رسائل آل طوق القطيفي المجلد 1

هوية الکتاب

المؤلف: الشيخ أحمد آل طوق

المحقق: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الناشر: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

المطبعة: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1422 ه.ق

الصفحات: 532

المکتبة الإسلامية

رسائل آل طوق القطيفي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملک محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

رسائل آل طوق القطيفي

مجموعة مؤلفات العلامة المحقق الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي

المتوفی بعد سنة 1245 ه

المجلد الأول

تحقيق ونشر

شرکة دار المصطفی صلی الله عليه وآله لإحياء التراث

ص: 3

اسم الکتاب... رسائل آل طوق القطيفي ج1

تأليف... العلامة الشيخ أحمد آل طوق

تحقيق ونشر وتوزيع... شرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

صف وإخراج... شرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة... الأولی 1422 ه- 2001 م

يطلب من:

لبنان - بيروت - ص.ب: 24/197 - هاتف

سوريا - دمشق - ص.ب: 733 - السيدة زينب - تلفاکس: 6420085 011

إيران - قم - ص.ب: 37185/3156 - هاتف: 778865 - فاکس: 778855

تحقيق و نشر شرکة دار المصطفی صلی الله عليه وآله لإحياء التراث

بيروت - لبنان - ص.ب: 24/197

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة لشرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

ص: 6

مقدمة التحقيق

اشارة

ص: 7

ص: 8

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

اللهم لك الحمد حمداً يصعد أوّله ولا ينفد آخره ، اللهم لك الحمد حمداً تضع لك السماء كنفيها ، وتسبح لك الأرض ومن عليها ، اللهم ولك الحمد حمداً سرمداً أبداً لا انقطاع له ولا نفاد ، ولك ينبغي وإليك ينتهي .. ولك الحمد ولك الشكر بجميع محامدك كلها على جميع نعمائك كلها حتى ينتهي الحمد إلى ما تحبّ ربنا وترضى (1).

اللهم وصلِّ على أمينك على وحيك ، ونجيبك من خلقك ، وصفيّك من عبادك ، إمام الرحمة ، وقائد الخير ، ومفتاح البركة محمد صلى الله عليه وآله .. وعلى آله الذين جعلتهم ورثة الأنبياء ، وختمت بهم الأوصياء ، وعلّمتهم علم ما كان وما بقي ، وجعلت أفئدة من الناس تهوي إليهم وافعل بنا ما أنت أهله (2).

وبعد :

فإن دارنا دار المصطفى صلى الله عليه وآله لإحياء التراث لما أخذت على عاتقها مهمّة نشر

ص: 9


1- مصباح المتهجّد : 77 ( حجري ).
2- انظر الصحيفة السجاديّة الكاملة : 39 ، 46.

علوم أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ، ووضعت نفسها في إسار ربقة هذا الطريق ، ولمّا كانت مجموعة رسائل العلّامة الشيخ أحمد آل طوق إحدى حبّات هذا العقد الشريف من علومهم عليهم السلام ، فقد تقرر إحياؤها وإبرازها إلى النور بعد رقدة سبات طويلة. وهذه المجموعة هي كسابقتها الرسائل الأحمديّة إذ إنها عبارة عن كشكول تناول فيه المصنّف أغلب جوانب علوم أهل البيت عليهم السلام ، فهي تتوزع بين مسائل علم الكلام والأُصول والفقه والنحو والتاريخ ، أمّا الرسالة الموسومة ب- ( نزهة الألباب ) فهي أشبه ما تكون بمجموع داخل مجموع ، فقد تنوّع ما تناوله المصنّف فيها بين الأُصول الفروع المذكورة كافّة ، بل زاد عليها بعض المسائل التي تناول فيها جملة من الأُمور الغيبيّة التي لم يسبق إليها أحد سوى الشيخ سليمان صاحب ( أزهار الرياض ) كمسألة حلّيّة الزواج من الجن.

وهذا المجموع يشمل اثنتين وعشرين رسالة هي جزء من رسائله رحمه الله التي تبلغ أكثر من أربعين رسالة ، وقد رتبناه على أربعة أجزاء كالآتي :

المجلد الأوّل : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة الأُولى : ما يكفي المكلَّف من أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي.

وهي رسالة موجزة في بيان أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي ، كتبت ببيان سهل يمكّن القارئ من فهم معانيها بسهولة ويسر ، على الرغم من أنّها عالجت المواضيع المبحوثة باختصار ومن أغلب جوانبها. وهي مرتّبة على مقدّمة ، وخمسة فصول ، وخاتمة. تناول في المقدّمة فائدتين : الاولى في بيان معنى التوحيد ، والثانية في بيان معنى الإيمان. واشتمل كلّ فصل على أصل من الأُصول الخمسة : التوحيد ، العدل ، النبوّة ، الإمامة ، المعاد. أما الخاتمة : فهي في بيان معنى الشرك بالله والكفر به.

الرسالة الثانية : موجز في أدلّة الأُصول الخمسة.

وقد تناولت مواضيع الرسالة الاولى نفسها ، وكتبت بنفس الأُسلوب ، غير أنّها

ص: 10

أكثر اختصاراً ، حيث لم تشتمل على المقدّمة والخاتمة ، كما أنّها اختزلت المطالب ببيان سهل ومختصر يعطي إجمالاً لأدلّة الأُصول الخمسة.

الرسالة الثالثة : الرجعة.

تبحث هذه الرسالة في رجعة أهل البيت عليهم السلام في آخر الزمان من خلال استعراض الأدلّة على ذلك ، وتناولها المصنّف من طريقين :

الأوّل : دليل الأخبار.

الثاني : دليل الاعتبار.

وفي الأوّل استعراض لحشد كبير من الروايات التي يمكن الاستدلال بها على ذلك ومناقشة مضامينها ، وقد أخذ كلّ ذلك مشفوعاً بالآيات القرآنيّة التي يمكن الاستدلال بها أيضاً على المطلب.

أما الثاني ، فقد استعرض فيه الكثير من الوجوه الاعتبارية التي يمكن أن تكون أدلّة صالحة للاستدلال على رجعتهم عليهم السلام في دولة المهدي عجل الله فرجه الشريف وذلك من خلال محاكمته لكثير من الأُمور بالنقض تارة ، والإبرام اخرى ، واستنتاجات مهمّة تارة ثالثة.

الرسالة الرابعة : في شرح صحيح زرارة المرويّ في الكافي

إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذرّيّته : من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له عشراً ، ومن همَّ بسيئة لم تكتب عليه ، ومن همَّ بها وعملها كتبت عليه سيّئة.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من جناب الشيخ مبارك ابن الشيخ علي ، وقد تناول في بداية الجواب استعراضاً لكثير من المفاهيم توضيحاً ومناقشة بالآيات القرآنية والأخبار ، ثمّ استعرض في آخر الجواب شرح المازندراني ( ت 1081 ه أو 1086 ه ) لهذه الرواية ، وناقشه في كثير من الموارد من خلال استعراضه لعبارة المازندراني ثمّ مناقشتها.

ص: 11

الرسالة الخامسة : بحث في التيمّم.

وهي بحث استدلالي في بعض صور عدم وجدان الماء ، كما لو لم يسع الوقت للطهارة المائية بأقلّ الواجب مع وجود الماء ، فهل فرضه التيمّم حينئذٍ ويأتي بالعبادة أداءً ، أو يستعمل الماء ويقضي؟

الرسالة السادسة : مختصر الرسالة الصلاتية للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبّار.

عمل هذه الرسالة بإشارة من أُستاذه مؤلّف الرسالة الصلاتيّة ، حيث طلب منه الاقتصار على الواجبات ، فامتثل خير امتثال ، غير متعرّض فيها لما يخالفه من الأقوال ، كما لم يذكر فيها ما يذهب هو إليه من آراء مخالفة ، مقتصراً فيها على عبارته ما أمكن ، ومعبّراً عن معناها بأخصر من لفظه في أحيان اخرى.

الرسالة السابعة : تحديد أوّل النهار.

وهي بحث استدلالي في بيان أوّل النهار بالمعنى الحقيقي لغةً وشرعاً ، فالأشهر الأظهر عند المصنّف أنّ أوّله طلوع قرص الشمس على الأُفق الحسّي كما عليه الأكثر ، مستدلّاً على ذلك بضروبٍ من الدلالة بلغت خمساً وأربعين ضرباً. وقد ذكر في الثالث والثلاثين منها بحثاً تفصيليّاً في القواعد والعلامات التي تُعرف بها ساعات الليل والنهار.

الرسالة الثامنة : الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة.

وهي بحث استدلالي في موارد الجهر بقراءة الحمد والسورة وتحديد مواردهما ، كما تطرق فيه إلى حكم الأذكار في الصلاة من حيث الجهر والإخفات أيضاً.

المجلد الثاني : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة التاسعة : روح النسيم في أحكام التسليم.

وهي بحث استدلالي في حكم التسليم الواقع في الصلاة. ويقع في ثلاثة مقامات :

ص: 12

المقام الأوّل : في بيان وجوبه وندبيّته. واستعرض فيه الأقوال بالوجوب والندب مناقشاً لكلٍّ منها ، ومرجّحاً لما يراه راجحاً منها.

المقام الثاني : في بيان الاختلاف حول التسليم ، هل هو جزء أو خارج؟

المقام الثالث : في بيان الصيغة المُخرِجة من التسليم من الصلاة.

وفي ختام الرسالة تنبيهات عدّة اشتملت على فوائد مهمّة.

الرسالة العاشرة : في بيان حدِّ الركعة التي مَنْ أدركها أدرك الوقت.

وهي بحث استدلالي استعرض فيه أربعة أقوال في تعيين حدِّ الركعة المشار إليها ، مرجّحاً أنّ حدّها هو رفع الرأس وانفصال الجبهة من محلّ السجود بعد السجدة الثانية ، وبه يتحقّق كمال الركعة. مشفعا ذلك بالأدلّة ، ومناقشاً الآراء نقضاً وإبراماً.

الرسالة الحادية عشرة : في أحكام العمرة.

وهي بحث استدلالي في موضوع العمرة ، رتّبها على فصول ومسائل تناول فيها أحكام العمرة ومواقيتها وواجباتها بشي ء من التفصيل ، وناقش فيها الروايات متناً وسنداً ، وعارض آراء فقهاء الطائفة ورجّح بعضها على بعض ؛ مستنداً في ذلك إلى أدلة من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، ودليل العقل.

الرسالة الثانية عشرة : مسألة في الرضاع.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من جناب الشيخ محمّد ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم الدرازي يسأله فيه : هل يحلّ للأب الرضاعي نكاح مطلّقة ابنه الرضاعي؟ واشتمل السؤال والجواب عنه على بيان وجه الحرمة ومناقشة بعض الآراء في ذلك.

الرسالة الثالثة عشرة : في عدّة المطلّقة الحرّة.

بحث استدلالي في مسألة ما لو كانت المطلّقة الحرّة الحائل لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة وطُلّقت وقد بقي من طهرها شهر مثلاً ، فما عدّتها؟

ص: 13

الرسالة الرابعة عشرة : بحث في الحبوة.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من بعض علماء البحرين ، مفاده القول بتمشية الحبوة إلى ولد الولد بالنسبة إلى جدّه وذلك بعد أن يكون على الشرائط المعتبرة في استحقاق الولد للصلب لها وجوباً أو استحباباً ومجّاناً أو محتسبة. وقد بيّن في السؤال الأدلّة المفروضة لقول القائل. فردّ عليه المصنّف بالجواب مناقشاً إياه في جميع ما فرضه في السؤال.

الرسالة الخامسة عشرة : صحّة العبادات مع قصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب.

وهي بحث استدلالي في اختلاف الأصحاب في صحّة العبادات بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، بمعنى أنّها يسقط بها القضاء وينال بها الثواب والجزاء ، ويقصد الامتثال بها فيسقط العقاب ، أم لا؟ ذهب المصنّف الى أنّ الأشهر في ظاهر الحال هو الصحّة.

الرسالة السادسة عشرة : بحث في الواجب الكفائي.

وهي بحث استدلالي في تعريف الواجب الكفائي وكثير من التفريعات المتعلّقة به. وفي آخر الرسالة تنبيهات اشتملت على فوائد مهمّة.

الرسالة السابعة عشرة : أجوبة مسائل.

اشتملت هذه الرسالة على أجوبة لعدّة مسائل وردت عليه من السيّد حسين ابن السيّد أحمد البحراني :

الأُولى : ما الوجه في جعل المسجد الأقصى غاية الإسراء؟

الثانية : ما النكتة والسرّ في اختصاص مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلفظ أمير المؤمنين دون من سواه من المعصومين عليهم السلام؟

الثالثة : ما معنى ما في دعاء السجّاد عليه السلام في يوم عرفة قَوْلُكَ حُكْمٌ ، وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ ، وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ.

ص: 14

الرابعة : حكم البهيمة المذكّاة إذا وطئت.

الخامسة : في وجوب صلاة الآيات على مَنْ لم تقع الآية في بلده.

السادسة : حول رؤية المعصوم عليه السلام في المنام وكونهم لا يشبهون أحداً.

السابعة : في معنى ( ما ) التعجبيّة الواردة في أدعيتهم عليهم السلام.

المجلد الثالث : وقد اشتمل على الرسالة التالية :

الرسالة الثامنة عشرة : نزهة الألباب ونزل الأحباب.

وهي رسالة اشتملت على الكثير من فنون العلم والمعرفة ؛ ففيها تجد المسألة الأُصولية ، والفقهية والكلامية والنحوية والمنطقية وغيرها ، فهي بحق كشكول ممتع.

المجلد الرابع : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة التاسعة عشرة : مواليد النبيّ صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام.

اشتملت الرسالة على مقدّمة وأربعة عشر فصلاً ، تكفّل كلّ فصل بتاريخ ولادة ووفاة أحد المعصومين عليهم السلام ، عدا القائم عج فاقتصر فيه على ذكر ولادته عليه السلام لأنّه حيّ يرزق ، عجل الله تعالى فرجه الشريف وسهّل مخرجه ، وجعلنا من أنصاره.

الرسالة العشرون : إعراب : صلى الله عليه وآله.

اشتملت هذه الرسالة وهي أوّل ما نطق يراعه في ميدان الكلام على حدّ تعبيره على عرض آراء النحاة حول عطف الضمير على الظاهر ، وهل أن ذلك يسوغ بدون تكرار العاطف أم لا يجوز ، وقد قابل آراء أُولئك النحاة وناقشها وخلص إلى نتيجة دعّمها بالأحاديث الشريفة ، ومفادها جواز ذلك من غير تكرار العاطف.

الرسالة الحادية والعشرون : إعراب وآله من صيغة صلى الله عليه وآله.

وهي كسابقتها ، غير أنها أخصر قليلاً.

الرسالة الثانية والعشرون : حرمة أُم وأُخت وبنت الملاط به على اللائط.

وهي رسالة موجزة في بيان ثبوت الحرمة في النكاح على اللائط من أُم وأُخت وابنة الملاط به ، وقد عثرنا عليها بعد إتمامنا إخراج هذا الكتاب.

ص: 15

المصنّف في سطور

بعد أن ألقينا نظرة خاطفة على رسائل هذا المجموع كان لا بدّ من تسليط الضوء على بعض جوانب حياة كاتبها وإن كانت المصادر قد أهملت التعرض لذلك ، غير أنه لا يترك الميسور بالمعسور.

هو العالم الفاضل الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح بن سالم آل طوق القطيفيّ.

لم تسعفنا مصادر ترجمته بسنة ولادته ولا سنة وفاته سوى أنه كان حيّاً عام ( 1245 ه / 1829 م ) ، كما لم تتطرّق لشي ء من تفاصيل حياته وجزئياتها.

قال عنه الشيخ محمد علي العصفوري في تاريخه : ( الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طوق القطيفي .. تلمذ لجدي العلّامة الشيخ حسين ).

تلمذ لجماعة من العلماء أبرزهم الشيخ أحمد بن محسن بن منصور آل عمران ، والشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، وله منه إجازة رواية.

له من المؤلّفات ما يقارب الأربعين مصنّفاً أو أكثر ، منها غير ما ذكرناه في هذا المجموع : ( نعمة المنّان في إثبات وجود صاحب الزمان ) ، ( جامعة الشتات في أحكام المواريث والأموات ) ، ( نزهة الأحباب ) ، وهي غير ( نزهة الألباب ونزل الأحباب ) المذكورة ضمن هذا المجموع ، ( شرح الحديث الشريف من عرف نفسه فقد عرف ربّه ) ، مناسك الحج.

وذكره الشيخ الآقا بزرگ الطهراني في طبقاته بقوله : ( هو الشيخ أحمد بن صالح ابن سالم بن طوق القطيفي ، عالم جليل من مصنّفي عصره ).

وقال : ( ورأيت بعض تملّكاته بخطه ذكر فيه نسبه كما مرّ ، بينما لم يذكر مترجموه جدّه سالماً بل ذكروا أنه ابن صالح بن طوق. وتاريخ هذا التملك قبل ( 1245 ه ) ؛ لأنه (1) كان في هذا التاريخ ملكاً للشيخ محمد علي العريضي .. وملك ( خلاصة الأذكار ) ، و ( تلخيص الشافي ) ، و ( بصائر الدرجات ) ، و ( الدروس ) .. ).

ص: 16


1- كذا في المصدر ، دون إشارة إلى مرجع الضمير.

وذكر أن له ( المسائل العويصة ) ، وهي مسائل بعث بها إلى الشيخ أحمد الأحسائي مذكورة في موضعين من ( جوامع الكلم ) : جاء في الموضع الأول : ( أرسل إليّ الشيخ الأرشد الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي مسائل .. ) ، وفي الموضع الثاني : ( قد وردت إلىّ مسائل جليلة بمباحث جميلة من الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح بن طوق تدلّ على كثرة خُبره ، ودقّة فكره .. ) (1).

والده ؛ :

كان والده ؛ عالماً فاضلاً مؤمناً صالحاً. وكان من المعاصرين للعلّامة الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي ، وله إليه مسائل مذكورة في جوامع الكلم أيضاً ، حيث جاء فيه : ( قد بعث إليّ الأكرم المسدد الشيخ صالح بن طوق أصلح الله أحواله ، وبلّغه آماله .. ) (2)

أولاده :

له من الأولاد الشيخ ضيف الله ، وهو من العلماء الأخيار. وهو صاحب شرح على رسالة والده في الأُصول الخمسة المطبوعة ضمن هذا المجموع ، وكان قد جمع فتاوى السيد كاظم الرشتي في الطهارة والصلاة بأمره. توفي في العراق.

منهج التحقيق

إن منهجنا في تحقيق هذا المجموع يتمركز حول محورين.

أجمع وتحصيل النسخ الخطّيّة وكانت المرحلة الأُولى هي البحث والتنقيب عن رسائل الشيخ آل طوق ، فهي مبعثرة بين القطيف ومكتبة السيد المرعشي ومناطق اخرى. وقد لاقينا بعض

ص: 17


1- انظر ترجمته في : أنوار البدرين : 281 / 24 ، طبقات أعلام الشيعة ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) : 92 - 93 ، أعيان الشيعة 2 : 607 - 608 ، معجم المؤلفين 1 : 251 ، مجلة الموسم : العدد ( 9 - 10 ) لسنة ( 1991 / 1411 ه ) ، وانظر جوامع الكلم : 1140 ، 155 ( حجري ).
2- انظر جوامع الكلم 2 : 237 - 239.

الصعوبة في العثور على هذا الجزء منها واستحصاله ، سيّما الموجود منها خارج إيران. وقد بقيت رسائل أُخر دون أن نعثر عليها حالياً فاكتفينا بنشر هذا المقدار منها. أما المرحلة الثانية فكانت فرز هذه الرسائل ، وتعيين عناوينها ، وإثبات نسبتها لمصنفها. وأمّا المرحلة الثالثة ، فكانت تعيين السقوطات وأماكن عدم الوضوح فيها ومحاولة معالجة ذلك بتصويرها ثانية وإلّا فبالاستظهارات المناسبة للسياق. وقد اعتمدنا في تحقيقنا لمجموعة رسائل الشيخ أحمد آل طوق رحمه الله على عدّة رسائل ومجموع خطّي.

أما المجموع فهو من مكتبة آية الله المرعشي برقم (2358) ، ويحتوي على (320) ورقة مختلفة السطور ، 21 × 5. 15 سم. ويتميّز بتعدد نوع الخطّ وتفاوته بين الوضوح وعدمه.

وأمّا ما يحويه من رسائل ، فهي : روح النسيم « ا پ 43 ر » ، شرح حديث من همّ بحسنة .. « 45 پ 57 پ » ، الواجب الكفائي « 58 پ 72 پ » ، قصد الثواب والعقاب في العبادة « 73 پ 90 پ » وهي إحدى نسختي المخطوط وقد رمزنا لهذه النسخة ب- « م » ، إدراك ركعة في الوقت ، وهي نسختان : الاولى « 92 پ 98 پ » ، من نسْخ يوسف بن مسعود الجشّي ، وقد رمزنا لها ب- « ش » ، والثانية « 166 پ 175 پ » من نسْخ زرع بن محمد علي بن حسين الخطّي ، وقد رمزنا لها ب- « ز » ، تحديد أوّل النهار « 99 پ 141 ر » وهي إحدى نسختي المخطوط ، وقد رمزنا لها ب- « » ، أجوبة مسائل الشيخ الدرازي « 145 پ 146 پ » ، تيمم من منعه الزحام عن الخروج « 146 پ 149 ر » ، إعراب صلى الله عليه وآله « 150 پ 157 پ » ، إعراب آله من صلى الله عليه وآله « 158 پ 163 پ » ، الرجعة « 176 پ 208 پ » ، أجوبة مسائل السيد حسين « 210 پ 217 ر » ، جواب مسألة عن الحبوة « 218 پ 225 ب » عدة المطلقة التي لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة « 226 پ 235 ر » ، وجوب الإخفات في غير الأُوليين « 236 پ 248 ر » ، أحكام العمرة « 252 پ 320 پ ».

ص: 18

وأما الرسائل المتفرّقة فهي :

1 - رسالة ما يكفي المكلّف من أدلّة الأُصول الخمسة ، وتقع في (41) صفحة ، كل صفحة منها ب- (18) سطراً ، وهي من نسخ صالح بن طعّان بن ناصر المركوباني ، تاريخ نسخها سنة (1259) ه- ، جيدة الخط.

2 - رسالة موجز في أُصول الدين ، وتقع في (7) صفحات ، كل صفحة منها ب- (20) سطراً ، نسخت عام (1243) ه- ، مجهولة الناسخ ، وجيدة الخط.

3 - قصد الثواب والعقاب في العبادة ، وهي النسخة الأُخرى لهذه الرسالة ، مصوّرتها من القطيف ، من نسخ ناصر بن علي بن ناصر ، وقد رمزنا لها ب- « ن » وتقع ب- (21) ورقة كل صفحة منها ب- (19) سطراً لكل صفحة. تاريخ تأليفها (1243) ه- ، وتاريخ نسخها السنة عينها. وهي نسخة جيّدة الخط.

4 - رسالة تحديد أوّل النهار وهي نسختان كما أشرنا والنسخة الثانية مصوّرتها من القطيف ، وقد رمزنا لها ب- « ق » ، وتقع في (46) ورقة ، كل صفحة منها ب- (19) سطراً. مزيدة ببعض التصحيحات والتعليقات في هوامشها.

5 - مختصر الرسالة الصلاتيّة ، مصدرها القطيف ، وتقع في (101) ورقة ، مختلفة السطور.

6 - نزهة الألباب ونزل الأحباب ( الجزء الأوّل ) منها فقط ، مصدرها القطيف ، وتقع في (178) ورقة ، كل صفحة منها ب- (17) سطراً ، وهي نسخة جيّدة الخط.

7 - رسالة مواليد المعصومين الأربعة عشر ، وتقع في (71) صفحة مختلفة السطور ، مزيدة بتصحيحات وتعليقات في هوامشها.

8 - رسالة في حرمة أُم وأُخت وبنت الملاط به على اللائط ، وهي فصل منقول من رسالة ( نزهة الألباب نزل الأحباب ) ، والظاهر أنها من الجزء الثاني من هذه الرسالة ، وهو الجزء المفقود حالياً. وتقع في (4) صفحات ، كل صفحات منها ب- (19) سطراً.

ص: 19

ب - عملنا في المخطوطات :

لقد تحدّد عملنا أوّلاً في جمع هذه الرسائل كما أشرنا ، ثمّ تأليفها وتبويبها وفق ما ستخرج به إلى النور.

أمّا ثانياً ، فهي مرحلة مباشرة تحقيق هذه المخطوطات ، وقد مرّت بالمراحل التالية.

1 - الصف والإخراج الكامبيوتري.

2 - مقابلة المطبوع على المخطوط ثم المطبوع على المطبوع.

3 - تخريج الآيات والروايات والآراء العلمية.

4 - تقويم النص ، وقد اتبعنا فيه المنهج التالي :

أوّلاً : بعض مخطوطات المجموع لها نسختان ؛ فكانت الخطوة الاولى تعيين النسخة المعتمدة ، وإثبات ما في المتن وفقها والإشارة إلى اختلافات النسخة الثانية في الهامش بعبارة : في « .. » : ( كذا ). وفي حال كون ما في النسخة المعتمدة سقطاً أو غير مقروء يثبت ما في النسخة الثانية في المتن مع الإشارة إليه في الهامش على أنه من هذه النسخة. هذا في موارد غير الاختلاف فيهما.

ثانياً : في موارد الاختلاف كان لا بدّ من تعيين الراجح من المرجوح لإثباته في المتن لأنه الأوفق ، وهي مهمة فيها نوع من الصعوبة ؛ إذ إن انتقاء ما يناسب ذوق المصنف رحمه الله باعتبار أن أحدهما قطعاً ليس مراده إلّا في النادر ليس أمراً سهلاً ، بل هو يعتمد على متابعة دقيقة لُاسلوبه واستخداماته اللغوية والعلميّة. وقد تكون المهمّة أصعب فيما إذ لم يكن في البين مرجّح لأحد الاختلافين على الآخر.

ثالثاً : هنالك بعض السقوطات اقتضى السياق استظهارها ووضعها داخل معقوفتين ، لكن لم نُشر إليها في الهامش ، بل اكتفينا بالإشارة إليها في المقدّمة.

رابعاً : الإضافات التي ازيدت على المتن من مصادر التحقيق وأغلبها لتصحيح ألفاظ الحديث الشريف بين خطّين مائلين ، ولم يشر لها في الهامش أيضاً. في حين أن التغييرات التي أُجريت على المتن وفق المصدر بقيت بين معقوفتين ، وقد

ص: 20

أُشير إليها في الهامش.

خامساً : الكلمات غير الواضحة أو غير المقروءة ، وكنّا نستظهر بعضها ووضعها داخل معقوفين [ ] ونشير إليه في الهامش ، أو نتركها دون استظهار ، ونستعيض عنها بمعقوفتين فارغتين مع الإشارة إليها في الهامش أيضاً.

سادساً : بعض الموارد التي يمكن قراءتها لكن فيها لبس أو عدم وضوح في معناها كنا نتركها كما هي مع الإشارة إليها في الهامش بعبارة : ( كذا في المخطوط ).

سابعاً : تخريج المفردات اللغويّة الميّتة أو النادرة الاستخدام ؛ تسهيلاً للقارئ ، وحلّاً لغموض النصّ وإبهامه.

ثامناً : حل الرموز الواردة في الكتاب سواء تلك التي أُشير بها إلى أسماء المؤلّفين أو أسماء المؤلَّفات ، وقد اعتمدنا في ذلك على كتاب معجم الرموز والإشارات تأليف الشيخ محمد رضا المامقاني.

وضع فهارس عامّة للكتاب تيسيراً على القارئ المتتبّع ، وتشمل :

1 - فهرس الآيات الكريمة.

2 - فهرس الأحاديث والروايات الشريفة.

3 - فهرس الأعلام.

4 - فهرس الأديان والفرق والمذاهب والطوائف.

5 - فهرس الأماكن.

6 - مصادر التحقيق.

والمتابعة النهائيّة.

وأخيراً نسأله تعالى أن يأخذ بأيدينا لخدمة هذا الدين الحنيف والمذهب العظيم عبر إحياء تراث علمائه الأعلام.

شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياءالتراث

مصطفى آل مرهون

ضياء آل سنبل

ص: 21

الصورة

ص: 22

الصورة

ص: 23

الصورة

ص: 24

الصورة

ص: 25

الصورة

ص: 26

الصورة

ص: 27

الصورة

ص: 28

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الرسالة الأولى : ما يكفي المكلّف من أدلّة الاُصول الخمسة بالدليل العقلي

اشارة

ص: 31

ص: 32

مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رَبِّ العالمين ، وصلّى الله بأفضل صلواته وبارك بأفضل بركاته وسلم بأزكى تسليماته على خير من اصطفى لرسالاته محمدٍ : وآله القائمين مقامه الأعلى.

وبعد : فيقول أقلّ الورى عملاً وأكثرهم زللاً أحمد بن صالح بن سالم : هذه رسالة موجزة في بيان ما يكفي المكلّف من أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي ، وإلّا فهي أكثر من أن تُحصى إلّا لله وخاصّته [ الآخذين (1) ] عنه علومهم ، ورتّبتها على : مقدّمة ، وخمسة فصول ، وخاتمة.

ص: 33


1- في المخطوط : ( الماخذين ).

ص: 34

المقدمة

اشارة

[ وهي ] مشتملة على فائدتين :

الاولى : في معنى التوحيد

اعلم أن معنى التوحيد أن تعتقد وحدانيّة الله تعالى في ذاته ، بأنه ليس كمثله شي ء ، وفي صفاته الذاتية التي وَصَف بها نفسه على لسان رسله بأنها عين ذاته العليّة ، بمعنى أن ليس ذاته شيئاً وعلمه مثلاً أو سمعه أو بصره شيئاً آخر مستقلا بمعنًى ، حتّى إنه تعلم ذاته أو تسمع أو تبصر بعلم أو بصر أو سمع هو غيرها ، فالذات شي ء والعلم شي ء آخر. فهو تعالى وتقدّس ذات لها علم متّصف به مثلاً كما في المخلوق ، بل عين ذاته عين علمه ، وحقيقة علمه هو ذاته ، فهو يعلم ويبصر ويسمع بذاته المقدّسة عن وصف الجاهلين ؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك للزم أن تكون ذاته المقدّسة في نفسها خالية من العلم مثلاً ، وإنما العلم صفة مغايرة لها ، فيلزم تعطيل الذات وخلوّها في حقيقتها عن صفات الكمال ، وإنما كملت بشي ء آخر.

وللزمه أيضاً تركّب الواحد بكلّ اعتبار ووحدة حقيقته من ذات وصفة هي العلم مثلاً ، والتركيب يفتقر إلى مركّب ، ويستلزم المِثل. وتعالى القيّوم الغنيّ بذاته عمّن سواه أن يفتقر إلى خلقه المفتقر إليه بذاته ، أو يشبهه خلقه ؛ إذ ما سواه خلقه.

وإنما وصف نفسه بصفاتٍ ، وسمّى نفسه بأسماء وعرّفنا إيّاها لندعوه بها ، ودلّنا

ص: 35

على أنها صفات كمال ، وهو منبع كلّ كمالٍ وخير وأولى به ، فإنه واهبه ، ومعطي الخير أولى بالخير والفضل ، فوصفناه بها كما عَلّمنا.

وفي أفعاله بأن تعلم [ أن ] كلّ كمالٍ وجمالٍ وخيرٍ فمنه بدأ ، وهو مفيضه وواهبه لمن يشاء ، فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلّا هو سبحانه وتعالى ، ولا يُعبَدُ إلّا هو ، ولا يحلّ عبادة غيره بوجه ، ولا طاعة غيره أيضاً.

نعم ، له عباد طاعتُهم طاعتُه ومعصيتُهم معصيتُه وأمرهم عين أمره وقدرتهم بقدرته ، فمن لجأ إليهم أو استغاث بهم أو أطاعهم فقد عبد الله ؛ لأنهم خلفاؤه ونوّابه ، وأنه هو واهب القدرة على كلّ خير ومعجزة وكرامة لأوليائه وصفوته ورسله. فكلّ ما في الخلق من جمالٍ وكمالٍ وخيرٍ فهو واهبه تعالى ، فإن ما سواه خلقه ، فليس لرسولٍ أو وليّ أو ملكٍ قدرة ولا كمال إلّا وهو واهبه له. فدعوة الرسل والأولياء والاستغاثة بهم إذا كانت لاعتقاد أنهم نوّاب الله وخلفاؤه وأبوابه [ التي (1) ] لا يؤتى إلّا منها ، ولأنهم ألبسهم الله حلّة عزّه وقدرته ، وأقدرهم على كلّ ما يريدون بإرادته ، وأن كلّ ما يصدر عنهم من المعاجز وغيرها فهو بقدرة الله تعالى ، كان هو التوحيد الخالص الحقّ.

فلا تغترّ بقول الجاهلين الذين يظنون أنهم ينالون ما عند الله بلا واسطة خلفائه الذين اختارهم وجعلهم ملاذاً ومفزعاً لخلقه ، ودلّ الخلق عليهم وهداهم إليهم بما ألبسهم من لباس عزّته وقدرته ، وجعلهم يقدرون بقدرته على كلّ شي ء ، وظهرت منهم المعجزات بإذنه وقدرته.

كيف ظنّك بمن قدرته قدرة الله ويده يد الله ، كما أن أمرَه أمرُ الله ونهيَهُ نهيُهُ؟

الفائدة الثانية : في معنى الإيمان

اعلم أن معنى الإيمان هو أن تعلم بالدليل وحدانيّة الله تعالى كما تقدّم ويأتي

ص: 36


1- في المخطوط : ( الذي ).

إن شاء الله المتفضّل وعدله ، ووجوب بعثة الرسل ، وتعرف الرسول الذي أنت مكلّف باتّباعه والعمل بشريعته ، وتعرف مَن خلفاؤه وإمام زمانك منهم ، وتعرف وجوب عصمة الرسل والأئمّة عليهم السلام ، وأن بعثة الرسل ونصب الإمام واختياره من الله لا من الخلق ، وأن كلّ ما جاء به الرسل من عند الله ، وأخبروا به من أُمور الدنيا والآخرة حقّ ، وأن البعث بعد الموت حقّ ، والجنّة والنار حقّ.

وبالجملة ، العلم بالأُصول الخمسة بالدليل ولو على سبيل الإجمال ، وهو رُتَب ودرَجٌ متفاضلة على قدر العلم والعمل.

واعلم أن الفرق بين الإسلام والإيمان كالفرق بين الروح والجسد ، فالأيمان روح والإسلام جَسَد ، وكالفرق بين القلب والجسد وبين الكعبة والمسجد ، فكلّ مؤمن مسلم ، ولا عكس ، كما أن مَن دخل الكعبة والقلب دخل المسجد والجسد ، وليس كلّ مَن دخل المسجد أو الجسد دخل الكعبة أو القلب.

ص: 37

ص: 38

الفصل الأول : في التوحيد

اشارة

اعلم أن مَن له أوّل درجة من العقل إذا فكّر فيما علمه بالضرورة الفطريّة أو الحسيّة في أنه كان بعد أن لم يكن ووُجِدَ بعد العدم ، وكذلك أبوه وجدّه ، وأنه لم يخلق نفسه ، وإلّا لم يرضَ لنفسه بالعدم في حال ؛ لأن العدم خسيس دني ء ، والوجود شريف رفيع ، ولا خلقه مَن هو مثله ؛ إذ لا مرجّح لأحد المثلين المتساويين على الآخر حتّى يكون أحدهما خالقاً والآخر مخلوقاً ؛ لأن الخالق أشرف من المخلوق ، وشرف المخلوق إنما يكون من الخالق ، لأن الصنعة تعلو وتزكو على قدر علوّ صانعها وشرفه ، علم بذلك أن له صانعاً لا يشبهه بوجهٍ أصلاً.

وأيضاً إذا فكّر ونظر إلى تعاقب الضدّين على الشي ء الواحد كالطلوع والغروب على الكوكب ، وتنقّل مثل الشمس والقمر في البروج ، وكونهما قد يُخسَفان في بعض الأحيان ، وكون القمر تارة بدراً كاملاً وأُخرى هلالاً ، أو مختفياً لا يُرى ، وكون بعض الكواكب أنور من بعض ، وكون النباتات كلّها تارة بذراً وتارة حشيشاً مثلاً ، وتارة ثمرة مُرّة وتارة ثمرة حلوة كالرطب ، وتارة ييبس ويعود هشيماً وحطباً ، علم بذلك أنها لم توجِد نفسها ولم تُدبّر حالها ، وإلّا لما اختارت الحالة الذميمة الوضيعة على الحالة الشريفة الرفيعة ، ولا خَلَقها مَن هو مثلها لما مرّ.

ص: 39

فلو فكّر في تصوّر الإنسان وتنقّله من الماء المهين إلى أن يكون إنساناً [ يحاول (1) ] بعقله علم ما في باطن السماوات وتخوم الأرضين ، مع عجزه في كلّ أحواله عن جلب رزقه وما يصلحه ويزينه ، وعن دفع المهلكات عن نفسه ، لعلم أن له صانعاً لا يشبهه شي ء ولا يعجزه شي ء ، غنيّ عمّن سواه بذاته ، حكيم عليم.

وبالجملة ، فطر العقول مقرّة بالضرورة أن كلّ أثر وصنع وخلقٍ لا بدّ له من مؤثّر وصانع وخالق لا يشبهه.

في كونه تعالى غير مصنوع

فإذا علمت أن لهذا الخلق خالقاً موجوداً لوجود الصنع واستمراره ودوامه ، عرفت أن لهذا الخلق صانعاً غير مصنوع ؛ إذ كلّ مصنوع يفتقر إلى صانع ؛ فإمّا أن يكون في الوجود صانع غير مصنوع ، أو لا يوجد مصنوع ، وقد وجد مصنوع ، ومتى وجد مصنوع لزم وجود صانع غير مصنوع.

في كونه تعالى واحداً

فاعلم أن صانع هذا الخلق واحد حقيقيّ ، بمعنى أنه لا يشبهه شي ء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ) (2) ؛ إذ لو كان له شبهٌ لم يتميّز الخالق من المخلوق ، ومن المحال أن يكون أحد المتماثلين خالقاً والآخر مخلوقاً ؛ إذ لا يُعرف الخالق. مع أن حقيقة الخالقيّة ومعناها مباينة لمعنى المخلوقيّة وحقيقتها ، لأن الخالقيّة فعل وإفاضة ، والمخلوقيّة انفعال وقبول استفاضة ، فمحال أن يكونا مثلين.

وأيضاً لو كان له تعالى شبه لاحتاج كلّ منهما إلى ما يميّزه من الآخر ؛ إذ من المحال أن يكون اثنان لا يتميّز أحدهما [ من (3) ] الآخر ، ولمّا كانا اثنين متشابهين والمميّز لكلّ منهما عن شبهه حاكماً على كلّ منهما بأنه هو ، وأنه غير الآخر ، ومبيّناً

ص: 40


1- في المخطوط : ( يحاوله ).
2- الشورى : 11.
3- في المخطوط : ( عن ).

لكلّ منهما ومظهراً له عن الآخر ، وما يحكم عليه شي ء أو يظهره ويبيّنه غيره ليس بصانع غير مصنوع ، ولا غنيّ بذاته ، ولا واحد من كلّ وجه ، بل له جهة يشبهه بها غيرُه ، وجهة يمتاز بها عن المثل ، فيكون مركّباً لا واحداً ، وبمعنى أنه ليس له جزء يغاير جزءاً ، فليس ذو الأجزاء بواحدٍ.

وأيضاً يفتقر كلّ من الأجزاء إلى ما يميّزه عن الآخر. وهكذا ، فيكون مميّزات لا تحصى ، فلا يُعرف الخالق من غيره.

وأيضاً يفتقر حينئذٍ إلى ما يلائم ويركّب كلّاً من الجزأين مع الآخر ، والفقير محكوم عليه ، فليس هو صانعاً غير مصنوع ، ولا واحداً حقيقيّا.

ولا تتوهّم أن وحدة الواجب تعالى عدديّة ، بمعنى أنه واحد ، أي واحد بالعدد ، فإن جميع الأعداد ملك له ، فلا يكون هو أحدها.

وأيضاً لو كان وحدته بمعنى العدد لكان له شبهٌ ؛ إذ الواحد بالعدد كثير فيه استخدام (1) ، فتفطّن. وقد عرفت بالدليل أنه منزّه عن الشبه ، فإذا عرفت هذا علمت أنه تعالى ليس له شريك ؛ إذ المشاركة تقتضي المشابهة والمماثلة.

وأيضاً لو كان له شريك ؛ فإمّا أن يكون كلّ منهما قادراً على العلم والإحاطة بحقيقة الآخر وعلى قهره ومنعه عمّا يريد ، [ أو (2) ] لا. فعلى كلا الوجهين يكون كلّ منهما مقهوراً عاجزاً عن دفع النقص والغلبة له والعجز عن نفسه ، فليس بواجب الوجود ولا قاهرٍ غير مقهور. وإن كان أحدهما قادراً على ذلك دون الآخر فهو واجب الوجود بلا شريك ولا مثل ، دون الآخر ، لعجزه.

وأيضاً لو كان له شريك لكان له مثل ، وقد عرفت استحالته.

وأيضاً المشاركة تقتضي مشتركاً فيه وإلّا فلا شريك. والمشترك فيه ؛ إمّا أن يكون حقيقة الذات [ أو (3) ] صفاتها الذاتيّة ، وهذا يرجع إلى المشابهة المنفيّة بالدليل ، أو إلى

ص: 41


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( أم ).
3- في المخطوط : ( و ).

كون ما فرض اثنين واحداً من كلّ وجه ، وهو بخلاف المفروض.

وإمّا في الخلق ، وهذا يقتضي أيضاً المشابهة في الذات ؛ لأن كلّاً منهما حينئذٍ خالق ، فتتماثل حقيقتهما ، وهو محال. وفي الصفة كما هو ظاهر ؛ لأن كلّاً منهما متّصف بالخالقيّة ، وتقتضي أن يمتاز خلق كلّ منهما عن الآخر ورسله وآياته ، فإن العاجز عن تمييز خلقه لا يكون واجب الوجود ولا واحداً في كلّ وجه ، بل يكون مركّباً من جهة عجز وجهة قدرة ، وقد عرفت أنه محال ، بل فيه جزء عدميّ حينئذٍ ، ومحال أن يكون في الواجب تعالى عدم ؛ لأنه نقص وتركيب وتشبيه ، والكلّ محال.

وأيضاً نظرنا في هذا الخلق فوجدناه مرتبطاً بعضه على بعض ، فهو كالشي ء الواحد الذي له أجزاء ، فعلمنا أنه صنع واحد ، ولم نجد صنعاً آخر ولا خلقاً يباين هذا ، فعلمنا أنه سبحانه ليس له شريك ولا شبه.

وأيضاً لمّا علمنا أن النواة تكون شجرة وتُنتَج من الشجرة ، والنطفة تكون إنساناً والإنسان يُنتج (1) النطفة ، والنبات يكون تراباً ، وبالعكس ، علمنا (2) أنها مدبّرة لعليم حكيم قاهر حيّ واحد ، وأن ليس لطبائع الأشياء في تدبيرها وتكوينها مدخل ، بل هي مدبّرة على وجه لا أتقن ولا أضبط منه ، وأنه ليس له مثل في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله ، ولا شريك ، فهو الواحد وحده.

في كونه تعالى حيّاً

إذا عرفت هذا عرفت أن الصانع لما سواه لا بدّ أن يكون حيّاً ، لأنه خالق الحياة ومحيي الموتى ، كما هو مشاهد في الحيوان والنبات وغيرهما ، ولا يمكن أن تصدر الحياة عن الميّت ؛ لأنه عدم والحياة وجود ، ولا يصدر الوجود من العدم ، ولأن الحياة والوجود ضد الموت والعدم ، ولا يمكن صدور الضدّ من الضدّ ؛ إذ لا يصدر الظلمة من محض النور ولا العكس. فثبت أيضاً أنه ليس لله تعالى ضدّ ، لأنه لو كان له ضدّ

ص: 42


1- في المخطوط بعدها : ( من ).
2- في المخطوط : ( وعلمنا ).

لكان من خلقه ؛ لما ثبت من نفي الشريك والشبه عنه تعالى ، ومحال أن يضادّ المخلوق خالقه ، وإلّا لما كان خالقه.

وأيضاً المضادّة ممانعة ومغالبة ومقاومة ، ومحال أن يكون لواجب الوجود تعالى ممانع أو مغالب أو مقاوم ؛ لأن ذلك يقتضي عجزه وعدم عموم قدرته ، وهذا ينافي وحدته الحقيقية ، لأنه يقتضي أن يكون فيه جهة قدرة وجهة عجز ، وكلّ متجزّئ مركّب مخلوق ، وأنه تعالى عالم بكلّ شي ء ، لأن ما سواه خلقه ، ومن المحال أن يخلق ما لا يعلم ؛ إذ كلّ صانع يعلم صنعته قبل أن يصنعها ، وإلّا لما صنعها ؛ إذ محال أن يصنع ما لا يعلمه ، فهو عالم بصنعه قبل أن يصنعه وحال صنعه وبعد صنعه.

وأنه تعالى قادر على ما يريد ؛ إذ من المحال أن يخلق ما لا يقدر عليه ، فمن عجز عن صنعة لم تصدر عنه بالضرورة ، فكلّ ما سواه في قبضته وتحت قهره.

وأنه تعالى غنيّ عمّا سواه ، وكلّ ما سواه مفتقر إليه. أمّا الأوّل فلأنه لو افتقر إلى غيره لكان ناقصاً ، وكان الغير أكمل وأغنى منه ولو في جهة ، وكان له تعالى شبه ، لأن المفتقر إلى غيره كثير ، وكان مفتقراً إلى خلقه ، ومحال أن يفتقر الخالق إلى المخلوق ، لأن ما سواه خلقه ، وكان مركّباً من جهة فقر وجهة غنى ، وكلّ مركّب مفتقر إلى من يركّبه ، فكلّ مركّب مخلوق.

وأمّا أن كلّ ما سواه مفتقر إليه فلأنّ كلّ ما سواه خلقه وكلّ مخلوق مفتقر إلى خالقه ؛ إذ لو استغنى المخلوق عن الخالق لأشبهه في الغنى والله لا يشبهه شي ء ، والخلق محال أن يشبه الخالق ، وإلّا لما كان فعلاً له وخلقاً ، ولا كان الخالق خالقاً وفاعلاً. وعرفت أنه تعالى حكيم لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، لأنه تعالى عالم بالأصلح وقادر عليه وغنيّ عن الظلم.

ولأنا لو فكّرنا في أنفسنا وفي جميع المخلوقات لوجدنا تدبير الصنع والخلق من ابتدائه إلى انتهائه متّسقاً ، منتظماً ، محكماً ، متقناً ، مرتبطاً بعضه ببعض. وبيان بعض حكم خلق الإنسان أو غيره يطلب من كلام أهل العصمة عليهم السلام ، فإن هذه الرسالة لا تسعة.

ص: 43

إذا عرفت أنه تعالى واحد لا شريك له ولا شبه ، وأنه تعالى غنيّ بذاته عمّن سواه ، عالم بكلّ شي ء قادر على كلّ مقدور حكيم ، عرفت أنه تعالى خلق الخلق باختياره ، فليس هو تعالى بمضطرّ إلى فعله وخلقه ولا مجبور ، ولا أن فعله بالطبع ، بل طبق حكمته ، لأنه موصوف بكلّ كمالٍ ، لأنه مفيض كلّ خير وواهبه ، فهو أولى به ؛ لأن من لا يعرف الكتابة لا يقدر أن يعلّمها غيره.

ونحن علمنا من أنفسنا أنا نفعل أفعالنا باختيارٍ منّا ، ونعلم أن ليس صدور أفعالنا منّا ، كفعل القدوم في يد النجار يجبره على القطع والنجر ، ولا كفعل النار في إحراقها ، والماء في ترطيبه ما يلاقيه ، فإن ذلك فعل بالقسر والطبع. ونعلم أن الفعل الاختياري أفضل وأشرف من القسري والطبيعي ، فوجب أن نعلم أن فعل العالِم بكلّ شي ء القادر على كلّ شي ء ليس كقطع المنشار ، ولا كإحراق النار ، فإن كلّاً منهما يفعل فعله بغير علم به ولا شعور ، ولا إرادة له ولا مشيئة ، فإنه نقص يجب أن ينزّه عنه البارئ تعالى.

وأيضاً ذلك يقتضي أن يكون في خلقه من يجبره على فعله أو يركّب فيه طبيعةً تقتضي الفعل ؛ إذ ليس في الوجود إلّا الله وخلقه ؛ إذ لا يمكن أن يكون شي ء ليس بخالق ولا مخلوق ، لأنه إذا كان واجب الوجود لا بدّ أن يكون خالقاً ، وإلّا كان مخلوقاً.

وأيضاً فعل القدوم والنار لا يوصف بأنه كرمٌ وجُودٌ ، وفعل الله لا بدّ وأن يكون كرماً وجُوداً ، وإلّا لم يكن جواداً فيتّصف بالنقص ، تعالى.

وأيضاً خلق الاختيار للإنسان فلا بدّ أن يوصف به ، وإلّا لم يكن خالقه ؛ إذ لا يجود الشي ء إلّا بما يقدر عليه.

ص: 44

الفصل الثاني : في العدل

اعلم أنك إذا عرفت هذا كلّه عرفت أنه يجب تنزيهه تعالى عن كلّ نقصٍ ، فإن الواحد بالمعنى الذي عرفت ، العليم بكلّ شي ء ، القادر على كلّ شي ء ، الحكيم الذي لا يشبهه شي ء ، لا يمكن أن يلحقه نقص بوجهٍ أصلاً ، خصوصاً الظلم ، فإن الناقص عاجز عن تكميل نفسه ، وإلّا لما رضي لنفسه بالنقص.

وأيضاً الظلم لا يفعله إلّا مَن إذا أراد شيئاً عجز عنه إلّا بطريق الظلم ؛ إذ من البيّن أن القادر على تحصيل مطلوبه بغير الظلم لا يرتكبه ؛ لدناءته وخسّته فلا يرضاه لنفسه مع قدرته على غيره ، فالعليم الحكيم القادر لا يفعل الظلم.

وأيضاً الظلم والنقص [ يقتضيان (1) ] أن المتّصف [ بهما (2) ] مركّب من جهة شرّ ومن جهة خير ، ويقتضي أن يكون له مثل لوجود الناقص الظالم ، ومن أقبح الظلم وأشدّه أن يجبر عبده على فعل شي ء ثمّ يعذّبه على فعله ؛ لأن ذلك ينافي حكمته وعلمه وقدرته وعدله. فلو أن أحداً قطع بسكّين شيئاً ثمّ كسرها لأجل أنها قطعته بغير شعورها ورضاها ، بل بفعله هو بها ، عدّه العقلاء جاهلاً أحمقَ عاجزاً ظالماً ؛ فثبت أنه تعالى لا يجبر العبد على فعل المعصية ولا يخلقها فيه ثمّ يعذّبه عليها ؛ لأنه

ص: 45


1- في المخطوط : ( يقتضي ).
2- في المخطوط : ( به ).

ظلم وجهل ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ولكنّه تعالى لمّا كان جواداً حكيماً غنيّاً بذاته ، منّ على خلقه بأن أوجدهم من العدم وأخرجهم إلى الوجود من غير حاجةٍ منه لهم ، ولكن ليعرفوه ويوحّدوه ويعبدوه لينالوا منه ، وليتفضّل عليهم بالبقاء الدائم والوجود الذي لا يفنى ، والخير الذي لا ينقطع ، وهذا لا يمكن إدراكه إلّا بمعرفته تعالى وعبادته ، لأنه لا يمكن أن يكون في الدنيا ، لأنها ذائبة مضمحلّةٌ أبداً ، ومرجعها إلى الفناء والانقطاع ، كما هو مشاهد من حالها.

فخلقَ سبحانه وتعالى بني آدم مختارين ، بمعنى أن لهم القدرة على الفعل والترك والطاعة والمعصية ، كما يشاهده الإنسان في غيره ويحسّ به ويدركه من نفسه. ولو لم يكونوا كذلك لما تحقّقت منهم الطاعة والمعصية ، وتميّزت كلّ منهما عن الأُخرى ؛ فإنك تعلم بالضرورة أن السكّين والمنشار إذا قطع بهما شي ء لا يصحّ نسبة الطاعة لهما ولا المعصية ، فإنهما مجبوران على القطع.

وكذلك لو وقف إنسان على آخر بسيف وهو جبّار متسلّط وألزمه بأكل شي ء أو يقتله ، فإن المضطرّ المجبور لا تصحّ نسبة الطاعة إليه ، وكذا لو ألقيت شيئاً في النار فأحرقته [ فإنها ] لم تعدّ طائعة ، ولو لم تحرقه لم ينسب لها أحد من العقلاء المعصية ؛ لأن إحراقها بالطبع لا بالشعور والقصد ، والطاعة والمعصية إنما تتحقّق ممّن له شعور وقصد إلى ما يفعله من غير جبر ولا إلجاء إذا كان قادراً على فعله وتركه واختار هو أحد الأمرين بنفسه وإرادته.

ص: 46

الفصل الثالث : في النبوّة

الغرض من بعثة الأنبياء

اعلم [ أنه ] لمّا خلق الله تعالى البشر كذلك ، وقد أخرجهم من بطون أُمّهاتهم لا يعلمون شيئاً ولا يدرون ماذا يريد منهم خالقهم ، ولا ما يقرّبهم لرضاه أو يبعدهم منه ، ولم يخلقهم لهذه الدنيا ، لأنها فانية منقطعة ، ولا يناسب جناب القدّوس والرحمة ، الحكيم القادر العليم أن يخلق خلقه ليبقوا مدّة يسيرة ثمّ يفنوا ، خصوصاً (1) هذه الدار ، أعني : دار النكد والبليّات والمحن والآفات.

فإذن إنما خلقهم للبقاء الدائم والراحة الأبديّة وليدوم جوده (2) وفضله ونعمه عليهم. وهذا لا يمكن كونه في الدنيا لفنائها وانقطاعها.

فثبت أن لله داراً غير هذه ، هي التي لا تزول ولا تفنى ، ولكنّها لا تدرك ولا يوصل إليها إلّا بالعلم بالله وصفاته وأفعاله ، وبأعمال مخصوصة ، والناس لا يعلمونها ، فوجب بمقتضى عدله وحكمته ورحمته أن يبعث لهم رسلاً مبشّرين ومُنذِرين يهدونهم لما يقرّبهم من رضوان الله ، يعرّفونهم ما يوجب سخط الله والبعد من رحمته.

ص: 47


1- في المخطوط بعدها : ( و ).
2- في المخطوط : ( وجوده ).

وهذه هداية النجدين ، أي الطريقين ؛ إذ لو لم يفعل بهم ذلك لكانوا يعملون ما يبعّدهم من رحمته تعالى وهم لا يشعرون ، بل لا يتحقّق منهم طاعة ولا معصية قبل التكليف والبيان ؛ إذ لا يصف عاقل مَن فعل فعلاً لم يؤمر بفعله ويبيّن له بأنه مطيع ، ولا مَن تركه بأنه عاصٍ ؛ لأن الطاعة والمعصية إنما هي بفعل المأمور به أو عدم فعله.

فإذن لا بدّ من بعثة رسول هادٍ ومعلّم لما يريد الله من عباده ، ممّا يقرّبهم إلى مرضاته وينالون به السعادة الأبديّة التي خُلِقوا ليمنّ الله عليهم بها ، وما يبعّدهم عن ذلك ويوجب لهم الشقاوة الأبديّة ، وناراً لا ينقطع عذابها أُعدّت للعاصين.

وأيضاً لمّا خلق الله البشر محتاجاً إلى معاون له في تحصيل معاشه الذي به يتمكّن من عبادة ربّه من حين يولد إلى حين يموت ، لأنه لا يعيش إلّا بالأغذية والأدوية والأشربة والملبس والمسكن والمنكح وغير ذلك ، وتحصيل ذلك لا يتمكّن منه واحد وحده ، فالناس مضطرّون إلى معاملة بعضهم بعضاً ومشاركة بعضهم بعضاً في تحصيل ذلك ، ولجهلهم لا يعرف كلّ واحد ما يخصّه وما لا يملكه ، فافتقروا إلى مَن يرشدهم لهداية الله إلى ما يحتاجون من ذلك ، ويحكم لهم وعليهم.

وأيضاً فما خلق الله بحكمته في الأرض من المعادن والنبات والحيوان ممّا فيه ضرر بالعقل أو بالبدن ، وقد [ .. (1) ] ما هو متمّ ومزكّ لهما والناس لا يعرفونه ، فلا بدّ من مرشد هادٍ إلى ذلك ، يحلّل ويحرّم ، حاكم مطاع.

وأيضاً النفوس طُبعت على حبّ الرئاسة والقهر والغلبة ، وعلى حبّ الاختصاص والانفراد بالمال وكلّ ما تهواه وتشتهيه ، فكلّ واحدٍ يجهد في تحصيل ما يمكنه [ الحصول ] عليه من الدنيا ، وهذا يقتضي التشاجر والتحارب والتخاصم. فافتقروا إلى مَن يحكم لهم وعليهم ويقهرهم ويردّ الظالم عن المظلوم ، ويأخذ للمجنيّ عليه بحقّه بهداية الله.

ص: 48


1- كلمة غير مقروءة.

وبيان حاجة الناس إلى الرسل لا تُحصى وجوهها ، فلو لم يبعث الله الرسل لخربت الدنيا في ساعة ، بل لم تعمّر ولا ساعة ، فلمّا كان الأمر كذلك وجب في حكمة الله تعالى أن يبعث الرسل حكّاماً على اممهم يُعلّمون الناس كلّ خير ورشاد من أُمور الدنيا والآخرة ، ويحذرونهم [ من (1) ] كلّ فساد ومهلك من أُمور الدنيا والآخرة.

اشتراط العصمة في النبيّ

ويجب أن يكون الرسول أكمل أُمّته وأشرفهم عقلاً وحسباً ونسباً ، وفي كلّ صفةٍ في كلّ حالاته ، فلا يجوز أن يكون في أُمّته مَن هو أشرف منه في صفة من الصفات ، أو حالة من الحالات ؛ لأن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم قادر عدل ، كما عرفت. وتحكيم الناقص ولو بوجه واختياره للرسالة ولخلافة الله العامّة العظمى لا يكون إلّا لجهل بالأشرف وعدم علم به ، أو لعدم القدرة على اختيار الأشرف وإرساله ، أو لجهل المرسِل والمختار له بوضع الأشياء في غير مواضعها فليس بحكيم ، والله تعالى منزّه عن ذلك.

وأيضاً من المعلوم أن الأشرف أولى من غيره ، فاختيار غيره للرسالة ظلم ، والله سبحانه وتعالى عدل لا يجور.

وأيضاً الله تعالى قادر على أن يجعل رسله كذلك ، فإرساله ناقصاً ولو بوجه ينافي قدرته وحكمته وعلمه وعدله.

صفات النبيّ

ويجب أن يكون الرسول كامل العقل من حين الولادة ، لا يجري عليه ما يجري على سائر الأطفال من أُمور الجهل ونقص العقل ، وإلّا لاحتاج إلى معلّم بشري ،

ص: 49


1- في المخطوط : ( عن ).

فيكون حاكماً عليه ويكون أشرف منه ، مع أنه هو الحاكم على الكلّ وأشرفهم مطلقاً ؛ لأن حكومته عليهم وشرفه بذاته التي اصطفاها الله كذلك.

ولا بدّ أن يكون له قدرة على تلقّي الوحي ومشاهدة الملائكة ، وعلى إيصال معانيه إلى رعيته في جميع ما يحتاجون إليه ؛ إذ لا يطيق كلّ البشر مشاهدة الملائكة ولا سماع الوحي ؛ إذ لو شاهدوهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم. وكذا إذا تمّ الأجل ظهر ملك الموت ، فتزهق النفس شوقاً في السعيد وجزعاً في الشقي ، فيموت.

فوجب أن يكون الرسول له قوّة على ذلك ، ووجب أن يكون معصوماً من حين يولد إلى أن يموت وينتقل إلى دار الجزاء من جميع الذنوب صغائرها وكبائرها ، وعن جميع الرذائل ومذامّ الأخلاق والصفات القبيحة ، وعن كلّ ما ينافي المروءة وينافي كونه أشرف رعيته ولو بوجهٍ ؛ إذ لو لم يكن كذلك لساوى أُمّته في ذواتهم وفطرهم وطبائعهم وأخلاقهم ، فلا يستحقّ هو دونهم لأن يختاره العليم القادر الحكيم العدل للرسالة ، ويجعله حاكماً على غيره ، لأن ذلك ينافي اتّصاف الرسل بما ذكر.

وأيضاً لو لم تجده الرعية كذلك سقطت هيبته من قلوبهم ، فلم يقبلوا منه الأمر والنهي ولم يثقوا بخبره عن الله تعالى.

وأيضاً هو لا يصدّق حتّى تظهر منه المعاجز ، ولا تظهر المعاجز إلّا ممّن صفا وخلص من كلّ كدر في جميع حالاته ، ومَن لم يكن كذلك من حين الولادة فهو كدر مظلم القلب ، والرسالة نور لا يشرق إلّا في قلب صافٍ كمال الصفاء. انظر إلى نور السراج فإنك إذا وضعته في جسم كدر غليظ لم يظهر نوره ، بل يكتمه ويحجبه كالحجر والصفر والحديد وأشباهها ؛ [ إذ ] لو جعلتها مجوّفةً وأشعلت في باطنها سراجاً لم يظهر نوره وعدّك العقلاء أحمق ، بخلاف الجسم الصافي من الكدر والظلمة كالبلّور فإنه يستنير بالسراج ويضي ء لما حوله.

ص: 50

وأيضاً لو لم يكن كذلك لاحتمل عليه الكذب ، وتعالى الله أن يوجب على الخلق طاعة مَن يمكن منه الكذب عليه ، و [ من ] يحكم [ بأن من (1) ] أطاعه أطاع الله. وكلّ من أمكن منه الكذب أمكن منه جميع المعاصي.

وأيضاً المعاصي ظلم ورذائل ، وتعالى الله عن أن يصطفي لرسالته مَن يصدر عنه نوع من الظلم في حين من الأحيان ؛ لمنافاة ذلك لكمال عدله وحكمته وعلمه وقدرته.

وأيضاً فالرسول مستودع سرّ الله تعالى وأمينه على وحيه وخليفته في خلقه ونائبه ووليّه على شرائعه وعلى هداية الخلق إليه ، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله تعالى حقيقة ، ومعصيته معصية الله حقيقة ، والأخذ منه وطلب الهداية منه أخذ من الله وطلب من الله حقيقة ، فإنه باب الله الذي فتحه برحمته لعباده ، وسبيله الذي لا يصل إليه غيره إلّا منه ، لضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بأنفسهم من غير واسطة ، كما ينال الرسول ما عنده بواسطة نفسه ، وإلّا لكانوا مثله فلم يحتاجوا إليه ، فيكون إرساله عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

فإذا عرفت أنه باب الله الذي اختاره برحمته وفتحه لعباده لعلمه بأنه لا أكمل منه فيهم ، وأنه هو أهل ذلك ، فلا ينالون ما عنده إلّا بواسطته ، وأن أمرَه أمرُ الله ، ونهيه نهيه ، وطاعته طاعة الله ، ومعصيته معصيته ، ومحبّته محبّته ، وبغضه بغضه ، وأنه أمين الله وخليفته ومستودع سرّه ومهبط وحيه ، فاعرف من ذلك أن الاستغاثة [ به ] وطلب كشف الضرّ وتفريج الكرب [ منه ] طلب من الله تعالى واستغاثة بالله ، وأن دعوته دعوة الله ؛ لأن طلب حاجة من حاجات الدنيا ليس بأعظم من الهداية إلى سبل رضوان الله ، وقد ائتمنه الله على ذلك ، فكيف بحوائج الدنيا الخسيسة الدنية؟

ولا فرق في ذلك بين كونه حيّاً أو بعد وفاته ، فإن الذي ألبسه ثوب عزّه وقدرته ، وأظهر المعاجز على يده قبل كمال إبلاغ الرسالة لا يجوز عليه أن يسلبه ذلك العزّ

ص: 51


1- في المخطوط : ( بمن ).

والشرف بعد أن يبلّغ رسالاته ويكابد المحن والأذى في تبليغها وهداية الخلق ؛ لأن ذلك ظلم ، بل يستحقّ المزيد من الله تعالى ويضاعِف [ له ] الكرامة. وليس بمستنكرٍ من قدرة الله تعالى الذي ألبسه ثوب قدرته ، وأقدره على ذلك وعلى الإتيان بالمعاجز العظام في حياته الدنيويّة أن يقدره على مثلها وهو عنده حيّ يرزق ، فإن الله ربّ الدنيا والآخرة ، وقد أقدر نبيّه على تناول ثمار الجنّة وهو في الدنيا (1) ، فلا عجب أن يقدره على إصلاح أمر من أُمور الدنيا بعد موته ، فإن الموت يقرّبه إلى كرامة الله لا يبعده ، وليس هو بإعدام له ، بل هو حيّ عند الله يرزق.

وقد كان يطّلع على ما أطلعه الله عليه من المغيّبات من أُمور الدنيا والآخرة ، وجعله مجاب الدعوة ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى بحال أبداً ، وإنما ينطق بأمر الله ، ويمسك بأمر الله ، ولا يشاء إلّا ما يشاء الله ، فهو يدور في جميع حركاته وسكناته على طبق حكمة الله وإرادته ، ولذا تارة يُشجّ رأسُه ويجوع فيصبر ، وتارة يهب الأُلوف وتهابه الأُلوف ، لأنه أشجع أهل زمانه وأكرمهم ، لأن الشجاعة والكرم من المكارم ، وهو أشرفهم في كلّ مكرمة فهو أشجعهم وأكرمهم.

ولا يدلّ صبره على الجراح في الحرب وعلى الجوع على عجزه عن كشف ذلك عن نفسه ومَن يحبّ ؛ إذ لو استلزم ذلك للزم نسبة العجز إلى قدرة الله ؛ لأن الله تعالى يعلم بما ينزل على أوليائه من أعدائه. ولا يقتضي عدم كشفه ودفعه أحياناً عدم قدرته ، بل لأن ذلك على قدر حكمته ومقتضاها ، والعباد لا يفعلون إلّا ما يؤمرون به منه ، فهو دليل على كمال شرفهم. ولو كان صبرهم يقتضي عجزهم لاقتضى أنهم ليسوا مجابي الدعوة على كلّ حال ، والبرهان دلّ على أنهم مجابو الدعوة على كلّ حال ، فصبرهم على الشدائد مع أنهم مجابو الدعوة دليل على أنهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وبالجملة أنه لمّا ثبت أن الله تعالى عليمٌ حكيمٌ قادرٌ ، ثبت أنه لا يختار لرسالته

ص: 52


1- انظر بحار الأنوار 43 : 4 - 6 / 2 - 6.

ولا يحمّلها إلّا مَن جعله كذلك ، وأنه نائبه وخليفته ونوره ، والحكيم بحكمة الله ، العالم بتعليم الله ، القادر بقدرة الله ، لا يخفى عليه شي ء من أُمور رعيّته وممّا استخلفه الله فيه ، وإلّا لم يكن مستخلفاً فيه ، ولا يعجز عن إصلاحهم في الدنيا وبعد الموت ، ولا يهمّ بالمعصية في حال أبداً ؛ لما يَعلم من شدّة خبثها وسوء عاقبتها ، وأنها تباعد من الله.

وأيضاً إذا كان لا تصدر عنه معصية في حال ، فإن الله لا يأمر إلّا بالعدل والإحسان. وأيضاً هو خليفة الله في جميع حالاته ، ولا يمكن أن يكون العاصي حال عصيانه خليفة الله ، ولا يمكن أن تصدر المعصية من خليفة الله في حال من أحواله. وأدلّة عصمة الرسل ممّا لا تحصى.

هذا ، وهم في أنفسهم قادرون على عمل الطاعة وتركها ، وعلى عمل المعصية وتركها ، فإنهم بشر ، وكلّ بشر قادر على ذلك تتحقّق منه الطاعة والمعصية ، فإن الذي لا يقدر على ترك ما يؤمر به لا يعدّ مطيعاً لو صدر منه ، كالحجر المُلقى من أعلى ، فإنه لا يقدر على الامتناع عن النزول ، فلا يعدّ مطيعاً ، والذي لا يقدر على الامتناع عمّا ينهى عنه لا يعدّ عاصياً كما هو ظاهر ، فلا تظنّ أن المعصوم مسلوب القدرة على ترك الطاعة وعلى فعل المعصية ؛ إذ لو كان كذلك لما كان له فخر وشرف يعلو به على سائر البشر ، فإن القدوم لا يوصف بالعصمة ولا يستحقّ جزاءً إذا قطع به النجّار ، ولا يعدّ له شرفاً.

وأيضاً سائر البشر يجد من نفسه القدرة على ذلك ، فكيف يكون رؤساء البشر لا يقدرون على ذلك ، وإلّا لكانوا أنقص من سائر البشر من تلك الجهة ، وهم سادات البشر من كلّ جهة ، فافهم ذلك.

ص: 53

ص: 54

الفصل الرابع : في الإمامة

اشارة

إذا عرفت شدّة حاجة الخلق إلى الرسل المتّصفين بالعصمة بجميع محاسن الأخلاق ، والمنزّهين عن النقائص البشريّة وجميع مذامّ الأخلاق والصفات ، وأنهم يجب أن يكونوا بشراً من بني آدم ، لأن سائر البشر لا يستطيع معاينة الملائكة ولا سماع الوحي منهم ، ولأن المعلّم إذا كان من نوع المتعلّم ، والحاكم من نوع الرعية ، كان أمكن لهم في التعلّم منه وفهم مقاصده وقبول أمره ونهيه وأكمل [ للحجّة ] (1) عليهم ؛ حيث لا يستوحشون منه ولا يرهبونه ولا تنفر طبائعهم منه ومن خطابه ورؤيته ، لأنه من جنس خطابهم وهو من نوعهم ، فهم إن قبلوا منه كان قبولهم عن محض الاختيار الذي يدور عليه استحقاق الثواب والعقاب ، وإن أبوا كان محض اختيارهم أيضاً وخالص رضاهم في الأمرين ، فتكمل الحجّة لله.

وإذا كان بشراً جرت عليه أحكام البشريّة العامّة من مثل الصحّة والسقم والحياة والموت ، واستحقّ بأعماله الثواب الذي لا يمكن أن يكون في الدنيا لفنائها وكونها دار الكسب والعمل دون الجزاء ، فلا بدّ أن يموت ، فإذا مات وجب في حكمة الله ومقتضى جوده وقدرته ورحمته أن يقيم لعباده مَن يسدّ مسدّه في كلّ شي ء ، لأنه لا

ص: 55


1- في المخطوط : ( الحجّة ).

يجوز خلوّ زمانٍ من خليفة لله يقوم بحججه ، ويرشد الناس إلى ما يريده الله منهم ممّا يوجب السعادة الأبديّة ، ويحذّرهم عمّا يوجب الشقاوة الأبديّة ، وهو الحاكم الذي يقوم به عمارة الدنيا وتحصيل الآخرة. ولولاه لخربت الدنيا في أقلّ من ساعة ، بل لم تقم أصلاً كما عرفت ؛ إذ هو باب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، فلو عدم لانسدّ باب الجود والهداية ؛ لعدم تمكّن الخلق من قبولها ومعرفتها بدونه كما بيّنا لك.

فإذن يجب بمقتضى جُود الله ورحمته وعدله وحكمته أن يكون شخص معصوم في كلّ زمانٍ ؛ إذ ليس أهل زمانٍ أولى بوجوده في زمانهم من غيرهم ، لأنه المرجع الذي يحكم لهم بالحقّ في أمر الدين والدنيا ، ويُبطل الباطل ويُصَحّح الصحيح ، فلولاه لم يرتفع التشاجر والخلاف ، ولم يُعرف الحقّ من الباطل ؛ فإن كلّ واحد يقول : الحقّ معي ويلزم غيري موافقتي ، والميزان الذي توزن به الأفعال والأقوال هو المعصوم الذي لا ينطق إلّا عن الله وبأمره.

ولمّا وصلت النوبة إلى نبيّنا محمد : صلى الله عليه وآله واقتضت حكمة الله أن يكون خاتم الرسل وأنه لا نبيّ بعده ، وجب في الحكمة أن يختار الله له خليفة بعلمه كما اختاره هو من خلقه وجعله محلّ رسالته ، ولا بدّ أن يكون خليفته صفوة الخلق بعد الرسول : صلى الله عليه وآله وأشرفهم من كلّ وجهٍ ، كما أن الرسول : صلى الله عليه وآله كذلك.

ولمّا لم يجز في الحكمة أن يكون الرسول على قدر ما يختارونه البشر ويرضونه ، بل الله أعلم حيث يجعل رسالته ، كذلك لا يجوز ولا يمكن أن يكون خليفته باختيارهم ؛ لأن خليفة الرسول يجب أن يسدّ مسدّه من كلّ وجهٍ ، ولا يمكن أن يسدّ مسدّه في كلّ وجهٍ إلّا إذا كان معصوماً مثله ، مؤيّداً من الله ، مُسدّداً بإلهام الله ، عالماً بجميع ما يحتاج له الخلق ، ولا يجوز عليه الكذب بوجه ، ولا مذامّ الأخلاق ، لأنه خليفة الله ونائبه وبابه وسبيله الذي لا يؤتى إلّا منه. ومحال أن يعرف البشر مَن هو كذلك حتّى يقيموه إماماً ، وإلّا لأمكنهم أن يعرفوا مَن هو أهل للرسالة فيختاروه رسولاً.

ص: 56

وأيضاً الإمام كالرسول واجب الطاعة من الله ، لأن نهيه وأمره أمر الله ونهيه ، فلو رجع تعيينه إلى البشر لكان الأمر محالاً ، حيث إن كلّ قوم ، بل كلّ واحد يختار غير ما يختار الآخر ، فيقع التخاصم ويفسد النظام.

وأيضاً ذلك يقتضي أن يكون حكم الله واستخلافه والنيابة عنه دائرة مدار شهوة الخلق ، وهذا لا يكون إلّا لضعف القدرة ، أو عدم العلم بمن هو أهل لذلك ، أو عدم الحكمة ، تعالى الله عن ذلك.

وأيضاً لو دار أمر الإمامة على اختيار البشر لجاز أن يقع اختيارهم على منافق ؛ إمّا زنديق ، أو يهوديّ في باطنه ، أو غير ذلك ؛ لعدم علمهم ببواطن الخلق ، فيقتضي أن يكون خليفة الله ورسوله كافراً ، وأن الله تعالى يوجب على المؤمنين طاعة ذلك الكافر ، ما هذا يرضى به عاقل ، لأنه تلاعب يقتضي الكفر بنعمة الله ، وأنه ليس كمثله شي ء.

أدلّة عصمة الإمام

والأدلّة على وجوب عصمة الإمام لا تحصى ، فكلّ دليل يدلّ على وجوب عصمة الرسول دلّ على وجوب عصمة خليفته ، وإلّا لم يكن خليفته ولا خليفة الله ، بل خليفة الناس ، فيجب أن يكون الإمام باختيار الله وأمره كالرسول. ولا يكفي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وجود القرآن والسنّة بدون وجود المعصوم الذي يبيّنه عن أمر الله كما أراد الله ؛ إذ لا يعلم ما أراد الله إلّا الله أو مَن يعلّمه الله.

فلا بدّ من وجود معصوم لا يخطئ ولا يسهو ولا يكذب حتّى يبيّن للناس ما أراد الله في كلّ زمان ، فلو استغنى العباد عمّن يبيّن الكتاب كذلك لاستغنوا عن الرسل بالكتاب ، والله تعالى قادر على أن ينزّل كتاباً في قرطاس بدون رسول بشرٍ ، فكلّ شي ء يحتاج الناس للرسول فيه فحاجتهم له في كلّ زمانٍ ؛ إذ لا فرق بين أهل الأزمان ؛ فإمّا أن يوجد الرسول ، أو مَن هو مثله وهو خليفته ؛ إذ لولا ذلك لاستغنى الناس عن الخليفة الذي يبيّن لهم الكتاب إذا اختلفوا فيه ، ولو استغنوا عن الخليفة لاستغنوا عن الرسول.

ص: 57

فإذا عرفت هذا فاعلم أنا لم نجد بعد الرسول : صلى الله عليه وآله من اتّفقت الأُمّة على عظم شأنه وجلالة قدره وغزارة علمه واتّصافه بجميع مكارم الأخلاق ، ولم ينقل عنه مَثلَبة ولا منقصة ولا ذنب لا في حال طفولته ولا غيرها ، وعلى شدّة حبّ النبيّ : صلى الله عليه وآله وعلى أمره باتّباعه ، إلّا عليّاً : وفاطمة : والحسن : والحسين : وعلي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : ومحمّد بن علي الباقر : وجعفر بن محمّد الصادق : وموسى بن جعفر الكاظم : وعلي بن موسى الرضا : ومحمّد بن علي الجواد : وعلي بن محمّد الهادي : والحسن بن علي العسكري : والمهدي بن الحسن ، إمام هذا الزمان عجّل الله فرجه ، وأظهر به دينه.

ولم ينقل عن أحد من هذه الأُمّة غير هؤلاء معجزة ولا مكرمة تشابه معاجز الرسل وتدلّ على عصمتهم ، وإنما نُقلت عنهم وصدرت منهم كما نقله محبّهم ومبغضهم ، وهذه الرسالة لا تسع ذلك ، وقد ملئت بها كتب الخاصّة والعامّة (1) ، ولم يدّعِ أحد العصمة ولا ادّعاها له أحد غيرهم صلوات الله وسلامه عليهم بل كلّ مَن ترأس في هذه الأُمّة وقع منه ما ينافي استحقاقه للرئاسة والإمامة ، التي هي عهد الله الذي لا يناله ظالم ، وخلافة الله الكبرى التي تعالى الله أن يلبسها مَن تصدر عنه معصية فضلاً عمّن صدر عنه الكفر.

ص: 58


1- كما في ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ، وفرائد السمطين للجويني ، وخصائص النسائي ، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي ، ونور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار للشيخ مؤمن الشبلنجي ، والنور المشتعل لأبي نعيم الأصفهاني ، وذخائر العقبى للمحبّ الطبري ، وغيرها كثير.

الفصل الخامس : في المعاد

إذا عرفت أن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثاً ولا لحاجة له فيهم ؛ لأنه الغني وهم الفقراء إليه ، وإنما خلقهم ليوحّدوه ويعرفوه ويعبدوه وليمنّ عليهم ويرحمهم بالسعادة التي لا تفنى ، فبعث الرسل وأنزل معهم الكتب ليعرّفوا عباده كيف يحصّلون ذلك وما ذا أراد منهم سيّدهم ، وما يبعدهم من رضوانه يجتنبونه ، وتفضّل عليهم بأن أوعدهم الجزاء الدائم ، وهذه الدار لا تصلح لذلك ، لأنها غير دائمة ولا مستقرّة ، بل هي دار العمل خاصّة ، وبالوجدان نرى مَن يعمل فيها ولم نرَ له ثواباً ، فإذن لا بدّ من دار غيرها يدوم فيها الثواب والعقاب. وهذا يقتضي أن الله تعالى لا بدّ أن يبعث العباد ويحييهم بعد الموت ليحاسبهم ويريهم أعمالهم التي أحصاها عليهم ، فيثيب المطيعين بالثواب الدائم ، ويعاقب العاصين بالعذاب الدائم. وهذا مقتضى عدله وحكمته.

واعلم أن المعاد هو النفس وهذا الجسد القائم بها بالعينيّة ؛ لأن التكليف واقع عليهما دفعة ، ولكلّ منهما قسطاً منه ، فهما معاً يستحقّان الثواب والعقاب ؛ لأن الطاعة أو المعصية صادرة منهما ، لأن كلا منهما لا يستقلّ بنفسه بعملها بدون الآخر ، لتوقّف عمل كلّ منهما على كونه مصاحباً للآخر ومركّباً معه ، فالمعصية والطاعة إنما

ص: 59

[ يتحقّقان (1) ] من أحدهما بالآخر ، فيجب أن يعادا معاً مركّباً أحدهما مع الآخر كما كانا أوّلاً ، لأن هذا مقتضى العدل.

وقد أخبرت الرسل بصفة المحشر وبنشر الكتب وبنصب الميزان ومدّ الصراط على متن جهنم وبالحوض ، وغير ذلك من أحوال القيامة والجنة وصفتها ونعيمها ، وبالنار وعذابها وآفاتها وحميمها وزقّومها ، وبعذاب البرزخ ونعيمه ، وبمساءلة القبر فيجب التصديق بكلّ ما أخبرت به الرسل وجاءوا به عن الله تعالى من أُمور الدنيا والآخرة ، لأنهم معصومون [ من (2) ] الكذب والسهو والغلط ، ولا ينطقون إلّا عن الله تعالى.

واعلم أن الله تعالى كما أنه قادر على إيصال هدايته ولطفه على أيدي الرسل وخلفائهم في حياتهم الدنيويّة وبعد موتهم ، كذلك هو قادر على أن يوصل ذلك بواسطة الإمام الذي هو خليفته مع غيبته ؛ لأن معنى غيبته أنه موجود في الدنيا إلّا أنه غير معروف بعينه لأمر هو بالغه ، وحكمة هو أعلم بها. فإذا ثبت وجوب وجود حجّة الله على خلقه هادياً معصوماً في كلّ زمانٍ ، وجب الإيمان بأن هذا الزمان فيه من هو كذلك ، فإذا لم نره علمنا أنه موجود قطعاً ، وأنه باب الله وخليفته ، وليس هو بقاصر عن الشمس ، والناسُ ينتفعون ويهتدون بها وقد حجبها السحاب المتراكم ، ولا يستنكر من قدرة الله أن يمدّ له في أجله الوفاً من السنين ، ولا بدّ أن يأذن الله له في الظهور وبسط العدل وإمحاق الجور والظلم ، فترقّب ولا تيأس من روح الله إني وإيّاك لرحمة ربي لمنَ المترقّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 60


1- في المخطوط : ( يتحقق ).
2- في المخطوط : ( عن ).

خاتمة في بيان معنى الشرك بالله والكفر به

اعلم أن الشرك ضد التوحيد ، والكفر ضد الإيمان ، وهما متقاربان في المعنى كالتوحيد والإيمان (1) ، وقد عرفت معنى التوحيد والإيمان.

فكلّ مَن ظنّ أن لله مثلاً وله جزءاً ، أو فيه جهة نقص ، أو جهة ظلم ، أو له شريكاً ، أو صفاته مغايرة لذاته ، أو كلّ صفة تغاير الأُخرى كالمخلوق ، أو أن له مكاناً ، أو يصعد ، أو ينزل ، أو يُرى بالقلوب ، أو بالأبصار في الدنيا أو الآخرة ، أو أنه يفعل القبيح ، أو أنه يخلق المعصية في العبد ويعذّبه عليها ، أو أنه بعد الرسول أهمل الخلق بلا خليفة ونائب عنه وحجّة له على عباده ، [ و ] وكل ذلك لاختيارهم وشهوتهم ، أو ظهرت له إمامة الأئمّة المذكورين وعصمتهم من المعقول أو المنقول فأنكرها ، أو أنكر ما ثبت من عصمتهم أو فضائلهم ، أو أنكر ما ثبت إخبار الرسول به من أُمور الدنيا والآخرة ، أو أنكر ما ثبت من معاجزه ، فقد كفر بالله وأشرك به ، فإن ذلك بعضه يقتضي إثبات واجبين وعبادة شيئين ، أو تكذيب الله بسبب تكذيب خلفائه ، وذلك يقتضي نسبة الظلم والعجز والنقص إليه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، ونسبة ذلك إليه تعالى يقتضي إثبات المثل والتركيب أيضاً ، كما عرفت.

وكذلك عبادة غيره أو جعل مَن لم يجعله الله وينصبه خليفة له وواسطة ووسيلة

ص: 61


1- في المخطوط : ( كالتوحيد والكفر ضد الإيمان ) ، والظاهر أن ( الكفر ضد ) زائدة.

إلى خلقه الضعفاء عن إدراك جوده إلّا بواسطة نوّابه و [ أبوابه (1) ] ، فإن ذلك يقتضي نسبة الجهل والعجز إليه تعالى. فمَن اعتقد أن شخصاً أو شيئاً وسيلةٌ وشفيعٌ إلى الله تعالى ولم ينصبه الله ويختره لذلك ويدلّ عليه عباده ، فقد اتّخذ إلهه هواه.

ومَن لجأ أو رجا أو خاف أو أطاع أحداً لم تكن [ طاعته ] طاعة الله وأمره أمر الله ، فقد عبد هواه.

ومَن ظنّ أن مخلوقاً يقدر على جلب نفع أو هداية ، أو دفع ضرر ، أو يخلق ، أو يرزق ، أو يميت أو يحيى بذاته لا بقدرة الله وإرادته وعزّته ، فقد اتّخذ مع الله إلهاً آخر ؛ لأن ذلك يقتضي أن في الوجود مَن له جُود وكمال وقدرة لم يكن لله وليست من الله ، وهذا إثبات الشبه والنقص والعجز والشريك لله ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

فنحن نقول : إن أولياء الله يقدرون على ذلك بقدرة الله ؛ لأنه أقدرهم ، وهذا حقيقة التوحيد والإيمان ، لأنهم مستودع سرّ الله ، وخلفاؤه ، فأمرهم أمره ، وكذا كلّ وزير أمره ونهيه أمر مَلِكِه ونهيه ، وعزّته عزّته ، وإغضابه ومعصيته معصيته وإغضابه.

والمشركون أقاموا لهم شفعاء ووسائط ، أو أئمّة وخلفاء من عند أنفسهم لا بأمر الله واختيارِه ونصبِه لهم وإدلالِه خلقه عليهم ، وأمرِه لهم بالرجوع إليهم والتوسّلِ والاستشفاع له بهم ، فليست قدرتهم قدرة الله ، ولا الالتجاء إليهم التجاءً إليه ، ولا أمرهم وطاعتهم طاعته ؛ لأنهم ليسوا خلفاء الله ونوّابه ، بل نوّاب المخلوق الجاهل وخلفاؤه ، وليس للمخلوق الجاهل أن يحكم على الله بأن يجعل ويختار مَن جعله المخلوق بشهوته و [ اختاره (2) ] بجهله وسيلةً وخليفة لله وشفيعاً إليه ؛ فإن الله هو أعلم بمَن هو أهل لذلك ، ولا بدّ أن يدلّ عليه خلقه ؛ لشدّة حاجتهم إليه وشدّة ضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بدون واسطة يختاره الله ويدلّ خلقه عليه ويأمرهم بالرجوع إليه ، وإلّا لم تكن فائدة ولا حكمة في إرسال الرسل لو كان الخلق متساوين في طاقتهم لقبول الهداية وغيرها منه ، والواقع بخلافه.

ص: 62


1- في المخطوط : ( بوابه ).
2- في المخطوط : ( اختياره ).

فافهم هذا كلّه ، وتأمّله تأمّلاً صحيحاً بقلب فارغ من شبه الشيطان ومكائده ، فإنه ينفعك بإذن الله تعالى وحسن توفيقه ، ولا تستنكر من نفسك صرف برهة يسيرة من [ عمرك (1) ] في تحصيل ما يرضى به عنك مَن وهب لك العمر كلّه لتعبده فيه كلّه.

والله أرجو ، وبمحمّد : صلى الله عليه وآله وآله إليه أتوجّه أن يمنّ عليّ بقبول هذا العمل الحقير ، إنه كريم رحيم ، وأن ينتفع بها طلّاب الحقّ في الدين ، والحمد لله ربّ العالمين بمحامده كلّها على جميع نعمه كلّها عدد ما حمده حامد من خلقه ، وصلّى الله بأفضل صلواته على هداة الخلق إليه ووسيلتهم إليه ، بابه المفتوح بالرحمة لخلقه ، محمّد : وآله الذين اختارهم على عِلم على العالمين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة أجمعين وسلم عليهم أجمعين كما هو أهله.

تمّت الرسالة بمنّ الله الكريم ، وحسن توفيقه العميم صبح يوم الجمعة ، هو الثامن من جمادى الآخرة سنة (1209). كتبته بنفسي لنفسي ، وأنا الأقلّ الأحقر الأذلّ الأصغر صالح بن طعان بن ناصر بن علي المركوباني الستري البحراني رحمه الله (2) ، [ عفا الله ] عنهم وعن المؤمنين أجمعين.

أسأل الله أن يوفّق لإلهام معانيها والعمل بما فيها ، إنه كريم رحيم.

ص: 63


1- في المخطوط : ( عمره ).
2- عالم تقيّ ، ورعٌ زاهد ، له كتاب ( لؤلؤة الأفكار المستخرجة من بحار الأنوار ) ، توفّيَ رحمه الله بالطاعون في ( رابغ ) سنة (1281) ه- ، وهو والد العلّامة آية الله الشيخ أحمد آل طعّان البحراني القطيفي المتوفّى سنة 1315 ه. أنوار البدرين : 235.

ص: 64

الرسالة الثانية : موجز في أدلّة الأُصول الخمسة

اشارة

ص: 65

ص: 66

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، إنه كريم رحيم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول أقلّ عباد الله عملاً وأكثرهم زللاً ، أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : هذه رسالة يسيرة في بيان الدليل على ما يجب على كافّة المكلّفين معرفته بالدليل ، وهي الأُصول الخمسة التي يجب معرفتها على كافّة المكلّفين ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد.

وقد رتّبتها على فصول خمسة :

ص: 67

ص: 68

الفصل الأول : في بيان معنى التوحيد والدليل عليه

وفيه [ مسألتان (1) ] :

الاولى : اعلم أنه أوّل ما يجب عليك أن تعرف أن لك ولهذا الخلق كلّه خالقاً غير مخلوق. والدليل على ذلك أنك كنت بعد أن لم تكن ، وكذلك أبوك وجميع مَن تشاهده مِن الخلق ، فدلّك ذلك على أنك مخلوق ، وكلّ مخلوق له خالق غير مخلوق ، بل هو واجب الوجود لذاته أي لم يخلقه غيره ، ولا كان بعد العدم ؛ إذ لو كان كذلك لكان مخلوقاً ، فاحتاج إلى خالق فهو إذن خالق غير مخلوق.

المسألة الثانية : اعلم أنه يجب على كلّ مكلّف أن يعتقد أن خالق هذا الخلق كلّه واحد لا شريك له. ومعنى أنه واحد : أنه ليس كمثله شي ء ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شي ء. والدليل عليه أن ما سواه خلقه ، ولو أشبهه شي ء من خلقه لم يُعرف الخالق من المخلوق ، فيحتاج إلى مميّز يميّز أحدهما عن الآخر ، والمميّز لا يكون إلّا قاهراً للمميّز حاكماً عليه ، والمقهور المحكوم عليه لا يكون خالقاً غير مخلوق ؛ وقد بيّنّا أنه خالق غير مخلوق.

وأيضاً إذا كان الخالق مثل المخلوق في شي ء من ذاته أو صفاته ، احتاج إلى

ص: 69


1- في المخطوط : ( مسلتان ).

ما يميّزه من خلقه ، والمحتاج مفتقر ، والمفتقر ليس بخالق غير مخلوق. وليس معنى أنه واحد : أنه واحد بالعدد الذي هو نصف الاثنين ؛ إذ الواحد بالعدد كثير ؛ فهذا البيت واحد ، وهذا المسجد واحد ، وهذا الشخص واحد ، فأشبه الخالق المخلوق في وحدته. وقد بيّنّا أن الخالق لا يشبه الخلق ، فلو كانت وحدته بمعنى العدد لدخل في جملة المعدودات ، وأمكن أن يكون له ثانٍ.

فتبيّن لك أن معنى وحدانيّة الله أنه ليس كمثله شي ء ، وليس له جزء ، وليست وحدته تشبه وحدة الخلق. فإذا عرفت ذلك عرفت أنه لا شريك له ، فإن الشريك يشبه شريكه ، ولو في وجه الشركة ، والله عزّ اسمه لا يشبهه شي ء.

وأيضاً لو كان له شريك ؛ فإن كان ذلك الشريك يقدر على أن يمنع الخالق تعالى عمّا يريد ، فليس ذلك الخالق بخالق غير مخلوق ؛ لتبيّن عجزه ولو بالإمكان ، وإن لم يقدر فليس ذلك الشريك بشريك ؛ لأنه مغلوب عاجز.

ص: 70

الفصل الثاني : في العدل

ومعنى العدل أن تعتقد أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، وأنه لا يجور في حكمه. والدليل على ذلك أن الظلم لا يفعله الظالم إلّا إذا طلب شيئاً أو أراد شيئاً ولم يقدر عليه إلّا بطريق الظلم ، والله تعالى قادر على كلّ شي ء ، وعالم بكلّ شي ء ، فلا يفعل الظلم ؛ لغناه الذاتي عن فعله.

وأيضاً الظلم قبيح بلا شكّ ، والله تعالى لا يفعل القبيح بلا شكّ ، ولا يأمر به.

فإذا عرفت أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا الظلم تبيّن لك أن الله تعالى لا يخلق الظلم في العبد ولا المعاصي ، ولا يجبر العباد على فعلها. والدليل على ذلك أن الله توعّد من يفعل ذلك بالعقاب وبالنار ، وإنما خلق النار لأهل المعاصي ، فلا يمكّن الخلق على فعل المعصية ، ويخلقها فيهم ثمّ يعذّبهم عليها ؛ لأن هذا من أشدّ الظلم ، والله تعالى عدل لا يجور.

فإذن المعصية إنما يفعلها الإنسان باختياره بعد أن نهاه الله عنها ، ومكّنه من فعلها وتركها باختياره ، فلو أن عبداً أجبره مولاه على أن يأكل شيئاً فأكله ، ثمّ ضربه على أكله ، عدّه العقلاء ظالماً بلا شكّ.

ص: 71

ص: 72

الفصل الثالث : في النبوّة

اعلم أنك بعد أن تعتقد أن الله تعالى لا يجور ، حكيم بعباده ، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح ، وقد خلق الخلق لا لحاجة به لهم ، بل ليجود عليهم فإنه الجواد الكريم بذاته ، ولا يناسب ذاته نعيم الدنيا ؛ فإنه منقطع كما هو مشاهد محسوس وَجُود الله لا ينقطع ، ولمّا كان جود الله الدائم إنما يكون في الآخرة ؛ لأنها لا تفنى ولا تتغيّر ، وذلك الجود الدائم والحياة الطيّبة لا تدرك للعباد ولا ينالونها إلّا بمعرفة الله وعبادته.

وقد خلق الله البشر في أوّل ولادته لا يعلم شيئاً ، عدلاً منه ورحمة فوجب أن يبعث لهم رسولاً يعلّمهم كيف يعبدون الله وكيف يوحّدونه ، يأمر العباد بالمعروف والخير الذي يوصلهم إلى مرضاة الله ونعيم الجنّة ، وينهاهم عن المعاصي والشرور التي توصلهم إلى غضب الله وإلى النار.

فإذن لا بدّ من بعثة الرسل ، ويجب أن يكون رسول البشر بشراً مثلهم ؛ ليفهموا كلامه ومقصده ، ويقبلوا أمره ونهيه ، ولا تستوحش منه نفوسهم وطباعهم ؛ إذ لو بعث لهم ملكاً أو جنّياً لم يقدروا على مشافهته ، لا يفهموا مخاطبته ؛ لأن نفوسهم تستوحش منه ، وطباعهم تنفر منه ، فلا يقبلون أمره ونهيه باختيارهم.

وإنما تتحقّق منهم الطاعة والمعصية التي يستحقّون عليها العقاب والثواب الدائم

ص: 73

إذا فعلوا الطاعة والمعصية بالاختيار التامّ منهم ، وهو كمال القدرة على فعل الطاعة والمعصية وتركهما ؛ لأن الذي تكون أفعاله بنوع من الجبر وسلب الاختيار لا يعدّ مطيعاً ولا عاصياً كالقَدُوم (1) في يد النجّار ، والنار إذا أحرقت الحطب ، والماء إذا بلّ الثوب ، فإن ذلك لا يعدّ طاعة ولا معصيةً.

ويجب أن يكون الرسول معصوماً من السهو والكذب والغلط والنسيان ، وعن جميع النقائص ؛ إذ لو كان الرسول ليس كذلك لم يكن أولى من غيره بالرسالة ، ولم يقطع الناس بما يخبرهم به عن الله ، وبما يأمرهم وينهاهم به عن الله أنه أمرُ الله ونهيه. ولا يمكن أن تصدر منه معصية في حال من الأحوال ؛ لأن قوله وفعله حجّة في كلّ حال ؛ وذلك أنه خليفة الله ونائبه ، وواجب الطاعة على جميع الخلق. فلو أمكن منه المعصية في حال لزم أن يوجب الله تعالى طاعة العاصي في حال عصيانه ، وهذا لا يجوز ؛ لأن هذا ظلم والله تعالى منزّه عن الظلم والعتب. أينهى الله العباد عن المعاصي ويأمر بطاعة العاصي؟ هذا محال.

ويجب أن تعلم أن الرسول إلينا هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وآله ، وهو المدفون الآن في المدينة في بيته ؛ وذلك لأنه قال أنا رسول الله إليكم (2) ، وأتى بالمعاجز الدالّة على أنه رسول الله إلى الخلق ، فقد سلّم عليه الغزال (3) ، وسبّح في كفّه الحصى (4) ، وانشقّ له القمر (5) ، وغير ذلك من معاجزه صلى الله عليه وآله (6) التي أكبرها القرآن ؛ فقد عجز الخلق أن يأتوا بسورةٍ من مثله إلى يوم القيامة.

ص: 74


1- القَدُوم : التي ينحت بها. لسان العرب 11 : 69 قدم.
2- كنز العمال 13 : 292 / 36849 ، باختلاف.
3- دلائل النبوّة 6 : 34 - 35.
4- انظر : الخرائج والجرائح 1 : 159 / 248 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 126 ، دلائل النبوّة 6 : 64.
5- مناقب آل أبي طالب 1 : 163 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 38 ، البداية والنهاية 3 : 146.
6- انظر السيرة النبويَّة ( ابن هشام ) 1 : 264 - 265.

الفصل الرابع : في الإمامة

إذا عرفت أنه يجب في حكمة الله بمقتضى عدله إرسال الرسول من البشر ، والرسول أشدّ طاعة لله ، فله أجزل الأجر والثواب الدائم ، وذلك لا ينال إلّا في الآخرة ، فلا بدّ أن ينتقل إلى الآخرة وما أعدّ الله له فيها من الجزاء الدائم. فإذا انتقل إلى جوار الله ودار كرامته ، فلا بدّ أن يجعل الله لعباده خليفة يسدّ مسدّ الرسول في جميع ما يحتاج الخلق إليه من أُمور الدين والدنيا ، حاكماً مطاعاً معصوماً كالرسول ، فإنه خليفة الله كالرسول.

ولا يجوز أن يكون الإمام الذي أوجب الله على الخلق طاعته [ هم الذين ] (1) يختارونه وينصبونه ، وإنما ينصبه الله ويختاره لخلافة رسوله ؛ لأنه خليفة الله وخليفة رسوله. فلو كان نصب الإمام باختيار الخلق لأمكن أن يختاروا منافقاً ، وهو في الباطن عابد صنم أو يهودي أو نصراني ، فيكون قد أوجب الله على العباد طاعة كافر ، وهذا محال في حكمة الله وعدله.

والإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله : بلا فصل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ من بعده ابنه الحسن عليه السلام ، ثمّ أخوه الحسين عليه السلام ، ثمّ ابنه زين العابدين عليّ بن

ص: 75


1- في المخطوط : ( هو الذي ).

الحسين عليه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، ثمّ موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام ، ثمّ الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام : إمام هذا الزمان عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه إلّا إنه غائب عن أبصار عامّة البشر ؛ لشدّة طلب الظالمين له.

ومع ذلك فهدايته تصل إلى الخلق ، كالشمس التي حجبتها السحاب ؛ فإن الناس يهتدون بها ولا يرونها ، ولا بدّ أن يأذن الله له بالفرج ، فيقوم ويظهر ويملأ الله [ به ] الأرض قسطاً وعدلاً. ولو لم يكن كذلك لكان الخلق الآن بلا إمام ، وبلا حجّة لله عليهم يهديهم ويثبّت به الأرض ، بل من حين موت الحسن العسكري : عليه السلام إلى الآن ، وهذا ينافي عدل الله ورحمته بالعباد.

والدليل على أن هؤلاء الاثني عشر هم الأئمّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله دون مَن سواهم أن الأُمّة أطبقت كلّها عدوّهم وصديقهم على جلالة قدرهم وغزارة علمهم ، وعلى صدق الكرامات والمعاجز منهم ، وعلى أنهم لم تصدر منهم منقصة ولا معصية بحال ، ولم يسجد أحد منهم لصنم أبداً. ولم تتّفق الأُمّة على من هو كذلك إلّا عليهم ، بل كلّ من تراه في هذه الأُمّة غيرهم قد وقع منه ما ينافي استحقاقه لهذا المنصب الذي هو خلافة الله ورسوله ، جائياً ذلك على لسان عدوّه ووليّه ، وهذا ظاهر لا التباس فيه ، والله الهادي.

ص: 76

الفصل الخامس : في المعاد

اعلم أنك إذا عرفت أن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحّدوه ، ويجود عليهم بالجزاء الدائم والجزاء الدائم لا يكون إلّا في الآخرة ؛ لأن الدنيا لا تصلح لذلك ؛ لأنها ذائبة مضمحلّة لا دوام لشي ء فيها ولا ثبات ، كما هو محسوس فلا بدّ أن يحيي الله العباد ؛ ليجازيهم بأعمالهم الجزاء الدائم ، فإنه المناسب لجود الله تعالى وعدله.

وأيضاً العمل غير الجزاء ، فلا بدّ أن تكون دار العمل غير دار الجزاء. والدنيا دار عمل خاصّة ، فلا بدّ أن يوصل الله العباد بعدله وكرامته إلى دار الجزاء الدائم ، وينتصف إلى المظلوم من الظالم ، وهو المعاد.

والحمد لله وحده ، وصلى الله على خير خلقه وسلم.

ختم في يوم الأربعاء ، عصر السابع والعشرين [ من ] ربيع الثاني من السنة (1243) ، وصلّى الله على محمّد : وآله.

ص: 77

ص: 78

الرسالة الثالثة : الرجعة

اشارة

ص: 79

ص: 80

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى بضاعة ، وأكثرهم إضاعة ، أحمد بن صالح بن طوق : إن من أنفس ما تصرف فيه الأعمار معرفة صفات الإمامة وخصائصها التي من جملتها أن أهل البيت يرجعون إلى الدنيا بعد انصرافهم وانتقالهم بالموت عنها ، وذلك بعد قيام القائم ، عجّل الله فرجه. فربّما اشتبه دليلها على شاذّ نادر ، فأحببت أن أجمع بعض ما يمنّ به أرحم الراحمين من الأدلّة على رجعتهم ، على شدّة استعجال ، وتراكم الهموم والبلبال ، ونزور الاطّلاع مع كثرة ما ضاع ، فأقول وعلى الله التكلان - : الدليل على رجعة أهل البيت : أجمع له طريقان : الأخبار والاعتبار.

ص: 81

ص: 82

الأدلّة النقليّة

أمّا الأخبار فكثيرة جدّاً بأنواع شتّى ، وطرق مختلفة :

فمنها ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي : في كتاب ( الرجعة ) بسنده المتّصل عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلّا شهيد (1).

فدلّ على أن القائم عليه السلام : سيفوز بمكرمة الشهادة كما فاز بها آباؤه الذين جمعوا مراتب الكمال ؛ إذ لو لم يكونوا بأجمعهم شهداء لسبقهم بعض رعاياهم إلى هذا العُلا ، وهو محال يأباه منصب الإمامة. فإذا ثبتت شهادته فلا بدّ حينئذٍ من إمام يقوم بحجج الله ؛ إذ لا تخلو الأرض من حجّة لله بالنصّ المستفيض (2) من غير معارض ، والإجماع ، والبرهان الذي تعرف العقول عدله يلي أمر القائم عليه السلام : إذا قتل ؛ إذ لا يلي أمر الإمام إلّا إمام بالنصّ المستفيض (3) والإجماع. وهذا كلّه غير ممكن إلّا برجعة أحد آبائه.

ومنها ما رواه أيضاً بسنده المتّصل عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال ما من مؤمن إلّا وله قَتْلة وموتة ، إنه من قُتل نُشِر حتّى يموت ، ومَنْ مات نُشِر حتّى يقتل.

ص: 83


1- مختصر بصائر الدرجات : 15 ، بحار الأنوار 17 : 405 / 25.
2- كمال الدين 1 : 319 / 2 ، علل الشرائع 1 : 234 / 21 ، الاحتجاج 2 : 152 ، مختصر بصائر الدرجات : 8.
3- الكافي 1 : 384 - 385.

ثمّ تلوتُ على أبي جعفر عليه السلام ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (1) ، فقال هو عليه السلام ومنشورة (2). قلت : قولك ومنشورة ما هو؟ فقال هكذا انزل بها جبرئيل عليه السلام : على محمَّد صلى الله عليه وآله : ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) ومنشورة.

ثمّ قال ما في هذه الأُمَّة أحد برٌّ ولا فاجر إلّا فينشر ، أمّا المؤمنون فينشرون إلى قرَّة أعينهم ، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم ، ألم تسمع أن الله تعالى يقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) (3) ، وقوله ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ) (4) يعني بذلك محمَّداً صلى الله عليه وآله : قيامه في الرجعة ينذر فيها ، وقوله ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) (5) يعني محمَّداً صلى الله عليه وآله : نذيراً للبشر في الرجعة ، وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (6) قال : يظهرها الله في الرجعة. وقوله ( حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ ) (7) هو عليٌّ بن أبي طالب صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة.

قال جابر : قال أبو جعفر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في قوله عزوجل ( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) (8) قال : هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي ، وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ، فنقتل بني أمية ، فعندها يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين (9).

ومنه بسنده عن موسى الحنّاط : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول أيّام الله ثلاثة ، يوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (10).

ومنه بسنده عن المعلّى بن خُنَيس ، وزيد الشحّام : عن أبي عبد الله عليه السلام : قالا

ص: 84


1- آل عمران : 185.
2- أي بالعطف على « ذائقة ».
3- السجدة : 21.
4- المدّثّر : 1 - 2.
5- المدّثر : 35 - 36.
6- التوبة : 33.
7- المؤمنون : 77.
8- الحجر : 2.
9- مختصر بصائر الدرجات : 17 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 55.
10- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، وفيه : « يوم يقوم القائم » ، 41 ، وفيه : « يوم قيام القائم » ، بحار الأنوار 53 : 63 / 53 ، وفيه : « يوم يقوم القائم ».

سمعناه يقول إن أوّل من يكرُّ في الرجعة الحسين بن علي عليهما السلام ، ويمكث في الأرض أربعين ألف سنة (1) الخبر.

ومنه عن إبراهيم بن المستنير : عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يقول الله تعالى ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) (2)؟ فقال هي والله للنصّاب.

قلت : فقد رأيناهم في دهرهم الأطول في الكفاية حتّى ماتوا ، فقال والله ذلك في الرجعة ، يأكلون العذرة (3).

ومنه عن جميل بن دَرّاج : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت له : قول الله عزوجل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (4)؟ قال ذلك والله في الرجعة ، أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم يُنصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمّة قد قتلوا ولم ينصروا؟ فذلك في الرجعة.

قلت ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (5)؟ قال هي الرجعة (6).

ومنه بسنده عن زرارة : قال : كرهت أن أسأل أبا جعفر عليه السلام ، فاحتلت مسألة لطيفة لأبلغ بها حاجتي ، قلت : أخبرني عمّن قتل ، مات؟ قال لا ، الموت موت ، والقتل قتل.

فقلت : [ ما أحد يقتل إلّا مات. فقال يا زرارة ، قول الله أصدق من (7) ] قولك ، قد فرّق بين القتل والموت في القرآن ، فقال ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) (8) ، وقال ( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ ) (9) الآية فليس كما قلت يا زرارة ، الموت موت ، والقتل قتل ، وقد قال الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ

ص: 85


1- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 54.
2- طه : 124.
3- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، بحار الأنوار 53 : 51 / 28 ، ورواه في تفسير القمي 2 : 262 ، باختلاف.
4- غافر : 51.
5- ق : 41 - 42.
6- مختصر بصائر الدرجات : 18 - 19 ، بحار الأنوار 53 : 65 / 57.
7- من تفسير العيّاشي وقد أُضيف إلى نسخة ( بحار الأنوار ) التي في أيدينا من العياشي أيضاً. وفي المخطوط : ( ما أجد قولك .. ).
8- آل عمران : 144.
9- آل عمران : 158.

اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ) (1).

قال : فقلت : إن الله عزوجل يقول ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (2) ، أفرأيت من قتل لم يذق الموت؟ قال ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه ، إن من قتل لا بدّ أن يرجع إلى الدنيا حتّى يذوق الموت (3).

ومنه بسنده عن صفوان بن يحيى : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : قال : سمعته يقول في الرجعة

من مات من المؤمنين قتل ، ومن قتل منهم مات (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى ) (5) الآية قال في الرجعة (6).

ومنه بسنده عنه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله تعالى ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ) (7) الآية ، فقال ذلك في الميثاق.

ثمّ قرأت ( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) (8) ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا تقرأ هكذا ، ولكن اقرأ : التائبون العائدون.

ثمّ قال إذا رأيت هؤلاء فهم الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ، يعني : الرجعة.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام ما من مؤمن إلّا وله ميتة وقتلة ، من مات بعث حتّى يقتل ، ومن قتل بعث حتّى يموت (9).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : قال أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت:

ص: 86


1- التوبة : 111.
2- الأنبياء : 35.
3- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 65 - 66 / 58 ورواه في تفسير العياشيّ 1 : 225 - 226 / 160.
4- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 66 / 59.
5- الإسراء : 72.
6- مختصر بصائر الدرجات : 20 ، بحار الأنوار 53 : 67 / 61.
7- التوبة : 111.
8- التوبة : 112.
9- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، بحار الأنوار 53 : 71 / 70 ، وفيهما : « ولكن اقرأ : التائبين العابدين ».

نعم. قال أما يقرءون القرآن ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) الآية (2).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سئل عن قول الله عزوجل ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ ) (3) ، فقال يا جابر ، أتدري ما سبيل الله؟ قلت : لا والله إلّا إذا سمعت منك. فقال عليه السلام القتل في سبيل عليٍّ عليه السلام : وذرِّيَّته ، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله ، وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل يُنشر حتّى يموت ، ومن مات يُنشر حتّى يقتل (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أبي شيبة : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول وتلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) (5) الآية قال - ليؤمنن برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام. قال نعم ، والله من لدن آدم عليه السلام : فهلمّ جرّاً ، فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا ردّ جميعهم إلى الدنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليِّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام (6). ومنه بسنده عن الثمالي : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كفى بعليٍّ عليه السلام : أن يقاتل أهل الكرَّة ، ويزوِّج أهل الجنَّة (7).

ومنه بسنده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن إبليس : قال ( أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (8) فأبى الله ذلك عليه ، فقال ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (9) ، فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس : لعنه

ص: 87


1- النمل : 83.
2- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، بحار الأنوار 53 : 40 / 6.
3- آل عمران : 157.
4- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، بحار الأنوار 53 : 40 / 8.
5- آل عمران : 81.
6- مختصر بصائر الدرجات : 25 - 26 ، بحار الأنوار 53 : 41 / 9.
7- مختصر بصائر الدرجات : 26 ، بحار الأنوار 53 : 50 / 22.
8- الحجر : 36.
9- الحجر : 37 - 38.

الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرُّها أمير المؤمنين عليه السلام. فقلت : وإنها لكرّات؟ قال نعم ، إنها لكرّات وكرّات ، ما من إمام في دين إلّا ويكرُّ معه البرُّ والفاجر في دهره ، حتّى يديل الله المؤمن على الكافر ، وإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه السلام : في أصحابه ، وجاء إبليس : في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يُقتَتَل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب عليٍّ : م أمير المؤمنين عليه السلام : قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يُهبط الجبّارُ عزوجل في ظلل من الغمام الملائكة (1) وقضي الأمر ورسولَ الله صلى الله عليه وآله : إمامهم (2) بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس : رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) (3) الآية فيلحقه النبيّ صلى الله عليه وآله : فيطعنه طعنة بين كتفيه تكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يُعبد الله عزوجل ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام : أربعاً وأربعين ألف سنة ، حتّى يلد الرجل من شيعة عليٍّ عليه السلام : ألف ولد من صلبه ذكراً في كلِّ سنة ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله (4).

ومنه بسنده عن يونس بن ظبيان : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن الَّذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام ، فأمّا يوم القيامة ، فإنّما هو بعث إلى الجنة ، وبعث إلى النار (5).

ص: 88


1- في المخطوط : ( والملائكة ).
2- في المصدر : « فعند ذلك يُهبط الجبار عزوجل في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر رسولَ الله صلى الله عليه وآله بيده حرية من نور .. ».
3- الأنفال : 48.
4- مختصر بصائر الدرجات : 26 - 27 ، بحار الأنوار 53 : 42 / 12.
5- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 / 13.

ومنه بسنده عن حمران بن أعيَن : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال إن أوّل من يرجع لجاركم الحسين بن عليّ عليه السلام ، فيملك حتّى يقع حاجباه على عينيه من الكبر (1).

ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ ) (2) قال عليه السلام يكرّون في الكرّة كما يكرّ الذهب ، حتّى يرجع كلّ شي ء إلى شبهه (3).

يعني : حقيقته.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن لعليٍّ عليه السلام : في الأرض كرّة مع الحسين : ابنه عليهما السلام ، يُقبل برايته حتّى ينتقم له من بني أُميَّة : ومعاوية : وآل معاوية : ومن شهد حربه ، ثمّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ، ومن سائر الناس سبعين ألفاً ، فيلقاهم بصفّين مثل المرّة الأُولى حتّى يقتلهم ولا يبقى منهم مخبر الخبر.

إلى أن قال ثمّ كرّة اخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتّى يكون خليفة في الأرض ويكون الأئمّة عليهم السلام عمّاله ، وحتّى يُعبد الله علانية ، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عُبد الله سرّاً في الأرض.

ثمّ قال إي والله ، وأضعاف ذلك ثم عقد بيده أضعافاً ، يعطي الله نبيَّه صلى الله عليه وآله ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الدنيا إلى يوم يفنيها ، حتّى ينجز له موعوده في كتابه ، كما قال ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (4) (5).

ومنه نقلاً من كتاب ( الواحدة ) بسنده عن أبي حمزة الثمَاليّ : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد الخبر.

إلى أن قال وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا ، وذلك قوله عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ

ص: 89


1- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 - 44 / 14.
2- الذاريات : 13.
3- مختصر بصائر الدرجات : 28 ، بحار الأنوار 53 : 44 / 15 ، وفيهما : « يكسرون في الكرّة » بدل : « يكرون في الكرة ».
4- التوبة : 33.
5- مختصر بصائر الدرجات : 29 ، بحار الأنوار 53 : 74 - 75 / 75.

اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (1) ، يعني : لتؤمنن بمحمَّد : ولتنصرنّ وصيَّه وسينصرونه جميعاً ، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمَّد صلى الله عليه وآله : بالنصرة بعضنا لبعض ، فقد نصرت محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوَّه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ : من الميثاق والعهد والنصرة لمحمَّد صلى الله عليه وآله ، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله ؛ وذلك لما قبضهم الله إليه ، وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، وليبعثهم الله أحياء من آدم عليه السلام : إلى محمَّد صلى الله عليه وآله : كلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً.

فيا عجباه! وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبّون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد أحاطوا بسكاك الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ، ليضربوا بها هام الكفرة وجبابرتهم ، وأتباعهم من جبابرة الأوّلين والآخرين ، حتّى ينجز لهم ما وعدهم في قوله عزوجل ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (2) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادتي ، ليس عندهم تقيَّة ، وأن لي الكرَّة بعد الكرة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات الخبر.

إلى أن قال سلام الله عليه - وأنا دابّة الأرض.

إلى أن قال عليه سلام الله - وأنا صاحب العصا والمِيسَم (3) (4) الخبر.

ومنه بسنده إلى سعد بن عبد الله ، بسنده عن عبد الله بن سنان : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد أسرى بي ربّي عزوجل ، وأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى ، وكلَّمني بما كلَّم به ، وكان ممّا كلَّمني به.

ص: 90


1- آل عمران : 81.
2- النور : 55.
3- المِيسَم : الحديدة التي يُكوى بها. لسان العرب 15 : 302 وسم.
4- مختصر بصائر الدرجات 32 - 34 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20 ، باختلاف فيهما.

إلى أن قال (1) يا محمَّد ، عليٌّ : أوّل من (2) أُخذ ميثاقه (3) من الأئمَّة. يا محمَّد ، عليٌّ : آخر من أقبض روحه من الأئمَّة ، وهو الدابّة التي تكلّمهم (4).

ومنه نقلاً من كتاب ( الخرائج ) (5) لسعد بن عبد الله الراوندي : بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين عليه السلام : لأصحابه قبل أن يقتل : والله (6) لئن قتلونا فإنّا نردُّ على نبيِّنا صلى الله عليه وآله ، ثمّ أمكث ما شاء الله فأكون أوّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خَرْجة توافق خَرْجة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقيام قائمنا عليه السلام ، وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله. ثمّ لينزلنَّ عليَّ وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قطّ ، لينزلنَّ عليَّ جبرئيل : وميكائيل : وإسرافيل : وجنود من الملائكة ، ولينزلنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : وعليّ عليه السلام : وأنا وأخي عليه السلام وجميع مَن مَنَّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ ، خيلٍ بلقٍ من نور لم يركبها مخلوق.

ثمّ ليهزنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : لواءه وليدفعنَّه إلى قائمنا عليه السلام : مع سيفه ، ثمّ إنا نمكث بعد ذلك ما شاء ثمّ الله إن الله يُخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن ، وعيناً من لبن وعيناً من ماء ، ثمّ إن أمير المؤمنين عليه السلام : يدفع إليَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيبعثني إلى الشرق والغرب (7) ، فلا آتي على عدوٍّ لله (8) إلّا هرقت (9) دمه ، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته ، حتّى أقع إلى الهند وأفتحها (10) ، وإن دانيال م : ويوشع عليهما السلام (11) : يخرجان مع (12) أمير المؤمنين عليه السلام : يقولان : صدق الله ورسوله. ويبعث [ الله (13) ] معهما [ إلى البصرة (14) ] سبعين رجلاً فيقتلون [ مقاتلتهم (15) ] ، ويبعث بعثاً إلى الروم

ص: 91


1- في المخطوط بعده : ( الخبر إلى قوله ).
2- في المصدر : « مَا ».
3- في المصدر : ( بميثاقه ).
4- مختصر بصائر الدرجات : 36 ، بحار الأنوار 53 : 68 / 65.
5- الخرائج والجرائح 2 : 848 - 849 / 63.
6- في المصدر : ( فو الله ).
7- في مختصر بصائر الدرجات : « المشرق والمغرب ».
8- في الخرائج والجرائح : « على عدوٍّ » وفي مختصر بصائر الدرجات : « على عدوّ الله ».
9- في الخرائج والجرائح : « أهرقت ».
10- في المصدر : « فأفتحها ».
11- في الخرائج والجرائح : « ويونس ».
12- في المصدر : « إلى ».
13- من المصدر.
14- من الخرائج والجرائح.
15- من الخرائج والجرائح ، وفي المخطوط : « مقاتلهم ».

فيفتح (1) الله لهم.

ثم لأقتلنَّ كلّ دابَّة حرَّم الله لحمها ؛ حتّى لا يكون على وجه الأرض إلّا [ الطيِّب (2) ] ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولأُخيِّرنَّهم بين الإسلام والسيف ؛ فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره أراق (3) الله دمه (4) الخبر.

ومنه بسنده عن السيّد الجليل علي بن عبد الكريم : بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : مثله (5).

ومنه بسنده عن الصدوق ، بسنده عن مُثَنّى الحنّاط : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول أيّام الله ثلاثة ، يوم قيام القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (6).

ومنه قال : حدّثنا الشيخ أبو عبد الله محمّد بن مكّي : بإسناده عن عليّ بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن حمّاد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما تقول الناس في هذه الآية ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (7)؟ قلت : يقولون : إنها في القيامة. قال عليه السلام ليس كما يقولون ، إن ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (8). وقوله ( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (9). قال الصادق عليه السلام : كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة ، وأمّا يوم القيامة فيرجعون ، والّذين محضوا الإيمان محضاً ، وغيرهم ممَّن لم يهلكوا بالعذاب ، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون (10).

ومنه عن عليّ بن إبراهيم (11) : بسنده عن ابن مُسكان : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول

ص: 92


1- في الخرائج والجرائح : « ويفتح ».
2- من المصدر ، وفي المخطوط : « طيب ».
3- في المصدر : « أهرق ».
4- مختصر بصائر الدرجات : 50 و 51.
5- مختصر بصائر الدرجات : 50 و 51 ، بحار الأنوار 53 : 63 / 52.
6- مختصر بصائر الدرجات : 41 ، وانظر مختصر بصائر الدرجات 18 ، بحار الأنوار 53 : 63 / 53 وفيهما : « يوم يقوم القائم ».
7- النحل : 83.
8- الأنبياء : 95.
9- الكهف : 47.
10- مختصر بصائر الدرجات : 41 و 42 ، بحار الأنوار 53 : 60 - 61 / 49.
11- تفسير القمّيّ 1 : 134.

الله عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) (1) الآية قال ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم عليه السلام : إلّا ويرجع إلى الدنيا ، فينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) (2) يعني : م برسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني : م أمير المؤمنين عليه السلام (3). وعنه (4) عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن المفضّل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) قال عليه السلام ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً (6) الخبر.

وقال عليّ بن إبراهيم : في قول الله تعالى ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (7) قال الصادق عليه السلام : ذلك في الرجعة (8).

ومنه بسنده عن الصادق عليه السلام : في قوله ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ) (9) الآية قال هي الرجعة (10).

ومنه بسنده عن أبي سلمة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سألته عن قول الله عزوجل ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (11). قال عليه السلام يمكث عليٌّ عليه السلام (12) : بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره (13).

ومنه بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزوجل ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ

ص: 93


1- آل عمران : 81.
2- آل عمران : 81.
3- مختصر بصائر الدرجات : 42 ، بحار الأنوار 53 : 61 / 50.
4- تفسير القمّيّ 2 : 131 - 132.
5- النمل : 83.
6- مختصر بصائر الدرجات : 43.
7- غافر : 11.
8- تفسير القمّي 2 : 209 ، بحار الأنوار 53 : 56 / 36.
9- ق : 42.
10- مختصر بصائر الدرجات : 46 ، بحار الأنوار 53 : 65 / 57 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 335.
11- عبس : 22.
12- ليست في المصدر.
13- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، بحار الأنوار 53 : 99 / 119 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 431.

الْأُولى ) (1). قال يعني : الكرّة ، هي الآخرة للنبيِّ صلى الله عليه وآله (2) الخبر.

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (3). قال في الرجعة (4).

ومنه بسنده عن محمّد بن يعقوب (5) ، بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزّ اسمه ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) قال قَتْلُ عليّ بن أبي طالب ، وطَعْنُ الحسن عليهما السلام ، ( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ) قال : قَتْلُ الحسين عليه السلام ( : فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ) ، فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام ، ( بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) ، قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم : فلا يدعون [ واتراً ] (6) لآل محمّد : إلّا قتلوه ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) خروج القائم عليه السلام ، ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) ، خروج الحسين عليه السلام ، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البِيضُ (8) المذهّبة ، لكلّ بيضة وجهان ، يؤذِّن (9) المؤذِّنون (10) إلى الناس أن هذا الحسين عليه السلام : قد خرج حتّى لا يشكّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجة عليه السلام : بين أظهرهم. فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام : جاء الحجَّةَ عليه السلام : الموتُ ، فيكون الذي يغسِّله ويكِّفنه ويحنِّطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي عليه السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ (11).

ص: 94


1- الضحى : 4.
2- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، بحار الأنوار 53 : 59 / 43 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 459.
3- الإسراء : 72.
4- مختصر بصائر الدرجات : 20 ، بحار الأنوار 53 : 67 / 61.
5- الكافي 8 : 175 / 250.
6- في المخطوط ومختصر بصائر الدرجات وبحار الأنوار : « وتر » ، وما أثبتناه من الكافي.
7- الإسراء : 4 - 6.
8- البِيض من السلاح : جمع بيضة ، وهي الخوذة. لسان العرب : 1 : 552 بيض.
9- لم يرد في بحار الأنوار والكافي : « يؤذّن ».
10- في الكافي وبحار الأنوار : « المؤدّون ».
11- مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 93 - 94 / 103.

ومنه بسنده عن أحمد بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال نعم.

فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : م الحسين عليه السلام : يخرج على أثر القائم عليه السلام : قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال لا ، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) (1) قوم بعد قوم (2).

ومنه بسنده عن جابر الجعفي : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجلٌ بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم عليه السلام. قلت : وكم يقوم القائم : في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا ، وهو الحسين بن علي عليه السلام : فيطلب بدمه ودم أصحابه ، فيقتل ويسبي حتّى يخرج السفّاح ، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (3). ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن ( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (4) - هي كرّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويكون ملكه في كرَّته خمسين ألف سنة (5).

ومنه بسنده عن بُرَيدَةَ الأسلمي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال وساق حديثاً طويلاً قال فيه - الموطن السابع : نبقى حتّى لا يبقى أحد ، وهلاك الأحزاب بأيدينا (6).

ومنه بسنده عن محمّد بن يعقوب : بسنده عن داود الرَّقّيّ : قال : قلت : ما معنى السلام على الله (7) وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله :؟ قال إن الله عزوجل لمّا خلق نبيَّه ووصيَّه وابنيه وابنته (8) وجميع الأئمّة عليهم السلام أخذ عليهم الميثاق ، وأن يصبروا ويصابروا وأن يتَّقوا الله ، ووعدهم أن

ص: 95


1- النبإ : 18.
2- مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 103 / 130.
3- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، بحار الأنوار 53 : 103 - 104 / 130.
4- المعارج : 4.
5- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، بحار الأنوار 53 : 104 / 130.
6- مختصر بصائر الدرجات : 70 ، بحار الأنوار 53 : 59 / 44.
7- قوله : ( السلام على الله ) ليست في الكافي.
8- في الكافي : « وابنته وابنيه ».

يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن ، وأن ينزل لهم البيت المعمور ، ويظهر لهم السقف المرفوع ، وينجيهم (1) من عدوهم ، والأرض التي يبدلها من السلام ، ويسلّم ما فيها لهم ، ولا (2) [ شية (3) ] فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم ، وأن يكون لهم منها (4) ما يحبّون ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله : على جميع الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك (5) الخبر.

ومنه نقلاً من كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) للسيد الجليل علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني : بسنده عن ابن مهزيار : في حديث طويل قال فيه في كلام للحجّة : عجّل الله فرجه - فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجي ء إلى الكوفة ، فأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأوَّل ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحجُّ بالناس حجَّة الإسلام ، وأجي ء إلى يثرب فأهدم الحجرة ، وأُخرج مَن بها وهما طريّان فآمر بهما باتّجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأُولى ، فينادي منادي الفتنة من السماء : يا سماء أبيدي (6) ، ويا أرض خذي. فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.

قلت : يا سيدي ما يكون بعد ذلك؟ قال الكرّة ، الكرّة الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) إلى آخر الآية (8).

ومنه بسنده عن النعمانيّ : في غيبته (9) بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال يملك القائم عليه السلام : تسع عشرة سنة وأشهراً (10).

ص: 96


1- في الكافي : « ويريحهم ».
2- في الكافي : « لا ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « شبهة ».
4- في الكافي : « فيها » بدل : « منها ».
5- الكافي 1 : 451 / 39 ، مختصر بصائر الدرجات : 172 ، بحار الأنوار 52 : 380 / 190.
6- في المصدر : « انبذي ».
7- الإسراء : 6.
8- مختصر بصائر الدرجات : 176 - 177 ، بحار الأنوار 53 : 104 / 131.
9- الغيبة : 331 / 1.
10- مختصر بصائر الدرجات : 193 ، بحار الأنوار 52 : 298 / 59 ، وفيه : « ملك » بدل : « يملك ».

وروى أيضاً أن الذي يغسّله جدّه الحسين عليه السلام (1).

أقول : كلّ ما جاء فيه تقدير مدّة ملك الحجّة : عجّل الله فرجه على اختلاف ألفاظه يدلّ على وقوع الرجعة ؛ فإن الضرورة عقلاً وديناً قاضية بأنه لا تخلو الأرض من حجّة لله ، إمّا ظاهر أو مستتر. وأجمعت الفرقة فتوًى ونصّاً (2) على أن الإمام لا يلي أمره إلّا الإمام ، فإذا مات القائم : عجّل الله فرجه فلا بدّ من أن يكون حينئذٍ أحد من آبائه الأئمّة عليهم السلام موجوداً في الدنيا ؛ ليلي أمره ويقوم بحجج الله بعده. وسيتلى عليك بعض أخبار مدّة ملكه إن شاء الله الرحمن ، فترقّب إني وإيّاكم لرحمة ربّي من المترقّبين.

ومنه بسنده عن جعفر بن محمّد بن قولويه : في مزاره (3) بسنده عن المؤتمن الجليل المفضّل بن عمر : في وصف زوّار الحسين عليه السلام : في الرجعة - ويُنزل الله على زوّار الحسين عليه السلام : غدوة وعشيَّة من طعام الجنَّة ، وخدّامهم الملائكة ، لا يسأل اللهَ عبدٌ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا أعطاها إيّاه.

قال : قلت : هذه والله الكرامة. قال عليه السلام يا مفضَّل : أزيدك؟

قلت : نعم يا سيّدي. قال عليه السلام كأنّي بسرير من نور قد وضع ، وقد ضربت عليه قبَّة من ياقوتة حمراء مكلَّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين عليه السلام : جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبَّة خضراء وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه ، فيقول الله تعالى لهم : أوليائي ، سلوني ، فطالما اوذيتم وذلِّلتم واضطُهدتم ، فهذا يوم لا تسألونني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم. فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة ، فهذه والله الكرامة (4).

ومنه بسنده عن كتاب ( المشيخة ) للحسن : عن محمّد بن سلام : عن أبي جعفر عليه السلام

ص: 97


1- مختصر بصائر الدرجات : 193.
2- رجال الكشّي 2 : 764 / 883 ، بحار الأنوار 48 : 270 / 29.
3- كامل الزيارات : 258 - 259 / 390.
4- مختصر بصائر الدرجات : 193 - 194 ، بحار الأنوار 98 : 65 / 53.

في قول الله تعالى ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (1) الآية قال هو خاصٌّ بأقوام (2) في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة (3).

ومنه نقلاً من كتاب ( التنزيل والتحريف ) بسنده عن عبد الله بن نجيح اليماني : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال في قوله عزّ اسمه ( كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (4) قال مرّة بالكرّة ، وأُخرى يوم القيامة (5).

ومنه نقلاً من كتاب تأويلات محمّد بن العباس بسنده عن أبي مروان : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (6). فقال لا والله ، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليٌّ عليه السلام بالثويَّة ، فيلتقيان ويبنيان بالثويَّة مسجداً له اثنا عشر ألف باب.

يعني موضعاً بالكوفة (7).

وبسنده عنه ، بسنده عنه عليه السلام أيضاً مثله (8).

ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ ) (9) اللاحقة : م الحسن بن علي عليهما السلام : في خمسة وسبعين ألفاً ، وهو قوله عزوجل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) وفي الآخرة ( وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) (10) الآية (11).

ص: 98


1- غافر : 11.
2- في المصدر : « لأقوام ».
3- مختصر بصائر الدرجات : 194 - 195 ، بحار الأنوار 53 : 116 / 139.
4- التكاثر : 3.
5- مختصر بصائر الدرجات : 204 ، بحار الأنوار 53 : 107 / 135.
6- القصص : 85.
7- مختصر بصائر الدرجات : 210 ، بحار الأنوار 53 : 113 - 114 / 138.
8- مختصر بصائر الدرجات : 210 ، بحار الأنوار 53 : 114 / ذيل الحديث : 138.
9- النازعات : 6 - 7.
10- غافر : 51.
11- مختصر بصائر الدرجات : 211 ، وفيه : « الراجفة : الحسين بن علي عليه السلام ، والرادفة : علي بن أبي طالب عليه السلام وأوَّل من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن علي عليه السلام في خمسة وسبعين ألفاً وهو قوله عزوجل .. ».

ومنه بسنده عن كتاب ( البشارة ) للسيّد علي بن طاوس : وجدت في كتاب ، تأليف جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، بسنده إلى حمران بن أعيَن : قال : عمر الدنيا مائة ألف سنة : لسائر الناس عشرون ألف سنة ، وثمانون ألف سنة لآل محمَّد صلى الله عليه وآله.

قال السيّد رضي الدين : وأعتقد أنني وجدت في كتاب طاهر : بن عبد الله : أبسط من هذه الرواية (1).

ومنه بسنده عن غيبة النعمانيّ (2) : بسنده عن الثماليّ : قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي : يقول لو قد خرج قائم آل محمّد : لينصرنَّه الله بالملائكة المسوَّمين والمردفين والمنزلين والكروبيِّين ، يكون جبرئيل عليه السلام : أمامه ، وميكائيل : عن يمينه ، وإسرافيل : عن يساره ، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، والملائكة المقرَّبون خدّامه (3) ، أوّل من (4) يبايعه محمَّد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعليٌّ : صلوات الله عليه الثاني ، ومعه سيف مُخْتَرَطَةٌ (5) (6) الخبر.

ومنه بسنده عن غيبة النعمانيّ (7) : أيضاً ، بسنده عن جابر الجعفي : قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي : يقول ليملكنّ رجل منّا أهل البيت : ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

قال : قلت له : متى يكون ذلك؟ قال بعد موت القائم. فقلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتّى يموت؟ قال تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته (8).

ومنه بسنده إلى ابن قولويه (9) : في كتاب المزار ، بسنده عن أبي بكر الحضرميّ عن

ص: 99


1- مختصر بصائر الدرجات : 212 ، بحار الأنوار 52 : 116 / 138.
2- الغيبة : 234 - 235 / 22.
3- في المصدر « حذاءه ».
4- في مختصر بصائر الدرجات : « ما » بدل : « مَن ».
5- في الغيبة ، وبحار الأنوار : « مخترط ». اخترط السيف : سلّه من غِمده. لسان العرب 4 : 65 خرط.
6- مختصر بصائر الدرجات : 212 - 213 ، بحار الأنوار 52 : 348 / 99.
7- الغيبة : 331 - 332 / 3.
8- الغيبة ( النعماني ) : 331 - 332 / 3 ، مختصر بصائر الدرجات : 213 - 214 ، بحار الأنوار 52 : 298 - 299 / 61.
9- كامل الزيارات : 76 / 12.

أبي عبد الله : [ أو (1) ] أبي جعفر عليهما السلام : قال : قلت له : أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله؟ فقال الكوفة يا أبا بكر : الزكيّة الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين ، والأوصياء الصدّيقين (2) ، وفيها مسجد سهل (3) : الّذي لم يبعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه. ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده ، وهي منازل النبيِّين والأوصياء الصالحين (4) (5).

قلت : لا يتمّ لهذا الخبر مصدوق إلّا برجعة الأوصياء [ وسُكناهم (6) ] فيها ، الضرورة قاضية بأنه لم يسكنها بعد من الأوصياء إلّا نزر قليل.

وأيضا دلّ هذا الخبر وكلّ ما دلّ على موت القائم : عجّل الله فرجه على رجعة آبائه عليهم السلام ؛ إذ لا حجّة بعدهم لله غيرهم ، فلا بدّ أن يكون منهم في الدنيا من يقوم بحجج الله وبيّناته ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (7).

ومنه : قال رحمه الله : حدّثني الصالح محمّد بن إبراهيم بن محسن المطارآبادي : أنه وجد بخط أبيه الصالح إبراهيم : هذا الحديث ، وأراني خطّه ، وكتبته منه ، وصورته : [ الحسين (8) ] بن حمدان : عن محمّد بن إسماعيل ، وعلي بن عبد الله : عن أبي شعيب محمّد بن نصر : عن عمر بن الفرّاء : عن محمّد بن المفضّل : عن المفضّل : قال : سألت سيّدي الصادق عليه السلام : هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام : من وقت موقّت يعلمه الناس؟ فقال حاشا لله الخبر.

وهو طويل ذكر فيه صفة ظهور المهديّ : عجّل الله فرجه وسيرته من أوّل قيامه ، وصفة إخراجه للرجلين وسؤاله لهما وما يفعل بهما.

ص: 100


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( و ).
2- في المصدر : « الصادقين ».
3- في المصدر : « سهيل ».
4- في المصدر : « والصالحين ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، بحار الأنوار 97 : 440 / 17.
6- في المخطوط : ( وسكونهم ).
7- الأنعام : 149.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الحسن ).

إلى أن قال ثمّ يأمر ريحاً فتنسفهما في اليمّ نسفاً.

قال المفضّل : يا سيّدي ، ذلك آخر عذابهما؟ قال هيهات يا مفضَّل ، والله ليردنَّ ، وليحضرنَّ السيِّدُ الأكبر محمَّدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله : والصدِّيق الأكبر أمير المؤمنين : وفاطمة : والحسن : والحسين : والأئمّة عليهم السلام إماماً إماماً (1) ، وكلُّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً ، وليقتصن (2) منهما بجميع [ فعلهما (3) ] ، وليقتلان في كلِّ يوم وليلة ألف قتلة ، ويردّان إلى ما شاء الله (4) الخبر.

إلى أن قال : قال المفضل : ثمّ ماذا يعمل المهديّ : يا سيّدي؟ قال عليه السلام يثوِّر سراياه إلى السفيانيّ : إلى دمشق ، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ، ثمّ يظهر الحسين بن علي عليهما السلام : في اثني عشر ألف صدِّيق واثنين وسبعين رجلاً من الَّذين قتلوا معه يوم عاشوراء ، فيا لك عندها من كرّة زهراء ، ورجعة بيضاء!.

ثمّ يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وتنصب له القبّة البيضاء على النجف ، وتقام أركانها : ركن بالنجف ، وركن بهَجَر ، وركن بصنعاء اليمن ، وركن بأرض طيبة ، لكأنّي (5) أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوإ من الشمس والقمر ، فعندها تُبلى السرائر و ( تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها ، وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (6).

ثمّ يظهر السيّد الأكبر الأجلُّ محمَّد صلى الله عليه وآله : في أنصاره والمهاجرين إليه ومن آمن به وصدَّقه واستشهد معه ، ويحضر مكذِّبوه والشاكُّون فيه والرادُّون عليه (7) ، والقائلون : إنه ساحر أو كاهن أو مجنون ومعلّم أو (8) شاعر وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله ؛ حتّى يقتصَّ منهم بالحقِّ ،

ص: 101


1- قوله : « إماماً إماماً » ، ليس في المصدر.
2- في المصدر : « وليقتص ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « المطالب ».
4- في المصدر : « ربهما » بدل : « الله ».
5- في المصدر : « فكأني ».
6- الحجّ : 2.
7- في المصدر : « والمكفّرون » ، بدل : « والرادّون عليه ».
8- في المصدر كلّ ذلك بالعطف بالواو بدل : « أو ».

ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر إلى وقت ظهور المهدي عليه السلام : مع إمام إمام ، ووقت وقت (1) ، ويحقُّ تأويل هذه الآية ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2).

قال المفضّل : يا سيّدي ومن فرعون : وهامان :؟ قال عليه السلام : أبو بكر : وعمر. قال المفضّل : قلت : يا سيّدي ، ورسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين عليه السلام : يكونان معه؟ فقال : لا بدّ أن يطآ (3) الأرض ، [ حتّى ما وراء القاف (4) إي والله ، وما في الظلمات وما في قعر البحار ، حتّى لا يبقى موضع قدم إلّا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى.

ثم لكأني أنظر إلينا معاشر الأئمّة ونحن بين يدي جدِّنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، نشكو إليه ما نزل بنا من الأُمَّة بعده من التكذيب ، والردِّ علينا ، وسبِّنا ولعننا ، وتخويفنا (5) بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لأُمورهم إيّانا من دون الأُمَّة ، بترحيلنا عن حرمة إلى دار ملكهم ، وقتلهم إيّانا بالقتل والحبس (6) ، فيبكي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويقول : يا بَنيَّ ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدِّكم قبلكم (7).

ثمّ تبتدئ فاطمة عليها السلام : وتشكو ما نالها من أبي بكر : وعمر (8) : وأخذ فدك ، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما ردّ عليها من قوله : إن الأنبياء لا تورّث ، واحتجاجها بقول زكريّا : ويحيى : عليهما السلام ، وقصّة داود : وسليمان : عليهما السلام ، وقول صاحبه : هاتِ صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك ، وإخراجهما الصحيفة ، وأخذهما إيّاها منها ، ونشرها على

ص: 102


1- في المصدر : « إماماً إماماً ، ووقتاً وقتاً » بدل : « مع إمامٍ .. وقت ».
2- القصص : 5 - 6.
3- من المصدر ، وفي المخطوط بياض.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : « إي والله حتّى ما » ، وما بعدها كلمة غير مقروءة. ]
5- في المصدر : « وإرهاقنا ».
6- قوله : « بترحيلنا عن حرمه .. والحبس » ليس في المصدر.
7- ليست في المصدر وورد مكانها : « ولو علمت طواغيتهم أن نحن والمهدي عليه السلام والإيمان والوصيَّة والولاية في غيركم لظنّوا ».
8- في المصدر : « ما نالها من عمر ، وما نالها من أبي بكر ».

رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب ، وتفله فيها وعزله لها وتمزيقه إيّاها ، وبكاءها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله : باكية حزينة ، تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتمثُّلها فيه بقول رقيَّة بنت صفيّة :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلَها *** واختلَّ أهلك فاشهدهم فقد لعبوا (2)

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت وحالت دونك (3) الحجب

وكلّ (4) قوم لهم قربى ومنزلة *** عند الإله على الأقصين (5) يقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا (6) *** أملوا أُناس ففازوا (7) بالذي طلبوا

وتقصُّ عليه قصَّة أبي بكر : وإنفاذه خالد بن الوليد : وقنفذاً : وعمر بن الخطاب (8) : وجمعاً لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام : من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة ، واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام : بنساء رسول الله صلى الله عليه وآله (9) ، وجمع القرآن وقضاء دَينه (10) وإنجاز عِداته ، وهي ثمانون ألف درهم (11).

وجمعهم الحطب الجزل على الباب لإحراق أمير المؤمنين : وفاطمة : والحسن : والحسين : وزينب : وامّ كلثوم : عليهم السلام.

وقصّة إضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة : عليها السلام إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب ، وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه ،

ص: 103


1- الهنبثة : الداهية ، والأمر الشديد. لسان العرب 15 : 144 هنبث.
2- في المصدر : « واختلَّ قومك فاشهدهم ولا تغب ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « دينك ».
4- في المصدر : « لكلّ ».
5- في المصدر : « الأدنين ».
6- في المصدر : « يأخذنا ».
7- في المصدر : « وفازوا ».
8- في المصدر : « خالداً وقنفذاً ، وعمر ».
9- في المصدر : « واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وضمّ أزواجه وتعزيتهم ».
10- في المصدر : « ديونه ».
11- إلى هنا ما في مختصر بصائر الدرجات : 178 - 179.

وتطفئ نور الله ، والله متمّ نوره؟ وانتهاره لها وقوله لها : كفّي يا فاطمة ، فليس محمَّد : حاضراً ، ولا الملائكة تأتيه بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليٌّ : إلّا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر : أو إحراقكم جميعاً. فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فَقْدَ نبيِّك ورسولك وصفيِّك ، وارتداد أُمَّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقَّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل. فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة : حماقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة.

و [ أخذ (1) ] النار في خشب الباب ، ومدَّ قنفذ : يده يروم فتح الباب ، وضرْب عمر : لها بالسوط على عضدها حتّى صار كالدُّملج الأسود (2) ، وركل الباب برجله حتّى أصاب الباب بطنها وهي حامل بالمحسن : لستَّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر : وقنفذ : وخالد بن الوليد ، وسفقه (3) خدَّها حتّى بدا قرطُها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وأم رسول الله ، ابنتك تكذّب وتضرب ، ويُقتل جنينٌ في بطنها.

وخروج أمير المؤمنين عليه السلام : من داخل الدار محمرَّ العين حاسراً ، حتّى ألقى ملاءته عليها ، وضمّها إلى صدره ، وقال لها : يا ابنة رسول الله ، قد علمت أن الله بعث أباك رحمة للعالمين ، فبالله لا تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا [ يُبقي (4) ] الله على الأرض من يشهد أن محمّداً : م رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا موسى : ولا عيسى : ولا إبراهيم : ولام نوحاً : ولا آدم ، ولا دابَّة على الأرض ولا طائراً في السماء إلّا أهلكه الله.

ثمّ قال : يا ابن الخطاب ، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اخرج قبل أن أُشهر سيفي فأفني غابر الأُمَّة. فخرج عمر : وخالد بن الوليد : وقنفذ : وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فصاروا من خارج الدار ، وصاح أمير المؤمنين عليه السلام : م بفضة : يا فضة ، إليك مولاتك فأقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة و [ ردّ (5) ] الباب فأسقطت محسناً ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنه

ص: 104


1- من الهداية ، وفي المخطوط : « أخذت ».
2- الدُّملُج : المعضد. مختار الصحاح : 211 دملج.
3- السفْقُ : لغة في الصفق. لسان العرب 6 : 284 سفق.
4- من الهداية ، وفي المخطوط : « أبقى ».
5- من بحار الأنوار ، وفي المخطوط : « ردّه ».

لاحق بجدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : فيشكو إليه.

وحمل أمير المؤمنين : عليه السلام لها في سواد الليل والحسن : والحسين : وزينب : وامّ كلثوم : إلى دور المهاجرين والأنصار ، يذكِّرهم بالله وبرسوله وعهده الّذي بايعوا الله ورسوله صلى الله عليه وآله عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها ، وكلٌّ يعده بالنصرة في يومه المقبل ، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه المحن السبعة التي امتُحن بها بعده ، وقوله : لقد كانت قصّتي مثل قصّة هارون : مع بني إسرائيل ، وقولي كقوله لموسى : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (1) الآية فصبرت محتسباً وسلَّمت راضياً ، وكانت الحجَّة عليهم في خلافي ، ونقضهم عهدي الذي عاهدهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، واحتملت يا رسول الله : ما لم يحتمله وصيُّ نبيٍّ من سائر الأنبياء من سائر الأُمم ، حتّى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم ، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.

وخروج طلحة : والزبير : م بعائشة : إلى مكّة يظهران الحجّ والعمرة ، وسيرهم بها إلى البصرة ، وخروجي لهم وتذكيري لهم الله وإيّاك فيما جئت به يا رسول الله ، فلم يرجعا حتّى نصرني الله عليهما ، أهرقت دماء عشرين ألفاً من المسلمين ، وقطعت سبعين كفّاً على زمام الجمل ، فما لقيت في غزواتك وبعدك أصعب منه يوماً أبداً. لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها ، فصبرت كما أدَّبني بما أدَّبك به يا رسول الله : في قوله عزوجل ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) (2) ، وقوله ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلّا بِاللهِ ) (3) الخبر.

إلى أن قال يا مفضّل ، ويقوم الحسن عليه السلام : إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام : في دار هجرته بالكوفة حتّى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم ، فوصّاني بما وصيّته يا جدّاه. وبلغ معاوية : قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زياداً إلى الكوفة في مائة ألف

ص: 105


1- الأعراف : 150.
2- الأحقاف : 35.
3- النحل : 127.

وخمسين ألف مقاتل ، فأمر بالقبض عليَّ وعلى أخي الحسين : وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا ، وأن يأخذ البيعة علينا لمعاوية ، فمن أبى ضُربت عنقه ، وسيِّر إلى معاوية رأسه. فلمّا علمت ذلك من معاوية خرجت من حيني إلى جامع [ الكوفة للصلاة (1) ] ورقأت المنبر واجتمع الناس ، فحمدت الله وأثنيت عليه.

وساق خطبة بليغة جدّاً أمر فيها أهل الكوفة ونهى ، وذكر فيها حالهم معه وخذلانهم إيّاه ونصرتهم لعدوّه غير عشرين رجلاً ، وما جرى عليه من عدوّه.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : ثمّ يقوم الحسين عليه السلام : مخضّباً بدمائه هو وجميع من قتل معه ، فإذا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله : بكى بكاءً شديداً ، وبكى أهل السماوات والأرضين لبكائه ، وتصرخ فاطمة : صلوات الله عليها فتزلزل الأرض ومن عليها. ويقف أمير المؤمنين : والحسن : عن يمينه وفاطمة : عن شماله ، ويقبل الحسين عليه السلام : فيضمّه رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى صدره ، ويقول : يا حسين ، قَرّت عيناك وعيناي فيك.

وعن يمين الحسين : حمزة : أسد الله في أرضه وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار ، ويأتي محسن : تحمله خديجة بنت خويلد : وفاطمة بنت أسد : أم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهنَّ صارخات ، وفاطمة : امُّه تقول ( هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) (2) ، ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) (3).

قال : فبكى الصادق عليه السلام : حتّى خضبت لحيته بالدموع ، ثمّ قال : لا بكت عين لا تبكي عند هذا الذكر.

وبكى المفضّل : طويلاً ، الخبر.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، ثمّ ماذا؟ قال الصادق عليه السلام : تقوم فاطمة : بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقول : اللهمَّ أنجز وعدك لي ممَّن ظلمني وغصبني وضربني وفجعني بكلِّ أولادي.

ص: 106


1- من المصدر ، وفي المخطوط : « الصلاة بالكوفة ».
2- الأنبياء : 103.
3- آل عمران : 30.

فتبكيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكّان الهواء ومن في الدنيا ومن تحت أطباق الثرى ، صائحين صارخين إلى الله ، فلا يبقى أحد ممّن قتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلّا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة الخبر.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، فإن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم. فقال الصادق عليه السلام : أما سمعوا قول جدِّنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونحن سائر الأئمّة نقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1).

قال المفضّل : يا مولاي ، فما العذاب الأدنى ، وما العذاب الأكبر؟ قال الصادق عليه السلام : العذاب الأدنى : عذاب الرجعة ، والعذاب الأكبر : عذاب يوم القيامة الذي فيه تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات ، وبرزوا لله الواحد القهار الخبر.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : أحسنت يا مفضَّل ، فمن أين قلت برجعتنا ، ومقصِّرة شيعتنا تقول : معنى الرجعة : أن يردَّ الله إلينا ملك الدنيا ، وأن يجعله للمهديِّ عليه السلام ، ويحهم متى سلبنا الملك حتّى يردّ علينا؟.

قال المفضّل : لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه ؛ لأنه ملك النبوّة والرسالة والوصيّة والإمامة.

قال الصادق عليه السلام يا مفضّل : لو تدبّر القرآنَ شيعتُنا لما شكّوا في فضلنا ، أما سمعوا قول الله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2)؟ والله يا مفضّل ، إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل ، وتأويلها فينا ، وإن فرعون وهامان : وجنودهما تيم : وعدي : الخبر.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : ثمّ يقوم جدِّي علي بن الحسين : وأبي الباقر : عليهما السلام فيشكوان إلى جدِّهما رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فُعل بهما. ثمّ أقوم أنا فأشكو إلى جدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله : فعل المنصور : بي ، ثم يقوم ابني موسى : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به الرشيد ، ثمّ يقوم علي بن

ص: 107


1- السجدة : 21.
2- القصص : 5 - 6.

موسى : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعله به المأمون ، ثمّ يقوم محمَّد بن علي : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المتوكّل ، ثمّ يقوم علي بن محمّد : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المستعين ، ثمّ يقوم الحسن : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المعتزّ ، ثمّ يقوم المهديّ : سَمِيُّ جدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعليه قميص رسول الله صلى الله عليه وآله : مضرَّجاً بدم رسول الله صلى الله عليه وآله : يوم شُجَّ جبينُه وكسرت رباعيَّته ، والملائكة تحفُّه حتّى يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : يا جدّاه الخبر.

وساق الشكاية ممّا ناله من الأذى والجحود له وغير ذلك.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، فقوله ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (1) ، ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله : ظهر على الدين كلّه؟ [ قال يا مفضَّل : لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله : ظهر على الدين كلِّه (2) ] ما كان مجوسيَّة ولا يهوديَّة ولا صابئة ولا نصرانيَّة ، ولا فرقة ، ولا خلاف ولا شكَّ ولا شرك ، ولا عبدت أصنام ولا أوثان ولا اللات والعزّى ، ولا عبدت الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا الحجارة ، وإنما قوله ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) في هذا اليوم ، وهذا المهديُّ ، وهذه الرجعة وهو قوله ( وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ ) (3) الخبر (4).

وهو طويل جدّاً ، أخذنا منه مواضع الدلالة على ثبوت رجعة أهل البيت ، صلوات الله وسلامه عليهم.

وقد وقفت عليه في أصل هداية الحضينيّ : هكذا : قال الحسين بن حمدان : حدّثني محمّد بن إسماعيل : وعليّ بن عبد الله الحسنيّان : عن أبي شعيب محمّد بن نصر : عن

ص: 108


1- التوبة : 33.
2- من بحار الأنوار ، وفي الهداية : « يا مفضّل ، ظهر عليه علماً ، ولم يظهر علمه عليه. ولو كان ظهر عليه ، ما كانت مجوسيّة .. ». والعبارة ليست في المخطوط.
3- الأنفال : 39.
4- بحار الأنوار : 53 : 1 - 34 ، باختلاف في كثير من ألفاظه.

عمر بن الفرات : عن محمّد بن الفضل : عن المفضّل بن عمر ، وساق الحديث بتمامه (1).

وأكثر ما ذكرته أخذته من كتاب الحضينيّ : نفسه ؛ لأنه ليس عندي حال الكتابة غيبة الشيخ حسن بن سليمان الحلّي ، وإنما عندي منه قطع منقولة باختصار.

ومن هداية الحضيني : أيضاً بسنده عن سلمان الفارسي رضى الله عنه : عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما نظر إليّ قال يا سلمان ، إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلّا جعل له اثني عشر نقيباً.

قال : قلت : يا رسول الله ، قد عرفت ذلك من أهل الكتابين : التوراة والإنجيل.

قال يا سلمان ، فهل عرفت من نقبائي ، ومن الاثنا عشر الَّذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟.

فقلت : الله ورسوله أعلم.

فقال صلى الله عليه وآله يا سلمان ، خلقني الله من صفوة نوره فدعاني فأطعت ، وخلق من نوري عليّاً : فدعاه فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي : م فاطمة : فدعاها فأطاعته ، وخلق منِّي ومن عليٍّ : وفاطمة : م الحسن : والحسين : فدعاهما فأطاعاه ، فسمّانا أسماء من أسمائه ، الله المحمود وأنا محمَّد ، والله العليُّ وهذا عليٌّ ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين ، ثمّ خلق منّا من صلب الحسين : تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه ، قبل أن يخلق الله سماء مبنيَّة ، ولا أرضاً مدحيَّة ، ولا هواء ، ولا ماء ، ولا مكاناً ، ولا بشراً. وكنّا بعلمه نوراً نسبِّحه ونسمع ونطيع الخبر.

إلى أن قال سلمان : قلت : يا رسول الله ، فأنّى لي بهم قد عرفت إلى الحسين عليه السلام :؟ قال صلى الله عليه وآله ثمَّ سيِّد العابدين : ابنه عليُّ بن الحسين ، ثمّ محمَّد بن عليٍّ : م باقر علم الأوَّلين والآخرين : من النبيِّين والمرسلين ، ثمّ جعفر بن محمَّد : لسان الله الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم : غيظه صبراً في الله عزوجل ، ثمّ عليُّ بن موسى : م الرضا : لأمر الله ، ثمّ محمَّد بن عليِّ : المختار

ص: 109


1- الهداية الكبرى : 392 - 437. باختلاف في كثير من ألفاظه.

من خلق الله ، ثمّ عليُّ بن محمّد الهادي : إلى الله ، ثمّ الحسن بن عليٍّ : الصامت الأمين على سرِّ الله ، ثمّ محمَّد بن الحسن المهديُّ : م القائم : الناطق بأمر الله.

قال سلمان : فبكيت ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، فأنّى لسلمان : بإدراكه؟ قال صلى الله عليه وآله يا سلمان ، إنك تدركه وأمثالك ومن تولّاهم بحقيقة المعرفة.

قال سلمان : يا رسول الله ، أأُؤجّل إلى عهده؟ قال يا سلمان ، اقرأ ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) (1).

قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، بعهد منك؟ فقال صلى الله عليه وآله أي والَّذي أرسل محمّداً ، إنه لعهد منِّي ومن عليٍّ : وفاطمة : والحسن : والحسين : والتسعة الأئمّة ، وكلّ من هو منّا ومظلوم فينا ، إي والله يا سلمان ، ثمّ ليحضرنّ إبليس : وجنوده ، وكلُّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً حتّى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث ، ولا يظلم ربُّك أحداً ، ويحقُّ تأويل ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2) (3) الخبر.

قلت : وروى هذا الخبر في ( البحار ) (4) نقلاً من كتاب السيّد حسن بن كبش ، ممّا أخذه من ( المقتضب ) مسنداً عن سلمان الفارسيّ رحمه الله.

ورواه أيضاً صاحب ( تحفة الإخوان ).

ومنها : ما رواه الشيخ المفيد : في إرشاده عن مسعدة بن صدقة : قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمَّد عليهما السلام : يقول خطب أمير المؤمنين عليه السلام : بالكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ

ص: 110


1- الإسراء : 5 - 6.
2- القصص : 5 - 6.
3- الهداية الكبرى : 375 - 376 ، بتفاوت.
4- بحار الأنوار 25 : 6 / 9 ، 53 : 142 / 162.

قال : أنا سيِّد الشيب ، وفيَّ سُنَّة من أيّوب ، وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب : شمله (1) ، وذلك إذا استدار الفلك ، وقلتم : ضلَّ أو هلك ، ألا فاستشعروا قبلها الصبر ، وبوءوا (2) إلى الله بالذنب ، فقد نبذتم قدسكم ، وأطفأتم مصابيحكم ، وقلَّدتم هدايتكم من لا يملك لنفسه ولا لكم سمعاً ولا بصراً ، ضعف والله الطالب والمطلوب (3) الخبر.

ومنها : ما رواه الشيخ المفيد : في إرشاده قال : روى عبد الكريم الجعفي (4) : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم عليه السلام :؟ قال سبع سنين ، تطول أيّامها ولياليها (5) حتّى تكون السنة من سنيِّه مقدار عشر سنين من سنيِّكم ، فتكون سنوّ ملكه سبعين سنة من سنيِّكم هذه. وإذا آن قيامه مَطُر الناس [ جمادى الآخرة (6) ] ، وعشرة أيّام من رجب مطراً لم ترَ الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة : ينفضون شعورهم من التراب (7).

ومنها : ما رواه المجلسيّ : في ( البحار ) من ( إكمال الدين ) (8) بسنده إلى عمر بن ثابت : عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سمعته يقول لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذَّبهم الله بأشدِّ عذابه. إن الله تبارك وتعالى جعلنا حجَّة في أرضه ، وأماناً في الأرض لأهل الأرض ، لن يزالوا في أمان الله (9) من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم ، فإذا أراد الله أن يهلكهم ولا (10) يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بين أظهرهم (11) ورفعنا [ إليه (12) ] ، ثمّ

ص: 111


1- ليست في المصدر.
2- في المصدر : « وتوبوا » ، لكن ورد في هامشه إشارة إلى أن في نسخة منه : « بوءوا » ، وكذا في هامش أُخرى.
3- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 1 : 290.
4- في المصدر : ( الخثعميّ ).
5- في المصدر : ( الأيّام والليالي ).
6- في المخطوط : ( جميدي ).
7- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 381.
8- كمال الدين 1 : 204 / 14.
9- ليست في المصدر.
10- في كمال الدين : « ثم لا ».
11- في المصدر : « من بينهم ».
12- من كمال الدين وفي المخطوط : « ورفعنا الله ».

يفعل الله ما يشاء وأحبّ (1) (2).

ومنه بسنده إلى عبد الله بن سليمان العامريّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجَّة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله جلَّ وعزَّ. ولا ينقطع الحجَّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة. فإذا رفعت الحجّة أُغلق باب التوبة ، ولا (3) ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجَّة ، أُولئك شرار خلق الله (4) ، وهم الَّذين تقوم عليهم القيامة (5).

ومن ( المحاسن ) (6) مثله.

وعن محمّد بن يعقوب (7) : عن محمّد بن عبد الله : ومحمّد بن يحيى : جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميريّ : قال : قلت لأبي عمر العمريّ : إني أُريد أن أسألك عن شي ء وما أنا بشاكّ فيما أُريد أن أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجّة إلّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة وأُغُلق باب التوبة ، فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، فأُولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة (8).

أقول : الأخبار بأن الحجّة يُرفع قبل القيامة بأربعين يوماً كثيرة ، لا نطوّل بتتبعها. فإذا ضممتها إلى ما دلّ على أن القائم : عجّل الله فرجه يُقتل ويموت ، وإلى ما دلّ على أن ملكه سبع سنين (9) أو تسع عشرة سنة أو ثلاثمائة وتسع عشرة سنة (10) -

ص: 112


1- في كمال الدين : « ما شاء ».
2- بحار الأنوار 23 : 37 / 64.
3- في كمال الدين « ولن » ، وفي المحاسن : « ولم ».
4- في المحاسن : « شرار من خلق الله ».
5- كمال الدين 1 : 229 / 24.
6- المحاسن 1 : 368 / 802.
7- الكافي 1 : 329 - 330 / 1.
8- بحار الأنوار 51 : 347 - 348.
9- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 381 ، الغيبة ( الطوسي ) : 474 / 497 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 432 ، بحار الأنوار 52 : 291 / 35 ، 337 / 77 ، 386 / 202.
10- الغيبة ( النعماني ) : 331 - 332 / 3 ، مختصر بصائر الدرجات : 214 ، بحار الأنوار 52 : 298 - 299 / 59 - 62.

وهي أكثر ما وقفت عليه في سنيّ ملكه وجدتها دالّة ناطقة بلسان فصيح برجعة أهل البيت ، وإلّا لزم ؛ إمّا خلوّ الأرض من حجّة منهم ، أو أن القيامة بعد قيام القائم بأربعين سنة ، بعد ما ذكر من مدّة ملكه ، وأنه يرفع ، لا يموت ولا يقتل ، فيلزم طرح الآيات والروايات المستفيضة بأن كلّ مؤمن له قتلة وموتة (1) ، بل الضرورة الحاكمة بما صرّح به في الكتاب من أن ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (2). فإمّا أن نقول بالرجعة أو نطرح تلك الأدلّة الصريحة عقلاً ونقلاً ، أو نقول بالمحال ، فتفطّن. والإشارة تكفي الحرّ ، والاستعجال صدّ عن زيادة البيان.

ومنها : ما رواه في ( البحار ) أيضاً نقلاً من [ غيبة الشيخ (3) (4) ] بسنده إلى الحسن بن عليّ الخزّاز : قال : دخل عليّ بن أبي حمزة : على أبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقال له : أنت إمام؟ قال نعم.

فقال له : إني سمعت جدّك جعفر بن محمّد : صلّى الله عليه يقول لا يكون الإمام إلّا وله عقب.

فقال عليه السلام أنسيت يا شيخ ، أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر ، إنما قال جعفر : لا يكون الإمام إلّا وله عقب إلّا الإمام الَّذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام ، فإنه لا عقب له.

فقال له : صدقت جعلت فداك (5).

ومنها : ما في ( البحار ) نقلاً من كتاب ( القائم ) للفضل بن شاذان : بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : قال قال (6) أمير المؤمنين عليه السلام : على منبر الكوفة : والله إني لديّان الناس يوم الدين ، وقسيم الله بين الجنّة والنار لا يدخلهما داخل إلّا على أحد قِسميّ ، وأنا الفاروق الأكبر ، وقرن من حديد ، وباب الإيمان ، وصاحب المِيسَمِ ، وصاحب السنين ، وأنا صاحب النشر الأوَّل والنشر الآخر ،

ص: 113


1- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 55 و 65 / 58 و 66 / 59.
2- آل عمران : 185.
3- في المخطوط : ( روضة الواعظين ) ، وإنما أثبتنا الرواية عن ( الغيبة ) لأن صاحب بحار الأنوار ينقلها عن الغيبة ، فضلاً عن أنها لم تكن موجودة في ( الروضة ).
4- الغيبة : 224 / 188 - 7.
5- بحار الأنوار 25 : 251 / 5 ، 52 : 75 / 77.
6- في المخطوط بعدها : « لي ».

وصاحب القضاء ، وصاحب الكرّات ، ودولة الدول ، وأنا إمام لمن بعدي ، والمؤدِّي عمَّن كان قبلي ، ما يتقدَّمني إلّا أحمد صلى الله عليه وآله ، وإن جميع الملائكة والرسل والروح خلفنا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله : ليُدعى فينطق وأُدعى فأنطق على حدِّ منطقه (1) الخبر.

ومنها : ما في ( البحار ) (2) أيضاً بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام ، وقد تلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني : رسول الله صلى الله عليه وآله ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (3) يعني : وصيَّه أمير المؤمنين عليه السلام.

ومنها : ما في ( الصافي ) نقلاً من ( القمّيّ ) (4) ، و ( العيّاشيّ ) (5) عن الصادق عليه السلام : ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم ... فهلمَّ جرّاً إلّا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله تعالى : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني : م رسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني : م أمير المؤمنين عليه السلام (6).

ومنه نقلاً من كتاب ( الواحدة ) عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرَّد في وحدانيّته ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثمّ خلق من ذلك النور محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلقني وذرّيّتي ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت روحاً ، فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا ؛ فنحن روح الله وكلماته ، وبنا (7) احتجَّ الله على خلقه ، فما زلنا في ظلَّة خضراء ، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف ، نعبده ونقدِّسه ونسبِّحه ، وذلك قبل أن يخلق خلقه (8) ، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة (9) ، وذلك قوله عزوجل( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (10) يعني : لتؤمننّ بمحمَّد صلى الله عليه وآله : ولتنصرن وصيّه وسينصرونه جميعاً.

وإن الله عزوجل أخذ ميثاقي مع ميثاق محمَّد صلى الله عليه وآله : بنصرة بعضنا لبعض ، فقد نصرت

ص: 114


1- بحار الأنوار 26 : 153 و 154 / 42.
2- بحار الأنوار 26 : 297 / 63.
3- آل عمران : 81.
4- تفسير القمِّيّ 1 : 134.
5- تفسير العيّاشيّ 1 : 204 و 205 / 76.
6- التفسير الصافي 1 : 351.
7- في المصدر : « فبنا ».
8- في المصدر : « الخلق ».
9- في المصدر بعدها : « لنا ».
10- آل عمران: 81.

محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوَّه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمَّد صلى الله عليه وآله ، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله ؛ وذلك لمّا قبضهم الله إليه ، وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، وليبعثهم (1) الله أحياء من آدم عليه السلام : إلى محمَّد صلى الله عليه وآله : كلَّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً.

فيا عجباه ، وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياءَ يلبّون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله. قد أطلّوا بسكاك (2) الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم ، وأتباعهم من جبابرة الأوَّلين والآخرين ، حتّى ينجز الله وعدهم (3) الخبر ، كما نقلناه من كتاب ( الرجعة ) للشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ : بتمامه.

ومنها : ما في ( الصافي ) نقلاً من ( الكافي ) (4) ، و ( العيّاشيّ ) (5) عن الصادق عليه السلام : أنه فسّر ( الإفسادين ) في الآية (6) بقتل عليّ بن أبي طالب : وطعن الحسن عليهما السلام. و ( العلوّ الكبير ) بقتل الحسين عليه السلام ، و ( اولي البأس ) ب- قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام ، فلا يدعون [ واتراً (7) ] لآل محمَّد : إلّا قتلوه. و ( وعد الله ) ب- خروج القائم عليه السلام : وردّ الكرّة عليهم ب- خروج الحسين عليه السلام : في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّبة حين كان م الحجَّة : م القائم عليه السلام : بين أظهرهم.

قال (8) : وزاد العيّاشيّ ثمّ يملكهم الحسين عليه السلام : حتّى يقع حاجباه على عينيه (9).

ومن ( العيّاشيّ ) عنه عليه السلام أوّل من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام : ويزيد بن معاوية : وأصحابه ، فيقتلهم حذو القذَّة بالقذّة ثمّ تلا هذه الآية - : ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) (10) (11).

ص: 115


1- في المصدر : « وليبعثنهم ».
2- في المصدر : « بسكك ».
3- مختصر بصائر الدرجارت : 32 - 34 ، باختلاف.
4- الكافي 8 : 175 / 250.
5- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
6- الإسراء : 4 - 5.
7- من المصدر ، وفي المخطوط : « وتر ».
8- أي صاحب ( الصافي ).
9- التفسير الصافي 3 : 179.
10- الإسراء : 6.
11- تفسير العيّاشيّ 2 : 305 / 23.

ومن ( القمّيّ ) في قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ : فِي الْكِتابِ ) (1) ، أي أعلمناهم. ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب الله امَّة محمَّد صلى الله عليه وآله ، فقال ( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) ، يعني : فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهما العهد ، ( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ) ، يعني : ما ادّعوه من الخلافة.

( فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ) ، يعني : يوم الجمل ، ( بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) ، يعني : م أمير المؤمنين : صلوات الله عليه وأصحابه ، ( فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) ، أي طلبوكم وقتلوكم ، ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) ، يعني : يتمّ ويكون.

( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) ، يعني : م لبني أُميَّة : على آل محمّد : صلى الله عليهم ، ( وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) من الحسن : والحسين : ابني علي : صلوات الله عليهم وأصحابهما ، فقتلوا الحسين بن علي : عليهما السلام وسبوا نساء آل محمَّد صلى الله عليه وآله.

( فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ) ، يعني : م القائم عليه السلام : وأصحابه ، ( لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ) يعني : يسوِّدون وجوههم ، ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ، يعني : م رسول الله : وأصحابه وأمير المؤمنين ، ( وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً ) ، يعني : يعلون عليكم فيقتلونكم.

ثمّ عطف على آل محمَّد : صلوات الله عليهم فقال ( عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ) ، أي ينصركم على عدوِّكم. ثمّ خاطب بني أُميَّة ، فقال ( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ) ، يعني : إنْ عدتم بالسفيانيّ : عدنا بالقائم : من آل محمّد ، صلّى الله عليهم (2) الخبر ، وقد ذكر.

ومنه : عن ( الغيبة ) عن أمير المؤمنين عليه السلام : م آل محمّد : يبعث الله مهديَّهم بعد جهدهم ، فيعزُّهم ويذلُّ أعداءهم (3).

وفي ( نهج البلاغة ) قال عليه السلام لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا - ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

ص: 116


1- الإسراء : 4 - 8.
2- تفسير القمّيّ 2 : 13 - 14.
3- الغيبة ( الطوسي ) 184 / 143 ، وفيه : « عدوَّهم ».

وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (1) (2).

فهذان الخبران عبّر فيهما بالجمع ، والأصل الحقيقة ، فلا بدّ أن ينال كلّ واحد منهم ما ذكر حقيقة. والله أكرم من أن يبعث أحداً منهم يوم القيامة بغيظه لم ينتصر من عدوّه ، ولم تظهر له في الدنيا دولة عزّ يعبد الله فيها جهراً ، كما عبده سرّاً ؛ لما فيه من شائبة نقص ؛ لعدم استكمال جميع رتب الكمال ، وهم أكرم على الله من ذلك.

ومنها : ما في ( الكافي ) أن أبا جعفر عليه السلام : نظر إلى أبي عبد الله عليه السلام : يمشي ، فقال أترى (3) هذا؟ هذا من الذين قال الله عزوجل ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (4) (5).

ومن ( المعاني ) عن الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : نظر إلى علي : والحسن : والحسين : عليهما السلام فبكى ، وقال : أنتم المستضعفون بعدي.

فقيل للصادق عليه السلام : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله :؟ فقال معناه أنكم الأئمَّة بعدي ، إن الله عزوجل يقول ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) .

ثمّ قال : فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة (6).

وفي ( المجالس ) عنه عليه السلام أنه قال في هذه الآية هي لنا وفينا (7).

وقال القمّيّ : أخبر الله نبيّه صلى الله عليه وآله بما لقي موسى عليه السلام : وأصحابه من فرعون : من القتل والظلم ، ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته صلّى الله عليه وعليهم من أُمّته ، ثمّ بشّره بعد تعزيته بأنه يتفضّل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمّة على أُمّته ، وبردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم ، فقال ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (8). قال : وقوله :

ص: 117


1- القصص : 5.
2- نهج البلاغة : 697 / الحكمة : 209.
3- في المصدر : « ترى ».
4- القصص : 5.
5- الكافي 1 : 306 / 1.
6- معاني الأخبار : 79 / 1.
7- الأمالي ( الصدوق ) : 87 / 26 ، وفيه : « أوفينا ».
8- القصص : 5.

( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما ) يعني : الّذين غصبوا آل محمَّد صلى الله عليه وآله : حقّهم ، وقوله ( مِنْهُمْ ) أي من آل محمّد : صلّى الله عليه وعليهم ( ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (1) من القتل والعذاب.

قال : ولو كانت هذه الآية في موسى عليه السلام : وفرعون ، لقال : ونري فرعون : وهامان : وجنودهما منه ، أي من موسى ، ولم يقل : منهم (2).

وهو رحمه الله لا يتكلّم في هذا الكتاب إلّا بما يأخذه من الأخبار.

وفي ( الجوامع ) عن السجّاد عليه السلام : والذي بعث محمَّداً صلى الله عليه وآله : بالحقِّ بشيراً ونذيراً ، إن الأبرار منّا أهل البيت : وشيعتهم بمنزلة موسى : وشيعته ، وإن عدوَّنا وأشياعهم بمنزلة فرعون : وأشياعه (3).

ومنها : ما رواه صاحب ( تحفة الإخوان ) عن أبي جعفر عليه السلام : في تفسير قوله عزّ اسمه ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) (4) أنه قال [ في ] معنى قوله تعالى : ( عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) هم آل محمَّد ، صلوات الله عليه وعليهم (5).

قال : وروى الخاصّ (6) والعامّ (7) عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال :

« لكلِّ أُناس دولة يرقبونها *** ودولتنا في آخر الدهر تظهر »

ومنها : روى الشيخ محمّد بن يعقوب : عن الحسن بن شاذان الواسطيّ : قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : أشكو جفاء أهل واسط ، وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني ، فوقّع بخطّه إن الله تعالى قد أخذ ميثاق أوليائه على الصبر في دولة الباطل ، ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) (8) ، ولو قد قام سيِّد الخلق لقالوا ( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) ،

ص: 118


1- القصص : 6.
2- تفسير القمّيّ 2 : 134.
3- مجمع البيان 7 : 311.
4- الأنبياء : 105.
5- تأويل الآيات الظاهرة : 346 ، كنز الدقائق 6 : 449.
6- الأمالي ( الصدوق ) : 396 ، وفيه : عن الصادق عليه السلام.
7- نقل الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب : 480 - 483 ، أحاديث بمعناه عن الرسول صلى الله عليه وآله.
8- القلم : 48 ، الإنسان : 24.

فتجيبهم الملائكة (1) ( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (2) (3).

ومنه نقلاً عن محمّد بن العباس : بسنده عن الجدليّ : قال : دخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام : يوماً ، فقال أنا دابَّة الأرض (4).

وبسنده عنه أيضاً قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال ألا أُحدِّثك؟ ثلاثاً. قلت : بلى. قال عليه السلام أنا عبد الله ، وأنا دابَّة الأرض ، ألا أُخبرك بأنف المهديّ : وعينه؟ قلت : بلى. قال : فضرب بيده على صدره ، فقال أنا (5).

ومنه بسنده عن الأصبغ : قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : وهو يأكل خبزاً وخلّاً وزيتاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما هذه الدابّة التي ذكرها الله في كتابه ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) (6) ، الآية؟ قال عليه السلام هي دابَّة تأكل خبزاً وخلّاً وزيتاً (7).

ومنه بسنده عن الأصبغ : أيضاً قال : قال لي معاوية : يا معشر الشيعة تزعمون أن عليّ بن أبي طالب : م دابّة الأرض :؟ قلت : نحن نقول ، واليهود يقولون أيضاً. فأرسل إلى رأس الجالوت ، فقال له : ويحك تجدون دابّة الأرض عندكم مكتوبة؟ قال : نعم. قال : فما هي؟ أتدري ما اسمها؟ قال : اسمها أليا. قال : فالتفت إليّ معاوية ، فقال : ويحك يا أصبغ : ما أقرب أليا : من [ عليّا (8) ]! (9).

ومنه قال : وقال عليّ بن إبراهيم : قد ورد في الخبر الصحيح أن هذه الدابّة عليّ ابن أبي طالب عليه السلام.

ص: 119


1- ليست في المصدر.
2- يس : 52.
3- الكافي 8 : 207 / 346.
4- مختصر بصائر الدرجات : 206 ، بحار الأنوار 39 : 243 / 32 ، وفيهما : « قال : دخلت على علي يوماً ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 207.
6- النمل : 82.
7- مختصر بصائر الدرجات : 208.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : ( علي ).
9- مختصر بصائر الدرجات : 208.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه انتهى إلى أمير المؤمنين عليه السلام : وهو راقد في المسجد ، فحرّكه رسول الله صلى الله عليه وآله : برجله ، فقال له قم يا دابّة الأرض. فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيُسمّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ قال لا والله ، ما هي إلّا لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام : خاصَّة ، وهو الدابة : التي ذكرها الله تعالى في كتابه ( أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً : مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) (1).

ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله تعالى في أحسن صورة ومعك مِيسَم ، فتسم به أعداءك (2).

فليس هذا الاسم إلّا لعليّ : خاصّة.

أقول : الأخبار بأن دابّة الأرض هو أمير المؤمنين عليه السلام : أكثر من أن أُحيط بها ، [ وأكثرها أو كلّها (3) ] دالّة على رجعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا قائل بخصوصه بذلك ، فهي دليل على رجعتهم عليهم سلام الله أجمع.

وقال علي بن إبراهيم : الزبور فيه ملاحم ، وتحميد ، وتمجيد ، ودعاء ، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين عليه السلام : والأئمّة صلى الله عليهم أجمعين من ذرّيّتهما ، وأخبار الرجعة ، وذكر القائم ، سلام الله عليه (4).

ومنها : ما في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد أُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإني لصاحب الكرّات ، ودولة الدول (5) الخبر.

وفي ( الصافي ) عن الصادق عليه السلام : ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً [ ومَنْ (6) ] محض الكفر محضاً (7).

قال في ( المجمع ) : وقد تظاهرت الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد : في أن الله

ص: 120


1- النمل : 82.
2- تفسير القمّي 2 : 131 ، مختصر بصائر الدرجات : 42 - 43.
3- في المخطوط : ( أو أكثرها وكلها ).
4- تفسير القمّي 2 : 77 ، 127 ، باختلاف.
5- الكافي 1 : 198 / 3.
6- من المصدر ، وفي المخطوط : « أو ».
7- التفسير الصافي 4 : 76.

تعالى سيعيد عند قيام المهديّ عليه السلام : قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته ؛ ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته. ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العقاب والقتل على أيدي شيعته ، أو الذلّ والخزي ممّا يشاهدون من علوّ كلمته. ولا يشكّ عاقل أن هذا مقدور لله غير مستحيل في نفسه ، وقد فعل الله ذلك في الأُمم الخالية ، وقد نطق القرآن بذلك في عدّة مواضع ، مثل قصّة عزير : وغيره. وصحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله : قوله

سيكون في أُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل : حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة (1) ، حتّى إن أحدهم لو دخل جحر ضبّ لدخلتموه (2).

قال الكاشانيّ : قد صنّف الحسن بن سليمان الحلّي : كتاباً في فضائل أهل البيت عليهم السلام : أورد فيه أخباراً كثيرة في إثبات الرجعة وتفاصيل أحوالها ، وذكر فيه أن الدابّة : م أمير المؤمنين عليه السلام : في أخبار كثيرة متوافقة المعاني ، ونقل أكثرها من كتاب سعد بن عبد الله : المسمّى ب- ( مختصر البصائر ) ، ولنورد هنا من كتابه حديثاً واحداً وهو ما رواه الأصبغ بن نباتة : أن عبد الله بن الكوّاء : قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إن أُناساً من أصحابك يزعمون أنهم يردّون بعد الموت؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ، تكلّم بما سمعت ولا تزد في الكلام ، فما [ قلت (3) ] لهم؟

قال : قلت : لا اومن بشي ء ممّا قلتم. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، إن الله ابتلى قوماً بما كان من ذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم الَّتي سمِّيت لهم ، ثمّ ردَّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم ، ثمّ أماتهم بعد ذلك.

قال : فكَبُر على ابن الكواء : ولم يهتدِ له ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك أتعلم أن الله عزوجل قال في كتابه ( وَاخْتارَ مُوسى : قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) (4) فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل : أن ربِّي قد كلَّمني ، فلو أنهم سلَّموا ذلك

ص: 121


1- القذّة : واحدة ريش السهم ، الصحاح 2 : 568 قذ. وهو مثل يضرب للمساواة بين شيئين ، كمساواة ريشة السهم المقطوعة لأُختها. مجمع الأمثال 1 : 347.
2- مجمع البيان 7 : 304.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « زدت ».
4- الأعراف : 155.

فصدَّقوا به لكان خيراً لهم ، ولكنَّهم قالوا لموسى : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) قال الله تعالى ( فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ ) ، يعني : الموت ( وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1) ، فترى يا بن الكوّاء : أن هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا؟.

فقال ابن الكوّاء : وما ذاك ، ثمّ أماتهم مكانهم؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، أوليس قد أخبرك في كتابه حيث يقول ( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (2)؟ فهذا بعد الموت ؛ إذ بعثهم. وأيضاً مثلهم يا ابن الكواء ، الملأ من بني إسرائيل : حيث يقول الله عزوجل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) (3) ، وقوله عزوجل في عزير : حيث أخبر الله عزوجل ، فقال ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ ) ، وأخذه بذلك الذنب ( مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ، وردَّه إلى الدنيا فقال ( كَمْ لَبِثْتَ ) ؟ فقال ( لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) ، فقال ( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ) (4) ، فلا [ تشكّنّ ] (5) يا بن الكوّاء : في قدرة الله عزوجل (6).

قلت : قد وقفت بحمد الله على هذا الخبر في كتاب الشيخ حسن بن سليمان : بنفسي ، لكنه لا يحضرني حال الكتابة.

وقال الكاشانيّ : أيضاً في تفسير قوله عزوجل ( قُلْ رَبِّ إِمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ) (7) : في ( المجمع ) (8) عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال في حجّة الوداع وهو يمشي لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم الله لئن

ص: 122


1- البقرة : 55 - 56.
2- البقرة : 57.
3- البقرة : 243.
4- البقرة : 259.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : « تشكّ ».
6- التفسير الصافي 4 : 76 - 77 ، مختصر بصائر الدرجات : 22 - 23.
7- المؤمنون : 93 - 94.
8- مجمع البيان 7 : 156.

فعلتموها لتلقونني في كتيبة يضاربونكم.

قال الراوي فغمز من خلفه منكبه الأيسر ، فالتفت ، فقال أَو عَلِيّ ، فنزلت.

ومن طريق الخاصّة ، ما رواه سعد بن عبد الله : في مختصر بصائره بإسناده عن جابر بن عبد الله : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وقد خطبنا يوم الفتح أيها الناس لأعرفنَّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ولئن فعلتم لأضربنَّكم بالسيف.

ثمّ التفت عن يمينه ، فقال الناس : غمزه جبرئيل عليه السلام ، فقال له أو علي. فقال صلى الله عليه وآله أوم علي (1). وفي رواية أبان بن تغلب : عن الصادق عليه السلام : قال فنزل عليه جبرئيل عليه السلام : فقال : قل يا محمّد : إن شاء الله ، أو يكون ذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أو يكون ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام : إن شاء الله. فقال له جبرئيل عليه السلام : واحدة لك واثنتان لعلي بن أبي طالب عليه السلام : وموعدكم السلام.

قال أبان : جعلت فداك ، وأين السلام؟ فقال يا أبان ، السلام من ظهر الكوفة (2).

أقول : وذلك إنما يكون في الرجعة (3).

وقال في قوله تعالى : ( وَإِنّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) (4) يعني : الرجعة ) (5) ، انتهى كلام الكاشانيّ.

وقال الشيخ قطب الدين الراونديّ : في ( الخرائج والجرائح ) : ( فصل في الرجعة. عن أبي سعيد سهل بن زياد : قال : حدّثنا الحسن بن محبوب : عن ابن فضيل : قال : حدّثنا سعد الحلّاب : عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين عليه السلام (6) : لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي (7) : يا بني ، إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى فيها النبيّون وأوصياء النبيِّين ، وهي أرض تدعى ب- ( عمورا ) ، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة

ص: 123


1- مختصر بصائر الدرجات : 21.
2- مختصر بصائر الدرجات : 19 - 20.
3- التفسير الصافي 3 : 408 - 409 ، وانظر شواهد التنزيل 1 : 404 ، باختلاف فيهما.
4- المؤمنون : 95.
5- التفسير الصافي 3 : 409.
6- في المصدر : « الحسين بن علي عليهما السلام ».
7- ليست في المصدر.

من أصحابك لا يجدون ألم مسِّ الحديد ، وتلا ( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً. فأبشروا ، فوالله لئن قتلونا فإنا نردُّ إلى نبيِّنا ، ثمَّ أمكث ما شاء الله فأكون أوَّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين عليه السلام : وقيام قائمنا عليه السلام.

ثمّ لينزلنّ علَيَّ وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلنّ إليّ جبرئيل : وميكائيل : وإسرافيل : وجنود من الملائكة ، ولينزلنَّ محمّد : وعلي : وأنا وأخي وجميع مَن منّ الله عليه في حمولات من حمولات الربِّ ، جِمَال من نور لم يركبها مخلوق. ثمّ ليهزنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : لواءه وليدفعنَّه إلى قائمنا عليه السلام مع سيفه. ثمّ إنا نمكث بعد ذلك ما شاء الله.

قال : ثمّ إن الله يُخرِجُ من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من ماء وعيناً من لبن ، ثمّ إن أمير المؤمنين عليه السلام : يدفع إليَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيبعثني إلى المشرق والمغرب ، فلا آتي على عدوٍّ إلّا هرقت دمه ، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته حتّى أقع إلى الهند فأفتحها. وإن دانيال : ويونس : يخرجان إلى أمير المؤمنين عليهم السلام ، يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلهم ، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله له.

ثمّ لأقتلنّ كلَّ دابَّة حرَّم الله لحمها ، حتّى لا يكون على وجه الأرض إلّا طيِّب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل وأُخيّرنَّهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه. ولا يبقى رجل من شيعتنا إلّا أنزل الله ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرِّفه أزواجه ومنزلته في الجنَّة. ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلّا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت ، ولتنزلنّ البركة من السماء إلى الأرض (1) ) تم الخبر وقد مر بعضه.

ومن ( الخرائج ) أيضاً عن الصادق عليه السلام : أنه قال إذا قام القائم : اتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا ، إنه قد ظهر صاحبكم (2) ، فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في

ص: 124


1- الخرائج والجرائح 2 : 848 - 849 / 63 ، باختلاف.
2- في المصدر : « صاحبك ».

كرامة ربّك فأقم (1).

ومنه (2) أيضاً عن الرضا عليه السلام : أنه قال ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء :

صوتاً : ألا لعنة الله على الظالمين.

والصوت الثاني : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

والصوت الثالث : يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس يقول : هذا أمير المؤمنين : قد كرَّ في هلاك الظالمين (3).

ومنها : ما رواه شيخ الطائفة : في كتاب ( الغيبة ) بسنده عن المفضّل بن عمر : قال : ذكرنا القائم عليه السلام : ومن مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام القائم : اتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر صاحبكم (4) ، فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربِّك فأقم (5).

أقول : ما ظنّك يا أخي بمن بُشّر في قبره بظهور دولة الحقّ ، ونصر الله للمؤمنين ، وإذنه لهم في أن يعبدوه جهراً بعد أن عبدوه سراً ، ماذا يختار؟ قل : أعلم أنه يختار الظهور واللحوق بصاحب الأمر : عجّل الله فرجه وأن يضرب بين يديه بالسيف هام أعدائه ، وهل شي ءٌ أشهى للمظلوم من الظفر بظالمه؟

ومنها : ما رواه الشيخ : أيضاً في غيبته بسنده إلى جابر الجعفيّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنَّ منّا أهل البيت : رجل بعد موته ثلاثمائة سنة تزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم ، عليه سلام الله.

قلت : وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر : فيطلب بدم الحسين عليه السلام : ودماء أصحابه فيقتل ويأسر حتّى يخرج السفّاح (6).

ومنها : ما رواه في ( كامل الزيارات ) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : أنه تلا قوله تعالى

ص: 125


1- الخرائج والجرائح 3 : 1166 / 64.
2- الخرائج والجرائح 3 : 1168 - 1169 / 65.
3- مختصر بصائر الدرجات : 38.
4- في المصدر : « صاحبك ».
5- الغيبة : 458 - 459 / 470.
6- الغيبة 478 - 479 / 505.

( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) (1) ، فقال : م الحسين بن علي عليهما السلام : منهم ، ولم ينصر بعد.

ثمّ قال عليه السلام والله لقد قتل قَتَلَةُ الحسين عليه السلام : ولم يطلب بدمه بعد (2).

ومنه بسنده عن أبي خالد الكابليّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول في قوله تعالى : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (3) : م عليّ والحسن : والحسين : عليهم السلام (4).

أقول : هذا وعد من الله لهم بالنصر ، والله لا يخلف الميعاد ، فلا بدّ من رجعتهم ونصر الله لهم ، ولا يمكن هذا النصر إلّا برجعتهم.

ومنه (5) بسنده إلى بُرَيدِ بن معاوية العجلي : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن إسماعيل : الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (6) إن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. فقال عليه السلام إن إسماعيل عليه السلام : مات قبل إبراهيم عليه السلام ، وإن إبراهيم عليه السلام : كان حجَّة لله قائماً صاحب شريعة ، فإلى من أُرسل إسماعيل عليه السلام : إذن؟

فقلت : جعلت فداك ، فمن كان؟ فقال عليه السلام ذاك إسماعيل بن حزقيل : النبيّ عليه السلام ، بعثه الله إلى قومه فكذَّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم فوجَّه إليه سطاطائيل عليه السلام : ملك العذاب ، فقال له : يا إسماعيل ، أنا سطاطائيل : ملك العذاب وجَّهني ربُّ العزَّة إليك لُاعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت. فقال له إسماعيل عليه السلام : لا حاجة لي إليك يا سطاطائيل.

فأوحى الله إليه : فما حاجتك يا إسماعيل :؟ فقال عليه السلام : يا ربّ ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبيَّة ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله : بالنبوَّة ولأوصيائه بالولاية ، وأخبرت خير خلقك صلى الله عليه وآله بما تفعل أُمَّته بالحسين بن علي عليهما السلام : من بعد نبيِّها صلى الله عليه وآله ، وأوعدت الحسين عليه السلام : أن تكرَّه إلى الدنيا حتّى ينتقم

ص: 126


1- غافر : 51.
2- كامل الزيارات : 134 / 154.
3- الحجّ : 39.
4- كامل الزيارات : 135 / 156.
5- كامل الزيارات : 38 / 163.
6- مريم : 54.

بنفسه ممَّن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرَّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل بي ما فعل كالحسين عليه السلام. فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ، فهو يكرُّ مع الحسين عليه السلام (1).

ومنها : ما رواه العلّامة السيّد هاشم التوبليّ : في ( الدرّ النضيد ) بسنده عن محمّد بن يعقوب (2) ، و (3) العيّاشي (4) : بإسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (5) : خروج الحسين عليه السلام : في سبعين من أصحابه.

ولفظ العيّاشي في رجال من أصحابه (6) الذين قتلوا معه عليهم بيض الذهب (7) لكلّ بيضة وجهان ، فيؤذّن المؤذِّنون (8) إلى الناس أن هذا (9) الحسين عليه السلام : قد خرج ، في أصحابه حتّى لا يشكَّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجَّة : م القائم : بين أظهرهم (10) ، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام ، جاء الحجَّةَ عليه السلام : الموتُ ، فيكون الذي يلي غسله ويكفِّنه ويحنِّطه ويلحده في حفرته (11) الحسين عليه السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ (12).

ومن ذلك ما نقله الشيخ الأعظم رجب البرسيّ : في ( مشارق أنوار اليقين ) من كتاب ( الواحدة ) قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال الحمد لله مُدهر الدهور.

إلى أن قال عليه السلام أنا ديّان الدين ، لأركبنَّ السحاب ولأضربنَّ الرقاب ، ولأهدمنَّ إرم حجراً حجراً ، ولأجلسنَّ (13) على حجر لي بدمشق ، ولأسومنَّ العرب سوم المنايا. فقيل : متى

ص: 127


1- مختصر بصائر الدرجات : 177 ، باختلاف.
2- الكافي 8 : 175 / 250.
3- في المخطوط بعدها : ( إلى ).
4- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
5- الإسراء : 6.
6- في المصدر : « في سبعين رجلاً من أصحابه ».
7- في المصدر : « البيض المذهَّب ».
8- في المصدر : « المؤدي إلى الناس » بدل : « يؤذن المؤذن إلى الناس ».
9- ليست في المصدر.
10- في المصدر : « والإمام الذي بين أظهر الناس يومئذ ».
11- في المصدر : « وكفَّنه وحنّطه وإيلاجه في حفرته ».
12- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
13- في المصدر : « لأجلس ».

هذا؟ فقال عليه السلام إذا متُّ وصرت إلى التراب ، وسوِّي عليَّ اللبِن ، وضربت عليَّ القباب (1).

ومنه ما رواه عن الأصبغ : عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال في خطبة الافتخار من أنكر أن لي في الأرض كرَّة بعد كرَّة ، ودعوة بعد دعوة (2) ، وعودة (3) بعد رجعة ، حديثاً كما كنت قديماً ، فقد ردَّ علينا ، و (4) من ردَّ علينا فقد ردَّ على الله. أنا صاحب الدعوات ، أنا صاحب الصلوات.

إلى أن قال عليه السلام فيها أنا (5) أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً (6) بسيفي هذا.

إلى أن قال عليه السلام أنا صاحب الرايات الصفر ، أنا صاحب الرايات الحمر ، أنا الغائب المنتظر للأمر الأعظم (7).

إلى أن قال عليه السلام ألا وإن للباطل [ جولة (8) ] وللحقِّ دولة ، ألا (9) وإني ظاعن عن قريب ، فارتقبوا الفتنة الأُمويَّة ، والدولة الكسرويَّة.

ثمّ تقبل دولة بني العبّاس : بالفزع والبأس ، وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل الفرات ، ملعون من سكنها ، منها تخرج طينة الجبّارين تعلى فيها القصور ، وتسبل الستور ، ويتعاطون (10) بالمكر والفجور ، فيتداولها بنو العباس : اثنان وأربعون (42) ملكاً على عدد سنيِّ الملك.

ثمّ الفتنة [ الغبراء (11) ] والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحقِّ. ثمّ اسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضي ء بين الكواكب. ألا وإن لخروجي علاماتٍ عشراً : أوّلها تخريق (12) الرايات في أزقَّة الكوفة ، وتعطيل المساجد ، وانقطاع الحاجِّ ، وخسف وقذف بخراسان ، وطلوع كوكب (13)

ص: 128


1- مشارق أنوار اليقين : 162 - 163.
2- قوله : « ودعوة بعد دعوة » ليس في المصدر.
3- في المصدر : « عوداً » بدل : « عودة ».
4- ليست في المصدر.
5- في المصدر : « أنا الذي ».
6- في المصدر قبلها : « ظلماً ».
7- في المصدر : « العظيم ».
8- من المصدر ، وفي المخطوط : « دولة ».
9- ليست في المصدر.
10- في المصدر : « يتعلون ».
11- من المصدر ، وفي المخطوط : « الغرّاء ».
12- في المصدر : « تحريف ».
13- في المصدر : « الكوكب ».

المذنَّب ، واقتران النجوم ، وهرج ، ومرج ، وقتل ، ونهب. فتلك علامات عشر ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا تمَّت العلامات قام قائمنا قائم الحقِّ.

ثمّ قال معاشر الناس ، نزِّهو ربَّكم ولا تشيروا إليه ، فمن حدَّ الخالق فقد كفر بالكتاب الناطق .. (1) إلى آخر الخطبة.

ومنه ما رواه عن ( الأمالي ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه قال يا معشر قريش ، كيف بكم وقد كفرتم بعدي ، ثمَّ رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم بالسيف أنا أو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام :؟. فنزل جبرئيل عليه السلام : مسرعاً وقال قل إن شاء الله (2).

ومنه : ما رواه من قول أمير المؤمنين عليه السلام : في الخطبة [ التطنجيّة (3) ] أنا صاحب الرفرف وبهرم ، أنا مدبِّر العالم الأوَّل حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم.

قال : فقام إليه ابن ضورية ، فقال : أنت أنت يا أمير المؤمنين :؟ فقال أنا أنا ، لا إله إلّا الله ربِّي وربُّ الخلائق أجمعين ، له الخلق والأمر ، الذي دبَّر الأُمور بحكمته ، وقامت السماوات والأرض بقدرته. كأنِّي بضعيفكم يقول : ألا تسمعون إلى ما يدّعيه ابن أبي طالب : في نفسه ، وبالأمس تكفهرُّ عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ وباعثِ محمّد : وإبراهيم ، لأقتلن أهل الشام بكم قتلات ، وأيُّ قتلات؟ وحقِّي وعظمتي لأقتلنَّ أهل الشام بكم قتلات وأيُّ قتلات؟ ولأقتلنَّ أهل صفِّين بكلّ قتلة سبعين قتلة ، ولأردنَّ إلى كلِّ مسلم حياة جديدة ، ولأُسلِّمنَّ إليه صاحبه وقاتله إلى أن يشفي غليل صدره منه ، ولأقتلنَّ بعمّار ابن ياسر : وبأُويس القرني : ألف قتيل ، ولا يقال : لا ، وكيف؟ وأيّان؟ ومتى؟ وأنى؟ وحتّى؟ فكيف إذا رأيتم صاحب الشام : ينشر بالمناشير ويقطع بالمساطير ، ثمّ لُاذيقنّه أليم العذاب؟. إلى أن قال عليه السلام كأني بهذا وأشار إلى الحسن عليه السلام : قد نار نوره بين عينيه ، فأُحضره لوقته لحين طويل يزلزلها ويخسفها ، وثار معه المؤمنون من كلِّ مكان.

ص: 129


1- مشارق أنوار اليقين : 164 - 166.
2- الأمالي ( الطوسي ) : 460 / 1027 ، باختلاف.
3- من المصدر ، وفي المخطوط ( الطتنجيّة ).

إلى أن قال عليه السلام يا جابر ، إذا صاح الناموس ، وكبس الكابوس ، وتكلَّم الجاموس فعند ذلك عجائب ، وأيُّ عجائب ، إذا أنار النار بنصيبين ، وظهرت الراية العثمانيَّة بوادي سوء ، واضطربت البصرة ، وغلب بعضهم بعضاً ، وصبا كلُّ قومٍ إلى قوم ، وتحرَّكت عساكر خراسان ، وتبع شعيب بن صالح التميميّ : من بطن الطالقان ، وبويع لسعيد السوسيّ : بخوزستان ، وعقدت الراية لعماليق كردان ، وتغلب العرب على بلاد الأرمن والسقلاب ، وأذعن هرقل : بقسطنطينيَّة لبطارقة سفيان ، فتوقَّعوا ظهور مكلِّم موسى : من الشجرة على الطور ، فيظهر هذا ظاهراً مكشوفاً ، ومعايناً موصوفاً.

إلى أن قال عليه سلام الله - أنا المشرف على البحار في نواليم الزخار عند التيّار (1) ، حتّى يخرج لي ما أُعدَّ لي فيه من الخيل والرجال ، فأتَّخذ ما أحببت وأترك ما أردت ، ثمّ أُسلّم إلى عمّار بن ياسر : اثني عشر ألف أدهم ، على كلِّ أدهم منها محبٌّ لله ورسوله ، مع كلِّ واحد اثنا عشر ألف كتيبة لا يعلم عددها إلّا الله.

إلى أن قال سلام الله عليه - واهٍ للُامم المشاهدة رايات بني عتبة : من بني كتام ، السائرين أثلاثاً ، المرتكبين جبلاً جبلاً مع خوف شديد وبؤس عتيد ، ألا وهو الوقت الذي وعدتم به ، لأحملنَّهم على نجائب تحفّهم مواكب الأملاك (2) الخبر.

ومنها أيضاً : ما رواها من قول أمير المؤمنين : سلام الله عليه في خطبة له أنا الذي اقتل مرّتين وأُحيا مرَّتين ، وأظهر كيف شئت.

إلى أن قال فيها سلام الله عليه - أنا المذكور في سالف الزمان ، والخارج آخر الزمان (3).

ومنها : ما في ( الكافي ) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام : قال : لقد أُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإني لصاحب دولة الدول ، وإني

ص: 130


1- في المصدر : « أنا المسترق على البحار في نواليم الزخّار عند البيار ».
2- مشارق أنوار اليقين : 168 - 170 ، باختلاف.
3- مشارق أنوار اليقين : 171 - 172 ، وفيه : « في سالف الأزمان ».

لصاحب العصا والمِيسَمِ والدابَّة التي تكلّم فيها الناس (1).

ومنها : قول سيّدنا الهادي : عليه سلام الله في الزيارة الجامعة الكبيرة التي ملأ نورها السماوات والأرض مؤمن بإيابكم ، مصدِّق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم.

وقوله عليه السلام فيها وقلبي لكم مسلِّم ، ورائي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدَّة حتّى يحيي الله دينه بكم ، ويردَّكم في أيّامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكّنكم في أرضه (2).

فهذا خطاب من كلّ زائر لكلّ مزور منهم بضمير الجمع.

وكذا قوله عليه السلام فيها وجعلني ممَّن يقتصُّ آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكرُّ في رجعتكم ، ويملّك في دولتكم ، ويشرّف في عافيتكم ، ويمكّن في أيّامكم ، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم (3).

ومنها : ما رواه الشيخ : في ( المصباح ) من صفة زيارة العبّاس عليه السلام : جئتك يا ابن أمير المؤمنين ، وقلبي لكم مسلِّم ، وأنا لكم تابع ، ونصرتي لكم معدَّة حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فمعكم معكم لا مع غيركم ، إني بكم وبإيابكم من الموقنين (4) إلى آخره.

ومنها : ما رواه الشيخ : أيضاً في ( المصباح ) (5) وابن طاوس : في ( الإقبال ) (6) من دعاء اليوم الثالث من شعبان قال رحمه الله : ( في اليوم الثالث منه ولد الحسين بن علي عليهما السلام. وخرج إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّ : وكيل أبي محمَّد عليه السلام : أن مولانا الحسين عليه السلام : ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصُمه وادعُ بهذا الدعاء : اللهمّ إني أسألك بحقِّ المولود في هذا اليوم ، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها ، والأرض ومن عليها ، ولمّا يطأ لابتيها ، قتيل العبرة ، وسيِّد الأُسرة ، الممدود بالنصرة يوم الكرَّة ، المعوَّض مِن قتله أن الأئمَّة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ،

ص: 131


1- الكافي 1 : 198.
2- تهذيب الأحكام 6 : 99 / 177.
3- المصدر نفسه.
4- مصباح المتهجِّد : 668.
5- مصباح المتهجِّد : 758.
6- الإقبال بالأعمال الحسنة : 3 : 303 ، باختلاف.

والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ، حتّى يدركوا الأوتار ، ويثاروا الثأر ، ويُرضوا الجبّار ، ويكونوا خير أنصار ، صلّى الله عليه مع اختلاف الليل والنهار ). وقد وقفت على قطعة من كتاب لبعض أفاضل المتأخّرين عن الشيخ ، قد عمله لإثبات رجعة أهل البيت عليهم السلام ، وقد استدلّ فيه بأخبار كثيرة ، وكثير ممّا ذكرته في هذه الرسالة استدل به بإسناده هو.

وممّا رواه بسنده فيه عن عبد الكريم بن عمر الخثعميّ : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن إبليس : قال ( أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1) فأبى الله ذلك عليه ، فقال ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (2). فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس : في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم : إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو آخر كرّة يكرُّها أمير المؤمنين عليه السلام.

قلت : وإنها لكرّات؟ قال نعم ، إنها لكرّات وكرّات. ما من إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البَرُّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن على الكافر ، فإذا كان [ يوم (3) ] الوقت المعلوم كرَّ أمير المؤمنين عليه السلام : في أصحابه ، وجاء إبليس : في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين.

فكأني أنظر إلى أصحاب عليٍّ : م أمير المؤمنين : صلوات الله عليه قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يُهبط الجبار عزوجل ( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) ورسولَ الله صلى الله عليه وآله : أمامهم بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس : رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (4).

فيلحقه النبيّ صلى الله عليه وآله : فيطعنه طعنة بين كتفيه فتكون هلاكَه وهلاكَ جميع أشياعه. فعند ذلك يُعبد

ص: 132


1- الأعراف : 14.
2- الأعراف : 15.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « اليوم ».
4- الأنفال : 48.

الله عزوجل ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام : أربعاً وأربعين ألف سنة ، حتّى يلد الرجل من شيعة عليّ عليه السلام : ألف ولد من صلبه ذكراً في كلِّ سنة ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنَّتان المدهامَّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله (1).

وقد مرّ قريب من هذا الخبر.

ومنه بسنده عن المعلّى بن خنيس : وزيد الشحّام : قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن أوَّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام ، فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة (2) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : قال ليس من مؤمن إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل نشر حتّى يموت ، ومن مات نشر حتّى يقتل.

ثمّ تلوت على أبي جعفر عليه السلام ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (3) ، فقال هو : ومنشورة الخبر.

إلى أن قال ألم تسمع أن الله تعالى يقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) (4) ، وقوله ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ) (5) يعني بذلك محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وقيامه في الرجعة ينذر فيها ، وقوله تعالى : ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) (6) في الرجعة.

وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (7) قال : يظهرها الله عزوجل في الرجعة.

وقوله تعالى : ( حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ ) (8) : هو عليُّ بن أبي طالب : صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة.

ص: 133


1- مختصر بصائر الدرجات : 26 - 27 ، بحار الأنوار 53 : 42 / 12.
2- مختصر بصائر الدرجات : 18.
3- آل عمران : 185.
4- السجدة : 21.
5- المدّثِّر : 1 - 2.
6- المدّثر : 35 - 36.
7- التوبة : 33.
8- المؤمنون : 77.

قال جابر : قال أبو عبد الله عليه السلام .. (1) الخبر كما مرّ.

ومنه بسنده عن موسى الخيّاط (2) : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول أيام الله ثلاثة ، يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (3).

ومنه بسنده عن أبي حمزة الثماليّ : قال : قال أبو جعفر عليه السلام ، كان أمير المؤمنين : صلوات الله عليه يقول : من أراد أن يقاتل شيعة الدجّال فليقاتل الباكي على دم عثمان ، والباكي على أهل النهروان. إن من لقي الله عزوجل مؤمناً بأن عثمان : قتل مظلوماً لقي الله ساخطاً عليه ويدرك الدجّال. فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، فإن مات قبل ذلك؟ قال : يبعث من قبره حتّى يؤمن به وإن رغم أنفه (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) قال في الرجعة (6).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام : فقلت : إنا نتحدث أن عمر بن ذر : لا يموت حتّى يقاتل قائم آل محمّد. وقال إن مثل ابن ذر : مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له عبد ربَّه ، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة ، فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدَّثون عنده ؛ إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ، ويقول لهم : كيت وكيت (7).

ومنه بسنده عن سَدِير : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن الرجعة؟ فقال القدريَّة تنكرها ، ثلاثاً (8).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ

ص: 134


1- مختصر بصائر الدرجات : 17 - 18 ، وفيه : ( قال أبو جعفر ) بدل : ( وقال أبو عبد الله ).
2- في المصدر : ( الحنّاط ).
3- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، 41 ، وفيه : « يوم قيام القائم ».
4- مختصر بصائر الدرجات : 20.
5- الإسراء : 72.
6- مختصر بصائر الدرجات : 20.
7- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وفيه : « إذا » بدل : « إذ ».
8- مختصر بصائر الدرجات : 20.

اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ) (1) الآية ، فقال ذلك في الميثاق.

ثمّ قرأت ( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) (2). فقال أبو جعفر عليه السلام : لا تقرأ هكذا ، ولكن اقرأ التائبون العائدون (3).

ثمّ قال إذا رأيت هؤلاء فهم الّذين اشترى (4) منهم أنفسهم وأموالهم.

يعني في الرجعة (5).

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : ما من مؤمن إلّا وله ميتة وقتلة ، من مات بعث حتّى يقتل ، ومن قتل بعث حتّى يموت (6).

ومنه بسنده عن جابر : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وقد خطبنا يوم الفتح - أيّها الناس لأعرفنَّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ولئن فعلتم لتعرفُنَّني أضربكم بالسيف.

ثمّ التفت عن يمينه ، فقال الناس : غمزه جبرئيل عليه السلام ، فقال أو علي.

فقال أو علي (7).

ومنه بسنده عن أبي بكر الحضرميّ : عن أبي جعفر عليه السلام : لا يسأل في القبر إلّا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً. ولا ينال الرجعة إلّا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً.

قلت : فسائر الناس. قال يلهى عنه (8).

ومنه بسنده عن أبي الصباح : قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : مسألة أكره أن اسمّيها لك. فقال لي هو أو عن الكرّات تسألني؟

فقلت : نعم. فقال تلك القدرة ولا ينكرها إلّا

ص: 135


1- التوبة : 111.
2- التوبة : 112.
3- في المصدر : « التائبين العابدين ».
4- في المصدر : « فعند ذلك هم الّذين يشتري .. ».
5- قوله : ( يعني في الرجعة ) ليس في المصدر.
6- مختصر بصائر الدرجات : 21.
7- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وانظر شواهد التنزيل 1 : 404 ، باختلاف.
8- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وليس فيه : « ولا ينال الرجعة .. محضاً ».

القدرية. لا تنكر تلك القدرة ، لا تنكرها (1) الخبر.

ومنه بسنده عن الأصبغ : أن عبد الله بن أبي بكر اليشكريّ : قال : يا أمير المؤمنين ، إن أبا المعتمر : تكلّم آنفاً بكلام لا يحتمله قلبي. فقال وما ذاك؟

قال : يزعم أنك حدّثته أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله : يقول إنا رأينا وسمعنا برجل أكبر سنّاً من أبيه.

فقال أمير المؤمنين : صلوات الله عليه - فهذا الذي كبر عليك؟

قال : نعم. فقال عليه السلام ويلك يا ابن الكوّاء ، أفقه منّي أُخبرك عن ذلك ، إن عزيراً : خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة ، فلمّا ابتلاه الله عزوجل بذنبه أماته مائة عام ، ثمّ بعثه فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة ، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة ، وردّ الله عزيراً إلى الذي كان به.

فقال : أسألك ما أُريد؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : سل.

فقال : إن أُناساً من أصحابك يزعمون أنهم يُردّون بعد الموت. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ، تكلَّم بما سمعت ولا تزد في الكلام (2) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن عبد الرحيم القصير : قال : قرأ أبو جعفر عليه السلام : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ) (3) ، فقال هل تدري من يعني؟.

فقلت : يقاتِل المؤمنون فيَقتلون ويُقتلون. فقال لا ، ولكن من قتل من المؤمنين رُدَّ حتّى يموت ، ومن مات رُدَّ حتّى يقتل ، وتلك القدرة فلا تنكرها (4).

ومنه بسنده عن حمران : قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أيكون في بني إسرائيل : شي ء لا يكون هاهنا مثله؟ فقال لا.

فقلت : فحدّثني عن قول الله عزوجل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) حتّى نظر الناس إليهم (5). الخبر.

ومنه بسنده عن محمّد بن مسلم : قال : سمعت حمران وأبا الخطّاب : يحدّثان

ص: 136


1- مختصر بصائر الدرجات : 22 ، وفيه : « لا تنكرها تلك القدرة ، لا تنكرها ».
2- مختصر بصائر الدرجات : 22 ، باختلاف.
3- التوبة : 111.
4- مختصر بصائر الدرجات : 23.
5- مختصر بصائر الدرجات : 23 - 24.

جميعاً قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث ، أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام : يقول أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ، وأن الرجعة ليست بعامَّة ، وهي خاصَّة لا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً (1).

ومنه بسنده عن بكير بن أعيَن : قال : قال لي من لا أشكّ فيه يعني أبا جعفر عليه السلام : - إن رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليّاً : عليه سلام الله سيرجعان (2).

ومنه بسنده عن زرارة : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن هذه الأُمور العظام من الرجعة وأشباهها؟ فقال إن هذا الذي تسألون عنه لم يجي ء أوانه ، وقد قال عزوجل ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (3) (4).

ومنه بسنده إلى ابن أُذينة : عن محمّد بن الطيّار : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) ، فقال ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يقتل (6).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة؟

قلت : نعم. قال أما يقرءون القرآن ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (7)؟ (8) الآية.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : قال : سئل أبو جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ ) (9) ، فقال يا جابر ، أتدري ما السبيل؟

قلت : لا والله إلّا إذا سمعت منك. قال القتل في سبيل عليٍّ : وذرِّيَّته ، فمن قُتل في ولايته قتل في سبيل الله ، وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلّا وله ميتة وقتلة (10) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ص: 137


1- مختصر بصائر الدرجات : 24 ، وفيه : « محض الشرك ».
2- مختصر بصائر الدرجات : 24.
3- يونس : 39.
4- مختصر بصائر الدرجات : 24.
5- النمل : 83.
6- مختصر بصائر الدرجات : 25.
7- النمل : 83.
8- مختصر بصائر الدرجات : 25.
9- آل عمران : 157.
10- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، وفيه : « وله قتلة وميتة ».

ومنه بسنده عن قصير بن أبي شيبة : قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول وتلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) ، الآية قال - ليؤمننّ برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولينصرنّ عليّاً : أمير المؤمنين : من لدن آدم .. فهلمَّ جرّاً ، فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا ردَّ جميعهم إلى الدنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام (1).

ومنه بسنده عن الثماليّ : قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا أبا حمزة ، لا ترفعوا عليّاً : فوق ما رفعه الله ، ولا تضعوا عليّاً : دون ما وضعه الله ، كفى بعليٍّ : أن يقاتل أهل الكرَّة ، ويزوِّج أهل الجنَّة (2).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام : كان يقول لأصحابه : إن ( المدَّثِّر ) : هو كائن عند الرجعة.

فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، أحياه قبل يوم القيامة ثم موت؟ فقال له نعم والله ، لكفرة من الكُفرَ بعد الرجعة أشدّ من كفرات قبلها (3).

هذا لفظ النسخة التي بيدي ، وليس غيرها حتّى تراجع ، والله أعلم.

ومنه بسنده عن أبي خديجة : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إني سألت الله عزوجل في إسماعيل : أن يبقيه بعدي فأبى ، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أنه يكون أوَّل منشور في عصره من أصحابه ، وفيهم عبد الله بن شريك العامريّ ، وفيهم صاحب الراية (4).

ومنه بسنده عن يونس بن ظبيان : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (5) عليهما السلام : الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن الحسين بن راشد : عن أبي إبراهيم عليه السلام : قال لترجعنَّ نفوس وليقتصنَّ يوم تقوم ، ومن عذِّب يقتصُّ بعذابه ، ومن اغيظ يقتصُّ بغيظه ، ومن قتل يقتصُّ بقتله ، ويُردّ لهم أعداؤهم حتّى يأخذوا بثأرهم. ثمّ يلبثون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثمّ يموتون في ليلة واحدة

ص: 138


1- مختصر بصائر الدرجات : 25 - 26.
2- مختصر بصائر الدرجات : 26.
3- مختصر بصائر الدرجات : 26.
4- مختصر بصائر الدرجات : 26.
5- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 - 44 / 14.

قد أدركوا ثأرهم وشفوا نفوسهم (1) الخبر.

ومنه بسنده عن الحسين بن راشد : قال : قال أبي لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الكرّة؟ قال أقول فيها ما قال الله عزوجل ، وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : قبل أن يأتي هذا الحرف بخمسة وعشرين ليلة ، قول الله عزوجل ( تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ) (2) إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا دخولهم (3) الخبر.

ومنه بسنده عن محمّد بن سليم الديلميّ : عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ) (4)؟ فقال الأنبياء : م رسول الله : وإبراهيم : وإسماعيل : وذرِّيَّته ، والملوك : الأئمّة عليهم السلام.

قال : فقلت : أيّ ملك أُعطيتم. قال ملك الجنّة ، وملك الكرَّة (5).

ومنه بسنده عن المعلّى بن خنيس : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ، فيملك حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر.

قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (6) قال نبيُّكم صلى الله عليه وآله راجع إليكم (7).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن لعليٍّ عليه السلام : في الأرض كرّة مع الحسين : ابنه عليهما السلام ، يقبل برايته حتّى ينتقم له من بني أُميَّة : ومعاوية : وآل معاوية : ومن شهد حربه ، ثمَّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ومن سائر الناس سبعين ألفاً ، فيلقاهم بصفِّين مثل المرَّة الأُولى حتّى يقتلهم ولا يبقى منهم مخبر الخبر.

إلى أن قال عليه السلام ثم كرَّة اخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله : حتّى يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمَّة عمّاله (8) الخبر ، وقد مرّ مثله بتمامه.

ص: 139


1- مختصر بصائر الدرجات : 27.
2- النازعات : 12.
3- مختصر بصائر الدرجات : 28.
4- المائدة : 20.
5- مختص بصائر الدرجات : 28.
6- القصص : 85.
7- مختصر بصائر الدرجات : 29.
8- مختصر بصائر الدرجات : 29.

ومنه بسنده عن أبي حمزة : عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرَّد في وحدانيَّته ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثمَّ خلق من ذلك النور محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلقني وذرِّيَّتي ، ثمَّ تكلَّم بكلمة فصارت روحاً الخبر.

إلى أن قال أمير المؤمنين عليه السلام : وأن لي الكرّة بعد الكرَّة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات (1) الخبر ، وهو طويل ، وفيه تفاصيل من أحوال الرجعة ، وقد مرّ بعضه.

ومنه بسنده عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين : لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي : يا بني إنك ستساق إلى العراق الخبر.

إلى أن قال الحسين عليه السلام : لئن قتلونا فإنا نرد إلى نبيِّنا صلى الله عليه وآله ، فأمكث ما شاء الله ، فأكون أوَّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين ، وقيام قائمنا : عليهما السلام (2) الخبر. وقد مرّ مثله بتمامه.

ومنه بسنده عن جابر الجعفيّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنَّ منّا أهل البيت : رجل بعد موته ثلاثمائة سنة وتزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم. قلت : وكم يقوم القائم : في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج [ م المنتصر ] (3) إلى الدنيا وهو الحسين : فيطلب بدمه ودم أصحابه ، فيقتل ويسبي ، حتّى يخرج السفّاح : وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4).

ومنه بسنده عن الحلوانيّ : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إني لصاحب الكرّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والمِيسَم والدابّة التي تكلّم الناس (5).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم ، بسنده عن حمّاد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما

ص: 140


1- مختصر بصائر الدرجات : 32 - 33 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20.
2- مختصر بصائر الدرجات : 50.
3- في المخطوط : ( المنتظر ) ، وما أثبتناه من المصدر.
4- مختصر بصائر الدرجات : 49.
5- مختصر بصائر الدرجات : 41.

يقول الناس في هذه الآية ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1)؟

قال : يقولون : إنها في القيامة. قال ليس كما يقولون ، إن ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلِّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (2). وقوله ( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (3) ، أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجِعُونَ في الرجعة ، وأمّا يوم القيامة فيرجعون (4) الخبر.

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (5) : بسنده عن ابن مُسكان : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (6). قال ما بعث الله نبيّاً من آدم عليه السلام : إلّا ويرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليه السلام. قال علي بن إبراهيم : بعد هذا الخبر : ومثله كثير ممّا وعد الله الأئمّة عليهم السلام من الرجعة والنصر ، فقال ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (7).

قال عليّ بن إبراهيم : وهذا إنما يكون إذا رجَعوا إلى الدنيا (8).

قال (9) : وقوله ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) (10) ، فهذا كلّه ممّا يكون في الرجعة.

قال عليّ بن إبراهيم : وحدّثني أبي عن أحمد بن أبي نصر : عن عمرو بن شمر : قال

ص: 141


1- النمل : 83.
2- الكهف : 47.
3- الأنبياء : 95.
4- مختصر بصائر الدرجات : 41 - 42.
5- تفسير القمّيّ 1 : 134.
6- آل عمران : 81.
7- النور : 55.
8- تفسير القمي 2 : 108 ، وليس فيه : ( ومثله كثير ).
9- تفسير القمي 2 : 134 - 135.
10- القصص : 5 - 6.

ذكر عند أبي جعفر عليه السلام : م جابر ، فقال رحم الله جابراً ، لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (1) ، يعني : الرجعة (2).

قال عليّ بن إبراهيم : ومثله كثير (3).

وقال : قوله تعالى : ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً ) (4) الآية ، حدّثني أبي عن ابن أبي عمير : عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى أمير المؤمنين عليه السلام : وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحرَّكه برجله ، ثمّ قال له : قم يا دابَّة الأرض. فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله : أيسمِّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ قال : لا والله ، ما هو إلّا له خاصّة ، وهو الدابَّة : التي ذكرها الله تعالى في كتابه ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) (5)(6).

ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عليُّ ، إذا كان آخر (7) الزمان أخرجك الله تعالى في أحسن صورة ومعك مِيسَم تسم أعداءك الخبر ، وقد مرّ مثله.

قال : والدليل على أنها في الرجعة قوله ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (8) الآية. قال : الآيات : أمير المؤمنين : والأئمَّة عليهم السلام.

فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن العامّة تزعم أن قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (9) يعني القيامة. فقال أبو عبد الله عليه السلام : [ أفيحشر (10) ] الله من كلِّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ لا ، ولكنَّه في الرجعة ، وأمّا آية القيامة فهي ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (11).

وقال عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي قال : حدّثني ابن أبي عمير : عن المفضّل : عن أبي

ص: 142


1- القصص : 85.
2- تفسير القمي 2 : 147 ، باختلاف يسير في المتن وفي السند.
3- لم تذكر هذه العبارة في التفسير.
4- النمل : 82.
5- النمل : 82.
6- في المخطوط : « في آخر » بدل : « آخر ».
7- في المخطوط : « في آخر » بدل : « آخر ».
8- النمل : 83.
9- النمل : 83.
10- في المخطوط : « يحشر ».
11- الكهف : 47.

عبد الله عليه السلام : في قوله ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) الآية ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا مَن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.

قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رجل لعمّار بن ياسر رضي الله عنه : يا أبا اليقظان ، آية قد أفسدت قلبي وشكَّكتني. قال عمّار : وأيَّة آية هي؟ قال : قوله ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً ) (2) الآية فأيَّة دابّة هذه؟ فقال عمّار : والله لا أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى اريكها.

فجاء عمّار رضي الله عنه : مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال عليه السلام : يا أبا اليقظان : هلمَّ. فجلس عمّار : وأقبل يأكل معه ، فتعجَّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار : قال الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان ، حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى ترينيها. فقال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل.

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله تعالى : ( سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها ) (3) : ( م أمير المؤمنين : والأئمّة عليهم السلام ، إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم (4).

والدليل على أن الآيات هم الأئمّة عليهم السلام ، قول أمير المؤمنين عليه السلام : ما لله آية أعظم منّي ، فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا ).

ومنه عن عليّ بن إبراهيم : بسنده عن أبي خالد الكابليّ : عن علي بن الحسين عليه السلام : في قوله ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) ؟ قال يرجع إليكم نبيُّكم وأمير المؤمنين : والأئمَّة عليهم السلام (5).

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) (6) : قال الصادق عليه السلام : ذلك في الرجعة (7).

وقال في قوله تعالى : ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (8) هو

ص: 143


1- النمل : 83.
2- النمل : 82.
3- النمل : 93.
4- عنه في البرهان في تفسير القرآن 3 : 214 / 16.
5- مختصر بصائر الدرجات : 42 - 44.
6- غافر : 11.
7- تفسير القميّ 2 : 295.
8- غافر : 51.

في الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله : والأئمَّة عليهم السلام (1).

ثمّ روى بسنده عن جميل : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت : قوله تبارك وتعالى ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (2) قال ذاك والله في الرجعة ، أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمَّة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا ، وذلك في الرجعة (3).

وقال في قوله تعالى : ( يُرِيكُمْ آياتِهِ ) (4) : يعني أمير المؤمنين : والأئمّة عليهم السلام في الرجعة (5).

وقال في قوله تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) (6) قال ذاك إذا خرجوا في الرجعة (7).

وقال في قوله في آخر الآية ( إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ ) (8) يعني إلى الدنيا في الرجعة.

قال ولو كان قوله ( يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) في القيامة لم يقل ( إِنَّكُمْ عائِدُونَ ) ؛ لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها (9).

وقال عليّ بن إبراهيم : ( إن الله خبّر نبيّه صلى الله عليه وآله أن الحسين عليه السلام : يقتل ، ثمّ يردّه إلى الدنيا وينصره حتّى يقتل أعداءه ، ويملّكه الأرض وهو قوله ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) (10) الآية ، وقوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) (11) فبشّر الله نبيّه أن أهل بيتك يملكون الأرض

ص: 144


1- تفسير القمّيّ 2 : 262.
2- غافر : 51.
3- تفسير القمّيّ 2 : 262 باختلاف.
4- غافر : 13.
5- تفسير القمّي 2 : 259 ، وفيه : ( الأئمَّة الّذين أخبرهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله بهم ).
6- الدخان : 10.
7- تفسير القمّي 2 : 295 - 296.
8- الدخان : 15.
9- تفسير القمّيّ 2 : 296 ، وفيه : « يعني : إلى يوم القيامة » بدل : « يعني في الدنيا إلى الرجعة ».
10- القصص : 5.
11- الأنبياء : 105.

