل والحزن إنما يكون علي ما فاته.. فما هو الشيء الذي ضاع من أبي بكر، فأوجب حزنه يا تري!!

الخلفاء الراشدون حاولوا اقتفاء أثر الرسول في كل أمور الدولة.

الخلفاء عملوا علي استلهام القرآن في كل أمور الدولة.

ويقول البعض:

".. الأمر الثاني الذي نستدل به علي وجود الدولة هو تطبيق النبي هذه الآليات القانونية في إطار المساحة التي كانت تحتلها الدولة في تلك المرحلة وفي تلك الظروف.. وعندما جاء الخلفاء الراشدون من بعده لم ينطلقوا من فراغ، وإنما حاولوا أن يقتفوا أثر الرسول (صلي الله عليه وسلم)، وعملوا علي استلهام الكتاب في كل ما كان يعرض عليهم من أمور الدولة.." [150] .

وقفة قصيرة

إن تعليقنا علي ما ذكره هذا البعض سوف يقتصر علي ما يلي:

1 _ إن هذا الذي قاله وبهذه الشمولية والدقة يحتاج _ حسبما قرره نفس هذا البعض _ إلي إثبات قطعي، ولا يكفي فيه مطلق ما هو حجة.. لأنه أمر تاريخي، يحتاج إلي القطع واليقين كما يقول..

2 _ إن هذا البعض إنما

كان يجيب علي سؤال: أن المشروع في الصدر الأول لم يكن يهدف إلي إقامة دولة إسلامية.. ولم يكن بحاجة إلي الاستطراد في حديثه إلي إطلاق هذا الحكم الجازم والعام فيما يرتبط بسياسات من عدا الرسول صلي الله عليه وآله.

3 _ إن قضية فدك، ترتبط _ ولا شك _ بسياسات الدولة، كما أن ما جري علي الزهراء، وتهديدها بإحراق بيتها، وإحراق الباب وإسقاط جنينها وضربها، واقتحام بيتها _ إن كل ذلك ولا شك يرتبط بأمور الدولة وممارسات أركانها في مقام تثبيت دعائمها، وتشييد أركانها. فهل كانوا في ذلك كله يحاولون اقتفاء أثر الرسول (ص)، ويعملون علي استلهام الكتاب العزيز، ولم ينطلقوا من فراغ؟!

وبعد ذلك، فهل كان قتل مالك بن نويرة، والبناء بزوجته ليلة قتله، وجعل رأسه أثفية للقدر في عمل طبخ الطعام، وحماية أبي بكر لخالد، الذي فعل ذلك كله.. هل كل ذلك كان اقتفاء لأثر الرسول واستلهاماً لكتاب الله، ولم ينطلقوا من فراغ؟!.

ومع غض النظر عن ذلك كله.. هل كان حرق الفجاءة.. ومنعهم كتابة ورواية حديث رسول الله (ص)، وحبس كبار الصحابة في المدينة، وإعطاء خمس أفريقية لمروان.. وضربهم من يسأل عن معني آية قرآنية، والتنكيل بنصر بن حجاج..

وهل كان التمييز في العطاء علي أساس قبلي وعرقي.. وتولية الفساق الذين يشربون الخمر، ويصلون بالناس في مسجد الكوفة بالعراق وهم سكاري، والذين يعتبرون سواد العراق بستاناً لقريش.. ويعلنون الحرب علي مخالفيهم بعنوان حرب الردة والمنع من حيّ علي خير العمل.. وغير ذلك مما يتعذر علينا إحصاؤه الآن، ويكفي مراجعة كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله للوقوف علي بعض من ذلك.

هل كان ذلك كله اقتفاء منهم لأثر الرسول (ص)، واستلهاماً لكتاب الله..

ولم ينطلقوا من فراغ؟!

ولماذا إذن هب الصحابة وغيرهم في وجه عثمان حتي قتلوه؟!

ولعل هذا البعض _ الذي نتوقع منه أن يصر علي مقولاته هذه سوف يعتذر عن هؤلاء بأنهم قد تأوّلوا فأخطأوا. وبذلك ينالون المثوبة علي كل ما فعلوه مما ذكرناه آنفاً ومما لم نذكره.. ولا نملك والحالة هذه إلا أن نقول:

إنا لله وإنا إليه راجعون. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الثابتون مع الرسول يوم أحد سوي علي.

دافع الثابتون عن النبي دفاع المستميت.

كسرت رباعية النبي (ص).

يقول هذا البعض وهو يتحدث عن حرب أحد:

".. فدارت الدائرة علي المسلمين حتي تعرضت حياة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) للخطر فأصابته حجارة من المشركين فكُسرت رباعيته وشُجّ وجهه وجرحت جبهته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه.. وفر المسلمون عنه، ولم يبق معه إلا نفر قليل كان في طليعتهم علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف فدافعوا عنه دفاع المستميت.." [151] .

وقفة قصيرة

1ً _ ذكر هذا البعض ذلك النص الذي يتحدث عن كسر رباعيته (صلي الله عليه وآله وسلم) في أحد، مع أن المروي عن الإمام الصادق عليه السلام:أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) خرج من الدنيا سليما في بدنه [152] ، لم ينقص منه شيء.

ولو أن هذا البعض راجع روايات أهل البيت لم يقع في هذا الغلط.

2ً _ قد دلت النصوص المتضافرة علي أنه لم يثبت في أحد سوي أمير المؤمنين عليه السلام. لكن هذا البعض يذكر أنه قد ثبت في موقع القتال مع علي (ع) رجال آخرون أيضا، وهم نفر قليل في طليعتهم: أبو دجانة وسهل بن حنيف، وذكر أنهم قد دافعوا عن النبي (صلي الله

عليه وآله وسلم) دفاع المستميت، وهو ما يحاول كثيرون من أتباع المذاهب الأخري التأكيد عليه، تجنيا علي علي (ع) وحفظا لماء وجه غيره، فلماذا لا يتثبت في هذا الأمر، بل يبادر للأخذ بأقوال هؤلاء، ليس في هذا المورد وحسب، وإنما في موارد كثيرة جداً، مما ورد في حق علي وأهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم؟.

ومن الواضح: أن الثابت الذي لا ريب فيه، هو أن عليا عليه السلام هو الذي قد ثبت يوم أحد، وكل من عداه كان من الفارين، ويدل علي ثبات علي وحده في هذه المعركة ما يلي:

قال القوشجي في شرحه علي التجريد بعد أن ذكر قتل علي عليه السلام لأصحاب اللواء:

"فحمل خالد بن الوليد بأصحابه علي النبي(ص)، فضربوه بالسيوف، والرماح والحجر، حتي غشي عليه، فانهزم الناس عنه سوي علي (ع)، فنظر النبي (ص) بعد إفاقته، وقال: اكفني هؤلاء، فهزمهم علي عنه، وكان أكثر المقتولين منه" [153] .

ب _ عن ابن عباس، قال: " لعلي أربع خصال، هو أول عربي وعجمي صلي مع النبي (ص)، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أي يوم أحد)، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره " [154] .

ج _ ما ذكرنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) [155] أن من يذكرونهم: أنهم ثبتوا،لا ريب في فرارهم، كما تدل عليه النصوص فلتراجع هناك.

د _ أخرج الإمام أحمد، عن أنس: أن المشركين لما رهقوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أحد _ وهو في سبعة من الأنصار، ورجل من قريش _ قال: من يردهم عنا، وهو

رفيقي في الجنة؟ فجاء رجل من الأنصار؛ فقاتل حتي قتل. فلما رهقوه أيضا قال: من يردهم عنا، وهو رفيقي في الجنة؟.. فأجابه أنصاري آخر وهكذا، حتي قتل السبعة. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما أنصفنا أصحابنا [156] .

سر الاختلاف في من ثبت:

وبعد، فإننا يمكن أن نفهم: أن رجعة المسلمين إلي المعركة بعد هزيمتهم لم تكن علي وتيرة واحدة، وإنما رجع الأول فرأي علياُ ثم رجع آخر، فرأي عليا وأبا دجانة مثلا، ثم رجع آخر فرأي خمسة أشخاص، وهكذا، فكل منهم ينقل ما رآه. حتي وصل العدد لدي بعض الناقلين إلي ثلاثين.

كما أن ما يؤثر عن بعض الصحابة من مواقف نضالية، لع_له _ إن صح _ كان بعد عودتهم إلي ساحة القتال.

سر الحكم بثبات أبي دجانة:

ولعل ذكر أبي دجانة في من ثبت في بعض الأخبار، مرجعه إلي ما قدمناه آنفاًً. وبهذا نفسّر قول ابن مسعود: انهزم الناس إلا علي وحده. وثاب إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نفر، وكان أولهم عاصم بن ثابت، وأبو دجانة [157] .

علي (ع) إنما حمل لواء المهاجرين في حنين.

الألوية والرايات تعددت في حنين وكثرت.

ثبت أبو بكر وعمر وأناس من أهل بيت النبي وأصحابه.

يقول البعض حول حرب حنين:

"وصفهم صفوفاً، ووضع الرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب، ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر، ولواء الأوس يحمله أسيد بن خضير.. وفي كل بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية يحملها رجل منهم مسمي. وقبائل العرب فيهم الألوية والرايات، يحملها قوم منهم مسمّون".

إلي أن

قال؛ وهو يتحدث عن هزيمة الناس:

"فجعل رسول الله (ص) يقول: يا أنصار الله، وأنصار رسول الله، أنا عبد الله، ورسوله.

ورجع رسول الله إلي المعسكر، وثاب إليه من انهزم.

وثبت معه يومئذٍ: العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد في أناس من أهل بيته وأصحابه الخ.." [158] .

وقفة قصيرة

ويستوقفنا هنا عدة أمور، نذكر منها ما يلي:

أولاً: إن هذا البعض قد ساق الحديث المشار إليه وكأنه هو الحقيقة الثابتة، التي لا مراء فيها.. وجعلها محلاً لتحليلاته، ومنطلقاً لاستنتاجاته، أو تعليلاته وتأويلاته.

ومن المعلوم أن هذا البعض نفسه لم يزل يعلن أنه لا يكتفي بمطلق الحجة في مثل هذه الموارد، بل يلتزم بضرورة كون الدليل موجباً للقطع واليقين في كل ما عدا الأحكام الشرعية.

فهل نقل ابن سعد هذا يعتبر من الأدلة اليقينية عنده إما لتواتره، أو لكونه محفوفاً بقرينة قطعية؟! وأين هي تلك القرينة؟!

ثانياً: لماذا اختار هذا البعض خصوص رواية طبقات ابن سعد. ولم يخطر في باله أن يرجع إلي أي مصدر شيعي _ ولو إلي كتاب الإرشاد للمفيد، أو إلي البحار فيذكر وقائع قصّة حنين من هذا الكتاب الشريف أو ذاك، ثم يحلّل ويستنتج ويقرّب ويبعّد حسبما يراه مناسباً.

ثالثاً: إن هذا البعض قد ذكر: أن علياً صلوات الله وسلامه عليه كان يحمل لواء المهاجرين، وأعطي (ص) راية لسعد وراية لعمر. ثم أعطي لواء الخزرج لحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن خضير.

ونقول:

إن ذلك لا يصح، لأن لواء الجيش كله كان مع علي. ولا يمنع أن يكون

معه لواء المهاجرين أيضاً.

ويدل علي ذلك:

ألف: نصوص عامة، وهي التالية:

1 _ إنهم يقولون إنه عليه السلام كان صاحب لواء رسول الله(ص) في بدر، وفي كل مشهد [159] .

2 _ عن ابن عباس، قال: لعلي بن أبي طالب(ع) أربع ما هنّ لأحد: هو أول عربي وعجمي صلي مع رسول الله (ص). وهو صاحب لوائه في كل زحف. وهو الذي ثبت معه يوم المهراس؛ وفرّ الناس. وهو الذي أدخله قبره [160] .

3 _ عن ابن عباس: كان علي أخذ راية رسول الله يوم بدر. قال [الحكم] الحاكم: وفي المشاهد كلها [161] .

4 _ وعن مالك بن دينار: سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول الله (ص)؟ قالوا: كان حاملها علي(رض).

وفي نص آخر: أنه لما سأل مالك سعيد بن جبير عن ذلك غضب سعيد فشكاه مالك إلي إخوانه من القرّاء، فعرّفوه: أنه خائف من الحجاج. فعاد وسأله، فقال: كان حاملها علي (رض). هكذا سمعت من عبد الله بن عباس [162] .

وفي نص آخر عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله(ص)؟

قال: إنك لرخو اللبب.

فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك: كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي، فإذا كان القتال؛ أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه [163] .

5 _ عن جابر: قالوا: يا رسول الله، من ي_حمل رايتك يوم القيامة؟ قال: من عسي أن ي_حملها يوم القيامة، إلا من كان ي_حملها في الدنيا، علي بن أب_ي طالب؟! وفي نص آخر: عبر باللواء بدل الراية [164] .

6 _ وحينما مرّ سعد بن أبي وقاص

برجل يشتم علياً، والناس حوله في المدينة، وقف عليه، وقال: يا هذا، علي ما تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلي مع رسول الله(ص)؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتي قال: ألم يكن صاحب راية رسول الله(ص) في غزواته؟ [165] .

وظاهر كلامه هذا: أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.

7 _ عن مقسم: أن راية النبي(ص) كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استعر القتال كان النبي(ص) مما يكون تحت راية الأنصار [166] .

8 _ عن عامر: إن راية النبي(ص) كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وكانت في الأنصار حيثما تولوا [167] .

وقد يقال: إن هذين النصين الواردين تحت رقم 7 و8 لا يدلاّن علي أن الراية كانت دائماً مع علي(ع) بصورة أكيدة وصريحة، وإن كان يمكن أن يقال: إن ظاهرهما هو ذلك.

9 _ عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله(ص) في المواطن كلها؛ فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب [168] .

10 _ قال ابن حمزة: (وهل نقل أحد من أهل العلم: أن علياً كان في جيش إلا وهو أميره؟) [169] .

11 _ وفي حديث المناشدة: أن علياً(ع) قال: نشدتكم الله، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله(ص) منذ يوم بعثه الله إلي يوم قبضه، غيري؟!

قالوا: اللهم لا [170] .

ب: نصوص خاصة.

هناك من النصوص ما يؤكد هذا الأمر في خصوص غزوة حنين، وإن كان هذا الأمر لا يحتاج إلي التأكيد، فقد قال

القمي رحمه الله:

(.. فرغب الناس، وخرجوا علي راياتهم، وعقد اللواء الأكبر، ودفعه إلي أمير المؤمنين (ع)، وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها) [171] .

رابعاً: إن هذه الرواية التي أوردها هذا البعض، وأرسلها إرسال المسلمات، وبني عليها استنتاجاته تقول: إن عمر وأبا بكر وأسامة بن زيد، وجماعة من أهل بيته وأصحابه.. قد ثبتوا يوم أحد.

ونقول: إن ذلك لا يصح.. وذلك استناداً إلي الأمور التالية:

1 _ قال الشيخ المفيد (ره) وغيره: (ومن ثبت معه من بني هاشم يومئذ، وهم ثمانية، أمير المؤمنين تاسعهم: العباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله، والفضل بن العباس بن عبد المطلب عن يساره، وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند ثفر [172] بغلته، وأمير المؤمنين(ع) بين يديه بالسيف، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله. وقد ولّت الكافة مدبرين سوي من ذكرناه) [173] .

2 _ قال مالك بن عبادة الغافقي:

لم يواس النبي غير بني ها شم عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط فهم يهتفون بالناس: أين

ثم قاموا مع النبي علي المو ت فأبوا زينا لنا غير شين

وثوي أيمن الأمين من القو م شهيداً فاعتاض قرة عين [174] .

3 _ وقال العباس بن عبد المطلب؛ وكلامه هذا يؤيد صحة رواية المفيد:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشعوا

وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه علي القوم أخري يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه لما ناله في الله لا يتوجع [175] .

4 _ وفي احتجاج المأمون علي علماء عصره

يقول المأمون حول نزول السكينة في حنين: (إن الناس انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع النبي(ص) إلا سبعة من بني هاشم: علي(ع) يضرب بسيفه، والعباس أخذ بلجام بغلة النبي (ص)، والخمسة محدقون بالنبي (ص)، خوفاً من أن يناله سلاح الكفار، حتي أعطي الله تبارك وتعالي رسوله عليه السلام الظفر. عني في هذا الموضع [176] علياً، ومن حضر من بني هاشم، فمن كان أفضل، أمن كان مع النبي(ص)، ونزلت السكينة علي النبي(ص) وعليه؟! أم من كان في الغار مع النبي(ص) ولم يكن أهلاً لنزولها عليه؟ [177] .

5 _ قال ابن قتيبة: (كان الذين ثبتوا مع رسول الله (ص) يوم حنين، بعد هزيمة الناس: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب _ أخذ بحكمة بغلته _ وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وابنه، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأيمن بن عبيد _ وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله (ص) _ وحاضنته، وقتل يومئذ هو وابن أبي سفيان _ ولا عقب لابن أبي سفيان و ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد بن حارثة..) [178] .

فتجده لم يذكر أبا بكر وعمر في جملة من ثبت.

6 _ (وكانت نسيبة بنت كعب تحثو في وجوه المنهزمين التراب، وتقول: أين تفرون؟ عن الله، وعن رسوله؟ ومر بها عمر، فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟!

فقال لها: هذا أمر الله [179] .

7 _ عن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه كان يحدث الناس عن يوم حنين، قال:

(فر الناس جميعاً، وأعروا رسول الله(ص)، فلم يبق معه إلا سبعة نفر، من بني عبد المطلب: العباس، وابنه الفضل، وعلي، وأخوه عقيل، وأبو

سفيان، وربيعة، ونوفل بنو الحارث بن عبد المطلب).

إلي أن قال: (التفت العباس يومئذٍ وقد أقشع الناس عن بكرة أبيهم، فلم ير علياً في من ثبت، فقال: شوهة بوهة، أفي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله(ص)، وهو صاحب ما هو صاحبه؟ يعني المواطن المشهورة له.

فقلت: نقص قولك لابن أخيك يا أبة.

قال: ما ذاك يا فضل؟

قلت: أما تراه في الرعيل الأول؟ أما تراه في الرهج؟

قال: أشعره لي يا بني.

قلت: ذو كذا، ذو البردة.

قال: فما تلك البرقة؟

قلت: سيفه يزيّل به بين الأقران.

قال: برّ، ابن بر، فداه عم وخال.

قال: فضرب علي يومئذٍ أربعين مبارزاً كلهم يقدّه حتي أنفه وذكره. قال: وكانت ضرباته مبتكرة) [180] .

8 _ وقال اليعقوبي: (فانهزم المسلمون عن رسول الله(ص) حتي بقي في عشرة من بني هاشم. وقيل: تسعة. وهم: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث، وعتبة، ومعتب ابنا أبي لهب، والفضل بن العباس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب. وقيل: أيمن ابن أم أيمن) [181] .

9 _ (.. وفي رواية: لما فرّ الناس يوم حنين عن النبي(ص) لم يبق معه إلا أربعة، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم: علي بن أبي طالب، والعباس _ وهما بين يديه _ وأبو سفيان بن الحرث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الأيسر. ولا يقبل أحد من المشركين جهته إلا قتل) [182] .

10 _ وقال الطبرسي: (الذين ثبتوا مع رسول الله(ص) علي والعباس، في نفر من بني هاشم. عن الضحاك بن مزاحم) [183] .

11 _ روي عن البراء بن عازب: (ولم يبق

مع رسول الله(ص) إلا العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث) [184] .

12 _ وأخيراً.. فإن البعض يقول: (وانهزم المسلمون، فانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب، فقلت له: ما شأن الناس؟! قال: أمر الله.. ثم تراجع الناس إلي رسول الله(ص)) [185] .

13 _ قال المجلسي: (إن الإمام الباقر (عليه السلام) قد احتج علي الحروري: بأنهم (كانوا تسعة فقط: علي، وأبو دجانة، وأيمن فبان أن أبا بكر لم يكن من المؤمنين) [186] .

وخلاصة القول:

إن من يظهر نفسه للناس علي أنه رجل علم وتحقيق، وأنه يلتزم خط أهل البيت.. وأنه يشترط الدليل اليقيني في كل ما عدا الحكم الشرعي ولا يكتفي بمطلق الحجة. لا يمكن أن يتحاشي مصادر الحديث والتاريخ التي ألفها علماء المذهب، والأمناء علي هذا الدين، ويكتفي بما ذكره آخرون ممن يهتمون بالتسويق لمناوئي أهل البيت عليهم السلام، ويقدمه للناس علي أنه هو الحقيقة الراهنة، التي تقبل بعجرها وبجرها.

خالد بن الوليد ولي شرعي لعمار وللمسلمين.

تنزل الآية بإطاعة أولي الأمر في مورد معصيتهم لله.

ولاية خالد هي في الدائرة الخاصة.

هناك رواية تتحدث عن شأن النزول لآية: (أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..) وهي تتحدث عن مشكلة نشأت بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر في بعض الغزوات التي كان خالد بن الوليد أميراً علي السريّة فيها..

