خلفيات مأساه الزهراء (المجلد 3)

اشارة

نويسنده : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

ناشر : آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي

موضوع : حضرت فاطمه زهرا (س)

مع الأئمة.. والأولياء

في رحاب دعاء كميل

اشاره

علي عليه السلام يبين حاله.

علي (ع) يطلب من الله أن يغفر ذنوبه وخطاياه.

يدا علي (ع) تقترفان الذنوب.

قلب علي (ع) يكسب الآثام.

الذنوب تقصم ظهر علي (ع).

الأجواء توقظ غرائز علي(ع).

غرائز علي (ع) تغلب عقله.

علي (ع) يقع في المعصية.

علي (ع) يعد الله بأنه سيتراجع عن خطئه وإساءته ومعصيته.

علي (ع) يطلب من الله أن لا يفضح ما اطلع عليه من سرّه.

وفيما يرتبط بلغة الحديث مع علي (ع) نجد أن البعض حين يشرح دعاء كميل، ليقرأه كل راغب حتي غير المسلم الذي يريد أن يتعرف من خلاله علي نظرة المسلمين إلي إمامهم باعتبارهم اعرف الناس به وبشؤونه وحالاته.

فإذا رجع أحدٌ مّا إلي كتاب هذا البعض فسيجده يقول عنه:

"فلأن الله سبحانه وتعالي هو خير مرجو واكرم مدعو فان الإمام علي (ع) يقسم عليه بعزته أن لا يحجب عنه دعاءه بسبب مما اقترفته يداه من الذنوب، أو بما كسب قلبه من الأثام. وكأن لسان حال الإمام (ع) في كل ذلك:

يا رب أنت العزيز الذي لا يذل، وأنا الذليل أمامك، وأنت الرب الرحيم، أنا أدعوك وأتضرع إليك، أريد منك شيئا واحدا، وهو أن لا يحجب عنك دعائي وهو في طريقه إليك، ولا تجعل ذنوبي تمنع عنك دعائي، فالمهم عندي بمكان أن يخرج دعائي من قلبي ويصل إليك. إجعل قلبي ودعائي منفتحا عليك، لأن دعائي إذا وصل إليك فإنك تتقبل الدعاء، لأنك " خير مرجوّ، (و) أكرم مدعوّ.

ويتابع الإمام (ع) ببيان حاله قائلا:

"ولا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من

سري (يا رب هنالك الكثير من الأشياء التي أقوم بها من دون أن يراني أحد، أو أتكلم بشيء ولا يسمعني أحد، وأنت الساتر الرحيم. فيا رب، لا تفضحني في الدنيا وفي الآخرة، وأعدك بأني سأتراجع عن خطئي وإساءتي ومعصيتي" [1] .

وقال:

"فلسان حال علي يقول: أنت يا ربي أهل التقوي والمغفرة أي بيدك أن تغفر وتتوب، وتسامح، لا بيد أحد سواك، وحدك المؤهل لأن تتجاوز عن السيئات، والأخ_طاء والمعاصي، فلذلك أنت الرب الرحيم، الحن_ّان، المنّان، المفضل المعطي، الجواد الكريم، الشفيق العطوف،.. بينما أنا يا رب أنا أهل للعذاب، استأهل العذاب، لأني في مقام العاصي، والمذنب، والمقصر بحقك وواجباتك.

ولذلك يا رب أسألك بحق محمد وآل محمد أن تحاسبني بما أنت أهل له، لأن في ذلك نجاتي ولا تؤاخذني بما أنا أهل له لان في ذلك خسراني وعذابي" [2] .

"ماذا نشعر ونحن نري عليا (ع) يسأل المغفرة تلو المغفرة، ثم لا يكتفي بذلك بل يتجاوزه إلي سؤال شفاعة الله سبحانه وتعالي له.

ألا تشعر: أن عليا (ع) لا يزال خائفا، ولا سيما أن الذنوب والخطايا التي طلب من الله سبحانه وتعالي أن يغفرها له، هي من الذنوب الكبيرة التي يكفي ذنب واحد لينقصم الظهر منها" [3] .

وقال أيضا:

"فالإمام عليه السلام يقول: يا رب، لقد خلقت لي هذه الغرائز، ومن حولي أجواء تثير هذه الغرائز، تستيقظ غرائزي عندما تحف بها الروائح والأجواء الطيبة التي تثيرها.

أعطيتني عقلا ولكن غرائزي في بعض الحالات تغلب عقلي فأقع في المعصية" [4] .

وقد ذكرتني الكلمة الأخيرة بما يذكر ذلك البعض عن يوسف وامرأة العزيز، من أنه يندفع إليها كما يندفع الجائع إلي الطعام بصورة لا إرادية

(أو إرادية) حسب تصريحه في مجلس آخر. وفي نص آخر قال: إنه (ع) عزم علي أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه...

لو أخذ الله علياً بما يناسب وضعه لما استحق إلا العذاب.

لسان حال علي: أنا يا رب أهل للعذاب.

لسان حال علي: أنا في مقام العاصي، والمذنب.

علي يسأل الله أن يغفر له الذنوب التي تميت القلب.

علي يسأل الله أن يغفر له الذنوب التي تضع القلب في التيه، والضلالة.

علي يتوسل ليسأل الله مغفرة كل ذنب، وكل خطيئة.

علي يطلب السماح عن خطاياه، وذنوبه.

علي يطلب مغفرة الذنوب التي تمس كيانه وشخصيته.

علي يطلب مغفرة الذنوب التي تجعل شخصيته متهالكة، وض_عيفة.

يطلب مغفرة الذنوب التي تفقد شخصيته دورها الإيماني الفاعل.

يطلب مغفرة الذنوب التي تحوله الي ركام هامشي لا دور له، ولا موقع.

يطلب مغفرة الذنوب التي تجعله فارغاً مضطرباً سقيماً.

يطلب مغفرة الذنوب التي تجعله فاشلاً وساقطاً.

علي لا يثق بعمله.

قد يكون في عمل علي غش كثير.

وفي سياق لغة الحديث مع علي _ عليه السلام _ نذكر النصوص الإضافية التالية:

يقول البعض:

"ويختم الإمام دعاءه بأن يسأل الله تعالي أن يتخذ بحقه ما يناسب ساحة قدسه تعالي من الرحمة، والعفو والمغفرة، لأنه تعالي (أهل التقوي والمغفرة)، لا أن يأخذه بما يناسب وضعه، لأنه لو أخذه بما يناسب وضعه لما استحق سوي العذاب.

فلسان حال علي (ع) يقول:

أنت، يا رب، (أهل التقوي والمغفرة) أي بيدك أن تغفر، وتتوب، وتسامح لا بيد أحد سواك، وحدك المؤهل لأن تتجاوز عن السيئات والأخطاء والمعاصي، فلأنك أنت الرب الرحيم، الرحمن، الحنان، المنان، المفضل المعطي، الجواد، الكريم، الشفيق، العطوف.. بينما أنا يا رب

أهل للعذاب، استأهل العذاب، لأني في مقام العاصي، والمذنب، والمقصر بحقك وواجباتك. ولذا، يا رب، أسألك بحق محمد وآل محمد، أن تحاسبني بما أنت أهل له، لأن في ذلك نجاتي، ولا تأخذني بما أنا أهل لأن في ذلك خسراني وعذابي، وصل علي محمد والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً" [5] .

ويقول:

"هذا الشعور نتمثله في كلمات الإمام (ع): (اللهم إني أسألك سؤال خاضع متذلل خاشع أن تسامحني وترحمني)، عندما يطلب الرحمة من الله، والسماح من الله، حول ما أسلف من خطايا وما قام به من ذنوب، إنه يقول لله: أنا أطلب منك يارب الرحمة والسماح بروح الإنسان الذي يشعر أن له عليك حقاً، ليس لأحد في الكون حق عليك، حقك علي الناس كلهم" [6] .

ويقول:

"فكيف يمكن لمن ابتعد ونأي بنفسه عن الله تعالي أن تصيبه رحمته برذاذها، أو يلامسه لطفه تعالي بأنامل الحب والحنان؟ كيف يمكن لمن تحجر قلبه حتي بات صلداً أن ينفجر منه الماء، ماء الأمل والحياة.

ولذا يسأل علي (ع) الله سبحانه وتعالي أن يغفر له الذنوب التي تميت القلب، والتي تضع القلب في التيه، والضلالة، حتي يبقي علي صلة الأمل بالله تعالي" [7] .

ويقول:

"ويبدو، من سياق سؤاله _ عليه السلام _ أن المراد بالخطيئة هنا هو المعني الثاني لا المعني الأول، أي المراد مطلق الخطأ.

فنحن نجد في سؤاله هذا _ عليه السلام _ توسعاً في الطلب، فبعد أن سأل _ عليه السلام _ الله أن يغفر بعض الذنوب كتلك التي (تهتك العصم) و (تغير النعم) و (تن_زل النقم)، (وتقطع الرجاء).. توسع في سؤال المغفرة ليشمل كل ذنب، وكل خطيئة، وفي ذلك استبطان عميق، واستشعار

مرهف لرحمة الله تعالي، وجوده، وكرمه، ولطفه، وإحسانه، فهو _ عليه السلام _ يدفع بأمله الي أقصي الحدود، هذا الأمل الذي ما كان ليتوقد ويسطع لولا التعلق برحمة الله تعالي، وعدم الوقوع في فخ القنوط واليأس من روحه تعالي، ولولا استحضار ما هو عليه الله سبحانه وتعالي من الجود، والكرم، والتجاوز، والمغفرة، فهو الرحمن الرحيم، وهو الجواد الكريم، وهو التواب الغفور" [8] .

ويقول:

"يقول الامام _ عليه السلام _: يا رب أنا ليس لي ثقة بعملي، لأنه قد يكون فيه غش كثير، فالدعاء ضمانة بيدي، كما أن كل شيء بيدك، يا الله، فافعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله" [9] .

ويقول:

"إن علياً _ عليه السلام _ يشرع في هذا المقطع من دعائه في تبيان ما من أجله كان يتوسل مقسماً بأسماء الله تعالي، وصفاته.

وهو يبدأ بسؤال المغفرة للذنوب التي من شأنها أن تمس كيانه وشخصيته، فتحيلها إلي شخصية متهالكة، ضعيفة، لا حول لها، ولا قوة، فاقدة لأي اعتبار أو موقع، أو دور فاعل وإيماني في الحياة.

وفي قوله _ عليه السلام _ إشعار بأن هناك من الذنوب، ما من شأنه أن يفتك بكينونة الإنسان، ويحوله الي مجرد ركام ليس له من الحياة إلا صورتها، فهو يعيش علي الهامش من دون أي حضور أو موقع أو دور، فهو إنسان تفتك به الأمراض المعنوية من كل حدب وصوب، فإذا به إنسان فارغ مضطرب، سقيم فاشل وساقط لا يكاد يلوي علي شيء.

إن أخطر الأمراض وأفدحها هي تلك التي تصيب شخصية الإنسان، أي تصيب روح الإنسان لأنها تفتك بالبعد الرئيسي من أبعاد وجوده وتميزه، وتصيب محل كماله، ومستودع آفاقه وآماله،

ومرتكز مصيره.

ولذا فإنه _ عليه السلام _ يسأل الله سبحانه وتعالي، أن يغفر له الذنوب التي لها أمثال هذه النتائج، لكي يصلح سره وعلانيته معاً، فيستعيد مكانته وموقعه في الحياة" [10] .

وقفة قصيرة

إن هذا البعض حين تصدي لشرح بعض الأدعية _ كدعاء كميل وغيره _ قد أوقع نفسه في ورطة كبيرة، حين ظهر أنه يتعام_ل في تع_ابيره _ علي الأقل _ مع الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين، من حيث التوقير والإحترام المطلوب بما هو أقل مما يتعامل به مع الخدم والحشم ومع المرافقين فضلاً عن الأولاد والأحفاد، أو سائر الناس العاديين.

وقد ذكرنا هنا وفي مواضع متعددة من هذا الكتاب شطراً من كلماته التي تظهر هذا الأمر..

وكنا نتمني له أن يوفق لإصلاح ظواهر كلماته.. خصوصاً.. وأن ما سجله في حق الأئمة (عليهم السلام) إذا رجع اليه من لا يعرف الإسلام، ولا الأنبياء، ولا الأوصياء، نعم.. إذا رجع إليه وقرأ ذلك بهدف استخلاص ملامح الصورة عن هذا الإمام، وعن ذلك النبي (ص) باعتبار أنه يرجع الي أحد أتباع تلك الشخصية والعارفين بأحوالها. فسيخرج بتصور مغاير تماماً للصورة الحقيقية لهم (عليهم السلام)، وذلك حين يجده يصورهم علي أنهم يرتكبون من الكبائر ما ينقصم الظهر لكل واحدة منها.. وسيجد أن غرائزهم وأهواءهم تقودهم الي ارتكاب الجرائم الخطيرة.. وما الي ذلك..

ولكن _ للأسف _ فإن هذا البعض ليس فقط لم يبادر الي إصلاح ظواهر تعابيره _ بل ذهب ليتلمس التأويلات البعيدة، وغير المقبولة.. والغائمة.. فكان أن زاد الطين بلة والخرق اتساعاً..

ولا نريد أن نقول هنا أكثر من هذا، ولبحث وبيان فساد تلك التأويلات والتوجيهات موضع آخر إن شاء الله.

واللافت: أن هذا البعض ليس

فقط لا يتعامل مع الأنبياء والأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بما يليق بشأنهم من التوقير والاحترام.

وإنما هو يظهر إلي جانب ذلك من الإكرام والإحترام والمجاملة لأهل الضلال، ومن بشاشة ولطف وانعطاف تجاه الفساق والمنحرفين والمنحطين إلي الدرك الأسفل، ممن عملهم دائب في سبيل محق دين محمد(صلي الله عليه وآله). ما يثير العجب. إن ذلك لا يقاس بما يظهر من ذلك البعض تجاه أهل الإيمان، حيث إنه حين تصل النوبة إليهم، فإن الأمر يتخذ منحي خطيراً في نقده اللاذع والمغرق في القسوة والبالغ في الشدّة والحدة، بل إن هذه الشدة والحدة والقسوة البالغة منه لم يسلم منها حتي الأنبياء.

ومهما يكن من أمر، فإننا قد ذكرنا شطراً من كلماته التي تضمنت طائفة من تعابيره فيما يتعلق بأمير المؤمنين عليه السلام في هذا الكتاب عسي أن تكون كافية في إيضاح المقصود.

كيف نفسر أدعية الأئمة و الأنبياء

وقد حاول هذا البعض أن يفسر أدعيتهم عليهم السلام بما ينسجم مع الأفكار التي يحملها عنهم.. الأمر الذي دعانا إلي إعطاء مفردات موجزة تسهل علي القارئ معرفة الوجه والمنحي الصحيح لتلك التعابير من حيث انسجامها مع واقع العصمة لهم صلوات الله وسلامه عليهم.

ويمكن بيان حقيقة الأمر فيما يرتبط بالدعاء الصادر عن المعصومين مما يتضمن توبتهم واستغفارهم من الذنوب التي تهتك العصم، وتنزل النقم، وتقطع الرجاء و.. الخ، مع أن شيئاً من ذلك لم يصدر منهم! في ضمن النقاط التالية:

أولاً: إن الله سبحانه حين شرّع أحكامه، قد شرعها علي البشر كلهم، علي النبي والوصي المعصوم، وعلي الإنسان العادي غير المعصوم، وعلي العالم والجاهل، وعلي الكبير الطاعن في السن والشاب في مقتبل العمر، وعلي المرأة والرجل، وعلي العربي والأعجمي، وعلي العادل والفاسق.

فيجب علي

الجميع الصلاة والزكاة والحج، والصدق والأمانة، و.. الخ.. وقد رتبت علي كثير من التشريعات مثوبات، وعلي مخالفتها عقوبات.. ينالها الجميع، وتنال الجميع بدون استثناء أيضاً. حتي لو لم يفهموا معاني ألفاظها، ولم يدركوا عمق مراميها، كما لو كانوا لا يعرفون لغة العرب، أو كانوا أميين لم يستضيئوا بنور العلم.

فالثواب المرسوم لمن سبّح تسبيحة الزهراء(ع) هو كذا حسنة.. لكل من قام بهذا العمل استحق هذه الحسنات.

كما أن لهذه العبادات آثاراً خاصة تترتب علي مجرد قراءتها، حتي لو لم يفهم قارؤوها معاني كلماتها، فمن قرأ آخر سورة الكهف مثلاً، وأضمر الإستيقاظ لصلاة الصبح في الساعة الفلانية، فإن الإستيقاظ سيتحقق، كما أن من كتب نصاً بعينه يشفي من الحالة الكذائية، فإن الشفاء يتحقق.

كما أن المعراجية للمؤمن المترتبة علي الصلاة في قوله(ع): الصلاة معراج المؤمن. أو القربانية في قوله (ع): الصلاة قربان كل تقي. سوف تتحقق بالصلاة حتي لو لم يفهم المصلي معاني كلماتها، ومرامي حركاتها فإن نفس هذا الاتصال بالله سبحانه بطريقة معينة ومحدودة علي شكل صلاة أو زيارة، أو تسبيح وغير ذلك مما شرعه الله سبحانه، يحقق هذه الآثار، ويقود إليها، إذا كان مع نية القربة وظهور الانقياد والتعبد لله سبحانه وفق تلك الكيفيات المرسومة من قبله تعالي، وذلك يحقق غرضاً تربوياً، وإيحائياً تلقينياً يريد الله سبحانه له أن يتحقق.

ولأجل ذلك نجد: أن النبي (ص) يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويقول في الأذان والإقامة:

أشهد أن محمداً رسول الله.. ويقول ذلك غيره.. ولا يصح منه الأذان ولا الإقامة، ولا يحصل علي ثوابهما، ولا علي ثواب الصلاة ولا علي آثارها بدون الاتيان بكل ما هو مرسوم فيها.

والرجل والمرأة يقرآن في

دعاء واحد: ومن الحور العين برحمتك فزوّجنا.. ولا يعني ذلك: أن تقصد المرأة مضمون هذه الفقرة بالذات وبصورة تفصيلية بل هي تقصد الإتيان بالمرسوم والمقرر.

وإذا سألت: هل يعقل أن تكون صلاة النبي(ص) والولي عليه السلام كصلاة أي إنسان عادي آخر من حيث ثوابها، وتأثيراتها؟

فإن الجواب هو: إن التفاوت إنما يكون فيما ينضم لذلك المرسوم من حالات الإخلاص أو ما يصاحبه من تعب وجهد، فالثواب إنما هو بإزاء خصوصية إضافية (كالخشية) التي أنتجتها عوامل أخري كمعرفة الله سبحانه، وكمال العقل، والسيطرة علي الشهوات والميول.. أو أي جهد آخر إضافي قد بذل ووعد الله عليه بالمثوبة المناسبة له علي اعتبار: أن أفضل الأعمال أحمزها..

فاتضح مما تقدم: أن إتيان المعصوم بالعبادات المرسومة، ومنها الأدعية لا يستلزم أن يكون قد أصبح موضعاً لكل ما فيها من دلالات، فلا يكون استغفاره دليلاً علي وقوع الذنب منه.

ثانياً: يقول بعض المهتمين بقضايا العلم: إن أجهزة جسم الإنسان تقوم بوظائف لو أردنا نحن أن نوجدها بوسائلنا البشرية لاحتجنا ربما إلي رصف الكرة الأرضية بأسرها بالأجهزة: هذا علي الرغم من أنه إنما يتحدث عن وظائف الجسد وخلاياه التي اكتشفت، مع أنه لم يتم اكتشاف الكثير الكثير منها حتي الآن فضلاً عن سائر جهات وجود هذا الإنسان.

فالله سبحانه يفيض الوجود والطاقة والحيوية علي كل أجهزة هذا الجسد وخلاياه لحظة فلحظة وهذه الفيوضات وطبيعة المهام التي تنتج عنها، وكل هذا التنوع وهذه التفاصيل المحيرة تشير إلي عظمة مبدعها في علمه وفي إحاطته، وفي حكمته، وفي تدبيره، وفي غناه، وفي قدرته ووو..

فإذا كان النبي والولي المعصومان يدركان هذه النعم التي لولا الله سبحانه لاحتجنا لإنجازها إلي أجهزة تغلف الأرض بكثرتها.

ويعرف

أيضاً: بعمق أنه المحل الأعظم لتلك النعم ويعرف عظمتها وتنوعها في مختلف جهات وجوده ويجد ويحس بآثارها في جسده، وفي روحه ونفسه، وكيف أن كل ذرّة في الكون مسخرة لأجله، ولأجل البشر كلهم حسبما صرّح به القرآن الكريم، ويعرف الكثير من أسرار ملكوت الله سبحانه..

و خلاصته

أن النبي والولي يحس أكثر من كل أحد بقيمة وعظمة واتساع النعم التي يفيضها الله عليه.

فلا غرو إذن إذا كان يري نفسه _ مهما فعل _ مذنباً، ومقصراً لعدم قيامه بواجب الشكر لذلك المنعم العظيم.. بل هو يبكي.. ويبكي من أجل ذلك، ولا يكف عن بذل الجهد.. وحين يقال:

يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ نجده يقول: أفلا أكون عبداً شكوراً.

ونوضح ذلك بالمثال، فنقول: إن من يريد تقديم هدية لسلطان أو ملك، فإنه قد لا يجد فيما يقدمه ما يناسب جلال السلطان وأبهة الملك، فيري نفسه مقصراً فيما قدّمه إليه.. بل ومذنباً في حقه.. تماماً كما كان لسان القبّ_رة التي أهدت لسليمان جرادة كانت في فيها، وذلك لأن الهدايا علي مقدار مهديها.

وواضح: أن حال المعصوم مع الله تختلف عن حالنا، فهو يعرف الله حق معرفته، ولأجل ذلك فإن عبادته له ليست خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، بل لأنه يراه أهلاً للعبادة، فهو يعبده عبادة العارفين، والعالمين.. كما أنه يعرف أيضاً أن موقعه يجب أن يكون موقع العبودية التامة، والخالصة، لأنه واقف علي حقيقة ذاته في ضعفه، وفي واقع قدراته، وحقيقة قصوره وحاجته إليه في كل آن، كما هو واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان.. ويري نفسه مذنباً في هذا التقصير.. وقد يجر عليه ذلك فقدان لطف

الله به، وهتك العصم التي يكون بها قوته وثباته، ثم قطع الرجاء، وحبس الدعاء.. الخ.

ثالثاً: وبتقريب آخر نقول: إن نسيج الأدعية والأذكار حين يراد له أن يكون دعاءً أو ذكراً مرسوماً للبشر كلهم بجميع فئاتهم، ومختلف طبقاتهم ويلائم جميع حالاتهم، وتوجهاتهم، فإنه يكون _ بما له من المعني _ بحيث يتسع لتطبيقات عامة ومتنوعة، ويجمعها نظام المعني العام.

ويساعد علي اتساع نطاق تلك التطبيقات، ويزيد في تنوعها مدي المعرفة بمقام الألوهية، ومعرفة أياديه ونعمه وأسرار خلقه وخليقته تبارك وتعالي وما إلي ذلك.. من جهة.. ثم معرفة الإنسان بنفسه، وبموقعه، وحالاته.. و.. من جهة أخري. فبملاحظة هذا وذاك يجد المعصوم نفسه _ نبياً كان أو إماماً _ في موقع التقصير، ويستشعر من ثم المزيد من الذل والخشية، والخشوع له تعالي.

فالقاتل والسارق والكذاب حين يستغفر الله ويتوب إليه، فإنما يستغفر ويتوب من هذه الذنوب التي يشعر بلزوم التخلص من تبعاتها، ويري أنها هي التي تحبس الدعاء وتنزل عليه البلاء، وتهتك العصم التي تعصمه، ويعتصم بها، وتوجب حلول النقم به.

أما من ارتكب بعض الذنوب الصغائر، كالنظر إلي الأجنبية، أو انه سلب نملة جلب شعيرة، أو لم يهتم بمؤمن بحسب ما يليق بشأنه.. وما إلي ذلك..

فإنه يستغفر ويتوب من مثل هذه الذنوب أيضاً، ويري أنها هي التي تحبس دعاءه، وتهتك العصم التي تعصمه ويعتصم بها، وتحل النقم به من أجلها.

وهناك نوع آخر من الناس لم يقترف ذنباً صغيراً ولا كبيراً، فإنه حين يقصّر في الخشوع والتذلل أمام الله سبحانه، ولا يجد في نفسه التوجه الكافي إلي الله في دعائه وابتهاله، بل يذهب ذهنه يميناً وشمالاً.. فإنه يجد نفسه في موقع المذنب مع ربه، والعاقّ

لسيده، والمستهتر بمولاه. وهذه ذنوب كبيرة بنظره، لا بد له من التوبة والاستغفار منها.. وهي قد توجب عنده هتك العصم التي اعتصم بها، وحلول النقم، وحبس الدعاء، وقطع الرجاء، وما إلي ذلك.

أما حين يبلغ في معرفته بالله سبحانه مقامات سامية، كما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام، أو بالنسبة لرسول رب العالمين، فإنه لا يجد في شيء مما يقوم به من عبادة ودعاء وابتهال: أنه يليق بمقام العزة الإلهية.

بل هو يعد الالتفات إلي أصل المأكل والمشرب والاقتصار علي مثل هذه الطاعات تقصيراً خطيراً يحتاج إلي الخروج عنه إلي ما هو أسمي وأسني، وأوفق بجلال وعظمة الله سبحانه، وبنعمه وبفضله وإحسانه وكرمه..

وهذا التقصير _ بنظره _ لا بد أن ينتهي إلي الحرمان من النعم الجلّي، التي يترصّدها، حينما لا يصل إلي درجات تؤهله لتقبلها، وكذلك الحال بالنسبة إلي نفوذ دعائه وحجبه عن أن يستن_زل العطايا الإلهية الكبري، أو يرتفع به إلي مقامات سامية يطمع بها، ويطمح إليها.. كما أن النبي والوصي قد يجد نفسه غير متمكن من العصم التي يريد لها أن تكون منطلقاً قوياً يدفع به إلي ما هو أعلي وأسمي، وأجل.

وبعبارة أخري: إنهم يرون: أن عملهم هو من القلّة والقصور بحيث يوجب حجب الدعاء، ووقوعهم بالبلاء، ومن حيث أنه غير قادر علي النهوض بهم بصورة أسرع وأتم ليفتح لهم تلك الآفاق التي يطمحون لارتيادها، ما دام أن شوقهم إلي لقاء الله يدعوهم إلي الطموح إلي طي تلك المنازل بأسرع مما يمكن تصوره.

فما يستغفر منه الأنبياء والأوصياء، وما يعتبرونه ذنباً وجرماً.. إنما هو في دائرة مراتب القرب والرضا وتجليات الألطاف الإلهية.. وكل مرتبة تالية تكون كمالاً بالنسبة لما سبقها،

وفي هذه الدائرة بالذات يكون تغيير النعم، ونزول النقم، وهتك العصم الخ.. بحسب ما يتناسب مع الغايات التي هي محطّ نظرهم عليهم السلام.

والخلاصة: إن كل فئة من هؤلاء إنما تقصد الاستغفار والتوبة تطبيقاً للمعني الذي يناسب حالها، وموقعها وفهمها ووعيها، وطموحاتها وخصوصيات شخصيتها، وحياتها وفكرها وواقعها الذي تعيشه، أي أنهم يقرؤون الأدعية ويفهمونها، ويقصدون من تطبيقات معانيها ما يناسب حال كل منهم، وينسجم مع معارفهم، وطموحاتهم.. ولكنها علي كل حال أدعية مرسومة علي البشر كلهم، وللبشر كلهم.

لفت نظر

وأخيراً.. فإننا نلفت القارئ الكريم إلي الأمور التالية:

أولاً: إن إنكار البعض أن يكون دعاء النبي (ص) أو الإمام (عليه السلام) تعليمياً، ليس في محله، إذ لا ريب في أن ثمة أدعية قد جاءت علي سبيل التعليم للناس، وبالأخص بعض الأدعية التي تعالج حالات معينة كالأدعية التي لبعض الأمراض أو لدفع الوسوسة أو لبعض الحاجات، وما إلي ذلك.. أو تريد بيان التشريع الإلهي للدعاء في مورد معين وقد لا يكون النبي (ص) أو الإمام (عليه السلام) مورداً لذلك التشريع لسبب أو لآخر..

ثانياً: قوله إن الإمام إنما يدعو الله من حيث هو إنسان، لا يحل المشكلة، فإنه إذا كان هذا الإنسان لم يرتكب ذنباً، ولا اقترف جريمة، فلماذا يطلب المغفرة الإلهية؟ ولماذا يبكي و يخشع؟! فإن الإنسانية من حيث هي لا تلازم كونه عاصياً.

وإن كان قد أذنب و أجرم بالفعل، فأين هي العصمة؟ وأين هو الجبر الإلهي _ المزعوم من قبل هذا البعض _ في عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟!.

ثالثاً: إن من الواضح أن الذنوب المشار إليها في الأدعية لم يرتكبها الداعي جميعا، فكيف إذا كان هذا الداعي هو المعصوم كما اعترف

به هذا البعض.. وذلك يشير إلي صحة ما ذكرناه في الوجوه التي أشرنا إليها آنفاً وخصوصاً الأخيرة منها.

رابعاً: إن المراد بالمغفرة في بعض نصوص الأدعية خصوصاً بالنسبة الي المعصوم، هو مرحلة دفع المعصية عنه، لا رفع آثارها بعد وقوعها..

كما أن الطلب والدعاء في موارد كثيرة قد يكون وارداً علي طريقة الفرض والتقدير، بمعني أنه يعلن أن لطف الله سبحانه هو الحافظ، والعاصم.. ولكن المعصوم يفرض ذلك واقعاً منه لا محالة لو لم يكن الله يكفي بلطف منه، فهو علي حد قول أمير المؤمنين (عليه السلام)..

(لست بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) [11] .

وقد شرحنا هذه الكلمة في بحث مستقل، بعنوان (لست بفوق أن أخطئ) فليراجعه من أراد..

سيدة النساء فاطمة

اشاره

يقول البعض عن كتاب الزهراء القدوة:

"قد قام فضيلة العلامة الشيخ حسين الخشن _ حفظه الله _ بجمع وتنسيق الكلمات وإعداد تلك الأحاديث بأسلوب شيق، وتدقيق وتحقيق، وتوزيع الموضوعات بالمستوي الرفيع، بحيث أصبح هذا الكتاب (الزهراء القدوة) يمثل كل فكري في سيدة نساء العالمين راجياً له من الله الأجر وللكتاب. المزيد من النفع للقراء الذين سوف يجدون في هذه الكلمات إنساناً يتجلّي في فكره عظمة الزهراء وقداستها وعظمتها بدلا مما يثيره الذين لا تقوي لهم أمام الغوغاء بما هو العكس في ذلك، سائلا الله لهم الهداية الي الصراط المستقيم، والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل" [12] .

ونقول:

1 _ إننا سنجد في هذا الكتاب: الشيء الكثير من مقولات هذا البعض التي تتمثل فيها الجرأة غير المقبولة حيناً، وغير المعقولة حيناً آخر.. وأنه رغم محاولات الابتعاد به عن مواقع الصراحة

التامة والتوسل بالأساليب البيانية التي تمكّن الكاتب من التمرير، ثم التبرير.. فإنه بقي قادراً علي أن ينم عن أفكار صاحبه، ويدل علي نواياه.. وسيظهر هذا القسم من الكتاب بعضاً من ذلك.. إن شاء الله تعالي. وسيظهر لكل أحد.. أن الكتاب المشار إليه يمثل وثيقة إدانة لهذا البعض لن يكون بإمكانه التملص والتخلص منها إلا بالتراجع عن تلك المقولات، وإلا بالتصحيح، وبالإعلان لذلك بشكل واضح وصريح.

2 _ إن هذا الكتاب لا يمثل كل فكر هذا الرجل، فهناك أشياء كثيرة وخطيرة قد سجلها في مؤلفاته الأخري وغيرها.. قد تجاهلها هذا الكتاب ولم يكد يقترب منها، ولا اجترأ علي الالماح إليها..

ولعله يترصد الفرصة المناسبة لذلك، ربما حين يشعر في نفسه بعضاً من القوة، أو بعضاً من الحصانة والامتناع فيما يتخذه لنفسه من أبراج يتصور أنها عاجية أو غيرها.

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين، الي قيام يوم الدين.

وبعد..

1 _ فإننا آثرنا أن نتحدث في هذا القسم الخاص بالزهراء، بدرجة من الصراحة، وأن نسمي الأمور بأسمائها، ما دام أن مراعاتنا الشديدة السابقة، ونأينا بأنفسنا عن التصريح الي التلميح لم يمنع من توجيه أنواع التهم إلينا، كما أنه لم ينفع في تعديل هذا البعض لأفكاره، ولا في تراجعه عن أي من مقولاته.. فلماذا إذن نراعي.. ولماذا نتحفظ، ولماذا نلمح، ولا نصرح، والمقولات لم تزل علي حالها، والإهانات للأنبياء والأوصياء وللعلماء وللمراجع.. لم تتغير ولم تتبدل.

وللإجابة علي ذلك نقول:

إننا لا ننظر إلي الأمر من ناحية علاقته بنا كأشخاص وإنما أحببنا أن لا يتخذ الآخرون من ذلك ذريعة ووسيلة للطعن علي المذهب، وعلي أهله..

ثم من أجل أن لا نحرج الكثير من محبيه، ولا نثير حفيظتهم، وليتمكنوا من تقبل هذا الأمر بروح طيبة ونفس رضيةٍ بعيدة عن مشاعر التعصب للأشخاص.

2 _ سنخصص هذا القسم للإلمام بطائفة من مقولات هذا البعض حول السيدة الزهراء (عليها السلام) وسيري القارئ الكريم أننا لم نقتصر علي ما ذكره هذا البعض عن السيدة الزهراء (ع) في كتبه، بل ذكرنا أيضاً _ وإن كان يسيراً جداً _ بعضا مما قاله عنها في خطبه المسجلة علي أشرطة الفيديو والكاسيت.. والمتداولة بين الناس، وتباع في الأسواق في مراكز التسجيلات الصوتية التابعة لمؤسساته.

والسبب في ذلك: أنك تجد أكثر مقولاته في سائر المجالات قد أثبتها في الكتب والمؤلفات، وعلي صفحات الجرائد والمجلات وأنها تنشر بصورة متكررة في كتب تختلف أسماؤها، وتتفق في كثير من مضامينها عادة.. لكن مقولاته عن الزهراء أبقاها _ في أكثرها _ في دائرة المسموع، لا المكتوب، ولم يسمح لها بأن تطبع في كتاب، أو أن تحتويها جريدة، أو مجلة، إلا بعد رقابة صارمة، يمارس فيها الكثير من التقليم، والتطعيم، بهدف التعتيم علي هذا الفريق، أو ذاك.. وإذ لزم الأمر فإن التحريف والتشويه هو الحل، ما دام أن آخر الدواء الكيّ.

3 _ قد صدر مؤخرا كتاب بإسم (الزهراء القدوة) اعتبره هذا البعض يمثل كل فكره عن الزهراء، وبمقارنة بسيطة بين ما ذكره هذا البعض في محاضراته سواء ما كان منها عبر الإذاعة التابعة له أو غيرها، وبين ما اختير بعناية فائقة ليودع في هذا الكتاب، فإنك ستجد البون شاسعا، والفارق كبيرا جدا، يوحي لك بحجم التدليس الذي يمارسونه في خصوص موضوع الزهراء (عليها السلام)..

ومهما يكن من أمر فهناك عشرات من أشرطة الكاسيت

والفيديو، بصوت وصورة هذا البعض قد تضمنت مقولات خطيرة له حول قضايا الزهراء (عليها السلام)..

ولم يعتذر هذا البعض عن أي واحدة من تلك المقولات إلي هذا التاريخ.. بل هو يحتفظ بها، ويدافع عنها.. بين الحين والآخر..

أما هذا الكتاب الأخير _ الذي يقول إنه يمثل كل فكره، فإنه لن يفيد شيئاً، إذ إنه هو نفسه قد قرر للناس عبر إذاعته: أن تراجعه الظاهري الذي أعلنه في سنة 1993 م في رسالة منه إلي قم.. إنما كان بهدف درء ما أطلق عليه هو اسم الفتنة، واستجابة لنصائح بعض أصدقائه!!

4 _ وهذا معناه: أن الأجيال المقبلة سوف تعتبر هذا الكتاب أيضاً من مفردات الانحناء أمام العاصفة، ويراد به التخلص من الضغوط التي يواجهها، فهو إذن لا يمثل حقيقة رأيه، لا سيما وأنه لم يعلن عن خطأ أي من آرائه السابقة.. بل قد أعلن أنه لم يحدث فيها أي تغيير، وأنه ملتزم بها ومسؤول عنها كلها، ومنذ عشرات السنين إلي الآن..

5 _ علي أن هذا الكتاب، وإن كان يلهج باستمرار بالمديح والثناء علي السيدة الزهراء (عليها السلام)، لكنه يخفي في طياته أمرا، أو فقل أمورا تجعل هذا المديح بلا فائدة ولا عائدة. بل هي تجعل منه غطاء لتمرير مقولات كثيرة، ربما يراد بهذا الكتاب التأسيس للاحتفاظ بها من جهة.. وإعطاء الفرصة لإسكات المعترضين، وتغيير المفهوم المعروف عنها..

أولاً: يصور أن العلاقة بين الرسول (صلي الله عليه وآله) وبين الزهراء (عليها السلام) هي علاقة إنسان هو في القمة في خصاله وميزاته الشخصية، وخلقه الرفيع بابنته التي تحمل أيضاً مواصفات شخصية مميزة، وليس ثمة أكثر من ذلك.. فليست المسألة مسألة اصطفاء إلهي، وتربية ورعاية ربانية، لمن هم

صفوة الوجود، وخيرة الله، ووجه الله، وجنب الله، وباب الله.. ولأجل ذلك، فإن ما يمدح شخصها به، لا يختلف كثيراً عما يمدح به أية امرأة صالحة من سائر الناس.

ثانياً: هناك مقولات كثيرة ناقشنا في هذا القسم طائفة منها، وقد سعي هذا البعض في كتابه هذا إلي التأكيد علي عدد منها.. كما أنه قد سعي إلي خلق مناخات تسمح له في بالمستقبل بإعادة التأكيد علي مقولات جريئة أخري عرفت عنه. لم ير الوقت مناسبا الآن لإثارتها بصراحة وقوة..

أضف إلي ذلك أنه استطاع أن يخفف من حدة وصراحة مقولات كثيرة له إلي درجة تجعل الإنسان العادي يكاد يتوهم أنه قد اصلح أو تراجع عن بعض ما كان قد أعلن عنه منها..

6 _ إننا في هذا القسم لن نقتصر علي خصوص الموارد التي أشرنا إليها واجبنا عنها في كتاب مأساة الزهراء، بل سنورد هنا بعضا من كلامه في موارد أخري أيضاً.. ونسجل إجابات سريعة عن طائفة منها، وسنغض الطرف عن طائفة أخري لوضوح فسادها لكل أحد..

وسيجد القارئ الكريم أننا لم نحاول استقصاء أقاويله حول هذا الموضوع، علي أساس أن خير الكلام ما قل ودل.

وسيظهر بما لا مجال معه للشك عدم صحة ما ي_حاولون التسويق له، من أن القضية هي مجرد قضية كسر الضلع _ وحسب _ وهي لا تستحق هذا المستوي من التصدي والمواجهة.. فإن ال_مسألة ليست من أصول الدين علي حد تعبير أحدهم، نعم سوف يتضح أن القضية أكبر من ذلك بكثير، فإن هذا البعض ينكر كل شيئ جري علي الزهراء بعد وفاة أبيها، سوي غصب فدك بحسب الظاهر، بل قد شكك حتي في صحة أقوال الزهراء في فدك حسبما ذكرناه في

محله من هذا الكتاب، فهو ينكر ضربها، وإحراق باب_ها، ودخول بيتها، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها..

بل هو يدعي:

"أن احترامهم وحبهم لها، ومكانتها (ع) لديهم يمنعهم من ذلك كله، ومن توجيه أية إساءة حقيقية ل_ها..".

ونحن نستهل هذا القسم بالإشارة إلي بعض تناقضاته فيما يتعلق بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، ثم نتبع ذلك بطائفة من أقاويله حولها، ونتمني أن يجد القارئ فيها ما يكفي لإعطاء فكرة واضحة عن حقيقة ما يعتقده هذا البعض في قضايا السيدة الزهراء (عليها السلام)، وفيما جري عليها..

ومن الله نستمد العون، وهو ولي التوفيق..

مقولات جريئة حول الزهراء

مقولات متناقضة حول الزهراء
بداية

إن الملفت هنا هو: أن هذا البعض قد نقض كلامه، واختلفت أقاويله حول الزهراء (ع) في أكثر من مورد.. ولا يمكن عد ذلك تراجعاً عن أقاويله السابقة، ما دام أنه لم يعلن أن ما سبق كان خطأ، وأنه قد امتنع عن الالتزام به، بل إن ذلك أيضاً لا ينفع إذا لم يتم إعلام الناس بأن الطبعات التي تتناقض فيها المطالب والآراء، ليس كل ما فيها صحيحاً.. خصوصاً فيما يرتبط بكتابه المسمي ب_ " من وحي القرآن " لجهة أنه كان قد أعلن في سفره للحج في سنة سابقة:

"أن كل ما فيه بكلا طبعتيه (طبعة دار الزهراء، وطبعة دار الملاك) صحيح.."

غير أنه لما ظهرت الطبعة الثانية، ظهرت التناقضات فيما بينها وبين سابقتها.. ولا يزال هو المطالب بالإجابة علي سؤال: هل يمكن الالتزام بالرأيين المتناقضين في آن واحد.. وهل يمكن القول بأن جميع ما ورد في الطبعتين صحيح؟

ومهما يكن من أمر فإننا نذكر من تناقضاته الكثيرة هنا ما يلي:

تارة يقول: إن آيات إرث سليمان لداود ويحيي لزكريا ناظرة لإرث الموقع.

وأخري يقول: إنها تتحدث عن

إرث المال.

فأي هذين هو الصحيح.

قال في كتاب من وحي القرآن عن آيات ارث سليمان لداود، وعن قول زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب).

"إن المقصود بهما هو ارث الموقع لا المال".

"فلا دلالة لهما علي إرث الزهراء (ع) لفدك.."

ثم قال عن هذه الآيات بالذات في كتاب الزهراء القدوة [13] .

"إنها تتحدث عن إرث المال.."

تارة يقول: عرف قبر الزهراء (ع).

وأخري يقول: لم يعرف.

وكذلك الحال بالنسبة لمعرفة قبر الزهراء (ع) فإنه كان قد ادعي أنه قد عرف وذلك في شريط معروف ومسجل بصوته.

وهذا الشريط هو الذي كان السبب في تنبه العلماء لحقيقة ما يجري وأثار نقدهم لمقولاته وألفت نظرهم لمخالفاته.

ولكنه عاد فقال:

"إن قبرها لا يزال غير معروف" [14] .

العصمة إجبارية..

العصمة لا تسلب الاختيار.

وإذا قارنا بين أقواله حول العصمة فنجدها متضاربة ومتناقضة، فإنه تارة يطلق كلامه ويقول:

"إنها علي نحو الإجبار، سواء في عصمة الأنبياء، أو الأئمة، أو الزهراء عليهم السلام".

وأخري يقول:

"بل هي إجبارية في ناحية المعاصي فقط".

وقد تحدثنا عن هذا الأمر أكثر من مرة..

وثالثة يتراجع عن ذلك حيث يتحدث أخيرا عن عصمة السيدة الزهراء (ع) ويقول:

"إن الله قد أودع فيهم عناصر القداسة والروحانية والعلم، لكن هذا لا يستلزم سلبهم الاختيار" [15] .

الزهراء رضيت عن الشيخين.

الزهراء لم ترض عنهما.

وكان قد قال:

"إن الشيخين قد جاءا إلي الزهراء فاسترضياها فرضيت.."

ولكنه عاد أخيراً ليعلن في كتاب جديد يقول عنه:

"إنه يمثل كل فكري في سيدة نساء العالمين"،"إنها لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها" [16] .

فأي ذلك هو الصحيح؟

تناقض_ه في تفسير كلمة

, وإن.

وكان قد قال:

"قيل للثاني لما جمع الحطب، وأراد إحراق بيت الزهراء (ع): إن في الدار فاطمة!! فقال: وإن..

إن معني هذه الكلمة: أنه وإن كانت فيها فاطمة، فنحن لا شغل لنا بها، نحن جئنا لاعتقال علي فقط.."

لكنه عاد أخيراً، فسجل في كتاب يقول:

"انه يمثل كل فكره عن الزهراء (ع): "إن معني هذه الكلمة: " أنه لا مقدسات في هذا البيت، فلا مانع من أن يحرق علي أهله" [17] .

ومن تناقضاته التي نحب إلقاء المزيد من الأضواء حولها.. الموارد التالية:

المباهلة أسلوب تأثير نفسي للإيحاء بالثقة.

المباهلة لا تدل علي فضل الزهراء (ع)، بل تدل علي أن أباها كان يحبها.

المباهلة تدل علي عظيم فضل الزهراء.

ورغم أن هذا البعض كان قد قرر: أن المباهلة بالزهراء وبعلي والحسنين، إنما تدل علي أن النبي (ص) قد جاء بأحب الناس إليه. وأنه علي استعداد للتضحية حتي بابنته وولديها، وبابن عمه في سبيل هذا الدين، فلا دلالة فيها علي عظيم ما لهم من فضل.

لكنه بعد أن واجه الاعتراضات عاد وقال في كتابه الذي حاول تلطيفه قدر الإمكان:

"من هنا كانت الآية الشريفة دليلا بينا علي عظمة أهل البيت _ بمن فيهم سيدتنا فاطمة (ع)، ومنزلتهم الرفيعة عند الله وعند رسوله (ص)".

فإذا كانت آراؤه لم تتغير منذ ثلاثين سنة، فهل هذا الرأي أيضاً منها؟! وإن كان ملتزماً بآرائه كلها كما يقول، فهل يلتزم هنا بكلا الرأيين المتناقضين؟! وإذا كان أحدهما خطأ فلماذا لم يشر إليه، ويدلنا عليه؟!

ويلاحظ هنا: أن هذا البعض إن صح أنه قد تراجع عن عدد يسير جدا من آرائه، ربما لا يصل إلي عدد أصابع اليد أو اليدين..

فإن ذلك إنما جاء في الموارد غير الأساسية، وغير الحساسة، وهي تلك التي لا يحدث تراجعه عنها أي ضرر في التصور العام، وفي الهيكلية العامة التي رسمها للإسلام الذي يريد أن يحمل الناس عليه، بطريقة أو بأخري..

وقد قلنا: إننا نشك في أن تكون هذه الموارد اليسيرة داخلة في دائرة التراجع والتصحيح، إذ إننا نحتمل:

1ً _ أن تكون قد جاءت لتهدئة الجو العام والسيطرة عليه مع يقينه بأن الناس سوف يعرفون حقيقة رأيه بعد هدوء العاصفة، حيث إنه قد احتفظ به مكتوبا أو مسجلا في المواقع الأخري، ولم يرض بتحريك أي حرف منه من موقعه.. بل لقد سجل أنه ملتزم بكل فكرة قالها منذ عشرات السنين.

الأمر الذي يفسره المفسرون، علي أن كلامه الأخير، إنما هو انحناء أمام العاصفة، لا أكثر..

2ً _ إن بعضاً من تناقضاته قد نشأت عن كونه لم يدقق في ما يلقيه علي الناس من كلام.. فيكون داخلا في نطاق إلقاء الكلام علي عواهنه، وبصورة عفوية وارتجالية، فيقول هنا شيئاً ثم ينساه ليقول هناك ما يناقضه ويخالفه..

وعلي كل حال.. فإن ما ذكره هذا البعض في كتابه من وحي القرآن في الطبعة الأولي.. من أن النبي قد أشرك أهل بيته في المباهلة كأسلوب من أساليب التأثير النفسي ليوحي لهم بثقته بما يدعيه، لا يمكن قبوله رغم تصريحه بصحة كل ما جاء في تلك الطبعة.. نعم انه مرفوض لأنه يعني: أن قضية المباهلة لا ترقي إلي مستوي الجدية الحقيقية.

كما أن إيحاءه بأن القضية لا تزيد عن كونها مبادرة شخصية من رسول الله (ص)، وليست قرارا إلهيا، وتدبيرا ربانيا، يعطي الدلالة القاطعة علي ما لأهل البيت من مقام وفضل وكرامة عند

الله تعالي.

إن كلامه هذا _ لا يمكن قبوله منه بأي وجه، وقد صرحت الآية الكريمة بأن الله سبحانه هو الذي أمره بإخراج هؤلاء بالذات للمباهلة، فهي تقول: (فقل: تعالوا ندع ابناءنا..) الخ..

تارة ينكر وجود خصوصيات غير عادية في الزهراء.

وأخري يثبت.

تارة يقول: لا يوجد عناصر غيبية في شخصيتها.

وأخري يقول: هناك عالم من الغيب في شخصيتها.

قد ذكر البعض في كتابه تأملات إسلامية حول المرأة: كلاماً حول الزهراء، وزينب وخديجة، ومريم، وآسية بنت مزاحم عليهن السلام.

ونفي أن تكون هناك أية خصوصية غير عادية في شخصياتهن إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن النمو الروحي، والعقلي، والإلتزام العملي..

وحين ثارت الاعتراضات علي هذا الكلام، أصر ولا يزال مصراً علي إبقائه علي ما هو عليه، ولم يغير فيه حتي الآن أية كلمة..

وبدأ يشيع بين الناس:

أن مراده صحيح وسليم، ولكن الآخرين إما لم يفهموا مراده، أو أنهم قد فهموه ولكنهم تعمدوا صرفه عن ظاهره..

بل صار يمارس ضغوطا غير عادية، ويهاجم الآخرين بشراسة وقسوة، من أجل إلزامهم بصحة أقواله في كتابه تأملات إسلامية، وصار يوجه لهم الاتهامات، ويعلن بالتجريح ثم التظلم (!!)، وما إلي ذلك..

ولعل أخف عباراته حدة هو ما سجله في الكتاب الذي يقول عنه:

إنه يمثل كل فكره حول السيدة الزهراء. فهو يقول:

"ولئن بقي هذا البعض يصر، ورغم كل كلماتنا وصراحتها في تقديس السيدة الزهراء (ع) وتعظيمها، وبيان عصمتها.. ورغم كثرة محاضراتنا وتنوعها منذ أكثر من خمسين سنة في شأن أهل البيت (ع)، علي تقويلنا ما لم نقله، وتحميل كلامنا ما لا يحمله في شأن سيدتنا الزهراء (ع) وعصمتها، أو في شأن ولاية سيدنا أمير المؤمنين (ع) التي أكدها

ونص عليها النبي الأمين (ص) في مواضع عديدة أبرزها في غدير خم، فإننا ندعو الله لهم بالهداية إن كان لا يزال عندهم قابلية ذلك، وإلا فحسابهم علي الله، ولنا معهم موقف يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين الذي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها في كتاب، وسيكون الحساب بمحضر جدنا رسول الله (ص) وجدنا أمير المؤمنين (ع) وجدتنا الصديقة الزهراء (ع)، ونري لمن يكون الفلج في ذلك اليوم" [18] .

فقد ضمن كلامه هذا..

1 _ اتهاماً للآخرين بأنهم يقوّلونه ما لم يقله، وتحميل كلامه ما لم يحمله.

2 _ ادعي لنفسه أن كل كلماته صريحة في تقديسه للزهراء، وتعظيمها، وبيان عصمتها..

3 _ ادعي مثل ذلك أيضاً بالنسبة لولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

4 _ إظهار أن منتقديه لا يسيرون في صراط الهداية.

5 _ أنه رجل متسامح، يدعو حتي لمن يفترون عليه بالهداية؟!

6 _ أنه مطمئن إلي أن الفلج له يوم القيامة.