ويرجعون إليها ويقتلون أعداءهم ) (1).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (2) ، بسنده عن جميل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (3). قال هي الرجعة (4).

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله عزّ اسمه ( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ) (5) : ( في الرجعة ) (6) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ) (7) : م ( آل محمّد : حقّهم لهم ) ، ( عَذاباً دُونَ ذلِكَ ) قال : ( عذاب الرجعة بالسيف ).

وقوله تعالى : ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) (8). قال : ( في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام ، ورجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه كما توسم البهائم ) (9).

وقوله تعالى : ( حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) (10) قال : م ( القائم : وأمير المؤمنين : صلّى الله عليهما في الرجعة ) (11).

وقوله تعالى : ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (12) قال : ( في الرجعة ، يعني : م أمير المؤمنين ). : ( كَلّا لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ ) (13) ( أي لم يقضِ أمير المؤمنين : ما أمره ، وسيرجع حتّى يقضي ما أمره ) (14).

ومنه بسنده عن محمّد بن العبّاس : المعروف بابن ماهيار ، بسنده عن أبي مروان : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ

ص: 145


1- تفسير القمّيّ 2 : 303 ، مختصر بصائر الدرجات : 18 - 19 باختلاف.
2- تفسير القمّيّ 2 : 335.
3- ق : 42.
4- مختصر بصائر الدرجات : 46.
5- ق : 44.
6- تفسير القمّي 2 : 335.
7- الطور : 47.
8- القلم : 16.
9- تفسير القمّيّ 2 : 399.
10- مريم : 75.
11- تفسير القمّيّ 2 : 51.
12- عبس : 22.
13- عبس : 23.
14- تفسير القمّي 2 : 431 ، مختصر بصائر الدرجات : 46 - 47.

لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (1)؟ فقال لي لا والله ، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليّ عليه السلام : بالثويّة ، فيلتقيان ويبنيان بالثويّة مسجداً له اثنا عشر ألف باب.

يعني : موضعاً بالكوفة (2).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (3) ، بسنده عن أبي سلمة : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) ؟ قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، ( ما أَكْفَرَهُ ) يعني : بقتلكم إيّاه ، ثمّ نسب أمير المؤمنين عليه السلام : فنسب خلقه ، وما أكرمه الله به فقال ( مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ ) يقول : من طينة الأنبياء ( فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) ، يعني : سبيل الهدى ( ثُمَّ أَماتَهُ ) ميتة الأنبياء.

قلت : ما قوله ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (4)؟ قال يمكث بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره (5).

وعنه بسنده عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ) (6) قال : يعني الكرّة للنبيِّ صلى الله عليه وآله الخبر (7).

ومنه عن محمّد بن يعقوب (8) ، بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزوجل ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) (9) خروج القائم عليه السلام ، ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (10) خروج الحسين عليه السلام ، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض الذهب لكلِّ بيضة وجهان ، يؤذن المؤذّنون إلى الناس أن هذا الحسين عليه السلام : قد خرج حتّى لا يشكَّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجَّة : م القائم عليه السلام : بين أظهرهم ، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام : جاء الحجَّةَ : الموتُ ، فيكون الذي يغسِّله ويكفِّنه

ص: 146


1- القصص : 85.
2- مختصر بصائر الدرجات : 210.
3- تفسير القمّيّ 2 : 431 ، باختلاف.
4- عبس : 17 - 22.
5- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، باختلاف.
6- الضحى : 4.
7- مختصر بصائر الدرجات : 47.
8- الكافي 8 : 175 / 250.
9- الإسراء : 5.
10- الإسراء : 6.

ويحنِّطه ويلحده في حفرته الحسين بن عليّ عليهما السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ مثله (1).

ومنه عن أحمد بن عقبة : عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال نعم.

فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : م الحسين عليه السلام ، يخرج إثر القائم عليه السلام.

قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال بل كما ذكر الله تعالى في كتابه ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) (2) قوماً بعد قوم (3).

وعنه عليه السلام يقبل الحسين عليه السلام : في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السلام ، فيدفع إليه القائم عليه السلام : الخاتم ، فيكون الحسين عليه السلام : هو الذي غسّله وكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته (4).

ومنه بسنده عن عليّ بن مهزيار : في حديث طويل قال فيه ثم قال يعني : م القائم ، عليه سلام الله - إذا فقد الصينيُّ وتحرّك المغربي وسار اليمانيّ وبويع السفيانيّ (5) يؤذن لوليّ الله ، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجي ء إلى الكوفة فأهدم مسجدها وابنيه على بنائه الأوّل ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحجّ بالناس حجّة الإسلام ، وأجي ء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأُخرج من فيها وهما طريّان فآمر بهما تجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يُصلبان عليهما ، فيورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأُولى ، فينادي منادي الفتنة من السماء : يا سماء ابيدي (6) ، ويا أرض خذي. فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.

قلت : يا سيدي ، ما يكون بعد ذلك؟ قال الكرّة الكرّة ، والرجعة الرجعة ، ثمّ تلا هذه الآية ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) الآية .. (8).

ص: 147


1- تفسير العياشي 2 : 304 / 20 ، باختلاف ، مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 93 - 94 / 103.
2- النبإ : 18.
3- مختصر بصائر الدرجات : 48.
4- مختصر بصائر الدرجات : 48 - 49 ، وفيه : « فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته ».
5- في المصدر : « وبويع العبّاسي ».
6- في المصدر : ( انبذي ).
7- الإسراء : 6.
8- مختصر بصائر الدرجات : 176 - 177 ، باختلاف.

ومنه نقلاً من مزار جعفر بن قولويه (1) ، بسنده عن بُرَيدِ العِجلِيّ : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن إسماعيل : الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (2) وساق الخبر كما تقدّم إلى أن قال إسماعيل عليه السلام : في مناجاته لله إنك وعدت الحسين : أن تكرَّه حتّى ينتقم بنفسه ممَّن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرَّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل ذلك بي كما تكرُّ الحسين. فوعد الله إسماعيل بن حزقيل عليه السلام : ذلك ، فهو يكرُّ مع الحسين (3) : تمام الخبر ، وقد مرّ ذكره.

ومنه عنه بسنده عن حَرِيز : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، ما أقلّ بقاءكم أهل البيت : وأقرب آجالكم بعضاً من بعض ، مع حاجة هذا الخلق إليكم! فقال إن لكلِّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدَّته ، فإذا انقضى ما فيها ممّا أُمر به عرف أن أجله قد حضره ، وأتاه النبيّ صلى الله عليه وآله : ينعى إليه نفسه وأخبره بما عند الله ، وإن الحسين عليه السلام : قرأ صحيفته التي أُعطيها وفسَّر له ما يأتي وما يبقى ، وبقي منها أشياء لم تنقضِ ، فخرج إلى القتال.

وكانت من تلك الأُمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته ، فأذن لها ، فمكثت تستعدُّ للقتال ، وتتأهَّب لذلك حتّى قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدَّته ، وقتل صلوات الله وسلامه عليه فقالت الملائكة : يا رب ، أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته. فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم أن الزموا قبره حتّى تروه ، وإذا خرج فانصروه ، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته ؛ فإنّكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه. فبكت الملائكة [ حزناً (4) ] وجزعاً على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج صلّى الله عليه يكونون أنصاره (5).

ص: 148


1- كامل الزيارات : 138 / 163.
2- مريم : 54.
3- مختصر بصائر الدرجات : 177.
4- من المصدر ، وفي المخطوط « تعزيا ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، باختلاف يسير.

ومنه عنه أيضاً ، بسنده عن أبي بكر الحضرمي : عن أبي عبد الله : وأبي جعفر عليهما السلام : قال : قلت له : أيّ بقاع الله أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله؟ فقال يا أبا بكر ، الكوفة الزاكية الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء والصدِّيقين (1) ، وفيها مسجد سهلة الذي لم يبعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه ، ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقُوّام من بعده ، وهي منازل النبيِّين والأوصياء الصالحين (2) (3).

ومنه (4) بسنده عن الحضينيّ ، ونقل قطعة من حديث المفضّل : الطويل الذي نقلنا بعضه فراجعه.

ومنه نقلاً من كتاب ابن ماهيار : بسنده عن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه السلام : في قوله تعالى : ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) (5) قال تخضع لها رقاب بني أُميَّة ، وذلك عند بارز الشمس.

قال وذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام : يبرز عند زوال الشمس ، ويترك الشمس على رؤوس الناس ساعة حتّى يبرز وجهه ، ويعرف الناس حسبه ونسبه.

ثمّ قال أمَا إن بني أُميَّة ليختبئنّ الرجل منهم إلى جنب الشجرة ، فتقول : هذا رجل من بني أُميَّة : فاقتلوه (6).

ومنه نقلاً من مزار ابن قولويه (7) : بسنده عن المفضّل بن عمر : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كأنّي والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين الخبر.

إلى أن قال عليه السلام يا مفضّل : أزيدك؟

قلت : نعم. قال كأنّي بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبَّة من ياقوتة حمراء مكلَّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين عليه السلام : جالساً على السرير

ص: 149


1- في المصدر : « الصادقين ».
2- في المصدر : « والصالحين ».
3- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، باختلاف.
4- مختصر بصائر الدرجات : 178 - 192 ، بحار الأنوار 53 : 1 - 34 ، باختلاف.
5- الشعراء : 4.
6- مختصر بصائر الدرجات : 206 ، باختلاف.
7- كامل الزيارات : 259 / 390.

وحوله تسعون ألف قبَّة خضراء ، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه ، فيقول الله عزوجل : أوليائي ، طالما اوذيتم وذُللتم واضطُهدتم ، فهذا يوم لا تسألونني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم (1) الخبر. وقد مرّ مثله بتمامه.

ومنه بسنده عن الحسن بن محبوب : عن محمّد بن سلام : عن أبي جعفر عليه السلام : في قول الله تعالى ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (2) قال هو خاصٌّ بأقوام في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة الخبر.

إلى غير ذلك من أخبار ذكرها صاحب كتاب ( الرجعة ) ، وتركنا ذكرها لسبق ذكرها ، وغيرها من خطب وأدعية وأخبار استدلّ بها رحمه الله على الرجعة.

وقال الشيخ فخر الدين الطريحي : في ( مجمع البحرين ) : ( الرجعة بالفتح - : هي الكرّة بعد الموت بعد ظهور المهدي عليه السلام ، وهي من ضروريّات مذهب الإماميّة ، وعليها من الشواهد القرآنيّة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام : ما هو أشهر من أن يذكر ، حتّى إنه ورد عنهم عليهم سلام الله - من لم يؤمن برجعتنا ، ولم يقرَّ بمتعتنا ، فليس منّا ) (3). وقال الصدوق رحمه الله : في ( من لا يحضره الفقيه ) : قال الصادق عليه السلام : ليس منّا من لم يؤمن بكرَّتنا ، ويستحلَّ متعتنا ) (4). وقال رحمه الله في كتاب اعتقاداته : ( باب الاعتقاد بالرجعة : اعتقادنا في الرجعة بعد الموت أنها حقّ ، وقد قال الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) (5) ، كان هؤلاء سبعين ألفاً أهل بيت ، وكان يقع فيهم الطاعون كلّ سنة ، فيخرج الأغنياء لقوّتهم ويبقى الفقراء لضعفهم ، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون ، ويكثر في الذين يقيمون ، فيقول الذين يقيمون

ص: 150


1- مختصر بصائر الدرجات : 193 - 194.
2- غافر : 11.
3- مجمع البحرين 4 : 334 رجع.
4- الفقيه 3 : 291 / 1384 ، وسائل الشيعة 21 : 7 - 8 ، أبواب المتعة ، ب 1 ، 10.
5- البقرة : 243.

لو خرجنا لما أصابنا الطاعون. ويقول الذين خرجوا : لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون ، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على شطّ بحر ، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا. فماتوا جميعاً ، فكنستهم المارّة عن الطريق فبقوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ مرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل : يقال له إرميا ، فقال لو شئت يا ربّ لأحييتهم ؛ فيعمِّروا بلادك ، ويلدوا عبادك ، ويعبدوك مع من يعبدك.

فأوحى الله إليه أفتحبُّ أن أُحييهم لك؟

قال نعم.

فأحياهم الله له ، وبعثهم معه.

فهؤلاء ماتوا فرجعوا إلى الدنيا ، ثم ماتوا بآجالهم.

فقال الله تعالى ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) الآية ، إلى قوله عزّ اسمه - ( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ) (1) ، فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثم مات بأجله ، وهو عزير.

وقال الله تعالى في قصّة المختارين من قوم موسى : لميقات ربّه ( ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (2) ، وذلك أنهم لمّا سمعوا كلام الله قالوا : لا نصدّق حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى عليه السلام : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل : إذا رجعت إليهم؟ فأحياهم الله عزوجل ، ورجعوا إلى الدنيا ، فأكلوا وشربوا ، ونكحوا النساء وولد لهم الأولاد ، وبقوا فيها ، ثم ماتوا بآجالهم.

وقال الله عزوجل لعيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي ) (3) ، فجميع الموتى الّذين أحياهم عيسى عليه السلام : بإذن الله رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ، ثم ماتوا بآجالهم.

وأصحاب الكهف ( لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) (4) ، ثمّ

ص: 151


1- البقرة : 259.
2- البقرة : 56.
3- المائدة : 110.
4- الكهف : 25.

بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم.

فإن قال قائل : إن الله عزوجل قال ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) (1) ، قيل له : إنهم كانوا موتى ، وقد قال الله تعالى ( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) (2) ، وما قالوا كذلك ، إلّا إنهم قد كانوا موتى.

فقد صحّ أن الرجعة كانت في الأُمم السالفة ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله : يكون في هذه الأُمَّة مثل ما يكون في الأُمم السالفة ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.

فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الأُمور رجعة.

وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي : نزل عيسى بن مريم عليه السلام : فصلّى خلفه ، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته ؛ لأن الله عزوجل قال ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ) (3).

وقد قال الله عزوجل ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (4) ، وقال الله عزوجل ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) ، فاليوم الذي يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.

وقال الله عزوجل ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (6) ، يعني : في الرجعة ، وذلك أنه يقول ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (7) ، والتبيين يكون في الدنيا لا في الآخرة.

وساجرّد في الرجعة كتاباً ، أُبيّن فيه كيفيّتها والدلالة على صحّة كونها إن شاء الله تعالى. والقول بالتناسخ باطل ، ومن دان بالتناسخ فهو كافر ؛ لأن التناسخ إبطال الجنّة

ص: 152


1- الكهف : 18.
2- يس : 52.
3- آل عمران : 55.
4- الكهف : 47.
5- النحل : 83.
6- النحل : 38.
7- النحل : 39.

والنار. والله أعلم بالصواب ) (1). هذا آخر كلام الصدوق رحمه الله : في اعتقاداته ، وهو لا يعدو ألفاظ الأخبار.

وقال الرئيس الشيخ أحمد بن زين الدين : ( الرجعة تطلق على رجعة آل محمَّد صلى الله عليه وآله ، ومختصر القول في بيانها على ما كنت أفهم من الروايات : أن أوّل قائم منهم عليهم السلام بالحقّ هو القائم الحجّة عليه السلام ، ومدّة ملكه سبع سنين ، كلّ سنة عشر سنين ، فإذا مضى من حكمه تسع وخمسون سنة ، وبقي إحدى عشرة سنة ، خرج الحسين عليه السلام. وفي الحديث أوَّل من ينفض التراب عن رأسه الحسين عليه السلام (2) ، وفي آخر : م السفّاح : وهو الحسين عليه السلام (3) ، ويبقى إلى آخر حكم القائم عليه السلام : إحدى عشرة سنة صامتاً.

فإذا قتل القائم قيل : تقتله امرأة من بني تميم لها لحية واسمها سعيدة ، لعنها الله تعالى ، يتجاوز عليه السلام في الطريق وهي فوق سطح ، فترميه بجاون من صخر على أُمّ رأسه فتقتله ، فإذا مات غسّله الحسين عليه السلام : وكفّنه وصلّى عليه ودفنه ، وقام بالأمر من بعده. فإذا مضى من حكم الحسين عليه السلام : ثماني سنين ، خرج عليّ عليه السلام : في نصرة ابنه ، ثمّ يُقتلُ عليّ عليه السلام ، وهو قوله عليه السلام أنا الذي اقتل مرَّتين وأُبعث مرَّتين ، ولي الرجعة بعد الرجعة ، الكرّة بعد الكرّة (4).

ثم يمتدّ حكم الحسين عليه السلام : ؛ ففي رواية خمسين ألف سنة ، وفي اخرى ستة وأربعين ألف سنة. والظاهر أن حكمه يمتدّ إلى آخر الرجعات.

ثمّ يرجع الأئمّة واحداً بعد واحد ، إلّا إن الترتيب لا أعرفه ، ولكن أمير المؤمنين عليه السلام يخرج آخر الرجعات في جميع شيعته والأئمّة معهم ، ويقتتلون مع

ص: 153


1- الاعتقادات ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 5 : 60 - 63.
2- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، 211 ، بحار الأنوار 53 : 106 / 134.
3- مرّ في هذه الرسالة ص 94 أن السفّاح هو أمير المؤمنين عليه السلام.
4- مختصر بصائر الدرجات : 33 ، بحار الأنوار 53 : 47 / 20 ، بتفاوتٍ فيهما ، وانظر شرح الزيارة الجامعة 3 : 60.

إبليس : وشيعته في بابل عند الحلّة من الجانب الغربي ، ويرجع المسلمون القهقرى حتّى يقع منهم ثلاثون رجلاً في الفرات ، فعند ذلك يأتي تأويل قوله تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (1) ، والأمر المقضيّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله ، ينزل من الغمامة وفي يده حربة من نار ، فيتتبّع إبليس : فيولّي ، فيقول له أصحابه : أين تذهب وقد آن لنا النصر؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) (2).

فيتبعه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : أين ما وعدتم به من الإنظار إلى يوم يبعثون؟ فيقول هو هذا اليوم.

فيطعنه بحربة من نار في ظهره فتخرج من صدره ، فيقتله ويقتلون شيعته ، ويكون رسول الله صلى الله عليه وآله : هو الحاكم في الأرض ، والأئمّة عليهم السلام وزراءه في أطراف الأرض ، وتبقى الدنيا في تمام الاستقامة ، فلا يموت الرجل حتّى يرى ألف ولد ذكر من صلبه. وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله ).

وقال الشيخ أيضاً في مقام آخر : ( إن الدنيا آخرها قيام القائم عليه السلام : ؛ لأن الأيّام ثلاثة قال الله تعالى ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ ) (3) : يوم الدنيا ، ويوم قيام القائم ، ويوم الرجعة ، ويوم القيامة ) (4).

وقال في مقام آخر : ( م الحسين عليه السلام : يخرج وقد بقي من مدّة ملك القائم عليه السلام : إحدى عشرة سنة ، فيخرج صامتاً إلى أن تنقضي مدّته ، [ فإذا (5) ] قتل وغسّله وصلّى عليه ودفنه قام بالأمر. وبعد مضيّ ثماني سنين من قيام الحسين عليه السلام : بالحكم

ص: 154


1- البقرة : 210.
2- الأنفال : 48.
3- إبراهيم : 5.
4- كذا في المخطوط ، وما مَرَّ ذكره وتخريجه في هذه الرسالة أنها ثلاثة : « يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرَّة ، ويوم القيامة ». راجع ص 84 هامش 4. ويؤيِّده قول الشيخ الأحسائي رحمه الله : ( لأن الأيّام ثلاثة ).
5- في المخطوط : ( فلمّا ).

[ يقوم (1) ] م عليّ عليه السلام : لنصرة ابنه ويقتل. وقد أخبر عليه السلام بذلك حيث قال أنا الّذي اقتل مرَّتين وأُحيا مرتين ، ولي الكرّة بعد الكرة ، والرجعة بعد الرجعة (2) .. ) ، انتهى ما وقفت عليه من كلام الرئيس الشيخ أحمد بن زيد الدين رحمه الله ، وهو متون أخبار.

وبالجملة ، فالأخبار الدالّة على الرجعة أكثر من أن أُحصيها ، وما ذكرته فيه غنية لطالب الحقّ مع ما اشتمل عليه من الآيات الدالّة على الرجعة.

ص: 155


1- في المخطوط : ( قام ).
2- مختصر بصائر الدرجات 32 - 34 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20 ، باختلاف فيهما.

ص: 156

الوجوه الاعتباريَّة

وأما الاعتبار فمن طرق :

منها : أنه لا ريب في أن القرآن له تنزيل وتأويل ، والتأويل في كثير من الآيات لا يتمّ إلّا بالرجعة ، كما ظهر لك من الأخبار في آيات كثيرة ، مثل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا ) (1) الآية.

و ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (2) ، وغيرهما ممّا لا يخفى على المتأمّل في أخبار أهل البيت عليهم السلام.

ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين : وفاطمة : والعشرة : الأئمّة الذين مضوا صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين إنما عبدوا الله في الدنيا سرّاً في دولة الجهل وسلطان التقيّة حتّى مضوا لم يعملوا في هذا العالم ، ولم يظهروا لهذا الخلق إلّا حرفاً أو حرفين من ثمانية وعشرين حرفاً ، ولا بدّ أن يعمل كلّ واحد منهم في الخلق بثمانية وعشرين حرفاً ، لا يختصّ بذلك القائم عليه السلام : ؛ فإنه يجري لأوّلهم كما يجري لآخرهم (3) ، كما استفاض عنهم ، صلوات الله عليهم.

والقائم : سلام الله عليه حال غيبته يعبد الله سرّاً ، كما مضى عليه آباؤه ، ولا بدّ أن يَعبُد الله جهراً كما وعده الله. وهذا غاية الشرف والكمال ، ومحال ألّا يفوز رسول الله صلى الله عليه وآله : وخلفاؤه الذين مضوا بهذا الشرف ، ويختصّ به القائم عليه السلام : ومن يكون في زمنه

ص: 157


1- غافر : 51.
2- آل عمران : 83.
3- انظر مثلاً الكافي 1 : 3.

دون آبائه صلوات الله عليهم فإن الله تعالى بلطيف حكمته ورحمته أحبّ أن يعبد سرّاً وأن يعبد جهراً ، فلا بدّ أن يعبده أوّل العابدين وخلفاؤه بالوجهين ؛ فإنهم معلّمو الخلق العبادتين.

فمحال أن يكون نوع من العبادة لا يعبدونه بها ، ولو كان كذلك لكان سائر من يوجد في زمن القائم : وأنصاره الذين يقوم بهم نالوا درجة لم ينلها محمَّد صلى الله عليه وآله : وخلفاؤه الماضين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وعبدوا الله بعبادة لم يعبدوه بها ، وحازوا عبادة السر والجهر دونهم ، وهذا محال. وهذا كلّه لا يتمّ ويندفع عنه ما قلنا إلّا بالرجعة ، فمن أنكرها أنكر فضل محمّد : وآله ، وأنكر قدرة الله تعالى ، نعوذ بالله من الجهل وجنوده.

ومنها : أن أحد الأمرين لازم ؛ إمّا القول بأن صاحب الأمر : عجّل الله فرجه حيّ لا يموت ولا يذوق الموت ولا يقتل ، أو أن الأئمّة يرجعون. والأوّل باطل بالضرورة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ، بل ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (1) ، ولا يلي أمر الإمام إلّا الإمام بالنصّ (2) والإجماع ، ولا تخلو الأرض من حجّة لله بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (3) ، فثبت الثاني ، ولا قائل برجوع واحد منهم دون آخر.

ومنها : أنه لا بدّ أن ينال القائم : ما ناله آباؤه الكرام من الدرجة الّتي لا تنال إلّا بالشهادة ، بل لا بدّ له أن يقتل أوّلاً ويرجع ويموت كآبائه. فإذا مات أو قتل لا يمكن أن تخلو الأرض من حجّة لله على عباده ، به يحفظ الله الشريعة ، وبه تتمّ حجّة الله على الخلق ، وبه يمسك الله الأرض والسماوات ، ولا ترتفع الحجّة من الأرض إلّا إذا لم يكن لله في عباده حاجة ، وذلك قبل أن ينفخ في الصور ، بأربعين يوماً ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (4).

ومنها : مقتضى كمال المقابلة بين العقل والجهل وجنودهما في التضادّ ، وذلك من وجوه :

ص: 158


1- آل عمران : 185.
2- الكافي 1 : 384 - 385.
3- الكافي 1 : 178 - 179 / 1 - 13.
4- آل عمران : 144.

أحدها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : مظهر العقل الكلّيّ الذي هو أوّلُ ما خلق الله ، فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر (1) ، وخلق بخلقه ضدّه وهو الجهل ، وقد ظهرت في هذه النشأة دولة الجهل الكاملة الّتي أوجبت استتار الإمام وعمل النبيّ : والأئمّة بعده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بالتقيّة. فلا بدّ أن تظهر دولة لمحمّد صلى الله عليه وآله : لكمال دولة العقل وجنوده ، وذلك لا يكون إلّا بالرجعة ؛ لأن القائم عليه السلام : يقتل. ولازم ظهور دولة العقل كمال الظهور أن تطّهّر الأرض من الكفر والشرك والنفاق ، حتّى لا يعبد إلّا الله سرّاً وعلانية ، وهذا لا يكون مع وجود من يقتل الإمام.

وثانيها : أن الله كما أحبّ أن يعبده العقل وجنوده وأوّل العابدين بكمال السرّ ، أحبّ أن يعبده بكمال العلانية ، حتّى يستكمل العابد وجنوده جميع مراتب العبادة ، فإن بها كمال وجود الخلق ، لأن الله إنما خلق الخلق ليعبدوه ، ولو أن المكلّفين أطبقوا على ترك عبادة ولو مستحبّة حتّى لا يوجد عامل بها غير الإمام لم يمهلوا.

وثالثها : أن مظهر الجهل له فعليّة ، وتتحقّق في هذه النشأة من كلّ وجه بها يتحقّق امتلاء الأرض ظلماً وجوراً ، فلا بدّ من أن يكون لمظهر العقل وهو محمّد : وخلفاؤه صلوات الله عليهم تحقّق وفعليّة فيها كاملة من كلّ وجه بها يكون الدين كلّه لله. ولا يتمّ هذا ويصدق إلّا بالرجعة. والوجوه كثيرة لا تخفى على العارف ، والاستعجال أوجبَ الاقتصار.

ومنها : ما ثبت بالبرهان المتضاعف من وجوب تطابق البداية والنهاية ، وأن أوّل الفكر آخر العمل ، وأن العلّة الغائيّة هي علّة فاعليّة الفاعل ، فهي أوّل وآخر ، ووجوب تطابق قوسي دائرة المبدأ والمعاد.

إذا تعقّلت هذا فاعلم أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلفاءه الاثني عشر عليهم السلام هم أوّل العابدين الداعين إلى الله ، الدالّين عليه في مقام ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (2) وقبله وبعده ، وفي كلّ مقام. فلا بدّ أن يكونوا أجمعين آخر العابدين الدالّين على الله ، الهادين إليه ، وأنهم

ص: 159


1- الكافي 1 : 26 / 26.
2- الأعراف : 172.

أوّل الخلق ؛ فيجب أن يكونوا غاية الخلق ونهايته ، وأنهم مبدأ الخلق فلا بدّ أن يكونوا معاده. كلّ ذلك بالفعل من كلّ وجه في كلّ مقام من مقامات الوجود ، وهذا لا يتم إلّا بالرجعة ، وإلّا لكان ناقصاً جزئيّاً لا كاملاً تامّاً كلّيّاً.

ومنها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : لكمال شرفه كانت بعثته كأنّها ابتداءً دورتان أو هي كذلك ، فقد جمع الله له جميع معاجز الأنبياء طرّاً وأعطاه كمالاتهم أجمع ، وهي المعبّر عنها بمواريث الأنبياء ، وقد ورثها منه خلفاؤه. وجمع في أُمّته جميع ما كان في الأُمم السالفة ، فكانت امّة محمَّد صلى الله عليه وآله : مقابلة جميع الأُمم ، وقد وقع في الأُمم السالفة الرجعة بعد الموت ، فلا بدّ أن تقع على وجه أكمل في هذه الأُمّة.

ومنها : أن آدم فمن دونه تحت لواء محمَّد صلى الله عليه وآله : بالفعل في بدء الخلق ويوم القيامة ، فلا بدّ أن يكونوا في هذه النشأة كذلك بالفعل ؛ لوجوب تطابق العوالم ، وهذا لا يكون إلّا بالرجعة.

ومنها : أن الموت الطبيعيّ استكمال تدريجيّ ولذّة أُخرويّة كذلك ، والقتل استكمال دفعيّ ولذّة أُخرويّة رفعيّة ، فلا بدّ أن ينالهما محمّد : وآله المعصومون ؛ لا يمكن أن يفوت أحدَهم نوعٌ من الكمال ولا لذّة من لذّات الآخرة ، وهذا لا يكون إلّا بالرجعة بالضرورة ؛ لأنهم غير صاحب الأمر قتلوا فلا بدّ أن يموتوا ، ولا يكون إلّا بالرجعة.

ومنها : أن عالم الدنيا المحض منتقل عائد إلى الآخرة ، ولا يمكن انتقال النشأة الدنيا المحضة إلى النشأة الأُخرى المحضة دفعة واحدة لما بينهما من كمال المضادّة إذا اعتُبرت الحيثيّتان ، فلا بدّ أن يكون بينهما حالة برزخيّة هي يوم الرجعة ، وقبله يوم قيام القائم : ؛ لترتبط العوالم والنشآت.

عرف ذلك كلّ من عرف أنه لا فصل ولا وصل في الوجود ، فلا بدّ من ليل محض يعبد الله فيه بكمال السرّ ، ونهار محض يعبد الله فيه بكمال الجهر ، وحال بينهما هي الساعة الفجريّة. فقيام القائم : كأوّل الساعة الفجرية التي هي البرزخ بين الليل المحض والنهار المحض ، والرجعة كآخرها قبل طلوع الشمس في الأُفق المرئيّ ، فلا بدّ من يوم القائم ، ويوم الرجعة ، ويوم الدنيا و [ يوم ] الآخرة.

ص: 160

ومنها : أن الله أودع في قوى نفوس الأفلاك والكواكب تأثيرات وإمدادات لأجسام هذا العالم ، بإبراز جميع القوى من المعدن والنبات والحيوان ، وكمالها بالفعل من كلّ وجه ، حتّى إن الشجرة لتقصف بما عليها من الثمرة من عظم فعليّة البركات ، وذلك لا يتمّ إلّا بالرجعة ، وإلّا لزم أن ينزل على غير محمّد : وآله الماضين صلوات الله عليهم أجمعين من البركات ما لم ينزل عليهم ، وهذا محال.

ومنها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلفاءه الاثني عشر والزهراء : سلام الله عليهم أجمعين مجتمعون في كلّ نشأة ، وفي كلّ بدء الخلق ، وفي الآخرة ، وفي كلّ طبقة من الوجود لا على سبيل الاتّفاق ، بل لحكمة إلهيّة وسرّ ربّانيّ لا يخفى على العارف أشعّة نوره ، فلا بدّ أن يحصل لهم ذلك الكمال والجمال والجلال في النشأة الدنيويّة ، ولا يكون ذلك إلّا بالرجعة.

ومنها : أنه لا ريب أن زمن امتلاء الأرض قسطاً وعدلاً فيه من اللذّة والبهجة والسرور في قلوب المؤمنين ، ومن الغَناء والنور والعلم ما لا يستقصى ، فكيف يحرم إدراك هذا الكمال والنعمة أنبياء الله ورسله وخلفاؤهم وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، خصوصاً محمّداً : وخلفاءه ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ ومحال أن يدركها من مات إلّا بالرجعة.

ومنها : أن الله عزوجل يحبّ أن يعبد بتأويل القرآن وباطنه ، كما أحبّ أن يعبد بتنزيله ، فقد عبد بالتنزيل ، ولا يمكن أن يعبد بالتأويل والباطن إلّا بالرجعة. ولا بدّ من ذلك ، كما يظهر على متدبّر أخبار التأويل والباطن العارف بلحنها. ومحال أن يختصّ واحد من أهل البيت بالتعبّد والعمل بالتأويل والباطن دون غيره منهم ، بل النبيّ صلى الله عليه وآله : و. عليّ : سلام الله عليه أولى بالعمل والتعبّد بذلك في كلّ نشأة ومقام ، وكذا الحسنان : من القائم سلام الله عليه وإلّا لزم أنه أفضل من الكلّ ، بل من أفضل الكلّ في الكلّ مطلقاً ، وهذا خُلف محال.

وبالجملة ، فالأخبار وطرق الاعتبار في إثبات الرجعة كثيرة جدّاً هي أكثر من أن أُحصيها ، وفيما حصل كفاية لطالب الحقّ.

ص: 161

وبالجملة ، فإجماع أهل البيت : صلّى الله عليهم وسلم وأتباعهم قائم متحقّق على ذلك في كلّ مكان ، بل من الأمر المشهور بين الأُمّة بأجمعها أن ذلك مذهب أهل البيت عليهم السلام : وأتباعهم ، حتّى إن العامّة بأجمعهم يعتقدون أن هذا مذهب أهل البيت عليهم السلام : وأتباعهم. فكم أعاب علماء العامّة على الشيعة القول بالرجعة! فالمعروف بين فرق الأُمّة أن القول بالرجعة مذهب الإماميّة.

ولا يمكن أن يقال : إن قيام القائم عليه السلام : يسمّى رجعة.

فإن الرجعة إلى الدنيا أو إلى الشي ء لا يكون إلّا بعد الخروج منه والانصراف عنه ؛ إذ لا يقال لمن هو في مكان إنه رجع إليه قبل أن يخرج منه ويعود إليه. فإن تحصيل الحاصل محال ، والقائم : عجّل الله فرجه ، وأزال عنا الحيرة به لم يخرج من الدنيا حتّى يقال : إن قيامه يسمّى رجعة.

يؤيّد هذا ، بل يدلّ عليه أن الأُمّة مطبقة على القول بقيام القائم : ومنكرة للرجعة ، إلّا أهلَ البيت عليهم السلام : وأتباعهم ، فالقول بها من خواصّهم التي انفردوا بها وامتازوا عن جميع فرق الأُمّة ، والله العالم ، وهو الهادي والعاصم.

وهذا آخر ما أردت إملاءه في هذه العجالة ، وقد جعلتها هديّة إلى حضرة صاحب الزمان : صلّى الله عليه ، وعجّل فرجه فإن قبلها فشأنه العفو والرحمة والكرم والجود ، وإن ردّها فبجرائم مؤلّفها الأقلّ المقصّر القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق. وأنا أسأله العفو ، ونظرة رحيمة كما عوّد ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، كما هو أهله وصلّى الله على محمّد : وآله الأطهار وسلم.

اللهم أرجعني ومن نسخها أو استكتبها ووالديّ وإخواني ومن عمل لي إحساناً من المؤمنين في كرّتهم يا أرحم الراحمين.

تمَّت بقلم المذنب المخطئ العاصي زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع ، عفا الله عنهم أجمعين.

ص: 162

الرسالة الرابعة : معنى صحيح زرارة المروي في الكافي « إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همَّ بحسنَةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة .. »

اشارة

ص: 163

ص: 164

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول الأقلّ الأحقر أحمد بن صالح بن طوق : قد سألني سلالة العلماء الصالحين ، وخلاصة الأخلّاء الناصحين ، العامل العالم ، الكامل الزكيّ ، الشيخ محمّد (1) ابن العلّامة المقدّس شيخنا الشيخ مبارك ابن الشيخ عليّ : أيّده الله بألطافه ، وأنار فكره بأنوار الهداة له عن معنى صحيح زُرارة : المرويّ في ( الكافي ) عن أحدهما عليهما السلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم : في ذرِّيَّته : مَنْ هَمَّ بحسنةٍ ولمْ يعملْها كُتِبَتْ له حَسنةٌ ، ومَنْ هَمَّ بحسنة وعَملَها كُتِبَتْ له عشراً ، ومَنْ هَمَّ بسيِّئةٍ لم تُكتَبْ عليه ، ومَنْ هَمَّ بها وعملها كُتِبَتْ عليه سيِّئة (2) ، انتهى.

ص: 165


1- العالم العامل التقي الزاهد الشيخ محمد كان سكناه في قرية ( صفوى ) إحدى قرى القطيف. وكان مضرب الأمثال في الورع والزهد والتقوى ، وله كرامات مشهورة ، ومن ورعه أنه رحمه الله كان يباشر غسل ثيابه بيده ، ويدفع كل شهر اجرة لأهله لمباشرة خدمة بيته. توفّيَ سنة ( 1266 ه / 1849 ) في القطيف ، ودفن في الحبّاكة. انظر : أنوار البدرين : 1. مجلَّة الموسم / من أعلام القطيف عبر العصور / العدد ( 9 - 10 ) / 1991 م.
2- الكافي 2 : 428 / 1.

ولعمري ، إنني لستُ مِن خدم أرباب هذه الصناعة ، ولا من تجّار هذه البضاعة ، فقد استسمن ذا ورم (1) لحسن ظنّه ، ولكنّ أمره واجب الامتثال ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، والحكمة ضالّة المؤمن (2) حيث ما وجدها التقطها.

ولنقدّم مقدّمة يُستعان بها على معنى الحديث ، فنقول وبالله المستعان : اعلم أيّدك الله بنوره - [ أن ] الذي يظهر لي من الأخبار وقواعد العدل والحكمة إن الحسنة والسيّئة إذا [ خطرتا (3) ] ببال المكلّف المختار مجرّد خطور وتذكّر ، وتصوّرٍ لحقيقتها ومعناها ، ولفعلها وحُسنه أو قُبحه ، أو لذّته ؛ فإن كان إحضارها بالبال لأجل الترغيب في فعل الطاعة أو ترك المعصية ، أو التحذير من ترك الطاعة أو فعل المعصية ، أُثيب ، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة والأخبار والاعتبار.

وإلّا يكن كذلك ، بل مجرّد تصوّر بلا عزم على فعلٍ أصلاً بل مجرّد تصوّر وتذكّر لهما أو لأحدهما فلا ثوابَ ولا عقابَ ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ؛ إذ ربّما تخطُر أحدهما بالبال قهراً ، وربّما ألقى المَلَكُ أو الشيطانُ [ ذكرهما وتصوّرهما (4) ] هكذا ، وللزم تحريم تعلّم معنى المعصية وتعليمها ، وذكرها لأجل التحذير ، أو الترغيب به أنه لا ثوابَ ولا عقابَ بمجرّد خطور أحدهما بالبال ما لم يكن نيّةٌ على فعلٍ لما خَطَرَ أو ذَكَر ، يُثابُ ، أو يُعاقَبُ عليه.

وإن خطرت أحدهما بالبال وهَمّ [ بفعلها (5) ] ، وعَزَمَ عليه أي نوى فعله فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون المنويّ فِعلَ الطاعة الواجبة أو المندوبة ، أو ترك الواجبة أو المندوبة.

أقسام نيّة الطاعة

فأقسام النيّة بالنسبة إلى الطاعة أربعة ، ففي الأوّلين يُثابُ إن فَعَلَ ما نواه ويُكتب

ص: 166


1- انظر صبح الأعشى 1 : 530 ، وفيه : ( استسمنتْ ).
2- إشارة إلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله ، كما في بحار الأنوار 1 : 148 / 30 ، وغيرها.
3- في المخطوط : ( خطرت ).
4- في المخطوط : ( ذكرها وتصوُّرها ).
5- في المخطوط ( بفعله ).

له عشر حسنات وإن تفاضلت قوّة وضعفاً بحسب فضل الواجب على النفل ( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (1) وإنما كانت الحسنة بعشر ؛ لأنها من نور الوجود الفائض من فعل المعبود ، فهي إذا صدرت من العابد صدرت من جميع مراتب وجوده العشر الكلّيّة ( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) بحسب قوّة مراتبه وضعفها ، وقوّة درجاته الإيمانيّة العشر وضعفها ، وقوّة علمه وإخلاصه وضعفهما. ولأجل أن طاعات الموحّدين من فاضل شعاع نور إمامهم ، كانت ثابتة غير مجتثّة ؛ لثبات أصلها وعلّتها.

وإن لم يفعل ما نواه :

فإن كان واجباً ؛ فإن كان تركه لحائل قهريّ لم يُعاقب على تركه ، لكنّ هذا لا يتحقّق معه نيّة الترك ؛ لأنه لم تنفكّ عنه النيّة الكلّية للفعل الكلّي ، أو الجزئيّ وهو يُثاب على همّه وعزمه ونيّته أبداً ، بل هو سبب الخلود إذا كان المنويّ يوجب الخلود ؛ وذلك ؛ لأن النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ الإيمان ، وتلك الألواح المقدّسة لا تفنى ولا ينقطع عملها ؛ ولذلك دام ثوابهم بلا انقطاع وخلّدوا بنيّاتهم.

وإن كان تركه للطاعة الواجبة لا لمانع قهريّ بل اختياراً منه ، عُوقبَ على نيّتهِ ترك الطاعة. وهل يُثاب لو نوى الواجبة ثمّ نوى تركها ولم يفعلها؟

الظاهر أنه لا يُثاب ؛ لأنه محا مادّة وجودها ، و [ أطفأ (2) ] نوره بتركه لها ؛ فهو كمن راءى ، أو دخله العُجب آخر صلاته. بل لا يمكن أن توجد النيّة الجزئيّة للفعل الجزئيّ إلّا بوجوده ، ولا الكلّيّة إلّا بوجود منويّها الكلّيّ ، وهو الصورة القائمة بالنفس. فإن أعرضَ عن النيّة عُدِمَ المنويّ ؛ لأنه لا تكون الإرادة إلّا والمراد معها ، ولا وجود للمعلول بعد فناء علّته.

ويُحتمل أنه يثاب عليه في الدنيا ، لكنّه ضعيف جدّاً.

وإن نوى فعلها ، ثمّ نوى تركها ، ثمّ ندم ورجع وفعلها ، أُثيب على نيّته السابقة واللاحقة والله غفور رحيم ذو فضل عظيم ؛ فإن تحقّق معه الترك عُوقِب أيضاً على

ص: 167


1- البقرة : 261.
2- في المخطوط : ( طفي ).

ترك الطاعة ، وإن رجع وندم عن نيّته لترك الطاعة الواجبة وتداركها مع الإمكان لم يُعاقب على تلك النيّة بفضل سعة رحمة الله.

وإن كان ما هَمّ به ونواه فتركه مندوباً أُثيب على نيّته الفعلَ وإن لم يفعله ، بل لو نوى [ في ] فعل الخير أن يفعله إن تمكّن منه ، أُثيب ما بقيت نيّته. ولو مات قبل أن يتمكّن مع بقاء نيّته أن يفعله ما تمكّن منه أبداً ، أُثيب أبداً ؛ فإن نيّته حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة الكلّيّة القائمة بالنفس أعني : المشيئة ولم يُعاقب على تركه ؛ للإذن الشرعيّ في تركه.

أقسام نيّة المعصية

وإمّا أن يكون المنويّ الذي هَمّ به وعزم عليه فعلَ المعصية أو تركها ، فالأقسام بالنسبة إلى المعصية اثنان ، وكلّ منهما إما كلّيّ أو جزئيّ. فإذا هَمّ بالمعصية أي عزم على فعلها ونواه فإن صمّم عَزمه ونيّته وفعَلَ ما نواه كُتِبت عليه سيّئة ، ولكن لا تستقرّ الكتابة ، وتكون بالفعل في جميع مراتب مصادرها إلّا بعد سبع ساعات.

أمّا إنها إنما تُكتب سيّئة واحدة فبفضل رحمة الله التي سبقت غضبه ، ووسعت كلّ شي ء ، ولأن المعصية في الحقيقة عدمُ كمالٍ ، ونقصُ وجودٍ ، وظلمة ، والعدمُ نقطة لا فاضل لها ، ولا رتب في نفسها وحقيقتها. وإنما المعصيةُ نقصُ الوجود وظلمة ، والظلمةُ إنما هي عدمُ النورِ ، والنقصُ إنما هو عدم الكمال ، والعدم نقطة.

وأيضاً المعصية صفة الجهل ، وممدّها الجهل ، فهو مبدؤها وإليه تعود ، وهو عدم ؛ لأنه عدم العلم والعقل ، فإذا كان الأصلُ والعلّةُ عدماً مجتثّاً غير ثابت لأنه ليس من الله ، وإنما هو من سِجّين ويعود إليها فهي عدم مجتثّة لا قرار لها كأصلها ، والفاعل لها هو الجاهل العاصي ، فعلها بما أنعَم الله به عليه من القوى والآلة التي وهبها له المعبود بالحقّ ؛ ليعبده بها ، فاختار صرفها في المعصية.

انظر إلى الظلّ الفائض من الجدار بسبب إشراق نور شعاع الشمس على وجهه ، فإنه شي ء في مرتبته وليس بشي ءٍ في الحقيقة وإنما هو عدمُ نور شعاع الشمس

ص: 168

المشرق على وجه الجدار ، ظَهرَ بسبب حيلولة كثافة إنّيّة الجدار وماهيّته بين نور شعاع الشمس وبين محلّه. فهو في الحقيقة نقطة لا فاضل له ؛ لاستحالة أن يكون للعدم فضل يُفيضه على مجاورة ؛ لأنّه لو فُرِضَ له فاضل لكان ؛ إمّا أقوى منه وأشدّ عدميّة وظلمة فيثبت له من معنى حقيقة أصله وعلّته ما هو أشد فعليّة منه ، أو أضعف ظلمة وعدميّة ، وهذا لا يكون إلّا بممازجته وخلطه بشي ءٍ من النور والوجود. وكلاهما محال ؛ لما يلزمهما من أشرفيّة الفرع على الأصل في تحقّق الحقيقة ، أو إلباس الفرعِ كمالاً ليس هو لأصله ، فلا يكون منه ، فليس هو فرعه ، وقد فُرِض أنه فرعه ، بل يلزم انقلاب الأصل فرعاً في الوجهين.

وإن أسف على نيّته وهمّهِ بالمعصية لم يُكتب عليه إثم ، ومحا من نفسه أثرَ تلك النيّة ؛ لأن ندمه توبة ، وبها يُمحى أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها. وكذا لو أعرض عن فعلها ونيّتها ؛ لانصراف شهوته ، أو ذهوله ونسيانه ولم يفعل ، لم يُكتب عليه شي ء بفضل رحمة الله وجوده ، ومحا إثمَ ذلك الهمّ والنيّة من نفسه ؛ لأنّه محا تلك النيّة من لوح نفسه ، فإن الحقّ أنه يأثم على نيّة المعصية كما يُثاب على نيّة الطاعة ، ويزداد نور نيّة الطاعة وظلمة نيّة المعصية في نفسه ، ويدوم بقدر اشتداد نيّته وتأكّد عزمه. ودوام ذلك منه حتّى لو مات على نيّة أن يعصي أبداً ، ولو خلد أبداً عُذّبَ دائماً أبداً بتلك النيّة ، إلا أن يكون مؤمناً فتتداركه شفاعة محمّد : وأهل بيته ، صلى الله عليه وآله أجمعين. ويدلّ على ذلك الأخبار والاعتبار وقواعد العدل.

الدليل من الأخبار على الإثابة على نيّة الطاعة

فأمّا الدليل على أنه يُثاب على نيّة الطاعة كلّيّة وجزئيّة مع الفعل ، وكلّيّة ولو لم يعملها إن كان المنويّ مندوباً ، فكثير من الأخبار (1) واجباً كان أو مندوباً ، أو تركه لمانع قهريّ مع بقائه على نيّة العمل ما تمكّن منه إلَّا أن يكون ما نواه ولم يعمله

ص: 169


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 49 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6.

واجباً تركه اختياراً. فإن الظاهر أنه لا يُثاب على تلك النيّة حينئذٍ ؛ لعدم ثباتها ، ولأنها عملٌ باطل ؛ فإن شرط صحّة هذه النيّة أن يفعل المنويّ ، ولأنه إذا نوى واجباً ثمّ عزم على تركه وصمّم ، [ أطفأ (1) ] ظلامُ عزمه واستيلائه على نفسه نورَ نيّته السابقة ، بل تكون نفسه أشدّ ظلاماً ممّا كانت عليه قبل تلك النيّة فإنه حينئذٍ قد أثم ، واستحقّ العقاب ، إلَّا أن يتوب ويرجع إلى الله ؛ فإنَّ الله توّاب رحيم.

وإمّا نيّة المعصية فيُعاقب عليها بمقتضى قواعد العدل ، وبالأخبار الكثيرة ، وخصوصاً إذا عمل ما نوى ، أو حال بينه وبين العمل مانع قهريّ مع بقائه على نيّة الفعل ما أمكنه ، بل عقاب هذه النيّة لا ينقطع ؛ لأنها عمل القلب ما لم يندم على نيّته ويرجع عنها فإنه يُثاب عليه ، والله توّاب رحيم.

وإذا كانت التوبة تمحو أثر فعل المعصية فمحوها لنيّتها أولى ، وكذا لو زالت نيّة المعصية عنه بذهول أو نسيان أو تغيير شهوته وانصرافها عن فعل ما نوى ، فإن مقتضى سبق الرحمة التي وسعت كلّ شي ء إلّا يؤاخَذ بمجرّد تلك النيّة ، ولعموم الخبر المبحوث عنه وأمثاله كذلك.

الدليل من الأخبار على العقوبة على نيّة المعصية

ومن الأخبار الدالّة على حصول الإثم والعقاب على نيّة المعصية مثل ما جاء عنهم عليهم سلام الله أنهم قالوا نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله (2).

والظاهر أن المراد منها : النيّة التي قد استدام عزمه على أن يفعل منويّها ما أمكنه. فهذه من أعمال القلب التي لا تنقطع ولو حال دون عمل منويّها الموت ؛ لأنهما كلّيّان كما أخبر الله عن أهل النار بقوله ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (3)

ص: 170


1- في المخطوط : ( طفي ).
2- المحاسن 1 : 405 / 919 ، وفيه : « ونيَّة الفاجر » ، الكافي 2 : 84 / 2 ، وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 3.
3- الأنعام : 28.

يعني في قولهم ( أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ ) (1). فدلّ ظاهر الآية على أن أهل النار مُؤاخذون بنيّاتهم التي ما أقلعوا عنها ، وظاهرها يعمّ نيّات الكفر والمعاصي.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) (2) حيث علّق التعذيب على الإرادة.

ومن الأخبار الّتي تؤيّد هذا الظاهر ما في ( الكافي ) عن جعفر بن محمَّد عليهما السلام : في هذه الآية أنه قال : إنها نزلت فيهم من حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليَّه ، فبعداً للقوم الظالمين (3).

فإن الظاهر أن منويّهم إنما أرادوا أن يفعلوه ظاهراً بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله : فإنهم على ذلك منذ كلّفوا باطناً في عقائدهم ونيّاتهم ، فأخبر الله تعالى أنهم ذائقو العذاب الأليم بمجرّد تلك النيّة والعزم الذي تعاهدوا عليه في الكعبة.

ومن الأخبار أيضاً عموم ما جاء عنهم عليهم السلام إن مَنْ أسرَّ سريرة ردّاه الله رداءها (4).

ومنها ما جاء عنهم عليهم السلام أن الإنسان إذا هَمّ بكذبة تباعد عنه الملكان ميلاً لنتن ما يخرج من فيه ؛ إذ ذلك النتن إنما هو لَمِن ظلمة المعصية وبعض صفاتها الذميمة.

ومنها ما في ( الكافي ) بسنده عن عبد الله بن موسى بن جعفر : عن أبيه عليهم السلام قال : سألته عن الملكين : هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟ فقال ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟

قلت : لا. قال إن العبد إذا هَمَّ بالحسنة خرج نَفَسُه طيّب الريح ، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنَّه قد هَمَّ بالحسنة ، فإذا فَعَلَها كان لسانه

ص: 171


1- فاطر : 37.
2- الحجّ : 25.
3- الكافي 1 : 421 / 44 ، ولم يرد فيه : « إنها ».
4- الكافي 2 : 294 / 6 ، وسائل الشيعة 1 : 57 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 7 ، ح 1 : 65 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 11 ، ح 5.

قلمه وريقه مداده ، فأثبَتَها له. [ وإذا (1) ] هَمَّ بالسيّئة خرج نَفَسُه منتن الريح فيقولُ صاحب الشمال لصاحب اليمين : قم فإنه قد هَمَّ بالسيّئة ، فإذا فعلها هو كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، وأثبَتَها عليه (2).

فدلّ على ترتّب طيب نَفَسِه الدالّ على طيب نَفسِه واستنارتها ونتن نَفَسِه الدالّ على إظلام نَفسِه وخبثها على الهمّ والنيّة. والمراد بها : العزم المتأكّد ، والنيّة المستقرّة. ونتنُ النَّفَسِ دليل على تحقّق الإثم ، والبعد عن ساحة الرضوان ، والتحقّق بصفات أهل النار ، فما زال العبد عازماً ناوياً لفعل المعصية فَنَفَسُه منتنٌ ونفسُه مظلمة وإن حال بينه وبين فعل منويّة حائل قهريّ ، ما دام عازماً على فعل المعصية ما تمكّن منه ؛ وذلك لوجود المقتضي وهو الهمّ الثابت المستقرّ من أجل غلبة النفس الأمّارة المظلمة المنتنة. وهذا النَّفَسُ خارج منها ، والمراد به : ما به مادّة حياتها وبقائها الذي يمدّها به الجهل المنتن المظلم بمقتضى الطبع الذي اقتضاه كفره.

نعم ، إن كان تركه للمعصية بعد الهمّ بها والعزم على فعلها عن رجوع وندمٍ زال ذلك الأثر زوالاً تامّاً بقدر قوّة ندمه ، وخلوص توبته ؛ فإن التوبة تمحو أثر فعل المعصية ، فلأن تمحو أثر نيّتها أولى بمقتضى وعد الله لمن تاب بالمغفرة والرحمة. وكذا لو كان تركه لها عن إعراض ، وانصراف شهوة ضَعُفَ أثر النيّة بقدر قوّة نيّة الإعراض وسببه ، وربّما زال أثره رأساً بعمل طاعةٍ وشبهها وإن لم يسبقه ندم ؛ بمقتضى سبق الرحمة الواسعة. ومن أجل سبق الرحمة واللطف يؤجّل فاعل المعصية سبع ساعات ، فإن تاب واستغفر الله لم يثبت في صحيفته ، وإلّا أُثبتت عليه ، كما في خبر فُضَيل بن عثمان المراديّ : المرويّ في ( الكافي ) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع مَنْ كن فيه لم يهلك على الله بعدهنّ إلّا هالك : يهمّ العبد بالحسنة [ فيعملها ، فإن (3) ] هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيَّته ، وإن هو عملها كتب

ص: 172


1- من المصدر ، وفي المخطوط : « فإذا ».
2- الكافي 2 : 429 / 3.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « ليعملها ، فإذا ».

الله له عشراً ، ويهمّ بالسيِّئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يُكتب عليه شي ء ، وإن هو عملها أُجِّلَ سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيِّئات وهو صاحب الشمال - : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ؛ فإنَّ الله عزوجل يقول ( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (1) ، أو الاستغفار ، فإن هو قال : أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور ، الرحيم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يُكتب عليه شي ء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يُتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيِّئات : اكتب على الشقيِّ المحروم (2).

والمراد بلسانه الذي هو قلم الملك هو القوّة الناطقة المدركة للكلّيّات فإن بها ترتسم صور المعلومات في لوح النَّفس التي هي مقرّ الصور العلميّة ، وفي لوحي الخيال والوهم ، وهي أعالي وجه النفس الكلّيّة التي بها تتوجّه إلى ممدّها من العقل إن كانت مطمئنّة ، أو الجهل إن كانت أمارة ؛ ولذا ورد إن صحيفة المَلكَ جبينه.

والمراد بريقه الذي هو مداد الكاتبين هو رطوبات فكره وخياله ووهمه ، المتولّدة من هضم غذاء نفسه الذي منه تنمو صورتها ، وهو أعماله وعقائده ؛ فإنها غذاء النفس ، وهي عذبة طيّبه إن كانت النفس مطمئنّة والعقائد والأعمال حقّة ، [ و ] ملح اجاج منتن إن كانت أمارة والعقائد والأعمال باطلة ؛ فإن غذاء المطمئنّة من فضل شجرة المُزنِ (3) وغذاء الأمّارة من فضل شجرة الزقّوم.

ولكن لمّا كتب عزوجل على نفسه الرحمة اقتضى أن تُرسم الطاعة وتُثبت لفاعلها عند فعلها ، وأن يُمهَل فاعل المعصية سبع ساعات بعدد دركات جهنّم وأبوابها السبعة ؛ لِما علمت من أن المعصية مبدؤها شجرة الزقوم ، ففي كلّ ساعة يصعد دخان المعصية الثائر من تلك الشجرة إلى مرتبة من مراتب نفسه الأمّارة

ص: 173


1- هود : 114.
2- الكافي 2 : 429 - 430 / 4.
3- ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام : « إن في الجنّة لشجرة تسمّى المزن ، فإذا أراد الله أن يخلق مؤمناً أقطر منها قطرة ، فلا تصيبُ بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلّا أخرج الله عزوجل من صلبه مؤمناً ». الكافي 2 : 14 / 1.

السبع ، فإنها سبع طبقات فإذا بلغت الساعة السابعة ولم تُتبع بتوبة تمحوها استقرّ فعليّتها في جميع قوى الأمّارة وطبقاتها ، وتتمّ فعليّة ظهور صورة الجهل في مرآة نفسه.

فمعنى كتابتها حينئذٍ هو تمام فعليّة ثبوتها ، واستقرارها ، وتصوّر النفس بصورتها ، وبروزها بها ، فإن العقائد والأعمال مادّة تصوّر النفس وتطوّرها ، فهي متكوّنة متصوّرة بصورة أعمالها وعقائدها ، كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة من ظهور مَن خالف الحقّ في النشأة الآخرة بصور الكلاب (1) والقردة والخنازير وغير ذلك ؛ فإن صور العقائد والأعمال الباطلة وحقائقها الغيبيّة من نوع تلك الحقائق ، فإن جميع تلك الحقائق شؤون الجهل وتطوّراته ، فهو أصل الجميع الجامع لها ، والكلّ منها بمنزلة الجزئيّات من ذلك الكلّيّ. فهذا معنى كتابة الأعمال والعقائد ، ونيّة كلّ فعل من سنخ حقيقته.

حقيقة الطاعة والمعصية

وإذا عرفت أن أصل الطاعة ومحتدها ومبدأها هو العقل وإليه تعود فإنها صفة فطرة الوجود التي فطر الله الناس عليها ، وعليها يولد كلّ مولود ، فهي متحقّقة في جميع مراتب العقل والوجود الفائض بالذات من المعبود وأن المعصية مبدؤها ومحتدها وأصلها الجهل ، وإليه تعود فلا تعود إلى الله ؛ لأن كلّ شي ء إنما يعود إلى ما منه بدأ ، كما دلّ عليه الأخبار والاعتبار ، ولا ينافي هذا أنها بقضاء من الله وقدر وإنما هذا لعدم خروجها وفاعلها عن ملك الله وقبضته عرفت أن المعصية مجتثّة لا قرار لها ، وإنما هي في الحقيقة عدمٌ كمبدئها وعلّتها ، وهو الجهل ، فإن حقيقته إنما هي عدم الوجود ، ولذا جنود الجهل إنما حقيقتها عدم ضدّها من جنود العقل ، فتأمّل

ص: 174


1- انظر الأمالي ( الطوسيّ ) 487 / 1068.

في أفراد الجندين (1) تجد الأمر كما قلناه.

فكذا حقيقة المعصية إنما هي عدم الطاعة التي هي صفة الوجود ونور العقل ، فهي عدم كأصلها وإن كانت كأصلها في مرتبتها شيئاً موجوداً ، ولكنّه في الحقيقة إنما هو عدمُ شي ء هو الكمال ، فهي كظلّ الجدار الحادث من إشراق نور شعاع الشمس على وجه الجدار ؛ فإنه في مرتبته ، وبحسب الظاهر شي ء ، وفي الحقيقة ليس بشي ء وإنما حقيقته عدم نور شعاع الشمس ؛ ولذا لم يكن له فضل ولا إفضال ولا فيض ، فهي مجتثّة من فوق أرض النفوس أي لا قرار لها ؛ لاجتثاث أصلها فلا ممعاد (2) لها من الوجود ، والعقل القارّ الثابت. والفاعل لها بما أنعم الله عليه به من الآلة التي وهبها له ليطيعه بها فعصاه بها دائماً يهوي بها وبنيّتها في دركات الجحيم ؛ لأنه بذلك لا يزال مُدبِراً عن الحقّ.

ومن ذلك يُعلم حال الكافر ونيّته ، فهم يسحبون على وجوههم ؛ لأنهم مدبرون عن الحقّ أبداً ، وقلوبهم منكوسة فليس لها ما تنتهي إليه من الحقّ. فهذا معنى سحبهم على وجوههم ، أي مدبرون عن الحقّ.

ومن هنا يُعلم أن الطاعة بعشر والمعصية بواحدة ؛ لأنها نقطة لا تقبل التكثّر ، وأن ذلك مقتضى العدل.

ص: 175


1- انظر : الخصال 2 : 588 - 591 ، أبواب السبعين وما فوقه / 13 ، بحار الأنوار 1 : 109 - 111 / 7.
2- كذا في المخطوط.

ص: 176

شرح الرواية

إذا عرفت هذا ، فلنرجع إلى الكلام على الخبر المبحوث عنه ، فنقول : قوله عليه السلام إن الله تبارك وتعالى جعل أي منّ بفضل رحمته التي وسعت كلّ شي ء ، وأنعم ، ووهب لآدم : ؛ لأنه كتب على نفسه الرحمة. والمراد بآدم : هو أبو البشر ، أو آدم الأوّل : الذي هو أب لألف ألف آدم : وما نسلوا. كلّ منهما معنى مراد ، وعلى كلّ منهما فهذا التفصيل والمنّ عامّ لجميع البشر.

ويدلّ على إرادة الثاني (1) ما رواه القمّيّ : في تفسيره من خبر المعراج عن أبي عبد الله عليه السلام : وفيه إن الله أوحى لحبيبه محمد صلى الله عليه وآله : أن مَن هَمّ من أُمّتك بحسنة يعملها فعملها كتبتُ له عشراً ، وإن لم يعملها كتبتُ له واحدة ، ومَن هَمّ مِن أُمّتك بسيّئة فعملها كتبتُ له واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئاً (2). والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة بمعناه وأكثر ألفاظه.

وليس بين الخبرين منافاة ؛ فإن امّة محمّد : من ذرّيّة آدم : البشريّ ، ومحمَّد صلى الله عليه وآله : باب كلّ جود يفيض من المعبود ، فقد منّ على الأبوين بأن جعل لكلّ منهما في ذرِّيَّته أي ما ولد وتناسل منه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، حسّا أو عقلاً ، فكلّ منهما ذرّيّته بحسبه ، مَنْ هَمَّ بحسنة أي عزم على فعلها عزماً مستقرّاً ونواه ؛ فإن كانت واجبة وعملها أُثيب على نيّته وعمله ، وإن لم يعملها ؛ فإن كان تركه لحائل قهريّ

ص: 177


1- أي آدم أبي البشر ؛ فهو الثاني زمناً.
2- انظر تفسير القميّ 2 : 12.

أُثيب على نيّته ما بقيت ، وإن كان الحائل حينئذٍ الموت بأن مات ناوياً لفعلها ما أمكنه أُثيب على نيّته أبداً. بل إن كان المنويّ هو الإيمان وما يتحقّق به من الأعمال ، خلّد بنيّته في ثواب عمله ؛ لأن النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ العقائد وهياكل التوحيد التي لا تفنى ؛ لأن التوحيد الذي هي صفته لا يفنى ، فهي حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّيّ متحقّق معها.

ويدلّ على ثبوت استمرار الثواب والعقاب على استمرار ثبوت النيّات خبر أبي هاشم : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنما خلِّد أهل النار في النار ؛ لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا (1) فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خُلِّد أهل الجنَّة في الجنَّة ؛ لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلِّدوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خُلِّد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى - : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (2) (3).

والوجه أن تلك النيّات عمل القلب ، فهي كلّيّات ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، فهما دائمان ، وما استمر العمل استمر الجزاء.

وغيره من الأخبار (4).

وإن كان تركه لما نواه من الواجب ، لا لمانع قهريّ بل عصياناً ، عُوقبَ على ذلك ، ولم يكتب له أجر النيّة وخصوصاً إذا كان عن استخفافٍ بأوامر الله ؛ لأنه [ أطفأ ] (5) نور نيّته بتركه ما نوى من الواجب وعصيانه.

وإن كان ما هَمّ به ونواه من الحسنة مندوباً ؛ فإن فعلها أُثيب على نيّته وعمله بفضل رحمة الله ، وإن لم يعملها ، ولم يكن تركه لها عن استخفاف وتهاون بأوامر الله ورغبة عن ثوابهِ أُثيب على نيّته للحسنة ، واستمرّ ثوابه على نيّته إذا مات ناوياً أنه يعملها ما بقي.

ص: 178


1- في المصدر : « بقوا » بدل : « خلِّدوا ».
2- الإسراء : 84.
3- الكافي 2 ؛ 85 / 5 ، وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 4.
4- عطف على قوله : ( خبر أبي هاشم ) المارّ ذكره.
5- في المخطوط : ( أطفى ).

وعلى هذا إجماع أهل العدل والتوحيد ، والأخبار الدالّة عليه كثيرة مستفيضة وقد سلف بعضها ، ومنها صحيح أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيَّة ، كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله (1).

فدلّ هذا الخبر على أنه إذا استقرّ صدق العزم والنيّة على عمل الخير ، وحيل بين الناوي وإبراز العمل بحائل قهريّ ، أُثيب ثواب العمل ؛ لأن هذا وسعه من عمل ذلك العمل و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2).

وإن كان تركه لعمل ما نواه من ذلك استخفافاً ورغبةً عن ثواب الله ، عُوقب على تركه ، ولم يُثَب على نيّته ؛ لأنه [ أطفأ (3) ] نورها ، ومحا أثرها.

ومَنْ هَمَّ بحسنة وعملها سواء كانت واجبة أو مندوبة كُتبت له عشراً ؛ بفضل سعة رحمة الله وحكمته وعدله ، فالله عزّ اسمه يثيبه بقدر كلّ رتبة تحقّق فيها ذلك العمل من مراتب وجوده. وعند الله مزيد لاستقرار نيّته وثباتها ودوامها ؛ وبشفاعة محمّد : وآله ، صلّى الله على محمّد : وآله.

ومَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها فإن كان تركه لها عن حائل ومانع قهريّ ، مع بقاء همّه وعزمه ونيّته أنه يفعلها ما تمكّن ، عُوقب على نيّته تلك ، بل ربّما استمرّ عقابه وخلّد فيه كما مرّ بيانه.

وإن كان تركه لما نواه من السيّئة لتذكّرٍ وندم وخوف من الله ، لم تُكتب عليه أي تلك السيّئة لأن التوبة تمحو أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها ، فتمحو عنهم وزر الهم ، والعزم على فعل المعصية. وكذلك لو كان تركه لفعل ما نواه من المعصية عن إعراض لانصراف شهوةٍ وإن لم يكن عن ندم وتوبة ، والله غفور رحيم ، فلا تكتب عليه سيّئة ، بل لعلّ الله حينئذٍ يمحو ما تلوّثت به نفسه وتكدّر به صفاؤها من تلك

ص: 179


1- الكافي 2 : 85 / 3 ، وسائل الشيعة 1 : 49 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 1.
2- البقرة : 286.
3- في المخطوط : ( أطفى ).

النيّة السابقة بما يفعله من الطاعات بعدها. وعلى مثله تحمل الأخبار الكثيرة التي ظاهرها أن فعل الطاعة يمحو الذنب ، مثل مَن صلّى بالليل غفر له ما أجرم بالنهار (1) نقلتُهُ بالمعنى وقس عليه أمثاله.

فيكون المراد من الذنوب التي تمحوها الطاعات : مثل نيّة فعل الذنب الذي لا يعمله لا لمانع قهريّ مع بقاء نيّة فعله.

ويحتمل قويّاً دخول الصغائر التي لا يتكرّر فعلها من فاعلها ، ولم يصرّ على نيّة فعلها ، بل التي يفعلها مرّة واحدة ثمّ يُعرض عنها عن توبةٍ وندم ، أو عن إعراضٍ ؛ لانصراف شهوته أو حاجته إليها.

وعلى كلّ حالٍ ليس في الخبر المبحوث عنه دلالة على عدم الإثم بنيّة المعصية ، فإنه إنما قال سلام الله عليه - مَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها لم تكتب عليه أي تلك السيئة. فظاهره إرادة النيّة الجزئيّة للعمل الجزئيّ ؛ لأنه في الحقيقة لا نيّة حينئذٍ ؛ إذ لا نيّة إلّا والمنويّ معها ، فإذا لم يعمل حينئذٍ ما نواه لم يكتب عليه وزر ، ولم يُنفَ وزر نيّتها والهمّ بها إذا كان كلّيّاً مستقرّاً. وهذا لا شكّ فيه ؛ فإنه مقتضى العدل ، فإن العدل الرحيم لا يؤاخِذ مَن نوى سيّئةً بعذاب مَن هَمّ بالسيّئة وعملها ، فلا يكتب عليه تلك السيّئة المنويّة ما لم يعملها ، وإنما يكتب عليه وزر نيّته التي منويّها معها ، فلا تُكتب عليه بمجرّد نيّته السيّئةُ سيّئةً حتّى يعمل السيّئة ، فتكتب عليه السيّئة ونيّتها ، فتفطّن.

ومن همّ بها أي السيّئة وعملها كُتِبتْ عليه سيِّئة بالإجماع الضروريّ ، والكتاب (2) ، والسنة المتواترة المضمون ، والعقل الذي يعرف العدل ؛ فإن هذا مقتضاه. ولا يخلّص المكلّف من إثم المعصية ونيّتها المستقرّة إلّا التوبة المعتبرة شرعاً ، أو التصفية بالعذاب في الدنيا أو الآخرة ، أو هما بعد شفاعة الشافعين ، صلوات الله وسلامه على محمّدٍ : وآله.

ص: 180


1- الأمالي ( الطوسي ) 294 / 572 ، بحار الأنوار 84 : 143 / 16 ، وفيهما : «.
2- في قوله تعالى : ( وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلّا مِثْلَها ) الأنعام : 160.

وما ذكرناه كلّه مقتضى العدل والرحمة الواسعة ، فتدبر أدلّة العدل تجدها دالّة على جميع ما فصّلناه.

مناقشة المازندراني في شرحه للخبر

وقال الفاضل المازندرانيّ : في شرح هذا الخبر : ( تفصيل المقام أن ما في النفس ثلاثة أقسام :

الأوّل : الخطرات التي لا تُقصد ولا تستقرّ ، وقد مرّ أنه لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأُمّة ) (1).

أقول : إن أراد كما هو الظاهر وبمعونة تقييده الثاني بالاختيار - : مجرّد تصوّر الطاعة أو المعصية عموماً أو خصوصاً ، أو معناهما ، أو كيفيّة فعلهما ، أو الخطرات التي تخطر على النفس قهراً من غير همّ بهما وعزمٍ على فعلهما ، فلا شكّ أنه لا يُؤاخذ بتصوّر المعصية كذلك ، ولا يُثاب بتصوّر الطاعة حينئذٍ كذلك ؛ إذ ليس هذا من عمل القلب ولا البدن ، والنصّ والإجماع وقواعد العدل تدلّ على ذلك.

أما لو خطر بباله فعل الطاعة وحسنها ليأمر بها ، أو لينوي فعلها ، أُثيب. وكذا لو خطر بباله فعل المعصية وخبثها لينهى عنها وينتهي ، أُثيب بتلك الأدلّة القاطعة. ولو خطر بباله فعل المعصية ليأمر بها أو يأتمر ، أو طلب معرفتها لذلك ، أثم ، وعوقب ؛ لما مرّ.

ثمّ قال رحمه الله : ( الثاني : الهمّ ، وهو حديث النفس اختياراً أن تفعل ما يوافقها أو يخالفها ، أو إلّا تفعل ، فإن كان ذلك حسنة كُتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كُتبت له عشر حسنات ، وإن كانت سيّئة لم تُكتَب عليه ، فإن فعلها كُتِبَت عليه سيّئة واحدة.

كلّ ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، ولا خلاف فيه أيضاً بين الأُمّة ، إلّا إن بعض العامّة صرّح بأن هذه الكرامة مختصّة بهذه الأُمّة ، وظاهر هذا الحديث أنها

ص: 181


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

في الأُمم السابقة أيضاً ) (1).

أقول : هذه العبارة من المتشابه لفظاً ومعنًى :

أمّا اللفظ ، فإنه لم يفصح عن الموافق لها : هل هو الطاعة أو المعصية؟ وكلّ منهما قابل للأمرين ، فإن النفس إن كانت مطمئنّة فالذي يوافقها ذاتاً وصفة وهيئة ، ولوناً ورائحة وطعماً ، وطبعاً ونوعاً وصنفاً هو الطاعة ، والمعصية تخالفها في ذلك كلّه. وإن كانت أمارة فعلى العكس في ذلك كلّه. وهو رحمه الله قد أجمل ذكر النفس.

وأيضاً فقوله : ( أو إلّا تفعل ) على العكس من ذلك في كلّ منهما ، فالترك لما يوافق المطمئنّة معصية ، ولما يوافق الأمّارة طاعة. وكلامه كلّه مجمل متشابه غير مبيّن.

وأيضاً فقوله : ( فإن كان ذلك ) ، الإشارة محتملة للموافق فعلاً وتركاً وللمخالف كذلك ، فالعبارة متشابهة مجملة.

وأمّا المعنى ، فإنه إن كان هذا الهمّ المفسّر بحديث النفس ( أن تفعل ) أو ( لا تفعل ) اختياراً ليس معه نيّة ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الأوّل ، والأوّل لا ثواب فيه ولا عقاب ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ؛ لأنه لا عن اختيار كما هو الظاهر من عبارته. وإن كانت النيّة متحقّقة معه ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الثالث ، مع أنه ادّعى الإجماع بظاهر عبارته على أنه يُثاب حينئذٍ على الهمّ كذلك بالطاعة ، وعدم العقاب على الهمّ كذلك بالمعصية ما لم يفعلها ، بل ظاهر عبارته أنه لا يُعاقب على ذلك الهمّ أصلاً.

نعم ، إن عمل ما همّ به كذلك من المعصية كتبت عليه تلك المعصية دون الهمّ بها ، وهذا كلّه بإطلاقه ممنوع لما عرفت. ثم إنه بظاهره حمل أخبار الباب على هذا. وحَملُ الخبر المذكور على هذا من غير أن يتحقّق معه نيّة ممنوع ؛ لما عرفت ، ولظهور منافاة العدل في إثابته على ما لم يعمل ولم ينوِ. ومع تحقّق النيّة معه نمنع إطلاق القول بعدم العقاب على ما نوى ، بل فيه ما مرّ من التفصيل.

وإن أراد بهذا القسم مبادئ النيّة وأوّل ظهورها في النفس ، بأن تكون حينئذٍ

ص: 182


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

مشيئة مطلقة من غير إرادة ، فهذه مرتبة معدّة لحصول النيّة وليست بنيّة ، فلا نسلّم ترتّب الثواب والعقاب عليها ، ولا يمكن حمل الخبر عليها ؛ لغموض معناها ، وغموض الفرق بينها وبين النيّة التي يترتّب عليها الثواب أو العقاب. ولا يخاطب الشارع عامّة المكلّفين بمعرفة مثلها ، ولا يترتّب عليها تكليفهم.

وبالجملة ، فهذا القسم إن تحقّقت معه النيّة اتّحد بالثالث ، وجرى فيه ما مرّ من التفصيل ، وإلّا منعنا حمل الخبر عليه. ولا نعقل قسماً ثالثاً بين الأوّل والثالث إلّا ما ذكرناه من إحضار أحدهما بالبال للأمر به والائتمار ، أو النهي عنه والانتهاء ، وهذا قد مرّ تفصيل حكمه.

وأما نفيه الخلاف بين الأُمّة في هذا على الإطلاق ، ففيه ما لا يخفى على من تدبّر ما أسلفناه من التفصيل ، والاتّفاق على هذا الإطلاق ممنوع ، والسند ما ذكر من الأدلّة القاطعة. وأمّا ما نقله عن بعض العامّة من اختصاص هذه الأُمّة بهذه الكرامة ، فباطل ؛ لما مرّ ، ولأن هذه الكرامة من مقتضى رحمة الله وعدله الذي عمّ جميع مخلوقاته.

ثم قال رحمه الله : ( الثالث : العزم ، وهو : التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك. وقد اختلفوا فيه ، فقال كثير من الأصحاب : إنه لا يُؤاخذ به ؛ لظاهر هذه الأحاديث. وقال أكثر العامّة والمتكلّمين والمحدّثين ، ومنهم القاضي : أنه يُؤاخذ به ، لكن بسيّئة العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فإن فعلت كتبت سيّئة ثانية ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (1).

وقوله ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ) (2).

ولكثرة الأخبار الدالّة على حرمة الحسد (3) ، واحتقار الناس (4) ، وإرادة المكروه

ص: 183


1- النور : 19.
2- الحجرات : 12.
3- الكافي 2 : 306 - 307 / باب الحسد.
4- الكافي 2 : 350 - 354 / باب من آذى المسلمين واحتقرهم.

بهم ، وحملوا الأحاديث الدالّة على عدم المؤاخذة على الهمّ ) (1).

أقول : الظاهر أن هذا هو مقصود الخبر المقصود وأمثاله ، ومراده رحمه الله : توطين النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ، وهما من أقسام الطاعة ، أو على فعل المعصية وترك الطاعة وهما من أقسام المعصية. ولكنّ توطين النفس على ترك المعصية ليس من باب النيّة في شي ء ، وإنما هو من الأخلاق المَرضيّة ، والصفات الحميدة الناشئة من ارتياض النفس بالعقائد الحقّة المقرونة بالعلم والعمل. وكذلك توطين النفس على ترك الطاعة ليس من باب النيّة في شي ء ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة الناشئة من الجهل وعبادة الهوى وإن تفاوتا شدّةً وضعفاً.

فيكون مقصود الخبر وأمثاله إنما هو توطين النفس على فعل الطاعة ، أو فعل المعصية ؛ لأنه الذي يتحقّق معه نيّةُ ومنويّ ( يفعل ) أو ( لا يفعل ). ولا يظهر في توطين النفس على الترك نيّةُ ومنويّ يغايرها كذلك ؛ لأنه عدمٌ وسكون ، والنيّة أمر وجوديّ وحركة نفسانيّة وعمل غيبيّ محدث بنفسه ، فلا يحتاج في وجوده إلى نيّة أُخرى وإلّا لم يوجد عمل ؛ لما يلزمه من الدور أو التسلسل. وإنما هي مشيئة مستقرّة متأكّدة ، وهي المعبّر عنها بالإرادة. وتوطين النفس على الترك إنما هو إقبال على الحقّ ، أو إدبار عنه.

وما عزاه لكثير من الأصحاب لظاهر هذه الأخبار يدلّ على أنهم إنما فهموا من الأخبار إرادة النيّة التي فسّروها بتوطين النفس ، يعنون بها : المشيئة المتأكّدة المسمّاة بالإرادة ، ولكنّه ليس على إطلاقه بل الحقّ ما فصّلناه. وكذلك ما عزاه لأكثر العامّة والمتكلّمين والمحدّثين ليس على إطلاقه ، وإنما الحقّ ما فصّلناه. فإطلاق القولين ممنوع ؛ لما عرفت.

وأمّا إنه حينئذٍ إنما يُؤاخذ بسيّئةِ العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فحقّ ؛ لأن الله لا يُؤاخذ العبد بما لم يعمل ؛ لعدله وسعة رحمته ، لكن إذا استقرّ العزم

ص: 184


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

على الفعل ، ولم يحصل عنه إقلاع وإعراض عن توبة وندم أو غيرها ، بل إذا تعقّبه الفعل أو حال بينه وبين الفعل حائل قهريّ مع بقاء العزم واستقراره على الفعل ما أمكن ، فكما مرّ تفصيله. وذلك ما قام عندي عليه الدليل عقلاً ونقلاً.

وأمّا الاستدلال على هذه الدعوى بثبوت العذاب على ( الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ) ، والأمر باجتناب كثير من الظنّ ، وتحريم الحسد ، فليس فيه من الدلالة على المدّعى شي ء بوجه ؛ إذ ليس شي ء ممّا ذُكِر من باب نيّة الطاعة والمعصية ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات الخبيثة والطبائع المؤوفة (1) المنحرفة عن الفطرة. والفرق بين النيّات والطبائع الناشئة عنها الأخلاقُ والصفات النفسانيّة الذميمة المعوجة ، ظاهر لا يخفى.

وأما إرادة المكروه بالناس ؛ فإن كان بمعنى أنه يحب أن تقع المكاره بالناس والبلايا والضرر ، فهو من باب الأخلاق والطبائع الخبيثة الذميمة المحرّمة ، وإن كان بمعنى أنه يُريد أن يفعل الضرر بالناس هو ، فهو من باب النيّات. ولا ريب أن نيّة المعصية حرام ، فيجري فيها التفصيل السابق.

وأمّا حمل الأخبار الدالّة على عدم المؤاخذة على الهمّ فكلامٌ مجمل ، فإن الهمّ إن تحقق معه نيّة جرى فيه الكلام والتفصيل ، وإلّا فلا ينبغي التوقّف في أنه لا يترتّب عليه ثواب ولا عقاب ، فإنه لا يخرج حينئذٍ عن مجرّد التصوّر أو التردّد في أنه يعزم أو لا يعزم ، وكلاهما خارج عن البحث ، وحكمه يُعلم ممّا تقدّم.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصّصتان بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما ) (2).

أقول : إظهار الفاحشة لا يخرج عن الغيبة أو البهت ، وكلاهما خارج عن منطوق الآية ، فإن الفرق بينهما وبين المحبّة ظاهر لا يخفى ، فلا تخصّص به. وأمّا إظهار

ص: 185


1- المؤوف : الذي أصابته آفة. لسان العرب 1 : 263 أوف.
2- شرح أُصول الكافي 10 : 144 - 145.

الظنون فهو لا يكون إلّا بالذكر اللسانيّ ، وهو خارج عن معنى الظنّ بلا شبهة ، فلا يخصّص به منطوق الآية ؛ لمباينته لمعناه. على أنا قد بيّنّا عدم دلالة الآيتين على المدّعى.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وعن الثالث : بأن العزم المختلف فيه ما له صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمر ، وأمّا ما لا صورة له في الخارج كالاعتقادات وخبائث النفس ، مثل الحسد وغيره ، فليس من صور محلّ الخلاف ، فلا حجّة فيه على ما نحن فيه ) (1).

أقول : هذا حقّ ، يُعلم وجه حقيقته ممّا مرّ.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وأمّا احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فإظهاره حرام يؤاخذ به ، ولا نزاع فيه ، وبدونه أوّل المسألة ) (2).

أقول : أمّا أن إظهاره حرام يؤاخذ به فحقّ لا شكّ فيه ، والعقل والنقل والإجماع عليه متطابقة بلا معارض ؛ لظهور أنه ليس من باب النيّات ، وإنما هو من الأفعال المنويّة.

وأمّا أنه ( بدونه أوّل المسألة ) فممنوع ، بل هو أيضاً خارج عن محلّ البحث كما عرفت.

ثمّ قال رحمه الله : ( والحقّ أنها محلّ إشكال ) (3).

أقول : لا إشكال يكاد يتحقّق بعد التأمّل فيما قرّرناه وأوضحناه.

ثمّ قال رحمه الله : ( ثمّ الظاهر أنه لا فرق في قوله عليه السلام ومَنْ هَمَّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه بين من لم يعملها خوفاً من الله ، أو خوفاً من الناس ، أو صوناً لعرضه ) (4).

أقول : أمّا أنه لا فرق بين من ترك ما نواه من المعصية خوفاً من الله أو خوفاً من الناس ، فإطلاقه ممنوع ؛ فإنّا قد أقمنا الدليل على أنه لو نوى المعصية ، وحال بينه

ص: 186


1- شرح أُصول الكافي 10 : 145.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.

وبين فعلها حائل ومانع قهري مع بقاء عزمه ونيّته أنه يفعلها إذا زال المانع ، فإنه حينئذٍ معاقب على نيّته ، ولا شكّ أن خوف الناس مانعٌ قهريّ يمكن مجامعته لبقاء النيّة المستقرّة.

نعم ، لا يبعد أن يلحق تركه لها صوناً لعرضه بتركه لها خوفاً من الله في عدم العقاب ؛ بفضل رحمة الله ، ولأنها حينئذٍ لاحقة بباب الشهوات ، فإن المانع حينئذٍ من الفعل نفسانيّ ، فلا تتحقّق معه إرادة مستقرّة ، وأعني النيّة.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( ويدلّ على التعميم أيضاً روايات أُخر ) (1).

أقول : لم نظفر بما يدلّ على ذلك ، بل ظفرنا من العقل والنقل والعدل على ما يدلّ على المؤاخذة بالنيّات المستقرّة كما عرفت.

ثمّ قال رحمه الله : ( فقول مَن قالَ : التعميم لا وجه له ، لا وجه له ) (2).

أقول : قد عرفت الوجه في أن التعميم لا وجه له بالدليل ، فراجع.

ثم قال رحمه الله تعالى - : ( وإن عشرة أمثال الحسنة مضمونة البتّة لدلالة نصّ القرآن عليه (3) ، وإن الله تعالى قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ، كما جاء في بعض الأخبار (4) ، وإلى ما لا [ يأخذه (5) ] حساب ، كما قال تعالى ( إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (6) ) (7).

أقول : هذا كلّه حقّ ثابت بالإجماع والنصوص من كتاب وسنّة ، وكرم الله ونعمته لا يحيط بها العادّون ، أدخلنا الله وإيّاكم في رحمته برحمته.

ثمّ قال رحمه الله : ( بقي هنا شي ء ، وهو : أنه سألني بعض الأفاضل عن وجه الجمع بين

ص: 187


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- هو قوله تعالى : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) الأنعام : 160.
4- الكافي 2 : 93 / 21 ، وسائل الشيعة 1 : 55 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 20. بل وفي نصّ الكتاب ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : 261.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يؤاخذه ).
6- الزمر : 10.
7- شرح أُصول الكافي 10 : 145 - 146.

أحاديث هذا الباب ، وبين ما مرّ في باب النيّة عن الصادق عليه السلام قال إنما خُلِّد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خلِّد أهل الجنّة في الجنّة لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء.

ثمّ تلا قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (1). قال على نيَّته (2).

فإنه دلّ أحدهما على المؤاخذة بالنيّة ، ودلّ الآخر على عدم المؤاخذة بها ) (3).

أقول : وجه الجمع لا يخفى على مَن أحاط علماً بما أسلفناه ، وهو أن الحديث الدالّ على المؤاخذة بالنيّة والخلود بها محمول على النيّة المستقرّة الدائمة ، بحيث إنه ناوٍ أبداً أنه متى تمكّن من فعل المنويّ وزال المانع القهريّ من فعلها ، فعلها أبداً. وهي من النيّات الكلّيّة التي هي من أعمال القلب ولوازمه ، ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة القائمة بالنفس التي تظهر النفس بصورتها.

وهذا الخبر وشبهه ممّا دلّ على عدم المؤاخذة بالنيّة إذا لم يفعل المنويّ محمول على الترك الاختياريّ وإن لم يكن عن ندم ، وهو النيّة الجزئيّة للمنويّ الجزئيّ ، فإنه حينئذٍ لا يتحقّق معه بقاء النيّة ولا يحكم عليه حينئذ أنه ناوٍ إلّا مجازاً كما هو الحقّ ، فلا اختلاف بين الأخبار.

والدليل على هذا الجمع أنه مقتضى العدل والرحمة ، فأدلّة العدل تقتضيه.

ثمّ قال رحمه الله : ( فقلت له : لا منافاة بينهما ؛ إذ دَلّ أحدهما على عدم المؤاخذة بنيّة المعصية إذا لم يفعلها ، ودلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا فعلها ، فإن المنويّ كالكفر واستقراره مثلاً موجود في الخارج ، فهذه النيّة ليست داخلة في النيّة بالسيّئة التي لم يعملها ) (4).

أقول : أمّا أنه لا يُؤاخذ بنيّة المعصية إلّا إذا فعلها ، فهو بإطلاقه ممنوع ؛ لما مرّ وخصوصاً خبر التخليد بالنيّات ، فإنه نصّ في أنهم مؤاخذون بنيّاتهم ، بل مخلّدون

ص: 188


1- الإسراء : 84.
2- راجع 174 هامش 3.
3- شرح أُصول الكافي 10 : 146.
4- المصدر نفسه.

بها إذا كان المنويّ ممّا يوجب الخلود ، مع أنهم بعد الموت يستحيل منهم عمل المنويّ الجزئيّ الذي عناه بحسب الظاهر ؛ فإنه جزئيّ من كلّيّ هو النيّة الكلّيّة لعمل نوع المنويّ ؛ لأنه لا يمكن تحقّق عمل المنويّ إلّا في الخارج ، والخارج لا يقع فيه الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ، وإنما يقع فيه جزئيّ من كلّيّه ، بل يختصّ وقوع العمل الجزئيّ وهو المنويّ بنيّة جزئيّة من النيّة الكلّيّة لكلّيّةٍ بالزمان. وفي الآخرة التي هي مقام ظهور الثواب والعقاب لا زمان ، فلا يمكن أن يقع ذلك الجزئيّ المنويّ فيها ، مع أنه في الحقيقة إنما نوى عمل المعصية الدنيويّة الزمانيّة في الدنيا والزمان ، وقد انطمست الدنيا وفنيت ، فلا يمكن أن يقع ما نوي أن يُعمل فيها في غيرها ، وكلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة.

فإذن ما همّ عليه من تلك النيّات وإن بقي اتّصاف النفس وتلبّسها بها في الآخرة ليس منويّها بمعمول في خارج الزمان ، وهو قد أناط الحكم به.

وقد دلّ هذا الخبر على أنهم مؤاخذون بها ، فليس إطلاق الشارح على ما ينبغي ، بل الحقّ التفصيلُ. فتخصيص ما دلّ على عدم المؤاخذة على النيّة بما إذا لم يفعلها بإطلاقه لا دليل عليه ، وليس فيه ما يدلّ على هذا الإطلاق.

وأمّا أنه دلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا عملها ، فنحن أيضاً نمنع دلالته على حصر المؤاخذة بالنيّة فيما إذا عملها في الزمان وإن كانت مؤاخذته بها حينئذٍ مسلّمة إجماعيّة ، فإنّا دلّلنا على أنه يُؤاخذ بها إذا أصرّ عليها وإن لم يفعل المنويّ ، وصريح خبر التخليد بالنيّات يدلّ عليه. فليس فيما قرّره الشارح جمعٌ للأخبار ؛ لعدم الدليل عليه ، بل الدليل قام على غيره ، وهو ما فصّلناه.

وأمّا أن الكفر مستقرّ في الخارج ، فإطلاقه ممنوع ؛ لأن الكفر قسمان : اعتقاديّ وفعليّ.

والأوّل ليس بموجود في الخارج ، فضلاً عن أن يكون مستقرّاً فيه.

وأما الفعليّ كقتل المعصوم ، أو سبّه ، وما أشبه ذلك فموجود في الخارج.

ص: 189

وكلا القسمين ليس من باب نيّات الأعمال في شي ء ؛ لأن الأوّل اعتقادٌ لا عمل ، ولا نيّة عمل في الخارج ، والبحث في الأعمال الخارجيّة ونيّاتها. والثاني إنما هو عمل يفتقر إلى نيّة ، فليس هو بنيّة.

فلا يظهر لقوله ( فهذه النيّة ليست داخلة ) إلى آخره ، معنًى يظهر لي ولا وجه للتفريع.

ثمّ قال رحمه الله : ( ثمّ قال يعني بعض الأفاضل - : كما أن المعصية ليست سبباً للخلود على ما يُفهم من الحديث المذكور يعني : حديث التخليد بالنيّات لكونها في زمان محصور منقطع هو مدّة العمر ، كذلك نيّتها ؛ لأنها تنقطع أيضاً عند انقطاع العمر ، لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة ، فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونه في الدنيا لا مخلّداً ) (1).

أقول : تقرير السؤال على ما يظهر أنه كما أن العمل محدود بمدّة العمر وبعده ينقطع ، كذلك نيّته محدودة بمدّة العمر وبعده تنقطع. أمّا الأوّل ، فظاهر ، والخبر يدلّ عليه. وأمّا الثاني ، فلأن الآيات والروايات دلّت على ندامة العاصي عند الموت والمعاينة وانكشاف الغطاء. فكما أن مقتضى العدل أنه لا يخلّد بعمله المنقطع الواقع في زمن يسير حقير قصير منقطع ، كذلك مقتضى العدل ألّا يخلد بنيّة منقطعة واقعة في أيّام قليلة.

والجواب ما أشرنا له من أن البدنيّة مختصّة بالدنيا ، منقطعة بانقطاع العمر ؛ ولذلك صرّح الخبر أن خلودهم ليس بمقتضى أعمالهم ؛ لانقطاعها ، والمنقطع لا يقتضي المؤبّد ، لمنافاته للعدل ، ولأن جميع الأعمال البدنيّة الزمانيّة جزئيّات ، والجزئيّ محدود معدود منقطع ، وكذلك نيّاتها الجزئيّة منقطعة بانقطاع المنويّ ، فإن كلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة تختصّ به وتنطبق عليه وتساويه ، لا تزيدُ عليه ، ولا تنقص عنه ، فهي منتهية بانتهاء المنويّ ، منقطعة بانقطاعه ، بخلاف كلّيّ ذلك الجزئيّ ، فإنه غير

ص: 190


1- شرح أُصول الكافي 10 : 146.

محدود ولا معدود ، وإلّا لم يكن كلّيّاً ، وذلك مثل أن تنوي أن تزني أو تصلّي أو تقتل أبداً ما بقيت ، فالنيّة الجزئيّة منتهية بانتهاء عمل منويّها.

وأمّا العقائد والنيّات المستقرّة على الدوام في العمل ما أمكن وبقي محلّه من الدنيا والأخلاق والطبائع اللازمة المستقرّة ولو بالتطبّع ، وهي الكلّيّات ، فإنها كلّها لازمة للنفس الأمّارة ، والقلب المنكوس المختوم عليه ، المظلم بسبب تلك الأحوال اللازمة ، فإنها مادّة صورة الأمّارة ، بل هي مادّة وجودها وحقيقتها المتكوّنة الممتدّة من تلك الأحوال التي هي من إمدادات الجهل المركّب الشقيّ المدبر أبداً.

فالنيّات إذن هي أعمال النفس الباقية ببقائها ، فإنها من لوازم ذاتها ، فهم يحشرون على صنو عقائدهم ونيّاتهم المستقرّة ، فما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ، فقلوبهم المظلمة المنتكسة لا تنفكّ عن تلك الأعمال ولا تزايلها ، فلا فناء لتلك النفوس ولا لصورها ومواد وجودها ، ولا لأعمالها ؛ إذ لا تتوقّف أعمال النفوس على وجود الزمان والمكان. ولأجل ذلك قلنا : إن النيّات حتّى في الأعمال الزمانيّة خارجة عن المكان والزمان ، ولا طائل في الخلاف في أنها شرط أو شطر في الصلاة ، فإنها إنما هي رتبة من رتب وجود العمل الخارجيّ غيبيّة ، وإن قلّ من تنبّه لذلك من الفقهاء.

وأظنّ أن عبارة فاضل ( المناهج ) تشير إلى هذا.

وبالجملة ، فالمراد بالنيّات التي يخلّد بها صاحبها هي الكلّيّات اللازمة للنفس المتصوّرة بصورها المتطبّعة بطبائعها ومنويّاتها كلّيّات لا يحدّها ولا يعدّها الزمان ولا المكان ، وهي لازمة لنيّاتها ، دون الجزئيّات المختصّ كلّ جزئيّ منها بجزئيّ من المنويّات ، فإنها منقطعة بانقطاع منويّها ، ومنويّها زمانيّ منقطع وإن كانت هي خارجة عن الزمان غير داخلة تحت دور معدّل النهار ، بل لا تتحقّق إلا بتحقّق منويّها فإنه لا تكون الإرادة إلّا والمراد معها. وكلام السائل إنما يرد على النيّات الجزئيّة المنطبقة على الأعمال الجزئيّة المقدّرة بقدرها ، فإن العمل الجزئيّ إنما هو تفصيل نيّة الجزئيّة ، فهي منقطعة بانقطاعه ، فلا إشكال في الأخبار ، ولا منافاة بينها.

ص: 191

ومن الأدلّة على بقاء تلك النيّات الكلّيّة وعدم انقطاعها بالموت ما أخبر الله عزّ اسمه عن الكفّار بقوله ( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (1).

فهم أظهروا الندم نفاقاً ؛ لما انطوت عليه حقائقهم من لوازمها التي هي من دخان الجهل ، مع بقاء نيّاتهم الكلّيّة التي لزمتها نفوسهم ، وتغذّت بها وظهرت بصفاتها ؛ ولذا كذّبهم الله تعالى فأخبر بأنهم كاذبون في إظهار الندم ، وأن الذي حملهم على إظهار الندم نفاقاً هو ظهور حقّيّة ما كذّبوا به وظهور كفرهم وضلالهم ، فأظهروا الندم تمنّياً لزوال العذاب عنهم بذلك ، وهو دليل على أنهم لم يقلعوا عن نيّة التكذيب بآيات الله.

ويؤيّد أن تمنّيَهم ذلك إنما هو نفاق ، ما رواه العياشيّ (2) : في تفسير هذه الآية عن الصادق عليه السلام أنها نزلت في بني أُميّة ؛ فإن المنافق في الدنيا منافق في الآخرة ، بل ومنافق في الذرّ ، فنفاقه في الذرّ لا يزايله في الدنيا والآخرة.

وأنت إذا تأمّلت الكتاب والسنّة لم يعسر عليك الدلالة على هذا.

وبالجملة ، فخبر التخليد بالنيّات يراد به النيّات الكلّيّة للمنويّ الكلّيّ ، وخبر الباب الدالّ على أنه لا يُؤاخَذ بالنيّة المجرّدة عن العمل ، مخصوص بما فصّلناه ، وندامة الكافر والعاصي إذا لم يكن مؤمناً نفاق ، فسقط السؤال وانكشف الحال.

ثمّ قال رحمه الله في الجواب عن الإشكال : ( فقلت له :

أوّلاً : إن هذه النيّة موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ) (3).

أقول : ليس الإشكال إلّا في دلالته على ذلك ووجوب تسليمه ، وقبوله على ما

ص: 192


1- الأنعام : 27 - 28.
2- تفسير العيّاشي 1 : 388 - 390 ، ورواه في تفسير القمّي 1 : 224.
3- شرح أُصول الكافي 10 : 146.

فيه من الإشكال ليس بجواب عن الإشكال.

وأيضاً نفي المعارض ممنوع ؛ فإنه موجود وهو الحديث المبحوث عنه ؛ فإن السؤال تضمّن طلب وجه الجمع بينهما ، فليس هذا بجواب عن الإشكال العقليّ المذكور ، ولا بجامع بين الخبرين ، وطلب وجه الجمع ودفع الإشكال ليس ردّاً للخبر.

ثمّ قال رحمه الله : ( وثانياً : إن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئاً يُوجب نجاته من النار ، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف ) (1).

أقول : إن صاحبها وإن لم يفعل في الدنيا التي هي دار التكليف شيئاً يُوجب نجاته من النار ، فهو أيضاً لم يفعل في دار التكليف ما يوجب الخلود في العذاب ؛ لأن أيّام عمله منقطعة محصورة قليلة ، فالعدل أن يتساوى قدرا عمله وعقابه ، فالإشكال بحاله ، وعدم نفع ندامته بعد الموت ، يُوجب زيادة قدر عذابه على قدر عمله ، بل ندمه بعد الموت وإن لم ينفع في إسقاط عذابه بقدر ما عمل ، لكنّ الأوفق في بادئ النظر بالعقل أنه يسقط زيادة قدر عذابه على قدر عمله ، فليس في هذا الجواب كالذي قبله جمع بين الأخبار ، ولا دفع للإشكال بحال.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وثالثاً : إن سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيّتها من حيث هي ، بل هو المعصية ونيّتها على فرض البقاء أبداً ، ولا ريب أنها معصية أبديّة موجبة للخلود أبداً ، فتأمّل تعرف ) (2) ، انتهى كلام الشارح ، شكر الله سعيه.

وأقول : إذا لم يكن ذات المعصية ولا نيّتها سبباً للخلود فلا خلود بالعزم على فرض أن يبقى بطريق أولى ، بل لمانع أن يمنع كون فرض البقاء المنويّ فيه المعصية ذنباً ؛ لأن مظروف المفروض مفروض. ولو سلّم أنه نيّة معصية فهي نيّة معصية لم يعملها ؛ لأنها كنيّتها مفروضة ، فلا تكتب عليه كما هو ظاهر النصّ ، فهذا كسابقيه غير جامع للأخبار ولا رافع للإشكال ، بل لا يظهر عليه دليل.

ص: 193


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.

نعم ، إن أراد ما قرّرناه من أن النّيّة الكلّيّة المتعلّقة بالمنويّ الكلّيّ الذي لا يفارقها نيّة وذنباً معمولاً ، يخلد به صاحبه إن كان يُوجب الخلود ، وأنه المراد بخبر : أنهم بنياتهم خلّدوا فحقّ ، ولعلّه أراد هذا ، لكنّه لم يبيّن حينئذٍ ما المراد بالخبر المبحوث عنه ، فلم يظهر به وجه الجمع وإن رفع الإشكال ، والله العالم بحقيقة الحال.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين ، وسلم عليهم أجمعين كما هم أهله.

تمَّت بقلم مؤلِّفها الأقلِّ الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : عصر يوم الحادي والعشرين من شهر شوال سنة (1243) الثالثة والأربعين بعد المائتين والألف.

ص: 194

الرسالة الخامسة : أحكام التيمّم في بعض صور عدم وجدان الماء

اشارة

ص: 195

ص: 196

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين.

اعلم أن الكتاب والسنّة والإجماع قد دلّوا على أنه لا تشرع الطهارة الترابيّة إلّا حال عدم وجدان الماء وإن وقع الخلاف في بعض صور عدم الوجدان ، هل هي داخلة في عدم الوجدان ، أم لا؟ كما لو لم يسع الوقت للطهارة المائيّة مع ركعة بأقلّ الواجب مع وجود الماء ، فهل فرضه التيمّم حينئذٍ ، ويأتي بالعبادة أداءً ، أو يستعمل الماء ويقضي؟

فالأكثر وهو المشهور المنصور - [ على ] الأوّل ؛ لصدق عدم الوجدان ، وعدم جواز ترك العبادة في وقتها اختياراً مع التمكّن من استعمال أحد الطهورين ، فإن ربّ الماء ربّ الصعيد ، ولأنه لو سقط الأداء سقط القضاء ؛ لأن حقيقة القضاء تدارك ما فات وما سقط التكليف به لم يفت.

وقد دلّ الإجماع والنصّ على أن سبق الطلب للماء شرط في مشروعيّة التيمّم وإن اختلفوا في كيفيّة الطلب ، وكمّيّة زمانه ومكانه. فالمشهور بل كاد أن يكون بين المتأخرين إجماعاً أنه يجب الطلب حتّى يتضيّق الوقت ، ولا يشرع التيمّم إلّا في

ص: 197

آخر الوقت ، وبه جملة من الأخبار المعتبرة (1). وادّعى عليه المحقّق (2) : والعلّامة (3) وغيرهما الإجماع وإن اختلفوا هل هو آخر وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ فالأكثر على الثاني (4) ، وجماعة على الأوّل جمعاً بين الأخبار. ولعلّه الأظهر.

وقيل يشرع في أوّل الوقت اختياراً وإن استحبّ التأخير (5) ، وله إطلاق الأخبار (6) المفضّلة لأوّل الوقت لكنها مقيّدة بأدلّة المشهور.

نعم ، لو حصل اليقين بفقد الماء في أوّل الوقت ، واليقين بعدم حصوله إلى آخر الوقت شرعت المبادرة للعبادة في أوّله كما عليه جماعة ، خلافاً للأكثر فأطلقوا عدم المشروعيّة إلّا في آخر الوقت. والمشهور بل كاد أن يكون إجماعاً أن من شرع له التيمّم فتيمّم وصلّى به لا تجب عليه الإعادة لا أداءً ولا قضاءً مطلقاً في سفر كان أو حضر ، لفقد عين الماء ، أو لتعذّر الوصول إليه ، أو لخوف الضرر باستعماله ، أو لضيق الوقت عنه ، أو لغير ذلك.

وقد جاء في خبر السكوني : عن جعفر : عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السلام : أنه سُئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمّم ويصلّي ، ويعيد إذا انصرف (7).

وموثّقة سماعة عنه أيضاً عن آبائه عن عليّ عليه السلام : أنه سُئِلَ عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ، فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء ، ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمَّم ويصلِّي معهم ، ويعيد إذا هو انصرف (8).

ص: 198


1- الكافي 1 : 63 / 1 ، تهذيب الأحكام 1 : 203 / 590 ، وسائل الشيعة 3 : 384 ، أبواب التيمّم ، ب 22.
2- المعتبر 1 : 392.
3- النهاية 1 : 216.
4- المهذّب 1 : 47 ، الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 92 ( حجريّ ).
5- منتهى المطلب 1 : 140.
6- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 562 ، وسائل الشيعة 3 : 368 ، أبواب التيمّم ، ب 14 ، ح 9.
7- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 534 ، وفيه : « ويصلّي معهم ».
8- تهذيب الأحكام 3 : 248 / 678.

وخبر الجعفريّات على ما نقله الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ) عن موسى بن جعفر : عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السلام : أنه سُئِلَ عن رجل يكون في الزحام في صلاة جمعة أحدث ولا يقدر على الخروج ، فقال يتيمَّم ويصلِّي معهم ، ويعيد (1).

ومثله ما نقله رحمه الله أيضاً من نوادر الراونديّ : بالإسناد المنتهى إلى عليّ عليه السلام.

وما نقله أيضاً من ( الدعائم ) مرسلاً عنهم عليهم السلام ، أنهم قالوا ولا يتيمَّم في الحضر إلّا في عذر أو يكون في زحام ، ولا يخلص منه ، وحضرت الصلاة فإنه يتيمَّم ويصلِّي (2).

وقد نقل عن الشيخ (3) وابن الجنيد (4) : وظاهر الصدوق (5) : العمل بظواهر هذه الأخبار من مشروعيّة التيمّم حينئذٍ والصلاة به ووجوب الإعادة.

وتبعهم على ذلك ابن سعيد : في ( الجامع ) (6) ، وتبعهم جماعة من المتأخرين (7) في العمل بظواهرها في مشروعيّة التيمّم ، والصلاة دون وجوب الإعادة ، وقالوا باستحباب الإعادة حينئذٍ.

وأقول : الظاهر ومن الله الهداية أن التيمّم حينئذٍ غير مشروع ، وفاقاً لظاهر كلّ من لم يذكر أن هذا من أسباب مشروعيّة التيمّم ، ولم يعرّج على ذكر شي ء من هذه الأخبار ، بل حصر أسباب مشروعيّته في فقد عين الماء ، أو عدم التمكّن من استعماله لخوف الضرر على اختلاف ضروب الضرر التي ذكروها ، ولم يذكروا فيها هذا الوجه ، أو عدم الوُصلة إليه على اختلاف ضروب عدم الوُصلة له ، ولم يذكروا فيها هذا الوجه.

ولظاهر كلّ من أطلق وجوب التربّص بالعبادة إلى آخر الوقت ، وعدم مشروعيّة

ص: 199


1- مستدرك الوسائل 2 : 525 ، أبواب التيمُّم ب 2 ، ح 1 ، وفيه : « وليعد .. ».
2- دعائم الإسلام 1 : 165 ، وفيه : « إلّا من علَّة ، أو يكون رجل أخذه زحام .. ».
3- المبسوط 1 : 31 ، النهاية : 47 ، مختلف الشيعة 1 : 279 / المسألة : 207.
4- عنه في مختلف الشيعة 1 : 279 / المسألة : 207.
5- المقنع : 27 ، وفيه نصٌّ وتصريح بذلك ، أمّا في ( الفقيه ) 1 : 60 ، فقد صرَّح بالتيمُّم وذهب إلى عدم الإعادة.
6- الجامع للشرائع : 45.
7- مدارك الأحكام 2 : 241 ، التنقيح الرائع 1 : 137.

التيمّم إلّا في آخر الوقت.

ولظاهر كلّ من قال بأن الجمعة ليست واجباً عينيّاً.

ولعدم الدليل على أن ذلك من أسباب مشروعيّة التيمّم.

وللإجماع في الجملة على أنه لا يشرع إلّا بعد الطلب.

ولإطلاق الأخبار الدالّة على وجوب الطلب للماء قبل التيمّم (1) ، والأخبار الدالّة على أنه لا يشرع إلّا في آخر الوقت (2) ، وكلاهما كثير.

وهذه الأخبار (3) فيها :

أوّلاً : أنها ضعيفة لا تقاوِم تلك الإطلاقات الكثيرة المتلقّاة بين العصابة بالقبول.

وثانيا : القائل (4) بمضمونها نادر عند التأمّل ؛ إذ ليس إلّا من أوجب حينئذٍ التيمّم والصلاة.

ثمّ الطهارة والإعادة في عرف المتشرّعة لا يطلق إلّا على فعل العبادة ثانياً قبل خروج وقتها ، وليس في هذه الأخبار ما يدلّ على وجوب القضاء لو خرج الوقت ولمّا تُعَد ، وهو لا يثبت إلّا بدليل ، ولا دليل. فالقائل بوجوب الإعادة في الوقت أو القضاء في خارجه إن لم يعد فيه ، غير عامل في الحقيقة بهذه الأخبار ، ولا دليل على فتواه ، ولم نقف على مصرّح بالعمل بمضمونها من وجوب الإعادة حينئذٍ دون القضاء. فالقول بمضمونها نادر.

وثالثاً : [ أنها (5) ] بظواهرها تدلّ على وجوب جمعة وظهر في يوم ، أو ظهرين في يوم ، وهو إيجاب لستّ فرائض يوميّة في يوم أداءً ، وهو خلاف ما عليه الأُمّة.

ورابعاً : أن الظاهر أنها إنما عني بها : حال الصلاة مع المخالفين تقيّة ، والقرينة من خارجٍ ما ذكرناه ، ومنها : أنها كلّها أُسندت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يفتِ فيها أحد

ص: 200


1- وسائل الشيعة 3 : 341 ، أبواب التيمُّم ، ب 1.
2- وسائل الشيعة 3 : 384 ، أبواب التيمُّم ، ب 22.
3- أي الدالّة على مشروعيّة التيمّم ، ثم إعادة الصلاة بالطهارة المائيّة بعد زوال العذر.
4- في المخطوط : ( فالقائل ).
5- في المخطوط : ( فإنها ).

من الأئمّة المسئولين ، بل رووها عن أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام.

وأيضاً فقد عبّر فيها أنه يتيمّم ويصلّي معهم ، فالتعبير بضمير الغيبة من قرائن إرادة العامّة ، فإن أكثر الأخبار الواردة بالصلاة معهم ومعاشرتهم بالمعروف إنما يعود فيها عليهم ضمير الغيبة ، وكني عنهم به لمناسبة لا تخفى.

وأيضاً فكلّها أُجمل فيها ذكر الأمر بالصلاة معهم ، ولم يذكر في شي ءٍ منها صلاة معيّنة جمعة أو ظهراً. وهذا كلّه يدلّ على أن المعنيّ بها حال الصلاة مع المخالفين جمعة أو جماعة ، كما يدلّ عليه أيضاً الأمر بالإعادة ، فإن الحال لا يخلو ؛ إمّا أن تكون تلك الصلاة المؤدّاة بذلك التيمّم فرضاً صحيحاً ، فلا معنى للإعادة ، بل لا تشرع لما يلزم من وجوب ستّ فرائض يوميّة في يوم إن أعيدت على وجه الفرض والوجوب ، كما هو ظاهر تلك الأخبار.

وإن كانت الإعادة على سبيل الندب طالبنا القائل بدليل استحباب إعادة الفريضة المؤدّاة في جماعة ، فرادى أو في جماعة. وفي دليل استحباب إعادة الجمعة ظهراً كذلك ، ولا دليل.

أو باطلة ، فلا معنى للتيمّم ولا لتلك الصلاة ، ولا معنى للأمر بالإتيان بصلاة باطلة ، ولا يشرع التيمّم ليصلّي به صلاة باطلة بيقين إجماعاً.

وعن المجلسي : أنه في ( البحار ) أجاب عن أخبار الزحام بأنه ( ليس الموجب للتيمّم ضيق الوقت وخوف فوت الصلاة وحده ، بل الحامل عليه التقيّة ؛ لأن الجمعة والإمامة العامّة في مثل هذه المجامع إنما كانت لأئمّتهم ، فلا يسع الخروج في الأثناء والمبادرة إلى الطهارة لأحد أمرين : إمّا لأن هذا الحدث غير ناقض ؛ لسبقه وعدم اختياره فيه ، كما عليه الحنفيّة. أو لأنه صادر عن النوم وهو متماسك قاعد ، وذلك غير ناقض عند الأكثر منهم. والقرينة على هذا إضافة عرفة إلى الجمعة فيكون بمجرّد صلاة الجماعة فيها معهم ) (1) ، انتهى. نقلناه تيمّناً وتبرّكاً.