وقد ضعّف البعض هذه الرواية وردّها.. وقد أصاب في ذلك.. ولكنه عاد فاستدرك كلاماً آخر لا مجال لقبوله.. حيث قال هذا البعض:

"ومع ذلك كله، فإن المسألة المطروحة في الخط العام صحيحة لأن المفروض أن خالداً، علي تقدير صحّة الرواية _ وهي ضعيفة _ كان مكلفاً بالأمر القيادي من قبل النبي

صلي الله عليه وآله وسلم مما جعله ولياً شرعياً في هذه الدائرة الخاصة، فليس لأتباعه إلا الطاعة والخضوع له في أوامره ونواهيه المتصلة بحركة المسؤولية، فلا يجوز لهم الاستقلال عنه بأي عمل أو موقف، لأن معصيته معصية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم" [187] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذا البعض إذا كان قد شكّك في صحّة الرواية، فكيف فرّع عليها هذه التفريعات، واعتبرها صحيحة في الخط العام.

2 _ إن هذا البعض قد خلط بين أمرين:

أحدهما: لزوم تنفيذ الأمر.

والثاني: الولاية الشرعية في الدائرة المحدودة..

ومن الواضح: أن لزوم تنفيذ الأمر، لا يعني جعل الآمر ولياً شرعياً، فقد يكون ذلك الآمر كافراً، ومع ذلك يجب عليك تنفيذ أمره لكي تدفع الضرر عن نفسك، أو لتصل إلي مطلوبك أو تحفظ مصالحك من خلاله..

فهل يصبح ذلك الكافر ولياً لك لمجرد أنه يجب عليك امتثال أوامره.

وقد أمرك الله حين تستأذن علي أحد وهو في بيته بالرجوع، فقال: إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، فهل يصير صاحب البيت ولياً لك بذلك.

وكذلك الحال في كل موظف يريد تطبيق القانون، كقانون السير، وقانون الضمان، وقانون الأحوال الشخصية، والإحصاء، وما إلي ذلك.

3 _ قوله:

"إن المسألة المطروحة في الخط العام صحيحة".

لا يمكن قبوله.. لأن الآية لا يمكن أن تنزل من عند الله لتأمرهم بإطاعة خالد باعتبار أنه ولي شرعي.. في الوقت الذي يطلب خالد منهم ما لا يحق له. بل هو يعصي الله في ذلك، فهل يمكن أن تأمرهم بإطاعته في مورد يعصي الله فيه؟! وقد جاء الحديث الصريح ليقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولو فرضنا أنه لم يكن عاصياً بل كان جاهلاً

بالحكم الشرعي، فهل تجب طاعته في مثل هذا المورد أيضاً _ فإن الرجل الذي أعطاه عمّار الأمان قد كان من المسلمين فلا يصح أن يسبي ولا يحتاج إلي إجازة عمّار، ولا إجازة خالد، بل لا يحتاج حتي إلي أمان من أحد، وإنما أمر خالد بمحاربة الكفار وسبيهم.. فعمار لم يخطئ في توجيه الرجل للبقاء في موطنه. وخالد هو الذي اخطأ حينما أسر الرجل وأخذ ماله وهو مسلم.

وأما لزوم أن تكون الإجازة والأمان بعلم الأمير.. فليس ثمة ما يثبته إلا ما يدّعيه خالد نفسه.. وإلا فإن المسلمين يسعي بذمتهم أدناهم، وأيما رجل من المسلمين أعطي لكافر أماناً ولو بإشارة منه، فإن أمانه ماضٍ له. ولا يستطيع أحد أن يماري في ذلك..

خير أمة أخرجت للناس نزلت في ابن مسعود.

خير أمة أخرجت للناس نزلت في معاذ بن جبل.

خير أمة أخرجت للناس نزلت في سالم مولي أبي حذيفة.

وفي مناسبة تفسير قوله تعالي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) يذكر البعض تحت عنوان: مناسبة النزول، ما يلي:

"جاء في أسباب النزول _ للواحدي _ قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولي أبي حذيفة، وذلك أن مالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا اليهوديين، قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، ونحن خير وأفضل منكم، فأنزل الله تعالي هذه الآية " [188] .

وقفة قصيرة

ونقول:

أ _ قد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): أن هذه الآية قد نزلت في آل محمد (صلي الله عليه وآله) فراجع [189] فلماذا يتجاهل البعض هذه الروايات؟!

2 _ إن معاذ بن جبل كما يقول سليم بن قيس: كان من الذين كتبوا الصحيفة في

إزالة الإمامة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

وفي رجال البرقي في حديث يذكر فيه أن جمعاً أنكروا علي أبي بكر تقدمه علي علي (عليه السلام) قال: (وسل عمر سيفه في الجمعة المقبلة، وقال: يضرب عنق من قال مثل مقالتهم. ثم مضي هو وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة شاهرين سيوفهم، حتي أخرجوا أبا بكر، وأصعدوه المنبر) [190] .

كما أنهم يذكرون: أن معاذ بن جبل قد كان في جملة المهاجمين لبيت فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) [191] .

3 _ أما بالنسبة لسالم مولي أبي حذيفة، فقد تقدم قولهم.. إنه قد سلّ سيفه وذهب مع عمر، واستخرج أبا بكر، وأصعده المنبر، وذلك لإسكات الأصوات التي ارتفعت بالإعتراض علي خلافته..

كما أن بعض الروايات تقول: إن الإمام الصادق (ع) قال: إن آية: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر، ويقولون: إنه لمجنون)!! [192] قد نزلت فيه.

علي أن قول عمر: لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيّاً لوليته، أو ما جعلتها شوري، يوضح مكانة هذا الرجل عند عمر: خصوصاً إذا علمنا مدي شدّة عمر في أمر الموالي، وكره قريش لهم.. ومع إجماعهم علي أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: (الأئمة من قريش).

وروي أنه هاجر مع عمر، بل قيل: إن النبي (ص) آخي بينه وبين أبي بكر [193] .

4 _ وأما بالنسبة لابن مسعود: فقد قالوا: إن الفضل بن شاذان قال عنه: إنه (خلط، ووالي القوم، ومال معهم، وقال بهم) [194] .

وقد جاءت من اليمن أو مكة صحيفة فيها أحاديث حسان في أهل البيت (ع) إلي عبد الله بن مسعود، فدعا بطست

فيه ماء، فمحاها [195] .

وقد تكلم التستري في كتابه: قاموس الرجال ج 6 ص136 _ 142 بصورة مسهبة عن أمر ابن مسعود، ولم يرتضِ ما ذكروه في مدحه، وردّه، وفنّده، فراجع.

الإمام الصادق (ع) يقدم مخدته لمالك بن أنس ليجلس عليها.

الإمام الصادق (ع) يعرف قدراً لمالك بن أنس.

الإمام الصادق (ع) يفيض بمشاعر الحب لمالك بن أنس.

علم مالك وخلقه هما سبب حب الإمام (ع) له.

ويقول البعض، تحت عنوان:

"الإفاضة بمشاعر الحب: ونكتفي بشهادة أحد أئمة المذاهب آنذاك، وهو (مالك بن أنس) الذي كان يجلس إلي الإمام الصادق (ع)، وكان يتحدث عنه فيقول:

كنت أدخل إلي الصادق جعفر بن محمد: فيقدم لي مخدته، ويعرف لي قدراً _ لأن مالك بن أنس كان من فقهاء السنة، ومن أئمة مذاهبهم _ ويقول: (يا مالك، إني أحبك)، فكنت أسر بذلك _ حيث كان الإمام عليه السلام يفيض بمشاعر الحب، حتي للذي يختلف معه في الخط المذهبي، علي أساس أنه يحب علمه وخلقه _ وأحمد الله عليه" [196] .

وقفة قصيرة

إننا نسجل بعض النقاط، ونترك بعضها الآخر لإفساح المجال أمام القاريء الكريم ليتلمس الحقيقة بنفسه، فنقول:

1ً _ إن هذا البعض لا يقبل في غير الأحكام الشرعية بالخبر الواحد، ولا المستفيض بل يشترط القطع واليقين في التاريخ والتفسير، وفي مواصفات الأشخاص.. وفي كل شيء..

فهل هذا الخبر الذي ينقله لنا متواتر؟! أو قطعي؟! وكيف؟! علماً أنه لا بد من حصول التواتر وتأكد اليقين في جميع مراتب السند وطبقاته.

2 _ وتتأكد الشبهة والتهمة حول هذا الخبر إذا كان راوي الحديث يريد أن يثبت لنفسه فضلاً وامتيازاً، فإن شهادة الإنسان لنفسه غير مقبولة، كما هو معلوم، ولعله يريد

من خلال ذلك أن يفتح نافذة علي أصحاب الإمام لجذبهم إلي خطه..

3 _ إن من الواضح: أن الإمام الصادق(ع) كان يعتبر مالكاً وغيره من أئمة المذاهب مخطئين في خطهم المذهبي، ولا شك في أنه عليه السلام كان قد أقام الحجة عليهم في إمامته.. ولكنهم قد أصروا علي الخلاف؛ فهل يمكن بعد هذا كله أن يحبهم، أو أن " يفيض بمشاعر الحب" لهم.

4 _ لنفترض صحة مقولة حبه عليه السلام لمالك بن أنس، فمن أين علم هذا البعض: أن حبه له كان لأجل علمه، ولأجل خلقه، فلعله أحبه لأجل موقف سياسي اتخذه أو لأجل حادثة جرت اتخذ فيها مالك جانب الحق لأكثر من سبب.

5 _ ومن الذي قال إن ما فعله أو قاله الإمام لو صح أنه فعله، أو قاله لم يأت علي سبيل التقيّة والمداراة للسلطان وأعوانه، حيث كان مالك يعمل مع السلطان من دون أي تحفظ.

اعتقادات.. لا مبرر لها..

اشاره

ما في هذا الفصل:

ما نقدمه إلي القارئ في هذا الفصل ذو ألوان مختلفة، فبعضه يدخل في علوم القرآن، وبعضه تاريخي، وبعضه يرتبط بالعقائد، وبعضه أغلاط فاضحة وواضحة.. وغير ذلك، وهو علي العموم يظهر أنه لا مجال للإعتداد ب_ما يراد الترويج له، من أن ثمة درجة من الدقة والتحقيق والإطلاع وما إلي ذلك، م_ادام أن ذلك ل_م يثبت بالأرقام وبالأدلة والشواهد.

فنقول:

المعصوم يخطئ في الترجمة.

تعبير المعصوم ليس دقيقا.

الأحاديث القدسية مترجمة.

يقول البعض عن الأحاديث القدسية:

"لعلها هي الأحاديث تمثل ما كان ينزل علي الأنبياء السابقين، ونقل عن النبي (ص)، وعن الأئمة(ع).. الظاهر هكذا" [197] .

ثم يقول عن الحديث القدسي: عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون:

"إن الأحاديث القدسية قد

تكون منطلقة مما بقي لنا من الكتب السابقة، إمّا من الكتب التي بقي لنا بعضها، كالإنجيل، والتوراة، وإما من الكتب التي لم تبق لنا في كيانها الكتابي، مثل صحف إبراهيم عليه السلام، أو ما يقال عن صحف إدريس (ع)، وما إلي ذلك.

ومن الطبيعي أنّ هذه الأحاديث علي تقدير صحتها، ترجمت من اللغة الأصلية التي نزلت بها إلي اللغة العربية، وقد لا تكون الترجمة دقيقة في الكثير من الحالات، لأن المترجم قد ينقل معني الكلمة في اللغة، ولكن من الصعب أن ينقل أجواء اللغة، فلكل لغة أجواؤها، ولكل لغة إيحاءاتها وطريقتها في التعبير، ولذلك من الصعب جدّا أن نجد ترجمة دقيقة لأي أثر فكري، سواء كان دينيا أو غير ديني.

معني الحديث

وفيما أفهمه من هذا الحديث، فإن الله، يقول للإنسان، أطعني، فإنّك إذا أطعتني، قربت إليّ، وإذا قربت إليّ كنت مهيئا، لأن أعطيك ما تريد، فأنا علي كل شيء قدير... ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء:كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسي (ع)، عندما أبرأ الأكمه، وشفي الأبرص، وأحيي الميت، ولكن ليس معني ذلك أن الطاعة تستلزم هذه القدرة وليس كل من أطاع الله حصل علي هذه القدرة، ولكنها قد تكون كناية علي أن الإنسان، إذا أطاع الله كما يجب أن يطيعه في قدرته، كان وليا لله، ومن كان وليا لله فان الله يمكن أن يعطيه القدرة التي يستطيع من خلالها أن يقول للشيء: كن فيكون... وليس من الضروري أن يكون تعبير (مثلي) دقيقا، لأن الإنسان _ وحتي الأنبياء _ عندما يمارسون القدرة، فإنما يمارسونه_ا ب_إذن الله (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتي بإذن الله) فالله تعالي ليس كمثله شيء، لذلك كلمة (مثلي) ليست دقيقة، وأظن

أنها تحمل خللا في الترجمة" [198] .

ويقول عند سؤاله أيضا:

س: ما هو رأيكم في الحديث القدسي المشهور (عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون)؟

"ج: فيما أفهمه من هذا الحديث فان الله يقول للإنسان أطعني فانك إذا أطعتني قربت إلي وإذا قربت إلي كنت مهيئا لأن أعطيك ما تريد، فأنا علي كل شيء قدير، ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسي (ع) عندما كان يبرئ الأكمه والأعمي بإذن الله ويحيي الموتي بإذن الله…، فمن الممكن جدا أن الطاعة تستلزم ذلك أي الحصول علي هذه القدرة، ولكنها قد تكون كناية عن أن الإنسان يجب أن يطيع الله كما أطاعه بقدرته (كن وليا لله) ومن كان وليا فان الله يمكن أن يعطيه القدرة التي يستطيع بواسطتها أن يقول للشيء كن فيكون، لكن ليس من الضروري أن يكون تعبير (مثلي) دقيقا لأنه عندما يمارسون ذلك فانهم يمارسونه بإذن الله (أبريء الأكمه وأحيي الموتي بإذن الله)، (ليس كمثله شيء) لذلك فكلمة مثلي ليست دقيقة [199] .

وواضح: أنه لا معني لإدعاء الخطأ في الترجمة إذا كان الحديث قد قاله المعصوم. لأن المعصوم إنما ينقل الحديث الصافي والمبرأ والسالم عن أي عيب أو خطأ. ولا ينقل الخطأ علي أنه الحقيقة، ولأن المعصوم ليس صحفيا يأخذ من الكتب.

الأحاديث القدسية هي ما كان ينزل علي الأنبياء السابقين ونقلها المعصومون عنهم.

سئل البعض:

ما هي الأحاديث القدسية؟

فأجاب:

"الأحاديث القدسية لعلها هي الأحاديث التي تمثل ما كان ينزل علي الأنبياء السابقين، ونقل عن النبي (ص)، وعن الأئمة (ع) الظاهر هكذا" [200] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ بل الأحاديث القدسية هي تلك التي رواها المعصوم علي

أنها من كلام الله سبحانه، ولكنها ليست من القرآن، وذلك مثل ما روي من قوله تعالي: (عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء: كن، فيكون..) وليس بالضرورة أن تكون قد نزلت علي نبي سابق.

2 _ ونذكّر القاريء أن هذا البعض ذكر: "بأن الأحاديث القدسية هي ترجمات عن اللغات الأخري، وقد احتمل أن تكون تلك الترجمات غير دقيقة" [201] فراجع ما تقدم.

كذب الوقاتون: تشمل أحاديث الأئمة!!!

كذب الوقاتون: تشمل مدة حياة الإمام (ع) بعد خروجه.

ويسأل البعض عن مدة حياة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بعد ظهوره:

وما رأيكم في الروايات، مثلا تقول: يعيش 40 سنة، أو 7 سنوات؟!

فيجيب:

"كذب الوقاتون" [202] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ الظاهر أن هذا البعض يستند إلي رواية كذب الوقاتون، التي جاءت للرد علي من يوقت خروج الإمام (عليهم السلام).

مع أن السؤال الموجه إليه هو عن الروايات التي تتحدث عن مدة بقائه (عليه السلام) بعد خروجه، ولا ارتباط لها بتوقيت الخروج..

2 _ أما لو كان لا يستند إلي هذه الرواية، فإن الأمر يصبح أقبح حيث إنه يبادر إلي تكذيب ما يروي عن أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الطريقة الجافة، والمهينة.

ومن الواضح: أن السؤال هو عن الروايات التي تحدد الوقت، والروايات إذا كانت صادرة عنهم (عليهم السلام)، فإن كلامهم هو المعيار والميزان فلا يصح اعتبارهم من الذين يكذبون، العياذ بالله.

وأما رواية: (كذب الوقاتون) فهي موجهة لغيرهم ممن يقولون بغير علم، ويملأون أسماع الناس بما هو مجرد تخرّص ورجم بالغيب..

وبعبارة أوضح وأصرح، إذا كان الأئمة (عليهم السلام) قد ذكروا _ بالفعل _ مدة معينة يعيشها الإمام (عليه السلام) بعد خروجه، وفرض أن هذا من التوقيت،

فهل يكون كلامهم (عليهم السلام) كذباً، ليقال كذب الوقاتون؟!. أم أن اللازم هو البحث للتأكد من صدور الروايات عنهم، ومدي إمكان الإعتماد عليها؟.

لا فض_ل للملائكة في فعل الخير.

الملائكة يمارسون الخير تكويناً.

النوع الإنساني هو المستخلف.

يقول البعض:

"وبهذا انطلقت مسؤولية الإنسان للقيام بدوره بالإنسجام بين طبيعة الحياة وبين إرادة الله، وتسخير القوي التي بين يديه في سبيل الخير لا في سبيل الشر.

وهذا ما يرفعه إلي المستوي الكبير لدي الله، فيكون أفضل من الملائكة الذين يمارسون الخير بشكل تكويني، فلا فضل لهم في ذلك" [203] .

ثم يذكر أن الذي جعله الله خليفة في الأرض هو:

"النوع الإنساني، لأن آدم الشخص، محدود بفترة زمنية معينة، ينتهي عمره بانتهائها، فكيف يمكنه القيام بهذا الدور الكبير الذي يشمل الأرض كلها ويتّسع لكل هذه المرحلة الممتدة. هذا أولاً.

وثانياً: إن الملائكة قد وصفوا هذا الخليفة بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء. وهذا الوصف لا ينطبق علي آدم بل ينطبق علي بعض الجماعات التي يتمثل فيها النوع الإنساني في مدي الحياة" [204] .

وقفة قصيرة

ونلاحظ هنا:

1 _ إن كلامه يعني: أن الأنبياء والأوصياء لا فضل لهم فيما يمارسونه من فعل الخير.. لأن هذا البعض يقول: إن العصمة إجبارية.. إما مطلقاً، وإما في خصوص ترك المعاصي، حيث اختلفت أقاويله في هذا المجال..

ومن المعلوم: أنه حين تكون العصمة إجبارية، فإنهم يؤدون الواجبات، ويمتنعون عن المعاصي، بشكل تكويني، لأنهم لا يقدرون علي ترك تلك، ولا علي فعل هذه، لأن ترك الواجب معصية لا يقدر عليها المعصوم، فلا فضل للمعصوم إذن لا في هذا ولا في ذاك، وفقاً لمقولات هذا البعض.

2 _ إن الملائكة، وإن كانوا لا يعيشون الشهوات،

كما يعيشها الإنسان، ولكنهم لا يمارسون الخير بشكل تكويني، كما يقول هذا البعض بل هم خلق مختارون يمارسون الخير بملء إرادتهم.

وقد يختارون الاستزادة فيه، فترتفع بذلك مقاماتهم، ويزيد فضلهم، ولأجل ذلك كان بعضهم أفضل من بعض وأكرم، ولجبريل فضله العظيم فيهم، والمراجع للروايات الكثيرة جدا يجد صحة ما ذكرناه.

3 _ من أين علم هذا البعض أن الملائكة يمارسون الخير بشكل تكويني، فلا فضل لهم فيه.. إن ذلك يحتاج إلي القطع واليقين، لأنه يرتبط بحقائق المخلوقات.. وهذا البعض يشترط القطع واليقين في كل ما عدا الأحكام الشرعية..

ويزيد الأمر إلحاحاً في مثل هذا المورد، الذي لا يحصل إلا بالإخبار عن الله سبحانه عن طريق النبي (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام).

4 _ أما بالنسبة لاستخلاف النوع الإنساني أو آدم. فإنه قد استظهر أنه النوع الإنساني.. رغم وجود روايات عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تصرح بأن المقصود هو خصوص آدم (عليه السلام)..

5 _ إن ما استدل به علي أن المقصود هو النوع الإنساني لا يصلح لإثبات ذلك..

فأولاً: إن وصف الملائكة للخليفة بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، إنما هو استنتاج منهم _ فقد روي هذا البعض نفسه رواية عن العياشي تقول: (إنهم قاسوه علي من سبقه من الذين استخلفهم الله في الأرض، فأفسدوا فيها) ولم يكونوا علي معرفة بنبوة آدم (عليه السلام)، لينزهوه عن الإفساد وسفك الدماء.. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما علم الملائكة بقولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لو لا أنهم كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء) [205] .

ثانياً: إن الله سبحانه لم يخبرهم بعدد من يستخلفه، فلم يقل لهم: هل هو

واحد شخصي أو نوعي، أو جماعة أو غير ذلك.. وذلك يدل علي أن الملائكة قد فهموا ما فهموه من عند انفسهم بحسب ما استخلصوه من أمور عرفوها سابقاً واستنبطوا منها أو قاسوا عليها.. وقد أظهر الله لهم أن ما فكروا فيه لم يكن صواباً..

ثالثاً: إن ما ذكره من أن آدم شخص محدود لا يمكنه القيام بهذا الدور الكبير إنما يدخل في دائرة الاستحسانات التي لا محل لها.. فإن الخليفة الحقيقي لله _ إن كان المقصود بالخليفة _ الخليفة لله _ هو آدم (عليه السلام)، وليس أحداً من العصاة والكفرة والجبارين.. فإن هؤلاء يفسدون في الأرض ولا يمثلون خلافة الله..