7 _ وأخيراً تعابيره بجدنا النبي، وجدنا علي، وجدتنا الزهراء.. ربما من أجل استدرار عطف الناس في مثل هذه المواقف، وربما لأسباب أخري. لاسيما مع ملاحظة نظرته إلي الأنساب حيث تجده ليس فقط لا يهتم للإنتساب إلي الرسول، بل هو يجهر بعدم القيمة لها، ولا يرغب بإعطائها أهمية تذكر حتي إنه حين سئل عن نظرتة إلي لقبي السيد والأديب بالنسبة إليه نجده قد رجح لقب الأديب عليه، فقد سئل: أيهما تفضلون؟ لقب السيد أم لقب الأديب؟!

فقال:

"لقب السيد ورثته أما لقب الأديب فقد صنعته. ولذا فمع كل اعتزازي بلقب السيد فأنا أكثر اعتزازاً بلقب الأديب" [19] .

فاستخدامه لهذه اللغة هنا ما هو إلا دليل ضعفه وإنكار

مقولاته، فأراد أن يستفيد من محبة المؤمنين لأهل البيت، ويؤثر علي مشاعرهم عن هذا الطريق.

ثانياً:

إن المهم هنا هو الالتفات إلي: أن هذا البعض لم يحرك أية كلمة من مكانها.. ولم يغير، ولم يبدل شيئاً مما قاله.. بل احتفظ به.. حتي وهو يعلن علي الملأ ما يناقضه ويخالفه.. ولعله.. ليبقي الباب مفتوحا أمام الاعتذار الذي قاله في إذاعة تابعة له:

إن ما كتبه في رسالته لجعفر مرتضي إلي قم، والتي تضمنت تراجعاً عن مقولاته في السيدة الزهراء _ عليها السلام _.. إنما كانت لدرء الفتنة، واستجابة لمطلب ناصحيه.. وإلا فهو لم يزل ولا يزال علي موقفه السابق، ولن يتراجع عنه..

وهذه السياسة بالذات هي التي لم يزل يمارسها في كل ما اعترضنا به عليه.. فإنك تجده يعلن بخلافه، ولكن بأسلوب:

1 _ إن هذا الرأي المناقض والمخالف هو نفس ذلك الذي يخالفه ويناقضه، ومن لا يقبل بذلك، فهو واقع تحت تأثير المخابرات، أو أنه يفهم الأمور بغرائزه، أو أنه بلا دين، وبلا تقوي.. وما إلي ذلك!!

2 _ إنه يحتفظ بالرأيين المتخالفين، أو المتناقضين معاً، ولا يغير ولا يبدل شيئاً.. بل يصرح بصحة كل ما قاله وكتبه طيلة عشرات السنين..

3 _ إنه يصرح بأن كل ما ينسب إليه مكذوب عليه بنسبة 99،99 بالمئة. أو أنه مكذوب بنسة 90 بالمئة، والباقي محرف.

ثالثاً:

إن ما ذكره في كتابه تأملات إسلامية حول المرأة لا يصح توضيحه بما وضحه به، وذلك لوجود تنافر ظاهر بين الكلامين. فإن كان قد تراجع عن كلامه حقا، فليحذفه من كتابه ذاك، وليصرح بأنه قد عدل عما جاء في طبعته الأولي..

ولا نريد أن نفيض في الحديث عن ذلك، بل نكتفي

بذكر ثلاث مقارنات:

المقارنة الأولي

إنه يقول في النص الأول:

"إذا كان بعض الناس يتحدث عن بعض الخصوصيات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والإلتزام العملي بالمستوي الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي، في مسألة النمو الذاتي" [20] .

ثم هو قد شرحه بقوله الآتي:

"لا ريب أن هناك ظروفا طبيعية قد كفلت النمو الروحي والعقلي للسيدة الزهراء (ع) وغيرها من النساء الجليلات وذلك مثل تربية النبي (ص) لها، وتربية زكريا لمريم (ع)، ولكن إلي جانب ذلك هناك اللطف الإلهي الذي كساها بالطهارة و القدسية، وخصها ببعض الكرامات، وهي ما زالت جنينا في بطن أمها [21] وأكرمها بنزول الملك عليها [22] ".. [23] .

والسؤال هو:

أولاً:

إن النص الأول، قد أنكر وجود خصوصيات غير عادية في شخصيات تلك النسوة.. فهل كون الزهراء نوراً كما اعترف به، وهل حديثها مع أمها، وهي لا زالت جنينا في بطنها لا يعتبر خصوصية غير عادية في شخصيتها؟!

ثانياً:

إن هذا البعض قد ذكر أن مثل تربية النبي للزهراء، وتربية زكريا لمريم هو المقصود من الظروف الطبيعية..

والسؤال هو:

إذا كان زكريا قد ربي مريم، ورسول الله (ص) قد ربي الزهراء، فمن الذي ربي خديجة بنت خويلد، ومن الذي ربي آسية بنت مزاحم، فإنه قد ذكرهما مع الزهراء أيضاً..

ثالثاً:

قد ذكر: أن هذه الظروف الطبيعية التي هي مثل تربية النبي وزكريا كان الي جانبها اللطف الإلهي الذي كساها بالطهارة وبالقدسية وخصها ببعض الكرامات..

والسؤال هو:

هل يلتزم بمثل ذلك في أمر السيدة خديجة؟ وكذا بالنسبة للحوراء زينب (عليها السلام)، اللتين لم تكونا مشمولتين لآية

التطهير، ولا ظهر أنهما اختصتا بنزول الملك عليهما، أو اختصتا ببعض الكرامات حين كانتا جنينين في بطن أمهما؟. مع انه قد ذكر السيدة زينب وخديجة في جملة هؤلاء النسوة اللواتي يتحدث عنهن.

المقارنة الثانية

وقوله:

".. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة، تخرجهن عن مستوي المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي ".

قد شرحه أخيراً بقوله:

"وإذا كنا لا نستطيع إطلاق الحديث القائل بوجود عناصر غيبية في شخصية الزهراء (ع) بحيث يخرجها عن كونها بشراً تتحول حياتها كلها الي معاجز خارقة للقوانين الطبيعية والسنن التي أودعها الله في الكون، لكن هذا لا يعني أبدا نفي ذلك كله، فإن الزهراء الإنسانة كانت تحيط بها ألطاف الله، ونستطيع أن نقول إن هناك عالما من الغيب في شخصيتها، وإنها نور من الأنوار، وفي حياتها الكثير من الكرامات التي أعطاها الله إياها، فقد روي [24] أنه كان يدخل عليها رسول الله فيجد عندها رزقاً" [25] .

الي أن قال:

"ورغم ما تقدم من براهين علي عصمة الزهراء وقدسيتها وكراماتها وفضائلها.. فإن ذلك لا يخرجها عن كونها امرأة من جنس البشر تملك من الأحاسيس والعواطف والغرائز ما تملكه سائر النساء، وإنما عظمتها أنها حركت أحاسيسها في رضا الله، ولم تسمح لغرائزها أن تخرج عن حدود الله سبحانه، بحيث إن قلبها، وعقلها وجسدها لم ينحرفوا عن خط الإستقامة طرفة عين أبدأ" [26] .

والسؤال هو:

أولاً:

لماذا تحدث عن خروجها عن كونها بشرا، فإن وجود عناصر غيبية _ ككونها نورا من الأنوار كما اعترف به هذا البعض في نفس هذا النص المذكور لا يخرجها عن كونها بشراً..

ثانياً:

إن كونها نورا من الأنوار، وحديثها مع أمها

في بطنها _ هو عنصر غيبي في شخصيتها لكن ليس من الضروري أن يحول حياتها _ كلها _ الي معاجز خارقة للقوانين الطبيعية.. علي حد قوله..

ثالثاً:

كيف نجمع بين قوله:

"ونستطيع أن نقول: إن هناك عالماً من الغيب في شخصيتها، وإنها نور من الأنوار".

وبين قوله:

"لا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول، القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوي المرأة العادي".

ألا تري أن بين هذين القولين تناقضا فاضحاً؟!.

رابعاً:

إن كونها نورا من الأنوار، وأن يكون هناك عالم من الغيب في شخصيتها: ألا يميزها عن سائر النساء؟!.

وألا يخرجها ذلك عن مستوي المرأة العادي؟!

فإن كان كلامه صحيحا في أننا نقوّله ما لم يقل: فإننا نرضي منه أن يستبدل النص الموجود في كتاب تأملات بالنص الموجود في كتاب الزهراء القدوة.. ونكون له من الشاكرين.. وبذلك يحل الإشكال القائم فيما بينه وبين من يعترض عليه، وسيستجيب الله دعاءه لمنتقدي مقولاته بالهداية، ولا تصل القضية الي المحاكمة يوم القيامة..

المقارنة الثالثة

قال البعض في كتاب تأملات إسلامية حول المرأة، وهو يتحدث عن مريم عليها السلام التي اصطفاها الله للروحانية التي تميزها، وسلوكها في طاعة الله، ما يلي:

".. وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله إليها، فإن ذلك لا يمثل حالة غيبية في الذات، بل يمثل لطفا إلهيا في التوجيه العملي، والتثبيت الروحي، علي أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط، من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية، التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها، تماماً كما هي المسألة في الرجل في الحالات المماثلة.." [27] .

ولكنه قال في كتاب: الزهراء القدوة:

"وعندما تحدثنا في تأملات إسلامية حول المرأة [28] عن أن الزهراء(ع) كما

مريم (ع) وآسية بنت مزاحم ليست بامرأة عادية، فلم يكن في ذلك الكلام إشعار بنفي كرامات الزهراء وعصمتها، كيف وقد أشرنا في تلك الصفحة نفسها الي أن الله سبحانه منح بعض تلك النسوة العظيمات من ألطافه ما يسددهن، ويثبتهن روحيا وعمليا، وإنما كان ذلك الكلام يرمي كما يشهد به صدره وذيله أنها (ع) لم تكن إلا بشرا وتحمل خصائص سائر النساء كما كان رسول الله (ص) بشرا ويحمل خصائص الرجال (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي) (الكهف: 110) وإلا لو لم يكن رسول الله بشرا، وكذلك الأنبياء والأئمة والزهراء _ عليهم جميعا سلام الله، لما كان لهم فضل علي سائر الناس، ولما كان هناك معني للإقتداء بهم (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون) (الأنعام: 9) فعظمة هؤلاء وقيمتهم أنهم بشر وليسوا ملائكة ولكنهم بإرادتهم وقداستهم أرفع شأناً عند الله من الملائكة.. ولهذا علينا عندما نقدم الزهراء (عليها السلام) أو نقدم آل البيت (ع)، أن لا نقدمهم بطريقة توحي بأنهم ملائكة أو أنهم غيب من الغيب، لأننا وإن كنا نعتقد أن الغيب يمثل الأساس في عقيدتنا، ولكن إرادة الله قضت أن يكون المثل الأعلي للناس والهادي لهم من الضلالة من جنسهم (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا) (الإسراء/ 93) (هو ال_ذي بعث في الأميين رس_ولاً منهم) (الجمعه: 2)" [29] .

ومن خلال المقارنة بين هذين النصين نخرج بالنتيجة التالية:

أولاً:

إن الروح الذي أرسله الي مريم _ حسب النص _ في تأملات كان له دور التوجيه العملي لها، والتثبيت الروحي.. أي أنه يدلها علي الخطوات التي تقوم بها.. ويثبتها حين كانت تعاني من الضعف الإنساني في داخلها، بسبب المشكلة التي

طرأت عليها..

ولكن ذلك لا يعني أنه أرسل لزينب مثلا هذا الروح ليوجهها كيف تتصرف حين المحنة، أو يثبتها روحيا، وهي تعاني من الضعف في داخلها.. علي حد قول هذا البعض.

ولا يدل ذلك أيضاً علي أنه قد أرسل للزهراء أو لخديجة، أو لآسية هذا الروح ليفعل مثل ذلك..

وحيث إنه قد صرح في كلامه بأن تلك النسوة ليس فيهن أية خصوصية غير عادية إلا الظروف الطبيعية، ثم استثني مريم، بسبب المشكلة التي واجهتها، فذلك لا يعني أن ما حصل لمريم قد حصل لغيرها..

فقوله في النص الثاني:

"لم يكن في ذلك الكلام (الذي ورد في تأملات) إشعار بنفي كرامات الزهراء.."

صحيح، إذ إنه لم يكن فيه إشعار بذلك، بل كان فيه تصريح.. ومريم فقط هي التي حظيت بتوجيه الروح وتثبيته لها في وقت المحنة..

أما الزهراء، فبقيت، حالها كحال زينب، ليس فيها أية خصوصية غير عادية، ولا يوجد عناصر غيبية مميزة لها تخرجها عن مستوي المرأة العادي وكذلك حال خديجة وآسية.. وفقاً لأقاويل هذا البعض؟!

ثانياً:

قد عرفنا: أن وجود خصوصية غير عادية في شخص _ ككونه نوراً من الأنوار _ علي حد تعبير هذا البعض لا يخرجه عن كونه بشرا، ولا يجعله من الملائكة..

ثالثاً:

لقد قال في النص الثاني:

"علينا عندما نقدم الزهراء (ع)، أو نقدم آل البيت (ع) أن لا نقدمهم بطريقة توحي بأنهم ملائكة، أو أنهم غيب من الغيب، لأننا وإن كنا نعتقد: أن الغيب يمثل الأساس في عقيدتنا، ولكن إرادة الله قضت أن يكون المثل الأعلي للناس، والهادي لهم من الضلالة من جنسهم".

ويقابل هذا القول: قوله التالي:

"إن علينا أيضاً: أن نقدمهم علي أنهم بشر مميزون، ولهم ارتباط

بالغيب، وفيهم خصوصيات غير عادية جعلتهم أهلا لاصطفاء الله لهم، وأنهم نور من الأنوار، وأن مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب، وجد عندها رزقا.. وأن فاطمة كانت تحدث أمها في بطنها، وكان الملك ينزل عليها، وأن هناك عالما من الغيب في شخصيتها علي حد تعبير هذا البعض نفسه، ولا يجوز لنا أن ننكر وجود هذا الغيب في شخصيتها ولا أن ننكر أنها شخصية مميزة عن سائر ابناء جنسها، وأنها فوق مستوي المرأة العادي.. وأنها، وأنها.. إلخ".

الزهراء البنت الوحيدة لرسول الله
بداية

1 _ ليعلم القارئ الكريم: أننا قد نجد الكثير من الأمور التي سجلها البعض في كتبه غير منسجمة مع الحقيقة الإيمانية والإسلامية، أو العلمية، ولكننا نغض الطرف، ونتغاضي عن ذلك كله، لأننا نقر ونعترف بأننا غير قادرين علي استقصاء مقولاته، ولأننا لا نجد ضرورة لذلك.. ما دام أن المهم عندنا هو وضع القارئ في دائرة الحذر من أن يأخذ بمقولات هذا البعض من دون تمحيص..

2 _ كما أن درجة الخلل في ما يقدمه هذا البعض للناس: قد بلغت حدا جعلني لا أغالي إذا قلت: إنني كثيراً ما لا أحتاج إلي أكثر من فتح أي كتاب لأجد الخلل ماثلا أمامي فأبادر إلي تسجيل التحفظ عليه، من دون حاجة إلي بذل جهد كبير في التنقيب والإختيار.

3 _ بل إن جملة من عناوين هذا الكتاب المختلفة قد اختار أحد الأخوة لي مواردها من كتاب من وحي القرآن بصورة سريعة، لم يحتج معها إلي أكثر من تصفح سريع له.. مع أن هذا الأخ ليس عالما، ولا يحمل شهادات عالية، وإنما هو إنسان واع سليم الفطرة طاهر الذات مؤمن ملتزم، والملفت هنا: أن هذا الأخ لا يعمل في القطاع الثقافي، ولا يدعي

لنفسه شيئاً من العناوين في هذا الإتجاه.

بل هو عامل عادي يمارس لنفسه حرفة يعتاش منها هو وعائلته كأي إنسان صاحب حرفة نافعة في هذا المجتمع الواسع.

وهذا يعطي: أن إدراك خطأ مقولات هذا البعض لا يحتاج إلي التخصص في جامعات الشرق والغرب، فالمكابرة في أمر هذا البعض تصبح غير ذات قيمة، ولا مجال لتبريرها.

4 _ وبعد كل الذي تقدم.. نقول: إن بعض مقولات هذا الرجل إنما نذكرها لأجل أن نجعل القارئ يتلمس بنفسه كيف أن هذا البعض يسعي لوضع علامات استفهام، وإثارة شبهات، وتغيير الإعتقاد ليس فقط في أبسط الأمور بل وحتي في أمور لا يخطر علي بال أحد أنها تدخل في نطاق اهتمامات هذا البعض..

ولعل ما ذكرناه في هذا الكتاب يكفي لإعطاء القاريء التصور الحقيقي الذي يسعي إليه هذا البعض وما يؤسس له.

ولا أريد الإطالة علي القارئ الكريم، بل أترك له المجال لمتابعة أقاويل هذا البعض بعيداً عن أية انفعالات تبعده عن متابعة البحث بروح الإنصاف وبوجوب الابتعاد عن العناد، وعن التجني والاعتساف. فإلي ما يلي من صفحات:

بعض الناس (!!) يقولون: ليس للنبي بنات غير الزهراء.

ظاهر القرآن يؤكد أن للنبي عدة بنات.

لو كان للنبي بنت واحدة لم يخاطبه بالجمع "وبناتك".

يتحدث القرآن عن واقع لا عن أشياء فرض_ية.

مشهور المؤرخين يقول بتعدد بناته (ص).

سئل البعض:

هل صحيح أن الرسول (ص) كان لديه بنات غير السيدة الزهراء(ع) من السيدة خديجة (ع)؟

فأجاب:

"هناك خلاف حول هذا الأمر، هناك بعض الناس الذين يقولون أن ليس للرسول (ص) من البنات إلا الزهراء (ع)، وقد أشار إلي ذلك أحد كبار الشعراء أحمد شوقي حين قال:

ما تمني غيرها نسلا ومن

يلد الزهراء يزهد في سواها

لكن هناك رأيا آخر يقول: إن للرسول (صلي الله عليه وآله) أربع بنات: زينب زوجة أبي العاص، ورقية وأم كلثوم، يقال تزوجهما عثمان، والزهراء (عليها السلام)، وربما يؤكد هذا البعض قوله: إن الله تعالي تحدث مع النبي (صلي الله عليه وآله) عن بنات (قل لأزواجك وبناتك) (الأحزاب: 59) فهو لم يتحدث عن ابنة واحدة، وإنما تحدث عن بنات، مما يدل حسب رأي هذا الفريق بأن هناك أكثر من بنت لرسول الله (صلي الله عليه وآله)" [30] .

ثم إن هذا البعض قد بيّن في مورد آخر: أن هذا القول الأخير هو الأصح.. وهو الذي يتبناه.

فقد سئل:

قرأت للشيخ المفيد في "المسائل العكبرية" قوله إن بنات النبي (ص) أكثر من واحدة، وهن فاطمة، ورقية، وام كلثوم، فهل هذا محل وفاق أم يختلف فيه العلماء؟

فأجاب:

"إن ظاهر القرآن يؤكد ذلك (قل لإزواجك وبناتك) فلو لم يكن لديه إلا بنت واحدة فكيف يخاطبه القرآن بالجمع، فهو هنا يتحدث عن واقع لا عن أشياء فرضية، فظاهر القرآن يدل علي أن للنبي (ص) أكثر من بنت ومشهور المؤرخين كذلك وإن كان بعضهم يقول إنه ليس لديه بنات سوي الزهراء (ع)" [31] .

ثم هو يقول:

"ولكن.. هل كان للنبي (ص) بنات غير فاطمة (ع)؟

إن من المعلوم تاريخياً: أنه قد ولد لرسول الله (ص) عدة ذكور، لكنهم ماتوا صغارا. وأما البنات فمن المعلوم تاريخيا أيضاً، بل المشهور والمتسالم عليه بين محققي الفريقين ومؤرخيهم: انه كان للنبي (ص) من البنات: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وأنهن عشن، وتزوجن.

وإن ذهب شاذ من المعاصرين، تبعا لشاذ من المتقدمين إلي نفي كون هؤلاء من بنات النبي (ص)،

مدعيا أنهن ربائب له.

وهذا من أغرب الآراء، وأعجبها، كونه مخالفا لصريح القرآن الكريم في قوله تعالي: (يا أيها النبي، قل لأزواجك، وبناتك ونساء المؤمنين) (الأحزاب: 59) [32] .

وسئ_ل:

هل صحيح أن الرسول (ص) كان لديه بنات غير السيدة الزهراء (ع) من السيدة خديجة (ع)؟

فأجاب:

"المشهور: أن للرسول (ص) أربع بنات: زينب زوجة أبي العاص، ورقية، وأم كلثوم، يقال: تزوجتا من عثمان، والزهراء.

وإننا نلاحظ: أن الله تعالي تحدث مع النبي (ص) عن بنات (قل لأزواجك، وبناتك..) (الأحزاب: 59). فلم يتحدث عن ابنة واحدة، وإنما تحدث عن بنات، ما يدل علي أن هناك أكثر من بنت لرسول الله (ص)" [33] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن ما استدل به هذا البعض لا يمكن قبوله حيث إنه هو نفسه يصرح بأن القرآن إنما يتحدث عن العناوين العامة، ولا يدخل في التفاصيل.

وقد وجدنا: أن القرآن حين أثبت الولاية لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، قال:

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).. [34] .

وهذه الآية قد نزلت في خصوص أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حينما تصدق ب_خاتمه علي الفقير، وكان ذلك منه (عليه السلام) في حال ركوعه في صلاته، وقد ثبت ذلك بالروايات المعتبرة والصحيحة التي رواها ال_مسلمون في كتب تفاسيرهم، وفي م_جاميعهم ال_حديثية وغيرها..

وقد لاحظنا أنه سبحانه قد جاء بصيغة الجمع، فقال: (والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون..) ولم يقل الذي آمن وأقام الصلاة وآتي الزكاة وهو راكع مع أنه لا يقصد سوي فرد واحد بعينه، وخصوص واقعة معروفة ومحددة.

ولو صح ما ذكره هذا البعض لكان لا بد من القول: إن المقصود هو

أشخاص كثيرون، ولا ينحصر الأمر بعلي عليه السلام إلا أن يدعي أيضاً: أن هذه الآية لم تنزل في إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما ادعي أن آية: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) لم تنزل في الأئمة الإثني عشر.. وقد ذكرنا طائفة من الآيات التي دلّت النصوص المروية من طرق الشيعة، والسنة علي نزولها في علي، وأهل البيت (عليهم السلام)، لكن هذا البعض ينكر ذلك، فراجع ما ذكرناه في هذا الكتاب بفصوله المختلفة.

2 _ إن الله سبحانه في آية المباهلة يقول: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل: تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [35]

فقد قال: (ونساءنا) بصيغة الجمع، مع أن المقصود هو خصوص الزهراء (عليها السلام)، وهي فرد واحد. وقد دلت بالآية النصوص الكثيرة التي رواها السنة والشيعة علي أنها هي المقصودة..

ومن يدري فلربما يأتي الوقت الذي ينكر فيه هذا البعض حتي هذا الأمر أيضاً.. وإن غداً لناظره قريب.. كما أنه سبحانه قال: (وابناءنا) ويقصد بذلك الحسن والحسين _ عليهما السلام _ وهما اثنان فقط.

3 _ كما إنه تعالي يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) [36] والمقصود هم المعصومون منهم دون سواهم، من ذوي قرباه (ص).

4 _ وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) [37] ويقصد الخمسة أصحاب الكساء، دون كل من عداهم من أهل بيته(صلي الله عليه وآله) إذ لا شك في عدم دخول العباس وابنائه وعقيل وجعفر وو.. نعم إن هؤلاء جميعاً غير داخلين في المراد من الآية فضلاً عن نسائه صلي الله عليه وآله.

وأما

بالنسبة لبقية الأئمة الإثني عشر صلوات الله وسلامه عليهم فقد جاء في الروايات عن أهل بيت العصمة أنهم داخلون في المراد من الآية أيضاً.

5 _ فقوله تعالي: (وبناتك) أيضاً يقصد به خصوص الزهراء (عليها السلام) إذ قد دل الدليل علي عدم وجود بنات للنبي (صلي الله عليه وآله) سواها.

وقد ذكرنا طائفة من هذه الأدلة في كتابنا (بنات النبي(ص) أم ربائبه).

ومن هذه الأدلة

1 _ النصوص التي ذكرت: أن ابناء رسول الله (ص) ومنهم فاطمة (ع) قد ولدوا بعد البعثة [38] .

2 _ إن سورة الكوثر قد نزلت بعد موت ابناء رسول الله (ص)، وقول العاص وغيره: قد انقطع نسله، فهو أبتر، فمات القاسم أولا، ثم مات عبد الله [39] وحين مات القاسم كان عمره سنتين، وهو أكبر ولده، وقيل عاش حتي مشي [40] .

وقد مات القاسم بعد النبوة كما تدل عليه الأحاديث والنصوص [41] .

وكانت فاطمة (ع) هي آخر من ولد لرسول الله (ص) [42] .

وذلك كله يدل علي أنه لم يكن له (صلي الله عليه وآله) بنات تزوجن في الجاهلية بابناء أبي لهب ثم طلقوهن، ثم لما بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) تزوجت إحداهن من عثمان، وهاجرت معه في السنة الخامسة إلي الحبشة.

3 _ ان هناك أقوالا في تاريخ زواج خديجة برسول الله، لا يمكن معها القول بأنها قد ولدت له بنات وكبرن، وتزوجت اثنتان منهن بابني أبي لهب، ثم لما بعث (ص)، طلقتا منهما، وتزوجتا بعثمان..

حيث قيل: إن خديجة عليها السلام قد تزوجت برسول الله (ص) قبل البعثة بخمس سنين [43] .

وقيل: قبلها بثلاث سنين [44] .

4 _ إن إحدي هاتين البنتين هي

أم كلثوم _ التي يدعون أنها بعد أن طلقت من ابن أبي لهب _ قبل الدخول _!! بقيت عزباء إلي أن تزوجها عثمان أيضاً بعد موت أختها بعد الهجرة بمدة.

والملفت: أننا لا نجد لها ذكرا في جملة النساء اللواتي هاجرن مع علي، بوصية من رسول الله (ص).. بل ذكرت الفواطم، وأم أيمن، وجماعة من ضعفاء المؤمنين [45] .

5 _ وهناك رواية ذكرها أبو القاسم الكوفي مفادها: أن زينب ورقية كانتا بنتين لزوج أخت خديجة من امرأة أخري، فمات التميمي وزوجته، وبقيت الطفلتان، فضمتهما خديجة إليها، فهما ربيبتا خديجة ورسول الله (ص) [46] .

6 _ ذكر ابن شهر آشوب: أن زينب ورقية كانتا (ابنتي هالة أخت خديجة) كما في كتابي الأنوار والبدع [47] .

وقال ابن شهر آشوب أيضاً: (.. وفي الأنوار، والكشف واللمع، وكتاب البلاذري: أن زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش) [48] .

7 _ علي أن من يدعي: أن للنبي بنات غير فاطمة فإنما يقول: إنهن بناته(ص) من خديجة.. مع أن خديجة حسبما تؤيده الشواهد والأدلة قد تزوجها رسول الله (ص) بكرا، ولم تكن قد تزوجت من أحد قبله (ص).

ويدل علي ذلك عدة أمور:

ألف: تناقض الروايات حول هذا الزوج المزعوم، وتاريخ هذا الزواج، وكم ولدت؟ ومن ولدت له [49] .

ب _ إن التي تمتنع من الزواج بأشراف قريش، لا تتزوج أعرابياً من بني تميم، ولو فعلت ذلك لعيرت به [50] . وهذا البعض قد استدل بتعيير العرب علي نفي ضرب الزهراء، المتواتر تاريخياً، فلماذا لا يستدل به علي نفي تزوج خديجة من أعرابي.

ج _ قال ابن شهر آشوب: روي أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما،

والمرتضي في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي (ص) تزوج بها، وكانت عذراء.

يؤكد ذلك، ما ذكره في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة، أخت خديجة [51] .

8 _ قد روي عن أبي الحمراء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله:

(ياعلي أوتيت ثلاثا، لم يؤتهن أحد ولا أنا أوتيت صهرا مثلي، ولم أؤت أنا مثلي.

وأوتيت صديقة مثل ابنتي، ولم أوت مثلها (زوجة).

وأوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني، وأنا منكم) [52] .

وقريب منه ما روي عن أبي ذر، مرفوعاً [53] .

فلو كان ثمة من صاهر رسول الله غير علي، لم يصح قوله (ص): (أوتيت صهرا مثلي، ولم أوت أنا مثلي..) لا سيما وأن هذا الكلام قد جاء بعد ولادة الحسنين عليهما السلام.

9 _ وفي صحيح البخاري: أن رجلاً حاول أن يسجل إدانة لعثمان ولعلي علي حد سواء، فتصدي لابن عمر يحرضه علي الخروج كما خرج غيره، فرفض.. فطلب منه أن يخرج ليصلح بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا.. فيقاتل التي تبغي.. وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة، فرفض أيضاً.

فقال له: فما قولك في علي وعثمان..؟

قال: أما عثمان فكان الله قد عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه.

أما علي، فابن عم رسول الله (ص) وختنه، وأشار بيده، فقال: وهذا بيته حيث ترون [54] .

فنلاحظ: أن دفاع ابن عمر عن عثمان، قد اقتصر علي أنه حين فر يوم أحد قد عفا الله عنه، لكن الخارجين عليه لم يعفوا عنه، بل قتلوه..

ولم يذكر أنه صهر رسول الله، أو نحو ذلك..

أما بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام فقد وصفه بأنه

ابن عم رسول الله، وصهره وكون بيته ضمن بيوت رسول الله (صلي الله عليه وآله)..

فلو كان عثمان صهرا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) لكان علي ابن عمر أن يستدل به أيضاً، كما استدل به بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه بصدد الإستدلال بكل ما يساعد علي دفع التهمة عن عثمان.. فلا معني لترك الإستدلال القوي الدال علي ثقة رسول الله به، والتمسك بدليل ضعيف وسخيف.

لأن العفو عن الفارين يوم أحد كان مشروطا بالتوبة.. وهذا إنما يشمل الذين عادوا مباشرة بمجرد معرفتهم بسلامة رسول الله، لا بالنسبة لمن لم يعد من فراره إلا بعد ثلاثة أيام.

ولو سلمنا أن الله قد عفا عنه.. فلا يلزم من ذلك لزوم عفو الناس عنه أيضاً، بعد أحداثه التي ارتكبها بحقهم.

بل إن عفو الله سبحانه في أحد بهدف التأليف والتقوية في مقابل العدو، لا يلزم منه عفوه عنه بعد ذلك إذا كان قد ارتكب في حق المسلمين ما يوجب العقاب فضلاً عن أن يوجب ذلك عفو الناس.

10 _ وأخيراً.. فإننا نلفت النظر إلي أن هذا البعض قد اعترف بأن خطبة الزهراء في المهاجرين والأنصار موثوقة وهو بنفسه أيضاً قد شرح هذه الخطبة، وقد جاء فيها إشارة إلي حقيقة أن الزهراء كانت هي البنت الوحيدة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث قالت (عليها السلام): (فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه).

ولو كانت زوجتا عثمان ابنتين لرسول الله (ص) لكان عثمان اعترض، وقال: إن رسول الله كان ابا لزوجتيّ رقية وأم كلثوم، وكذلك كان زوج زينب..

والغريب أن هذا البعض يعلق علي هذه الفقرة بقوله:

"تجدوه أبي

دون نسائكم فأنا ابنته الوحيدة، ولم تقتصر علي الحديث عن نفسها إلخ.." [55] .

وقال:

"قد قلنا: إن لرسول الله عدة بنات، كما هو وارد في كتب التاريخ، وكما يظهر من القرآن، لكنه ميز ابنته فاطمة (ع) عن أخواتها" [56] .

ونقول:

إن ذلك لا يصحح قولها: (كان أبي دون نسائكم..) لأنها في مقام إثبات الفضل والتميز..

وفي الختام نقول:

إنه قد يكون ثمة بنات قد ولدن لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وسماهن زينب ورقية وأم كلثوم، لكنهن متن وهن صغار.

حتي وصفه العاص بالأبتر ونزلت سورة الكوثر.. وصدق الله سبحانه له وعده وولدت الزهراء، وأعطاه الكوثر، هذا بالإضافة إلي وجود ربيبات له (صلي الله عليه وآله) اسمهن أيضاً زينب ورقية وأم كلثوم. ثم تزوج عثمان باثنتين من تلك الربائب وتزوج أبو العاص بن الربيع بالثالثة، غير أن ما يلفت نظرنا هو أن هذا البعض يصر علي وجود بنات أخريات لرسول الله (ص) سوي الزهراء (ع)؟!

فهل إن ذلك يدخل في نطاق الغيرة علي الحقيقة التاريخية؟!. خصوصا تلك التي تؤدي إلي إسداء خدمة لعثمان بن عفان، حيث ينال بذلك فضيلة جليلة، تفيده في تأكيد صلاحيته لمقام خلافة النبوة، ودفع غائلة الحديث عن اغتصابه هذا الموقع من صاحبه الحقيقي، وفقا للنص الثابت بالأدلة القطعية، والبراهين الساطعة والجلية؟!

ويزيد تعجبنا حين نعرف أن هذا البعض يشترط اليقين في الأمور التاريخية، وبديهي أن مجرد وجود ظاهر لفظي لا يفيد اليقين. كما أن الشهرة بين المؤرخين لا تفيده.. ولا ندري كيف يشترط ذلك الشرط، ويستدل بهذه الأدلة؟!!!.

التشكيك في فضائل الزهراء و إنكارها
بداية

لقد دأب هذا البعض علي إثارة الشبهات حول الكثير من فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والزهراء أيضاً(عليها السلام).. كما يثير

الشبهات حول كثير من كرامات الأنبياء ومقاماتهم، وما تفضل الله سبحانه به عليهم..

ونحن نشير هنا الي بعض من ذلك، مع الالتزام بعدم التعدي عن ما ذكره حول سيدة النساء الصديقة الطاهرة _ صلوات الله وسلامه عليها _ حيث سنكتفي ببعض ما قاله عنها، لأن هذا القسم مخصص لإعطاء لمحة عن مقولاته فيها، من دون أن يكون هدفنا استقصاء ذلك..

فنقول:

تفضيل فاطمة علي مريم سخافة.

تفضيل الزهراء علي مريم تخلف ورجعية.

تفضيل فاطمة علي مريم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.

تفضيل فاطمة علي مريم ترف فكري.

لا خلاف بين فاطمة ومريم، فلماذا نختلف نحن..

يجيب البعض علي سؤال:

أيهما أفضل فاطمة بنت محمد (ص)، أم مريم بنت عمران؟

فيقول:

"هذا علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله، بل هو مجرد ترف فكري".

ويقول مرة أخري:

"هو سخافة، ورجعية، وتخلف".

ويقول:

"إذا كان لا خلاف بين مريم، وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك، لفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك".

ونحن نقول:

1 _ إن النبي نفسه (صلي الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) هم الذين تحدثوا عن فضل فاطمة علي نساء العالمين، وعن أنها سيدة نساء العالمين جميعا، أما مريم فإنها سيدة نساء عالمها.

ولا يمكن أن تكون أقوال النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).. في جملة العلوم التي لا ينفع علمها، ولا يضر جهلها.. فإن همهم صلوات الله وسلامه عليهم هو هداية الناس، ودلالتهم علي كل ما يقربهم من الجنة، ويبعدهم عن النار.. وليسوا بالذين يمارسون الثرثرة غير المفيده أبدا..

2 _ إن ما يصدر عن النبي وعن أهل بيته

الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لا يجوز أبدا أن يوصف بالرجعية وبالتخلف والسخافة، والكل يعلم حكم من يصف المعصومين بأمثال هذه الاوصاف!!:

3 _ وهل قول الله تعالي لمريم (إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين) هو الآخر من الترف الفكري، أو أنه من مفردات الرجعية والتخلف؟!

4 _ إن معرفة الأفضل: مريم أم فاطمة، لا يعني وجود اختلاف فيما بين الناس الي درجة يحتاج معها الي حله، أو الي تجنبه، أو الي القيام بعملية مصالحة أو تهدئة.. فإن هذا النوع من الإختلاف لا يحتاج الي أكثر من بيان الحقيقة، وإزالة الجهل بمقام أولياء الله وأصفيائه.

5 _ إن هذا العلم ينفع من علمه بالتأكيد، لأنه يزيده معرفة بالأسوة والقدوة، ويزيده تعلقا بها، وحباً لها، واهتماما بالتواجد في مواقع رضاها، وتجنب كل ما يسخطها، خصوصا إذا كانت شاهدة علي الناس حسبما أقر به هذا البعض..

وهذه المعرفة تزيد في رسوخ الإيمان، وتعميق الارتباط بالزهراء القدوة، ويعرفنا ذلك بمدي سوء وقبح بشاعة وفظاعة الإجرام الذي ارتكبه الظالمون في حقها.

6 _ واللافت: أن ابن تيمية لم يزل يؤكد في كتابه "منهاج السنة" علي مقولة: أن لاداعي للاختلاف فيما بيننا فقد مات علي عليه السلام ومات أبو بكر وعمر، وأصبحوا في ذمة التاريخ. وهذه المقولة بالذات لم يزل هذا البعض يرددها في أجوبته المكتوبة وغيرها، وتجد في هذا الكتاب بعضاً من ذلك.

لا حاجة فيما يفيض التاريخ فيه حول زواج الزهراء.

لا حاجة لنا فيما يذكر من جوانب غيبية واحتفالات السماء في ذلك الزواج.

ماذا ينفع أو يضر أن نعلم أن الزهراء نور أو ليست بنور.

ليس في التاريخ ما يشير الي نشاط اجتماعي إلا

في رواية أو روايتين.

يقول البعض:

"إن التاريخ يفيض فيما لا حاجة لنا فيه في مسألة زواج الزهراء (عليها السلام)، والجوانب الغيبية في ذلك الزواج، فيما تحتفل به السماء، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الأمر".

كما أن هذا البعض يتحفظ علي الحديث الذي يقول بوجود عناصر غيبية أو خصوصيات غير عادية في شخصية الزهراء (عليها السلام).

"وماذا ينفع أو يضر _ علي حد تعبيره _ أن نعرف أو نجهل، أن الزهراء (ع) نور أو ليست نوراً؟ فإن هذا علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله" [57] .

ويقول:

"المفارقة: أننا نجد التاريخ قد افاض فيما لا يرتبط بالناحية العملية من حياتها، مثل قضية احتفالات السماء في قصة زواجها" [58] .

وهذه هي نفس العبارة السابقة، لكن أجريت عليها تعديلات، بهدف التخفيف من حدة ردة الفعل.

ويقول:

"لا نجد في التاريخ ما يشير الي نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين.." [59] .

وقفة قصيرة

ونقول إننا نسجل علي ما تقدم ما يلي:

1 _ إنه لا يصح تسخيف أمور غيبية، والتقليل من أهميتها بهذه الطريقة، ما دام أن النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) هم الذين تصدوا لبيانها، أو يحتمل ذلك علي الأقل..

فإن كل ما قاله الأئمة المعصومون والأنبياء المكرمون لنا أو يحتمل أنهم قالوه، لا يمكن تسخيفه، أو التقليل من أهميته لا بهذه الطريقة، ولا بغيرها..

خصوصاً، وأن فتح هذا الباب سيؤدي الي انحسار الثقافة الغيبية، فيما يرتبط بالله سبحانه، وبمعرفة أنبيائه، وأوليائه وأصفيائه، وبكثير من حقائق الدين والإيمان.

ولسوف يؤثر ذلك بطريقة أو بأخري في إضعاف الارتباط بهذه المواقع الإيمانية، ويضعف من ثم

حوافز كثيرة ذات مناح مختلفة تؤثر في السلوك وفي المواقف، وفي مستوي وعي الحقائق الإيمانية بصورة عامة.

والخلاصة:

إن النصوص التي تتحدث عن زواج السيدة الزهراء، وعن جوانبه الغيبية، وعن احتفالات السماء بزواجها وعن خصوصيات غير عادية في شخصيتها، وعن أنها (عليها السلام) كانت نوراً معلقاً في ساق العرش أو نوراً محدقاً بالعرش قبل خلق الخلق، وغير ذلك.. هي من العلوم التي تنفع من يعلمها، ويضر جهلها من جهلها، ولولا ذلك لم يبادر المعصوم الذي لا ينطق عن الهوي الي تعليمنا إياها.. فإنه ليس بالذي يلعب معنا في مثل هذه الأمور، ولا في غيرها.

2 _ إن النصوص التي تتحدث عن امتياز الزهراء بأمور ليست لسواها هي من الكثرة بحيث تثبت هذا الامتياز لها عليها السلام _ حتي ليكون إنكار ذلك جريمة كبيرة في مستوي إنكار حقيقة جاء بها رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ومهما يكن من أمر، فإن كل هذه الغيوب المرتبطة بالزهراء (عليها السلام) هي كغيرها من مفردات الغيب الكثيرة، جزء من هذا الدين، ولها دورها وأهميتها البالغة في صياغة الشخصية الإيمانية، والإنسانية، والرسالية بما لها من خصائص تتبلور من خلالها الشخصية الإسلامية الحقيقية..

وللمزيد من التوضيح راجع كتاب مأساة الزهراء ج1 ص85/92 فقد ضمّناه بحثا حول الإيمان بالغيب، يحسن الرجوع اليه، والوقوف عليه.

عدم العادة الشهرية للزهراء حالة مرضية.

عدم العادة نقص في الأنوثة، وفي شخصيتها كامرأة.

عدم العادة ليس فض_يلة ولا كرامة للزهراء.

القول بعدم العادة من السخافات.

ويقول أيضاً:

"إن عدم رؤية السيدة الزهراء للعادة الشهرية يعتبر حالة مرضية تحتاج الي العلاج، أو هي علي الأقل نقص في أنوثتها، وفي شخصيتها كامرأة، ولا يمكن عد ذلك من كراماتها وفضائلها،

وكذا الحال بالنسبة لدم النفاس".

بل يصف هذا البعض:

"القول بتنزه الزهراء عن الطمث والنفاس بأنه من السخافات".

وقفة قصيرة

1 _ لقد تحدثنا في "كتاب مأساة الزهراء(ع)" عن هذا الأمر، وذكرنا أربعة وعشرين حديثاً مروياً في كتب الشيعة أو السنة أو هما معا، تثبت كلها: أن الزهراء (عليها السلام) من_زهة عن هذا الأمر، فمن أرادها فليراجعها.

2 _ إن الآية الشريفة قد قررت: ان المحيض للمرأة هو من جملة الأذي، واعتبرته بعض الروايات اعتلالاً.

كما أن بعض الروايات اعتبرت هذا التنزه من مفردات الطهارة.

وقالت روايات أخري: إن ذلك من خصوصيات بنات الأنبياء.

3 _ وبعد، فإن من يكون مسلّما لأقوال رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) لا يمكن أن يعتبر القول بتنزيه الزهراء عن الحيض والنفاس من السخف، بل عليه أن يقبل بذلك، ويسلم به، وإن لم يدرك عقله السبب في ذلك.. ولا يمكن أن يكون شيء مما يقوله المعصوم سخيفا، أو خاطئا أو غير مفيد لمن علمه.

4 _ إنه قد يحدث لبعض النساء أن لا تري دم نفاس ولا حيض أبدا، أو أنها تري منه الشيء اليسير، ولا يعد ذلك نقصا في أنوثتها، ولا في شخصيتها كامرأة..

بل نجد ذلك يقع موقع الاستحسان والغبطة من مثيلاتها ورفيقاتها.

5 _ إن حالة الحيض والنفاس حدث يقعد المرأة عن الصلاة، وعن الصوم، وعن دخول المساجد، وذلك يحجزها عن أن تعيش الأجواء الروحية بكل حيويتها وصفائها وقوتها..

6 _ إن الله قادر علي أن يخلق المرأة التي لا تحيض دون أن ينقص ذلك من أنوثتها، ودون أن يغير في طبيعتها.

7 _ وبعدما تقدم، فإن اختصاص السيدة الزهراء (عليها السلام) بهذه الخصوصية تمييزا

لها عمن سواها، يعتبر تكريما وتشريفا لها، واهتماما بها، فهو إذن كرامة لها منه تعالي، وفضل لها علي من سواها.

8 _ وأخيراً.. فإن اعتبار عدم الطمث في المرأة نقصاً إنما هو من جهة ما يصاحبه من العقم وعدم القدرة علي الإنجاب، وأما إذا قدّر الله لامرأة _ كالزهراء (ع) _ أن تتنزه عن الطمث مع كمال القدرة علي الإنجاب، خصوصاً انجاب أولاد كالحسنين وزينب عليهم السلام جميعاً فإن ذلك يكون الغاية في كمال المرأة وطهارتها وسلامتها.

الجرأة علي مقام الزهراء و أبيها
بداية

اننا نذكر في هذا الفصل مفردات من مقولات البعض، التي تضمنت جرأة صريحة علي مقام الصديقة الطاهرة المعصومة، والشهيدة المظلومة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وعلي أبيها، وعلي بعلها وبنيها..

ولا ندري كيف سيبرر ذلك، وبماذا سيجيب رسول الله _ صلي الله عليه وآله وسلم _ وأمير المؤمنين عليه السلام حين يسألانه عن ذلك يوم القيامة.

ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك..

بل ننقل القارئ إلي الصفحات التالية ليجد فيها بعضاً من مقولاته تلك.

فنقول:

النبي (ص) يحرك فاطمة الزهراء (ع) برجله.

الزهراء (ع) تحتاج إلي من يوقظها للصلاة.

لعل الزهراء كانت تجهل بوجوب الاستيقاظ للصلاة.

لا يوجد بروتوكول بين النبي (ص) وابنته (ع).

وفي خطبة له عامة سمعها القاصي والداني بثتها إذاعة محلية تابعة له ذكر هذا البعض رواية يرويها أهل السنة في كتبهم _ كالسيوطي _ تقول:

"إن النبي (ص) قد حرك فاطمة الزهراء عليها صلوات الله وسلامه برجله، وهو يوقظها لصلاة الصبح، وقال لها: قومي يابنية لا تكوني من الغافلين، ولكي تنالي شفاعة الأنبياء".

وحين ضجت الساحة بالإعتراض عليه: أنه كيف يورد ذلك في محاضراته وعبر الإذاعات، وهو يتضمن الحط من مقام الزهراء المعصومة..

وطولب بذلك، أصر علي موقفه، واستدل علي صحته بأمرين:

أحدهما: إنه لا يوجد بروتوكول بين النبي (ص) وابنته عليها السلام.

الثاني: ان هناك حديث صعود الحسنين (عليهما السلام) وهما طفلان علي ظهر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال لهما (صلي الله عليه وآله): نعم الجمل جملكما، ونعم الراكبان أنتما.

والأغرب من ذلك: أن أحد اللبنانيين الذين يسكنون في قطر اعترض عليه بأنه كيف يصح أن تنام الزهراء عن الصلاة، وهي المرأة المعصومة؟!

فأجابه ذلك البعض بقوله:

"لعلها لم تكن تعرف هذا الحكم الشرعي، فأراد النبي (ص) أن يعلمها إياه".

وهذه القضية مما شاع وذاع عنه _ خصوصا الشريط الذي يسجل حوار هذا البعض مع ذلك الذي يسكن في قطر [60] ويقال إن اسمه هو ابو تراب.

وقفة قصيرة

ونقول: إن هذا الكلام خطير جداً، لم نكن نظن أن يصدر عن أحد من الناس.. ولا نري أنه يحتاج إلي تعليق، غير أننا نعيد إلي ذهن القارئ الأمور التالية:

1 _ إن هذا البعض يقول: "إن العصمة إجبارية"، فكيف نتصور المعصوم بالإجبار ينام عن صلاته.. أو يمكن أن يكون من الغافلين. ألا يستبطن ذلك نسبة العجز إلي الله سبحانه عن أن يجبر عبده علي التزام خط الطاعة؟!!

2 _ كيف نتصور الزهراء (عليها السلام) التي يرضي الله لرضاها، ويغضب لغضبها والتي لولا وجود علي (عليه السلام) لم يكن لها كفؤ: آدم (عليه السلام) فمن دونه. وكانت تحدث أمها وهي في بطنها، وكانت نوراً محدقاً بالعرش، كيف نتصورها علي غاية الجهل بأبسط الأحكام الشرعية وهو لزوم الإستيقاظ لصلاة الصبح؟!..

وهو الحكم الذي يعرفه حتي الأطفال الصغار، فضلاً عن الكبار، فكيف بالمعصومين المكرمين، المنتجبين؟! والمصطفين الأخيار؟!

3 _ إن سيرة

النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله) مع سيدة نساء العالمين صلوات الله وسلامه عليها هي علي خلاف ذلك تماما، فقد كان (صلي الله عليه وآله) يعاملها بمنتهي التبجيل، والتعظيم والإكرام والاحترام.. حتي لقد روي: (أنه كان إذا دخلت عليه رحب بها، وقبل يديها، وأجلسها في مجلسه) [61] .

4 _ إن الله سبحانه قد جعل للمؤمن حقوقا، ورسول الله (صلي الله عليه وآله) كان أولي الناس برعاية هذه الحقوق، والزهراء عليها سلام الله هي القمة في الإيمان، فكيف ننسب إلي النبي (صلي الله عليه وآله): أنه قد ضيع حقوقها..

وقد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: (لأخيك عليك مثل الذي لك عليه).

وعنه (عليه السلام): (لا تضيعن حق أخيك اتكالا علي ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه) [62] .

5 _ صحيح أنه لا يوجد بروتوكول بين الأب وابنته.. ولكن ذلك معناه رفع الكلفة فيما بينهما، وليس معناه جواز إهانة أحدهما للآخر، وليس معناه أيضاً تضييع حقوق الآخر..

الا أن يقول لنا هذا البعض: إنه قد ادعي ان سورة عبس وتولي قد نزلت في رسول الله (ص).. والعياذ بالله، فمن عبس في وجه الفقير، ويتولي عنه، ويتلهي بما لا يجدي استنكافاً عن الحديث معه.. نعم، إن من يفعل ذلك، فهو جدير بأن يتصرف مثل هذا التصرف هنا، نعوذ بالله من مقولات كهذه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

6 _ أما بالنسبة للحديث: نعم الجمل جملكما، أو نعم المطي مطيكما، ونعم الراكبان أنتما، أو نعم العدلان أنتما، أو نعم الفارسان أنتما [63] علي اختلاف التعابير.. فلا يصح أن تبرر به هذه المقولة، إذ إن ملاعبة النبي لابنيه جارية وفق السنة، وهو

أمر محبوب، ومطلوب لله، حتي لقد روي: (من كان عنده صبي فليتصابَ له) [64] .

فلا يقاس عليه ما يكون علي سبيل الجد، ويدخل في سياق التعامل الجدي مع شخصية الإنسان الآخر. فلا يحق لأحد أن يحقر إنسانا في تعامله معه، ولا أن يهينه في مقام تسجيل الموقف تجاه شخصيته وكيانه، كما هو الحال في هذه القصة المزعومة.

أما حيث يكون التعامل ليس تعاملا مع شخص الطرف الآخر، بل يكون مشاركة في إنجاز الواجب فلا يكون للتصرف أي ارتباط بالشخص. فإن الأمر يتجاوز ذلك إلي حد أن نجد النبي (صلي الله عليه وآله) قد أصعد عليا علي كتفيه ليحطم الأصنام المعلقة علي الكعبة، وليس في ذلك أية إهانة لرسول الله (صلي الله عليه وآله). ما دام أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو الذي أمره بذلك، وما دام أن ذلك يأتي في سياق التعاون علي إنجاز الواجب، وتحقيق الأهداف الإلهية في عز الإسلام وإذلال الشرك، والجهاد في سبيل الله.

و خلاصة ما تقدم

إنه مرة يكون ذلك في مقام الإعزاز والمحبة، كما في ملاعبة النبي (صلي الله عليه وآله) لابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)..

ومرة يكون ذلك في مقام التعاون علي إنجاز الواجب، كما في تعاون النبي (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) في إسقاط الأصنام، وصعود علي عليه السلام علي كتف رسول الله (صلي الله عليه وآله)..

ومرة يكون ذلك في مقام التعامل الطبيعي مع الشخص وتحريكه برجله فيه تعدٍ علي شخصية الطرف الآخر بالإضافة إلي ما يتضمنه من اتهام له بالجهل أو الغفلة، أو بعدم المعرفة بالتكليف، والأحكام الشرعية البديهية.