ص: 201


1- بحار الأنوار 78 : 163 - 164 ، باختلاف.

وهنا وجه ثالث هو أنه ربّما لا يسعه الخروج لئلّا يفوته الجمعة أو الجماعة معهم ، فيتيمّم ، وما ذكره رحمه الله حسن أيضاً.

فإذن تبيّن أنها إنما عني بها حال الصلاة مع المخالفين ، وقد جاء الأمر من أئمّة الهدى سلام الله عليهم بالطهارة لمن يريد أن يوقع معهم صورة الصلاة ، من الإتيان بصورة الركوع والسجود ولو بلا نيّة العبادة ، وأمروا بالطهارة لذلك ، بل جاء عنهم وعيد لمن دخل معهم في صلاتهم ولو بلا نيّة صلاة من غير طهارة (1).

وجاء عنهم عليهم السلام الأمر بالصلاة معهم بنيّة التنفّل (2) ، وهي غير مشروعة إلّا بالطهارة ، فإذا كان الأمر كذلك ودخل معهم إنسان للصلاة معهم نفلاً أو صورة وأحدث ولم يتمكّن من الخروج للطهارة لأحد تلك الأسباب ، أو غيرها كعدم المكنة من الخروج بالكلّيّة ، سقط الطلب لتعذّره حينئذٍ ، وجاء آخر وقت تلك الصلاة ؛ لأن وقت تلك الصلاة وقت فعل صلاتهم فشرع التيمّم حينئذٍ ، وانطبقت هذه الأخبار على غيرها وصحّ العمل بها. فإن لم نقل فيها بهذا ، وإلّا فسبيلها الاطّراح لما ذكرنا فيها من العلل.

وأمّا القول بما في ظاهرها من مشروعيّة التيمّم لمن منعه الزحام من الخروج في الجمعة وعرفة مطلقاً ولو في غير حال الصلاة مع المخالفين ، والإتيان بتلك الصلاة وإعادتها استحباباً ، ففيه ما مرّ. وفيه أنه قول بلا دليل ، والاستحباب حكم شرعي فيحتاج إلى دليل.

وهذه الأخبار ظاهرها وجوب الإعادة ، فإمّا القول بظاهرها ، أو اطّراحها ، أو حملها على ما ذكرناه. ولا دليل غيرها على مشروعيّة التيمّم حينئذٍ مطلقاً ، وفعل الصلاة به واستحباب إعادتها مطلقاً.

هذا ، وينبغي قصر القول بمشروعيّة التيمّم حينئذٍ والصلاة به مطلقاً على القول به

ص: 202


1- الفقيه 1 : 251 / 1128 ، وسائل الشيعة 1 : 367 - 368 ، أبواب الوضوء ، ب 2 ، ح 1.
2- الفقيه 1 : 250 / 1125.

حال وجوب الجمعة عيناً ليتمّ له القول بسقوط الطلب حينئذٍ لامتناعه ، وتحقّق فعل التيمّم حينئذٍ في آخر الوقت ، حتّى لا يتنافى القول بهذا مع القول بوجوب سبق طلب الماء لصحّة التيمّم ، ومع القول بأن التيمّم لا يشرع إلّا به وفي آخر الوقت ، وأن الجمعة واجب تخييراً حال الغيبة. وفي قصره على حال وجوب الجمعة عيناً أن ذكر جريانه وصحّته في عرفة ينافيه ؛ إذ لا قائل بوجوب الجمعة أو الجماعة في عرفة مطلقاً ، ولا قائل به فيما ظهر ولا دليل عليه.

أمّا القول بهذا وذاك كلّه فممّا لا يرجى التئامُه ؛ ولذا قال الشهيد الثاني : في ( المسالك ) في شرح قول المحقّق : ( وقيل فيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك ) (1) إلى آخره - : ( التقييد بمنعه عن الخروج ؛ للاحتراز عمّا لو كان المانع من الخروج خوف فوت الجمعة مع إمكان الخروج لسهولة الزحام وضيق الوقت ، فإنه لا يجوز التيمّم .. وإن فاتته الجمعة ) (2) ، انتهى.

مع أنه غير منطبق إلّا على القول بوجوب الجمعة عيناً ، أمّا في غير وقت وجوب الجمعة عيناً فلا يتمّ القول بمشروعيّة هذا التيمّم وصحّة الصلاة به ، لا في الجمعة ولا عرفة. على أنه لا يظهر فرق بين الجمعة وعرفة وغيرهما إذا أحدث في المسجد ومنعه الزحام أو التقيّة عن الخروج.

فينبغي تعميم الحكم ، ولم نقف على مصرّح بالتعميم ، بل ظاهر كلّ من ظاهره الفتوى بذلك اختصاص هذا الحكم بالجمعة وعرفة مع جريان السبب [ المذكور ] (3) لمشروعيّة التيمّم حينئذٍ ، وهو مانعيّة الزحام عن الخروج. وتحصيل الطهارة المائية جار في غير الجمعة وعرفة كثيراً.

وملخَّص البحث أن هذه الأخبار إمّا أن تطرح لما اعتلّت به ممّا ذكر ، أو تحمل على خصوص حال الصلاة مع المخالفين تقيّة. ويعمّم الحكم في كلّ صلاة ، ولا

ص: 203


1- شرائع الإسلام 1 : 41.
2- مسالك الأفهام 1 : 115.
3- في المخطوط : ( المذكر ).

يخصّ الجمعة وعرفة ، أو تقصر حال وجوب الجمعة عيناً. وفي هذا الأخير أن ما تضمّنته من حال عرفة ينافي القول بقصر الحكم فيها على حال وجوب الجمعة عيناً أيضاً كما مرّ.

والحاصل أنه لم يظهر لي دليل من نصّ أو إجماع على مشروعيّة التيمّم حينئذٍ ، ولا صحّة الصلاة به إلّا أن يحبس ذلك المحدث إلى الوقت الاختياري على الأظهر ، أو الاضطراري على الأحوط الأشهر ، فيشرع حينئذٍ التيمّم والصلاة ، ولا إعادة مطلقاً.

تنبيه

فحوى الفتوى وهذه الأخبار أن المراد من ذلك الحدث هو الأصغر ؛ لأنه الذي يغلب وقوعه في تلك الحال. وعليه يبقى حكم الأكبر حينئذٍ مسكوتاً عنه ، فيردّ إلى عمومات الفتاوى والنصوص في أحكام وقواعد مشروعيّة التيمّم بدله. وظاهر إطلاق هذه الأخبار وفتاوى العاملين بها عموم الحكم للأكبر والأصغر ، فإذا كان الأكبر ولم يتمكّن من الخروج وجب التيمّم ؛ للّبث في المسجد ، لا لما ذكر من الأخبار ، بل للإجماع المؤيّد بالنصوص الكثيرة ، والله العالم بحقيقة أحكامه.

ص: 204

الرسالة السادسة : مختصر الرسالة الصلاتيّة للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبّار القطيفي رحمه الله

اشارة

ص: 205

ص: 206

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، ومدبّر الخلائق بلطفه في الدنيا والدين ، وصلّى الله على سيّد العالمين محمّد : المبعوث دليلاً على الصراط المستقيم ، وعلى آله المخصوصين ب- ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) أفضل صلاة ، وسلم عليه وعليهم كما [ هم (2) ] أهله.

وبعد :

فيقول الأحقر أحمد بن صالح : قد نظرت في كتاب أُستاذي الأعظم ، ربّ المعقول ورئيس المنقول ، حاكم الرواية ، ومعلّم الدراية ، الذي صنّفه في فقه الطهارة والصلاة (3) ، فوجدته لطيف الحجم ، عظيم النفع ، فأشار عَلَيّ بأن الخّص منه الواجبات ، فشرّف وأنعم حيث رفع القدر المنخفض كما هي عادته ، فلخّصته كما أمر مقتصراً على عبارته ما أمكن ، ومعبّراً عن معناها بأخصر من لفظه الشريف ، فإنه قصد غاية الإيضاح تسهيلاً على الطالبين ، غير متعرّض فيها لشي ء يخالفه من فتاوى العلماء راجحاً ومرجوحاً ، فليس فيها شي ء من عندي أصلاً ، والله أرجو أن يمنّ بإتمامه ، إنه لا يعجزه شي ء ، وهو اللطيف الخبير ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

ص: 207


1- الأحزاب : 33.
2- في المخطوط : ( هو ).
3- هي الرسالة الصلاتيّة الصغرى للشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار. انظر أنوار البدرين : 281 / 24.

ص: 208

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على إمام الأُمم محمّدٍ : وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

كتاب الطهارة

مقدّمة

أقسام المياه وأحكامها

الماء المطلق طاهر مطهّر له ولغيره نصّاً (1) وإجماعاً. وهذا بأصل خلقته ، فإن مازجه طاهر لم يسلبه الإطلاق حقيقة ، أمّا لو سلبه ذلك فطاهر غير مطهّر.

ولكون الماء أشدّ الأشياء اتّصالاً وانفصالاً وميعاناً جُعِلَ مطهّراً مع خلوّه من اللون على الأصحّ ، ولا يُنافي ذلك بوصفه بمثل : ماء البحر ، والسماء ، والبئر ، وحال (2) ، ومثل ذلك.

وكلّه يرفع الحدث مطلقاً ، وهو المانعيّة من الدخول في مشروطٍ بالطهارة. ويزيل الخبث مطلقاً ، وهو عين النجاسة. وإن ذهبت عينها بغير مطهّر فتطهيره للمحلّ حينئذٍ إزالة الخبث.

ص: 209


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 133 ، أبواب الماء المطلق ، ب 1.
2- كذا في المخطوط.

ولو شكّ في البقاء فالأصل البقاء. ولو وقع عليه ماء ولم يعلم نجاسته فطاهر ، وليس عليه السؤال إجماعاً.

والماء الجاري لا يتنجّس إلّا بالقطع بتغيّر لونه أو ريحه أو طعمه حسّا بمخالطة النجاسة ، لا بالمتنجّس ولا بمجاورتها. فلو شكّ هل هي قبل التغيير أم بعده ، فطاهرٌ ، وعلى ذلك الإجماع والنصّ (1) ولو عموماً قائمان. ولا يشترط في تحقّق الجريان دوام النبع ولا قوّته ، فإن انقطعت المادّة فالباقي له حكم الواقف على الأشهر الأقوى.

ومن الجاري ما يحصل من رشح الأرض إذا كان قويّاً في الجملة ، بل لا يبعد عدم اعتبار الشرط ؛ أخذاً بإطلاق المادة في النصّ (2) مع ظهور تفاوتها. ومراعاته أحوط ، وأحوط منه إدخاله في الواقف.

والعين [ التي لا ينفك (3) ] ماؤها عنها لا شكّ في [ دخولها (4) ] في الجاري.

ولا يشترط في الجاري الكرّيّة على الأقوى الأشهر ، بل لا يبعد انقطاع المُشتَرِط. ولو تغيّر بعضه بها اختصّ بالمتنجّس ، وما قبله جارٍ ، وما بعده واقف.

ولو انقطع نبعه والباقي أقلّ من كرّ مع سبق النجاسة وذهاب عينها وعدم تغيّر أحد أوصافه السابقة فمطهّر ، وإلّا فنجس.

ولو شكّ في وجود مادّته فالأصل عدمها إن لم يسبق تحقّقها ، وإلّا فيستصحب البقاء.

وماء المطر حال نزوله كالجاري ، جرى من ميزاب أم لا على الأشهر الأقوى في الأخير ، بشرط تحقّق أقلّ الجري ، وبعد انقطاع نزوله كالواقف. وطينه طاهر مطلقاً ما لم يلاقِ نجاسة. وغير بعيد ملاحظة العادة المفيدة للعلم بنجاسته ولو بالظنّ القويّ وإن خرج هذا عن ذاك.

ص: 210


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 133 - 143 ، أبواب الماء المطلق ، ب 1 ب 5.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 149 ، أبواب الماء المطلق ، ب 7 ، ح 4 ، ب 14 ، ح 6 - 7.
3- في المخطوط : ( الذي لا ينفل ).
4- في المخطوط : ( دخوله ).

والبئر يتميّز بتميّز قسيميه ، بل من الجاري ؛ لأن له مادّة وإن غايره اسماً ، ولا يتعدّى محلّه غالباً ، ولا يخرج عنها بوصل الآبار. وينجس بما ينجس به الجاري نصّاً (1) وإجماعاً ، ولا ينفعل بمجرّد الملاقاة ؛ للنصوص المستفيضة (2) المحكمة المشهورة المعلّلة الموافقة للقرآن والأصل وغير ذلك ، وللإجماع القائم. إلّا إن تطهيرها وجوباً عند القائلين بانفعالها ، واستحباباً على الأقوى مختلف باختلاف الملاقي.

فينزح البئر كلّه لوقوع البعير والثور والخمر ولو قطرة وكلّ مسكر مائع أصالة وإن جمد لا الجامد أصالة وإن ميّع ، والمنيّ ودم الحيض والاستحاضة والفقاع على الأشهر ، وفي ( الغنية ) (3) و ( السرائر ) (4) الإجماع. وإن تعذّر نزحه تراوح عليه يوماً مطلقاً أربعةٌ : اثنان اثنان من الطلوع إلى الليل ، ولا يكفي أقلّ وإن سدّ مسدّ الأربعة ، ويكفي النساء والصبيان ، والأحوط الاقتصار على الرجال. ويجوز لهم الصلاة جميعاً جماعة وفرادى ، والأكل جميعاً أيضاً ؛ لدلالة العرف على استثنائه ، وتجوز الزيادة على الأربعة ، ولا يجزي مقدار اليوم من الليل ولا الملفّق ، والأحوط الابتداء في النزح من الفجر الثاني ، ولا بدّ من سبق تهيئة الأسباب قبل طلوع الشمس أو الفجر ، ومن إدخال جزء سابق ولاحق من باب المقدّمة.

وينزح كرّ لموت الحمار والفرس والبغل والبقرة ، وعن ( الغنية ) (5) الإجماع في الأوّلين.

وينزح سبعون دلواً لموت الإنسان مطلقاً إجماعاً في المسلم ، وعلى الأشهر في

ص: 211


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 137 ، أبواب الماء المطلق ، ب 3.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 170 ، أبواب الماء المطلق ، ب 14.
3- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 380 - 381.
4- السرائر 1 : 69 - 70.
5- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381 ، وفيه : ( منه ما يوجب نزح كرّ واحد ، وهو موت أحد الخيل فيها أو ما ماثلها في مقدار الجسم ).

الكافر ، حتّى كاد أن يكون إجماعاً.

وخمسون للعذرة الرطبة وإن لم تذب ، وكذا للدم الكثير على أشهر الأقوال ، وفي ( الغنية ) (1) و ( السرائر ) (2) الإجماع ، والعبرة في كثرة الدم بحاله في نفسه كدم الشاة.

ولموت الكلب والثعلب والأرنب والخنزير والسنّور وشبه ذلك في الحجم الأربعون.

وكذا في بول الإنسان على الأقوى ، وفي ( الغنية ) (3) الإجماع. وادّعى بعض تواتر الأخبار بالعدد لبول الإنسان (4) ، وفي ( الوسائل ) (5) رُوِيَ. والأحوط إلحاق بول المرأة بما لا نصّ فيه.

وثلاثون لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب. ولو خالط أحدها خاصّة نزح له ما نصّ فيها ، أو تلحق بما لا نصّ فيه.

وعشرة للعذرة اليابسة ، وفي ( السرائر ) (6) و ( الغنية ) (7) الإجماع. ومثله لقليل الدم ، كدم الطير ، ويسير الرعاف. والعبرة بالقلّة بحال الدم أيضاً.

وينزح سبع لاغتسال الجُنب مطلقاً إذا غسل بدنه من النجاسة ، والعبرة في الترتيب بتمام الغسل ، والأحوط نزحها لمطلق وقوعه. وكذا لموت الطير كالدجاجة والحمامة والنعامة وشبه ذلك ، ولخروج الكلب حيّاً ، وللفأرة إن تفسّخت أو انتفخت ، ولبول الصبي المفطوم على الأشهر ، وحكي عليه الإجماع.

وخمس لذرق الدجاج الجلّال.

وثلاث للفأرة مع عدم الوصفين (8) ، وكذا للحيّة.

ودلو للعصفور وهو ما نقص عن الحمامة في الحجم ولبول الرضيع الذي لم

ص: 212


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
2- السرائر 1 : 79.
3- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
4- السرائر 1 : 78.
5- وسائل الشيعة 1 : 181 ، أبواب الماء المطلق ، ب 16 ، ح 4.
6- السرائر 1 : 79.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
8- أي التفسّخ والانتفاخ.

يتغذّ بالطعام مستنداً إلى شهوته ، فإن اختلف فالعبرة بالغالب دون النادر. وما ذكرناه هو الأشهر عند القائلين بانفعاله.

وأمّا ما لا نصّ فيه ، فأقوى الأقوال فيه وجوباً وندباً - : ينزح كلّ البئر (1).

ولو غيّرته المنصوصة ، فأقوى الأقوال : النزح حتّى يزول التغيير خاصّة (2).

ولا فرق بين صغير الحيوان وكبيره ، ولا بين سمينة ومهزوله.

والعبرة بالدلو المعتادة لنزح مثله مطلقاً ، فإن اختلف فبالأكثر ، وإن تساوى فالتخيير.

ولا يكفي نزح العدد دفعة ، ولا يشترط النيّة ، لأنه تطهير خبث. وبآخر دلو يطهر البئر والدلو والآلة وما معه. وما يتساقط من الدلو مطلقاً عفو.

ولو [ تكثّرت (3) ] النجاسة ، فإن اتّحدت نوعاً كفى المقدّر له مرّة كما لو كانت بعضاً من كلّ ، وإلّا فالأقوى التضاعف. ولا يدخل شي ء تحت أكثر منه.

ولا ينزح المقدّر إلّا بعد ذهاب عين النجاسة منه ولو بالاستحالة. ولو انصبّ دلو من العدد كفى دلو بدله ، سواء كان الأوّل أو الأوسط أو الآخر. والأحوط في الأخير إلحاقه بما لا نصّ فيه إن لم يكن له مقدّر ، وإلّا فيه ، وكذا لو صبّ في غيرها ، أو اتّصل بها ماء البالوعة. والعبرة بحال النجاسة.

ولا يجب التباعد بين البئر والبالوعة قدراً معيناً.

والواقف إن نقص عن كرّ [ فماؤه (4) ] ينجس بملاقاتها وإن كانت دماً قليلة مطلقاً على الأشهر الأقوى ، وإلّا فماء الجاري إن كان مائعاً. والجامد مطلقاً كغيره من الجامدات.

ولو تغيّر بعض الكثير اختصّ بالتنجيس إن كان الباقي كرّاً ، ويطهر بزواله مطلقاً. وإن نقص الباقي تنجّس الجميع. ولو وقع فيه ما لا يغيّره من النجاسة ، فإن استهلكت

ص: 213


1- انظر مدارك الأحكام 1 : 99.
2- انظر مدارك الأحكام : 1 : 101.
3- في المخطوط : ( بكثرة ).
4- في المخطوط : ( ماؤه ).

فطاهر ، وإلّا فإن أخذ منه فالمأخوذ طاهر مطلقاً إن لم تؤخذ فيه ، وإلّا فإن كان كرّاً فطاهر ما لم يتغيّر ، وإلّا فنجس مطلقاً. والباقي كذلك.

ولو شكّ في بلوغه الكرّيّة فالأصل العدم ، وفي ملاقاتها للكرّ فالأصل الطهارة وعدمها (1) ، وفي ملاقاتها القليل كذلك.

والكرّ : ألف ومائتا رطل عراقي على الأشهر روايةً (2) وفتوى (3) ، والأشهر (4) أنه (5) مائة وثلاثون درهماً ، هي أحدٌ وتسعون مثقالاً ، وهو الدينار الذي هو المعيار لجميع الأوزان الشرعيّة ، فهو باقٍ لم يتغيّر إلى الآن. والصيرفي : مثقال وثلث شرعي.

ومساحة الكرّ : ثلاثة وأربعون شبراً مستوية إلّا ثُمناً على الأشهر (6) ، وعن ( الغنية ) (7) الإجماع ، وهو الأقرب إلى التقدير الوزني.

وماء الاستنجاء طاهر نصّاً (8) وإجماعاً ، ومطهّر من الخبث إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، وفي ( المعتبر ) (9) و ( المنتهى ) (10) أنه إجماعاً ، وهو : ما يُزال به البول والغائط عن مخرجه ، ولم تلاقِه نجاسة خارجة ، ولم يعلم تغييره بما أزيل به ولو انفصل جزء منه معه أو سبقت اليد إلى المحلّ ، وإلّا فغسالة ، و [ هي (11) ] : ما تزال [ بها (12) ] الأخباث مطلقاً - [ لا غيرها (13) ] ، والأظهر طهارته مطلقاً ، والنجاسة مطلقاً أحوط ، بل أولى ، ويحكم بها بعد الانفصال.

ص: 214


1- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه ( لا عدمها ).
2- الكافي 3 : 3 / 6 ، تهذيب الأحكام 1 : 41 / 113 ، الإستبصار 1 : 10 / 4 ، وسائل الشيعة 1 : 167 ، أبواب الماء المطلق ، ب 11 ، ح 1 ، 2.
3- المقنع : 31 ، المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 64 ، النهاية : 3.
4- مدارك الأحكام 1 : 47.
5- أي الرطل.
6- مدارك الأحكام 1 : 49.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 379.
8- وسائل الشيعة 1 : 221 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 13.
9- المعتبر 1 : 90.
10- منتهى المطلب 1 : 24 ( حجريّ ).
11- في المخطوط ( هو ).
12- في المخطوط : ( به ).
13- في المخطوط : ( غيره ).

وماء الوضوء مطلقاً والأغسالِ المسنونة طاهر مطهّر نصّاً (1) وإجماعاً.

وما يرفع الحدث الأكبر ومنه مسّ الأموات على الأحوط إن لم يكن الأولى ، والأولى إدخال غسل الأموات في الغسالة طاهر نصّاً (2) وإجماعاً ، ومطهّر من الخبث كذلك ، وعن ( المنتهى ) (3) والفخر (4) الإجماع أيضاً ، ومن الحدث كما عليه عامّة المتأخّرين ؛ لعدم عروض ما ينجّسه ، فيشمله الأصل وغيره ، وتركه أحوط.

والأقوى في غسالة الحمّام الطهارة.

ولو تمّم الملاقي للنجاسة كرّاً ولو بنجس فالأقوى الطهارة ؛ لحديث لم يحمل خبثاً (5) ، ولأن الطهوريّة ليست بسبب الطاري أو السابق بملاحظة الانفصال ، بل من وحدة الكرّيّة الحاصلة بَعدُ ، ولأن المفهوم من إذا كان الماء قدر كرّ (6) وأمثاله أنه متى تحقّقت الكرّيّة لم ينجّسه شي ء ، وكما تدفع الطاري تدفع السابق ، وإلّا لم تدفع الطاري ، والاحتياط مطلوب خصوصاً في مثل هذا المقام.

وأمّا السؤر وهو ماء قليل باشره جسم حيوان مطلقاً ، كما هو ظاهر الفتوى والنصّ ، وفهمه من اللغة (7) غير عزيز فيتبع [ مُباشِرَة (8) ] طهارةً ونجاسةً كفضلاته ، عدا البول والغائط من بعضها فسيأتي.

وأمّا المضاف فهو : ما لا يطلق عليه الماء بلا قيد ، ويصحّ سلبه عنه ، وهو المعتصر من الأجسام والمصعّد منها مطلقاً ، حتّى عرق الماء المتصاعد منه بالطبخ ، والممزوج

ص: 215


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 209 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 8.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 211 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 9.
3- منتهى المطلب : 23.
4- إيضاح الفوائد 1 : 19.
5- بحار الأنوار 63 : 505.
6- وسائل الشيعة 1 : 158 - 160 ، أبواب الماء المطلق ، ب 9 ، ح 1 ، 2 ، 5 ، 6 ، 8.
7- لسان العرب 6 : 132 سأر.
8- في المخطوط : ( ذوه ) ، وما أثبتناه من مخطوطة الرسالة الصلاتية الصغرى للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبار : 3 ( مخطوط ).

يتبع الاسم مطلقاً ، ولا عبرة بالريح أو اللون أو الطعم ، وهو طاهر غير مطهّر من الحدث ولا من الخبث مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً ، والمخالف شاذّ منقطع (2) ، ومستنده معارض بأقوى من وجوهٍ ، وينجس وإن كثر بملاقاة النجاسة وإن قلّت إجماعاً ، ولا ينجّس الأسفل الأعلى في ظاهر المذهب ، والاحتياط مطلوب.

ولو وقع متنجّسة فيما يطهّره ، فإن لم يسلبه إطلاقه فطاهر مطهّر ، وإلّا فطاهر فقط.

ولو كان مع المكلّف مطلقٌ لا يكفيه لطهارته ومضافٌ ، وجب عليه مزجه بما لا يسلبه الإطلاق ، ولا يتيمّم على الأقوى.

ولو شكّ في سلبه الحقيقة فالأصل البقاء على ما تيقّن ، ففي المطلق الإطلاق ، وفي الإضافة الإضافة.

ولو اشتبه المطلق بالمضاف مع طهارتهما وجب الطهارة من كلّ واحد ، ولو انكفى أحدهما وجبت الطهارة بالباقي والتيمّم ، مخيّراً في تقديم أيّهما شاء ، وتقديم الطهارة أولى.

ولو اشتبه المطلق الطاهر بالنجس المحصور وجب اجتناب الجميع والتيمّم نصّاً (3) وإجماعاً ، وفي غير المحصور الكلّ طاهر بلا خلاف نعلمه ، ولا يجب إراقة المحصور حينئذٍ على الأقوى الأشهر ، وهو أحوط ما لم تعارض ، بل قد يجب عدمها. ولا تكفي الطهارة بكلّ على حدةٍ ولو عاقب الصلاة ، ولا التحري ولو بأمارة ، وكذلك لو ذهب أحدهما أو اشتبه بالمشتبه. ولو لاقى أحدهما طاهراً نجّسه على الأقوى.

والمشتبه بالمغتصب لا يرفع حدثاً ولو تكرّرت بكلّ واحد ، لكنّه يزيل الخبث

ص: 216


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 201 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 1.
2- نسب الخلاف للشيخ الصدوق في مدارك الأحكام 1 : 110 ، الهداية ( الصدوق ) : 65.
3- وسائل الشيعة 1 : 151 ، أبواب الماء المطلق ، ب 8 ، ح 2 ، 1 : 169 ، أبواب الماء المطلق ، ب 12 ، ح 1.

على الأقوى ويلزمه الضمان.

ولو اشتبه المضاف بالنجس والمغصوب لم يرفع حدثاً ، ولكن يزيل الخبث إذا تعاقبا ، ويضمن.

ولا يحكم بنجاسة ماءٍ الأصلُ فيه الطهارة إلّا أن يتغيّر ؛ إذ لا ينقض بالشكّ أبداً ، ومنه المشاهدة ، وإخبار صاحب اليد ولو كافراً ، وشهادة عدلين ، ولو شهد العدل الواحد فالأقوى عدم الثبوت ، وإن كان قبوله أحوط خصوصاً إذا استند إلى سبب.

ولو تعارضت البيّنتان فالشيخ : في ( الخلاف ) (1) على اطّراحهما والرجوع إلى الأصل ، وفي ( المبسوط ) (2) إن أمكن الجمع فيحسن ، ورجّح في ( النهاية ) نجاسة أحدهما لا بعينه ، فأوجب اجتنابهما ، وهو قويّ ، وسقوط البيّنتين للتعارض يوجب ثبوت الاشتباه الذي كانا عليه لا الرجوع إلى أصل الطهارة وإن احتمل ، ويحتمل العمل بالقرعة.

ومتى حكم بنجاسة الماء ولو بالاشتباه لم يجز استعماله في رفع حدث ، أو إزالة خبث ، أو أكل أو شرب ، اختياراً لا اضطراراً ، ويجوز سقيه الحيوان مطلقاً كسائر المضافات النجسة ، كما يجوز الصبغ بها مع وجوب التطهير بعد.

ومتى تنجّس الماء وله مادّة طهر بزوال [ التغيّر (3) ] مطلقاً ولو بعلاج. [ و ] ينجس بأيّ نجاسة [ تغيّره (4) ] على الأقوى ؛ [ وإن كانت (5) ] له مادّة ، وهو ظاهر الفتوى والنصّ ، مثل

كلّما غلب .. (6).

وما له مادة هو الجاري ، والبئر ، والمطر حال نزوله ، ومطلق النابع ، والواقف

ص: 217


1- الخلاف 1 : 201 / المسألة : 162.
2- المبسوط 1 : 8 - 9.
3- في المخطوط : ( التغيير ).
4- في المخطوط : ( تغير ).
5- في المخطوط : ( لان ).
6- تهذيب الأحكام 1 : 216 - 217 / 625 ، وسائل الشيعة 1 : 137 ، أبواب الماء المطلق ، ب 3 ، ح 1 ، وفيها : « كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء أو تغيّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب ».

المتّصل به ، إلّا إن الاحتياط في الأخير [ عدم طهارته ] إلّا بعد زواله (1).

والواقف مطلقاً يطهر بإلقاء كرّ متّصل عرفاً يزاح عليه ، ومراعاة الدفعة والامتزاج أحوط ، وإلّا فصدق الاتّصال والإلقاء ولو بالاتّصال من حوض آخر كافٍ ، لكن إذا زال التغيّر من الكثير والنجاسة من القليل ولو بنفس الاتّصال. كما يطهر باتّصاله بما له مادّة مع الزولان. ولا يطهر الكثير المتغيّر أو القليل الملاقي من الواقف بزوالهما مطلقاً. على الأقوى الأشهر.

والمضاف مطلقاً يطهر بامتزاجه بكرّ أو جارٍ ، فإن سلبه الإطلاق فهو طاهر غير مطهّر ، وإلّا فمطهّر. والدهن لا يقبل التطهير مطلقاً على الأقوى.

ص: 218


1- أي زوال التغيّر.

أقسام النجاسات

والنجاسات عشر :

البول والغائط من غير مأكول اللحم ممّا له نفس سائلة مطلقاً ، حتّى الطير على الأشهر الأقوى ، حُرّم بالأصالة ، أو بالعارض كالجلّال قبل استبرائه ونسله أبداً ، [ وعدم ] قبوله الاستبراء كموطوء الإنسان ونسله. وهما من المأكول طاهران وإن كره كالخيل والبغال والحمير.

والمنيّ ، والدم ممّا له نفس سائلة مطلقاً ، إلّا ما يتخلّف من الدم في اللحم بعد خروج المسفوح أجمع ، إلّا علقة القلب فإنها نجسة مطلقاً كدم البيضة ، وعموم بعض ما يشمله مع أنه علقة.

والكلب والخنزير البرّيّان حتّى ما لا تحلّه الحياة منها ، واستثناؤها شاذّ منقطع (1). ولو نزا أحدهما على حيوان مطلقاً ، فإن دخل الناتج في نوعٍ ولو بوجود خاصّةٍ كمَشية خلف الغنم أو معه ، وأكله العلف وكرعه الماء وعدمهما ، أو وجود كرش له أو معدة كالإنسان وأمثال ذلك الحق به ، وإن اشتبه فالحلّيّة ، والأحوط النجاسة. ولو نزا أحدهما على الآخر فالناتج إن أشبه أحدهما أو غيرهما الحق به ، وإلّا فالتحريم والنجاسة ، مع احتمال الطهارة ، والأحوط النجاسة مطلقاً.

والكافر مطلقاً كأخويه حتّى الشعر ، وهو من أنكر الأُلوهيّة ، أو من ثبتت نبوّته بالتوراة والقرآن ، أو شيئاً ممّا ثبت بالضرورة الدينيّة كالصلاة ، ومن ألقى قرآناً في

ص: 219


1- الناصريات 100 / المسألة : 19.

نجاسة ، أو بال في الكعبة استهزاءً زادها الله شرفاً ومن سبّ محمَّداً صلى الله عليه وآله : أو أهل بيته أو مواليهم لأجلهم ، أو من ظهر له الدليل على إمامة الأئمّة بعد الرسول فأنكرها ، أو فضيلة [ فألحدها (1) ] ، والخوارج والمجسّمة والغلاة ولو أظهر أحدهم الشهادتين.

والطفل كأبويه ، وإن كان أحدهما مسلماً تبعه ، والمسبيّ كالسابي ، واللقيط كالدار ، إلّا أن يوجد في دار الكفر مسلم يمكن تولّده منه فهو بحكمه. أمّا مطلق المخالف فطاهر ، غير ناصب ولا منكر بل جاهل. والإنكار ضدّ المعرفة ، ولا يكون إلّا بعد قيام الدليل ، وبدونها جاهل ، وهو ضد العلم ، وعلى ذلك النصوص مستفيضة (2). ولو شكّ في المخالف فالأصل الطهارة وحقن المال والدم ، وفي كفر شخص وإسلامه وقف حتّى يثبت أحدهما ، وما باشره برطوبة ممّا أصله الطهارة طاهر حينئذٍ.

والميتة من ذي النفس السائلة بجميع أجزائها التي تحلّها الحياة ، فما لا تحلّه من غير الكافر وأخويه طاهر ، وهي الصوف والشعر والوبر والقرن والظفر والظلف والبيض المكتسي بالقشر الأعلى والعظم والإنفحة ، فتصحّ الصلاة فيها إن كانت من مأكول. أمّا لبن ميتة المأكول فنجس على الأشهر الأقوى ، ولو أُبين ما تحلّه الحياة من حيّ فنجس ، إلّا الأجزاء الصغار التي تسقط من الإنسان كالجلد من البثور والثآليل. ولا يطهر جلد الميتة بالدبغ.

والخمر وجميع المسكرات المائعة أصالةً وإن عرض لها الجمود ، إلّا الجامد أصالةً.

وكالخمر الفُقّاع وإن لم يسكر. وما يتولّد في حبّات العنب إن أسكر فنجس ، وما أسكر كثيره حرم قليله ، والإجماع على ذلك قائم ، ولا فرق في الفقاع بين ما غلى وغيره وهو النشيش.

والعصير ، وهو المُعتصَر من العنب خاصّة في ظاهر الأصحاب وإن لم يسكر ،

ص: 220


1- في المخطوط : ( لأحدها ).
2- انظر الكافي 2 : 25 - 27 / 1 - 5.

أو أخذ من مستحلّ لما دون الثلث إذا غلى بأن صار أعلاه أسفله بنار أو غيرها ، فإذا ذهب ثلثاه حلّ وطهر ، والآلة والمُزاوِل والإناء. وليس الاشتداد بشرط مع عدم انضباطه.

أمّا الزبيبي والتمري فطاهر ما لم يسكر ، ونفى الخلافَ في الثاني بعضٌ ، وقيل به في الأوّل ، والاحتياط لا يخفى. وما سوى ذلك طاهر وإن كره بعض ، والحديد (1) طاهر إجماعاً ، وكذا ماء المطر بعد الثلاثة ، ولبن البنت.

أحكام النجاسات

ويجب إزالة جميع النجاسات من المصاحف والضرائح المقدّسة والمساجد لأنفسها ، ولو دخل بها فيهما ولم تتعدّ لم تجب الإزالة على الأظهر الأشهر.

وعن الأواني مطلقاً عند استعمالهما في مشروطٍ بالطهارة وفي الأكل والشرب.

وعن الثياب والبدن للصلاة والطواف الواجبين ولو بالعارض ، والطواف المندوب على الأحوط ، ولدخول المساجد ، ومكان المصلي إن تعدّت في غير موضع الجبهة ، وعنه مطلقاً.

وعفي عنها فيما إذا جهلها مطلقاً ، وفيما إذا تعذّرت الإزالة ، وفيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً للرجل على حالٍ ، وفي خرقة الاستحاضة ودائم الحدث وإن لم تكونا في محالّهما ، وفي المصاحب كالدرهم ونحوه ، وعمّا نقص عن سعة لا وزناً الدرهم البَغليّ من الدم غير الدماء الثلاثة على الأشهر ، وحكي عليه الإجماع (2).

ولا فرق في ذلك بين الثوب والبدن ، ولا دم الإنسان نفسه وغيره. وفَرقُ بعض متأخّري المتأخّرين في الأخير شاذّ ، ودليله لا يدلّ عليه. ولا يستثنى دم نجس العين كما قيل ، وهو أحوط. والمتفرّق يقدّر مجتمعاً على الأقوى الأشهر ، كان في

ص: 221


1- كذا في المخطوط.
2- منتهى المطلب 1 : 172 ( حجريّ ) ، تذكرة الفقهاء 1 : 73 / المسألة : 23 ، مختلف الشيعة 1 : 318 / المسألة : 235.

الثوب والبدن أو أحدهما على الأقوى ، فإن بلغ سعته الدرهم وجب إزالته ، والزائد تجب إزالته إجماعاً (1) ، ويكفي إزالة ما يزول به القدر ولو خرق الدم الثوب الكثيف ، والأحوط احتسابهما اثنين. ولو صاحب الثوب متنجّساً أو نجاسة أُخرى فلا عفو.

وعفي أيضاً عن ثوب المربّية مطلقاً ولو بأُجرة للصبيّ خاصّة وإن كان أحوط ، لكن بشرط عدم تمكّنها من البدل على حال. وبول الولد ولو متعدّداً في ثوب المربّية خاصّة إذا غسلته في اليوم والليلة بالماء مرّة واحدة. ولا يلحق غيرهما بهما مطلقاً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على النصوص ، ويراعى في غيرهما المشقّة وعدمها.

وعن دم الجروح والقروح في الثوب والبدن مطلقاً حتّى تبرأ فترجع إلى التقدير ولو لم يسل مدّة الصلاة ولم يشقّ زوالها وأمكن تبديل الثوب على الأقوى ، والاحتياط أولى.

ص: 222


1- مختلف الشيعة 1 : 318 / المسألة : 235 ، السرائر 1 : 177.

المطهّرات

ويكفي في التطهير بالماء مطلقاً إذا كان جارياً أو كثيراً إزالة النجاسة مطلقاً إجماعاً ، إلّا في ولوغ الكلب في الإناء فلا بدّ من التراب على الأشهر الأقوى. وإذا كان قليلاً لم يطهر النجس إلّا بصبّه عليه مطلقاً ، إلّا في بول في ثوب أو بدن فمرّتين أحوط ، وإن كان الاكتفاء بالمرّة قويّاً ، إلّا في الاستنجاء.

وبعصره فيما [ يكون (1) ] متوسّطاً لإخراج ما فيه من الغسالة ، وإلّا فالغمس كافٍ ولا حاجة إلى الفرك في مثل الجسد وإن كان أحوط. وتتحقّق المرّتان بمفارقة الماء المحلّ وعوده ثانياً وإن لم ينقطع ، والقطع أحوط.

ويكفي في بول الصبي الرضيع الذي لم يتغذّ بالطعام أكلاً مستنداً إلى شهوته وإرادته الصبّ عليه من غير عصر نصّاً (2) وإجماعاً. ولا يبعد مساواة الصبيّة (3). وما سوى ذلك تكفيه المرّة مطلقاً ، والمرّتان أحوط ، خصوصاً فيما له ثخن وقوام.

ويغسل الإناء عن ولوغ الكلب ولطعه إيّاه بفيه ثلاثاً أُولاهنّ بما يسمّى تراباً ، والأولى عدم خلطه بالماء أصلاً ، ولا يقوم غير التراب مقامه ولو ضرورةً لتعيّن كونه مطهّراً شرعيّاً ، وعدم دليل على البدليّة حتّى الواقع بين غسلتي الماء. ومن غيره مرّة ، والثلاث أحوط مطلقاً. ويتحقّق بصبّ الماء فيه حتّى يعلو على النجاسة ، ثمّ إفراغه ولو بالدلاء يعود ويصبّه وإدارته فيه وإفراغه كذلك.

ص: 223


1- في المخطوط : ( يكن ).
2- الكافي 3 : 56 / 6 ، وسائل الشيعة 3 : 397 - 398 أبواب النجاسات ، ب 3 ، ح 2.
3- في المخطوط بعدها : ( والأحوط ).

وتحرم آنية الذهب والفضّة خاصّة ولو قُنية ، ولا يحرم المأكول فيها ، ولا يبطل الوضوء منه. ويجب اجتناب موضع الفضّة في المفضّض والمكحلة من الآنية دون المرود والخاتم.

والأرض إن كانت صُلبَةً منحدرةً منفصل عنها الغُسالة ولا ترشح فيها ، طهرت بجري الماء عليها مرّة أو مرّتين في ظاهر المذهب ، وإلّا فبإلقاء كرّ أو بإشراق الشمس وتجفيفها للنجاسة بعد ذهاب العين ، كالأحجار والأشجار وثمارها وورقها قبل القطع ، والحصر والبواري وكلّ ما لا ينقل عادةً أو في نقله مشقّة ، إلّا إنه لا بدّ أن يستند جفافها فيما ذكر إلى إشراق الشمس خاصّة دون حرارتها ، ودونها بمعونة الهواء ، ولا يضرّ انضمامه إذا ترجّح استناده إليه ، ولو تيبّست بدونه وصبّ عليها الماء فإذا جفّفها طهرت ، ولا تعود النجاسة لو عادت الرطوبة بعده على الأقوى الأشهر ، ولا تطهر بصبّ القليل عليها ، ورواية الذنوب شاذّة مطّرحة (1).

والأرض تطهّر باطن النعل والخفّ والقدم وخشبة الأقطع وكلّ ما يُوطأ به إذا زالت النجاسة بها مطلقاً إذا كانت طاهرة جافّة ، ولو زالت بدون المشي أو المسح كفى مسمّى الإمساس ، أما أسفل الرمح والعصا فلا. ولا بدّ من ذهاب الأثر بعد العين. ويدخل في هذا تطهير الإناء بالتراب ، والاستجمار بالحجر.

ومن المطهّرات الاستحالة ، فيطهر المستحيل بالنار رماداً ودخاناً وبخاراً ، فماء الورد النجس طاهر إن قيل باستحالتها بخاراً. ولا يطهر العجين بالخَبز ولا الطين بالتفخير ؛ لعدمها. وأعيان النجاسات باستحالتها جسماً طاهراً ، ومنه استحالة المسفوح دمَ ما لا نفس له ، والبول والخمر والعصير بول مأكول اللحم ، والخمر والعصير [ العنبي ] استحالتهما خلّاً ولو بعلاج ، ويتبعه إناؤه ومزاوله وآلته. ولو وقعت في قدر نجاسة لم يطهر ما فيها بوجه إن كان مائعاً ، وإلّا طهر بالغسل نصّاً وإجماعاً ،

ص: 224


1- سنن أبي داود 1 : 103 / 380.

كما في ( التحرير ) (1) على عدم طهارة المائع ، وعلى إباحة غيره بعد الغسل ، والاحتياط لا يخفى.

والكافر مطلقاً بصيرورته مسلماً ، ويتبعهُ ولده الذين لم يبلغوا وإن وجب غسل ما على بدنه حين إسلامه في وجه قويّ ، وهو أحوط.

ومنه المرتدّ الراجع ولو عن فطرة في وجه قويّ وإن لم ترجع له زوجته وماله. ومسبيّ المسلم الصبيّ يتبعه فيطهر.

ومنها مجرّد زوال عين النجاسة عمّا سوى الإنسان من الحيوان ولو لم يغب إجماعاً ، وفيه إن غاب مطلقاً على الأشهر الأظهر ، ومراعاة ظنّ الزوال أحوط إن علم المتنجّس بها. وعن البواطن فتطهر رطوباتها المختصّة دون ما فيها من غيرها كباقي الطعام ، بل بالمضمضة بالماء مرّة أو أكثر ، وما دخلها وخرج غير متلوّث بنجاستها طاهر للشكّ في تنجّسه ، والأحوط النجاسة.

ومنها النزح في البئر عند الحاكم بتنجّسه بالملاقاة ، أو مع التغيّر إن أزاله إجماعاً إن لم نقل الأصل المادة.

ومنها ذهاب الثلثين في العصير بالحرارة ولو بعلاج في وجه قويّ ، ويطهر حينئذٍ الإناء والمزاول والآلة.

ويكفي في الحكم بالطهارة إخبار صاحب اليد ولو وكيلاً غير عدل كالخادم ، أو شهادة عدلين ، أو واحد في وجهٍ.

ولا تطهر العين بغير ذلك ، ولا الصقيل بالمسح ، ولا يزول بالمضاف ، ولا بالريح ، ولا التصاق الدم ولا غليانه ، ولا الدهن بإلقائه في الكثير ، ولا العجين بالخَبز ، ولا الطين بالتطيين به ، ولا جلد الميتة بالدبغ. والقول بما في ذلك كلّه شاذّ قائلاً ودليلاً ومنقطع.

ولا يفتقر جلد غير المأكول ممّا يقع عليه الذكاة إلى الدبغ قبل استعماله ، وهو

ص: 225


1- تحرير الأحكام 1 : 25 ، 160 ( حجريّ ) ، ولم يذكر فيه الإجماع.

أولى كما عليه الشيخ (1) : وعلم الهدى (2). وعليه لا يفتقر الدبغ إلى فعل ، بل يكفي وقوعه في المدبغة ، ولا إلى الغسل بعد.

ولا يجوز استعمال الجلد إلّا مع العلم بالتذكية ، ويكفي أخذه من بلد المسلمين أو سوقهم ولو من غير معلوم الحال ، فلو كان فيهم غيرهم فبالأغلب ، ولو أُخِذَ من كافر لم يجز استعماله وإن كان في سوق المسلمين إلّا أن يحصل العلم بذكاته ، وكذا لو أخذ من مسلم يعتقد طهارته بالدبغ على الأحوط ؛ لأن الأصل في الجلد الموت ، فيكون نجساً ، إلّا أن يحصل حكم شرعي يدفع أصالة موته ، كما لو كان في سوق المسلمين أو أخذ من يد مسلم أو اطّلع على ذكاته ، وإذا انتفى المعارض للأصل يبقى على أصالته.

ص: 226


1- الخلاف 1 : 64 / المسألة : 11.
2- الانتصار : 92 / المسألة : 5 ، الناصريات : 99 / المسألة : 18.

تتمّة في أحكام الخلاء

يجب على المتخلّي ستر عورته وهي الدبر والقبل خاصّة عن ناظر محترم ، وهو ما سوى الزوجة ، والمملوكة الغير المزوّجة ، والمشتركة ، والصبيّ والصبيّة الغير المميّزين ، وهو الأحوط فيما زاد على ثلاث سنين. ولا يبعد جواز نظر السيّد لمن أحلّ نظرها ؛ لأخبار جواز إباحة نظر أكثر من سائم (1) ، فالمولى أولى ، فينعكس فيهما ، والأحوط العدم فيهما. ولا يستلزم جواز الخدمة النظر ولا العكس.

ويجب على المتخلّي تجنّب ما لا يجوز له التصرّف فيه ولو به ، كما يجب تنزيهه. ومال الغير ولو وقفاً بما ينافي غرضه ، وما يضرّ جلوسه فيه بالمسلمين ، واستقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه وضدها أجمع مطلقاً على الأشهر ، وفي ( الغنية ) (2) و ( الخلاف ) (3) الإجماع. ولو اضطرّ لأحدهما مع التمكين في الآخر تخيّر ، ولو أُلجئ وخيّر قدّم اختيار الاستدبار ، ولو جهلها تخيّر أيضاً ، ولو تعارض أحد الممنوعين والستر ترجّح الستر ، والاستقبال والاستدبار كلّ بحسبه ، فهماً في القائم غير المضطجع ، وفيه غير الجالس.

ص: 227


1- وسائل الشيعة 18 : 273 ، أبواب بيع الحيوان ، ب 20.
2- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) 1 : 372.
3- الخلاف 1 : 102 / المسألة : 148.

ويجب غسل مخرج البول بالماء خاصّة مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً (2) مرّة واحدة ؛ للنصّ الصحيح ، وعليه جماعة ، والمرّتان أحوط. فلو لم يتمكّن ولو خوفاً خفّف النجاسة وصلّى ، ولا إعادة عليه إلّا احتياطاً ، والمحلّ على النجاسة.

وما سوى البول ممّا خرج من القبل كنوعه ، والمرأة كالرجل ، والأغلف كغيره في وجوب تطهير الحشفة ، والجواري كالمختونات في وجوب غسل المخرج أيضاً. وليس على المرأة إلّا غسل ظاهر الفرج ، وهو ما يظهر حالة الجلوس بالخلاء.

ولو توضّأ قبل غسل مخرج البول صحّ.

ويجب أيضاً الاستنجاء عن الغائط بالماء إن تعدّى المخرج أو مازجته نجاسة أُخرى ولو من المحلّ أو غائط من غيره. ولا يكفي الحجر ، والجمع أفضل ، بل قد يتعيّن كما لو قلّ الماء.

وحدّه الإنقاء ، ولا يضرّ بقاء اللون والريح إجماعاً. نعم ، لا بدّ من زوال الأثر ، وهو الأجزاء الصغار المتخلّفة بالمحلّ ، بخلاف الاستجمار.

ولا يجب الاستنجاء إلّا بخروج نجاسة وإن لم يتعدّ الغائط المخرج. وإن لم يتجاوز حلقة الدبر تخيّر بين الماء والأحجار إجماعاً ، لكن لا يجزي أقلّ من ثلاثة أحجار وإن نقى بأقلّ عند جماعة (3) ، ونقل عليه الشهرة جمع ، وهو المتبادر من ظاهر النصّ (4). كما لا يكفي ذو الجهات لذلك وإن كان للاكتفاء بهما وجه قويّ بما لا ينافي النصّ لولا الشهرة.

ويشترط في الحجر طهارة محلّ الاستعمال وتعدّد المسح بتعدّد الحجر ، ويتحقّق

ص: 228


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 349 ، أبواب أحكام الخلوة ، ب 31.
2- الخلاف 1 : 104 / المسألة : 49 ، تذكرة الفقهاء 1 : 124 / المسألة : 35.
3- النهاية : 10 ، الخلاف 1 : 104 / المسألة : 50 ، السرائر 1 : 96 ، نقلاً عن الشيخ المفيد ، مختلف الشيعة 1 : 102 / المسألة : 60.
4- عوالي اللآلي 2 : 184 / 53 ، السنن الكبرى 1 : 166 / 499.

باستعمال الحجر ثمّ كسر محلّ النجاسة منه وهكذا ثلاثاً ، والأحوط العدم. وتجزئته أوّلاً ، وهو كغيره ممّا يستجمر به. ولا يتحقّق التثليث باستعمال واحد وتطهيره ثلاثاً. ويشترط جفاف الحجر وشبهه ، ولا يضرّ هنا بقاء الأثر.

ويجوز بكلّ قالع إجماعاً ما لم يكن عظماً أو روثاً أو مطعوماً عادةً اختياراً أو غير قالع كما [ لو كان ] يزلق والرخو أو محترماً. وهل يطهر المحلّ لو أُزيلت بشي ء من ذلك؟ الأقوى المنع ؛ لعدم جعله مطهّراً شرعاً. ولا يكفي الإصبع مطلقاً.

ولو انسدّ المخرج جرى في غيره بأوّل مرّة ، وبدون الانسداد مع الاعتياد. وفي جريان الاستجمار حينئذٍ قولان ، الأقوى نعم ، والاحتياط لا.

ولو استعمل المغصوب أثمَ وصحّ ، ولزمته الأُجرة والقيمة ، والأحوط تجنّبه.

ولو لم ينقَ بالثلاث وجب الزائد إجماعاً (1). ولا يدخل في المستعمل ما قطع عليه بعد النقاء.

ختم : يجب في الحمّام ستر العورة كغيره.

ص: 229


1- الخلاف 1 : 105 / المسألة : 50.

ص: 230

الباب الأول : في الوضوء

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في ما يشرع له وأسبابه

اشارة

يجب لكلّ مشروطٍ به ، وهو : الصلاة مطلقاً ولو نفلاً أو احتياطاً أو جزءاً مقضيّاً ، وسجدتا السهو ، والطواف الواجب ولو بالعرض مطلقاً ، ولمس خطّ المصحف مطلقاً إن وجب بما تحلّه الحياة ، ومنه المدّ والحرف المشدّد ، لا الإعراب والنقط [ لتجرّده (1) ] أوّلاً منها ، والأحوط التجنّب لما بين الدفتين. أمّا المنسوخ حكماً وتلاوة والكتب المنسوخة والحديث فجائز ، والأولى تجنيب الصبي. وإن قلنا بجواز كتابته على جسد المُحدِث ولو من أكبر ؛ لعدم صدق المسّ حينئذٍ ، فلا يجوز له مسّه بعد ، والأولى ترك الكتابة. ويجب الوضوء بالنذر وشبهه.

ص: 231


1- في المخطوط : ( لتجريد ).
موجبات الوضوء

وأسباب الوضوء : خروج الغائط والريح من الدبر.

والبول من القبل.

وهذه المواضع المعتادة لها ، فتنقض وتوجب بمجرّد الخروج ، وكذا لو اتّفق غيرها بأصل الخلقة أو مع انسداد الأصل. وبدون ذلك أقوال أقواها مراعاة الاعتبار ، وهو يحصل بالعود ، فينقض في الثالثة حينئذٍ ، والأحوط النقض مطلقاً. ولا يجب بما يخرج منها غير الثلاثة.

والنوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر.

والإغماء والجنون ، وكلّ مزيل للعقل مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً (2).

والاستحاضة القليلة على الأشهر الأظهر.

وخروج المقعدة (3) متلوّثة بالغائط الذي لم ينفصل غير ناقض على الأقوى.

والبول المحتقن في الغُلفَةِ ناقض.

والبلل المشتبه إن سبقه استبراء فطاهر غير ناقض ، وإلّا فحكمه حكم البول. والقول بوجوبه في غير ذلك شاذّ منقطع مردود بالنصّ (4) والإجماع (5) إلّا الوضوء المصاحب لما عدا غسل الجنابة من الأغسال. ولا ينقض يقين الطهارة إلّا يقين الحدث.

ص: 232


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 257 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 4.
2- الخلاف 1 : 107 / المسألة : 53.
3- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه قدس سره يريد : الدود أو ما شابه.
4- انظر وسائل الشيعة 1 : 248 - 257 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 2 - 4.
5- الخلاف 1 : 118 / المسألة : 60.

الفصل الثاني : في واجباته

اشارة

وهي :

النيّة : وهي على التحقيق : القصد الخاصّ للوضوء مثلاً تقرّباً إلى الله تعالى ، أو طاعة لله موافقة لإرادته وامتثالاً لأمره ، أو طلباً لثوابه ، أو هرباً من عقابه ، وأمثال ذلك. وملاحظته الوجوب أو الندب والرفع أو الاستباحة أو هما وهما متلازمان أحوط. ودائمُ الحدثِ ملاحظتُه الاستباحةَ فقط أحوطُ.

ولا بدّ فيها من القصد القلبي ، والتلفّظ لا يبطلها ، ولا يغني بدونه (1). ولو تلفّظ بخلاف المقصود لا يضرّ. ولو اجتمعت أسباب كفى وضوء واحد ونيّة واحدة مطلقة ، ولو نوى رفع أحدها ارتفع الكلّ ، ولو نوى استباحة صلاة معيّنة ارتفع في نفسه وصحّ غيرها.

ولمّا كانت النيّة القصد لا تصوّر المنويّ فهي من أفعال النفي وإرادة خاصّة ، فلا تركيب فيها ، فهو في متعلّقها ، فلا يتصوّر تفريقها على أجزائه حتّى يقال بالصحّة وعدمها. نعم ، يتصوّر تجدّد القصد وتواليه ، وهو غير ضار.

ولو ضمّ الرياء والسمعة بطلت ، وكذا التبرّد على الأقوى ، ولو ضمّ راجحاً لم يضرّ ، كما هو ظاهر في أبواب الفقه.

ولو نوى ما لا تشرع له الطهارة لم يرتفع حدثه. ولو جدّد ثمّ تيقّن إخلالاً بعضو من أحدهما ارتفع حدثه.

ص: 233


1- أي واللفظ لا يغني بدون القصد القلبي.

ومحلّها أوّله ، كغسل أوّل الوجه مثلاً ، ويجوز تقديمها في الوضوء عند غسل البدن ، ويجب استدامتها إلى الفراغ بأن يكون باقياً على قصده ولا ينوي ما يخالفه ، وتفسيره بألّا ينوي الوجوب في المندوب أو العكس ، فالأقوى الصحّة مطلقاً.

وغسل الوجه ، وهو من قصاص شعر الرأس من مستوي الخلقة إلى محادر الذقن طولاً ، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضاً من مستوي الخلقة مع مقدّمتهما.

والأسماء المحيطة بالوجه اثنا عشر : الذقن من أسفل ، والناصية من أعلى تكنفها النَّزعتان ، وهما البياضان المرتفعان في الرأس ، وفوق الذقن العارض وهو ما فوقه من جانب اللحية إلى شعر العِذار ، وفوقه العِذار متّصلاً بالصدغ ، وفوقه الصدغ ، وفوقه مواضع التحذيف ، وهي منابت شعر خفيف لين بين النزعة والصدغ.

ولا يجب غسل ما استرسل من شعر الوجه وتجاوز المقدار ومقدّمته ، ولا يجب تخليلها وإن خفّت ما لم تبدُ البشرة ، فيجب غسل ما يبدو.

والمرأة كالرجل ، ولا يؤثّر في الطهارة زوال الشعر ولا الجلد. ويرجع الأنزع والأغمّ ومن طالت أصابعه أو قصرت أو خرج وجهه من المعتاد رجع إلى المستوي ، فيغسل قدر ما يغسل ، ويترك ما زاد عليه. وذو الوجهين يغسلهما. والواجب غسل ما ظهر من المغسول دون ما بطن.

وغسل اليدين مقدّماً لليمنى وجوباً من المرفق وهو مجمع عظام الذراع والعضد بإدخاله ومقدّمته لأصالته احتياطاً إلى منتهى الأصابع. ويجب غسل ما دخل في الحدّ ولو زائداً أو مستدلياً من غيره إليه لا ما خرج ولو منه ، أمّا ما على نفس المرفق فلا. واليد الزائدة إن اشتبهت بالأصليّة وجب غسلها ، وإن تميّزت بالقوّة ونحوها [ اقتُصر (1) ] على الأصليّة. ولو نكس مطلقاً في أحد اليدين أو الوجه لم يجز.

ويتحقّق الغسل فيهما بمسمّاه عرفاً ، فلو صبّ بالإناء مبتدئاً بالأعلى أو غمس العضو مبتدئاً به مرتّباً أو نوى بإخراج العضو كذلك صحّ ، ولو غمس وجهه ويده كذلك

ص: 234


1- في المخطوط : ( اقتصاراً ).

دفعة صحّ غسل الوجه. وفي الثانية اليمنى والثالثة اليسرى ، والأحوط العدم في هذه. ولو قطع بعض المغسول وجب غسل الباقي ولو مرفقاً ، ويسقط إن لم يبقَ شي ء. ويجب غسل الأظفار وإن طالت ، وإزالة وسخها إن منع. وشعر اليدين كالمحلّ أيضاً.

ويتحقّق البدأة بالأعلى بحسب العرف والظاهر عند المكلّف ، بأن يسدل الماء من أعلى الوجه والمرفق رافعاً له ، ولا يجب كلّ جزء من اليد منحدراً ، أو من الوجه يغسل قبل السافل لتعسّره ، بل يقدّر على الظاهر.

وواجب الغسل مرّة ، وأقلّ مسمّاه انتقال الجزء من موضعه ولو بمعاون ولو دَهناً ، ولا يجزي المسح عنه مطلقاً ، وضمّه إلى التيمّم في الضرورة أحوط. ولو انكشط جلد من المغسول والتحم رأسه بغيره أو بالعكس وتجافى وسطه غسل كلّه لصدق أنه مبدل من محلّ الفرض أو زائد فيه ، والبدأة بالمرفق به حينئذٍ أيضاً مطلقاً.

ومسح مقدّم الرأس وهو ما قابل مؤخّره قبل الرجلين بباطن الكف ، فإن تعذّر فبظاهره ، فإن تعذّر فبالزائد ، وكونه على الناصية باليمنى أولى وأحوط. والمسمّى من المسح مطلقاً به من الماسح عليه [ و ] من الممسوح كافٍ ، ويجوز على شعره الغير المتجاوز حدّه ، لا على حائل مطلقاً ، إلّا لضرورة أو تقيّة.

ومسح ظاهر القدم اليمنى ثمّ اليسرى من رؤوس أصابعهما إلى منتهى كعبيهما تحقيقاً وهما قبّتا القدم مطلقاً بالمسمّى مسحاً وماسحاً وهو ماسح الرأس على مسمّى الممسوح بنداوة الوضوء كالرأس أيضاً. ولو جفّت يده أخذ من أشفار عينيه وبعض أعضائه ، فإن جفّت جميعاً أعاد ، إلّا إذا تعذّر لسرعة الجفاف بحرّ مثلاً أخذ ماءً جديداً حينئذٍ ، وضمّ التيمّم له حينئذٍ أحوط. ولا يجزيه المسح بماءٍ جديد ، ولا غسل الرجلين إلّا لتقيّة ، فإنه فرض حينئذٍ ، فلو لم يعمل بمقتضاها لم تصحّ طهارته ويفسد مشروطها ، ولو زالت انتقضت بها. ولا تكرار في المسح مطلقاً. ولو وضع بعض ممسوح أو كلّه فكمغسول ولا يكمله بتيمّم. ولا بدّ من تأثير الممسوح به في الممسوح ، ومن كون المسح على البشرة أو شعرها المختصّ كالرأس ، ولا يجزي على حائل إلّا

ص: 235

لضرورة ، والغسل أرجح من المسح على الخُفّ حال التعارض ، ولا يشترط في التقيّة عدم المندوحة. ولا يبطل المسح التكرار ولو اعتقد مشروعيّته وإن أبدع حينئذٍ.

شرائط الوضوء

ويشترط في الوضوء :

ملك الماء وإباحته ولو بالفحوى ، أو شاهد الحال كالعيون والأنهار في المشارع مثلاً ، فلو توضّأ بمغصوب عالماً بالغصب لم يصحّ وإن جهل الحكم. ولو شراه في الذمّة صحّ ، ولو دفع ثمناً مغصوباً ملَكه له وتعلّق الثمن بذمّته حينئذٍ ، ولو شراه بعين المغصوب لم يصحّ استعماله. ويصحّ لو شراه شراءً فاسداً مع عدم علمه بالفساد لا معه على وجهٍ.

وطهوريّته ، وإطلاقه ، وإباحة المكان كذلك والإناء والدلو والماتح (1) وشبهها على الأحوط. وأن يتولّى أفعاله الواجبة بنفسه اختياراً ، والمضطرّ كالمريض ، وفاقد اليد تجب عليه التولية ولو بأُجرة ولو بأكثر من واحد ، ويتولّى هو النيّة لا الموضّئ ، ولا ينتقض لو زال السبب.

والترتيب حتّى في الرجلين على الأقوى ، فالأوّل الوجه ، ثمّ اليد اليمنى ، ثمّ اليسرى ، ثمّ مسح الرأس باليمنى على الأحوط ، ثمّ الرجل اليمنى ، ثمّ اليسرى. والأحوط اختصاص اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، بل لا ينبغي تركه ، ولو خالفه أعاد حتّى يحصل الترتيب ما لم تفت الموالاة ، ولو نسي جزءاً أعاد عليه وعلى ما بعده ما لم تفت الموالاة.

والموالاة ، وهي على الأقوى مراعاة جفاف جميع الأعضاء السابقة حسّا لا تقديراً وصل أو فصل ؛ لنفاد الماء أو غيره ما لم يكن الجفاف لشدّة حرّ يتعذّر به بقاء رطوبة سائل.

ص: 236


1- الماتِح : المُسْتَقِي. لسان العرب 13 : 13 متح.
الوضوء الاضطراري

يتحقّق مسوّغ الوضوء الاضطراري وهو غسل الوجه من الاذنِ إلى الاذنِ ، واليدين من رؤوس الأصابع إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً ، ومسح كلّ الرأس أو مقدّمة ، وغسل الرجلين إلى مفصل الساق ، وغير ذلك بالخوف على نفس مؤمن أو ماله أو عرضه في الحال أو الاستقبال ، أو تخوّف أن يقتدي بك من لا يفرّق بين الحالين فيوقع نفسه في الهلكة ، فحينئذ تتّقي منه عليه. ولا يشترط المندوحة ، ولا يجب بذل المال لدفعها ؛ لأن حفظه من أسبابها كما هو ظاهر النصوص (1) ، فلو زالت بين طهارة وصلاة انتقضت على الأقوى لا في أثنائهما ، بل يكمل الباقي بصفة الاختيارية كما لو عرضت في الأثناء فإنه يكملها بمقتضاها.

ولا يصحّ الوضوء بالمعصور ولا النبيذ ، فإن لم يمكنه الوضوء تيمّم ولا إعادة إذا تمكّن ، ولو لم يتمكّن من تطهير النجاسة بسببها فتطهّر وصلّى أجزأه ؛ فإنه بحكم العاجز عن تطهير البدن أو الثوب. ولو كانت على بعض أعضاء الوضوء فالبطلان ، وتحتمل الصحّة.

ولا يشرع لمن سقط منه عضو أن يتيمّم إلّا لضرورة ، أو يبدله بعضو آخر.

ودائم الحدث إذا لم تحصل له فترة تسع الطهارة والصلاة يتوضّأ لكلّ فرض ويحتقن بخريطة (2) ، ويغتفر له التجدّد كالاستحاضة على الأقوى.

ومَن على أحد أعضائه خمرة (3) ، أو دواء أو غيره من لاصق فإن أمكن نزعه نزعه ، وإلّا كرّر العمل حتّى يصل الماء إلى ما تحته ، وإن لا يمكن للمشقّة أو خوف زيادة المرض أو حدوث مرض أو بطئه فهي بحكم المحلّ ، فتغسل في محلّه ، وتمسح في محلّه واكتفى بأقلّ الفرض ، ولا يجب استيعاب ظاهر الجبيرة وما في

ص: 237


1- انظر وسائل الشيعة 16 : 215 ، أبواب الأمر والنهي ، ب 25.
2- الخريطة : الخرقة. لسان العرب 4 : 65 خرط.
3- الخُمْرَةُ : الوَرْسُ وأشياء من الطيب تطلي به المرأة وجهها ليحسن لونها. لسان العرب 4 : 214 خمر.

معناها ولا ما بين خيوطها ، بل ما تيسّر. ولا يكفي المسح مطلقاً ، وله وجه. ولا غسل ما حولها خاصّة ، هذا إن كان الظاهر طاهراً ، وإلّا وضع عليه طاهرٌ ، وفعل به ذلك. ولا فرق بين عمومه للمحلّ وعدمه ولو عمّت الأعضاء.

والقرحة والجرح الظاهران النجسان يعصّبان ويفعل بهما ذلك ، ولا يتيمّم إلّا إذا تضرّر بالماء مطلقاً ، ولا يجزي حكم الجبيرة في الرمد ووجع الأعضاء ، بل إن [ أمكن ] استعمال الماء ، وإلّا تيمّم.

في بعض أحكام الوضوء

ومن أحكام الوضوء أنه لو شكّ في عضو فإن كان في حال العمل أتى به وبما بعده ما لم تفت الموالاة ، وإلّا أعاد من رأس ، إلّا أن يكون كثير الشكّ عرفاً فلا يلتفت ولو بعده بلا فصل.

ولو نسي عضواً أتى به وبما بعده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا أعاد من رأس.

ولو جدّد ندباً وذكر أنه ترك عضواً من أحدهما فهو متطهّر ، والإعادة أحوط ، ولو صلّى بينهما أعاد.

والشاكّ في الطهارة أو الحدث مع تيقّن النقيض يبني على يقينه ، ولا ينقضه بالشكّ. ومتيقّنها الشاكّ في السابق محدث على الأقوى ، ما لم يترجّح أحدهما بعادة فيبني عليه.

ولو ذكر ترك عضو من إحدى طهارتيه وصلّى بكلّ منهما صلاة أعاد صلاة واحدة ينوي بها ما في ذمّته إن اتّحدتا عدداً وكيفيّة ، وإلّا أعادهما. ولو كانت الطهارة الأخيرة بعد حدث أيضاً تطهّر وصلّى كذلك. وكثير الشكّ عرفاً يبني على الصحّة مطلقاً.

ص: 238

الباب الثاني : في الأغسال

اشارة

[ و ] الواجب منها : جنابة ، وحيض ، واستحاضة ، ونفاس ، وغسل أموات ، ومسّهم نصّاً (1) وإجماعاً (2) حتّى في الأخير ، إلّا من شاذّ منقطع (3) كالقول بوجوب غيرها. وكيفيّة جميع الأغسال الواجبة والمندوبة واحدة ؛ أمّا ترتيباً ، أو ارتماساً. ولا بدّ مع كلّ غسل من الوضوء حتّى يرتفع الحدث على الأشهر الأقوى ، إلّا غسل الجنابة. ولو اجتمعت تداخلت مطلقاً على الأشهر الأظهر نوى الجميع أو البعض.

والأغسال المسنونة ، وهي : غسل يوم الجمعة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال. وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، ويوم العيدين ، وليلة النصف من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، ويوم المبعث وهو يوم السابع والعشرين من رجب والغدير ، ويوم المباهلة ، وغسل الإحرام ، وزيارة النبيّ : صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وقضاء

ص: 239


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 289 ، أبواب غسل المسّ ، ب 1.
2- مختلف الشيعة 1 : 149.
3- عنه في الخلاف 1 : 222 / المسألة : 193 ، ونص عبارته في رسائله : ( وقد ألحق بعض أصحابنا مسّ الميت ). انظر رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) :3. 25.

الكسوف مع الترك عمداً ، واحتراق القرص كلّه ، وغسل التوبة ، وصلاة الحاجة والاستخارة ، ودخول الحرم والمسجد الحرام ومكّة والكعبة والمدينة ومسجد النبيّ ، وغسل المولود.

ص: 240

الفصل الأول : في الجنابة

اشارة

وفيه أبحاث :

الأوّل في موجباتها

تحصل الجنابة وتجب أحكامها بإنزال ما يعلم أنه منيّ مطلقاً للذكر والأنثى ، وكذا لو وجده في ثوبه المختصّ به لكن من غير ما يرجّح خروجه ، والأحوط هنا أعاده العبادة من آخر غسل. ومن أمارات السبق على الوجدان وجوده جافّاً ، أو في ثوب خلعه قبل. ولو وجد المنيّ على المشترك ولا قرينة على الاختصاص فليس أحد بجُنب به ، وفي ائتمام بعض ببعض إشكال ، والأقوى الصحّة. ولا تصير المرأة جنباً بخروج منيّ الرجل منها. ولو شكّ في خروجه فالأصل العدم. ولو لم يبرز المنيّ عن الآلة فلا جنابة ولو أمسكه بيده فيها ، ولو خرج من غير المعتاد فكالأصغر ، والاعتبار به مطلقاً أحوط.

ومَن خرج من قبله شي ء فإن علم الحق بصنفه ، وإلّا فإن كان بعد الإنزال وقبل الاستبراء بالبول فحكم المنيّ ، وإلّا اعتبر في الصحيح بمصاحبة الشهوة وفتور البدن والعضو وشدّة الدفق ورائحة الطلع ، فإن وجد أحدهما فهو منيّ ، وإلّا فإن كان بعد

ص: 241

البول وقبل الاستبراء منه فحكم البول ، وإلّا فطاهر غير ناقض.

وصورة الاستبراء من البول أن تمسح من حلقة الدبر إلى أصل القضيب ثلاثاً ، وتعصره ثلاثاً ، وتنتره ثلاثاً.

والمريض يكفي فيه الشهوة والفتور بدون الدفق ، وكذا المرأة.

وتيقّن غيبوبة الحشفة كلّها أو قدرها من مقطوعها (1) في قبل أو دبر مطلقاً ولو كانا غير بالغين على الفاعل والقابل. ولو أولج في قبل خنثى مشكل أو أولجت مطلقاً فلا جنابة ؛ لاحتمال الزيادة.

نعم ، تحصل بخروج المنيّ منهما ، أو بإيلاجها ، مع الإيلاج فيها. وغير البالغ يخاطب بأحكامها إذا بلغ وإن سبقته. والكافر تجب عليه ولا تصحّ منه إلّا إذا أسلم.

ولا تثبت الجنابة بوطء البهيمة بدون إنزال في قول قويّ خلافاً للمرتضى ، وادّعى عليه الإجماع (2) ، وهو أحوط. ولا تثبت بالإيلاج في غير المعتاد ولكنّه أحوط.

الثاني في أحكام الجنب

يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث بالأصغر ، واللبث في المشاهد والمساجد ولو متردّداً غير مستقرّ ، ويجوز الاجتياز بالدخول من باب والخروج من آخر ما لم يكن أحد مسجدي مكّة والمدينة زادهما الله تعالى شرفاً فلا يجوز الاجتياز فيهما أيضاً. ولو احتلم في أحدهما أو دخله جنباً لزمه التيمّم للخروج ، ولا يغتسل فيه وإن قصر زمانه عن زمان التيمّم ، وزوائدهما كالأصل على الأقوى. وربّما قيل بحرمة الاجتياز في الروضات أيضاً. و [ إن ] لم يتمكّن من الخروج أو أُلجئ للدخول والمكث وجب التيمّم مع المكنة حتّى يزول السبب. ولا يشرع الوضوء وقراءة شي ء من العزائم الأربع ، وهي : الم. تَنزِيل (3) ، و ( فصّلت ) ، و ( النجم ) ،

ص: 242


1- في المخطوط بعدها : ( ومقطوعها ).
2- عنه في مختلف الشيعة 1 : 168 / المسألة : 112.
3- السجدة : 1 - 2.

واقرأ (1) ، حتّى البسملة. ومسّ أسماء الله تعالى وأنبيائه والأئمّة على الأشهر ، لا أسماء غيرهم وإن توافق اللفظان ، والعبرة بالقصد. ووضع شي ء في المساجد مطلقاً وإن لم يدخل ، وله الأخذ منها ولو بالدخول مع التعذّر.

ويجب الغسل أيضاً للصيام قبل الفجر ولو ندباً مع علمه وتمكّنه ، وقضائه المضيّق والنذر المعيّن ، ولم يصحّ في المطلق والموسّع والندب. والجنابة الحادثة نهاراً لا توجب الغسل للصوم.

الثالث في أقسام الغسل

يصحّ الغسل ترتيباً وارتماساً في جميع الأغسال ، فينوي رفع الحدث واجباً أو ندباً قربة إلى الله تعالى ، والكلام فيه كالوضوء. ولا يجوز تأخيرها عند أوّل غسل [ عن ] أوّل مغسول وجوباً ، وهو أوّل جزء مغسول من الرأس مرتّباً ، وأوّل ملاقٍ من البدن مرتمساً ، ويجوز تقديمها مع أحد مندوباتها ، ويجب استدامتها كغيره. وأن يبدأ بغسل جميع بشرة الرأس والرقبة ، ولا يجب غسل الشعر ، وهو أحوط ، ثمّ الجانب الأيمن من أصل العنق إلى آخر القدم ، ثمّ الأيسر كذلك ، ولا ترتيب في نفس العضو ، فيجوز بالبدأة في كلّ واحدٍ من الثلاثة أيّ جزء اتّفق ولو آخره كالرقبة وأصابع الرجل ، فلا تجب البدأة من أعلى العضو إجماعاً. والعورة مع الجانبين ، أحدهما أصالة والآخر مقدّمة ، والأهداب.

وأقلّ واجب الغسل مسمّاة عرفاً كالوضوء ، ويجب الترتيب بين الثلاثة ، فلو قدّم وأخّر ، أو أغفل عن لُمعة من عضو أعاد وغسلها والعضو المتأخّر حتّى يحصل ترتيبها. ولا تجب فيه الموالاة حتّى في العضو الواحد إجماعاً (2) ، واللازم الغسل كيف اتّفق حتّى يعمّه.

ويتحقّق الترتيب أيضاً برمس الرأس ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ، وبرمس

ص: 243


1- العلق : 1.
2- نهاية الإحكام 1 : 111.

بعض والصبّ على بعض ، والارتماس ثلاثاً ناوياً بالأُولى غسل الرأس والثانية الأيمن والثالثة الأيسر ، وبالكون تحت مطر غزير كذلك ، وبالخروج من الماء ناوياً أيضاً كذلك ، ويغسل الرأس مطلقاً ثمّ تحريك الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ناوياً غسلهما.

والارتماس [ أن ] تجعل البدن كلّه تحت الماء دفعة مع النيّة ، وإن أمكن بالكون تحت المطر الغزير صحّ ، وبأن ينوي بعد أن يغمره الماء فيحرك جسده ، وليس هو ترتيباً حكميّاً ، ولو نسي فيه لُمعة أو منع من وصول الماء إليه مانع أعاده على الأقوى.

ويجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة فيهما. ويجب إباحة مائه وطهوريّته وإباحة المكان ، لا الإناء ولا مسقط الماء ولكنه أحوط ، فلو اغتسل بالمغصوب عالماً فهو جنب. وأن يتولّاه بنفسه ، إلّا في الضرورة ولو أكثر من واحد مع الترتيب. ويجب الاستئجار لو توقّف عليه. ولو أحدث في أثنائه أتمّ وتوضّأ على الأقوى ، وهو مع الإعادة على الأحوط ، أمّا غيره من الأقسام فالإتمام مع الوضوء بلا شكّ.

وحكم الجبيرة واللصوق هنا حكمها في الوضوء. والأقوى [ ماء غسل ] (1) الزوجة على الزوج ، وتسخينه ونقله لها ، أو يدعها تذهب إليه وعليه أجرة الحمّام.

ولا يشرع معه الوضوء ، ويجب مع غيره مطلقاً. وغير بعيد الاكتفاء بإزالة النجاسة قبل غسل العضو ، وقبل الغسل أحوط.

ص: 244


1- في المخطوط : ( غسل ماء ).

الفصل الثاني : في الحيض

اشارة

وفيه بحثان :

الأوّل في دم الحيض

دم الحيض في الأغلب حار أسود أو أحمر يميل له ، عبيط له قوّة ودفع. وأقلّه ثلاثة متوالية ، وهو أن تراه في أكثر كلّ يوم من الثلاثة بحيث لا تعدّ نقية على الأظهر ، لا في ضمن عشرة. وأكثره عشرة كأقلّ الطهر بين حيضتين. ولا يشترط التوالي بعد الثلاثة ، بل يكفي انقطاعه عليها ولو تخلّل نقاء ؛ إذ هو في أيّام الحيض حيض. فكلّ دم تراه فيها مع تحقّق الثلاثة والانقطاع على العشرة وعدم تيقّن أنه قرح أو بكارة فإنه حيض نصّاً (1) وإجماعاً (2) مع الانقطاع عليها وإن لم يكن بتلك الصفات ؛ إذ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، وهذا ممكن ، كما هو ظاهر الفتوى (3) والنصّ.

ولو رأته ثلاثة مثلاً ، ثمّ نقت عشرة ، ثمّ رأته ثلاثة مثلاً ، فكلّ منها حيض ؛

ص: 245


1- انظر وسائل الشيعة 2 : 293 ، أبواب الحيض ، ب 10.
2- منتهى المطلب 1 : 98 ( حجريّ ).
3- منتهى المطلب 1 : 98 ( حجري ).

لإمكان كونه حيضاً. وليس منه ما تراه قبل إكمال التسع وبعد حدّ اليأس ، وهو بلوغ خمسين مطلقاً ، وللتفصيل بين القرشية فستّون ، وغيرها فخمسون وجهٌ قوي ، والاحتياط لهنّ مطلقاً العمل بالعملين ضمن العشر ، أمّا جعل النبطية كالقرشية فلا وجه له يعتدّ به.

وإن اشتبه دم الحيض بالعذرة استدخلت قطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو بكارة ، وإلّا فحيض. وإن اشتبه بدم القرحة استدخلتها وأخرجتها برفقٍ ، فإن خرج الدم فيها من الأيمن فهو قرحة ، أو من الأيسر فحيض على الأقوى ، وهو أوفق بالطبع أيضاً. ومع القطع يلحق بالمقطوع به مطلقاً. ويجامع الحيض الحمل على أصحّ الأقوال وأشهرها.

وإذا عبر الدم العشرة بعد استقرار العادة وتتحقّق بتواليه مرّتين ، فإن اتّفقتا زمناً واحداً وانقطاعاً فهي عددية ووقتية ، أو عدداً فقط فهي عددية ، أو زمناً كأوّل الشهر مثلاً فقط فهي وقتية ، ولا يشترط في تحقّقها تساوي الطهرين وإن اختلفتا أخذت ذات العددية مطلقاً العدد وما زاد استحاضة إجماعاً ، وفهمه من النصّ غير عزيز ، فإن استظهرت حينئذٍ ولو إلى العشرة لجوازه لها كذلك ؛ لأنه زمان مشكوك فيه قضت ما فاتها من العبادة كما لو حصلت العادة بالتمييز ، فلو رأت في الأوّل ستّة أحمر وعشرة أصفر ومثله في الثاني واختلف في الثالث أو اتّحد ، فالستّة الحيض ولو كانت الأضعف ، والزائد استحاضة.

ولو تعارض التمييز والعادة رجّحت العادة على الأقوى الأشهر ، فذات الخمسة لو استمرّ بها إلى الخمسة عشر مثلاً وهو فيها رقيق أحمر أو أصفر وفي الزائد أسود حار بحرقة ، فالحيض الأوّل ، وكذا لو استمرّ إلى وقت العادة فعادتها حيض وما زاد استحاضة.

وغير متّحدة الوقت مخيّرة في جعل عدد الحيض أيّ زمن أرادت ، فالأولى الأوّل منصوصاً مع الصفات ، هذا في الشهر الأوّل ، وفيما بعده يتعيّن له ذلك الذي

ص: 246

عيّنته. ولا اعتراض لزوجها في تعيين الوقت ، وليس له منعها عن الاختيار ، وليس لها الرجوع إلى اختياره ، فالحيض لها. ولو ذكرت بعد التحيّض أن أيّامها غير ما جلست رجعت إليها وقضت ما تركته.

وتتحيّض ذات الوقتية وإن اختلف العدد بمجرّد رؤيته.

أمّا المبتدئة وهي من لم تستقر لها عادة لابتدائها بالدم والمضطربة وهي من نسيت عادتها أو تكرّر لها الدم من غير استقرار عادة فالأشهر إنهما كذلك. وعن المرتضى (1) : التربّص ثلاثة أيّام ليقين وجوب العبادة وعدم تعيّن الحيض ، وليس ببعيد مع أنه أحوط ، والعادة قد تتقدّم وقد تتأخّر.

ولو رأت العادة وطهرت عشرة ، ورأت ما بصفته جامعاً لشروطه فهو حيض ، والأقوى أنه استحاضة حتّى يحصل لها الاعتياد له.

ومن اعتادت ستّة مثلاً ، ورأت ثلاثة وانقطع ، ثمّ يوماً ، وهكذا ، فإن عبر العشرة فعادتها حيض خاصّة وإن لم يستوعبها الدم إجماعاً بعد توالي ثلاثة ، ولزوجها وطؤها بعد العادة مع انقطاع الدم وإن جاز انقطاعه على العشرة.

ولو كان يعتادها في شهر أربعة وفي شهر خمسة وفي شهر ستّة وفي رابع أربعة وهكذا ثمّ عبر في شهر ، رجعت إلى نوبته إن ذكرتها ، وإلّا أربعة لأنه المتيقّن إن لم تعلم زيادتها عليها أو على عدد ، وإلّا أخذت بأقلّ الباقي ، فلو علمت الزيادة فالخمسة كذلك ، وهكذا.

ولو اختلفت لا على ترتيب [ كخمسة (2) ] في الأوّل وسبعة في الثاني وتسعة في الثالث وهكذا رجوعاً ، فإن ذكرت نوبة الشهر تحيّضت مع العبور ، ومع النسيان الخمسة. وهكذا في باقي الصور.

وقد يحصل لذات العادة الوقتية حيض مع العبور كما لو ذكرت يوماً منه أنه أوّله أو وسطه أو آخره ، فتضيف يومين بعده في الأوّل وتوسّطه في الثاني وتقدمه في

ص: 247


1- عنه في المعتبر 1 : 213.
2- في المخطوط : ( الخمسة ).

الثالث ، والثلاثة حيض بيقين ، ويكمل بمقتضى رواية من الروايات مراعية فيها التقديم ، أو التأخير ، أو التعويض.

ولا يجب فيما زاد على الثلاثة من تكملتها بإحدى الروايات على الاستحاضة ولا أن تغتسل بانقطاع دم الحيض في كلّ وقت تحتمله وتقضي عشرة أيّام أو أحد عشر فتكلّف بالتكليفين ، بل عليها لازم ذلك العدد خاصّة ، وإن كان ذلك أحوط.

ولو ذكرت يوماً ولم تعلمه أوّله أو غيره أو ما زاد كمّلته بإحدى الروايات ، ولا تعمل عمل المستحاضة في المتقدّم والمتأخّر ، ولا أن تغتسل في كلّ وقت يحتمل فيه الانقطاع ، إلّا على ذلك القول.

وذاكرة العدد لو ذكرته في وقت إجمالاً ، فلو كان نصف الوقت كخمسة من عشرة ، أو ينقص عنه كأربعة من عشرة كذلك تخيّرت في وضعه ما شاءت منه كما مرّ ، وليس عندها يقين حيض قبله ، وإن زاد عن نصفه فالزائد وضعفه من الذي يليه قبله حيض بيقين وتتمّ العدد أوّلاً وآخراً ، أو بالتفريق ، فلو قالت : حيضتي ثمانية من هذه العشرة ، فالزائد عن نصف العشرة مع مثله وهو ستّة حيض بيقين وتضيف يومين.

والمضطربة والمبتدئة إذا عبر دمهما العشرة ترجعان إلى التمييز باختلاف لون الدم أو غيره ممّا يميّز القويّ من غيره إن أمكن ، وكان المجعول حيضاً لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة والمجعول طهراً لا ينقص عنها. ولا يشترط التكرار في التمييز ، فإذا كملت الشروط جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وغيره استحاضة.

ولو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أصفر وعشرة أسود فلا تمييز ، وعند الشيخ : العشرة حيض ، وتقضي الثلاثة الأُول.

ولو رأت خمسة أحمر فعشرة أصفر فستّة أسود ، فالستّة الحيض ، وتقضي ما تركته في غيرها.

ولو رأت خمسة استحاضة وبقية الشهر أسود ، فالأقرب أنه لا تمييز.

ص: 248

ولو رأت خمسة أسود وعشرة أصفر وخمسة أسود ، فكلّ من الأسودين حيض برأسه ، والعشرة طهر ، والاحتياط بالعملين في الكلّ أولى.

ومتى تكرّر لها التمييز في الشهر الثاني كالأوّل كانت ذات عادة.

ومتى فقدتا التمييز باتّحاد الدم صفة أو عدم تحصيل أقلّ الحيض في صفة ، أو عدم تحصيل أقلّ الطهر في غيرها ولو مع النقاء ، فالمبتدئة حينئذٍ ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها من الطرفين ، وإن اختلفن فإلى الأغلب على الأقوى.

ولا يعتبر اتّحاد البلد على الأقوى ، ولا عبرة بالأتراب مع فقد الأهل أو اختلافهم على الأقوى ؛ لعدم دليل واضح عليه إن لم يكن الإجماع على اعتبارهنّ معتمداً ، والظاهر العدم. فإن فقدت الأهل واختلفن وفقدت الأقران عند من يعتبرهنّ رجعت هي والمضطربة الفاقدة للتمييز أيضاً للروايات ، وهي : ستّة من كلّ شهر ، أو سبعة ، أو ثلاثة دائماً ، أو من شهر وعشرة من آخر ، أو عشرة دائماً ، أو عشرة طهر وعشرة حيض ، والأقوى السبعة من كلّ شهر. هذا في ناسية العدد والوقت ، فلو كان الوقت خاصّة أخذت العدد ، وهي مخيّرة في جعله أوّلا أو وسطاً أو أخيراً ، ولا اعتراض لزوجها ، ومتى اختارت عدداً أو وقتاً في الشهر الأوّل لزمها في الثاني. ولو نسيت العدد جعلت ما تيقّنت من الوقت حيضاً وأكملته بعدد من الروايات يطابق يقينها ، سواء كانت أوّلاً أو أخيراً أو محفوفاً بمتساويين أو مطلقاً.

المبحث الثاني في أحكام الحائض

كلّ ما يحرم على الجنب يحرم على الحائض على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ منها صلاة مطلقاً ، ولا يرتفع حدثها ولو انقطع دمها ، إلّا أن تغتسل بعده ، ولا يصحّ طلاقها ، وليس عليها قضاء صلاة فاتتها بسببه مطلقاً ، حتّى الآيات ، إلّا صلاة الطواف فإنها تأتي بها بعد الغسل منه أداءً وقضاءً وألّا يمضي من الوقت قدر واجب الطهارة ، والصلاة سفراً أو حضراً قبل شروع دمه ، أو تطهر قبل آخر بقدر واجب الطهارة

ص: 249

وركعة ولم تأتِ فيهما بها فإنه يجب حينئذٍ القضاء نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، فلو أدركت قبل الغروب قدر الطهارة وركعة وجب عليها العصر أداءً على الأصحّ الأقوى ، ولو أدركت قبله قدر خمس ركعات بعد تحصيل واجب الطهارة وباقي شروط الصحّة وجب الفرضان على الترتيب.

ويجب عليها قضاء الصوم الواجب مطلقاً حتّى النذر المعيّن ، والأحوط لذات العشرة مع التجاوز لمن أخذتها من الروايات قضاء أحد عشر يوماً ؛ لاحتمال الكسر. ويحرم على زوجها وطؤها قبلاً خاصّة أيّام الحيض وأيّام الاستظهار على الأحوط ، بل الأولى ذلك إلى العشرة ، إلّا أن يتبيّن عدمه فيها إن كان عالماً عامداً ، ويكفي إخبارها إن لم تتّهم ويحتمله مطلقاً. والقول (3) بتحريم الاستمتاع بما بين السرّة والركبة منها ضعيف جدّاً. ونهاية تحريم وطئها انقطاع الدم على الأقوى الأشهر.

ولا يجب على الزوج الكفّارة لو وطئها فيه مطلقاً ، لكنّه أحوط فلا يترك ، لأنه الأشهر عند المتقدّمين ، وحكى عليه جماعة الإجماع (4) ، لكنّه يعزّر. وهي دينار في ثلثه الأول ونصف في الثاني وربع في الأخير. ومصرفها مصرف الزكاة ، وتتكرّر بتكرّره ، ولا كفّارة عليها مطلقاً ، لكنّها تعزّر. إلّا في وطء الأمة زمنه مطلقاً ، فإنه يجب عليه الكفّارة بثلاثة أمداد من طعام ، ولا كفّارة في وطء الأجنبية فيه للأصل وعدم الناقل عنه ، لكنّه أحوط.

ولو تلت العزيمة أو استمعتها أو سمعتها على الأحوط فهي كغيرها. ولا يصحّ طلاقها إلّا أن تكون غير مدخول بها ، أو زوجها غائباً عنها وقد مضى شهر أو له علم بعادتها. وفي حكمه المحبوس الذي لا يتمكّن من معرفتها فإنه يصحّ طلاقها حينئذٍ بلا خلاف ، وحكمها في قراءة سورة العزائم كالجنب ، ولو كان عليها جنابة أيضاً لم

ص: 250


1- وسائل الشيعة 2 : 361 ، أبواب الحيض ، ب 49.
2- كشف اللثام 2 : 137.
3- مختلف الشيعة 1 : 346 ، نقلاً عن السيّد المرتضى.
4- الانتصار : 126 / المسألة : 26 ، الخلاف 1 : 225 / المسألة : 194.

ترتفع بغسلها حالته ، وحكم النقاء المتخلّل الحيض حكمه مطلقاً ، وغسلها كالجنب ، إلّا إنه لا بدّ من الوضوء وقيل : أفضل ، ولا يجزيها عنه وضوؤها حالته لذكر الله ، إلّا أن يظهر أنه وقع بعد انقطاعه ، فالأقوى الاكتفاء به ولو فعلته معتقدة بقاء الحيض ، والأحوط العدم ، ويجوز لها أن تنوي بوضوئها حينئذٍ رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى ولو تقدّم ، ولا تمنع من غسل مسنون.

وبالحيض يثبت البلوغ مع جهل السن ؛ لأن ما تراه قبل كمال التسع استحاضة.

لحاقة

لو اعتادت الدم من غير المخرج الطبيعي مع انقطاعه منه فهو حيض للنصّ والشهرة الأكيدة ، بل كاد أن يكون إجماعاً. وتلزمها أحكام الحيض مطلقاً ، إلّا الجماع فلزوجها جماعها في السبيلين ، وليس له الإيلاج في موضع الدم ، فإن فعل فعليه الكفّارة وجوباً أو استحباباً.

ولو رأت مَن اعتادت الدم في الشهر مرّة ومرّة أُخرى ، فإن [ كانت ] عادتها بأن لم يكن بينهما عشرة قبلها أو بعدها ، فهي استحاضة ، وإلّا فكما مرّ.

ص: 251

ص: 252

الفصل الثالث : دم الاستحاضة

دم الاستحاضة يخالف دم الحيض غالباً ، فهو مائل إلى الصفرة بارد رقيق بالنسبة إليه ، ولا حدّ له قلّةً ولا كثرةً. واحترز بالغالب عمّا زاد عن العبور على العادة والتمييز والعدد من المختار من الروايات ، وقبل البلوغ ، وما نقص عن ثلاثة ، وما تراه بعد اليأس ، ووقت الحمل بعدم مجامعته ، وبعد أكثر النفاس وهو عشرة ، وما زاد منه على عادة ذات العادة في الحيض مع العبور ما لم يكن قرحاً أو جرحاً ، فإنه كلّه استحاضة وإن كان بصفة الحيض.

ويجب عليها [ اختبار (1) ] دمها بالكُرسُفِ ، فإن لطّخ الدم وجه الكرسف الداخلي ولم يثقبه فهي صغرى ، ويجب عليها تغيير القطنة إجماعاً (2) ، وغسل ما يظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين أو غيره إن أصابه الدم ، ثمّ الوضوء لكلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلاً على الأشهر ، وعن ( الناصرية ) (3) الإجماع. فلا تجمع بين صلاتين مطلقاً بوضوءٍ واحد ، ويجب أن تكون الصلاة عقيب الوضوء كما هو عند

ص: 253


1- في المخطوط : ( اعتبار ).
2- الناصريّات 147 - 148 / المسألة : 45.
3- المصدر نفسه.

جمع (1) اقتصاراً في العفو على محلّ الضرورة ؛ لأنها مستمرة الحدث. ولعدم الوجوب وجه. ولا يضرّ الفصل بتحصيل مقدّمات الصلاة.

وإن غمس الدم الكرسف ولم يسِل فهي الوسطى ، ويجب عليها ما مرّ من تغيير الخرقة وتطهيرها وغسل الغداة وإن دخل وقتها وهي كذلك ، وإلّا فحكمها ما يتّفق فيها من الأنواع الثلاثة ، فإن صادف وقت الغداة وهي صغرى فحكمها كما مرّ ، فلو غمسه بعد ذلك إلى الظهر فعليها غسل ، وهكذا في غيرها ، أمّا لو صادف الغمس الأوقات كلّها فغسل الغداة فقط ووضوء لكلّ صلاة على الأشهر ، وعن بعض نفي الخلاف (2) ، وعن ( الخلاف ) (3) و ( الناصرية ) (4) الإجماع. وإيجاب ابن الجنيد (5) : وابن أبي عقيل (6) : الأغسال الثلاثة هنا ضعيف كعدم إيجاب الثاني (7) في الأُولى شيئاً.

وإن سال الدم فهي الكبرى ، ويجب عليها مع ما مرّ كلّه غسل للظهرين أيضاً ، وغسل للعشاءين ، تجمع بين كلّ فرضين منها بغسل. ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة عليها حينئذٍ ، وإنما هو في وجوب الوضوء لكلّ فرض ، وهو أحوط ، والاكتفاء للفرضين بوضوء واحد مع الغسل قويّ ، ولتكن الصلاة معاقبة للطهارة.

ولو كان السيلان في وقتٍ خاصّة ففيه خاصّة كالغمس ، وتجمع بين كلّ صلاتين مطلقاً بغسل ، ويجوز لها أن تغتسل لكلّ واحدة من الخمس. وغير بعيد ضمّ نوافل كلّ فرض له من غير غسل للتبعيّة وكذا نافلة الليل إن ضمّتها للغداة أو الغسل [ لكل ] واحد بدونه ، والاحتياط ظاهر.

ص: 254


1- المبسوط 1 : 68 ، السرائر 1 : 152. الجامع للشرائع : 1. البيان : 66.
2- كشف اللثام 2 : 150.
3- الخلاف 1 : 249 - 250 / المسألة : 221.
4- الناصريّات 147 - 148 / المسألة : 45.
5- عنه في مختلف الشيعة 1 : 210 / المسألة : 151.
6- المصدر نفسه.
7- أي ابن أبي عقيل ، عنه في مختلف الشيعة 1 : 210 / المسألة : 151.

ويجب عليها التحفّظ حال الصلاة عن تعدّي الدم ، والاعتبار بحالها في الدم قبل وقت الصلاة لا حال العمل ، وربّما قيل : الاعتبار بحالها وقت العمل. والأحوط مراعاة أشقّ الحالتين ، فإذا فعلت ذلك فهي بحكم الطاهر مطلقاً ، وإن أخلّت بشي ء من ذلك لم تصحّ صلاتها ولا طلاقها ؛ لأنها إمّا محدثة أو ذات نجاسة غير معفوّ عنها. ويلزمها الغسل لدخول المساجد والوضع فيها ولقراءة العزائم الأربع ومسّ القرآن كالوضوء بالنسبة لغير ذات الغسل ، ويجوز لبثها في المساجد مطلقاً ، وفي توقّف حِلّ جماعها على جميع الأفعال (1) أو على الغسل خاصّة (2) أو العدم مطلقاً (3) أقوال ، أقواها الأخير ؛ لما دلّ على الإطلاق من النصّ (4). أو بعد أيّام الحيض الموافق للأصل والقرآن. والأوّل أحوط كما عليه الأكثر.

ولا يصحّ صومها إلّا مع الغسل ، فلو أخلّت بغسل من الصبح أو الظهرين فسد.

وقيل : لا يشترط في صحّة اليوم غسل ليلته (5) ؛ نظراً إلى أن شرطيّته في هذا الحدث للصوم تابع للصلاة وجوداً وعدماً ، وسعة وضيقاً ، فيجوز تأخيره إلى آخر وقتها.

ومن نظر إلى أنه شرط للصوم أوجب تقديمه على الفجر بحيث يقارن فراغه الفجر ولو ظنّاً ، فلو تبيّن خلافه لم يضرّ ما لم يطل الفصل (6) ، وهذا أولى.

ويجب عليها قضاء الصلاة لو أخلّت بشي ء ممّا يلزمها. ولو دخلت في الصلاة بحكم الصغرى ثمّ فاجأتها الكبرى أتمّتها واغتسلت للأُخرى إن بقيت ، والإعادة أحوط. وبالعكس لا شي ء إن لزمها غسل الانقطاع ، وانقطاع دمها إن لم يكن للبرءِ

ص: 255


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 57.
2- الفقيه 1 : 50 ، الهداية : 99.
3- المهذّب 1 : 38 ، تحرير الأحكام 1 : 16 ( حجري ) ، البيان : 66.
4- وسائل الشيعة 2 : 372 ، أبواب الاستحاضة ، ب 1 ، ح 4.
5- البيان : 66.
6- مسالك الأفهام 1 : 74.

لا ينقض وضوءها ، وإن كان له فعليها ما يلزم بحسب الدم ، وعليها التحفّظ من تعدّي الدم بالاحتشاء والاستثفار (1) كمن به السلَس والبَطَن ، فإنه يتحفّظ بحسب الإمكان بعد تطهّر المحلّ ويتوضّأ لكلّ صلاة. وغسلها كالحائض بلا فرق مع الوضوء أيضاً.

ص: 256


1- استثفر بثوبه : ردّ طرفه بين رجليه إلى حجزته. مختار الصحاح : 84 ثفر.

الفصل الرابع : النفاس

النفاس : دم يقذفه الرحم بعد الولادة إجماعاً (1) ، ومعها ولو بخروج جزء على الأشهر الأقوى ، بل خلافه شاذّ الآن. وما يخرج قبل خروج جزء ليس بنفاس إجماعاً (2) ، بل استحاضة. ولو ولدت ولم ترَ دماً فلا نفاس إجماعاً (3) ، ولا غسل عليها ، وكذا ما تراه بعد أكثر النفاس. ولا يشترط في كونه نفاساً تماميّة خلقة الحمل إجماعاً (4) ، فلو ولدت علقة يعلم كونها مبدأ رقيّ ولو بشهادة القوابل كان الدم نفاساً. ولو تعدّد الحمل فلكلّ نفاس على حدة ، ويتداخل ما اتّفقا فيه ، فابتداء النفاس في الأوّل ، والعدد في الثاني إن لم يتخلّل بين الدمين أقلّ الطهر ، فإن تخلّل فلكلّ عدد غير الثاني ، وتَبِين بالثاني إذا اعتدّت بالوضع. ولا حدّ لأقلّه إجماعاً (5).

وإن انقطع دمها في العشرة وخرج الكرسف نقيّاً اغتسلت فهي طاهر ، وإن انقطع على العشرة فكلّه نفاس من غير فرق بين النساء إجماعاً (6).

ص: 257


1- مختلف الشيعة 1 : 215 / المسألة : 156.
2- مختلف الشيعة 1 : 215 / المسألة : 156.
3- الذكرى : 33 ( حجريّ ).
4- الذكرى : 33 ( حجريّ ).
5- الخلاف 1 : 245 / المسألة : 214 ، الذكرى : 33 ( حجريّ ).
6- الخلاف 1 : 243 / المسألة : 213.

وكذا لو رأت الأوّل والعاشر وانقطع عليه ، فالعشرة نفاس ، وكذا ما بين كلّ دمين إذا لم يتجاوز العشرة ، ولا كذلك النقاء المتخلّل مع العبور تقدّم أو تأخّر.

ولو رأت الخامس فقط أو العاشر فقط فهو النفاس. ولو رأت العاشر واستمرّ فإن كان العاشر من عادتها فهو النفاس والزائد استحاضة ، وإلّا فالكلّ استحاضة.

ولو عبر العشرة سواء ابتدأ من أوّلها أو أثنائها فإن كانت ذات عادة عدديّة في الحيض أخذته نفاساً وما زاد استحاضة ، ولا ترجع إلى عادتها ولا عادة قرابتها في النفاس ، وإلّا فقياسها عشرة على الأشهر الأقوى ، وخلافه شاذّ ، والزائد استحاضة ولو صادف أيّام عادة حيضها ؛ إذ لا بدّ من فصل أقلّ الطهر بين النفاس والحيض.

ويفارق النفاس الحيض في الأقلّ إجماعاً (1) وفي الأكثر على قولٍ (2) ، وفي الدلالة على البلوغ ، فإن الحمل سابق وبه يثبت ، وفي انقضاء العدّة فإن للحيض تعلّقاً بها دونه ، فإنه بالولادة إلّا أن يكون من زنا ، فإن النفاس يحسب قرءاً ؛ إذ لا حرمة للزنا ، فلو رأت قرائن زمن الحمل فهو ثالث وانقضت العدّة بابتدائه أو انتهائه. وفي عدم اعتبار أقلّ الطهر بين الحيض وبينه على قول ضعيف.

ويتساويان في جميع الأحكام مطلقاً ، وجوباً وكراهة واستحباباً حتّى كفّارة الوطء حالته ، وكراهة الوطء قبل الغسل أو تحريمه ، وقضاء الصوم دون الصلاة ، وبطلان الطلاق ، وغير ذلك ككيفيّته وغيره فإنه حيض في المعنى ، فحكمه حكمه مطلقاً ، إلّا فيما ظهر تصريحاً أو تلويحاً.

ص: 258


1- الحدائق الناضرة 3 : 325.
2- الحدائق الناضرة 3 : 325.

الفصل الخامس : في غسل الأموات

اشارة

وفيه أبحاث :

الأوّل في الوصيّة

تجب الوصيّة خصوصاً مع ظهور علامة الموت بما على المكلّف وما لَهُ ، وقد يجب عيادة المريض ، ويحرم تمنّي الموت لبؤس دنيوي ، ويجب كفايةً توجيه المُحتضِر المسلم ومَن بحكمه إلى القبلة ، وإن اشتبه موته انظِرَ ثلاثة أيّام ، إلّا أن تظهر فيه أمارات الموت كارتفاع البيضتين وتدلي جلدة وجهه وانخلاع الرجل من الكعبين وغَور العينين. وهل نجاسة الميّت عينيّة أو حكميّة أو مركّبة؟ الأرجح أنها حكميّة على إشكال.

الثاني في بعض أحكامه

يحرم النظر إلى عورة الميّت ، وتجب إزالة النجاسة عن بدنه قبل الغسل. والنيّة من الصابّ ؛ لأنه الغاسل لا المقلّب ، ولو نويا فلا بأس. وهي مع كلّ غسل ، والبدء بغسله بماء مزج بشي ء من ماء السدر مزجاً لا يسلبه الإطلاق ، ثمّ تغسيله بماء مزج بشي ء من الكافور كذلك ، ثمّ بماء خالٍ منهما ، ومزج الأوّلين مع الإمكان شرط

ص: 259

صحّتهما كخلوّ الثالث على الأقوى ، ولو عدم أحدهما وجب بدله بالقراح ، ولا يسقط. والأحوط أن يتمّم في محلّ المفقود بعد غسله بالقراح بدله. ولو فقد الماء ولم يتمكّن من استعماله حذراً على الغاسل أو على الميّت من تناثر لحمه كالحريق والمجدور أو غير ذلك من أسباب عدم التمكّن من استعماله وجب أن ييمّم ثلاثاً. ولو لم يحصل له ماء إلّا لغسلةٍ فالسدر وهكذا ، وييمّم بدل المفقود. ويجب ترتيب الثلاثة كما مرّ ، فلو أخّر وقدّم أعاد المؤخّر ، ولو أهمل عضواً أو بعضه من مقدّم أعاد عليه وما بعده إن كان وأعاد تاليه من رأس.

ويكفي الإرماس في كثير وضع فيه سدر ، ثمّ ما فيه كافور ، ثمّ في قراح. ومسمّى الخليطين كافٍ ، وفي الكثرة ما لا يخرجه عن الإطلاق. وأخضر السدر أولى من مطحون يابسه.

وكيفيّة كلّ غسل كالجنابة ، ويكفي فيه ما يكفي فيه من القدر ، فلا بدّ من إيصال الماء إلى البشرة ، ولو كان عليه ما يمنع منه ولو جبيرة وجب نزعه ، فإن تعذّر غسل ظاهره. والجرح يحشّى ويعصّب ويغسل ، ولو لم يمكن حبس الدم ولو بوضع شي ء ترك مخرج الدم وغسل غيره.

ولو أُبين عضو أو بعضه غسل في موضعه ليحصل الترتيب وجعل في الكفن. ومن مات وعليه غسل واجب كفى غسل الأموات إجماعاً (1). ولو خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده ، طهّرت ولا يعاد الغسل ولا يوضّأ لها. والميّت مُحرماً كغيره مطلقاً إلّا في الكافور ، فإنه لا يقربه في غسل ولا حنوط ولا بدل له. ولو غسل محرم محلّاً ضرورةً فإن توقّف على مسّه سقط غسل الكافور ، ويحتمل عدم السقوط وتلزم الكفّارة كالمضطرّ.

ويجب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين عدا من حكم بكفره فإنه لا يغسّل ولا يدفن إلّا أن يتضرّر المسلمون بريحه. وبحكم المسلم طفله حتّى السقط إذا كمل له أربعة

ص: 260


1- منتهى المطلب 1 : 432.

أشهر ، ولقيط دار فيها مسلم يمكن تولّده منه ، ومسبيّ المسلم ، والصدر وبعضه على الأحوط ؛ لأنه من جملة ما يجب تغسيلها ، والقطعة المبانة ولو من حيّ إذا كان فيها عظم ، أو [ كانت ] عظماً على الأحوط. أمّا قطعة اللحم خاصّة والسقط الأقل من أربعة أشهر فيلفّ في خرقة ويدفن بغير غسل. ولو وجد عظم أو قطعة وشكّ في أصلهما فلا شكّ.

ويسقط الغسل وإن كان عليه غسل واجب عمّن قدّم غسله ليقتل أو يرجم حدّا فقتل بأمر الإمام ، ولا يشترط في كون الغسل السابق بأمر الإمام ، وعمّن قتل في معركة الإمام أو نائبه الخاصّ حيث كان ، أو بالغاً ولو بحجّة أو رجوع سلامه عليه قاتَلَ الإمامُ أو لا ، إذا مات في المعركة أو وجد فيها ميّتاً وإن لم يكن فيه أثر الضرب. أمّا لو رفع فمات فيغسّل وإن حكم

له بالشهادة كسائر من أطلق عليه اسم الشهيد غير ما ذكر. وينزع عمّن مات في معركته كذلك الخفّان وإن أصابهما الدم والفرو وإن أصابه أيضاً ، ولا يكفّن ، بل يدفن بثيابه إن لم تذهب ، فإنه حينئذٍ يكفّن.

وغسل المعصوم تعبّد شرعي ، فلا غسل مسّ في مسّه ، ولا يلي أمره إلّا مثله حتّى يواريه. وما ربّما قيل أو روي ممّا يوهم خلاف ذلك فشاذّ لا [ تعويل (1) ] عليه ، ولا أصل له في المذهب.

والقول بوجوب وضوء الميّت شاذّ (2) ، بل العدم أحوط.

ويجب في الغاسل المماثلة مع الإسلام. ويجوز للرجل اختياراً تغسيل محارمه ، وهم من حرم عليه نكاحهنّ مؤبّداً ، والأحوط كونه من وراء الثياب ، والاقتصار فيه على الضرورة أحوط.

ولكلّ من الزوجين تغسيل الآخر اختياراً ، والأحوط أيضاً كونه من وراء الثياب حتّى لو مات وهي في العدّة الرجعية ، دون البائن حتّى لو خرجت وتزوّجت وإن

ص: 261


1- في المخطوط : ( تصريح ).
2- الكافي في الفقه ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 1 : 185.

بعد الفرض. والأَمَة لا تغسل مولاها ؛ لانتقالها لغيره ، إلّا أن تكون أمّ ولد فيجوز مطلقاً. ولا يغسل الخنثى أَمَته. ويجوز لكلّ من الرجل والمرأة تغسيل ابن ثلاث سنين وبنتها اختياراً ، وروى في المذكّر الخمس (1).

ولو عدم المماثل والرحم ووجد الكافر المماثل علّمه المسلم أو المسلمة الغسل فغسّله عند جماعة ، ويعاد لو وجد المسلم قبل الدفن. والمسألة مشكلة ، ولا يبعد أنه كفاقد من يجوز له التغسيل ، والأقوى فيه أن يدفن بغير غسل ولا تَيمّم. ولا يغسّل ولا ييمّم إن استلزم محرّماً.

الثالث : في التكفين

كلّ من يغسّل يجب تكفينه حتّى الصدر على الأقوى في ثلاثة أثواب : مئزر يستر ما بين السرّة والركبة ، والأفضل إلى القدم ومن الصدر ، لكن مع إذن الوارث أو الوصية من الثلث. وقميص يصل إلى نصف الساق ، وإلى القدم أفضل بشرط ما مرّ وعدمه فيهما. وإزار شامل للبدن كلّه.

ولا يجب الاقتصار على الأدون وإن ناكس الوارث أو كان غير مكلّف ، مع احتماله. ولا يجزي في الاختيار غير الثلاثة ، ولا تبديل غير الشامل به ولا العكس ، على الأقوى الأشهر ، بل الإجماع (2) عليه قائم ، وخلافه شاذّ (3). وفي الضرورة المتيسّر ولو ساتر العورة وحده ، ولو حصل ما يستر عورة المرأة الحقيقية أو رأسها قدّمت العورة.

ويجب حلّية الكفن ، وأن يكون ممّا تجوز فيه الصلاة للرجال اختياراً ، فلا يجزي الحرير حتّى للنساء ، ولا المذهّب ، ولا النجس ، ولا الحاكي لِلون البشرة ، لكن مجموعة لا كلّ قطعة ، كالصلاة. والأحوط مراعاة الستر في كلّ قطعة. ويجوز في

ص: 262


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 87 ، مقتصراً فيه على ذكر الحكم دون الرواية.
2- الخلاف 1 : 701 / المسألة : 491 ، المعتبر 1 : 279.
3- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 1 : 253.

جلد المأكول المذكى ، والعدم أولى. وفي الضرورة يجوز [ بكلّ (1) ] مباح.

ولا يجوز الزيادة في كفن الرجل على ست قطع : الثلاث ، وحبرة يمنية غير مطرّزة بالذهب ، وهي ثوب شامل وجوازها إجماعي (2) ، ويقوم مقامها إذا عدمت لفّافة ثانية. وخرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف وعرضها نصف ذراع ، يثفر بها ، ويلفّ الباقي [ حول ] حقويه وفخذيه. وعمامة يتحقّق بها التعمّم ، بحيث تُثنى ويحنّكُ بها ويخرج طرفاها من تحت حنكه ويلقيان على صدره على الأشهر في عدد قطع كفنه.