إذ ليس المقصود بالخلافة هو التجارة والصناعة والزراعة وبناء القصور والدور.. وإنما معني أسمي من ذلك وهو تجسيد إرادة الله سبحانه علي الأرض، وإعمارها بالإيمان والتقوي والعمل الصالح. كما عمرها رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وعمرها سائر أنبياء الله وأوصياء رسله..

رابعاً: لو كان المراد إعمار الأرض كلها كما ذكر هذا البعض، فالسؤال هو: متي تحقق هذا الإعمار للأرض كلها ياتري؟ بالطريقة التي قررها هذا البعض؟ [206] .

مضاعفة الثواب تفضلاً دليل علي أن أصل المثوبة تفضل أيضاً!

البعض ينسب إلي العلماء ما لا يقولون به في موضوع الجزاء.

يقول البعض:

هل الإحسان الإلهي تفضل أو استحقاق: وقد أفاض علماء الكلام الحديث حول الإحسان الإلهي لعباده المؤمنين المتقين، هل هو تفضل أو استحقاق، ولكن هذا البحث غير دقيق لأن الذي يقول بالاستحقاق، يقصد به الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان وقد جاء عن الإمام علي (ع) لو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه

دون خلقه لقدرته علي عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه علي العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله" [207] .

وقفة قصيرة

1 _ إن الرواية التي استدل بها علي مقصوده _ من كون أصل المثوبة تفضلاً _ تقول: جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً الخ..

ومن الواضح: أن الثواب الذي يثبت بالاستحقاق هو الثواب المقرر من الأساس، فإذا ضاعف الله الثواب، وزاد فيه؛ فإن هذه الزيادة تكون تفضلاً منه تعالي وكرماً.

وليس في الرواية أن أصل الاستحقاق، قد نشأ عن تفضل الله سبحانه وتعالي علي العباد بجعل أصل المثوبة لهم، ووعدهم بها.

2 _ إن هذا الرجل قد نسب إلي علماء الكلام مقولة مفادها: أن مقصود القائل بالاستحقاق هو الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان.

وهذه النسبة غير صحيحة قطعاً، و لعله استعار ذلك من البلخي الذي يقول: إن الثواب علي الطاعة إنما هو بالتفضل لا بالاستحقاق، و قد رد العلماء مقولة البلخي هذه بأن: الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها؛ فإن لم يكن لغرض كان ظلماً وعبثاً، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم، وإن كان لغرض، فإن كان عائداً إليه تعالي فهو باطل لغناه، وإن كان عائداً إلي المكلف،فان كان هذا الغرض هو الإضرار به كان ظلماً قبيحاُ، وإن كان هو النفع له، فإن كان يصح أن يبتدئ الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثاً، وإن كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج إلي تكليف ليستحق أن يحصل علي ذلك النفع فهو المطلوب. فالنتيجة إذن هي: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.

وأما قول البلخي

فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب إليه إلي أن التكاليف إنما وجبت شكراً للنعمة، فلا يستحق بسببها مثوبةً، فالثواب تفضل منه تعالي.

ولا شك في عدم صحة هذا القول، إذ إن الكلام إنما هو في مرحلة الحسن والقبح، ويقبح عند العقلاء أن ينعم شخص علي غيره، ثم يكلفه ويوجب عليه شكره من دون إيصال ثواب علي هذا التكليف فإنهم يعدون ذلك نقصاً، وينسبونه إلي حب الجاه والرياسة، ونحو ذلك من المعاني القبيحة التي لا تصدر من الحكيم؛ فوجب القول باستحقاق الثواب.

غاية ما هناك أنه يمكن أن يقال، وإن كان ذلك لا يلائم كلام البلخي أيضاً بل هو أيضاً ينقضه ويدفعه: إنه وإن كانت مالكية الله سبحانه لكل شيء تجعله، متفضلاً في تقرير أصل المثوبة لمملوكيه علي أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، وتفضل عليهم في زيادة مقاديره، حتي لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء وبعد أن دخل ذلك في دائرة القرار، وأصبح قانوناً إلهياً مجعولاً، فقد دخل في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يعطي الله للعاصي، ويمنع المطيع، ولو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك.

وهذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة علي نجاحه في الامتحان في مدرسته، فإذا نجح الولد فسيطالب أباه بالجائزة ويري أنه مظلوم ومهان لو لم يعطه إياها، فضلاً عن أن يعطيها لأخيه الراسب [208] .

آيات الخلود في النار تدل علي الاستحقاق لا الفعلية.

الإسلام قد يكون سبباً في العفو، فلا يخلد المسلم في النار.

وحول تفسير قوله تعالي:

(ومن يعص الله ورسوله، ويتعدَّ

حدوده يدخله ناراً خالداً فيها، وله عذاب مهين) [209] .

يقول البعض:

"ربما توحي هذه الآية _ كغيرها من الآيات التي تتحدث عن عذاب المتعدي لحدود الله في أجواء المعصية _ بخلود العاصي في ال_نار، وان المسلم يمكن أن يخلد في النار بفعل معصيته.

وهذا ما استدل به القائلون بأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة مخلد في النار، ومعاقب فيها لا محالة _ كما جاء في مجمع البيان.."

وبعد أن ذكر بعض المناقشات في ذلك قال:

"ولكن من الممكن أن تكون هذه الآية، وأمثالها واردة علي سبيل تحديد الاستحقاق للعذاب الخالد، لا علي بيان الفعلية، فلا تنافي ما دل علي عدم خلود المسلم في النار، لأن إسلامه قد يكون سبباً في العفو الإلهي عنه.." [210] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ لقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها)، وهذا الحكم لا يختص بالكافر القاتل بل يشمل المسلم إذا قتل مؤمنا أيضاً.

2 _ إن الذي قتل علياً أمير المؤمنين(عليه السلام)، والذين قتلوا الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأطفاله، وأصحابه، كانوا يتظاهرون بالإسلام، فهل يحكم هذا البعض لهم وليزيد بعدم فعلية خلودهم في النار وأن إسلامهم قد يكون سبباً في العفو الإلهي عنهم؟!!.

الصراط أمر رمزي.

اللوح المحفوظ أيضا قد يكون رمزيّا.

يقول البعض:

"والظاهر أن الكلمة لا تعبر عن شيء مادّي، فلم يرد في القرآن الحديث عن الصراط إلاّ بالطريق أو الخط الذي يعبّر عن المنهج الذي يسلكه الإنسان إلي غاياته الخيّرة أو الشريرة في الحياة، وبذلك يكون الحديث عن الدقّة في تصوير الصراط في الآخرة كناية عن الدقة في التمييز بين خط الاستقامة وخط الإنحراف، فمن استطاع أن

يعرف الحدّ الفاصل بينهما وأخذ بالحق الخالص من الباطل سار إلي الجنة ومن اختلف عليه الأمر وأخذ بالباطل سار إلي النار، ومن خلال ذلك يطلق علي الأنبياء والأولياء كلمة الصراط المستقيم باعتبار أن خطّهم هو الخط المستقيم الذي أنعم الله علي السائرين عليه في مقابل الخط المنحرف الذي غضب الله علي السائرين عليه من المتمردين والضالين" [211] .

ويُسأل هذا البعض:

ما معني قوله(ص): (الصراط أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة)؟

فيجيب:

"لو صحّ هذا الحديث فالمقصود قد لا يكون الجانب المادّي طبعا، فالإنسان عندما يمشي علي الصراط المستقيم مع كل هذه الإلتواءات والإنحرافات يكون مسيره دقيقا جدّا كدقّة الشعرة وكحد السيف لأنه إذا لم يكن دقيقا فلا يمكنه أن يعرف أو يتفهم الفرق بين الخط المنحرف والخط المستقيم فيقع في الهاوية وهذا كناية عن ذلك وهناك من يحمله علي الواقع المادي بحيث يكون هناك خيط طويل أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة فمن كان مؤمنا سار عليه بشكل طبيعي ومن لم يكن مؤمنا اهتز ووقع في النار، والله العالم" [212] .

وقال في أجوبته علي المرجع الدّيني الشيخ التبريزي:

"ليس القول بأن الصراط أمر رمزي قولا بغير علم، بل هو ناشئ من الاستفادة من الآيات القرآنية، مع الأخذ بعين الإعتبار المقارنة مع الروايات التي ترد علي نحو الاستعارة، لا علي النحو المطابقي، الذي يلحظ فيه المعني الحقيقي" [213] .

ويقول عن اللوح المحفوظ:

"ربّما تكون الكلمة رمزا لما عند الله سبحانه..".

ونقول:

كنّا نتمني أن يذكر لنا تلك الآيات والروايات التي استفاد منها رمزيّة الصراط، وكيف؟!.. وكنّا نتمني أن لا يفتح باب الرمزيّة علي مصراعيه، لأن ذلك قد يطال الكثير من المفردات الدينية والإيمانية،

خصوصا ما يتعلق منها بالغيب وكل ما هو غيبي، ومن جملة ذلك ما يرتبط بالآخرة.. والجنة والنار، وما إلي ذلك.

المنطقة الجغرافية للعرش.

وحين يصل الأمر إلي ذكر (العرش) نجد أن البعض لا يبادر إلي اعتباره أمرا رمزيّا كما فعل بالنسبة إلي الصراط المؤدي إلي الجنّة يوم القيامة، بل اتخذ موقفا آخر.. يقترب تارة، ويبتعد أخري.. قد جاء في ضمن سؤال وجواب ما يلي:

"س: ما المقصود بالعرش، وأين هو؟

ج: طبعا هناك قول بأن المراد من العرش هو منطقة من مناطق السماء، وهناك قول بان المراد من العرش إنما هو أعلي مرتبة، يعني له جانب معنوي أكثر من جانب مادي.

أما أين هو؟ طبعا، ليس عندنا جغرافيّة السماء، حتي نعرف المنطقة الجغرافية التي يقع فيها العرش" [214] .

ويقول عن العرش أيضا:

"هو منطقة من المناطق التي تمثل أعلي منطقة" [215] .

فالعرش إذن هو منطقة جغرافية، فهل يمكن تفسير (استواء الله) في قوله تعالي: (الرحمن علي العرش استوي).. بالجلوس، أو بالكينونة في تلك المنطقة، أو عليها؟!

مع أنه من الواضح عند علمائنا الأبرار كافة: أن المقصود بآية: (الرحمن علي العرش استوي)، مقام القدرة والهيمنة الإلهيّة.

التأليه للملائكة بسبب الأحاديث الدينية عن أوضاعها وأسرارها.

التأليه للملائكة بسبب الأحاديث الدينية عن طاقاتها وقدراتها.

يقول البعض:

"لقد حدث في التاريخ الديني القديم أن بعض الناس قد تطرفوا في تعظيم الأنبياء الذين كانوا يملكون طاقات روحية كبيرة، وينطلقون في حياة الناس من خلال الدور العظيم الذي أوكل الله إليهم القيام به، مما استلزم صدور المعجزات علي أيديهم لمواجهة التحدي الذي كان يوجه إليهم من قبل الكافرين، ولإثبات علاقتهم بالله من خلال النبوة فنشأ من بعدهم جماعة يؤلهونهم

وينسبون إليهم صفات الربوبية من خلال ما يدّعونه لهم من أسرار خفية في طاقاتهم ترتفع بهم إلي هذا المستوي، كما حدث ذلك بالنسبة إلي عيسي عليه السلام في ظاهرة التأليه والغلو التي امتدت إلي وقتنا هذا في ما يعتقده النصاري من فكر المسيح _ الإله.

وقد حدثت ظاهرة أخري للتأليه، وهي ما كان متعارفا لدي بعض العرب أو غيرهم من تأليه الملائكة، وذلك من خلال الأحاديث الدينية التي تتحدث عن طاقاتهم الخارقة، وقدراتهم الكبيرة في أوضاعهم وأشكالهم، وأسرارهم" [216] .

ونقول:

1 _ إن من غير المعقول أن يلقي اللوم علي الأحاديث الدينية التي تتحدث عن الملائكة، وتبين للناس بعض الحقائق عنهم، واعتبارها هي سبب وقوع الناس في هذا الامر العظيم.

فإن بيان الحقيقة فيما يتعلق بالملائكة لا يمثل غلواً وإرتفاعاً إذ إن حقيقة الملك، وإن كانت ربما يجد بعض الناس فيها نوعاً من الغرابة، ولكن ذلك لا يبرر لهم الغلو بهم وتأليههم وعبادتهم.

فإذا حصل وانحرف بعضهم في هذا الإتجاه، فإنه يكون بسبب تقصيره هو، ولا ربط لذلك بالدين.. إذ إن الدين حينما يتحدّث عن هذه المخلوقات إنما يهدف إلي الإرتفاع بمستوي الوعي لدي الناس، وتحصينهم من الوقوع في أمثال هذه الإنحرافات وتعريفهم بالله وبقدرته وبمخلوقاته..

2 _ وهل يمكن أن نوجه اللوم إلي علي (ع) لأن بعض الناس قد غلوا فيه وألّهوه؟

حتي لا يعتب إبليس..

اشاره

طبيعة التشريع لا تمنع من وجود سلبيات مع الإيجابيات.

الإعتراف بسلبيات التشريع قوة لنا ومأزق للآخرين..

الدعاة يحرجون حين يجدون صحة نقد الكافرين للتشريعات أو المفاهيم الإسلامية.

ليس هناك فعل يكون خيراً كله.

ليس هناك خير لا شرّ فيه.

لا بد من السلبيات علي كل حال.

لا يوجد شر لا خير

فيه.

إعترافنا بوجود سلبيات في التشريع لا يسقطه.

إعترافنا بالسلبيات في المفهوم الإسلامي لا يسقطه.

إذا تحدثنا عن السلبيات في التشريع نتفادي الكثير من المآزق.

إعترافنا بالسلبيات نتفادي به ضعف الموقف.

يقول البعض:

"وهذه الآية توحي بفكرة عامة، وهي أنه ليس هناك إيجاب مطلق أو سلب مطلق في الحياة، لأن كل ما في الكون من موجودات وأفعال هو محدود بحدوده الذاتية والزمانية والمكانية. والله _ وحده _ ه_و المطلق، لذلك ليس هناك خير لا شر فيه، ولا شر لا خير فيه فقد يخترن الخير بعض الشر في ذاته، وقد يختزن الشر بعض الخير في مورده، لأن طبيعة الحدود تفرض ذلك؛ فتكون خيرية الشيء برجحان جانب الخير فيه كما تكون غلبة الشر برجحان جانب الشر فيه، ولا قيمة للعنصر المغلوب أو الضعيف هنا في مسألة التشريع.

إن هذه النقطة لا بد من التركيز عليها في ما يواجهه المسلمون من النقد، الذي قد يوجهه الكافرون من إثارة النقاط السلبية في بعض المفاهيم أو التشريعات الإسلامية، مما قد يجعل الدعاة والمبلغين في موقف حرج شديد الصعوبة، عندما يجدون صحّة هذا النقد في واقع الإسلام في مفاهيمه وأحكامه، ولكننا _ أمام الملاحظة المذكورة نجد أن اعترافنا بوجود السلبيات في التشريع أو في المفهوم الإسلامي، لا يعني سقوط التشريع أو خطأ المفهوم، لأن ذلك يمثّل واقع الحياة في كل حقائقها الفكرية أو العملية؛ ولذلك فإن علينا مواجهة المسألة بالحديث عن الإيجابيات الكامنة في داخل الحقيقة الإسلامية، مع غلبة هذا الجانب الإيجابي السلبي. وبهذا نتفادي الكثير من المآزق الجدلية ومن ضعف الموقف، لنحوله إلي مأزق للآخرين، وإلي موقع قوة يرتكز علي النظرة العلمية الموضوعية للأشياء والمواقف" [217] .

ويقول:

"لا بد

أن نشير في هذا المجال إلي أن طبيعة التشريع لا تمنع من وجود سلبيات إلي جانب الإيجابيات، لأنه ليس هناك فعل يكون خيراً كله، أو شراً كله، بل هناك خير يصاحب بعض الشر أو شر يصاحب بعض الخير. مما يجعل القضية في جانب الوجوب أو الحليّة خاضعة لزيادة جانب الخير علي جانب الشر. أما في طرف التحريم، فيخضع للعكس وهو غلبة جانب الشر علي جانب الخير.. فلا بد من السلبيات علي كل حال، ولكنها تختلف شدّة وضعفاً وزيادةً ونقيصة، تبعا لطبيعة الموضوع في أجواء التشريع" [218] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1_ إن هذا البعض يقول: إنه لا يوجد شر لا خير فيه.. فهل تراه يجد في قتل الانبياء، وفي الشرك والكفر، وقطيعة الرحم.. وفي الظلم وهو الذي لا شك في قبحه الذاتي، وما إلي ذلك.. هل يجد في ذلك كله شيئاً من الخير؟!

وهل يجد في الإيمان بالله، وفي عبادته تعالي، وفي الصلاة، وإنقاذ الغريق. ومعونة الضعفاء ونشر دين الله، وتوحيد الله، وما إلي ذلك.. هل يجد في ذلك أثراً للشر؟!

وأي شر يجده هذا البعض في حب الله، وفي طاعته، والإلتزام بأوامره، والإنزجار بزواجره؟!.

و في حب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وفي طاعة الرسول، وفي حب الوصي، والإمام، وفي طاعة الوصي والإمام.. وفي حب الحق والإلتزام به.

2 _ إن ظاهر كلام هذا البعض يعطينا: أن الدافع له إلي إطلاق هذه المقولات هو أن الدعاة والمبلغين _ علي حد تعبيره _ يجدون أنفسهم في موقف حرج شديد الصعوبة.. حين يعجزون عن الإجابة علي النقد الموجه إلي الإسلام في مفاهيمه، وأحكامه..

فكانت هذه المقولات التي أطلقها هذا البعض هنا وهناك بمثابة إعلان الاستسلام، والعجز عن

الإجابة علي شبهات الكافرين والملحدين.. ولكن هذا البعض لا يريد أن يدفع من جيبه ولا من جيب بعض المبلغين والدعاة فاتورة قصورهم، وجهلهم، وعجزهم هذا.. فعدوا علي الإسلام نفسه ليدفعوا هذه الفاتورة من جيب الإسلام، وليتحمل الإسلام هذه الخسارة العظمي لكي تحفظ شخصية ذلك المبلّغ و الدّاعية العاجز والضعيف، ويبقي لها لمعانها ووهجها.. وتألقها.. وذلك حين يتفادي الكثير من المآزق الجدلية وضعف الموقف!! ويحوّله إلي مأزق للآخرين!!..

يا سبحان الله!! ما هذه الدعوي يا هؤلاء الدعاة؟

3 _ إن قول هذا البعض:

"لا بد من السلبيات علي كل حال.."

وقوله:

"ليس هناك فعل يكون خيراً كله أو شراً كله.. الخ.."

نفي قاطع وشامل.. ومن الطبيعي أن هذا النفي يحتاج إلي دليل. كما أن الإثبات _ إثبات السلبيات علي كل حال _ يحتاج إلي دليل.. وفقاً لما قرره هذا البعض نفسه، وقد أشرنا إليه أكثر من مرة..

ولم يثبت لدينا بعد، أن الله سبحانه قد أطلعه علي غيبه، لكي نقبل منه هذا النفي وذلك الإثبات بمجرد دعواه. ودون أن يقدم لنا أي دليل علي ما يقول. وأنّي له ذلك.

نظام الإسلام نفعه أكثر من ضرره.

لا يستطيع الإنسان الوصول إلي نظام لا سلبيات فيه.

سلبيات الزنا تتقدم علي سلبيات الزواج. (أو فقل: إيجابيات الزواج تتفوق علي إيجابيات الزني).

سلبيات نظام الزواج أقل من إيجابياته.

يقول البعض:

".. وإذا أردنا أن ندخل في المقارنة بين السلبيات و الإيجابيات، فسنجد إيجابيات الزواج تتفوق كثيراً علي إيجابيات الزنا، بينما تتقدم سلبيات الزنا علي سلبيات الزواج، وإذا كان الإنسان لا يستطيع الوصول إلي نظام لا سلبيات فيه، نظراً إلي محدودية الواقع الذي يتحرك فيه من حيث الشخص والساحة والأدوات والأجواء،

فمن البديهي أن يختار النظام الذي يكون نفعه أكثر من ضرره لتستقيم له حياته في الطريق الأقوم، في اتجاه التكامل والتوازن والاستقامة" [219] .

وقفة قصيرة

1 _ ليت هذا البعض يدلنا علي سلبيات الزواج التي تقل عن سلبيات الزنا؟! وهل إيجابيات الزنا التي ذكرها بقوله:

".. وإذا كان للزنا بعض إيجابياته القائمة علي الاستجابة للنوازع العاطفية، والمشاعر الملتهبة، والجوع الغريزي [220] الذي قد يجد الإشباع في جهة، ولا يجدها لدي جهة أخري، والانسجام مع الأجواء الحالمة التي يثيرها الجمال الجسدي، أو التناغم الروحي" [221] .

هل هذه الإيجابيات، لا يجدها الإنسان لو تحول الزنا إلي علاقة شرعية من خلال العقد؟!

وهل هذه الأمور مفقودة في الحياة الزوجية لدي عامة الناس؟!

2 _ هل محدودية الواقع الذي يتحرك فيه من حيث الشخص والساحة والأدوات والأجواء تجعل الوصول إلي نظام لا سلبيات فيه أمراً ممتنعاً؟!.