غير أننا نحتمل أن يكون في الرواية بعض التحريف، بأن يكون النص هكذا: حركها برجلها..

بملاحظة أن الإيقاظ من النوم إذا كان بواسطة تحريك رجل النائم فإنه ينتبه من نومه بصورة طبيعية وهادئة وبدون ذلك فإنه ينتبه مرعوباً.. وعلي هذا المعني يحمل ما روي بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: انتهي رسول الله (ص) إلي أمير المؤمنين وهو نائم في المسجد، قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحركه برجله، ثم قال: قم يا دابة الله..الخ.. [65] .

وروي أيضاً عن أبي سعيد الخدري في حديث جاء فيه: "..فلما قضي رسول الله المغرب مر بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأول فغمزه برجله، فقام علي متعقباً خلف رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي لحقه الخ.. [66] .

فان المراد كما هو الظاهر: أنه (ص) قد حرك رجل علي (ع)، في الأولي، وغمز رجل علي (ع) في الثانية. ولا أقل من أن ذلك محتمل ولا يستلزم شيئاً مما قلناه.

خرافة: تحريك النبي لعلي بقدمه

وبعد، فقد يتوهم متوهم، أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد حرك عليا وعمارا برجله، وذلك في غزوة العشيرة، وذلك في حديث تكنية النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي بأبي تراب..

وملخص ما ذكروه هنا:

أن عمار بن ياسر يروي: أنه ذهب هو وعلي عليه السلام إلي نفر من بني مدلج، ينظران إلي كيفية عملهم في عين لهم، فأخذهما النوم، قال عمار: فوالله ما أهبنا إلا ورسول الله (ص) يحركنا بقدمه، فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله (ص) لعلي: يا أبا تراب [67] .

ونقول:

أولاً:

إن هذا الحديث حسبما يظهر من المصادر التي ذكرناها في الهامش مروي عن أهل

السنة..

وحتي لو رواه الشيعة، فإننا لا يمكن أن نقبل ما ذكر فيه من أمور تنافي عقيدتنا برسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث ذكر: أن النبي (صلي الله عليه وآله) قد حرك عليا (عليه السلام) أو حتي عماراً _ رحمه الله _ برجله.

فان ذلك ليس فقط يمثل إساءة لعلي (ع)، بل هو أيضاً يمثل اتهاماً صريحاً للرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) بأنه والعياذ بالله لا يلتزم قواعد الأدب الإلهي والإنساني في تعامله مع الناس..

أعاذنا الله من الزلل في القول، وفي العمل، إنه سميع مجيب.

ولأجل ذلك، فإنه لا يصح الاعتذار عن هذا الأمر، بأن النبي (صلي الله عليه وآله) إنما حرك عماراً برجله، وليس علياً..

إذ قد كان لعمار أيضاً حقوق لا بد من مراعاتها، ولا معني للتفريط بها، كما أن النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهو المطهر المعصوم المبعوث بمكارم الأخلاق، لم يكن ليرتكب أمرا من هذا القبيل يتنافي مع أبسط الآداب والأخلاق الإنسانية.

إلا إذا التزمنا هنا بوجود تحريف في الرواية، وأن الصحيح هو حركنا بقدمنا.

ثانياً:

إن المراجع للروايات التاريخية، ولغيرها يجد أن هناك أمورا، وأحداثا ووقائع، وأقوالاً لرسول الله لا يمكن للمؤرخين والمحدثين تجاهلها أو إهمالها، ولكنها لو نقلت للناس علي وجهها الصحيح، لألزمتهم بمواقف وأساليب عمل، واعتقادات وارتباطات، وما إلي ذلك.. تختلف تماما عما يمارسونه بالفعل، ولتبدلت مفاهيم، وتغيرت هياكل وأطر فكرية كثيرة..

فكان أن مارس الذين يهمهم توجيه الناس في اتجاهات معينة، في نقلهم لذلك كله نوعا من التصرفات في نقل الحدث، تحفظ لهم مسارهم الذي وضعوا أنفسهم فيه، من جهة، وتسجل ما يحرجهم تجاهله وإهماله، وتخرجهم من دائرة الإحراج التي يجدون

أنفسهم فيها..

وقضية تكنية علي عليه السلام ب_ (أبي تراب) قد تكون من هذا القبيل، فإنها مما لا يمكنهم تجاهله، بعد أن شاعت وذاعت إلي درجة أن أعداء علي كبني أمية كانوا يعيرون أمير المؤمنين (عليه السلام) بها.

فنقلوها للناس بأشكال ثلاثة مختلفة، سعوا فيها جميعاً، وبدون استثناء إلي إدخال إضافات، تبطل مفعولها الذي توخاه رسول الله صلي الله عليه وآله منها.. وتخرجهم من دائرة الإحراج لو أنهم تجاهلوها.

ونحن نشرح هذه الأشكال الثلاثة هنا، مع بعض التوضيح لها فنقول:

النقل الأول:

انه (ص) كناه بهذه الكنية، حيث كان إذا عتب علي السيدة الزهراء وضع علي رأسه التراب.. أو أنه كان قد غاضبها (عليها السلام)، وخرج إلي المسجد فنام علي التراب، فبحث عنه النبي (ص) فوجده، فخاطبه بهذا الخطاب [68] .

وذلك لا يصح لما يلي:

ألف _ إن عليا عليه السلام يقول: (فوالله، ما أغضبتها، ولا أكرهتها علي أمر حتي قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان) [69] .

ب _ قالت فاطمة لعلي: (ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني) فصدقها علي عليه السلام في ذلك [70] .

ج _ إن عليا يعرف قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): (من آذي فاطمة فقد آذاني) [71] ، ونحو ذلك، وهو عليه السلام المطهر، الذي كان مع الحق وكان الحق معه، وهو قسيم الجنة والنار، فهل يعقل والحالة هذه أن يقدم علي مغاضبة فاطمة (عليها السلام)؟!.

د _ ولماذا كان يضع علي رأسه التراب، إذا عتب علي فاطمة، ألا يشبه فعله هذا لعب الأطفال؟!

النقل الثاني:

إنه (ص) قد كناه بذلك

حين المؤاخاة، حيث إنه (ع) حين رأي أنه (ص) لم يؤاخ بينه وبين أحد اشتد عليه ذلك، وخرج إلي المسجد، ونام علي التراب، فلحقه (ص)، وخاطبه بأبي تراب ثم آخي بينه وبين نفسه(ص) [72] .

ونقول:

إن من الواضح: أن عليا (ع) لم يكن لينزعج من أمر صنعه رسول الله (ص).. الذي يعلم أنه لا ينطق عن الهوي ولم يكن يجهل مكانته عنده، ولا موقعه في الإسلام، وقد كان راضياً بكل ما رضيه الله ورسوله له..

ولعل الهدف من اختراع هذه الصورة هو: إظهار الخلل في سلوكه عليه السلام، وأن هذا اللقب وكذلك مؤاخاة رسول الله (ص) له، إنما كانت بهدف إرضائه، وإزالة الضيق الذي لحق به.. إذن.. فهو لا يشير إلي مقامه السامي، ولا يعبر عن إعظام الجلال له. بقدر ما هو استجابة إنسانية تهدف إلي إرضائه، وإزالة ما في نفسه.

النقل الثالث:

هو القصة المتقدمة التي تقول: ان التكنية له بأبي تراب قد كانت في غزوة العشيرة.

وقد تضمنت هي الأخري تلك الإساءة لمقام رسول الله (ص) حسبما أوضحناه فيما سبق..

فلا حاجة إلي الإعادة..

التعامل مع أخبار كهذه

وبعد، فقد أدرك العلماء الأعلام الحقيقة التي أشرنا إليها في بداية حديثنا هذا وهي أن الرواة والمؤرخين المغرضين حين لا مناص لهم من نقل الحدث، وعدم تمكنهم من تجاهله، يعمدون إلي أسلوب التصرف الذكي أو الغبي أحيانا، فيضيفون إليه أمورا تفقده معناه ومغزاه، حتي لو كان ذلك علي حساب قداسة رسول الله (صلي الله عليه وآله).

وقد دأب العلماء علي الأخذ بالفقرات التي يدركون صحتها، وإهمال الفقرات المدسوسة، أو السقيمة.. فإن وجود هذه إلي جانب تلك لا يفقد تلك قيمتها وأهميتها.. إذا أمكن التمييز بينهما.. كما هو الحال

في هذه القضية التي نحن بصدد الحديث عنها..

فنحن نعلم صحة تكنية الرسول (صلي الله عليه وآله) لعلي بأبي تراب، وأنها فضيلة جليلة له عليه السلام، حتي إنها كانت أحب كناه إليه.. وقد نقل ذلك لنا العدو والصديق..

ونعرف أيضاً عدم صحة قولهم: إنها كانت بسبب مغاضبته لفاطمة عليها السلام.

أو بسبب انزعاجه من إهمال الرسول له في قضية المؤاخاة، أو أن النبي قد حركه هو، أو عماراً، أو هما معا برجله..

فإن ذلك كله غير صحيح.. كما دلت عليه الأدلة القاطعة، والحجج القوية، الساطعة.

اعتراف و اعتذار

وإذا كانت العصمة لله سبحانه، ولأوليائه وأصفيائه. فإننا هنا نعترف بتقصيرنا، ونعتذر عنه للقارئ الكريم، حيث ذكرنا هذه القضية في كتابنا (الصحيح من سيرة النبي) [73] وقمنا بنقد وتزييف القولين الأولين، وهما مغاضبة فاطمة (عليها السلام). أو العتب عليها. وانزعاجه (عليه السلام) في قضية المؤاخاة.

وأهملنا الحديث عن تحريك النبي (صلي الله عليه وآله) لهما بقدمه.. ربما اعتماداً علي وضوح بطلانه.. وربما ذهولاً عن لزوم التعرض له..

ونطلب من القارئ الكريم أن يعذرنا في هذا التقصير الظاهر..

وإذا وفقنا الله لإعادة طبع الكتاب المذكور، فإننا سنزيل هذا الخلل منه إن شاء الله..

النبي يعاني جوعاً من حنان الأم، إنسان يفتقد حنان الأم في طفولته.

النبي كرسول يحتاج إلي هذه الحالة العاطفية لينطلق في الحياة بقوة كإنسان.

النبي شعر بالشبع العاطفي مع الزهراء.

النبي شعر بأن الفراغ قد امتلأ.

الزهراء تهتم بالدنيا.. فينزعج النبي (ص)..

النبي لا يدخل بيت الزهراء بسبب ما فعلته.

الجفاف العاطفي في الطفولة ينعكس سلبا علي قيادات الأمة..

جوع الحنان مؤثر في طريقة حياة القيادات.

جوع الحنان في الطفولة يؤثر في كل حركة العمل للقيادات.

الزهراء لا

ترتدع عما يزعج النبي من المرة الأولي.

يقول البعض:

"لقد سمعتم أن النبي كان يناديها بأنها (أم أبيها). لماذا هذه الكلمة؟.. لأن النبي كان يعاني جوعا من حنان الأم كأي إنسان يفتقد في طفولته. واستطاعت الزهراء وهي الطفلة الواعية بعد وفاة أمها خديجة أم المؤمنين أن تشعر بمسؤوليتها تجاه أبيها، وان تشعر بمسؤوليتها تجاهه كأب، وأن تشعر بمسؤوليتها تجاهه كرسول، يحتاج إلي هذه الحالة الروحية العاطفية التي يستطيع من خلالها أن ينطلق في الحياة بقوة كإنسان، ولهذا حاولت أن تثير كل عاطفتها الروحية لتحيطه بهذه العاطفة في كل المجالات لتطوقه بالعاطفة فيشعر بنفسه يعيش العاطفة في كلماتها، في ابتسامتها، في لمحاتها، في رعايتها له، في كل ما تريد أن تواجه به مما تواجه البنت أباها.

ولهذا شعر النبي (ص) بهذا الشبع العاطفي، وشعر بأن الفراغ قد امتلأ. ولهذا قال عنها إنها أم أبيها" [74] .

ثم ذكر:

"أن النبي (صلي الله عليه وآله) جاء إلي بيتها فوجد علي بابها ستاراً، وأنها قد لبست قلادة، وألبست الحسن والحسين عليهما السلام قطعتين من الفضة.

فامتنع النبي (صلي الله عليه وآله) عن الدخول إلي بيتها عليها السلام بسبب ذلك، فأرسلت ذلك كله إلي الرسول (صلي الله عليه وآله) فوزعه علي الفقراء" [75] .

ثم قال:

"ذلك هو الذي جعل منها أم أبيها وربما كان لهذه الصفة أن تكون لكل نسائنا، لكل اخواتنا، أن يعشن هذه الروحية مع كل إنسان يعشن معه، ويشعرن بمسؤوليتهن عن حياته أو بمسؤوليتهن عن رسالته إذا كان صاحب رسالة، أن يعشن هذا الجو، وأن لا تكون البنت بنتا لأبيها فحسب، أن تكون أما له، حتي الزوجة في بعض الحالات قد تعيش مع إنسان يعيش

جوع الحنان، وجوع العاطفة في طفولته، ربما كان لها أن تؤدي دور الزوجة كما تؤدي دور الأم من ناحية الحنان والعاطفة الروحية..

هذه الفكرة يمكن أن تعطي معني طيبا لحياتنا، ويمكن أن تحرك هذا الجمود، وتعطي الطراوة لهذا الجفاف الذي يعيش في حياتنا، ويحولها إلي حياة يتعايش فيها الناس علي أساس الحسابات، بعيدا عن معني العطاء، وبعيدا عن كل معاني الروح، وربما نجد أن كثيراً من الناس من يعيشون قيادة الأمة، أو من يعيشون قيادة أي خلية من خلايا المجتمع، ربما نجد أن الجفاف العاطفي الذي عاشوه في طفولتهم ينعكس علي طريقتهم في الحياة، وطريقتهم في العلاقات، وطريقتهم في كل حركة العمل.

ولهذا فإن هذا الجانب يمكن أن يمثل في حياة الإنسان ليس فقط حركة عاطفية تتصل بالشخص، ولكنها حركة عملية تتص_ل بحركة هذا الشخص في الحياة" [76] .

وقفة قصيرة

1 _ كنا قد ذكرنا تفسير البعض لكلمة (أم أبيها) في موضع آخر من هذا الكتاب، وعلقنا عليه هناك بما يتناسب معه.. ولكننا وجدناه في مورد آخر، وهو هذا الذي نقلناه عنه آنفا قد ذكر نفس هذا الموضوع، لكنه أضاف إليه بعض ما يوضح مراميه، وأهدافه منه..

حيث إنه قد صرح في آخر كلامه هنا:

"بأننا قد نجد في من يعيشون قيادة الأمة، أو قيادة أية خلية من خلايا المجتمع، أن الجفاف العاطفي الذي عاشوه في طفولتهم قد انعكس علي طريقتهم في الحياة، وفي العلاقات، وفي كل حركة العمل.."

فإن هذا الجانب لا يمثل حركة عاطفية تتصل بالشخص، ولكنها حركة عملية تتصل بحركة هذا الشخص في الحياة، علي حد تعابير هذا البعض.

وذلك يعني: أنه لولا أن فاطمة (عليها السلام) قد عالجت هذا الفراغ الذي كان

يعاني _ أو يشكو منه النبي (صلي الله عليه وآله) علي حد تعبيره.. فمن الممكن أن يؤثر هذا الفراغ العاطفي الذي عاشه النبي (صلي الله عليه وآله) علي حد تعبير هذا البعض في طفولته علي طريقته في الحياة، وفي علاقاته، وفي كل حركة العمل، لأن هذا الأمر ليس مجرد حركة عاطفية تتصل بالشخص، ولكنه حركة عملية تتصل بحركة النبي (صلي الله عليه وآله) في الحياة.

هذا، ونتمني علي القارئ الكريم أن لا يكتفي بما ذكرناه هنا عن مراجعة ما ذكرناه حول هذا الموضوع في الموضع الآخر.

2 _ وأما ما ذكره من أمر الستار والقلادة فنحن نجل سيدة النساء عن ذلك، ونقول:

أولاً: قد ذكر في نص آخر: أن هذه القضية إنما كانت للنبي (ص) مع بعض زوجاته [77] . وقد أشار إلي ذلك الإمام علي عليه السلام، كما ورد في نهج البلاغة [78] .

ولم تكن الزهراء لتعمل أي عمل يكرهه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهي المعصومة الطاهرة بنص القرآن الكريم..

ثانياً: لعل هذا البعض يعتبر الزهراء جاهلة بأن التزين بمتاع الحياة الدنيا مما لا ينبغي لها، مع أنه قد جاء التحذير تلو التحذير في كتاب الله تعالي، وعلي لسان رسوله الكريم (ص) عن الإغترار بالدنيا، والميل إلي زخارفها.

أما نحن فنقول:

إن تقوي الزهراء (عليها السلام) وعقلها، وكمالها، وزهدها والتزامها الدقيق بما يحبه الله تعالي يمنعها من فعل ذلك..

ولأجل ذلك.. فإنها لا تترك ما تتركه لمجرد أنه مما يزعج رسول الله (صلي الله عليه وآله).. فإنها قد وعت الآيات القرآنية التي تحذر من التعلق بالدنيا، وزخارفها، كأعمق ما يكون الوعي، وسمعت زواجر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن

الانسياق وراء متاع هذه الحياة الفانية، وزينتها، استماع بصيرة، وتفهم، واقتناع.

الزهراء تري الرجال وتحادثهم.

الرجال يرون الزهراء ويحادثونها.

يقول البعض حول حديث:

خير للمرأة أن لا تري الرجل ولا الرجل يراها:

"أنها (ع) _ وهي قائلة هذا القول كانت تلتقي بالرجال وتتحدث معهم أثناء الأزمة التي واجهتها مع الذين هاجموا بيتها وغصبوا فدكا، وقد التقت مع أبي بكر وعمر، حينما جاءا ليسترضياها، وتحدثت معهما بشكل طبيعي، وكانت عليها السلام تخرج مع من يخرجن في غزواته ليقمن بشؤون الحرب".

ويقول أيضاً:

"حتي الزهراء (ع) فإنها علي ما ينقل لنا تاريخها، كانت تري الرجال، وتحادثهم كما كان الرجال يرونها ويحادثونها، ويجادلونها، الأمر الذي يدل علي أن _ الحديث _ لو صح، فلأنه يتحرك في دائرة الأخلاقيات العليا التي لم يكلف الإنسان بها، وإنما وضعت أمامه كقمة يتطلع إليها ويستوحيه لتكون محفزا له لاستسهال ما دونها من أحكام وتعاليم، والعمل بها" [79] .

وقفة قصيرة

1 _ إن هذا البعض قد ذكر في الصفحة المقابلة للصفحة التي جاء فيها هذا النص: أن الزهراء عليها السلام قد خطبت المهاجرين والأنصار خطبتها المعروفة بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجاء في النص ما يلي:

(فلاثت خمارها علي رأسها واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلي الله عليه وآله).

حتي دخلت علي أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، (يعني ستاراً)فجلست ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتي إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه.. الخ) [80] .

2 _ إن هذا البعض

نفسه يوثق هذه الخطبة، فهو يقول:

"الظاهر أنه يمكن حصول الوثوق بصدور هذه الخطبة عن سيدتنا فاطمة الزهراء (ع)، لأنها مشهورة ومعروفة، وذكرها المؤرخون القدامي، وقد كان أهل البيت والعلويون يتناقلونها كابراً عن كابر، ويعلمونها ويحفظونها لصبيانهم، ما يدل علي أنها من المسلمات عندنا، هذا مضافاً إلي أن متنها قوي ومتناسب مع المضمون الفكري الإسلامي" [81] .

3 _ والسؤال هو: إذا كانت الزهراء تري الرجال وتحادثهم، كما كان الرجال يرونها ويحادثونها، فلماذا؟

ألف: نيطت دونها هذه الملاءة يا تري؟! وقد كان ذلك بأمرها هي!! مع أنه قد كان بإمكانها أن تلتف بعباءتها، وتقف بينهم وتلقي خطبتها.

وكيف يمكنه بعد هذا أن يثبت لنا: أنها (عليها السلام) كانت تري الرجال، ويراها الرجال؟!

وبقية الكلام حول كلام هذا البعض في كتاب مأساة الزهراء ج1 ص 258 فما بعدها..

ب: ويوم وصل السبايا الي الكوفة:

(خطبت ام كلثوم بنت علي (عليه السلام) في ذلك اليوم، و من وراء كلتها [82] رافعة صوتها بالبكاء) [83] .

ج: وعندما حمل السبايا ورأس الحسين (عليه السلام) الي الشام يقول الراوي: (فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن علي الحسين (عليه السلام) الي الصباح. وقالوا: (فلما دخلنا دمشق ادخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه) [84] .

د: و يقول ابن طاووس: (و حمل نساؤه علي اطلاس اقتاب بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعداء) [85] .

ه_: عن علي (عليه السلام) أن فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) استأذن عليها أعمي فحجبته فقال لها النبي (صلي الله عليه وآله) لما حجبته وهو لا يراك؟

فقالت: إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشم

الريح فقال النبي (ص) (اشهد انك بضعة مني) [86] .

و: استأذن ابن ام مكتوم علي النبي (صلي الله عليه وآله) وعنده حفصة فقال (صلي الله عليه وآله): قوما فادخلا البيت فقالتا إنه أعمي فقال إن لم يكن يراكما فإنكما تريانه [87] .

وعن ام سلمة: كنت عند رسول الله، و عنده ميمونة، فأقبل ابن ام مكتوم، و ذلك بعد أن أمر بالحجاب.

فقال: احتجبا.

فقلنا: يا رسول الله أليس أعمي؟!

قال: افعمياوان أنتما؟! الستما تبصرانه؟ [88] .

ز: و تذكر رواية أخري أنها أرادت ان تأتي الي أبيها فتبرقعت ببرقعها، ووضعت خمارها علي رأسها، تريد النبي [89] .

والرواية: وان كان فيها إشكال من جهة أخري لكن هذه الفقرة سليمة عن الاشكال.. فان كان ثمة تصرف في الرواية فإنه في غير هذا المورد.

ح: في حديث زواج الزهراء (عليها السلام) بأمير المؤمنين (عليه السلام): أن ام سلمة أتت الي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتي رآها علي. ثم اخذ بيدها فوضعها في يدي علي) [90] .

ط: قد خطبت السيدة زينب أمام يزيد لعنه الله، فكان مما قالته: (أمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك و اماءك، و سوقك بنات رسول الله (صلي الله عليه وآله) سبايا قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، يحدو بهن الأعداء من بلد الي بلد، و يستشرفهن أهل المناقل، و يبرزن لاهل المناهل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الغائب والشاهد والشهيد.. الخ) [91] .

اشارة و تذكير

بقي أن نشير الي أن قول هذا البعض بأن الزهراء كانت تري الرجال، و يراها الرجال، ثم استشهاده له بمجيء الشيخين إليها لاسترضائها..

لا يمكن

قبوله لسببين:

الأول: أن النص التاريخي يصرح بأنها حين جاءا لاسترضائها (شدت قناعها، وحولت وجهها الي الحائط، فدخلا) [92] .

الثاني: النصوص المتقدمة الصريحة بأنها كانت تتبرقع، و في أنها تضرب بينها و بين الرجال ستائر، و تخاطبهم من خلفها.. و غير ذلك من نصوص.

4 _ وأما فيما يرتبط بخروج النساء في الحرب فإنما كن يخرجن ليسقين العطشي، ويداوين المرضي، فلا دليل علي أنه (صلي الله عليه وآله) كان يسمح للشابات بذلك في غير حالات الضرورة.

5 _ والغريب في الأمر هنا: أن لهذا البعض كلاماً ما يوحي بأن السيدة الزهراء عليها السلام كانت تخرج مع النساء لتقوم بشؤون الحرب أيضاً.. ولا ندري من أين جاءنا بهذا الخبر.. إذ لا نجد بين أيدينا سوي قصة مداواتها لجرح أبيها في واقعة أحد.

فلماذا يحاول إيهام القارئ بما هو أبعد من ذلك؟!

وهل يمكنه أن يقول لنا: أي شأن من شؤون الحرب تولته السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها؟!

مصحف فاطمة مضمونه.. و حقيقته
بداية

إنما تعرضنا في هذا الفصل لمقولات البعض حول مصحف فاطمة، لأننا نشعر أنه يحاول أن يشكك في مضمون هذا المصحف، من حيث اشتماله علي علوم غيبية.. وأن يثير شبهات حول كيفية حصولها عليها السلام علي هذا المصحف، وذلك بإلقاء بعض الظلال من الشك والترديد علي حقيقة أن الملك كان يحدث السيدة الزهراء (عليها السلام) وكان ذلك يدوّن في هذا الكتاب المعروف بمصحف فاطمة (عليها السلام).

وذلك بدعوي ضعف هذا الخبر، أو ذاك، تارة.. ودعوي تعارض الأخبار أخري.. ودعوي اشتماله علي الأحكام الشرعية ثالثة..

وغير ذلك مما سيتضح فيما يلي من صفحات..

الزهراء، أول مؤلفة في الإسلام.

التسمية بمصحف فاطمة تدل علي تأليفها وكتابتها له.

في مصحف فاطمة

أحكام شرعية.

كتاب فاطمة هو مصحف فاطمة.

الأحاديث حول مصحف فاطمة متعارضة.

يقول البعض:

"نستطيع القول: إن الزهراء عليها السلام هي أول كاتبة في الإسلام من الرجال والنساء، وأول من كتب حديث رسول الله (ص)، بمسمع ومرأي منه" [93] .

وقال:

"إنها كانت تكتب العلم عن أبيها رسول الله (ص)، حتي إنها كانت أول مؤلفة في الإسلام" [94] .

وقال:

"قد يقال: إن الزهراء _ عليها السلام _ هي أول مؤلفة في الإسلام، إذ قد دلت الروايات علي أنه قد كان لها مصحف، عرف باسم (مصحف فاطمة)، فإن هذه التسمية تدل علي ما ذكرناه، لأننا إذا قلنا: (مصحف الزهراء) فذلك يعني أن لها دورا في تأليف وكتابة هذا المصحف".

وفي نص آخر:

"إن نسبة الكتاب الي فاطمة (ع) يدل علي أنها صاحبة الكتاب، كما أن نسبة الكتاب إلي علي (ع) في ما ورد عن الأئمة (ع) عن كتاب علي يتبادر فيه (منه ظ)أن صاحبه علي (ع).

ومما يتقدم يتضح: انه لا مانع من القول: إنها أول مؤلفة في الإسلام، كما أن عليا أول مؤلف في الإسلام" [95] .

ثم إن هذا البعض قد ادعي:

"إن الأحاديث حول مصحف فاطمة (عليها السلام) متعارضة..؟ لأن بعضها يذكر أنه من إملاء رسول الله وكتابة علي (عليه السلام) [96] والبعض الآخر يذكر أنه كان ملك يأتيها يعد وفاة أبيها يحدثها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فكان مصحف فاطمة" [97] .

ويزعم البعض:

"أن مصحف فاطمة يحوي أحكاماً شرعية"

وهو يستند في ذلك إلي رواية الحسن بن العلاء، عن الصادق (عليه السلام) التي تقول:

وعندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟! قال: زبور داود، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي،

وصحف إبراهيم (عليهم السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلي أحد، حتي فيه الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش) [98] .

ويقول:

"بعدما عرفت أن المصحف المذكور ليس قرآنا، يقع تساؤل جديد عن مضمونه ومحتواه، فهل هو مشتمل علي بعض المغيبات التي كان يحدثها بها الملك، ويكتبها علي (ع)؟ أو هو مشتمل علي وصيتها مع بعض الأحكام الشرعية، وربما المواعظ والتعاليم الإسلامية؟

هناك اختلاف في الروايات المتعلقة بذلك:

1 _ فهناك رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع)، أنه لما نظر في مصحف فاطمة (ع) قال: " وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالي لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله) دخل علي فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلي أمير المؤمنين، فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي، فأعلمته ذلك، وجعل أمير المؤمنين يكتب كل ما سمع، حتي أثبت من ذلك مصحفا، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون" [99] .

ويمكن المناقشة في المتن بالقول: إن المفروض في الملك أنه جاء يحدثها، ويسلي غمها ليدخل عليها السرور، فكيف تشكو ذلك إلي أمير المؤمنين (ع)؟!

ما يدل علي أنها كانت متضايقة من ذلك، كما أن الظاهر منه أن الإمام (ع) كان لا يعلم به، وأن المسألة كانت سماع صوت الملك لا رؤيته.

2 _ وفي رواية أبي عبيدة: (.. وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها علي أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعد

في ذريتها، وكان علي يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة) [100] .

ولا مانع أن ينزل عليها الملك جبرائيل، ولكن الحديث ظاهر في اختصاص العلم الذي يعلمها إياه مما يكون في ذريتها فقط.. بينما الرواية الأخري تتحدث عن الأعم من ذلك، حتي إنها تتحدث عن ظهور الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وهو مما قرأه الإمام علي (ع) في مصحف فاطمة.

3 _ وهناك رواية الحسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق (ع)، وجاء فيها: (.. مصحف فاطمة (ع)، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلي أحد، حتي فيه الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش) [101] .

والظاهر من هذه الرواية أن المصحف يشتمل علي الحلال والحرام.

4 _ وقد ورد في حديث حبيب الخثعمي أنه قال: كتب أبو جعفر المنصور إلي محمد بن خالد، وكان عامله علي المدينة، أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة، ولم يكن هذا علي عهد رسول الله (ص) وأمره أن يسأل عبدالله بن الحسن، وجعفر بن م_حمد (ع)، فسأل عبدالله بن الحسن، فقال كما قال المستفتون من أهل المدينة، قال: فقال: ما تقول يا أبا عبدالله؟ فقال: إن رسول الله (ص) جعل في كل أربعين أوقية، فإذا حسبت ذلك كان علي وزن سبعة، وقد كانت وزن ستة، وكانت الدراهم خمسة دوانيق.

قال حبيب: فحسبناها فوجدناها كما قال، فأقبل عليه عبد الله بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمك فاطمة (عليها السلام)، قال ثم انصرف، فبعث إليه محمد بن خالد ابعث إلي بكتاب فاطمة (عليها السلام)، فأرسل إليه أبو عبد الله (عليه السلام): إني

إنما أخبرك أنه عندي، قال حبيب فجعل محمد بن خالد يقول لي: ما رأيت مثل هذا قط [102] .

وظاهر هذا الحديث أيضاً: أن كتاب فاطمة، وهو مصحف فاطمة [103] ، يشتمل علي الحلال والحرام.

5 _ وهناك رواية أخري في الكافي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال _ في حديث _: وليخرجوا مصحف فاطمة فإن فيه وصية فاطمة (عليها السلام) [104] .

6 _ وهكذا نجد أن بعض الروايات تقول: إنه بخط علي(ع) عما يحدثه الملك للزهراء(ع) [105] .

7 _ وهناك رواية تدل علي ان المصحف من إملاء رسول الله (ص) وكتابة علي (ع) [106] .

ولكن الروايات الأخري لا تدل علي ذلك، وهي المشتملة علي الحلال والحرام ووصية فاطمة، فلا بد من الترجيح بينها، أما رواية حماد بن عثمان فهي ضعيفة بعمر بن عبد العزيز أبي حفص المعروف بزحل، يقول الفضل بن شاذان: زحل يروي المناكير، وليس بغال. وعن النجاشي: مخلط، وعن الخلاصة: عربي مصري مخلط( [107] ).

وأما رواية أبي عبيدة، والظاهر أنه المدائني، فهي ضعيفة، لأنه لم يوثق، ولكن رواية الحسين بن أبي العلاء صحيحة، وقد دلت علي اشتماله علي الحلال والحرام، وأما رواية حبيب الخثعمي، ورواية سليمان بن خالد فهما ضعيفتان علي الظاهر، لكنهما تصلحان لتأييد خبر الحسين بن أبي العلاء، لا سيما أن مبنانا في حجية الخبر هو حجية الخبر الموثوق به نوعا، وقد يكفي في الوثوق عدم وجود ما يدعو إلي الكذب فيه.

ولذا فالأرجح أنه كتاب يشتمل علي الحلال والحرام، وإن كان بالإمكان أن يقال بأنه لا تعارض بين الروايات، فنلتزم أن المصحف يشتمل علي الأحكام وعلي الأخبار التي كان يحدثها

بها الملك، وعلي وصيتها، إذ لا مانع من نزول ملك عليها، ويظهر من العلامة المجلسي إقراره باشتمال المصحف علي الأحكام، وعلي ضوء هذا، فإن نسبة الكتاب إلي فاطمة (ع) يدل علي أنها صاحبة الكتاب، كما أن نسبة الكتاب إلي علي (ع) في ما ورد من الأئمة (ع) عن كتاب علي (ع) يتبادر منه أن صاحبه علي (ع)، ومما تقدم يتضح أنه لا مانع من القول إنها أول مؤلفة في الإسلام، كما أن عليا أول مؤلف في الإسلام.

وعلي أية حال، فإن الكتاب ليس موجودا بأيدينا، وإنما هو موجود عند الإمام الحجة (عج)، ولذلك فإن الجدل في ما يحويه ويشتمل عليه ليس له أية ثمرة عملية [108] .

وقفة قصيرة

كنا قد تحدثنا في كتابنا "مأساة الزهراء" [109] عن مقولات هذا البعض حول مصحف فاطمة (عليها السلام).. ونعتقد: أن مراجعة ما ذكرناه هناك تكفي في إعطاء الجواب الكافي والشافي حول تلك المقولات.

لكننا نريد أن نسجل هنا ما يلي:

1 _ إن القول:

(بأن الزهراء _ عليها السلام _ كانت تكتب ما تسمعه من رسول الله (ص))،

أو القول:

(بأنها عليها السلام أول مؤلفة في الإسلام..)

أو القول بأنها:

(أول كاتبة من النساء والرجال..)

أو القول:

(إن التسمية بمصحف فاطمة تدل علي أن لها دورا في تأليفه..)

إن كل ذلك ينتهي إلي نتيجة واحدة، وهي التشكيك في أن يكون هذا المصحف بخط علي مما كان الملك يحدث به الزهراء، بعد وفاة أبيها، أو أنه علي قسمين:

قسم بإملاء رسول الله (ص) وخط علي (عليه السلام).

وقسم آخر بإملاء الملك وخط علي (عليه السلام)..

فلا تكون هاتان الروايتان متعارضتين، كما يقوله هذا البعض.

2 _ إن قوله:

"إن مصحف

فاطمة هو نفس كتاب فاطمة الوارد في رواية حبيب الخثعمي"

ليس له شاهدٌ يؤيده بل هو محض ادعاء، يؤدي إلي تكثير روايات المصحف التي يسعي البعض إلي تكثيرها لكي تظهر عليها بوادر التعارض، وهو ما يضعف أمر مصحف فاطمة من الأساس.. وإن كان سيأتي أنها محاولة فاشلة أيضاً.

3 _ إن رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله، والتي تقول: (أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام..) [110] .

لا تعارض رواية الحسين بن أبي العلاء عن الإمام الصادق أيضاً، وفيها: (.. وعندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟! قال: زبور داود، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي، وصحف إبراهيم _ عليهم السلام _، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلي أحد، حتي فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش).

نعم _ إن الروايتين غير متعارضتين، فإن الضمير في كلمة (وفيه ما يحتاج الناس إلينا) يرجع إلي كلمة (الجفر الأبيض)، ولا يرجع إلي مصحف فاطمة. إذ لو كان راجعاً إلي مصحف فاطمة (عليها السلام) لم يكن لعطفه بالواو أي مبرر.. بل كان ينبغي الإضراب فيه بكلمة بل.

فيقال: ما أزعم أن فيه قرآنا، بل فيه ما يحتاج الناس إلينا الخ..

لكن هذا البعض تخيل: أنه من متعلقات مصحف فاطمة (عليها السلام)، فحكم بتعارض الروايتين، وهو كما تري.

4 _ إنه لا معني للتشكيك بمحتوي مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإن محتواه معلوم، وهو وصيتها، وعلم ما يكون.. فمن أين جاء الحديث عن اشتماله علي المواعظ والتعاليم الإسلامية؟! وأين هي الرواية التي أشارت إلي ذلك؟! وهل هي من الأدلة القطعية حسبما اشترطه ذلك البعض نفسه؟!..

5 _ إن من الواضح: أن تسلية غمها برسول الله (صلي الله عليه وآله) إنما هو بالحديث عما يكون في المستقبل، وذلك معناه أن تسمع منه ما يجري علي ذريتها من الطواغيت، ومن الطبيعي أن تهتم وتغتم بذلك. وإن كان ذلك يسليها عن مصابها برسول الله (صلي الله عليه وآله)، وليس في هذا الأمر أي محذور، فإنه ضريبة المعرفة بهذا الأمر الخطير الذي أكرمها الله تعالي به.

6 _ وعن شكواها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فهي إنما شكت له ما عرفته من مصائب وبلايا تجري علي الأمة عامة، وعلي ذريتها خاصة، وهي شكوي طبيعية، تنشأ عن أنها تهتم لأمور المسلمين.

7 _ وأما أن ذلك يدل علي ان المسألة كانت سماعه صوت الملك لا رؤيته.. فما هو الضير في ذلك، فإن المهم هو أن الملك هو الذي يحدثها، ويسليها، ولعل ذلك كان في الأكثر حين غياب أمير المؤمنين، أو حين انشغاله.

8 _ أما بالنسبة لرواية أبي عبيدة فلا دلالة لها علي حصر العلم بما يكون في ذريتها فقط.. بل غاية ما فيها: أنها أشارت إلي أمر اهتمت له سيدة النساء صلوات الله وسلامه عليها، وهو ما يجري علي ذريتها، وأشارت الرواية الأخري إلي علوم أخري تضمنها المصحف.

والقاعدة تقول: إنه لا تعارض بين المثبتات، ما دام لم يدل دليل علي أنها في مقام التحديد، أي إثبات مضمونها، ونفي ما عداه، وليست رواية أبي عبيدة في هذا السياق. ولا أقل من الشك في ذلك.

9 _ وأما بالنسبة لتعارض أحاديث مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإننا لم نستطع أن نتحقق منه، فإن ما ذكره لا يصلح أن يكون من موارد التعارض..

فإن مجرد أن تقول رواية:

إنه من إملاء رسول الله (ص)، وخط علي (عليه السلام)، ثم تقول رواية إن الملك بعد وفاة أبيها حدثها فكتب علي (عليه السلام) ذلك أيضاً...

إن مجرد ذلك لا يحقق التكاذب بين الروايات، إذ يمكن أن تكون الروايتان معا صحيحتين، فيكون بعض المصحف من إملاء النبي، وبعضه من إملاء الملك.

أما عن الحديث حول ما يشتمل عليه المصحف فقد عرفت أن منشأ الحكم بالتعارض هو الخطأ في إرجاع الضمير..

وحتي لو صح الحديثان معاً، فإنه يكون كل حديث مثبتا لخصوصية لا يأباها الحديث الآخر.. إذ لا تعارض بين المثبتات، إلا في بعض الصور التي ليس هذا المورد منها..

10 _ وبعد ما تقدم نعرف: أنه لا معني لقوله:

"لكن الروايات الأخري لا تدل علي ذلك، وهي المشتملة علي الحلال والحرام، ووصية فاطمة، فلا بد من الترجيح بينها؟! "

فهل إذا دلت رواية علي شيء، ولم تدل الأخري عليه تصبح الروايات متعارضة، ولا بد من الترجيح بينهما؟!

11 _ ما معني قوله أخيراً:

"الأرجح أنه كتاب يشتمل علي الحلال والحرام ".

فإن رواية حماد بن عثمان تنفي ذلك صراحة..

ورواية الحسين بن أبي العلاء قد أخطأ هذا البعض في فهمها، لخطئه في مرجع الضمير.. فهل هذا بهدف استبعاد معرفتها بما يكون، واستبعاد أن يكون الملك قد حدثها؟!..

12 _ وأخيرا فإن لنا الحق في ان نتساءل عن سبب إيراده رواية الحسين بن أبي العلاء في كتاب (الزهراء القدوة) مبتورة من أولها، فهل أراد بذلك تضييع القارئ فيما يرتبط بمرجع الضمير في الرواية؟.

الزهراء بعد الرسول الأكرم

انكاره هكذا بدأ
بداية

إننا نذكر في هذا الفصل طائفة من مقولات هذا البعض الرامية إلي إنكار ما جري علي الزهراء مثل:

الف: ضربهم لها بالسوط.

ب: إحراق

باب بيتها.

ج: كسر ضلعها.

د: إسقاط جنينها.

ه_: دخول بيتها.

و: عصرها بين الباب والحائط.

ز: لطم خدها.

ح: رضيت عن الشيخين.

ط: استشهادها.

ي: الهجوم علي بيتها.

ك: ظهور ومعرفة قبرها.

ل: بل هو يقول:

"ان الذين جاء بهم عمر كانت قلوبهم مملوءة بحب الزهراء، فكيف نتصور ان يهجموا عليها.."

ونذكر من كلماته ما يلي:

أنا لا انفي كسر ضلع الزهراء لكنني غير مقتنع بذلك.

النفي يحتاج إلي دليل كما الإثبات يحتاج إلي دليل.

يقول البعض:

"انا لا أنفي قضية كسر الضلع، ولكنني أقول: إنني غير مقتنع بذلك. وكما أن الإثبات يحتاج إلي دليل. كذلك النفي يحتاج إلي دليل".

ويقول في أجوبته علي آية الله التبريزي:

"إنني لم أنكر ذلك لأن الإنكار يحتاج إلي دليل وليس عندي دليل علي النفي"

وقفة قصيرة

إنه قد ذكر أسباب عدم اقتناعه، وفقاً لما أوردناه في هذا الكتاب، وفي كتاب مأساة الزهراء، وقد قلنا في ذلك الكتاب إنها أسباب هي أشبه بالطحلب يمسك به الغريق، فراجع ذلك الكتاب، أما هنا فنكتفي بإلفات نظر القارئ الكريم إلي ما يلي:

إن ما ذكره هذا البعض لا يمكن قبوله منه، وذلك للأسباب التالية:

1 _ إن مقولات هذا البعض تظهر أنه غير مقتنع بأي شيء مما جري علي الزهراء؛ لأنه يدعي: أن حبهم للزهراء، ومكانتها، ولان ضرب المرأة عيب وغير ذلك من تعللات واهية، يمنع من حدوث كسر الضلع وإسقاط الجنين، والضرب، وإحراق البيت وغير ذلك..

2 _ إن هذا البعض الذي هو غير مقتنع لم يزل يجهد عبر مختلف وسائل الإعلام التي تقع تحت اختياره، وفي أية فرصة تسنح له.. لزرع الشك في نفوس الناس.. ولم يزل يحشد ما يراه أدلة

وشواهد علي عدم صحة ذلك، تحت ستار إثارة علامات استفهام.. فلماذا هذا الحرص منه علي إقناع الآخرين بعدم صحة ذلك؟!

3 _ إن مهمة العالم هي أن يحلّ المشكلات التي يواجهها الناس في حياتهم الفكرية، خصوصاً فيما يطلبه الناس منه، ويرون أنه هو المسؤول عنه، ويدخل في دائرة اختصاصه.. فإما أن يثبت لهم الأمر الذي يتحدث عنه بدليل، أو ينفي بدليل، أو يطلب لنفسه إجازة، يحزم فيها أمره إلي جانب هذا الإثبات، أو مع ذلك النفي. وليس من حقه أن يثقف الناس بمشكوكاته..

4 _ إن الرجل العادي إذا أعرب عن شكه، فالناس يعتبرون شكه ناشئاً عن عدم علمه. أما إذا كان المعرب عن شكه يقول للناس إني عالم، ويتصدي لما يتصدي له العلماء، فان الناس سيرون ان شكه شك علمي، وهو يساوق عدم ثبوت الحقيقة إلي درجة النفي والإنكار.

أنا لا أتفاعل مع أحاديث كسر ضلع الزهراء.

أنا لا أتفاعل مع أحاديث ضرب الزهراء علي خدها.

يتحفظ علي أحاديث ضربها وكسر ضلعها.

ضربها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها لا يتصل بالعقيدة.

لا يهمني كسر ضلع الزهراء أو لم يكسر.

القول بكسر ضلعها أو عدمه لا يمثل له أية سلبية أو إيجابية.

يقول البعض عن كسر ضلع الزهراء:

"ق_ل_ت: أنا استبعد ذلك، ولا أتفاعل مع الكلمة نفسها" [111] .

ويقول البعض:

"سواء كسر ضلع الزهراء أو لم يكسر، فان ذلك لا يقع في دائرة اهتماماتي".

ويقول:

"أنا ليست القضية من المهمات التي تهمني، سواء قال القائلون: إن ضلعها كسر، أو لم يقل القائلون. هذا لا يمثل بالنسبة لي أية سلبية، أو أية إيجابية، هي قضية تاريخية. تحدثت عنها في دائرة خاصة، ولم أتحدث عنها في الهواء

الطلق ولكن الذين يصطادون في الماء العكر حاولوا أن يجعلوا منها قضية للتشهير.. وإلا.. فهذه القضية ليست من المهمات التي اهتم بإثباتها ونفيها، لا من ناحية علمية، ولا من ناحية سياسية..".

ويقول:

"انا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث التي تقول بأن القوم كسروا ضلعها، أو ضربوها علي وجهها، أو ما إلي ذلك. إنني أتحفظ في كثير من هذه الروايات".

ويقول:

"قلت: إني لا أتفاعل. بمعني أن لدي علامات استفهام لا بد من الإجابة عنها بطريقة علمية" [112] .

وقفة قصيرة

إننا نجد أنفسنا في غني عن تحديد مواضع الخلل في الأقاويل السابقة، ولكننا مع ذلك نذكر القارئ الكريم بما يلي:

1 _ إذا كان كسر ضلع الزهراء، وكذلك ضربها، وإسقاط جنينها لا يقع في دائرة اهتمامات هذا البعض، فلماذا هو مهتم بحشد الأدلة والشواهد من كل حدب وصوب من اجل تشكيك الناس بهذا الأمر؟!

2 _ إذا كان ذلك لا يدخل في دائرة اهتماماته، فلماذا سأل _ حسبما يدعي هو _ السيد شرف الدين عن هذا الأمر في أوائل الخمسينات، أي قبل ما يقرب من خمسين عاماً من هذا التاريخ؟!..

3 _ إذا كان ذلك لا يدخل في دائرة اهتماماته.. فلماذا كان مهتماً ببحث هذا الأمر؟! حسبما سجله في رسالة منه أرسلها إلي إيران، لجعفر مرتضي العاملي بتاريخ 3/6/1414 ه_. فهو يقول:

"ان لدي تساؤلات تاريخية تحليلية في دراستي الموضوع، كنت أحاول إثارتها في بحثي حول هذا الموضوع".

ويقول فيها أيضاً:

"كنت آنذاك أحاول البحث في الروايات حول.. هذا الموضوع وقد عثرت أخيراً علي نص في البحار الخ.." [113] .

وثمة عبارات أخري تفيد هذا المعني في الرسالة نفسها.

4 _ إذا كان لا يهتم لهذا

الأمر، فلماذا ناقش كل العلماء في هذا الأمر في إيران وغيرها.. علي حد تعبيره؟!

5 _ إذا كان لا يهتم لهذا الأمر، فلماذا يدعو العلماء لدراسة هذا الأمر؟! ويقول في رسالته للسيد جواد الكلبايكاني:

"كنت في ذلك الوقت في حالة بحث تاريخي حول الموضوع"

ويقول فيها أيضاً:

"لذلك كنت أحاول دراسة الموضوع تاريخياً، من جهة السند، ومن جهة المتن، ومن خلال بعض التحليلات التاريخية، فكان الجواب في ذلك المجتمع النسائي مختصراً وسريعاً علي نحو إثارة الاحتمال. ولكنني عثرت في أبحاثي بعد ذلك علي كثير من النصوص الخ.." [114] .

6 _ وإذا كانت المسألة لا تدخل في دائرة اهتماماته، فلماذا يكتب للسيد الكلبايكاني أيضاً:

"إني اعتقد أن علينا ان نبحث هذه الأمور بطريقة علمية، قبل أن يبحثها غيرنا من أعداء أهل البيت؟!"

ويقول في نفس الرسالة المنشورة والتي كتبها بخط يده أيضاً:

"إنني أدعو جميع اخواني من العلماء والباحثين إلي دراسة هذه الأمور بالدقة والتحقيق؛ لأن ذلك هو سبيل الوصول إلي الصواب، وهو الطريقة المثلي لتأكيد كل تراثنا بالطريقة المثلي، علي أساس الحق والواقع" [115] .

7 _ لماذا لا يهتم هذا البعض لكسر ضلع الزهراء، وضربها، وإسقاط جنينها، ويهتم لأحد ابنائه لو فرض _ لا سمح الله _ أنه جرح، واحتاج إلي طبيب؟!..

8 _ هل هذا البعض لا يهتم لكل قضايا التاريخ، أم أن عدم اهتمامه هذا يختص بضرب الزهراء، وكسر ضلعها وحسب، رغم ما لهذه القضية من ارتباط بكثيرٍ من الشؤون العقائدية والإسلامية..

9 _ لماذا يهتم النبي (ص) والائمة الطاهرون بما يجري علي الإمام الحسين عليه السلام، وبما يجري علي الزهراء؟! ولا يهتم هذا البعض به؟..

10 _ إن الذين ضربوا

الزهراء، وكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها وو.. قد تصدوا لاعظم واخطر مقام بعد الرسول، وهو مقام الخلافة له صلي الله عليه وآله وسلم.. ومعرفة واقع هؤلاء مفيد جداً لكل مسلم يريد أن يعيش الإسلام بكل صفائه وحيويته ونقائه.. فليس هذا الأمر سخيفاً، ولا تافها.. وليس هو من قبيل معرفة تاريخ الآشوريين، أو الكلدان، وغيرهم من الشعوب التي بادت.

11 _ إن هذا البعض الذي لا يهتم لضلع الزهراء، مهتم جداً بالتأكيد علي أن الذين هاجموا الزهراء كانوا يحبونها، ويحترمونها، ويجلونها، فكيف يهاجمونها، فضلاً عن أن يضربوها، أو أن يكسروا ضلعها، أو أن يسقطوا جنينها، أو أن يحرقوا بابها؟!.. علي حد تعابيره..

12 _ ما معني قوله:

"إن ضرب الزهراء.. و و.. لا يمثل عنده أية سلبية، أو إيجابية؟!"

وما معني أن لا يهتم بإثبات أو نفي هذه القضية، لا من ناحية علمية، ولا من ناحية سياسية؟!..

13 _ إن هذا البعض يحاول التقليل من خطورة مقولاته التي أطلقها، فيقول:

"هي قضية تاريخية تحدثت عنها في دائرة خاصة، ولم أتحدث عنها في الهواء الطلق".

ونقول:

أولاً: إن الحديث عن هذه القضية قد كان في مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد، أمام كاميرا الفيديو، وأجهزة ضبط الصوت. وفي مجتمع نسائي مفتوح.. فهل ذلك دائرة خاصة، وليس حديثاً في الهواء، الطلق؟!

ثانياً: إن خطأ هذه المقولات، وخطورتها، لا يدفعه ولا يرفعه أن يكون هذا البعض قد أطلقها في الهواء الطلق، أو في دائرة خاصة..

ثالثاً: سواء أكان قد قالها في دائرة خاصة، أو في الهواء الطلق، فان إصراره عليها، وحرصه علي إقناع الناس بها عبر إذاعة تابعة له.. وحتي عبر قنوات التلفاز حتي الإقليمية منها وبغير ذلك من

وسائل.. يفرغ هذا التبرير من محتواه، ويسقطه عن الصلاحية لتبرير أي شيء.

ناقشت كل العلماء في إيران وغيرها حول ضرب الزهراء فلم يقنعوني.

نفي الضرب وإسقاط الجنين، وكسر الضلع لا يعني تبرئة أحد.

ضرب الزهراء والإسقاط و.. لا يتصل بالعقيدة.

الإجماع علي الضرب وإسقاط الجنين لم يقنع هذا البعض.

هذا البعض يسأل الناس العاديين: هل كسر الضلع ثابت عندكم؟!

يقول البعض:

"ضرب الزهراء، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها قضية تاريخية، ليست متصلة بالعقيدة".