ولا في كفن المرأة على سبع قطع : الثلاث ، ولفافة لثدييها تشدّ إلى ظهرها ، ونمط كبير كاللفّافة من صوف له خطوط تخالف لونه ، وتقوم لفافة ثانية مقامه إذا عدم على الأصحّ ، وقناع يستر رأسها ورقبتها غير الوجه ويجب تحنيط الميّت والصدر بعد الغسل ، بأن يمسّ مساجده السبعة بمسمّى الكافور وأكمل ، الكافور الواجب وجميع مستحبّاته ثلاثة عشر درهماً وثلث شرعية ، وهي تسعة مثاقيل شرعية ، وهي سبعة مثاقيل صيرفية ، وتسمّى في زماننا ( چكي ) ، وزن ريال ومثقال صيرفي.

ويكره جعل أكمام للقميص المبتدأ ، وقيل بالمنع (3) ، ولو كفّن في قميصه وجب نزع أزراره ، ولا يكره إبقاء أكمامه. ولو لاقى كفنه أو جسده نجاسة غسلت إن أمكن ، وإن كان بعد طرحه في القبر قرضت إلّا أن تتفاحش فتترك.

وواجب الكفن من الأصل مقدّم على جميع الديون والوصايا ، وكذا الكافور وباقي مؤن تجهيزه. ولو بذل الوارث مستحبّاته مع قصور التركة عن الدين فللغرماء المنع. ولو أوصى بالكفن الكامل فالواجب من الأصل والزائد من الثلث إلّا أن ينصّ على إخراج الجميع من الثلث. ولو لم يكن له كفن دفن عارياً ، ولا يجب بذله ولا

ص: 263


1- في المخطوط : ( لكل ).
2- المعتبر 1 : 282 ، تذكرة الفقهاء 2 : 9 / المسألة : 159.
3- المهذّب 1 : 61.

غيره من مؤن التجهيز.

وكفن المماليك على أربابهم إجماعاً (1) ، وكفن الزوجة الواجب وباقي مؤن التجهيز على زوجها دائمة كانت أو منقطعة ، ناشزة أو مطيعة ، مدخولاً بها أو غير مدخول بها ، موسرة أو معسرة ، والمطلّقة رجعيّاً كالزوجة. وإن كان الزوج معسراً لا يملك غير المستثنى في الدين وهي موسرة ، فهل يجب عليه من نصيبه ، أم لا ويخرج من أصل التركة؟ الأولى الثاني ؛ إذ بالإعسار سقط عنه. والميراث بعد الكفن أصالةً ، وليس سبيله كالدين السابق ، فلو تلفت التركة قبل أن يوفّى ثمنه لم يتعلّق بذمّته إلّا أن يكون أمر بشرائه.

الرابع : في الصلاة عليه

يجب أن يصلّى على الميّت بعد تغسيله وتكفينه قبل دفنه ، فإن لم يكن له كفن وأمكن ستر عورته سُتِرَت وصُلّيَ عليه. ويجب أن يصلّى على مَن بلغ ستّ سنين آخرها الموت من المسلمين ولو كان قاتل نفسه ومَن بحكمهم كمسبيّهم ولقيط دار فيها مسلم يمكن تولّده منه ، وبعض الجسد إذا كان صدراً وهو فيه. ولا فرق بين العبد والحرّ والذكر والأنثى. ولا يصلّى على من حكم بكفره من فرق المنتسبين إلى الإسلام ، ولا يشرع على من لا يستهلّ وإن كمل.

ويجب كون الميّت حاضراً بين يدي المصلّي ، وألّا يتباعد عنه عرفاً ، ولا يضرّ طول الصفّ وكثرة الصفوف عادةً. وكون الميّت مستلقياً ورأسه إلى يمين المصلّي ، وكون المكان مستقرّاً ومباحاً ، فلو اختلّ شرط منها أعيدت الصلاة ولو بعد الدفن إلى يوم وليلة ، أو ما لم تتغيّر صورته على الأحوط. وإذا اشتبه المسلم بغيره صُلّيَ على الجميع وخصّ النيّة بالمسلم.

ويجب فيها القيام مع القدرة ، ويسقط الوجوب عن القادر عليه بصلاة العاجز عنه

ص: 264


1- تذكرة الفقهاء 2 : 15 / المسألة : 164 ، مدارك الأحكام 2 : 118.

وإن تمكّن ، وستر العورة ، والنيّة. ولا يشترط فيها الطهارة من الحدث ولا من الخبث نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، ولا قراءة فيها ولا تسليم.

وإذا تعدّدت الجنائز جاز تشريكها في صلاة واحدة ويفرد كلّاً بدعاء بعد الرابعة إن اختلفوا ، وإفراد كلّ بصلاة. ولو حضرت أُخرى في أثنائها جاز الإتمام والابتداء ، وجاز القطع والتشريك على الأشهر. وتصلّى في كلّ وقت ما لم تتضيّق حاضرة فيجب تقديمها ، ولو تبيّن ضيقها في أثنائها وجب قطعها ، ولو تضيّقت الجنازة لخوف عليه وجب تقديمها مع سعة الحاضرة.

وتجب على كلّ مكلّف حتّى المرأة على الكفاية ، ولا يتوقّف المنفرد على إذن الولي وإن توقّفت جماعةً. وأولاهم بها أولاهم بميراثه ولو أوصى لغيره على الأشهر ، ونسبه في ( المختلف ) (3) إلى علمائنا ، فإن تمّ إجماع ، وإلّا فتقديم الغير حينئذٍ أولى. وظاهر الأصحاب من غير خلاف أولويّة الذكر على الأُنثى ، والزوج أولى بالزوجة حتّى المنقطعة ، والمالك بالمملوكة من غيرهما مطلقاً ، ولا عكس. والأب أولى من الابن ، وهو وإن نزل أولى من الجدّ ، والخليص أولى من المنفرد ، والحرّ أولى من العبد ، كذا قالوه.

ولو لم يجمع الوليّ شروط الإمامة قدّم الجامع ، وإن امتنع سقطت ولايته ، ويجوز له تقديم غيره مع استجماعه ، ولا يُصلّى بدون إذنه مع إمكانه. ويقف المأموم مطلقاً خلف الإمام ، والمرأة إذا أمّت النساء وسط الصف كإمام العراة. وفي وجوب عدالة إمامتها شي ء ؛ لأنها ليست صلاة حقيقية ، إلّا أن يكون الاشتراط إجماعياً فلا معدل عنه ، وغير بعيد تحقّقه.

وكيفيّتها خمس تكبيرات ، يتشهّد الشهادتين بعد الاولى ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وآله :

ص: 265


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 110 - 113 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 21.
2- الخلاف 1 : 724 / المسألة : 545 ، الذكرى : 60 ( حجريّ ).
3- مختلف الشيعة 1 : 304.

بعد الثانية ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة ، ويدعو للميّت بما يناسبه بعد الرابعة ، والمأثور أفضل. ولو فات المأموم بعض التكبيرات إن لم يتمكّن من الدعاء أصلاً ولو رفعت الجنازة ولو ماشياً ، ويدخل مع الإمام ولو بين تكبيرتين ، ولو تقدّم المأموم بالتكبير لم تبطل ، وتابعه في الباقي وأتمّ.

ولو مات ولد الحامل دونها فإن أمكن إسقاطه ، وإلّا قطع وأخرج ، ويتولّاه النساء إن أمكن ، ثمّ المحرم ، ثمّ الأجنبي ولو كان عارفاً. ولو ماتت هي دونه شقّ بطنها من الجانب الأيسر وجوباً بعد موتها بلا فصل وأخرج وإن كان ممّا لا يعيش عادةً ، ويجب أن يخاط بطنها بعد.

الخامس : في الدفن

يجب دفن الميّت بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ، بأن يحفر له قبر يواري ريحه عن الانتشار وجسده عن السباع في جوف الأرض ، ويجعل له فيها لحد في جهة القبلة أو ضريح في وسطها ، ولا يجوز من قرار الضريح إلى وجه الأرض أكثر من قامة ، ولا يكفي كونه كذلك على وجه الأرض ببناء إلّا لضرورة ، بل يجب مراعاة الممكن من ذلك ويسقط المتعذّر. ويجب في كيفيّة وضعه أن يضجع على جنبه الأيمن ولو معتمداً على ما خلفه ووجهه إلى القبلة ، ورأسه الأيمن المستقبل غير منكبّ ولا مستلقٍ. وسعة اللحد أو الضريح بقدر ما يتمكّن الرجل من الجلوس.

ولو حملت ذمّيّة من مسلم فماتت وجب الاستدبار بها ليكون وجه الجنين إلى القبلة ، وتدفن في مقابر المسلمين لحرمة الجنين. ويُنزل الميّت القبر من يجوز له ملامسته ، فإن تعذّر في المرأة فمسلم صالح ، ثمّ يدفن دفناً متقناً بحسب المكنة. وظاهر النصّ (1) المنع من نقل ذكر وأُنثى في جنازة ودفنهما في قبر إلّا في الضرورة.

والميّت في البحر إن تعذّر البرّ غُسّل وكُفّن وصُلّي عليه وجعل في وعاء ثقيل

ص: 266


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 208 ، أبواب الدفن ، ب 42.

أو مثقل واستقبل به القبلة وأرسل ، وإلّا ثُقّلَ هو وأُرسل كذلك ، وإلّا فما أمكن.

ولا يجوز نقل الميّت إلى الأبعد مع إمكان الأقرب إذا استلزم المثلة. ولا [ نبشه (1) ] إلّا لنقله إلى أحد المشاهد ، والمنع ضعيف جدّاً.

ويجب نبشه إذا دفن في أرض مغصوبة أو كفّن في مغصوب ، أو معه مال محترم ، أو لتقام الشهادة على عينه ، أو ابتلع شيئاً في حياته ولم تحضر ضرورة لإخراجه قبل ، فإن حضرت قيل : شقّ بطنه وأخرج وخيط ، ويحتمل دفع القيمة من التركة ، فعليه لا شَقّ ولا نَبشَ.

أو دفن بلا غسل أو غير مستقبل ، لا [ أنه (2) ] دفن بلا كفن أو صلاة ، بل يُصلّى على قبره. ويجوز نبشه بعد صيرورته رميماً لدفن الغير أو غيره من المصالح ، فإن لم يصر رميماً وجب طمّه.

ويحرم خدش الوجه ، وجزّ الشعر ، والقول بالباطل ، وما ينافي الصبر على المصاب ، وكذا كلّ ما كان سخطاً ولو صياحاً كشقّ القميص ، وفي المشهور تقييد جوازه بالمرأة أو على الأخ أو الأب.

ص: 267


1- في المخطوط : ( نبش ).
2- في المخطوط : ( ان ).

ص: 268

الفصل السادس : غسل مسّ الميّت

يجب الغسل أيضاً بمسّ ما تحلّه الحياة ، ولا غسل بمسّ من قدّم غسله ليصلب أو يحدّ فقتل به ، ولا بمسّ الشهيد ولا المعصوم ، ولا بمسّ من غُسّل غسلاً واحداً. والأقوى ثبوته لو مُسّ عضو كمل غسله ، أو [ لمن (1) ] له يمّم ، أو غسّله كافر ، أو غسل غسلاً فاسداً.

ولو مسّ ميتة الآدمي قبل البرد أو سائر الحيوانات برطوبة تنجّس الملامس ولا شي ء بدونها ، والأحوط غسل المباشر مطلقاً.

ويجب غسل المسّ أيضاً بمسّ قطعة مبانة ممّن يجب بمسّه ولو من حيّ إذا كان فيها عظم ، أو هي هو على الأحوط ، أو يسقط بعد غسلها ، ولو كانت قطعة لحم فكسائر الميتات ، ولا شي ء في مسّ البثر مطلقاً ظاهراً. ولا غسل في مسّ مباشرة الميّت برطوبة. ومسّ الميت الآدمي الموجب للغسل حدث ناقض مطلقاً ، والقول بعدمه (2) ضعيف منقرض ، فهو مانع من كلّ ما يمنع منه الأصغر ، والأحوط أنه كالأكبر. وكيفيّته كغيره ، ولا بدّ معه من الوضوء ، والمنويّ رفع حدث المسّ.

ص: 269


1- في المخطوط : ( من ).
2- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : 25.

ص: 270

الباب الثالث : في التيمّم

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في ما يشرع له

يجب التيمّم إذا فقد الماء عند إرادة فعل مشروطٍ بالطهارة ، ويشرع بكلّ ما يشرع له الوضوء والغسل مطلقاً ؛ لعموم البدليّة ، ويشرع بكلّ مشروط بالطهارة ، وكلّ عبادة يشرع لها فتؤدّى به فهي مبرئة الذمّة على الأقوى الأشهر مطلقاً سفراً وحضراً في الوقت ، بناءً على صحّته في السعة أو خارجه ، حتّى متعمّد الجنابة سفراً مع عوز الماء ، أو مع نجاسة الثوب ، أو مع الزحام في الجمعة ، والإعادة في جميع ذلك أحوط.

وكلّ ما ينقض الطهارة المائية ينقضه ، ويزيد بالتمكّن من استعمال الماء استعمالاً تامّاً ، فلو وجد الماء بعد تكبيرة الإحرام لفرضٍ ثمّ عدم قبل التسليم أو لم يمض زمان [ يسع (1) ] الطهارة المائية ، أو منع من استعماله لم ينتقض ، ولا كذلك في وجه التيمّم ، وكذا لو وجده بعد [ تكبيرة ] الإحرام في وجهٍ هو البناء على جواز قطعها.

ص: 271


1- في المصدر : ( ليسع ).

ويدخل به في جميع العبادات ما لم ينتقض.

ولو تمكّن من ماءٍ لا يكفيه إلّا لإزالة نجاسة ثوبه أو بدنه لم ينتقض ، ولو تمكّن من ماء يكفيه للوضوء أو للغسل خاصّة انتقض تيمّمه له خاصّة وإن لم يستعمله ، ولو حصل له ماء يكفيه لأحدهما فهو بالخيار ، والغسل أولى ، وإن لم يستعمله حينئذٍ وعدم فالأحوط إعادة التيمّمين ، ولو تمكّن من غسل بعض أعضاء الطهارة فقط لم ينتقض.

ص: 272

الفصل الثاني : في أسباب التيمّم

ويجمعها تعذّر استعمال الماء بعدم وجوده مطلقاً ، أو عدم بدله إلّا بثمن يضرّ بحاله وقت الحاجة أو بعد ، وإلّا وجب الشراء ولو بأضعاف الثمن ، ولو وُهِبَ الماء وجب القبول ، والأحوط قبول هبة الثمن. أو يوجب تحصيله الخوف من ذهاب مالٍ وإن قلّ ، أو عرضٍ ، أو حيوان محترم ، أو على حرمٍ ، أو من مرض أو عسر برئه أو علاجه ، أو من عدوّه في طريقه ولو حيناً أو عدم رفيق ، أو من فوات الوقت لو ذهب إليه ، أو على نفسه ولو من التيه ، أو تجاوز الضرر من استعماله على نفسه لظمأ أو أكل أو لنفس محترمة أو حيوان ما لم يكن مباح الدم ، أو حدوث ضرر ولو من البرد مع تعذّر الإسخان إن اندفع به ، أو بضيق الوقت عن استعماله والصلاة.

وأصل العبرة حينئذٍ ؛ بكمال الصلاة ، أو تحصل ركعة قدر الواجب فيهما؟ الأقوى الأوّل.

ولو توقّف الماء على تحصيل إجارة آلة أو إعارة أو شقّ ثوب ولو نفيس أو سعي أو رحلة وجب ما يتوقّف عليه ، ولو بُذل بثمن يقدر عليه في بلده مع إنظاره وجب شراؤه ، وإلّا فلا. ولا يجوز له هبة مائه الذي لا بدّ منه له في الوقت ، ولو فعل فهو على ملكه وهبته باطلة ، ولو تطهّر به الموهوب لم يصحّ إلّا أن يُوجِد الواهب الماءَ

ص: 273

قبل طهارة الموهوب [ له ].

ولو كان معه ما يكفيه لإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أو لطهارة أزالها وتيمّم ؛ لأن له بدلاً. ولو كان عنده ما يكفيه لبعض الطهارة تيمّم ولا يتبعّض ، ولو أراق الماء في الوقت عصى ويتيمّم ، ويصلّي ويقضي احتياطاً ، ولا فرق في جميع ذلك بين السفر والحضر ، بل متى تعذّر وجود الماء أو حصل مانع من استعماله ممّا مرّ وأمثاله سقطت المائيّة ووجب التيمّم عند حضور مشروطٍ بها ، ولا قضاء.

ولو ارتكب الممنوع في تحصيله وحصّله وجبت المائيّة وصحّت وإن إثم ، إلّا أن يكون ما يوجب مرضاً أو خوفاً على نفس محترمة فإن الأقوى حينئذٍ البطلان.

ويجب الطلب على فاقد الماء غلوة سهمين في السهلة وسهم في الحَزَنَة من الأربع إن احتمل وجدانه ، ولو اختلفت الجهات فلكلّ حكمها ، ولو علم عدمه في جهة سقطت. ولا يجزيه الطلب قبل الوقت ويعيده بعده إن احتمله. والعبرة بحال الوسط في الرمية والرامي والآلة. ولو غلب على ظنّه وجوده فيما زاد عنهما وجب الطلب إن وسع الوقت وعدم المانع. ولو دخل وقت [ أُخرى (1) ] في مكان طلبه فيه كسابقه سقط الطلب لها ما لم يتجدد احتمال الوجود. ولو طلبه في مكان وانتقل إلى غيره قبل أن يصلّي وجب الطلب [ مرّة ] أُخرى.

ولو صلّى بتيمّم وانتقل إلى مكان آخر فحضرت اخرى فطلب ولم يجد ولم ينتقض تيمّمه صلّى بتيمّمه الأوّل ، وكذا لو تيمّم لمشروط بالطهارة ثمّ دخل وقت صلاة فلا إعادة طلب ولا تيمّم. ولا يصحّ تيمّمه بدون الطلب مطلقاً ولو ظهر بَعدُ عَدَمُ الماءِ. ولو طلب وتيمّم وصلّى ثمّ ظهر أن الماء موجود حال تيمّمه فلا إعادة للصلاة. ولو أخلّ بالطلب وتيمّم آخر الوقت وصلّى صحّت مطلقاً وإن أثم.

ويجوز التوكيل في الطلب ، ويعتمد على خبره ولو واحداً غير عدل إذا أفاد العلم ، كما يعتمد عليه في إخباره بعدمه في القفار أو أرضه أو عدم سعة الوقت لتحصيله

ص: 274


1- في المخطوط : ( آخر ).

وأمثال ذلك. ويُشترى الماء للميّت من تركته إن كانت وإلّا يمّم ، ولا يجب على غيره الشراء له. ولو اجتمع جنب وميّت ومحدث وهناك ماء لا يكفي إلّا واحداً منهم ، فإن كان ملكاً لأحدهم اختصّ به ، وإن كان مباحاً لهم أو بذل لهم أو لأحوجهم فالأقوى تخصيص الجنب به ويتيمّم غيره ، وهو أيضاً أرجح من باقي المحدثين. ولو تغلّب المرجوح واستعمله فالظاهر البطلان ؛ لأنها أولويّة وجوب ، فعليه التيمّم. ويقدم ذو النجاسة على الجميع حتّى الجنب ، والعطشان على الكلّ ، والحائض أولى من الميّت. ولو وجدت نجاسة على ثوب المكلّف وبدنه ومعه ماء يكفي لأحدهما طهّر البدن وصلّى عارياً.

ص: 275

ص: 276

الفصل الثالث : في ما يتيمّم به

وهو الأرض تفرّقت كالتراب مطلقاً ، أو اتّصلت كالطين بجميع أصنافه والحجر كذلك وأرض البطحاء والنورة والجصّ قبل الإحراق وتراب القبر الطاهر والتراب الممزوج بغيره إن بقي الاسم ، والأولى الاقتصار على التراب اختياراً والحجر اضطراراً. ولا يجزي التيمّم بالمعادن كلّها ولا بالرماد ولا بالدقيق والأُشنَانِ (1) وشبههما ولا بمغصوب ولا بنجس ولا بوحل ، ولا بأس بالمستعمل في تيمّم آخر. ولا يجزي التيمّم بالثلج وإن حصل منه أقلّ الغسل ، وإلّا فلا ، ولا يكفي المسح به.

وإن فقدت الأرض أو حصل ما يمنع التيمّم بها تيمّم بغبار ثوبه أو لِبد سرجه أو عُرفِ دابّته مقدّماً الأكثر غباراً ، يجمعه ويضرب عليه.

ومع فقد ذلك تيمّم بالوحل بعد تجفيفه ، ومع فقده [ فالأحوط (2) ] الصلاة والقضاء. والمحبوس ظلماً يتيمّم من الأرض ولو كانت مغصوبة إن تعذّر غيرها في وجه ، والأولى القضاء أيضاً ، ولا يُدخل في مشروطٍ بالطهارة بالتيمّم للجنازة والنوم مع وجود الماء.

ص: 277


1- الأُشْنَانُ من الحمض : ما يغسل به الأيدي. لسان العرب 1 : 151 أشن.
2- في المخطوط : ( الأحوط ).

ص: 278

الفصل الرابع : كيفيّة التيمّم

يجب في التيمّم النيّة كما مرّ ، ولا بدّ فيها من قصد بدليّته لما هو بدل منه ، ولا يجوز تأخيرها عن أوّل الضرب ، ثمّ تضرب بيديك معاً [ ما ] تتيمّم به ، ثمّ تمسح بهما الجبهة مبتدئاً من قصاص الشعر من مستوي الخلقة إلى طرف الأنف الأعلى وبعض الحاجبين جزماً ، والجزم في إدخالهما معاً ، والأولى ضمّ الجبينين أيضاً. ثمّ تمسح ظهر اليد اليمنى من الزند إلى طرف الأصابع ببطن اليسرى ، ثمّ ظهر اليسرى كذلك ببطن اليمنى.

ويجب أخذ التراب بالقصد إلى الأرض وبما يسمّى ضرباً ، فلا يكفي وضع اليد بدون تحقّق مسمّاه ، ولا تلقّي التراب من الريح ، ولا بنقله من سائر بدنه ، ولا بِمَعكِ العضو على التراب ، ولا إيصاله لمحلّ الفرض بغير اليد كالعصا ونحوها. ويجب اتّصال بشرة الماسح ببشرة الممسوح ، فيجب إزالة المانع ، ومثل الجبائر واللصوق في محلّ الفرض يمسح إن كانت طاهرة ، وإلّا وضع عليها طاهراً ومسح عليه. ويجب كون الضرب والمسح بباطن الكفّ ، فإن تعذّر فبظهرها ، فإن تعذّر المسح به تولّاه غيره كالوضوء.

ومقطوع بعض العضو يمسح الباقي ، فإن استوعبه سقط وكفى مسح غيره

ص: 279

كالوضوء ، وليس في مسحه تكرار. ولا يلزم تفريج الأصابع ، ولا إيصال التراب إلى منابت الشعر وإن خفّ ، ولا تخليل الأصابع ، ولا استغبار الماسح ولا الممسوح ، بل بما يسمّى عرفاً. وأن ظاهر اليد من الزند إلى أطراف الأصابع ممسوح (1). ويجب استيعاب ذلك فلو نقص جزء بطل.

ويجب فيه الترتيب : فالجبهة من القصاص ، ثمّ اليد اليمنى ، ثمّ اليسرى من الزند ، فلو خالف مطلقاً بطل.

والموالاة ، وهي المتابعة.

و [ اشتراط (2) ] العلوق لا ينافي استحباب النفض.

ويتعيّن الحجر الخالي من الغبار بعده. ويشترط إباحة التراب والمكان.

وفي عدد الضربات أقوال ، أرجحها أنه ضربة في بدل الوضوء ، وضربتان في بدل الغسل ، والأحوط فيهما ضربة يمسح بها وجهه ويديه ، وأُخرى يمسح بها يديه أيضاً. وأحوط منه تيمّمان بضربة وبضربتين فيهما.

ص: 280


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( اشتراطها ).

الفصل الخامس : أحكام التيمّم

متى تيمّم لمشروطٍ بالطهارة صحّ الدخول به في كلّ ما شرط بها من غير إعادة ، ولا يشرع التيمّم قبل الوقت ، ويجب حال تضيّقه. ولو أخلّ بالطلب أو في صحّته فبه أقوال ، أرجحها الجواز ، وأحوطها التأخير إلى آخر الوقت مطلقاً.

ولو دخل الوقت وهو متيمّم لمشروط جاز له الصلاة به في أوّله بلا شبهة ، والمتيمّم بدلاً من غسل غير الجنابة يتيمّم مرّة بدله ومرّة بدل ما معه من الوضوء.

وإذا أحدث المتيمّم بدلاً عن غسل أعاده بدلاً منه ، ففي الجنابة مرّة ، وفي غيره مرّتان.

ولو كان مع من عليه غير الجنابة ما يكفيه للغسل فقط اغتسل وتيمّم بدل الوضوء ، أو للوضوء فقط توضّأ وتيمّم بدل الغسل. ولو شكّ في شي ء منه قبل الفراغ أعاد غسله وحده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ ، وبعده لا يلتفت.

ولو نسي عضواً أو بعضه أتى به وبما بعده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ.

وكثير الشكّ يبني على الصحّة كغيره ، وفاقد الصعيد وما يسدّ مسدّه يطلبه كالماء مع تجويز حصوله وعدم المانع ، والأحوط ما بقي الوقت.

ولو وجد الماء بعد كمال ما تيمّم له فلا إعادة ولو اتّسع الوقت على الأقوى ، وفي

ص: 281

أثناء الصوم لا إعادة جزماً ، وفي الصلاة أقوال ، أقواها أنه لا يقطع ولو بعد تكبيرة الإحرام ، ولا يعدل إلى النفل ولو اتّسع الوقت ، ولو نوى به فرضاً مشروطاً بالطهارة دخل نفله وغيره مطلقاً كالعكس.

ولو تيمّم الصبي ليومية مثلاً ثمّ بلغ بغير المبطل دخل به فيها وغيرها ، والأولى الإعادة. والعاصي بسفره كغيره ولا يعيد ، والردّة لا تنقضه ، ويطلب الماء للميّت كالحيّ ، ولو يمّم ووجد الماء قبل أن يلحد فالأقوى تغسيله وإعادة الصلاة عليه.

ولو اجتمعت أحداث كحيض وجنابة وغيرهما كفى ما نوى بدل أحدهما ، فإن [ كان ] بدل الجنابة تيمّمم مرّة وإلّا مرّتين.

ويشترط في صحّته طهارة أعضائه دون باقي البدن ، ولا يتيمّم لنجاسة البدن مع تعذّر الماء ، ويمسح وجوباً إن خشي تعدّيها. ولو وجد فاقد الطهورين أحدهما بعد الدخول في الصلاة انصرف وتطهّر وصلّى.

ووقت التيمّم وقت العمل. ولو وجد جماعة متيمّمون ماءً مباحاً لكلّهم لا يكفي إلّا أحدهم فانتقاض تيمّمهم كلّهم أحوط ؛ لعدم اختصاصه بواحد ، ولو خصّ به مالكه أحداً اختصّ به وانتقض تيمّمه خاصّة بلا إشكال.

ولو مرّ المتيمّم بالماء ولم يعلم به إلّا بعد فقده لم ينتقض تيمّمه ، ولو لم يجد الماء إلّا في المسجد دخل متيمّماً وأخذه واغتسل خارجه ، ولو تعذّر إخراجه لم يصحّ غسله به إن أوجب اللبث.

ص: 282

كتاب الصلاة

اشارة

مقدمة

الواجب من الصلاة : اليوميّة ، والجمعة ، والعيدين إن تمّت شروط وجوبهما ، والطواف ، والآيات ، وما يلزمه نفسه بنذر أو عهد أو يمين أو إجارة ، والجنازة على القول بأنها حقيقة ، والقضاء ، وأمّا الاحتياط فداخلة في اليومية.

ويشترط في وجوب الصلاة التكليف بالبلوغ ، ويتحقّق بخروج المنيّ مطلقاً في الذكر والأُنثى ، وإنبات الشعر الخشن على العانة فيهما ، وبإنبات الشعر في وجه الرجل كما عليه جماعة (1) ، وبالسنّ ، والأشهر الأقوى أنه في الذكر كمال خمس عشرة سنة والأُنثى تسع سنين. وبالحيض في المرأة مع جهل السنّ ، وكذلك جعله أمارة كاشفة عن سبق التسع كالحمل في الكشف عن خروج المنيّ.

والخنثى المشكل بالإنبات والمنيّ منهما ، أو بلوغ خمس عشرة أو الحيض من مخرجه مع المنيّ من مخرجه ، وبالعقل وبالسلامة من الحيض والنفاس ، وبوجدان الطهور على الأقوى فيه. وكلّها شروط لصحّتها أيضاً إلّا البلوغ.

ويشترط في صحّتها أيضاً الإيمان وإن كان [ غير ] المؤمن مخاطباً بالفروع لتضييعه الشرط ، ولكن يسقط عنه القضاء بعد الإيمان مَنّاً وإن كان واجباً لنفسه أيضاً بعد الكمال. وهو أعظم أركانها ، فلا بدّ من معرفة الله تعالى وتقدّس بما يصحّ عليه وما

ص: 283


1- انظر المناهل : 89 ( حجريّ ).

يمتنع من الصفات وأفعاله ، ومعرفة النبيّ صلى الله عليه وآله : وخليفته عليه السلام في كلّ زمان وصفاتهما المميّزة لهما كمال التمييز ، ومعرفة وجوب المعاد ومعرفة عدل الله. ويجب أن يكون كلّ ذلك بدليل تركن إليه نفس المكلّف ، والناس فيه متفاوتون فكلّ بما في وسعه.

أمّا معرفة دفع الشبه فواجب كفائي ، ومن عرف ذلك بغير دليلٍ ما بل بمجرّد تقليد المعاشرين والخلطاء واطمأنت به نفسه ومات عليه فهو ناجٍ وإن عصى بترك الدليل ، بل محال أن تستنير نفسه باعتقاد ذلك ولا يحصل لها هداية للدليل ، فمن صلّى بغير أن يعرف ذلك فلا صلاة له ، فكيف يعبد من لا يعرف أو يطاع من لا يتبيّن ويوصف ، فالأعمال لطائف الاعتقادات.

وطريق معرفة العامل عمله حتّى يحصل له يقين البراءة ؛ أمّا الاجتهاد ومعرفة دليله تقصيّاً ، أو الأخذ عمّن هو كذلك ولو بوسائط عدلٍ أو واحدة كذلك ، فإن لم يتمكّن منهما فما يوجب الاحتياط ما أمكن حتّى يحصل المخرج كما وعد الله المتّقين ، ولا يعمل بهواه فيضلّ.

وشروط صحّتها : طهارة الثوب ممّا لا يعفى عنه ، وطهارة البدن عنه ومن الأحداث.

ومن شروط وجوبها وصحّتها : دخول الوقت ، فالظهر وهي أوّل صلاة فرضت من زوال الشمس إلى أن يمضي قدر تحصيل شروطها المفقودة ، وأداء واجبها بحسب حال العامل ووسعه قصراً كانت أو تماماً حتّى صلاة الخوف بمراتبه. ولو نسي جزءاً لا قضاء له سقط اعتبار زمنه ، ولا يدخل فيه زمن سجود السهو على الأقوى ؛ لانفصاله ، والأحوط اعتباره. والظاهر اعتبار زمن الجزء المنسيّ الذي يجب قضاؤه مع أنه أحوط.

وبعد ذلك يدخل وقت العصر ، وتشترك مع الظهر إلى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر كذلك فيختصّ بها ، ويصلّي الظهر قضاءً بعدها.

ولو بقي عن الغروب قدر خمس ركعات وجب الظهر ثمّ العصر أداءً كمَن أدرك من الوقت ركعة. ولو صلّى العصر في المختصّ بالظهر بظنّ الإتيان بها ؛ فإن تبيّن له وهو

ص: 284

فيها عدل إلى الظهر ولو قبل التسليم وجوباً ثمّ أتى بالعصر ، وإلّا أتى بالظهر ثمّ العصر. ولو صلّى الظهر في المختصّ بالعصر ؛ فإن ذكر قبل التسليم عَدَلَ ، وإلّا قضاهما.

ولو تجدّد المسقط فإن لم يمضِ من الزوال ما يسعها وشروطَها تامّة كما مرّ سقطت إن استوعب الوقت ولا قضاء ، وإلّا فإن مضى قدر الظهر فقط وجب قضاؤها فقط ، أو إن مضى ما يسع الظهرين كذلك وجب قضاؤهما ، وكذلك الحكم لو زال آخر الوقت. ولو زال وقد بقي من النهار ما يسع واجب الشروط وواجب ركعة وجب العصر خاصّة ، أو واجب خمس فالظهران ، وكذلك لو بلغ الصبيّ أو أسلم الكافر. وإن ضاق عن ركعة فلا شي ء أصلاً. ومتى استوعب العذر الوقت سقطت أداءً وقضاءً.

ولو صلّى العصر قبل الظهر بظنّ أنه صلّى الظهر أو ناسياً ؛ فإن ذكر قبل السلام عدل مطلقاً ، وإلّا فإن أوقعها كلّها في المختصّ بالظهر أعادها بعدها ، وإلّا أجزأته ويصلّي الظهر بعدها. وهذه ثمرة الاختصاص والاشتراك.

ويعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد انتهاء نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه.

ووقت فضيلة الظهر إلى أن يحدث مثل ظلّ الزوال ، أو مثل الشاخص على الأقوى الأشهر. والعصر ضعف الظهر.

ووقت المغرب غروب الشمس الحقيقي ، وأمارته ميل الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس ، ولا عبرة بالصفرة. وإذا مضى منه قدرها على نحو ما مرّ دخل وقت العشاء ، فيشتركان حتّى يبقى من الانتصاف قدر ثلاث ركعات على نحو ما مرّ ، فيختصّ بالعشاء ويُقضى المغرب ، والكلام فيهما كالظهرين. ولو بقي عن الانتصاف قدر أربع صلّى المغرب ثمّ العشاء أداءً فيهما كَمَن أدرك قبل الغروب خمساً ، والأحوط هنا قضاء المغرب أيضاً.

وفضيلة المغرب إلى غياب الشفق الأحمر ، والعشاء إلى ثلث الليل.

ووقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني المعترض في الأُفق وآخره طلوع القرص. والفضيلة إلى طلوع الحمرة.

ص: 285

ووقت صلاة الخسوفين من ابتدائه إلى تمام الانجلاء على الأشهر.

والزلزلة منها إلى آخر العمر ، فيقع أداءً أبداً. وباقي الآيات مدّة حصولها.

والجمعة من الزوال إلى مثل فضيلة الظهر أو إلى قدر أدائها مع الخطبتين.

[ و ] الجنازة قبل الدفن بعد التغسيل والتكفين.

والطواف بعده قبل السعي ، ويتضيّق بتضيّقه السعي ، وإلّا سعى معه بعده ما لم يرد الخروج من مكّة أو عملاً مشروطاً فيتضيّق ، وكونها بعد الطواف حينئذٍ أولى. وما يلتزمه المكلّف بحسب ما يلتزمه.

ولا تصحّ الصلاة إلّا مع العلم بدخول الوقت ، أو الظنّ الغالب مع تعذّر اليقين كذوي الأعذار ويوم الغيم ، وأذان الواحد العارف ممّا يفيده ، فلو صلّى قبل ذلك لم تصحّ ولو دخل الوقت في أثنائها أو تبيّن أنه أوقعها كلّها فيه ؛ [ لأنه (1) ] دخل فيها على أن الوقت لم يدخل سواء كان عمداً أو سهواً ، عالماً أو جاهلاً.

[ و ] لا تصحّ أيضاً لو ظنّ دخوله فتبيّن أنه قبله ، إلّا أن يدخل حينئذٍ وقبل أن يسلّم فإنها تصحّ كما لو دخل فيها قبله سهواً فدخل قبل التسليم ، وإعادة الساهي أحوط ، والشكّ لا يكفي. ولو شكّ في خروج الوقت صلّى أداءً ولا إعادة لو تبيّن خروجه ، ولو ظنّ الخروج فصلّى قضاءً ثمّ تبيّن بقاؤه فلا إعادة أيضاً.

والأعمى والمحبوس والعامّي الذي لا يعرفه ولو بأمارة يقلّد العارف أو غيره إن أفاده الظنّ ، فلو تبيّن خلافه فهو كالظانّ. ومقدار الركعة التي مَن أدركها أدرك أداء الصلاة : مِن أوّلها إلى ابتداء الرفع من السجدة الأخيرة ، وليُسقِط أيضاً السورة على الأقوى الأظهر. ويجب ترتيب الفوائت إن ذكر أوّلها.

مكان المصلّي

ومن شروطها ملكيّة مكان أدائها عيناً أو منفعة أو الإذن فيه مطلقاً خصوصاً أو

ص: 286


1- في المخطوط : ( لأنها ).

عموماً ولو بالفحوى كالضيف والأجير أو بشاهد الحال كبستان الغير وشبهه ، إلّا أن يكون مغصوباً أو يعلم الكراهية من المالك فلا يكفي شاهد الحال ، وظاهر الأصحاب على ذلك ، والأحوط التنزّه هنا حتّى يحصل الإذن الصريح.

ومكان المصلّي ما يشغله حال صلاته بحركاته وسكناته ويعتمد عليه بوضع ثقله حالتها عليه ولو بواسطة ، فلو صلّى في مغصوب ولو بعضه ، أو كان الهواء الذي يتحرّك فيه الواقف عليه مغصوباً ، أو كان مكانه روشناً مخرجاً فيما لا يملك أو ساباطاً موضوعاً أطراف خشبه على ممنوع منه لم تصحّ ، عالماً كان أو جاهلاً بالتحريم أو بالصحّة والفساد ، لا الجاهل بالغصب والناسي فإنها تصحّ منهما ، وإعادة الناسي أحوط. ولو ظنّ المصلّي الغصب لم تصحّ ولو ثبتت الإباحة.

والمحبوس في مكان مغصوب ظلماً أو على حقّ عاجز عنه يصلّي ولا إعادة ما لم يمكنه التخلّص فيجب ، ولو أمكنه الخروج صلّى خارجه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج ، والقضاء هنا أحوط. ولو صلّى في فضاء [ أو (1) ] أرض أحاط بها مغصوب كالخيمة مثلاً صحّ.

ويجوز الصلاة في المكان المغصوب مع إذن المالك عموماً أو خصوصاً ما لم يكن هو الغاصب فإنه لا بدّ له من الإذن الصريح الخاصّ. ولو أذن المالك ثمّ منع ؛ فإن كان قبل التلبّس لم تجز الصلاة فيه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج وحيثما توجّه ، وإن كان بعده فله الإتمام ولا عبرة بمنعه حينئذٍ على الأقوى ولو اتّسع الوقت أو كان الإذن من شاهد الحال. والإتمام وإن كان آخذاً في الخروج حال ضيق الوقت أحوط. ولا فرق في المغصوب بين الخاصّ والمشترك كالمسجد والوقف المطلق ولو في صحراء مع تعيّنه في محصور ، لا بدونه فإنه يجوز.

ولا يشترط طهارة مكان المصلّي أو مساجده إلّا ممّا يتعدّى ممّا لا يعفى عنه

ص: 287


1- في المخطوط ( و ).

على الأشهر الأقوى ، إلّا في محلّ الجبهة فإنه يشترط طهارته من النجاسة مطلقاً ولو لم يتعدّ نصّاً (1) وإجماعاً (2). وجاهل نجاسة المسجد أو الثوب أو البدن لو علم بها بعدُ لا يعيد صلاته مطلقاً ، وجاهل الحكم أو الصحّة والفساد يعيد مطلقاً كالناسي.

ولو اشتبه النجس في مكان محصور اجتُنب كلّه دون غير المحصور ، ويزول المنع بوضع طاهر عليه ، ولو شُدّ في المصلّي حبل طرفه نجس لم يضرّه ولو تحرّك بحركته ، ولا يضرّ أيضاً لو كان معه قارورة فيها نجاسة.

ويشترط أيضاً في المكان عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع القدمين بأكثر من عرض أربعة أصابع مضمومة ، وبالعكس على الأولى ، إلّا في الأرض المنحدرة فلا يضرّ الاختلاف ولو زاد على ذلك فيها. ولو وضع الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه ؛ فإن مسحها إلى ما يصحّ صحّ ، وإن رفعها ووضعها بطلت ، ولو وضعها على أرفع من المغتَفَر لم يضرّه الرفع والوضع ؛ لأنه حينئذٍ كالهاوي.

ويجوز صلاة المرأة إلى جانب الرجل مطلقاً. ويجب استقرار المكان عرفاً ، فلا تصحّ على المنهال حال انهياله ، ولا الدابة ولو كانت معقولة ، ولا السفينة حال اضطرابها ، إلّا أن يضطرّ فيصحّ. ويكبّر حينئذٍ مستقبل القبلة ويدور إليها في باقي الصلاة بحسب الإمكان ، فإن تعذّر سقط ، والأقوى صحّة الصلاة في السفينة وإن أمكن الخروج إلى البرّ ، وهو أحوط وأولى. وتصحّ الفريضة في جوف الكعبة وعلى سطحها اختياراً على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ الصلاة في مكان ضيّق يمنع من بعض واجباتها إلّا اضطراراً.

ويجب في موضع الجبهة في السجود أن يكون أرضاً وهو ما يتيمّم به أو

ص: 288


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 451 أبواب النجاسات ، ب 29 ، ح 1 ح 3. 3 : 1. أبواب النجاسات ، ب 30 ، ح 6.
2- الخلاف 1 : 472 / المسألة : 217 ، المعتبر 1 : 433 ، مختلف الشيعة 2 : 130 / المسألة : 70.

نباتاً منها أو قرطاساً بجميع أنواعه كما هو ظاهر النصّ (1) والفتوى (2) ، بشرط ألّا يكون النبات مأكولاً ولا ملبوساً عادةً ولو توقّفا على الطحن والغزل ، فلا يسجد على جوز القطن ولا على مثل البندق والأرز إلّا أن يميّز القشر فيجوز السجود عليه حتّى قشر الشعير فإنه غير مأكول عادة. ولو اختلفت العادة فيهما فالأقوى أن لكلّ بلد حكماً ، والأحوط عموم التحريم.

ولو كان له حالتان كقشر اللوز اختصّ المنع بحالة المأكوليّة ولا عبرة بأكل الحيوان العَجم. ولو شكّ في كونه مأكولاً أو ملبوساً فالمنع. ويجوز ضرورةً كتقية وشدّة حرّ السجود على الممنوع منه كالمعدن وغيره ، ولا إعادة. ولا يجوز السجود على نفس الكتابة لأنها جسم لا يصحّ السجود عليه ، ولو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه [ وهو ] يظنّه أنه ممّا يصحّ السجود عليه أعاد في الوقت دون خارجه ، والأحوط القضاء.

ولو صلّى مع شكّه في صحّة السجود عليه لم تصحّ ولو تبيّن أنه ممّا يصحّ السجود عليه. ولعدم الإعادة فيما لو صلّى [ ظانّاً ] أنه ممّا يصحّ السجود عليه فبانَ خلافُه وجهٌ قويّ ، كالجاهل بكون اللباس ممّا لا تصحّ الصلاة فيه فبانَ خلافُه.

ولا يجوز الصلاة في مكان يتقدّم فيه المصلّي على قبر المعصوم مع عدم الحائل ، ولا يعدّ مثل الصندوق حائلاً ، والأقوى عدم تحريم المساواة ، وقيل بالمنع (3).

وتحرم الصلاة في الطريق إن منعت المارّة ، ولا يجب تعيين مكان المصلّي إلّا مقام إبراهيم لركعتي الطواف الواجب ، وإلّا ما يلتزمه الإنسان على نفسه من الصلاة في معيّن له مزية.

ولا يصحّ وقف مسجد ينقص عن مكان صلاة واحد ، ولا وقف كنيف إلّا بعد طمّه

ص: 289


1- انظر وسائل الشيعة 5 : 343 ، أبواب ما يسجد عليه ، ب 1.
2- المبسوط 1 : 89 - 90 ، منتهى المطلب 1 : 252 ( حجريّ ) ، تذكرة الفقهاء 2 : 434 / المسألة : 100.
3- انظر الحدائق الناضرة 7 : 222.

وتطهيره ، ولا يجوز بيع آلة المسجد في حالة إلّا أن يخرج عن الانتفاع به فيها ، ويجوز استعمالها في مسجد آخر مع غنائه وحاجته كما وقفه ، ولا يجوز إدخال شي ء من الطريق فيها ولا شي ء منها في غيرها في حال. ويجوز جعل البِيَع والكنائس مساجدَ مع اندراس أهلها. ويحرم إدخال النجاسة المتعدّية فيها إجماعاً (1) ، ويجب تطهيرها منها لنفسها ، والأحوط عدم صحّة الصلاة ما لم تزل النجاسة عنها مع سعة الوقت وعلمه بها وتمكّنه من إزالتها.

ومن شروط صحّة الصلاة ستر لون بشرة العورة دون حجمها للصلاة وإن لم يرَه أحد من كلّ جهة سوى الأسفل ، ولو انكشفت في أثنائها بدون اختياره لم يضر ، ووجوب المبادرة إلى سترها متى علم. وهي من الرجل القبل والدبر والبيضتان دون العانة والعِجَانة ، ومن المرأة في الصلاة جميع بدنها وشعرها إلّا الوجه ، وهو هنا ما يواجه به أوسع من وجه الوضوء ، والكفّين من الزندين من ظاهرهما وباطنهما ، والقدمين من الساقين كذلك ، هذا من الحرّة البالغة. وجميع الرأس والرقبة وشعرهما من الأَمَة والصبية ليسا عورة فيها ، ولو لم يمكن إلّا ستر البعض وجب ، وعورة الرجل أولى من سائر جسدهما (2). ولو شكّ في تحقّق الستر لم تصحّ. ولا فرق في الساتر بين حصوله بالثوب الواحد أو المتعدّد إذا حصل بالجميع سواء في ذلك الذكر والأُنثى.

لباس المصلي

ويشترط في لباس المصلّي كلّه الطهارة إلّا ممّا يعفى عنه ، ومرّ بيانه ، وأن يكون مباحاً ، وألّا يكون من ميتة مطلقاً ولو بعضه حتّى شِسع النعل ، إلّا أن يكون ممّا لا تحلّه الحياة إلّا من نجس العين حيّاً فلا يستثنى. ولا بدّ [ من العلم (3) ] بالتذكية ، أو

ص: 290


1- الحدائق الناضرة 7 : 277.
2- أي وستر مقدار عورة الرجل من الأمة والصبيّة أولى من سائر جسدهما.
3- في المخطوط : ( للعلم ).

أخذِه من سوق يغلب على أهلها الإسلام ، أو من يد مسلم لا يستحلّ الميتة. ولا يحكم بتذكية ما وجد مطروحاً إلّا إذا وجد فيه أمارة شرعيّة كالهدي المعلّم ، ولا يكفي عدم العلم بعدمها. ولا تجوز الصلاة فيما ينفصل منها إلّا فيما لا تحلّه الحياة كالشعر والوبر والصوف من مأكول اللحم ، ولا بأس بمثل القمل والبرغوث والذباب والزنبور والبقّ ونحوها أيضاً وفضلاتها كالعسل والشمع ، والأحوط التجنّب. ولا يقبل إخبار مستحلّ الميتة بالتذكية.

وخصّ جماعة (1) الميتة بذي النفس السائلة ، وجوّزوا في ميتة غيرها ، وله وجه ، إلّا إن التعميم أولى. وعلى القولين يستثنى ما لا تحلّه الحياة منها ، ولا تجوز الصلاة في جلد غير مأكول اللحم مطلقاً ولا شعره ولا وبره ومنه السّمّورُ (2) والفَنَكُ (3) والثعلب والأرنب ولو كان ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً. ولا بأس بما ينفصل من الإنسان حال حياته إذا كان طاهراً كالشعر والعرق لعدم إمكان التحرّز عنه والتسامح فيه وإعارة الثوب من غير نكير سواء في ذلك فضلة المصلّي نفسه وغيره.

ويجوز استعمال جلد غير المأكول وشعره ووبره في غير الصلاة بعد التذكية إن وقعت عليه ، والأولى كونه بعد الدبغ. ويجوز في جلد الخزّ ووبره إجماعاً (4) ، وفي السنجاب والحواصل (5) قولان ، والمنع أولى. ولا بأس بالمصاحب الممنوع كالمحمول ، والمنع أحوط.

ص: 291


1- المعتبر 2 : 84 ، جامع المقاصد 2 : 77 ، مدارك الأحكام 3 : 161.
2- السَّمُّور : دابّة تسوّى من جلودها فِرَاءٌ غالية الأثمان. لسان العرب 6 :2. 361 سمر.
3- الفَنَك : قيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وحكي أنه يطلق على فرخ ابن آوى في بلاد الترك. المصباح المنير : 481 فنك.
4- المعتبر 2 : 84 - 85 ، مختلف الشيعة 2 : 95 / المسألة : 36.
5- الحواصل : جمع حوصل ، وهو طائر كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو. حياة الحيوان الكبرى 1 : 388.

ولا يصحّ الصلاة في الحرير الخالص (1) للرجال والخناثى إلّا في الضرورة والتقيّة والحرب ، ويجوز افتراشه جلوساً ونوماً والتدثّر والالتحاف به وكفّ الثوب به وقُدّر بعرض أربعة أصابع والزرّ به والتعليم ، ولا يجب على الوليّ منع الصبي منه ، ويجوز للنساء الصلاة فيه اختياراً ، وللرجل فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً حين يراد الصلاة فيه ، فلو كان ممّا لا تتمّ فيه حينئذٍ وتتمّ لو غُيّر عن تلك الهيئة صحّت قبل التصرّف ومنعت بعده. والعبرة بما يستر عامّة الناس لا شديد الغلظ ولا النحيف. ولو نسي المصلّي كونه حريراً أو جهله صحّت ، ولو جهل التحريم أو الصحّة والفساد لم تصحّ ، وتصحّ في الممزوج مطلقاً ما لم يكن الخليط مستهلكاً لقلّته جدّاً فإنه كالخالص.

ولا تصحّ الصلاة للرجل والخنثى في الذهب ولو خاتماً إذا كان ملبوساً أو منسوجاً في ثوبه ، والمنع في المموّه أحوط ، ولا منع في المصاحب ، والأحوط في غير السكّة المنع من المصاحبة.

ويشترط في الساتر أيضاً أن يكون ممّا يعتاد لبسه كالجلود والأصواف والأثواب وشبهها ، وفي الضرورة يجوز بكلّ ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر والخوص والليف ما لم يحصل بصورة الثوب فتجزي اختياراً ، فإن تعذّر مثله استتر بالطين ، فإن تعذّر فبالماء إن أمكن معه تأدية الصلاة ، فإن تعذّر فبالحفيرة إن أمكن ، فإن تعذّر فبتابوت ضيّق إن أمكن. ولا يجزي الستر باليدين ولا ستر الدبر بالأليتين ولا بالظلمة ولا بالحفيرة اختياراً ، فإن فقد الساتر مطلقاً صلّى عارياً قائماً مع أمن المطّلع المحرم ، مومياً للركوع والسجود ، وجالساً إن لم يأمنه ، مومياً لهما أيضاً.

ويجوز في الضرورة الصلاة في الممنوع منه كالنجس وجلد غير المأكول وأمثالهما إلّا المغصوب ، والمشتبه بالممنوع له حكمه ، إلّا إنه يجب أن يصلّي الصلاة

ص: 292


1- احترز بالخالص عن الممتزج بنحو القطن والكتّان قلّ أو كثر ، إلّا أن تكون قلّة الخليط بحيث لا يسمّى في العادة إلّا حريراً محضاً فإنه لا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ. قال علي بن عبد العالي في حاشية ( الشرائع ) : ( وهل يجوز التدثّر أي الالتحاف به؟ فيه وجهان ، وليس ببعيد الجواز ). ( هامش المخطوط ).

الواحدة أكثر من عدد الممنوع منه بواحد ، فلو اشتبه ثوب نجس بطاهر أو أكثر صلّى في اثنين مرّتين متعاقبتين ، أو اثنان نجسان بأكثر منهما صلّى ثلاثاً كذلك .. وهكذا ، هذا مع سعة الوقت ، وإلّا أجزي الممكن.

وليس من الضرورة فقد السائغ (1) بل إن فقد صلّى عارياً ، وعن الشيخين (2) وجماعة (3) المنع من الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا ساق له ، وهو أحوط. وأمّا ما له ساق فسائغ إجماعاً (4).

وتجوز في جلد المأكول أن ذكّاه وفي شعره ووبره وصوفه مطلقاً. ويحرم اللثام والنقاب إن منعا واجباً. وتجوز في الثوب الواحد للرجل والمرأة اختياراً إجماعاً (5) ، وفي ثوب عَمله كافرٌ إن لم يعلم مباشرته له برطوبة ، فإن علم وجب غسله. وإبراز اليدين من الثياب أولى. والأقوى إعادة الصلاة إذا ترك الستر ناسياً ، والجاهل عامد سواء جهل الحكم أو الصحّة والفساد.

تتميم

أُمّ الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤدّ شيئاً كالقنّ الخالص ، ولو تحرّر بعض الأَمَة فكالحرّة ، ولو أعتقت في أثناء الصلاة أو بلغت الصبية كذلك وجب عليهما ستر ما تستره الحرّة البالغة ، فإن توقّف على فعل منافٍ قطعت الصلاة واستأنفتها إن وسع الوقت ، وإلّا استمرت. ولو لم تعلم بوجوب الستر حينئذٍ فاستمرت أعادت مع السعة ، ولو لم تعلم بالعتق والبلوغ إلّا بعد الفراغ أجزأتها وإن بقي الوقت.

ص: 293


1- كذا في المخطوط.
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 153 ، النهاية : 98.
3- المراسم ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 368 ، المهذّب 1 : 75 ، شرائع الإسلام 1 : 59 ، المعتبر 2 : 93.
4- تذكرة الفقهاء 2 : 498 / المسألة : 133.
5- كشف اللثام 3 : 232 ، وذكر فيه الإجماع للرجل خاصّة.

وإن كان في ثوبه خرق يوازي العورة فجمعه بيده وأمسكه أجزته إن تحقّق الستر بالثوب ، ولو ظهرت عورته من أسفل لم يضرّه إلّا إن [ كان ] على مرتفع ، فالبطلان قويّ. ولو رأى عورته من جيبه ولم يبادر إلى سترها فوراً بطلت صلاته من حينه

لا من أوّلها ، فيتمّ المأموم منفرداً.

ويجب تحصيل الستر بكلّ ما أمكن حتّى الشراء بأكثر من ثمن المثل ما لم يضرّ بحاله ، أو بالإعارة أو الهبة إلّا أن يرجو حصوله فإن الأحوط التأخير. ولو لم يكن عنده إلّا ثوب يمنع بعض واجباتها فالأرجح طرحه والصلاة عارياً ، وقيل : يصلّي فيه لتعذّر بعضها على التقديرين (1).

ومن شروط صحّة صلاة الفريضة مطلقاً استقبال القبلة بمقاديم بدنه حتّى الوجه والقدمين على الأحوط إلّا اليدين ، كأجزائها المعيّنة ، وصلاة الاحتياط وسجدتي السهو ، دون التلاوة. ويجب استقبالها أيضاً بالذبح والنحر مع التمكّن ، وبالأموات حال الاحتضار والدفن ، ويحرم حال التخلّي كالاستدبار. ولو اضطرّ إلى الصلاة على الراحلة أو لم يتمكّن من الاستقبال في حالٍ استقبل ما أمكن ، فإن تعذّر استقبل بتكبيرة الإحرام ، فإن تعذّر سقط ، ولو تمكّن منه في أثنائها وجب ، وإن عرض التعذّر في أثنائها سقط ولا إعادة فيهما ولو بقي الوقت. ولو دخل في الصلاة ظانّاً الاستقبال أو ناسياً وتبيّن له الانحراف اليسير في أثنائها استقبل وأجزته كما لو تبيّن بعد الفراغ ، ولو بقي الوقت ؛ فإن تبيّن أنه إلى محض اليمين أو اليسار في أثنائها قطع وأعادها ما لم يتضيّق الوقت فيستمر كما لو تبيّن له ذلك بعد الفراغ وبقي الوقت ، ولو تبيّن له الاستدبار فكذلك ، والأحوط والأولى فيه الإعادة والقضاء.

ويجب تحصيل القبلة لما يجب له الاستقبال أو يحرم فيه ، والاستدبار ؛ فإن تعذّر العلم كفى الظنّ مراعياً الأقوى فالأقوى. ويعوّل على محاريب الإسلام وقبورهم وذبحهم ما لم يظهر الخطأ ، وعلى قبلة صلّى [ إليها (2) ] معصوم ولا اجتهاد حينئذٍ ،

ص: 294


1- قواعد الأحكام 1 : 27 ، جامع المقاصد 2 : 96.
2- في المخطوط : ( عليها ).

وعلى إخبار الكافر إن تعذّر غيره وأفاد الظنّ ، وعلى قبلتهم إن علم دلالتها عليه بالمقابلة ونحوها ، ولا يعتمد على إخبار من يشكّ في عدالته ما لم يفد الظنّ.

والعامّي والأعمى يرجع إلى من يقلّده ، ولو تبيّن له الخطأ ولو بإخبار الأعدل والأشدّ اجتهاداً في أثنائها استدار إن لم يكن إلى محض اليمين أو اليسار ، وإلّا أعاد كالمستدبر ، والاستدارة لها وجه.

ولو صلّى عن اجتهاد فعرض له الشكّ في أثنائها مضى ، وبعدها يعيد إن تبيّن الخطأ باجتهاد آخر. والمقلّد يقلّد الأعلم بمعرفتها ، فإن تساووا طلب المرجّح ، ومع الضيق مخيّراً (1). ولو ضاق الوقت على المجتهد قبل تحصيلها قلّد المجتهد المحصّل ، ولا يقلّد المجتهد المجتهد ، والمقلّد له لا يعدل لتقليد غيره إلّا أن يتبيّن له أعلميّة الآخر أو [ خطؤه (2) ].

فمن تعذّر عليه تحصيلها صلّى إلى ما اشتبهت عليه فيه ، وإن كان في جهتين صلّى إلى كلّ منهما ، أو في ثلاث فإلى كلّ منهم ، أو في أربع صلّى إلى الأربع ، يقيسها على خطوط أربعة قائمة على زوايا قوائم ، وغير بعيد الاكتفاء بثلاثة قائمة. هذا مع سعة الوقت ، وإلّا صلّى إلى ما أمكن ، وإلّا قضى. ولو صلّى إلى غيرها عمداً أو جهلاً بالحكم لم يجزه ولو تبيّن أنه إليها.

واعلم أن الكعبة قبلةُ حاضرها ومَن في حكمه كمن يمكنه مشاهدتها ، والنائي قبلته الجهة. ولا تصحّ صلاة مَن خرج عن المسجد إليه بدون محاذاتها ، ولا من فيه إلى الحجر ؛ إذ ليس شي ء منه من الكعبة ولا قلامة ظفر وإن وجب إدخاله في الطواف ، والشاذروان وهو الأساس دورها منها.

والقبلة ما حاذى البناء الموجود من تخوم الأرض السابعة إلى السماء السابعة المحاذي للبيت المعمور في السماء ، فالمصلّي [ في (3) ] أعلى جبل أو في أسفل بئر

ص: 295


1- أي يقلّد مخيّراً.
2- في المخطوط : ( خطيئته ).
3- في المخطوط : ( إلى ).

يتوجّه إليها ، وكذا المصلّي في جوفها أو على سطحها ، فلو أدبر لا يرجع ، ولكن يجب عليه إبراز شي ء من فضائها أمامه. وغير المشاهد لها يعوّل في تحصيل الجهة على ما قرّر في السمتِ الذي يرجّح على كلّ جزء منه أنه الكعبة ويقطع بعدم خروجها عنه ، فكلّ أهل إقليم وصقع يستندون إلى العلامات الموضوعة لهم باستنباط أهل الهيئة ، فإنه يرجع لهم فيها. وبعض ما ذكروه يوافق النصوص والنظر أيضاً.

فأهل أوساط العراق كالنجف وكربلاء والزوراء وسامراء ومَن قاربهم يجعلون الجدي بين الكتفين لمسامتته حينئذٍ للقطب الذي هو العلامة الحقيقية ، ويجعلون مغرب الاعتدال على اليمين ومشرقه على اليسار.

ومثل القطيف والبحرين والحساء يجعلون الجدي خلف المنكب الأيمن بأربع أصابع ، وعلى ما ذكره باقر ( البحار ) (1) : يزيد على ذلك ، لكن هذا البيّن من النظر في العلامات.

وتعرف القبلة أيضاً بمعرفة الجهة ، ويعوّل في معرفتها على الآلات الموضوعة لها وهي مشهورة ، وبالرياح الأربع في بعض البقاع ، وتكفي الجهة العرفية إذا فقدت الأمارات الشرعيّة ، والضابط العلم ، ومع فقده يعوّل على الظنّ الأقوى ، فإن فُقدا فكما مرّ.

ومقتضى الأصل وظاهر القرآن (2) عدم جواز الانحراف عن سمت القبلة حيث تتشخّص ، ولا بالقليل فتبطل به الصلاة عمداً وإن لم يضر الاختلاف اليسير في القدوة ، والأولى عدم صحّتها.

ص: 296


1- بحار الأنوار 81 : 28 - 89.
2- البقرة : 150.

الباب الأول : في كيفيّة الصلاة

اشارة

إذا أراد المكلّف بها فعلها حصّل شروطها ، وقام وقصد بقلبه أداء الفرض قربةً إلى الله ، وكبّر وقرأ الحمد وسورة ، وركع مطمئناً وسبّح مطلقاً ، واعتدل قائماً مطمئناً وسجد مطمئناً على السبعة المساجد وسبّح مطلقاً ، وجلس مطمئناً وسجد كذلك وقام ، وفعل كما فعل في الأُولى وجلس مطمئناً وقال أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً : عبده ورسوله ، اللهمّ صَلّ على محمّد : وآل محمّد.

ويسلّم بإحدى الصيغتين إذا كانت ثنائيّة ، وإلّا قام قبل التسليم حتّى يطمئن وذكر الله مطلقاً وركع وسجد وتشهّد ويسلّم كما مرّ إن كانت ثلاثيّة ، وإلّا قام وأتى بالرابعة كالثالثة وتشهّد وسلم ، هذا هو الواجب منها.

ومنها أركان هي : القيام مع القدرة ، وتكبيرة الإحرام ، والركوع ، والسجود ، والنيّة على قولٍ (1) ، وهي بالشرط أشبه وإن كانت كالركن تبطل الصلاة بزيادته مطلقاً إلّا في مواضع مخصوصة ، وبعدمها مطلقاً.

وقراءة الحمد وسورة ، وذكر الركوع والسجود ، والسجود على غير الجبهة من

ص: 297


1- المبسوط 1 : 100 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 93 ، مختلف الشيعة 2 : 156 / المسألة : 87 ، منتهى المطلب 1 : 266 ( حجريّ ).

السبعة ، والتشهّد ، والتسليم ، والترتيب ، والطمأنينة ، والتوالي ، والرفع والجلوس من السجدتين ، والتشهّد واجبات غير أركان ، تبطل الصلاة بتركها عمداً وجهلاً لا سهواً. والهويّ والنهوض واجبان بالتبعيّة.

ولكلّ من الواجبات والأركان أحكام تذكر في فصول.

ص: 298

الفصل الأول : في النيّة

وحقيقته القصد إلى الإتيان بالمنويّ المعيّن إن اشترك متقرّباً به إلى الله تعالى ، وملاحظة الوجوب أو الندب والأداء والقضاء والقصر والتمام في مواضع التخيير أحوط ، ولا يعتبر ملاحظة عدد الركعات ، ولو نوى بها الأقلّ لم تبطل ، ولا إحضار تفصيل الصلاة وواجبها ومندوبها فيها ، بل يكفي القصد إليها إجماعاً ، ولا يصحّ أن تنوي بها شيئاً فشيئاً. ويشترط استدامتها حكماً كسائر العبادات ، ويبطلها العجب والرياء ولو في أثنائها في واجبها أو مندوبها على وجهٍ ، وهو أحوط. ولا تبطل لو عرض أحدهما بعدها ، ولا بمجرّد حضوره إذا لم يتعلّق بشي ء منها.

وليست النيّة تصوّر المنويّ ، فما ذكر من معنى مقارنتها للتكبيرة قليل الجدوى ، بل عديمه ؛ لابتنائه على أنها تصوّر المنويّ مع تعسّره عليه أيضاً ، كيف وهي بسيطة وإنما التركيب فيه؟ وهي من أفعال القلب وهو من المقارب ، فكيف تتصوّر المقارنة بينهما كما قالوه؟ كيف ، ونسبتها منه نسبة الروح من الجسد؟ فلا ملاحظة للمقارنة كما قيل. ولا يشترط التلفّظ بها ، بل عدمه أولى ، ولو تلفّظ بغير ما قصد لم يضرّ ، ولو شكّ فيما نوى بعد الجزم بسبق القصد إلى معيّن جعله هو.

ولو ذكر أن عليه سابقة عدل إليها إن أمكن ، وإلّا هدمها. ولو تردّد في أنه نوى

ص: 299

الحاضرة أو الفائتة جعلها الفائتة ، ولو نوى القطع أو تردّد فيه ولم يطل الفصل ولم يفعل المنافي لم يضرّ. ولو علّمه النيّة غيره جزءاً فجزءاً وتكلّم بها لم يضر إذا كان القصد متحقّقاً ، لكنّه يجب قطع همزة لفظة الله من التحريمة ، ولو وصلها بلفظة النيّة بطلت.

ولا فرق بين أن يقصد بالصلاة القربة إلى الله تعالى أو الإخلاص أو الطاعة أو الشكر له أو امتثال أمره أو طلب مرضاته أو الخوف من سخطه أو عذابه أو الرجاء لثوابه أو الرغبة فيه أو ما تركّب من ذلك ، فالكلّ نيّة صحيحة. وتبطل لو قصد بها التوصّل لأمر دنيوي. ولو قصد المصلّي الظهر فسبق لسانه أو خياله للعصر مثلاً فالبناء على ما قام قاصداً له ، ولو نوى القضاء فتبيّن له الأداء أو بالعكس أو الندب بالوجوب أو العكس لم يضرّ ذلك كلّه ، والأحوط الإعادة مطلقاً.

ولو شكّ هل نوى نفلاً ، أو فرضاً؟ فهي لما قام له ولا إعادة. ويجب على المأموم نيّة الائتمام بالإمام المعيّن ، ولا يجب على الإمام نيّة الإمامة إلّا أن تجب عليه الجماعة. ويجب أن تنوي الصلاة وأنت قائم مطمئن مع القدرة ، أو في باقي المراتب لعجزٍ عنه على الترتيب.

ولا يجوز نقل النيّة من صلاة إلى أُخرى إلّا لمن دخل في حاضرة فذكر فائتة مع إمكان العدول وسعة الوقت لهما ، ولمن دخل في لاحقة فذكر أن عليه سابقة ترتّبت عليها على جهة الوجوب إن وسعها الوقت ، ولا فرق بين كونهما من مؤدّاتين إلى مقضيّتين ، كما يجب من الفائتة إلى الحاضرة إذا تضيّق وقتها وأمكن العدول.

فلو شرع في قضاء رباعيّته قبل طلوع الشمس مثلاً فذكر أنه لم يصلّ فرض الصبح الحاضر ؛ فإن وسعهما الوقت أتمّ للقضاء وأتى بالأداء ولو لم يدرك من وقته إلّا قدر ركعة ، وإلّا قطع المقضي وأتى بالحاضر ، ثمّ قضى الفائت. ولمن شرع في مقضيّة ثمّ علم البراءة فإنه يعدل إلى المؤدّاة جوازاً على الأقوى. ولمن شرع في فرض إلى النفل إذا خشي فوات الجماعة وبقي محلّ العدول. ولو نوى القصر وعليه

ص: 300

التمام عدل إليه كالعكس وأتمّ. وإلى الانفراد مع العذر إجماعاً ، وبدونه على الأقوى ، لكنّه إن كان لفساد صلاة الإمام أو عدم أهليّته فعلى الوجوب ، وإلّا فهو جائز. ومن الائتمام بإمام إلى الائتمام بآخر إذا عرض له مانع.

أمّا من الانفراد إلى الائتمام ومن نفل إلى فرض فلا يجوز.

كلّ ذلك [ إن (1) ] لم يفت محلّ العدول ووسع الوقت.

ولو نسي تعيين الفائتة لم يجب التعيين في النيّة ، بخلاف ما إذا لم ينسَ.

ص: 301


1- في المخطوط : ( فإن ).

ص: 302

الفصل الثاني : في القيام

وهو واجب ركنيّ في الاختيار ، ولا يضرّ فيه الإطراق بالعنق أو ميله ، ويجب فيه اختيار الاستقلال ، فلو استند فيه إلى شي ء بحيث لو أُزيل سقط اختياراً ، لم يصحّ. ولا يجوز الميل حالته إلى أحد الجانبين اختياراً ، ولا يجب التسوية بينهما في الاعتماد ، ولكنّه أحوط.

والركن منه هو المتّصل بالركوع ، قبله ، وغيره يتبع الفعل وجوباً وغيره ، فلو أخلّ به حال القراءة أو بدلها سهواً لم تبطل صلاته ، ولو ترك القراءة سهواً وركع عن قيام لم تبطل أيضاً ، فالركن من القيام المتّصل بالركوع هو الأمر الكلّي.

وتجب الطمأنينة حال القيام ، فلا تصحّ صلاته اختياراً مضطرباً ولا ماشياً ولا على ما لا تستقرّ عليه قدماه ، ولا يضرّ تحريك بعض الأعضاء بما لا يخرجه عنها. ولا يجوز تباعد قدميه بما يخرجه عن القيام عرفاً كالفحج (1) ، فإن تعذّر أتى بالممكن ، فيستند على شي ء ولو حيواناً ولو بأجرة زائدة ما لم يضرّ بحاله قبل الجلوس ، فإن عجز صلّى جالساً.

والإنسان أبصر بنفسه في حد العجز المسوّغ له الانتقال من رتبة إلى أُخرى ،

ص: 303


1- الفحج : تباعد ما بين أوساط الساقين ، وقيل : تباعد ما بين الفخذين. لسان العرب 10 : 191 فحج.

ومنه خوف طول المرض وحدوثه والمعالجة منه بما ينافيه ، ولا يقدر بالعجز عن المشي قدر الصلاة لعدم التلازم ، ومن العجز عن القيام خشية رؤية العدو وقصر سقف المكان إذا حبس فيه ظلماً. ومن الأعذار شدّة البرد إن حصل هونه في القعود ، ودوران الرأس كذلك كما يعرض لبعض راكب البحر.

ولو قدر العاجز على الاستقلال على الاتّكاء والاعتماد قدّمه على الانحناء المقدّم على الجلوس.

ولو قدر على المشي لم يقدّمه على الجلوس ، بل ينتقل إليه ويسقط القيام ولو معتمداً ، ويصلّي قاعداً أو مضطجعاً إذا كان به مرض كالرمد لا يبرأ إلّا به لأجل العلاج نصّاً (1) وإجماعاً.

ولو قدر على القيام في بعضها والاعتماد في الآخر والجلوس في آخر وجب كلّ في محلّه.

ولو تمكّن من القيام وعجز عن الركوع أو السجود قام وأومأ إلى الركوع وجلس وأومأ إلى السجود.

ويجب على المصلّي قاعداً أن يرفع فخذيه وينحني حالة الركوع بحيث يحاذي وجهه قدّام ركبتيه من الأرض ، ولو أمكنه القيام منفرجاً كثيراً أو مائلاً إلى أحد الجانبين فغير بعيد تقديمه على الجلوس.

ولو عجز عن الركوع أو السجود حال جلوسه أومأ إلى الركوع ورفع ما يجب عليه بحسب الإمكان وسجد عليه وإلّا يمكنه أومأ أيضاً.

وإن عجز عن ذلك كلّه صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كالملحود ، وإن عجز فعلى الأيسر مستقبلاً ، فإن عجز فمستلقياً كالمحتضر. ويومي للركوع والسجود والرفع منهما في الحالات بالرأس ، فإن عجز فبالعينين تغميضاً للركوع والسجود وتفتيحاً للرفع منهما ، إلّا إن تغميض السجود أخفض من الركوع.

ص: 304


1- وسائل الشيعة 5 : 496 ، أبواب القيام ، ب 7.

ويراعى الميسور في الحالات ويأتي بالأركان والقراءة وما أمكن من كلّ واجب.

وإن عجز عن ذلك كلّه أو عن بعضه ولو لعدم من يوجّهه كفاه إجراء الأفعال والأقوال على قلبه ، وينطق بالممكن ويتحرّى بعد الاستلقاء الممكن والأقرب فالأقرب ، ولا يسقط عنه الصلاة ، وإن أخلّ بممكن أقرب ممّا يستطيع لم يصحّ وعليه القضاء ، وإلّا أجزأه الممكن وإن بقي الوقت نصّاً (1) وإجماعاً.

ومتى تجدّد العجز للقادر في حالة انتقل إلى ما دونها وجوباً على الترتيب ، ويترك الذكر حال الانتقال على الأقوى وبالعكس كذلك ، إلّا إنه إذا تجدّدت القدرة انتقل إلى ما يستطيع ولا يراعي الترتيب ، فلو قدر المضطجع على القيام في أثنائها وجب ، ولو قدر على الركوع عن قيام وجب ، وكلّ ما هو بدل القيام حال العجز عنه فله حكمه في الركنيّة وغيرها.

ص: 305


1- وسائل الشيعة 5 : 494 ، أبواب القيام ، ب 6.

ص: 306

الفصل الثالث : في تكبيرة الإحرام

وهي ركن ، فلو أخلّ بها مطلقاً أو أزادها مطلقاً لم تصحّ ، وصورتها الله أكبر بالعربية المعربة ؛ فإن عجز وجب التعلّم ، وإن ضاق الوقت كبّر بأي لغة شاء من غير ترجيح ، وإن أمكن المرادف العربي وملحونها وجب تقديمه على غيره من اللغات ، ويحتمل في الثاني مساواة سائر اللغات.

ولا تجوز الزيادة عليها ولو بصفة ولو كانت حقّا ، ولا التبديل ولو بمرادف. ولا يجوز نقصها ولو بحرف ، ولا زيادتها كذلك ، ولا إشباع حركة الباء حتّى تكون ألفاً معه ، [ فإنه (1) ] ينقلب المعنى حينئذٍ ، ويجب حينئذٍ إخراج الحروف من مخارجها. كلّ ذلك تبعاً للمنقول عنهم عليهم السلام وتحصيلاً ليقين البراءة.

ويأتي ب- أكبر على صيغة ( أفعل ) ، ويقدّم لفظ الله على أكبر ، ويوالي بينهما ، ويقطع همزة لفظ

الله كلّ ذلك وجوباً ، ويجب أن يسمعها المصلّي نفسه تحقيقاً أو تقديراً ، ويجب وقوعهما قائماً مطمئناً كالنيّة.

والعاجز عن النطق بتكبيرة الإحرام كالأخرس يحرّك بها لسانه ويشير ويعقد

ص: 307


1- في المخطوط : ( إنه ).

بها قلبه ، كما يلزمه ذلك في جميع الأذكار والقراءة. وليس في الصلاة تكبير واجب سوى تكبيرة الإحرام. وأنت مخيّر في جعلها أيّ السبع شئت. وتكفي مَن أدرك الإمام راكعاً عنها وعن تكبير الركوع إن نواها خاصّة.

ص: 308

الفصل الرابع : في القراءة

تجب قراءة الحمد وسورة بعدها في كلّ ركعة من الثنائيّة وأُوليي غيرها بعد النيّة وتكبيرة الإحرام بلا فصل يعتدّ به طولاً. والبسملة آية من كلّ سورة. ولا يجزي عن الحمد غيرها ، ولا هي عن غيرها اختياراً. ولا يتعيّن سورة بعدها ، ولكن ما يفوت الوقت بقراءتها لا يجوز قراءتها ، كما لا يجوز قراءة سور العزائم الأربع ، فلو قرأ أحدها عمداً بطلت الصلاة ، وسهواً يعدل ما لم يتجاوز السجدة ، وإن تجاوز أتمّ وسجد بعد الصلاة.

ويحرم القرآن بين سورتين في فرض ، فلو قرأ سورتين بطلت الصلاة ، كما لو اقتصر على بعض سورة ، أو قرأ سورة وبعض أخرى ، أو كرّر سورة واحدة قاصداً الجزئيّة ، وبدونه لا يضرّ ما لم يطل الفصل ، كما لو قرأ في أثنائها أو غيرها قراءة ، وكما لا يضرّ العدول من سورة إلى أخرى في محلّ الجواز. وإذا ارتجّ على القارئ في سورة عدل إلى أُخرى ولو في آخرها.

ويجب تقديم الحمد كما يجب تقديم آيهما وكلمهما وحروفهما بحسب الرسم ، ولا يجوز ترك شي ء منهما ولو حرفاً ، ولا تبديله بآخر حتّى الضاد بالظاء ، ولا بدّ من القراءة بإحدى العشر ، وهي السبع ، وقراءة أبي جعفر : وخلف : ويعقوب ، ولا يجزئ

ص: 309

غيرها ، ولا اللحن إعراباً وغيره.

وتجب الموالاة بينهما وبين أجزائهما ، ولو قرأ خلالهما أو [ خلال ] أحدها شيئاً أو سكت عامداً أعاد القراءة إن نافاها ، والصلاة إن نافاها ولو سهواً ، ولو نوى القطع ولم يفعل المنافي أو نواه بالسكوت ولم ينافِ القراءة أو الصلاة لم تبطل ، والأحوط الإتمام والإعادة. ولو أخلّ بإدغام بين كلمتين أو وقف في غير محلّه مع الحركة أو وصل مع السكون لم تبطل ، والأحوط التجنّب.

و ( الضحى ) و ( الانشراح ) سورة واحدة في الفرض ، فلا يكفي أحدهما في ركعة ، ولا بدّ من البسملتين ك- ( الفيل ) و ( الإيلاف ) ، فلو قرأهما وجب الترتيب كالمرسوم. ولا يكفي القراءة بالترجمة اختياراً ولا بمرادفها ولا في المصحف ، بل لا بدّ من كونها على ظهر الغيب ، وتكفي الترجمة اضطراراً مع العجز وضيق الوقت وعدم التمكّن من الائتمام. ويجب التعلّم ، فإن عجز وضاق الوقت بدّل حينئذٍ ما عجز عنه من الفاتحة من القرآن ومن مطلق الذكر بالعربية أو غيرها مع العجز ، ويراعي الترتيب. ويقدّم القراءة في المصحف ، أو الاتّباع لقارٍ على التبديل والترجمة. والاعتبار في البدل بعدد حروف الفاتحة المقروءة لا المكتوبة.

وتسقط السورة مع العجز عن معرفتها بالتعلّم ، ولا يجب الإبدال منها ، ومع ضيق الوقت عنها ، وحال التقيّة. [ و ] لو لم يتمكّن من الفاتحة حال التقيّة أو من بعضها فمذهب جماعة السقوط حينئذٍ أيضاً وصحّة الصلاة ، وقيل بالإعادة مع المكنة أو القضاء ، وهو أحوط وأولى.

ويجب الجهر بالقراءة في العشاءين وفي الصبح على الرجل والخنثى ، والإخفات في الظهرين حتّى على النساء ، فلو عكس المصلّي عالماً عامداً بطلت صلاته ، وكذا لو كان عالماً بالحكم جاهلاً للمحلّ. ولو كان ناسياً أو جاهلاً للحكم فصلاته صحيحة ، ولو ذكر أو علم بالحكم في أثناء القراءة جهر أو أخفت بالبقيّة. ويجوز للمرأة الجهر في موضعه إذا لم يسمعها أجنبي.

ص: 310

ويجب على المصلّي مطلقاً الإخفات في الأخيرتين من الرباعيّة وفي ثالثة المغرب ؛ قرأ أو سبّح ، وتبطل الصلاة لو جهر ، ويجوز الإجهار بالبسملة إذا قرأ فيها. ويجزي بدل الحمد فيها التسبيح بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر مرّة أو أكثر ، ومطلق الذكر كافٍ ، ولا يتعيّن ذكر على الأقوى ، ولا يجب فيما سوى ذلك في أذكار الصلاة جهر ولا إخفات ، كما لا يجبان في غير اليوميّة. ولو شرط في النذر كيفيّة منهما وجبت. وصلاة الآيات تتبع غيرها. وأقلّ الإخفات أن يُسمع نفسه ، ولا يكفي الهمهمة ولا حديث النفس ، وأكثره أن يسمع القريب مع عدم اشتماله على الجهورة. وأدنى الجهر إسماع القريب الصحيح مع اشتماله عليها ، وأكثره ألّا يبلغ العلوَّ المفرط ، فالجهر والإخفات حقيقتان متباينتان.

والأقوى في التخيير بين الحمد والتسبيح أن لا فرق بين ناسي الحمد في الأُوليين وغيره على الأقوى الأشهر. ويسقط الجهر والإخفات في الضرورة والتقيّة ، ويكفي معهم مثل حديث النفس ، وعن المأموم. وحكم القضاء حكم الأداء جهراً وإخفاتاً ولو قضي فائت النهار بالليل وبالعكس. والاعتبار بحال النائب لا المنوب عنه.

ويجوز العدول من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز النصف إلّا في ( التوحيد ) و ( الجحد ) فلا يعدل من أحدهما إلى أُخرى إلّا في الجمعة وظهرها ، فإنه يجوز له العدول من أحدهما ل- ( لجمعة ) أو ( المنافقون ) ، إلّا أن يكون تعمّد قراءتهما أو تجاوز النصف فلا يعدل مطلقاً. ومتى عدل إلى سورة بسمل لها وجوباً.

وأن يقرأ وهو قائم مطمئن اختياراً ، فلو أراد التقدّم أو التأخّر عن الصفّ ونحوه سكت حتّى يطمئن في جميع الحالات.

والأخرس يعقد قلبه ويحرّك لسانه ويشير بحسب مكنته في جميع أذكار الصلوات وقراءاتها. كما هو حكمه في جميع الصلوات والأذكار الواجبة والعقود والإيقاعات ، فإن لم يعرف الحاكم إشارته عرّفه مترجمان.

ص: 311

ولا بدّ من أن يقصد بالبسملة سورة معيّنة ، ويكفي قصدها من أوّل الصلاة ، وكونه معتاداً قراءة سورة معيّنة فلا حاجة للقصد حينئذٍ ، وكونه ناذراً لقراءتها. ولا يشترط القصد بها في الفاتحة لتعيّنها. ولو قرأ سورة تامّة سهواً كفته سواء قصد سورة وشرع فيما قرأ سهواً قبل الشروع في سورة أو بعد العدول إلى غيرها ، حتّى لو شرع في معيّنة وسها في أثنائها مطلقاً وقرأ سورة تامّة فإنها تكفيه ، ولو شكّ بعد البسملة في أنه قصد بها ما قرأ لم يلتفت وأجزته. ويجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين ( الحمد ) ويسبّح في الأُخرى. ولو قصد أحدهما وشرع في الآخر سهواً جاز له العدول إلى الآخر والاكتفاء بما شرع فيه ، وهو أحوط. ويحرم على المصلّي قول : ( آمين ) مطلقاً في أثنائها مطلقاً إن كان عامداً إلّا حال التقيّة ، فإنه يجوز وقد يجب. والساهي يسجد للسهو ، ولا يجب فيه التورية حالتها ، والأحوط عدم تركه حالتها.

ولو أخلّ سهواً بالقراءة أو بعضها ولو حرفاً أو تشديداً أو بالموالاة أو شي ء من واجباتها ؛ فإن ذكره قبل الركوع أتى به وبما بعده مرتّباً ، وإلّا يمضي ويسجد للسهو. والعامد تبطل صلاته ولو جاهلاً ، ولو شكّ في شي ء من القراءة ، فإن كان في محلّه أتى به ، وإن تجاوزه لا يلتفت. ولا يشرع التعوّذ في غير الركعة الأُولى.

وأوّل المفصّل ( الحجرات ) أو سورة ( م محمَّد صلى الله عليه وآله : ) على أظهر الأقوال ، وطواله إلى ( عمّ ) ، ومتوسطاته منها إلى ( الضحى ) ، وقصاره منها إلى آخره.

ولو صلّيت خلف مَن لا يؤتمّ به تقيّة وقرأ العزيمة فإن لم يسجد الإمام أو سجد وتمكّن المصلّي خلفه من عدم متابعته سجد بعد الصلاة متى تمكّن ولا ضرر ، وإن تابعه في السجود أعاد متى تمكّن ، وإن كانت صلاة المأموم نفلاً سجد وصحّت.

ويجوز تكرير السورة الواحدة في الركعتين خصوصاً ( التوحيد ) ، ولا بأس بتكرير الآية للتدبّر مرّة فأكثر.

ويجب على المصلّي ردّ السلام وإسماعه تحقيقاً أو تقديراً كغيره إن لم يردّ عليه غيره ، ولا ترتفع مشروعيّة الردّ لو قام به الغير أيضاً ، لكن المصلّي يردّ بمثل ما يقول

ص: 312

المسلّم احتياطاً ، ولو ردّ بغير صيغة التسليم فالأقوى عدم البطلان إن كان بأحد صيغ السلام الشرعيّة. ولو لم يردّ السلام فهل تبطل مطلقاً ، أو إن لم يشتغل بواجب منها من غير سكوت ، أو تصحّ مطلقاً؟ الأقوى الأوّل ، والأحوط الإتمام والإعادة. هذا كلّه إن كان المسلّم مسلماً بالغاً عاقلاً ، وإلّا لم تبطل الصلاة بترك الردّ عليه ، بل تبطل بالردّ على غير المسلم لحرمته ، وهو على الصبيّ والمجنون المسلمين جائز غير واجب. ولو حُيّيَ المصلّي بغير السلام جاز له الردّ بغيره قاصداً الدعاء. ويجوز للمصلّي تسميت العاطس ، وأن يحمد الله ويصلّي على محمّد : وآله صلى الله عليه وآله إذا عطس أو سمعه ، ويجوز الدعاء في جميع حالات الصلاة للدين والدنيا إلّا بالمحرّم ، ولو دعا به بطلت وإن كان جاهلاً بالتحريم أو بالدعاء ، والأولى ترك الملحون وبغير العربية مع القدرة عليها.

ص: 313

ص: 314

الفصل الخامس : الركوع

وهو ركن في مطلق الصلاة ، تبطل بنقصانه مطلقاً وزيادته مطلقاً ، إلّا في حالة مخصوصة ، وهو في كلّ ركعة مرّة ، إلّا في الآيات فإنه يجب فيها في كلّ ركعة خمسة ركوعات. ويتحقّق بالانحناء إلى حيث تصل كفّاه إلى ركبتيه ، ولا يجب وضعها عليها. ولا بدّ أن يكون الانحناء دون الاختلاس ودون أن يكون على جانب. وتجب فيه الطمأنينة ، وهي سكون الأعضاء واستقرارها بقدر واجب الذكر فيه ، وهو مطلق الذكر ولو في الاختيار.

وأفضله سبحان الله ثلاثاً ، أو سبحان ربّي العظيم ثلاثاً ، ويجب أن يكون بالعربية مع الإمكان. وعديم اليدين وقصيرهما وطويلهما يرجعون إلى مستوي الخلقة في قدر الانحناء.

ولا يجب القصد في الهوي للركوع ، فلو هوى لا بقصده ، وقصده حين وصوله إلى حدّ الراكع صحّ على الأقوى ، والأحوط الانتصاب ثمّ الهويّ له. ويجب الانتصاب بعده ، والطمأنينة فيه أيضاً بما يتحقّق به المسمّى ولا حدّ له ، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة في الفرض والنفل. وإن تعذّر عليه الانحناء وجب عليه تحصيله ولو بالاعتماد على شي ء ولو بأجرة ؛ فإن لم يتمكّن منه كاملاً حصّل الممكن ، وإلّا أومأ.

ص: 315

ومَن كان في هيئة الراكع خلقةً أو لكبر أو مرض لا يجب عليه الانحناء زيادة على ذلك للفرق كما قيل (1) ؛ لسقوطه مع تعذّره ، ولا يلزمه الإيماء حينئذٍ أيضاً ، لكن عليه نيّة الركوع. ولو زال المانع بعد الإتيان بالممكن كفى ولا يعيده ، وقبله يأتي به ، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة حينئذٍ.

ولو ركع وهوى للسجود قبل الرفع منه أو قبل الطمأنينة فيه سهواً صحّت صلاته وعليه سجود السهو كما لو هوى قبل ذكر الركوع أيضاً ، ولو هوى للسجود قبل الركوع سهواً انتصب وركع إن ذكر قبل السجود ، وإلّا بطلت الصلاة. ولا فرق في ذلك كلّه بين الرجل والمرأة.

ص: 316


1- شرائع الإسلام 1 : 75 ، قواعد الأحكام 1 : 34 ، تحرير الأحكام 1 : 39 ( حجريّ ) ، مسالك الأفهام 1 : 214.
الفصل السادس : في السجود
اشارة

يجب في كلّ ركعة سجودان بعد الرفع من الركوع. وهما ركن تبطل الصلاة بزيادتهما ونقصهما معاً مطلقاً ولو سهواً ، ويجب أن يأتي بهما أو بأحدهما إذا ذكر قبل الركوع ، فإن ركع بطلت الصلاة إن ترك سجدتي الركعة معاً ، وإن ترك سجدة واحدة من ركعة أو أكثر من أكثر أتمّ ثمّ قضى ما سها عنه ، ثمّ سجد للسهو ، وإن ترك سجدة بطلت صلاته وإن كان جاهلاً. وكذلك الحكم في الزيادة سهواً يتمّ ويسجد له ، وعمداً تبطل ولو كان جاهلاً. ولا فرق في شي ء من ذلك بين الركعات.

ويجب في كلّ سجدة السجود على المسمّى من الأعضاء السبعة : الجبهة وهي الركن وباطن الكفّين ، وإبهامي الرجلين سواء فيه رؤوسهما أو ظهورهما وبطونهما ، وعيّن الأوّل بعض (1) ، وظهري الركبتين. وهذه السبعة واجبة ومن المحلّ.

ولا يجب في الجبهة قدر الدرهم ، بل يجوز على مثل السواك وما يتحقّق به المسمّى. ويجب الاطمئنان حال وضع الكلّ بقدر واجب الذكر ، ولو رفع بعض السبعة بعد وضعه ثمّ وضعه لم يضرّ ، سواء أتى بواجب الذكر قبل رفعه أو بعد وضعه ، وسواء [ كان ] وضعه الأوّل بقدر واجب الذكر أو لا.

ص: 317


1- السرائر 1 : 225.

ويجب وضع الجبهة خاصّة على ما يصحّ السجود عليه ، ويجب ألّا يرتفع موضع الجبهة [ عن (1) ] الموقف بأكثر من عرض لَبِنَةٍ ، وقدّر بعرض أربعة أصابع مضمومة من مستوي الخلقة كالعكس على الأحوط الأولى ، ما لم يكن المكان منحدراً فإنه لا يضرّ فيهما ، ولا يجب ذلك في الستّة.

ولو كان في الجبهة قرح أو جرح ، فإن لم يستوعب المحلّ وجب حفر حفرة ليقع السليم منها على ما يصحّ السجود عليه ، ولو لم يتمكّن من السجود كذلك كما لو استوعبها سجد على الجبين الأيمن ، فإن تعذّر فعلى الأيسر ، وإن تعذّر سجد على الذقن. وقدّم الصدوقان السجود على الكفّ قبل الذقن (2).

ويجب أن يأتي بالممكن من السجود ولو بتقريب ما يصحّ السجود عليه ورفعه إلى حدّ الممكن ، ويسجد عليه ولو كان جالساً ، ويسقط حينئذٍ السجود على المسند ، فعلى أيّ نحو وضعت صحّ ، كما لو تعذّر وضع أحدها فإنه يأتي بالميسور منه خاصّة ، وإن تعذّر السجود بوجهه أومأ برأسه له وللرفع منه ، فإن تعذّر أومأ بعينيه لهما ، فإن تعذّر أومأ بأحدهما لهما ، ويجب أن يكون إيماء السجود أخفض من الركوع.

ولو وضع الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه جرّها إلى ما يصحّ من غير رفع ، فإن رفعها ووضعها بطلت صلاته على الأقوى الأظهر. ولا كذلك باقي المساجد ، بل هي كرفع أحد الرجلين حال القيام ، فإن رفع أحدها قبل الذكر الواجب وضعه وأتى به بعد الطمأنينة ، وليس مثل رفع اليدين ووضعهما فعل كثير.

ويجب في السجود مطلق الذكر على الأقوى كالركوع ، ويجب رفع الرأس من السجدة الأُولى والجلوس بعدها مطمئناً ولا حدّ له ، ولو على كور العمامة وما لا يصحّ السجود اضطراراً أو تقيّة صحّ. ويجوز الدعاء حال السجود للدين والدنيا ما لم يكن محرّماً.

ص: 318


1- في المخطوط : ( على ).
2- المقنع : 87.

ويجب على القارئ والمستمع لأحد آيات العزائم الأربع ، وهو الأحوط للسامع على الفور ، فإن تعذّر سجد متى تمكّن إذا طال الزمان. ويتمّ سببه بكمال الآية كلّها ، وإن كان لفظ السجود في وسطها فلا يجب حتّى يكمل الآية ، ويتكرّر بتكرّر السبب. ولا يشترط فيه الطهارة مطلقاً ولا الستر ولا القبلة ولا تكبير قبله ولا تشهّد بعده ولا سلام.

نعم ، لا بدّ فيه من النيّة ووضع الجبهة على ما يسجد عليه ومطلق الذكر له ، والأحوط وضع باقي المساجد.

في سجود السهو

ويجب سجود السهو بعد الصلاة لأسباب ستعرفها إن شاء الله الكريم. ويجب سجدتان وجلسة بينهما والطمأنينة في الكلّ ، ومطلق الذكر على الأقوى ، والأَولى باسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.

أو باسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّدٍ.

والطهارة والستر والقبلة وجميع شروط الصلاة (1). ويجب بعدهما تشهّد خفيف ، ويكفي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً : رسول الله عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولا يضرّ تكميله. وكلّ ما أوجبناه احتياط في العبادة وتحصيل ليقين البراءة ، والنصّ في بعضها ظاهر.

ص: 319


1- أي ويجب في سجود السهو ..

ص: 320

الفصل السابع : في التشهّد

وهو واجب غير ركن ، ومحلّه بعد الرفع من ثانية سجدتي الثانية مطلقاً في كلّ صلاة ، ومن ثالثة الثلاثيّة ورابعة الرباعيّة والمفردة أيضاً ، ففي المفردة والثنائية يجب مرّة وغيرهما مرّتين ، ويجب الجلوس له والطمأنينة فيه بقدره ، ويجب في كيفيّته ذكر الشهادتين والصلاة على محمّد : وآله ، فلو أتى ببعض ذلك قبل أن يطمئن جالساً أو هو آخذ في القيام أو قائم عامداً مختاراً بطل وعليه إعادته إن أمكن تداركه ، وإلّا بطلت الصلاة ، والأولى لمن أتى بشي ء منه قائماً وأمكنه تداركه أن يتداركه ويتمّ ويعيد. وصورته الواجبة أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً : عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّدٍ : وآل محمّدٍ. ويجب فيه الترتيب والموالاة كما ذكر ، ولا يجوز أن يبدله بذكر آخر ولو مرادفاً ، ولا أن يأتي به بغير العربية اختياراً ، ويجوز اضطراراً.

ويجوز للخائف من عدوّ ولمن صلّى مع من لا يُقتدى به ودخل معه في ثانيته إن لم يتمكّن منه جالساً أن يتشهّد قائماً بعد الاطمئنان لا وهو آخذ في القيام ، وذِكرُ القيام بعده ، فإن لم يتمكّن أتى بالممكن وسقط المعسور. والاحتياط والحزم في ألّا يحذف وحده لا شريك له ، ولا أحد حرفي العطف ، ولا أشهد من الثانية ، ولا عبده

ص: 321

منها ، ولا أن يضاف رسوله إلى غير محمّد : مطلقاً ، ولا أن تضيف الآل إلى غيره مطلقاً ، ولا أن تفصل بين عاطف آل وبينه ب- ( على ) ، ولا تغيير شي ء من هذه الصورة بوجه ، وإن كان الأشهر عدم وجوب جميع ذلك ، فلو قال رسول الله أو أسقط وحده لا شريك له أو عبده فغير بعيد الصحّة.

ومن لم يحسن التشهّد يجب عليه التعلّم ، وإن ضاق الوقت انتقل إلى الترجمة ، فإن عجز فإلى أيّ ذكر شاء ، مراعياً الأقرب فالأقرب.

ص: 322

تتميم

التسليم واجب داخل

كما هو أقوى الأقوال ، ومحلّه بعد التشهّد الذي بعد السجدة الأخيرة من الصلاة ، وله أحد صيغتين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخيّراً على الأقوى ، ويقع الخروج به ، ولا تجب نيّته ، وغير بعيد تعيين الثانية ، وكلّ منهما صورة سلام. والثانية أظهر فيه وأشهر ، فالأولى الإتيان بهما.

وعلى اختيار الثانية ، فقول ورحمة الله وبركاته واجب ، وما ورد من إسقاطه (1) محمول على التقيّة. والأحوط أيضاً في الإتيان بالصيغتين مقدّماً السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يجوز تغيير شي ء من ألفاظ الصيغتين بوجه أصلاً ؛ تبعاً للمنقول (2) ، وتحصيلاً ليقين البراءة في المخرج.

واعلم أن الترتيب في جميع أقوال الصلاة وأفعالها كالموالاة ، فلو أخلّ بالترتيب مطلقاً ولو ناسياً ؛ فإن قدّم ركناً على ركن بطلت مطلقاً ، أو على واجب بطلت ، إلّا ساهياً فإنّه يتمّ العمل به ويسجد للسهو ، أو قضاه إن كان يقضى ثمّ سجد له. وإن قدّم واجباً على واجب أعاد بما يحصل به الترتيب مطلقاً ما لم تفت ، وإلّا أتمّ وصحّت وسجد للسهو إن كان سهواً ، وإلّا بطلت الصلاة مطلقاً.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 6 : 426 - 427 ، أبواب التسليم ، ب 4.
2- وسائل الشيعة 6 : 426 - 427 ، أبواب التسليم ، ب 4.

وكلّ ما فصل به بين أجزاء العمل إن محا صورته أبطله ولو كان ذِكراً أو قرآناً مطلقاً ولو سهواً ، ويختلف في كلّ مكان بحسبه ، فالفصل بين أجزاء الكلمة يبطلها ولو كان يسيراً ، وبين الآيات مثلاً لا يبطلها إلّا ما يعدّ فاصلاً عرفاً ، وبين الحمد والسورة لا يعدّ مثل الكلمة والكلمتين فاصلاً ما لم يكن مبطلاً ، ومثل الدعاء والقرآن إن محا صورة العمل أبطله ، وإلّا فلا.

ص: 324

الباب الثاني : في بقيّة الصلوات الواجبة

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في الجمعة

وهي ركعتان في أصل الشرع ، وهي في زمن حضور الإمام أو نائبه الخاصّ واجبة عيناً ، وفي زمن الغيبة أقوال ، أقواها الوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، والقول بالعينيّة (1) ضعيف ، بل حكم جمع بحدوثه (2) ، وهو غير بعيد. والأحوط عدم صلاتها فيه ؛ لذهاب جمع من المتقدّمين (3) وبعض المتأخّرين (4) إلى تحريمها حينئذٍ ، فإن صلّيتَ فاحتط بالظهر بعدها. وعلى كلّ حال يشترط فيها الجماعة ، فلا تصحّ فرادى ، وهذا شرط في الابتداء لا مطلقاً ، فلو حدث على الإمام حادث ولم يؤمّهم

ص: 325


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 163 - 164 ، الكافي في الفقه : 151 ، الحدائق الناضرة 9 : 378 - 381.
2- عنهم في الحدائق الناضرة 9 : 397.
3- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الأُولى ) : 272 ، المراسم ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 376 ، السرائر 1 : 290.
4- منتهى المطلب 1 : 317 ( حجريّ ) ، الذكرى : 230 ( حجريّ ).

غيره أتمّوها جمعة ، وتدرك الجمعة بالاجتماع مع الإمام في قوس الراكع من الثانية. ولو منع المأموم الزحام عن السجود بقي واقفاً حتّى يقوم الإمام ثمّ يسجد ويلحقه ولو في السجود ، فإن لم يلحقه أتمّها جمعة ، وإن لم يمكنه لحوقه بعد الركوع الأوّل إلّا في سجود الثانية سجد وجعلها الاولى وأتى بركعة ، ولو لم يتمكّن من الركوع معه في الأُولى بقي قائماً حتّى يقوم ويركع معه في الثانية وأتمّ جمعة. فإن منع من السجود حينئذٍ سجد بعد رفعه وأتمّ جمعة ، فلو فاته حينئذٍ ركوع الثانية أيضاً فاتته الجمعة.

ويجب على الإمام نيّة الإمامة وعلى المأموم نيّة الائتمام ، وكون الإمام جامعاً لشروط الاجتهاد ، فلا يكفي في إمامها شروط إمام الجماعة ، وبدون الجامع لشرائط الفتوى لا تشرع ، والنصّ والاعتبار دالّان عليه ، وما قيل بخلافه ضعيف جدّاً.

العدد ، والأقوى أنه خمسة ، أحدهم الإمام ، وهذا أيضاً شرط في الابتداء ، فلو نقص بعد التحريمة أتمّ في جمعة ولو بفقد الإمام ، ولو لم يبقَ إلّا الإمام أتمّ جمعة على الأقوى.

والوقت ، والأشهر أنه وقت فضيلة الظهر ، وهو المثل ، وحكي عليه الإجماع (1) ، والمسألة مشكلة بعد ، والأقوى أنه قدر الخطبة والصلاة بعد الزوال ، وأنه من المضيّق كما في النصّ (2) ، وفيه إجمال ، ويتحقّق بالمثل ، فلو خرج الوقت ولم تُصَلّ صلّيت ظهراً ، ولو خرج وقد تلبس منها بركعة ، فإن كان دخوله منها بظنّ إدراك الائتمام فيه أتمّ جمعة ، وإلّا لم تشرع من أصلها ، ولا يصح للمخاطب بها أن يصلّي الظهر قبل صلاة الإمام ، وعليه الحضور ، ولو صلّى ظهراً فإن أدرك وإلّا أعاد ظهراً ، وهذا ليس على الوجوب التخييري.

والأمن في فعلها ، فلو خشي الضرر سقطت.

ص: 326


1- المنتهى 1 : 318 ( حجريّ ).
2- انظر وسائل الشيعة 7 : 315 - 320 ، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، ب 8.

والخطبتان فلا تكفي واحدة ، ولا بدّ من الجلوس بينهما ، ويجب في كلّ واحدة حمد الله والصلاة على رسول الله والوصيّة بتقوى الله في الأولى وقراءة سورة خفيفة فيها وفاقاً لجماعة (1) أو آية تامّة الفائدة ، وفي الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين مع النبيّ صلى الله عليه وآله. ويجب وقوعهما بعد الزوال قبل الركعتين ، والأحوط إسماع العدد والصلاة على أئمّة المسلمين في الأولى ، وعربيتهما ، وإن لم يفهم لما سوى العدد مع العجز عن التعلّم يسقط اعتبارها ، وقيل : تسقط الجمعة حينئذٍ. ويجب القيام فيهما مع القدرة والترتيب في واجباتها ، والأحوط اشتراط الطهارة من الحدث والخبث فيهما ، ولا تعادان لو حدث على الإمام بعدهما حدث وقام غيره مقامه ، ولا يشترط في النائب منابه حينئذٍ حضوره الخطبتين. فإذا فرغ الإمام من الخطبتين نزل وأقام المؤذّن وصلّى بهم ركعتين.

وإذا أذّن المؤذّن لها حرم البيع وغيره على من خوطب بها ، لكنّه لو باع انعقد وأثم ، ولو خوطب بها أحد المتبايعين حرم عليه خاصّة. ويحرم السفر بعد الزوال قبل أن تصلّى ، والأحوط الأولى عدم تغاير الإمام. ولا فرق بين من يخطب على ظهر قلبه أو من قرطاس. وواحدة الجمعة في أقل من فرسخ ، ولو في مصرين ، فلو قصرت مسافة بينهما عن الفرسخ ؛ فإن اقترنا بأن أحرم الإمامان دفعة بطلتا ، ( وتسد المسافة وآخر طرفي الصفوف ) (2) ويعيدون جمعة واحدة إن بقي ، وظهراً إن خرج. وإلّا بطلت المتأخّرة منهما خاصّة ، ويصلّون جماعتها مع الأولى إن أمكن وإلّا ظهراً ، ولو اشتبهت السابقة مع الجزم أعادوا جميعاً ظهراً للقطع بها ، ولو اشتبه السبق والاقتران ولو متجدداً أعادوا جمعة إن بقي الوقت وإلّا ظهراً. ولو أخبر الإمام بعد الإحرام بسبق أُخرى أعادها ظهراً ، ولا يصحّ إتمامها ظهراً.

والجمعة تجب على كلّ مكلّف ذكر ، حرّ ، صحيح ، حاضر فرضه الإتمام ، لكنّها

ص: 327


1- المبسوط 1 : 147 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 103 ، السرائر 1 : 292 ، المختصر النافع : 87 ، تذكرة الفقهاء 4 : 66 / المسألة : 407.
2- كذا في المخطوط.

تنعقد بأحدهم ، ولو حضر الصبي والمجنون والمرأة ومن كان بينه وبينها فرسخ وجب عليه الحضور ، أو أكثر منه وأقلّ من الفرسخين تخيّر بين الحضور وإقامتها عنده إن حصلت شرائطها ، وإن كان بينهما فرسخان [ فلا (1) ] يجب عليه الحضور ، بل إن أقيمت عنده صلّاها وإلّا حضر.

والأحوط الحضور لمن يدركها إذا غدا من أهله بعد الغداة إن لم تقم عنده. ويسقط وجوب حضورها أيضاً عمّن اشتغل بتجهيز ميّت ، أو رعاية مريض ، أو خائف على نفسه ، أو ماله ، أو من حبس ولو على حقّ عاجز عنه ، أو من التضرّر لشدّة الحرّ والبرد ، أو مطر أو وحل يشقّ عليه.

وكلّ من لم يجب عليه الحضور له أن يصلّي الظهر من أوّل الوقت ، ولو صلّى ثمّ حضر لم يجب عليه الحضور ، ولو أُعتق العبد أو نوى المسافر الإقامة بعد الزوال لم يجب عليه الحضور ، وهكذا في الباقي.

ص: 328


1- في المخطوط : ( ولا ).
الفصل الثاني : صلاة العيدين

وتجب جماعة على الأعيان إن حصل شرائط الجمعة العينيّة كلّها ، فإن اختلّ منها شرط كزمن الغيبة انتفى الوجوب ، والخطبتان فيها [ تابعتان (1) ] للصلاة وجوباً وندباً على الأقوى ، وهما بعد الصلاة ، ولا يجب سماعهما ، والأحوط اشتراط القيام بينهما إن وجبت ، وكيفيّتهما كالجمعة ، إلّا إنه يذكر هنا حال الفطرة والأضحية.

ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، ولو فاتت ولو عمداً لم تقضَ مطلقاً ، وكيفيّتها كالصبح ، وشروطها [ كشروطها (2) ] ، وتزيد عليها بخمس تكبيرات غير التحريمة بعد القراءة في الأُولى ، وبأربع في الثانية بعدها أيضاً غير تكبيرتي الركوع. ويقنت بعد كلّ تكبيرة من السبع ، ووجوب التسع والقنوتات هو الأشهر الأظهر.

ويحرم السفر بعد طلوع الشمس حتّى تصلّى ، إلّا إذا تمكّن من الوصول لما تقام فيه ويتمّ فيه ولو بالإقامة ، والأحوط العدم.

وإذا اتّفق جمعة وعيد واجب تخيّر مصلّي العيد بين حضور الجمعة فيصلّيها وعدمه فيصلي ظهراً ، والأولى اختصاص النائي بالتخيير ، إلّا الإمام فإنها لا تسقط ويعلمهم بذلك في الخطبة. ولو نسي شيئاً من تكبيرات الصلاة لم يقضه مطلقاً لكنّه

ص: 329


1- في المخطوط : ( تابعة ).
2- في المخطوط : ( كهي ).

يسجد للمشهور وبعدهما نسي كالتشهّد فيهما ، ولو شكّ في عدد التكبير بنى على اليقين ، أو في عدد الركعات أعاد ، ولو لم يدرك المأموم الإمام من أوّل التكبير يصبر إلى الثانية ، ويحتمل إتمامه قبل الركوع ولا يلحقه في الركوع.

ص: 330

الفصل الثالث : في الآيات

تجب صلاة الآيات فوراً على كلّ مكلّف باليومية عيناً للخسوفين والزلزلة والريح الصفراء والحمراء والصيحة الشديدة والصاعقة العظيمة ، وكلّ مخوف سماوي على الأقوى الأشهر ، ومرجعه إلى ما يخاف منه ويزعج أكثر الناس ، فلا عبرة بشديد ضعف النفس ولا بشديد قساوتها ولا تجب بخسوف كوكب.

ويثبت الكسوفان بالرؤية ، أو الشياع ، أو إخبار عدلين ، أو واحد عارف ، أو واحد مطلقاً على الأحوط. ووقتهما من الابتداء إلى تمام الانجلاء على الأشهر الأقوى. وفي الزلزلة العمر ، فتصلّي أداءً دائماً لأنها سبب. وفي باقي الآيات مدّة وجودها ، وإذا خرج الوقت في الخسوفين فلا قضاء مع العلم والإهمال مطلقاً ، أو احتراق فإنه يجب القضاء كما يجب في غيرهما عدا الزلزلة مع العلم مطلقاً. ولا تجب صلاة الآية إلّا مع سعة وقتها ، وفعلها مطلقاً كالزلزلة أحوط ، غير متعرّض في نيّتها مع ضيق الوقت عنها لقضاءٍ أو أداءٍ على الأحوط خصوصاً في الكسوفين.

ولو شرع في الصلاة ثمّ انجلت الآية لم يجب الإتمام ، كما لو أخبر بنقص الزمان عن أقلّ المجزي. ولو خرج الوقت المتسع لها ولما يتمّها أتمّها وجوباً ، وإن علم بالضيق في أثنائها خفّفها. ولا ترتيب بين الآية واليومية ، أو بين الآيات لو تعدّد

ص: 331

الفائت منها. وتصلّى أداءً لو استتر القرص بسحاب وهو منكسف ، أو طلعت الشمس والقمر منخسف ، أو غاب أحدهما قبل الانجلاء إلى أن يخبر به من أهل المعرفة بذلك. ولا خطبة فيها لو صليت جماعة. ولو كانت وقت فريضة من الخمس فإن اتسع لهما الوقت فأنت بالخيار في تقديم أيّهما شئت.

وإن تضيّق وقت أحدهما قدّمها ، فإن تضيّقا قدّم اليوميّة ، حتّى لو تبيّن له ضيق وقتها وهو في أثناء الآية قطعها وصلّى اليومية ثمّ قضى الآية من رأس ، لكنّه احتياط مع عدم التفريط ، والأحوط البناء ثمّ الإعادة مطلقاً.

ولو نذر صلاة في وقت معيّن ثمّ اتّفق فيه آية ، فإن وسعهما مطلقاً تخيّر ، إلّا أن يدخل وقت النذر وقد شرع في الآية فإنه يتمّها حينئذٍ ، وإن لم يسعهما صلّى المنذورة وقضى الآية احتياطاً ، حتّى لو دخل وقت المنذورة وقد شرع في الآية فإنه يقطعها حينئذٍ ويأتي بالمنذورة ويقضي الآية احتياطاً.

ولو وقعت آيتان في وقت فإن وسعهما تخيّر ، وإلّا فإن كان أحدهما أحد الكسوفين قدّمه وقضى الآخر احتياطاً ، وإلّا فإن سبق أحدهما بجزءٍ ما قدّمه وقضى الآخر احتياطاً ، وإلّا تخيّر وقضى الآخر احتياطاً. ويحتمل القرعة مع الإمكان.

هذا كلّه إن لم يكن أحدهما الزلزلة فإنها تؤخّر مطلقاً لسعة وقتها وكونها أداءً دائماً.

ويشترط في الآية كما يشترط في الثنائيّة ، وتزيد بأنه يركع في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات.

وصورتها أن ينوي ويحرم ويقرأ الحمد ثمّ سورة ثم يركع ، ثمّ يقرأ الحمد وسورة ثمّ يركع ، وهكذا خمس مرّات ، ثمّ يسجد بعد رفعه من الخامس سجدتين ، ثمّ يقوم ويفعل كما فعل في الاولى ، ثمّ يجلس ويتشهّد كاليوميّة وجوباً وندباً.

ويجوز هنا تفريق السورة على [ الخمسة (1) ] الركوعات ، وقراءة سورة في واحد

ص: 332


1- في المخطوط : ( خمسة ).

وسورة [ في ] الأُخر في كلّ ركوع جزءاً إلّا إنه لا بدّ من إكمال سورة في الركعة. ومتى ركع عن سورة أو بعض سورة وأراد أن يقرأ من سورة أخرى أو من غير ما ركع عليه أعاد الحمد. وإن قرأ في الركوع الثاني من حيث قطع لا يعيد الحمد ، وإذا لم يدرك المأموم الإمام إلّا وقد فات بعض ركوعات الاولى صبر حتّى يدخل في الثانية فيدخل معه إن اتسع الوقت ، وإلّا صلّى منفرداً كما لو لم يدركه إلّا وقد فاته بعض ركوعات الثانية مطلقاً.