وهل هذا يعني أن نظام الإسلام الذي يهدف إلي ضبط الحياة في الواقع المحدد؛ هو نظام يشتمل علي السلبيات؟!

ولنفرض جدلاً صحة ذلك، فهل هذه هي سلبيات الواقع؟ أم هي سلبيات النظام الإسلامي؟! فلماذا لا يلتفت إلي تعابيره، بل يلقي الكلام علي عواهنه؟! وبلا حساب؟

لا مقدسات في الحوار.

قد حاور الله تعالي إبليس.

سئل البعض:

أشرتم إلي مسألة الحوار بين الأديان، والملاحظ ازدياد الحديث في هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، فما رأيكم؟

فأجاب:

"إن الله علمنا أن نحاور كل الناس، ولا توجد مقدسات في الحوار، فقد حاور الله تعالي إبليس، فهل هناك من الناس من هو مثل إبليس؟ كما أن القرآن هو كتاب حوار مع المشركين في توحيد الله، ومع الكافرين في وجود الله وفي نبوة النبي، كما حاور المنافقين، لذلك نعتبر

أن عظمة القرآن في أنه كتاب الحوار المقدس الذي يقول لك إن مسألة أن تؤمن هي أن تفكر وتقتنع، وبالتالي أن تحاور.. الخ" [222] .

وقفة قصيرة

ونقول:

أولاً: هل حاور الله تعالي إبليس حقاً.. أم أنه ألقي الحجة عليه ثم طرده من رحمته، وأرسل عليه لعنته؟!

إن الحوار يتمثل بتبادل الأفكار التي من شأنها أن تنبه الطرف الآخر إلي خطئه فيما يلتزمه من أفكار، وإلي صوابية الفكر المطروح عليه..

وليس من الحوار ما يكون من قبيل إلقاء الحجة علي الطرف الآخر تمهيداً لإصدار القرار الحاسم عليه حتي وإن ظهر بصورة الخطاب مع الآخر ولا معني، ولا مبرر للخلط بين ما هو خطاب، وبين ما هو حوار، فشتّان بين الإثنين.

والملاحظ في قضية إبليس المذكورة في القرآن هو أنها تقتصر علي بيان استكبار إبليس عن السجود لآدم لكونه قد خلق من تراب.. يقابله قرار إلهي بطرده، وإحلال اللعنة عليه إلي يوم الدين..

وقد وردت هذه القضية في أربعة مواضع في القرآن الكريم، هي التالية:

1_ في سورة الأعراف قال تعالي:

(ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. قال: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ قال: أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين. قال: فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها، فاخرج إنك من الصاغرين. قال: أنظرني إلي يوم يبعثون. قال: إنك من المنظرين. قال: فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال: اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنم منكم أجمعين) [223] .

2 _ وفي سورة الحجر قال تعالي:

(..

فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس أبي أن يكون مع الساجدين. قال: يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين. قال: لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأٍ مسنون. قال: فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك اللعنة إلي يوم الدين. قال: رب فأنظرني إلي يوم يبعثون. قال: فإنك من المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم. قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين.. إلا عبادك منهم المخلصين. قال: هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين، وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) [224] .

3 _ وفي سورة الإسراء قال تعالي:

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس، قال: أأسجد لمن خلقت طيناً؟. قال: أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلي يوم القيامة لأحتنكنّ ذريته إلا قليلاً. قال: اذهب فمن تبعك منهم، فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً. واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وكفي بربك وكيلا.) [225] .

4 _ وفي سورة (ص) يقول سبحانه:

(فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس أستكبر، وكان من الكافرين. قال: يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ أستكبرت أم كنت من العالين. قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال: فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي إلي يوم الدين. قال: رب فأنظرني إلي يوم يبعثون. قال: فإنك من المنظرين. إلي يوم الوقت المعلوم. قال: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين. قال: فالحق والحق أقول. لأملأن جهنم

منك وممن تبعك منهم أجمعين) [226] .

وبعد.. فإن هذا هو كل ما ذكره الله تعالي في كتابه الكريم عن تمرد إبليس [227] ، وهو يتلخص في عدة نقاط هي:

استكبار وتمرد من قبل إبليس.

وطرد من قبل الله له من رحمته.

ثم طلب إبليس من الله أن ينظره إلي يوم القيامة.

واستجابة الله له.

ثم توعد إبليس بإضلال الناس كلهم.

ثم تهديد الله له ولمن تبعه بالعذاب في نار جهنم.

فأين هو الحوار يا تري، وأين تجد تبادل الأفكار؟!

ثانياً: إن هذا البعض يتحدث عن قيمة الحوار في القرآن فيقول:

"إن قيمته هي في أنه لم يحدد موضوعات الحوار، ولم يحدد الإنسان المحاور، فلا مشكلة في الحوار مع أي إنسان كان، لأن القضية هي أن هناك حقيقة لا بد أن نتعاون علي اكتشافها، والوصول إليها، ليكون الحوار وسيلة تعاون لاكتشاف هذا المجهول، لا لتسجيل النقاط السلبية علي بعضنا البعض" [228] .

ويتحدث عن مهمة الحوار، وأنه ليس مجرد إيصال القضايا التي يختلفون فيها إلي وضوح الرؤية لإيجاد قناعة مشتركة حولها.

بل هو أيضاً يساهم في تبريد الأجواء النفسية لدي المتحاورين.. لالتقائهم علي المفاهيم المشتركة، أو المعاني المتقاربة مما يخلق مشاعر حميمة فيما بينهم.

كما أنه يخلق حركة فكرية تكون سبباً في تعميق الوعي، وشمولية النظرة.

كما أنه يمكن أن نجعل من الحوار منهج تربية في تكوين القناعات بشكل تدريجي.

ثم قال:

"إذا كان القرآن يتحدث بأسلوب العنف عن بعض هؤلاء الذين ينطلقون من موقع الفكرة المضادة لفكره، فلم يكن ذلك نتيجة للروح العدوانية التي ترفض الخلاف بالقوة، بل كان لامتناعهم عن الدخول في أجواء الحوار، وابتعادهم عن استعمال الأدوات التي أتاحها الله لهم للمعرفة

وللتفكير.. وهذا ما نريد إثارته: الحوار لمن يريد الحوار. والعنف العقلاني لم_ن يتخذ الع_نف وسيلة لاضطهاد الف_ك_ر وإسقاطه.." الخ [229] .

وبعدما تقدم نقول:

هل تري هذه المعايير، والفوائد التي ذكرها للحوار منطبقة علي حديث القرآن عن حوار الله تعالي مع إبليس؟

الجواب: لا، فإن الله سبحانه إنما أقام الحجة علي إبليس ثم طرده ولعنه.. إذن فخطابه سبحانه لإبليس لا يدخل في هذا الإطار بلا شك.

أو هل تري أن الحوار المزعوم بين الله سبحانه وإبليس هو من مفردات وموارد العنف العقلاني، لمن يتخذ العنف وسيلة لاضطهاد الفكر الآخر وإسقاطه؟!

والجواب أيضاً بلا.. لأن إبليس قد قدم عذره _ الباطل _ لامتناعه عن السجود لآدم، وهو أنه مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، ولكن الله سبحانه بادره باللعنة وبالطرد..

فكلا الحالتين لا تنطبقان علي قضية إبليس وهكذا تتعقد المشكلة إذا أردنا أن نلتزم بما يقوله هذا البعض، ونقف عنده ولا نتعداه..

ثالثاً: إن الحقيقة هي أن الله سبحانه لا يهادن الفكر المنحرف، الذي ينطلق من إرادة تبرير الإنحراف، وذر الرماد في العيون عن سابق معرفة وإدراك لحقيقة الخطأ، وتمييع القضايا بصورة وقحة، فإن هذا النوع لا يصح، بل لا يجوز الحوار معه، لأن حواراً كهذا لسوف يستبطن المماشاة بل الإعتراف بهذا الفجور الإعلامي الذي يراد تسويقه علي أنه فكر، ورأي واستدلال.. ولأجل ذلك كان القمع الإلهي لهذا الفجور الخبيث، ولم يكن ثمة من حوار مع إبليس، ما دام أن الحوار مع إبليس سقوط خطير، وانتصار لأطروحة إبليس، ومساعدة له علي تحقيق مراميه الخطيرة والخبيثة.

بل هو كما قلنا _ احتجاج من الله سبحانه عليه، وفيه من التأنيب والتقريع، والإنكار والتوبيخ ما لا يخفي علي

من له أدني معرفة بلغة العرب، ثم كان الطرد، وكانت اللعنة، فهل يصح اعتبار ذلك حواراً بعد هذا كله؟!

حوارات لا حقيقة لها بين الله وبين ما لا يعقل ولا ينطق من مخلوقاته.

نستقرب كون حوار الله مع ملائكته ليس حقيقيا.

الاستشارة محاولة للوصول إلي الرأي الأصوب الذي يعني الجهل فلا يستشير الله ملائكته.

يقول البعض:

".. 1 _ ما معني هذا الحوار.. هل هو قصة حقيقية دار الحوار فيها بين الله وبين ملائكته، أو هو أسلوب قرآني لتقريب الفكرة بطريقة الحوار لأنه أقرب إلي فهم الفكرة من الأسلوب التقريري.فإن أسلوب الحوار متحرك يوحي بالحركة في الفكرة عندما تتوزع تفاصيلها علي عدة أشخاص بين السؤال والجواب، بينما نشعر _ في الأسلوب التقريري _ بأن الفكرة تسير بشكل رتيب هادئ لا يثير في النفس أي شعور غير عادي إلا من خلال طبيعة الفكرة..

وليس هذا الأسلوب بدعاً في الأساليب القرآنية فنحن نجد في كثير من آيات القرآن حواراً يدور بين الله وبين ما لا يعقل ولا ينطق من مخلوقاته كما فيما حكاه الله سبحانه في خلق السموات والأرض إذ قال لهما (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) (فصلت –11). لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله بما أودعه فيهما من قوانين طبيعية تسير بهما وفق إرادته وحكمته ولا بد لنا في الجواب عن هذا التساؤل من الحديث عن موقفنا حيال الظواهر القرآنية، فهل لنا أن نتصرف فيها فنحملها علي غير ما يفهم من مدلولها الحرفي أو لا؟.

إن الطريقة العقلانية في التفاهم تقضي بأن الظواهر الكلامية حجة ما لم يكن هناك دليل عقلي يمنعنا من الأخذ بها وقد جري القرآن علي هذه الطريقة في أسلوبه.. فلا بد

لنا من السير عليها فيما نأخذ منه أو ندع، فإذا أخبرنا بوجود حوار ضمن قصة ولم يكن هناك مانع عقلي من الإقرار به واعتباره حقيقة واقعة.. أمّا إذا كان هناك مانع عقلي فلا بد من حمله علي ما ينسجم معه علي أساس قواعد المجاز والكناية والاستعارة.. كما في الآيات التي تحدثت عن وجه الله (كل شيء هالك إلا وجهه) [230] ."

ويقول أيضا:

".. كيف نفهم الحوار كحقيقة موضوعية.. هل كان الله سبحانه في مقام استشارة للملائكة فيما يريده من خلق الخليفة أو كان في مقام إخبارهم بذلك.. لا بد من رفض الشق الأول من السؤال لأن الاستشارة تنطلق من محاولة الوصول إلي الرأي الأصوب الذي يستتبع الجهل بالواقع مما يستحيل نسبته إليه تعالي.. فإذا كانت القضية إخبار عما يريد الله فعله، فكيف نفسر اعتراض الملائكة عليه، مع أننا نعرف من خلال القرآن الكريم، أنهم (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (الأنبياء 26 _ 27). وهنا يعود السؤال من جديد كيف نفسر الحوار.. ونقول ربما تكون القضية واردة مورد التساؤل أمام الإخبار، وليس هناك ما يوجب اعتبار السؤال اعتراضا، فإن طبيعة الموضوع تدفع للتساؤل عن سر الحكمة فيه.. وتثير الدهشة والاستغراب.. فكيف يخلق الله مخلوقا ليكون خليفته في الأرض، في الوقت الذي تتمثل حياته في التمرد علي الله بالفساد وسفك الدماء.. إن القضية تشبه اللغز بحسب طبيعتها.. وفي هذا الإطار يمكن أن تكون القضية جوابا عن سؤال أثاره الملائكة لكشف الموضوع، ويمكن أن تكون جوابا عن سؤال تفرضه طبيعة القضية، بعيداً عن أجواء الحوار الحقيقي.. وقد نستطيع أن نتبني الفقرة الثانية، لأن الآيات بمجموعها توحي بأن في القضية نوعا من التحدي الذي يوجه

نحو الملائكة، بإثارة محدودية علمهم من جهة، وبتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم وتكليف آدم بالإجابة عنه.. وقد يقرّب هذه الفكرة.. أننا لا نفهم الوجه في إدارة هذا الحوار مع الملائكة.. فإن حوار الله مع مخلوقاته ينطلق غالبا من القضايا التي تتعلق بمسؤولياتهم وتكاليفهم، أما أن يكون متمثلا في الأمور التكوينية التي يريد إيجادها فهذا ما لا نعرف له وجها.. ومن الطبيعي أن هذا لا يعتبر مانعا عقليا عن حمل اللفظ علي ظاهره، لا سيما وأننا لا نملك الكثير من المعرفة لعالم ما وراء الطبيعة، فنحن لا نعرف كيف يقولون، وكيف هم، وما هي العلاقة بينهم، وبين الله سبحانه، وما هو الجو الذي يمكن أن يعيش فيه هذا الحوار.. كل هذا لا نملك له سبيلا للمعرفة فان هذه القضايا مما نعرف وجودها بشكل ضبابي لأننا لا نجد وسائل الإيضاح التي تجعلنا نتمثل الفكرة بوضوح..

إننا نستقرب اعتبار الموضوع أسلوبا قرآنيا لتوضيح الفكرة ولكننا لا نجزم بذلك، لان المعطيات التي قدمناها لا تدع مجالا للجزم.. بل ربما نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تدعم الفرضية الأولي.. فيما يأتينا من حديث.." [231] .

وقفة قصيرة

إننا نشير هنا إلي أمرين:

الأول: أن هذا البعض يستقرب أن يكون ما جري من حوار بين الله وملائكته ليس حواراً حقيقيا، بل هو أسلوب قرآني لتوضيح الفكرة علي حدّ تعبيره.

ونقول: يرد عليه:

أولا: إن الدليل الذي استدل به يوجب كون الحوار حقيقيا فهو يقول: إن في القضية نوعاً من التحدي للملائكة بتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم، وذلك يعني أن يكون ثمّة سؤال وُجّه إليهم بالفعل.

ثانياً: إن ما ذكره من عدم معرفته للوجه في إدارة الحوار، لا يبرر اعتباره الحوار خيالياً فرضياً.

ثالثاً: إنه

تارة يقول: إنه لا يعرف سبب الحوار بين الله وملائكته، وتارة يقول: إن السبب هو أنه تعالي أراد تحدي الملائكة لإظهار عجزهم !.

رابعاً: إن عدم معرفته بالسبب لا يبرر رفض الأحاديث المأثورة التي تدعم مقولة كون الحوار حقيقيا، فإنه إذا كان لا يعرف السبب، ولا يملك وسائل الإيضاح ليتمثل الفكرة بوضوح، كما يقول..

فإن أهل بيت العصمة عليهم السلام يعرفون، وقد أخبرونا بالحقيقة، فلماذا يتجاهل الأحاديث المأثورة عنهم (ع)التي اعترف هذا البعض ب_وج_وده_ا، واعترف بأنها تدعم القول بعدم كون الحوار فرضياً؟.

خامساً: إنه يقول أيضا: إن الظواهر الكلامية حجة ما لم يكن دليل عقلي يمنع من الأخذ بها. وقد جري القرآن علي هذه الطريقة في أسلوبه، ثم هو يقول: إنه لا يوجد مانع عقلي من حمل اللفظ علي ظاهره.

ونقول:

أولا: فإذا كان يجب حمل اللفظ علي ظاهره في مثل هذه الموارد فلماذا استقرب هنا ما يخالف هذه القاعدة يا تري!؟ ويا ليته التزم بمثل ما التزم به هنا حين تحدث عن رؤية موسي (ع) لربه سبحانه وتعالي وغيرها من الموارد!!

ثانياً: إن هذا البعض قال:

".. نجد في كثير من آيات القرآن حوارا يدور بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته، كما فيما حكاه الله سبحانه في خلق السماوات والأرض؛ إذ قال لهما: (ائتيا طوعا أو كرها قالتا: أتينا طائعين) (فصلت 11) لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله.." انتهي كلامه.

ونقول:

إننا لا نوافق علي أن ما يجده في كثير من حوارات جرت بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته هو من موارد الحوارات الفرضية التي لا حقيقة لها.. بل جاءت لتقريب فكرة الخضوع التكويني له تعالي كما

يزعم.. إذ إن حملها علي ذلك خلاف ظاهر كثير من الموارد، فقد دلت الآيات علي أن السمع والبصر والجلود تشهد، وعلي أن الجلود تنطق وعلي أن الأيدي تتكلم.

قال تعالي: (اليوم نختم علي أفواههم، وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) [232] .

وقال تعالي: (يوم يحشر أعداء الله إلي النار فهم يوزعون. حتي إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم، وأبصارهم، وجلودهم، بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا، قالوا: أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة،واليه ترجعون.وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم. ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) [233] .

ولا ننسي هنا حكاية النملة مع سليمان (ع)، وحكاية الهدهد معه أيضا، مع انهما مما لا يعقل ولا ينطق حسب تقدير هذا البعض.

قال تعالي: (حتي إذا أتوا علي وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده، وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها وقال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والديّ، وان أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وتفقد الطير فقال: مالي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذّبنه عذابا شديداً اولأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين، فمكث غير بعيد، فقال: أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم، وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم، فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم.

قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ث__م ت__ولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون. قالت: يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب ك_ري_م) [234] .

هذا بالنسبة لعالم الطير، وغيره من الكائنات الحية.

أما بالنسبة لعالم الجماد فهناك آيات كثيرة، نختار منها قوله تعالي: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، وكثير من الناس. وكثير حق عليه العذاب) [235] .

وقال تعالي: (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنّه كان حليما غفورا) [236] .

ومن الواضح أن سجود الموجودات المذكور في الآية الأولي ليس سجودا تكوينيا قهريا، وإنما هو اختياري كالناس الذين يختار بعضهم السجود، ويختار بعض آخرون العصيان، فيحق عليه العذاب ولو كان تكوينيا لم يكن ثمة مجال لامتناع كثير من الناس عنه.

كما أنه لو كان التسبيح الذي تحدثت عنه الآية الثانية تكوينيا فهو أمر معروف وظاهر يعرفه الناس كلهم، فلا يبقي معني لقوله تعالي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم).

ومما يشير إلي ذلك أيضا قوله تعالي (إنّا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) [237] .

وقال تعالي: (لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعاً من خشية الله) [238] .

وقال سبحانه: (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) [239] .

والآيات التي تدخل في هذا السياق كثيرة. ولا مجال لإثبات خلاف ذلك في تلك الموارد.

مخالفات في كل اتجاه

اشاره

لا يثق برواية البعثة في

رجب.

ويقول البعض:

بعد أن ذكر أن نزول القرآن قد كان في شهر رمضان المبارك حسبما نص عليه قوله تعالي: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان)، _ يقول _ ما يلي:

"وعلي ضوء ذلك فإن هذا الظهور القرآني البين يجعلنا لا نثق بالروايات التي توقت البعثة في رجب، أو تعين الآيات النازلة في سورة إقرأ.. الخ" [240] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن نزول القرآن في شهر رمضان المبارك لا يلازم كون البعثة فيه، إذ قد تكون البعثة في رجب، ثم ينزل القرآن أو يبدأ نزوله بعد سنة أو شهر من ذلك أو أكثر أو أقل لأن معني البعثة هو أن يخبر الله نبيه بواسطة الوحي أنه مبعوث إلي الناس..

والرواية التي تتحدث عن أن البعثة كانت مقارنة لنزول آيات:)إقرأ باسم ربك الذي خلق (لا يمكن أن تصح.. وقد قرر نفس هذا البعض آنفاً أنه لا يثق بالروايات التي تعين أول الآيات النازلة في سورة (إقرأ).

وقد تحدثنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله) ما يفيد في توضيح هذا الأمر وتأكيده، فراجع [241] .

2 _ إن الله سبحانه قد أرسل رسلا وبعث أنبياء إلي الناس منذ آدم (عليه السلام). وليس ثمة ما يثبت أو يدل علي اقتران بعثتهم والوحي إليهم بإنزال كتب أو نصوص إلهية بعينها.. فلا ملازمة بين بعثة النبي (صلي الله عليه وآله)، وبين وجود كتاب يأتي به حين بعثته.

3 _ علي أن هناك من الروايات ما يدل علي أن القرآن قد نزل أولاً علي قلب رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم صار يبلغه وقت استحقاق الخطاب.

ولعل النزول الدفعي

هو الذي حصل ليلة القدر، فيكون المراد بأنه (صلي الله عليه وآله) كان في بعض الوقائع ينتظر الوحي: أنه كان ينتظر الإذن بالإبلاغ لما كان قد نزل عليه من آيات.

4 _ إن المروي عن أهل البيت (عليهم السلام):

أن البعثة كانت في السابع والعشرين من شهر رجب، وأهل البيت أدري بما فيه من كل أحد. وهم أقرب إلي معرفة شؤون النبي (صلي الله عليه وآله) وحالاته، وقد روي هذا الأمر حتي عن غير الشيعة أيضاً [242] .