ويقول البعض أيضاً:

"لدي علامات استفهام تحتاج إلي جواب، والحقيقة لم أجد لها جواباً، ناقشت كثيراً من العلماء، كل العلماء في إيران وغيرها، حول مسألة ضرب الزهراء وغيرها، فلم يقنعوني".

ويقول: [116]

"لم أثر الموضوع، بل كان حديثاً خاصاً، استغله الحاقدون، ونشروه بين الناس، فإذا كان هناك إساءة لذكري الزهراء، فهم الذين يتحملون مسؤوليتها".

ويقول:

"إن نفي ضرب الزهراء، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها، لا يعني تبرئة أحد ممن ظلموها، فما هو الحرج في ذلك؟!.."

ويسأله بعض الأخوة عما ينسب إليه حول الإعتداء علي الزهراء وكسر ضلعها، فيرد السؤال علي السائل _ وهو رجل عادي _ ويقول له:

"هل كسر الضلع ثابت عندكم أنتم؟! وما الدليل؟".

وقفة قصيرة

ونحن نشير هنا إلي ما يلي:

1 _ إنه إذا كان قد ناقش كل العلماء في إيران وفي غيرها، فلماذا لم ينتشر خبر هذه المناقشات، ولم يسمع أحد بنتائجها.

2 _ إذا كان قد ناقش كل العلماء، فلماذا أنكروا عليه وأصدروا في حقه الفتاوي في خصوص الفترة التي وصلهم فيها نبأ حديثه في مسجد بئر العبد أمام طائفة من النساء، واطلعوا علي شريط الفيديو والكاسيت، الذي سجل بعض مقولاته فيه.

3 _ إن العلماء في إيران فقط

يعدّون بعشرات الألوف، فكيف بمن هم في خارج إيران، فمتي تسني له الاجتماع بهم، ورؤيتهم فضلاً عن أن يكون قد ناقشهم جميعاً.

4 _ إذا كان هذا الأمر حديثاً خاصاً، نشره الحاقدون بين الناس، وجعلوه وسيلة للتشهير، فكيف ناقش كل العلماء في إيران وغير إيران في هذا الأمر، ولم يقنعوه ولم ينشر عنه ذلك الحاقدون، ولا جعلوه وسيلة للتشهير به.

5 _ إنه إذا كان قد ناقش كل العلماء في إيران وفي غيرها فإنه بلا شك لم يستطع أن يجد ولو عالماً واحداً يوافقه الرأي فيما يذهب إليه.. فإنه قد عجز عن إقناع أيٍ منهم عجزاً ذريعاً.. ولاجل ذلك نجدهم بمختلف طبقاتهم قد هبوا لنصرة دينهم، وسجلوا إدانتهم له، ولما سمعوه من مقولاته..

6 _ وأما قوله:

"إن نفي ضرب الزهراء ونفي إسقاط جنينها، وإنكار كسر ضلعها، لا يمثل تبرئة للظالمين"

فهو عجيب وغريب.. فانك إذا قلت: إن فلاناً لم يضرب فلانةً، فقد برأته من تهمة ضربها، فإذا قلت: إنه لم يكسر ضلعها.. فقد برأته من هذه التهمة أيضاً.فإذا قلت: إنه لم يسقط جنينها فقد برأته من ثلاثة اتهامات.

وواضح: أن هذا البعض لم يعترف إلا بالتهديد بإحراق البيت من قبل أناس قلوبهم مملوءة بحب صاحبة البيت، ويعرفون أن مكانتها لا تسمح لهم بفعل أي شيء ضدها. وجرم هذا الشخص الذي اكتفي بالتهديد، ولم يزد عليه شيئاً اقل بكثير من جرم من يعتدي بالضرب. فكيف إذا زاد علي ذلك إسقاط الجنين، وكسر الضلع، وغير ذلك؟!.

ويمكن عودة المياه إلي مجاريها بسهولة إذا كانت الجريمة هي مجرد تهديد من محب ولكن عودتها إلي مجاريها ستكون أصعب بكثير حين تكون هناك جريمة ضرب، واقتحام بيوت وقتل جنين

وكسر عظام، وما إلي ذلك..

7 _ أما بالنسبة لكون ضرب الزهراء(ع)، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها لا يتصل بالعقيدة..

فهو أغرب وأعجب، فإن من يدعي لنفسه مقام الإمامة والخلافة لرسول الله.. إذا كان لم يرتكب أي جرم، سوي التهديد الظاهري للزهراء (ع)، فان قبول دعواه لهذا المقام العظيم سيكون أيسر مما لو كان قد ارتكب جريمة قتل جنين، وضرب سيدة نساء العالمين، وكسر ضلع من يغضب الله لغضبها، ويرضي لرضاها.. إذ لا ريب في أن من يكون كذلك لا يكون صالحاً لمقام خلافة الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم.

8 _ لماذا هذا الإصرار علي تشكيك الناس في ما جري علي الزهراء (ع)؟! وهل يقبل من يجعل نفسه في عداد العلماء أن يطرح علي الإنسان العادي سؤال: هل كسر الضلع ثابت عندكم؟ وما الدليل؟! إلا إذا كان يسعي إلي تشكيكه فيما يعتقده..

9 _ وهل يليق بالعالم أن يطرح شكوكه علي الناس العاديين، ثم يقول لهم: أنا لا أريد أن انفي أنا أريد أن أثير علامات استفهام؟!..

وماذا يفهم الناس العاديون إذا قال لهم العالم: أنا شاك في ثبوت هذا الأمر؟!.. ثم يقيم لهم عشرات الأدلة علي ان ذلك بعيد وغير معقول. ثم يقول لهم: انا لا أنفي ذلك..

سكوتها عن مطالبة الشيخين دليل علي عدم ضربهم لها.

سكوتها عن مطالبة الشيخين دليل علي عدم إسقاط الجنين.

لو اعتدوا علي الزهراء لما سكت الناس.

لم تضرب فاطمة، ولا كسر ض_لعها، ولا كشف بيتها، بدليل قول كاشف الغطاء.

لو ضربت الزهراء لاحتج به علي.. لأن ذلك يثير الجماهير..

لا دليل شرعياً علي إحراق الباب.

لا دليل شرعياً علي ضرب الزهراء.

لا دليل شرعياً علي كسر

الضلع.

تحريف سند الرواية ثم القول: سند رواية دلائل الإمامة ضعيف.

ضرب المرأة عيب عند العرب فكيف ضربت الزهراء.

كاشف الغطاء يشكك في ما جري علي الزهراء.

يقول البعض:

"لماذا لم تذكر الزهراء ما جري من ضرب، وإسقاط جنين لأبي بكر وعمر، عندما جاءا إليها ليسترضياها؟!."

ويقول:

"ليس ثمة دليل شرعي علي أنهم ضربوها، وأحرقوا الباب، وكسروا الضلع. وأما رواية دلائل الإمامة فهي ضعيفة، لأن راويها محمد بن سنان، ووثاقته محل نظر. ولو كان عبد الله بن سنان فهو ثقة، لكنه محمد بن سنان. والأغلبية لا يأخذون بكلامه".

ويقول:

"كيف يمكن أن يضرب المهاجمون الزهراء، وقد كان ضرب المرأة عيبا عند العرب"؟.

ويقول في أجوبته علي آية الله التبريزي، فيما زعم أنه رد عليه:

"كما أن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يشكك في ذلك، لا من جهة تبرئة عمر، ولكن لأن ضرب المرأة عند العرب كان عاراً علي الإنسان وعقبه، كما جاء في نهج البلاغة، فهو امر مستنكر وعار عند الناس، لذلك لا يفعلونه خوفاً من العار، كما يقول كاشف الغطاء" [117] .

ويقول فيما اعتبره رداً علي آية الله التبريزي:

"وما ذكرتموه عن دلائل الإمامة تحت عنوان بسندٍ معتبر، ليس معتبراً؛ لأن الراوي هو محمد بن سنان، الذي لم يوثق عندنا، وعند سيدنا الأستاذ السيد الخوئي قده" [118] .

وقد استدل البعض، بإجابة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء _ الذي وصفه بأنه من المفكرين _ علي سؤال حول هذا الموضوع، معتبراً أن كلام كاشف الغطاء يثبت عدم صحة ما يقال من كسر ضلع الزهراء عليها السلام، بسبب ضرب المهاجمين لها، كما أن ذلك ينفي ما يقال من دخولهم بيتها، وضربها، وما لحق أو

سبق ذلك من أحداث.

واستدل أيضاً علي نفي حصول أي شيء علي الزهراء بأن الناس لن يوافقوا علي التعرض للزهراء (ع) بسوء أو أذي. ولن يجرؤ المهاجمون علي فعل أي شيء ضدها. لأن الناس لا يقبلون ذلك منهم.

ويتساءل هذا البعض عن السبب في عدم استفادة علي (عليه السلام) من هذا الأمر في حجاجه واحتجاجه، مع أن فيه حجة قوية وهامة عليهم، وإثارة عاطفية من جميع الجهات ضدهم علي حد تعبيره.

وقفة قصيرة

والنقاط التي نريد اثارتها هنا هي التالية:

1 _ إن هذا البعض يقول: إنه لم ينكر ما جري علي الزهراء (ع) وإنما أثار علامات استفهام. والذي نورده في هذا الفصل من استدلالات مختلفة له هي استدلالات علي عدم حصول هذا الأمر.. فهو يقول: "أشك"، ولكنه يقيم عشرات الادلة علي النفي..

2 _ إن هذا البعض يعترف بأن الزهراء قد ظلمت في غصب فدك، وفي تهديدها بالإحراق، وفي غصبهم الخلافة من علي عليه السلام.

ثم إنه هو نفسه يستدل علي نفي حصول الضرب، وإسقاط الجنين، وكسر الضلع، بأن ذلك لو صح، فقد كان اللازم أن تذكر ذلك لأبي بكر وعمر، حينما جاءا ليسترضياها..

ونقول في جوابه:

لماذا لم تذكر الزهراء جرائمهم في غصب فدك، والخلافة والتهديد بالإحراق للشيخين حينما جاءاها ليسترضياها؟..

فإذا كان اللازم أن تذكر لهما ضربها، وإسقاط جنينها وكسر ضلعها، فان اللازم أيضاً: أن تذكر لهما ما يعترف هو بحصوله أيضاً من انهم هددوها بالإحراق علي الأقل و.. و..

3 _ إن الزهراء قد تحدثت حين جاءها الشيخان بصورة كلية وعامة، فذكرت لهما أنهما آذياها وأغضباها.. وأنها لن ترضي عنهما. ولو أنها ذكرت ما أصابها من ضرب وسقط جنين وغير ذلك، لكانت قد

مكنتهم من تشويه القضية، بإشاعة: أن القضية مجرد حنق شخصي، وسيقولون للناس: إنه قد كان علي الزهراء أن تكون أكثر مرونة وتسامحاً، حيث إن العفو هو سبيل الإنسان المؤمن. وفي ذلك تضييع للقضية الأساس والأهم، بل هو يستبطن الطعن في شخصية سيدة نساء العالمين، والتي يرضي الله لرضاها، ويغضب لغضبها، حيث إن ذلك يظهرها بمظهر من يهتم بنفسه أكثر مما يهتم بقضايا الدين، والإسلام والإيمان.

4 _ إن عدم الاحتجاج بأمر لا يدل علي عدم وقوع ذلك الامر، إذ قد تحصل موانع من الاحتجاج به.

ثم إن ما فعله هؤلاء لم يكن بالأمر الخافي علي أحد، فلا فائدة من الاحتجاج به، إلا إذا كان ثمة ضرورة لإحراجهم بإلزامهم بالامر. حيث يكون لهذا الإلزام فائدة وليس ثمة من عائدة، لأنهم كانوا مصرين علي ما فعلوه. حتي إنهم لم يعترفوا لها ولو بغصب فدك، فمن لا يتراجع عن هذا الأمر الصغير، هل يتراجع عن ذلك الأمر الكبير والخطير؟!..

5 _ بالنسبة لرواية دلائل الإمامة، نقول لهذا البعض: إن راويها هو عبد الله بن سنان الذي يعترف هذا البعض نفسه بوثاقته، فسند الرواية صحيح. وليس هو محمد بن سنان، كما زعم هذا البعض..

ولا ندري ما هو السبب في تغييره وتبديله في سند هذه الرواية، لينقلب الأمر في وثاقة راويها رأساً علي عقب..

6 _ ما معني قوله: ليس ثمة دليل شرعي علي أنهم ضربوها، واحرقوا الباب، وكسروا الضلع.. أليس قد ذكرنا في كتابنا مأساة الزهراء مئات الروايات والنصوص الدالة علي ذلك كله؟! فإذا لم يكن هذا دليلاً شرعياً، فما هو الدليل الشرعي الذي يطلب؟!..

7 _ إن كون ضرب المرأة عيباً لا يعني عدم ارتكابهم لهذا العيب

إذا وجدوا أن أمراً خطيراً جداً سوف يخسرونه كما هو الحال هنا [119] .

8 _ قد جلدت السيدة زينب بالسياط كما ذكر هذا البعض نفسه وكذا سائر السبايا..

وكان المشركون يعذبون النساء في مكة، حتي ماتت سمية أم عمار بن ياسر تحت التعذيب، وقد اعترف عمر نفسه بأنه كان يعذب جارية بني مؤمل.

ولما مات عثمان بن مظعون بكت النساء فجعل عمر يضربهن.

وأهدر النبي (ص) دم هبار بن الاسود، لاجل ما كان منه في حق زينب.

وضرب عمر النساء ومنهن أم فروة اخت أبي بكر لأنها بكت أخاها؟.. إلي غير ذلك مما لا مجال لاستقصائه؟؟!..

9 _ لا ندري بعد كل ما قدمناه متي كانت أقوال الرجال حجة في اثبات الحقائق أو نفيها؟.. فعلام إذن يستشهد بكلام كاشف الغطاء يا تري؟!..

علي أن كاشف الغطاء لا ينفي مظلومية الزهراء بصورة قاطعة، بل هو يعبر عن حيرته وذهوله.. من هذا الأمر الفظيع الذي جري علي بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقد تحدث في شعره عن مظلومية الزهراء، فقال:

وفي الطفوف سقوط السبط منجدلاً من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبالخيام ضرام النار من حطب بباب دار ابنة الهادي تأججه

ولاجل ذلك، فإننا نري أن كلام هذا الرجل ربما يكون قد جاء للإجابة علي سؤال من قبل من يقدس أولئك المهاجمين، فجاءت اجابته رحمه الله كافية لبيان الحقيقة من جهة، ولا تثير حساسية هذا النوع من الناس من جهة أخري.

وإن من يلاحظ كلماته في جنة المأوي ص83، ابتداء من قوله: طفحت، واستفاضت كتب الشيعة.. وانتهاء بقوله: ما يعد أعظم وأفظع، يجد صحة هذا الذي ذكرناه. حيث إنه قد اكد علي حدوث هذه

المظالم في حق الصديقة الطاهرة عليها السلام بما لا مزيد عليه.

10 _ أما بالنسبة لقوله:

"ان الناس لن يسكتوا علي امر العدوان علي الزهراء، لحبهم لها، ولمكانتها في نفوسهم..".

فجوابه واضح: اذ إن هؤلاء الناس أنفسهم قد قالوا لرسول الله، وهو مريض، وقد أراد أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده: إن النبي ليهجر.. إلا أن ينكر هذا البعض حتي صدور هذا منهم إذ: (من أجل عين ألف عين تكرم).

كما أن سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة قد قتل هو و ولده وأصحابه وسبيت النساء والأطفال..

أضف إلي ذلك: أن هذا البعض يعترف بجمع الحطب والتهديد بالإحراق.. فأين كانت غيرة الناس آنئذ يا تري؟!.

11 _ وحول عدم ذكر علي (عليه السلام) لهذا الأمر في حجاجه واحتجاجه مع انه امر يثير الجماهير ضد غاصبي الخلافة فقد بات واضحاً أن علياً (ع) نفسه قد أوضح بما لا مزيد عليه أن الامر لا يتحمل أية إثارة، فان الإسلام كان في خطر شديد وأكيد.

أضف إلي ذلك أن الامر لم يكن خافياً علي أحد. فلا داعي إلي ذكره مع هذا الحضور الشديد له في الأذهان.

مع أن الجراح الشخصية، والآلام الروحية يمكن حل عقدتها ببعض الكلام المعسول، وبالخضوع الظاهري منهم والاعتذار، وتضيع القضية الكبري. وقد تحدثنا عن ذلك في كتاب مأساة الزهراء ج1 ص204 فراجع.

الروايات التي تتحدث عن مظلوميتها متضافرة ومستفيض_ة.

روايات المظلومية تكاد تكون متواترة..

هل كشف دار فاطمة، أم كشف بيتها؟!..

حرق الدار لم يتأكد له.

كسر الضلع لم يتأكد له.

إسقاط الجنين لم يتأكد له.

لطم خد الزهراء(ع) لم يتأكد له.

ضرب الزهراء(ع) لم يتأكد له.

مظالم

الزهراء الأخري لم تتأكد له أيضاً.

المفيد شكك في وجود ولد اسمه (محسن).

المفيد يشكك في إسقاط الجنين ونحن نوافقه.

كثير ممن هجم علي دارها كان قلبه ينبض بمحبتها.

المتيقن هو كشف دار فاطمة والتهديد بالإحراق.

يقول البعض:

"ولا نجازف إذا قلنا: إن الروايات التي تتحدث عن مظلوميتها متضافرة ومستفيضة، بل تكاد تكون متواترة" [120] .

ويقول:

"ولأجل هذه المحبة والقدسية التي يحملها المجتمع المسلم للزهراء (ع) رأينا أنه عندما هجم علي دارها من هجم بقصد الإساءة وهّددوا بإحراق البيت كان الاستنكار الوحيد أن في البيت فاطمة، ولم يقولوا: إن في البيت علياً، ولا الحسنين، ولا زينب، بل إن فيه فاطمة، ما يدل علي أنها كانت تعيش في عمق وجدان المسلمين، وتستحوذ علي محبتهم، حتي إن كثيراً ممّن هجم علي دارها مع المهاجمين كان قلبه ينبض بمحبتها. ولهذا انصرف باكياً عندما سمع صوتها [121] وهكذا وجدنا المسلمين تفاعلوا مع خطبتها، التي خطبتها بعد وفاة الرسول(ص)، وغصب ال_خلافة، ومصادرة فدك، وتأثروا كثيراً لكلامها، حتي أنه لم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ" [122] .

ويقول:

"هناك بعض الحوادث التي تعرضت لها مما لم تتأكد لنا بشكل قاطع وجازم، كما في مسألة حرق الدار فعلاً، وكسر الضلع، وإسقاط الجنين، ولطم خدها، وضربها.. ونحو ذلك مما نقل إلينا من خلال روايات يمكن طرح بعض علامات الاستفهام حولها، إما من ناحية المتن وإما من ناحية السند. وشأنها شأن الكثير من الروايات التاريخية.

ولذا فقد أثرنا بعض الاستفهامات كما أثارها بعض علمائنا السابقين رضوان الله عليهم، كالشيخ المفيد الذي يظهر منه التشكيك في مسألة إسقاط الجنين، بل في أصل وجوده، وإن كنا لا نوافقه علي الثاني.. ولكننا لم

نصل إلي حد النفي لهذه الحوادث، كما فعل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) بالنسبة لضربها، ولطم خدها، لأن النفي يحتاج إلي دليل، كما أن الإثبات يحتاج إلي دليل، ولكن القدر المتيقن من خلال الروايات المستفيضة بل المتواترة تواتراً إجمالياً هو الاعتداء عليها من خلال كشف دارها، والهجوم عليه والتهديد بالإحراق، وهذا كان للتدليل علي حجم الجريمة التي حصلت.. هذه الجريمة التي أرقت حتي مرتكبيها، ولذا قال الخليفة الأول لما دنت الوفاة ليتني لم أكشف بيت فاطمة، ولو أعلن علي الحرب" [123] .

ويقول:

"ان الشيخ المفيد _ رحمه الله _ في كتاب الإرشاد يشكك في وجود محسن فيقول: وينقل بعض الشيعة أنه أسقطت ولدأً سماه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو حمل محسنا؛ فعلي قول هذه الطائفة من الشيعة يكون أولاد علي (ع) ثمانية وعشرين ول_داً" [124] .

وقفة قصيرة

1ً _ قد ذكرنا فيما سبق نصاً من الكتاب الذي يقول عنه:

"أصبح هذا الكتاب (الزهراء القدوة) يمثل كل فكري في سيدة نساء العالمين".

غير أن الحقيقة هي أن الأمر ليس كذلك، فلدينا الكثير مما قاله حول الزهراء، ولم نجد له أثراً في هذا الكتاب، بل ربما نجد فيه ما يعاكسه ويناقضه، وهو القائل: إن أفكاري ما تزال أفكاري وأنا ملتزم بها.

مما يعني: أنه ملتزم بما في هذا الكتاب، وملتزم أيضاً بغيره مما قاله حول السيدة الطاهرة عليها السلام في الإذاعات وأجهزة التلفاز، أو سجلته الصحف والمجلات واحتفظت به أجهزة التسجيل (الكاسيت، والفيديو) وغير ذلك.

2ً _ إن الحديث المستفيض هو الذي رواه في كل طبقة أزيد من ثلاثة رواة.

والخبر المستفيض لا يخرج عن كونه من أخبار الآحاد أيضاً.

والملفت أنه قد أصر

علي عدم بلوغ أحاديث مظلومية الزهراء حد التواتر، وقوله: " بل تكاد تكون متواترة" شاهد علي هذا الاصرار..

ومن الواضح:

أولاً: أن هذا البعض يشترط في حجية الاخبار التاريخية، وغيرها _ ما عدا الاحكام _ أن تكون مفيدة للقطع، وبدون ذلك فلا حجية لها. فأخبار مظلوميتها علي رأيه لا تفيد في إثباتها، لأنها مستفيضة، أي أنها ثلاث روايات أو أزيد، ولكنها لم تصل الي حد التواتر المفيد للقطع..

ثانياً: إن ما ذكرناه في كتاب مأساة الزهراء من نصوص حديثية عن المعصومين، ومن نصوص تاريخية، وغيرها، وهي من الكثرة بحيث استغرقت اكثر صفحات الجزء الثاني، وهي تعد بالعشرات والمئات.. ليست متواترة وحسب، وإنما هي مجموعة تواترات تضاف إلي بعضها البعض.

ثالثاً: إننا حين نستوضح من هذا البعض عن المظلومية التي يقصدها، ويبخل علينا بالحكم بتواتر نصوص إثباتها، فانه سيجيب: إنه يقصد فقط جمع الحطب والتهديد بالإحراق. ولعله يضيف إلي ذلك أيضاً غصب فدك وغصب الخلافة. أما ما عدا ذلك، فهو يشك فيه.. غير أنه اعترف في هذا النص بكشف دار فاطمة، وهو ما كان ينكره في السابق..

فإذا كان هذا المقدار من المظلومية (وهو جمع الحطب والتهديد بالإحراق)، لم تصل رواياته إلي درجة التواتر الذي هو حجة عنده، فكيف بما سواه مما جري عليها صلوات الله وسلامه عليها؟!

3 _ يلاحظ: أنه إنما اعترف بكشف (دارها) ولم يقل بيتها، وان كان حين ذكر كلام أبي بكر حول هذا الأمر، نجد أن تعبير ابي بكر قد جاء أدق وأوضح من كلام هذا البعض فقد قال أبو بكر: (بيت فاطمة) ولم يقل: (دار فاطمة..) لأن الدخول للدار قد لا يصاحبه دخول البيت.

4 _ إن هذا النص الذي

ذكرناه _ وهو الذي نقلناه من كتاب "الزهراء القدوة" وقد هذب إلي أقصي الدرجات يوضح: أنه لا يزال مصراً علي تشكيكاته بما جري علي الزهراء من مظالم.. ويوضح أيضاً: أن إنكاره لا ينحصر بأمر كسر الضلع وحسب، وانما يتعداه إلي مختلف مفردات مظلوميتها عليها الصلاة والسلام.

5 _ إن مراجعة علامات الاستفهام والأدلة التي طرحها هذا البعض، وقد ذكرنا شطراً كبيراً منها في هذا الفصل تعطينا: أن ما جعله مبرراً للتشكيك في إحراق الباب والضرب، وإسقاط الجنين هو نفسه من أسباب التشكيك حتي في جمع الحطب، وفي حدوث أدني تعرض بالسوء للزهراء عليها السلام.. فإذا جرّت باؤه هناك، فلا بد أن تجرّ في سائر الموارد..

فقد احتج بأن للزهراء، مكانة كبيرة لدي المسلمين. تمنع من حدوث هذه الأمور..

فإذا كانت هذه المكانة تمنع من الإحراق ومن كسر الضلع، وإسقاط الجنين و و.. فانها تمنع أيضاً جمع الحطب، ومن التهديد بالإحراق. وتمنع أيضاً من كشف (دارها) علي حد تعبيره..

واستدل أيضاً _ بأن الذين جاء بهم عمر لمهاجمة بيتها كانت قلوبهم مملوءة بحبها، فكيف نتصور أن يهجموا عليها كما ذكره في إذاعة تابعة له..

وهذا بالذات يقال بالنسبة لجمع الحطب، والتهديد، فان قلوبهم كانت مملوءة بحبها فكيف نتصور أن يكشفوا دارها. أو أن يجمعوا الحطب، أو أن يهددوا بإحراق البيت..

وهكذا الحال بالنسبة للعديد من أدلته التي ذكرنا في هذا الكتاب شطراً منها..

وإذا كان هؤلاء الأشخاص علي حد تعبيره في كتاب للإنسان والحياة _ قد فهموا كلام النبي حول تعيين من يقوم بالأمر بعده بطريقة معينة، فكان إبعاد علي عليه السلام عن الخلافة نتيجة هذا الفهم الذي يعذر فيه صاحبه، فإن النتيجة تصبح واضحة وجلية..

ولا حاجة بنا إلي قول أكثر من ذلك.

6 _ وأما بالنسبة لما ذكره هذا البعض فيما اعتبره رداً علي آية الله التبريزي حول كلام الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد عن تعداد أولاد أمير المؤمنين عليه السلام.. فهو غريب وعجيب، إذ إن من البديهي عند أهل العلم والاطلاع: أن من يطلق عليهم اسم (الشيعة) كانوا عدة فرق، كالإسماعيلية، والزيدية، والإمامية، والفطحية، والمعتزلة وغيرهم، فلا يحق للشيخ المفيد أن يقول: إن الشيعة يقولون بكذا.. إذا كانت بعض فرقهم لا تقول به، بل عليه أن يقول: (ومن الشيعة من يقول الخ..) ولأجل ذلك نجده قد عبّر بهذا التعبير بالذات.

فما معني أن ينسب إلي الشيخ المفيد التشكيك بأصل وجود المحسن؟!!

شرف الدين يثبت كسر الضلع، وهذا البعض ينسب إليه نفيه.

شرف الدين يثبت بيت الأحزان، وينسب هذا البعض إليه نفيه.

شرف الدين يثبت كشف البيت وهذا البعض ينسب إليه نفيه.

سند مهاجمة الزهراء محل مناقشة في بعض ما ورد.

لم يذكر شرف الدين في المراجعات والنص والاجتهاد أي شيء من ذلك.

يقول البعض:

"لقد كانت المسألة كلها: أن لدي تساؤلات تاريخية تحليلية في دراستي، كنت أحاول اثارتها في بحثي حول هذا الموضوع.. لا سيما أني كنت قد سمعت من الإمام شرف الدين قدس سره، جواباً عن سؤال حول الموضوع: إن الثابت عندنا أنهم جاؤا بالحطب، ليحرقوا البيت. فقالوا: إن فيها فاطمة، فقال: وان.

ولذلك فقد أجبت عن سؤال حول الموضوع: ان السند محل مناقشة، في بعض ما ورد. ولكنه امر ممكن..

وعن سؤال حول إسقاط الجنين: أن من الممكن أن يكون طبيعياً.. الخ [125] .."

ويضيف علي ما تقدم في مورد آخر:

"ولم يذكر السيد عبد

الحسين في النص والاجتهاد، ولا في المراجعات أي شيء من هذا الذي يقال؛ راجعوا.."

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا نتمني علي القارئ الكريم أن يلاحظ الأمور التالية:

1 _ لماذا يلجأ هذا البعض إلي أقوال الرجال.. وهو لم يزل يعنف السابقين بأنهم قد ارتكبوا أخطاء، ولا سيما في أمور العقيدة، فضلاً عن غيرها، ويريد هو تصحيحها؟!

2 _ إن ما ذكره هذا البعض عن السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله لا يمكن قبوله، إذ قد قال السيد عبد الحسين رحمه الله: (وكأني بها، وقد أصلي ضلعها الخطب، ولاع قلبها الكرب، ولعج فؤادها الحزن، واستوقد صدرها الغبن، حين ذهبت كاظمة، ورجعت راغمة، ثم انكفأت إلي قبر أبيها باكية شاكية قائلة.

قد كان بعدك انباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا

فليت بعدك كان الموت صادفنا لما قضيت وحالت دونك الكثب

ولم تزل _ بأبي هي وأمي _ بعد أبيها (ص) ذات غصة لا تساغ، ودموع تتري، من مقلة عبري، قد استسلمت للوجد، وأخلدت في بيت أحزانها إلي الشجون، حتي لحقت بأبيها، معصبة الرأس، قد ضاقت عليها الأرض. الخ..) [126] .

كما أنه رحمه الله قد ذكر في هامش كتابه النص والاجتهاد، وكذلك في أصل الكتاب: أن القوم قد كشفوا بيت فاطمة، فراجع [127] .

5 _ أضف إلي ما تقدم: أن السيد عبد الحسين شرف الدين حينما يناقش أهل السنة، فهو لا يريد أن يواجههم بكل هذه الطامّات، فان ذلك من شأنه أن يثير عصبيتهم وحفيظتهم، ويبعثهم علي العناد، فتفوت الفائدة من الحوار معهم. فلا بد من المداراة لهم، ومحاولة إيصالهم إلي الحق والحقيقة بصورة تدريجية..

4

_ علي أن كتب السيد شرف الدين لا تنحصر في المراجعات، وفي النص والاجتهاد، بل له مؤلفات أخري، مثل كتاب المجالس الفاخرة. وقد نقلنا عنه النص السابق ذكره..

5 _ ما معني قوله:

"إن السند محل مناقشة في بعض ما ورد.."

فهل يريد أن يقول: إن بعض ما ورد صحيح، والبعض الآخر فيه مناقشة؟. وما هو الضير في ذلك، مادام أن بعض ما ورد صحيح السند؟!..

وإذا بلغت النصوص الحديثية، والتاريخية حد التواتر، فما هي الحاجة إلي البحث في صحة السند وضعفه؟!.

6 _ أما بالنسبة لكون إسقاط الجنين كان طبيعياً، فقد أشرنا إلي بعض ما فيه في مورد آخر من هذا الكتاب.

7 _ ما معني أن يستند في أمر خطير كهذا إلي قول واحد أو اثنين أو ثلاثة من المتأخرين، حيث تفردوا بأمر لا شاهد لهم عليه، ويخالفهم فيه آلاف العلماء، بل علماء الأمة بأسرها، وعشرات بل مئات النصوص الصريحة والصحيحة والمتواترة فهل يصح الاعتماد علي قول كهذا لتغيير الحقيقة التاريخية، وترك كل ما عداه وتجاهله، واقتلاعه من وجدان الناس؟!

8 _ هذا كله.. عدا عن أن من غير المعقول: أن يُسِرّ السيد شرف الدين بهذه الحقيقة الخطيرة جداً إلي فتي يافع، ويترك جهابذة العلماء فلا يشير إليهم بشيء من ذلك، لا من قريب ولا من بعيد. ثم هو لا يسجل ذلك في أي من كتبه، بل يسجل ما يخالفه حسبما تقدم.

9 _ والأغرب من ذلك أن يتذكر هذا البعض هذا النص الذي تفرد بنقله عن السيد شرف الدين (قده)، ولا ينساه، ولا يبدل حرفاً ولا كلمة، رغم ما نشهده منه من نسيان لأبسط الأمور، وأقربها إلي حياته حتي إنه لينسي مقدار

عمره حسبما عرفناه في كتابنا: لماذا كتاب مأساة الزهراء. وفي كتاب: مأساة الزهراء نفسه..

10 _ إن قولهم لعمر، حين الهجوم علي البيت: إن فيها فاطمة. فأجاب: وإن.. إنما ذكر في كتاب: الإمامة والسياسة، ولم يذكر لهذا النص سند. وغير هذا النص اكثر تداولاً، واصح سنداً، واكثر عدداً، مما يعد بالعشرات.. فلماذا اعتبر السيد شرف الدين _ لو صح النقل عنه _ خصوص هذا النص هو الثابت. ويترك كل ما عداه..

11 _ هل يقصد السيد شرف الدين بقوله المنسوب إليه: (عندنا) طائفة الشيعة، أم يقصد نفسه؟ فان كان يقصد طائفة الشيعة، فإن الشيخ الطوسي وكاشف الغطاء قد صرحا بإجماع الشيعة خلفاً عن سلف علي خلاف ذلك.

وإن كان يقصد نفسه، فلا بد أن نسأله عن الأدلة التي جعلته يختار هذا النص التاريخي المرسل، المروي في خصوص ذلك الكتاب المشار إليه آنفاً، ويترك ما عداه مما حفلت به المصادر الكثيرة والمتنوعه، التي أوردنا جانباً عظيماً منها في الجزء الثاني من كتابنا مأساة الزهراء؟!.

المزيد من الأدلة الواهية
بداية

إن هذا البعض لم يزل يثير الشكوك حول ما جري علي الزهراء بعد وفاة رسول الله (ص). وحين يواجه بالاعتراض والانكار، والنقد من قبل المخلصين من علماء الأمة ومراجع الدين. يبدأ بكيل الشتائم لهم عبر وسائل الإعلام المتوفرة لديه، أو تصل إليها يده، ويصورهم بابشع الصور، ويتهمهم بأعظم التهم، التي يوجب بعضها استحلال دمائهم..

هذا عدا عن تحريضه الناس ضدهم، وتعبئة قلوب الناس الطيبين والغافلين بالحقد والضغينة، والتنفر من كل عالم أو مرجع، أو حتي من يضع العمامة علي رأسه، بل ومن كل متدين لا يدور بفلكه، ولا يلتزم خطه ونهجه..

ونحن نورد في هذا الفصل نبذة من استدلالاته الواهية التي ترمي

للتشكيك بما جري علي سيدة النساء، وتبرئة الآخرين مما فعلوه ضدها.

فنقول:

خصومتهم لعلي لا تمنع من احترامهم لزوجته لسبب ما.

تشبيه حالتهم مع علي وزوجته بمرشح ينافس مرشحاً آخر..

يقول البعض:

"إن خصومة المهاجمين مع علي عليه السلام لا تمنع من كونهم يحبون الزهراء عليها السلام، ويحترمونها؛ إذ قد يكون هناك مرشح ينافس مرشحاً آخر، ويريد إسقاطه في الانتخابات، ولكن خصومته له لا تمنع من أنه يحترم زوجة منافسه، ويجلها، لسبب أو لآخر.."

وقفة قصيرة

ونلاحظ هنا:

1 _ إن قضيتهم مع علي لا تشبه قضية المرشح الذي ينافس مرشحاً آخر.. بل هي بمثابة انقلاب عسكري، اعتمد أسلوب الضربة الخاطفة والموجعة، والتي صاحبها ارتكاب جرائم قتل وحرب، وانتهاك حرمات واقتحام بيوت، ومحاولة احراقها، وما إلي ذلك.

2 _ إن احترام المرشح لزوجة منافسه، لا يعرف بالتكهن، والاحتمالات، بل يعرف بالممارسة، وبالموقف.. وقد رأينا من هؤلاء القوم شراسة وقسوة بالغة في تعاطيهم مع زوجة من يصفه هذا البعض ب_ (المنافس).!!

3 _ ولنفترض أن المهاجمين كانوا يحبونها ويحترمونها. ولكن ذلك لم يمنعهم، إذ وقفت في وجههم، وهددت طموحاتهم، وظهر لهم أنها ستكون سبباً في إفشال خطتهم _ لم يمنعهم ذلك _ من أن يعاملوها بقسوة وبعنف بالغ..

ومن الواضح: أن الملك عقيم لا رحم له ولا رحمة فيه، فان طالب الملك قد يقتل أخاه وأباه وولده من أجل الملك _ وفي التاريخ شواهد كثيرة علي ذلك.. وقد يحب الإنسان صديقه اكثر من حبه لنفسه، فإذا تعارض لديه الحبّان، فان السوار لن يكون أحب إليه من المعصم. فسيكسر الف سوار، ولتسلم تلك اليد. كما يقول المثل المعروف.

اعتراض المهاجمين علي عمر بأن في البيت فاطمة يدل علي محبتهم

لها.

اعتراضهم بوجود فاطمة في البيت دليل اجلالهم لها واحترامها.

معني: "إن في البيت فاطمة"، أنه كيف ندخل ونخوفها ونروعها.

يقول البعض:

"إن الذين اعترضوا علي عمر، حين هدد بإحراق بيت الزهراء (ع) هم نفس الذين جاؤا معه ليهاجموا البيت، فقالوا له: إن فيها فاطمة!! فقال: وإن.

واعتراضهم هذا يدل علي أن للزهراء محبة في نفوسهم، وعلي أنهم يحترمونها، ويجلونها؛ لأن معناه: أن بنت رسول الله (ص) في البيت، فكيف ندخل عليها ونروِّعها ونخوفها".

وقفة قصيرة

ونطلب من القارئ الكريم، أن يقف عند النقاط التالية:

1 _ ما هو الدليل علي أن الذين قالوا لعمر: ان في البيت فاطمة كانوا من المهاجمين؟!.. فقد كان بيتها عليها السلام في مسجد النبي (ص)، فلعل المعترض هو أحد من كان موجوداً في المسجد، يراقب ما يجري. ولعله بعض المؤمنين الطيبين، الذين صادف حضورهم هناك

وهذا هو الأولي بالاعتبار، لأن ظاهر حال المهاجمين هو انهم لا يقيمون وزنا لعلي وللحسنين وللزهراء صلوات الله وسلامه عليهم.

2 _ لنفترض أن المعترض علي عمر هو أحد المهاجمين. فهل هذا الاعتراض من واحد منهم يصير دليلاً علي أن الجميع كانوا يحبونها ويجلونها، ولا يحبون أن يخوفوها، ويروعوها؟!

3 _ ولنفترض: أن بعض المهاجمين قال ذلك.. فلعله قد قاله خوفاً من انقلاب الأمور ضدهم، لو أن الزهراء عليها السلام أصيبت بأذي، فهو بمثابة تحذير لعمر، حتي لا يفسد الأمر بتصرف ينذر بعواقب وخيمة. حيث لا يمكنهم تبرير ذلك للناس.. فإن الاعتداء علي علي قد يمكن تبريره بأنه قتل آباءهم وإخوانهم، أو قاتلهم وواجههم.

فلا يكون هذا القول دليلا علي حب أحد من المهاجمين، ولا حتي دليلا علي حب قائله للزهراء، فضلاً عن أن يدل علي

احترامه وتبجيله لها.

4 _ لقد اعتدي المهاجمون علي الزهراء، ودخلوا بيتها، وهتكوا حرمتها.. واغتصبوا فدكاً، وإرثها.. وقال بعضهم للنبي: إن النبي ليهجر و و.. ولم نجد أحدا من المهاجمين اعترض، أو أدان..

5 _ إن تاريخ وسياسات الذين جاء بهم عمر ليهاجموا الزهراء يدل علي أنهم لا يحبون أهل البيت، ولا يجلونهم، الا بصورة يقتضيها واقع المجاملة الظاهرية.

طلب الشيخين للمسامحة يدل علي مكانة وقيمة الزهراء بين كبار الصحابة.

يقول البعض:

"ألا يدل طلب الشيخين _ ابي بكر وعمر_ المسامحة من الزهراء (ع) علي أن الزهراء (ع) كانت تحتفظ بقيمتها في المجتمع المسلم بين كبار الصحابة".

وقفة قصيره

ونقول:

1 _ إن طلب المسامحة يدل علي أنهم لم يراعوا مكانتها، ولا قيمتها في المجتمع المسلم حيث إنهم آذوها، وأهانوها إلي درجة احتاجوا معها إلي طلب المسامحة..

2 _ إن قيمة رسول الله في المجتمع المسلم اعظم من قيمة الزهراء، وقد آذوه إلي حد أنهم قالوا عنه: إنه ليهجر، وقد قذفوا زوجته، ونفروا به ناقته، وعصوا أمره بتجهيز جيش اسامة، وما إلي ذلك..

كما أنهم لم يراعوا حرمته بعد وفاته فاعتدوا علي ابنته وهددوها بإحراق بيتها وهي فيه _ وضربوها، وكسروا ضلعها، واسقطوا جنينها، وأحرقوا بابها، وكشفوا دارها. وندموا علي ذلك ندامة ظاهرية، حيث لا ينفع الندم. وقلنا: "ظاهرية" لأنهم لم يصلحوا شيئاً مما أفسدوه، ولا أعادوا الحق الذي اغتصبوه، كما أن الذين جاؤا بعدهم قد هتكوا حرمة الكعبة، ورموها بالعذرة، وبالمنجنيق، وقتلوا الحسين عليه السلام ومن معه، وسبوا عياله.. و و الخ..

نعم، هذه هي قيمة الزهراء في المجتمع المسلم التي اضطرت القوم إلي طلب المسامحة، وذلك ليزيلوا الآثار السلبية لعدوانهم عليها.. وهذه هي قيمة سيد

رسل الله وخير خلقه عند هؤلاء القوم..

3 _ ولماذا لم يقل هذا البعض: إن استرضاءها (ع) كان صورياً.. وليس واقعياً.. بدليل أنهم لم يتخذوا أية خطوات عملية لإزالة آثار عدوانهم الآثم عليها.. ولا تراجعوا عن قرارهم بغصب ارض فدك، واغتصاب الخلافة من علي.. وأصروا علي عدم معاقبة الجناة الذين قتلوا محسناً..

4 _ إن تعظيم الزهراء واحترامها لم يمنعهم من اقتراف ما يعترف به هذا البعض _ مثل غصب فدك _ والتهديد بإحراق بيتها عليها بمن فيه، ولا من هتك حرمة ذلك البيت والدخول إليه عنوة _.

5 _ إن الحب والاحترام لا يمنع حتي الأب من قتل ولده في سبيل الملك، بل يقال: إن بعض النساء في العصر العباسي قد قتلت ولدها من اجل ذلك.. فلا يصلح ما ذكره هذا البعض دليلاً علي النفي، بل هو لا يصلح حتي مبرراً للتشكيك بما جري علي الزهراء..

الاعتداء علي الزهراء بفظاعة يثير الرأي العام ضد المهاجمين.

احترام الناس للزهراء يجعلنا نشك في صحة ما يقال من اعتداء شنيع.

رواية كسر الضلع ضعيفة.

تضعيفه لرواية كسر الضلع كان جواباً علي سؤال بعض النساء.

التحليل التاريخي يفرض التحفظ في موضوع كسر ضلع الزهراء.

لا يجرؤ علي ضرب الزهراء أشد الناس انحرافاً ووحشية.

للزهراء محبة وعاطفة لدي المسلمين لم يبلغها أحد.

قلوب المهاجمين كانت مملوءة بحب الزهراء.

محبة المسلمين للزهراء اكثر من محبتهم لعلي، والحسنين.

الدليل علي حبهم للزهراء: أن علياً دار بها علي البيوت طلبا للنصرة.

المسألة محل خلاف في رواياتها التاريخية..

المسألة محل خلاف في التحليل النقدي لمتن الروايات.

يقول البعض عن كسر ضلع الزهراء:

"انا استبعدت الموضوع استبعاداً، رسمت علامة استفهام علي أساس التحليل التاريخي.

قلت: أنا لا أتفاعل مع هذا لأن محبة المسلمين للزهراء عليها السلام كانت اكثر من محبتهم لعلي، واكثر من محبتهم للحسن وللحسين، وفوقها محبتهم لرسول الله (ص).

قلت: إن من المستبعد أن يقدم أحد علي فعل ذلك، مع الإقرار بوجود نوايا سيئة ومبيتة ليس لبراءة فلان م_ن الناس، ب_ل خ_وف_اً م_ن أن يهيج ال_رأي الع_ام الإسلامي" [128] .

ويقول أيضاً:

"والمسألة محل خلاف من جهة الروايات التاريخية، وفي بعض الأمور المتعلقة بالتحليل النقدي للمتن" [129] .

ويقول:

"المسألة كلها تدخل في نطاق التساؤلات التحليلية لمثل هذه المسألة في ابعادها التاريخية، سواء من ناحية السند، أو المتن، أو الأجواء العامة.." [130] .

ويقول البعض:

"إن الزهراء عليها السلام كانت تحظي بمكانة متميزة لدي المسلمين جميعاً، فالتعرض لها والاعتداء عليها بهذا الشكل الفظيع قد يثير الرأي العام ضد المهاجمين.

ويدل علي ذلك اكثر من خبر يتحدث عن تعامل الناس معها بطريقة الاحترام والتبجيل، وذلك يثير علامات استفهام كثيرة حول صحة ما يقال من اعتداء شنيع عليها".

ويقول البعض عبر إذاعة محلية تابعة له:

"إن الذين جاء بهم عمر كانت قلوبهم مملوءة بحب الزهراء فكيف نتصور أن يهجموا عليها. ثم يستدل هذا البعض علي ذلك بأن علياً عليه السلام كان يدور بالزهراء علي بيوت المهاجرين والانصار لتدافع عن حقه، أي أنها تريد أن تستفيد من مكانتها لكسب نصرتهم، فكيف يجرؤون علي مهاجمتها".

ويقول أيضاً:

"الملحوظ: أن شخصية الزهراء عليها السلام كانت الشخصية المحترمة عند المسلمين جميعاً، بحيث إن التعرض لها بهذا الشكل قد يثير الكثير من علامات الاستفهام. وذلك من خلال ما نلاحظه من تعامل الجميع معها في اكثر من خبر" [131] .

ويقول البعض أيضاً:

"قبل سنة

في هذا المسجد في مجتمع للجنة النسائية محدود جداً جري حديث عن الزهراء، وسئلت عن مسألة كسر الضلع، فقلت: أنا حسب اطلاعي: إن الرواية الواردة في هذا ضعيفة.

وقلت: إن التحليل التاريخي يجعل الإنسان يتحفظ في هذا الموضوع؛ باعتبار أن الزهراء كانت تملك محبة، وثقة، وعاطفة لدي المسلمين لم يبلغها أحد.

كنا نقول: إن هناك تحفظاً في الرواية الواردة؛ لأنها ضعيفة في سندها وفي طبيعتها. وإن تحليل ودراسة موقع الزهراء في المسلمين يجعلنا نستبعد أنهم يجرؤون علي ذلك، حتي لو كانوا في اشد حالات الانحراف والوحشية".

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن احترام الناس للصدّيقة الطاهرة ليس فوق احترامهم لرسول الله (ص)، ومكانتها لا تزيد علي مكانته. وقد وجدنا أنهم يواجهون الرسول قبل وفاته بجرأة تفوق الوصف حين قالوا له: إن النبي ليهجر [132] .

ولم نجدهم حركوا ساكناً، ولا ثار الرأي العام ضد هذا القائل _ وهو شخص واحد _ بل وجدنا الكثيرين منهم يقفون إلي جانبه، ويقولون: القول ما قال فلان. كما أن مكانة الرسول لم تمنع هذا القائل من إطلاق هذا القول الشنيع.

ثم إنه (صلي الله عليه وآله) قد أمرهم بالالتحاق بجيش أسامة فلم يطيعوه رغم إصراره (صلي الله عليه وآله) الشديد حتي لقد لعن من تخلف عن جيش اسامة [133] وحتي هذا لم ينفع!!

2 _ لقد قتل أناس يدّعون الإسلام سبط الرسول، وسيد شباب أهل الجنة، ورميت الكعبة بالمنجنيق، وبالعذرة، وبغيرها.. واستبيحت مدينة الرسول وسبيت العيال والأطفال لسبط الرسول، ورمي خليفة المسلمين _ وهو الوليد الأموي _ القرآن بالنشاب. و و و الخ..

ولم نجد الرأي العام يتحرك، أو يستفيق من سباته. وإن كان قد أفاق أحياناً؛ فبعد فوات الأوان.. رغم

أن الإسلام كان قد ضرب بجرانه، وقوي سلطانه، وشب الناس وشابوا عليه..

3 _ لقد كان أهل المدينة أكثر من فريق، وهم كما يلي:

الأول: ذلك الفريق الذي لا يتورع عن مواجهة الرسول بالقول حتي بمثل: إنه ليهجر، ولا يبالي بشيء، بل هو علي استعداد لضرب الزهراء، وهتك حرمة بيتها، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها، وإحراق بيتها علي من فيه، وحتي قتلها إن أمكنه ذلك، من أجل الحصول علي ما يريد..

الثاني: الناس الضعفاء والبسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، وقد كانوا أو أكثرهم يكنون شيئاً من الحب لأهل البيت، ولكن ليس بيدهم حيلة، ولا يجرؤون علي فعل أي شي للدفع..

الثالث: ذلك الفريق الذي كان يكنّ لأهل البيت بعض الحب والتقدير، وليس ضعيفاً إلي درجة تقعده عن النصر، ولكنه لا يجد في نفسه الدافع للتضحية، أو للمبادرة لبذل أي شيء في سبيل إحقاق الحق.. لأنه يري مصلحته هي في الابتعاد عن هذه الأجواء..

الرابع: ذلك الفريق المخلص والمستعد للتضحية بكل شيء من أمثال أبي ذر، والمقداد، وعمار وسلمان. وهؤلاء هم أقل القليل..

وهناك فريق خامس، يلتقي مع الفريق الأول في الأهداف والطموحات.. قد يبذل محاولات لزجّ أهل البيت في صراع خاسر لهم، مربح له. فما دام ذلك الصراع يخدم مصالحه، فانه ينميه ويذكيه.. فإذا لم يعد يري فيه فائدة تركه ليبحث عن مصالحه في غيره، فإذا وجدها في مناهضته عدا عليه بالقتال، ورفع لواء الغدر.. وذلك من أمثال أبي سفيان حين عاد من سفره، وحاول أن يثير علياً وبني هاشم..

فمن أين؟ وما دليل هذا البعض علي أن قلوب المهاجمين كانت مملوءة: بحب الزهراء (ع)؟!..

ولماذا لا يكون المهاجمون هم الفريق الأول المبغض لعلي

والزهراء والشانئ لهم، والحاقد عليهم؟!.

4 _ إن مراجعة سريعة لأسماء المهاجمين، وقراءة لبعض تاريخهم تكفي لإظهار مدي بعدهم عن أهل البيت عليهم السلام. وانحرافهم عن خطهم، ومناوأتهم لهم. ويكفي أن نذكر أن منهم:

1 _ المغيرة بن شعبة.

2 _ خالد بن الوليد.

3 _ اسيد بن حضير.

4 _ محمد بن مسلمة.

5 _ ابا عبيدة بن الجراح.

6 _ عثمان بن عفان.

7 _ زيد بن اسلم.

8 _ قنفذ.

9 _ عبد الرحمان بن عوف.

10 _ معاذ بن جبل.

11 _ عمر بن الخطاب.

12 _ عياش بن ربيعة.

13 _ سالم مولي أبي حذيفة..

وغيرهم.. [134] .

وتكفي ممارساتهم حين الهجوم علي بيت الزهراء وبعده للدلالة علي حقيقة موقفهم منها، ومن أمير المؤمنين علي عليه السلام.. حيث جمعوا الحطب، وهددوا، وأحرقوا، وضربوا، وأسقطوا الجنين، وضربوا بالسوط ولطموا الخد، واقتحموا البيت، وكسروا الضلع، بل لقد منعوها حتي من البكاء إلي جانب قبر أبيها رسول الله، حتي اضطرت لاتخاذ بيت الأحزان في البقيع..

علي أن من الضروري الالتفات إلي أن أحداً لا يستطيع الجهر بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، حتي وهو يمارس ضدهم أبشع أنواع الجرائم، لأنه يكون بذلك قد وقف موقفاً مناقضاً للقرآن بصورة صريحة ويعرضه للرمي بالكفر والخروج من الدين، ولأن ذلك يعرف الناس بحقيقة ومدي مظلومية أهل البيت عليهم السلام..