ص: 333

ص: 334

الفصل الرابع : فيما يُلزم به المكلّف نفسه بنذر وشبهه وبإجارة من الصلوات

ويجب كما ألزم نفسه كيفيّةً وكميّةً وماهيّةً ومكاناً وزماناً مطلقاً على الأقوى الأشهر فيهما ، ومع المزية فيهما إجماعاً ، فلو لم يأتِ به كما التزم لم يصحّ ووجب عليه الكفّارة في الأوّل ، ولم يستحقّ الأجرة في الثاني. ولو نذر أكثر من ركعتين سلّم على كلّ ثانية ولو لم يعيّنه ، ولو نذر خمس ركعات صلّى ثلاثة متّصلة كالمغرب وثنائية ، وغير بعيد إجزاء رباعيّة ومفردة. ولو نذر صلاة وأطلق [ كفى (1) ] ركعتان ، وقيل واحدة ، ولا تنصرف معه إلّا إلى ذات الركوع والسجود.

ولو نذر الآية والعيد وجبت في وقتها ، ولو نذر واجبة أو مندوبة معيّنة صحّ ووجب المندوب. ولو لم يكن بقيد النذر بوقت كان وقته العمر ، ويتضيّق بترجّح الموت ما لم يكن مؤقّتاً فإن وقته وقته.

ويشترط في المنذورة ما يشترط في غيرها من الواجبات ، فلو نذر مع ترك شرط لم يصحّ ، ولو نذر ركعة صحّ ، ولو نذر واجبة أو معيّنة أو مندوبة لم يلزمه

ص: 335


1- في المخطوط : ( في ).

مندوباتها ، ولو نذر نافلة الليل لزمه ثمانٍ خاصّة ، ولو نذر نافلة فله أن يصلّيها سفراً على الراحلة ، ولو نذر واجبة معيّنة في غير وقتها لم ينعقد ، ولو نذر صلاة في يوم معيّن فتجدّد له فيه عذر مسقط فعليه القضاء دون الكفارة كما لو تركه عمداً إلّا إن عليه الكفّارة.

ويتحقّق الإخلال بالنذر بترك قيد من قيوده ، فإن تركه عالماً عامداً مختاراً أثم أيضاً وكفّر ، وهل ينحلّ عنه النذر حينئذٍ فلا تتعدّد الكفّارة لو تعدّد ، أم لا فيجب في الآخر وتتعدّد بتركها فيه بعدده؟ الأشهر الانحلال وعدم تكرارها ، والأحوط عدم الانحلال. وإلّا فلا انحلال ولا إثم ولا كفّارة. ولو عجز عن المنذور انحلّ ولا كفّارة.

ولو نذر في وقت عبادة مضيّقة أو اتّفق تضيّقها ولم يكن فيه جامعاً لشروط التكليف أو لم يسلم له منه ما يسعها أو تجدّد العجز فيه مطلقاً ، فلا نذر ولا قضاء.

ولو نذر الطهارة كفى الوضوء أو التيمّم مع تعذّر الماء كما لو نذره. ولو نذر صلاة لم تجزِ الفريضة مطلقاً ، ولو نذر فريضة فإن عيّن تعيّنت ، وإلّا أجزأ ما ينوي به أدّاه (1) منها مطلقاً ، وتداخلا فيهما. ولو نذر ركوعاً أو سجوداً من صلاة لزمه ركعتان أو ركعة على وجه ، وغير بعيد اللزوم مع الإطلاق أيضاً ، والسجود خاصّة إن كان هو المنذور. ولو نذر الصلاة في وقت كراهة لزمه. ويشترط في صحّة نذر الزوجة والولد والمملوك إذن الزوج والأب والمالك على الأشهر الأقوى ، ولا يتعدّى إلى الجدّ والأُمّ. وكالنذر العهد واليمين في جميع ما ذكر.

وممّا يلزم المكلّف من الصلاة ، الصلاة بالإجارة ، ويجب على الأجير أن يأتي به كما استؤجر بشروطه وقيوده من كيفيّة وزمان ومكان وغيرها إذا كانت مشروعة ، سواء كانت بتسليم بعد كلّ ركعتين أو كاليوميّة.

ويشترط في الأجير العدالة لعدم الركون لخبر غير العدل لا لعدم صحّة عمله.

وعدم نقصان صلاته عن الأصل ، فلا يستأجر العاجز عن فعل أو قول عن القادر

ص: 336


1- كذا في المخطوط.

عليه على الأقوى الأحوط ، أمّا لو تجدّد العجز للنائب فهل تنفسخ بنفسها ، أو تتوقّف على الفسخ ، أو الصحّة والرجوع إلى الأرش وهو التفاوت بين اجرة الفعل كاملاً وناقصاً أو الصحّة بلا أرش ، فالميسور مع تعذّر المعسور كالكامل؟ وجوه [ أقواها (1) ] الأخير ، وأحوطها الأوّل.

والبلوغ ، فلا يكفي تمييز الصبي.

هذا كلّه إذا كان الاستئجار واجباً ، كالوصيّة على الوصي ، فإنه يجب عليه إنفاذ الوصيّة على وجهها. أمّا المتبرّع بها فلا يشترط في صحّتها إلّا مطابقة المشروع. ولو عيّن على النائب زمن مثلاً تعيّن ، فإن خالف فلا اجرة له ، وإن لم يعيّن عليه وقتاً فموسّع عليه. ولا تجب عليه على الفور ولا المستحبّات إلّا مع الشرط. والعبرة في الجهر والإخفات بحال النائب لا المنوب عنه.

وليس عقد الإجارة ناقلاً لما في ذمّة الميت إلى ذمّة الأجير حتّى تبرأ بمجرّده ، بل لا تبرأ إلّا بالإتيان به ، فلو لم يأت به وجب الاستئجار على الوصي مثلاً اخرى. ويجب عليه استرجاع الأُجرة ممّن لم يقم بالعمل ، فإن تعذّر فإن كان تفريطه فهي عليه ، وإلّا فلا تسقط الإجارة عنه حينئذٍ إن لم يبقَ لها أصل يتدارك به. ويجب الترتيب على النائب إذا شرط إجماعاً ، وبدونه في الأيام فترتب كلّ يوم بحسب البداية ، فإن عيّنت تعيّنت ، وإلّا فله الابتداء بأي الخمس شاء ، فيرتّب باقي اليوم عليه ، وله الابتداء في يوم بالصبح وآخر بالظهر وهكذا ، لكن يرتّب باقي اليوم عليه ، وليس له أن يصلّي صبح شهر مثلاً ولاءً ثمّ ظهره كذلك على الأقوى. وتجوز نيابة الرجل عن المرأة والعكس.

ص: 337


1- في المخطوط : ( أقواه ).

ص: 338

الفصل الخامس : في قضاء الفوائت
اشارة

الإتيان بالصلاة ثانياً في وقتها مطلقاً تسمّى إعادة ، وفي غير وقتها لعدم الإتيان بها فيه يسمّى قضاءً ، فيجب القضاء على من لم يأتِ بالصلاة في وقتها مطلقاً حتّى لو كان بسبب شربه أو أكله مسكراً لم يعلم أنه مسكر إذا كان مسلماً مكلّفاً بها في وقتها. ولا قضاء على من لم يبلغ ولا على المجنون إن استوعب الوقت ولا على الحائض والنفساء ولا على المغمى عليه وإن كان بسببه. والقضاء حينئذٍ أحوط كجعل المغمى عليه كالسكران إن استوعب المسقط الوقت في الثلاثة أيضاً.

وتقضى كما كانت قصراً ولو حضراً ، وتماماً ولو سفراً ، والعبرة بحال الفوات لا الأداء ، فلو سافر آخر الوقت وفات قضاها قصراً وبالعكس. ولا قضاء للجمعة ولا للعيدين مطلقاً. والأحوط قضاء الصلاة إذا صلّيت حال فقد الطهورين ما لو لم يصلّ حينئذٍ فعليه القضاء لوجوبها عليه حينئذٍ.

ووقت القضاء من حين الذكر ، ولا يجب على الفور ما لم تتضيّق حاضرة فتقدّم إجماعاً (1). ويسقط القضاء عن الكافر إذا أسلم ، ويقضي المرتدّ مطلقاً صلاة زمن ردّته ، ولا يقضي المخالف إذا آمن إلّا ما أخلّ به عندهم.

ص: 339


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 561.

وتقضى الجهريّة جهراً ولو نهاراً ، والسريّة إخفاتاً ولو ليلاً. والعبرة بحاله حين القضاء لا الفوات ، فيقضي القادر على القيام مثلاً ما فاته وهو عاجز عنه ، وبالعكس. ويجب ترتيب الفوائت ، فلو فاته فرض من الجمعة وآخر من السبت قدّم الأوّل واحتياطه وسجدة سهوه مطلقاً وأجزاءه المنسيّة المقضيّة. ويسقط وجوب الترتيب إذا جهل المتقدّم ، ولا يجب التكرار حتّى يحصّله. وجميع واجبات الأداء وشروطه معتبرة في حال القضاء به بحسب الإمكان ، إلّا فيما عرفت فيقضي بحسب الميسور ، وإلّا في الطهارة مطلقاً ، فلا يصحّ مع فقد الطهورين ، بل يؤخّر حتّى يتمكّن من أحدهما إلّا أن يتضيّق بظنّ الموت فيصحّ بدونها.

ولو فاتته صلاة واحدة من يوم ولم يعلمها قضى ثنائيّة وثلاثيّة معيّنتين ورباعيّة مطلقة ينوي بها ما في ذمّته ، ويتخيّر بين الجهر والإخفات. ولو كان حينئذٍ مسافراً فبدل الرباعيّة ثنائيّة مطلقة ، مخيّراً بين الجهر والإخفات ، وثلاثيّة معينة. ولو لم يعلم بأنها سفريّة أم حضريّة فثنائيّة مطلقة وثلاثيّة معيّنة ورباعيّة مطلقة.

ولو كان الفائت فرضان من يوم صلّى ثنائيّة ثم رباعيّة مطلقة ثم ثلاثيّة ثم رباعيّة مطلقة ، فإن كان حينئذٍ مسافراً قضى ثنائيّتين مطلقتين وثلاثيّة بينهما. ويتعيّن على من فاتته رباعيّة في أحد الأربعة وهو مسافر القصر خصوصاً إذا قضيت في غيرها. ولو فاتت صلاة لا يعلم كم فرض هي ، فإن علم أنها كلّها من صنف ثنائيّة صلّى ثنائيات مثلاً حتّى يعلم عدد ما قضى أو يغلب على ظنّه الوفاء ، وإلّا ثلاثاً وأربعاً واثنتين حتّى يغلب على ظنّه الوفاء.

ومن ترك الصلاة عمداً ، فإن كان مستحلا قتل ، إلّا أن يدّعي شبهة تمكن في شأنه ، وإلّا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد عزّر ، ويقتل في الرابعة. ولو ترك ما اختلف فيه من شروطها لم يقتل ؛ لأنه ليس من ضروري الدين ، لكنّه يعزّر.

ويجب على أكبر الولد الذكور أن يقضي عن أبيه ما فاته من صلاته أو صومه من غير تفريط ، فإن تساووا قسّم عليهم بالسوية ، ولو كان عند الموت غير بالغ قضى بعد

ص: 340

البلوغ. ولا يقضي ما تركه الأب عمداً ولا عن الجدّ ولا عن الأمّ ، ولا تقضي البنت مطلقاً ، والأحوط قضاؤها إذا لم يكن ابن ، وعن الميّت مطلقاً أباً كان أو امّاً حرّا كان أو عبداً ، وكما فاته مطلقاً.

ولو أوصى الميّت بالقضاء سقط عن الوليّ ، وإذا عيّن لها اجرة فمن الثلث.

وهل لمن وجب عليه القضاء من وليّ يستأجر عليها؟ الأحوط العدم بناءً على [ مخاطبته (1) ] بها. والصلاة عن الحيّ لا تقبل النيابة ، ولو تبرّع بها متبرّع لم تبرأ ذمّة الوليّ ، ووجوبها على الولي لا يدور على وجه الحياة ، فهي واجبة عليه وإن لم يكن ، وعليه أن يقضي عنه أيضاً صلاة الطواف والآيات.

تتمّة في صلاة الطواف

صلاة الطواف واجبة في الواجب مطلقاً ، وتجب بإيقاع واجبها خلف المقام بقربه تحت السقف حيث هو الآن ، فإن تعذّر فخلفه إلى الطاق ، فإن تعذّر فإلى أحد جانبيه ، مراعياً الأقرب فالأقرب ، فإن تعذّر فحيث أمكن من المسجد ولو أمكن خلفه بقربه (2) في وقت آخر وبما ذكر على الترتيب المذكور ، ووجب التأخير إن اتّسع الوقت ولم ينافِ السعي.

وكيفيتها وشروطها كالصبح ، ولو تركها ناسياً وخرج فعليه الرجوع ، وإن تعذّر صلّى حيث يمكن.

ص: 341


1- في المخطوط : ( خطابه ).
2- كذا في المخطوط.

ص: 342

الباب الثالث : في حال الصلاة

اشارة

الباب الثالث : في حال الصلاة (1)

وفيه فصول :

الفصل الأول :

يبطل الصلاة ولو نفلاً قول : ( آمين ) في أيّ حالة منها حتّى بعد دعاءٍ أو في أثنائه ، بل ولو في دعاءٍ وارد بها على الأحوط الأولى ، سواء اعتقد وجوبها أم لا ، إلّا التقيّة فيجوز مطلقاً ، وقد تجب حينئذٍ. ولو تركها مع وجوبها عيناً فلا شكّ في عصيانه ، وفي الإبطال إشكال.

ووضع إحدى اليدين على الأُخرى مطلقاً بأيّ نحو كان وفي أي حالة من الصلاة [ سواء ] اعتقد إبطاله أم لا ، ولا بأس به حال التقيّة ، ولو ترك حينئذٍ فحكم التأمين وحال الضرورة ولو في غير تقيّة.

والكلام كما هو ظاهر الفقهاء وأهل اللغة : النطق بحرفين مطلقاً ، أو حرف واحد مفهم معنًى ، وترك هاء السكت حينئذٍ لحن أيضاً ، وفي أي جزء منها وقعت حتّى لو لم يكن باختياره وإن لم يأثم ، والإتمام حينئذٍ مع الإعادة أحوط. ولا فرق بين كونه

ص: 343


1- في المخطوط : ( الباب الرابع ).

من نفخ أو قهقهة أو سعال أو تنخّم أو تأوّه أو أنين أو غيرها ، ولا بين كونه لأجل الصلاة أو لا. ولا يبطلها القرآن وإن لم يقصد ، بل للإفهام للغير. هذا في المختصّ به ، وأمّا في المشترك فلا بدّ من القصد. ومثله الدعاء ولو بفرد ما لم يشتمل على محرّم فيبطلها.

ومن الكلام المبطل التسليم في غير محلّه مطلقاً ، وسلام المصلّي على آخر. ولا يبطلها خروج الصوت في سعال وغيره وإن طال زمنه على الحرفين.

وهل إشارة الأخرس كالحرف لقيامها مقام لفظه فتُرَاعى كما يُرَاعى في الإبطال وعدمه به [ أو ] أن الكلام هو المؤلّف من الحروف والأصوات وهو منتفٍ عنها ، فلا يراعى ذلك؟ وجهان ، والأولى المراعاة ؛ لأنها كنطقه مطلقاً.

والبكاء ولو بمجرّد خروج الدمع من غير اشتماله على صوت أو كلام إن كان للدنيا ، أمّا الخوف من الله أو رجاه فهو حسن مرغّب فيه مطلقاً ، بل أُمر من لم يستطعه بالتباكي كذلك في كلّ حالة.

والقهقهة وهي الضحك المشتمل على صوت وإن قلّت. والتبسّم وهو ما لا يشتمل من الضحك على صوت لا يبطلها. ولا فرق في البكاء والقهقهة المبطِلَين بين الاختيار وغيره ، ولكن لا يتمّ في الاضطراري.

والسكوت الطويل ، والفعل الكثير الماحي لصورتها ، وعدم اعتبار المحو أحوط. وميزان الكثرة العرف ، وقد تمحى القراءة دون الصلاة فتعاد وحدها.

والإشارة باليد والرأس ، ولبس النعال وخلعه ، والثوب السريع لبسه ونزعه ، ومناولة الشي ء السريعة ، وقتل الحيّة والعقرب ، وغسل الدم إذا لم يستلزم أمراً آخر ، وكلّ ما ورد النصّ بفعله ، ولا يعدّ ذلك فعلاً كثيراً وإن سمّي بعضه كثيراً لو صحّ ؛ لعدم المحو ، لكن لا يتخطّى ، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله : يضع عمامته ويرفعها في كلّ ركعة ويضع ابنه ويحمله وابنة بنته في الصلاة (1).

ص: 344


1- السنن الكبرى 2 : 372 / 3421 - 3423.

ويعدّ مثل الوثبة كثيراً ، وتحصل الكثرة من القليل لو توالى في الركعات.

ويجوز للمصلّي عدّ الركعات بإصبعه أو بشي ء معه ، وينوي العدّ في ضميره بلا نطق.

والأكل والشرب إذا كثر على الأقوى ولو عن إكراه ، ويجوز ابتلاع ما بين الأسنان وما يذوب من السكّر في الفمّ. ولا تتحقّق الكثرة بالشرب مرّة ، والأحوط التجنّب ولو لم يحصل الكثرة ولو بمضغ العلك. ولو نذر ما يسوغ فيه الأكل والشرب من النافلة كانت كالفريضة ، فلا يسوغ فيها.

والالتفات إلى دبر القبلة بشي ء ممّا يجب استقبالها به من بدنه ، أو يميناً أو يساراً بجميعه.

هذا كلّه إذا لم يقع شي ء ممّا ذكر سهواً ، فإن وقع كذلك لم يبطلها إلّا الالتفات إلى دبر القبلة فإنه مبطل مطلقاً كالفعل الكثير الماحي على الأقوى فيه. والأحوط في البكاء الإبطال مطلقاً.

ويحرم قطع الصلاة الواجبة على الأقوى إلّا لضرورة دينيّة كإنقاذ مؤمن أو الدخول مع إمام الأصل في الصلاة ، أو دنيويّة كإنقاذ مال.

وهل تصحّ الصلاة لو أتى بها مع سعة الوقت مَن عليه دينٌ وقد طالبه به الغريم ، ومَن عليه زكاة وشبهها من الحقوق الماليّة مع وجود المستحقّ وطلبه له ولو عموماً ومعرفته به ، أم لا؟ قولان ، والأقوى الثاني كما عليه بعض ، فلا تصحّ إلّا إذا ضاق الوقت ، فإنها تصحّ حينئذٍ إجماعاً.

ص: 345

ص: 346

الفصل الثاني : في مبطلات الصلاة

تُبطل الصلاةَ مطلقاً ولو جهلاً أو سهواً مخالفةُ الترتيب المذكور.

ونقصان ركن من الخمسة ، وهي : النيّة ، والقيام ، وتكبيرة الإحرام ، والسجدتان من ركعة واحدة ، والركوع. إلّا إنه إن تداركه قبل الدخول في ركن آخر أتى به وبما بعده تحصيلاً للترتيب وصحّت ، كمَن تدارك التحريمة قبل الوصول إلى قوس الراكع وأتى بهما قائماً مطمئناً وبما بعده ، أو تدارك الركوع في القيام المتّصل به قبل السجود. ولو هوى متعمّداً وأتى به بعد القيام مطمئناً صحّت ، وهكذا في الباقي ، وإلّا بطلت ، كمن ترك التحريمة حتّى ركع ، أو الركوع حتّى وضع جبهته على المسجد ، أو السجدتين حتّى وصل إلى قوس الراكع.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الأُوليين وغيرهما ، ولا بين الصبح أو المغرب وغيرها ، ولو نقص من عدد الركعات وسلم وتكلّم ثمّ ذكر ولم يستدبر أو يفعل المبطل مطلقاً أتمّها وسجد للسهو. ولو نقص سجدتين ولو لم يعلم أنهما من ركعة أو ركعتين بطلت.

وزيادة ركن إلّا النيّة مطلقاً. والركوع والسجود في بعض أحوال المأموم وفي الاحتياط على وجه. ولو ذكر في الركوع أنه خامس فإن ذكر أنه تشهّد قبلها وسلم

ص: 347

صحّت وإن ترك بعض الواجبات سهواً لخروج الزيادة ، وإلّا أعاد مطلقاً على الأقوى ، فإن كان قبل الركوع جلس وتشهّد وسلم وسجد للسهو ، ولو ذكر في الركوع أنه ركع قبلُ بطلت. ولا يكفيه إرساله نفسه منه.

والشكّ في عدد الثنائيّة مطلقاً ، كالصبح والمقصورة والآية والعيد والطواف والملتزمَة. وفي عدد الثلاثيّة ولو مُلتَزَمة ، وفي عدد أُوليي الرباعيّة ولو مُلتَزَمة. والشكّ في عدد غير معيّن كَمَن لم يدرِ كم صلّى.

ومَن شكّ أنه صلّى أم لم يصلّ ، فإن كان في الوقت لزمه أن يصلّي ، وإلّا فلا قضاء.

أو زيادة السجدتين لا يدري هما من ركعة أو ركعتين سهواً. والإتمام والإعادة أحوط.

واستدبار القبلة بها ، وإلى محض اليمين أو الشمال ، سواء تبيّن له ذلك قبل وسَهَا أو بعد ، لكن إذا بقي الوقت. والأحوط في المستدبر الإعادة مطلقاً. والمتعمّد فيها يعيد مطلقاً ولو بانحرافٍ ما.

والسجود على موضع نجس مطلقاً. وغير بعيد تخصيص جاهل النجاسة بالإعادة دون القضاء ، لا جاهل الحكم.

وفساد الطهارة وتركها وعروض الناقض لها فيها مطلقاً ولو قبل التسليم.

والسكوت الماحي لصورتها ، وكلّ فعل يمحو صورتها مطلقاً. ولا يضرّ نقص مندوب ولا زيادته مطلقاً ، إلّا أن يُنشئ منه شيئاً ينافي على الأشهر.

ص: 348

الفصل الثالث : الخلل الواقع في الصلاة

من أخلّ عمداً بواجب أو شرط أو جزء من أحدهما أو كيفيّة في أحدها كالترتيب والطمأنينة أو فعل ما يجب تركه مطلقاً أو زاد واجباً عمداً بطلت صلاته ولو كان جاهلاً بالحكم أو بالصحّة والفساد ، وإلّا في الجهر والإخفات فيعذر الجاهل كالناسي فيهما ، وإلّا في الضرورة فلا يجب إلّا الميسور كما مرّ.

ص: 349

ص: 350

الفصل الرابع : في السهو
اشارة

كلّ مَن نسي واجباً غير ركن وسجدة واحدة من كلّ ركعة أو جزأه أو السجود على غير الجبهة من السبعة ، فإن نسيان السجود على الجبهة في سجدتين من ركعة يفوّت الركن ، فإن ذكره ومحلّه باقٍ أتى به وبما بعده وصحّت صلاته ، ومحلّ استدراكه ما لم يستلزم زيادة ركن.

ومن سَهَا وأتى بما لم يبطلها مطلقاً كالأكل والشرب ، والكلام غير المستثنى ، والفعل الكثير غير الماحي على ما هو الأقوى ، والقهقهة ، والبكاء للدنيا وإن كان الأحوط فيه الإعادة مطلقاً أو انكشاف العورة من غير علمه ، لم تبطل صلاته أيضاً. فمن نسي واجباً من واجبات سجدة حتّى رفع ، أو من واجبات الجلوس بينهما حتّى سجد ، أو وضع غير الجبهة من المساجد حتّى رفع ، مضى وصحّت.

ولو نسي القراءة أو بعضها ، أو واجباً فيها ، فإن ذكر قبل الركوع أتى به وبما بعده حتّى السورة بعد الحمد ولو كان منهما ، وإلّا مضى وصحّت.

ومَن نسي الرفع من الركوع أو طمأنينته ، فإن ذكر قبل الدخول في السجود رفع مطمئناً ، وإلّا مضى.

ومَن نسي السجدتين فإن ذكر قبل أن يركع أتى بهما ، وإلّا بطلت. ومِن نسي

ص: 351

واحدة وذكرها قبل الركوع إن نسي معها الجلوس قبلها أو طمأنينة أتى به وسجد ، وإلّا سجد خاصّة ، وإلّا مضى.

ومَن شكّ في الجلوس بعد الأُولى أتى به وسجد ما لم يتجاوز محلّه.

ومَن نسي التشهّد أو بعضه أو واجباً فيه فإن ذكر قبل الركوع أتى به ، وإلّا مضى.

ومَن نسي السجدة الأخيرة أو التشهّد الآخر أو بعضه أو واجباً في أحدهما أتى به وبما بعده كغيره ولو بعد التسليم ما لم يقع منه المبطل مطلقاً.

ومَن نسي واجباً من سجدة فإن ذكر قبل أن يرفع أتى به ، وإلّا سجد ما لم يدخل في الثانية فإنه حينئذٍ يمضي ، وكذا الجلوس بينهما.

ومتى لم يذكر المنسيّ إلّا بعد تجاوز محلّه فإنه يمضي ولا يعود له ، فإن كان عمداً أو جهلاً بطلت صلاته ، وإن كان سهواً لم تبطل ، لكن ألّا يعيد ما أتى به من ذكر وغيره قبل ، فإن أعاده بعده سهواً أيضاً لم تبطل إلّا أن تمحى صورة الصلاة به.

والحاصل أنه متى نقص جزءاً وأمكن الرجوع إليه أتى به ما لم يدخل في ركن ، وإلّا مضى وصحّت. ومن زاد في الصلاة مثل ذكر أو دعاء أو تكبيرة أو قراءة لا توجب القرآن الممنوع ، لم تبطل ؛ سهواً كان أو عمداً ولو قصد الجزئيّة لا الذكر المطلق ، والأحوط حينئذٍ الإتمام والإعادة. ولا تبطل لو رفع غير الجبهة من الستّة حالة السجود ووضعها فيه ، والأحوط التجنّب خصوصاً مع نيّة السجود. ولو زاد مندوباً لم تبطل وإن قصد المشروعيّة وإن أثم حينئذٍ.

ومن نظر لمحرّم لم تبطل ، ومَن زاد قياماً ولم يأت بعده بركن جلس وأتم ، وكذا لو زاد تشهّداً سهواً أو سجدة واحدة سهواً فإنها لا تبطل. ومَن سَهَا عن باقي صلاته فكبّر لأخرى فذكر فهل يعدل للأُولى ويتمّها أو تبطل؟ الأولى البطلان ؛ لنيّة القطع مع فعله ، والاحتياط لا يخفى. ولو سَهَا في فرض وظنّ أنه نفل لم يبطل ، فهي على ما أُقيمت له أوّلاً. ومن ذكر بعد القيام للثالثة أو بعد الرفع من السجود أنه نسي السجدتين من الأولى والركوع من الثانية فقد سلمت له ركعة واحدة ويتمّ صلاته ،

ص: 352

وما زيد حينئذٍ من قراءة أو تشهّد سهواً لم يضر.

تنبيه

الجاهل معذور لو أخلّ بالجهر والإخفات فجهر في غير محلّه أو أخفت في غير محلّه كالساهي ، وفي إتمام المقصورة ، والناسي هنا يعيد في الوقت ، وعلى الأحوط يقضي في خارجه. ولا إعادة على الجاهل بغصبيّة الثوب أو المكان أو الماء أو المسجد أو بنجاسة الثوب أو البدن أو الماء أو المسجد أو بكون الجلد جلد ميتة إذا شراه من سوق المسلمين أو أخذه من مسلم لا يستحلّ جلدها على الأحوط ، ومَن لا يعلم أن اللباس أو المسجد من جنس ما يصلّى فيه لم تصحّ صلاته لوجوبه ، ولا تصحّ إذا استعمل المشكوك في أنه حرير أم لا ، أو جلد ميتة أم لا ، أو ذهب أم لا. ولا عبرة بالشكّ مع يقين الأصل أو أمارة شرعيّة على أحدهما.

تتمّة

لا حكم للسهو في النافلة إن لم يكن المنسيّ ركناً ، ولا يسجد له ، ولا في صلاة الجنازة ، ولا في سجود التلاوة ، ولا في سجود السهو ، ولا يسجد لترك المندوب ولا لزيادته ، والأحوط حينئذٍ السجود.

ولو نقص [ من (1) ] الواجبة أو زاد فيها ما لا يبطلها سهواً صحّت ولم يجب قضاء المنسيّ بعد التسليم ، إلّا أن يكون المنسيّ التشهّد أو بعضه على الأقوى ، خصوصاً إحدى الشهادتين أو سجدة من الركعة ولو من أكثر من ركعة ، فإنه يجب الإتيان به بعد التسليم بلا فصل أصلاً ، مستقبل القبلة جامعاً لجميع شروط الصلاة الممكنة.

ولو تعدّد المنسيّ منهما قدّم الأوّل إن عُلم. ولو تخلّل المنافي من الصلاة والمنسيّ فالأولى عدم البطلان ، والأحوط أنه إن كان ممّا يبطلها عمداً ووقع سهواً أتى به وسجد له بعد السجود له. ولو كان المنسيّ من التشهّد لفظة واحدة أتى بها

ص: 353


1- في المخطوط : ( في ).

وبما تتمّ به الجملة ، والأولى الإتيان بجميعها بعدها إن كان.

ولو اجتمع الجزء المقضيّ مع صلاة الاحتياط قدّمت ، كما تقدّم صلاة الاحتياط على سجود السهو وإن تأخّر موجب الاحتياط عن موجب سجود السهو. والأقوى الأحوط وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة أو نقيصة تبطل الصلاة عمداً فقط ، ويتعدّد بتعدّد السبب اتّحد نوعاً أو اختلف ، توالى السببان أم لا ، بل لا خلاف ، ويجب ترتيبها وتقديم السجود للسابق من الأسباب مطلقاً ، إلّا أن ينسى الترتيب فيسقط كلّاً أو بعضاً ، وقيل : الأولى تقديم ما سببه النقص إن ذكر.

ولو تبيّن له خطأ ترتيبه بعد السجود لم يُعِد ، وهي (1) أحوط.

ومَن تعدّد الكلام منه سهواً تعدّد عليه السجود إن تحقّقت فواصل بينه جزماً ، وإلّا فعليه سجود واحد. ومَن أتى بصيغ التسليمات الثلاث سجد ثلاثاً ، ويحتمل سجوداً واحداً. ولو تبيّن له في أثناء الجزء المقضيّ أو السجود صحّت الصلاة مطلقاً ولا شي ء. ومَن أخّر السجود عن دبر الصلاة وجب عليه الإتيان به وإن طال الزمان.

وتجب السجدتان للقيام في محلّ الجلوس أيضاً وبالعكس ، وفي الشكّ بين الأربع والخمس إذا كان بعد الرفع من السجدتين قبل الركوع ، ومحلّها بعد التسليم سواء كانا من زيادة أو نقصان ، ويكفي فيهما مطلق الذكر ، والأولى المأثور. ويشترط فيهما شروط سجود الصلاة [ و ] وجوب الجلوس بينهما. ويجب [ فيهما (2) ] ، وفي الجزء المقضيّ النيّة ، وصورتها أن يقصد قضاء المعيّن المنسيّ قربةً إلى الله ، أو يقصد السجود لما تركه أو زاده قربةً إلى الله. والأحوط ضمّ الوجوب ، كما أن الأحوط وجوب التعرّض للأداء والقضاء في الجزء المقضيّ وفي السجدتين ، خصوصاً في الأوّل. وليس في سجدتي السهو ركوع ولا قراءة ولا تكبير واجب ، ويتشهّد بعدهما تشهّداً خفيفاً يجزي فيه أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمّداً : رسول الله أو بالضمير اللهمّ صَلّ على محمّد وآله ، والتشهّد التامّ جائز ، ثمّ يسلّم.

ص: 354


1- أي والإعادة.
2- في المخطوط : ( بينهما ).

ولو وقع السهو في الجزء المقضيّ أو في السجود للسهو لم يلزم سجود السهو فيهما ، ولو شكّ في حصول السهو فلا شي ء ؛ لأصالة العدم. ولا حكم للسهو مع الترجيح ، ولا سهو على مَن كثر سهوه ، والحكَم العرف ، ولكنّه يأتي بالمتروك في محلّه إن بقي ، وإلّا بعد الصلاة إن كان ممّا يقضى وإن سقط عنه السجود له ، وتفسد صلاته لو ترك أو فعل ما يبطله مطلقاً.

ص: 355

ص: 356

الفصل الخامس : في الشكّ

وهو تردّد النفس بين الفعل والترك من غير ترجيح ، فإن ترجّح أحد الطرفين فالراجح ظنّ والمرجوح وهم. ومتى حصل للمصلّي ترجيح اعتمده وعمل بمقتضاه مطلقاً ولو في الأُوليين. ولا يعارض اليقين ظنّ ولا شكّ في حال مطلقاً ، فلو ظنّ المكلّف أنه تطهّر أو صلّى لم يجزِه ، بل هو حينئذٍ مشغول الذمّة.

ولا حكم للشكّ إذا كثر ، بل يبني على المصحّح مطلقاً ، فلو شكّ في ذكر الركوع مثلاً بنى على أنه أتى به ، ولو شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الأربع والخمس يبني على الأربع فيهما ، ولا فرق فيه بين الأُوليين وغيرهما ، ولا بين الشطر والشرط في أثناء العمل وقع أو بعد العمل.

ولو فعل المشكوك فيه مطلقاً بطلت عبادته مطلقاً ولو كان غير ركن ، ولو طرأت الكثرة بعد تعلّق سهو أو شكّ به قبلها لزمه حكمه ، وليس على كثيره احتياط ولا سجود. ولو كان كثير الشكّ في نوع خاصّ خاصّة [ كالشك (1) ] بين الثلاث والأربع خاصّة دون غيره مثلاً ، فهل يعد كثيره في غيره أيضاً ، أو فيه خاصّة؟ وجهان ، أرجحهما الأوّل ؛ لدورانه على التسمية عرفاً. وفسّر الكثرة بعض (2) بأنها السهو أو الشكّ في فريضة واحدة ثلاث مرّات متواليات أو في ثلاث فرائض متوالية ، والأقوى الأشهر الرجوع

ص: 357


1- في المخطوط : ك.
2- السرائر 1 : 248.

إلى العرف فإن الحكم لم يرد فيه نصّ ، ومرجع معرفة حكم العرف إلى العارفين.

ولا حكم لشكّ المأموم إذا حفظ الإمام كالعكس ، ولا للشكّ في حصول الشكّ ؛ لأصالة العدم. ويتخيّر الشاكّ في عدد النوافل أو النافلة بين البناء على الأقلّ والأكثر ، ويتعيّن الأوّل إذا أوجب الثاني البطلان ، ويتخيّر الشاكّ أيضاً في فعل منها وعدده ركناً كان أو غيره ، تجاوز المحلّ أم لم يتجاوزه.

ولو شكّ في نفس الشرط كالوضوء والستر والاستقبال فإن كان بعد الفراغ لم يلتفت ولو بقي الوقت ، وإلّا أتمّها وحصّله وأعاد ، والأحوط الإعادة مطلقاً إن بقي الوقت.

ومَن شكّ في نفس الصلاة فإن كان في الوقت صلّى ، وإلّا لم يلتفت. والأحوط لمعتاد التهاون بها القضاء خارجه إن لم نقل باللزوم وهو غير بعيد. ومن شكّ في جزئها فإن كان بعد التسليم لم يعتدّ به ولو فيه إن شكّ فيه بعد تصوّر الفراغ ، وإلّا أتى به لأنه في محلّه إن لم يطل الزمان. وإن كان قبله فإن لم ينتقل إلى واجب آخر أتى به ولو كان ركناً ، كالشكّ في النيّة قبل التحريمة ، أو فيها قبل القراءة ، أو فيها أو بعضها قبل الركوع ؛ لأن القراءة فعل واحد على الأقوى ، فلو شكّ في الفاتحة أو بعضها أو في السورة أو القنوت لم يعدّ انتقالاً وأتى به ، ومَن شكّ في الركوع قبل السجود ولو في الهويّ أتى به ، كمَن شكّ في السجود قبل التشهّد أو الانتصاب ، أو في التشهّد قبل الانتصاب. وحكمه الإتيان به ، ولا فرق بين الأُوليين وغيرهما ، وكذلك حكم المندوب.

وكلّما أتى بمشكوك [ أتى ] بما بعده تحصيلاً للترتيب ، ولو ذكر بعد الإتيان به أنه أتى به قبل ؛ فإن كان ركناً بطلت ، وإلّا صحّت ولزمه سجود السهو ، فلو ذكر أنه ركع قبل وهو في قوس الراكع بطلت ، ولا يكفيه إرساله نفسه ولو كان في الأخيرتين.

وإن دخل في واجب آخر من واجباتها أصالة لا ما كان مقدّمة كالهويّ والنهوض مضى نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، كمَن شكّ في النيّة وقد كبّر للإحرام ، أو فيها وقد

ص: 358


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 237 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 23.
2- مدارك الأحكام 4 : 231.

دخل في القراءة ، أو فيها وقد ركع ، أو فيه وقد رفع ، أو فيه وقد سجد ، أو فيه وهو يتشهّد أو قائم ، أو في التشهّد وقد انتصب .. وهكذا.

هذا كلّه في غير الشكّ في عدد الركعات ، فإن له أحكاماً تخصّه ، وله صور أكثرها دوراناً خمسة (1) :

الأوّل منها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد كمال سجدتي الثانية ، وحكمه البناء على الثلاث ويأتي بالرابعة ، وبعد أن يسلّم يحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ، والأوّل أولى.

الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع مطلقاً ، وحكمه البناء على الأربع فيتمّها ، وبعد التسليم يحتاط بركعة أو ركعتين كالأوّل.

الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد كمال سجدتي الأُوليين ، وحكمه البناء على الأربع ، وبعد التسليم يحتاط بركعتين من قيام.

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد كمال سجدتي الأُوليين ، وحكمه البناء على الأربع ، وبعد التسليم يحتاط بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس.

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس ، فإن وقع قبل الركوع جلس لينزل الشكّ بين الثلاث والأربع فيلزمه حكمه وسجود السهو للقيام المهدوم ، وإن عرض على التشهّد أتمّه وسلم وسجد للسهو ، وإن عرض وهو راكع ، أو رافع منه ، أو هاوٍ للسجود ، أو فيه ، أو بين السجدتين ، أو قبل الرفع من الأخيرة ، بطلت الصلاة في الجميع. والأحوط حينئذٍ الإتمام وسجود السهو والإعادة. وهذه هي الشكوك المنصوصة.

ويعلم منها ومن أحاديث الشكّ [ و ] الإعادة قاعدة (2) هي البناء على الأكثر ، ومنها يعلم أحكام في شكوك أُخر منها الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس فما زاد ، فإن عرض حال التشهّد أتمّه وسلم ، واحتاط بركعتين قائماً وسجد للسهو ، وإلّا

ص: 359


1- من هامش المخطوط ( نسخة بدل ) ، وفي المخطوط : ( أربعة ) ، وقد أثبتنا ما في الهامش ؛ لأنه المطابق لعدد الصور التي ذكرها المصنّف قدس سره بعد ذلك.
2- إذا تأمّلت وجدت مبنى قاعدة أحكام الشكوك على ترجيح الظاهر على الأصل ، فالظاهر هو الأصل فيها. 2. ، هامش المخطوط.

فسدت الصلاة ؛ لأنه إن هدم لم تسلم له الأُوليان ، وإن أتمّها لم يحصل يقين البراءة وإن كان من صور المبطلة في الخامس زيادة على عدم يقين الأُوليين.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فإن عرض قبل الرفع من السجدة الأخيرة فهو مبطل لما مرّ ، وإلّا تشهّد وسلم ، واحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس وسجد للسهو بعدها.

ومتى تضمّن الشكّ بين الاثنتين وما زاد على الخامسة فهو مبطل ، وكذا لو شكّ بين الاثنتين والخمس وبين الثلاث والخمس.

ومنها : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، فإن كان قبل الركوع هدمه لينقلب شكّه حينئذٍ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيتشهّد ويسلّم ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام ، ثمّ بركعتين من جلوس ويسجد للسهو. وإن كان بعد الفراغ من السجدة الأخيرة تشهّد وسلم ، ثمّ احتاط بركعة قائماً أو بركعتين جالساً وسجد للسهو ، ويحتمل البطلان ، وإن كان في غير هذين الحالين بطلت الصلاة.

ومنها : الشكّ بين الثلاث والخمس ، فإن كان حال القيام هدمه ورجع شكّه فيما بين الاثنتين والثلاث ويعمل بحكمه ، وإلّا فهو مبطل.

ومن تأمّل هذا يظهر له بطلان ما قاله الشيخ يوسف : في شرح صلاتيته : ( إن حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس البناء على الأربع ، والاحتياط بركعتين والسجود للسهو ، فإنه اشتمل على شكّين منصوصين ، والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس مشتمل على ثلاثة شكوك منصوصة ، فليزمه فيه ما يلزم فيها ، ويزيد على الاحتياط السابق ركعتين من جلوس. والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس مشتمل على شكّين منصوصين ، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ، ويسجد للسهو ) (1) ، انتهى.

ص: 360


1- شرح الرسالة الصلاتية : 236.

وليس كلّ شكوك متعدّدة مجتمعة ، بل شكّ واحد ورد به النصّ (1) ، إنما هو كما بيّناه. ولو تعلّق الشكّ بالسادسة يحتمل البطلان مطلقاً لعدم يقين البراءة من زيادة الركن والبناء على الأقلّ وهذا ضعيف جدّاً وإلحاقه بغيره. فما يمكن إرجاعه من صورة لما يكون صحيحاً يصحّ وما لا يمكن لا يصحّ. وهذا غير بعيد ؛ فما أعاد الصلاة فقيه قطّ يحتال فيها ويدبّرها (2) و [ يظهر (3) ] من غيره [ أن (4) ] الإعادة أولى.

كما أن الاحتياط في الإتمام والإعادة في ما عدا الشكوك الأربعة الأُوَل ، ولنذكر جملة من ذلك :

فمنها : الشكّ بين الخمس والستّ ، فإن عرض وهو قائم هدمه ورجع شكّه لما بين الأربع والخمس بعد السجود ، وعرفت حكمه ، وإلّا بطلت الصلاة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والستّ والشكّ بين الأربع والستّ ، وهو مبطل في جميع حالات هذه الصور عدا الثالثة بعد السجود خاصّة ، ولكنّه يسجد للسهو لاحتمال الزيادة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الأربع والخمس والستّ.

وتصحّ الصلاة في الثانية إذا كان بعد السجود ؛ لرجوعه حينئذٍ إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع ، وحكمه حكمه ، ويسجد للسهو. وفي الرابعة إذا كان بعد كمال السجود ، ويلزمه احتياطُ الشكّ بين الثلاث والأربع وسجود للسهو. وتبطل في ما عدا ذلك من حالاتهما مطلقاً ؛ لتردّده في جميعها بين النقص والزيادة. وفي الخامسة والسادسة إن وقع قبل الركوع هدم القيام ورجع شكّه في الأوّل إلى ما بين الاثنتين والأربع والخمس ، فيحتاط بركعتين ويسجد للسهو. وفي الثانية إلى ما بين الثلاث

ص: 361


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 222 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 13.
2- انظر وسائل الشيعة 8 : 215 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 9 ، ح 3.
3- في المخطوط : ( مظهر ).
4- في المخطوط : ( و ).

والأربع والخمس ، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ويسجد للسهو ؛ لاحتمال الزيادة. ويحتمل صحّة السادسة أيضاً إن وقع بعد السجود ، ويسجد للسهو حينئذٍ خاصّة. وفي ما عدا ذلك من الستّ وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بعد كمال السجدتين والرفع منهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والأربع والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن وقع في الأولى بعد السجود احتاط بركعتين من قيام أو ركعة من جلوس وسجد للسهو ، وكذا في الثالثة كذلك ليس فيها ركعتان من جلوس ، وفي الرابعة إن كان قبل الركوع هدم القيام وصار شكّه بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فيتشهّد ويسلّم ويحتاط بركعتين قائماً وركعتين جالساً ويسجد للسهو.

وفي ما عدا ذلك من الصور الأربع وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن كان بعد الرفع من السجود بنى على الأربع ، واحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، ويسجد للسهو ، وإلّا فهو مبطل.

والأولى ملازمة الإعادة في جميع الصور السابقة ، وتتعيّن فيما تعلّق بالسابعة وإن أمكن انسحاب الحكم بالصحّة في نظائر الصور الصحيحة المتعلقة بالخامسة ، ولو تعلّق الشكّ بما زاد على السابعة مطلقاً فهو مبطل مطلقاً ، والأولى ما مرّ.

ومتى تعلّق الشكّ بما بين الاولى وغيرها مطلقاً فهو مبطل مطلقاً. ولو قال : لا أدري قيامي لثالثة أو رابعة ، فهو شكّ بين الاثنتين والثلاث. ولو قال : لرابعة أو خامسة ، قعد ولزمه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ويسجد للسهو. ولو قال : لثالثة أو خامسة ، قعد وتشهّد وسلم ، وانقلب شكّه إلى ما بين الثانية والثالثة ، ولزمه حكمه ويسجد للسهو.

ولو شكّ ثمّ رجّح بنى على الثاني وبالعكس. ومَن عرضت له شكوك مترتّبة لزمه حكم المتأخّر. ومَن حصل له شي ء ثمّ شكّ في أنه شكّ أو ظنّ فهو شكّ ؛ لأن الأصل

ص: 362

عدم الترجيح. ومَن شكّ في شكّ سابق أنه مبطل أم لا بنى على الصحّة إن عرض في دخوله في فعل آخر. ومَن شكّ بعد مجاوزة محلّ الشكّ في أنه موجب لركعة أو ركعتين بنى على الركعة ، أو أنه موجب للسجود أو مع ركعتين ، فالسجود ؛ لأن الأقلّ هو المتبيّن ، والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ولو شكّ شكّاً يوجب الركعتين وبعد الفراغ منها انقلب شكّه إلى ما يوجب الركعة ، بنى على الأوّل. وكذا لو كان في أثناء الاحتياط. والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ومن شكّ ثمّ جهل شكّه من رأس أعاد ؛ لرجوعه إلى من لم يدرِ كم صلّى. ولا يجوز لمن لزمه احتياط أو سجود أن يتركه ويعيد الصلاة ، فلو فعل فعليه الإتيان بالجبر ؛ لأنه مشغول الذمّة ، ولأنه لم يبطل بفعل المنافي بناءً على أنها صلاة مستقلّة ، وإن قلنا بالجزئيّة فقد أبطل الصلاة بفعل المنافي وهو الصلاة المعادة فعليه إعادة الصلاة بَعدُ أيضاً ، والأحوط الإتيان بالجبر ثمّ الإعادة بعده.

وكيفيّة صلاة الاحتياط أن يقصد بقلبه صلاة ركعة أو ركعتين احتياطاً عمّا لعلّه نقص قربةً إلى الله تعالى ، ثمّ يكبّر تكبيرة الإحرام كما مرّ ، ثمّ يقرأ الفاتحة وحدها سرّاً ، ويجوز الجهر بالبسملة ، والأحوط الإخفات بها أيضاً ، ولا يكفي التسبيح بدل الحمد وإن كانت جبراً في الأخيرتين ، ثمّ يركع ثمّ يسجد بعد الرفع منه سجدتين كما مرّ ، ثمّ يتشهّد ويسلّم ، أو يأتي بأخرى كذلك إن كان بركعتين ، وتجري فيهما جميع أحكام الصلاة المذكورة من الشروط وغيرها ، إلّا إنه لا أذان بها ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت. ولو حصل له شكّ أو سهو ؛ فإن كان في محلّه تداركه ، وإلّا فلا شي ء ولا سجود سهو.

ويجب الإتيان بالاحتياط بعد التسليم فوراً بلا فصل. وهل [ هي ] جزء من الصلاة ، أم صلاة مستقلّة؟ قولان ، أظهرهما الثاني. فلو تخلّل المبطل بينها وبين التسليم بطلت الصلاة على الأوّل ، وتطهّر وأتى بها ، وصحّت على الثاني. والإتيان بها بعد الطهارة ثمّ الإعادة أحوط.

ومن ذكر نقصان الصلاة قبل الاحتياط فهو كمن سلّم على ركعة أو ركعتين ، وإن

ص: 363

ذكر الزيادة أعاد الصلاة كما لو ذكرها بعد الاحتياط. ومن ذكر النقصان بعد الاحتياط صحّت صلاته وإن لم يطابق الاحتياط ، كما لو ذكر الثلاث وقد أتى بركعتين من جلوس. وهذا إنما يدلّ على استقلالها ، مضافاً إلى أنها جبر. وبعد التسليم فهي خارجة مشتملة على النيّة والتحريمة. وكونها ركعة في بعض الأحوال له نظير [ مثل ] مفردة الوتر. ومن تبيّن له التمام في الاحتياطية تخيّر بين إتمامها نافلة ، والقطع ؛ لأنها نافلة ، ويجوز فيها القطع.

وإن ذكر النقصان في أثنائها فأظهر الوجوه الصحّة ووجوب إتمام الاحتياط ، سواء كان الاحتياط موافقاً كما لو تبيّن نقص ركعة وقد دخل في ركعة قيام أو ركعتين وقد دخل في ركعتي قيام ، أو مخالفاً كالموافق كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي جلوس ، أو مخالفاً كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي قيام ، ولو دخل في ركعتي جلوس أتمّها وأتى بالباقي بعد.

ولو ذكر النقصان بعد الاحتياط أو في أثنائه وقد تخلّل المنافي بين الاحتياط وبين الصلاة ففي الإعادة إشكال ، وهي أحوط فيهما بعد الإتمام.

ومن صلّى قبل الاحتياط صلاة مطلقة بطلت لفوريّته ، فيقتضي النهي عنها ، وهو يقتضي الفساد ، وعليه الإتيان به.

ولو لزمه احتياط في الظهر فضاق الوقت إلّا عن العصر زاحم العصر إن بقي من الوقت ما يسع منه واجبات ركعة ، وإلّا صلّيت العصر. وفي بطلان الظهر حينئذٍ وجهان مبنيّان على أن فعل المنافي قبل الاحتياط مبطل ، أم لا؟ والأولى العدم. وكذا لو أخّره عمداً حتّى خرج الوقت ، لكنّه يأثم إجماعاً ، وعليه أن يأتي به قضاءً لأن وقته تبعٌ للفرض. ولا يجوز الاقتداء في الاحتياط ولو بمثله على الأظهر ؛ لاحتمال الفصل.

ص: 364

الباب الرابع : في الجماعة

الباب الرابع : في الجماعة (1)

[ و ] لا تجب إلّا في الجمعة والعيدين بشروطهما وفي الملتزم جماعة ، وتنعقد بإمام ومأموم واحد ولو امرأة أو صبيّاً على الأقوى وإن قلنا : إن عبادته تمرينيّة ، ولا يجب تأخّر المرأة الواحدة على الأقوى ، فيجوز لها الوقوف عن يمينه أو بجنبه كالرجل على الأقوى الأشهر.

واعلم أنه قد يجب حضور جماعة أهل الخلاف كفاية أو عيناً وإن لم تصحّ نيّة الاقتداء بهم ، ولا يجوز أن يصلّي معهم بغير وضوء ، فإن لم يتمكّن يتيمّم ، فإن تعذّر فلا ينوي الصلاة ، وأرِهم كأنّك تركع وتسجد ولا تركع ولا تسجد. ولو اضطررت للدخول معهم بغير نيّة الصلاة فلا تستخفّ بها في حال. ومن نوى الائتمام بهم لم تصحّ صلاته فإنهم كالخشب المسنّدة.

ويلزم المصلّي معهم القراءة ولو سرّاً ، ويكفي معهم مثل حديث النفس. ويسقط الجهر في الجهريّة ، وينصت إلى قراءة إمامهم إذا سمعها ، فإذا سكت قرأ ، وإن لم يسكت قرأ في نفسه. ومن فرغ من السورة قبل إمامهم تخيّر بين أن يكمل السورة أو يذكر الله تعالى حتّى يركع ، وبين أن يؤخّر آية من آخر السورة ويذكر الله حتّى

ص: 365


1- في المخطوط : ( الباب الخامس ).

يركع إمامهم فيقرأها ويركع. ومن لم يتمكّن من قراءة السورة سقطت عنه إجماعاً (1).

ومن لم يدرك إمامهم إلّا في الركوع ولم يتمكّن من إسقاط تلك الركعة دخل معهم واعتدّ بها على رواية ابن عمّار ، وفيها إنها من أفضل ركعاتك (2).

وعمل بها بعض الفقهاء إلّا إن الإعادة حينئذٍ أولى وأحوط.

ومن لم يتمكّن من التشهّد جالساً ولو على عقبه أو هيئة أخرى تشهّد قائماً مطمئناً كما لو دخل معهم في ثانيتهم ، ولا يتشهّد حينئذٍ وهو آخذ في القيام.

ولو قرأ إمامهم العزيمة فإن لم يسجد صحّت صلاتك وتقضي السجود بعد الصلاة ولو في مكان آخر ، أو وقت آخر بحسب المكنة ، وإن سجد فاسجد معه ، وأعد الصلاة وقتاً واقضها خارجاً. وإن كانت صلاتك نَفلاً فاسجد معهم ولا شي ء. ولا يضرّ معهم التأمين ولا التكفير ولا التسليم في أثناء التشهّد ولو لم تندفع التقيّة إلّا به ، لكن يسجد للسهو حينئذٍ ، والإعادة حينئذٍ أحوط. ولا إعادة على مَن صلّى معهم. ويجوز أن يصلّي قبل صلاتهم ثمّ يصلّي معهم وتكون كالمعادة ، ولو صلّوا في غير وقت فصلّ معهم واجعلها نافلة وصلّ الفرض بعد دخوله. والمسبوق معهم يذكر الله مدّة التشهّد ثمّ يتمّ صلاته ، ولا يضرّه ترك التجافي.

ولا تشرع الجماعة في نافلة مطلقاً إلّا الاستسقاء إجماعاً (3) ، وفي ندب العيدين على الأشهر الأقوى ، وفي الغدير كما عليه جماعة (4) ، ولا بأس به. وتشرع في الواجبة مطلقاً ولو بالعارض.

ولا يشترط تساوي صلاة الإمام والمأموم عدداً ولا صِنفاً ، فيجوز الاقتداء في صلاة المغرب بمن يصلّي العشاء مثلاً وبالعكس ، وفي الطواف والمستأجر عليها بمن

ص: 366


1- مدارك الأحكام 4 : 325.
2- تهذيب الأحكام 3 : 38 / 133 ، الإستبصار 1 : 431 / 1166 ، وسائل الشيعة 8 : 368 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 34 ، ح 4.
3- تذكرة الفقهاء 4 : 235 / المسألة : 537.
4- الكافي في الفقه : 160.

يصلّي اليوميّة مثلاً وبالعكس ، والمسافر بالحاضر ، فيسلّم إذا كمل فرضه كغيره ، كمن قصر فرضه عن فرض الإمام ، ويجوز له أن ينتظر تسليم الإمام فيسلّم بعده ولا يتابع الإمام ، وبالعكس.

ومتى زاد عدد فرض المأموم على فرض الإمام قام المأموم ناوياً الانفراد بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة إن لم يكن عليه تشهّد حينئذٍ ، [ وإلّا فعليه ] أن يتابع الإمام في التشهّد ، فإذا سلّم الإمام قام وأتمّ ، ولا يتابعه في التسليم.

نعم ، يشترط اتّفاق صلاتي الإمام والمأموم نوعاً ، فلا يقتدي مصلّي العيد أو الآية بمصلّي اليوميّة مثلاً ، ولا العكس. ويقتدي المفترض مطلقاً بالمتنفّل نافلة تشرع فيها الجماعة كالمعادة في جماعة. والمتنفل بمثله وبالمفترض في المعادة للجماعة ، أو لطول الآية مع توافق هيئتي صلاتيهما.

وإذا أعاد مَن صلّى منفرداً لوجدان من يصلّي معه جماعة إماماً كان أو مأموماً فلينوِ بالثانية النفل لا الفرض ، وفي استحباب الإعادة لمن صلّى جماعة إشكال ، والعدم أولى.

والمسبوق بركعة يجلس على الثانية ويتشهّد تشهّداً خفيفاً ويلحق بالإمام ، وإذا جلس الإمام للتشهّد ولم يكن على المأموم تشهّد جلس معه ذاكراً لله أو متابعاً له.

ولو أزاد الإمام ركعة وجب على المأموم الانفراد ولو كان عليه ركعة ، كما إذا كان مسبوقاً بركعة.

والمسبوق يجعل أوّل ما يدخل فيه مع الإمام أوّل صلاته ، فيراعي فيها ما يلزمه فيها من قراءة وغيرها ، فلو أدركه في الثانية أنصت ولم يقرأ في أُولاه ، وقرأ الحمد وسورة في ثانيته التي هي ثالثة الإمام سرّاً ولو في جهريّة ، ويجلس بعدها ويتشهّد ويلحق بالإمام. وكذا لو دخل معه في ثالثة قرأ الحمد وسورة كذلك في أُولاه وثانيته ، فلو ترك القراءة عمداً أو جهلاً مع تمكّنه بطلت صلاته ، وسهواً يصحّ ويسجد للسهو ، وإن لم يتمكّن من السورة والحمد ومن إتمامهما قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع سقطت ، فيلحقه في الركوع ولا يتمّ الحمد والسورة ، فإن فاته

ص: 367

الركوع حينئذٍ لحقه في السجود على الأقوى ، فإذا سلّم الإمام قام المسبوق بعده وأتمّ صلاته ولا يسلّم معه ، بلا خلاف في شي ء من ذلك سوى ما أشرنا له.

وليس للمسبوق الاقتداء في التتمّة بإمام آخر إلّا إذا كان مؤتمّاً معه كمسبوق آخر ، وكمن قدّم الجماعة بعد عروض عذر للإمام فينوي الائتمام به حينئذٍ بقلبه.

ويدرك المأموم الركعة ويعتدّ بها بإدراك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع ولو بعد الذكر الواجب على الأقوى الأشهر ، ولو شكّ هل أدركه راكعاً ، أو رافعاً؟ لم يعتدّ بها. ولو خشي المأموم فوت الركعة إذا وصل الصفّ مثلاً وقف في موضع تصحّ فيه القدوة وكبّر وركع ثمّ لحق به على أيّ حال ولو بعد السجدتين ، لكن بشرط أن يجرّ رجله جرّاً قاطعاً للذكر حال المشي محافظةً على الطمأنينة.

ويشترط ألّا يقع منه حينئذٍ فعل كثير أيضاً ؛ محافظة على ترك ما قام الدليل على المنع منه ، إلّا ما استثناه الدليل ، وتحصيلاً ليقين البراءة.

ويشترط في إمام الجماعة البلوغ ، فلا تصحّ إمامة الصبيّ حتّى المميّز إلّا لمثله. والعقل ، وتصحّ إمامة الدَّوري حال إفاقته. والإيمان وطهارة المولد ، فلا تصحّ ممّن ثبت شرعاً أنه ابن زنا ولو عدلاً ، وبولد الشبهة. وألّا تنقص هيئة صلاته عن هيئة صلاة المأموم ، فلا يأتم القائم بالجالس. وهكذا باقي المراتب. وألّا يكون مفلوجاً والمأموم صحيحاً. وتصحّ إمامة القاعد والمفلوج لمثله. ولو عرض أحدهما في أثنائها وجب الانفراد. والعدالة. وأن يكون متقناً للقراءة والأذكار الواجبة. وألّا يكون متأوّف اللسان كالألثغ (1) والفَأفَاء (2) والتمتام (3) ، إلّا أن يكون المأموم مثله في جهل ما جهله من ضبط القراءة وآفة اللسان ، أو ناقصاً عاجزاً عن التعلّم لضيق الوقت عن التعلّم وعدم التمكّن من الاقتداء بالأكمل. ومثل ذلك الألحن عند

ص: 368


1- الألثغ : الذي لا يستطيع أن يتكلم بالراء. لسان العرب 12 : 235 لثغ.
2- الفَأْفَاء : الذي يكثر ترداد الفاء إذا تكلَّم. لسان العرب 10 : 167 فأفأ.
3- التمتمة : الترديد في التاء. لسان العرب 2 : 56 تمم.

جماعة (1) ، وهو حسن. وألّا يكون امرأة والمأموم رجل ، وتصحّ إمامة المرأة للمرأة في النافلة والفريضة ، والأحوط العدم. ولا تصحّ إمامة الخنثى مطلقاً. وألّا يكون الإمام أغلف مقصّراً في تأخير الختان.

وألّا يكون مكان الإمام أعلى من مكان المأموم [ أو ] مرتفعاً بما يعدّ عرفاً أرفع ، فما كان قدر ذراع امتنع ، دون ما نقص ، وتبطل حينئذٍ صلاة المأموم دون الإمام ، ولا يضرّ العكس مطلقاً ما لم يفرط علوّ المكان ، كأن يكون المأموم على منارة. هذا كلّه ما لم تكن الأرض منحدرة ، فإنه يغتفر العلوّ فيها من الجانبين.

ولا يضرّ اختلاف المأموم والإمام في الفروع ، إلّا أن تكون صلاة الإمام باطلة عند المأموم فلا تصحّ قدوته به حينئذٍ ، كما لو اعتقد الإمام استحباب السورة مثلاً ، والمأموم وجوبها ، فإنه لا تصحّ القدوة حينئذٍ ولو قرأها الإمام ، على الأحوط. أو يرى الإمام جواز الصلاة في فرو السنجاب وهو لابس له حينئذٍ والمأموم العدم. أو يرى الإمام الجهر في الأخيرتين والمأموم الإخفات. أو في القبلة ، وأمثال ذلك.

ولو علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام ولم يعلم الإمام ، صحّت صلاة الإمام دون المأموم ، ولا يجب على المأموم إخباره حينئذٍ بها.

نعم ، يشترط علم المأموم بصحّة صلاة الإمام ظاهراً عنده ، فلو تبيّن له بطلان صلاة الإمام بعد الفراغ فلا إعادة. ولو بقي الوقت قبله ينفرد من موضعه وما مضى صحيح ، ولا يعيد القراءة لو فرغ منها ولا ما مضى لو تبيّن في أثنائها.

ولو أمّ القوم آخر ليتمّ بهم لفراغ الأوّل أو حدوث حادث به ، بنى اللاحق على ما مضى ، ولو وقعت في أثناء السورة فالأقوى البناء على ما مضى منها. وصرّح بعضٌ بعدم اشتراط كون النائب من المأمومين (2) ، والاشتراط أولى وأحوط.

ولو استناب الإمام اختياراً جاز ، ولو لم يستنب جاز للمأمومين أن يستنيبوا كلّهم أو بعضهم ، وجاز لهم الانفراد كذلك.

ص: 369


1- السرائر 1 : 281.
2- منتهى المطلب 1 : 381.

ولو صلّى اثنان ، فقال كلّ منهما : كنت مأموماً ، بعد الفراغ أعادا مطلقاً ، كما لو شكّا فيما نوياه. ولو قال كلّ منهما : كنت إماماً ، صحّت صلاتهما.

ولا يجوز تقدّم المأموم على الإمام ولو في الأثناء ، ويجوز مساواته على الأشهر الأقوى. والعبرة في المساواة والتأخّر والتقدّم بالعقب لا بالعرف على الأشهر ، ولا بالأصابع ولا بالمسجد ، فمتى تأخّر عقب المأموم تحقّق تأخّره ولو طالت أصابعه على أصابع الإمام وتقدّم مسجده على مسجده ، والأحوط تأخّر المأموم بالأصابع أيضاً. ولو صلّوا جلوساً فالعبرة بالمقعد ، ومضطجعين فبالجنب. ولو صلّوا حول الكعبة بالاستدارة فهل المعتبر فيمن هو في عين جهة الإمام عدم كون مسجده أقرب إلى الكعبة من مسجد الإمام ، أو تأخّره عنه بالعقب؟ قولان ، الأوّل أولى.

ويشترط في صحّة القدوة أيضاً عدم بُعد المأموم عن الإمام عرفاً ، أو عمّن هو متّصل به من الجماعة كالصفّ الأوّل بالنسبة للصفّ الذي خلفه ، وهكذا. ومحلّ البعد ما بين مسجد المأموم وموقف الإمام ، وهكذا في المصلّين. ومرجعه أن يقال عرفاً : إنه لا يصلّي خلفه ، وتقديره بما لا يتخطّى أحوط ، ولا يضرّ البعد إذا اتّصلت الصفوف ولو زاد على فرسخ. والظاهر جواز إحرام البعيد قبل القريب لصدق الاتّصال ، والأحوط العدم.

ولو خرج جماعة عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو غيره في أثنائها ، فهل تبطل قدوة البعيد حينئذٍ وينفرد ، أو لا ينفرد إلّا إذا لم يمكنه على القرب وألّا يستلزم المبطل؟ الأوّل [ .. (1) ] ، و [ الثاني (2) ] مع الإعادة أحوط.

ويشترط أيضاً في صحّة القدوة نيّة الائتمام بمعيّن جامع لشرائط الإمامة ، فلو لم ينوِها بطلت صلاته [ إن (3) ] أخلّ بما يلزم المنفرد ، ولو قرأ حينئذٍ غير معتقد الوجوب فالإعادة أحوط. وتعيين الإمام يحصل إمّا بالاسم أو الصفة أو بهذا الحاضر. ولو اقتدى بمن لا يعلم جمعه للشرائط ، قيل : لم تصحّ ولو تبيّن بعدُ كونه كذلك. ومن

ص: 370


1- بياض في المخطوط.
2- في المخطوط : ( التنافي ).
3- في المخطوط : ( فإن ).

نوى القدوة بواحد من اثنين أو بهما بطلت صلاته ولو جمعا للشروط ، وكذا من ائتمّ بحاضر على أن اسمه زيد فبان أنه عمرو على الأحوط ، والأولى الصحّة ؛ لأن الخطأ في الاسم خاصّة. ومن نوى الائتمام بزيد فبانَ أنه عمرو بطلت صلاته قطعاً.

وتجب نيّة الإمامة على الإمام فيما يجب من الجماعة ، ولا تصحّ من المأموم نيّة القدوة في أثناء الصلاة بعد أن دخل فيها بنيّة الانفراد ، وألّا يفارق الإمام الأوّل وينوي الاقتداء بآخر إذا عرض له مبطل أو انتهت صلاته. ويجوز للمأموم عدم المتابعة بنيّة الانفراد في الأثناء لعذرٍ وبدونه وبغيرها إلّا في التسليم فلا يسلّم عليه قبله عالماً عامداً بدون نيّة الانفراد ، والاحتياط لا يخفى ، فإن وقع فالإعادة أحوط.

ويشترط في قدوة الرجل خاصّة دون المرأة عدم الحيلولة بينه وبين الإمام أو من يشاهده من المأمومين بما يمنع مشاهدة المأموم للإمام أو من يشاهده ولو بوسائط إن لم يعلم بطلان صلاة الوسائط ، ولا تضرّه إلّا بمنع المشاهدة من الحاجز كالشبّاك المخرّق ، ومنع الاستطراق ، ولا ما يمنع الرؤية في بعض حالات الصلاة دون بعض. ولو صلّى الإمام في محراب داخل على وجه لا يمكن أن يراه من في جانبي الصفّ الأوّل بطلت صلاة الجانبين لعدم المشاهدة له مطلقاً ، أمّا باقي الصفوف فتصحّ لمشاهدتهم المشاهد ولو بوسائط. وهل تكفي المشاهدة مطلقاً ، أو لا بدّ من فقد الحائل بين المأموم أو الصفّ السابق؟ الأشهر الأوّل ، والأحوط الثاني ، فتصحّ صلاة مَن على يمين الباب ويساره لمشاهدتهم لمن يشاهد مَن في الدار. ولا تصحّ على الثاني إلّا صلاة من فيه ؛ لمشاهدتهم.

ويغتفر الحائل مطلقاً للمرأة إذا ائتمّت بالرجال أما إذا ائتمّت بالنساء فلا يغتفر. ولا تعدّ الظلمة ولا النهر ولا الطريق حائلاً.

ويجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال ، فلا يجوز له التقدّم عليه ، إمّا بعده أو معه ، والبعديّة أحوط ، فلو تقدّم أثم ، ولا تبطل صلاته ، والإعادة بعده أحوط. وإذا تقدّمه عمداً في رفع من ركوع أو سجود لم يجز له الرجوع له فيه ، فلو رجع بطلت صلاته قطعاً ، بل ينتظره حتّى يرفع. ولو رفع المأموم رأسه قبل أن يرفع الإمام من

ص: 371

الركوع أو السجود ناسياً أو ظانّاً رفعه فتبيّن خلافه ، وجب عليه أن يعود مع الإمام ، فإن لم يعد مع سعة الوقت بطلت صلاته ، ويغتفر حينئذٍ زيادة الركن. والجاهل عامد.

وأمّا في الأقوال فالأكثر على عدم وجوب المتابعة ؛ لعدم وجوب الإسماع ، ولو لا الشهرة لكان القول بالوجوب هنا قويّاً ، ولا ينافيه عدم وجوب الإسماع ، إلّا تكبيرة الإحرام فإنه تجب المتابعة فيها ، فلو تقدّم المأموم بها بطلت صلاته ، والأحوط ترك المقارنة فيها أيضاً ، والأحوط عدم قراءة المأموم غير المسبوق خلف الإمام مطلقاً ، والمنع مطلقاً قويّ. ولو لم يسمع المأموم الإمام بنى على ظنّه في الأذكار وغيرها ، فلو تبيّن خلافه أجزأه ولا إثم. ولا يجوز له التقدّم على الإمام بركن أو أكثر ، [ و ] مع العذر يجوز ويلحقه ولو بعد ركعة فأكثر بعد الدخول.

ولا يتحمّل الإمام عن المأموم واجباً غير القراءة ، وعلى المأموم أن يأتي بجميع الواجبات غيرها ، ولكلّ منهما حكم نفسه شكّاً وسهواً في واجب أو غيره ، وإذا لزم أحدهما سجود اختصّ به ، ويسجد الإمام له بعد التسليم.

أمّا الشكّ في عدد الركعات فيرجع كلّ منهما إلى يقين الآخر ، والشاكّ منهما إلى الظانّ ، والظانّ إلى المستقرّ ، ولا فرق حينئذٍ في المأموم بين كونه واحداً أو أكثر ، ذكراً أو أنثى ، حرّا أو عبداً ، عدلاً أو غير عدل ، ولا يتعدّى الحكم إلى غيره ولو كان عدلاً إلّا مع إفادة الظنّ أو شهادة عدلين.

ولو اشتركا في الشكّ واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، ولو اتّفقا في الظنّ واختلف المحلّ تعيّن الانفراد ، وإن اختلف الظنّ رجع إلى ما اتّفقا عليه وتركا ما انفرد به كلّ واحد ، وإن لم تجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلّ منهما حكم شكّه ، ولو اختلف المأمومون والإمام رجعوا إلى الرابطة إن كانت ، وإلّا انفرد كلّ بحكمه ، ولو اشترك الشكّ بين الإمام وبعض المأمومين رجع الظانّ منهم والشاكّ إلى الإمام. ويجب على المأموم تنبيه الإمام لو صدر منه سهو أو غلط ، فإن لم يتنبّه ؛ فإن كان سهوه عن ركن أو واجب ، بطلت صلاة المأموم إن لم ينفرد ؛ لوجوب الانفراد حينئذٍ.

ص: 372

الباب الخامس : في صلاة القصر

اشارة

يتأكّد التخلّص من الحقوق الواجبة عليك لله أو للناس إذا أردت السفر. والذي يقصر من الصلوات في السفر هي العشاء والظهران ، وإنما يجب القصر بشروط :

الأوّل : القصد إلى المسافة وكون المقصود معلوماً ، فلو خرج لطلب آبق أو دابّة ضالّة بغير قصدها لم يقصّر ولو بلغ الصين ، وكذا التابعُ للغير إذا لم يعلم قصد متبوعه ، والعبدُ والزوجة إذا خرجا مع المولى أو الزوج يجوّزان العتق والطلاق مع ظهور الأمارة ولم يُرِدا السفرَ معه. والمجبور على السفر إن علم مقصد المُكرِه ولم يحتمل التخلّص منه بحسب الظنّ الغالب من حصول الأمارة وجب عليه التقصير إن قصد المسافة ، وإن عزم على الهرب متى قدر مع احتماله لم يقصّر لعدم قصدها ، وإن احتمل الأمرين أو جهل حاله أو مقصد المُكرِه لم يقصّر.

وقصد المتبوع للمسافة كافٍ ، فلو سافر بعبدٍ أو زوجته وعلم قصده لها قصّر. ولا يعتبر في التابع كونه ممّن تجب متابعته للمتبوع ، بل هو كلّ من وطّن نفسه على المتابعة. ومنتظر الرفقة إذا خرج إن لم يبلغ محلّ الترخّص أتمّ مطلقاً ، وإن بلغه فإن جزم بالسفر قصّر ما لم ينوِ الإقامة أو يمضِ له ثلاثون يوماً فيتمّ كما لو بلغ المسافة ، (1)

ص: 373


1- في المخطوط : ( الباب السادس ).

وإن تردّد أو لا يعلم بحال الرفقة وحاله متعلّق عليه أتمّ ؛ لعدم قصدها.

ولو قصد ثلاثة فراسخ ثمّ ثلاثة أخرى وهكذا أتمّ ، لكنّه في الرجوع يقصّر إن تحصّل له قصد المسافة ؛ إذ لا فرق في قصد المسافة بين الذاهب والراجع. ومن رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها ولو في أثناء الصلاة أتمّ ، إلّا أن يقصد مسافة أخرى ، ولا يعيد ما صلّاهُ قصراً قبل عدوله ، ولا يضمّ ما بقي من الذهاب إلى الرجوع مطلقاً ، وحكي عن الأكثر ، والأولى ضمّه إن كان الرجوع مسافة ، وعدمه إن لم يكن ولو بلغها مع التبعيّة لتعدّد المقصد ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

والمعتبر قصد المسافة النوعيّة لا الشخصيّة ، فمن قصد مسافة معيّنة وسلك بعضها ثمّ عدل إلى قصد غاية أخرى بقي على التقصير إن كان ما سلكه مع ما يبلغها به مسافة. ولا بدّ من العلم بكون المقصد مسافة ، ويحصل بذَرعِ الطريق وبشهادة عدلين وبمسير يوم معتدل للإبل القطار ذوات الأثقال.

ومن تردّد في بلوغ الطريق المسافة لم يقصّر ، والأحوط حينئذٍ وجوب الاعتبار. ومن أتمّ مع الشكّ ثمّ تبيّن [ أنه ] لم يتحقّق المسافة لا يعيد. ولو تعارضت البيّنات قدّمت بيّنة الإثبات. وقد يحصل العلم بها بالشياع.

وقدر المسافة [ التي (1) ] يجب التقصير على مَن قصدها بريدان ، وهي ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، والذراع عرض أربعة وعشرين إصبعاً من مستوي الخلقة ، والإصبع عرض سبع شعيرات ، والشعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون (2).

ومبدؤها من منتهى عمارة بلد السفر لا من بساتينها ومزارعها ، هذا في المتوسّطة. وفي المتّسعة من منتهى عمارة محلّته.

ولا يتعيّن لقطعها زمن ، لكن من قطعها في زمن طويل بحيث يخرج عن اسم

ص: 374


1- في المخطوط : ( الذي ).
2- البِرْذَوْن : الدابّة ، والبراذين من الخيل : ما كان من غير نتاج العِراب. لسان العرب 1 : 370 برذن.

المسافر كما لو قطعها في ثلاثة أشهر لم يقصّر كما عليه جماعة (1). ومسافة البحر قدر مسافة البرّ ولو قطعت في ساعة. ومن قصد مكاناً له طريقان أحدهما مسافة دون الآخر ؛ فإن سلك الأطول قصّر ذهاباً وإياباً ولو من الأقصر ولو كان سلوكه لأجله ، وإن سلك الأقصر أتمّ ، وكذلك إن رجع منه ، وإلّا قصّر في رجوعه خاصّة.

وقصد المسافة يتحقّق بقصد الثمانية ذهاباً ، وبقصد أربعة فراسخ فما فوقها إلى ما دون الثمانية ذهاباً إذا رجع في يومه أو ليلته مع اتّصال السفر عرفاً ، فمن كان كذلك قصّر مطلقاً لشغل يومه حينئذٍ ، ومن لم يرد الرجوع كذلك أتمّ مطلقاً على الأقوى الأشهر. ومن قصد أقلّ من أربعة لم يقصّر إجماعاً ولو رجع ليومه أو حصّل المسافة.

والحاجّ إذا دخل مكّة ولم ينوِ الإقامة فيها ثمّ خرج إلى عرفات يبقى على قصره مطلقاً ولو صلّى تماماً في مكّة من جهة التخيير ، والمقيم بمكّة إذا خرج لعرفات يتمّ لعدم رجوعه في يومه أو ليلته ، هذا هو الأشهر وعليه تجتمع النصوص (2).

ولا بدّ في تحقّق صحّة القصر من تحقّق الدخول في السفر ، وهو الضرب المذكور في الآية (3) ، فلا يكفي قصد المسافة بدون الخروج من محلّ الإقامة. ولا يعتبر في الضرب قدر معيّن ، بل متى بلغ محلّ الترخّص وهو مكان يخفى فيه أذان محلّ إقامته وجدران بيوته قصّر ، ولا عبرة بسواده ولا حدوده ولا بشاهق الأبنية ولا صيّت المؤذّنين ولا حديد السمع له ، بل العبرة في كلّ ذلك بالوسط.

ويقدّر أيضاً مرتفع الأرض ومنخفضها بمستويها. وعادم الحسّ يرجع لواجده. ويكفي خفاء أحدهما إن لم يوجد الآخر ، ولو وجدا وخفي أحدهما دون الآخر فالأقوى عدم التقصير. هذا في قاصد السفر الصحيح من محلّ إقامته. ومثل غير القاصد والعاصي بسفره يقصّر متى زال المانع إن بقي له قصد مسافة.

ص: 375


1- الذكرى : 257 ( حجريّ ) ، مدارك الأحكام 4 : 433.
2- انظر وسائل الشيعة 8 : 537 - 538 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 27.
3- النساء : 101.

ومنتهى القصر مبدؤه إن انتهى سفره إلى بلده ، فيتمّ إذا وصل في عوده إلى حدّ محلّ الترخّص في ذهابه وإن لم يدخل البلد ، فضلاً عن المنزل. ولو ردّته الريح في البحر قصّر ما لم يبلغ أحدهما ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

ولو قصد الصبيّ مسافة فبلغ في أثنائها قصّر في الباقي وإن قصر عنها ، وكذا من عرض له الجنون أو الإغماء في السفر ثمّ زال.

الثاني : كون السفر سائغاً ، فلا يجوز القصر لمن غايته بسفره المعصية كالإباق والهرب عن الغريم وقطع الطريق وإضرار مسلم في ماله أو عرضه أو نفسه أو الاستعانة بظالم على التمكّن من مظلمة. ويقصّر من ركب دابّة مغصوبة أو على رَحلٍ مغصوب أو استصحب مغصوباً إن لم نقل : إنه بحكم الغريم الهارب ، وإنه منهيّ عنه ، وإلّا أتمّ ، والأحوط القصر والإتمام حينئذٍ. والسالك الطريق يرجّح العطب فيه يتمّ ، وهذا الشرط معتبر ابتداءً واستدامةً ، فلو عرض له قصد المعصية في أثنائه انقطع الترخّص حينئذٍ ، ولو عاد إلى الطاعة عاد الترخّص ، ويشترط كون الباقي مسافة ولو بالعَودِ. ولو كان الباعث على السفر طاعة ثمّ عرضت له المعصية لم تضرّ بما هو سبب لترخّصه ما لم تكن المعصية غايته ولو في الأثناء.

والثالث : ألّا يكون السفر عمله ، وهو كثير السفر ، فمن كان كذلك لم يقصّر ولم يفطر ، كالبريد والجابي والمكاري والملّاح وإن لم يكن أهله معه ، والتاجر يدور بتجارته من سوق للأُخرى.

وتتحقّق الكثرة على الأقوى بالسفر مرّتين بدون إقامة عشرة أيّام في بلده مطلقاً ، وفي غيرها إن نوى الإقامة. وبحكمها العشرة بعد الثلاثين ، فمتى تحقّقت له سفرتان كذلك وجب الإتمام والصيام في الثالثة ، سواء جدّ به السير أم لا. ولا يرتفع عنه هذا الحكم في أن السفر عمله حتّى يقطعها بأحد الأمرين السابقين ، فتنقطع الكثرة ويرجع حكمه إلى القصر حتّى تحصل له سفرتان كذلك ، فيتمّ في الثالثة ، وهكذا.

ص: 376

ومن تحقّق أن السفر عمله عرفاً ولم تحصل له سفرتان كذلك فالأحوط له القصر ، والإتمام لمن تحقّقت له كذلك ولم يتحقّق أنه عمله عرفاً. ولو أقام مَن تحقّقت له وكان السفر عمله عرفاً خمسة أيّام لم يفطر ولم يقصّر ، والأحوط الإتمام والقصر والصوم والقضاء.

وهل يكفي في قطع السفر به نيّة العشرة وإن لم يستوعبها بالفعل ، أو لا بدّ من استيعابها؟ الظاهر الثاني ، والاحتياط أولى.

ولو نوى عشرة ثمّ بدا له السفر قبل مضيّها وخرج إلى حدّ المسافة ، ثمّ نوى الإقامة ، وسافر قبل مضيّ العشرة بقصد جديد ، وهكذا ، صدق على الثالثة أنها ثالثة جديدة ، فلا يرجع إلى القصر فيها ، بل يتمّ ، والجمع حينئذٍ أولى.

تنبيه :

المراد من إقامة العشرة القاطعة للسفر ولكثرته تحقّقُ العزم في النفس على إقامة عشرة أيّام متوالية بلياليها من غير شكّ وتردّد في بلد أو قرية أو بادية أو غيرها ، ولا يضرّ قصد الخروج إلى حدود مكان الإقامة المتّصل به إذا صدق معه الإقامة فيه عرفاً ، وإلّا ضرّ كما في البلد المتّسعة.

ومَن علّق نيّة إقامة العشرة على حصول شي ء لا يحصل إلّا بعد العشرة أتمّ ، ولا تخلّ بها حصوله قبلها لو اتّفق.

ولو نوى إقامة عشرة في قرى متعدّدة ينتقل من بعضها لبعض كمَن نواها في مطلق الأحساء أو القطيف أو البحرين ولم يعيّنها في قرية منها بخصوصها لم يبطل سفره ويقصّر ولو طال الزمان وتجاوز الثلاثين.

ومَن قال : إني إن لقيت فلاناً في البلد أقمت وإلّا لم أقم ، لم ينقطع سفره. ومن تردّد في الإقامة في محلّ وهو فيه ، أو نوى السفر قبل العشرة ولم يسافر ، قصّر إلى ثلاثين يوماً ، وبعدها يتمّ ما بقي فيه ولو صلاة واحدة ، وغير بعيد الاكتفاء بالهلالي ، والعشرة التي بعد الثلاثين بحكم المنويّة ابتداءً.

ص: 377

ومن نوى الإقامة ثمّ بدا له العزم على السفر قبل أن يصلّي صلاة مقصورة تامّة رجع إلى القصر. ومن بدا له وهو في أثناء الصلاة ؛ فإن كان لم يتجاوز محلّ العدول قصّر وبقي على حكم المسافر ، وإلّا فليس له العدول ، فيتمّ حتّى يسافر سفراً جديداً مستجمعاً لشروط القصر.

ولا يكفي النافلة ، ولا صلاة غير المقصورة سفراً ، ولا صلاتها تماماً لا بنيّة الإقامة ولو جهلاً أو نسياناً ، ولا إتمامها في موضع التخيير ، ولا صلاة فرض تماماً قضاءً ، ولا الصوم وإن خرج الوقت ، ولا خروج وقت الرباعيّة مع تركها عمداً أو سهواً ؛ وقوفاً على المتيقّن من النصّ (1).

ولو دخل المسافر في مقصورة ثمّ نوى الإقامة في أثنائها أتمّ.

ويكفي في العشرة كونها ملفّقة فيكملها من الحادي عشر. ولو تجدّد نيّة السفر للمقيم قبل مضيّ العشرة جاز له السفر ويقصّر إذا خرج. والمسافر إذا نوى الإقامة ثمّ خرج في العشرة إلى أبعد من محلّ الترخّص بعد أن صلّى تماماً يبقى على الإتمام ما بقي في محلّه ، أو رجع إلى محلّ إقامته ناوياً إقامة عشرة مستأنفة ، أو تردّد في إقامته في عشرة مستأنفة ذهاباً ، وفي محلّته التي خرج إليها ، وإياباً إلى محلّ الإقامة وفيه.

وإن لم يقصد الإقامة في رجوعه أصلاً ، أو قصد إقامة أقلّ من عشرة ، قصّر في عوده وفي محلّ إقامته جزماً ؛ لقصده المسافة وهي مبطلة للإتمام ، وتكون بلد إقامته أوّلاً كغيرها ، وللضرب في السفر. لكن هل يضمّ الذهاب إلى العود حينئذٍ فيقصّر ذهاباً أيضاً كما عليه جماعة إذا بلغ موضع الترخّص تكون بلد الإقامة كبلد الوطن على الأقوى ، أم لا يضمّه فلا يقصّر في الذهاب؟ الأرجح الأوّل ، والجمع أحوط.

وإن خرج ناوياً العشرة غير قاصد شيئاً من الرجوع والسفر وعدمهما أو متردّداً ، فقولان ، أولاهما الإتمام ذهاباً وفي القصد وعوداً ؛ لعدم قصد المسافة ، والأحوط

ص: 378


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 508 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 18.

الجمع خصوصاً في المتردّد.

ومن خرج بعد العشرة لما دون المسافة إن كان متردّداً أو ذاهلاً أو ناوياً العود عشرة مستأنفة أو متردّداً بَعدُ يتمّ مطلقاً ، والجمع أحوط ، فإن نوى بخروجه السفر قصّر. وفَرقُ بعض المتأخّرين في الخارج قبل العشرة بين الرجوع ليومه فيتمّ مطلقاً ، وعدمه فيقصّر ، ضعيفٌ لا دليل عليه.

الرابع : أن يكون مستمر القصد والسفر ، فلو قطعه بإقامة أتمّ ، فالعاصي بسفره والواصل إلى حدود وطنه يتمّ ولو لم ينوِ الإقامة.

ولا فرق في الملك بين المسكن وغيره ، بل ينقطع السفر بما لو وصل إلى مكان له فيه ملك مطلقاً ولو مثل النخلة والجدار ، ولكن لا بدّ من استيطانه ستّة أشهر اتّصلت أم تفرّقت قبل البلوغ أو بعده أو ملفّقة ، مختاراً كان أو مضطراً ، فرضه فيه التمام أو القصر.

ولا يشترط السكون في الملك ولا دوام استيطانه المدّة المذكورة في كلّ سنة ، ولا عدم اغتصابه منه كلّ ذلك ؛ للإطلاق في موضع البيان الموجب للعموم. ولو خرج عن ملكه ساوى مَن لا ملك له لا بإعارة أو إجارة. ولو اتّخذ غير ذلك البلد وطناً فهل يتمّ بمجرّد الوصول إليه ، أو إذا نوى الإقامة؟ الأولى الأحوط الثاني ، والأحوط منه الجمع. وبحكم بلد الملك البلد المتّخذة وطناً على الدوام ، لكن بعد الاستيطان ستّة أشهر ، والأحوط نيّة الإقامة إلّا في ملك استوطنه ستّة أشهر على الدوام.

ومتى اجتمعت الشروط وجب قصر الرباعيّة ، فلو أتمّها عالماً عامداً لم تجزِه ، كما لو كان عالماً بوجوبه جاهلاً بالمحلّ. والجاهل بالحكم تجزيه لو أتمّ مطلقاً ، والناسي يعيد وقتاً لا خارجاً على الأشهر ، والأحوط القضاء. ومن قصّر غير الرباعيّة اليوميّة لم يجزِه مطلقاً.

والمدار في وجوب القصر والتمام على وقت الفعل ، فلو دخل الوقت ومضى منه قدر الشروط والصلاة قبل مجاوزة محلّ الترخّص ولم يصلّ حتّى جاوزه صلّى

ص: 379

قصراً ، وبالعكس تماماً.

والعبرة في القضاء بحال الفوات لا الوجوب ، ففي الأوّل لو لم يصلّ قضى قصراً ، وفي الثاني تماماً. وتقضى القصر قصراً ولو في الإقامة ، والتمام تماماً ولو في السفر. ومن قصّر في محلّ الإتمام لم يجزِه بحال.

وإذا كان المسافر في مسجد حرم مكّة أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله : أو جامع الكوفة أو حائر الحسين عليه السلام : وهو دَورُ الضريح بخمسة وعشرين ذراعاً على الأقوى تخيّر بين القصر والإتمام إن وسع الوقت ، والإتمام أفضل على الأشهر ، والقصر مطلقاً أحوط ، هذا في المؤدّاة ، أما المقضيّة فتقضى كما فاتت مطلقاً. ولو فاتت الفريضة في أحدها قضيت قصراً مطلقاً ، ويحتمل بقاء التخيير إن قضيت في أحدها. ولا يتخيّر في الصوم مطلقاً. واعلم أن زوائد مسجد الحرم بمكّة وزوائد مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله : بالمدينة بحكمها.

ولا يشترط في النيّة نيّة التمام أو القصر مطلقاً على الأقوى ، وكلّ ما أقصر بالسفر أفطر ، وبالعكس ، إلّا إن المسافر إن تجاوز محلّ الترخّص قبل الزوال أفطر ، ولم يجزِه صيام ذلك اليوم ، وإلّا صام وأجزأه ، ولا فرق بين تبييت نيّة السفر وعدمه.

ص: 380

الباب السادس : باب صلاة الخوف

الباب السادس : باب صلاة الخوف (1)

اعلم أن الخوف سبب مستقلّ في إيجاب قصر الرباعيّة سفراً وحضراً ، وكلّ أسباب الخوف سواءٌ في إيجاب القصر ، كالخوف من اللصّ أو السبع أو السيل. ومن رأى شيئاً فظنّه عدوّاً فقصّر أجزأه ولو تبيّن خلافه. وليس التوحّل والغرق من أسبابه. وتجزي صلاة الخوف ولو بأقلّ درجاتها ، وتعاد أو تقضى لو لم يصلّ بها. ولا يشترط ضيق الوقت في القصر لمطلق الخوف ، واعتباره أحوط.

ولو صلّيت صلاة الخوف جماعة فلها صور :

منها : ذات الرقاع ، وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين ، ويصلّي بفرقة ركعة مخفّفة ، فإذا قام للثانية انفرد من صلّى معه ، وأطال القراءة حتّى يفرغوا ، ويقفون تجاه العدوّ ، وتأتي الفرقة الأُخرى فتدخل مع الإمام ويركع ويسجد بهم ، ويطيل التشهّد حتّى يقوموا فيأتوا بركعة ، ويلحقونه في التشهّد ويسلّم بهم ، وينفسخ قدوتهم حال إتيانهم بالركعة الثانية على الأقوى. وإن كانت الصلاة ثلاثيّة تخيّر بين أن يصلّي بالفرقة الأُولى ركعة والثانية ركعتين ، وبين العكس على ما وصف. ولا

ص: 381


1- في المخطوط : ( الثالث ).

يتحمّل الإمام عمّن انفرد شيئاً أصلاً ؛ للانفراد ، وقبله يتحمّل كما مرّ.

وتصلّى هذه بشرط كون العدوّ في غير جهة القبلة ، وعدم الأمن من هجومه حال الصلاة ، وعدم الاحتياج في مقابلته إلى أكثر من فرقة. ولا يشترط في الفرقة عدد ، بل ما يكفي ولو واحداً ، ويجب أخذ السلاح ما لم يمنع واجباً أو يؤذي مَن إلى جانبه.

ومنها : صلاة بطن النخل وادٍ أو قرية بالحجاز وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين أيضاً ، ويصلّي لكلّ فرقة الصلاة بكمالها ، لكنّها مع الثانية له نفل ولهم فرض ، كما في المعادة حال الأمن.

ومنها : صلاة عُسفَان وهي قرية جامعة على اثني عشر فرسخاً من مكّة ويشترط فيها كون العدوّ في جهة القبلة والمسلمون يرونه مع عدم أمنهم منه. وصورتها : أن يجعلهم الإمام صفّين ويحرم بهم جميعاً ، ثمّ يركع بهم ، فإذا انتصبوا سجد الإمام بالصفّ الأوّل وبقي الثاني قائماً يحرس ، فإذا قام الإمام مع الأوّل للثانية سجد الأخير ، ثمّ انتقل كلّ صفّ إلى موضع الآخر على الأولى للتأسّي ، ويصحّ بدونه ، فإذا ركع بهم جميعاً وانتصبوا سجد بالذي كان يحرس أوّلاً ، وبقي الآخر قائماً حتّى يجلس من سجد معه إلى التشهّد ، ثمّ يسجد من بقي قائماً ويلحق الإمام في التشهّد ، ويسلّم بهم جميعاً. ويجوز اختصاص الحراسة في الركعتين بصفّ ، وكون الحارس أكثر من صفّ كما لو تكثّرت الصفوف.

ولو حضرت الصلاة حال التحام الهيجاء ومعانقة الحديد للرجال صلّوا بحسب الإمكان مشاةً وركباناً ، ولو تعذّر الاستقبال حتّى بتكبيرة الإحرام سقط ، والسجود ولو على عُرف دابّته أو قَرَبوس سرجه ، أومأ برأسه ، فإن تعذّر فبعينيه ، وإن لا يمكن فبواحدة.

وتشرع الجماعة حينئذٍ بشرط عدم تقدّم المأموم على الإمام ، ويغتفر حينئذٍ

ص: 382

اختلاف الجهة ، فالجهات لهم حينئذٍ قبلة. وقال الشيخ رحمه الله (1) : بجواز الجماعة حال الأمن بصورة الخوف. ولا يجوز صلاة الخوف في طلب العدوّ ، ولا في القتال المحرّم ، وغير بعيد الصحّة إذا لم يخلّوا بركن ، لكن لو صلّوا بالإيماء لم تجزِ. وكذا الفارّ من الزحف لا يجزيه.

ولو انتهى الحال في صلاة الخوف إلى تعذّر الأقوال والأفعال ولو بالإيماء ، أجزأ عن مجموع الركعة الواحدة مع أقوالها أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر مرّة واحدة بعد النيّة وتكبيرة الإحرام ، ويتشهّد ويسلّم بعد.

ومن أراد قضاء فائتة في تلك الحال قضاها بالكيفيّة وأجزته. ولو فاتت صلاة الخوف قضيت صلاة أمنٍ في الكيفيّة. أمّا العدد ؛ فإن كان مسافراً قضاها قصراً ، وإلّا تامّاً ، والجمع أحوط. وكلّ ما جعل بدلاً في الاضطرار يلحقه حكمه ، ركناً كان أو واجباً أو ندباً في الزيادة والنقصان وغيرهما من سجود سهو أو احتياط وغيرهما ، ويؤتى به معهما كهيئتها.

ص: 383


1- المبسوط 1 : 167.

ص: 384

خاتمة

الذكر مقسوم على سبعة أعضاء كما في حديث ( الخصال ) اللسان ، والروح ، والنفس ، والعقل ، والسرّ ، والقلب ، والمعرفة.

واستقامة اللسان صدق الإقرار ، والروح صدق الاستغفار ، والنفس صدق الاعتذار ، والعقل صدق الاعتبار ، والقلب صدق الافتخار ، والسرّ السرور بعالم الأسرار ، والمعرفة صدق اليقين ومعرفة الجبّار.

وذكر اللسان الثناء ، وذكر النفس الجهد والعناء ، وذكر الروح الخوف والرجاء ، وذكر القلب الصدق والصفاء ، وذكر العقل التعظيم والحياء ، وذكر المعرفة التسليم والرضا ، وذكر السر الاقتصار على رؤية اللقاء (1).

واعلم أنه لا يحرم أخذ الأُجرة على تعليم القرآن ، ولا يقرأ بما ورد عنهم عليهم السلام من القراءات في زمن الغيبة إلّا أن توافق أحد العشر للتقيّة ، ولأمرهم بأن نقرأ كما يقرأ الناس (2). ويجوز إهداء ما تقرؤه منه لمحمّد : وآله صلّى الله عليه وعليهم وسلم.

وعليك بالمستحبّات في جميع العبادات فإنها حصن وحرز ومتمّمة للواجبات ، حتّى النفقات المستحبّة وهي نفقة ما عدا الآباء وإن علوا ، والأبناء وإن نزلوا ،

ص: 385


1- الخصال 2 : 404 / ذيل الحديث : 114 ، باب السبعة ، بتفاوت وقد نسبه إلى بعض الصالحين عليهم السلام.
2- التوحيد : 284 / 3.

والزوجة والمملوك والدابّة تتمّم ما نقص من فرضها ما لم يقبل أو نقص ثوابه ، وحرز للعامل ودينه وماله وأهل حُزانته ، فواظب عليها ما استطعت ، خصوصاً صدقة السرّ.

والحمد الله آخراً كما بدأ ، والسلام دائماً على أئمّة الهدى والجُنّة من الردى محمّد : وآله أبواب الرضا.

تمّت بمنّ الله تعالى ظهر اليوم الثالث من جمادى [ الآخرة (1) ] سنة (1209) بقلم أفقر العباد لعفو الله الكريم صالح بن طعّان بن ناصر الستري البحراني (2) ، عُفِيَ عنه وعن والديه والمؤمنين والمؤمنات ، إنه غفور رحيم وتوّاب حليم ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطاهرين.

ص: 386


1- في المخطوط الرقم : (2).
2- عالم فقيه ( ت 1281 ه ) ، والستري نسبة إلى مدينة سترة في البحرين ، تلمذ لأفاضل عصره منهم الشيخ عبد الله الستري ، والشيخ سليمان آل عبد الجبار ، أرسل إليه السيد شبّر ابن السيد علي ابن السيد مشعل البحراني نزيل المحمّرة مسائل في أُصول الفقه ، أجاب عنها ابنه العلّامة الشيخ أحمد برسالة سمّاها ( الدرر الفكرية في أجوبة المسائل الشبّريّة ). منتظم الدرّين : رقم 2. ( مخطوط ).

الرسالة السابعة : تحديد أوّل النهار

اشارة

ص: 387

ص: 388

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : اعلم أن أصحابنا عظّم الله أُجورهم وضاعف إحسانه إليهم قد اختلفوا في تحديد أوّل النهار بعد اتّفاقهم على أن آخره غروب الشمس وإن اختلفوا فيما يتحقّق به الغروب على قولين :

أحدهما وهو المشهور عندهم - : أنه ذهاب الحمرة المشرقيّة ومجاوزتها سَمتَ الرأس ، وهو الأقوى.

والثاني : أنه استتار القرص.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المسألة ، وإنما غرضنا في هذه الرسالة بيان أوّل النهار بالمعنى الحقيقيّ لغةً وشرعاً ، فقد اختلفوا فيه على قولين : فالأشهر الأظهر أن أوّله طلوع قرص الشمس على الأُفق الحسّيّ ، كما عليه الأكثر ، وهو ظاهر كلّ من قال

ص: 389

انتصاف الليل زواله. ومن فسّر زواله بانحدار النجوم الطالعة وقت الغروب ، وهم المعظم ، فإنه لا ينطبق إلّا على تنصيف ما بين الغروب إلى الطلوع كما هو ضروريّ.

وقال جماعة : إنه طلوع الفجر الثاني (1). وببيانه يتبيّن آخر الليل ووسطه وأوّله.

ص: 390


1- مجمع البيان 1 : 138 ، تذكرة الفقهاء 2 : 386 / المسألة : 79.

الأدلّة على أن أوّل النهار طلوع قرص الشمس

ولنا على ما اخترناه ضروب من الدلالات :

أحدها : ما جاء عنهم عليهم السلام لما سُئلوا : كم بين المشرق والمغرب؟ أنهم قالوا مسيرة يوم للشمس ، كما في ( نهج البلاغة ) (1) ، فدلّ على أن النهار زمان مسير الشمس من المشرق إلى المغرب.

ومثله ما في ( الاحتجاج ) أن أبا حنيفة : سأل أبا عبد الله عليه السلام : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال مسيرة يوم ، بل أقلّ من ذلك فاستعظمه ، فقال يا عاجز ، لم تشكُّ في هذا؟ إن الشمس تطلع في المشرق وتغرب في المغرب في أقلَّ من يوم (2) الخبر.

فإن الظاهر أنه أراد به مسير الشمس ، فدلّ على أن النهار زمن مسيرها من المشرق إلى المغرب ؛ إذ لا خلاف في ترادف اليوم والنهار ، ولعلّه قال بل أقلّ نظراً إلى تفاوت ما بين كونها على الأُفق الحسّيّ والحقيقيّ ، فأجاب أوّلاً بما هو محسوس مُدرَك لعامّة البشر ، وهو المتعارف بينهم ، ثمّ أبان بالإضراب الحقيقة.

والتفاوت بينهم بحسب الظاهر ، هو قدر ما بين استتار القرص إلى ذهاب الحمرة من جهة المشرق ، وهو وقت فرض المغرب على المشهور ؛ فإنه الوقت الذي تغيب فيه الشمس من شرق الأرض وغربها حقيقة ، وهو آخر النهار حقيقة.

إمّا حسّا وبحسب العرف ، فهو استتار القرص عن أبصار أهل ذلك الأُفق ، ولا

ص: 391


1- نهج البلاغة : 718 / قصار الحكم : 294.
2- الاحتجاج 2 : 272 / 239.

يكون مثل هذا في حال الطلوع ، بل هي إذا طلعت طلعت في شرق ذلك الأُفق وغربه ؛ لأن المشرق مطلّ على المغرب ، كما جاء في الأخبار المعتمدة. ولذا اختلف الفقهاء وظواهر الأخبار فيما يتحقّق به الغروب دون الطلوع ، فإن الأخبار والأُمّة متّفقة على أن آخر وقت أداء الصبح طلوع قرص الشمس من الأُفق ؛ فمن أجل ذلك قال عليه السلام مسيرة يوم ، [ أي بحسب الحسّ والعرف العامّ ] ، بل أقلّ ، [ أي حقيقة (1) ].

الثاني : ما رواه العيّاشيّ : في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (2) عن حريز : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال طرفاه : المغرب والغداة ، و ( زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) : هي صلاة العشاء الآخرة (3).

فدلّ على أن المراد بطرفي النهار هما الطرفان الخارجان منه ؛ بدليل جعل وقت المغرب طرفاً. ولا قائل بأن وقتها من النهار ، فيكون وقت صلاة الصبح وهو الطرف الثاني خارجاً أيضاً بمقتضى المقابلة ، فيكون وقت صلاة الصبح خارجاً من النهار وداخلاً في الليل. وعلى هذا أوّل النهار طلوع القرص.

الثالث : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال :

قال : كتبت إليه عليه السلام في وقت صلاة الليل ، فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوَّله وآخره جائز (4).

فقد دلّ على أن انتصاف الليل زواله ، وقد ثبت أن آية ذلك انحدار النجوم الطوالع وقت مغيب الشمس ، وهذا لا يتمّ إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ؛ لأن النجوم الطالعة وقت الغروب لا تنحدر عن وسط السماء ، ودائرة نصف النهار الأوسط زمان ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي إن شاء الله بيان تلك النجوم.

الرابع : ما رواه الصدوق : في الصحيح عن الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : سُئل عن

ص: 392


1- ورد في النسختين لفظ : ( أي حقيقة ) بعد قوله عليه السلام : « مسيرة يوم » ولفظ : ( بحسب الحسِّ والعرف العامِّ ) بعد قوله عليه السلام : « بل أقلّ ».
2- هود : 114.
3- تفسير العياشيِّ 2 : 170 / 73.
4- تهذيب الأحكام : 2 : 337 / 1392.

الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمَّ صومه (1).

وهو نصّ في أن نصف النهار هو الزوال ، وبالضرورة الحسّيّة أن الزوال لا ينصّف إلّا ما بين الطلوع والغروب فليس النهار إلّا ذاك.

الخامس : ما ورد أن النبيّ صلى الله عليه وآله : كان يغلس بصلاة الفجر (2). وقال صلى الله عليه وآله صلِّها بغبش (3) فقد ذكر بعض أئمة اللغة أن الغلس (4) : والغبش (5) : ظلمة آخر الليل. وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى. فدلّ على أن صلاة الصبح في آخر الليل لا في أوّل النهار ، فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس.

السادس : ما رواه الشيخ : بسند معتبر ، أو هو حسن عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء حتّى ينتصف الليل (6).

فقد دلّ على أن صلاة الصبح في الليل ، فإذن أوّل النهار طلوع الشمس.

السابع : ما رواه أيضا عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كان عليّ عليه السلام : لا يصلِّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ، ولا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس (7).

فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس كالذي قبله.

الثامن : ما رواه الصدوق : في ( من لا يحضره الفقيه ) عن أبي جعفر : أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يصلِّي بالنهار (8) شيئاً حتّى تزول الشمس ، فإذا زالت صلّى ثماني ركعات ، وهي

ص: 393


1- الفقيه 2 : 92 / 412.
2- الفقيه 1 : 302 / 926.
3- بحار الأنوار : 135.
4- الصحاح 3 : 956 غلس ، النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس ، لسان العرب 10 : 100 غلس.
5- الصحاح 3 : 1013 غبش ، لسان العرب 3 : 11 غبش.
6- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1060.
7- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1061.
8- في المصدر : « من النهار ».

صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء ، وتهبُّ الرياح وينظر الله إلى خلقه. فإذا فاء الفي ء ذراعاً صلّى الظهر أربعاً ، وصلّى بعد الظهر ركعتين ، ثمّ صلّى (1) ركعتين أُخراوين (2) ، ثم صلّى العصر أربعاً إذا فاء الفي ء ذراعين ، ثمّ لا يصلِّي بعد العصر شيئاً حتّى تؤوب الشمس ، فإذا آبت وهو أن تغيب صلّى المغرب ثلاثاً ، وبعد المغرب أربعاً ثمّ لا يصلّي شيئاً حتّى يسقط الشفق ، فإذا سقط الشفق صلّى العشاء ، ثمّ آوى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى يزول نصف الليل ، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ، وقرأ (3) فيهن بفاتحة (4) الكتاب ، وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ، ويتكلَّم ويأمر بالحاجة ، ولا يخرج من مصلّاه حتّى يصلِّي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ، ثمّ يسلِّم ويصلِّي ركعتي الفجر قبل الفجر ، وعنده وبعده ، ثمّ يصلِّي ركعتي الصبح وهو (5) الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً. فهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله : التي قبضه الله تعالى عليها (6).

ووجه الدلالة [ في ] الخبر معلوم ممّا سبق ، ومثله ما رواه الشيخ : عن زرارة عنه عليه السلام (7).

التاسع : ما رواه الشيخ : في الصحيح عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سألته عمّا فرض الله من الصلوات ، فقال خمس صلوات في الليل والنهار.

فقلت : هل سمّاهنّ الله عزوجل ، وبيّنهن في كتابه؟ قال (8) نعم قال الله عزوجل لنبيِّه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (9) ودلوكها : زوالها ، ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن وبيَّنهنَّ ووقَّتهن. وغسق الليل : انتصافه. ثمَّ قال ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (10) فهذه الخامسة ، وقال في ذلك ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ

ص: 394


1- ليست في المصدر.
2- كذا في المخطوط والمصدر.
3- في المصدر : « يقرأ ».
4- في المصدر : « فاتحة ».
5- في المصدر : « وهي ».
6- الفقيه 1 : 146 / 678.
7- في « ق » : ( فقال ).
8- تهذيب الأحكام 2 : 36 / 111.
9- الإسراء : 78.
10- الإسراء : 78.

النَّهارِ ) (1) وطرفاه : المغرب والغداة ، ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (2) وهي : صلاة العشاء الآخرة ، وقال ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (3) وهي : صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر (4).

وهو نصّ في المطلوب ؛ فإنه لا يكون الزوال إلّا وسطاً ما بين الطلوع والغروب بالضرورة ، وأمّا أن صلاة الغداة من صلاة النهار فسيأتي إن شاء الله له معنًى غير أن أوّل النهار طلوع الفجر ، وإلّا لتناقض صدر هذا الخبر وعجزه ، وهو محال.

العاشر : ما رواه الشيخ : عن عمّار بن موسى الساباطي : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس ، وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل (5).

وهذا ظاهر في أن صلاة الصبح بالليل.

الحادي عشر : ما رواه الشيخ : عن ابن فضّال : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام : قال السنَّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنَّة في صلاة الليل بالإجهار (6).

فدلّ بإطلاقه على أن صلاة الصبح من صلاة الليل ؛ لأنها بالإجهار ، فيكون أوّل النهار ما بعد آخر وقتها ، وهو طلوع الشمس.

الثاني عشر : ما رواه الشيخ : بسنده عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه السلام عند زوال الليل ، وهو نصفه (7).

فدلّ على أن انتصاف الليل بالزوال ، وزواله لا يكون إلّا بانحدار النجوم عن وسط السماء ؛ وذلك لا يكون منصّفاً إلّا لما بين الغروب والطلوع ، كما سيجي ء إن شاء الله

ص: 395


1- هود : 114.
2- هود : 114.
3- البقرة : 238.
4- تهذيب الأحكام 2 : 241 / 954.
5- تهذيب الأحكام 2 : 272 / 1081.
6- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.
7- تهذيب الأحكام 2 : 337 / 1392.

بيانه. ومثل هذا الخبر في هذه الدلالة كثير.

الثالث عشر : ما في ( الكافي ) عن : عليّ بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن ابن أُذينة : عن عدّة من أصحابنا ، أنهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام ، يقول كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل (1).

فنفي صلاته بالنهار حتّى تزول الشمس دليل على أن وقت صلاة الصبح ليس من النهار ، فيكون أوّل النهار طلوع الشمس.

الرابع عشر : ما رواه الصدوق : في ( الخصال ) (2) ، و ( العلل ) (3) بسنده عن أبي هاشم الخادم : قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام : لم جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، فجعل لشفق الصبح ركعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجَعل للغسق ركعة.

فدلّ بظاهره على خروج الساعة التي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ساعات النهار ، بل على أنها من ساعات الليل من وجهين :

الأوَّل : الإجماع عرفاً ولغةً على أنه لا مثلث للّيل والنهار من الزمان.

والثاني : إفراد ذكر ساعات النهار عنها ، وذكرها في سياق ساعات الليل ، وتخصيصها بالذكر لا ينافي ذلك ، كما لا ينافي ذكر الساعة المغربيّة بخصوصها كونها من ساعات الليل.

الخامس عشر : ما دلّ على أن نصف النهار هو الزوال ، وهو كثير جدّاً ، مثل صحيح الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو

ص: 396


1- الكافي 3 : 289 - 290 / 7.
2- الخصال 2 : 488 ، باختلاف.
3- علل الشرائع 2 : 22 ، ب 23 ، ح 1 ، باختلاف يسير.

صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه (1).

وصحيح محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتدُّ به من شهر رمضان (2).

وصحيح ابن سنان : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال من أصبح وهو يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثمّ يقضي ذلك اليوم (3) الخبر.

وحسنة الحلبي : أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ، ثمّ يبدو له فيفطر قال هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار (4).

وخبر ابن بكير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار قال يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار (5).

وخبر سماعة : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال إن ذلك في الفريضة ، فأمّا في النافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس (6).

وفي ( التهذيب ) ، و ( الاستبصار ) أن عليّاً عليه السلام قال إن الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم (7).

وفي صحيح عبد الله بن سنان (8) ، وخبر إسحاق بن عمّار (9) ، وأخبار كثيرة (10) أن من أراد الصيام فهو بالخيار إلى زوال الشمس.

وبالجملة ، فالأخبار بأن نصف النهار هو زوال الشمس مستفيضة المضمون ،

ص: 397


1- الفقيه 2 : 92 / 412.
2- الفقيه 2 : 92 / 413.
3- تهذيب الأحكام 4 : 187 / 524.
4- الكافي 4 : 121 / 1.
5- تهذيب الأحكام 4 : 322 / 989.
6- تهذيب الأحكام 4 : 187 / 527.
7- تهذيب الأحكام 4 : 281 / 850 ، الاستبصار 2 : 122 / 397 ، وليس فيهما قوله : « إن ».
8- الكافي 4 : 122 / 3.
9- تهذيب الأحكام 4 : 280 / 848.
10- انظر وسائل الشيعة 10 : 15 ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ، ب 4.

بحيث يحصل القطع بمضمونها بلا مخالجة الشكّ. ومن الضروريّ أن الزوال منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، وأن الليل ما سوى النهار من الزمان ، فيكون الليل هو زمن ما بين غروبها وطلوعها.

قال السبزواريّ : في رسالته المعمولة في المسألة بعد أن نقل جملة من هذه الأخبار ، وغيرها ممّا في معناها من طرق العامّة أيضاً المصرّحة بأن نصف النهار هو الزوال - : ( وهل يستقيم لعاقل أن يقول : أحد النصفين يزيد على النصف الآخر بساعة ، أو بقريب من ساعة ونصف ، بل أكثر كما في كثير من البلاد؟ ) ، انتهى.