بل لقد ادعي المجلسي إجماع الشيعة علي هذا الأمر [243] .

فما بال هذا البعض يترك ذلك كله، استناداً إلي ظنون وترجيحات لا مبرر لها؟!

لا حقيقة للألفاظ بذاتها يمكن أن يترتب عليها أثر.

إذابة اسم الله في الماء لا يحدث الشفاء.

إذا ذاب الإسم في الماء لا تعود له حقيقته.

الذي يذوب في الماء هو الحبر وليس هو الإسم.

نسبة أي فاعلية للإسم ستعود للحبر وإلي ما ليس له حقيقة ووجود وهذا محال..

يقول البعض:

"(يا من اسمه دواء وذكره شفاء).

علي (ع) في هذه الكلمات يقدم لنا حقيقتين مهمتين:

الأولي: أن اسم الله دواء.

والثانية: أن ذكر الله شفاء.

وليس المراد بالإسم هنا لفظ كلمة الله سبحانه وتعالي، فإن الألفاظ لا قيمة لها بنفسها، ولا حقيقة لها بذاتها يمكن أن يترتب عليها أثر، وإنما حقيقة اللفظ وقيمته، بما يحكي عنه ويدل عليه.

فالأسماء إنما توضع لتشير إلي المسمي، وهي إن استحقت قيمة ما، فإن ذلك لا يعود إليها نفسها، وإنما تعود إلي المسمي الذي تدل، أو تشير أو تكشف، وتحكي عنه.

من هنا يتبين لنا أن الإسم _ كاسم _ لا حقيقة ذاتية له يمكن

أن تترتب عليها الآثار. إذاً، كيف يمكن أن نفسر قول علي بأن اسم الله تعالي تترتب عليه آثار كآثار الدواء أي كما أن الدواء له حقيقة ذاتية تتمثل في إشفاء الناس من بعض الأمراض التي هي في الأصل، موضوع لها، فهل اسم الله كاسم من قبيل هذا الدواء، أم أن الأمر مختلف؟ بالتأكيد، إن الأمر مختلف فإذا كان تناول جرعة من الدواء مع الماء يمكن أن يحدث الشفاء من المرض فإن إذابة اسم الله في كوب من الماء لا يمكن أن يحدث الشفاء، لأن الإسم متي ذاب لا تعود له حقيقة حتي حقيقة اللفظ المكتوب، كما ان الذي يذوب هو الحبر، وليس الإسم، وبالتالي إذا نسبنا أي فاعلية للإسم في هذه الحالة، إنما ستعود حقيقة وواقعاً إلي الحبر، وإلي ما ليس له حقيقة ووجود وهذا محال" [244] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن مما لا ريب فيه: أن المعوذتين نزلتا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان (صلي الله عليه وآله) يعوذ بهما الحسن والحسين (عليهما السلام)، فللكلام الملفوظ تأثيره.. رغم أنه مجرد أصوات تصدر عن اللافظ، كما أن الصلاة هي مجرد ألفاظ وأصوات فلماذا لابد من الإلتزام بهذه الألفاظ لكي تتحقق المعراجية للمؤمن، ولكي يسقط واجب الصلاة عن المكلف؟!.

2 _ إن من الواضح أيضاً: أن رسم القرآن في المصحف هو عبارة عن حبر وضع علي الورق علي طريقة معينة، فلماذا يحرم تنجيسه، ويحرم وضعه في مواضع المهانة، ويحرم الوطء عليه بالأقدام؟ ما دام أنه ليس ثمة إلا ورق وحبر؟!..

3 _ ولا يشك أحد ممن له أدني اطلاع علي الأحاديث، والآثار إذا لاحظ كثرتها الكاثرة وتنوعها المفيد لليقين الجازم لا يشك: بأن منها

ما هو صادر قطعاً عن الرسول (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) مما يتضمن أوامر بقراءة أو كتابة آيات، أو أدعية، أو عوذات بعينها.. ليحصل الشفاء للحالة الفلانية، أو ليتحقق الأمر الفلاني..

وتكذيب ذلك بأجمعه مجازفة كبري لا يمكن الإقدام عليها من قبل أي مسلم مهما كانت ثقافته، أو موقعه.

4 _ إن هذا البعض نفسه قد قرر في بعض الموارد أنه:

".. قد يحصل الشفاء لبعض المرضي نتيجة التوسل لله، بنبي أو ولي أو بسبب دعاء أو عمل عبادي في جو نفسي معين قد لا ينسجم مع التفسير النفسي العلمي" [245] .

فلماذا يناقض نفسه، ويقرر خلاف ذلك هنا؟!.

5 _ قوله:

"إن نسبة أي فاعلية للإسم ستعود حقيقة وواقعاً إلي الحبر.."

لا يمكن قبوله.. فإن الفاعلية إنما هي لما يرمز إليه الإسم الذي جسد الحبر له رمزاً كما يجسد اللفظ له رمزاً أيضاً، أي أن الذي يشفي هو المسمي الذي تجسد حضوره بالرموز والأشكال الدالة عليه بواسطة الحبر..

ولا يدعي أحد أبداً أن الحبر بذاته ولذاته هو المؤثر في الشفاء أو في غيره..

لا مانع من أن تكون فواتح السور من كلام النبي (ص).

فواتح السور ليس لها مدلول معين ولا مضمون واضح.

كون الحروف المقطعة مزيدة في القرآن رأي معقول..

الرأي بزيادة الحروف المقطعة منسجم مع أجواء العداء.

المانع من تبني هذا الرأي هو: كون غالب السور مدنية.

يقول البعض وهو يتحدث عن الآراء المطروحة حول الحروف المقطعة الواردة في أوائل العديد من السور القرآنية:

"الرأي الثاني: أنها من كلام النبي (ص) لإثارة انتباه الناس إلي الآيات التي يريد أن يقرأها عليهم.

فقد كان المشركون _ في ذلك الوقت

_ يعملون علي إثارة الضوضاء واللغو عند قراءة النبي للقرآن، ليمنعوا الآخرين من الاستماع إليه فجاءت هذه الكلمات غير المألوفة لديهم لتؤدي دورها في إثارة الإنتباه من خلال غرابتها علي أسماعهم لأنها ليست من نوع الكلمات التي تعارفوا عليها، فليس لها مدلول معين ومضمون واضح، ومن هنا يبدأ التساؤل الداخلي الذي يهيء النفس لانتظار ما بعدها لتستوضح معناها من خلال ذلك.. وتتحقق الغاية من ذلك في سماعهم لآيات الله.

ونحن لا نمانع في معقولية هذا الرأي وانسجامه مع الأجواء العدائية التي كان المشركون يثيرونها أمام النبي (ص) مما حدثنا القرآن الكريم عنه في قوله تعالي: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (فصلت:26).

ولكن ذلك كان موقف المشركين في مكة، بينما يغلب علي السور التي اشتملت علي هذه الكلمات الطابع المدني في نزولها علي النبي (ص)، ونحن نعلم أن هذه الأجواء لم تكن مثارة في المدينة لأن المشكلة لم تكن مطروحة هناك، فلا يصلح هذا الرأي لتفسير هذه الكلمات" [246] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذا البعض لا يمانع في معقولية الرأي الثاني القائل بأن تكون الكلمات المعروفة الواقعة في أوائل السور مثل:

(ألم، كهيعص، المر، المص، حم، عسق، الر، ق، ن) ونحو ذلك.. من كلام النبي (صلي الله عليه وآله) وقد وضعها وزادها رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليثير انتباه الناس إلي الآيات التي يريد أن يقرأها عليهم..

فالنبي إذن قد زاد في هذا القرآن العظيم من عند نفسه ما ليس منه.. وبالتالي، فإن هذا البعض لا يمانع في معقولية هذه الزيادة، ووقوع التحريف بالزيادة في هذا القرآن.

ويري أن هذا الرأي ينسجم مع الأجواء العدائية التي كان المشركون يثيرونها أمام

النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله).

2 _ إن هذا البعض يقول:

"إنه يغلب علي السور التي اشتملت علي هذه الكلمات الطابع المدني في نزولها علي النبي (ص).."

وهذا هو الذي يمنعه من التأكيد علي هذا الرأي الثاني وتبنيه.

فلو أن الأمر كان علي عكس ذلك بأن كان الطابع الذي يغلب علي السور التي اشتملت علي هذه الكلمات في نزولها هو المكي، لكان هذا الرأي هو المعقول _ بنظره _ لتفسير هذه الكلمات، إذ إنه لا يمانع في معقولية هذا الرأي، لأنه حينئذ يكون منسجماً مع الأجواء العدائية، التي كان المشركون يثيرونها أمام النبي _ علي حد تعبير هذا البعض _.

وقد راجعنا تلك السور التي توجد هذه الكلمات في فواتحها، فوجدنا:

أن هذه الحروف قد وردت في تسع وعشرين سورة، ست وعشرون منها نزلت في مكة، وثلاث منها نزلت في المدينة وحتي هذه السور التي نزلت في المدينة يلاحظ أن اثنتين منها وهما سورتا البقرة، وآل عمران قد نزلتا في أوائل الهجرة، وحيث كان الوضع الديني والإيماني فيها لا يختلف كثيراً عنه في مكة، ولا سيما مع وجود اليهود وشبهاتهم، ومؤامراتهم إلي جانب المشركين فيها.

وواحدة منها، وهي سورة الرعد قد نزلت بعد أن كثر الداخلون في الإسلام رغباً أو رهباً، وكثر المنافقون حتي ليرجع ابن أبيّ بثلث الجيش في غزوة أحد عدا من بقي منهم في الجيش ولم يرجع معه.. وأصبح اليهود وغيرهم ممن وترهم الإسلام يهتمون بالكيد للإسلام من الداخل، بعد أن عجزوا عن مقاومته عسكرياً وفكرياً، وعقائدياً بشكل سافر.. فجاءت سورة الرعد لتكرر التحدي بهذه المعجزة: القرآن، كأسلوب أمثل لبعث عمق عقيدي وإيماني جديد في المسلمين، ومواجهة غيرهم بالواقع الذي لا

يجدون لمواجهته سبيلاً إلا بالتسليم والبخوع والإنقياد له.

وهذا يفسر لنا السر في أننا نجد أسلوب وأجواء سورة الرعد لا تختلف كثيراً عن أجواء وأسلوب غيرها من السور المكية، وأن هنالك توافقاً فيما بينها في إدانة وضرب كل أساليب التضليل أو التزوير، والصدود عن الحق.

3 _ إن هناك إجماعاً من المسلمين علي عدم وقوع الزيادة في كتاب الله سبحانه بأي وجه..

وقد ذكر هذا الإجماع عدد من العلماء كالطوسي والطبرسي.. [247] .

أما النقيصة فالشيعة مجمعون علي عدمها أيضاً [248] ، ولا يعتد بمخالفة بعض الحشوية، وبعض أهل الحديث، لنقلهم أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها.

بل لقد قال ابن حزم عن الشريف المرتضي _ رحمه الله _: إنه (يكفر من زعم أن القرآن بدِّل، أو زيد فيه أو نقّص منه، وكذا كان صاحباه: أبو القاسم الرازي، وأبو يعلي الطوسي) [249] .

وعدا ذلك فإن الأدلة علي سلامة القرآن من التحريف سواء من ناحية الزيادة، أو من ناحية النقيصة كثيرة، وقد استوفينا شطراً منها في كتابنا المعروف: (حقائق هامة حول القرآن) فليراجعه من يريد ذلك..

5 _ وقد يعتذر البعض بأن مراده: أن الله قد حكي قول النبي (صلي الله عليه وآله) في القرآن، فتكون هذه الحروف من كلام النبي، ومن القرآن معاً.

وجوابه: أنه كلام لا يصح إذ إن الحروف قد نزلت علي النبي (ص) قبل أن يبدأ بقراءتها، وقد حضر ليبلغهم إياها، لا أنه تفوه بها ليسكتهم، ثم شرع الوحي ينزل عليه حاكياً كلامه هذا..

كلمة (المؤمن) في القرآن لا يقصد بها الإثنا عشري.

وسئل البعض:

ما رأيكم فيما يقال من أن كلمة "المؤمن" في القرآن الكريم يراد بها المؤمن الإثنا عشري؟

فأجاب:

"هذا

غير صحيح، لأنها وضعت في مقابل الكافر في أكثر من موضع، كما وضعت في مقابل الإسلام في سورة (الحجرات) وفي مقابل الكفر، وقد صرح بذلك السيد الخوئي (قده) في تقريرات بحثه" [250] .

وقفة قصيرة

ونقول:

الملاحظ: أن هذا البعض يريد أن يقول: إن كلمة "المؤمن" في القرآن الكريم تشمل الشيعي وغيره. ولعله ليرتب علي ذلك أحكاماً كثيرة، مثل جواز الصلاة خلف غير الشيعي الإمامي، وجواز إشهاده علي الطلاق، وعدم جواز غيبته.. وما إلي ذلك.

مع ان الأمر هو علي عكس ما يقوله تماماً، فإن الذي كان في زمن الرسول هو الإسلام الصافي الصحيح، الذي هو حقيقة التشيع، فلم يكن يتصور سوي الإيمان، والكفر، والنفاق، والفسق.

ولا يوجد سني وشيعي بالمعني المصطلح للتسنن في هذه الأيام، بل كان المسلمون يأخذون عين الإسلام في عقيدته وشريعته، وسائر تعاليمه من المنبع الأصيل والصافي.. ولم يكن ثمة مذهب للأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وابن حنبل، والشافعي، والظاهري.. وما إلي ذلك، بل كان هناك مذهب أهل البيت (ع) الذي هو حقيقة الإسلام، ويقابله الكفر أوالنفاق، ولم يكن هناك شيء آخر، فالقضية معكوسة ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي (رحمه الله).

وإذا كان كذلك فلا يمكن إلا أن يكون المقصود هو المؤمن الصحيح الإيمان المعتقد بحقيقة الإسلام الذي جاء به الرسول.. كما أن الرسول قد أبلغ أصحابه بالأئمة الإثني عشر، فلابد أن يقبلوا منه ذلك، ويعتقدوه.

ويقابله الكافر، والمنافق.. وكلاهما لا يصح أن يكون مقصوداً، لأن المنافق كافر في واقع الأمر..

الإسلام لم يعتبر مناسبة الميلاد قيمة في الخط التربوي ولا في الواقع الإجتماعي.

هذه التقاليد ليست تقاليدنا.

تاريخ الإنسان يبدأ من دوره لا من ولادته.

الإسلام بشكل عام لا يهتم

بمناسبة المولد.

سئل البعض:

ذكرتم أنه ليس هناك في الإسلام احتفال منصوص عليه بمولد أحد حتي برسول الله (ص)، والسؤال: هل هناك حرمة أو كراهية للإحتفال في مواليد أولادنا؟

فأجاب:

"قلنا إن الإسلام لم يعتبر مناسبة الميلاد قيمة يمكن أن يحتفل بها، لكن هذه التقاليد ليست تقاليدنا" [251] .

وبعد أن ذكر البعض: أنه قد تحدث عن ميلاد موسي، وعن ميلاد عيسي لبيان بعض الأمور، ككونها مظهراً لقدرة الله تعالي، وغير ذلك.

قال:

"وإلا فإن الإسلام بشكل عام لا يهتم بمناسبات المولد"

وقال:

"إن الإحتفال بالمولد النبوي كتقليد جاءنا من الغرب كمرور مائة سنة علي ولادة فلان، أما في الإسلام فليس لدينا مثل هذا التقليد.

ومن خلال ذلك فإن أعياد الميلاد لا تمثل قيمة في خط الإسلام التربوي وفي واقع الإسلام الإجتماعي.."

إلي أن قال:

"فتاريخ الإنسان يبدأ من دوره لا من ولادته" [252] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ قوله:

"إن الإحتفال بالمولد النبوي _ كتقليد _ جاء من الغرب"

غير صحيح، إذ إنهم يقولون: إن أول من احتفل بالمولد النبوي هو الأمير أبو سعيد مظفر الدين الإربلي، المتوفي في سنة 630 ه_.ق [253] .

وكان يفد إلي هذا العيد طوائف من الناس من بغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، بل ومن فارس، منهم: العلماء، والمتصوفون، والوعاظ، والقراء، والشعراء، وهناك يقضون في إربل من المحرم إلي أوائل ربيع الأول.

وكان الأمير يقيم في الشارع الأعظم مناضد عظيمة من الخشب، ذات طبقات كثيرة، بعضها فوق بعض تبلغ الأربع والخمس، ويزينها، ويجلس عليها المغنون، والموسيقيون، ولاعبوا الخيال حتي أعلاها [254] .

وقيل: إن الخلفاء الفاطميين هم الذين أبدعوها [255] .

وقيل: غير ذلك [256] .

والنصوص حول هذا الأمر

كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها، وقد ذكرنا طرفاً منها في كتابنا المواسم والمراسم فراجع:

2 _ بالنسبة لما ذكره حول:

"أن الإسلام لا يعتبر المولد قيمة في الخط التربوي ولا في الواقع الإجتماعي، ولا يهتم لهذه المناسبة".

فنقول:

لا يصح أيضاً، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي:

(.. وقد روي أن السنة التي ولد فيها علي (عليه السلام) هي السنة التي بدئ فيها برسالة رسول الله _ صلي الله عليه وآله _ فأسمع الهتاف من الأحجار، والأشجار وكشف عن بصره، فشاهد أنواراً و وأشخاصاً، ولم يخاطب فيها بشيء.

وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والإنقطاع، والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتي كوشف بالرسالة، وأنزل عليه الوحي.

وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يتيمن بتلك السنة، وبولادة علي (عليه السلام) فيها، ويسميها سنة الخير والبركة) [257] .

3 _ ويقولون: إنه (صلي الله عليه وآله) قد أشار إلي ذلك حيث سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال (صلي الله عليه وآله) له: (ذلك يوم ولدت فيه [258] ) وذلك يشير إلي رجحان الصيام فيه لأجل هذه النقطة بالذات [259] .

4 _ إنه لا شك في أن أيام المواليد لها ميزتها وأهميتها في الإسلام، إذ إن من يراجع كتب الزيارات المأثورة، وكذلك الأحاديث التي تتحدث عن مفردات العبادات في الأيام المختلفة يجد تركيزاً خاصاً، ومميزاً علي الأيام التي روي أن النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) قد ولدوا فيها فنلاحظ:

ألف: أن هناك زيارات مأثورة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في السابع عشر من ربيع الأول و وهو يوم مولد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد روي المفيد والشهيد في مزاريهما، والسيد

ابن طاووس في الإقبال: أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد زار أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم السابع عشر من ربيع الأول بزيارة خاصة، وقد علمها (عليه السلام) لمحمد بن مسلم الثقفي.

وقد قال المجلسي في زاد المعاد عن هذه الزيارة: إنها من أحسن الزيارات لفظا ومعني، وهي منقولة بسند في غاية الاعتبار.

ب _ وهناك الأعمال والزيارات المشروعة والمستحبة في ليلة النصف من شعبان وهو يوم ولادة الإمام الحجة قائم آل محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم.

وفي فضل هذه الليلة أحاديث كثيرة جداً تبيّن أهميتها وعظمتها، ومن جملة ما يستحب فيها دعاء ذكره الشيخ والسيد، جاء فيه:

"اللهم بحق ليلتنا هذه، ومولودها، وحجتك وموعودها، التي قرنت إلي فضلها فضلاً.. إلي أن قال: الغائب المستور، جل مولده، وكرم محتده، والملائكة شُهَّده، والله ناصره ومؤيده ".

ج _ ما ورد في الأحاديث الشريفة، وكتب الأدعية، والزيارات فيما يرتبط بالثالث من شهر شعبان يوم ولادة الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه كان يدعو في هذا اليوم بهذا الدعاء:

"اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء، ومن فيها.. الخ

إلي أن قال:

اللهم وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة، وأنجح لنا فيه كل طلبة، كما وهبت الحسين لمحمد جده، وعاذ فطرس بمهده، فنحن عائذون بقبره من بعده..الخ ".

وراجع ما روي ليلة ويوم ميلاد الإمام الحسن (عليه السلام) في الخامس عشر من شهر رمضان.. وغير ذلك.

وبعد ما تقدم فلا يصح قول ذلك البعض:

"الإسلام بشكل عام لا يهتم بمناسبات المولد".

5 _ وأما قوله:

"إن تاريخ الإنسان يبدأ من دوره

لا من ولادته.."

فهو كلام غير سليم، فإن تاريخ الأنبياء يبدأ حتي قبل أن يولدوا، وكذلك الأئمة (عليهم السلام)، فإن إرهاصات بعثتهم، وما يظهر لهم من كرامات أثناء الحمل، وحين الولادة وفي أيام الطفولة هو جزء من تاريخهم المشرق الذي تستفيد الأمة من التعرف عليه أعظم العبر. وأبلغ العظات.. وله الدور الأكيد في ترسيخ الإيمان، وفي حقيقة الإنقياد لهم (عليهم السلام)، والتأسي بهم، والتفاعل العميق مع كل ما يصدر عنهم.

لا يوجد دليل قطعي علي حياة الخضر (ع).

لا كبير فائدة في تحقيق أمر حياة الخضر (ع).

إثبات حياته لا يتصل بالعقيدة ولا بالحياة.