5 _ لو كان المهاجمون يحبون الزهراء، ويقدرونها، فلماذا يهددونها ويظلمونها ولماذا احتاج علي إلي ان يدور بها علي بيوت المهاجرين والأنصار لطلب نصرتهم.. بل كان يكفيها أن تواجه المهاجمين أنفسهم، وتستخدم نفوذها عندهم، ولترجع الحق إلي أهله من أيسر طريق.

6 _ ولا أدري كيف تستنصر

الزهراء بالناس لمجابهة الذين يحبونها ويحترمونها، وتكون سبباً في زرع بذور الشقاق بين محبيها، وضرب بعضهم ببعض؟!!

7 _ ولا أدري لماذا أوصت الزهراء بأن لا يحضر أحد ممن ظلمها جنازتها؟!!. فإنهم إذا كانوا يحبونها ويحترمونها، فلماذا تحرمهم من هذا الأجر وتحجزهم عن نيل هذا الشرف؟!..

8 _ وبعد، فإن هذا البعض لا يستطيع أن يدعي أن الله قد أطلعه علي غيبه؛ فاشرف علي قلوب الناس في عهد رسول الله؛ وقاس مقدار محبتهم للرسول(ص) وللحسنين ولعلي، ولفاطمة صلوات الله وسلامه عليهم، فعرف مقدار التفاوت بين حبهم لهذا وحبهم لذاك. فكيف استطاع هذا البعض أن يعرف أن حبهم للزهراء اكثر من حبهم للحسن والحسين ودون ذلك حبهم لعلي عليه السلام؟!!.

9 _ ثم ان هناك احتراماً يظهر في الرخاء، وفي الظروف العادية، ولا أثر له في النصرة عند البلاء، وقد كان احترام كثير من الناس لها عليها السلام من هذا القبيل.

10 _ وقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله في جملة حديث له: (.. وأما قذف المحصنات، فقد قذفوا فاطمة علي منابرهم الخ..) [135] .

11 _ ليته حين حلل (!!) قضية الزهراء لينفي ما جري عليها.. قد حلل أيضاً قضية تحريك النبي (ص) للزهراء برجله.. ليعلمها حكما شرعياً، لعلها بزعم هذا البعض _ كانت تجهله، وهو لزوم الاستيقاظ لصلاة الصبح.. فراجع.. ما ذكر، حول هذه القضية في أوائل هذا القسم.

12 _ أما بالنسبة لضعف سند حديث كسر ضلع الزهراء فقد تحدثنا عنه في كتابنا: (مأساة الزهراء) بجزأيه، فراجع.

ولا تنسَ أخيراً أن هذا البعض لم يقتصر في نفيه لمظالم الزهراء علي إنكار حديث كسر ضلعها بل تعدي ذلك إلي التشكيك في جميع ما

جري عليها. ولم يعترف إلا بالتهديد بالإحراق، مع تأكيده علي أن المهددين كانوا يحبون الزهراء بل كانت قلوبهم مملوءة بحبها، مما يعني أن التهديد كان صورياً وليس حقيقياً.

13 _ وأما قوله:

"إنه سئل عن موضوع كسر الضلع في مجتمع نسائي صغير، فأجاب بأن الرواية ضعيفة الخ.."

فهو غريب، إذ إنه قد ذكر ذلك في نفس الخطبة الطويلة التي أوردها في مسجد بئر العبد، أمام كاميرات الفيديو وقبل أن يوجه إليه أي سؤال..

14 _ إن ما ذكره هذا البعض من أن المسألة محل خلاف في روايتها التاريخية، لا يصح، لأن الخلاف إنما هو في التفصيل والإجمال، وفي الاقتصار علي ذكر بعض الحوادث من هذا الراوي، وتعرض الراوي الآخر لذكر التفاصيل، ولرواية الأحداث التي يراد التعتيم عليها، وتجاهلها..

15 _ وأخيراً.. ألا يعتبر قول هذا البعض:

"إن أشد الناس انحرافاً ووحشية لا يجرؤ علي ضرب الزهراء"

ألا يعتبر دليلاً قاطعاً علي نفي تعرضها عليها السلام للضرب؟!

فكيف يقول:

"إنني لم أنفِ، بل طرحت علامات استفهام، لأن النفي يحتاج إلي دليل"؟؟!

و من أدلته الواهية أيضاً
بداية

إننا نذكر في هذا الفصل أيضاً طائفة أخري من أدلته الواهية، الرامية إلي إشاعة حالة الريب والشك فيما جري علي الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها بعد وفاة أبيها صلوات الله وسلامه عليه وآله..

وقد كنا نحب لهذا البعض أن لا يتخذ سبيل الإصرار علي هذه المقولات وغيرها مما ذكرناه في هذا الكتاب، وكذلك ما عزفنا عن ذكره رغبة منا في التفرغ إلي معالجة أمور أخري لا زالت تنتظر المعالجة؛ خصوصاً وأننا أصبحنا نشعر أن هذا البعض ممعن في هذا النهج الذي اختاره لنفسه، ونشعر كذلك بأن هذا الذي ذكرناه كاف وشاف وواف، بإبراز معالم

الطريق التي يسلكها.. فإن لم يكن هذا مقنعاً وكافياً، فأي شيء بعد هذا يمكن أن يقنع وأن يكفي.. نسأل الله أن يجعلنا من الذين ينصفون الناس وانفسهم، ولا يستكبرون عن الحق، إنه ولي قدير.

لم يكن للبيوت في المدينة أبواب.

كان للأبواب ستائر فقط.

إذا لم يكن أبواب فكيف عصرت الزهراء بين الباب والحائط؟!

إذا لم يكن أبواب فكيف اشتعلت النار في باب بيت الزهراء؟!

ينقل البعض عن أستاذ لمادة التاريخ في جامعة دمشق [136] :

أنه يقول:

"لم يكن لبيوت المدينة المنورة في عهد رسول الله أو بعده، أبواب ذات مصاريع خشبية، بل كان هناك ستائر فقط توضع علي الأبواب. وهذا له شواهد".

ثم قال:

"أنا ناقشته: لكن هو لديه دليل! فكيف عصرت الزهراء اذن بين الباب والحائط؟ وكيف اشتعلت النار في خشب الباب"؟!

ثم استدل هذا الناقل بأمرين مؤيداً بهما صحة هذا القول:

الأول: حديث رجوع النبي من سفر فوجد علي باب بيت فاطمة ستراً، فأزعجه ذلك. فرجع (ص)، فعرفت فاطمة (ع) السبب، فأعطت الكساء للحسنين، فأوصلاه إليه، ليتصدق به.

فقال (ص): فداها أبوها..

الثاني: حديث زنا المغيرة، حيث رفعت الريح الستر، فنظر إليه الشهود وهو يفعل الفاحشة.

وهذان الأمران يدلان علي أن الأبواب كانت عبارة عن ستائر، ولم يكن ثمة مصاريع خشبية.

وقفة قصيرة

ونقول:

إن استدلاله هذا لا يصح باي وجه. ونكتفي هنا بتسجيل الحقائق التالية:

1 _ إنه يحيل دعوي عدم وجود أبواب خشبية لبيوت المدينة علي غائب لا نعلم إن كان يرضي بهذه الإحالة أم لا.. وقد بلغنا أنه يرفض ذلك ويستنكره بشدة ومع ذلك نقول: إنه إن كان هذا البعض قد ناقشه كما صرح به وأقنعه بفساد قوله هذا، فلماذا

يستدل بدليل اثبت هو نفسه فساده؟!.

وإن كان أستاذ التاريخ هو الذي اقنع هذا البعض، فلماذا ينسب هذا الرأي إلي غيره؟!..

وإن كان قد بقي شاكاً، فلماذا يستدل بكلام مشكوك في صحته؟!..

2 _ إننا قد جمعنا عشرات أو مئات النصوص الدالة علي وجود أبواب ومصاريع خشبية لبيوت المدينة، وقد ذكرناها في كتاب: مأساة الزهراء، أواخر المجلد الثاني، فراجع.. وقلنا: إنه قد كان لها مفاتيح، وأقفال، ورتاج، وقد يكون خشبها من عرعر أو ساج، أو جريد. وغير ذلك من خصوصيات.

3 _ أما بالنسبة للاستدلال بحديث: إن رسول الله (ص) قدم من سفر، فوجد علي باب بيت فاطمة ستراً، فلم يعجبه ذلك. فيرد عليه:

ألف: إن وجود الباب لا يمنع من وجود الستر، ولا سيما في البلاد الحارة والمحافظة التي يطلب فيها الستر والهواء معا، فيفتح الباب، ويجعل علي الباب ستار يمنع من الرؤية..

ب: قد روي عن علي (عليه السلام): أنه كره أن يبيت الرجل في بيت ليس له باب ولا ستر [137] .

وعن النبي (صلي الله عليه وآله): هل منكم رجل إذا أتي أهله، فأغلق عليه بابه، وألقي عليه ستره الخ.. [138] .

ج: وفي رواية أخري عن النبي (ص): إنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، ثم تزوجها رجل، فأغلق الباب، وأرخي الستر، ثم طلقها الخ.. [139] .

د: وفي أخري عن الإمام الصادق (ع) في حديث جاء فيه: (وفاطمة فيما بين الستر والباب [140] وثمة أحاديث أخري تدل علي ذلك أيضاً.

ه_: إننا قد تحدثنا عن موضوع الستارة والقلادة في فصل: الجرأة علي مقام الزهراء، وأبيها..

وذكرنا هناك:

أولاً: إن هذه القضية إنما كانت للنبي (صلي الله عليه وآله)، مع

بعض نسائه [141] .

ثانياً: إن الزهراء لم تكن لتقدم علي عمل يكرهه الرسول، وهي المعصومة الطاهرة بنص القرآن الكريم.

ثالثاً: إن الزهراء لم يكن لها تعلق بالدنيا، وما كانت لتميل إلي زخارفها، التي ورد التحذير منها بكثرة.

4 _ أما بالنسبة لقضية زنا المغيرة فنقول:

أ _ لقد صرحت بعض نصوصها بأن الشهود كانوا في البيت المقابل لبيت المغيرة، ففتحت الريح باب الكوة بينهما، فقام أحدهما ليصفقه، فإذا به يري ذلك المشهد القذر.

ب _ قد تقدم أن وجود الستار لا ينافي وجود الباب أيضاً.

بعض الروايات تقول لم يدخلوا البيت، فكيف يصح قولهم إنهم ض_ربوها؟!

بعض الروايات تقول: لم يدخلوا البيت فكيف اسقطوا جنينها؟!

سلمنا دخولهم البيت فلماذا هاجموا خصوص الزهراء وتركوا علياً؟.

المفروض مهاجمة غرفته التي كان يجلس فيها مع بني هاشم.

بيت الزهراء ليس عشرة كيلو مترات، هو عشرة أمتار فقط.

أحاديث إحراق البيت في الامالي والاختصاص وتلخيص الشافي متعارض_ة.

أحاديث الإحراق تعارض أحاديث التهديد به.

روايات تقول: دخلوا البيت وروايات تقول: لم يدخلوا..

يقول البعض:

"إن بعض الروايات تقول: إن المهاجمين لبيت الزهراء (ع) لم يدخلوا البيت، فكيف يصح قول من يقول: إنهم ضربوها عليها السلام، واسقطوا جنينها، وغير ذلك؟!"

ويقول البعض:

"سلمنا أنهم دخلوا البيت، فلماذا يهاجمون خصوص الزهراء، ويضربونها، ويتركون علياً؟ فإن المفروض هو ان يهاجموه هو في غرفته التي يجلس فيها مع بني هاشم، فإن البيت ليس عشرة كيلو مترات، بل هو عشرة أمتار فقط".

ويقول في مورد آخر [142] :

"وفي هذا المجال هناك روايات مختلفة، فبعضهم يقول: دخلوا المن_زل، والبعض الآخر يقول: لم يدخلوا".

ويقول:

"المسألة محل خلاف من جهة الروايات التاريخية" [143] .

ويقول

أيضاً:

"إن هناك كثيراً من الارتباك في الروايات، حول وقوع الإحراق، أو التهديد به" [144] .

ثم هو يقول:

"إن أحاديث إحراق البيت المذكورة في تلخيص الشافي، والاختصاص، والأمالي للمفيد متعارضة، بين ما يذكر فيه التهديد من دون الإحراق، وهي كثيرة، وبين ما يذكر فيه الإحراق".

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن ضرب الزهراء، وإسقاط جنينها لا يحتاج إلي دخول البيت، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط، وقد تضرب دون أن يدخل المهاجمون بيتها.. وذلك لقربها من الباب، أو لوجودها في خارج الدار، وذلك حين أخذوا علياً مُلَبباً للبيعة، وفي حالات أخري..

2 _ هناك نصوص صرحت بدخول المهاجمين إلي البيت أيضاً.. وقد قال الخليفة الأول: وددت أني لم أكشف بيت فاطمة، وهو قول معروف ومشهور عنه. وقد ذكرناه مع مصادره في كتابنا مأساة الزهراء، فراجع إن شئت.

3 _ ليت هذا البعض ذكر لنا الرواية المصرحة بعدم دخول المهاجمين للبيت، وعين لنا مصدرها، ورواتها وبين لنا قيمتها في ميزان الاعتبار.. ثم وازن بينها وبين سائر الروايات، الصحيحة، والمتواترة..

4 _ إنه لا توجد رواية تصرح بعدم دخولهم البيت، بل الموجود هو سكوت بعض الروايات عن التصريح بالدخول.. وعدم التصريح بذلك، لا يعني التصريح بالعدم.

ومن الواضح: أن مصلحة الحكام تقضي بالتعتيم علي تلك الجرائم الهائلة، وعدم الجهر بها..

5 _ من أين عرف هذا البعض مساحة بيت علي عليه السلام، وإذا كانت مساحة البيت هي عشرة أمتار فقط، فكيف اتسع لبني هاشم، بالإضافة إلي أهل البيت؟!!

6 _ إنهم إنما هاجموها لأنها صدتهم عن الوصول إلي علي (ع) في اللحظات الأولي، ولم يدم الهجوم عليها مدة طويلة. وقد فرغوا منها وتركوها عند الباب، ودخلوا البيت.

وبتعبير

أوضح: إن القوم بمجرد أن أحسوا بوجود علي والزهراء عليهما السلام في داخل البيت.. بادروا إلي الهجوم، وحاولوا دخول البيت فتصدت لهم الزهراء، وخلال لحظات _ ربما ثوان يسيرة _ حصرت(ع) بين الباب والحائط وأسقط الجنين، وحصل ما حصل، فسمع (ع) الصوت فبادر إليهم، وقد وصلوا إلي داخل البيت، فواجههم، وأخذ أحدهم فجلد به الأرض، وانشغل عليه السلام بالزهراء.. فوجدوا الفرصة للفرار إلي الخارج، وصاروا يجمعون الحطب ويستعدون لجولات جديدة، فأحرقوا الباب، واستخرجوا علياً (ع) للبيعة عنوة، ولحقته الزهراء، فنالها منهم مرة أخري ما نالها من ضرب واعتداء. ثم كانت بعد ثمانية أيام قصة فدك، وضربت الزهراء أيضاً فيها مرة أخري وجري ما جري مما لا مجال للإفاضة في تفاصيله..

7 _ عن الارتباك والتعارض المدعي بين الروايات نقول: إن أحاديث التهديد بالإحراق لم تنفِ وقوع الإحراق. بل إن كلا من النقلة ينقل من الحدث بالمقدار الذي ينسجم مع أهوائه، ومراداته. والخلاصة إنه لا مانع من أن تذكر هذه الرواية أمراً، وتذكر تلك أمراً آخر، ولا تكونان متعارضتين.

8 _ ومن جهة أخري من الذي قال: إن بني هاشم كانوا موجودين مع علي (ع) في البيت في هذا الهجوم الأول فلعلهم التحقوا بمن في البيت بعد حصول الهجوم الأول..

9 _ هذا لو صح قولهم: إن بني هاشم كانوا في داخل البيت، الذي لم يكن ليسع كل هؤلاء بالإضافة إلي ساكنيه، وهو لا يزيد _ حسب دعوي هذا البعض نفسه _ عن عشرة أمتار..

10 _ علي أن ما وجدناه في التاريخ يقتصر علي ذكر أن الزبير خرج شاهراً سيفه، فأخذ منه ولم يصف لنا أي نص تاريخي آخر دور أي من رجال بني هاشم

الذين يدعي أنهم كانوا في داخل ذلك البيت..

لعل سقوط محسن قد حصل في حالة طبيعية طارئة.

لعل سقوط المحسن لم يكن نتيجة اعتداء.

وحين يسأل البعض عن سقوط المحسن يقول:

"إن سقوط الجنين محسن يمكن أن يكون قد حصل في حالة طبيعية طارئة، ولم يكن نتيجة اعتداء!!"

وقفة قصيرة

ونقول:

لا يمكن قبول هذا الأمر منه، لأمور عديدة.. نذكر منها:

1 _ قد دلت النصوص الكثيرة، ومنها ما هو صحيح سنداً، وكثير منها مروي عن أهل البيت(عليهم السلام).. وكثير غيره مروي في كتب الحديث والسيرة وغيرها عن الشيعة وعن غيرهم من فرق المسلمين. وهو في مجموعه أيضاً يفوق حد التواتر.. نعم.. إن ذلك كله قد دل علي أن سقوط المحسن كان نتيجة اعتداء..

ولو كان يسعهم _ اعني أتباع الذين اعتدوا علي الزهراء _ أن ينكروا ذلك، لم يتوانوا عنه..

2 _ إن الشيخ الطوسي قد ذكر إجماع الشيعة علي ان ضربها عليها السلام، وإسقاط جنينها قد كان نتيجة _ اعتداء.

3 _ إنه إذا كان النفي يحتاج إلي دليل. وكان الدليل لا بد أن يكون موجباً لليقين والقطع، كما يقول ذلك البعض، فنحن نطالبه بما ألزم به نفسه.. ولا نرضي منه بالتشكيك مع وجود الأدلة القاطعة علي الإثبات، و راجع ذكرناها في كتابنا مأساة الزهراء.

إذا كانت الزهراء مخدرة لا تقابل أحداً فكيف تفتح الباب؟!

ويقول البعض:

"إذا كانت الزهراء مخدرة، فكيف تبادر هي إلي فتح الباب، فان التي لا تري الرجال، ولا تقابل أحداً، لا تفعل ذلك".

وقفة قصيرة

ونقول:

قد اتضح مما سبق عدم صحة هذا القول. ولكننا مع ذلك نذكّر القارئ بما يلي:

1 _ إن الباب لم يفتح من قبل الزهراء. وإنما هي قد أجابت الطارق. لانها كانت قريبة منه، فلما عرفوا بوجود أناس في داخل البيت بادروا هم إلي فتحه عنوة. فلاذت خلف الباب، فعصروها بينه وبين الحائط. وكان ما كان..

2 _ إن المخدرة تفتح الباب، كما تفتحه غير المخدرة أيضاً. وأي محذور في أن تفتح المخدرة الباب مع

مراعاة حالة الستر والحجاب؟! فإن إجابتها لاتستلزم رؤية الرجال لها.

3 _ إن المخدرة قد تضطر للدفاع عن نفسها، وعن زوجها، وأولادها، وعن دينها ورسالتها، وهذا هو حال الزهراء، عليها السلام.

4 _ ان زينب العقيلة كانت مخدرة أيضاً، وقد أخرجها الإمام الحسين معه إلي كربلاء، مع علمه بأنها سوف تسبي، وتواجه المصائب والبلايا، وسوف تضطر للخطابة أمام الرجال في شوارع الكوفة، أو في قصر الإمارة أمام ابن زياد، وأمام يزيد في دمشق.

5 _ إن هذا البعض نفسه يقول: إن الزهراء قد خطبت في المسجد في المهاجرين والأنصار. ولم يمنعها خدرها من الدفاع عن الدين وعن الحق، حين كان لا بد لها من ذلك. وكانت هي القادرة علي الجهر بالمظلومية، وعلي تعريف الناس بالحق. فهل خطبتها بهم في المسجد تجوز، ولا يجوز لها أن تجيبهم من خلف الباب؟!

ترك علي لفاطمة لتفتح الباب ينافي غيرته وحميته.

هل يقبل احدكم بان تهاجم امه أو زوجته وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟

هل يقول الناس عن من يترك زوجته تجيب: إنه بطل؟

من يفعل ذلك جبان.

كيف تنسبون لعلي ما لا ترض_ونه لأنفسكم؟

علي شجاع دوّخ الابطال فكيف لا يدافع عن زوجته؟

ويري البعض:

"أن جلوس علي عليه السلام في داخل البيت، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافي مع الغيرة والحميّة، وهل يمكن ان يصدر مثل ذلك من علي عليه السلام؟!"

ويقول أيضاً:

"هل يقبل أحدكم ان تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟!

وماذا يقول الناس عنه لو فعل ذلك؟

هل يقول الناس عنه بطل؟! أم هو جبان؟

فكيف تنسبون

لعلي عليه السلام مجندل الابطال، ما لا ترضونه لأنفسكم؟!"

ثم يؤكد قوله هذا فيقول:

"لقد عقد في (دبيّ) مجلس عزاء حول الزهراء، وذكر القارئ هذه القضية، وكان أحد أهل السنة حاضراً، فقال لرجل شيعي كان هناك: أنتم تقولون: إن علياً بطل شجاع وقد (دوّخ) الأبطال؛ فكيف لم يدافع عن زوجته، وهي وديعة رسول الله عنده؟!"

وقفة قصيرة

1 _ ان الحسين (عليه السلام) هو إمام الغياري، كما أن علياً عليه السلام كذلك، فلماذا حمل الحسين (ع) نساءه معه وهو يعلم انهن سيتعرضن للسبي، ويقول: (إن الله شاء ان يراهن سبايا)؟! فكن ينقلن من بلد إلي بلد، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن..

2 _ لم يكن هناك أغير من رسول الله، ويذكر الحديث والتاريخ: أنه كان يأمر نساءه بإجابة الطارق حين يقتضي الامر ذلك.

3 _ إن علياً صلوات الله وسلامه عليه لم يصدر منه خلاف، وإنما المهاجمون هم الذين خالفوا أوامر الله سبحانه.. ومجرد إجابة الطارق علي الباب بكلمة: من الطارق ليس فيه ما ينافي الغيرة، فان الاقرب إلي الباب يجيب الطارق بحسب العادة خصوصاً عندما يكون صاحب البيت مشغولاً، ومن الذي قال: إن علياً (ع) لم يكن في وضع يمنعه من المبادرة لإجابة الطارقين؟!..

4 _ ومن الذي قال: إن علياً قد سمع الطرقة، ثم طلب من الزهراء أن تجيب، ثم انتظر ليسمع منها النتيجة؟!.. فقد كان يجلس في الداخل مع بني هاشم حسبما يقوله هذا البعض نفسه. والزهراء كانت الأقرب إلي الباب حيث كانت تجلس عند قبر أبيها الذي دفن قبل لحظات.

5 _ من الذي قال: إن الزهراء قد فتحت الباب؟. فقد سألوها أن تفتح الباب لهم، فأجابتهم، فهجموا علي الباب بمجرد سماعهم لصوتها،

ومعرفتهم بوجودها.. محاولين فتحه عنوة، فلاذت وراء الباب، فأحسوا بها، فعصروها بالباب.. ولا تستغرق هذه العملية اكثر من ثوان معدودة. فلما سمع علي عليه السلام الجلبة بادر إليهم. فهربوا، وأدرك الزهراء وهي في تلك الحال، فحاول إسعافها..

فلم يطلب عليه السلام من الزهراء أن تفتح الباب، ولا طلب منها مواجهة الرجال ومحادثتهم، بل جرت الأمور بسرعة، ولا دليل علي أنه قد سمع أو علم بما جري، قبل ارتفاع الأصوات.

6 _ وبعد التوضيح المتقدم يتضح: أنه لا معني لقول البعض: هل يقبل أحدكم بأن تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله..

ولا معني لقوله:

"هل يقول عنه الناس: إنه بطل أو جبان؟!"

كما لا معني للمحاورة التي نقلها عن سني وشيعي.

7 _ إن القضية هنا ليست قضية بطولة، وشجاعة شخصية.. إنها قضية الدين، والعمل بما هو مصلحة له.. وإن كان ذلك علي حساب الراحة والرضي الشخصي.. فالمهم هو رضي الله لأنه عليه السلام لا يقدم غضباً، ولا يحجم جبناً، بل يعمل بالتكليف الشرعي.. وليس الإقدام دليلاً علي حق أو باطل، ولا الإحجام دليلاً علي جبنٍ، فقد يكون العكس هو الصحيح في بعض الأحيان.

لماذا لا يفتح الباب أحد من بني هاشم، أو فض_ة، أو علي..

كان جميع بني هاشم مع علي عليه السلام في البيت.

ويقول البعض أيضاً:

"كل الروايات تقول: لم يكن علي عليه السلام وحده في البيت حينما هاجموه ليخرجوه، ليبايع أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله، بل كان معه (جميع بني هاشم) وكان معهم فضّة، والزبير، والعباس، فلماذا لم يفتح أحدهم الباب دونها؟".

ويزعم هذا البعض:

"أنه

قد كان علي علي (عليه السلام) ان يفتح الباب، أو تفتحه فضّة أو غيرها. اما الزهراء (عليها السلام) فلا مبرر لمبادرتها هي لفتح الباب دونهم".

وقفة قصيرة

إن ما ذكره هذا البعض لا يمكن قبوله، ذلك لما يلي:

1 _ إن دعواه: أن جميع بني هاشم كانوا عند علي عليه السلام في بيته، أثناء هجومهم علي ذلك البيت موضع شك. وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك، ونعود فنذكر القاريء هنا بما يلي:

ألف: إنهم يقولون: إن عمر (كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها) وما كان في الدار غير علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم سلام الله [145] .

ب: إن الهجوم علي بيت الزهراء كان اكثر من مرة، كما دلت عليه النصوص [146] .

ج: إن قوله: إن جميع بني هاشم كانوا مع علي في البيت، لا ندري مصدره ومعتمده، فان قعودهم عن البيعة تضامناً مع علي لا يعني أنهم كانوا معه في بيته.

نعم قد صرحت بعض الروايات بوجود الزبير [147] وبعضها أشار إلي وجود جمع أو عدة من بني هاشم [148] فمن أين جاء هذا البعض بهذا التعميم؟!

د: إن هذا البعض يقول: "إن مساحة البيت هي عشرة أمتار فقط، فهل يتسع بيت صغير كهذا لجميع بني هاشم، بالإضافة إلي سكان البيت؟! خصوصاً بعد دفن رسول الله (ص) في ذلك البيت، ولا بد من مراعاة حرمة قبره الشريف".

2 _ إنه لا معني لقول البعض لماذا لا يفتح الباب علي (ع)، أو فضة أو الزبير، أو غيرهم، فإن فاطمة لم تفتح الباب بل أجابت الطارق.. علي أن اغلاق الباب لا يعني اقفاله بالرتاج أو المفتاح.

3 _ إنه قد يكون كل هؤلاء في موضع بعيد عن الباب

أو قد يكون له مانع يشغله عن فتح الباب.. والسيدة الزهراء عليها السلام هي الأقرب منهم جميعاً.. فتتولي هي الإجابة دونهم بصورة طبيعية. وقد كان رسول الله (ص) حسبما أشرنا إليه يأمر بعض نسائه بإجابة الطارق، ربما حين لا تتهيأ له المبادرة للإجابة لأمر يشغله.

4 _ قد ذكرنا حين الحديث عن أن فاطمة وديعة رسول الله عند علي عليه السلام، وفي كتاب مأساة الزهراء أيضاً [149] : أن إجابة علي عليه السلام أو فضة أو أي شخص آخر سوي الزهراء للمهاجمين لا يمكن افتراضها، لأن ذلك يضيع الحق، ويثير الالتباسات والشبهات. فنحن نطلب من القاريء الكريم مراجعة ذلك في تلك الموارد إن أحب.

إذا جاؤا ليعتقلوك هل تقول لزوجتك: افتحي الباب.

جاؤا لاعتقال علي فلماذا تفتح الزهراء الباب؟

الموجودون في البيت مسلحون، فهل يخافون من مواجهة المهاجمين.

يقول البعض:

"إذا جاؤا ليعتقلوك فهل تقول لزوجتك: افتحي الباب أم تبادر أنت إلي فتحه؟! والجماعة جاؤا ليعتقلوا علياً فلماذا تفتح الزهراء الباب؟ خصوصاً وأن الذين في داخل البيت كانوا مسلحين، فهم لا يخافون من المواجهة مع المهاجمين. وقد خرج الزبير مصلتاً سيفه، فكسروا سيفه".

وقفة قصيرة

إن ما ذكره هذا البعض غير مقبول، وذلك لما يلي:

1 _ إن هذا الإشكال الذي أخذه هذا البعض من الفضل بن روزبهان.. هو مجرد مغالطة؛ فقد ذكرنا اكثر من مرة: أن الزهراء لم تفتح الباب. بل أجابت الذين جاؤا علي سؤالهم.. ربما لانها كانت اقرب إلي الباب من غيرها ممن كان في داخل البيت من الذين قد تكون هناك انشغالات منعتهم من المبادرة إلي فتحه أيضاً.

كما أن اغلاق الباب لا يعني أن يكون مقفلاً.

2 _ إن علياً ومن معه

ربما لا يكونون قد عرفوا بوجود أناس علي الباب إلا بعد فوات الأوان، وبعد حصول ما حصل، وهولم يستغرق إلا لحظات يسيرة.

3 _ إن فتح غير الزهراء للباب _ لو سلم _ فإنه لا يمكن أن يكون عن رأي علي، وبتخطيطه، لأنه سيكون غلطة كبيرة، لا يمكن أن تصدر منه، حيث إن ذلك من شأنه أن يؤدي إلي تضييع الحق، واعطاء الآخرين الفرصة للتزوير وللتشويه، أما حين أجابت الزهراء، فقد ضاعت الفرصة علي المهاجمين في ذلك.

4 _ ما الدليل علي أن الموجودين في داخل البيت مع أمير المؤمنين عليه السلام كانوا مسلحين.. فانه ليس ثمة ما يدل علي ذلك سوي ما ذكروه عن الزبير من أنه خرج مصلتاً سيفه، وقد أخذ منه ذلك السيف [150] ، ولم يفد شيئاً، فأين هي النصوص التي تثبت وجود سلاح آخر في حوزة بني هاشم، حين كان بعضهم في بيت أمير المؤمنين عليه السلام.

5 _ لنفترض: أنك جاء من يعتقلك، وكان طلبك من زوجتك فتح الباب يفوت الفرصة علي المهاجمين، أو أن ذلك يؤدي إلي فضحهم، والحاق الضرر بخطتهم، فلماذا لا تفعل ذلك، وتطلب من زوجتك أن تفتح الباب في هذه الحالة؟!.

وقد ذكرنا أن فتح علي (ع) للباب غير صالح في جميع الأحوال..

هذا لو صح افتراض أن تكون عليها السلام قد فتحت الباب فعلاً، وأن علياً كان قد علم مسبقاً بمجيئهم، وفرضنا أيضاً أن يكون هو الذي طلب منها ذلك، رغم أننا قد قلنا: إن ذلك كله ليس له ما يثبته..

و يزيد الطين بلة..
بداية

نذكر في هذا الفصل طائفة أخري من مقولات هذا البعض حول القضايا والمصائب والبلايا التي واجهت السيدة الزهراء.

ولا نشك في ان تضييع

الحقيقة وتعمية الأمور علي الناس أشد علي الزهراء من كل الآلام والمصائب التي واجهتها.. لأنها إنما تحملت ذلك كله من أجل تعريف الناس بالحق، فإذا ضاع هذا الهدف وتلاشي فان آلامها أيضاً تكون قد ضاعت بضياعه.. وضياع الحق سيكون أشد عليها من كل ما تحملته من آلام.

ونذكر فيما يلي بعضاً من الجهد الذي يبذله البعض في هذا السبيل ليضيفه القاريء الكريم إلي ما قدمناه.

علي (ع) وبنو هاشم معارض_ة للحكم.

علي (ع) متمرد علي الحكم.

إخضاع المتمرد علي الحكم امر طبيعي.

أرادوا اعتقال علي كي تنتهي المعارضة.

معني كلمة: (وإن): انه لا شغل لنا بفاطمة نريد اعتقال علي..

هناك رأي عام يمنع من إرادتهم فاطمة بسوء.

يقول البعض:

"ان المجتمعين في بيت الزهراء، وهم علي (ع) وبنو هاشم هم معارضة للحكم؛ فطبيعة الأمور تقتضي أنه إذا اجتمعت المعارضة ليتمردوا علي الخلافة: أن يبادر الحكام لمواجهتهم، وإخضاعهم، فهم قد جاؤا لاعتقال علي كي تنتهي المعارضة.

وأما فاطمة، فلا شغل لهم بها، لأن هناك رأي عام موجود، فقول عمر: (وان) جواباً لمن قال له: إن فيها فاطمة، يكون طبيعياً.

ومعناه: ما لنا شغل بفاطمة نحن نريد القضاء علي المعارضة باعتقال علي؛ فان كانت الزهراء موجودة، فنحن لا نقصدها بشيء، وقصدنا هو اعتقال علي فقط".

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن وصف علي عليه السلام بأنه متمرد غير مقبول، وكذا وصفه ومن معه من بني هاشم بأنهم معارضة. وذلك يوحي بأن الغاصبين هم الشرعية، ومن غصب منه الحق هو المعارضة، فإن ذلك يحمل في طياته درجة من عدم الاحترام لمقام سيد الخلق بعد رسول الله (ص). ما دام أنه عليه السلام منصوب إماماً للأمة من قبل الله سبحانه وعلي

لسان رسوله.

2 _ إن هذا التعبير ليس له ما يبرره من ناحية واقعية، إذ متي استقر للغاصبين حكم، واستقام لهم سلطان ليوصف أصحاب الحق بانهم معارضة.. إذ إن العدوان علي بيت السيدة الطاهرة المعصومة قد حصل فور عودة أبي بكر وحزبه من سقيفة بني ساعدة.

وحتي بعد إمساكهم بأزمة الأمور، وإقصاء صاحب الحق الشرعي، والذي يعمل المعتدون علي ابتزازه منه بالقوة والقهر، وبالحيلة والدهاء _ هل يصح وصفه بأنه متمرد، لا بد من إخضاعه؟!.. ليكون الطرف المعتدي والغاصب _، هو الشرعية، وهو المبغي عليه؟!.

3 _ إن قول عمر: لتخرجن، أو لأحرقن البيت بمن فيه، فقالوا له: إن فيها فاطمة. فقال: وإن..

صريح في أنه يريد إحراق فاطمة أيضاً.. لأنه يريد إحراقه بمن فيه، وفاطمة موجودة فيه.

فمعني كلامه:

"أنه حتي لو كانت فاطمة موجودة في البيت، فإنه سيحرق البيت بمن فيه.."

فكيف ادعي هذا البعض:

"أن المعني: أن لا شغل لنا بفاطمة نحن نريد اعتقال علي؟!".

فهل ذلك معناه: أن عمر سينقذ فاطمة قبل أن تصل النار إليها، أو أنه سوف يأمر النار بأن تلتهم عليا (ع) فقط، وتترك فاطمة. لأنها كانت مبجلة ومحترمة عنده؟!..

4 _ ما معني نجاة فاطمة، وإحراق علي والحسنين، وفضة وجميع بني هاشم.. فهل إن إحراق هؤلاء جميعاً سوف يرضي فاطمة؟! وسيكون تبجيلاً واحتراماً لها، وإدخالاً للسرور والبهجة علي قلبها؟!..

5 _ إن الرأي العام لا يسمح _ حسب زعم هذا البعض _ بإحراق الزهراء، فهل يسمح بإحراق علي عليه السلام؟! وهل يسمح بإحراق الحسنين عليهما السلام؟!..

وهل يسمح بإحراق فضة؟!

وبإحراق جميع، أو اكثر، أو بعض بني هاشم؟!..

فإن كان الداعي لرفض الرأي العام لإحراق الزهراء هو

قرباها من رسول الله (ص).. فإن الحسنين، وعلياً وبني هاشم كانوا من ذوي قرباه صلي الله عليه وآله أيضاً..

وإن كان الداعي لرفضهم.. هو أنهم لا يريدون الإساءة لرسول الله (ص)، فهل يكون إحراق علي، والحسنين وغيرهم من بني هاشم إحساناً ومحبة للرسول (ص) أم إساءة وجريمة _ ولا أعظم منها؟!..

وإن كان الداعي لرفضهم ذلك هو التزام أحكام الدين، والورع، والتقوي، وإرادة تطبيق أقوال النبي (ص) في حق الزهراء عليها السلام.. فان أقواله في حق علي، والحسنين، لا يجهلها أحد.. فلماذا لا يهتمون بتطبيق توجيهات رسول الله (ص) في حق هؤلاء، ولا يلتزمون أحكام الدين، ولا يمنعهم الورع والتقوي من الاعتداء علي هؤلاء، وإحراقهم؟!.

هذا، ولا ندري أين كان هذا الرأي العام حين قال قائلهم: إن النبي ليهجر؟! ولماذا لم نسمع أن أحداً منهم اعترض علي هذا القائل، أو عبس في وجهه علي الأقل؟!.

6 _ إن من الواضح: أن كلمة (وإن..) وصلية يعاد ما قبلها إلي ما بعدها ليوصل به. فيصير المعني: وان كان في البيت فاطمة، فسأحرقه بما فيه.. هذا هو معناها في اللغة العربية في مثل هذا السياق، فإن كان لها معني آخر فليدلنا هذا البعض عليه.

7 _ وإذا كانت كلمة (وان) قد أخرجت فاطمة.. فبأي شيء خرج الحسنان عليهما السلام وفضة وسائر بني هاشم؟!. إذ إن هذا البعض قد صرح بأن المقصود هو خصوص علي، فكيف أخرجت كلمة (وان..) كل هؤلاء.. والتصقت واختصت بعلي (ع) دون سواه؟!.

8 _ إنه إذا كان المهاجمون يسعون للاستدراج، أو لإثارة الأحاسيس بطريقة تمكن ذلك المهاجم من تحقيق مآربه في تمييع الأمور، وتضييع الحق. فانه لا يصح الاستجابة له، لأن في ذلك تفريطاً

بالقضية الأساس، وتضييعاً لفرصة معرفة الحق. وتمكيناً للمهاجمين وأتباعهم من ممارسة التزييف والتشويه للحق. وقد نهي رسول الله (ص) علياً (ع) عن التوسل بالقوة، فما معني أن يتوقع منه ذلك البعض أمراً قد نهاه عنه رسول الله؟!

فبطولة علي _ والحالة هذه _ هي بصبره علي الأذي، وعدم استجابته لما يريدون استدراجه إليه.

9 _ ولنفترض صحة ما يدعيه هذا البعض من أن القوم المهاجمين _ كانت قلوبهم مملوءة بحب الزهراء، وأنهم كانوا يحترمونها ويكرمونها.. فلماذا لا يفترض أيضاً أن علياً عليه السلام كان يسعي من وراء تقديم الزهراء لإجابتهم، إلي الاستفادة من موقعها ومكانتها لدفع غائلتهم بأسهل الطرق وأيسرها. لو صح أنه (ع) هو الذي طلب منها ذلك وصح أنه كانت هناك فرصة لها لإعلامه بما تتعرض له عليها السلام.

لم يقل النبي لعلي: لا تدافع عن زوجتك.

ضرب الزهراء لا علاقة له بالخلافة.

ضرب الزهراء مسألة شخصية.

الزهراء نفسها لا علاقة لها بالخلافة.

ويقول البعض:

"إن قلتم: إن علياً لم يدافع عن الزهراء، بسبب وصية النبي (ص): (قيدته وصية من أخيه).

قلنا: إنما أوصاه أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة، ولم يقل له: لا تدافع عن زوجتك. لأن ضرب الزهراء لا علاقة له بالخلافة، لأنها مسألة شخصية. كما أن.. الزهراء نفسها لا علاقة لها بالخلافة. أما مسألة الخلافة فهي تتعلق بالواقع الإسلامي كله".

وقفة قصيرة

ونقول:

إن هذا كلام لا يصح، لأمور عديدة:

أ _ إن مسألة الزهراء مع القوم هي مسألة الخلافة والإمامة، وهذا هو السبب في أنها تصدت لهم، ومنعتهم من الدخول، وهو السبب في إصرار القوم علي تحقيق أهدافهم.. والإمامة مقام إلهي، والخلافة هي أحد شؤون الإمامة.

فالقوم يخوضون معركة ضد

علي. والزهراء تساعد علياً (ع) عليهم، لأنهم يريدون إجباره علي التخلي عن أمر الخلافة وحمله علي البيعة لهم. وهذا البعض يعترف بأن النبي (ص) قد أوصي علياً بأن لا يخوض معهم معركة من اجل الخلافة.

إذن، فما معني قول هذا البعض: إن ضرب الزهراء مسألة شخصية لا ربط له بالخلافة، حتي يصل إلي نتيجة تقول، إن قتال علي لهم من أجل ذلك لا يعد إخلالاً بوصية الرسول.؟!.

إن الحقيقة هي: أن ما جري علي الزهراء عليها السلام يتعلق بالواقع الإسلامي كله.. فأي ردة فعلٍ من علي عليه السلام انتقاماً للزهراء ستفسر علي أنها من أجل الخلافة التي يدور الصراع حولها.

2 _ كيف يقول هذا البعض: إن ضرب الزهراء مسألة شخصية، مع أن النص قد سجل لنا: أنها قد ضربت وهي تدافع عن علي، حينما أنجدته، ولم تضرب لأجل أمر شخصي يرتبط بها هي. فهي قد أنجدت علياً حين أرادوا أخذه، (فحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط الخ..) [151] .

3 _ إن إنجاد علي (ع) للزهراء ان كان بمستوي الدخول مع القوم في معركة، فإن ذلك إذا كان يوجب تفاقم الأمر، وتعريض القضية للخطر، فإن هذا الانجاد يصبح معصية، لما يتضمنه من التفريط العظيم بأمر الدين..

وأما إن كان بحيث لا يوجب ذلك، فاننا نجد النص يقول: إنه عليه السلام قد انجدها، ودافع عنها، ففرّ المهاجمون لها، ولم يقووا علي مواجهته، فراجع [152] .

ويجد القارئ في الجزء الثاني من كتاب مأساة الزهراء الكثير من التفاصيل في هذا المجال..

4 _ لو كان ضرب الزهراء مسألة شخصية، فقد كان عليها أن تنهي الأمر بمجرد مجيئهم للاعتذار منها

فلماذا أصرت علي عدم الرضا؟ أليس لأجل أنهم لم يصلحوا ما أفسدوه من أمر الأمة..

5 _ لو كانت مسألة ضرب الزهراء من المسائل الشخصية لكان ينبغي أن تطالبهم بهذا الأمر، وتتفاوض معهم وتقدم شروطها لتسويته، ولكنها لم تطالبهم بشيء من ذلك.

فاطمة وديعة رسول الله عند علي فكيف لم يدافع علي عنها؟.

ويقول البعض:

"فاطمة وديعة رسول الله عند علي فكيف لا يدافع علي عنها؟ ألا يجب حفظ الوديعة؟"

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن دين الله كان اعظم وديعة عند علي وفاطمة عليهما السلام، فلا بد من حفظها.

2 _ إن علياً أمير المؤمنين (ع) لم يتوانَ عن حفظ الوديعة. بل عمل بما يجب عليه، والذين فرطوا في حفظ الوديعة هم المهاجمون. وبمجرد أن سمع علي (ع) الصوت بادر لنجدة وديعة رسول الله، فوجد أن الأمور قد انتهت منذ اللحظات الأولي..

3 _ إن من واجب علي (ع) هو أن لا يمكّن الغاصبين من تمرير مخططاتهم، وأن يحفظ للناس فرصة تمييز الحق من الباطل، فكانت إجابة الزهراء لهم علي الباب هي الطريق الأكثر أمناً، والأصلح لتحقيق هذا الهدف.. لأنه لو بادر هو عليه السلام لإجابتهم.. خصوصاً، وأن من اجتمع في المسجد هم هؤلاء الغاصبون وأعوانهم. وأما الباقون من أهل المدينة من ذوي النفوذ، فكانوا لا يزالون مجتمعين في السقيفة..

فإن كان ثمة من أحد من أهل المدينة في المسجد، فإنما هم بعض من لا حول لهم ولا قوة، من الفقراء والضعفاء الذين جاؤا للصلاة، أو لتمضية الوقت، والذين ينأون بأنفسهم عن المشاكل والمتاعب.

فإذا خرج عليه السلام إلي القوم. وهم وأعوانهم في المسجد، دون سواهم، فإما أن يستجيب لمطالبهم. فيضيع الحق بذلك.. وإما أن يرفض

فتثور الثائرة. ولا يوجد أحد ينقل الحقيقة للناس.. بل الموجودون هم خصوم علي ومناوئوه فقط..

فهل تراهم سوف ينقلون للناس حقيقة ما جري. وسيعرفون الناس بأنهم هم المعتدون الغاصبون الظالمون لعلي؟!..

وإذا كان الحكم والاعلام بيدهم، فكيف سينقلون الصورة للأجيال، وما هي طبيعة الشائعات التي سيطلقونها، والأعذار التي سيتذرعون بها؟!..

إن الأجيال التي ستأتي سوف تعتبر أن السلطة أمر تهفو له النفوس، ويتنافس عليه الطامحون. ومن الذي سيعلمها ويبيّن لها: أن علياً لم يكن طالب سلطة كغيره من الناس وبذلك ينسد باب المعرفة للحق.. علي جميع الأجيال..

وأما إذا أجابت السيدة الزهراء الطاهرة، والتي كانت مفجوعة بأعظم إنسان خلقه الله، والذي أخرجهم من الظلمات إلي النور والذي دفن للحظات خلت.. فمن المناسب هو أن يعاملوها معاملة تليق بها، وبموقعها، وتتناسب مع الظرف الذي تعيشه..

فإذا عاملوها بضد ذلك.. فان الناس كلهم سوف يدركون أنهم معتدون ظالمون، وأنهم قد أتوا ليغتصبوا أمراً خطيراً هو أهم في نظرهم من كل شئ، لا سيما وان هذا الحدث قد حصل في مكان هو من اقدس الأمكنة وهو مسجد الرسول وحصل عند قبر رسول الله (ص) مباشرة وفي بيت الزهراء، بالذات.. ولم يحصل في الشارع.. وقد حصل أيضاً بعد دفن الرسول مباشرة..

ومع البنت الوحيدة لهذا الرسول.

ومع امرأة لا تقوي علي الدفع عن نفسها أمام جماعة كبيرة من الرجال..

ومع من يغضب الله لغضبها ويرضي لرضاها..

إلي غير ذلك من خصوصيات.. من شأنها أن تزيد الأمر وضوحاً لمن يريد أن يفكر بالامر بأناة وتجرد..

4 _ قد قلنا إن القوم حين خرجوا من السقيفة كان أكبر همّهم هو حسم الأمر مع علي (عليه السلام) الذي يرون أنه الأخطر علي

طموحاتهم. وهو الوحيد القادر علي إحباط كل جهودهم.

فأسرعوا إلي بيت علي (عليه السلام) لينالوا بغيتهم قبل أن يعرف علي بالأمر، وقبل أن يستعد لأي تحرك..

وإذا كان علي (عليه السلام) قد فرغ لتوه من دفن الرسول، فإن من الطبيعي أن تأتي الزهراء لتودع أباها، فتجلس إلي القبر الشريف، _ وهو في بيتها _ وينصرف علي (عليه السلام) لبعض شأنه كالصلاة، أو تبديل الثياب، أو أي شييء آخر..

فجاء القوم إلي بيت الزهراء في المسجد، وبمجرد أن عرفوا أن علياً (عليه السلام) داخل البيت بادروا لاقتحامه بسرعة فائقة. وكان من الطبيعي أن تلوذ الزهراء بالباب لتتخذ منه ساتراً وحافظاً لها.

وحين أحسوا بها خلف الباب، فقد ضغطوها خلفه، وأردوا فتحه عنوة ورأوا أنها تمثل عائقاً قد يضيع عليهم الفرصة. وصرخت الزهراء فبادر علي (ع) لانجادها، ولكن الأمر كان قد قضي فقد نالوا من الزهراء (ع) ما أرهقها، وقتل جنينها.

وبعد أن هاجم (عليه السلام) المعتدين، وجلد بأحدهم إلي الأرض. وانشغل (عليه السلام) بالزهراء (عليها السلام) فر المعتدون إلي خارج البيت.

ولم يستغرق هذا الأمر منهم وقتاً طويلاً. بل حصل ما حصل _ ربما _ خلال ثوان قليلة.

وبقي المعتدون خارج البيت يعلنون بالتهديد والوعيد، ويجمعون الحطب لإحراق البيت.

وفي هجوم لاحق لهم استطاعوا أن يدخلوا البيت من جديد، وأن يأخذوا علياً بالقوة ولحقتهم الزهراء (عليها السلام) رغم جراحها وآلامها فضربوها من جديد.

ثم ضربوها مرة أخري في قضية اغتصاب فدك بعد ثمانية أيام.. إلخ القصة.

هل من مزيد؟
بداية

إننا علي يقين: من أن القارئ الكريم قد أصبح يملك حصيلة كبيرة يستطيع من خلالها الحكم علي أفكار هذا البعض ومقولاته. ويعرف إن كان يستطيع أن يتبني أي شيء من

هذه المقولات أو لا يستطيع..

كما أن عليه أن يعرف أنه هو المسؤول عند الله في هذه الأمور، ولا بد له من أن يأتي بالإجابة الصحيحة والصريحة أمام علام الغيوب، وأن يقدم العذر المقنع والمقبول عن أي موقف يتخذه.. ولكي نكون قد قمنا بواجبنا لجهة إتمام الحجة، فإننا نقدم في هذا الفصل بعضاً آخر من مقولات ذلك البعض، فنقول:

شهيدة بمعني شاهدة علي الناس لا مقتولة..

يقول البعض:

"ورد في الحديث عن الإمام موسي الكاظم (ع): (إن فاطمة صدّيقة شهيدة) [153] .

اننا نستوحي من هذا الحديث الشريف أن سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) وصلت إلي مقام الصديقين الذين يعيشون الصدق مع النفس ومع الله ومع الناس من حولهم، وقد عرفت أنها كانت الأصدق بعد أبيها كما روت عائشة.

ونستوحي منه أيضاً أنها وصلت إلي مقام الشهداء الذين يشهدون علي الأمة يوم القيامة، كما هو شأن الأنبياء الذين اصطفاهم الله سبحانه واختارهم لمقام الشهادة.

إنّ ضم كلمة (الشهيدة) إلي كلمة (الصديقة) هو الذي يوحي لنا بهذا التفسير لكلمة الشهيدة، لأنه يلتقي مع الإشارة القرآنية لذلك في قوله تعالي (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً) (النساء 69) وقوله تعالي: (ويوم نبعث من كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم..) (النحل 89) وغيرها من الآيات القرآنية التي تتحدث عن مقام الشهادة علي الأمة.

ولا ريب أن موقع الشهادة علي الامة هو أعظم من موقع الشهادة بمعني القتل في سبيل الله، لأن الشهادة بالمعني الأول هي صفة الله سبحانه (أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد) (فصلت 53) وهو أيضاً صفة أنبياء الله (فكيف إذا جئنا

من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيداً) (النساء 41).

وعندما يختار الله أحداً للاصطفاء ولمقام الشهادة، كما اختار سيدتنا الزهراء(ع) لذلك، فإن هذا الاصطفاء لا ينطلق من فراغ، بل هو ينطلق من الخصائص التي تحبّب هؤلاء إلي الله، وتجعلهم في مستوي حمل الرسالة، وتجسيد قيمها في الحياة" [154] .

وقفة قصيرة

إن هذا الذي ذكره هذا البعض، والذي أراد من ورائه إنكار استشهاد الزهراء، يحتاج لإيضاح مغازيه ومراميه إلي مجال آخر.. ولكننا نقتصر هنا علي النقاط التالية:

1 _ قال ابن الأثير: إن كلمة (شهيد) و (شهيدة) في الأصل: (من قتل مجاهداً في سبيل الله، ويجمع علي شهداء، ثم اتسع فيه فاطلق علي من سّماه النبي (ص) من المبطون، والغرق، والحرق) [155] .