السادس عشر : ما رواه عليّ بن إبراهيم : في تفسيره عن أبيه عن إسماعيل بن أبان : عن عمرو بن أبان الثقفي : قال : سأل نصرانيّ الشام أبا جعفر الباقر عليه السلام : عن ساعةٍ ما هي من الليل ولا من النهار ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

قال النصرانيّ : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فمن أيّ الساعات هي؟ قال أبو جعفر عليه السلام من ساعات الجنة ، وفيها تفيق مرضانا (1).

ورواه الكليني (2) ، وجملة من كتب الفضائل (3).

فدلّ هذا الخبر على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من النهار ، فتكون من الليل.

فإن قلت : كما دلّ هذا على أنه ليس من النهار دَلّ على أنه ليس من الليل ، فيكون من النهار.

قلت : المنازِع لا يدّعي خروجه من النهار ولا يقول أحد الفريقين بخروجه عنهما ، ونهاية الأمر تعارض الدلالتين. وتترجّح دلالته على أن ذلك الزمان من الليل بموافقة الاستصحاب ، والعرف العامّ المحكّم في الوضعيّات.

السابع عشر : ما صحّ عن أهل البيت عليهم صلوات الله - : من قولهم أسألك ..

ص: 398


1- تفسير القمّي 1 : 126 ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، عنه في بحار الأنوار 46 : 313 - 314 / 2.
2- الكافي 8 : 106 / 94.
3- مدينة معاجز الأئمة 5 : 64.

باسمك الذي وضعته على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم (1).

والضرورة الوجدانيّة قاضية ببقاء الظلام بعد طلوع الفجر الثاني ، وهو آية بقاء أثر الاسم الموضوع على الليل فيه ، فيكون من الليل ، ولو كان من النهار لاستنار بالاسم الموضوع على النهار استنارة كاستنارة النهار ؛ لأن أثره نوع واحد ، ولا يتعقّب هذا بما في قرب طلوع الشمس وغروبها من الاستنارة في الجملة ، فإن ذلك لمجاورته نور النهار وقربه منه ، والنور والوجود له فاضل وفضل يفيض منه على ما جاوره وقرب منه ، بخلاف الظلمة والعدم ، فإنه ليس له فضلٌ ولا فاضلٌ يفيض منه على الوجود والنور ؛ لأنه نقطة ، وإلّا لكان الوجود والنور قابلاً مستمدّاً من العدم والظلام ، والضرورة قاضية باستحالته.

وعليك باعتبار ظلّ الجدار وشعاع الشمس فإنّك لا تجد من الظلّ أثراً في شعاع الشمس ، وليس له فاضل يفيضه عليه عند المجاورة والمقابلة ، وتجد لنور شعاع الشمس فاضلَ نور يُلقيه ويفيضه على ظلّ الجدار المجاور له حتّى إنه تُبصر فيه النواظر ، ولفاضله فاضلاً يفيضه على مجاورة من الظل. وهكذا إلى أربعين رتبة فينقطع ظهور أثره وفيضه وتستحكم الظلمة وتخلص.

ومثل هذا جاء في أسماء أهل البيت عليهم السلام : الذين هم أسماء الله العليا أن الله كتبها على كلّ شي ء ، وبها قام كلّ شي ء ، وقبِل الوجود بحسب قابليّته الاختياريّة في جميع أنحاء وجوده ولوازمه ، فقد روى خاتمة الحكماء الشيخ أحمد بن زين الدين : في ( شرح الجامعة الكبيرة ) عن كتاب الحسن بن سليمان الحلي : المعروف ب- ( مختصر بصائر سعد ) ، بروايته عن بعض علماء الإماميّة في كتاب ( منهج التحقيق إلى سواء الطريق ) بسنده إلى سلمان : أنه قال : يا أمير المؤمنين ، كيف تملك وتعلم بهذه الأشياء؟ قال عليه السلام أعلمُ ذلك بالاسم الأعظم الذي إذا كتب على ورق الزيتون وأُلقي في النار لم يحترق ، وبأسمائنا التي كتبت على الليل فأظلم وعلى النهار فأضاء واستنار ، وإنّا

ص: 399


1- بحار الأنوار 95 : 317 / 3.

المحنة النازلة على الأعداء ، وإنّا الطامَّة الكبرى ، أسماؤنا مكتوبة على السماوات فقامت ، وعلى الأرض فانبسطت ، وعلى الرياح فذرت ، وعلى البرق فلمع ، وعلى النور فسطع ، وعلى الرعد فخشع (1) الخبر.

فإن المراد بأسمائهم : صفاتُهم العليا ، فإن الاسم صفة لموصوف (2) ، كما جاء عن مولانا الرضا عليه السلام ، والمراد : أنهم سلام الله عليهم لمّا كانوا خُزّان رحمة الله وجوده ، فهم يفيضون على كلّ شي ء ما تقبله فطرته من الوجود وكمالاته ، بكمال اختياره بحسب قابليّته. فالجود والوجود واحد ، والقوابل مختلفة ، فاختلف باختلافها ظهوره كاختلاف ألوان الماء وأوضاعه باختلاف أوانيه ، فاللون والوضع [ اللذين ] (3) حكاهما الماء إنما هما للإناء ، وكقطر المطر في أجواف الأصداف درّ ، وفي أجواف الأفاعي سمّ (4). وفي معادن الذهب ينبت الذهب ، وفي معادن الكبريت ينبت (5) الكبريت ، وهكذا.

فالاسم الأعظم كتب على النهار ليكون نشوراً مبصراً ، ونوراً تهتدي به أبصار الحيوانات لتطلب معاشها لمعادها ، وتميّز بين ضارّها ونافعها ، وتصلح به المواليد الثلاثة التي هي مراقي الإنسان لمعاده ، فقد خلقت له كما قال تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (6) ، فقبله على ذلك فأُوتى قسطه وما يستحقّه بسؤاله ، فجعل وكان كذلك ، فهو يسبّح اللهَ ويسجد له بضيائه واستنارته ، وإبصاره وضياؤه واستنارته [ هي (7) ] أثر تلك الكتابة وقبوله لها ، بل هي ذلك الاسم المكتوب ، أي صفته.

وكذلك الليل كتب عليه ذلك الاسم الأعظم ليكون ستراً وجماماً ، وقوّةً ولباساً ،

ص: 400


1- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 4 : 16.
2- التوحيد : 192 / 5.
3- في النسختين : ( الذي ).
4- إشارة إلى البيت المشهور : كقطر الماء في الأصداف در *** وفي بطن الأفاعي صار سمّا شرح المشاعر : 61.
5- ليست في « ق ».
6- البقرة : 29.
7- في النسختين : « هو ».

وليصلح بظلامة وبرده أمر المواليد الثلاثة. فظلامه من حيث هو كذلك هو أثر تلك الكتابة ، بل هي هو ، أي صفته ، فهو يسبّح الله ويسجد له بظلامة من حيث هو كذلك ؛ لأنه كماله الذي يكمل به النظام الجمليّ كالنهار ، ونوره وضيائه. فسبحان من جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً ، فكلّ من ضياء النهار وظلام الليل آية تدلّ على وحدانيّة مبدعه.

وذلك سرّ كتابة الاسم على كلّ منهما ، فكانا كما أمرهما وكتبه عليهما أي خلقه فيهما وفطرهما عليه من كمالات الوجود وما يصلح به النظام الجمليّ وهكذا في كلّ شي ء كتابه أسمائهم أي خلق الصفات الكمالية فيها التي فاضت عليها منهم وبهم فإنها جهة كمالها الموهوب ، فكتابتها على النار هو إحراقها وتعذيبها وقاهريّتها لمن القي فيها ، وعلى الجنّة هو بهجتها ونعيمها وسرورها لمن سكنها ، وحورها وارتفاع المنافيات والمحن والأخباث عن أهلها ، فهما يسبّحان الله عزّ اسمه ، ويسجدان له بذلك الاسم والصفة ، بل كتابتهُ على كلّ منهما هو عين كماله الفائض عليه من باب الرحمة الأعظم. فسبحان مَن أنزل مِن السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، ووسعت رحمته كلّ شي ء.

فكلّ وُجود وَجود وكمالُ وُجودٍ فهو منهم وبهم فاض ، فقد أفاضوا على كلّ ذرّة من ذرّات الوجود قسطاً ممّا أنعم الله به عليهم ، وآتاهم من فضله ممّا يناسبه ويقبله بكمال اختيار فطرته وقابليّته ورتبته ؛ ليكمل النظام الجمليّ بكمالهم وتكميلهم ، وتكمل حجّة الله على جميع خلقه ، فهم الرحمة التي وسعت كلّ شي ء ، وبهم رحم الله الخلق ، قبِل من قبِل ، وأبى من أبى ، حتّى إنهم أفاضوا على قلب الكافر وجوارحه كماله من القدرة على الكفر والإيمان بعد إفاضة وجوده. وذلك هو جهة كتابة الاسم الأعظم عليه ، بل هي هو فإنها صفة كمال ، وكلّ كمال فهو فاضل شي ء من كمالهم [ الذي (1) ] لا تبلغ العقول وَصفه وحكايته ، كلّ ذلك بكمال الاختيار.

ص: 401


1- في النسختين : ( التي ).

فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه وإبصاره ، وعلى الليل هو ظلامه واستتاره ، من حيث إنَّهما كمالان لوجوديهما وللنظام الجمليّ ، لأمن حيث إن الليل يطمس الأبصار بفقد النور ، ولا من حيث أنه عدم النور والضياء ، فليس ظلامه الفطريّ إنكاراً لذلك الاسم الذي كتب عليه ، ولا لأنه لم يقبل تلك الصفة التي هي من فاضل نور اسمهم الأعظم وصفتهم العليا ، وإلّا لما كان مكتوباً عليه الاسم الأعظم بالفعل ، ولم يكن قولهم : إن الاسم كتب عليه فأظلم ، حقيقة ، وهو حقيقة كما يرشد إليه تفريع ظلامه على تلك الكتابة ، حيث قال عليه السلام كتب على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم ، وعلى البرق فلمع ، وعلى الرعد فخشع (1).

ففرّع ذلك على الكتابة.

فهي إذن العلّة لضياء النهار ، وظلام الليل ولجميع كمالات الوجود ، فلا يكون ظلامه متسبّباً عن إنكاره وإبائه لقبول كتابة ذلك الاسم وتلك الصفة. وممّا يرشدك إلى ما قلناه ما رواه في ( الكافي ) بسنده عن أبي ولّاد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله خلق حجاباً من ظلمة ممّا يلي المشرق ، ووكّل به ملكاً ، فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ، ثمّ استقبل بها المغرب يتبع الشفق ، ويخرج من بين يديه قليلاً قليلاً ، ويمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح الظلمة ، ثمّ يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (2).

فلو كان ظلام الليل متسبّباً وناشئاً عن إنكاره للاسم ، وعدم قبوله لتلك الصفة الكماليّة لما كان ظلامه إنما يخرج من كفّ الملك ، ولا كان الملك هو المغترف له من بحر ذلك الحجاب ، فلله حجب من ظلمة كما لَهُ حجب من نور.

عرفت (3) أن ما في الساعة الفجريّة من الظلام هو من ظلام الليل ، فتكون من الليل ؛ إذ لو كانت من النهار لكان الاسم الذي كتب على النهار فأضاء قد كتب عليها ،

ص: 402


1- شرح الجامعة الكبيرة 4 : 16.
2- الكافي 3 : 279 / 3.
3- جواب أداة الشرط ( إذا ) في قوله : ( فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه .. ) الواردة في أول الصفحة.

ولو كتب عليها لم يكن فيها ظلام بوجه أصلاً ، بل كانت مثل سائر أجزاء النهار في الإضاءَة ، وإلّا لم تكن كتابة ذلك الاسم علّة لإضاءة النهار مطلقاً ، وهي علّة تامّة لإضاءة النهار مطلقاً بجميع أجزائه على حدّ سواء.

ومن البيّن أن ما في تلك الساعة من الإضاءة ليس من نوع إضاءة سائر أجزاء النهار ، وإنما هي من فاضل نور النهار ، بسبب المجاورة كالساعة المغربيّة كما بيّناه.

الثامن عشر : قد تبيّن من مطاوي هذه الأخبار أن لليل زوالاً ، وزواله انتصافه ، وعلامة زواله وآيته انحدار النجوم ، كما في خبر عمر بن حنظلة : أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام ، فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل؟ فقال عليه السلام لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي ء نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (1).

فإن المراد منه : زوالها وانحدارها عن دائرة نصف النهار بمعونة العرف والتبادر ، حيث لا يفهم من زوال النجم إلّا هبوطه عنها ، ويرشد إليه تشبيهه عليه السلام زوال الليل الذي عرّفه بانحدار النجوم بزوال الشمس ، ولا وجه للشبه إلّا ذلك.

وقد كلّف الشارع عليه سلام الله العباد بمعرفة انتصاف الليل الذي هو زواله ؛ لأنه كلّفهم بأداء نافلة الليل ، وجعل أوّل وقتها انتصاف الليل إجماعاً ، وكلّفهم بأداء صلاة العشاء وجعل آخر وقتها انتصاف الليل على الأشهر الأظهر ، بل الظاهر شذوذ القول بأنه الصبح ، والقول بأنه ثلث الليل. بل الظاهر انقطاعهما ، وذكر عبادات ندب إليها في الثلث الأخير من الليل.

وبالجملة ، فافتقار الخلق إلى معرفة انتصاف الليل للعبادات والمعاملات وغير ذلك لا يخفى.

وحكم (2) بأن انتصاف الليل زواله ، وجعل آية زواله انحدار النجوم عن دائرة نصف النهار ، وهذا لا يتمّ ولا يضبط إلّا على أن الليل عبارة عمّا بين الغروب

ص: 403


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- عطف على قوله : ( وذكر عبادات ندب .. ) ، أو على قوله : ( كلّف الشارز. . ).

والطلوع ؛ وذلك لأنه تكليف عامّ فعلامته لا بدّ أن تكون ظاهرة معلومة لأكثر المكلّفين ؛ إذ لا يجزي التقليد في الأوقات إلّا للمعذورين كالعميّ وسائر من استثناه الفقهاء.

فلا بدّ أن يريد عليه سلام الله - : نجوماً مخصوصة ؛ لأن إرادة كلّ نجم فُرض واضحة الفساد ، بل ضروريّته ، فإنه لا يريد : النجوم الطالعة وقت العصر ولا الظهر ، فإن زوالها لا ينصّف الليل بالضرورة ، فلا بدّ أن يريد عليه السلام نجوماً مخصوصة.

والذي وقفت عليه في كثير من كتب الفقه أن المراد بها : النجوم التي تطلع وقت الغروب ، وهذا مجمل ، فإنه ليس كلّ نجم يطلع وقت الغروب يزول نصف الليل بالضرورة ؛ فإنه يطلع وقت الغروب نجم على المدارات الجنوبيّة المقاربة للقطب الجنوبيّ ، ونجم على المدارات الشماليّة المقاربة للقطب الشماليّ ، فمحال أن يزولا معاً بالضرورة.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( وقال الشهيد : في ( الذكرى ) (1) : روى محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه ، ثمَّ لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل.

ومثله عن أبي جعفر عليه السلام : قال حتّى يزول الليل ، فإذا زال الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الركعة الأخيرة ، ثمّ يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده.

قلت (2) : عبّر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار ).

ثمّ نقل رواية عمر بن حنظلة : المتقدّمة ، ثمّ قال : ( والظاهر أنه عنى : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

والجعفي : اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة ، فإنه قال : إنها مقسومة على ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً لكلّ منزلة ثلاثة عشر يوماً ، فيكون الفجر مثلاً بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوماً ، ثم ينتقل إلى ما بعده ، وهكذا. فإذا جُعل

ص: 404


1- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
2- أي المجلسي رحمه الله.

القطب الشماليُّ بين الكتفين نُظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل ، فيُعدُّ منها إلى منزله الفجر ، ثمّ يؤخذ لكلّ منزلة نصف سبع ).

قال : ( والقمر يغرب ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ، ثمّ يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ، ثمّ يتأخّر إلى (1) ليلة خمس عشرة نصف سبع ، وعلى هذا إلى آخره. قال : وهذا تقريب ) ، انتهى كلام ( الذكرى ).

إلى أن قال : ( ثمّ اعلم أن ما ذكره الشهيد : وتبعه شيخنا البهائيّ رحمه الله : من تخصيص النجوم المذكورة في الخبر بالتي تطلع عند غروب الشمس إنما يستقيم إذا كان كلّ أُفق من الآفاق منصّفاً لمدارات جميع الكواكب ، وليس هو كذلك ، بل هذا مخصوص بافق خطّ الاستواء ، أمّا في الآفاق المائلة باعتبار قلّة ميل معدّل النهار عن سَمتِ الرأس ، وكثرته وقرب مدارات الكواكب بالنسبة إلى المعدّل وبعدها عنه فتختلف اختلافاً فاحشاً.

ففي أواسط المعمورة إذا اتّفق طلوع كوكب غروب الشمس ، فربّما وصل قبل انتصاف الليل إلى دائرة نصف النهار قريباً من ساعة ، كفرد الشجاع ، وربّما وصل قبله قريباً من ساعتين كالشعرى اليمانية ، وربّما تأخّر وصوله إلى دائرة نصف النهار عن (2) الانتصاف بساعة ونصف تقريباً كالسماك الرامح ، ورأس الجوزاء ، وفم الفرس ، أو بساعتين تقريباً كالنسر الطائر ، والعيّوق ، ونير الفكّة ، أو بثلاث ساعات تقريباً كالنسر الواقع ، أو أربع ساعات كالردف. وربّما اتّفق وصول بعض الكواكب القريبة من القطب الشمالي إلى دائرة نصف النهار بعد طلوع الشمس ، فلا بدّ على طريقتهم من تخصيص آخر ، وهو أن تكون كواكب قوس نهارها موافقة لقوس درجة الشمس من منطقة البروج أو قريباً منها كالسماك الأعزل بالنسبة إلى بعض درجات أواخر الحمل.

وحمل كلام الإمام عليه السلام في بيان القاعدة التي يحتاج إليها عامّة الخلق على معنًى

ص: 405


1- ليست في « ق ».
2- في « ق » : ( من ).

لا يعرفه إلّا أوحديّ الناس في هذا الفنّ في غاية البعد ، وربّما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب ، وكانوا يعرفون بالتجارب طلوعها وغروبها ، ووصولها إلى دائرة نصف النهار ، ويكون الغرض تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك ، بعد تحصيل التجربة ، وفيه أيضا ما فيه.

وذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك علامات ، فقال : علامة زوال الليل في أوائل الحمل طلوع الردف ، وفي أواسطه انحدار السّماك الأعزل ، وفي أواخره طلوع النسر الطائر وغروب الشعرى الشاميّة والعيّوق.

وفي أوائل الثور انحدار السّماك الرامح ، وفي أواسطه غروب فرد الشجاع ، وفي أواخره طلوع فم الفرس وانحدار نير الفكّة وعنق الحيّة ، وغروب قلب الأسد.

وفي أوائل الجوزاء انحدار رأس الجوزاء ، وفي أواسطه انحدار قلب العقرب ، وفي أواخره إشراف النسر الواقع على الانحدار.

وفي أوائل السرطان انحدار النسر الواقع ، وفي أواسطه غروب السّماك الأعزل ، وفي أواخره انحدار النسر الطائر.

وفي أوائل الأسد طلوع العيّوق وانحدار الردف ، وفي أواسطه طلوع الثريّا وغروب الرامح ، وفي أواخره طلوع عين الثور وانحدار فم الفرس وغروب عنق الحيّة.

وفي أوائل السنبلة إشراف نير الفكّة على الغروب ، وفي أواسطه غروب نير الفكّة ، وفي أواخره طلوع يد الجوزاء اليمنى ورجلها اليسرى.

وفي أوائل الميزان غروب رأس الجوزاء ، وفي أواسطه طلوع الشعرى اليمانيّة ، وفي أواخره إشراف النسر الطائر على الغروب.

وفي أوائل العقرب غروب النسر الطائر ، وفي أواسطه طلوع قلب الأسد وغروب النسر الواقع ، وفي أواخره طلوع فرد الشجاع.

وفي أوائل القوس انحدار عين الثور وغروب فم الفرس ، وفي أواسطه انحدار

ص: 406

العيّوق ورجل الجوزاء اليسرى وغروب الردف ، وفي أواخره انحدار رجل الجوزاء اليمنى.

وفي أوائل الجدي انحدار اليمانيّة ، وفي أواسطه انحدار الشاميّة وطلوع الرامح ، وفي أواخره طلوع الأعزل ونير الفكّة.

وفي أوائل الدلو إشراف قلب الأسد على الانحدار ، وفي أواسطه انحدار قلب الأسد وطلوع العنق ، وفي أواخره إشراف رجل الجوزاء اليسرى على الغروب.

وفي أوائل الحوت طلوع الواقع وغروب رجل الجوزاء اليسرى ، وفي أواسطه غروب عين الثور ، وفي أواخره غروب اليمانيّة ويد الجوزاء اليمنى.

وهذا كله مبنيّ على أخذ الليل من غروب الشمس إلى طلوعها.

والجعفيّ رحمه الله : جعل بناء استعلام زوال الليل تارة على منازل القمر المعروفة بين العرب ولعلّه حمل الخبر عليه وتارة على غروب القمر وطلوعه :

أما الأوّل ، فلأن العرب قسّموا مدار القمر ثمانية وعشرين قسماً ، وضبطوا حدود تلك الأقسام بكواكب وسمّوها منازل القمر ، ومدة قطع الشمس تلك المنازل في ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً وشي ء ، فإذا قسّمت على المنازل يقع بإزاء كلّ منزلة ثلاثةَ عشرَ يوماً وشي ءٌ.

وإذا حصل الاطّلاع على منزلة الشمس من تلك المنازل ، يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة الطالع والمنحدر والغارب من تلك المنازل تقريباً بأدنى تأمّل ؛ إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه الشمس على دائرة نصف النهار ، والرابع عشر على المشرق وفي نصف كلّ سُبع من الليل يتفاوت بقدر منزلة ، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف ، وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل ، وعلى هذا القياس.

وهذا أيضاً تقريبيّ ، لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أُخر ، فلو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على المنزل الذي يكون مقابلاً للمنزل الذي فيه الشمس.

ص: 407

وأما الثاني ، وهو بناء الأمر على غروب القمر في أوائل الشهر ، وطلوعه في أواخره ، فضابطه أن يضرب عدد ما مضى في أوائل الشهر إلى الرابع عشر ، ومن خامس عشر إلى الثامن والعشرين في الستّة ، وقسمة الحاصل على السبعة ، فالخارج في الأوّل قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر ، وفي الثاني قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه.

مثاله : إذا ضربنا الأربعة في الستّة حصل أربعة وعشرون ، فإذا قسّمناه على السبعة خرج ثلاثة وثلاثة أسباع ، فيكون غروب القمر في الليلة الرابعة ، وطلوعه في الثامنة عشرة بعد ثلاث ساعات وثلاثة أسباع ساعة ، وكذا إذا قسّمنا الحاصل من ضرب الخمسة في الستّة ، وهو الثلاثون على السبعة خرج أربعة وسبعان ، فغروب القمر في الليلة الخامسة وطلوعه في الليلة التاسعة عشرة بعد أربع ساعات وسبعي ساعة ، وهكذا. وهذا أيضا تقريبي ) (1). إلى هنا عبارة المجلسيّ : باختصار.

وأقول : ما نقله عن الشهيد ، وعن الجعفيّ : من القاعدتين المشهورتين بين العلماء والجهّال ، بل كاد أن يكون الاعتماد عليهما في سائر الأصقاع والأزمان مجمعاً عليه ، وما نقله عن بعض الأفاضل أيضاً لا يتمّ إلّا على أن المراد من الليل : ما بين الطلوع إلى الغروب ، كما لا يخفى على ذي مسكة. وما خصّص به كلامهم من أنها نجوم قوس نهارها موافق لقوس درجة الشمس من المنطقة حسن ، لكنه مجمل أيضاً وإن كان أقلّ إجمالاً من إطلاق القول بأنها النجوم الطالعة وقت الغروب ، فلا يحمل كلام الشارع فيما كلّف به عامّة البشر ، من معرفة نصف الليل الذي هو آخر أداء العشاء وأوّل صلاة الليل.

والحقّ ما أشار له في توجيه كلام الجعفيّ : الأوّل من أن المراد بها : المنزلة المقابلة لمنزلة الشمس ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وليس ما نقله من القواعد مبنيّاً على التقريب ، وإن تخلّف في بعض الحالات شي ء يسير لا يضرّ بالتحديد ، لأسباب عرضيّة.

ص: 408


1- بحار الأنوار 80 : 139 - 143.

ورأيت في حواشي ( الفقيه ) على هذا الخبر ما صورته : ( لعلّ المراد بالنجوم هي التي طلعت في أوّل الليل من موضع تطلع منه الشمس في يوم كان على مقدار ذلك الليل. فإذا فرضنا أن الليل المفروض تسع ساعات ، اعتبر مطلع الشمس في يوم كان تسع ساعات. ويمكن استعلام ذلك بمطلع الشمس ، فإن طلعت على مشرق الاعتدال اعتبر كوكب يطلع منه ، وإن كان مشرقها جنوبيّا اعتبر كوكب شماليّ بعد مشرقه عن مشرق الاعتدال في الشمال بمثل بعد مشرق الشمس عنه في الجنوب ، وإن كان مشرقها شماليّاً فبالعكس والانحدار الانهباط ). ونسب هذا الكلام للملّا مراد رحمه الله.

ولا يخفى ما فيه من الخفاء بحيث يحصل القطع بأن معنى الخبر غيره ، فإنه لا يعرفه إلّا الأوحديّ في الفلكيّات والتقويم بشرط استعمال الآلات التي يضبط بها حركات الكواكب ، ودرج الفلك وعروض الآفاق. والتكليف بمعرفة انتصاف الليل الّذي عليه مدار تكليفات كثيرة في الحجّ وغيره ، وأعمّها معرفة آخر وقت العشاء وأوّل وقت نافلة الليل ، فلا تكون علامته وآيته اللازمة له إلّا جليّة يعرفها عامة المكلّفين ؛ إذ لو كلّف العامّة بما لا يعرفه إلّا أفراد قليلة من خاصّة الخاصّة ، لكان تكليفاً بالمحال أو قل : تكليفٌ بدون بيان.

والذي ظهر لي أنه عليه السلام إنما أراد انحدار رقيب منزلة الشمس من المنازل المعروفة عند عامّة المكلّفين ، فإن أكثر المكلّفين يعرف منازل الشمس والقمر من منطقة البروج ، فإن رقيب منزلة الشمس من المنازل ، وهي التي تطلع إذا غابت منزلة الشمس ككفّتي ميزان فإنها تزول عن سَمت الرأس ، ودائرة نصف النهار ونصف الليل أبداً في كلّ برج وكلّ يوم من أيّام السنة في كلّ صقع وبلد من المعمور على وجه التحقيق لا التقريب. وهذه آية واضحة عامّة شاملة توافق عموم التكليف.

فإن قلتَ : في البشر من لا يعرف المنازل.

قلتُ : وفيهم من لا يعرف زوال الحمرة المغربيّة ولا غروب الشمس ، وهذا لا يدور عليه التكليف ولا يخلّ بعمومه ، بل جعل الشارع لمثل هذا سبيلاً آخرَ ، هو الرجوع

ص: 409

لغيره كالأعمى والمسجون.

ورقيب منزلة الشمس هي الخامسة عشرة من منزلة الشمس إذا عددتها على التوالي ، ولا بأس بذكر ما معرفته تُعين على ذلك ، فنقول : دائرة نصف النهار دائرة مفروضة قاسمة لدائرة الأُفق بقوسين : شماليّ وجنوبيّ ، مقاطعة لها على نقطتي الشمال والجنوب على زوايا قوائم ، فالنجم يسمّى صاعداً من حين طلوعه حتّى يبلغ تلك الدائرة ، ثمّ يسمّى منحدراً حتّى يغيب ، وهذا يختلف باختلاف الآفاق ؛ بسبب كرؤيّة الأرض المقطوع به ، ورقيب منزلة الشمس من المنازل الثمانية والعشرين هي الخامسة عشرة منها إذا عدّت على توالي البروج والمراقبة ثابتة بينهما ثلاث عشرة ليلة ، وهكذا في كلّ منزلتين ؛ وذلك لأن الشمس تقيم في كلّ منزلة ثلاث عشرة ليلة وشيئاً قليلاً ، جمعوا تلك الكسور وأضافوها إلى الهَنعَة فجعلوا لها أربع عشرة ليلة. وقد فصّل أصحاب هذه الصناعة ذلك.

قال بعض أئمّتهم : مهما طلع برج أو منزلة غار رقيبها ، ومهما اعتدل برج أو منزلة فرقيبه الوتد تحت القدم ، ورقيب البرج سابعه ، ورقيب المنزلة خامس عشرها ، فرقيب الحمل الميزان ، ورقيب الثور العقرب ، وهكذا. وقد نظمها بعض المتقدّمين ، فقال :

أرى الكبش بالميزان يقسم لحمه *** وبين بنان الثور عقرب يعقر

وفي مِنكب الجوزاء قوس معلّق *** وإنّ ظهر السرطان فالجدي ينفر

أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه *** وفي قبضة العذراء حوت ميسَّر

وممّن أحسن في جمع رقائب المنازل عبد الله بن أبي بكر بن عفيف المكّي ، حيث نظمها ، فقال :

يا ناطحاً غفر الله الكريم له *** من نثر ذبح الكرى في الوجنتين دما

قد أضمر البطن فاستولى الزبان على *** ما تحته واستفاد الطرف بلعهما

ص: 410

وللثرى كلل الدمع المصون له *** من جبهة السعد في الداجي إذا انقسما

تدبَّر القلب آيات الزبور وفي *** تلك الزوايا (1) خبايا أغلت القيما

ما هقعة الشول (2) تغني المستبدَّ بها *** شيئاً إذا انصرف المقدام منهزما

أيضاً ولا هنع الأنعام شاكرة *** إذا عوى صاحب التأخير وانفحما

وكم ذرعنا بأخفاف المطي بلداً *** وأعللنا سماك الحوت إن نجما (3)

فمهما كان النطح طالعاً كان الغفر غارباً ، والنثرة وتداً ، والذابح متوسّطاً على الرأس ، أو كان الغفر طالعاً فالنطح غارباً ، والنثرة متوسّطاً ، والذابح وتداً ، أو كان النثرة طالعاً فالذابح غارباً ، والنطح متوسّطاً ، والغفر وتداً ، أو كان الذابح طالعاً ، فالنثرة غارباً ، والغَفر متوسّطاً والنطح وتداً ، وعلى هذا فقس. انتهى.

وهذا لا يشكّ فيه من له أدنى معرفة بهذا الفنّ ، وهو غير جار إلّا على أن الليل هو ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي لهذا مزيد كشف وبيان إن شاء الله تعالى.

التاسع عشر : إطباق العرف من الخاصّ والعامّ في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين والمنجّمين وأصحاب الأرصاد وأهل اللغة وعرف المتشرّعة في ضبط الآجال ، وأيّام الإقامة ، ومسافة القصر ، ووقت النفر ، وإفطار المسافر ، وغير ذلك من النذور وغيرها ، على أن نصف النهار هو زوال الشمس ، وإجماع أهل كلّ فنّ حجّة كما بُيّن في محلّه ، ومحال بالضرورة أن يكون أحد نصفي النهار أطول من الآخر ، والليل يقابل النهار البتّة ، فنصفه ما فصل ما بين الغروب والطلوع بمتساويين ، كما عليه عرف أهل الشرع في تحديد وقت صلاة العتمة.

العشرون : إطباق العرف عامّاً وخاصّاً في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين وأصحاب الأرصاد أن تساوي الليل والنهار عبارة عن تساوي ما بين الطلوع والغروب مع ما بين الغروب والطلوع ، ومثله ما لو قيل : زاد الليل على النهار

ص: 411


1- في « ق » : ( الروايات ) ، وهو مخلٌّ بالوزن.
2- في « ق » : ( الشبول ).
3- كذا النسختين ، وهو مختلُّ الوزن.

بساعة مثلاً أو بالعكس. ولا ريب أن في كلّ سنة يومين يتساوى فيهما الليل والنهار ، والإجماع عليه منعقد في كلّ زمان ومكان ، وأنهما يوما حلول الشمس نقطتي الاعتدالين عند حلول الشمس أوّل الحمل وأوّل الميزان.

وهذا إنما ينطبق على تساوي ما بين الطلوع والغروب ، وبين الغروب والطلوع ، فلو كان النهار من طلوع الفجر لكان يوما الاعتدالين غير ذلك ، ولم يذكر غيره في كلام عالم ولا حَبر (1). فعلى هذا لا يكون يوما الاعتدالين معروفين ، وهما معروفان بالضرورة.

الحادي والعشرون : التكليف بمعرفة الأوقات عامّ ، وقد ورد من الشارع لوقت المغرب ولوقت العشاء وللظهرين علامات جليّة واضحة عامّة يعرفها عامّة المكلّفين ، ولم نظفر بعلامة من الشارع ولا من فقيه من فقهاء الأُمّة ، بل ولا من لغويّ ولا فلكيّ ولا مقوّم ، ولا من أحد من أصحاب الأرصاد وأرباب الزيجات بعلامة لانتصاف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ، مع أن هؤلاء قد عيّنوا علامات لانتصاف الليل لا ينطبق شي ء منها على تنصيف ذلك ، فكيف يكلّف الشارع بمعرفة وقت لم يجعل له آية ولا علامة؟ ما هذا إلّا محال.

فدلّ على أن المراد بالليل شرعاً ما نصّفته العلامات الشرعيّة المذكورة ، والعرفيّة المذكورة وغيرها ، وهو ما بين الغروب والطلوع.

الثاني والعشرون : اتّفاق كلمة المصنّفين في علم الميزان على تعريف الشمس بأنها كوكب نهاريّ ينسخ طلوعه وجود الليل. فإنه ظاهر جليّ في أنه متى لم تطلع الشمس فلا نهار. وعلى قولهم : متى كانت الشمس طالعة فالنهار موجود في الشرطيّات العامّة ، ومفهومه أنه إذا لم تكن الشمس طالعة فلا نهار موجود.

الثالث والعشرون : قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (2) ، فإن الظاهر أن آية النهار الشمس ، وآية الشي ء

ص: 412


1- في « ق » : ( خبر ) بدل : ( حبر ).
2- الإسراء : 12.

علامته ودليله الذي يعرف به ، فإذا كانت الشمس هي دليل وجود النهار فلا نهار قبل طلوعها.

ويدلّ على هذا ما في ( نهج البلاغة ) من قول أمير المؤمنين عليه السلام : وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوَّة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدّر مسيرهما في مدارج مدرجهما ؛ ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما (1).

فجعل الشمس آية للنهار مميّزة بين النهار والليل ، فما لم توجد العلامة والمميّز الذاتيّين لم يوجد النهار.

وفي ( العلل ) (2) عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه سئل : ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال لمّا خلقهما الله عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئاً ، فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثَّر المحو في القمر خطوطاً سوداء. ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم (3) يُمحَ ، لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله عزوجل ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ) الآية.

وفي ( الاحتجاج ) (4) أن أمير المؤمنين عليه السلام : قال لابن الكوّاء : أما سمعت الله يقول ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) ؟ لمّا سأله عن المحو الذي يرى في القمر.

وهما صريحان في أن الشمس آية النهار التي لا يعرف ويتميّز عن الليل إلّا بها. فإذن ما لم توجد وتطلع في أُفق لم يوجد النهار.

الرابع والعشرون : ما في حديث الإهليلجة عن الصادق عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) (5) يسبحان في ذلك ، يدور بهما دائبين ، يطلعهما تارة ويؤفلهما اخرى حتّى تعرف عدَّة الأيّام والشهور والسنين ، وما يستأنف من الصيف

ص: 413


1- نهج البلاغة : 155 / الخطبة 91.
2- علل الشرائع 2 : 181 / 33.
3- في « ق » : « لما ».
4- الاحتجاج 1 : 615 / 139.
5- الفرقان : 61.

والربيع والشتاء والخريف ، أزمنة مختلفة باختلاف الليل والنهار (1).

فقد جعل اختلاف الليل والنهار إنما يعرف بطلوع الشمس وإنارة القمر ، فلا نهار ما لم تطلع الشمس ويخفى نور القمر ، ومتى كان للقمر ضياء في سطح الأرض فالليل موجود.

الخامس والعشرون : ظاهر قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (2) ، فإنه بمعنى : يخلف كلّ منهما الآخرَ ويحلّ محلّه ويعاقبه ، فلا بدّ من كمال التمايز بينهما ليكمل الاستدلال بذلك على وحدانيّة خالقهما ، وليكون تعاقبهما نعمة على العبد يجب شكرها حيث إن حوائج العباد وخصوصاً المواليد الثلاثة ، وخصوصاً الإنسان لا تتمّ ولا يستقيم معاشها ومعادها إلّا بتعاقبهما.

فمنها ما لا يتمّ بل لا يكون إلّا بالليل ، ومنها ما لا يكمل أو يكون إلّا بالنهار ، ومنافع تعاقبهما وحلول كلّ منهما محلّ الآخر لا تحصى ، منها تدارك ما فات من شكر المنعم الموقّت له الليل بالنهار ، وبالعكس ، كما جاء في بعض تفاسير الآية عن أهل البيت عليهم السلام (3).

ومن المحسوس عدم (4) معاقبة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لليل ، وعدم ظهور التمايز بينها وبين أجزاء الليل ، فالصفات الصفات ، والآية التي هي ضوء القمر الآية ، خصوصاً مع ما بين غروب الشمس إلى ذهاب البياض من المغرب بعد العشاء الذي هو من الليل بلا خلاف ؛ فإن بينهما كمال المطابقة ، فلا تكون الساعة الفجريّة من النهار وإلّا لقامت بها صفاته ولوازمه ، ولزمتها آيته وعلامته ، وتحقّقت معها علّته.

السادس والعشرون : قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (5)

ص: 414


1- التفسير الصافي 4 : 22 ، نور الثقلين 4 : 25 - 26 / 86.
2- الفرقان : 64.
3- كنز الدقائق 7 : 196.
4- ليست في « ق ».
5- يس : 37.

، حيث جعل سلخ النهار ورفعه ملزوماً لوجود الظلام ، بل جعل الليل هو الظلام الحادث بسبب سلخ النهار ورفعه عنه ، والحسّ شاهد بوجود الظلام المشابه لظلام الليل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس كالساعة الاولى من الليل. وقد ورد في تأويل هذه الآية كما في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : أنه قال يعني قبض محمد صلى الله عليه وآله ، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل البيت ، عليهم سلام الله (1).

والتأويل طبق التنزيل ، فكما لا نهار ولا نور بعد غياب شمس الرسالة ، لا نهار قبل طلوع شمس الآفاق.

السابع والعشرون : قوله تعالى : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) ، فإن ظاهرها أن الشمس لا تطلع في سلطان القمر وهو الليل ، فمهما لم تكن الشمس طالعة فهو من سلطان القمر وهو الليل ، وإن الليل وظلامه لا يكون في شي ء من النهار ، والحسّ شاهد بوجود الظلام قبل طلوع الشمس فلا يكون من النهار.

يدلّ على ذلك ما في ( تفسير القمي : ) عن الباقر عليه السلام : أنه قال الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل ولا يسبق الليل النهار. يقول : لا يذهب الليل حتّى يدركه النهار ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (3) ، يقول : يجي ء وراء الفلكِ الاستدارةُ (4).

فقد صرّح الخبر بأن الشمس سلطان النهار أي دليله وبرهانه فلا نهار في أفق بدون طلوعها فيه فقبله ليل لا نهار ، والقمر سلطان الليل فمادام ضياؤه ونوره ظاهراً فالليل موجود ، وضياؤه ونوره قبل طلوع الشمس موجود بالضرورة ، فالليل موجود لوجود سلطانه وبرهانه وآيته ودليله.

ص: 415


1- الكافي 8 : 311 / 74.
2- يس : 40.
3- يس : 40.
4- تفسير القمّي 2 : 216.

الثامن والعشرون : التقابل بين الليل والنهار (1) إمّا تقابل الملكة والعدم ، كما يشعر به قوله عزّ اسمه ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) (2) ، فالتعبير بالسلخ يشعر بأنه كالموضوع للنهار ، وقوله تعالى : ( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) (3) ، وإمّا تقابل التضادّ كما يشعر به ما جاء عن أهل البيت : عليهم سلام الله في أخبار متعدّدة أن النهار خلق قبل الليل (4) ، ولكلّ وجه ، وهما صحيحان كلّ باعتبار.

ومن المحسوس أن الساعة الفجريّة لا تقابل الليل بشي ء من المعنيين ، وإنما تقابل النهار مقابلة كمقابلة أوّل الليل ، فلا تكون من النهار.

التاسع والعشرون : ممّا قام عليه البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً أن الوجود سبق العدم ، والنور خلق قبل الظلمة ، والنهار خلق قبل الليل ؛ لأنك إذا علمت أن الباري عزّ اسمه علّة تامّة علمت ذلك ، ولسنا بصدد بيانه ، وإنما نحن بصدد بيان أن النهار خلق قبل الليل فقط بذكر شي ء من الأخبار الدالّة عليه دون ذكر الاعتبارات العقليّة ؛ لعدم احتمال هذه الأوراق لها ، والأخبار بذلك كثيرة ، كما لا يخفى على الفطن بلحن القول :

منها : ما في ( المجمع ) نقلا عن ( م العيّاشي : ) (5) عن الرضا عليه السلام : أنه قال إن النهار خلق قبل الليل (6).

وقال في تفسير قوله تعالى : ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (7). قال أي قد سبقه النهار (8).

وفي ( الاحتجاج ) عن الصادق عليه السلام : أنه قال خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء (9).

ص: 416


1- في « ق » : ( النهار والليل ).
2- يس : 37.
3- الحج 61.
4- الاحتجاج 2 : 249 / 223.
5- عنه في كنز الدقائق 8 : 411.
6- مجمع البيان 8 : 548 ، باختلاف.
7- يس : 40.
8- مجمع البيان 8 : 548.
9- الاحتجاج 2 : 249 / 223.

ورواه في ( الكافي ) وزاد وخلق النور قبل الظلمة (1).

إلى غير ذلك من الأخبار.

فإذا كان النهار قبل الليل والنور قبل الظلمة ، لزم أن ابتداء النهار وأوّله ليس فيه ظلمة بوجه أصلاً ؛ إذ لم يسبقه ظلام ولا ليل بوجهٍ أصلاً ، وإنما سبقه نور علّته الّذي نوره قبس من نورها ، فلو كان ما بين الطلوعين من النهار كان مبدأ النهار ظلمة وقبله ليل ، وهو محال. وهذه الأخبار وما في معناها يردّه ، فلزم أن أوّل النهار طلوع شمسه وانبساط نورها.

الثلاثون : قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) (2) الآية ، فإنها حكمت باختلافهما ، والإطلاق يحمل على الفرد الأكمل ، فثبت أن بينهما كمال الاختلاف ، وليس بين الساعة الفجريّة وبين الليل كمال اختلاف ، بل مشابهة خصوصاً للساعة الاولى منه فإنّهما متطابقتان.

وفي ( تفسير الإمام ) في تفسير هذه الآية قال بعد كلام ثمّ ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معاشكم ، ومن القمر المضي ء لكم في ليلكم لتبصروا في ظلماته ، وألجأكم بالاستراحة بالظلمة التي بها ترك مواصلة الكدِّ الذي ينهك أبدانكم ، وَاخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ المتتابعين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربّكم في عالمه (3) الخبر.

فقد دلّ بفحواه على أن الشمس لا تضي ء إلّا في النهار ، ولا نهار إلّا مع ضياء الشمس ، وضياء الشمس ممتاز عن ضياء الفجر وإن كان من فاضل ضيائها ، بل صريحُهُ أن استنارة الشمس يعني الكاملة بمقتضى الإطلاق ظرفها النهار ، ولازمها المساوي ، ودلّ على أن القمر لا يضي ء إلّا بالليل. فإذن ما قبل طلوع

ص: 417


1- الكافي 8 : 127 / 116 ، عن الباقر عليه السلام ، باختلاف.
2- البقرة : 164.
3- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : 575 ، باختلاف.

الشمس ليس من النهار ، لإضاءة القمر فيه. ودلّ على كمال الاختلاف بين الليل والنهار ، ولا اختلاف كذلك بين الليل وما قبل طلوع الشمس كما مرّ.

الحادي والثلاثون : لا ريب أنه للّيل طرفان : أوّل وآخر ، هما حدّاه ، يعقب طرفه الأوّل النهار ويعقب النهار طرفه الآخر ، فيجب تشابههما وتماثلهما ، وكذلك النهار له أوّل يعقب الليل ، وآخر يعقبه الليل يجب تشابههما وتماثلهما. ولا ريب ولا خلاف أن آخر النهار غروب الشمس ، فيجب بحكم التقابل أن يكون أوّله طلوعها ، وكذا لا ريب ولا خلاف أن أوّل الليل ما بعد غروب الشمس بلا فصل ، فيجب بحكم المقابلة والمشابهة ، بل التطابق أن يكون آخره ما قبل الطلوع بلا فصل ؛ لتشابه الوقتين من كلّ وجه ، فالحكم بأن الأُولى منه والأُخرى خارجة خارجٌ عن الصواب وتحكّم ، وحكم بالمضادّة ، بل المناقضة بين المتماثلين من كلّ وجه ، وبطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

قال المجلسيّ : في ( البحار ) بعد أن ادّعى أن أوّل النهار طلوع الفجر ، واستدلّ عليه بما سنشير إليه إن شاء الله تعالى - : ( واستدلّ بعض الأفاضل على خلاف هذا المدّعى بقوله تعالى : ( يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (1) ، حيث قال : فقد قيل في تفسيره : إن الله تعالى يقلّب بالمعاقبة بينهما ، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور وما يعمّ ذلك.

وعندي : كلّ هذه الوجوه خلاف الظاهر ، وفرق بين تقليب الشي ء وتبديل الشي ء بالشي ء ومعاقبتهما. والظاهر من التقليب : جعل الصدر عجزاً وبالعكس ، وذلك إنما يتحقّق في كلّ واحد من الليل والنهار بالمعنى الذي ذكرناه حسب ، بناءً على أن في أوّل الليل الحمرة في جهة المغرب ، ثمّ يزداد الليل ظلمة وتزول الحمرة وتبقى الصفرة والبياض المعترض ، ثمّ البياض المرتفع إلى السماء ، ثمّ السواد المحيط بالآفاق. ويزداد الليل ظلمة وإن لم يظهر أثر الازدياد حتّى ينتصف الليل ، ويصير

ص: 418


1- النور : 44.

رأس ظلّ المخروط على دائرة نصف النهار فوق الأرض ، ويكون المخروط حينئذٍ إمّا قائماً أو مائلاً إلى جهة الجنوب أو الشمال مع تساوي بعده عن جهة المشرق والمغرب.

ثمّ إذا زال الليل مال رأس المخروط عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب ، وأخذت الظلمة إلى الانتقاص وإن لم يظهر ذلك حسّا ، وانقلبت الحالات الواقعة في النصف الأوّل فيميل النور إلى جهة المشرق حتّى يصير النور المستطيل في الأُفق الشرقيّ ، ثمّ الفجر المعترض ، ثمّ الصفرة والحمرة المشرقيّتان ، إلى أن تطلع الشمس من المشرق. وفي هذا حالات تقليب للحالة الاولى وانعكاس لأمرها.

وكذلك إذا طلع الشمس من المشرق كثر النور في الجهات الشرقيّة والظلّ ممتدّ من جهة المغرب ، وكلّما ارتفعت نقص الظلّ وازداد النور والشعاع ، وجميع ما يترتّب على ذلك ، حتّى إذا زالت الشمس انعكس الأمر وانقلب الحال فصارت الجهات الغربيّة في حكم الشرقيّة وبالعكس ) (1) ، انتهى.

وعنى بصاحب هذا الكلام الفاضل الخراسانيّ : في رسالته الموضوعة في هذه المسألة ، فقد اختار أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، وأطال في الاستدلال بطرق مختلفة.

وجميع ما ذكره من تفصيل حالات الليل والنهار لا يشكّ فيه من له أدنى أثارة من علم ، فإن الليل عبارة عن وقوع مخروط ظلّ الأرض ممّا يلي المعمور ، وهو لا يكون إلّا بهذا الترتيب. وقد اتّفق الفلكيّون والمقوّمون والمنجّمون وأهل الأرصاد والزيجات على أن الليل عبارة عن ذلك ؛ ولذا يعبّرون عن زمان طلوع الكوكب بقوس نهاره ، وعن مدّة كونه تحت الأُفق بقوس ليله ، فقوس ليل الشمس أي مدّة كونها تحت الأُفق هو الليل ، وقوس نهارها أي مدّة كونها فوق الأُفق هو الليل ، فما لم تطلع فالليل باقٍ.

ص: 419


1- بحار الأنوار 80 : 103 - 104.

الثاني والثلاثون : ما ذكره أهل اللغة وغيرهم بلا نكير من أسماء ساعات الليل والنهار ، وهي غير منطبقة إلّا على كون الليل إلى طلوع الشمس ، ففي ( الخصال ) وغيره عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري : عن عمّه عن أبي إسحاق : قال : ( أملى علينا ثعلب : ساعات الليل : الغَسَق ، والفَحمَة ، والعُشوَة ، والهَدأة ، والسياع (1) الجِنح ، والهَزيع ، والفقدة وفي بعض النسخ بدل الفقدة : العفر بالعين المهملة والفاء وفي بعضها بالمعجمة ، نصّ عليه في ( البحار ) ، وقال : ( وفي بعض النسخ : الفغر بالفاء ثم الغين المعجمة. وعلى التقادير آخره راء ، وفي بعضها بالفاء ثم القاف وفي بعضها بالنون ثم القاف ، وعلى التقادير آخره دال مهملة ) والزلفة ، والسحرة ، والبُهرة.

وساعات النهار : الرادّ ، والشروق ، والمتوع ، والضّحاء ، والترحّل ، والدلوك ، والجنوح ، والهجيرة ، والظهيرة والأصيل ، والطفل ) (2).

ووجدت في بعض الكتب ما صورته : ( إن العرب قسّموا الليل والنهار كلّاً منهما إلى اثنتي عشرة ساعة ، لكلّ ساعة اسم هكذا :

ساعات النهار : البكور ، والشروق ، والغدوة ، والضحى (3) ، والهاجرة ، والظهيرة ، والرواح ، والعصر ، والقصر ، والأصيل ، والعشاء ، والغروب.

وساعات الليل : الشفق ، والغسق ، والعتمة ، والسدفة ، والجهمة ، والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح.

وبعضهم ذكر في ساعات النهار : الذرور ، والبزوغ ، والضحى ، والغزالة ، والهاجرة ، والزوال ، والدلوك ، والعصر ، والأصيل ، والصبوب ، والحدود ، والغروب.

وبعضهم هكذا : البكور ، والشروق ، والإشراق ، والرادّ ، والضحى ، والمتوع ،

ص: 420


1- في البحار : ( السباع ) بدل : ( السياع ).
2- الخصال 2 : 488 ، أبواب الاثني عشر / 67 ، ولم يرد فيه لفظتا : ( السياع ) و ( الضحاء ) ، بحار الأنوار 56 : 5 - 6.
3- في « ق » : ( الضحاء ).

والهاجرة ، والأصيل ، والقصر (1) ، والعصر ، والطفل ، والغروب. وهذه كلّها مبنيّة على أن النهار من الطلوع ، والليل إلى الطلوع ) (2).

وقال محمّد بن فارس : ( أسماء ساعات النهار عند العرب : الاولى : الشروق ، ثمّ الرادّ ، ثمّ المتوع ، ثمّ الرحل ، ثمّ المعة ، ثمّ الزوال ، ثمّ الظهر ، ثمّ الجنوح ، ثمّ الإبراد ، ثمّ العصر ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الطفل. وأسماء ساعات الليل : الاولى : الغسق ، ثمّ الفحمة ، ثمّ العشوة ، ثمّ الهديّة ، ثمّ السواع ، ثمّ الجنح ، ثمّ المربع ، ثمّ [ .. (3) ] ثمّ البهرة ، ثمّ الهزيع ، ثمّ الزلفة ، ثمّ السحر ) ، انتهى.

الثالث والثلاثون : ذكر العلماء الأوائل والأواخر من الإماميّة وغيرهم لمعرفة ساعات الليل والنهار علاماتٍ وقواعدَ تعرف بها ، لا ينطبق شي ء منها إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع إلى الغروب ، وأنا أذكر لك جملة منها تنتفع بها في موارد كثيرة إن شاء الله الرحمن ، وأبدأ بما ذكره بعض أصحابنا في رسالة له وضعها لمعرفة أوقات الملوين (4).

قال رحمه الله تعالى - : ( وبعد : فقد بيّنت في هذه المقالة ملخّص ما ذكره الأوائل في معرفة المنازل ليستدلّ بها على معرفة ساعات الليل ؛ إذ كان العابد يفتقر إلى معرفة ساعات الليل ومراعاتها ، فإن صلاة الليل بعد انتصافه ، ولا تكون قبله. والساعة السابعة من الليل رُغّب إلى القيام فيها وخُصّت بإجابة الدعاء على ما ورد به الآثار عن الصادقين عليهم السلام (5) ، والصائم يفتقر إلى معرفة الفجر ، فإذا كان عارفاً بالمنازل عرف بها قدر ما بقي عن طلوعه.

فوضعنا هذه الرسالة لمعرفة ساعات الليل تقريباً ، وهي مرتّبة على فصول :

الأول : في ضبطها. وهي ثمانٍ وعشرون منزلة ، ينزل القمر في كلّ ليلة منزلة ،

ص: 421


1- في المخطوط : ( القصر ، والعصر ).
2- بحار الأنوار : 56 : 7.
3- بياض في أصل المخطوط.
4- الملوان : الليل والنهار. لسان العرب 13 : 190 ملا.
5- الكافي 2 : 477 / 6 ، 478 / 9 ، 10 ، وليس فيه إشارة إلى الساعة السابعة.

وهي : شرطان ، بطين ، ثريّا ، دبران ، هقعة ، هنعة ، ذراع ، نثرة ، الطرف ، جبهة ، زبرة ، صرفة ، عوّا ، سماك ، غفر ، زبانى ، إكليل ، قلب ، شولة ، نعائم ، بلدة ، سعد الذابح ، سَعد بُلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، الفرغ المقدّم ، الفَرغ المؤخّر ، بطن الحوت.

واعلم أن العرب نظروا في حال القمر فوجدوه قد قطع الفلك في قريب من ثلاثين يوماً ، ووجدوه قد استتر في يومين منها بالتقريب ، فقسّموا الفلك وهو اثنا عشر برجاً على ثمانٍ وعشرين منزله فأصاب كلّ برج منها منزلتين وثلثاً. ثمّ نظروا في حال الشمس فوجدوها قد قطعت كلّ منزله في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وإنما عرفوا ذلك من جهة مرور كلّ منزلة تحت شعاع الشمس بالغدوات ، فإذا جمعوا أيّام المنازل بلغت ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً ، ووجدوا الشمس تعود إلى كلّ منزلة بعد قطع المنازل في ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً ، فزادوا في أيام الغَفر يوماً واحداً.

وعند المحقّقين أن السنة الشمسيّة ثلاثمائة وخمسة وستّون يوماً وربع يوم ، والقمريّة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وخمس وسدس يوم.

وكان العرب أشدّ الناس اعتناءً بضبط المنازل ومعرفة الكواكب ، قيل لأعرابي : ما أعرفك بالنجوم! فقال : من ذا الذي لا يعرف أجذاع بيته (1).

الفصل الثاني : في تحقيق هذه المنازل :

أمّا الشّرَطان ، فكوكبان نيّران معترضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قاب قوسين ، وبقرب الجنوبيّ منهما من شرقيّة كوكب صغير بينهما قدر نصف ذراع في الرؤية ، وتسمي العرب الثلاثة أشراطاً.

وأمّا البُطَين ، فثلاثة كواكب على هيئة مثلّث متساوي الأضلاع كالأثافي ، وبينه وبين الشرطين قدر رمح في رؤية العين.

وأمّا الثريا ، فستّة كواكب ، وقيل : سبعة صغار مجتمعة كعنقود عنب ، وتسمى

ص: 422


1- ربيع الأبرار 1 : 87 / 24.

النجم في إطلاق العرب.

وأمّا الدبران ، فهو كوكب أحمر نيّر مع أربعة كواكب أصغر منه ، وهو معها كصورة ( دال ) ، ويسمّى المجدح ، وحادي النجوم.

أمّا الهقعة ، فهي ثلاثة كواكب خفيّة مجتمعة كنقط الثاء كأنها لطخة سحابيّة.

وأمّا الهَنعَة ، فكوكبان أحدهما صغير والآخر أنور منه ، بينهما قدر باع ، يتّصل بهما ثلاثة أنجم ، فيرى الجميع كصورة صولجان ، وقيل : كباء منكوسة الرأس.

وأمّا الذراع ، فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب ، وهي ذراع الأسد ، وللأسد ذراع منقبضة ؛ لأنها تَخفى عند طلوع الأسد فكأنه قبضها ، وتقاربها نجوم صغار تسمّى الأضفار ، ومبسوطة وهي أرفع منه في السماء ، أحد كواكبها الشعرى الغميصاء ، والآخر الأحمر يسمّى مرزم الذراع. والشعرى شعريان : أحدهما الشعرى العبور ، وهي يمانيّة نيّرة تقطع السماء عرضاً ، وتقابلها الشعرى الغميصاء التي هي ذراع الأسد المبسوطة ، ويقال : العبور ، وهي في المجرة من شماليّها. والغميصاء أقلّ نوراً من العبور ، والغمص والرمص واحد ، وهو قذى العين (1) ، ويقال العُميصاء والغُميصاء بالعين المهملة و [ الغين ] المعجمة.

وأمّا النثرة ، فكواكب صغار مجتمعة سحابيّة كأنها لطخة غيم ، وربّما يسمّونها مخطة الأسد.

وأمّا الطرف ، فكوكبان معترضان من الجنوب إلى الشمال وقدّامهما كواكب صغار تسمى الأشفار.

وأمّا الجبهة ، فهي أربعة كواكب على أثر الطرف كالنعش إلا إن فيه اعوجاجاً ، وهي معترضة بين الشمال والجنوب ، والجنوبيّ منها أحمر نيّر يقال له قلب الأسد.

وأمّا الزبرة ، فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب ، بينهما قيد سوط في الرؤية.

ص: 423


1- مختار الصحاح : 481 غمص ، 256 رمص.

وأمّا الصّرفَة ، فكوكب أبيض نيّر عنده كواكب صغار.

وأمّا العَوّا ، فخمسة كواكب متقاربة الأقدار متباينة الأبعاد ، ثلاثة منها مصطفّة من الجنوب إلى الشمال ، واثنان من المغرب إلى المشرق كهيئة لام كتبت باليد اليسرى.

وأمّا السّماك ، فكوكب نيّر في الجنوب منه أربعة كواكب كمربّع فيه انحراف ، وتسمّى عرش السّماك ، ويسمّى الخباء ، وهو الأعزل. والسّماك الرامح كوكب نيّر في الشمال وبين يديه كوكب صغير يقال له : راية السّماك ، ورمحه ، ولا ينزله القمر ، وهو الحدّ بين النجوم الشماليّة والجنوبيّة لقربه من مطلع الاستواء ، فمن كان مطلعة فوق السّماك الأعزل فهو شماليّ ، وما كان من تحته فهو جنوبيّ.

وأمّا الغَفر ، فثلاثة كواكب معترضة من الجنوب إلى الشمال على خطّ فيه تقويس ؛ بسبب بروز الأوسط منها عن استواء الخطّ إلى جهة الغرب. وهي خفيّة ، أنورها الأوسط ، وهو أوّل المنازل اليمانيّة.

وأمّا الزّبانى ، فكوكبان معترضان في الشمال والجنوب بينهما قدر رمح.

وأمّا الإكليل ، فثلاثة كواكب خفيّة على سطر مقوّسة شبيهة بالغَفر ، ويتلوها جبهة العقرب ، سمّيت بذلك لأنها على جبهة العقرب فشبّهت بإكليل التاج ، وجبهة العقرب ثلاثة أنجم مضيئة قدّام القلب. ويظنّ بعضهم أنها الإكليل ، وهو خطأ.

وأمّا القلب ، فكوكب نيّر محمرّ لمّاع بين كوكبين : شرقيّ وغربيّ.

وأمّا الشّولَة فكوكبان صغيران بينهما قدر فتر في رأي العين في ذنب العقرب ، وذنب العقرب كواكب في المجرّة اليمانية ويسميان أيضاً أبرة العقرب.

وأمّا النعائم فثمانية كواكب : أربعة منها في المجرّة وتسمّى النعائم الواردة ، وأربعة منها خارج المجرّة وتسمّى النعائم الصادرة. وفوق النعائم كوكب مضي ء مرتفع يسمّى راعي النعائم ، إذا أُضيف إليهنّ صار الجميع كبناء قبّة.

وأمّا البَلدة ، فرقعة في السماء ليس فيها كوكب وتسمّى أيضاً المفازة ، وهي خلف القلادة ، والقلادة ستّة كواكب : ثلاثة شماليّة ، وثلاثة جنوبيّة ، صورة دائرة غير تامّة

ص: 424

الاستدارة تُشبه القوس ، وحيالهنّ كوكب يقال له سهم الرامي ، وهو عصا الراعي. وزعم بعضهم أن البَلدة هي القلادة ، وهو نادر.

وأمّا سعد الذابح ، فكوكبان معترضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قدر باع ، وليسا بالنيّرين ، يلي الشماليّ منهما كوكب صغير يكاد يلصق به يسمّى الذبيح ، ويسمّى شاة الذابح. وقيل : إن شاته هي الثاني من كوكبي سعد.

وأمّا سَعد بُلع ، فثلاثة أنجم معترضة بين الشمال والجنوب على خطّ فيه تقويس ، حدبته إلى الغرب ، وأوسطها أخفاها. وقيل : كوكبان نيّران بينهما قدر ذراع ، أحدهما أنور من الآخر كأنه بلع ضوءه.

وأمّا سعد السعود ، فثلاثة كواكب على خطّ فيه تقويس بين الشمال والجنوب حدبته إلى الغرب ، والشمالي أنور إخوته.

وأمّا سعد الأخبية ، فأربعة كواكب ثلاثة منها على شكل مثلّث ، والرابع في وسطه ، وهو سعد ، والثلاثة خباؤه.

وأمّا الفَرغ المقدّم بالغين المعجمة فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب بينهما قدر رمح.

وأمّا الفَرغ المؤخّر ، فمثله.

والأربعة على صورة مربع متساوي الأضلاع.

وأمّا بطن الحوت ، فكوكب أحمر من جملة كواكب السمكة ، ويسمّى قلب الحوت ، والقمر يحاذيه ، ويسمّى البطن ، مقطوعاً عن الإضافة ، ويسمى الرشا أيضا.

فهذه جملة المنازل.

الفصل الثالث : اعلم أن هذه المنازل شاميّ ويمانيّ ، وإن شئت قلت : شماليّ وجنوبيّ ، فالشاميّة من الشرطين إلى السّماك ، واليمانيّة من الغَفر إلى بطن الحوت. ولكلّ فصل من فصول السنة سبع منازل ، فالربيع من الشرطين إلى الذراع ، وللصيف من النثرة إلى السّماك ، وإلى الخريف من الغَفر إلى البَلدة ، وللشتاء من الذابح إلى الرشا ).

ص: 425

يقول مؤلّف هذه الرسالة الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : إن أراد رحمه الله تعالى بهذا التقسيم الرباعيّ فصول السنة على اصطلاح الفلكيّين من جعل الحمل والثور والجوزاء لفصل الربيع ، والسرطان والأسد والسنبلة للصيف ، والميزان والعقرب والقوس للخريف ، والجدي والدلو والحوت للشتاء ، فلا يتمّ تقسيمه هذا للمنازل إلّا على الأرصاد القديمة مع الحكم بسكون المكوكب ، وأمّا على الأرصاد الجديدة والحكم بحركة المكوكب حركة بطيئة في كلّ سبعين سنة شمسيّة درجة ، فتتأخّر المنازل إلى الشرق بدرجة على ما وجدناه في التقويم المستخرج من التقاويم والزيجات المعتمدة كزيج ألغ بيك : وغيره. ومقتضاه في عامنا هذا وهو سنة ثلاث وأربعين بعد المائتين والألف من هجرة سيّد الخلق صلى الله عليه وآله : أن للحمل من المنازل ثلاثاً : الفَرغ المقدّم ، والفَرغ المؤخّر ، والرشا. وعلى هذا فقس ؛ فإن البرج في المشهور هو جزء من اثني عشر جزءاً من المعدّل.

وإن أراد رحمه الله بهذا التقسيم على اصطلاح الفلّاحين ، فهو غير بعيد من الصواب ، لكنه بحسب الغالب في أصقاع دون أصقاع ؛ فإن الفصول الأربعة عندهم تختلف باختلاف شدّة الحرّ والبرد وزمني الاعتدالين ، وهذا يختلف باختلاف الأصقاع ، بل باختلاف السنين.

قال قسطوس الحكيم : ( فصول السنة عند جميع الناس أربعة : أوّلها الربيع ثمّ الصيف ، ثمّ الخريف ، ثمّ الشتاء. واختلفوا في مقادير الفصول وحدودها ، فذهبت طائفة إلى أن زمان الربيع شهران ، وكذا الخريف ، وكلّ من الشتاء والصيف أربعة أشهر. واعتمدوا على أن زماني الحرّ والبرد أطول من زماني الاعتدال وذلك محسوس. وذهبت طائفة إلى أن هذه الفصول ليس لها حدّ معلوم في الطول والقصر ، بل يختلف في البلاد بحسب اختلافها في العرض ، فمن البلاد ما يقصر فيها زمان الخريف ويطول الربيع ، ومنها ما هو على العكس ، ومنها ما يقصر فيها زمن الشتاء ويطول الصيف ، وهذا كلّه موجود بالمشاهدة. وذهب أهل النجوم إلى أن فصول

ص: 426

السنة على الإطلاق متساوية الأزمان في جميع البلاد ، كلّ فصل ثلاثة أشهر.

والذي أرى أن فصول السنة عند المنجّمين غير فصولها عند أهل الفلاحة ، فإن المنجّمين يراعون في فصول السنة قطع الشمس لأرباع الفلك ، فزمان الربيع عندهم هو الذي تقطع فيه الشمس الحمل والثور والجوزاء ، والصيف هو الذي تقطع فيه الشمس السرطان والأسد والسنبلة ، والخريف هو الذي تقطع فيه الميزان والعقرب والقوس ، والشتاء هو الذي تقطع فيه الجدي والدلو والحوت.

وأمّا فصول السنة عند أهل الفلاحة فغير ما قدّمناه ، فإنهم يراعون في فصولها أحوال النبات :

فزمان الربيع عندهم هو الزمان الذي تكثر فيه حركة الحيوان ونشاطه وشبقه ، ويفصح فيه الطير ، وتورق الأشجار وتزهر ، ويعقد الثمر. وأوّل هذا الفصل ليس واحداً في جميع البلاد ، فإن أوّله في بعض البلاد في أوّل شباط ، وفي بعضها في وسطه وفي بعضها في أواخره. وفي بعضها في أوائل نيسان ، وفي بعضها في أواسطه أو أواخره. وفي بعض البلاد في أوائل آذار ، وفي بعضها في أواسطه ، وفي بعضها في أواخره. وقد يكون في بعض البلاد أوّل الربيع عند هبوب ريح الصبا.

وزمان الصيف عندهم هو زمان الحصاد واستكمال البزور خلقها.

وزمان الخريف عندهم هو الزمان الذي تتمّ فيه الأثمار ، ويظهر اليبس في الأشجار وتتناثر أوراقها.

وزمان الشتاء عندهم هو الذي يتمّ به يبس الأشجار ) ، انتهى.

وأنت خبير باختلاف هذا بحسب اختلاف الأصقاع ، وكأن صاحب الرسالة رحمه الله تعالى قسّم المنازل على الفصول بحسب الرصد القديم مع القول بعدم حركة المكوكب ، والحقّ أنه يتحرّك حركة بطيئة يقطع الدورة في قريب من ستّة وثلاثين ألف عام.

ثمّ قال صاحب الرسالة رحمه الله تعالى - : ( واعلم أن البعد من الشرطين إلى

ص: 427

البُطَين اثنتا عشرة درجة ، ومن البُطَين إلى الثريّا ثلاث عشرة درجة ، ومن الثريّا إلى الدبران خمس عشرة درجة ، ومن الدبران إلى الهقعة أربع عشرة درجة ، ومن الهقعة إلى الهَنعَة ستّ عشرة درجة ، ومن الهَنعَة إلى الذراع اثنتا عشرة درجة ، ومن الذراع إلى النثرة ثلاث عشرة درجة ، ومن النثرة إلى الطرف اثنتا عشرة درجة ، ومن الطرف إلى الجبهة عشر [ درجات (1) ] ، ومن الجبهة إلى الزبرة أربع عشرة درجة ، ومن الزبرة إلى الصرفة ثلاث عشرة درجة ، ومن الصرفة إلى العوّا ستّ عشرة درجة ، ومن العوّا إلى السّماك اثنتا عشرة درجة ، ومن السّماك إلى الغَفر اثنتا عشرة درجة ، ومن الغَفر إلى الزّبانى اثنتا عشرة. وتسمّى هذه متساوية الأبعاد.

ومن الزّبانى إلى الإكليل أربع عشرة درجة ، ومن الإكليل إلى القلب خمس درجات. وهذه غاية القرب.

ومن القلب إلى الشّولَة ستّ عشرة درجة ، [ ومن الشولة إلى النعائم عشرون درجة. وهي غاية البعد.

ومن النعائم إلى البَلدة تسع [ درجات ]. وهو أوسط الأبعاد.

ومن البلدة إلى الذابح إحدى عشرة درجة ، ومن الذابح إلى بلع عشر [ درجات ] ، ومن بلع إلى سعد السعود عشر [ درجات ] ، ومن سعد السعود إلى الأخبية عشر [ درجات ] ومن الأخبية إلى الفَرغ المقدّم عشر [ درجات ]. وهذه الأربعة أيضاً متساوية الأبعاد.

ومن المقدّم إلى الفَرغ المؤخّر ستّ عشرة درجة ومن المؤخّر إلى بطن الحوت عشر درجات.

الفصل الرابع : في معرفة الطالع من هذه المنازل ، والمتوسّط ، والغارب مع الفجر الثاني في كلّ شهر من شهور الروم. وإنما جعل مدار العمل عليها ؛ لأنها أقلّ اضطراباً من غيرها. واعلم أنه لمّا كانت المنازل ثمانياً وعشرين كان الظاهر منها في الأُفق

ص: 428


1- في النسختين : ( درج ) ، وكذا الهوامش الخمسة التي بعدها.

ثلاث عشرة منزلة ، وطالعاً وغاربا ، فهذه خمس عشرة ، وكذا حكم الأُفق الأسفل لا يدرك منها ثلاثة عشر طالعاً ورقيبه. فإذا عرفت الطالع كان رقيبه الخامس عشر منه والمتوسّط ثامنه ، فالطالع والغارب كما يعدّان الأُفق الأعلى يعدّان الأُفق الأسفل وتبقى الثلاث عشرة الظاهرة واحداً متوسّطاً في خطّ السّماء وستّاً على جهة المشرق وستّاً إلى المغرب ، وكذلك الثلاث عشرة السفليّة. فإذا غربت منزلة طلع من المشرق اخرى ، ويتوسّط ما بعد المتوسّط في العدد.

ومهما كان الطالع فالغارب الخامس عشر منه والثامن منه متوسّط ، فإذا كان وقت المغرب منزلة متوسّطه فإذا توسّطت السابعة كان نصف الليل ، ثمّ إذا توسّطت السابعة الأُخرى كملت ثلاث عشرة منزلة ، وكان وقت الفجر. فبهذا يعرف ربع الليل ونصفه وثلثه تقريباً.

فإذا عرفت هذا ، فالشّرَطان يطلع مع الفجر في رابع عشر نيسان ، ويتوسّط الذابح ويغرب الغَفر ، ويكون الزّبرة متوسّطاً وقت المغرب ، والسّماك ربع الليل ، والغَفر ثلث الليل ، والإكليل نصف الليل.

والبُطَين يطلع مع الفجر في سابع أيّار ، ويتوسّط بلع ، ويغرب الزّبانى ، ويكون الصّرفَة متوسّطاً وقت المغرب ، والغَفر ربع الليل والزّبانى ثلث الليل ، والقلب نصف الليل.

والثريّا يطلع مع الفجر في عشري أيّار ، ويتوسّط سعد السعود ، ويغرب الإكليل ، ويكون العَوّا متوسّطاً وقت المغرب ، والزّبانى ربع الليل ، والإكليل ثلث الليل ، والشولَة نصف الليل.

والدبران يطلع مع الفجر في ثاني حزيران ، ويتوسّط الأخبية ، ويغرب القلب ، ويكون السّماك متوسّطاً وقت المغرب ، والإكليل ربع الليل ، والقلب ثلث الليل ، والنعائم نصف الليل.

والهقعة تطلع مع الفجر في خامس عشر حزيران ، ويتوسّط الفَرغ المقدّم ، وتغرب

ص: 429

الشولَة ويكون الغَفر متوسّطاً وقت المغرب ، والقلب ربع الليل ، والشّولَة ثلث الليل ، والبَلدة نصف الليل.

والهَنعَة تطلع مع الفجر في ثامن عشر حزيران ، ويتوسّط الفَرغ المؤخّر ، وتغرب النعائم ، ويكون الزّبانى متوسّطاً وقت المغرب ، والشولَة ربع الليل ، والنعائم ثلث الليل ، وسعد الذابح نصف الليل.

والذراع يطلع مع الفجر في حادي عشر تموز ، ويتوسّط الرشا ، وتغرب البَلدة ، ويكون الإكليل متوسّطاً وقت المغرب ، والنعائم ربع الليل ، والبَلدة ثلث الليل ، وبلع نصف الليل.

والنثرة تطلع مع الفجر في رابع عشر تمّوز ، ويتوسّط الشّرَطان ، ويغرب الذابح ، ويكون القلب متوسّطاً وقت المغرب ، والبَلدة ربع الليل ، والذابح ثلث الليل ، وسعد السعود نصف الليل.

والطرف يطلع مع الفجر في ثالث آب ، ويتوسّط البُطَين ، ويغرب بلع ، ويكون الشّولَة متوسّطاً وقت المغرب ، والذابح ربع الليل ، وبلع ثلث الليل ، والأخبية نصف الليل.

والجبهة تطلع مع الفجر في تاسع عشر آب ، ويتوسّط الثريّا ، وتغرب السعود ، ويكون النعائم متوسّطاً وقت المغرب ، وبلع ربع الليل ، والسعود ثلث الليل ، والمقدم نصفه.

والزّبرة يطلع مع الفجر في ثاني أيلول ، ويتوسّط الدبران ، ويغرب الأخبية ، ويكون البَلدة متوسّطاً وقت المغرب ، والسعود ربع الليل ، والأخبية ثلث الليل ، والمؤخّر نصف الليل.

والصّرفَة تطلع مع الفجر في خامس عشر أيلول ، ويتوسّط الهقعة ، ويغرب المقدّم ، ويكون الذابح متوسّطاً وقت المغرب ، والأخبية ربع الليل ، والمقدّم ثلثه ، والرشا نصفه.

ص: 430

والعَوّا يطلع مع الفجر في ثامن عشر أيلول ، ويتوسّط الهَنعَة ، ويغرب المؤخّر ، ويكون بلع متوسّطاً وقت المغرب ، والمقدّم ربع الليل ، والمؤخّر ثلثه والشّرطان نصفه.

والسّماك يطلع ] (1) مع الفجر في حادي عشر تشرين الأوّل ، ويتوسّط الذراع ، ويغرب البُطَين ، ويكون الصعود متوسّطاً وقت المغرب ، ومؤخّر الدلو ربع الليل ، والرشا ثلثه ، والبُطَين نصفه.

والغَفر يطلع مع الفجر رابع عشر تشرين الأوّل ، وتتوسّط النثرة ، ويغرب الشّرَطان ، ويكون الأخبية متوسّطاً وقت المغرب ، والرشا ربع الليل ، والشّرطان ثلثه ، والثريّا نصفه.

والزّبانى يطلع مع الفجر سادس تشرين الآخر ، ويتوسّط الطرف ، ويغرب البُطَين ، ويكون مقدّم الدلو متوسّطا وقت المغرب ، والشّرطان ربع الليل ، والبُطَين ثلثه ، والدبران نصفه.

والإكليل يطلع مع الفجر تاسع عشر تشرين الآخر ويتوسّط الطرف ، ويغرب الثريّا ، ويكون مؤخّر الدلو متوسّطاً وقت المغرب ، والبُطَين ربع الليل ، والثريّا ثلثه ، والهقعة نصفه.

والقلب يطلع مع الفجر ثاني كانون الأوّل ، ويتوسّط الزبرة ، ويغرب الدبران ، ويكون بطن الحوت متوسّطاً وقت المغرب ، والثريّا ربع الليل ، والدبران ثلثه ، والهقعة نصفه.

والشّولَة يطلع مع الفجر خامس عشر كانون الأوّل ، وتتوسّط الصرفة وتغرب الهقعة ، ويكون الشّرَطان متوسّطاً وقت المغرب ، والدبران ربع الليل ، والهقعة ثلثه ، والذراع نصفه.

والنعائم يطلع مع الفجر ثامن عشر كانون الأوّل ، وتتوسّط الصّرفَة ، وتغرب الهقعة ،

ص: 431


1- قوله في ص 428 : ( ومن الشَّولَة إلى النعائم .. السماك يطلع ) من « ق ».

ويكون البُطَين متوسّطاً وقت المغرب ، والهقعة ربع الليل ، والهَنعَة ثلثه ، والنثرة نصفه.

والبَلدة يطلع مع الفجر في عاشر كانون الثاني ، ويتوسّط السّماك ، ويغرب الذراع ، وتكون الثريّا متوسّطة وقت المغرب ، والهَنعَة ربع الليل ، والذراع ثلثه ، والطرف نصفه.

وسعد الذابح يطلع مع الفجر ثالث عشر كانون الآخر ، ويتوسّط الغَفر ، وتغرب النثرة ، ويكون الدبران متوسّطاً وقت المغرب ، والذراع ربع الليل ، والنثرة ثلثه ، والجبهة نصفه.

وسَعد بُلع يطلع مع الفجر خامس شباط ويتوسّط الزّبانى ويغرب الطرف ، وتكون الهقعة متوسّطة وقت المغرب ، والنثرة ربع الليل ، والطرف ثلثه ، والزبرة نصفه.

وسعد السعود يطلع مع الفجر ثامن عشر شباط ، ويتوسّط الإكليل ، وتغرب الجبهة ، وتكون الهَنعَة متوسّطة وقت المغرب ، والطرف ربع الليل ، والجبهة ثلثه ، والصّرفَة نصفه.

والأخبية يطلع مع الفجر ثالث آذار ، ويتوسّط القلب ، وتغرب الزبرة ، ويكون الذراع متوسّطاً وقت المغرب ، والجبهة ربع الليل ، والزبرة ثلثه ، والعَوّا نصفه.

والفَرغ المقدّم يطلع مع الفجر ثالث عشر آذار ، ويتوسّط النعائم ، وتغرب الصّرفَة ، ويكون النثرة متوسّطاً وقت المغرب ، والزبرة متوسّطاً ربع الليل ، والصّرفَة ثلثه ، والسّماك نصفه.

والمؤخّر يطلع مع الفجر في الثلاثين من آذار ، ويتوسّط النعائم ويغرب العَوّا ، ويكون الطرف متوسّطاً وقت المغرب ، والصّرفَة ربع الليل ، والعَوّا ثلثه ، والغَفر نصفه.

والرشا يطلع مع الفجر حادي عشر نيسان ويتوسّط النثرة (1) ويغرب السّماك ، وتكون الجبهة متوسّطاً وقت المغرب ، والعَوّا ربع الليل ، والسّماك ثلثه ، والزّبانى نصفه.

تتمّة : وهنا طريق آخر إلى معرفة ساعات الليل والاستدلال عليه بغروب القمر وطلوعه ، وذلك أنه في كلّ ليلة من أوّل الشهر يغرب على ستّة أسباع ساعة إلى

ص: 432


1- من « ق » ، وفي « م » : ( البَلدة ).

الليلة الرابعة عشرة ، فإذا كان الليلة الخامسة مثلاً ضربت خمسة في ستّة ، يبلغ ثلاثين ، تقسمها على سبعة ، يخرج أربع ساعات وسُبعا ساعة ، فالقمر يغيب تلك الليلة على هذه المقدار. وإذا كان الليلة السابعة ضربت ستّة في سبعة ، تبلغ اثنتين وأربعين ، فإذا قسّمتها على سبعة خرج ستّ ساعات ، فالقمر يغيب نصف الليل ، فإذا كان الليلة الخامسة عشرة ، فالقمر يطلع على ستّة أسباع ساعة ، وليلة العشرين يطلع على خمس ساعات وسبع ساعة. وعلى هذا القياس.

لكن الطريق الأوّل أضبط ؛ لأن القمر في بعض الشهور يكبس الليلة الرابعة عشرة ، وفي بعضها لا يكبس الليلة الخامسة عشرة ، ولأن الإنسان قد ينام ويستيقظ فيجد القمر طالعاً ولا يدري أيّ وقت طلع ، وكذا في غروبه بخلاف المنازل.

الفصل الخامس : شهور الروم اثنا عشر ، وهي : تشرين الأوّل ، وتشرين الثاني ، وكانون الأوّل ، وكانون الثاني ، وشباط ، وآذار ، ونيسان ، وأيّار ، وحزيران ، وتمّوز ، وآب ، وأيلول. وهي متفاوتة الأعداد ، فكلّ من تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول ثلاثون يوماً. وشباط ثمانية وعشرون يوماً إلّا في الكبيسة ، فإنه تسعة وعشرون يوماً ، وتدور في كلّ أربع سنين ؛ لأنه ثمانية وعشرون يوماً وربع يوم ، والبواقي كلّ شهر أحد وثلاثون يوماً.

وقد جمعت في أربع كلمات : ( فاز ضيف هنا نزل ). فالفاء : تشرين الأوّل ، ولها نقطة من فوق ؛ فهو أحد وثلاثون يوماً ، والألف : تشرين الثاني وهو مهمل فيكون ثلاثين. وعلى هذا فقس ) ، انتهى ما أردنا نقله من الرسالة.

وأنت خبير بأنه لا ينطبق شي ء من علامات ربع الليل وثلثه ونصفه إلّا على أجزاء ما بين الغروب والطلوع ، وهذه الأمارات تحتاج إلى مزيد بيان ، هو معرفة مداخل الشهور الروميّة من الشهور الفارسيّة ، لأنها معروفة عند أكثر الناس متداولة بينهم.

فنقول : الذي قرّره الزواويّ : في جدوله المستخرج من الزيجات والتقاويم المعتمدة عند أهل هذه الصناعة أن آذار يدخل في العشرين من الحوت ، ونيسان في

ص: 433

الثالث والعشرين من الحمل ، وأيّار في الثاني والعشرين من الثور ، وحزيران في الثاني والعشرين من الجوزاء ، وتمّوز في العشرين من السرطان ، وآب في العشرين من الأسد ، وأيلول في العشرين من السنبلة ، وتشرين الأوّل في العشرين من الميزان ، وتشرين الثاني في العشرين من العقرب ، وكانون الأوّل في العشرين من القوس ، وكانون الثاني في ثاني وعشرين الجدي ، وشباط في ثاني وعشرين الدلو ، وآذار في ثاني وعشرين الحوت ، انتهى.

ومثله ما في جدول محمّد مكيتل المدنيّ ، وهو كبير المؤذّنين بالحرم الشريف ، إلّا إنه ربّما تفاوتا بيوم أو يومين من أجل اختلاف الآفاق ، بسبب كرؤيّة الأرض.

وقد نظمها السيّد أبو الحسن علي بن أبي الرضا العلويّ الحائريّ ، فقال :

( اعلم بأن الشمس لمّا خلقت *** في أوَّل الشرطين حقَّا وضعت

وعندها كان ابتداء العالم *** سمعته من قول شيخ عالم

في شهر آذار اعتدال الوقت *** في قول كلِّ عالم ومفت

ثلاث عشْرٍ (1) منه تنزل الحملْ *** وكائن الصبح مع الليل اعتدلْ

ويوم خامس عشْرِ من نيسان *** تنزل بالثور على تبيان

وتنزل الشمس بخمس عشرهْ *** في أوّل الجوزاء وقت بكرهْ

من شهر أيّار إذا توسّطا *** فلا تكن في حفظه مفرِّطا

وفي ثلاث عشْرِ (2) يوم كاملهْ *** إذن حزيران أتى في القابلهْ

بالسرطان تنزل المسخِّنه *** وهو إذن أطول يوم في السنهْ

وهكذا تمّوز إن تمّ العددْ *** فإنها تنزل في برج الأسد

وسبع عشْر (3) ليلة مكمّلهْ *** من آب تنزل شمسُه بالسنبلهْ

ص: 434


1- كذا بتذكير جزأي المركّب.
2- كذا بتذكير جزأي المركّب.
3- كذا بتذكير جزأي المركّب.

أيلول لا فيلول فيما ذكروا *** بستّ عشر (1) شارق قد حرروا

تنزل فيه الشمس بالميزان *** فلا تكن في حفظه بوانِ

يعتدل الليل مع النهار *** كقسمة الساعات في آذار

في ستّة قد ذهبت وعشر *** من شهر تشرين بُعيد الفجر

قد تتنزّل بقول العرب *** إذن تُبيَّت برأس العقرب

وتنزل الشمس بخمس عشرهْ *** من شهر تشرين الأخير بكرهْ

بالقوس وهو منكب النعائم *** فاصغِ إلى مقال شيخ عالم

ويوم ثالث عشْر من كانون *** تكون في الجدي على تمكين

لأنه أقصر يوم يأتي *** إذا توسَّط الزمان الشاتي

ثم تعد (2) في درج الصعود *** وهي إذن بأوّل السعود

والشمس قد تنزل برج الدلوِ *** في [ قول (3) ] كلّ حاضر وبدوي

من شهر كانون الأخير ؛ إذ مضت *** ثلاث عشْر (4) ليلة قد فرضت

وتنزل الشمس على احتياط *** في سادس عشر من شباط (5)

بالحوت فاسمع يا سديدُ منّي

ولا [ تجاوزنْه (6) ] واروِ عني )

انتهى.

وفي جدول الزواوي : ( تتوسّط الصّرفَة نصف الليل أوّل يوم من الحمل ، والعَوّا في رابع عشرِهِ ، والسّماك في السادس والعشرين منه.

والغَفر يتوسّط نصف الليل في ثامن الثور ، والزّبانى في عاشرِهِ ، والإكليل في رابع الجوزاء ، والقلب في سابع عشره ، والشّولَة في اليوم الثلاثين منه.

والنعائم تتوسّط نصف الليل في عاشر السرطان ، والبَلدة في الرابع والعشرين منه.

ص: 435


1- كذا بتذكير جزأي المركّب.
2- كذا ( بالجزم ).
3- في المخطوط : ( مقال ).
4- كذا بتذكير جزأي المركّب.
5- كذا ، العجز غير موزون.
6- في النسختين : ( تجاوزه ) ، وما أثبتناه أوفق للوزن.

والذابح يتوسّط نصف الليل في سادس الأسد ، وبلع في ثامن عشرهِ ، والسعود في آخر يوم منه ، وهو الحادي والثلاثون.

وتتوسّط الأخبية نصف الليل في ثالث عشر السنبلة ، والمقدّم في خامس عشرهِ.

والمؤخّر يتوسّط نصف الليل في ثامن الميزان ، والرشا في الحادي والعشرين منه.

ويتوسّط الشّرَطان نصف الليل في رابع العقرب ، والبُطَين في سابع عشرِهِ ، والثريّا في التاسع والعشرين منه.

والدبران يتوسّط نصف الليل في ثالث عشر القوس ، والهقعة في السادس والعشرين منه.

والهَنعَة تتوسّط نصف الليل في التاسع من الجدي ، والذراع في الثاني والعشرين منه.

والنثرة تتوسّط نصف الليل في ثامن الدلو ، والطرف في الحادي والعشرين منه.

والجبهة تتوسّط نصف الليل في رابع الحوت ، الزبرة في ثامن عشرهِ ، والصّرفَة في التاسع والعشرين منه ) ، انتهى.

وأكثر اعتمادي عليه ؛ لأن الظاهر أنه مستخرج على عرض هجر والبحرين وقطر.

وقال السيّد يحيى بن محمّد المكّي : في كتابه ( وسيلة الفلاح ) ، وهو من علماء التقويم وقد رأيته سنة الحادية والعشرين بعد المائتين والألف : ( الفصل الخامس : في معرفة الماضي والباقي من النهار. وطريقته أن تعرف الظلّ في وقتك الذي تريد ، وزد عليه قامة ، وهي سبعة أقدام ، واطرح من المجتمع ظلّ الزوال في يومك أو ما قبله بلا فصل ، والباقي اقسم عليه

اثنين وسبعين ، فما خرج من الصحيح والكسور فهو الماضي من ساعات النهار الزمانيّة وكسورها إن كنت قبل الزوال ، والباقي منه إن كنت بعده.

واعرف قدر الساعات الزمانيّة وابسطها درجاً ، فما اجتمع من الدرج فهو قدر الماضي من الدرج إن كنت قبل الزوال ، والباقي منه إن كنت بعده ، وهو المسمّى بالدائر ، واطرحه من نصف قوس النهار يحصل فضل الدائر ، والباقي للزوال إن كنت قبله ، والماضي منه إن كنت بعده ).

ص: 436

أقول : معنى قوله : ( ابسطها درجاً ) أنك تأخذ لكلّ ساعة خمس عشرة درجة ، فإنها حصّة الساعة من قسمة ثلاثمائة هي عدد درج المعدّل وما حواه من الأفلاك.

ثمّ قال يحيى بن محمّد : ( ولك طريق آخر ، وهو أن تعرف الظلّ في وقتك وأسقِط منه ظلّ الزوال ، ثمّ إن كان الباقي أربعين قدماً فأكثر فهي الساعة الأُولى ، أو دونها إلى عشرين فهي الساعة الثانية ، أو دونها إلى عشرة فهي الثالثة ، أو دونها إلى ستّة فهي الرابعة ، أو دونها إلى ثلاثة فهي الخامسة ، أو دونها إلى الزوال فهي السادسة ، وعكس ذلك من الزوال إلى الغروب ) ، انتهى.

وليس شي ء منه منطبقاً إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع إلى الغروب ، كما هو جليّ ظاهر لا يكاد ينكره من له أدنى معرفة بهذا الفنّ ، كالذي قبله من العلامات المنقولة عن العلماء ، فإن شيئاً منها غير منطبق إلّا على هذا.

وقال الحكيم سرجس بن هلبا الروميّ : في تعريب كتاب ( الفلاحة الرومية ) تأليف الحكيم قسطوس الرومي : ( الباب الخامس : في معرفة ما مضى من ساعات النهار أو الليل. قال قسطوس : يجب على من أراد ذلك أن يكون عالماً بأقصر الظلال في أوائل البروج ، وهي ظلال نصف النهار إذا كانت الشمس في أوائل البروج ، فإن هذه الظلال إذا كانت محصّلة عند الطالب في إقليمه تهيّأ له أن يعلم الماضي من الساعات في إقليمه في أيّ يوم كان من أيّام السنة.

والطريق إلى تحصيل هذا الظلّ أن تعمد إلى أرض مستوية وتدير فيها دائرة سعتها أربعة أذرع ، ثم تعمد إلى عود مصطحب لا اعوجاج فيه طوله ذراع ، وتقيمه على مركز الدائرة قياماً ثابتاً صحيحاً لا ميل فيه. أما إثباته فيكون بأن يدفن في الأرض نصفه ويبقى الظاهر منه شبر ، وتدعمه دعماً قويّاً. وأمّا ما يعمل حتّى يكون قيامه على الأرض صحيحاً لا ميل فيه ، فهو بأن يُعلّم على محيط الدائرة ثلاث علامات متباعدة تكاد تقسم الدائرة بثلاثة أقسام متساوية أو ما يقرب منه ، ثمّ تقيس بُعد رأس العود من العلامات الثلاث التي على محيط الدائرة بخيط أو بعود ،

ص: 437

فإن كانت أبعاد رأس العود من العلامات الثلاث متساوية ، فالعود قائم قياماً صحيحاً وإلّا فمائل فأصلحه.

فإذا تمّ ذلك فارقب ظلّ هذا العود بعد طلوع الشمس بقليل إلى أن يوافي محيط الدائرة ، وعلّم عليه في محيطها علامة وسمّها مدخل الظلّ ، ثمّ ارقب ظلّ العود أيضاً في النصف الثاني من النهار إلى أن يوافي محيط الدائرة ، وعلّم عليه أيضاً في محيطها علامة سمّها مخرج الظلّ ، ثمّ اقسم القوس من محيط الدائرة التي بين مدخله ومخرجه بنصفين ، وكذلك وتر هذه القوس وهو الخطّ المستقيم القاسم بين مدخله ومخرجه بنصفين ، ثمّ خطّ خطّاً يمرّ على منتصف القوس ، ومنتصف الوتر وينتهي إلى أصل العود ، فيكون ظلّ العود القائم على مركز الدائرة أقصر ما يكون في كلّ يوم من أيّام السنة إذا وقع على هذا الخطّ.

فإذا تمّ ذلك ، فاقسم بالبركار طول العود من أصله إلى أعلاه [ إلى اثني (1) ] عشر قسماً متساوية ، من غير أن تزيله عن موضعه ولا تغيّره عمّا كان عليه ، وسِم كلّ قسم منها إصبعاً ، ثمّ افتح البركار بقدر إصبع منها واتركه على فتحته ، وقسّم به الخطّ الذي خططته وهو الذي يقع عليه الظلال القصار وليكن مبدأ القسمة من طرفه الذي عند أصل العود ، ومنتهاها في جهة الشمال ، وليكن مبلغ هذه الأقسام خمسة وأربعين قسماً.

فإذا تمّ ذلك فارتقب إذا كانت الشمس في أوّل برج الجدي ظلّ العود إلى أن يقع على خطّ نصف النهار وهو الخطّ الذي تقع عليه الأظلال القصار واعلم كم فيه من أجزاء هذا الخطّ ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ يكون إذا كانت الشمس في أوّل برج الجدي. ثمّ ارتقب أيضاً إذا كانت الشمس في أوّل برج الدلو ظلّ العود المذكور إلى أن يقع على خطّ نصف النهار ، واعلم كم فيه من أجزاء خطّ نصف النهار ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ يكون إذا كانت الشمس في أوّل برج الدلو.

ص: 438


1- في المخطوط : ( باثني ).

ثمّ ارتقب أيضاً إذا كانت الشمس في أوّل برج الحوت ظلّ العود المذكور إذا وقع على خطّ نصف النهار واعلم كم فيه من أجزاء خطّ نصف النهار ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ إذا كانت الشمس في أوّل برج الحوت. وهكذا حصّل الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل برج الحمل ، وفي أوّل برج الثور ، وفي أوّل الجوزاء ، وفي السرطان.

وأما الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل الأسد ، فهو مثل الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل الجوزاء ، وكذا الظلّ الأقصر في أوّل السنبلة مثل الظلّ الأقصر في أوّل الثور ، والظلّ الأقصر في أوّل الميزان مثل الظلّ الأقصر في أوّل الحمل ، والظلّ الأقصر في أوّل العقرب مثل الظلّ الأقصر في أوّل الحوت ، والظلّ الأقصر في أوّل القوس مثل الظلّ الأقصر في أوّل الدلو.

فإذا حصّلت ذلك وأردت أن تعلم الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في غير أوائل البروج ، فاعرف عدد ما للشمس في البرج الذي هي فيه من الأيّام ، وانسبه من عدد الأيّام التي تقطع الشمس فيها ذلك البرج ، واحفظ تلك النسبة ، ثمّ خذ تفاوت ما بين الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج وبين الظلّ الأقصر في أوّل البرج الذي يتلوه ، وخذ من هذا التفاوت مثل تلك النسبة التي حفظتها ، وزده على الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج إن كان أقلّ من ظلّ أوّل البرج الذي يتلوه الأقصر ، وأنقصه منه إن كان الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج أكثر من الظلّ الأقصر في أوّل البرج الذي يتلوه ، فما كان من الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج بعد الزيادة عليه أو النقص منه ، فهو الظلّ الأقصر في اليوم المطلوب.

فإذا علمت ذلك فأردت أن تعلم الماضي من النهار من الساعات ، فاعرف الظلّ الأقصر في ذلك النهار ، وقف في أرض مستوية واستدبر الشمس استدباراً صحيحاً ، واعرف ما في ظلّك من الأقدام واضربها في اثني عشر ، وأقسم المجتمع على سبعة ؛ فما خرج أنقص منه الظلّ الأقصر في ذلك اليوم ، فما بقي منه اقسم عليه اثنين

ص: 439

وسبعين أبداً ، فما خرج فهو عدد ما مضى من الساعات من أوّله إلى الوقت الذي نسبت فيه ظلّك ، هذا إذا كان قياسك قبل نصف النهار. وأمّا إذا كان بعد نصفه فالخارج من القسمة هو الباقي من النهار من الساعات ، فإذا نقصته من اثني عشر كان الباقي هو الماضي من أوّل النهار إلى الوقت الذي قست فيه من الساعات.

وإذا أردت أن تعلم الماضي من الليل من الساعات ، فاعرف منزلة الشمس في الليلة التي تريد فيها ذلك ، وعدّ منها على توالي المنازل ثمانية ، والمنزلة التي انتهيت إليها هي التي تتوسّط في أوّل تلك الليلة. فإذا أردت أن تعلم الماضي من تلك الليلة من الساعات فاستدبر جدي بنات نعش استدباراً صحيحاً ، فارفع وجهك نحو السماء قليلاً قليلاً من غير أن تميله شمالاً أو يميناً ، فما رأيته من المنازل بين عينيك فهي المنزلة المتوسّطة في ذلك الوقت ، فعدّ من المنزلة المتوسّطة في أوّل تلك الليلة إلى هذه المنزلة ، فما كان فاضربه في ستّة وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، واحسب لكلّ سبعة ساعة ، وما بقي أقلّ من سبعة فهو ما مضى من الساعة التي أنت فيها من الأسباع.

ولمعرفة ما مضى من الليل من الساعات وجه آخر أصحّ من هذا ، وذلك بأن ترقب أوّل منزلة تُرى في وسط السماء في تلك الليلة ، وآخر منزلة تُرى في وسط السماء فيها ، وخذ ما كان من المنازل من نصف المنزلة التي قبل تلك المنزلة إلى نصف المنزلة التي بعد هذه ، واحفظه. فإذا أردت أن تعلم الماضي من الليل من الساعات ، فاعرف المنزلة المتوسّطة في الوقت الذي تريد فيه ذلك وعدّ من أوّل المنازل التي حفظتها ، فما خرج فهو الماضي من أوّل الليل إلى الوقت الذي قست فيه. إلّا إن هذا العمل لا يتمّ إلّا أن تستعدّ له في الليلة التي قبلها بمعرفة متوسّطة أوّل الليل وآخره بالمشاهدة.

الباب الثاني (1) : في معرفة أوقات طلوع القمر ومغيبه.

ص: 440


1- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه ( السادس ) ؛ إذ ما مرّ هو الباب الخامس.

اعلم أن القمر في أوّل ليلة من الشهر القمريّ يغيب إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة ، وفي الثانية إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة ، وعلى هذا الترتيب يتأخّر مغيبه في كلّ ليلة عن مغيبه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة.

ففي ليلة أربع عشرة يكون غروبه آخر الليل ، وذلك على انقضاء ساعاته الاثنتي عشرة ، وفيما بقي من الشهر يصير مغيبه نهاراً.

وفي الليلة الخامسة عشرة يطلع إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة.

وفي الليلة السادسة عشرة يطلع إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة.

وعلى هذا الترتيب يتأخّر طلوعه في كلّ ليلة عن وقت طلوعه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة ، فإذا كان في ليلة سبع وعشرين طلع على مضيّ إحدى عشرة ساعة وسبع ساعة ، وفي ليلة ثمانٍ وعشرين يختفي بشعاع الشمس.

فإذا كنت في النصف الأوّل من الشهر القمريّ ، وأردت أن تعلم الماضيَ من الليل وقت مغيب القمر ، فاعرف كم مضى من ليالي الشهر بالتي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة تسقطها ساعة ، وما بقي بيدك دون سبعة فأسباع من ساعة ، فما كان من ذلك فهو الماضي من أوّل الليل إلى وقت مغيب القمر في ليلتك. وإذا كنت في النصف الثاني من الشهر وأردت أن تعلم الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر ، فاعلم كم ليلة مضت منه بالليلة التي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة ساعة ، وما بقي دون سبعة فهو أسباع من ساعة ، فما حصل معك من ساعات وأسباع فهو الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر في ليلتك.

واعلم أن هذا الباب ليس هو على التحرير والتقرير ، بل هو على الجليل من النظر والاعتبار ) ، انتهى كلام الحكيم.

وأقول : أراد بالساعة جزءاً من اثني عشر من الليل أو من النهار ، وما ذكره هو

ص: 441

وغيره من الاعتبار بمغيب القمر وطلوعه ، هو ما حكاه الشهيد : عن الجعفيّ (1) ، وإنما كرّرنا نقله ليعلم أنها طريقة مألوفة للعلماء والحكماء وإن كانت تقريبيّة لما يعرض للقمر من الإقامة والاستقامة والرجوع ، ولليل والنهار من الطول والقصر والتفاوت بينهما.

وقال بعض فضلاء علماء أهل البحرين والظاهر أنه الشيخ أحمد بن عبد السلام - : ( اعلم أن معرفة آناء الليل والنهار وما مضى منها وما بقي ، مقدّمة عظيمة في كثير من العبادات وحقوق الناس المحدودة بالساعات ، لا جرم كان معرفة القوانين الموصلة إليها من أهمّ المهمّات ، بل ربّما كانت من الواجبات ).

وساق ذكر بعض ما يضطرّ الناس إليه في ذلك من العبادات والمعاملات من الإجارات ، وقسمة المياه والمهاياة والآجال وغير ذلك ، ثمّ قال : ( فنقول : أمّا معرفة آناء النهار والقدر الماضي منه والباقي ، فله قانون نظمه بعض أهل العلم ، فقال :

وإن أردت ما مضى وما بقى *** من النهار بالحساب الأوفقِ

فاعمد إلى عود كقدر الشبرِ *** وانصبه نصباً واستعن بالصبرِ

ثم أرصد الظلَّ إلى ما ينتهي *** بالعُود قدِّره على ما ينبغي

فما انتهى ذاك إلى التعديدِ *** فزد عليه مثل قدر العودِ

وألقِ منه ظلَّ نصف يومكْ *** فإن في ذاك كمالَ أمركْ

فما بقي فاقسم عليه وهنا *** اثنين معْ سبعين حتّى يفنى

وافهم إذا قسَمت باب المخرجِ *** فتلك ساعات صحيح المخرجِ

فهي إذا كان النهار مقبلا *** فقد مضى أوَّلا فأوّلا (2)

وهي إذا كان النهار مدبرا *** فقد مضى آخرا فآخرا (3)

ص: 442


1- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
2- كذا ، العجز غير موزون.
3- كذا ، العجز غير موزون.

وتفصيل ذلك على سبيل الإيضاح أنه متى أردت معرفة كم مضى من النهار فلا يخلو إمّا أن يكون قبل الزوال أو بعده ، فإن لمعرفة الزوال طرقاً كثيرة ، مثل الدائرة الهنديّة ، وزيادة الظلّ ، وغير ذلك.

فإن كان في أوّل النهار نصبنا مقياساً من عود أو غيره ، ونظرنا امتداد ظلّه على الأرض كم إصبعاً مثلاً ، وزدنا على قدر امتداد الظلّ قدر امتداد المقياس نفسه ، ونقصنا من المجموع قدر ما يبقى من المقياس وقت الزوال ، وهو ظلّ نصف النهار ، وقسمنا الباقي على اثنين وسبعين ، فما أخرجته القسمة فهو الماضي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإن كان في القسمة كسر فاقسم الكسر واستخرج نسبته من الساعة.

وإن كان آخر النهار فاعمل هذا العمل إلى آخره ، وخارج القسمة هو الباقي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإلّا فبالنسبة.

ومثال ذلك في الطرف الأوّل من النهار أن تأخذ مقياساً طوله أربعة أصابع مثلاً وطول ظلّه ستة عشر إصبعاً ، فعند الجمع يصير عشرين إصبعاً ، وظلّ نصف النهار يومئذ إصبعان فيكون الباقي بعد أن ينقص منه ثمانية عشر إصبعاً ، فإذا قسمنا عليه اثنين وسبعين كان خارج القسمة أربعاً (1) ، فالماضي من النهار أربع ساعات وهو الثلث من النهار.

وإن قلت : إن ظلّ نصف النهار أربعة أصابع فالباقي من المجموع ستّة عشر إصبعاً ، وبعد القسمة يكون الخارج أربع ساعات ونصف ساعة ؛ لأن أربعة وستين إصبعا أربع مرّات العدد المقسوم عليه ، وهو ستّة عشر ، تبقى ثمانية أقلّ كسر تتوافق الثمانية فيه ، والستّة عشر مثلان ، والواحد نصف الاثنين ، وقس عليه في سائر ما يقع فيه الكسر.

ومثال ما إذا كان في الطرف الأخير من النهار : المثالان المذكوران ، ولكنّ الخارج

ص: 443


1- في « ق » : ( الربع ).

في المثال الأوّل والثاني ما بقي من النهار ، كما لا يخفى.

وهكذا ذكر أرباب هذه الصناعة. وعندي فيه مناقضة ، وهي أنه لو تمّ هذا القانون لزم منه الحكم بمضيّ نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل.

بيان ذلك : أنا لو فرضنا أن المقياس طوله ثمانية ، وامتداد ظلّه خمسة ، وظلّ نصف النهار إصبعاً كان الباقي بعد الجمع والنقص اثني عشر ، وبعد القسمة يكون الخارج ستّ ساعات ، وقد فرضنا أن الزوال لا يكون إلّا بعد بلوغ ظلّ المقياس إصبعاً والفرض أن ظلّه خمسة ، وكان الوقت المفروض فيه ذلك قبل الزوال لافتقاره إلى أربعة أصابع اخرى ، واللازم من القاعدة مضيّ ستّ ساعات من النهار ، ولا يخفى عليك بطلانه.

والأولى الرجوع في ذلك إلى طريق اخرى ، ولا بدّ فيها من تحصيل مقدّمات كثيرة مجملها أن تعرف أن الليل والنهار مقسومان بأربع وعشرين ساعة مستقيمة ، كما في يومي الاعتدال ، وكلّ يوم يزيد في أحدهما شعيرة وهي سهم من ثلاثين سهماً من ساعة وينقص من الآخر ، فتكمل زيادة أحدهما ونقصان الآخر في كلّ عشرة أيام ثلث ساعة ، وفي الثلاثين ساعة كاملة ، وبعد تقدير الشعيرة بأمر مضبوط مثل خروج مقدار من الرمل أو الماء من ثقب معلوم بقدر الشعيرة ، ومعرفة اليوم الذي أنت فيه كم شعيرة هو ، وامتحان اليوم من طلوع شمسه أو زوال يومه ، يظهر لك القدر المطلوب استعلامه ، وهذا الطريق جارٍ في أجزاء الليل والنهار.

وأمّا طريق معرفة آناء الليل ، فقد ذكروا لذلك طريقين :

الاولى : جعل طلوع القمر وأُفوله دليلاً على الماضي والباقي ، فأمّا في النصف الأوّل منه فيحسب الماضي من الشهر من ليلة الرؤية ، ثمّ اضرب المجتمع في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة فتجعل كلّ سبعة لساعة ، وما بقي فأضفه كسراً على الصحاح.

مثاله : مضى من الشهر ثلاث ليالٍ مثلاً ، فإذا ضربتها في ستّة فخارج قسمتها على

ص: 444

سبعة هو الماضي من الليل وقت افول القمر.

وأمّا في النصف الأخير من الشهر فتأخذ الماضي وتُسقط منه أربعة عشر ، وتضرب الباقي في ستّة ، وتقسم المجتمع على سبعة ، فالخارج هو الماضي من الليل وقت طلوع القمر.

مثلاً الماضي عشرون فالباقي بعد إسقاط أربعة عشر ستّة ، وبعد الضرب في ستّة يكون المجتمع ستّة وثلاثين ، وبعد القسمة يكون الخارج خمس ساعات وسبع ساعة ، ويكون الماضي من الليل وقت الطلوع المقدار الخارج.

وأنت تعرف عدم شمول القاعدة لجميع أوقات الليل ؛ لاختصاصه بوقتي الطلوع والأُفول.

الطريقة الثانية : الاعتماد على المنازل ، فقد تحقّق عندهم أن من أوّل الليل إلى طلوع الشمس أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى الغروب أربع عشرة منزلة اخرى ، وكلّ منزلة وسدس منزلة لساعة ، وكلّ ستّة أسباع ساعة منزلة كاملة ، وجعلوا سواد الليل لاثنتي عشرة منزلة ، ومن طلوع الفجر لطلوع الشمس لمنزلتين. فأنت متى عرفت أوّل منزلة من أوّل الليل فاجعل لمنزلتين بعدها سدس الليل ، ولثلاث بعدها ربع الليل ، ولستّ بعدها نصف الليل ، وهكذا إلى طلوع الفجر ، وطلوع الفجر بعد اثنتي عشرة منزلة ، كما لا يخفى.

وفي رواية عمر بن حنظلة : أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي ءٍ نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (1).

قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( والظاهر أنه عنى به : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس ) (2).

ونقل أن الجعفيّ : اعتمد على منازل القمر الثماني والعشرين ، فإنه قال وساق

ص: 445


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- الذكرى : 125 ( حجريّ ).

عبارته كما تقدم ثمّ قال : ( أقول : لا يخفى عليك أن الظاهر من كلام الجعفي : قسمة سواد الليل الذي هو الليل شرعاً على أربع عشرة منزلة ؛ لأنه جعل لكلّ منزلة نصف سبع ، والأمر ليس كذلك ؛ لأن سواد الليل الذي هو الليل الشرعيّ مقسوم على اثنتي عشرة منزلة ؛ لأن من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس محسوباً بمنزلتين ، فلو قال مكان نصف سبع : سدس ، لكان أوفق. ويمكن تكلّف الجواب بحمل الليل على الليل الاصطلاحي ، وحينئذٍ نحتاج إلى تكلّف في إفادة المطلوب ) ، انتهى كلام الشيخ أحمد بن عبد السلام.

وأقول : ما ذكره رحمه الله من المعارضة وإن كان وارداً في الظاهر على ما قرّروه ، ولكنّه أخطأ التقرير ؛ فإنه فرض طول العمود ثمانية لظنّه أن مرادهم بطوله مساحة جسمه بالأصابع ، وليس كذلك ، فإنهم إنما يعنون بطوله : اثني عشر دائماً طال أو قصر. فعلى هذا ، فقسمة الاثنين والسبعين على ستّة عشر بعد الجمع والنقص في مثاله (1) ، فخارج القسمة هو ما مضى ، فسقطت المعارضة فلا تغفل.

والمقصود أنهم أجمع إنما أرادوا بالنهار المطلوب : استعلام ما مضى منه ، هو ما بين الطلوع والغروب ، وقد جعلوه مقابل الليل. وكذا ما ذكره الشيخ أحمد بن عبد السلام : في القانون الذي قرّره لاستعلام ما مضى من ساعات النهار والليل أي من الأجزاء الاثني عشر من كلّ منهما إنما ينطبق على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع. فأرباب الفنّ لا يعرفون إلّا ذلك.

وبهذا ، مضافاً إلى قوله رحمه الله في المعارضة : ( أنه يلزمهم أن يكون نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل ) تسقط معارضته للجعفيّ ، ويظهر به ظهوراً تامّاً أنه أراد بالليل : ما بين الغروب والطلوع بلا تكلّف ، وأن ذلك عنده هو الليل حقيقة عرفاً وشرعاً كما هو مدلول رواية ابن حنظلة ، وقد مرّ بيانه (2).

هذا مع أنه سلّم اعتماد طريقة طلوع القمر ومغيبه المشتهرة بين فضلاء الفنّ ،

ص: 446


1- في « ق » : ( أمثاله ).
2- الفقيه 1 : 146 / 677.

وهي غير منطبقة إلّا على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. وأيضا فهو قد سلّم أن من غياب الشمس إلى طلوعها أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى غروبها أربع عشرة منزلة ، فللّيل أربع عشرة منزلة ، وللنهار أربع عشرة منزله. فإذا كان للنهار أربع عشرة منزلة لزم أن يكون للّيل مثلها بمقتضى المقابلة ، فلزم أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. إلا أن يلتزم خروج ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن حقيقة الليل وعن حقيقة النهار ، وأنها ليست من ساعاتهما حقيقة ، وإنما هي حقيقة أُخرى خارجة عنهما بالكلّيّة.

ولا أظنّ أن أحداً من البشر يقول بذلك ، بل النصّ والإجماع من كلّ ذي علم على عدم خروجه عنهما إلّا ما حكاه بعض الشافعيّة عن يحيى بن سعيد الزبيريّ ، وأبي محمّد العبديّ ، وأبي العبّاس الصفّار ، وأبي جعفر البصريّ ، ولم يثبت.