ويقول:

".. والتقيا بهذا العبد الصالح الذي لم يرد له ذكر في القرآن إلا في هذه القصة.. وتتحدث الروايات عنه أنه الخضر، وفي حديث أئمة أهل البيت (ع) فيما رواه محمد بن عمارة عن الإمام جعفر الصادق أن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله تبارك وتعالي إلي قومه فدعاهم إلي توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه.. وقد تذكر بعض الأحاديث أنه حيّ لم يمت بعد، وليس هناك دليل قطعي يثبت ذلك، كما أنه ليس هناك دليل عقلي يمنع من ذلك من خلال قدرة الله المطلقة علي ذلك وعلي اكثر منه.

ولا نجد هناك كبير فائدة في تحقيق الأمر في شخصيته وفي خصوصيته.. لأن ذلك لا يتصل بأي جانب في العقيدة والحياة [260] .

وقفة قصيرة

قوله:

"لا كبير فائدة في تحقيق الأمر في شخصية الخضر عليه السلام، ولا في خصوصيته.."

مما لا مجال لقبوله منه؛ فإن حديث النبي (ص) والأئمة (ع) المستفيض والكثير جداً، عن بقاء حياته ع_ليه السلام يشير إلي ع_ظيم الفائ_دة في ذل_ك.. وفي كتاب (البحار) من الحديث الشريف عشرات الأحاديث التي

تحدثت عن الخضر عليه السلام، وذكرت له دوراً في كثير من الأحداث، فراجع فهارسه.

ب _ قوله:

"إن ذلك لا يتصل بأي جانب في العقيدة والحياة"

هو الآخر قول غير مقبول: لأن ذلك يعتبر شاهداً حياً علي طول عمر الإمام الحجة قائم آل محمد عليهم الصلاة والسلام.

ج _ أما بالنسبة لقوله:

"إنه لا يوجد دليل قطعي يثبت حياة الخضر".

فإننا نقول:

إن الدليل القطعي هو الروايات الكثيرة جدا والمتواترة، التي تحدثت عن ذلك، والتي لا مجال لإحصائها غير أننا نذكر للقارئ الكريم هنا بعض موارد وجودها في خصوص الكتاب الشريف: بحار الأنوار، وإذا أراد الوقوف علي المزيد فعليه بمراجعة فهارسه ليجد موارد كثيرة سوي ما اخترناه تقنعه أن هذا الأمر هو فوق حد التواتر..المفيد للقطع؛ والموارد المختارة هي التالية:

الجزء 3، الصفحات 297 حتي 300 _ 319 _ 320

الجزء6، الصفحات 299 _ 30

الجزء10، الصفحات 119 _ 159

الجزء12، الصفحات 175

الجزء 22، الصفحات 505 _ 515

الجزء 46، الصفحات 37 _ 145 _ 361 _ 38

الجزء 36، الصفحات 415 _ 130

الجزء 47، الصفحات 138 _ 21

الجزء 39، الصفحات 132 _ 131

الجزء 61، الصفحات 36

الجزء 42، الصفحات 9 _ 45 _ 303

الجزء70، الصفحات 8

الجزء44، الصفحات 254

الجزء 77، الصفحات 356

الجزء52، الصفحات 152

الجزء82، الصفحات 97

الجزء71، الصفحات 123 – 143

الجزء100، الصفحات 443 _ 392 _ 355

الجزء99، الصفحات 204

وراجع إحقاق الحق ج 9 ص: 397 – 401 _ وج 8 ص71.

ب _ وبالمناسبة نشير إلي أن هذا البعض قد استدل علي عدم بقاء الخضر عليه السلام إلي آخر الزمان بقوله تعالي (وما

كان لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) [261] .

ونقول:

1ً _ إذا كان هذا البعض يرفض بقاء الخضر عليه السلام علي قيد الحياة إلي آخر الزمان، ويقيم علي ذلك الأدلة والشواهد، فكيف يقول:

".. قد تذكر بعض الأحاديث أنه حي لم يمت بعد. وليس هناك دليل قطعي يثبت ذلك "

إلي أن قال:

"ولا نجد كبير فائدة في تحقيق الأمر في شخصيته وفي خصوصيته، لأن ذلك لا يتصل بأي جانب في العقيدة والحياة ".؟!

فها هو قد أقام الدليل علي أنه لا يبقي حيا إلي آخر الزمان. كما أنه لم يزل هو نفسه يتصدي لتحقيق الأمر في خصوصية هذا النبي الكريم.. مع أن ذلك _ بزعمه _ لا فائدة فيه.

2ً _ إن دليله هذا الذي أقامه _ لو صح _ فهو يدل أيضاً علي عدم صحة القول ببقاء صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه) هذه المدة الطويلة، لأنه فسر الخلد بامتداد الحياة.؟!

3ً _ وللتذكير نقول: إن المراد بالآية هو رد دعوي الخلود. والخلود ليس هو بقاء الحياة إلي آخر الزمان، كما هو الحال بالنسبة لقائم آل محمد (عجل الله تعالي فرجه الشريف) وللخضر عليه السلام.. فعدم الخلود لأحد لا يدل علي أنه لا يعيش إلي آخر الزمان..

نظريّة داروين لا تنافي الفكر الديني.

نظريّة داروين قد تنافي بعض ما يفهم من التاريخ الديني.

قال البعض:

"من الخطأ جدّا أن يطرح الفكر الديني علي أساس أن قاعدة هذا الفكر، هو أن الله خلق الكون بشكل مباشر من دون أن يكون خاضعا لقوانين في عمق تكوينه، إننا نؤمن من خلال صفتنا الإسلامية، من دون أن نحيد قيد شعرة عن التفكير الإسلامي. نؤمن

بأن هناك في الكون سننا كونية، وهي ما تمثّله قوانين الكون الطبيعية في الكون، وفي الحيوان وفي الإنسان. حتي أننا من وجهة النظر الإسلامية نؤمن بأن هلاك المجتمعات ونموّ المجتمعات تخضع لقوانين موجودة في حركة الكون بحيث إنها تتحرك ضمن نطاق خاص. ومسيرة خاصة، فنحن مثلا، نجد أن النظرية (الداروينية) التي تقول إن جدّ الإنسان، والقرد من أصل واحد. هذه النظرية لا تنافي أساس الفكر الديني. لأن هذه تقول إن الإنسان تطور بفعل عوامل معينة م_وج_ودة في الك_ون، من قرد إلي هذه الصورة الحالية.

والدين عندما يريد أن يتدخل في هذه المسألة يسأل من أين جاء هذا التطور؟ هل التطور حالة ذاتية في الجماد؟ هل هو حالة حتمية؟ إذا كان حالة غير حتمية فكيف نشأ وما هي القوة التي دفعته؟ هنا يأتي الحديث عن الخالق. نعم إنه ينافي التاريخ الديني. نظرية داروين لا تنافي الفكر الديني، يعني أصل ارتباط الأشياء بالله،؟ بل هي قد تنافي بعض ما يفهم من التاريخ الديني، الذي يقول: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين). وهذا يدل علي أن الإنسان كان إنسانا في صورته الأولي ولم يكن قردا" [262] .

وقفة قصيرة

1 _ ونحن نبادر إلي تسجيل تحفظ علي هذا القول:وهو أننا من ناحيتنا الشخصية نرفض ولا نعترف بأن القرد جدنا، فإننا من نسل أشرف الكائنات محمد وآله الطاهرين، ونري أن النظرية الإسلامية، التي مصدرها الوحي تقرر أن الله قد خلق محمدا(ص) من نسل الإنسان الأول وهو آدم(ع)، وقد خلق آدم من تراب، وخلقه بيديه في أحسن تقويم.

2 _ ولا ندري، لماذا قال البعض: (قد تنافي)، فأتي بكلمة (قد) التي تفيد التقليل، في درجة الإحتمال.. فهل تجده

يحتمل عدم منافاتها لذلك أيضا؟!

ولماذا قال: (بعض ما يفهم)، فهل هو يري: أن هذا الفهم قد يكون خاطئا، أو أنه فكر بشري لا يصح نسبته إلي الله سبحانه؟!.

3 _ إذا كانت الآية: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، دالّة علي أن الإنسان في صورته الأولي لم يكن قردا، فكيف لا تتنافي هذه المقولة مع الفكر الديني، بل كيف لا تتنافي مع بعض ما يفهم من التاريخ الديني، لو أردنا التدقيق في عباراته وفي مرامي كلامه.

التناقضات

بداية الحديث

قد عرفنا في هذا الكتاب:

أن هذا البعض يقول:

"إنه يتحمل مسؤولية أفكاره مائة بالمائة".

ويقول أيضاً:

"إن أفكاره ما تزال أفكاره ولم يتغيّر.."

وهذا مما يصعب معه دفع الإتهام الذي قد يوجه لهذا البعض بأنه لا يتكامل في علمه من ناحية الكيف.. خصوصاً وأن الله سبحانه لم يكشف لأحد من الناس عن اللوح المحفوظ.. أما من ناحية الكم، فقد تتراكم المعلومات دون أن تكون هناك أية قدرة علي التصرف بها..

وربما يؤيد هؤلاء نظرتهم هذه، بأن هذا البعض يقول:

"إن جميع ما في كتابه من وحي القرآن بطبعتيه القديمة والجديدة صحيح".

وإن التناقض والاختلاف الكثير والكبير في أفكاره.. بل وفي موارد كثيرة في كتابه المشار إليه آنفاً، هو الآخر دليل علي صحة مقولتهم تلك.

إلا أن يدعي هذا البعض: أن منشأ هذه التناقضات هو وجود ارتباك فكري لديه، أو أن سببه هو أنه يريد امتصاص الغضب الذي واجهه في شريحة كبيرة من الناس يصعب عليه التخلِّي عنها، مع تخوفه من انتشار ظاهرة النقد له، والإبتعاد عنه بسبب ما ظهر من آرائه..

أو انه قد فهم: أن الناس حيث أحبّوه، فإنما أحبوه من خلال حبهم لدينهم، لا لأجل

شخصه، فحين يظهر لهم أنه قد أخل بشروط الاعتماد علي أقواله، وأنه قد بلغ به الأمر إلي حدّ أنه اصبح يسعي لاقتحام المسلمات، فإن الناس لا بد أن يحفظوا دينهم ومسلماته التي لا يوجد أحد أعز عليهم منها.

ومهما يكن من أمر فإننا سنذكر هنا نماذج من التناقضات التي ظهرت في كلماته.. والتي نخشي أن يعتذر عنها في المستقبل بأنها لا تمثل آراءه لأنها صدرت تحت ضغوط مواقف العلماء، وفي أجواء النقد القوي، والصحيح، والمحرج، وقد تأكد ذلك حينما صدرت فتاوي المراجع بالحكم عليه بالضلال، وبالخروج من مذهب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.. وأن الذي يمثل آراءه الحقيقية هو _ فقط _ ذلك الذي كتبه بقلمه أو ما نشر من كلماته وخطبه، ولا سيّما في كتابه من وحي القرآن، الذي لم يرض إلي هذه اللحظة بالتخلّي عنها، أو بتغيير وتعديل شيء منها.

ونحن لا نسعي إلي استقصاء تناقضاته هنا، بل نقتصر علي موارد يسيرة جداً، ونكل أمر الإستقصاء إلي القارئ الكريم إن أحب ذلك..

والموارد التي اخترناها هي التالية:

التناقض الأول:

وهو تناقض لجأ إلي إيقاع نفسه فيه فراراً من إشكال ل_م يجد إلي دفعه سبيلاً، ولكن ظهر أن ما جاء به لا يدفع الاشكال، ولا يحل العقدة، فهو يقول:

ألف: يونس تهرب من مسؤولياته _ يقابله.

ب: قد لا يكون ذلك تهرباً.

ج: لم يهرب ذو النون من المسؤولية.

إن ذلك كله قد ورد في كلمات هذا البعض، وبيان ذلك كما يلي:

1 _ إننا في حين نجد البعض الذي يصر علي أن جميع ما في الطبعة الأولي من كتابه من وحي القرآن صحيح.. يقول في الطبعة الأولي من كتابه المشار إليه عن يونس

(عليه السلام):

".. ولكن الله اعتبرها نوعاً من الهروب، فيما يمثله ذلك من معني الاباق، تماماً كما هو إباق العبد من مولاه.." [263] .

ويقول في مقام إستيحائه من قصة يونس:

"إن الله قد يبتلي الدعاة المؤمنين من عباده ورسله، فيما يمكن أن يكونوا قد قصروا فيه، أو تهربوا منه من مسؤوليات" [264] .

وحين أجمل ذلك قال:

"الدعاة والرسل قد يتهربون من مسؤولياتهم" [265] .

2_ ولكنه في الطبعة الجديدة من كتابه المشار إليه قال:

"وفي هذا الجو كان خروجه السريع، سرعة انفعالية في اتخاذ القرار. وقد لا يكون ذلك تهرباً من المسؤولية" [266] .

فهناك قد جزم بالتهرب، وتردد فيه هنا.. فأيهما هو الصحيح؟!.

وإن كنا نعتبر أنه ل_م يزل في دائرة الطعن في مقام نبي من الأنبياء وفي عصمته، إذ لا يجوز لأحد أن يحتمل في حق الأنبياء أمراً من هذا القبيل، ومع وجود هذا الاحتمال لا يكون ثمة يقين بالعصمة.

3 _ ثم عاد لينفي التهرب من المسؤولية من الأساس، حيث سئل:

ما هو تفسير الآية الكريمة (وذا النون إذ ذهب مغاضباً) (الأنبياء /87) وهل من حق الأنبياء أن يهربوا من المسؤولية؟.

فأجاب:

"لم يهرب ذا النون من المسؤولية. ولكنه اعتقد أن مسؤوليته انتهت عندما تمرد عليه قومه" [267] .

غير أننا نخشي أن يكون قوله:

"ولكنه اعتقد أن مسؤوليته انتهت الخ.."

يريد به توجيه اتهام لهذا النبي المعصوم بأنه قد أخطأ في تقدير الأمور، فان خطأ الأنبياء في تقدير الأمور جائز عليهم عنده، كما صرح به، وذكرناه في هذا الكتاب فراجع ما ذكرناه حول قضية النبيين موسي وهارون (عليهما السلام)..

فيكون _ والحالة هذه _ قد هرب من أمر ليقع

فيما هو أشد منه..

تناقض آخر:

ألف: خلود مرتكب الكبيرة في النار..

ب: المغفرة لمرتكب الكبيرة.

ج: هناك مدة معينة للمكوث في النار.

سئل البعض:

ما رأي الشيعة في مرتكب الكبيرة هل هو مخلّد في النار أم لا؟ وما هو البديل للخلود إذا كان الجواب لا؟

فأجاب:

"بعض الآيات الكريمة تقول: إنه مخلّد في النار بالنسبة إلي بعض الكبائر (ومَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناَ متُعَمداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) [268] ولكن ربما تأتيه المغفرة من الله بعد ذلك. والله تعالي يقول في سورة النبأ (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباَ) [269] أي أن هناك مدة معينة علمها عند الله. ولكن المهم هنا هو أن لا نرتك_ب الكبيرة حتي لا ندخل النار [270] .

فهو يقول في أول هذا النص:

"إن الآيات تقول: إنه مخلد في النار بالنسبة لبعض الكبائر".

ثم يقول في آخره:

"إن هناك مدة معينة للبقاء في النار علمها عند الله.."

فأيها هو الصحيح؟!

أو فقل: أيهما هو الجواب؟..

هل الجواب هو ما جاء في صدر كلامه؟..

وهو الخلود؟!..

أم الجواب هو ما جاء في آخره، وهو عدم الخلود؟!

أم أنه يريد أن يقول: إن القرآن نفسه هو الذي يشتمل علي التناقض؟!

نعوذ بالله من الزلل في الفكر، وفي القول، وفي العمل.

بقي أن نشير إلي أن الاستدلال بآية: لابثين فيها أحقاباً.. لا يدل علي عدم الخلود، إذ إنها تقول: إن الطاغين لابثون في جهنم حقباً بعد حقب، بلا تحديد، ولا جعل نهاية، فلا تنافي ما دل عليه القرآن من خلود الكفار في النار.

وإنما جاء التعبير بهذا النحو ليجسد لذلك الطاغية الكافر عذاب جهنم بصورة تفصيلية، الأمر الذي من شأنه أن يثير مشاعر الرهبة والخوف لديه بصورة

أعمق وأشد..

علي أن هناك من قال: إن قوله تعالي بعد هذه الآية: (لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً) صفة لكلمة أحقاباً والمعني: أنهم يلبثون فيها أحقاباً علي هذه الصفة، وهي أنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا إلا حميماً وغساقاً، ثم يكونون علي غير هذه الصفة.. إلي ما لا نهاية..

قال السيد الطباطبائي رحمه الله: (وهو حسن لو ساعد السياق) [271] .

وينبغي الالتفات أخيراً إلي أن الكلام في هذه الآيات إنما هو عن الكفار الطغاة، الذين يقول الله عنهم: (إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كذابا) [272] .

تناقض آخر..

الف: يحتمل أن موسي قد ارتكب جريمة دينية في مستوي الخطيئة.

ب: إن المقتول كان يستحق القتل.

يقول البعض: عن موسي:

"هل كان يشعر بالذنب لقتله القبطي، باعتبار أن ذلك يمثل جريمة دينية في مستوي الخطئية التي يطلب فيها المغفرة من الله؟ أو أن المسألة هي أنه يشعر بالخطأ غير المقصود، الذي كان لا يجب أن يؤدي إلي ما انتهي إليه، مما يجعله يعيش الألم الذاتي تجاه عملية القتل؟!.. [إلي أن قال:] إننا نرجح الاحتمال الثاني" [273] .

مما يعني أن الاحتمال الأول لا يزال وارداً، لكنه ليس هو الراجح عنده..

لكنه عاد ليقول:

"وكذلك عندما نقول: إنَّ موسي (ع) قاتل، نحن لم نقل ذلك من عندنا، الله سبحانه وتعالي قال ذلك: (فوكزه موسي فقضي عليه.. قال يا موسي أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس) (القصص؛ 15 _ 19) غاية ما هناك أني في كتب التفسير أبرر هذا الموضوع لموسي وأقول: إنَّ هذا الرجل كان معتدياً. وكان يستحق القتل، ولكنَّ موسي (ع) قال: (هذا من عمل الشيطان) (القصص /15)، باعتبار أنه

كان يخلق له المشاكل.

هذا الكلام مسجل في هذا الموضوع" [274] .

ونقول:

أولاً: أي كلامي هذا البعض هو الصحيح؟

ثانياً: وما معني قوله:

"أبرر لموسي وأقول: إن هذا الرجل كان معتدياً، وكان يستحق القتل. ولكن موسي(ع) قال: هذا من عمل الشيطان".

فهل يريد أن يقول: إن تبريره ليس واقعياً، لأن موسي ينكره، ولا يقبله؟!

لا ندري! ولعل الفطن الذكي يدري!!

تناقض آخر:

ألف: لا يفيد إمساك الحديد لضريح الرسول (ص).. والتبرك بالمقام صنمية.

ب: التبرك ليس صنمية.

1_ ويقول البعض:

"ما الفائدة التي نستفيدها من أن نمسك الشباك، أو نمسك الحديد.. فكما قلنا، هذا ليس حراماً، كما يقول الآخرون. وليس ضرورياً، فيمكن ترك ذلك" [275] .

ويقول:

"ليس من الضروري أن يذهب إلي قرب الضريح، ولا يعني إن مسك الضريح أنه يمسك جسد النبي. يكفي الزيارة من المسجد، وأن يتصور الإنسان حياته" [276] .

2 _ ويقول:

"نجد أن الناس تتجه إلي القبر قبر النبي أو الولي، لتقبل الضريح، لتتمسك به، لتخاطب صاحب القبر بطريقة مادية، لتتصوره وجوداً مادياً تخاطبه، من دون أن يخطر في بال أحد البدء برحلة في أجواء صاحب التمثال، أو صاحب القبر.

إن هذا يمثل نوعاً من تجميد الشخصية المقدسة أو الشخصية المعظمة في هذا التمثال أو في القبر، بحيث يتعبد الناس لا شعورياً للتمثال"

إلي أن قال:

"لذا أنا أتصور أن هناك نوعاً من الصنمية اللاشعورية الموجودة لدي المؤمنين الخ.." [277] .

3 _ لكن هذا البعض قد عاد فناقض نفسه وأنكر أن يكون قد نفي إمكانية التبرك بالمقامات كما أنه أنكر أن يكون قد اعتبر ذلك صنمية لكنه عاد بعد أسطر يسيرة ليقرر مرة ثالثة: أن بعض الناس

يصل في ذلك إلي حدود الصنمية، فاستمع إليه، حيث يقول:

"أيضاً في موضوع التعلّق في قضبان قبر الرسول (ص)، لم أتحدث عن الموضوع في إطار أنَّه لا يمكن التبرك من المقام، بل كلّ ما في الأمر أني اعتبرت أن تقبيل القضبان غير ضروري إلاَّ من قبيل المحبة. لكن لم أقل إنَّ في ذلك صنمية كما يحلو للبعض أن ينسب لي ذلك في هذا الموضوع.

مختصر القول: أنَّ تقبيل الضريح ليس ضرورياً، لكن إذا وجد أي من النّاس أنَّه يرغب بذلك، فيجب أن يكون بنيّة التعبير عن المحبة والإجلال والاحترام، كما نفعل ذلك مع جلد القرآن الكريم، فإنّنا إذا قبّلنا جلد القرآن، فهل يعني ذلك أنّنا نعبد القرآن، طبعاً لا، فنحن نقبّل القرآن تعبيراً عن إجلالنا للّه عزَّ وجلّ ومحبتنا له.