وقال الزبيدي: (الشهيد في الشرع القتيل في سبيل الله) [156] .

واستعمال هذه الكلمة في غير هذا المعني.. يقترن بالقرينة التي تعين وتبين.. فقد تكون القرينة هي اقترانها بكلمة (علي كذا) كقوله: (شهداء علي الناس). أو (عليهم شهيداً) وقد تكون القرينة غير ذلك..

2 _ ولأجل ما ذكرناه آنفاً احتاج هذا البعض إلي تلمس القرينة الدالة علي ذلك، وهي ضم كلمة الشهيدة إلي كلمة الصديقة، استناداً إلي آية:

(ومن يطع الله والرسول، فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) [157] .

ولا ندري كيف أصبحت هذه الآية إشارة إلي ان المراد بكلمة (شهيدة) في الرواية هو الشهادة علي الناس، كما هو شأن الأنبياء الذين اصطفاهم الله، واختارهم لمقام الشهادة؟! ولماذا لا يكون المراد هو الشهداء بمعني الذين يقتلون في سبيل الله؟!.. فإن كلمة (الشهداء) قد اقترنت مع كلمة (النبيين، والصديقين، والصالحين)، فليس المراد بها الأنبياء الذين يشهدون، ولا

الصالحون الذين يشهدون، بل هي إلي إرادة المقتولين في سبيل الله اقرب، وبهم أنسب.

3 _ وحتي لو غضضنا النظر عن ذلك، فإن جزمه ويقينه بأن المراد بالآية هو مقام الشهادة علي الناس بلا جهة، لأن إرادة هذا المعني من آية أخري لا يعني أنه هو المراد في هذه الآية وفي تلك الرواية أيضاً..

4 _ علي أن هذا البعض يشترط في مثل هذه الأمور الدليل المفيد لليقين، فأين هو هذا الدليل الذي أفاده اليقين بإرادة الشهادة علي الناس يوم القيامة؟..

5 _ أما بالنسبة للآية الثانية التي استشهد بها وهي قوله تعالي: (يوم نبعث من كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم) [158] .

فإن الاستشهاد بها اغرب واعجب، وذلك، لأنها تحمل في داخلها قرينة صريحة علي أن المراد بها الشهادة علي الناس. وهي قوله: (عليهم من أنفسهم..) إذن، فما معني جعلها شاهداً ودليلاً علي إرادة الشهادة علي الناس في مورد آخر، مع أن هذا المورد الآخر ليس فيه هذه القرينة الصريحة؟! ويكون تجرده عن القرينة داعياً إلي حمله علي ارادة المعني الأصلي، وهو الشهادة بمعني القتل في سبيل الله.

6 _ إنه إذا كان ما ذكر في القرآن من آيات تتحدث عن مقام الشهادة علي الأمة قرائن علي المراد من كلمة (إن فاطمة صدّيقة شهيدة) فلماذا لا يكون ما جري علي الزهراء، من ضرب وقهر، وإسقاط جنين، واعتلال، ومرض مستمر وكسر ضلع، وبقاء آثار الضرب إلي حين الوفاة، حتي إن في عضدها كمثل الدملج.. نعم.. لماذا لا يكون ذلك كله قرينة علي إرادة المقتولة ظلماً من كلمة (الشهيدة)؟!.

ولماذا لا تكون كل الأحاديث التي تتحدث عن الشهادة بمعني القتل في سبيل الله، حتي لقد

أصبحت هي المقصودة في العرف الشرعي، قرينة علي إرادة خصوص هذا المعني دون غيره؟!..

7 _ إن كون موقع الشهادة علي الأمة اعظم من موقع الشهادة بمعني القتل، لا يعني عدم حصول القتل أيضاً، ولا يعني ذلك: ان لا يتحدث النبي والأئمة عن الاستشهاد بهذا المعني.

8 _ إن الحديث عن مقام الاستشهاد بمعني القتل قد ورد في ما يرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً. مع ان الحسين(عليه السلام) شاهد علي الأمة في يوم القيامة، كما أنه شهيد مقتول في سبيل الله.. فلماذا لا يصرف الأحاديث التي تحدثت عن قتله شهيداً عن معناها ليصبح المراد بها الشهادة علي الناس ويجعل الآيات المذكورة شاهداً علي ذلك؟!.

9 _ إن الحديث عن استشهادهم عليهم السلام مقتولين. هو حاجة للأمة تماماً كما هو الحديث عن مقام شهادتهم علي الناس.. بل ربما يكون هذا الحديث هو الأهم بالنسبة للناس الذين يفهمون الأمور من خلال تجسدها في وجدانهم، وتأثيرها في مشاعرهم.

ولأجل ذلك كان التأكيد علي مصيبة كربلاء، وإثارتها من خلال المأساة والشهادة.. وكان لا بد من الاستمرار علي ذلك مر الدهور والعصور.

10 _ لا ندري إن كان القارئ قد أدرك أمراً لم يزل يثير لدينا اكثر من سؤال، وهو أننا نجد البعض لا يهتم بمناقشة ما عند الآخرين من أفكار، ومن توجهات.. بل هو يتغاضي عن ذلك بصورة باتت تلفت النظر.. بل إنه ربما يقف بطريقة أو بأخري موقف التأييد والتسديد..

أما فيما يرتبط بمذهب أهل البيت وبمفرداته، ورموزه، وشعائره، وعلمائه وأعلامه، فاننا نشعر: أنه يكاد يكون شغله الشاغل هو البحث عن نقاط يزعم هذا البعض أنها نقاط ضعف، ويجهد لتلمس المسارب والمهارب للتخلص منها، أو علي الأقل

زعزعة الثقة بها، ووضعها في دائرة الشبهة، وإثارة الريب فيها. ولعل هذا الكتاب بجميع فصوله يصلح لأن يكون شاهداً علي ما نقول:

وقد كنا ولا زلنا نرغب بأن تسير الأمور في غير هذا الاتجاه.. ولكن ليس باليد حيلة، وليس امر ذلك بيدنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قضية الزهراء مع أبي بكر وعمر قد انتهت في حينها.

الزهراء رضيت علي ابي بكر وعمر حين استرضياها.

ويقول البعض:

"إن القضية قد انتهت في حينها، فانها صلوات الله عليها قد رضيت علي ابي بكر وعمر، حينما استرضياها قبل وفاتها".

وقفة قصيرة

إننا نشير هنا إلي ما يلي:

1 _ إن إصرار الزهراء علي أن تدفن ليلاً، ولا يحضر هؤلاء جنازتها، دليل علي أن القضية لم تنته في حينها..

وقد صرح البخاري وغيره: أن الزهراء ماتت مهاجرة لأبي بكر.. كما أن خفاء موضع قبرها إلي يومنا هذا يبقي هو الشاهد الحي علي أن الزهراء لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها..

إذ من غير المعقول.. أن ترضي عنهما، ثم تمنعهما من حضور جنازتها. وتمنعهما حتي من معرفة قبرها خوفاً من أن يتظاهرا بالحزن عليها، حينما يأتيان إلي قبرها، ويظهران التفجع والأسي عليها أمام الناس. فأرادت عليها السلام أن تفوت عليهما حتي فرصة الشائعة بأنها قد رضيت عنهما.. أو حتي أن يتمكنا من إظهار الحزن عليها بعد وفاتها.

2 _ إن هناك روايات تصرح بأنها لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها.. بل قررتهما فأقرا بما قاله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حقها، بأن من آذاها فقد آذاه، ثم أخبرتهما أنها لا ترضي عنهما حتي تلقي اباها رسول الله، فتخبره بأفاعيلهما، ويكون هو الحكم بينها وبينهما.

وقد روي هذا المعني

في كتب الشيعة والسنة علي حد سواء فراجع [159] .

وأما رواية بعض محبي أولئك القوم _ وهو الشعبي _: أنها رضيت عنهما، فيكذبها ما رواه البخاري بأنها ماتت وهي مهاجرة لهما.. وكذلك سائر الروايات الاخري، بالإضافة إلي أنها رواية موقوفة لا مجال للاعتماد علي سندها [160] .

3 _ ان مما لا شك فيه: أنه لم يكن في مصلحة القوم أن يظهر للناس أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت غاضبة عليهما، لأن ذلك معناه أن يراهما الناس في جملة من آذي رسول الله (ص) وأغضبه. فكان من الطبيعي أن يسعيا لاسترضائها. ولكنهما لم يقدما أي تنازل، ولم يتراجعا عن أي شيء مما اقترفاه في حقها.

إنها مجرد توبة صورية هي بمثابة السخرية بالطرف الآخر، والاستخفاف بعقله.. وهي ستكون أوجع للقلب، واقبح من ذنب.

فهما لم يرجعا فدكاً، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله (ص) وغيره، ولم يقرا بجريمتهما النكراء في حق الله والامة باغتصابهما الخلافة من صاحبها الشرعي.

ولم يظهرا الاستعداد لتقديم من ارتكب جريمة هتك حرمة بيتها، وجريمة ضربها، ومن قتل ولدها محسنا، وأحرق بابها، وكسر ضلعها، للقصاص، أو للاقتصاص منه.. فلم يعاقب أبو بكر قنفذاً، ولا المغيرة، ولا عمر بن الخطاب، ولا غيرهم ممن هتك حرمة بيتها، ولا حاول حتي أن يلومهم، أو يظهر العبوس في وجوههم، بل كان هو الراعي والحامي لهم، والمدافع عنهم، وقد أشار علي عليه السلام إلي أنه كان راضياً بفعلهم أيضاً. فراجع ما رواه المفيد في أماليه حول هذا الموضوع وراجع غير ذلك من مصادر عدّة.

وكذلك لم يظهر من قال لرسول الله (ص): إن النبي ليهجر.. أي ندامة علي قوله، فضلاً عن إظهار الاستعداد

للتكفير عن هذا القول الشنيع..

بل كان الذين فعلوا ذلك وسواه هم أركان الحكم وأعوانه، وكانت سيوفهم مسلولة علي كل من يعترض أو يشكو..

كما أنهم إلي آخر لحظات حياتها لم يسمحوا لها حتي بالبكاء علي مصائبها، وما ألم بها بعد وفاة أبيها.

بل إنهم قد كافأوا من أساء إليها، وهي الصديقة الطاهرة المعصومة، بإعفائهم من أي إجراء كانوا يتخذونه تجاه الآخرين، فولوهم الولايات وأعطوهم المناصب، ولم يشاطروا حتي قنفذاً في أمواله التي كدسها في ولاياته لهم. وكان ذلك منهم كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام مكافأة له علي ما صنعه بسيدة نساء العالمين.

بل إنني أكاد اجزم أن لو حاولت الزهراء استعادة ما اغتصبوه منها، فإنهم سوف يضربونها من جديد، ربما اشد من ضربهم السابق لها، فقد اصبحوا يشعرون بالهيمنة والسيطرة وبالقوة. هذا إن لم نقل: إنهم سوف يصدرون عليها حكمهم بالقتل بصورة علنية وظاهرة.

4 _ إن استرضاء الزهراء علي النحو الذي أسلفناه، ثم رضاها _ لو أنها رضيت _ سوف يفهمه الناس علي أن المسألة قد كانت مسألة حنق شخصي، دون أن يكون للزهراء أي حق فيما كانت تدعيه.. بل كان الحق كله لهما، وهي الظالمة والمعتدية، والطالبة لما ليس لها حق فيه.

ويصبح ضربها من قبلهم مجرد تسرّع هي التي استدرجتهم إليه، وحملتهم عليه، حيث فرضت عليهم أجواء ظالمة، دفعتهم لبذل المحاولة لحفظ الحق.. ولربما يكون تسرّع الزهراء، وإثارتها لهم في كلماتها، أو بغير ذلك هو الذي أثار حفيظتهم، وأخرجهم عن خط التوازن والاعتدال.

إذن.. فما علي الزهراء إلا أن تسمح وتسامح، وذلك هو ما تفرضه تعاليم الدين، وتقتضيه القيم الأخلاقية والإنسانية في حالات كهذه، بل إن طلبهما المسامحة لم

يكن لأجل ذنب اقترفاه، بل كان كرم أخلاق منهما، وتواضعاً وأريحية..

وبذلك تكون عليها السلام قد أعطت صك الشرعية للعدوان، ولاغتصاب الحق، والاستئثار بإرث الرسول، وتكون هي وعلي (عليهما السلام) مصدر الخطأ، والتقصير، والعدوان.. نعم.. إن ذلك قد يكون هو أو بعض ما كانا يرميان إليه من محاولتهما استرضاءها عليها السلام.

ولكن إصرارها علي عدم قبولهما، ورفضها حضورهما جنازتها، وعدم تعريفهما حتي بموقع قبرها. قد احبط خطتهما هذه. وأفهمت كل أحد، إلي يوم القيامة: أن القضية لم تكن شخصية، وإنما هي قضية الإسلام كله.. ولا تملك هي أي حق في التفريط في هذه القضية، ولذلك فانها قد قامت بواجبها في هذا المجال، علي افضل وجه، وأتمه وأكمله..

قبر الزهراء قد عرف الآن.

إن هذا البعض حين تحدث في ذلك المجتمع النسائي في مسجد بئر العبد، وأطلق تشكيكاته، ومقولاته حول الزهراء.. تلك المقولات التي كانت سبباً في انكشاف أمور كثيرة، سألته إحدي النساء، في تلك المناسبة بالذات السؤال التالي:

لماذا أصرت الزهراء علي أن يبقي قبرها غير معروف، مع أنها كانت قمة في التسامح؟!

فأجاب:

"كانت المسألة احتجاجية.. وقد عرف قبرها بعد ذلك".

وقفة قصيرة

1 _ إننا بالنسبة لقوله:

"إن قبرها عليها السلام قد عرف"

الآن نطلب منه: أن يدلنا عليه، ويقول لنا: هذا هو قبرها (ع) بالتحديد..

2 _ ليته إلي جانب ذلك يدلنا علي الأدلة القاطعة التي استند إليها في تحديده لموضع القبر، والتي قطعت عنده كل شك وشبهة.

3 _ إنه لا بد أن تكون الأدلة علي هذا الأمر _ حسب قرار هذا البعض _ أدلة توجب اليقين والقطع، ولا يكفي فيه أخبار الآحاد، بل لا بد من التواتر، أو الخبر المحفوف بالقرينة القطعية،

كما يقول..

4 _ كيف نجمع بين قوله:

"إن الزهراء أصرت علي إبقاء قبرها غير معروف؟ مع أنها كانت قمة في التسامح، من أجل ان المسألة كانت احتجاجية.."

وبين قوله:

"إن أبا بكر وعمر قد جاءا لاسترضائها قبل وفاتها، فرضيت عنهما".

بيت الأحزان..
بداية

إن هذا البعض يحاول أن ينكر وجود بيت الأحزان، الذي اتخذته السيدة الطاهرة المعصومة الزهراء عليها السلام، بعد منعها من قبل السلطة من البكاء، لأن ذلك يحرجهم، ويذكر الناس بأحداث يحبون أن لا يتذكرها أحد..

وقد بذل طاقات وجهوداً كبيرة، للاستدلال علي نفي حصول حزن بمستوي يجعل الآخرين يتضايقون منه، ويلجئونها _ من ثم _ إلي الخروج من بيتها، ومن عند قبر أبيها، لتتخذ بيتا عرف ببيت الأحزان.

وفيما يلي نماذج من جهوده التي بذلها في هذا السبيل..

لا حاجة إلي بيت الأحزان لتبكي الزهراء فيه.

التاريخ الصحيح وغير الصحيح أفاض في الحديث عن أحزانها، وربما كان بعض هذا الحديث غير دقيق.

حزنها القريب من الجزع علي الرسول ينافي عصمتها.

بكاؤها الشديد ينافي مكانتها وعظمتها.

النبي أوصي فاطمة بالابتعاد عن الحزن الشديد.

يقول البعض:

"إنه لا حاجة إلي بيت الأحزان لتبكي فيه الزهراء، إذ لا يتصورها تبكي بحيث تزعج أهل المدينة ببكائها، ليطلبوا منها السكوت، لأن ذلك يعني أنها كانت تصرخ في الطرقات. والصراخ والإزعاج لا يتناسب مع مكانتها عليها السلام".

وقال أيضاً:

"التاريخ الصحيح وغير الصحيح أفاض في الحديث عن أحزانها، وربما كان بعض هذا الحديث غير دقيق" [161] .

ويقول:

"يقول الإمام الصادق(ع) في ما رواه الكليني بسنده الصحيح عنه: (عاشت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً لم تُ_رَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين، الاثنين والخميس،

فتقول: ههنا كان رسول، وههنا كان المشركون [162] .

وفي رواية أخري، عن الصادق (ع): أنها كانت تصلي هناك، وتدعو، حتي ماتت [163] وهذا المقدار من الحزن والبكاء يليق بمكانة الزهراء (ع)، ولا غضاضة فيه، لأنه حزن القضية الذي لا يلغي قيمة الصبر.

وأما ما أفاضت به بعض المرويات [164] ، التي يقرأها بعض قراء العزاء، والتي تصور الزهراء وكأنها لا شغل لها إلا البكاء، فهذا ما نرسم حوله بعض علامات الاستفهام، لأني لا أتصور الزهراء (ع) إنسانة لا شغل لها في الليل والنهار إلا البكاء، ولا أتصور الزهراء، وهي المنفتحة علي قيم الإسلام وعلي قضاء الله وقدره، إنسانة ينزعج منها أهل المدينة لكثرة بكائها كما تصوّر هذه الروايات حتي لو كان الفقيد علي مستوي رسول الله (ص)، فإن ذلك لا يلغي معني الصبر، لأن الصبر قيمة إسلامية تجعل الإنسان يتوازن ويتماسك في أشدّ الحالات قساوة وصعوبة. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن حزن فاطمة (ع) كان حزن القضية وحزن الرسالة أكثر مما هو حزن الذات، لأنها كانت تستشعر بفقدها أبيها محمد(ص) أنها فقدت الرسول الذي انقطعت بموته أخبار السماء، كما جاء في بعض كلماتها [165] .

مشروعية البكاء وحدوده

وزيادة في توضيح هذا الأمر، ودفعاً لبعض الالتباسات والاعتراضات نقول: إن فراق رسول الله (ص) لم يكن بالأمر الهيّن، لا سيما علي ابنته السيدة الزهراء (ع)، التي أحست أكثر من غيرها بعظيم الفادحة وثقل المصيبة التي المت بالمسلمين بوفاة رسول الله ولهذا كان حزنها عليه أعظم الحزن، وبكاؤها عليه أعظم البكاء، وكانت تخرج إلي قبره الشريف مصطحبة ولديها الحسنين (ع) لتبكي أباها، وكل الشهداء الذين سقطوا معه، لتذكّر المسلمين من خلال ذلك برسول الله (ص) حتي

لا ينسوه في غمرة الأحداث الكبيرة التي عاشوها، ولكنها لم تكن تستغرق وقتها في الليل والنهار في البكاء، ولا أنها كانت كل هذه المدة (يغشي عليها ساعة بعد ساعة) [166] . وذلك:

1 _ لأن الصبر كما أشرنا قيمة إسلامية كبري. ومن الطبيعي أن تمثل الزهراء (ع) أعلي درجات الصبر من خلال مقامها الرفيع عند الله، فهي ككل أهل البيت (عليهم السلام) قدوتنا في الصبر، كما كان رسول الله (ص) قدوة الناس كلهم في هذا المجال، وكما كان الرسل من قبله (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) (الأحقاف 35).

وهذا هو معني التأسي بهم، فالحزن علي المصاب، لاسيّما إذا كان أليماً له دوره في رقة القلب. ولكنّ للصبر عليه درجة عظيمة لا مخصص لها.. فإن قوله تعالي: (والله يحب الصابرين) (آل عمران: 146) وقوله: (واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال: 46)، لا يقبل التخصيص، والتقيد، فهو من العمومات الآبية عن ذلك، وكذلك قول الصادق (ع): (الصبر رأس الإيمان) وقوله الآخر: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان [167] ) فإن هذا اللون من البيان يأبي التخصيص والتقييد كما يقول علماء الأصول.

2 _ ولأن الزهراء (ع) كانت مشغولة في معظم وقتها بالدفاع عن حق علي (ع) في الخلافة، ومن أبرز مظاهر تحركها خطبتها في المسجد، وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار ورجالهن، وإذا صح الحديث بأنّ علياً (ع) كان يطوف بها علي بيوت المهاجرين والأنصار أو جموعهم كما جاء في بعض الروايات. فهذا يعني أنها كانت تتحرك بشكل يومي نحو تحقيق هذا الهدف الكبير، مما لا يترك لها مجالاً واسعاً للانصراف إلي البكاء والاستغراق

فيه.

3 _ إنّنا لا ننكر مشروعية البكاء إسلامياً فقد بكي رسول الله علي ولده إبراهيم [168] ، وبكي يعقوب علي يوسف (ع) [169] ومن الطبيعي أن تبكي الزهراء (ع) لأنها بشر، والبشر من طبعه البكاء عند فقد الأحبة، لكننا ننكر أن يتحول البكاء إلي حالة من الجزع أو ما يشبه الجزع بحسب الصورة التي تتلي في المجالس، ومفادها (أن أهل المدينة ضجّوا من كثرة بكائها) [170] وانهم شكوا الأمر إلي علي (ع) وقالوا له: (إما أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً)، لأن هذه الصورة لا تليق بمكانة الزهراء في الواقع العام، ولا تنسجم مع عصمتها وعظمتها. كيف والجزع مذموم شرعاً وعقلاً. يقول أمير المؤمنين لبعض أصحابه وقد فقد ولداً: (إن صبرت جري عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جري عليك القدر وأنت مأزور) [171] وقال أيضاً وهو يلي غسل رسول الله وتجهيزه: (بابي أنت وأمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء، وأخبار السماء. ولو لا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون) [172] .

"وأما ما جاء في بعض النصوص، مثل ما روي عن أمير المؤمنين عندما وقف علي قبر رسول الله (ص) ساعة دفنه أنه قال: (إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل) [173] ، فمحمول علي شدّة الحزن وعظيم الفاجعة والمصيبة، وإلا فحسن الصبر وقبح الجزع لا يقبلان الاستثناء والتخصيص كما أشرنا.

ان هناك وصية خاصة من رسول الله لابنته فاطمة في هذا الخصوص، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام، قال سمعت أبا الحسن وأبا جعفر

(ع) يقول في هذه الآية: (ولا يعصينك في معروف) (الممتحنة:12)، قال: (إن رسول الله قال لفاطمة (ع) (إذا أنا مت فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا ترخي عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة) ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عز وجل في كتابه: (ولا يعصينك في معروف))( [174] ).

"ونستوحي من هذا الحديث التحفظ عما نسب إلي سيدتنا فاطمة الزهراء من الحزن الذي يقرب من الجزع، لأن هذه الوصية تدل علي أن النبي (ص) أراد لها أن تبتعد عن مظاهر الحزن الشديد.

5 _ إن الزهراء (ع) نفسها أمرت نساء بني هاشم اللاتي جئن يساعدنها عند وفاة أبيها (ص) بأن يقتصرن علي الدعاء، ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله (ع)، عن أمير المؤمنين قال: (مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة (ع) لما قبض أبوها (ص) اسعدتها بنات هاشم فقالت: اتركن التعداد وعليكن بالدعاء)" [175] .

ونستوحي من هذا الحديث أن الزهراء (ع) كانت متوازنة إبّان وفاة أبيها، رغم فداحة المصيبة.

وأما ما قد يقال: بأنها كانت تبكي إظهاراً: لمظلوميتها ومظلومية زوجها، وتنبيها علي غصب حق أمير المؤمنين (ع) في الخلافة، وحزناً علي المسلمين بعد انقلاب جملة منهم علي أعقابهم، فيرد عليه:

أولاً: إن إظهار ذلك لا ينحصر بالبكاء، بل يتحقق في خطبتها في المسجد، وفي أحاديثها الصريحة مع المسلمات والمسلمين، وفي حديثها مع أبي بكر وعمر اللذين تحدثت معهما عن غضبها عليهما من خلال غصبهما فدكا وغصبهما للخلافة [176] .

وثانياً: إن الأحاديث الواردة في كلامها أو التي تحدثت عن بكائها استهدفت ذكري رسول الله (ص).

إننا نري أن أهل البيت (عليهم السلام) قمة في العطاء والصبر، وفي مقدمتهم

السيّدة الزهراء (ع)، التي تمثل القدوة في الصبر حتي في طريقة بكائها، فهي تبكي بكاء الصابرين الرساليين الشاكين إلي الله سبحانه وتعالي.

نعم، إن بكاء علي بن الحسين (ع) كان إظهاراً لمظلومية أبيه الإمام الحسين (ع)، لأن زين العابدين (ع) كان يتحدث عن مظلومية أبيه، وهو يبكيه، لكي يتذكر الناس الواقعة ويدفعهم ذلك إلي الثورة علي بني أمية.

الحزن الرسالي

ومحصل ما نريد قوله: إن الزهراء (ع) لم تعرف الفرح في الفترة القصيرة التي قضتها بعد وفاة أبيها رسول الله (ص) [177] لكن حزنها كان حزناً إسلامياً.. لم يكن جزعاً ولا ابتعاداً عن خط التوازن.

والرواية التي يمكن الوثوق بها في هذا المقام هي التي تقول: إنها كانت تخرج في الأسبوع مرة أو مرتين إلي قبر النبي (ص) وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين (ع)، وتبكيه هناك، وتتذكر كيف كان يخطب هنا، وكيف كان يصلي هناك، وكيف كان يعظ الناس هنالك [178] .

وأرادت بذلك أن تعيد للأمة الغارقة في متاهات الدنيا رسول الله (ص) في معناه الرسالي، ولذا لم تتحدث عنه (ص) في ما نقل في الروايات الموثوقة حديثاً عاطفياً شخصياً لأنها كانت الرسالة مجسدة [179] .

وقفة قصيرة

إننا قبل كل شيء نذكّر القارئ بما أوردناه في كتابنا: (مأساة الزهراء ص 336)، فليراجعه القاريء الكريم إن أحب.. ثم نقول:

1_ إن من يقرأ هذا البحث الطويل العريض يشعر بمدي اهتمام هذا البعض في إسقاط الحقيقة التاريخية التي تقول: إن فاطمة كانت تظهر الحزن الشديد علي أبيها، وإن السلطة قد تضايقت من ذلك، لأنه يذكّر الناس بمقامها منه، ويذكر الناس أيضاً بما جري عليها من ضرب وإهانات، وإسقاط جنين، ومن هتك لحرمتها..

نعم، لقد تضايقت السلطة من

ذلك فبادرت إلي منعها من البكاء بحجة واهية، وغير صحيحة، وهي أن بكاءها يؤذي الناس الذين يزورون المسجد الذي هو النقطة المركزية للمدينة كلها.وفيه يجتمع الناس للعبادة وللسياسة، وللحديث في مختلف الشؤون..

ونتيجة هذا الجهد المبذول منه هي تبرئة السلطة من هذا العمل الذي لا يرضاه وجدان أي إنسان، وان الإطلاع عليه، من قبل أي كان من الناس، يفتح باباً واسعاً امام كل أحد لمعرفة المحق من غيره، والمعتدي من المعتدي عليه..

2 _ إن جميع ما استدل به هذا البعض هنا لا يصلح (حسب قواعده هو) لاثبات ما يريد إثباته. لأنه يعتمد علي روايات لا تستطيع أن تكون دليلاً قاطعاً، ومفيداً لليقين في هذا الأمر التاريخي الذي يشترط هو فيه اليقين والقطع علي أساس الدليل اليقيني، ولا يكتفي فيه بخبر الواحد، ولا بمطلق ما هو حجة عنده.

3 _ إن أدلته التي ساقها لاثبات ما يرمي إليه تخالف ما حكاه لنا القرآن الكريم عن يعقوب عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام، فانه قد بكي علي ولده حتي ابيضت عيناه من الحزن، وكان مثابراً علي ذكره حتي قال له ابناؤه: (تالله تفتؤ تذكر يوسف حتي تكون حرضاً، أو تكون من الهالكين) [180] .

وكان يعقوب معززاً مكرماً، لم يتعرض لأي إساءة من أحد.. بخلاف الزهراء، المقهورة المظلومة التي تعرضت للضرب وللإهانة، والاضطهاد ساعة دفن أبيها صلوات الله عليه وآله.

كما أن يعقوب (ع) لم يكن يملك دليلاً علي موت ولده، بل ربما كان يعلم أنه لا يزال حياً [181] أما رسول الله (ص) فقد مات مهموماً مغموماً، يري ما آلت إليه الامور في تجهيز جيش اسامة، ويسمع وهو في مرض موته مقولة من قال: إن

النبي ليهجر، ويعلم ماذا سيجري علي وصيه وعلي ابنته بعد وفاته، وقد تضافر الحديث عنه بأنه لم يزل يخبر علياً به، ويأمره بالصبر..

3 _ إن دعبل الخزاعي ينشد قصيدته التائية بحضرة الإمام الرضا (ع)، وقد ورد فيها:

أفاطم ل_و خلت الحسين مجدلاً وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذن للطمت الخ_د ف_اطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات

وقد أقره الإمام الرضا علي قوله، ولم يعترض، ولو بأن يقول له: إن جدتي فاطمة لا تفعل ذلك بل نجد أنه (ع) _ حسبما ورد في نصوص هذه الحادثة _ قد زاد بيتين في هذه القصيدة وهما:

وقبر بطوس يا لها م_ن مصيبة ألحت علي الأحشاء بالزفرات

إلي الحشر حتي يبعث الله ق_ائماً يفرج عن_ا الهم وال_كرب_ات

4 _ إن هذا البعض يصوّر القضية، وكأن أهل المدينة قد انزعجوا حقاً من بكاء الزهراء.. ويجعل ذلك مبرراً لنفيه أن يكونوا قد منعوها من البكاء وإظهار الحزن، بحجة أن بكاء كهذا لا ينسجم مع شخصية الزهراء.. ومع اهتماماتها عليها الصلاة والسلام.

مع أن الحقيقة هي: أن السلطة هي التي انزعجت من بكاء الزهراء، وهي تري أن الناس حين يأتون إلي المسجد، فانهم يبادرون إلي السلام علي رسول الله، وما إلي ذلك، فيرون هناك ابنته الحزينة المقهورة، ويتذكرون ما جري عليها من ضرب، وهتك لحرمة بيتها، ومن إسقاط جنين واقتحام وغيره..

فأعلنت هذه السلطة _ وربما تكون حرضت بعض أتباعها _ علي إعلان الشكوي، والمطالبة بإخراج من يزعجهم من هذا المكان الحساس جداً بالنسبة إليهم، والذي لو استمر الحال علي ما هو عليه، فلربما يؤثر في تغيير مجري الأمور في غير صالحهم..

5 _ وعلي هذا الأساس نقول: إنه لم

يكن ثمة جزع مذموم، ولا مخالفة لفضيلة الصبر، كما لم يكن ثمة نواح ونحيب، أو ولولة، ولا كانت الزهراء تجوب الشوارع والأزقة صارخة باكية، بحيث ينزعج الناس منها، وإنما كانت تجلس في بيتها؛ وإلي جنب قبر أبيها، ومن كان يدخل، يجد ابنة رسول الله (ص) هناك. فيري حالها، ويتذكر ما جري لها، حسبما ألمحنا إليه.

6 _ وبعد ما تقدم، وبعد أن علمنا: أنها (عليها السلام) كانت الصابرة ال_مجاهدة التي لم ي_خرجها غضبها وحزن_ها عن صراط الطاعة لله نقول:

إن حزن الزهراء إنما كان علي الإسلام، كما أن ما جري عليها وما نالها من أذي لم يكن يؤذيها من حيث ما نشأ عنه من آلام جسدية.. بقدر ما كان يؤذيها بما كان له من آثار علي الدين، وعلي الأمة.. ومن جرأة علي الله ورسوله..

7 _ وما هو الضير بعد هذا في أن يستغرق هذا الحزن ليلها، ونهارها، أو أن يُغشي عليها ساعة بعد ساعة، كما ورد في الأحاديث؟ فإن ذلك لم يكن جزعاً علي شخص، بل كان حزنا علي ما أصاب الدين من وهن، وما ألم به من انتكاسات خطيرة..

8 _ إذن، فلا معني لتصوير هذا الحزن علي أنه حزن بنت علي أبيها، من خلال علاقة البنوة بالأبوة. لكي نطالبها بالتزام الصبر علي المصاب بالشخص.

9 _ إن القول بأن الصبر علي المصاب درجة عظيمة، وأن أوامر الصبر غير قابلةٍ للتخصيص، يصبح بلا مورد، فان الحزن لم يكن علي الشخص بما هو أب وفقيد.. بل كان الحزن علي الإسلام بما هو مطعون وقتيل وشهيد..

10 _ إن انشغال الزهراء(ع) في معظم وقتها بالدفاع عن علي(ع).. لا يشغلها عن الحزن حيث يجب ان تحزن،

كما يريد البعض ان يدعي..

كما أن حق علي في الخلافة لا يدل علي أن حزنها لم يكن شديداً وشاملاً، فان حزنها كان اعظم وسائل الدفاع عن هذا الحق. وحفظه، وبيان أنهم قد أخذوا ما أخذوه ظلماً وعدواناً..

11 _ إن بكاء الزهراء لم يكن من خلال أنها بشر تبكي عند فقد الأحبة كما يقول البعض.. بل من خلال: أن رسالتها هي الإعلان بهذا الحزن، وإظهار الرفض لما جري من عدوان عليها. وهتك لحرمتها من أجل اغتصاب حق الأمة الذي جعله الله لها، بأن تكون الخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام..

إذن، فما معني الحديث عن الجزع في هذا المقام؟!.. فانها لم تجزع علي شخص، بل كان حزنها علي الرسالة، وعلي الدين، وعلي الأمة..

12 _ وحتي لو كان جزعها علي شخص أبيها، فانه ليس كل جزع مذموماً، بل المذموم منه هو الذي يمثل اعتراضاً علي قضاء الله وقدره، وعدم الرضا به..

وأما الجزع الذي يعبر عن الحب للرسول. وعن الحزن علي ما أصاب الدين ورموزه، فانه يمثل أقصي حالات الطاعة لله، والانقياد إليه، والحب له. وهو من العبادات التي ورد الأمر بها، ووعد الله بالثواب الجزيل عليها.

وقد ورد ذلك في روايات كثيرة، منها ما هو صحيح ومعتبر.. فما معني الخلط بين ذاك الجزع المذموم، وهذا الجزع المحبوب والمطلوب.

13 _ وأما ما نسب إلي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، من أنه قال، وهو يلي غسل رسول الله (ص) وتجهيزه: لولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لا نفذنا عليك ماء الشؤون [182] فيرد علي الاستدلال به:

أولاً: إن هناك ما يعارض هذه الرواية، وهو ما ذكره هذا البعض نفسه أيضاً، حيث ذكر ما روي

من أنه عليه السلام وقف علي قبر رسول الله (ص) ساعة دفنه فقال: (إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك) [183] .

والملفت للنظر هنا أمران:

أحدهما: أن هذا البعض قال عن النص الأول:

"وقال أيضاً، وهو يلي غسل رسول الله إلخ..".

ولكنه بالنسبة لهذا النص الثاني قال:

"واما ما جاء في بعض النصوص، مثل ما روي عن أمير المؤمنين (ع).."

فتراه يرسل الأول إرسال المسلمات، ويتحدث عن الثاني بطريقة أخري، تقلل من قيمته بالمقايسة مع النص الأول..

الثاني: أن النصين معا موجودان في نهج البلاغة، ولكن المذكور في هامش الكتاب الذي يمثل كل فكر البعض عن الزهراء.. هو الإشارة إلي أن مصدر الأول هو نهج البلاغة.. وكلنا يعلم مدي اهتمام الناس بنهج البلاغة، وخضوعهم لمضامينه، وانقيادهم لها.

والإشارة إلي أن مصدر الثاني هو البحار.. الذي لم يزل يواجه حملات التوهين لمضامينه، والتشكيك بما فيه، من قبل هذا الفريق الذي يدين بالولاء لهذا البعض الذي نحن بصدد تعريف الناس بمقولاته..

ثانياً: من الذي قال: إن وجه الجمع بين حديثي: (نهيت عن الجزع _ وإن الجزع لقبيح إلا عليك) هو حمل الثاني علي انه كناية عن شدة الحزن، كما قال البعض؟!

ولماذا لا يكون العكس، فيقال: إن الحزن الذي نهي عنه هو الحزن الذي يسقط معه الجازع أمام المصاب.. إذ ليس ثمة مصاب يستحق السقوط امامه، إلا إذا كان برسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وآله)، أو بمثل فاجعة الحسين عليه السلام في كربلاء..

أو يقال: إن الجزع علي غير الرسول ص حين يستبطن الاعتراض علي قضاء الله، فانه يصبح مذموماً..

أما حين يكون حزناً علي الرسول بما هو رسول، فذلك عبادة وتقرب

إلي الله سبحانه كما كان حزن يعقوب عليه وعلي نبينا وآله السلام علي ولده النبي يوسف صلوات الله وسلامه عليه وعلي نبينا وآله. فانه إنما حزن عليه بما أنه رسول اصطفاه الله، لا يصح أن يصاب بما أصيب به من كيد من قبل اخوته.. فإن ما حدث قد كان في مستوي الكارثة التي استهدفت نبياً من الأنبياء بعثه الله لهداية الأمة بأسرها.

ثالثاً: ما ادعاه من أن قبح الجزع وحسن الصبر لا يقبلان التخصيص والاستثناء، غير مقبول..

فإن.. الجزع إن كان علي الرسول بما هو رسول، وعلي الإسلام، كان طاعة ومحبوباً لله سبحانه..

والذي لا يقبل الاستثناء هو ذلك الذي يستبطن الاعتراض علي الله سبحانه في قضائه وقدره..

رابعاً: قد وردت روايات صحيحة وصريحة في حسن الجزع علي مصاب الإمام الحسين عليه السلام. فلو كان قبيحاً ذاتاً، كالظلم لم يكن معني لهذا الاستثناء.. كما أنه لو كان كذلك لا ستهجنه الناس ورفضوه. ورفضوا روايته عنهم عليهم السلام. وقد تقدمت قصيدة دعبل التي أنشدها بحضرة الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام..

كما أننا قد ذكرنا هناك أنه عليه السلام قد زاد بيتين في قصيدته يرتبطان بالبكاء عليه صلوات الله وسلامه عليه. فراجع..

بل هذا البعض نفسه يشترط كون حكم العقل قطعياً، فهو يقول:

"عندما ندعو إلي قراءة التاريخ بموضوعية، ندعو قبل ذلك إلي تنمية الذهنية الموضوعية، التي تتحرك بدون أفكار مسبقة، بل تلاحظ ما يقوله العقل القطعي لتأخذ به. وليس كل ما يعتبره البعض حكماً عقلياً فهو في الحقيقة حكم عقلي.. لا بد أن نعتمده، ونؤول النصوص علي ضوئه. بل إن تصوراتهم قد يعتبرونها حكماً عقلياً.." [184] .

فنحن نلزم هذا البعض هنا بما ألزم به نفسه.

ونعتبر أن حكمه بإباء حكم العقل عن التخصيص في مورد الجزع غير دقيق..

خامساً: من أين ثبت لهذا البعض: أن حزن فاطمة (ع)، الذي نهاها الحكام عنه، قد بلغ إلي درجة الجزع، ليستدل بالروايات الناهية عن هذا الأمر، وبالروايات الآمرة بالصبر عند المصاب؟!.

سادساً: إن هذا البعض نفسه يقول عن حزنها: (الحزن الذي يقرب من الجز ع)، فهل الحزن الذي يقرب من الجزع حرام؟!. وما الدليل علي ذلك.

14 _ واما عن وصية النبي (ص) للزهراء: لا تخمشي علي وجهاً الخ.. التي استدل بها البعض..

فإننا نقول:

أولاً: إن الزهراء حين بكت بعد رسول الله، وطال حزنها، وأظهرت هذا الحزن.. لم تخالف وصية رسول الله (ص)، فهي

ألف: لم تخمش عليه وجهاً.

ب: ولم ترخ عليه شعراً.

ج: لم تناد بالويل.

د: لم تقم عليه نائحة..

فما معني الاستدلال بهذه الرواية..

ثانياً: لا معني لاستيحاء هذا البعض: من هذه الوصية: أن النبي (ص) أراد لفاطمة أن تبتعد عن مظاهر الحزن الشديد..

فان الوصية قد ذكرت أموراً محددة أمرها بالابتعاد عنها، وكل ما عدا ذلك مما جاء به هذا البعض فهو رجم بالغيب، ومخالف لإطلاق النص.

ثالثاً: إن هذه الوصية _ لو صحت سنداً _ فانما هي تاريخ وهي خبر واحد، لا يفيد اليقين الذي يشترطه هذا البعض في غير الاحكام..

رابعاً: إن الوصية قد ذكرت كلمة ((عليَّ)) ثلاث مرات. فالنهي انما هو عن ممارسة هذه الأمور بعنوان كونها عليه كشخص، لا مطلقاً حتي ولو كان الحزن علي الإسلام، وعلي الأمة..

خامساً: إن حزن يعقوب.. الذي بلغ إلي درجة أنه قد عمي بسببه خير شاهد علي مشروعية هذا المستوي من الحزن، إذا كان علي الرسالة والرسول.

15 _ وأما بالنسبة لأمرها نساء بني هاشم اللواتي جئن يساعدنها بالاقتصار علي الدعاء ك_م_ا يستدل ب_ه ه_ذا البعض فيرد علي الاستدلال به:

أولاً: إنه لا يفيد اليقين الذي يشترطه هذا البعض _ حتي لو فرض أن سنده صحيح.

ثانياً: إنهن جئن ليساعدنها علي النواح علي أبيها كشخص، وأين بكاؤهن من بكائها هي الذي كان بكاء علي الرسالة _ وقد أشار علي (ع) إلي ان هدفهن كان البكاء علي الشخص.

فقال: مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة الخ..

ثالثاً: إن هذا الذي يفعلنه في بكائهن هو أحد مفردات الوصية التي تحدثنا عنها آنفاً فلا مجال لأن تسمح لهن بأكثر من ذلك..

16 _ وقد ذكر البعض:

"أن إظهار مظلوميتها لا ينحصر بالبكاء، بل يتحقق في خطبتها في المسجد، وفي أحاديثها مع الناس. وفي حديثها مع الشيخين حين جاءا ليسترضياها".

ونقول:

ألف _ إن عدم انحصاره بالبكاء لا يعني أن لا تلجأ إلي البكاء، باعتباره الوسيلة الأشد تأثيراً..

ب _ إن استعمالها للبكاء لا يعني إلغاء غيره من الوسائل، فهي تستعمل كل وسيلة ممكنة من أجل الدفاع عن الحق والدين..

ج _ إن إتمام الحجة إذا تحقق، فان الكلام يكون قد استنفد أثره. أو كاد.. وإذا كان الجميع يعلم بما جري، فان ادراك عمق الجرح وادراك استمرار حالة الألم والمرارة في نفس وقلب بضعة المصطفي صلي الله عليه وآله، هو الذي يحرك معرفتهم بما جري لتزحف نحو أحاسيسهم ومشاعرهم، وتثيرها. لتتجسد موقفاً رسالياً صلباً، في الموقع المناسب..

وهذا بالذات هو ما كانت السلطة تخشاه، وتحاذر منه، وتعمل علي التخلص منه، فكان أن أخرجتها من بيتها، ومنعتها من البكاء.

17 _ إن تكذيب هذا البعض

حقيقة أن يكون حزنها علي الرسالة، استناداً إلي أنها هي نفسها قد صرحت بان بكاءها كان لأجل الرسول، لا لأجل الرسالة..

غريب وعجيب..

فأولاً: إن البكاء علي الرسول بكاء علي الرسالة، وإعلام للناس بأن ما أصاب الرسالة قد كان حين فقده. ولو أنه كان موجوداً فلن يجرؤ أحد علي القيام بأي شيء مما قاموا به ضدها وضد علي (عليه السلام) من أجل اغتصاب الحق.

وثانياً: هل ثبت له أنها قالت ذلك بطريقة افادته اليقين والعلم بصدور ذلك منها، وفقاً لشروطه هو في أمثال هذه الموارد؟!.

ثالثاً: إن من يراجع ما جري عليها يجد: أنها كانت تستنجد بأبيها، وتلهج باسمه في اشد الحالات، وفي احلك الظروف التي تواجهها.. ولعل بعض ما تهدف إليه من ذلك هو ان يتذكروا أقواله لها وفيها، وأن يعرفوا حجم الجريمة التي يرتكبونها، لأنها في كل أبعادها ومختلف مظاهرها تستهدف الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم، وهي عدوان صريح عليه هو قبل أن تكون عدواناً عليها، ولأجل ذلك نجد أنها كانت في الأزمات تنادي أباها، ولا تنادي علياً.

فحين وجأ عمر جنبيها نادت: وا أبتاه.

وحين ضرب ذراعها نادت: (يا رسول الله لبئس ما خلفك به الخ.. وفي نص آخر صاحت: يا أبتاه.. وحين دخلوا عليها بغير اذن، وما عليها خمار نادت بنفس هذا النداء..) [185] .

وحين ضربها علي خدها حتي بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول:

(وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك تكذب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها) [186] .

وعن النبي (ص): (كأني بفاطمة بنتي، وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي) [187] .

وأنشدت مخاطبة أباها:

قد كان بعدك انباء وهنب_ثة لو

كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك ف_اشهدهم ولا تغب

وأنشدت أيضاً:

ضاقت عليّ بلاد بعدما رحب وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب [188] .

18 _ ان هذا البعض قد ذكر:

"أن بكاء السجاد (ع) كان إظهاراً لمظلومية أبيه الإمام الحسين (ع)، لكي يتذكر الناس الواقعة، ويدفعهم إلي الثورة علي بني أمية.."

وهذا هو عين ما نقوله عن بكاء الزهراء، فإنه كان إظهاراً لمظلوميتها التي تمثل عدواناً علي رسول الله (ص) لكي يتذكر الناس الواقعة، ويدفعهم ذلك إلي الثورة علي من فعل ذلك..

19 _ ونقول أخيراً:

إنه قد أصاب حين قال:

إن حزن فاطمة الذي منعت منه " كان حزناً إسلامياً.. لم يكن جزعاً، ولا ابتعاداً عن خط التوازن".

لكنه أخطأ حين قال:

"إن الرواية التي يمكن الوثوق بها في هذا المقام هي التي تقول: إنها كانت تخرج في الأسبوع مرة، أو مرتين إلي قبر النبي (ص)، وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين، وتبكيه هناك، وتتذكر كيف كان يخطب هنا، وكيف كان يصلي هناك، وكيف كان يعظ الناس هنالك".

إذ يرد عليه:

أولاً: إننا فيما تتبعناه من روايات لم نجد ما ذكره في أي مصدر من المصادر، إلا ما رواه الكليني من أنها (عاشت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرة، ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين: الاثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله، وها هنا كان المشركون) [189] .

وهذه الرواية تختلف كثيراً عما ذكره، واعتبره الرواية التي يمكن الوثوق بها، فمن أوجه الاختلاف بينهما:

ألف: ليس فيها هذا الترديد: مرة أو مرتين.

ب: ليس فيها: أنها تأخذ معها الحسن والحسين.

ج: ليس فيها: أنها تبكي رسول الله هناك.

د: ليس فيها: أنها تتذكر: كيف كان يخطب، وكيف كان يصلي، وكيف كان يعظ الناس.

ه_: ليس فيها: أنها كانت تخرج إلي قبر النبي (ص).

فمن أين أتت هذه المعلومات، وفي أي خبر قرأها، وفي أي كتاب.. لا ندري!! نعم، لا ندري!!.

ثانياً: إن بيت الزهراء كان في المسجد، وقد دفن رسول الله (ص) في نفس ذلك البيت..

فما معني قوله في روايته:

"إنها كانت تخرج، وتأتي قبره، وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين.. وتبكيه (هناك)؟!"

ثالثاً: إن هذا الخبر الذي اعتبره موثوقاً.. وفيه كل هذه التفاصيل كيف ثبتت له وثاقته.. وهل هو _ لو صح _ إلا خبر واحد لا يفيد اكثر من الظن.. وهو يشترط اليقين والقطع في الاخبار التاريخية وغيرها، باستثناء الاحكام الشرعية.

وقد قلنا إن هذا الإشتراط معناه إسقاط ما لدي هذا البعض من معلومات تاريخية وعقائدية وكونيات و و و و الخ.. إسقاطها _ عن الاعتبار، وليصبح من ثم عاجزاً عن إثبات اكثر القضايا، والأحداث والمعارف الإيمانية.. بل إن ذلك يجعله عاجزاً عن الحديث وعن الخطابة التي يشرح فيها للناس تاريخ الإسلام وحقائقه وما إلي ذلك.

وعصمتها أيضاً؟
بداية

لم تقتصر مقولات هذا البعض علي التشكيك والنفي لما جري علي سيدة النساء فاطمة الزهراء(ع) من مصائب وبلايا بعد أبيها المصطفي (ص)، بل طالت حتي مقامها ومكانتها الدينية ومنزلتها عند الله تعالي، فها هو بعد كل ما تقدم من تشكيك ونفي يتعرض لكلام حول عصمتها (ع) بما لا يمكن أن ينسجم مع ما هو المعروف من مذهب الإمامية قاطبة رضوان الله تعالي عليهم في مكانتها ومنزلتها عند الله تعالي وعصمتها، والنماذج التالية من كلمات البعض سوف تظهر

هذا الأمر بجلاء ووضوح، فإلي بعض من تلك العبارات، ومن الله السداد والتوفيق.

تكذيب السيدة الزهراء في تفسير آيات الإرث.

سليمان يرث أباه في امتداد حركة النبوة فيأخذ موقعه.

وراثة سليمان لداود لا بمعني الإرث المادي.

يقول البعض:

"وورث سليمان داود" كما يرث الابن أباه، في ملكه وماله، وكما يرث الأشخاص الموقع والدرجة وكما يرث الأنبياء الرسالة ممن تقدمهم، لا بمعني الإرث المادي لأن الله هو الذي يعطي الرسالة والموقع والدرجة العليا، للمتأخر من الأنبياء، وليس هو النبي المتقدم، بل بمعني الامتداد الذي يجعل من كل واحد مرحلة متصلة بالمرحلة السابقة فيما هو امتداد حركة النبوة في الحياة وهكذا أخذ سليمان موقع أبيه.. وأراد أن يعلن القوة التي يملكها في مواقع المعرفة، ليعرف الناس من قوته الجانب الذي يربطهم به ليزدادوا التصاقا بشخصيته واتباعا لرسالته [190] .

ونقول:

سيأتي الحديث عن ذلك في تعليقنا علي الفقرة التالية.

المال ليس هو المشكلة المعقدة لدي زكريا في من يملكه بعد موته.

يرثني ويرث من آل يعقوب، ليكون امتدادا لخط الرسالة.

ليس المقصود بالآية هو ارث المال.

المال ليس هو الأساس في الإرث في تفكير زكريا.

زكريا يريد من يرث موقعه (أي بالنسبة إلي الرسالة).

يقول البعض:

".. (وكانت امرأتي عاقراً) مما يجعل المسألة صعبة أو مستحيلة علي مستوي الوضع الطبيعي _ فأراد أن يلتمس لنفسه الأمل من خلال قدرة الله (فهب لي من لدنك وليا) فيما تعنيه الكلمة من الشخص الذي يلي أمر الإنسان فيعينه في حياته، ويخلفه بعد موته، وربما كان في التعبير بكلمة (من لدنك) ما قد يوحي بأن المسألة لا تتصل بالحالة الطبيعية للسبب، بل بالحالة الغيبية التي لا سبب فيها إلا للقدرة الإلهية

المباشرة "يرثني ويرث من آل يعقوب" ليكون امتدادا للخط الرسالي الذي يدعو إلي الله، ويعمل له، ويجاهد في سبيله، ولتستمر به الرسالة في روحه وفكره وعمله.

ما هو المراد بالإرث

وقد أثيرت في هذه الفقرة مسألة ارث المال، وهل هو المقصود بكلمة الإرث، أو أن المقصود به ارث العلم والرسالة، لأن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، بل ورثوا شيئا من علومهم.. وربما اتصل هذا الحدث بمسألة ارث السيدة العظيمة فاطمة الزهراء فدكا من أبيها محمد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومدي صحة الحديث الذي واجهها به أبو بكر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.. وغير ذلك من التفاصيل.

وقد أشرنا _ فيما تقدمنا من حديث _ أن المال لم يكن هو الأساس في الإرث في تفكير زكريا، لا من جهة أن الأنبياء لا يورثون، بل لأن المال لم يكن في مستوي المشكلة المعقدة لديه، فيمن يملكه بعده موته.. وذلك انطلاقا من خلو الساحة من بعده، من شخص يحمل الرسالة مما يجعل القضية في دائرة الخطورة فيما يتطلع أبيه [191] زكريا من مستقبل الرسالة لأن الذين يأتون من بعده ويرثون موقعه، ليسوا في مستوي المسئولية ليترك الأمر لهم فيما يقومون به في حركة الواقع.. ولعل الحديث عن ارث آل يعقوب، الذي هو خط الرسالة يؤكد هذا المعني، والله العالم [192] .

وقفة قصيرة

ونقول:

لقد احتجت السيدة الزهراء عليها السلام علي أبي بكر بقوله تعالي (وورث سليمان داود)، كما استدلت بهذه الآية بالذات في قضية فدك علي اعتبار أنهما تتحدثان عن ارث المال. وه_ذا البعض _ كما تري _ يذهب إلي أن المراد بهذه الآية

وتلك هو ارث النبوة فقط، من دون نظرٍ إلي إرث المال!!.

ومما قالته السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها في احتجاجها علي أبي بكر:

".. يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا.. أفعلي عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: (وورث سليمان داود) [193] وقال _ فيما اقتصّ من خبر زكريا _ إذ قال: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب).

وقال: (أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) [194] .

وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين) [195] .

وقال: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا علي المتقين) [196] .

وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا أرِث من أبي. افخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان!؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟

أم انتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي، وابن عمي؟!

فدونكما مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك.. الخ" [197] .

ومما قالته صلوات الله عليها أيضا في احتجاجها عليهم في المسجد: " سبحان الله، ما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره. أفتجمعون إلي الغدر، اعتلالا عليه بالزور؟ وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته.

هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا، يقول: (يرثني، ويرث من آل يعقوب) [198] و (ورث سليمان داود) [199] .

فبين عزوجل فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح علة المبطلين، وأزال التظني

والشبهات في الغابرين؛ (كلا، بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون) [200] .

ومن الواضح أن هذا البعض قد سجل رأيه هذا وهو علي علم تام بموقف الزهراء عليها السلام من هذا الموضوع، كما هو صريح من كلماته المنقولة عنه آنفاً. بل هو يصرح بتوازن مضمون خطبة الزهراء (ع) وبصحتها والالتزام بها: فهو يقول:

"الظاهر أن اهل البيت (ع) كانوا يتناقلونها كابراً عن كابر، بحيث كانت معروفة حتي عند صبيانهم؛ مما يدل علي أنها من المسلمات عندنا. أما من ناحية المتن، فالظاهر أنها متناسبة مع التوازن الفكري في المضمون" [201] .

ولكنه _ مع ذلك كله _ يتبني الموقف الآخر، ثم يستدل له بما رأينا، ثم يضيف إلي ذلك قوله: لعل الحديث عن إرث آل يعقوب، الذي هو خط الرسالة يؤكد هذا المعني.

فأقرأ واعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً.

لا خصوصيات غير عادية في شخصية الزهراء (ع).

لا توجد عناصر غيبية تخرج الزهراء (ع) عن مستوي المرأة العادي.

"الروح" لطف وجّه مريم(ع) عمليا وثبتها روحيّا.

"الروح" لا يمثل حالة غيبية في الذات.

نقاط الضعف الإنساني في شخصية مريم(ع).

يقول ذلك البعض:

"نلاحظ، في المقارنة بين الرجل والمرأة اللذين يعيشان في ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية متشابهة، أنه من الصعب التمييز بينهما؛ إذ ليس من الضروري أن يكون وعي الرجل للمسألة الثقافية والإجتماعية والسياسية أكثر من وعي المرأة لها، بل قد نجد نماذج متعدّدة لتفوّق المرأة علي الرجل في سعة النظرة، ودقّة الفكر، وعمق الوعي، ووضوح الرؤية، وذلك من خلال ملاحظة بعض العناصر الداخلية أو الخارجية المميّزة لها بشكل خاص. وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض

النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف الملائمة لنشأتها العقلية والثقافية والإجتماعية. فقد استطاعت أن تؤكد موقعها الفاعل ومواقفها الثابتة المرتكزة إلي قاعدة الفكر والإيمان، وهذا ما حدّثنا الله عنه في شخصية مريم، وامرأة فرعون، وما حدّثنا التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبري(رض) وفاطمة الزهراء(ع) والسيّدة زينب ابنة علي (ع).

إن المواقف التي تمثلت، في حياة هؤلاء النسوة العظيمات، تؤكد الوعي الكامل المنفتح علي القضايا الكبري التي ملأت حياتهن علي مستوي حركة القوة في الوعي والمسؤولية والمواجهة للتحدّيات المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرّق ب_أيّة ميزة عقليّة، أو إيمانيّة، في القضايا المشتركة بينهن وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهن.

وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيات غير العاديّة في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلاّ الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والإلتزام العملي بالمستوي الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النمو الذاتي. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوي المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي، مع ملاحظة أن الله، سبحانه وتعالي، تحدّث عن اصطفاء إحدي النساء، وهي مريم، عليها السلام، من خلال الروحانية التي تميّزها والسلوك المستقيم في طاعتها لله. وهذا واضح في ما قصّه الله من ملامح شخصيتها، عندما كفلها زكريّا، وعندما واجهت الموقف الصعب في حملها لعيسي عليه السلام، وفي ولادتها له.

وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله إليها فإن ذلك لا يمثل حالة غيبيّة في الذات بل يمثل لطفا إلهيا في التوجيه العملي والتثبيت الروحي، علي أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط من

خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها، تماما كما هي المسألة في الرجل في الحالات المماثلة.. وهذا يعني أننا لا نجد فرقا بين الرجل والمرأة عند تعرّض أيٍّ منهما للتجربة القاسية في الموقف الذي يرفضه المجتمع من دون أن يملك فيه أي عذر معقول؛ الأمر الذي يخرج فيه الموقف عن القائمة المتمثلة فيه من حيث القيمة الإجتماعية السلبية في دائرة الإ نحراف الأخلاقي [202] .

وحين أثير النقد القوي ضد هذا التصريح الذي يشمل فاطمة ومريم عليهما السلام وغيرهما، وكتب المرجع الديني الشيخ التبريزي حكمه القاطع ببطلان هذا القول، وقال: (ما يكتب وينشر في إنكار خصوصية خلقها وظلامتها، فهو داخل في كتب الضلال) [203] .

أجابه ذلك البعض بقوله:

"إن المقصود من الظروف الطبيعية التي كفلت النمو الروحي والعقلي للسيدة الزهراء (ع) وغيرها من النساء الجليلات هو مثل تربية النبي (ص) للزهراء(ع) وتربية زكريا لمريم (ع).

أما المقصود من عدم وجود عناصر غيبية، فهو أن أخلاقياتها، وعناصر العظمة فيها كانت باختيارها، ولم تكن حاصلة من أمر غيبي غير اختياري.

ولا ينافي ذلك حصول بعض الكرامات لها، وهي ما زالت جنينا في بطن أمّها، أو بنزول الملك عليها.ثم إننا ذكرنا في ختام الحديث الذي ذكره السائل: أن الله أعطي هؤلاء النساء _ وكان الحديث عن مريم _ لطفا منه، بحيث يرتفع بهن إلي الدرجات العليا. وهذا هو معني "العصمة"، ولكن السائل حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب سؤاله" [204] .

ونقول:

1 _ إن هذا الإعتذار من البعض لا يتلاءم مع قوله: لا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوي المرأة العادي.

إذ إن

حصول بعض الكرامات لها وهي ما زالت جنينا في بطن أمّها، وكذلك كونها نورا، وكونها حوراء إنسية، وكونها لا تبتلي بالطمث، وكونها قد ولدت من ثمرة الجنة، ونزول الملك ليحدثها، وكذلك مريم، التي كانت (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) [205] ، وغير ذلك أمور غيبية وميزات وكرامات لا تتلاءم مع القول بأنها: ل_م تخ_رج عن مستوي المرأة العادي.

2 _ وأما ما ذكره من انه قد ذكر في الفقرة الأولي أن الله أعطي مريم لطفا منه بحيث يرتفع بها إلي الدرجات العليا.. وهذا هو معني العصمة.. وان السائل قد حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب سؤاله..

أما هذا الذي ذكره.. فلا يصلح الإعتماد عليه، لأن الفقرة التي تحدثت عن مريم ليس فيها: أن الله أعطاها لطفا منه يرتفع بها إلي الدرجات العليا.. بل فيها ما يظهر منه النفي لهذا الأمر؛ لأنها قد ذكرت: أن الله وجّهها بواسطة الملك (الروح) الذي أرسله إليها، _ وجّهها _ كيف تتصرف وثبّتها حين واجهت المشكلة فيما يرتبط بولادتها عيسي عليه السلام، أي أن الملك قد ثبّتها وعلمها كيف تمارس الموقف بصورة طبيعية لتخرج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه..

فأراد لها أن تتصرف بصورة طبيعية من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها.

3 _ إذن قد أصبح واضحا أن وجود ملك يرشد مريم(ع)، ويثبتها في أزمتها لا ربط له بعصمتها وإن كانت العصمة لطفا _ علي بعض الأقوال _، كما لا يعني أن غيرها من النساء اللواتي ذكرهن قد كان

لهن ملك يرشدهن ويثبتهن.

4 _ إن هذا الإعتذار لو صح، فإن علي هذا البعض أن يلتزم بوجود ملك يرشد ويثبّت زينب ابنة علي(ع) وكذلك سائر النساء اللواتي ذكرهن في حديثه في الكلام المذكور آنفا.

5 _ وأخيرا فان تربية النبي(ص) للزهراء (ع)، وزكريا لمريم عليهما السلام، لا يصح الإعتماد عليه في إعطاء الضابطة التي نشأ عنها استبعاد الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوي المرأة العادي، علي حدّ تعبير ذلك البعض.

إذ إن ذلك لا يشمل خديجة بنت خويلد، ولا آسية بنت مزاحم، إلاّ إذا قيل أن أبويهما كانا من الأنبياء، أو الأوصياء أيضا.. ولو سلمنا ذلك بالنسبة لآسية، ولم نناقش في الرواية التي تحدثت عن ذلك، فلا شك في أن خويلدا لم يك_ن نبي_ا ولا وصيّا.. كما ه_و معل_وم..

كلمة أخيرة

وأخيراً..

فقد انتهي تعداد مقولات هذا البعض في شأن سيدة النساء (ع) إلي هذا العدد الكبير وقد حاولوا عن طريق التلفيق والتزوير، والإفتراء علي العلماء ان يجيبوا علي عدد يسير جداً جداً منها، مع الإبتعاد قدر إمكانهم عن الموارد الأكثر شناعة، وصراحة، وحساسية. ومع الانتقال بالقاريء الكريم من البحث حول النقاط التي اثرناها إلي نقاط لم نشر إليها، أو لم نهتم بالحديث عنها.

ومع ذلك فقد حمدنا الله وشكرناه علي أن هذا البعض الذي ما فتئ يتهمنا بالافتراء عليه، وبتقطيع كلامه، وبأننا لا نفهم كلامه، وبأننا.. وبأننا.. وبأننا.. قد أعلن علي الملأ تأييده لكتاب يدافع عنه، بهذه الطريقة المشار إليها.. حيث إنه في هذا الكتاب أصبح يعترف: بأن هذه هي مقولاته..

وبأننا قد فهمناها بصورة سليمة.

وبأنها غير مقطعة..

ولكن هروبهم من الإشكال أصبح يتمثل في محاولات التخييل للقاريء الكريم بأن

العلماء كلهم أو جلهم، أو طائفة منهم يذهبون إلي نفس هذه المقولات. فكان أن ألجأهم ذلك إلي أن زوروا، وكذبوا، وحرفوا كلام العلماء ليتوافق مع مقولات هذا البعض.

فنحن إذ نشكرهم علي اعترافهم الصريح هذا، فإننا نأسف لأمرين:

أحدهما: أن همهم قد انصرف لاثبات مقولات تطعن في الأنبياء والأوصياء، وفي مقاماتهم، وفي عصمتهم. وتصغر من شأنهم، وتحط من قدرهم. وتشكك في فضائلهم. إلي جانبها مقولات تستهدف حقائق الدين، وعقائده، وتاريخه، ومناهجه، وشعائره، ورموزه.. و و و.. بالانتقاص، وبالتشكيك، وبالطعن، وبغير ذلك مما تضمنته كل تلكم المقولات..

الثاني: إننا نأسف لتطاولهم علي علماء الأمة، وخيانتهم لهم، وذلك بتحريف كلامهم، وبنسبة أمور مكذوبة عليهم، وبغير ذلك من أمور..

ولا يفوتنا أخيراً.. أن نسجل إدانة للحالة التي تساعدهم علي ممارسة هذا الأسلوب من التجني علي الحق، وعلي الحقيقة، وعلي أهل الحق.. وهي حالة الإنسان المسلم، الذي يتعامل مع هذه القضية بسلامة نية، وحسن طوية تصل إلي درجة التغافل؛ فلا يراجع، ولا يقارن، ولا يتعامل مع هذا الأمر بإنصاف، بل يتعامل معه ببساطة وبانفعال. وتغره شعارات براقة ولا يفكر باختبار تلك الشعارات، وبأحجام تبهره، ولا يتلمس تلك الأحجام، ليتعرف علي مواقع الانتفاخ، الكاذب، ليميزها عن مواقع الصلابة المستندة إلي واقع ثابت وقائم وقوي وحصيف..

نسأل الله سبحانه أن يوفق القاريء الكريم لكل خير وسداد، وصلاح ورشاد، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.

والحمد الله والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين

28 شهر رجب 1321 ه_.

جعفر مرتضي العاملي

الآيات النازلة في أهل البيت

بداية

إننا نذكر في هذا القسم، العديد من الموارد التي تظهر كيف يحاول البعض التشكيك في نزول الآيات في أهل البيت (ع)، رغم أن العدو يروي ويعترف، فضلاً عن الصديق، بن_زولها فيهم

(عليهم السلام).

هذا عدا عن أنه في العشرات من الآيات الكريمة يتجاهل حتي الإشارة الي أن نزولها في أهل البيت مروي عند السنة والشيعة فيمر عليها بدون أدني اعتناء بذلك.. رغم إظهاره اهتماماً ظاهراً بتسطير ما يقوله الآخرون عن نزول آيات في من عداهم، مع انصرافه عن التصدي للتأييد أو للتفنيد، الأمر الذي يختزن معني القبول، والتسليم.

وقد تحدث اخوة اعزاء عن إنكاره نزول آيات كثيرة في أهل البيت (عليهم السلام) مثل نزول آية: (ومن عنده علم الكتاب).. في علي عليه السلام وغيرها، فلم نتعرض لها مما ذكرنا هنا بعضاً آخر من تلك الموارد التي يحاول فيها التشكيك في نزول آيات كريمة في أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)..

فنقول:

التشكيك بروايات أن في القرآن حديثاً عن أهل البيت وأعدائهم.

هذه الأحاديث تبعد القرآن عن كونه الكتاب المبين.

الأحاديث المذكورة جو خاص يض_رّ بحجية القرآن.

أجواء الروايات الخاصة تجعله لا يمنح الوعي الفكري.

هذا الجو الخاص للقرآن جعله لا يمنح الوعي الشرعي.

هذا الجو الخاص للقرآن يجعله لا يمنح الوعي الروحي.

هذا الجو الخاص للقرآن يضر بفهمهم له حسب القواعد التي تركز الطريقة العامة للفهم العام.

يقول البعض:

"هذه أسئلة توقف عندها الكثيرون في حركة التفسير، وأثاروا الكثير من الجدل حولها، حتي خيل للبعض أن القرآن كتاب رمزي لا يعلمه إلا الفئة التي جعل الله لها الميزة في فهم وحيه، فأنكروا حجية ظواهره إلا بالرجوع الي أئمة أهل البيت (ع)، وانطلق البعض ليتحدث عن تعدد المعاني للكلمة الواحدة بطريقة عرضية أو طولية، واستفاد آخرون من الروايات أن القرآن، في مجمل آياته، حديث عن أهل البيت بطريقة إيجابية، وعن أعدائهم بطريقة سلبية، ليبقي للأحكام وللقضايا العامة

وللقصص المتنوعة مقدار معين..

وهكذا كان التصور العام للقرآن خاضعاً للأجواء الخاصة التي تبعد به عن أن يكون الكتاب المبين الذي أنزله الله علي الناس ليكون حجة عليهم، من خلال آياته الواضحة التي تمنحهم الوعي الفكري والروحي والشرعي، علي أساس ما يفهمونه منها، بحسب ال_ق_واع_د ال_ت_ي ت_رك_ز ال_طريقة العام_ة للفهم العام" [206] .

وقفة قصيرة

ونقول:

إننا نسجل هنا ما يلي:

1 _ أنظر كيف يورد الكلام حول أمور وردت في الأحاديث الشريفة، عن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) بطريقة تظهر سخفها وسقوطها.. موحياً بأن الناس هم الذين استفادوا ذلك من الروايات الصحيحة.. أو المعتبرة، مثل ما روي بسند معتبر عن الإمام الجواد (عليه السلام)، قال: (نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام) [207] .

وقريب منه روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أيضاً [208] .

وعن النبي (صلي الله عليه وآله) أيضاً [209] .

وعن أبي جعفر (ع): (يا خيثمة نزل القرآن ثلاثا: ثلث فينا وفي أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا، وثلث سنة ومثل.. الخ) [210] .

وثمة روايات أخري عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فراجع [211] .

ولعل الفرق بين الثلث والربع قد نشأ من ملاحظة أن ربع آيات القرآن قد نزل فيهم حقيقة..

أما الرواية التي حددت الثلث فقد لاحظت بالإضافة الي ما نزل فيهم عليهم السلام ما كان عاماً لكنهم عليهم السلام كانوا أبرز وأجلي، وأفضل مصاديقه، فصار المجموع ثلث القرآن.

2 _ وما الذي يمنع من صحة هذه الأحاديث، فإن أهل البيت (عليهم السلام) هم مثال الإنسان الإلهي المؤمن، الجامع لكل صفات الخير، والكمال، والذي هو محل

الكرامة الإلهية..

وعدوهم (عليهم السلام).. هو علي النقيض من ذلك، فكل ما ورد من أحاديث تلامس هذا النوع من الناس أو ذاك فهو حديث عنهم, وعن عدوهم، سواء أكان حديثاً عن الماضي، أو عن الحاضر أو عن المستقبل..

ولا ضير بعد هذا في أن يكون ما بقي، سنناً وأمثالاً، وفرائضَ، وأحكاماً.

3 _ لا ندري كيف تتسبب هذه الأحاديث في إبعاد القرآن عن أن يكون كتاباً مبيناً؟!.

وهل إن الأخذ بهذه الأحاديث، واعتبار أهل البيت (عليهم السلام)، وأعدائهم أجلي مصاديق ذينك الصنفين من الآيات يسقطه عن الحجية علي الناس؟!.

ولماذا كان خضوع القرآن لهذا الجو الخاص _ يجعله غير قادر علي أن يمنح الوعي الفكري، والروحي، والشرعي _ علي حد تعبير هذا البعض _ الذي اختار أن يطبق كلامه هذا علي آية: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم..) وما شابهها من آيات نزلت في أهل البيت (عليهم السلام)؟!.

وكيف ينشأ عن الأخذ بهذه الروايات التغيير فيما يفهمونه من آياته، بحسب القواعد التي تركز الطريقة العامة للفهم العام؟!.

4 _ إن كل هذا الكلام الذي ساقه هذا البعض مجرد تهاويل لا أساس لها.. فإنه لا شك في أن هناك مناسبات اقتضت نزول كثير من الآيات في الحروب، وفي الأشخاص، وفي الأحداث.. وغير ذلك.. ولم يضر ذلك بالفهم العام للآيات وفق القواعد التي تركز الطريقة العامة للفهم العام.

إذ لا فرق بين أن يقال: إن الآيات قد نزلت لمعالجة هذه الحادثة أو تلك، وبين أن يقال إنها نزلت في هذا الفريق أو ذاك الفريق..

فإذا كان ذاك مضراً.. فهذا مثله.. وإذا كان غير مضر في فهم القرآن فهذا أيضاً كذلك.

وردت عدة روايات في هذا الرأي

أو ذاك الرأي (الظاهر أن مراده بذاك الرأي هو الخلفاء).

لا يقبل بتفسير الأئمة للآية بالإمام المهدي و يتبني رأي المخالفين.

ينسب إلي نهج البلاغة ما ليس في نهج البلاغة.

لا بد من ادخال "المرحلة" [212] الأولي للدعوة في مضمون الآية.

و يقول البعض في تفسير قوله تعالي: (وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض، كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضي لهم، وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا) [213] ما يلي:

".. وقد اختلف المفسرون في تطبيق الآية علي الواقع التاريخي أو المستقبلي فيمن هم المقصودون بالذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين وعدهم الله بالإستخلاف.

فهناك من قال: إن المراد بهم أصحاب النبي (ص) الذين كانوا يعيشون الخوف والضغط والاضطهاد من قِبَل المشركين الذين كانوا يملكون السيطرة المطلقة علي المؤمنين، فوعدهم الله أن يجعلهم الخلفاء علي الناس من بعدهم، يمكّنهم في الأرض ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً، وهذا ما حدث في سيطرة النبي (ص) ومَن بعده، وسيطرة المسلمين علي المنطقة كلها..

وهناك من قال بأنها تعمّ الأمة كلها فيما أفاء الله عليها من الانتصارات والفتوحات التي جعلتها في مدة طويلة من الزمن، مهيمنة علي الامر كله، حتي استطاع الاسلام أن يكون القوة الكبيرة في العالم بحيث شعر المسلمون بالعزة والكرامة والأمن والقوة والسيطرة.

وهناك من قال: بأن المراد بها الخلفاء الراشدين، ومن قال بأن المراد المهدي المنتظر، وقد وردت هناك عدة روايات في هذا الرأي أو ذاك الرأي..

وإننا نعتقد أن الآية جاءت من أجل أن تثير في نفوس المسلمين الثقة الكبيرة بالله وبأنفسهم، من خلال ذلك وتكشف لهم الغيب الالهي الذي يتحرك في سنن الله في الكون فيما يمنحهم

الله من لطفه وفيما يأخذ به الناس من أسباب النصر، في الدعوة والحركة والجهاد، في كل ما تحتاجه الحياة من عناصر القوة للرسالة وللإنسان.. لئلا يتساقطوا تحت تأثير الضغوط الصعبة الكبيرة التي تطبق عليهم، و تحيط بهم من كل جانب، و لئلا يضعفوا أمام نوازع الضعف الكامنة في شخصياتهم فيما تشدّهم الرواسب اليه، و فيما تطبق لديهم الظروف عليه، ليستمروا في التحرك، وليتابعوا المسيرة بقوّةٍ و جدٍّ و إخلاص..

و لم تكن لتقتصر علي مرحلةٍ من المراحل، أو جيلٍ من الاجيال، لانها تؤكد الموقف علي أساس الايحاء برعاية الله للاسلام و المسلمين في امتداد مسيرتهم في خط الحياة الطويل.. و لذلك فمن الممكن تطبيقها علي كل مرحلةٍ استطاع الاسلام فيها أن يحكم و يمتد و يهيمن، و استطاع المسلمون أن يعيشوا فيها الطمأنينة و القوّة و الثبات، و علي كل مرحلة مستقبلية تتصف بهذا الوصف و لكن.. مهما اختلفت التطبيقات، فلا بد من إدخال الاولي للدعوة التي كان الله يريد للمسلمين أن لا يخضعوا للاهتزازات التي كانت تتحرك في حياتهم، و للضغوط المحيطة بهم.. ليثبتوا علي المبدأ، و يلتزموا بالاسلام.

و قد جاء في نهج البلاغة، كلام لعلي (ع) لعمر، لما استشاره لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمعوا للحرب قال (ع): إن هذا الامر لم يكن نصره و لا خذلانه بكثرة و لا بقلّة، و هو دين الله الذي أظهره و جنده الذي أعزه و أيّده حتي بلغ ما بلغ و طلع حيث طلع و نحن علي موعود من الله حيث قال عز اسمه: (وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدلنهم من

بعد خوفهم أمنا) و الله تعالي منجز وعده و ناصر جنده. فلننطلق مع وعد الله ليكون عنواناً لكل مسيرتنا [214] .

وقفة قصيرة

و نقول:

إن لنا هنا ملاحظات عدة، نختصر القول فيها علي النحو التالي:

1 _ قوله:

"و هناك من قال: بأن المراد بها الخلفاء الراشدين و من قال بأن المراد المهدي المنتظر(عج). و قد وردت هناك عدة روايات في هذا الرأي.."

غير دقيق، و ذلك لما يلي:

أ _ إن هذا القول ليس دقيقا، فإنه لم ترد روايات تقول إن المراد بالآية هم الخلفاء الراشدون.

ب _ إن القول بأن المراد بهذه الآية الامام المهدي (عج) إنما يستند إلي الروايات الكثيرة الواردة عن اهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن.

ج _ قال الطبرسي: "وعلي هذا إجماع أهل العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة لقول النبي (ص): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، و عترتي أهل بيتي إلخ.." [215] .

و قال الشيخ الطوسي و هو يرد علي الجبائي و م_ن ت_ابعه: "وقال أهل البيت (ع): إن المراد بذلك المهدي (عج)" [216] .

2 _ إننا لا ندري كيف يتجرأ أحد _ مهما بلغ من القوة و الشوكة _ علي أن يقول بمقالةٍ يخالف فيها صراحةً ما ثبت عن أهل البيت عليهم السلام.

و نجد هذا الرجل لا يلتفت إلي ما ثبت عن أهل البيت هنا و يقول:

"إن الآية لا تقتصر علي مرحلة دون مرحلة بل هي تشمل ما كان في الماضي حيث استطاع الاسلام فيها أن يمتد و يهيمن، تشمل علي كل مرحلة مستقبلية تتصف بهذا الوصف، لكن في جميع الأحوال لا بد من إدخال المرحلة الاولي للدعوة.."

3 _ إن هذا الرجل يذكر

رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام ناسباً لها إلي نهج البلاغة، فلما راجعنا نهج البلاغة وجدنا أن الاستشهاد بالآية غير موجود في هذا الكتاب، فكيف أقحم هذا الرجل هذا الاستشهاد، وهذه الآية بالذات؟! و لماذا؟!

و كيف نفسر دعوته إلي التحقق من النصوص و التثبت فيها؟

آية البلاغ في فضل علي (ع).

نرجح أن الصحيح نزول آية البلاغ في "فضل" علي(ع).

يقول البعض:

عن آية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس) [217] بعد أن ناقش الأقوال فيها:

".. مع أن الآية توحي بأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قد بلغ الكثير من الرسالة، أو بلغ كل تفاصيلها كما تشير إليه كلمة " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " أي فكأنك لم تبلغ الرسالة التي بلغتها.. لأن النتيجة ستكون بهذه المثابة من حيث الخطورة..

وبهذا نرجح أن يكون الوجه الصحيح هو الوجه الآخر وهو أنها نزلت في فضل علي [218] .

وقفة قصيرة

اللافت للنظر هنا أمران:

إنه رجح نزول آية (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك) في فضل علي عليه السلام، ولم يجزم بذلك، فهل نشأ موقفه هذا عن مقولته في الإمامة بأنها من المتحول، حيث يقول:

".. إن المتحول هو الذي يتحرك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها ومدلولها للاجتهاد مما لم يكن صريحا بالمستوي الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه ولم يكن موثوقا بالدرجة التي لا يمكن الشك فيه، وهذا هو الذي عاش المسلمون الجدل فيه، كالخلافة والإمامة، والحُسن والقبح العقليين" [219] .

1 _ إنه قال:

"إنها نزلت في (فضل علي) ".

ولم يقل في

أمر إبلاغ إمامته (ع). ولا ندري السبب في إضافة كلمة "فضل".؟!

المباهلة أسلوب تأثير نفسي.

النبي هو الذي أشرك أهل بيته في المباهلة.

ويقول البعض:

".. ويظهر من الآية _ ومن جو القصة _ أن هؤلاء القوم لم يريدوا الاقتناع بل دخلوا في جدل عقيم لا يحقق أي هدف، ولا يصل إلي أية نتيجة.. مما دعا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي طرح المباهلة عليهم، كأسلوب من أساليب التأثير النفسي الذي يُشعرهم بالثقة المطلقة بالعقيدة الإسلامية وبمفاهيم الدعوة الجديدة.. حتي إن النبي كان مستعدا لأن يعرّض نفسه للموقف الصعب عندما يقف مع أهل بيته ليواجهوا الآخرين بالوقوف بين يدي الله.. فيما تنازعوا فيه فيطلبوا منه _ سبحانه _ أن يجعل اللعنة علي الكافرين.

وقد أراد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يزيد الموقف تأثيرا في الإيحاء النفسي لدي الآخرين بالثقة، فلم يقتصر علي تقديم نفسه للمباهلة والملاعنة، بل طرح القضية علي أساس اشتراك أهل بيته _ معه في ذلك _ مع أن بإمكانه أن يحصر الأمر بنفسه، دون أن يترك ذلك أي تأثير سلبي في الموقف.

ولكنه _ كما أشرنا _ أراد أن يعطيهم الإيحاء بالاطمئنان الكامل بصدق دعواه، لأن الإنسان قد يعرض نفسه للخطر، ولكنه لا يعرض ابناءه وأهل بيته لما يعرض نفسه لما يمكن أن يتفاداه.

ولهذا أدرك القوم الموضوع وأبعاده، فاهتزت أعماقهم بالخوف من الخوض في هذه التجربة التي تستتبع اللعنة الفعلية التي تتجسد في عذاب الله وعقابه، فأقلعوا عن الأمر وقبلوا الصلح.." [220] .

وقفة قصيرة

1 _ ونريد أن نلفت النظر إلي أن هذا البعض يري أن إشراك أهل البيت في أمر المباهلة هو أسلوب اتبعه النبي (صلي الله عليه

وآله وسلم) للتأثير النفسي علي الطرف الآخر. فهل هذا يعني إبعاد قضية المباهلة عن أن تكون بمستوي الجدية الحقيقية، ومواجهة الطرف الآخر بالموقف الحاسم والحازم، وإنما هي مجرد أسلوب من أساليب المناورة للتأثير النفسي علي الطرف الآخر؟

2 _ هل يعني نسبة هذه المبادرة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نفسه بقرار منه بتقديم أهل بيته الذي تربطه بهم رابطة المحبة والعاطفة، هل يعني ذلك محاولة إبعاد القضية عن أن تكون تدبيراً إلهياًً، وقراراً ربانياًً، يعطي الدلالة القاطعة علي ما لأهل البيت من مقام عند الله مما لم يذكر لأحد سواهم؟

وقد أشرنا في كتاب مأساة الزهراء (ع) إلي إخلاله بهذه المنقبة فلتراجع هناك.

وقد خرجت الروايات الكثيرة التي وردت في هذه المناسبة وأشارت إلي فضل علي ومقام هؤلاء الصفوة الذين أخرجهم رسول (ص) لهذا الأمر العظيم والخطير.

لا فائدة من معرفة دابة الأرض.

الأئمة يفسرون الآية بالرجعة والبعض يفسرها بيوم القيامة.

قال البعض في تفسير قوله تعالي:

(فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) [221] .

".. وقد أفاض المفسرون كثيرا في الحديث عن الدابة، في طبيعتها الإنسانية، والحيوانية، وفي صفاتها الغريبة وفي كيفية خروجها.. ومضمون كلامها.. مما لم يثبت به حجة قاطعة.. وقد لاحظنا أن القرآن وضعها في موضع الإبهام.. ولم يفصل أي شيء من هذه الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كله.. لأنه مما لا فائدة فيه علي مستوي النهج القرآني في مضمونه وإيحاءاته (.. ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا) فلا يقتنع بما تفرضه من الإيمان بالله،

ورسله، واليوم الآخر، بل يبقي مستمرا في غيه وعناده (فهم يوزعون) أي يحبسون ويوقفون، بحيث يرد أولهم علي آخرهم _ كما هو معني الايزاع.. وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلهم، والمؤمنين منهم، والمكذبين بآيات الله" [222] .

وقفة قصيرة

1 _ إننا إذا رجعنا إلي الأحاديث الكثيرة المروية عن أهل البيت (ع)، ومنها ما هو صحيح سنداً، فسنجد أنهم عليهم السلام، قد فسروا قوله تعالي: (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) بما ينطبق علي أمر الرجعة في آخر الزمان، قبل يوم القيامة، و قد تضمنت هذه الأحاديث استدلالات منهم عليهم السلام علي هذا الأمر؛ يقول الإمام الصادق (ع): أفيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجا؟! ويدع الباقين! لا، ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة (وحشرناهم، فلم نغادر منهم أحدا) [223] .

فلماذا لا يلتفت هذا البعض إلي هذه الروايات الكثيرة والمعتبرة، والي ما هو الحق في تفسير الآية؟ هل لأن الأمر يتعلق بالرجعة؟! [224] التي نعرف موقفه منها.فإنه وإن كتب في اجوبته علي بعض المسائل المرسلة الي قم أن أحاديثها متواترة، لكنه في اكثر من موضع، قد حاول أن يؤولها ويشكك في معناها. وسيأتي هذا الكتاب كما ذكرنا في كتاب "مأساة الزهراء" في الجزء الأول في الصفحات 103 _ 106 متنا وهامشاً ما يفيد جداً في هذا المقام.

واللافت للنظر هنا: أنه هو نفسه خلافا لما يقوله أئمة اهل البيت عليهم السلام، يقول:

"وذلك هو يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الناس كلهم"

مع أن الآية تتحدث عن حشر فوج من كل أمة.

2 _ هناك روايات صحيحة السند بالإضافة إلي الكثير من الروايات الأخري مروية عن

الأئمة الطاهرين عليهم السلام وكذلك عند اهل السنة تفيد: أن المقصود بدابة الأرض التي يخرجها الله لعباده هو علي أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا كانوا عليهم السلام قد تحدثوا عن هذا الأمر، وأوضحوه، فلماذا يعتبره هذا البعض مما لا فائدة فيه لا في مضمونه، ولا في إيحاءاته.؟!

وإذا كان هذا الأمر قد ورد بروايات مستفيضة، وبعضها صحيح السند، فلماذا لا يشير إلي ذلك علي الأقل؟!.

وإذا كان الخبر الصحيح، والمستفيض ليس حجة فما هي الحجة إذن؟ علي أمر لا يثبت إلا بالنقل؟!..

وأما دعوي لزوم كون الخبر متواترا في ما سوي الأحكام الشرعية فهي دعوي باطلة جملة وتفصيلا وقد تقدم ما ينفع في المقام. مع أنها دعوي تؤدي إلي لزوم إلقاء القسم الأعظم من أحاديث النبي(ص) والأئمة (ع) لعدم جدواه. وذلك من أجل أن يصبح المجال مفتوحا أمام استيحاءات حضارية، واستحسانات تقدمية لهذا أو ذاك من الناس. أما الأحاديث عن أهل البيت، بأسانيد صحيحة، أو معتبرة أو مؤيدة بالقرائن، فلا بد من إبعادها عن حياتنا الفكرية والثقافية كما يظهر مما يقوله هذا البعض.

3 _ إننا نلاحظ أن هذا البعض الذي تجاهل الروايات الكثيرة التي تفسر الاية وتطبقها علي علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.. وعجز عن رد هذه الروايات بطريقة علمية الي اسلوب التنفير، بالاستفادة مما ارتكز لدي العوام في معني كلمة " دابة " حيث إنهم لا يأخذون بمعناها اللغوي، بل يقصدون بها البهائم التي اعتادوها وألفوها، مع أن الله سبحانه وتعالي قد استعمل هذه في كتابه العزيز، واراد بها ما يمثل الانسان، فهو يقول: (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي ع_لي بطنه، ومنهم من يمشي علي رجلين، ومنهم من

يمشي علي اربع) [225] .

وقد فسر من يمشي علي رجلين بالناس، وفسرت الدابة في اللغة بكل ما يدب علي الأرض..

لكن هذا الرجل يرفض تفسير الدابة بما ورد عن الأئمة عليهم السلام، وبما تؤيده اللغة، مستفيداً _ كما قلنا _ من أسلوب التنفير للناس العاديين. الذين لم يعرفوا معني هذه الكلمة من مصادره الصحيحة والمعتمدة، فهو يقول:

"تفسير (دابة الأرض)

ذهب العلامة "القمي" في تفسير قوله تعالي (فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم) (النمل _ 82)، علي أنها تخصّ علي (ع) آخر الزمان استناداً إلي حديث مجمله أنه (ص) دخل المسجد فوجد علياً مضطجعاً وعند رأسه كومة رمل فدفعه قائلا " قم يا دابّة الأرض " ثم التفت إليه وقال: با علي اذا كان آخر الزمان بعثك الله فليس من ينصب به عداءك؟

يجب أن ندقق في الحديث لأنه ليس كل حديث يجب أن نأخذ به خصوصاً إذا أردنا أن نعرضه علي القرآن فدابة الأرض هو التعبير عن الدابّة بخصوص اللفظ أما أن يعبّر عن الإمام علي بالدابة فهذا تعبير لا ينسجم مع موقع الإمام (ع) لأن دابة الأرض هي حشرات الأرض وإذا أردنا أن نعظم الإمام علي (ع) فيجب أن نأتي بكلمة تليق به وحتي لو كانت استعارة لمعني آخر فلا بد أن تتناسب مع طبيعة المعني الجديد. إننا عندما ننطلق مع السياق القرآني نري أنه لا ينسجم مع مقام الامام علي (ع).." [226] .

تجاهل الأحاديث المفسرة للأسماء التي علمها الله لآدم بأسماء النبي(ص) والأئمة (ع).

علم الله آدم أسماء الموجودات.

يقول البعض:

"ما هي الأسماء التي علمها الله لآدم؟

لقد استفاضت النصوص الدينية في الأحاديث الواردة عن

أئمة أهل البيت (ع) وعن غيرهم في أن المراد منها هي أسماء الموجودات الكونية سواء منها الموجودات العاقلة، أو غيرها، ولعل هذا هو الذي توحي به طبيعة الجو الذي يحكم الموقف في هذه الآيات، وينسجم مع مهمة الخلافة عن الله في الأرض، التي اعد لها الإنسان، فإنها تفرض المعرفة الكاملة بكل متطلباتها ومجالاتها.

جاء في تفسير العياشي عن ابي العباس عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) (ع): قال: سألته عن قول الله: (وعلم آدم الأسماء كلها) ماذا علمه؟ قال (ع): والأرضين والجبال والشعاب والأودية.

وجاء في تفسير الطبري عن ابن عباس قال: علم الله آدم الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وارض وسهل وبحر وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

وهناك اتجاه في تفسير ذلك، بأسماء الملائكة، وأسماء ذريته دون سائر أجناس الخلق، وهو الذي اختاره الطبري في تفسيره.. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: (ثم عرضهم علي الملائكة) يعني بذلك أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم عن أسماء بني آدم والملائكة. واما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق، فإنها تكني عنها بالهاء والألف أو بالهاء والنون ولكن هذا الاتجاه لا يتناسب مع طبيعة الخلافة، لا سيما إذا فهمنا من الآية أن آدم لم يكن هو الخليفة بشخصه، بل بسبب تجسيده للنوع الإنساني _ كما استقربناه آنفاً، فإن معرفة أسماء الذرية والملائكة لا يقدم شيئاً ولا يؤخر في الموضوع.

وأما التعبير عن الأسماء بالضمير المستعمل لما يعقل، فقد اعترف صاحب التفسير المذكور بأن العرب قد تستعمل ضمير من يعقل، إذا كان عائدا علي من يعقل، وما لا يعقل بفعل التغليب، وبذلك جاء

القرآن الكريم: (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه، ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع) [227] قال إن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفن_ا، ولكننا لا نعتبر الغلبة في مثل هذا _ لو ثبتت _ لغة مرجوحة أو غير فصيحة، لان القرآن نزل بذلك في الآية المتقدمة مما يوحي بأنها لغة مألوفة معتبرة؛ولعل ذهاب ابن عباس _ فيما روي عنه _ يقّرب ما ذكرناه بأنه أعرف بكلام العرب من المتأخرين الذين عرفوه بالنقل، بينما كانت معرفته له بالسماع والممارسة" [228] .

وقفة قصيرة

1 _ إن هذا البعض يفسر الأسماء التي علمها الله سبحانه لآدم (ع) بأسماء الموجودات العاقلة وغيرها، ناسباً هذا التفسير للروايات المستفيضة عن أهل البيت (ع) وغيرهم، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلي الروايات التي تقول: إن الأسماء التي علمها الله لآدم هي أسماء الأئمة والحجج علي الخلق، مع انها اقرب إلي الاعتبار وأصح سنداً [229] ، وهي مروية عن الإمام السجاد؛ والصادق؛ والعسكري عليهم السلام.

وقد ساق الحديث عن الروايات التي تفسر الآية بأسماء الموجودات بطريقة توحي أنها وحدها بين أيدينا، ولا يوجد سواها.

ثم ادعي أنها منسجمة مع جو الآيات، ومع مهمة الخلافة عن الله في الأرض.

مع أن الروايات التي ذكرت: أن المراد أسماء النبي والأئمة هي الأوفق بالسياق لا سيما مع ملاحظة قوله: (ثم عرضهم علي الملائكة) حيث جاء بضمير (هم) في (عرضهم) الذي يستعمل في الأساس للتعبير عن العقلاء.

فإرادة أسماء الموجودات من هذا الضمير تحتاج إلي تصرف في الضمير بادعاء انه قد أريد تغليب العقلاء من الجن والإنس والملائكة علي غيرهم، إما للتشريف، أو لغير ذلك

من أمور.

أما لو كان المراد بالأسماء، النبي والأئمة، الذين هم حجج الله علي الخلق، فلا يحتاج إلي هذه التأويلات والتخريجات؛ لأنهم هم اعقل عقلاء هذا الوجود.

2 _ وإذا قال: إن إرادة أسماء الموجودات هو المناسب لمهمة الخلافة عن الله.

فإننا نقول:

إن الأنسب منه هو إرادة الهداة إلي شرع الله، والأدلاء للخلق، والقادة لهم، والمهيمنين علي مسيرتهم في مجال العلم والمعرفة حيث إنه لولا وجود النبي (ص) والأئمة عليهم السلام لكانت الكارثة الحقيقية، والمأساة الكبري لهذا الإنسان الذي سيجر علي كل هذه المخلوقات الوبال والنكال.

3 _ واللافت للنظر هنا: أنه لم يذكر من الأقوال إلا قول الطبري الذي اختار أن المراد هو أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم.مع أن القول بأن المراد بها هو اسماء الأئمة عليهم السلام، اكثر شيوعا وذيوعا بين المفسرين من اصحابنا.

4 _ أما قوله: إن ابن عباس اعرف بكلام العرب.. فيرد عليه:

أولاً: لا بد من ثبوت النقل عن ابن عباس.

ثانياً: إن هذا من الأمور النقلية، التي لا طريق للاستحسان ولا للعقل اليها. وقد منع العلماء من إثبات اللغة بالعقل، والذوق، فاذا ورد عن أهل البيت عليهم السلام؛ أن المراد هو كذا، وجب الأخذ به، طبعاً مع عدم مخالفته القواعد العقلية. والنقل عن ابن عباس لو ثبت فإنه لا قيمة له في مقابل كلام الأئمة الأطهار (ع).

ثالثاً: إنه هو نفسه، يشترط الثبوت القطعي للرواية في غير الأحكام، فلا بد من تواتر الرواية عنده، فكيف أخذ بالرواية هنا في أمر توقيفي. وهي ليست قطعية عنده ولا متواترة؟ وكيف ترك غيرها من الروايات التي هي أولي بالقبول؟.

سورة المعارج مكية.

جدال المشركين كان حول الآخرة (لا في إمامة

علي).

نفي ضمني لفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام.

الزكاة شرعت في المدينة.

يقول البعض:

(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما) [230] .

هل السورة مكية أو مدنية؟

وهذه من السور المكية _ في راي الكثيرين _ إلا في بعض آياتها فقد نقل عن الحسن _ فيما ذكره صاحب مجمع البيان، أن آية (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) مدنية فإن ظاهره الزكاة التي شرعت في المدينة.

ويعلق صاحب الميزان علي ذلك، بأن هذا القول يستتبع أن تكون الآيات المتصلة بها الواقعة تحت الاستثناء لما في سياقها من الاتحاد واستلزام بعضها البعض.

ويضاف الآيات الواردة في المستثني منه وهي قوله: (إن الإنسان خلق هلوعا _ إليقوله منوعا) لنفس الحجة.

ويستطرد _ في استنتاجه _ ليستوحي من سياقها، أن مضامين هذا الفصل بأجمعها تناسب حال المنافقين في المدينة الذين كانوا يحيطون بالنبي (ص) عن اليمين وعن الشمال..

وقد نوقش قول الحسن _ بأن الحق المعلوم لا يراد به الزكاة فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أن المراد به حق يسميه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

كما ورد عن ابن عباس أن هذه السورة نزلت بعد سورة الحاقة التي هي من السور المكية. مع ملاحظة أن سياقها في بداياتها ونهاياتها التي تتحدث عن اليوم الآخر يناسب كونها مكية [231] .

ويقول:

" سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ":

هل هناك سؤال عن العذاب في طبيعته،

أو في توقيته ليكون السؤال في معني الاستفهام؟! أوأن السؤال بمعني الطلب، فتكون القضية هي في الطريقة التي كان يريد المشركون فيها مع النبي الحوار الجدلي عن الآخرة وعذابها الذي ينتظرهم فيبرزون الحديث بطريقة التحدي، كما كانت الطريقة التاريخية للأمم السابقة التي كانت تستعجل العذاب كإيحاء بعدم جديته في إظهار تكذيبهم للرسول بهذا الأسلوب. والظاهر أن هذا هو الأقرب من خلال السياق الذي أكد العذاب كحقيقة إيمانية ثابته لا مجال للشك فيها [232] .

وقفة قصيرة

إننا نشير هنا _ باختصار _ إلي أمور ثلاثة:

الأول: إننا نلاحظ أن هذا البعض لا يقبل بكون هذه السورة مدنية، مستندا إلي رواية ابن عباس الواردة في تصنيف سور القرآن إلي مكية ومدنية. مع أن ابن عباس كان له من العمر حين وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة علي أبعد تقدير، ثم إنه أيد كلامه بدعوي أن سياقها، في بداياتها ونهاياتها، التي تتحدث عن اليوم الآخر يناسب كونها مكية..

ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد الي أن ثمة روايات كثيرة تذكر: أن صدر هذه السورة قد نزل في قضية غدير خم، حين قدم ذلك الرجل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، معترضا علي تنصيبه عليا عليه السلام إماماً، فلما لم يجد عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما يوافق هواه ولّي وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

فرماه الله بحجر علي رأسه فقتله، وأنزل قوله تعالي (سأل سائل بعذاب واقع..) وهذا المعني مروي عند الشيعة بعدّة طرق. ومروي أيضا بطرق غيرهم [233] .

فلماذا يأخذ برواية ابن عباس

الضعيفة، ويترك جميع هذه الروايات المروية من طرق الشيعة وغيرهم؟!.

بل لماذا لم يشر أصلاً إلي هذه الروايات؟ رغم أنه ينقل كلام العلامة الطباطبائي (قدس سره) الذي تضمن استدلالا علي مدنية السورة بهذه الروايات نفسها. فنجده قد نقل كلامه باستثناء هذه الفقرات، التي تضمنت استدلاله هذا، فإنه اسقطها ولم يلتفت لها ولم يشر اليها. ولو أغمضنا عن كل هذا فكيف حصل له القطع الذي يشترطه دائما في امثال هذه الأمور من الرواية الضعيفة، ولم يحصل له مما هو اصح سنداً،وأكثر عدداً، لا قطع ولا ظن، بل حتي ولا شك ايضاً؟.

الثاني: إن الآية قد أخبرت عن أن ثمة من طلب من النبي (ص) أن ينزل العذاب عليه، وأن الذي فعل ذلك هو فرد من الناس عبّر عنه بصيغة المفرد مع تنوين التنكير (سائل) وليس هو (المشركون)، ولا طائفة منهم. لتكون القضية عبارة عن إدارة الحوار الجدلي بين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبين المشركين، كما يقول هذا الرجل.

فمن أين استنتج أن المراد هو عذاب الآخرة؟! وهل يصح أن يطلب المشركون أن ينزل عليهم عذاب يوم القيامة..

الثالث: قوله: إن الزكاة قد شرعت في المدينة، غير صحيح. وذلك لما يلي:

1_ إن عدة آيات قرآنية نزلت في مكة تأمر بإيتاء الزكاة، ونذكر من ذلك:

قوله تعالي: (فسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة) [234] وهي في سورة مكية.

وقوله تعالي: (والذين هم للزكاة فاعلون) [235] وهي مكية.

وقوله تعالي: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) [236] وهي مكية.

وقوله تعالي: (الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) [237] وهي مكية أيضاً.

ولنراجع سورة الروم المكية الآية 39. ثم إن الله تعالي قال: عن إسحاق، ويعقوب، ولوط،

وإبراهيم (ع):

(وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) [238] .

2 _ وروي عن أبي طالب: أنه حدث عن النبي (ص) أن ربه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة [239] .

3 _ عن جرير بن عبدالله البجلي، قال لما بعث النبي (ص) أتيته لأبايعه فقال: لأي شيئ جئت يا جرير؟ قلت، جئت لأسلم علي يديك، فدعاني إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة [240] .

4 _ وقد روي الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد عن حريز، عن محمد بن مسلم، وأبي بصير، وبريد، وفضيل، كلهم عن ابي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام، قال: فرض الله الزكاة مع الصلاة. [241] وسند هذه الرواية معتبر.

5 _ ويرد ذلك ايضاً: أن جعفر بن أبي طالب قد ذكر الزكاة لملك الحبشة، علي أنها مما أمرهم الله به [242] .

ولكن قد جاء في رواية صحيحة السند:

أنه لما نزلت آية الزكاة، التي في سورة التوبة، وهي مدنية ومن أواخر ما نزل، أمر (ص) مناديه في الناس: إن الله فرض عليكم الزكاة. وبعد أن حال الحول أمر مناديه فنادي في المسلمين: أيها المسلمون، زكوا أموالكم تقبل صلواتكم، قال: ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق [243] .

ولكن هناك عشرات الآيات التي نزلت قبل سورة التوبة التي ربما تصل الي ثلاثين آية، كلها تدل علي فرض الزكاة. وحملها كلها علي الاستحباب، أو علي خصوص زكاة الفطرة بعيدٌ جداً.

فلا بد من حمل هذه الرواية علي أنه (ص) انما الزم الناس بدفعها ووضع الجباة لها، بعد نزول هذه الاية، مع كون ايجابها قد

حصل في مكة، قبل ذلك.

المراد بأولي الأمر المفهوم الأوسع.

إرادة الأئمة (ع) "من أولي الأمر" من باب التطبيق.

إرادة المفهوم العام يمكننا من التمسك بالآية في ولاية أهل الشوري من المسلمين.

إن البعض حين يصل الي آية: (أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم) يذكر اتجاهات عديدة في تحديد المراد من (أولي الأمر).

ويذكر أيضاً قول الشيعة: إن المراد بهم الأئمة المعصومون من أهل البيت (عليهم السلام).. وحين يواجه الأحاديث التي تعد بالعشرات الدالة علي أن المراد بهم خصوص الأئمة نجده يقول:

"2 _ إن من الممكن السير مع الأحاديث التي تنص علي أن المراد من أولي الأمر، الأئمة المعصومون، مع الإلتزام بسعة المفهوم، وذلك علي اساس الأسلوب الذي جرت عليه أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الإشارة الي التطبيق بعنوان التفسير، للتأكيد علي حركة القرآن المستقبلية في القضايا الفكرية والعملية الممتدة بامتداد الحياة، لأن ذلك هو السبيل الأفضل لوعي الإنسان المسلم للفكرة، علي أساس التطبيق الواضح من أجل أن يرتبط بالواقع بشكل مؤكد.