نحن نقوم بتوضيح هذا الأمر، لأنَّ بعض النّاس قد يستغرق في تقبيل القفص إلي الحدّ الذي يخرج فيه عن إطار التعبير عن المحبة والاحترام، ويصل إلي حدود الصنميّة.

هذا ولكلّ مقام مقال، فمرة تريد أن نتحدث عن الحلال والحرام، ومرة أخري نتحدث عن مفهوم إسلامي معين" [278] .

فلماذا كل هذا الأخذ والرد، والإيجاب والسلب، والاعتراف مرة والإنكار أخري.

تناقض آخر:

ألف: ضرب الأبوين يجوز بل يجب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه برّ بهما.

ب: علي الولد أن يكون باراً بأبيه الذي يحمل أفكاراً إلحادية.

قد عرفنا أن البعض قد قرر:

"أنه يجوز أو يجب علي الولد أن يغلظ في القول لأبويه، وان يضربهما، ويحبسهما، لأن ذلك من مصاديق البر بهما" [279] .

ولكنه عاد فناقض نفسه حين سئل:

ما رأيكم فيما إذا كانت أفكار الأب إلحادية، فهل يجب علي الأبناء البرّ به وكسب

رضاه؟

فأجاب:

"نعم، فالله يقول: (وإن جاهداكَ علي أن تشركَ بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما) فلو طلبا منك الشرك فلا تشرك (وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليَّ) [280] فإذن لا بدّ من المصاحبة بالمعروف، والإحسان إلي الوالدين، حتي لو كانا كافرين، ولكن من دون اتباعهما في خطهما الذي يؤدي إلي الإشراك بالله أو إلي معصية الله، ف_ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وقد قلنا مراراً: إن المطلوب في الشريعة الإسلامية هو الإحسان إلي الوالدين لا طاعة الوالدين، فالوالد ليس مشرعاً. وهذا ما أفتي به السيد (الخوئي) (رحمه الله)" [281] .

فتجده هنا يلزم الولد بالبر بوالده الذي يحمل أفكاراً إلحادية، ولم يطلب منه أن ينافره ولا أشار إلي جواز أو وجوب ضرب والده أو حبسه. مع أن شركه من أعظم المنكرات، فلماذا لا يجوز له ضربه للنهي عن هذا المنكر.

إلا أن يكون مقصوده بالبر به هو ضربه وحبسه كما تقدم في عبارته(!!)

تناقض آخر:

ألف: الغاية تنظف الوسيلة.

ب: الوسيلة جزء من الغاية فلا بد من توفر عنصر الحق فيها.

قد عرفنا أن البعض يقول:

"إن الغاية تبرر الوسيلة المحرمة بمعني أنها تجمدها، وتنظفها".

وقد ذكرنا تفصيل ذلك في أول الكتاب في مقصد (المنهج الفكري والإستنباطي).

ولكنه عاد وتكلم بما يقتضي نقض هذه المقولة حين قال:

"إن الدعوة إلي الحق تفترض أن تعتبر الحق هو العنصر الأساس في الوسيلة، والعنصر الأساس في النتيجة" [282] .

إلا إذا رفض ظهور كلامه هذا في ما ذكرناه، وفسره بأن الوسيلة إذا نظفت فإنما تصير كذلك بنظافة الغاية. وفي هذه الحالة.. تكون من الحق أيضاً..

ولكننا لن نقبل منه هذا التأويل،

لأنه في مقام بيان رفض التوسل بأساليب الباطل من أجل إحقاق الحق، أو إقناع الآخرين به.

تناقض آخر: يقول البعض تارة:

الف: الولاية التكوينية شرك.

ب: كل القرآن دليل علي عدم الولاية التكوينية..

ج: اعتقاد جعل الولاية التكوينية مستغرب.

ونصوص كثيرة أخري سلفت في الأجزاء السابقة.

ثم يناقض نفسه فيقول:

د: "من الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون كما جعلت ذلك لعيسي".

ه_: "من الممكن أن تكون الطاعة تستلزم الحصول علي هذه القدرة ".

فإذا كان كل القرآن دليلاً علي عدم الولاية فمن أين جاء هذا الإمكان؟

ثم يقول:

و: " ليس معني ذلك: أن الطاعة تستلزم هذه القدرة".

فأي ذلك هو الصحيح؟ يا تري.. وقد تحدثنا عن هذه النصوص المختلفة في هذا الكتاب في مقصد (التشيع) في فصل خاص بالولاية التكوينية، ونزيد هنا النص التالي، الذي يظهر هذا التناقض في كلامه، وهو:

ز: سئل البعض:

في الحديث القدسي (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون) فما معني هذا الحديث؟

فأجاب:

"إن صح الحديث فليس معناه أنّ من أطاع الله يكون مثل الله إذ ليس ذلك ممكناً. لكن معناه: إذا أطاع الله عبدٌ، وقرب من الله، ورضي الله عنه، فإن الله قد يعطيه بعض القدرات التي يستطيع من خلالها أن يقوم بها كما أعطي الله عيسي (ع) ذلك (إني أخلق من الطين كهيئة الطير) [283] وكما أعطي الله (آصف بن برخيا) القدرة وهو الذي عنده علم من الكتاب، حيث قال لسليمان (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) [284] وكما أعطي بعض أنبيائه القدرات والكرامات التي ملكوا بها الكثير من أعمال الغيب.. فمعني ذلك أن الله يريد أن يقول للإنسان إذا أطعتني

وصرت مرضياً عندي، وصرت قريباً إليّ فإنني أعطيك بعض القدرات التي تستطيع من خلالها أن تقول للشيء: كن فيكون. وليس ذلك في كل شيء، بل أن تقول لبعض الأشياء، بحسب ما يعطي الله من قدرته [285] .

يضا ف هنا تناقض آخر.

وهو أنه حسبما تقدم في بحث الولاية التكوينية قد نفي أن يكون عيسي (عليه السلام) هو الذي فعل إحياء الموتي، وإبراء الأكمه والأبرص. بل الله هو الذي فعله، وعيسي لا مدخلية له في ذلك، بل هو كالآلة.

ولكنه هنا عاد فقرر: أن عيسي (عليه السلام) هو الذي فعل ذلك، فتبارك الله احسن الخالقين.

تناقض آخر:

ثم هو قد نفي إعطاء الله نبيه القدرة علي فعل شيء. ولكنه هنا قبل بأن يعطي الله نبيه قدرة يستطيع من خلالها أن يقول للشيء كن فيكون!!

تناقض آخر:

الف: لا دليل علي عدم نسيان النبي للأمور الحياتية الصغيرة..

ب: نقاط ضعف في التكوين تصنع أكثر من وضع سلبي علي مستوي التصور والممارسة لدي الأنبياء.

ج: ثم هو ينسب إلي الأنبياء مما لا يليق بشأنهم الشيء الكثير، كما ذكرناه في فصول هذا الكتاب.

د: إن النبي معصوم بالإجبار.

ه_: إن عصمة النبي شاملة لكل شيء.

يقول البعض:

" 1 _ هناك أكثر من نقطة ضعف خاضعة للتكوين الإنساني في طبيعة الروح والجسد، ويمكن أن تتحرك لتصنع أكثر من وضع سلبي علي مستوي التصور والممارسة" [286] .

ويقول:

لا نجد هناك أي دليل عقلي أو نقلي يفرض امتناع نسيان النبي لمثل هذه الأمور الحياتية الصغيرة، لأن ذلك لا يسيء إلي نبوته، لا من قريب ولا من بعيد [287] .

ويقول:

"هناك من يقول: إن السهو ليس منافياً للعصمة في

القضايا الحياتية. ونحن نقول بذلك" [288] .

ثم هو يعتبر:

"أن آدم قد عصي الله كما عصاه إبليس، لكن الفرق: أن إبليس ظل مصراً علي المعصية، ولم يتب فلم يغفر له، أما آدم فقد تاب فغفر الله له" [289] .

ثم احتمل أن يكون إبراهيم (عليه السلام) قد عبد الشمس، والقمر، والكوكب علي الحقيقة، واحتمل أن موسي (عليه السلام) قد قتل نفساً بريئة وارتكب جريمة دينية، وصرح أيضاً بأن يونس قد تهرب من مسؤولياته.. إلي غير ذلك مما ذكرناه من موارد كثيرة جداً في هذا الكتاب..

2 _ ولكنه.. عاد وقرر:

"أن العصمة عن المعاصي إلهية مفروضة علي الأنبياء بالجبر والإكراه، لكن مختارون في فعل الطاعات" [290] .

3 _ ثم نقض كلامه مرة أخري حين قال:

"لذلك لا يمكن أن نقول إن رسول الله كان مجتهداً كبقية المجتهدين الذين قد يخطئون وقد يصيبون، إنما كان معصوماً بكلّه، حتي إننا لا نوافق من يقول: إنه كان معصوماً في التبليغ وحسب، ولم يكن معصوماً في أمور الحياة، بل نقول إنه معصوم بكلّه، إن في التبليغ، وإن في شؤون الحياة المختلفة، لأن عمله كلّه وحركته في الحياة كلّها هي رسالة.

ولذلك فلا تجزيئية في شخصية النبي بحيث نقول: إنه معصوم بهذا الجانب وليس معصوماً بذاك الجانب، فالعصمة سرّ عقله وقلبه وإحساسه، وشعوره وحركته في الحياة. وما نقوله عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نقوله أيضاً عن خلفاء رسول الله الأئمة عليهم السلام" [291] .

تناقض آخر:

الف: تأييد العمل بالقياس..

ب: رفض العمل بالقياس.

يقول البعض:

"بقطع النظر عن هذا الحديث وصحته، فلقد قلنا مراراً بأن القياس ليس حجة، حتي لو لم يرد هناك دليل

خاص علي عدم حجيّته، وذلك باعتبار أنه يرتكز علي الظنّ، ولا دليل علي حجيّة الظن (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً).

فيكون القياس مشمولاً بالأدلة العامة الناهية علي العمل بالظن، فنحن نعمل بالظن إذا جاء دليل من الكتاب أو السنّة علي حجيتّه، وأما إذا لم يدل دليل علي حجيتّه فلا يكون العمل به مشروعاً، ولما كان القياس معتمداً علي الظنّ _ بالملاك الذي يوحّد بين الموضوعين _ والظن لا حجيّة له، فلا حجيّة للقياس" [292] .

ولكنه في كتاب: تأملات في آفاق الإمام الكاظم (عليه السلام) قد نقض هذا الكلام حين استفاد من بعض الأحاديث:

"أن رفض القياس كان بسبب عدم الحاجة إليه". فلو "كانت هناك حاجة ملحة إلي معرفة الحكم الشرعي لبعض الأمور، ولم يكن لدينا طريق إلي معرفته من الكتاب أو السنة، فإن من الممكن أن نلجأ إلي القياس أو نحوه من الطرق الظنية في حال الإنسداد" [293] .

ويقول:

"إننا نستطيع في حال استنطاق الحكم الشرعي الوارد في هذا المورد نستطيع أن نصل إلي اطمئنان في كثير من الحالات من خلال دراستنا لعمق الموضوع الذي نحيط به من جميع جهاته، مقارناً بموضوع آخر مشابه له في جميع الحالات، مما يجعل احتمال اختلافهما في الحكم احتمالا ضعيفاً، بحيث لا تكون المسألة ظنية بالمعني المصطلح عليه للظن. بل قد تكون المسألة تقترب من الاطمئنان، إن لم تكن اطمئناناً" [294] .

تناقض آخر:

الف: المسيحيون كفار بالمصطلح القرآني.

ب: المسيحيون ليسوا كفاراً في المصطلح القرآني.

يقول البعض:

"القرآن أكد أن المسيحيين يلتقون مع المسلمين في توحيد الله (وقولوا: آمنا بالذي انزل الينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون) فالمسلم لا يعتبر المسيحي

كافراً في مسألة الإيمان بالله، وإن كان يناقشه في تفاصيل هذا الإيمان" [295] .

ويقول:

"ليس معني أن القرآن يقول عن أهل الكتاب إنهم كافرون: أنه الكفر الذي يخرجهم عن الإيمان بالله وعن توحيده. ولكن معناه الكفر بالرسول" [296] .

ولكنه عاد فناقض نفسه حين قال:

"أهل الكتاب كافرون لأنهم يكفرون بصفة الله: (لقد كفر الذين قالوا: ان الله هو المسيح بن مريم) (المائدة 17) (لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة) (المائدة /73) فهو كفر باعتبار أن الإيمان يفرض التوحيد والإخلاص. (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، و لم يكن له كفواً أحد) (الإخلاص1 _ 4).

فكل من لم يلتزم بهذه الوحدانية فهو كافر بهذه العقيدة. وهم كافرون بالرسول وبالقرآن أيضاً، ولا يعتبرونه كتاب الله. لكنهم بحسب المصطلح القرآني ليسوا مشركين الخ.." [297] .

تناقض آخر:

الف: إطمئنان العوام حجة يصح العمل به في التقليد.

ب: إذا لم يكن مجتهداً فلا يحق له الإعتماد علي الإطمئنان.

ج: من لا خبرة له بشيء ليس له أن يقول اطمئن أو لا أطمئن.

قد أفتي البعض بإمكان الاستغناء عن شهادة أهل الخبرة في مرجع التقليد وقال:

"إن اطمئنان الشخص العامي بأن فلاناً مجتهد جامع لسائر الشرائط، يكفي في جواز رجوعه إليه، وتقليده له.." [298] .

ولكنه عاد فناقض نفسه حين سئل:

هل يستطيع المكلف أن يقول: إني لا أطمئن إلي من يعتمد علي الكتاب والسنة، والعقل، والإجماع؟

فأجاب:

".. إذا كان مجتهداً بحيث يقدر أن يقول ذلك، فهذا من حقه كمجتهد. أما إذا لم يكن مجتهداً فما دخله في ذلك؟!

فالشخص الذي ليس عنده خبرة بشيء ليس له أن يقول: أطمئن، أو

لا أطمئن بهذا الشيء، وإلا يكون كمن يقول: أنا لا أطمئن للذي يصف العملية الجراحية للمرض الفلاني، فالإنسان الذي يحترم علمه وعلم الآخرين يقول بالإطمئنان وعدمه. أما الأمر الذي يجهله، ولا يملك رأياً يعتد به فيه فما شغله في ذلك؟!" [299] .

ونقول:

فإذا صح كلامه هذا.. فكيف أفتي للناس بجواز الاعتماد علي اطمئنانهم في مرجع التقليد، وهم لا يملكون خبرة في الإجتهاد، ولا في غيره؟!.

تناقض آخر:

الف: لا يثبت بخبر الواحد غير الشرعيات.

ب: تثبت الأمور الشرعية وغير الشرعية بخبر الواحد.

قد ذكرنا في هذا الكتاب نصوصاً صريحة في أن هذا البعض يصر علي عدم كفاية الظن، ولزوم تحصيل اليقين في غير الأمور الشرعية، مثل الكونيات، والتاريخ والتفسير، وصفات الأشخاص والعقائد إلخ..

ولكنه في محاولاته الرد علي ما ذكره آية الله العظمي الشيخ التبريزي حفظه الله، قال في الجواب رقم 15 وهو يتحدث عن ثبوت حديث الأنوار، حول حجية خبر الواحد:

".. لكن بناءً علي رأينا في ثبوت الحجية ببناء العقلاء، فان مقتضاه ثبوت الأمور الشرعية، وغير الشرعية بالخبر الموثوق به نوعاً".

وفي الإجابة رقم 16 في محاولاته الرد علي كلام آية الله التبريزي يحاول أن يبرر مقولته بأن فاطمة (عليها السلام) أول مؤلفة في الإسلام فيقول:

"ولكن ما ينافي حجية الخبر هو حجية الخبر الموثوق به نوعاً، ويكفي في الوثوق عدم وجود ما يدعو إلي الكذب فيه. وعلي ضوء هذا، فان نسبة الكتاب إلي فاطمة (ع) يدل علي أنها صاحبة الكتاب، كما أن نسبة الكتاب إلي علي (ع) فيما ورد من الأئمة (ع) عن كتاب علي، يتبادر منه: أن صاحبه علي(ع).

وخلاصة ذلك: أنه لا مانع من القول: انها أول مؤلفة في

الإسلام، كما أن علياً (ع) أول مؤلف في الإسلام".

من تناقضاته في المنهج:

يقول البعض إن:

الف: العنوان القرآني هو الأصل، في موضوعات الأحكام.

ب: يجب ردّ الموضوعات التي في السنة إلي العنوان القرآني.

ج: السنة لا تخصص ولا تعمم القرآن.

د: الحديث الموثوق يخصص القرآن ويعممه.

وإليك كلماته:

"إننا نري أن العنوان القرآني في موضوعات الأحكام هو الأصل فلا بد من رد الموضوعات الموجودة في السنة إليه، إذا اختلفت المسألة فيها سعة وضيقاً، ونحو ذلك" [300] .

ومعني ذلك: أن الحديث لا يخصص ولا يعمم القرآن.. بل القرآن هو الذي يؤثر ذلك في الحديث حين يختلفان سعة وضيقاً، لكنه يعود فيناقض نفسه من جديد.

فهو يقول:

"لا بدّ لنا أن ندرس الكتاب والسنّة، فالله عز وجل يقول: (ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) [301] فالأساس هو أن نعتمد علي ظواهر القرآن، ولكن إذا ورد ما يخصص عموم القرآن، ويقيّد إطلاقه، ويعطينا فكرة تتناسب مع السياق، فلا مانع من الأخذ بالرواية، خصوصاً إذا كانت بأعلي درجات الوثاقة بحيث يمكن لنا أن نرفع اليد عن ظاهر القرآن لحسابها" [302] .

فكلامه هذا يفيد: أن السنة يمكن أن تقيد، وأن تخصص القرآن، خصوصاً إذا كانت من الوثاقة بحيث يمكن لنا أن نرفع اليد عن ظاهر القرآن لحسابها.

پاورقي

[1] أسئلة وردود من القلب، الطبعة الثانية، ص83، ومجلة المرشد العددان 3و4 ص 47.

[2] سورة الزخرف الآية 23.

[3] للإنسان والحياة ص 195 الطبعة الثانية.

[4] تأملات في آفاق الإمام الكاظم (ع) ص 94 الطبعة الأولي _ دار التعارف.

[5] حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع ص 480.

[6] مجلة المنهاج العدد الثاني مقالة الأصالة والتجديد ص 60.

[7] مجلة المنهاج العدد الثاني مقالة

الأصالة والتجديد ص 60.

[8] فقه الحياة ص 276.

[9] كلام هذا البعض، ورد في شريط مسجل بصوته، وهو موجود لدي المؤلف برقم 32.

[10] الندوة ج1 ص 439.

[11] للإنسان والحياة ص 257.

[12] من شريط مسجل بصوته بتاريخ 14 _ 10 _ 1995.

[13] الندوة ج1 ص422.

[14] مجلة المنهاج عدد 2 مقالة الأصالة والتجديد.

[15] سورة المائدة الآية 67.

[16] سورة المائدة الآية 3.

[17] مجلة المنهاج: العدد الثاني , ص 61 سنة 1417 ه__.

[18] راجع التبرك، تبرك الصحابة والتابعين، للعلامة الشيخ علي الأحمدي الميانجي.

[19] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 14 ص 24 / 25 _ 26.

[20] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص64 و65.

[21] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص61.

[22] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص63.

[23] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص63.

[24] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص58 و59.

[25] تفسير البرهان ج2 ص272 وراجع ص271.

[26] المصدر السابق 272.

[27] المصدر السابق ص271.

[28] مجلة الموسم العددان 21 _ 22 ص 299.

[29] مجلة الموسم العددان 21 _ 22 ص 74.

[30] تأملات في آفاق الإمام الكاظم (ع) ص 11.

[31] مجلة المعارج عدد 28 _ 31 ص 624 و 625.

[32] مجلة الموسم العددان21و22 ص309و310.

[33] كتاب الندوة ج1 ص 460 _ 461.

[34] الندوة ج1 ص 312 _ 313.

[35] مفتاح الجنات ج 2 ص111، ومصباح المتهجد ص 664.

[36] الندوة ج1 ص 456.

[37] البحار ج 98 ص240 وأشار في الهامش إلي مصباح الزائر ص 121 _ 124.

[38] البحار ج98 ص 251.

[39] البحار ج 98 ص 231 وأشار في الهامش إلي مصباح الزائر ص 116.

[40] المزار الكبير ص 171.

[41] البحار ج98 ص 328.

[42] من وحي

القرآن: الطبعة الأولي، ج 1 ص 193 _ 194.

[43] وراجع أيضا كتاب البحار ج 8 ص 29 _ 63.

[44] الندوة ج4 ص502.

[45] حديث عاشوراء ص106.

[46] حديث عاشوراء ص 220.

[47] الندوة ج1 ص 458.

[48] فكر وثقافة العدد 17 الصفحة 4.

[49] نشرة منبر السبت بتاريخ 20 _ 6 _ 1996.

[50] نشرة منبر السبت، بتاريخ 29 _ 6 _ 1996. تحت عنوان إنصاف العراقيين.

[51] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 4، ص 153.

[52] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج4، ص 154 و 155.

[53] المعارج: ص 376 و 377.

[54] راجع اللوامع الإلهية: ص 169.

[55] في رحاب دعاء الإفتتاح ص 76، ويمكن مراجعة الندوة ج1 ص 312 _ 313.

[56] الندوة ج 1 ص 313.

[57] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 25 ص 66و67.

[58] كشف الارتياب ص 194 _ 195 طبعة سنة 1411ه_.

[59] ومن وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 25 ص 65 _ 66.

[60] تفسير البرهان ج 1 ص 469.