3 _ إن هذا الاحتمال الذي يؤكده إطلاق الآية يجعلنا قادرين علي التمسك بالآية، في ما يثار فيه الجدل كثيراً من أمر الولاية في حال غيبة الإمام، في ولاية الفقيه، أو في ولاية أهل الشوري من المسلمين، وذلك في الحالة التي يصدق عليهم أنهم أولو الأمر من ناحية واقعية.

إن هذه الملاحظات قد تستطيع أن تثير أمامنا بعض الأفكار حول الموضوع، من أجل الوصول الي نتيجة حاسمة في مجال التطبيق والإستنتاج، والله العالم" [244] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ إن هذا البعض يتحدث عن الموضوع بطريقة توحي بأن هذه الآية إن لم تتسع لتشمل غير أهل البيت (عليهم السلام)، فلسوف

نقع في ورطة حيث سنفتقد الوسيلة التي تعرفنا علي موقف الإسلام من حكومة الولي الفقيه، أو حكومة أهل الشوري من المسلمين حين يصدق عليهم أنهم أولوا الأمر من ناحية واقعية..

مع أن موضوع ولاية الفقيه له أدلته الواضحة، ولا يتوقف حسم الموقف فيه علي عموم هذه الآية أو خصوصها..

وماذا يعني لنا التأكيد علي حكومة أهل الشوري من المسلمين؟! ما دمنا ممن يلتزم خط الإمامة، ونيابة المجتهدين العامة عنهم (عليهم السلام) وفقاً لما أثبتته الأدلة..

2 _ لا ندري ماذا يقصد هذا البعض بالحالة التي يصدق علي أهل الشوري من المسلمين: أنهم أولوا الأمر من ناحية واقعية.. فإن هذه الحالة تبقي من المبهمات، والتي لا نعرف حدودها ولا مناشئها.

3 _ ثم لا ندري ماذا يريد بالناحية الواقعية:

فهل يريد أنهم قد تسلطوا علي الناس، وهيمنوا علي أمورهم، ولو بالسلطان القاهر، وبقوة السيف الباتر، فجعلهم ذلك أولي أمر تجب طاعتهم؟ إن كان يقصد هذا فمن الواضح: أن الإسلام يرفض حكومة المتغلبين، ولا يرضي إلا بحكومة من نصبهم الله حكاماً علي الناس. إما علي وجه الخصوص وهم الأئمة الطاهرون (صلوات الله وسلامه عليهم) أو علي وجه العموم وهم نوابهم الفقهاء، رضوان الله تعالي عليهم.

أم أنه يقصد: أن عمرهم يصل الي حد يصبحون فيه من أهل الشوري.. أم أن ثقافتهم هي التي تؤدي بهم الي ذلك.. أم نسبهم، أم مكانتهم الإجتماعية أم موقعهم السياسي، أم ماذا؟!

إن كل ذلك مما لا يقره الإسلام ولا يعترف به، بل تعيين أولي الأمر في الإسلام هو قضاء منه تعالي و (إذا قضي الله ورسوله أمراً ما كان لهم الخيرة من أمرهم..).

4 _ ماذا يقصد "بأهل الشوري من المسلمين"؟

فهل يريد بهم نفس ما يقصد به أهل السنة من مصطلح: "أهل الحل والعقد"؟

وكيف يصبح الإنسان من أهل الشوري، ومن أهل الحل والعقد؟

وكيف يخرج عنهم؟

وما هو عددهم؟

وما هي مواصفاتهم؟

وهل يستطيع أن يثبت شرعية إسلامية لحكومة هؤلاء؟!.

5 _ وهل تحقق لدي هذا البعض أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الشوري؟ أو نظام أهل الحل والعقد؟ أم أنه نظام الإمامة وولاية الفقيه العادل الجامع للشرائط كما هو الحق من مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؟.

6 _ أم أنه يقصد بالترديد بين "ولاية الفقيه" وبين "ولاية أهل الشوري" هو الترديد بين ما عند الشيعة، وما عند السنة لتكون الآية مصححة لكلا النهجين، وبذلك يصبح الحكام، وعلي نهج أهل السنة واجبي الطاعة، انطلاقاً من الآية الشريفة (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)؟!

7 _ إن الآية حين يتقيد مضمونها بما ورد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويتحدد المراد منها لا تعود قادرة علي تأييد احتمال عموم المفهوم، فضلاً عن تأكيده، بل تصير دليلاً علي عدم صحة ذلك العموم، أو فقل: علي أن الشارع لا يقبل به ولا يتبناه..

8 _ إننا إذا أردنا ألا نغالي في تحديد سلبيات هذا الإتجاه فسوف تكون النتيجة هي علي الأقل أنه لا يوجد نص علي أمير المؤمنين _ عليه السلام _ أبداً حتي آية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) وآية (ويؤتون الزكاة وهم راكعون).. فإنها تكون أيضاً عامة، وإرادة علي (عليه السلام) منها من باب أنه أبرز أو أفضل المصاديق.. بل حتي آية: (تبت يدا أبي لهب وتب) وآيات ذم إبليس وفرعون وو.. إنها كلها ستتخذ صفة العموم، وتصبح إرادة إبليس وفرعون،

وأبي لهب منها من قبيل الإنطباق علي أبرز المصاديق أيضاً.

النبي وأهل البيت هم الصفوة العليا للراسخين، والراسخون كثيرون.

النبي وأهل البيت هم ممن أخذوا من العلم بقدر واسع.

الراسخون في العلم لا تختص بأهل البيت (ع).. (وهو تكذيب للأحاديث بأنها فيهم فقط).

تفسيره الراسخين بمن يفهم القرآن والدين والحياة، ولم يفسره بمن علمهم من الله.

تفسير الراسخين بمن يعرف الحكمة في التجربة العملية لا بمن يهديهم الله ويسددهم وهم المعصومون.

يقول البعض:

".. (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) والمراد بهم الذين يملكون رسوخاً في العلم بالمستوي الذي يستطيعون بها أن يفهموا كتاب الله ودينه وشريعته وحقائق الحياة الدالة علي وجوده، وتوحيده وحركة الحكمة في تجربتهم العملية في الحياة، وقد ورد هذا التعبير في آية أخري وهي قوله تعالي: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) (النساء: 162) [245] .

وإذا كانت بعض الأحاديث قد تحدثت عن النبي محمد (ص) والأئمة (ع)، فإن ذلك وارد علي سبيل أنهم أفضل المصاديق، لأن علم النبي مستمد من وحي الله، وإلهامه، كما أن علمهم مستمد من علم النبي (ص) وقد جاء في حديث النبي محمد (ص): (أنا مدينة العلم وعلي بابها [246] ) وفي حديث الإمام علي (ع) قال: (علمني ألف باب من العلم، فتح لي كل باب ألف باب [247] .).

وقال الإمام جعفر الصادق (ع) في ما روي عنه ما مضمونه: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (ص)، وحديث رسول الله (ص) قول الله عز وجل).

وهؤلاء هم الصفوة العليا من الراسخين في العلم وممن أخذوا من العلم بقدر واسع (يقولون آمنا به)" [248] .

وقفة قصيرة

إن كلام هذا البعض يعطينا:

1 _ إن هناك أناساً من غير أهل البيت (عليهم السلام) يملكون رسوخاً في العلم بالمستوي الذي يستطيعون به أن يفهموا كتاب الله، ودينه، وشريعته، وحقائق الحياة الدالة علي وجود الله وتوحيده..

ومن الواضح: أن هذا يخالف الأحاديث الصريحة في أن من يفهم القرآن فهما حقيقياً، وعميقاً، وصحيحاً هم _ فقط _ النبي (ص) وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، دون كل أحد.

2 _ إن هذا البعض يقول: "إن أهل البيت (ع) هم أفضل المصاديق للراسخين في العلم.."

مع أن المعروف عن مذهب أهل البيت والمروي بأسانيد كثيرة هو أنهم (عليهم السلام) هم المعنيون بهذه الآية، دون كل أحد.

3 _ إن القول بأن هذه الآية أو تلك قد أريد بها كذا يحتاج الي اليقين، والي الحجة، اما إذا قال لك نفس صاحب القول مرادي من هذه الآية هو الأئمة عليهم السلام فليس لأحد من الناس الحق في صرف الكلام باتجاه آخر.. بأن يقول:

إن مراده من الآية هو معني آخر، حتي لو كان هو المعني العام الشامل لكل عالم.. وعلي رأسهم النبي (ص)، والأئمة الطاهرون (عليهم السلام).

4 _ قد تكررت هذه المقولة من هذا البعض في موارد عديدة، مثل آية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم..).

وذلك معناه فتح الباب للتشكيك في نصوص الإمامة، وفي النصوص التي تبين أن لأهل البيت مقاماً خاصاً يجعل لهم الحق دون سواهم بمقام الإمامة العظمي.

فإن لازم كلام هذا البعض هو أن آية (إنما وليكم الله ورسوله، والذين آمنوا، الذين يقيمون

الصلاة، ويؤتون الزكاة وهم راكعون..) [249] لا تختص بعلي (عليه السلام)، بل تشمل كل من يمكن أن يتصدق وهو راكع _ كما يقول ابن تيمية _، ولكنه (عليه السلام) أفضل مصاديقها وهكذا الحال في أكثر الآيات المشابهة.. فهل نقبل ذلك منه؟!.

وهكذا يتضح: أن القول بعموم هذه الآيات النازلة في خصوص أهل البيت يراد به إنكار هذه النصوص الصريحة فيهم.. وإعطاء نصيب لغيرهم من الآيات الشريفة..

فهل ننتظر أن يصل الأمر الي الأحاديث الشريفة أيضاً حتي مثل حديث الغدير، وحديث إنذار العشيرة الأقربين، وحديث المن_زلة.. وغير ذلك.. علماً بأنه حتي حديث الغدير قد نال نصيبه من التشكيك من قبل هذا البعض. ولو أن ابن تيمية كان حياً لأفرحه كثيراً أن يري كيف أن منهجه في التشكيك بما يعود إلي علي وأهل بيته قد عاد إلي الحياة من جديد.

لا معني أن يكون الباطن مخزوناً عند الراسخين في العلم.

لا فائدة من اختزان المعني الباطن عند الراسخين في العلم.

الدلالة الذاتية للقرآن لا تدل علي الباطن لعدم وجود ظ_هور في ذلك.

مفردات التفسير، وتفاصيل العقيدة تحتاج الي اليقين.

يقول البعض:

"ومن جهة أخري، ما معني أن يكون المعني الباطن مخزونا لدي الراسخين في العلم وما فائدة ذلك؟ فإن كان ذلك من جهة أنهم حجج الله الذين لا بد أن يقبل قولهم في أسرار الدين، حتي لو لم يكن ذلك مفهوماً من اللفظ، فإن طبيعة الحجية تفرض ذلك من دون حاجة الي تضمين القرآن لذلك، لأن عصمتهم تؤكد صدقهم فتؤدي الي قبول تلك الحقائق الخفية منهم، وإن كان ذلك من خلال الطبيعة الذاتية للدلالة القرآنية، فإن المفروض عدم وجود ظهور للقرآن في ذلك".

ثم ان هذا البعض

يطرح سؤالاً يقول: كيف نفهم ذلك؟

ثم يجيب عن ذلك:

"بضرورة التأكد من صحة الأحاديث المروية عن النبي، وعن الأئمة حول تفاصيل العقيدة، ومفردات الوجود، والتفسير.. سنداً ومتناً، ولزوم تحصيل اليقين أو ما يقرب منه بخلاف ما يتصل منها بالأحكام الشرعية" [250] .

وقفة قصيرة

ونقول:

1 _ قد تحدثنا عن دعواه لزوم تحصيل اليقين، أو الإطمينان في تفاصيل العقيدة في قسم المنهج الإستنباطي وهو القسم الذي يتحدث فيه عن قواعده ومناهجه التي يتبناها ويلتزم بها، وقد ظهر مما ذكرناه هناك: أن هذه المقولة لا تصح، ولا يمكن قبولها، وذلك لأمور كثيرة نذكر منها هنا أيضاً:

ألف: إنه لا دليل لديه علي لزوم تحصيل الأدلة اليقينية في الأمور الكونية، والتاريخ، وملكات الأشخاص، والتفسير، واسرار الواقع، وجوانب الحياة، بل المهم هو أن تثبت بالحجة المعتبرة شرعا، وعند العقلاء.

نعم يجب تحصيل اليقين في خصوص الأمور العقائدية الأساسية الأولي، وهي التي يجب الإعتقاد بها علي كل حال، وهي خصوص ما يتوقف عليه الإسلام، والإيمان كالتوحيد والنبوة واليوم الآخر، وهو ما يتوقف عليه حقن دمه، والحكم بطهارته وحل ذبيحته بصورة أوليّة، بشرط أن لا يصاحب ذلك إنكار لأصل عقيدي أو لضرورة دينية، وما إلي ذل_ك.. وك_ذا يطلب اليقين في المعجزة التي يتوقف عليها ثبوت أصول العقيدة.

ويطلب اليقين أيضاً في الإمامة أما ما عدا ذلك فيجب الإعتقاد به اجمالاً علي ما هو عليه وأما تفصيلاً فإنما يجب ذلك لو التفت إليه، لا مطلقاً. نعم لا يجوز له إنكاره، فلو أنكره لزمته تبعات الإنكار، وقد يكون منها خروجه عن دائرة الدين او عن مذهب أهل البيت (ع)، وهذا النوع من الإعتقادات لو ثبت له بحجة معتبرة وجب عليه الإعتقاد به، والإ

فإنه ليس له أن يكذبه، ويرده فقد ورد النهي الأكيد عن رد الخبر علي أهل البيت(عليهم السلام) [251] ، فكيف بما يدخل في نطاق العقيدة والإيمان؟.

ب _ إن إنكار هذا البعض لحجية الأخبار غير المتواترة والقطعية في ما عدا الأحكام سوف يفقده معظم معارفه الدينية، التي لم يزل يرددها هنا، وهناك، وتسقط بذلك عن الاعتبار، ويصبح بلا ثقافة دينية، وبلا معارف يعتد بها، لأنه لا يستطيع أن يدعي أنها كلها متواترة تفيد اليقين.. بل هي أخبار آحاد، فإذا كان لا يري هو لها أي اعتبار فكيف يثقّف بها الآخرين، ويدخلها في وجدانهم!!

ج _ إن أدلة حجية الأخبار سواء أكانت هي الآيات أو الروايات، أو بناء العقلاء الذي أمضاه الشارع _ إن هذه الحجية _ لم تخصص بخصوص الأحكام.

د _ إن من يقول بالأخذ بالخبر الموثوق _ لا بخبر الثقة، لا يحق له القول بلزوم الإقتصار علي الخبر الصحيح السند، هنا وعلي الموثوق ومطلق الحجة هناك.

ه_ _ إن قول هذا البعض بلزوم الإقتصار علي القرآن، وعلي الأخبار المتواترة، والقطعية، وإلقاء كل خبر لا يفيد القطع أو الإطمينان معناه لزوم إلقاء كل حديث النبي (صلي الله عليه وآله)، وأهل بيته (عليهم السلام)، والإقتصار علي بضعة أحاديث قد لا تتجاوز عدد اصابع اليدين.

إذن، فعلي الإسلام السلام.. وهذا يتوافق بصورة واضحة مع مقولة: حسبنا كتاب الله..

2 _ إن ما ورد عن النبي (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من أن علم الباطن موجود عندهم، وأنهم هم الراسخون في العلم، حتي علي تقدير لزوم تحصيل اليقين أو الإطمينان بالأخبار التي تتعرض لغير التشريع، إن ذلك ليس من أخبار الأحاد، بل هو مفيد

لليقين سنداً، ومتناً، وليس من حق هذا البعض أن يرده..

3 _ إننا نخشي أن يكون مقصود هذا البعض باليقين، أو الإطمينان هو خصوص الشخصي منه، وفي أي خبر كان، فإن كان هذا هو المقصود، فإن الدين يصبح ملعبة بأيدي أهل الأهواء والبدع، ولكل طامع وطامح.

4 _ إن فائدة كون العلم مخزوناً لدي الراسخين في العلم هو نفس فائدة تعليم النبي (صلي الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب.. وهو نفس فائده تعليم آل داود منطق الطير، وهو نفس فائدة "علم من الكتاب" الذي كان عند آصف بن برخيا، الذي جاء بعرش بلقيس من اليمن الي بيت المقدس، وهو نفس الآيات الكبري التي رآها رسول الله (ص) في رحلة المعراج (لقد رأي من آيات ربه الكبري) [252] و (لنريه من آياتنا) [253] وهو نفس فائدة الغيب الإلهي _ كله أو بعضه _ الذي يطلع الله عليه من يرتضيه من رسول..

وحتي لو كان هذا البعض لا يدري الفائدة من ذلك، فإن ذلك لا يبرر له رفض الحديث.

5 _ علي أن من الواضح: أن هناك مرجعيات للناس يرجعون إليها في أمور دينهم، ولتحصيل معارفهم، كما أن لهم مرجعيات في سائر أمورهم الحياتية كالطب وغيره، ولو صحت مقولة هذا البعض فإنه لا تبقي فائدة من تعلم المهندس لعلم الهندسة والطبيب لعلم الطب، والرياضي لعلم الرياضيات، والفيلسوف للفلسفة، والفقيه للفقه، وما إلي ذلك.. فإن المقصود _ علي حد قول هذا البعض _ إن كان هو حفظ تلك المعارف والقواعد، فإن المعارف والقواعد موجودة في ضمن الكتب، ومحفوظة فيها.. وإن كان المقصود هو إلزام الآخرين بها، فإن

ذلك حاصل حتي وهي موجودة في ضمن الكتب.

وإذا أجاب هذا البعض بأن المهندس، والطبيب، والفقيه، والفيلسوف، والرياضي.. و.. و.. يمثلون مرجعيات للناس في أوقات حاجتهم الي علومهم، ولو لأجل تعلم جزئياتها ودقائقها لتقوية ملكات البحث العلمي في هذه الدائرة أو تلك، أو في علم هنا، وعلم هناك..

فإن الجواب: هو أن حفظ هذه العلوم القرآنية الباطنة لدي الأنبياء والأولياء إنما هو ليكونوا هم المرجعيات للناس عند الحاجة إليها..

وكذلك ليستخدموها في تربيتهم أو تعليمهم للناس وتثقيفهم بها، حينما يبلغون أو بعضهم _ كسلمان _ الدرجات التي يمكن أن تفيدهم في زيادة يقينهم، أو في غير ذلك من حالاتهم وشؤونهم، وحتي تصرفاتهم.. من خلال إطاعتهم لله التي تصل بهم الي مقام (عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون) كما اعترف به هذا البعض نفسه.

فاتضح بما ذكرناه عدم صحة الإستدلال الذي قدمه ذلك البعض لبيان عدم الفائدة في أن يكون المعني الباطن محفوظاً لدي الراسخين في العلم.

6 _ والأغرب من ذلك قوله:

"فإن كان ذلك من جهة أنهم حجج الله الذين لا بد أن يقبل قولهم في أسرار الدين، حتي لو لم يكن ذلك مفهوماً من اللفظ، فإن طبيعة الحجية تفرض ذلك، من دون حاجة الي تضمين القرآن لذلك"..

فإن قوله الأخير لا معني له لأن كونهم حجج الله تعالي لا يستلزم أن لا يتضمن القرآن علومهم، ولا يستلزم أن لا يكون القرآن مرجعاً لهم يعرفون بواطنه، ويكتشفون أسراره بوسائل عرفهم الله إياها، وأوقفهم عليها.

كما ان كلامه هذا معناه: طرح الروايات الكثيرة التي تحدثت عن بطون القرآن [254] ، وتصبح هذه البطون بلا فائدة.

7 _ وأغرب من ذلك قوله:

"وإن كان

ذلك من خلال الطبيعة الذاتية للدلالة الق_رآنية، ف_إن المفروض عدم وجود ظهور للقرآن في ذلك ".

فإن هذا الكلام يستبطن أن يكون هذا البعض قد عرف جميع وجوه الدلالات القرآنية.. مع أننا نلاحظ ما يلي:

ألف _ اختلاف الناس في درجات فهمهم للمعاني القرآنية، وفي اكتشافهم لأسراره، وإدراك لطائفه وإشاراته..

ب _ إن هذا البعض نفسه قد اعترف بأن ثمة أموراً لم يكن قد ادركها حين كتابته لكتابه المعروف "من وحي القرآن" وقد ذكر ذلك في مناسبة إنكاره لن_زول الوحي مباشرة علي نبي الله لوط، فراجع ما ذكرناه حول النبي لوط (ع) في قسم (مع الأنبياء والرسل).

ج _ إن هذا البعض يسجل في نفس كتابه الآنف الذكر: أنه يخالف المفسرين في فهم كثير من الآيات القرآنية، وفي دلالاتها..

د _ إنه إذا كانت معاني القرآن وخصوصياته التفسيرية لم تزل تتكشف عبر العصور، وقد تكشف الكثير منها في هذا العصر، بسبب الثورة الكبيرة التي حصلت وتحصل في مجالات العلوم المختلفة.

فهل يستطيع هذا البعض أن يدعي مع ذلك أن ما سجله هو وغيره من معاني ادعوا أنهم قد استفادوها من الدلالات القرآنية قد أظهر كل المعاني القرآنية وما علي ذلك من مزيد في المستقبل؟، وأن حركة اكتشاف المعاني القرآنية قد توقفت عند هذا الحد؟! وكيف يمكن أن نوفق بين هذا التوجه، وبين ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من أن هذا القرآن (لا تفني عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا يشبع منه علماؤه.. وأن ظاهره أنيق وباطنه عميق).

ه_ _ إن هذا البعض نفسه يذهب الي مقولة غريبة وعجيبة، بل وخطيرة جداً أيضاً، مفادها.. أن عالم الدلالات يتطور بتطور الزمن، وأنه يختلف من زمن الي

آخر..

فهو يقول:

"إن الكلمة لا تبقي في مدلولها اللغوي الوضعي جامدة لا تتحرك، بل تأخذ من حركتها التاريخية الكثير من الإشارات، والرموز، والإيحاءات، التي قد يفهم الناس منها الكثير خارج مدلولها الذاتي" [255] .

فلماذا لا يطبق مقولته هذه علي القرآن، ويفسح المجال لفهم جديد لهذا الكتاب الذي هو هدية الله الي الخلق.. ويقبل بافتراض أن يكون النبي (ص) والأئمة (ع) قد عرفوا كل معاني القرآن هذه، بسبب أن الله قد علمهم كل العلوم التي يحتاج إليها البشر، وكل ما يتوصلون إليه من معارف في الكون والحياة..

بل لماذا لا يقبل بإمكانية أن يكون الله سبحانه قد رضي رسوله أهلاً، وفي مستوي لأن يطلعه علي غيبه في كل شؤون الخلق والحياة، وأسرار الوجود.

أو بمستوي يفوق كثيراً ما يمكن أن يتوصل إليه البشر الذين أرسل اليهم، وهو نبيهم، وإمامهم وسيدهم عبر العصور والدهور..

وحيث إن الله سبحانه قد أطلعه علي هذا المستوي الرفيع من علمه وغيبه، فإنه سيكون قادراً علي فهم معاني القرآن، كأدق ما يكون الفهم، وفي مستوي لا يرقي إليه ما فهمه هذا البعض، بل كل من فسر القرآن سابقاً، وسوف يفسره لاحقاً.. بحيث لابد من الرجوع إليه (ص) في فهم دقائقه، وبواطنه وحقائقه..

پاورقي

[1] في رحاب دعاء كميل ص159.

[2] المصدر السابق ص 275/276.

[3] المصدر السابق ص94.

[4] المصدر السابق ص 169.

[5] في رحاب دعاء كميل: ص 275 و 276.

[6] في رحاب دعاء كميل: ص 108.

[7] المصدر السابق: ص 82.

[8] المصدر السابق: ص 86.

[9] في رحاب دعاء كميل: ص 270.

[10] في رحاب دعاء كميل: ص72 ورؤي ومواقف: ج1 ص 148 و 149.

[11] الكافي ج 8 ص 293 وبحار الأنوار ج 27 ص 253

و ج 41 ص 154 وج 74 ص 358 / 359 ونهج البلاغة ص 245 ط دار التعارف بيروت.

[12] الزهراء القدوة: ص6.

[13] الزهراء القدوة ص 296 و299.

[14] الزهراء القدوة: ص 114.

[15] هذا الراي الاخير ذكره في كتاب: الزهراء القدوة ص 164.

[16] الزهراء القدوة: ص112 و 113.

[17] الزهراء القدوة: ص 109.

[18] الزهراء القدوة: ص 173 و 174.

[19] امراء وقبائل ص 456.

[20] تأملات اسلامية حول المرأة: ص 8 و 9، ومجلة المعارج: عدد 28 _ 31 ص 957.

[21] عوالم الزهراء: ص 201.

[22] المصدر السابق: 583.

[23] الزهراء القدوة: ص 171.

[24] تفسير الكشاف: ج1، ص 275، وعنه بحار الأنوار: ج 43، ص 29، وعوالم الزهراء: ص 207 نقلا عن الخرائج والجرائح.

[25] الزهراء القدوة: ص 171.

[26] الزهراء القدوة: ص 172.

[27] تأملات اسلامية حول المرأة: ص9 _ والمعارج: عدد 28_31، ص 957 و958.

[28] تأملات اسلامية حول المرأة: ص9 _ دار الملاك ط 6، ص 1997.

[29] الزهراء القدوة: ص 172 و 173.

[30] الزهراء المعصومة: ص 39 و 40.

[31] الندوة: ج5 _ ص 481.

[32] الزهراء القدوة: ص 60 و 61.

[33] المصدر السابق: ص350.

[34] سورة المائدة: الاية: 55.

[35] سورة آل عمران: الآية: 61.

[36] سورة الشوري: الآية: 23.

[37] سورة الأحزاب: الآية: 33.

[38] راجع البدء والتاريخ: ج 5 ص 16 و ج4 ص 139، ونسب قريش: ص21، والمواهب اللدنية: ج1 ص 196، وتاريخ الخميس: ج1 ص 272، ومجمع الزوائد: ج 9 ص 217، وذخائر العقبي ص 152، والبداية والنهاية ج12 ص 294، والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 4 ص 281، والروض الأنف: ج1 ص 214 و 215، والسيرة الحلبية: ج 3 ص 308.

[39] راجع مصادر ذلك في كتابنا بنات النبي أم ربائبه ص 44 _ 46.

[40]

راجع المصدر السابق ص 47 _ 50.

[41] راجع تاريخ اليعقوبي: ج2 ص 32 _ والروض الأنف: ج1 ص 214 و 215.

[42] راجع مختصر تاريخ دمشق: ج2 ص263 و264، وراجع: الدر المنثور: ج6 ص404 والسيرة الحلبية ج 3 ص 308، وراجع: الوفاء ص655 ومصادر أخري في كتابنا: بنات النبي أم ربائبه ص 44 و59 حتي 62.

[43] الأوائل: ج1 ص 161.

[44] راجع: سيرة مغلطاي: ص 12 عن ابن جريج، وراجع: مجمع الزوائد: ج9 ص 219 والأوائل ج 1 ص 161.

[45] السيرة الحلبية: ج2 ص 53.

[46] راجع: الاستغاثة: ج1ص 68و 69 ورسالة مطبوعة طبعة حجرية مع كتاب مكارم الأخلاق ص 6.

[47] راجع: مناقب آل أبي طالب:ج1 ص 159، والبحار، وقاموس الرجال، وتنقيح المقال، كلهم عن المناقب.

[48] مناقب آل أبي طالب: ج 1 ص 162.

[49] راجع بنات النبي (ص) أم ربائبه: ص 89 و 90.

[50] راجع: الاستغاثة: ج1 ص 70.

[51] مناقب آل أبي طالب: ج1 ص 159 وعنه في البحار، وتنقيح المقال، وقاموس الرجال.

[52] إحقاق الحق (قسم الملحقات)للمرعشي النجفي ج5 ص 74 وج4 ص 444 عن المناقب لعبد الله الشافعي ص50 (مخطوط) وعن مناقب الكاشي ص72 (مخطوط أيضاً) والحديث موجود أيضاً في كتاب: نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص114 ولا بأس بمراجعة ص113، ومراجعة مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص109.

[53] ينابيع المودة ص255 وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج7 ص18.

[54] صحيح البخاري: ج3 ص 68 ط سنة 1309.

[55] الزهراء القدوة.

[56] الزهراء القدوة: ص285.

[57] الزهراء القدوة: 120.

[58] راجع كتاب: مأساة الزهراء: ج1 ص 83.

[59] راجع: مأساة الزهراء: ج1 ص 49.

[60] وقد ذكر هذا البعض في نفس الشريط: (أن رجلا سأل الإمام الصادق (ع) أن يحلل له الفروج، ففزع الإمام (ع)، فقال له

أحدهم: إنه لا يقصد تحليل الفروج المحرمة، بل يقصد: أن تحللوا له نصيبكم من الأمة التي يملكها، فأذن له الإمام حينئذ.. فكيف يفزع الإمام من كلمة.. كما أن الإمام في بعض الحالات يفتش عن أشياء، ويقول: ما كنت عارفاً أين توجد..) ونقول: إن الظاهر من سياق كلام هذا البعض: أنه يريد أن يتهم الإمام الصادق (عليه السلام) بأنه لا يعرف اللغة العربية، وقد فهم الكلام خطأ حتي إنه يفزع من كلمة، ويأتي شخص آخر عادي، فيعلم الإمام بمراد السائل.. وكل ذلك لأجل أن ينفي الولاية التكوينية!! فإن من يفهم الأمور خطأ، ويضيع بعض الأشياء ولا يعرف أين توجد.. لا يمكن أن يكون له ولاية تكوينية.

[61] راجع: سفينة البحار: ج2. ص 374.

[62] الحديثان في بحار الأنوار: ج71 ص 165 عن كنز الفوائد للكراجكي.

[63] بحار الأنوار: ج 43 ص284 و 285.

[64] ميزان الحكمة: ج10 ص 700 عن الوسائل ج15 ص 203، وعن من لا يحضره الفقيه: ج3 ص 312 _ وعن كنز العمال الخبر رقم 45413، وراجع: الكافي: ج6 ص50.

[65] تفسير القمي ج2 ص 130.

[66] البحار ج43 ص 60 وفي هامسه عن تفسير فرآت ص 21 وكشف الغمة للأربلي ج2 ص 26 _ 27 وعن أمالي الصدوق.

[67] البداية والنهاية:ج3 ص247، والآحاد والمثاني مخطوط في كوبرلي رقم 235، وصحيح ابن حبان مخطوط، والبحار ج19 ص188، ومسند احمد ج4 ص 263 و 264، وتاريخ الطبري ج2 ص123و124، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص12 ط صادر، وسيرة ابن هشام ج2 ص249 و250، ومستدرك الحاكم ج3 ص140، وكنز العمال ج15 123 و124 عن المصنف، والبغوي، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن النجار، وغيرهم، وعن ابن

عساكر، وشواهد التنزيل ج2 ص342، ومجمع الزوائد ج9 ص136 و 100 عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار، وأحمد، ووثق رجال عدد منهم، وتاريخ الخميس ج1 ص364، وترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر ج3 ص86 بتحقيق المحمودي، وأنساب الاشراف ج2 ص90، والسيرة الحلبية ج2 ص126، وطبقات ابن سعد، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363، ودلائل النبوة للبيهقي ج2ص303.

ونقل أيضاً عن كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل رقم 295، والغدير ج6 ص334، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص266، والامتاع للمقريزي ص55.

وعلي كل حال فإن من يراجع غزوة العشيرة في كتب التاريخ والحديث، يجد هذا الحديث مثبتا في أكثر مصادرها.

[68] راجع فيما تقدم: السيرة الحلبية ج2 ص127، وانساب الأشراف ج2 ص90، والبداية والنهاية ج3 ص 347، وعمدة القارئ ج 7 ص630 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363 عن صحيح البخاري، والمناقب للخوارزمي ص7 ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص211.وراجع في مغاضبة فاطمة له: طبقات ابن سعد _ ط ليدن _ ج8 ص 16.

[69] المناقب للخوارزمي ص 256، وكشف الغمة للأربلي ج1 ص363، والبحار ج43 ص134.

[70] روضة الواعظين ص151 وفي طبعة أخري ص181، والبحار ج43 ص191 والعوالم ج11 ص 502.

[71] راجع مصادر ذلك في الصحيح من سيرة النبي (ص) ج5 ص340 و341.

[72] الفصول المهمة لابن الصباغ ص22، ومجمع الزوائد ج9 ص111 عن الطبراني في الكبير والأوسط، ومناقب الخوارزمي ص7، وكفاية الطالب ص193 عن ابن عساكر.

[73] الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج5 ص 337 _ 344.

[74] دور المرأة الرسالي: ص21.

[75] في رواية: أنه وجد في عنقها قلادة فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها فقال لها.. الخ.وفي رواية أخري: أنه وجد ستاراً علي بابها وسوارين قد لبستهما في يديها فحدّق

قليلا ثم انصرف، فارسلتهما اليه (ص)، فقسم ذلك علي الفقراء، فقال ثلاث مرات: فداها أبوها، ما لآل محمد وللدنيا، فإنهم خلقوا للآخرة، راجع الزهراء القدوة: ص 68، ومجلة المعارج عدد28 _ 31 ص 953 و954.

[76] دور المرأة الرسالي: ص 24 و 25.

[77] كن_ز العمال: ج15 ص404 عن أحمد، وأبي داود، والبيهقي والنسائي.

[78] نهج البلاغة: ج2 ص155 _ الخطبة رقم 155 (ط الإستقامة).

[79] الزهراء القدوة: ص226.

[80] الزهراء القدوة:ص277 وقد ذكرنا شطرا من مصادر هذه الخطبة الجليلة في كتابنا مأساة الزهراء ج 1 ص259.

[81] الزهراء القدوة: ص 238 والندوة: ج1 ص 429.

[82] الكلة: الستار.

[83] البحار45/112 عن اللهوف ص 65.

[84] البحار45/155 عن امالي الصدوق مجلس 33 رقم 3.

[85] البحار45/107 عن اللهوف عن اهل الطفوف ص 60.

[86] مسند فاطمة ص 337 مناقب ابن المغازلي 381 البحار 43/91 عن نوادر الراوندي ص 13 فاطمة بهجت قلب المصطفي ص 258 عوالم ج 11 ص 123

احقاق الحق10/258 و مستدرك الوسائل ج 14 ص 289 و 182 و في هامشه عن الجعفريات ص 95 و دعائم الاسلام ج 2 ص 214 و البحار ج 43 ص 91 و 92 ج 100 ص 250.

[87] وسائل الشيعة ج 20 ص 232

الكافي ج 5 ص 534.

[88] الوسائل ج 20 ص 232 عن مكارم الاخلاق ص 233 و مسند احمد ج 6 ص 296 و الجامع الصحيح للترمذي ج 15 ص 102.

[89] راجع بحار الانوار ج 39 ص 207 عن بشارة المصطفي ص 122 و 123.

[90] مسند فاطمة الزهراء ص 200 الي 205 عن امالي الطوسي ج 1 ص 39 بحار الانوار ج 43 ص 94 _ 96.

[91] الاحتجاج ج 2 ص 125 و البحار ج 45

ص 158 و بلاغلات النساء ص 21 و الملهوف ص 127 و مثير الاحزان ص 101 و اعلام النساء ج 2 ص 504 و غير ذلك.

[92] بحار الانوار ج 43 ص 198 _ 199 عن كتاب سليم بن قيس ص 249 و العوالم [حياة الزهراء (عليها السلام)] ص222.

[93] الزهراء القدوة: ص 188.

[94] الزهراء القدوة: ص322.

[95] راجع: الزهراء القدوة: ص195 وأجوبة البعض علي آية الله التبريزي، الجواب 16.

[96] راجع بصائر الدرجات: ص 153 و 155 و 161، والبحار: ج46 ص41 و 42 و47و48و49و271.

[97] الكافي: ج1 ص41 و 240 و457 و458. بصائر الدرجات: ص157 و153و159. والخرائج والجرائح: ج2 ص526. وبحار الأنوار:ج26 ص41 و240 وج43ص79و80 وج22 ص545و546، وراجع: ج47 ص65.. الخ.

[98] الكافي: ج1 ص240، والبحار ج26 ص37، وبصائر الدرجات ص150.

[99] البحار: ج22، باب: 2، ص: 545، رواية:63.

[100] الكافي: ج1 ص241، والبحار ج26

باب 26 ص41 رواية 72.

[101] البحار: ج26، باب 1، ص37، رواية:68.

[102] الكافي: ج3، ص507، رواية: 2.

[103] وقد استظهر وحدة كتاب فاطمة مع مصحفها العلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة،ج1،ص 97.

[104] الكافي: ج 1 ص 241، رواية 4.

[105] البحار: ج 6 ص41 و 44.

[106] م.ن.: ج26، ص 41. رواية 73.

[107] مجمع الرجال: ج4، ص 262.

[108] الزهراء القدوة: ص191 _ 195.

[109] ج1 ص106 _ 117.

[110] بحار الانوار: ج22 ص545.

[111] الزهراء المعصومة ص 56.

[112] ورد القول الأخير في ما اعتبره البعض أجوبة له علي آية الله التبريزي.الجواب رقم 17.

[113] الرسالة منشورة في آخر كتاب (الفضيحة). وهي بخط يد هذا البعض، فراجعها.

[114] راجع: المصدر السابق.

[115] المصدر السابق.

[116] أجوبة البعض علي آية الله التبريزي، الجواب رقم 17.

[117] الجواب رقم 17.

[118] الجواب رقم 17.

[119] راجع: للإنسان والحياة ص 271.

[120] الزهراء، القدرة

ص 107.

[121] شرح نهج البلاغة، ابن إبي الحديد المعتزلي ج16.

[122] الزهراء القدوة ص160و161.

[123] الزهراء القدوة ص 109 و110.

[124] راجع أجوبة هذا البعض علي آية الله التبريزي، الجواز رقم 17.

[125] من رسالة أرسلها البعض إلي قم بتاريخ 3/6/1414 ه_. وهي منشورة ومتداولة.

[126] المجالس الفاخرة ص35.

[127] النص والاجتهاد ص19 و20و21 متناً وهامشاً وراجع ط الاعلمي ص82 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص50.

[128] الزهراء المعصومة ص 55/56.

[129] أجوبة البعض علي آية الله التبريزي، الجواب رقم 17.

[130] من رسالة أرسلها هذا البعض الي قم بتاريخ 3/ 6/ 1414 ه_.

[131] من رسالة أرسلها البعض إلي قم بتاريخ 3/6/1414 ه_. وهي مطبوعة ومتداولة.

[132] راجع مصادر ذلك في: مأساة الزهراء ج1 ص234 و235.

[133] البحار ج 27 ص324 والاستغاثة ص21 وشرح نهج البلاغة، وبقية المصادر في مأساة الزهراء ج1 ص227و228 وغير ذلك...

[134] راجع: مأساة الزهراء، ج1 ص226.

[135] تهذيب الاحكام م ج4 ص149 ومعادن الحكمة ج2 ص122 و123 عنه وعن من لا يحضره الفقيه (ط النجف) ج2 ص366.

[136] وقد سمعنا مؤخراً: أن استاذ مادة التاريخ هذا ينكر صحة ما ينسب إليه بشدة.

[137] قرب الاسناد ص146 ط مؤسسة آل البيت، الكافي ج6 ص533 والبحار ج73 ص157 والوسائل ج5 ص325.

[138] سنن أبي داود ج 1 ص234 و235 ط دار احياء التراث العربي.

[139] مسند أحمد ج2 ص62 وراجع: سنن النسائي ج6 ص149.

[140] الكافي ج1 ص281 و282 والبحار ج22 ص479 و480.

[141] تاريخ الأمم والملوك ط دار سويدان ج4 حوادث سنة 17 ه_. والبحار ج30 ص64 وراجع: فتوح البلدان ج3 ص352 وسنن البيهقي ج8 ص235 والكامل في التاريخ، لابن الأثير ج3 ص540 و541 ووفيات الأعيان ج2 من455 والبداية والنهاية ج7 ص81 وعمدة القارئ ج6 ص 340 وشرح نهج البلاغة

لابن ابي الحديد ج2 ص234 و 237والاغاني ط دار احياء التراث العربي ج16 ص331 و332 وكنز العمال...

[142] الزهراء المعصومة نموذج المرأة العالمية ص55 /56.

[143] أجوبة البعض علي آية الله التبريزي، الجواب رقم 17.

[144] من رسالة أرسلها البعض إلي قم بتاريخ 3/6/1414 ه_. وهي مطبوعة ومتداولة.

[145] الملل والنحل ج1 ص84 والبحار ج28 ص271 وراجع: بيت الاحزان ص124 وبهج الصباغة ج5 ص15.

[146] راجع: الامامة والسياسة ج1ص12 وبمراجعة الروايات والنصوص في الجزء الثاني من كتاب مأساة الزهراء يتضح ذلك أيضاً.

[147] الامالي للمفيد ص49 /50.

[148] الجمل للمفيد ص117و118 الطبعة الجديدة.

[149] مأساة الزهراء ج1 ص276 فما بعدها.

[150] راجع: الاختصاص ص186 و187 والبحار ج28 ص229 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص202.لكن اليعقوبي حكي قصة السيف وأخد عمر له وكسره. حكاها عن علي عليه السلام.

[151] الاحتجاج ج1 ص212.

[152] راجع: البحار ج30 ص393 و395.

[153] الكافي ج1 ص 458 رواية 2.

[154] الزهراء القدوة ص 183/184 وبيان الحق ص35 وشريط مسجل بصوته في مكة بتاريخ 6/12/1418 وشريط آخر مسجل بصوته بتاريخ 1/10/1998.

[155] تاج العروس ج2 ص391، والنهاية لابن الأثير ج2 ص513.

[156] تاج العروس ج2 ص391.

[157] النساء، 69.

[158] النحل الآية 89.

[159] راجع: كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج2 ص869 وجلاء العيون ج1 ص212 و213 وراجع: البحار ج43 ص197 و203و170 و171 وج28 ص357 وج36 ص308 وج78 ص254 وعلل الشرايع ج1 ص186 و187 و189 والإمامة والسياسة ج1 ص14 و15 وعوالم العلوم ج11 ص411 و445 و498و499 و500 وكفاية الأثر ص64 و 65والبرهان (تفسير) ج3 ص65 والشافي ج4 ص213 والجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 والرسائل الاعتقادية ص448 ومرآة العقول ج5 ص323 و322 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص85_87 وأهل البيت لتوفيق ابي علم ص168 و169 و174.

[160] راجع: دلائل النبوة للبيهقي

ج7 ص281 وبقية المصادر وفي مأساة الزهراء ج1 ص239.

[161] من شريط مسجل بصوته.

[162] الكافي، ج 4ص 561 بحار الأنوار،ج 430، 195، وعوالم الزهراء: ص 447.

[163] الكافي، ج 4، ص561.

[164] جاء في مرفوعة محمد بن سهل البحراني عن أبي عبد الله (ع) في حديث البكاؤون الخمسة (وأما فاطمة، فبكت علي رسول الله (ص) حتي تأذي بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلي المقابر. مقابر الشهداء. فتبكي حتي تقضي حاجتها ثم تنصرف) عوالم الزهراء ص 448.

[165] بحار الأنوار ج:43، ص207. وجاء فيها: ((يا أبتاه انقطع عنّا خبر السماء)).

[166] كما جاء في بعض الروايات، راجع: بحار الأنوار ج: 43 من 187 وعوالم الزهراء، ص451.

[167] أصول الكافي، ج: 2 ص: 87.

[168] إقناع اللائم علي إقامة المأتم، ص: 114. مؤسسة المعارف الإسلامية، قم: إيران 1418 ه_.

[169] م.ن، ص 86.

[170] تقدم الحديث في الهامش رقم 1 من الصفحة 64.

[171] الوزر: الإثم، بحار الأنوار، ج 79 ص134.

[172] نهج البلاغة، الخطبة 235 والشؤون منابع الدمع في الرأس.

[173] بحار الأنوار ج79، ص 134.

[174] معاني الأخبار للشيخ الصدوق، ص 39، منشورات جماعة المدرسين، قم، إيران.

[175] الكافي، ج: 3 ص: 217، رواية: 6 ورواه الصدوق في الخصال ص 610 رواية: 1.

[176] عوالم الزهراء ص445.

[177] وقد مرّ أنها لم تر كاشرة ولا ضاحكة البحار ج42 ص 185 والكافي: ج4، ص 561.

[178] م. ن.

[179] الزهراء القدوة ص 72_ 79.

[180] سورة يوسف آية 85.

[181] فانه قال: عسي الله أن يأتيني بهم جميعاً. وقال: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون. وقال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله.بل في الروايات ما يدل علي أنه كان يعلم أنه حي، فقد

روي أن بعضهم سأل الإمام زين العابدين (ع): يابن رسول الله إلي متي هذا البكاء؟ فقال (ع): إن يعقوب بكي علي يوسف حتي ابيضت عيناه من الحزن زهو يعلم أنه حي، وأنا رأيت أبي وسبعة عشر من أهل بيتي ليس لهم علي الأرض شبيه يذبحون كما تذبح النعاج.. الخ.

[182] نهج البلاغة الخطبة رقم 235 وامالي الزجاج ص112 وامالي المفيد ص60.

[183] بحار الأنوار ج79 ص134، ونهج البلاغة الحكمة رقم 292 وراجع دستور معالم الحكم ص198 وغرر الحكم ص103 ونهاية الارب ج5 ص 196 وتذكرة الخواص.

[184] الزهراء القدوة ص43.

[185] راجع: البحار ج28 ص269 و270 و299 وج43 ص197.

[186] البحار ج53 ص19.

[187] البحار ج43 ص156 عن المفيد.

[188] راجع: البحار ج43 ص196 والبيتان الأولان عن الكافي والبيت الاخير عن مناقب آل أبي طالب.

[189] الكافي ج4 ص561 والبحار ج43 ص195 وعوالم الزهراء ص447.

[190] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 17 ص 217.

[191] الظاهر أن الصحيح: إليه.

[192] من وحي القرآن ج 15 ص 14 و 15.

[193] سورة النمل.

[194] سورة الأنفال الآية 75.

[195] سورة النساء الآية 11.

[196] سورة البقرة الآية 180.

[197] راجع: بغداد لطيفور ص 12 _ 19، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 252 و 249 و210 وكشف الغمة للإربلي ج 1 ص 479 وبحار الأنوار ج29 ص 227 واعلام النساء ج 4 ص 116 ودلائل الإمامة ص 30 _ 39 والاحتجاج ج 1 ص 268 وكتاب الشافي للسيد المرتضي ج 4 ص 75.

[198] سورة مريم.الآية 6.

[199] سورة النمل الآية 16.

[200] سورة يوسف الآية 18.

[201] الندوة ج 1 ص 429.

[202] تأملات إسلامية حول المرأة ص 8 _ 9 ط سنة 1413 ه_ ق.

[203] الجواب الخامس من الإستفتاءات المقدمة للتبريزي

حول مقولات البعض، كما كتب ما يشبه ذلك كل من أية الله الشيخ بهجت وآية الله الشيخ فاضل اللنكراني.

[204] أجوبة ذلك البعض علي المرجع الديني الشيخ التبريزي، الجواب الخامس.

[205] سورة آل عمران الآية 37.

[206] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج1، ص6.

[207] تفسير البرهان: ج1، ص21 والكافي: ج2، ص459 وتفسير الصافي ج1 ص24، ومصابيح الأنوار ج2 ص294، وعدة رسائل للمفيد (المسائل السروية) ص225، وتفسير العياشي ج1 ص9 وفي هامشه عن البحار ج19 ص30.

[208] تفسير البرهان: ج1 ص21.

[209] تفسير البرهان: ج1 ص21.

[210] تفسير البرهان: ج1 ص21.

[211] تفسير البرهان: ج1 ص21 والكافي ج2، ص459، ومصابيح الأنوار ج2، ص295، تفسير العياشي ج1، ص9 _ وعن البحار ج19، ص30 _ وعن تفسير الصافي ج1 ص24.

[212] إضافة اقتضاها سياق كلامه.

[213] سورة النور، الآية 55.

[214] من وحي القرآن ج16 ص390 _ 392.

[215] مجمع البيان ج7 ص201 ط مؤسسة التاريخ العربي سنة 1412 ه_ بيروت لبنان.

[216] التبيان ج7 ص457.

[217] سورة المائدة، الآية 67.

[218] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 8 ص 172.

[219] مجلة المنهاج البيروتية الصادرة عن مركز الغدير للدراسات العدد الثاني (مقالة الأصالة والتجديد)...

[220] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 6 ص 38 و 39.

[221] سورة النمل، الآية 82 و 83.

[222] من وحي القرآن ج 17 ص 280 و 281.

[223] الكهف الآية 47.

[224] تفسير القمي ج 2 ص 130 و 131 وتفسير البرهان ج 3 ص 210.

[225] سورة النور الآية 45.

[226] الندوة ج 1 ص 308.

[227] سورة النور الآية 45.

[228] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 1 ص 161 _ 163.

[229] راجع: البرهان في تفسير القرآن ج 1 ص 73 ونور الثقلين ج 1 ص 46 وكمال الدين وإتمام النعمة

ج1 ص 14 وتفسير الإمام العسكري ص 217 وتفسير فرات الكوفي ص 56 _ 57 وبحار الأنوار ج 37 ص 62 _ 63 وتفسير الصافي ج 1 ص 96 وراجع: صفحة 101.

[230] سورة المعارج الآية من 1 _ 10.

[231] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ح 23 ص 101 _ 102.

[232] من وحي القرآن: الطبعة الأولي، ج 23 ص 104 _ 105.

[233] تفسير البرهان ج 4 ص 381 _ 383 ومجمع البيان ج 10 ص 352 وقد ذكر في الدر المنثور ج 6 ص 261 و 162 وقول النضر بن الحارث دون أن يشير إلي المناسبة.

[234] الأعراف آية 156.

[235] المؤمنون آية 4.

[236] الأنبياء الآية 73.

[237] ألنحل آية 3 وسورة لقمان آية 4.

[238] فصلت الآية 7.

[239] الإصابة ج 4 ص 119، والبحار 35 ص 151، والطرائف ص 304، والغدير ج 7 ص 368عن نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنبلي.

[240] تدريب الراوي ج 2 ص 212 عن الطبراني في الأوسط، وذكر الشطر الأول من الحديث في الإصابة ج 1 ص 232.

[241] الوسائل ج 4 ص 5 و الكافي ج 3 ص 498.

[242] الثقات لابن حبان ج 1 ص 65، وحلية الأولياء ج 1 ص 114 _ 116 عن ابن اسحاق، البداية والنهاية ج 3 ص 70 و74 و69، وتاريخ الخميس ج 1 ص 290 وسنن البيهقي ج9 ص 144، وسيرة ابن هشام ج 1 ص 360، ومجمع الزوائد ج 6 ص 27 و 24 عن الطبراني واحمد، ورجاله رجال الصحيح، وحياة الصحابة ج 1 ص 354 و 357، عن بعض ما تقدم، وعن فتح الباري ج 7 ص 30 وحسّن اسناده.

[243] راجع الكافي ج 3 ص 497. وتفسير البرهان

ج 2 ص 156.

[244] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج7 _ ص 325و326.

[245] مجمع البيان: ج1، ص: 528.

[246] م. ن: ج1، ص: 528.

[247] البحار، م: ج10، ص:290، باب 8، رواية 1.

[248] من وحي القرآن: الطبعة الثانية دار الملاك، ج5، ص:240 و 241.

[249] سورة المائدة، آية: 55.

[250] تأملات في المنهج البياني: ص 11.

[251] الكافي ج2 ص 223، والبحار ج2 ص 186 وراجع: 187 و88، والمحاسن للبرقي ص30 و231.

[252] سورة النجم، الآية: 18.

[253] سورة الإسراء، الآية: 1.

[254] راجع الصحيح من السيرة: ج2، ص266_ 268.

[255] المعارج: العدد 28 _ 31، ص264.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.