[61] تفسير نور الثقلين ج 1 ص 519.

[62] تفسير البرهان ج1 ص469. وتفسير نور الثقلين ج 1 ص 520.

[63] سنن ابن ماجة ج 1 ص 441 والجامع الصحيح للترمذي:أبواب الأدعية ومستدرك الحاكم ج 1 ص 313 وتلخيص المستدرك (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة والجامع الصغير ص 59 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 286 ومسند احمد.

[64] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 25 ص 50.

[65] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 19 ص 37 و 38.

[66] المصدر نفسه ج 11 ص 20.

[67] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 15 ص 164.

[68] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 15 ص 228 و 229.

[69] بحار الأنوار ج 25 ص 37 وراجع

من ص: 34 و39 و 58 و 59 و 60.

[70] البحار ج 8 ص 38.

[71] البحار ج 8 ص 44. وراجع مستدرك سفينة البحار ج6 ص 1 _ 5 فقد أشار إلي موارد كثيرة.

[72] بحار الأنوار ج 8 ص 33 _ 34.

[73] بحار الأنوار ج 8 ص 38 و56 و61 عن تفسير القمي ج 2 ص 202 في قوله تعالي:ولا تنفع الشفاعة عنده ألا من إذن له، وعن تفسير العياشي وعن الاختصاص للشيخ المفيد...

[74] البحار ج 8 ص 37 و42 وعن المحاسن ص 184 وراجع ص 41 عن الأمالي للصدوق ص 170 عن ثواب الأعمال ص 203 وعلل الشرايع ص 542.

[75] البحار ج8 ص 42 و 56 و 57 عن الكافي ج8 ص 101 عن المحاسن ص 184.

[76] البحار ج 8 ص 42 و56 عن المحاسن ص 184 وعن الاختصاص.

[77] البحار ج 8 ص 41 عن ثواب الأعمال ص.

[78] البحار ج 8 ص 42.

[79] راجع البحار ج 8 ص 34 و 40 و و50.

[80] راجع البحار ج 8 ص 39 و58.

[81] راجع البحار ج 8 ص 58.

[82] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 206.

[83] البحار ج 3 ص 37 و 34 وراجع ص 41.

[84] البحار ج8 ص 42 عن المحاسن 185.

[85] البحار ج 8 ص 44 و45 عن تفسير العسكري.

[86] العارفة: المعروف.

[87] البحار ج 8 ص 59 _ 61 عن تفسير الإمام العسكري (ع).

[88] البحار ج8 ص59.

[89] البحار ج 8 ص 50.

[90] البحار ج 8 ص 57 عن الكافي ج 8 ص 162.

[91] البحار ج 8 ص 50 عن كنز الفوائد.

[92] البحار ج 8 ص 38 عن تفسير القمي وعن المحاسن للبرقي ص 183

إلي قوله: وجبت له.

[93] البحار ج 8 ص 48 عن العياشي.

[94] البحار ج 8 ص 42 عن المحاسن ص 184.

[95] البحار ج 8 ص 58 عن عقائد الصدوق ص85.

[96] البحار ج 8 ص 58 عن عقائد الصدوق ص 85.

[97] الخصال ج 2 ص 39 والبحار ج8 ص 39.

[98] الكافي ج 8 ص 101 والبحار ج 8 ص 56 عنه وعن العياشي.

[99] البحار ج ج8 ص 41 عن ثواب الأعمال ص 167.

[100] البحار ج8ص59 عن دعوات الراوندي.

[101] البحار ج 8 ص 47 عن العياشي.

[102] البحار ج 8 ص 44.عن تفسير العسكري.

[103] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج5 ص32 و 33.

[104] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1 ص 62.

[105] المصدر السابق: ج1 ص 63.

[106] المصدر السابق.

[107] مجلة الفكر الجديد ص 13 (مقالة مع الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد) ومجلة المعارج، المجلد السادس السنة الثامنة ص328و329.

[108] الندوة ج 6 ص 453.

[109] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج 17 ص 281.

[110] حق اليقين: ص 2 و 3.

[111] المعارج المجلد السادس، السنة الثامنة العدد 28 _ 31 ص 352 و353. ومجلة الفكر الجديد، مقالة:مع المفيد في تصحيح الإعتقاد ص 37و38.

[112] راجع: مع المفيد في تصحيح الإعتقاد ص 37.

[113] سفينة البحار ج1 ص61.

[114] الندوة ج1 ص523.

[115] الندوة ج1 ص498.

[116] الندوة ج1 ص509.

[117] الندوة ج1 ص501.

[118] الندوة ج1 ص508.

[119] الندوة ج1 ص538و539.

[120] المرأة بين واقعها وحقّها في الإجتماع الإسلامي.

[121] المسائل الفقهية ج1ص317.

[122] المعالم الجديدة للمرجعية ص128.

[123] المعالم الجديدة للمرجعية ص122و123.

[124] المعالم الجديدة للمرجعية ص81.

[125] دنيا المرأة ص30.

[126] الندوة ج6 ص636.

[127] حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع ص366 و367.

[128] الندوة ج6 ص513.

[129] دنيا المرأة ص29.

[130] دنيا المرأة ص30.

[131]

دنيا المرأة ص31.

[132] فكر وثقافة العدد 177ص4 بتاريخ 29/3/1421 ه__.

[133] جريدة الشرق الأوسط، عدد 8001 بتاريخ: 24/10/200.

[134] المصدر السابق.

[135] عقد هذا المؤتمر في طهران بتاريخ 8 آذار 1997م.

[136] بينات ج1ص90.

[137] الزهراء القدوة ص348.

[138] الزهراء القدوة ص 42 و43.

[139] فكر وثقافة عدد 185 ص4 بتاريخ 26 ج1 سنة 1421 ه__.

[140] فكر وثقافة عدد 170 _ ص4 بتاريخ 9/2/1421 ه__.

[141] فكر وثقافة عدد 171 ص4 بتاريخ 16/2/1421 ه__.

[142] فكر وثقافة عدد 175 ص3 بتاريخ 15 ربيع الأول 1421 ه__.

[143] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج5 ص15.

[144] مجلة الموسم عدد 21 _ 22 ص 303.

[145] مجلة الموسم عدد 21 _ 22 ص 315.

[146] فكر وثقافة العدد 17 الصفحة 4.

[147] نشرة فكر وثقافة _ الصفحة 2 بتاريخ 27/6/1997.

[148] الإنسان والحياة ص 318.

[149] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج11، ص 116 و 117.

[150] جريدة الشرق الأوسط _ الثلاثاء 24/10/2000 عدد رقم 8001.

[151] من وحي القرآن ج 6 ص 162 و 163.

[152] بحار الأنوار ج 20 ص 96 وأعلام الوري ص 83.

[153] شرح التجريد ص 486 ودلائل الصدق ج2 ص 357 عنه.

[154] مستدرك الحاكم ج 3 ص 111، ومناقب الخوارزمي ص 21و22 وراجع إرشاد المفيد ص 48، وتيسير المطالب ص 49.

[155] الجزء 6 من الصفحة180 _ حتي 193.

[156] البداية والنهاية ج 4 ص 26،وحياة الصحابة ج 1 ص 533،وتقدمت الرواية عن صحيح مسلم ج 5 ص 178 إلا أن فيه: رجلين من قريش. وكذا في تاريخ الخميس أيضا.

[157] قاموس الرجال ج 5 ص 7. ولكن يبدو أن في الإرشاد تحريفا، فراجع ص 50 منه، وقارنها مع ما نقله عنه في البحار ج20 وقاموس الرجال.

[158] الإسلام ومنطق القوة ص 157.

ورمز للنص المذكور ب__: طبقات ابن سعد ج2 ص149 – 152.

[159] ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (من تاريخ ابن عساكر) بتحقيق المحمودي ج1 ص145 وذخائر العقبي ص75 عن أحمد في المناقب، وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص14 ط/ليدن، وكفاية الطالب ص336 عنه، وفي هامشه عن: كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، والرياض النضرة ج2 ص202 وقال: أخرجه نظام الملك في أماليه.

[160] مستدرك الحاكم ج3 ص111، وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومناقب الخوارزمي ص21/ 22، وإرشاد المفيد ص48، وتيسير المطالب ص49.

[161] ذخائر العقبي ص75، والرياض النضرة المجلد الثاني ج4 ص156.

[162] راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص137 وصححه وقال له شاهد من حديث زنفل العرفي، وفيه طول فلم يخرجه الحاكم، ومناقب الخوارزمي ص258/ 259، وذخائر العقبي ص75 عن أحمد في المناقب.

[163] الطبقات الكبري، ط/ ليدن ج3 ص15 قسم1.

[164] هامش ص180 من احتجاج الطبرسي، والرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص172 عن نظام الملك في أماليه، وكفاية الطالب ص336 وقال: ذكره محدث الشام _ أي ابن عساكر _ في ترجمة علي(ع) من كتابه بطرق شتي عن جابر، وعن أنس، وكنز العمال ج15 ص119، وراجع ص135 عن الطبراني، ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200، وعمدة القاري ج16 ص216، ومناقب الخوارزمي ص358.

[165] مستدرك الحاكم ج3 ص500، وصححه علي شرط الشيخين هو والذهبي في تلخيص المستدرك، وحياة الصحابة ج2 ص514/ 515. وأظن أن القضية كانت مع سعد بن مالك أبي سعيد الخدري، لأن سعد بن أبي وقاص كان منحرفاً عن أمير المؤمنين. ويشير إلي ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج3 ص499 من أن أبا سعيد قد دعا علي من كان ينتقص علياً فاستجاب الله له.

[166] المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288، وراجع: فتح الباري

ج6 ص89 عن أحمد عن ابن عباس بإسناد قوي.

[167] المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288.

[168] أسد الغابة ج4 ص20، وأنساب الأشراف ج2 ص106 لكن فيه: ميسرة العبسي بدل سعد بن عبادة.

[169] الشافي لابن حمزة ج4 ص164.

[170] المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب (ع) ص57.

[171] تفسير القمي ج1 ص286 والبحار ج21 ص149 وتفسير البرهان ج2 ص113، ونور الثقلين ج2 ص199.

[172] الثفر: السير الذي في مؤخر السرج.

[173] الإرشاد للمفيد ج1 ص141 ط/دار المفيد وعنه في مناقب آل أبي طالب ج2 ص30 ط/ دار الأضواء، وراجع: البحار ج38 ص220 وج21 ص156.قيب منه ذكره الطبرسي في مجمع البيان ج3 ص18 و19.

[174] الإرشاد للمفيد ج2 ص141 وراجع مناقب آل أبي طالب ج2 ص31 والبحار ج38 ص220 وج21 ص156.

[175] الإرشاد للمفيد ص141/ 142 والمواهب اللدنية ج1 ص164 والمعارف لابن قتيبة ص164 وفيه: سبعة، بدل: تسعة. وثامننا، بدل: وعاشرنا، وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص30 والبحار ج38 ص220 وج21 ص156 ومجمع البيان ج3 ص18 و19 وسبل الهدي والرشاد ج5 ص349.

[176] أي في قوله تعالي:)ثم أنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين(.

[177] البحار ج49 ص199 وعيون أخبار الرضا ج2 ص193.

[178] المعارف لابن قتيبة ص164. وعنه في البحار ج38 ص220 بواسطة المناقب ومناقب آل أبي طالب ج1 ص.

[179] تفسير القمي ج1 ص287 والبحار ج21 ص150.

[180] البحار ج21 ص178 و179.

[181] تاريخ اليعقوبي ج2 ص62.

[182] السيرة الحلبية ج3 ص109 والمواهب اللدنية ج1 ص163.

[183] مجمع البيان ج3 ص17.

[184] التفسير الكبير للرازي ج16 ص22 والكشاف ج2 ص259 والمواهب اللدنية ج1 ص163 عن البخاري في الصحيح وحاشية الصاوي علي تفسير الجلالين ج3 ص39.

[185] السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص624 وراجع ص623 عن البخاري وبقية الجماعة إلا النسائي والمغازي

للواقدي ج3 ص908.

[186] بحار الأنوار ج27 ص323.

[187] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج7 ص 320.

[188] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج6 ص212.

[189] راجع تفسير البرهان ج1ص309.

[190] راجع قاموس الرجال ج9 ص11 و12.

[191] مأساة الزهراء ج1ص226.

[192] سورة القلم، الآية 51.

[193] راجع: قاموس الرجال ج4 ص298.

[194] راجع قاموس والرجال ج6 ص136 _ 142.

[195] تقييد العلم ص 54 والسنة قبل التدوين ص312 وراجع: غريب الحديث لابن سلاّم ج4 ص48 وليس فيه: أن الأحاديث في أهل البيت (ع).

[196] بينات بتاريخ 20 ربيع الأول 1421ه__/ الموافق 23 حزيران 2000م نص خطبة الجمعة.

[197] مجلة الموسم عدد 21 _ 22 ص 315.

[198] الإنسان والحياة ص329 _ 330.

[199] الندوة ج1 ص 353.

[200] الموسم: العددان 21و22 سنة 1995، ص315.

[201] راجع: الجزء الأول من هذا الكتاب ص216.

[202] الموسم العددان (21 __ 22) ص 307.

[203] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج 1 ص 23.

[204] المصدر السابق.

[205] من وحي القرآن ج 1 ص 229.

[206] المصدر السابق.

[207] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 21 ص 376 _ 377.

[208] راجع مأساة الزهراء ج 1 ص 63 _ 64.

[209] سورة النساء: الآية 14.

[210] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج7، ص131، 132.

[211] المعارج المجلد السادس السنة الثامنة ص368.

[212] الندوة ج1 ص382.

[213] أجوبة البعض علي فتاوي المرجع الديني الشيخ التبريزي، الجواب رقم 14.

[214] مجلة الموسم عدد 21 _ 22 ص250.

[215] للإنسان والحياة ص301.

[216] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج 6 ص 126.

[217] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج4 ص229.

[218] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 5 ص 116 و 117.

[219] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 14 ص 113.

[220] قد

تقدمت في الجزء الأول من هذا الكتاب أقواله حول جوع النبي (ص) إلي العاطفة.وأقواله حول أن يوسف عليه السلام قد اندفع إلي امرأة العزيز كما يندفع الجائع إلي الطعام. فراجع و قارن.

[221] من وحي القرآن ج14ص112.

[222] حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع: ص248.

[223] سورة الأعراف: الآية:11__ 18.

[224] سورة الحجر: الآية: 30 __ 44.

[225] سورة الإسراء: الآية: 61 __ 65.

[226] سورة ص: الآية: 73 __ 85.

[227] لا يخفي علي القارئ الكريم أن قصة عصيان إبليس أمر الله تعالي له بالسجود لآدم (ع) قد أشير إليها في سورة البقرة الآية 34. إلا أننا لم نذكرها هنا لأنها ليست سوي آية واحدة تشير إلي القصة علي نحو الإجمال من دون الدخول في أية تفاصيل تنفع في توضيح ما نحن بصدده، والآية هي قوله تعالي) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين(.

[228] راجع: الحوار في القرآن: ص32 مقدمة الطبعة الخامسة ط سنة 1996 م.

[229] راجع: الحوار في القرآن: ص17 و 18 و 19 مقدمة الطبعة الثالثة.

[230] من وحي القرآن ج 1 ص150 _ 151.

[231] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 1 ص152 _ 154.

[232] سورة يس 65.

[233] سورة فصلت 19 _ 22.

[234] سورة النمل، الآيات /18 _ 29.

[235] الحج /18.

[236] الإسراء /44.

[237] الأحزاب 72.

[238] الحشر /21.

[239] النور /41.

[240] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج 4 ص 28.

[241] راجع: الصحيح من سيرة الرسول الأعظم (ص): ج2 ص292، 314.

[242] راجع: السيرة الحلبية: ج1، ص238 عن أبي هريرة، وسيرة مغلطاي ص14 عن كتاب العتقي عن الحسين، ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند احمد) ج3، ص362 والمناقب لابن شهر آشوب:ج1، ص173.

[243] البحار: ج18، ص 204و190.

[244] في

رحاب دعاء كميل: ص270.

[245] من وحي القرآن الطبعة الأولي ج 1، ص 23.

[246] من وحي القرآن: الطبعة الأولي __ ج1 ص22 و23.

[247] راجع: مجمع البيان ج 1, ص15 و تفسير الصافي ج1، ص55 عن الشيخ الطوسي، ونقل في أعيان الشيعة ج1 ص 51 و 46 ط دار التعارف إجماع الشيعة علي عدم الزيادة، وراجع إظهار الحق ج2, ص 128.

[248] راجع: الأيضاح لابن شاذان، والإعتقادات للصدوق، وجواب المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضي، ومجمع البيان ج1 ص15، وسعد السعود ص144و145و192و193، وآلاء الرحمن ص25و26، عن مصائب النواصب، وإظهار الحق ج2 ص129، والشيعة في الميزان ص314، وبرهان روشن ص113 (فارسي)، وكشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء.

[249] لسان الميزان: ج4 ص223، والفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص182.

[250] فكر وثقافة: بتاريخ 2/1/1998 م __ والمسائل الفقهية: ج1، ص 312.

[251] فكر وثقافة: عدد 6، بتاريخ 27/7/1996 م.

[252] المصدر السابق.

[253] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: ج2، ص299 عن الزرقاني ج1، ص 164، وراجع: التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين ص115، ورسالة حسن المقصد (مطبوع مع النعمة الكبري علي العالم) ص80 و75 و77، والبداية والنهاية ج13 ص137و 136 ولم يصرح بالأولية، والسيرة النبوية لدحلان ج1، ص24، ومنهاج الفرقة الناجية: ص 110، والإنصاف فيما قيل في المولد ص 45 و46 و50 و57، وتاريخ ابن الوردي ج2، ص228، وجواهر البحار ج3، ص337، والسيرة الحلبية ج1 ص83,84.

[254] وفيات الأعيان ط سنة 1310ه__.ق ج1، ص436و437، وشذرات الذهب ج5، ص139و140 عنه وعن ابن شهبة، وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1، ص24 و25، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين ص16 عن مرآة الزمان وحسن المقصد (مطبوع مع النعمة الكبري) ص76، والبداية والنهاية ج 13، ص 137، وجواهر البحار ج3، ص337 و 338، والإنصاف

فيما قيل في المولد ص50 و 51 عن الحاوي للسيوطي.

[255] القول الفصل: ص18 و 68 عن كتاب: احسن الكلام ص44 و 45 للشيخ محمد بخيت المطيعي وعن المحاضرات الفكرية __ المحاضرة العاشرة ص84، وعن الإبداع في مضار الإبتداع ص126 وعن كتاب المعز لدين الله ص 284، وراجع: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج2، ص299. وراجع: الخطط للمقريزي ج1، ص490، ومنهاج الفرقة الناجية ص110.

[256] القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ص205 عن الفتاوي ص4.

[257] شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4، ص115.

[258] راجع مسند أحمد ج5 ص297 و 299، والمنتقي ج2 ص195 عن أحمد ومسلم، وأبي داود وصحيح مسلم ج3 ص166، والمدخل لابن الحاج ج2 ص29.

[259] وإن كان لنا كلام حول استحباب صوم يوم الاثنين لا مجال له هنا.

[260] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج14ص385.

[261] سورة الأنبياء الآية 34. والاستدلال المذكور مأخوذ من شريط مسجل بصوته.

[262] أسئلة وردود من القلب ص58 و59.

[263] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ط 1 ج19 ص241.

[264] المصدر السابق ط 1ج15 ص284.

[265] من وحي القرآن حين الكلام عن قضية يونس.

[266] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج ص15ص258.

[267] فكر وثقافة عدد 180 بتاريخ 20 /4 /1421 ه__.

[268] سورة النساء الآية /93.

[269] سورة النبأ الآية /23.

[270] الندوة ج6 ص 465 و466.

[271] تفسير الميزان ج20 ص168.

[272] سورة النبأ الآيات 27 __ 28.

[273] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج 31.

[274] الزهراء المعصومة ص52.

[275] مجلة الموسم العددان 21 __ 22 ص 299.

[276] المصدر السابق ص74.

[277] مجلة المعارج عدد 28__ 31 ص624 و625.

[278] الزهراء المعصومة ص53.

[279] المسائل الفقهية ج2 ص305.

[280] سورة لقمان، الآية 15.

[281] الندوة ج2 ص500و501.

[282] بينات بتاريخ.

[283] سورة آل

عمران، الاية: 49.

[284] سورة النمل، الآية: 40.

[285] الندوة ج2 ص554 و555.

[286] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج15 ص171 و172.

[287] المصدر السابق ج14 ص 384.

[288] نشرة فكر وثقافة عدد 1 تاريخ المحاضرة 29/6/1996.

[289] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج10 ص 34.

[290] قد ذكرنا ذلك في هذا الكتاب حين الكلام حول العصمة.

[291] الندوة ج6 ص 460.

[292] الندوة ج5 ص618.

[293] راجع: تأملات في آفاق الإمام الكاظم ص40__44.

[294] مجلة المنطلق عدد 111 ص76.

[295] في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي 321.

[296] المصدر السابق ص294.

[297] فكر وثقافة عدد 170 ص3 بتاريخ 9/2/1421 ه__.

[298] قد أعلن ذلك في أكثر من مناسبة وراجع علي سبيل المثال المسائل الفقهية ج1 ص15.

[299] فكر وثقافة عدد 181 ص4 بتاريخ 28/4/1421 ه__.

[300] فقه الحياة ص 37.

[301] سورة الحشر الآية 7.

[302] الندوة ج5 ص452.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.