ولو صحّ لم يضرّ بالإجماع قبلهم وبعدهم ، ولا يعارض قولهم شيئاً ممّا قدّمناه ؛ لشذوذه وندوره ، فسقط ما قاله في معارضته للجعفيّ : كلّه.

وقال صاحب كتاب ( اليواقيت في معرفة المواقيت ) وقد زعم مؤلّفه ، وهو من أئمّة الشافعيّة أنه استخرجه من نيّف وخمسين كتاباً ، بعد أن قرّر معرفة الزوال بطريق زيادة الظلّ بعد نقصانه - : ( فإذا قدّرت الظلّ ، ورأيته قد ابتدأ في الزيادة فأوّل ما يبتدئ وتراه يقيناً فاعلم أن الشمس قد زالت ودخل الوقت ، فاعرف الظلّ كم هو من قدم حينئذٍ وصلّ الاولى ، وما من الظلّ في الميزان فهو مثل ظلّ الرجل ، والميزان أصحّ وأسرع ).

إلى أن قال : ( فصل : نذكر فيه صفة الميزانين اللذين يتوصل بهما إلى معرفة الزوال على السهولة : اعلم أن الميزان هو أن تأخذ قطعة من خشب طولها نصف شبر ، وعرضها إصبعان من كلّ جهة يسمّونها ميلاً في ميل وتأخذ ميلين مربّعين طول كلّ واحد منهما ثلاثة أصابع ، فتنزلهما في طرفي الخشبة تنزيلاً صحيحاً حتّى

ص: 447

[ ينفذا (1) ] من أسفل الخشبة ، والباقي منها (2) تقسمه ستّة أقسام ونصفاً ، وتسميها أقداماً ، وتأخذ قياس قدم منها بمجذر (3) النقط ، فتقسم عليه تلك الخشبة من أصل الميل إلى أصل الثاني قسماً صحيحاً حتّى تأتي آخر نقطة ملصقة مع الميل ، ولو قسمته قبل أن تنزل الميلين [ لسهل (4) ] عليك ، ولا تلتفت إلى عدد الأقدام. وتحدر فيه أربعة أحدار على القرن من الخشبة ، وتُولِج فيه خيوطاً متساوية ، وتجمع أطرافها بعضد ، وحينئذٍ كمل الميزان.

فصل : إذا أردت معرفة الزوال فيه فاستدبر الشمس به في صدر النهار رافعاً له بالخيوط ، فترى ظلّ الميل منبسطاً على تلك الأقدام ، وهو يتقاصر عنها قدماً فقدماً ، فلا يزال كذلك حتّى تصير الشمس في أعلى الفلك ، فيقف عن التقاصر بجري الشمس في الفلك ، ووقوفه بقدر طلوع ربع منزلة على التقريب.

وعلم الميزان علم صحيح شرعيّ ، لا يختلف في الأزمان ولا في البلدان ، وليس العمل إلّا على أحد الميلين لا غير ، ولكنّ الحكمة في عملنا فيه ميلين ليصحّ لك إذا استدبرت الشمس بأحد الميلين ووقع ظلّه مثلاً على قدم فاستدبر الشمس بالثاني ؛ فإن وقع ظلّه على قدم كالأوّل فقد صحّ ، وإن زاد أو نقص لم يصحّ ميل ، بل يفتقر إلى تعديل الخيوط.

ومن الناس من يجعله ميلاً واحداً في وسط الميزان ليعتبره من كلتا الجهتين ، ويرى أن هذا أسهل ، وهو كما قال ، غير أنه يبطل في بعض الأقاليم التي تمرّ الشمس فيها على قمّة الرأس أيّاما يسيرة ؛ لأنك كلّما رفعته بالخيوط وقع ظلّ يدك على الميل ، فتبطل معرفة الزوال ).

قلت : لا تسامت الشمس رؤوس أهل بلد أكثر من يوم أو يومين ، والأمر فيهما سهل إلّا في خطّ الاستواء.

ص: 448


1- في النسختين : ( ينفد ).
2- من « ق » ، وفي « م » : ( منهما ).
3- في « ق » : ( منهما بمنحدر ).
4- في النسختين : ( ليسهل ).

ثمّ قال : ( فصل : واعلم أن الميزان على ضربين : ضرب تعتبر به الأقدام وهو ما ذكرناه ، وضرب يعتبر به الأصابع. ولا فرق بينهما في الصنعة (1) ، وإنما الفرق بينهما في القسمة ، فإن قسمة ميزان الأقدام على جزء من ستّة أجزاء ونصف جزء من الميل ، وهو المسمّى بالقدم ، وقسمة ميزان الأصابع على جزءاً من اثني عشر جزءاً ممّا صغر وكبر. ولسنا نعني إصبع الكفّ لأن قسمة كلّ شي ء عندهم اثنا عشر إصبعا ، أو أربعة وعشرون.

وقد عرفتك الزوال بميزان الأقدام. فإذا أردت اعتبار الزوال والساعات بميزان الأصابع فاستدبر به الشمس ، وانظر على كم يقع ظلّ الميل من إصبع ، وزد عليه طول الميل وهو اثنا عشر إصبعاً وأسقط من الجميع ظلّ زوال يومك ، فما بقي بعد الإسقاط فاجعله مكيالاً وكِل به اثنين وسبعين ، فما حصل فهي ساعات قد مضت من النهار إن كان قبل الزوال ، وإن كان بعده فهي ما بقي منه. وما حصل كسراً فهو من الساعة التي أنت فيها على حصّة المكيال ، فإن كنت قبله فالكسر الداخل منها ، وإن كنت بعده فالكسر الباقي ).

ثمّ قال : ( فصل : في معرفة ساعات الليل مطّرداً في البلدان والأزمان : اعلم أني نظرت إلى منازل القمر ، فإذا هي يطلع في كلّ ليلة منها إلى طلوع الفجر اثنا عشر منزلاً ويغيب مثلها ، كلّما طلع منزل غرب منزل لا يختلف مدى الدهر ، فقسّموا ليل الصائم على اثني عشر جزءاً ، وقالوا : كلّما طلع منزل فقد مضى من الليل جزء من اثني عشر جزءاً ، وكذا في السقوط.

ومن الناس من يعتبر ساعات الليل بالمتوسّط من المنازل ، وقد عرّفتك أنه متى طلع منزل من المشرق غرب رقيبه من المغرب ، لكن قد يدرك المراقب رقيبه في بعض المنازل فتراهما يتناظران. وقد أنشدوا في معرفة مراقبة المنازل :

ص: 449


1- من « ق » ، وفي « م » : ( الصيغة ).

كم أقالوا من ناطحٍ باغتفار *** وأحالوا على البُطَين الزُّبانى

والثريّا تكلَّلت فأرتنا *** كوكب القلب يرقب الدبرانا

هقعوا شولة هنعوا نعاما (1) *** بعد ما درَّعوا البلاد زمانا

نثروا ذبحهم لطرف بلوغ *** جبهة السعد في زبور خبانا

فانصرفنا إذ المقدَّم يعوي *** آخرا والسماك مدَّ رشانا

وأنشدوا في مراقبة البروج :

أرى الكبش في الميزان يقسم لحمه *** وبين بنات الثور عقرب يعقر

وفي منكب الجوزاء قوس معلَّق *** فإن زبر السرطان فالجدي ينفر

وكالليث نحو الماء يدلي دلوه (2) *** وفي قبضة العذراء حوت ميسّر )

انتهى ما أردنا نقله من كتاب ( اليواقيت ).

يقول أقلّ العباد وأحقرهم مؤلّف هذه الرسالة أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : كلّ ما تلي عليك من قواعد يعرف بها أجزاء الليل والنهار ، لا ينطبق شي ء منها إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ؛ فإذن أربابها وواضعوها قائلون بذلك.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء النهار أن تحصّل ظلّ قامتك في الوقت الذي تريد تحصيلاً صحيحاً ، بعد أن تحصّل أقصر الظلال في اليوم الذي قبل يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الأوّل من النهار وأقصر ظلال يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الثاني من النهار كلّ ذلك بقدمك ، ثمّ تجمعه مع عدد ساعات النهار التي هي اثنتا عشرة أبداً ، وتنقص منه أقصر ظلال أمسك أو يومك ، وتقسم على الباقي مضروبَ عددِ ساعات نصف النهار وهي ستّ أبداً في عدد ساعات النهار كلّه وهي اثنتا عشرة أبداً وهو اثنان وسبعون ، فما أخرجته القسمة صحيحاً

ص: 450


1- كذا ، غير موزون.
2- كذا غير موزون ، وقد مرّ هذا المصراع في ص 410 بلفظ : أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه.

فهو عدد ما مضى من ساعات يومك إن كنت قبل الزوال ، وما بقي إن كنت بعده ، والكسور كسور من ساعة فيهما.

مثاله : أردنا معرفة كم مضى من ساعة قبل الزوال ، وكان زوال أمسنا على قدمين ، فكِلنا ظلّ تلك الساعة فإذا هو ثمانية أقدام ، جمعنا الثمانية مع اثني عشر ، وأنقصنا من المجتمع اثنين ، وقسمنا الاثنين والسبعين على البقيّة وهي ثماني عشرة ، فخارج القسمة أربعة فهي ما مضى من ذلك النهار وهي ثلثه ، وإن كان العمل بعد الزوال فهي الباقي منه.

ومن هنا يُعلم أنك وقت أوّل الزوال لا تحتاج إلى جمع أقدام نصف النهار إلى الاثني عشر ؛ لأنه لا بدّ من طرحها بعد الجمع ، فلا فائدة ، بل تقسم حينئذٍ الاثنين والسبعين على اثني عشر ابتداءً فيكون خارج القسمة ستّة ، وهي نصف النهار.

ولانتصاف النهار وهو الزوال طرق عديدة يعرف بها منها ما مضى وغيره.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء الليل ضبط الطالع والغارب والمتوسّط من المنازل وقت الغروب ، فإن لكلّ ساعة من ساعات الليل الاثنتي عشرة ، منزلة وسدس منزلة ، فكلّما طلع منزلة وسدس مضت من الليل ساعة.

واعلم أن البعد بين كلّ منزلتين نصفه يحسب من الاولى ونصفه الآخر من التي بعدها ، فالمنزلة نصف مساحة ما بينها وبين التي (1) قبلها ، ونصف مساحة ما بينها وبين التي بعدها لها والاسم لمجموع ذلك ، فاعلم ذلك. وإذا لاحظت ما سبق من كلام العلماء عرفت تحصيل أجزاء الليل بالمنازل بلا كلفة.

وقال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( يُعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، كما في الأخبار ، أو حدوثه بعد عدمه في بعض المواضع ، وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن استقبل نقطة الجنوب ، وبميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق للحساب ) (2) ، انتهى.

ص: 451


1- من « ق » ، وفي « م » : ( الذي ).
2- مفاتيح الشرائع 1 : 94 / 105.

وقال شارحه الإمام المقدّم محمّد الكاشانيّ : ( قوله : ( وبميل الشمس ) إلى آخره ، لا تأمّل في أنه لو استقبل المكلّف نقطة الجنوب وجعلها بين عينيه ، فإذا رأى الشمس مالت إلى الحاجب الأيمن فلا شكّ في أنها زالت ، إلّا إنه يظهر ذلك بعد مدّة من الزوال ولا يظهر منه ابتداؤه. ومعرفة أوائل الميل إلى الحاجب في غاية الصعوبة ، ومعرفة نقطة الجنوب أشكل ، فإن نقطة الشمال مع كونها أظهر من نقطة الجنوب [ لكن ] تشخيصها في غاية الصعوبة ، كلّ ذلك بالظنّ والتخمين. ولو روعي العلم فلا شكّ في حصوله إلّا إنه بعد مضيّ مدّة مديدة عن الزوال ).

ثم قال الكاشانيّ : في الشرح أيضاً : ( قوله : ( وبميل الظلّ ) إلى آخره ، هذا أقوى المعرّفات ، ويعرف بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في وسط الدائرة عليه كان في وقت الاستواء ووقوف الشمس ، فإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال.

وطريقها أن تسوّي موضعاً من الأرض خالياً من ارتفاع وانخفاض تسوية صحيحة كاملة ، ثمّ يدار عليها دائرة بأيّ بُعد تكون ، وينصب على مركزها مقياس مخروط محدّد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً ، ويكون نصبه نصباً مستقيماً بحيث يحصل عن جوانبه زوايا قوائم ، ويُعلم ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط. وترصد رأس الظلّ عند وصوله إلى محيطها وهو يريد الدخول فيها ، فتُعلّم عليه علامة ، ثمّ ترصده بعد الزوال عند خروج رأس الظلّ المذكور من الدائرة ، فإذا وصل إليه وأراد الخروج منه عُلّم عليه أيضاً علامة ، ووصل ما بين العلامتين بخطّ مستقيم ، ثمّ ينصّف القوسان. ويكفي تنصيف القوس الشماليّ فيخرج من تنصيفه خطّ مستقيم يتّصل بالمقياس ، هو خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس الشاخص ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، وهو وقت وقوفها وسكونها في النظر ، وإلّا فهي غير واقفة قطعاً ، لكن من جهة عدم ظهور حركة في الظلّ أصلاً يتراءى

ص: 452

سكونها ، فإذا أخذ رأس الظلّ يخرج عن هذا الخطّ فقد زالت الشمس البتّة.

وذكروا أن الأولى والأضبط إحداث الدائرة المذكورة ، ورصد دخول رأس الظلّ إلى الدائرة وخروجه عنها ، وتعليم موضع الدخول والخروج في أوّل انتقال الشمس من الحوت إلى الحمل ، أو من السنبلة إلى الميزان ، أي وقت استواء اليوم مع الليل بحسب المقدار ) ، انتهى.

ثمّ قال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( ويُعرف انتصاف الليلِ بانحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن سَمتِ الرأس ، كما في الخبر ، وبمنازل القمر ، وقاعدة غروبه ، وطلوعه ) (1) ، انتهى.

وقال الشارح الإمام : المشار إليه : ( قوله : ( يعرف انتصاف الليل ) إلى آخره : أقول : من أمكنه معرفة نقطة الجنوب فعرفها وتوجّه إليها ، فإذا رأى النجم الطالع عند غروب الشمس مال إلى الجانب الأيمن ، فقد انتصف الليل ودخل وقت صلاة الليل. ويعرف أيضاً في أوقات مساواة الليل مع النهار ، تحقيقاً أو تقريباً بطي الفرقدين من ابتداء الغروب مقدار ربع الدائرة ، فإنهما يدوران حول الجدي في الليل والنهار دورة واحدة من ابتداء الغروب ، [ فإذا (2) ] أُخذ ابتداء طيّه ودورانه إلى أن يتحقّق ربع الدائرة صار نصف الليل ، وإن تحقّق نصف الدائرة فهو وقت طلوع الشمس.

وأمّا في الأوقات التي يكون الليل طويلاً والنهار قصيراً أو بالعكس [ فيمكن ] (3) معرفة الانتصاف بنوع من التخمين والتقدير لمن تمكّن منها. مثلاً إذا طلع على الطي من ابتداء الغروب مقدار ربع دورة ، يقول : هذا نصف الليل في ليالي الاعتدال ، فإذا كان الليل أربع عشرة ساعة يصير مقدار السدس : الربع أيضاً ؛ لأن طيّ الفرقدين مقدار ربع الدائرة ).

ثمّ أخذ في بيان الحيلة في ذلك بما ذهب من النسخة الموجودة حال هذه الكتابة.

ص: 453


1- مفاتيح الشرائع 1 : 94 / 105.
2- في النسختين : ( إذا ).
3- في النسختين : ( يمكن ).

إلى أن قال : ( وما أشار إليه من الخبر ما ذكر في ( الفقيه ) : سأل عمر بن حنظلة : أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : زوال الشمس نعرفه بالنهار ) (1). وساق بقيّة الخبر.

ثم قال : ( والمراد : النجوم (2) الطالعة ابتداء الغروب ، فإنها إذا طلعت لا تزال في الصعود إلى أن تبلغ خطّ نصف النهار ، ثمّ تشرع في الانحدار والهبوط ، فعند ابتداء انحدارها يكون انتصاف الليل ) ، انتهى.

وكلامهما صريح في أن النهار من الطلوع ، والليل إلى الطلوع.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وقت الظهر زوال الشمس إجماعاً ، ويعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه .. وقد يعلم بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة أهل العراق ، ذكره في ( المبسوط ) (3) بصيغة : وروى.

وما رواه سماعة : عن الصادق عليه السلام : أنه أخذ عوداً فنصبه حيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (4).

ونحوه رواية عليّ بن أبي حمزة : عنه عليه السلام (5).

وقد ذكر الأصحابُ الدائرةَ الهنديّة كالمفيد (6) : وغيره ) (7) ، انتهى.

ومرّ ذِكرُ عبارته في بيان انتصاف الليل ، ونَقلُهُ كلامَ الجعفيّ (8). وقد صرّحنا بأن علامة انتصاف الليل انحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن دائرة نصف النهار.

وقال في ( الدروس ) : ( ويُعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق ) (9) ، انتهى.

ص: 454


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- في « ق » : ( بالنجوم ).
3- المبسوط 1 : 73.
4- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
5- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.
6- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 92.
7- الذكرى : 117 ( حجريّ ).
8- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
9- الدروس 1 : 138.

وقال في ( اللمعة ) (1) : ( إن الزوال يُعلم بزيد الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ). ووافقه الشهيد الثاني : في الشرح (2).

وقال في ( الألفيّة ) : ( وللظهر زوال الشمس المعلوم بظهور الظلّ في جانب المشرق ) (3).

وقال شارح ( الألفية ) الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين التستريّ : في شرح هذه العبارة : ( أمّا وقت الظهر فيُعلم بزوال الشمس ، أي بتجاوزها عن دائرة نصف النهار وهي دائرة مارّة بقطبي العالم وبسَمتِ الرأس والقدم ويعلم ذلك إذا مال الظلّ الشاخص العمود على خطّ نصف النهار عنه إلى جهة المشرق.

والمراد بخطّ نصف النهار : خطّ حاصل على سطح الأرض من تنصيف دائرة نصف النهار لكرة الأرض. وبعبارة اخرى : هو الخطّ المقاطع لخطّ المشرق والمغرب على قوائم. وخطّ المشرق والمغرب : هو خطّ مارّ بنقطتي المشرق والمغرب.

وأنت تعلم أن ما ذكره إنما يظهر بعد استخراج خطّ نصف النهار ووضع عمود عليه ، وربّما يعسر تحصيل ذلك بالنظر لبعض الأشخاص. والعلامة التي تسهل للكلّ غير أنه تقريبيّ هو أن تنظر إلى الجدي أو الفرقدين في حال ارتفاعه أو انحطاطه ، فتجعله بين كتفيك وتنظر في الموضع الذي يقع بين عينيك من السماء ، فإذا تجاوز الشمس عنه فقد تحقّق الزوال. هذا في البلاد الشماليّة ، وأمّا الجنوبيّة فالأمر بالعكس بأن يجعل نقطة الجنوب أو ما يحاذيه بين كتفيه ، وما يقع بين عينيه هو الموضع الذي إذا زالت الشمس عنه تحقّق وقت الظهر ) ، انتهى.

وقال الشهيد الثاني : في شرح هذه العبارة من ( الألفية ) : ( إذا كانت الشمس في وسط السماء على دائرة نصف النهار ، كان ظلّ (4) الشاخص على خطّ نصف النهار

ص: 455


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174 ( المتن ) ، وليس فيه : ( أو حدوثه بعد عدمه ).
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174.
3- الألفية : 42.
4- في « ق » : ( الظلّ ) بدل : ( ظلّ ).

من الشمال أو الجنوب إن كان له ظلّ ، فإذا زالت بأن مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظلّ الشاخص إلى جانب المشرق إن كان له ظلّ ، وحدث من ذلك الجانب إن لم يكن.

وعبارة الرسالة شاملة للظلّ الحادث الزائد ؛ فإن كلا الظلّين يظهر عند الزوال في جانب المشرق فتشمل هذه العلامة سائر البلاد في جميع الفصول ، لكن ظهور الظلّ في جانب المشرق إنما يعلم في أوّله. كذلك عند إخراج خطّ نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهنديّة أو ربع الدائرة أو الأصطرلاب ، فإذا وصل ظلّ الشاخص إليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل ، فإذا خرج الظلّ عنه إلى جهة المشرق فقد تحقّق زوالها وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب.

وما ذكره الأصحاب عن علمه بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ، فلا يتوقّف إلّا على نصب الشاخص كيف اتّفق. لكن تبيّن الزوال الأوّل قبل الثاني بزمان كثير ، فإن تحقّق الزيادة بعد النقصان لا يظهر إلّا بعد مضيّ نحو ساعة من أوّل الوقت ، بخلاف ما لو أخرج خطّ نصف النهار على سطحٍ مستوٍ ، كما لا يخفى على من مارس ذلك ) (1) ، انتهى.

وكلام الشارحين غير منطبق إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع.

وقال المحقّق : في ( المعتبر ) : ( معنى الزوال : ميل الشمس عن وسط السماء ، ويعرف بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب بعد نقصانه .. ولو لم يكن ظلّ فعند الزوال يظهر للشاخص في ء فيعلم الزوال بظهوره ) (2).

وقال في ( الشرائع ) : ( ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) (3). يعني : نقطة الجنوب قبلة أهل العراق ، كما

ص: 456


1- المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة : 175 - 176.
2- المعتبر 2 : 49.
3- شرائع الإسلام 1 : 51.

قاله الشارح في ( المسالك ) (1).

قال (2) رحمه الله : ( قوله : ( ويعلم الزوال ) إلى آخره. بناءً على ما هو الواقع في بلاد المصنّف ، بدليل قوله بعدُ : ( وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن ) ، أو مبنيّ على الغالب في الربع المسكون. ولو أُريد تعميم الفائدة زيد : ( أو حدوثه بعد عدمه ) ، ويجمع العلامتين ظهور الظلّ في جانب المشرق عند إخراج خطّ نصف النهار.

قوله : ( أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) أي قبلة أهل العراق ، سواء في ذلك الركن العراقي وغيره ، لكن لا يعلم الزوال بهذه العلامة إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ، فإن قبلة العراق تميل عن خطّ الجنوب نحو المغرب. وأضبط من ذلك أن يستقبل نقطة الجنوب بإخراج خطّ نصف النهار ، فيكون ميل الشمس حينئذٍ إلى الحاجب الأيمن علامة الزوال ) (3) ، انتهى.

[ وظاهرهما أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ، ولم يذكرا ما ينافي ذلك (4) ].

وقال السيّد : في ( المدارك ) في شرح هذه العبارة : ( زوال الشمس : هو ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ) (5) - : ( وقد ذكر المصنّف وغيره أنه يعلم (6) بأمرين :

أحدهما : زيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه ؛ وذلك أن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص قائم على الأرض ظلّ طويل في جانب المغرب ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتّى تصير إلى دائرة نصف النهار وهي دائرة عظيمة

ص: 457


1- مسالك الأفهام 1 : 140.
2- عبارة الشهيد الثاني سوف ينقلها المصنِّف في الصفحة : 459 ، وقد حذفناها هناك ، إلّا إنه أضاف إليها هناك معلّقاً ما أشرنا له في الهامش 4 من هذه الصفحة.
3- مسالك الأفهام 1 : 140.
4- منه رحمه الله ، وقد نقلناها من ذيل العبارة المحذوفة المشار إليها في الهامش 4 من الصفحة : 466.
5- في المصدر بدلها : ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة.
6- من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( يعرف ).

موهومة تفصل بين المشرق والمغرب فهناك ينتهي نقصان الظلّ أو ينعدم ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن قد بقي ظلّ عند الاستواء حدث الفي ء في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي ، فحينئذٍ يزيد متحوّلاً إليه. فإذا أُريد معاينة ذلك ينصب مقياس ويقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثمّ يصبر قليلاً ويقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار في عدّة أخبار كرواية سماعة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنه يطلب شيئاً ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عوداً فقلت : هذا تطلب؟ قال نعم.

فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (1) الخبر.

ورواية عليّ بن أبي حمزة : قال : ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام : زوال الشمس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : تأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام ، فما دام الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت (2).

وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في مركز الدائرة عليه كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال ).

ثمّ أخذ في بيان وضع الدائرة بمثل ما تقدّم بيانه ، إلى أن قال : ( ثمّ ينصّف القوسان ، ويكفي تنصيف القوس الشمالي فيخرج من منصفه خطّ مستقيم يتّصل بالمركز ، فذلك خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت.

ص: 458


1- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
2- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.

وثانيهما : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ، والمراد بها : قبلة أهل العراق ، ولا بدّ من حمله على أطراف العراق الغربيّة التي قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتّصلة بنقطتي الجنوب والشمال ، فيكون حينئذٍ لمستقبل نقطة الجنوب بين العينين ، فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن.

وأمّا أوساط العراق وأطرافها الشرقيّة فقبلتهم تميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب ، كما سيأتي ، فلا يعلم الزوال بصيرورة الشمس على الحاجب الأيمن لمستقبلها إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ) (1) ، انتهى.

وكلام المتن والشارحين كغيرهم نصّ في أن منتصف النهار هو الزوال ، كما دلّت عليه الأخبار ، ولا ينصّف الزوال إلّا ما بين الطلوع والغروب ، فيكون الليل عندهم ما قابل ذلك. وهم لا يقولون بالواسطة الخارجة عن حقيقتيهما ؛ لوضوح فساد القول بذلك ، وشدّة شذوذ القول به في الملّة الإسلاميّة وإن عزاه الداماد : على ما نقله عنه في ( البحار ) (2) إلى اصطلاح أعاظم علماء الهيئة من أهل الهند.

ونقل عن أبي الريحان البيرونيّ : أنه ذكر في القانون المسعودي أن براهمة الهند ذهبوا إلى أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شي ء من الليل والنهار ، بل ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما (3).

وأن البرجنديّ : أورد ذلك في شرح الزيج الجديد. فإنه مجرّد اصطلاح يكفي في شدّة ضعفه مخالفة أهل الإسلام وغيرهم من الحكماء الأوّلين والآخرين له.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( أوّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء وهو خروج مركزها عن دائرة نصف النهار بإجماع العلماء. نقله في ( المعتبر ) (4) ،

ص: 459


1- مدارك الأحكام 3 : 64 - 66.
2- انظر بحار الأنوار 80 : 84.
3- بحار الأنوار 80 : 106.
4- المعتبر 2 : 27.

و ( المنتهى ) (1) ، وتدلّ عليه الآية (2) والأخبار المستفيضة (3) ) (4).

وقال أيضاً بعد أن أورد ما رواه الصدوق : في ( المجالس ) (5) ، و ( العلل ) (6) بسنده عن الحسن بن عليّ عليهما السلام ، من حديث [ أسئلة (7) ] اليهود للنبيّ صلى الله عليه وآله : في حديثٍ طويل قال فيه : إنه صلى الله عليه وآله قال إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس الخبر ، وهو طويل - : ( يحتمل أن يكون المراد بالحلقة : دائرة نصف النهار المارّة بقطبي الأُفق ، وبقطبي معدّل النهار ، وإنما يكون زوال الشمس بمجاوزتها عنها وصيرورتها إلى جانب الغرب منها ) (8) ، انتهى.

والعجب منه رحمه الله كلّ العجب ، كيف يقرّر أن منتصف النهار زوال الشمس ، وأن هناك دائرة تمرّ بالأقطاب الأربعة تسمّى دائرة نصف النهار إذا بلغتها الشمس انتصف النهار ، وأن هناك خطّاً يسمّى بخطّ نصف النهار إذا ألقى الشاخص ظلّه عليه فقد انتصف النهار ، ومع هذا يقول : ( إن أوّل النهار طلوع الفجر؟ ) ما هذا إلّا تناقض جليّ ؛ إذ لا يتصوّر أن عاقلاً يقول : الشي ء المنصّف يزيد نصف منه على نصف ، بمثل زمن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وهو أعلم بما قال.

وقال العلّامة : في ( الإرشاد ) (9) ، والشهيد الثاني : في ( الروضة ) (10) : أوّل وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس أي مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب فذلك هو الزوال المعلوم بزيادة الظلّ بعد نقصه وحدوثه بعد عدمه.

ثمّ أخذ في بيانه بنصب الشاخص ، وبالدائرة الهنديّة ، واستخراج خطّ نصف النهار على نحو ما تقدّم ، وذكر أن الزوال وتنصيف النهار المعلوم بالزوال يعلم بطرق

ص: 460


1- منتهى المطلب 1 : 198 ( حجري ).
2- الإسراء : 78.
3- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75 - 76.
4- بحار الأنوار 80 : 39.
5- الأمالي : 256 / 1 ، وفيه : ( إن الشمس إذا طلعت عند الزوال .. ).
6- علل الشرائع 2 : 33 / 1.
7- في النسختين : ( أسولة ).
8- بحار الأنوار 79 : 254.
9- إرشاد الأذهان 1 : 242 ، بالمعنى.
10- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174 ، بالمعنى.

منها زيادة الظلّ أو حدوثه ، ومنها الدائرة الهنديّة التي يستخرج بها خطّ نصف النهار ، ومنها الربع المجيب. ولم يتكلّما في تحديد الليل ، وظاهرهما بل صريحهما أن الليل ما قابل الزمان المنصّف بالزوال.

وقال الشيخ بهاء الدين : في ( الحبل المتين ) : ( ما تضمّنه الأحاديث الثلاثة (1) الأُول من دخول وقت الظهر والعصر بزوال الشمس ، أي ميلها عن دائرة نصف النهار إلى جانب المغرب ممّا لا خلاف فيه بين أهل الإسلام. والمذكور في كتب الأصحاب أن ذلك يُعلم بأمور :

الأوّل : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن استقبل قبلة عراق العرب ).

وأخذ يبيّن اختلاف قبلة العراق ، إلى أن قال :

( الثاني : ظهور الظلّ في جانب المشرق ، وهذا يشمل أمرين : زيادة الظلّ بعد نقصانه ، وحدوثه بعد عدمه.

ويدلّ على الأوّل رواية سماعة : عن الصادق عليه السلام : ) (2).

وساق الخبر المتقدّم ، وذكر كلاماً طويلاً له مع العلّامة ، إلى أن قال :

( الثالث : ميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، وهو يتوقّف على استخراج خطّ نصف النهار. ولاستخراجه طرق كثيرة : منها ما هو مشهور بين الفقهاء من الدائرة الهنديّة ، وقد ذكر طريق العمل بها جماعة من علمائنا ، وأنا أذكر ما ذكره العلّامة في ( المنتهى ) (3) .. ).

وساق تقريره بما لا يخرج عمّا سبق ، وعارضه وتكلّم في بيان وضع الدائرة الهنديّة بكلامٍ طويل لا نطوّل بذكره ، حقّق فيه أن وضع الدائرة أضبط ما يكون في يومي الاعتدالين ، ثمّ قال : ( ومنها : العمل بالأصطرلاب ؛ وذلك بأن يستعلم ارتفاع الشمس عند قرب الزوال آناً بعد آن ، فمادام ارتفاعها في الزيادة لم تزل ، وإذا شرع

ص: 461


1- من « ب » والمصدر ، وفي « أ » : ( الثلاث ).
2- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
3- منتهى المطلب 1 : 198 - 199 ( حجري ).

في النقصان فقد تحقّق الزوال.

والعمل في ذلك أن تضع درجة الشمس على خطّ وسط السماء في الصفحة المعمولة لعرض البلد ، ثمّ تنظر ارتفاع المقنطرة الواقعة عليها حينئذٍ وتنقص منه درجة أو أقلّ ، فإذا بلغ ارتفاع الغربيّ مقدار الباقي فقد زالت الشمس.

ومنها : العمل بالشاقول ، وطريقه أن تعلّق شاقولاً على أرض مستوية قبيل الزوال ، وتخطّ على ظلّ خيطه خطّاً بعد سكون اضطرابه ، وبه يستعلم الارتفاع الشرقيّ للشمس في ذلك الوقت وتحفظه ، ثمّ تستعلم ارتفاعها الغربي ، فإذا بلغ ذلك المقدار [ فخطّ (1) ] على ظلّ الخيط خطّاً آخر ، فإن قاطع الخطّ الأوّل كما هو الغالب ، فالخطّ المنصّف للزاوية خطّ نصف النهار ، فإن اتّصلا خطّاً واحداً فهو خطّ الاعتدال والمقاطع له على قوائم خطّ نصف النهار.

ولا يخفى عليك جريان مباحث الدائرة الهنديّة هنا.

وأسهل الطرق في استخراج خطّ نصف النهار ، وهو غير محتاج إلى شي ء من آلات الارتفاع أن تخطّ على ظلّ خيط الشاقول عند طلوع الشمس خطّاً ، وعند غروبها آخر ، وتكمل العمل ) (2) ، انتهى.

وصريحه كغيره وهم الجمّ الغفير (3) أن منتصف النهار هو الزوال ، ولم يتعرّض كأكثر من تكلّم في معرفة الزوال إلى تقدير الليل ، فظاهره كغيره أنه ما قابل المنصّف بالزوال ، بل صريحهم ذلك لعدم تعقّل القول بزيادة أحد النصفين من النهار على الآخر.

وقد نقل البهائيّ : في ( الحبل ) أيضاً في بيان الفجر الثاني عن العلّامة : في ( المنتهى ) كلاماً يدلّ بظاهره إن لم نقل بصريحه على أن النهار من الطلوع ، والليل إلى

ص: 462


1- في النسختين : ( خط ).
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 136 - 139 ( حجري ).
3- في « ق » : ( الغَفْر ).

الطلوع. قال رحمه الله : ( اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس ، وإنما يستضي ء بها ما كان كمداً في نفسه كثيفاً في جوهرة كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتّصلة والمنفصلة. وكلّ ما يستضي ء من جهة الشمس فإنه يقع له ظلّ.

وقد قدّر الله بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض (1) ، فإذا كانت تحتها وقع ظلّها فوق الأرض على شكل مخروط ، ويكون الهواء المستضي ء بضياء الشمس محيطاً بجوانب ذلك المخروط ، فتستضي ء نهايات الظلّ بذلك الهواء المضي ء. لكن ضوء الهواء ضعيف ؛ إذ هو مستعار ، فلا ينفذ كثيراً في أجزاء المخروط ، بل كلّما ازداد بعداً ازداد ضعفاً ، فإذا كان في وسط المخروط يكون أشدّ الظلام ، فإذا قربت الشمس من الأُفق الشرقيّ ، مال المخروط عن سَمتِ الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظلّ بضياء الهواء من البصر ، وفيه أدنى قوّة ، فيدركه البصر عند قرب الصباح.

وعلى هذا كلّما ازدادت الشمس قرباً من الأُفق ازداد ضوء نهايات الظلّ قرباً من البصر إلى أن تطلع الشمس ، وأوّل ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقّاً مستطيلاً كالعمود ، ويسمّى الصبح الكاذب والأوّل. ويشبّه بذنب السرحان ؛ لدقّته واستطالته. ويسمّى الأوّل ؛ لسبقه على الثاني ، والكاذب لكون الأُفق مظلماً أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير ممّا يلي الشمس دون ما يبعد منه ضعيفاً دقيقاً ، ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظلّ الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولاً وعرضاً فينبسط في عرض الأُفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق ، لأنه صدقك عن الصبح وبيّنه لك ، والصبح ما جمع بياضاً وحمرةً ، ثم يزداد الضوء إلى أن يحمرّ الأُفق ، ثم تطلع الشمس ) (2) ، انتهى كلام العلّامة.

ص: 463


1- هذا وفق ما كان معتقداً في زمان العلّامة : رحمه الله وبعده ، أمّا ما ثبت من عهد كوبرنيكوس : وغاليليو غاليلي : فهو خلاف هذا ؛ إذ ثبت بما لا مجال للشك فيه أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس.
2- منتهى المطلب 1 : 206.

ثمّ أخذ الشيخ بهاء الدين : في شرح كلامه وتحقيقه ، إلى أن قال : ( وقوله : ( لكن ضوء الهواء ضعيف ؛ إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيراً ) يريد به أن الهواء لمّا كان تكيّفه بالضوء بواسطة مخالطة الأجزاء البخاريّة القليلة الكثافة لم يكن شديد الضوء ، وأنه كلّما ازداد بعداً عنّا ازداد ضوؤه ضعفاً في الحسّ إلى أن ينعدم بالكلّيّة. ولذلك لا يرى في أوساط الليل شي ء من ذلك الضوء أصلاً ) (1) إلى آخر ما شرح به كلامه.

وكلامهما ظاهر ، بل صريح في أن النهار هو زمن إشراق الشمس على وجه الأرض ، والليل منصّف بمسامتة رأس مخروط الظلّ للرأس. وهذا صريح في أنه من الغروب إلى الطلوع ، ولم يذكرا ما ينافي ذلك.

وقال العلّامة : في ( التحرير ) : ( يدخل وقت الظهر بزوال الشمس وانحرافها عن دائرة نصف النهار المعلوم بزيادة ظلّ كلّ شخص في جانب المشرق بعد نقصانه ، أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) (2) ، انتهى.

وظاهره بل صريحه : المنصّف بالدائرة هو ما بين الطلوع والغروب ، فالليل ما قابلة. ولم يذكر ما ينافيه.

وقال السيوريّ : في ( التنقيح ) : ( زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ) (3). ثم بيّن أن علامته زيادة الظلّ بعد كمال نقصانه ، أو حدوثه بعد عدمه. وظاهره كالذي قبله ، ولم يذكر ما ينافيه.

وقال ابن البراج : في ( المهذّب ) : ( زوال الشمس يعرف بميزانها أو بالأصطرلاب ، وذلك مشهور ، فإن لم يتمكّن من يريد معرفة ذلك بما ذكرناه أمكن أن يعرفه بالدائرة الهندسيّة ) (4).

ثمّ قرر كيفيّة وضعها كما تقدّم ، إلى أن قال : ( فإن الظلّ لا يزال ينقص حتّى يدخل

ص: 464


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 145.
2- تحرير الأحكام 1 : 27 ( حجريّ ).
3- التنقيح الرائع 1 : 167.
4- كذا في النسختين ، والمصدر.

الدائرة ، وبعد ذلك إلى نصف النهار ، ثمّ يعود في الزيادة بعد نصف النهار ).

إلى أن قال : ( ثم يخطّ خطّاً مستقيماً من العلامة الاولى إلى العلامة الثانية ، فيكون كالوتر لقوس ، ثمّ يقسم القوس الذي تحته بنصفين ، ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعاً تتقاطع بخطّين ، فيكون الخطّ الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة ، هو خطّ نصف النهار الممتدّ من الشمال إلى الجنوب ) (1) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يذكر ما ينافيه.

وقال الشيخ عليّ : في ( الجعفرية ) : ( للظهر زوال الشمس ، ويُعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ) (2).

وقال بعض شرّاحها : زوال الشمس ميلها عن دائرة نصف النهار ، والتفصيل أن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص ظلّ في جهة المغرب ، ثمّ ينقص بنسبة ارتفاع الشمس إلى أن تصل إلى دائرة نصف النهار ، فإذا وصلت إليها انتهى نقصانه. وقد لا يبقى للشاخص ظلّ في بعض البلاد ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار فهو الزوال. انتهى ملخصاً.

وظاهرهما أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يذكرا ما ينافيه.

وقال المحقّق الثاني : بعد قول العلّامة : في ( الإرشاد ) : ( ويُعلم الزوال أيضاً بظهور الظلّ في جانب المشرق ) (3) - : ( المراد به أوّل ميله عن خطّ منتصف النهار إلى جهة المشرق ) ، انتهى.

وقال رحمه الله في شرح قول العلّامة : في ( القواعد ) : ( وقت الظهر زوال الشمس ، وهو ظهور زيادة الظلّ لكلّ شاخص في جانب المشرق ) (4) - : ( زوال الشمس : هو ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ

ص: 465


1- المهذب 1 : 72 - 73.
2- الرسالة الجعفرية ( ضمن رسائل المحقق الكركي ) 1 : 99.
3- إرشاد الأذهان 1 : 241 - 242.
4- قواعد الأحكام 1 : 24.

شاخص ظلّ في جانب المغرب ، ثمّ ينقص بحسب ارتفاع الشمس حتّى تبلغ كبد السماء ، وهي حالة الاستواء ، فينتهي النقصان ، وقد لا يبقى للشاخص ظلّ أصلاً في بعض البلاد. فإذا مالت إلى جانب الغرب فإن لم يكن قد بقي ظلّ ، فحينئذٍ يحدث في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي فحينئذٍ يزيد متحوّلاً إليه. فإذا أُريد معاينة ذلك يُنصب مقياسٌ ويُقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثمّ يُصبر قليلاً ويُقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد زالت.

وفي الأخبار ما يدلّ على ذلك ، مثل رواية سماعة (1) ، وغيرها (2) ، وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ المقياس عليه أعني : الشاخص المنصوب على مركز الدائرة كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى جانب المشرق وهو الجانب الذي فيه المشرق بالنسبة إلى خطّ نصف النهار كان أوّل الزوال ) (3) ، انتهى (4).

وقال الشيخ المفيد : في ( المقنعة ) : وعلامة الزوال رجوع الفي ء بعد انتهاء نقصانه. وطريق معرفة ذلك بالأصطرلاب ، وميزان الشمس وهو معروف عند كثير من الناس وبالعمود المنصوب في الدائرة الهنديّة أيضاً. فمن لم يعرف حقيقة العمل بذلك ولم يجد آلته ، فلينصب عوداً من خشب أو غيره في أرض مستوية التسطيح ، ويكون أصل العود غليظاً ورأسه دقيقاً شبه المدريّ الذي ينسج به التكك ، أو المسلّة التي يخاط بها الأحمال. فإن ظلّ هذا العود يكون في أوّل النهار أطول منه ، وكلّما ارتفعت الشمس نقص حتّى يقف القرص في وسط السماء ، فيقف الفي ء

ص: 466


1- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
2- الفقيه 1 : 145 / 673 ، تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.
3- جامع المقاصد 2 : 12 - 13.
4- قال المصنّف رحمه الله بعد هذه العبارة : ( قال الشهيد في المسالك .. ) ثم ساق العبارة المحذوفة المشار إليها في ص : 457 الهامش 2.

حينئذٍ ، فإذا زال عن الوسط إلى جانب المشرق رجع إلى الزيادة ، فيعرف المتعرّف (1) لوقت الزوال ذلك بخطوط وعلامات ، ويجعلها على رأس ظلّ العود عند وضعه في صدر النهار ، فكلّما نقص علّم عليه. فإذا أُدرج إلى الزيادة عرف برجوعه أنها قد زالت ، وبذلك أيضاً نعرف القبلة ، فإن عين الشمس تقف فيها نصف النهار (2) ، انتهى ملخّصاً.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ؛ إذ لم يذكر ما ينافيه.

وقال بعض شرّاح ( الألفيّة ) والظاهر أنه المير درويش بن قصطنطينية - : ( يعلم الزوال بظهور ظلّ الشاخص في جانب المشرق. والمراد به : ما يكون خارجاً عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، وكذا يعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه ) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يظهر منه ما ينافي ذلك.

وقال الآقا باقر بن محمّد أكمل : في صلاتيّته : ( وقت الظهر زوال الشمس أي ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ويعرف ذلك بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو انحراف الشمس عمّا بين الحاجبين ) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ؛ إذ لم يذكر ما ينافيه.

وبالجملة ، فعبارات الأصحاب في مثل ذلك كثيرة لا تحصى ، بل لا يكاد يوجد مخالف في أن الزوال منتصف النهار ؛ إمّا مع السكوت عن تحديد الليل أو مع التصريح بأن مبدأه الطلوع.

وممّن صرّح بأن منتصف النهار هو الزوال ، وأثبت دائرة نصف النهار وخطّ نصف النهار ، المجلسيّ : في ( البحار ) كما مرّ ، والسيّد مهديّ : في منظومته (3) ، والسيّد

ص: 467


1- في نسخة من المقنعة : ( المتصرِّف ) ، وفي اخرى : ( المعترف ) ، وفي ثالثة : ( المفترق ). كما ورد في هامش المصدر.
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 92.
3- الدرَّة النجفية : 86 ، وفيها : ويعرفُ الزوالُ من ظلّ الظهر *** أو زادَ شيْئاً بعدَ مُنتهى القِصَرْ

عليّ (1) : في شرح ( النافع ) (2).

وبالجملة ، فقد قام النصّ والإجماع من الأصحاب ممّن قال بأن مبدأ النهار الطلوع. ومن قال : إن مبدأه الفجر على أن منتصف النهار هو زوال الشمس (3). ولا ينقضي (4) التعجّب ممّن يقول بأن منتصف النهار الزوال ومبدأه طلوع الفجر ، ولا يلتفت إلى تناقض كلاميه.

[ .. (5) ] الرابع والثلاثون : قال الشيخ بهاء الدين : في ( تشريح الأفلاك ) : ( النهار : مدّة كون مخروط ظلّ الأرض تحت الأرض ، والليل مدّة كون المخروط تحت الأُفق ، ولم يظهر خلاف بين علماء الهيئة في هذا المعنى ، كما لا يخفى على المتتبّع ) ، وإجماعهم حجّة.

الخامس والثلاثون : إطباق الفلكيّين على أن خطّ الاستواء يستوي فيه النهار والليل في كلّ السنة تقريباً ، فيكون كلّ منهما اثنتي عشرة ساعة مستوية ، ولا يكون فيه ساعات معوجّة ، وإطباقهم على أنهما لا يكونان كذلك في الآفاق المائلة إلّا يومين هما يوما الاعتدالين ، واتّفاقهم على أن الليل ملازم لسطح مخروط (6) ظلّ الأرض ، وكلّ واحد من هذه الإجماعات دليل برأسه ، وإجماع أهل كلّ فنّ حجّة وإلّا لأظهر الحجة عليه السلام : ردّه لئلّا تخلو الأرض من قائل بالحقّ.

السادس والثلاثون : نصّ أئمّة اللغة. ولنقتصر فيه على نقل عبارة الفاضل

ص: 468


1- في « ق » : ( مهدي ).
2- رياض المسائل 3 : 41.
3- كذا في النسختين.
4- في « ق » : ( اقضي ).
5- ورد في المخطوط العبارة التالية : ( الثالث والثلاثون : إجماع أهل المنطق على أن الشمس كوكب نهاريّ ينسخ طلوعه وجود الليل ، وإجماعهم على أنه متى كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، واستدلالهم بهذا على أنه متى لم تكن طالعة فليس النهار بموجود ، وإجماعهم حجّة ). علماً أن مضمونها قد مرَّ في الدليل الثاني والعشرين ، إضافة إلى أنّ الدليل الثالث والثلاثين قد مرّ في ص 421.
6- في « ق » : ( المخروط ).

الخراسانيّ في رسالته المعمولة في المسألة ، فنقول : قال رحمه الله : ( لا ينبغي أن يشكّ أحد من أهل التحقيق في أن اليوم والنهار يستعملان في اللغة والعرف فيما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، والليل في مقابل ذلك استعمالاً على سبيل الحقيقة ، ويستعملان في التعبيرات الشرعية أيضاً في هذا المعنى. ولا حاجة في فهم النداء في وقت الظهر من قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (1) ، إلى ارتكاب التخصيص أو التقييد في النداء لإخراج أذان الصبح.

وإذا قيل : انتصف النهار ، أو مضى من النهار نصفه أو ثلثه أو ربعه ، لا يخطر في ذهن أحد المقايسة باعتبار مبدأ طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ وبهذا الاعتبار سمّيت الدائرة المعلومة دائرة نصف النهار. وترى قاطبة الناس يقولون : يستوي الليل والنهار في بعض البلاد المعلومة ، ويستويان في أوائل الربيع والخريف ، واستوى الليل والنهار في هذا الوقت ، وصار النهار كذا ساعة ، وزاد على الليل بكذا وبالعكس ، من غير أن يحكم أحد بكون ذلك على سبيل المجاز والتوسّع. وترى العوامّ والخواصّ يقولون : مضى من النهار ساعة أو ساعتان ، ولا يتبادر إلى الأذهان سوى اعتبار طلوع الشمس. وهذه الاستعمالات شائعة بين الناس وإن لم يكن القائل من أهل الصناعات النجوميّة.

ولهذا ترى أهل اللغة (2) والعرف والشرع لا يفرّقون بين الظهر وبين نصف النهار والزوال ، بل يجرون استعمال لفظ الظهر والظهيرة ، والهاجرة والقائلة ، ونصف النهار والزوال ، مجرى استعمال الألفاظ المترادفة ؛ ولهذا تورد بعض هذه الألفاظ بدل بعض في الأحاديث وألفاظ الفقهاء وكلام أهل اللغة ).

ثمّ ساق جملة صالحة من الأخبار الصريحة في أن نصف النهار هو الزوال والظهر من أخبار الصوم ، وقد مرّ ذكر طرف منها.

ص: 469


1- الجمعة : 9.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 164 ظهر ، القاموس المحيط 2 : 117 الظهر.

ثمّ قال : ( ففي هذه الأخبار عُبّر تارة بنصف النهار ، وتارة بزوال الشمس ، والمسألة واحدة. وروى الشيخ : في ( التهذيب ) (1) ، و ( الاستبصار ) (2) أن عليّاً عليه السلام قال الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم قال الشيخ : ( فالوجه في هذه الروايات أن الأولى إذا كان بعد الزوال أن يصوم ، وقد يطلق على ما الأولى فعله أنه واجب ) (3). فعبّر الشيخ : عن انتصاف النهار بالزوال.

وفي ( صحيح مسلم ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئاً قال : ( فأقام الفجر ).

إلى أن قال : ( فأقام للظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول قد انتصف النهار ) (4).

وهل يستقيم لعاقل أن يقول : إن أحد النصفين يزيد على النصف الآخر بساعة ، أو قريب من ساعة ونصف ، بل أكثر كما في كثير من البلاد؟

[ .. (5) ]. وأمّا أهل اللغة ، فقال ابن الأثير في ( النهاية ) : ( فيه ذكر صلاة الظهر ، وهو اسم لنصف النهار سمّي به من ظهيرة الشمس ، وهو شدّة حرها ) (6).

وفي مفردات الراغب : ( الظهيرة : وقت الظهر ) (7).

وفي ( القاموس ) : ( الظهيرة. وقت انتصاف النهار ) (8).

وفي ( الصحاح ) : ( الظهيرة : الهاجرة ) (9).

ص: 470


1- تهذيب الأحكام 4 : 281 / 850.
2- الاستبصار 2 : 122 / 397.
3- تهذيب الأحكام 4 : 281 ، الإستبصار 2 : 123 ، بتفاوتٍ يسيرٍ فيهما.
4- صحيح مسلم 1 : 359 / 614 ، ورواه في الموطّأ 1 : 25 / 2.
5- وردت هنا عبارتا صاحبي ( القاموس ) و ( الصحاح ) ، الآتيتين.
6- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 164 ظهر.
7- مفردات ألفاظ القرآن : 541 ظهر.
8- القاموس 2 : 117 الظهر ، وفيه : ( حدّ ) بدل : ( وقت ).
9- الصحاح 2 : 631 ظهر.

وفي ( النهاية ) : ( الهاجرة : اشتداد الحرّ نصف النهار ) (1).

وفي ( مجمل اللغة ) : ( الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ) (2).

وفي ( شرح صحيح مسلم ) للنووي : ( كان يصلّي الظهر بالهاجرة ، هي شدّة الحر نصف النهار عقيب الزوال ) (3).

وفي ( القاموس ) : ( القائلة : نصف النهار ) (4).

وفي ( الصحاح ) : ( القائلة : الظهيرة ) (5).

وقال الواحدي : في تفسير قوله تعالى : ( وَأَطْرافَ النَّهارِ ) (6) - : ( صلّ صلاة الظهر في طرف النصف الثاني ، وسمّي الواحد باسم الجمع ) (7).

وقال البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) - : ( تكرير لصلاتي الصبح والمغرب ).

إلى أن قال : ( أو أمر بصلاة الظهر ، فإنه نهاية النصف الأوّل من النهار وبداية النصف الأخير ، وجمعه باعتبار النصفين ) (8).

ونحوه قال بعض علمائنا المتأخّرين (9) في تفسير هذه الآية ، ونحوه مذكور في ( التفسير الكبير ) (10).

وقال أبو الفضل الكازرونيّ : في حواشيه على البيضاوي : ( لا يخفى أن أوّل الظهر حين زالت الشمس عن منتصف السماء ، فكيف يصحّ أنه نهاية النصف الأوّل؟

ص: 471


1- النهاية في غريب الحديث والأثر 5 : 246 الظهر.
2- مجمل اللغة 4 : 467 هجر ، وفيه : ( الهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحر ).
3- صحيح مسلم بشرح النووي 5 : 145.
4- القاموس 4 : 57 القائلة.
5- الصحاح 5 : 1808 قيل.
6- طه : 130.
7- الوسيط في تفسير القرآن المجيد 3 : 227 ، بالمعنى.
8- تفسير البيضاويِّ 2 : 62.
9- كنز الدقائق 6 : 339.
10- التفسير الكبير 22 : 115.

بل هو بداية النصف الثاني ).

وصرّح البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) (1) بأن الظهيرة وسط النهار (2). وقال النيسابوري : في تفسيره في ذكر صلاة الظهر : ( وأيضاً ليس في المكتوبات صلاة وقعت في وسط الليل أو النهار إلّا هذه ) (3).

وشاع في كتب التفسير تعليل من قال : إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ؛ بأنها في وسط النهار.

ونقل في ( الكشّاف ) عن عمر : أنها صلاة الظهر ، لأنها في وسط النهار ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلّيها بالهاجرة (4).

وقد مرّ تفسير الهاجرة بمنتصف النهار.

وممّا يدلّ على أن استعمال النهار فيما بين طلوع الشمس إلى غروبها أنه المشهور فيما بين العامّة ، وهم أهل المعرفة واللغة العربيّة. ولذا وقع الاستدلال من قبل أبي حنيفة : بقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (5) على ما ذهب إليه أبو حنيفة : من استحباب تأخير صلاة الصبح إلى التنوير (6). حتّى إن العلّامة فخر الدين الرازيّ : مع اشتهاره في التعصّب للشافعيّ ، وتوغّله في انتصاره له ارتضى هذا الاستدلال ، ولم يورد عليه منعاً. قال في تفسيره الكبير ، عند تفسير الآية المذكورة : ( كثرت المذاهب في تفسير ( طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، والأقرب أن الصلاة التي تقام في طرفي النهار هما الفجر والعصر ، وذلك لأن أحد طرفي النهار : طلوع الشمس ، والطرف الثاني منه : غروبها ، فالطرف الأوّل هو صلاة الفجر ، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب ؛ لأنها داخلة تحت قوله تعالى : ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (7)

ص: 472


1- الروم : 18.
2- تفسير البيضاويِّ 2 : 218.
3- غرائب القرآن 1 : 654.
4- الكشّاف 1 : 228.
5- هود : 114.
6- عنه في التفسير الكبير 18 : 59.
7- هود : 114.

فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر.

إذا عرفت هذا كانت الآية دليلاً على قول أبي حنيفة : أن التنوير بالفجر أفضل ، وأن تأخير العصر أفضل ؛ وذلك لأن ظاهر هذه الآية يدلّ على وجوب إقامة الصلاة في طرفي النهار. وبيّنا أن طرفي النهار هما الزمان الأوّل لطلوع الشمس والزمان الأوّل لغروبها.

وأجمعت الأُمّة على أن إقامة الصلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروع ، فقد تعذّر العمل بظاهر هذه الآية فوجب حملها على المجاز ، وهو أن يكون المراد : أقم الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار ؛ لأن ما يقرب من الشي ء يجوز أن يطلق عليه اسمه. وإذا كان كذلك فكلّ وقت كان أقرب إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها كان أقرب إلى ظاهر اللفظ ، وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطلوع من إقامتها عند التغليس ، وكذلك إقامة صلاة العصر عند ما يصير ظلّ كلّ شي ء مثليه أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عند ما يصير ظلّ كلّ شي ء مِثلَهُ.

والمجاز كلّما كان أقرب إلى الحقيقة كان حمل اللفظ عليه أولى ، فظهر أن هذه الآية تقوّي قول أبي حنيفة : في هاتين المسألتين ) (1) ، انتهى كلامه.

وقال البيضاويّ : ( طَرَفَيِ النَّهارِ ) (2) : غدوة وعشيّة ).

إلى أن قال : ( وصلاة الغداة صلاة الصبح ؛ لأنها أقرب الصلواتِ من أوّل النهار. وصلاة العشيّة العصر. وقيل : الظهر والعصر ؛ لأن ما بعد الزوال عشيّ ، وصلاة الزلف : المغرب والعشاء ) (3) ، انتهى.

وفي حواشي ( تفسير البيضاويّ ) لبعض فضلاء الروم : ( قوله : ( لأنها أقرب الصلوات من أوّل النهار ) ، وفيه دليل على مذهب أبي حنيفة : من استحباب الإسفار بالفجر ).

ص: 473


1- التفسير الكبير 18 : 59.
2- هود : 114.
3- تفسير البيضاوي 1 : 472.

وقال بعض علمائنا في تفسير هذه الآية : ( وكان ترك ذكر الظهر والعصر لظورهما ، لأنهما صلاتا النهار ) (1).

وقال البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (2) الآية : ( والآية جامعة للصلوات الخمس إن فُسّر الدلوك بالزوال ، ولصلاة الليل وحدها إن فُسّر بالغروب ) (3) ، انتهى.

وهو (4) يدلّ على أنه جعل صلاة الفجر من صلوات الليل ، وهذا مبنيّ على أن مبدأ النهار طلوع الشمس.

وقال البيضاويّ : أيضاً في تفسير الصلاة الوسطى : ( وقيل : العشاء ؛ لأنها بين جهريّتين واقعتين طرفي الليل ) (5).

وقال الراغب : في ( المفردات ) : ( اليوم : يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يعبّر به عن مدّة من الزمان أيّ مدة كانت ) (6) ، انتهى.

ولم يذكر لليوم معنًى آخر. وهذا يدلّ على أن استعمال لفظ اليوم في المعنى المذكور شائع غالب ، بل حقيقة.

وقال المطرّزي : في ( المغرّب ) : ( ومنه النهار ؛ لأنه اسم لضوء واسع ممتدّ من طلوع الشمس إلى غروبها ) (7).

وقال الزمخشريّ : في ( الفائق ) : ( أبو هريرة : قال في صلاة الصبح : صلّها بغبش. الغَبَش والغَطَش والغَبَس والغَلَس أخوات ، وهي بقية الليل وآخره ) (8) ، انتهى.

وهذا يدلّ على أن صلاة الصبح من الليل عنده.

ويدلّ عليه أيضاً ما ذكره أهل اللغة أن الغلس : ظلمة آخر الليل (9) ، وأنه بقيّة الليل.

ص: 474


1- مجمع البيان 5 : 259 ، بالمعنى.
2- الإسراء : 78.
3- تفسير البيضاويِّ 1 : 579.
4- في « ق » : ( وهذا ).
5- تفسير البيضاويِّ 1 : 128.
6- مفردات ألفاظ القرآن : 894.
7- المغرّب : 472 الأنهار.
8- الفائق في غريب الحديث 2 : 418.
9- الصحاح 3 : 956 غلس. النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.

مضافا إلى ما دلّ على أن الغلس : وقت لصلاة الصبح.

وما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه كان يغلس بصلاة الصبح (1).

وما ذكره أهل اللغة أن الغبش من بقيّة الليل (2).

مضافا إلى ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله : صلّى فيه صلاة الفجر (3).

وما ذكره غير واحد من أهل اللغة أن الغبس والغبش (4) من بقايا الليل ، مع أنهما وقت اختلاط الظلمة بالنور على ما ذكروا (5).

ويؤيّد ذلك قولهم : الغبس : بياض فيه كدرة (6).

وكذا الكلام في الغلس قال ابن الأثير : في ( النهاية ) : ( إنه صلّى الفجر بغبش. يقال : غبش الليل وأظلم إذا أظلم ظلمة يخالطها بياض ) (7).

وقال الأزهريّ : ( يريد أنه قدّم صلاة الفجر عند أوّل طلوعه ، وذلك الوقت هو الغبش ، وبعده الغبس بالسين المهملة وبعده الغلس. ويكون الغبش بالمعجمة في أوّل الليل أيضاً.

ورواه جماعة في ( الموطّأ ) بالسين المهملة وبالمعجمة أكثر ) (8) ، انتهى.

وفي النهاية أيضاً : ( فيه : أنه كان يصلّي الصبح بغلس. الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ) (9) ، انتهى.

و [ في ] كتاب ( الاقتضاب ) وهو شرح غريب موطّإ مالك : وإعرابه ، تأليف أبي

ص: 475


1- صحيح مسلم 1 : 373 / 646 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.
2- الصحاح 3 : 1013 غبش. النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
3- سنن ابن ماجة 1 : 221 / 671 ، صحيح الترمذي 1 : 289 / 154.
4- لسان العرب 10 : 11 غبش.
5- لسان العرب 10 : 12 غبش.
6- لسان العرب 10 : 10 غبس ، تاج العروس 4 : 200 غبس.
7- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
8- عنه في النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
9- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.

عبد الله محمّد الكوفي : في الحديث الأخير - : ( بغبش ، يعني : الغلس. والصحيح أن الغبش بالشين والسين معاً معناهما متقارب ، وهو اختلاط النور بالظلمة أي بقايا ظلمة الليل بخلاف ما تقدّم عن أبي عمرو. ويقال : غبس الليل وأغبش ).

وقال : ( الغبش : النور المختلط بالظلمة ، ويكون في أوّل الليل وآخره ، والغبس : بقية الليل ).

وقال الأزهريّ : ( الغبش قبل الغبس وباللام بعد الغبش ، وهي كلّها في أواخر الليل ، ويجوز الغبش بالمعجمة في أوّل الليل ) (1).

وقال الجوهريّ : ( الفجر في آخر الليل كالشفق في أوّله ) (2).

ونحوه قال الفارابيّ : خال الجوهريّ : في ( ديوان الأدب ).

وفي تفسير ( الجوامع ) في تفسير قوله تعالى : ( وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ) (3) : ( تجلّى : ظهر بزوال ظلمة الليل ، وطلوع الشمس ).

وفي شرح ( تفسير البيضاوي ) للفاضل الشيخ زاده : ( النهار ضدّ الليل ، وكما أن الليل في الحقيقة ظلّ الأرض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة الليل ، فكذلك النهار في الحقيقة هو نور الشمس الذي ينسخ ظلّ الأرض ويمحو ظلمة الليل ).

إلى أن قال في إسناد تغطية الشمس إلى الليل : ( فإن احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها لمّا وقع في الليل صار الليل كأنه حجبها وغشاها ، فأسند التغطية والتغشية إلى الليل ).

وفي ( التفسير الكبير ) في تفسير قوله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ) (4) - : ( إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل ، كأنه تعالى لمّا قال ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ

ص: 476


1- عنه في لسان العرب 10 : 11 غبش.
2- الصحاح 2 : 778 فجر.
3- الليل : 2.
4- يس : 38.

نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) (1) ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل ، فيعود النهار بمنافعه ) (2).

ونحوه في تفسير النيسابوري (3).

وقال في ( الفتوحات المكّيّة ) بعد نقل كلام الحكماء والمتكلّمين في تحقيق الزمان - : ( والعرب تطلقه وتريد به : الليل والنهار ، والليل والنهار فصلا اليوم ، فمن طلوع الشمس إلى غروبها يسمّى نهاراً ، ومن غروب الشمس إلى طلوعها يسمى ليلاً ) (4).

وليس الغرض الاستدلال والاستشهاد بكلّ واحدة من هذه العبارات على المقصود ، بل الغرض دفع ما يتوهّم أن استعمال اليوم في المعنى المذكور لم يذهب إليه غير الأعمش ، وأنه غير معروف بين الناس ).

إلى أن قال : ( وقد تكرّر في حواشي ( تفسير البيضاوي ) لابن الخطيب : التصريحُ بأن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها ، من غير ذكر احتمال آخر.

وممّا يدلّ على فساد هذا التوهّم قول صاحب ( القاموس ) : ( النهار : ضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، أو من طلوع الشمس إلى غروبها ) (5).

وقوله : ( الليل والليلاة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق أو إلى طلوع الشمس ) (6).

وفي ( المصباح المنير ) وهو في غريب شرح وجيز الرافعيّ جعل أحد المعنيين ؛ معناه بحسب اللغة ، والآخر معناه بحسب العرف (7).

ويؤيّد ما ذكرناه قول بعض أصحابنا المتأخّرين في تفسير قوله تعالى :

ص: 477


1- يس : 37.
2- التفسير الكبير 26 : 62.
3- الوسيط في تفسير القرآن المجيد 3 : 514.
4- الفتوحات المكّيَّة 1 : 291 - 292.
5- القاموس المحيط 2 : 212 النهار.
6- القاموس المحيط 4 : 64 الليل.
7- المصباح المنير : 561 الليل.

( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (1) عن ابن عبّاس ، والحسن ، والجبائيّ : ( أن طرفي النهار وقت صلاة الفجر ، والمغرب ) (2). وهو مرويّ عن أبي عبد الله عليه السلام (3) ).

وبناء هذا القول إمّا على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشفق ، أو أن الطرف خارج ، والنهار من طلوع الشمس إلى غروبها ).

إلى أن قال : ( وممّا يدلّ على فساد هذا التوهّم أيضاً أن العامّة رووا عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال من اغتسل يوم الجمعة ، ثمّ راح إلى المسجد فكأنما قرب بَدَنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة (4) الحديث.

واختلف العامّة في أن المراد بالرواح الذهاب أوّل النهار ، أو بعد الزوال ).

إلى أن قال : ( وذهب أكثر الشافعيّة إلى أن الساعات من أوّل النهار ).

إلى أن قال : ( ثمّ اختلف الشافعيّة في أن الساعات من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس ) ، انتهى ما أردنا نقله من كلام الخراسانيّ : باختصار ، وتركنا منه جملة مؤيّدات وشواهد ذكرها.

وأنت بعد ما تحيط بما تلوناه عليك من عبارات العلماء والحكماء ، من الفقهاء ، والفلكيّين ، والمقوّمين ، وأهل اللغة ، لا إخالك تشكّ في سقوط وهم من توهّم أن المشهور عرفاً أو لغة أو شرعاً أن النهار من طلوع الفجر ، بل لا إخالك تكاد تشكّ في تحقّق الإجماع الملحق بالإجماعات الضروريّة على أن منتصف النهار هو زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ، والزوال لا ينصّف إلّا ما بين الغروب والطلوع. وممّا لا يحتاج إلى بيان (5) سقوط الوهم بأن مبدأ النهار طلوع الفجر ، ومنتصفه الزوال ؛ إذ لا يكاد يتوهّم ذلك من له أدنى مسكة من عقل.

الثامن والثلاثون : ما رواه الكليني : عن زرارة : بطريقين ، أحدهما صحيح على

ص: 478


1- هود : 114.
2- التبيان في تفسير القرآن 6 : 79.
3- تفسير العياشي 2 : 170 / 73.
4- كنز العمّال 7 : 750 / 21228.
5- من « ق ».

الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (1) ، ودلوكها زوالها ، ففيهما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن الله وبيّنهنّ ، ووقَّتهنّ. وغسق الليل : هو انتصافه الخبر.

إلى أن قال وقال تعالى في ذلك ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (2) ، وطرفاه : المغرب والغداة ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (3) ، وهي : صلاة العشاء الآخرة. وقال ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (4) ، وهي صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله : في وسط النهار (5).

التاسع والثلاثون : ما رواه أيضاً في الصحيح عن عدّة من أصحابنا أنهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام : يقول كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس (6) الخبر.

الأربعون : خبر زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال كان عليٌّ عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى (7) تزول الشمس (8).

وفي ( الفقيه ) : قال أبو جعفر عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يصلِّي من النهار شيئاً حتّى يزول النهار (9) الخبر.

وفي ( التهذيب ) بسنده عن زرارة : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس (10) الخبر.

وفي موثّق ابن فضّال : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار (11).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. وكلّ واحدة منها يصلح أن يكون دليلاً برأسه.

ص: 479


1- الإسراء : 78.
2- هود : 114.
3- هود : 114.
4- البقرة : 238.
5- الكافي 3 : 271 / 1.
6- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1060.
7- في « ق » : « حين ».
8- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1061.
9- الفقيه 1 : 146 / 678 ، وفيه : « تزول الشمس » لكن ورد في هامشه أن في نسختين منه : « يزول النهار ».
10- تهذيب الأحكام 2 : 262 / 1045.
11- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.

الحادي والأربعون : ظاهر ما رواه الصدوق : في ( العلل ) (1) و ( العيون ) (2) ، بسنده إلى علل الفضل بن شاذان : عن الرضا عليه السلام : في حديث طويل قال فيه فإن قال : لم جعل أصل الصلاة ركعتين؟ ولم زيد على بعضها ركعة ، وعلى بعضها ركعتان ، ولم يزد على غيرها شي ء؟ قيل : لأن الصلاة إنما هي ركعة واحدة ، لأن أصل العدد واحد ، فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة ، فعلم الله تعالى أن العباد لا يؤدُّون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقلَّ منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها ، فقرن إليها ركعة ليُتمَّ بالثانية ما نقص من الاولى ، ففرض الله تعالى أصل الصلاة ركعتين.

ثمَّ علم رسول الله صلى الله عليه وآله : أن العباد لا يؤدّون هاتين الركعتين بتمام ما أُمروا به وكماله ، فضمَّ إلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين ، ليكون فيهما تمام الركعتين الأُوليين.

ثمّ علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر ؛ للانصراف إلى الأوطان ، والأكل ، والوضوء ، والتهيئة للمبيت ، فزاد فيها ركعة واحدة ؛ لتكون أخفَّ عليهم ، ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فرداً. ثمَّ ترك الغداة على حالها ؛ فإن الاشتغال في وقتها أكثر ، والمبادرة إلى الحوائج فيها أعمُّ ، ولأن القلوب فيها أخلى من الفكر لقلَّة معاملات الناس بالليل ولقلَّة الأخذ والعطاء ، فالإنسان فيها أقبل على الصلاة منه في غيرها من الصلوات ؛ لأن الفكر أقلُّ لعدم العمل من الليل.

فإن ظاهره أن صلاة الصبح في الليل.

الثاني والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً من ( معاني الأخبار ) بسند صحيح عن زرارة : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عمّا فرض الله عزوجل من الصلاة ، فقال خمس صلوات في الليل والنهار. قلت : هل سمّاهنّ الله تعالى وبيّنهنّ في كتابه؟ قال نعم قال تعالى لنبيّه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) ، ودلوكها : زوالها ، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهنّ وبيَّنهنّ ووقَّتهنّ. وغسق الليل : انتصافه ، ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (3) ، فهذه الخامسة.

ص: 480


1- علل الشرائع 1 : 303 - 304.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 107 - 108.
3- الإسراء : 78.

وقال تبارك وتعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه : صلاة المغرب والغداة. ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (1) ، فهي صلاة العشاء الآخرة.

وقال عزوجل ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (2) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط صلاتين : صلاة الغداة ، وصلاة العصر. ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (3) في صلاة الوسطى (4).

وظاهر أن طرفيه خارجان عنه بحكم المقابلة والمساواة فيه بين صلاتي المغرب والغداة.

الثالث والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) بسنده عن حريز : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه المغرب والغداة (5) الخبر. والتقريب ما تكرّر.

الرابع والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً من سرائر ابن إدريس ، نقلاً من كتاب محمّد ابن علي بن محبوب ، بسنده عن أبان : عن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (6).

وقريب منه ما في ( البحار ) أيضاً نقلاً من ( فقه الرضا عليه السلام ) أن آخر وقت العتمة نصف الليل ، وهو زوال الليل (7).

والتقريب ظاهر ممّا تكرّر بيانه.

الخامس والأربعون : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه السلام عند زوال الليل وهو نصفه أفضل (8).

وزوال الليل لا ينصّف إلّا ما بين الغروب والطلوع ، كما هو غنيّ عن البيان.

وبالجملة ، فالأدلّة في بيان أن النهار من طلوع الشمس ، والليل إلى طلوعها حقيقة

ص: 481


1- هود : 114.
2- البقرة : 238.
3- البقرة : 238.
4- معاني الأخبار : 332 / 5 ، بحار الأنوار 79 : 282 - 283 / 3.
5- تفسير العياشيّ 2 : 170 / 73 ، بحار الأنوار 79 : 289 / 16.
6- السرائر 3 : 602.
7- بحار الأنوار 80 : 66 / 34.
8- تهذيب الأحكام 2 : 337 / 1392.

شرعيّة وعرفيّة ولغويّة ، أكثر من أن أُحصيها في هذه الرسالة ، وفيما ذكرناه غنية (1) لطالب الحقّ.

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه لا ينبغي (2) لك الشكّ في سقوط قول من قال : ( إنه لا يفهم في عرف الشرع ، ولا في العرف العامّ ، ولا بحسب اللغة من اليوم أو النهار ، إلّا ما هو من ابتداء طلوع الفجر ، ولم يخالف في ذلك إلّا شرذمة قليلة قد انقرضوا.

نعم ، بعض أهل الحرف والصناعات لمّا كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس ، قد يطلقون اليوم عليه. وبعض أهل اللغة لمّا رأوا هذا الاصطلاح ذكروه في كتب اللغة ، ويحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة. وكذا المنجّمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب وعلى غير ذلك ) (3) ، انتهى.

وأنت خبير بتناقض عبارته لدلالة صدرها على انقراض القائل بذلك وعجزها على استمرار وجود القائل به ، ويكفي احتماله في سقوط قوله. ومن أين يصحّ ما احتمله مع انقراض القائل به؟ ما هو إلّا احتمال ما بطلانه مقطوع به. هذا مع أنه هو نفسه قد حكم وجزم بأن منتصف النهار الزوال ، وأثبت وجود خطّ نصف النهار ، ودائرة نصف النهار من غير ذكر خلاف في شي ء من ذلك ولا احتمال. ما هذا إلّا غفلة منه عن ذلك ، وقد اعتمد في ذلك على تجوّز أطلقه جماعة من المفسّرين وأهل اللغة.

ونحن لا ننكر (4) ورود إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس في بعض الأخبار ، وكلام بعض الفقهاء (5) ، وبعض المفسرين (6) ، وبعض أهل اللغة (7)

ص: 482


1- في « ق » : ( غيبة ).
2- في « ق » : ( ليبتغي ).
3- بحار الأنوار 80 : 74 - 75.
4- في « ق » : ( نقل ).
5- الخلاف 1 : 266 / المسألة : 9 ، جواهر الفقه : 19 ، الذكرى : 131 ( حجريّ ).
6- مجمع البيان 1 : 138.
7- القاموس المحيط 2 : 212 النهار ، لسان العرب 14 : 302 نهر ، المصباح المنير : 627 نهر ، مجمع البحرين 3 : 507 نهر ، تاج العروس 3 : 591 نهر.

على سبيل المجاز ، مثل ظاهر ما رواه الصدوق : في ( الفقيه ) (1) ، و ( العلل ) (2) ، و ( معاني الأخبار ) (3) عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : - [ ومثله (4) ] حديث ( التهذيب ) (5). إلى أن قال - : وقال في ذلك ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (6) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة ، وصلاة العصر.

وفي ( البحار ) (7) نقلاً من ( م العيّاشيّ : ) (8) عن زرارة : مثله.

وما رواه أيضاً في ( العلل ) عن موسى : عن أخيه عليّ بن محمد عليه السلام : في أجوبته ليحيى بن أكثم : أما صلاة الفجر وما يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ، إنما يجهر في صلاة الليل؟ قال جهر فيها بالقراءة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يغلس فيها لقربها بالليل (9).

قال في ( البحار ) : ( وفي ( تحف العقول ) (10) مرسلاً مثله ) (11).

وفيه نقلاً من ( فقه الرضا عليه السلام ) أنه قال اعلم أن ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن ينبغي لك أن تبدأ بهن ، ولا تصلِّي بين أيديهن نافلة ، صلاة استقبال النهار وهي الفجر وصلاة استقبال الليل وهي المغرب وصلاة يوم الجمعة (12).

وفيه نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) عن محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال صلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار ، وهي الظهر (13).

ص: 483


1- الفقيه 1 : 124 - 125 / 600.
2- علل الشرائع 2 : 32 - 33.
3- معاني الأخبار : 332 / 5.
4- في النسختين : ( مثل ).
5- تهذيب الأحكام 2 : 241 / 951.
6- البقرة : 238.
7- بحار الأنوار 80 : 108.
8- تفسير العيّاشيّ 1 : 146 / 417.
9- علل الشرائع 2 : 17 ، بحار الأنوار 80 : 107 - 108 / 5.
10- تحف العقول : 480.
11- بحار الأنوار 80 : 180.
12- بحار الأنوار 80 : 110 / 7.
13- تفسير العيّاشيّ 1 : 146 / 416 ، بحار الأنوار 80 : 110 / 8.

وفيه أيضاً نقلاً من ( إرشاد القلوب ) عن موسى بن جعفر : عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام : قال : في بيان فضل هذه الأُمَّة ومنها : أن الله عزوجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات (1) في خمسة أوقات ، اثنتان بالليل وثلاث بالنهار (2).

وما في ( العلل ) عن علل بن شاذان عن الرضا عليه السلام : في علل أوقات الصلوات إن الله تعالى أحبّ أن يبدأ في كلِّ عمل أوّلاً بطاعته وعبادته ، فأمرهم أوَّل النهار أن يبدؤوا بعبادته ، وينتشروا فيما أحبّوا من مؤنة دنياهم ، فأوجب صلاة الفجر عليهم (3).

وما في ( الكافي ) في الصحيح عن الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فقال بياض النهار من سواد الليل (4).

وفي ( الفقيه ) : قال أبو جعفر عليه السلام : صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره (5).

والجواب عن هذه الأخبار وشبهها ممّا دلّ بظاهره على إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس أن ما قدّمناه يراد به الحقيقة ، وهذا (6) يراد به المجاز ؛ بدلالة الأخبار المستفيضة ، والإجماع الذي لا ريب فيه على أن منتصف النهار هو الزوال ، ومنتصف الليل زوال رقيب منزلة الشمس ، وهي النجوم الطوالع وقت الغروب. وقيام الإجماع أيضاً على أن معنى اعتدال الليل والنهار هو تَساوي ما بين الطلوع والغروب لما بين الغروب والطلوع. وغير ذلك ممّا قد اتّضح سبيل مأخذه ممّا قدّمناه.

ووجه التجوّز وعلاقته في إطلاق اسم النهار على ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، أنها لمّا كانت تشبه الحالة البرزخيّة بين الليل المحض الذي لا يشوبه شي ء من خواصّ النهار وصفاته ، وبين النهار الذي لا يشوبه شي ء من صفات الليل

ص: 484


1- من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( مرّات ).
2- بحار الأنوار 80 : 110 / 10.
3- علل الشرائع 1 : 306 ، بحار الأنوار 80 : 110 / 11.
4- الكافي 4 : 98 / 3 ، بحار الأنوار 80 : 111 / 13.
5- الفقيه 1 : 302 / 1379.
6- من « ق » ، وفي « م » : ( هكذا ).

وخواصّه ، وكانت مشابهتها للنهار وامتزاجها به وقبولها لفاضل نور النهار والشمس غالبة كثيرة ؛ لأنها مقدّمة النهار ، والنهار قد استقبلها واستقبلته ، فهي كالمقدّمة للنهار. وبهذا يحصل الفرق بينها وبين ساعة الشفق المغربيّة ؛ فإنّها قد استدبرت النهار واستدبرها ، واستقبلت الليل واستقبلها.

فالساعة الفجريّة تشبه ولوج الروح في الجنين في بطن امّه ، والمغربيّة تشبه وقت السياق وخروج الروح. والفجريّة أشبه بزمن الربيع وخروج الأزهار وبهجة الأنوار واعتدال الهواء من المغربيّة ، والمغربية أشبه بزمن الخريف وذبول الأشجار وانقضاء الأثمار من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بزمن خروج القائم : عجّل الله فرجه واستقبال بيان مزايلة الحقّ للباطل ، وطلوع شمس الدولة الغرّاء واستبانة الحقّ الّذي لا يشوبه شكّ (1) من الساعة المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بزمن ما بين رفع الحجّتين من الأرض وبين نفخة الصعق ، وبزمن موت النبيّ صلى الله عليه وآله : وغياب شمس الرسالة والهداية والجلالة من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بالرتبة البرزخيّة بعد الموت بالنسبة للمؤمن من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بها بالنسبة للكافر من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بمبادئ الغنى والحياة والنموّ من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بأضداد ذلك.

وبالجملة ، لمّا كانت الفجريّة مقدّمة النهار ومفتاحه ، وفيها ابتداء انكشاف ظلمة الليل ووحشته ، قوي شبهها بالنهار ، وحسن التجوّز بإطلاق النهار عليها. ولأنها اتّصفت ببعض مزاياه وخواصّه أيضاً أُلحقت به ، بخلاف المغربيّة فإنّها مقدّمة الغربة ، وفقدان النور ، وتعطّل جلّ الأُمور ؛ فلذا لم يرد فيها أنها من النهار ، ولا قال به أحد من أهل الإسلام إلّا شذّاذ من براهمة الهند (2). والظاهر انقراض القائل به.

ص: 485


1- في « ق » مكانها بياض بمقدارها.
2- في « ق » : ( المفيد ).

ولمّا ظهر في الساعة الفجريّة مزايا من النهار ومزايا [ من ] الليل ، ظهر فيها حكم البرزخيّة ، فصحّ التجوّز بإطلاق النهار عليها ، وقد اختصّت بمزايا ليست في النهار ولا في الليل ، مثل لطف هوائها في جميع الفصول بالنسبة إلى ليالي الفصول وأيّامها ، فهي أبرد في زمن الحرّ وأسخن في زمن البرد مع لطف في هوائها.

ومن خواصّها أن فيها تفيق مرضى المؤمنين ، والظاهر أنه يشتدّ فيها مرض الكافر ؛ فإن ما كان رحمة للمؤمن فهو عذاب على الكافر.

ومن خواصّها أن أكثرها نور بلا شمس ولا قمر ، ومن هذين الوجهين صارت تشبه ساعات الجنّة ، كما قال مولانا الباقر عليه السلام (1).

ومن خواصّها أنه يجتمع فيها ملائكة الليل والنهار ، والمراد بهم : الحفظة الكرام الكاتبون كما استفاضت به الأخبار ، ففي ( العلل ) بسند قويّ عن إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت له أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر. قال مع طلوع الفجر ، إن الله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (2) ، يعني : صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرّتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار (3).

وفي ( ثواب الأعمال ) بسنده عن إسحاق : أيضاً عنه عليه السلام مثله (4).

وفي ( البحار ) نقلاً من مجالس الشيخ : بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو ، وقبل أن يستعرض ، وكان يقول ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) ، إن ملائكة الليل تصعد ، وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر ، فأنا أختار أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي (5) الخبر.

ص: 486


1- تفسير القمِّي 1 : 126.
2- الإسراء : 78.
3- علل الشرائع 2 : 32.
4- ثواب الأعمال : 57 - 58 / 1.
5- بحار الأنوار 80 : 72 - 73 / 3 ، الأمالي : 695 / 1481.

والأخبار بهذا المضمون في الكتب الأربعة (1) وغيرها من الكتب المعتمدة مستفيضة لا نطوّل بذكرها.

ومن خواصّها أنها تشبه زمن أوّل البلوغ التكليفيّ ، فإنّها أوّل بدء الحياة بعد موتة النوم ، وأوّل انبعاث النفوس للسعي في طلب المعاش ، وعمارة الأرض حسب ما كُلّفوا ؛ ولذا افتتحت بفرض الصبح ، والتضرّع إلى الله بإظهار رسم العبوديّة التوحيديّة ، فصحّ التجوّز بأنها ليست من الليل.

وأمّا نفي كونها من ساعات النهار فحقيقة ، ففي خبر الجاثليق : مع الباقر عليه السلام : حيث سأله عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فقال عليه السلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

فقال النصرانيّ : فمن أيّ الساعات هي؟ فقال عليه السلام من ساعات الجنّة ، وفيها تفيق مرضانا (2) الخبر.

وقد مرّت الإشارة إليه ، ومرّ أيضاً خبر أبي هاشم الخادم : عن أبي الحسن عليه السلام : أنه قال ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة (3) الخبر.

فدلّ الخبر الأوّل على أنها اختصّت بمشابهة ساعات الجنّة ؛ ولذا تفيق فيها مرضى المؤمنين ، والخبر الثاني على أنها اختصّت بأن جُعل في مقابلها ركعتان لكثرة ما فيها من المزايا والخواصّ التي تميّزت بها عن ساعات الليل والنهار ، حتّى كأنّها خارجة عنهما ، وإلّا فلا يظهر قائل بأن ساعات الليل والنهار (4) خمس وعشرون ساعة.

فإذن ، معناه أن مجموع الليل والنهار ثلاثة أصناف : نهار محض ، وليل محض ،

ص: 487


1- الكافي 3 : 282 / 2 ، الفقيه 1 : 137 - 138 / 643 ، تهذيب الأحكام 2 : 37 : 116 ، الاستبصار 1 : 275 / 995.
2- تفسير القمِّي 1 : 126 ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، بحار الأنوار 46 : 313 - 314 / 2.
3- الخصال 2 : 488 ، أبواب الاثني عشر / 66 ، علل الشرائع 2 : 22 ، ب 23 ، ح 1 ، باختلافٍ يسير.
4- قوله : ( حتّى كأنها .. والنهار ) ليس في « ق ».

وليل يشبه النهار شبهاً تامّاً ، ويختصّ (1) بمزايا لا توجد في الصنفين ، وهو الساعة الفجريّة ، فخصّها بالذكر من بين ساعات الليل ، ولم يفرد من ساعات النهار شيئاً ، فحكمه أن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، يدلّ على أن ساعات الليل كذلك ، بحكم المقابلة المجمع عليها ، وعدم القائل بقسم ثالث.

فقد دلّ هذا على ما قلناه من أن إفراده عليه السلام للساعة الفجريّة بالذكر من بين ساعات الليل ، مع بيانه أن كلّ واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة إنما هو لمزايا تخصّهما.

وما قاله بعض أجلّة المتأخّرين بعد إيراده هذين الخبرين من أن ( هذا اصطلاح آخر لليل والنهار سوى المشهور ، وكأنه مشهور بين أهل الكتاب ) (2). وقال بعد إيراد خبر الجاثليق : ( قد مرّ أن (3) هذا اصطلاح آخر عند أهل الكتاب ؛ فلذا أجابه عليه السلام على وفق معتقده. وقوله من ساعات الجنة ، أي شبيهة (4) بها ، ولا يبعد (5) أن يكون المراد أنها (6) لا تحسب في انتصاف الليل ولا في انتصاف النهار ) (7) انتهى لا يخفى سقوطه ، فإن الإمام لا يتكلّم إلّا بالحقّ المطابق للوجود وصفاته ، فإنه لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق بإذن الله ، وفي الحقّ سعة عن الباطل ، مع أنه ساقهما في الدلالة على أنها من ساعات النهار ، وقد نفى البعد عن خروجها عن الانتصافين.

وهذا كلام لا يعقل ولم يقل به أحد ، فاضطراب كلامه لا يخفى.

ويمكن أيضاً أن يجمع بين ما دلّ على أن الساعة الفجريّة من الليل ، وما دلّ بظاهره على أنها من النهار ، بحمل الأوّل على المعنى اللغوي وبحسب خارج الزمان ، فمدار التكليف الزماني عليه ، وحمل الثاني على حال الدهر بالنسبة إلى

ص: 488


1- في « ق » : ( مختص ).
2- بحار الأنوار : 80 : 106.
3- من « ق » والمصدر.
4- في « ق » : ( شبهه ).
5- في « ق » : ( يتعدى ).
6- في « ق » : ( بها ).
7- بحار الأنوار 80 : 107.

حال السرمد ، فإنّها تشبه الدهر الذي هو صبح نهار السرمد بالنسبة إلى قوس العود. والدهر من حيث هو كذلك ألصق وأشبه بالسرمد من ليل الزمان ؛ فالحق به. أو نقول : صبح الأزل اللائح على هياكل التوحيد (1) نهارٌ ؛ لمساوقة طلوع شمس المعرفة في أُفق الأفئدة له. فبهذا الاعتبار أُلحقت الساعة الفجريّة بالنهار ، وباعتبار أُفق الزمان المحض وأحكامه هي من ليله وإن اختصت بمزايا ليست لعامّة ليله.

وبالجملة ، فممّا ظهر للبصائر أشدّ [ من ظهور (2) ] الشمس في رابعة النهار للأبصار أن نهار كلّ رتبة من رتب الوجود لا يكون مفتاحه وابتداؤه وأوّله وأساسه ظلمة ، وأن الظلمة لا تكون مبدأ نور من أنوار الوجود على طبقاته ودرجاته. فلو لم نجد محملاً لمثل هذه الأخبار لوجب اطّراحها ، لعدم مقاومتها لشي ء ممّا ذكرناه من الأدلّة.

وأمّا ما ورد من مثل قولهم عليهم السلام إن ابن أُمّ مكتوم يؤذِّن بليل ، وبلال يؤذّن إذا طلع الصبح (3) ، فليس فيه دلالة على أن ابتداء النهار من طلوع الفجر بوجه من وجوه الدلالة ، فضلاً عن أن يعارض به بعض ما ذكرناه ؛ إذ غاية دلالته أن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل يحلّ فيه الأكل ، وغيره ممّا يمسك عنه الصائم ، فلا تمسكوا ولا تصلّوا بأذانه أي قبل الصبح وبلال : لا يؤذّن إلّا في الصبح ، كما يكشف عنه مثل خبر ( الفقيه ) ، وفيه أن النبيّ صلى الله عليه وآله : قال إن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال (4).

وممّا يزيدك تنبيهاً على ذلك تنكيره عليه وآله أفضل الصلاة والسلام لفظ الليل ، فلا تغفل.

وأمّا مثل ما في ( الفقيه ) عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال إن إبليس : إنما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى أن يغيب الشفق ، ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس (5) ، فليس فيه دلالة أيضاً على أن الساعة الفجريّة من النهار

ص: 489


1- في « ق » : ( التوحد ).
2- في المخطوط : ( مما ظهرت ).
3- الكافي 4 : 98 / 3.
4- الفقيه 1 : 194 / 905.
5- الفقيه 1 : 318 / 1444.

بوجه ، بل هو في الدلالة على أنها من الليل أظهر ؛ لأن ظلام الليل أنسب بإبليس : وجنوده ، وسلطانه فيه أقهر ، ودولته فيه أظهر ، فناسب أنه يبثّ جنوده في أوّل الليل وآخره ، فإنه من سنخ الظلام الذي هو عدم النور وغشاؤه ، فتفطّن.

وأمّا مثل ما ورد إن الله تعالى ينادي كلَّ ليلة من أوَّل الليل إلى آخره ، وفي بعضها إن الله تعالى ينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل الليل إلى آخره : ألا عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر (1).

وفي الثاني هل من سائل فأعطيه (2).

وفي آخر هل من عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر إلى قوله : فما يزال ينادي بهذا إلى طلوع الفجر أو - : إلى أن يطلع الفجر (3).

وما أشبه هذه الأخبار! فمعناها : أنه يخبر ويعد من فعل ذلك قبل طلوع الفجر في أيّ ليلة كانت ، سواء كان في تلك الليلة أو غيرها.

وحاصله : الحثّ على عبادة الله ، والدعاء ، والاستغفار في جوف الليل مطلقاً ، لا بخصوص ليلة شخصيّة ، فليس فيه دلالة على خروج ما بعد الفجر عن الليل بوجه. وعلى كلّ حال لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة القطعيّة.

وأمّا مثل ما ورد في تعقيب صلاة الصبح من مثل قولهم عليهم السلام الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته (4) ، فمعناه أنه يحمد الله على نعمته المستقبلة بالنهار المستقبل المقطوع بمجيئه بسبب تحقّق الفجر الذي هو من فاضل نوره ، فطلوع الفجر دليل على النهار ولازم له.

ومثله قولهم عليهم السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (5) ، بل هذا أوضح فيما ذكرناه.

ص: 490


1- الفقيه 1 : 271 / 1237 ، عدّة الداعي : 37 ، وفيهما : « لينادي ». بحار الأنوار 80 : 112 / 1. وقد نقله عن ( عدَّة الداعي ) بدون لفظ : « الجمعة ». وما في نسخة ( العدَّة ) التي بين أيدينا جاء الأثر بهذا اللفظ.
2- الفقيه 1 : 271 / 1238.
3- عدّة الداعي : 37 - 38.
4- الكافي 2 : 528 / 20.
5- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.

ومثله قولهم الحمد لله الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته ، وجاء بالنهار مبصراً برحمته (1) ، بل هذا أظهر في الدلالة على أنها ليست من النهار ؛ لما فيه من ذكر خاصّة الليل من الأظلام المتحقّقة فيها ، وخاصّة النهار من الإبصار المنتفية عنها.

وأما مثل قولهم عليهم السلام في تعقيب الصبح أيضاً اللهمّ إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم (2) ، فهو بالدلالة على أنها خارجة من النهار أولى ، بل هو ظاهر فيه ؛ لعطف اليوم على الصباح.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (3) ، وقولهم عليهم السلام فيه أيضاً مرحباً بخلق الله الجديد واليوم العتيد (4) ، وقولهم فيه اللهمَّ اجعل أوّل يومي هذا صلاحاً (5) ، وما أشبه ذلك ، فلا ينافي حكمهم بأن الساعة الفجريّة من الليل ؛ إذ غايته الإشارة بما يشار به للقريب ، والنهار قريب من الساعة الفجريّة. وعلى كلّ حال لا يعارض شيئاً ممّا ذكرناه.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام يستحبّ أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن (6) ، وشبهه ، وقولهم عليهم السلام إذا كان يوم الجمعة فزرهم يعني : القبور فإن من كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يعلمون بمن أتاهم في كلِّ يوم (7) ، وقولهم عليهم السلام لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتّى تطلع الشمس (8) ، وقولهم عليهم السلام إذا أراد العمرة انتظرَ إلى صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ثمّ يكون مهلاً في ذلك اليوم (9) ، وما أشبه هذا ممّا أُضيف فيه الصبيحة والصبح والفجر إلى اليوم ، فليس فيه دلالة على أن الساعة الفجريّة من النهار بوجه ، فإن الإضافة تصحّ بأدنى ملابسة.

وأيضاً فإنه كما ورد إضافة ذلك إلى اليوم كثيراً ورد إضافته إلى الليل كثيراً ، مثل

ص: 491


1- البلد الأمين : 54 ( حجريّ ).
2- مصباح المتهجِّد : 188.
3- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.
4- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.
5- المصباح في الأدعية والزيارات : 100.
6- الكافي 3 : 429 / 6.
7- الأمالي ( الطوسيّ ) : 688 / 1462.
8- الكافي 4 : 482 / 7.
9- الكافي 4 : 536 / 4.

صبيحة ليلة كذا ، وصبح ليلة كذا ، وفجر ليلة كذا. ومثل ما في كتاب النرسي : عن الصادق عليه السلام : قال إن الشمس تطلع كلّ يوم بين قرني شيطان إلّا صبيحة ليلة القدر (1).

ومثله في الكتاب والسنّة لا يحصى ، كما لا يخفى على المتتبّع ، وهو أشهر وأظهر من أن يحتاج إلى بيان.

والوجه في ذلك أن ورود إطلاق الليلة على الليل ويومه ، واليوم على النهار وليلته في الكتاب والسنّة ، وكلام العرب ، والفقهاء أظهر وأشهر من أن يحتاج إلى بيان ، فلا نطوّل بذكر شي ء من ذلك كلّه. وبهذا يجاب عن مثل ما جاء في الأخبار وكلام الفقهاء من مثل قولهم عليهم السلام ، لمّا سُئلوا : أيجزي (2) إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال نعم (3).

وقولهم عليهم السلام لمّا سئلوا : في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ فقال عليه السلام .. إلى أن قال - والغسل أوّل الليل.

قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر (4).

وجميع ما دلّ على أن غسل يوم الجمعة أوّل وقته بعد طلوع الفجر ، فإن الجمعة ويوم الجمعة قد يطلق على ما يعمّ الليل. وأيضاً نمنع أن غسل الجمعة من الأغسال المختصّة بالنهار ، ولكن لمّا كان السرّ فيه أن استقبال نهار الجمعة والدخول في صلاة الجمعة ينبغي أن يكون على أكمل الطهارة والنظافة أُضيف الغسل إلى الجمعة وإلى يوم الجمعة.

هذا مع أن خبر زيارة القبور يحتمل تعليق الظرف ، وهو ما بين ب- وُسِّع ، وب يعلمون فلا إشعار فيه بالمدّعى من أنها من النهار.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوَّله إلى آخره ، إلّا إن أفضل ذلك بعد

ص: 492


1- بحار الأنوار 80 : 150 / 13.
2- في « ق » : ( أيخرج ).
3- الكافي 3 : 418 / 8.
4- تهذيب الأحكام 1 : 373 / 1142.

الانتصاف (1).

وقولهم سلام الله عليهم في صفة صلاة الليل ثمانٍ من آخر الليل ، ثمَّ الوتر ثلاث ركعات ، ويفصل بينهما بتسليمة ، ثمّ ركعتي الفجر (2) ، وسائر ما دلّ من الأخبار على أن وقت صلاة الليل آخر الليل ، أو أن فعلها في آخر الليل أفضل ، وشبه ذلك. فالمقصود منه أن وقتها في النصف الأخير من الليل دون الأوّل ، أو أن فعلها في النصف الأخير أفضل ، فالأوّليّة والآخريّة في مثل (3) هذه الموارد إنما هي باعتبار النصفين.

وأمّا مثل ما ظاهره أن وقتها يمتدّ إلى آخر الليل ، فهي آخريّة إضافيّة ، ومجاز قطعاً ؛ لأن آخره الحقيقيّ إنما هو جزء لا يسع ركعة فضلاً عن نافلة الليل التي ورد فيها من الأذكار والأدعية والحثّ على السور الطوال ما لا يخفى ، وإنما آخره الحقيقيّ ما لا يسع الصائم فيه مضغ اللقمة وابتلاعها. فظهر أن المراد بذلك ما قارب الساعة الفجريّة التي هي آخر الليل ، فسمّي ما قبلها آخراً من باب مجاز المجاورة.

وبهذا يظهر الجواب عن مثل قولهم بما معناه عليهم سلام الله - : الأمر بطلب الحوائج في ساعة كذا وكذا ، وفي ساعة من آخر الليل قبل طلوع الفجر (4). بل مثل هذا دلالته على أن الساعة الفجريّة من الليل أظهر ، لمقام التقييد بقبليّة طلوع الفجر ، ولولاه لم يكن لهذا القيد فائدة تظهر ولا نكتة تعرفها ، وكلامه طبق الحكمة ، وإنما ينطقون عن الحكيم.

وأمّا مثل ما في خبر الزهريّ : عن زين العابدين عليه السلام : أنه قال وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ، ثمّ قدِم أهله أُمر بالإمساك بقيّة يومه ، وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت (5) ، وشبهه ، فالمراد به الأوّليّة الإضافيّة ، أو من باب (6) مجاز المجاورة كما مرّ.

ص: 493


1- تهذيب الأحكام 3 : 233 / 607.
2- المعتبر 2 : 15 ، بحار الأنوار 80 : 122 / 58.
3- قوله : ( فعلها في النصف .. في مثل ) ليس في « ق ».
4- الخصال 2 : 616 ، أبواب المائة وما فوقها / حديث أربعمائة ، بحار الأنوار 80 : 125 / 70.
5- تهذيب الأحكام 4 : 296 / 895.
6- قوله : ( باب ) ليس في « ق ».

ويحتمل أيضاً أنه ذكر حكم الأكل في النهار ولم يتعرّض لذكر الأكل بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، ولا ينافي مساواته لهذا في هذا الحكم بدليل آخر.

ومثله قول أبي عبد الله عليه السلام : لمّا سأله عبد الأعلى : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان قال عليه السلام عليه الكفّارة.

قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ قال عليه السلام عليه كفّارتان (1) ، وما أشبهه.

وعلى كلّ حال فليس شي ء من هذا ولا كلّه يقاوم شيئاً ممّا ذكرناه من الأدلّة القطعيّة. وما ربّما يتوهّم أو يقال في بعض ألسنة من لم يتأمّل ما قال من الفرق بين نهار الصائم والبيْن وغيرهما فوهْم لم يدلّ عليه دليل ، بل ليس له معنًى يعقل ؛ فإنه ليس إلّا ليلاً واحداً ونهاراً واحداً ، هما حقيقتان متباينتان ، بل متضادّتان. غاية الأمر أنه دلّ الدليل على وجوب الصوم من طلوع الفجر إلى آخر النهار ، وأن ذلك ظرف للصوم ، وأن من فعل في هذه المدّة مع تعيّن صومها عليه ما ينافي الصوم وجب عليه حكمه من قضاء أو كفّارة ، وأثم.

والمجلسيّ : نوّر الله ضريحه في ( بحار الأنوار ) بعد أن صرّح ونصّ على أن منتصف النهار زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ، وأن معنى تساوي الليل والنهار هو تساوي ما بين الطلوع إلى الغروب ، وما بين الغروب إلى الطلوع ، اختار أن الساعة الفجريّة من النهار ، وأطال وأكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، واستدلّ بما لا يحتجّ بمثله في هذا المطلب العظيم ، وبما لا يدلّ على ذلك بوجه ، وبما دلالته عليه لا له. وهذا جهده شكر الله سعيه وجزاه عن الشريعة جزاء الصالحين فإنه [ من ] المرابطين في سبيل الله لقتال أعداء الله.

وأنا أقول : هذا جهدي قد وفدت به على باب مولاي صاحب الزمان عليه السلام ، فإن قبله فطالما عفا ورحم ، وإن ردّه فبجرائمي ، ولكنّي أرجو عفوه ورحمته ، وألّا أخيب مِن بين مَن قرع باب رحمته ، ولجأ إلى ظلّه ، والصلاة والسلام من الله على محمّد

ص: 494


1- الفقيه 2 : 122 - 123 / 523.

حبيبه وآله المستحفظين دائما أبداً ، والحمد لله ربّ العالمين.

وكان ختامها بقلم مؤلّفها القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : عفا الله برحمته عنهم ، والحمد لله ربّ العالمين.

وقع الفراغ آخر نهار اليوم الثامن عشر من شهر [ جمادى (1) ] الأُولى سنة (1243) الثالثة والأربعين والمائتين والألف.

وقد نقلتها وأنا العبد الجاني المخطئ الآثم زرع بن محمّد عليّ بن حسين بن زرع : عفا الله عنهم بمحمّد وآله.

[ ... ](2)

ص: 495


1- في « م » : ( الجميدي ).
2- في « ق » : وقع الفراغ من نساخة هذه الرسالة الشريفة ضحى يوم الأربعاء من الأُسبوع ، اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان من سنة (1243) بقلم الأقلّ الأحقر ، تراب أقدام إخوانه المؤمنين ناصر بن علي ابن الحاج ناصر ابن الحاجّ علي بن ناصر بن حرم ، عفا الله عنه وعن والديه آمين وعن جميع إخوانه المؤمنين والمؤمنات بحقّ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، آمين ، آمين.

ص: 496

الرسالة الثامنة : الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة

اشارة

ص: 497

ص: 498

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول الأقلّ أحمد بن صالح بن طوق : مسألة : يجب الجهر بقراءة الحمد والسورة في أوليي العشاءين وفي الصبح ، والإخفات بهما في أوليي الظهرين بالإجماع فتوًى وعملاً في سائر الأعصار والأمصار والقائل بالاستحباب شاذّ (1) وبالنصوص المستفيضة (2) ، فلو أخفت فيما يجب الجهر فيه أو بالعكس عالماً عامداً بطلت صلاته بالإجماع والنصّ ، كما في صحيحتي زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام (3).

قال الشيخ حسين : ( والأخبار الدالّة على وجوب الجهر في مواضعه المسمّاة ، والإخفات في مواضعه على الرجال مستفيضة ). وساق جملة من الأخبار.

ص: 499


1- انظر مختلف الشيعة 2 : 170 / المسألة : 92.
2- وسائل الشيعة 6 : 82 - 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 - 26.
3- الفقيه 1 : 227 / 1003 ، تهذيب الأحكام 2 : 147 / 577 ، وسائل الشيعة 6 : 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1 ، ح 2.

هذا حكم الرجال ، أمّا المرأة والخنثى المشكل ومن ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء فليس عليهم وجوب جهر فيما يجب الجهر فيه مطلقاً ؛ للأصل ، ولأن المعروف من الفتوى وظاهر الأخبار اختصاص وجوب الجهر بالرجال.

أمّا ما يجب فيه الإخفات مطلقاً فيجب الإخفات به على كلّ مكلّف رجلاً كان أو غيره ؛ لعموم الدليل وعدم المخصّص له بالرجال.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : نسبة ذلك لظاهر الأكثر ، والأكثر على الخنثى لو سمعها الأجانب من الرجال وجب الإخفات ، وبحكمها من ليس له أحد الفرجين ، والأحوط الأولى لهما إذا لم يسمعهما الأجانب الجهر في الجهريّة ، بل تعيّنه حينئذٍ غير بعيد.

ويعذر الجاهل والناسي نصّاً (1) وإجماعاً ، ولا فرق في ذلك بين المنفرد والإمام.

ففي صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه ، وقد تمّت صلاته (2).

وصحيحه أيضاً عنه عليه السلام ، قلت له : جهر رجل بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما لا ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه. فقال أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي ء عليه (3).

أمّا الأخيرتان من الظهرين والعشاء وثالثة المغرب فيجب فيها كلّها الإخفات ، كما هو المعروف من المذهب قديماً وحادثاً ، سواء في ذلك المنفرد والإمام والمأموم والرجل والمرأة والخنثى ومن ليس له أحد الفرجين.

ص: 500


1- وسائل الشيعة 6 : 87 أبواب القراءة في الصلاة ب 27.
2- الفقيه 1 : 227 / 1003 ، تهذيب الأحكام 2 : 162 / 635 ، وفيهما « أو أخفى » بدل : « وأخفى » ، وسائل الشيعة 6 : 86 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 26 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 2 : 147 / 577 ، وفيه « الإخفات » بدل : « الإخفاء » ، وسائل الشيعة 6 : 86 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 26 ، ح 2.

الدليل على ما يجهر فيه ويخفت من الأخبار

ويدلّ عليه من الأخبار مثل صحيح الفضل بن شاذان : كما في ( الفقيه ) ، و ( العلل ) ، و ( المحاسن ) عن الرضا عليه السلام : في حديث ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض أنه قال إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أن هناك جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى ؛ لأنه إذا لم يرَ جماعة علم ذلك من جهة السماع. والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنما [ هما (1) ] بالنهار في أوقات مضيئة ، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع (2).

وفي ( العلل ) عن محمّد بن حمران : أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة (3) وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلاة مثل الظهر والعصر لا يجهر فيها؟ فقال لأن النبيّ صلى الله عليه وآله .. (4) الخبر.

ووجه الدلالة فيهما إطلاق الحكم بنفي الجهر في الظهرين ، ولا يصدق النفي إلّا برفع الحقيقة ، فإذن لا جهر فيهما أصلاً بمنطوق الروايتين فيعمّ أخيرتيهما.

وأيضاً لو كان فيهما جهر لَمَا تحقّقت العلّة المذكورة في الخبر الأوّل ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما إلّا ما حكاه الشيخ حسين آل عصفور : في ( شرح المفاتيح ) عن عمّه في إحيائه من الحكم بتبعيّة الأخيرتين للأوليين في وجوب الجهر والإخفات ، محتجّاً بإطلاق كثير من المعتبرة المعلّلة وجوب الجهر والإخفات بقوله فيها : ( لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات مثل الظهر والعصر لا يجهر فيهما ) ، فإنه شامل للأوليين والأخيرتين. وكذا صحيح الفضل بن شاذان.

وأيّده بصحيحة زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال إذا كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في

ص: 501


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( هو ).
2- الفقيه 1 : 204 / 927 ، علل الشرائع 1 : 305 / 9 ، المحاسن ، باختلاف.
3- في المصدر : ( الفجر ) بدل : ( الجمعة ).
4- علل الشرائع 2 : 16 / 1.

الأُوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ، فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (1) والأخيرتان تبع للأُوليين (2).

ووجه ذلك أنه قد ساوى بين الأُوليين والأخيرتين في الحكم معاً أعني في المنع من القراءة ووجوب الإنصات حتّى جاء في رواية ( السرائر ) (3) بدل ولا تقرأن شيئاً ولا تقولنّ شيئاً ، ثمّ أكّده بقوله والأخيرتان تبع للأُوليين ، فهذه شاهدة بالمساواة.

وربّما يجاب عن هذا الاستدلال بأن هذه التبعيّة إنما كانت في تحريم القراءة خلف الإمام لا في وجوب الإنصات ؛ ولهذا اقتصر على قوله ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ولم يتبعها بقوله وأنصت لقراءته كما أتبعها في الأُوليين ، فيكون قوله والأخيرتان تبع للأُوليين دليلاً على المنع من القراءة خلفه لا غير ، وليس فيه تعرّض للإنصات ، فلا يكون دالّاً على الجهر في الأخيرتين تبعاً للأُوليين ، انتهى وهو حسن.

ولكنّا في غَناء عنه ؛ لتفرّده بهذا القول ، وخرقه الإجماع ، ولأنه مردود بالأخبار الدالّة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، أمّا الجهر فيتحقّق بتحقّقه في جزء من غيرهما ؛ لأنه إثبات ، وخرج جواز الأمرين في سائر الأذكار بدليل.

وقريب منهما ما في ( المحاسن ) في مسائل اليهود للنبيّ صلى الله عليه وآله : في علّة الجهر في ثلاث فرائض ، والإخفات في اثنتين.

وقريب من ذلك صحيحة عبد الله بن سنان أنه قال إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ ، وكان الرجل مأموناً على القراءة (4) ، فلا تقرأ خلفه في الأُوليين.

وقال يجزيك التسبيح في الأخيرتين.

قلت : أيّ شي ء تقول أنت؟ قال أقرأ فاتحة الكتاب (5).

فإنه أثبت صلاة لا يجهر فيها الإمام أصلاً حتّى يفرغ.

ص: 502


1- الأعراف : 204.
2- الفقيه 1 : 256 / 1160 وسائل الشيعة 8 : 355 أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3.
3- السرائر 3 : 585.
4- من المصدر : ( القرآن ).
5- تهذيب الأحكام 3 : 35 / 124 ، وسائل الشيعة 6 : 126 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 12.

فإن قلت : ذلك مخصوص بالقراءة.

قلت : الفرق بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين شاذّ ، بل الظاهر أنه حادث في عصرنا ولا دليل عليه أصلاً ، كما سيجي ء بيانه إن شاء الله تعالى ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما.

ومنها : صحيحة ابن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس (1) ، فإن ظاهره أن هناك ركعتين معهودتين لا يعهد فيهما للإمام بالجهر ، وإنما حملنا الصمت فيهما على الإخفات للنصّ (2) والإجماع على وجوب القراءة له في الأُوليين ، والقراءة والتسبيح في الأخيرتين.

قال الشيخ حسين : ( الركعتان اللتان يصمت فيهما يبعد حملهما على الأُوليين ؛ لأنه لا يستمر على الصمت فيهما ؛ لأنهما يكونان جهريّتين تارة وإخفاتيّتين اخرى. مع أنه اشتمل على ما يؤيّد كونهما الأخيرتين ، وهو قراءة الحمد وحدها ، وهو وظيفة الأخيرتين ، ولا ينافيه قوله : «إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس»

؛ لأنه مخيّر بين القراءة والتسبيح ، فيحمل السكوت على ترك القراءة خاصّة دون التسبيح بقرينة المقابلة ) ، انتهى.

ويدلّ عليه قيام النصّ (3) والإجماع على عدم جواز سكوت المأموم في الأخيرتين بالكلّيّة ، ويحتمل ما هو أعمّ من الأخيرتين مطلقاً وأُوليي الظهرين ، ويحتمل اختصاصه بهما بقرينة الرخصة في السكوت بأن نحمله على ظاهره.

ومنها : صحيح أبي خديجة : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأُوليين ، وعلى الذين من خلفك أن يقولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام. فإذا كانوا في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة

ص: 503


1- تهذيب الأحكام 2 : 296 / 1192 ، وسائل الشيعة 8 : 358 - 359 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 2. وسائل الشيعة 8 : 362 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.
3- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 2. وسائل الشيعة 8 : 362 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.

الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين (1).

فإن المماثلة بإطلاق شاملة للكميّة والكيفيّة من الجهر أو الإخفات ، والمعلوم من حال المأموم أن حكمه الإخفات بالتسبيح في أُوليي الإمام إذا كان حكمه التسبيح وذلك في أُوليي الظهرين ، ويكون هذا الخبر فيه دلالة على عدم جواز قراءة المأموم في أُوليي الإمام.

والتفريع في قوله فإذا كانوا ، يشعر بأنهم غير مسبوقين ، واحتمل بعض أجلّة المعاصرين في قوله فإذا كانوا أنه بيان لحكم المسبوقين بركعتين ، وهو بعيد مع أنه لا يخرج الحديث عن دلالة ظاهره على أن حكم الإمام أن يسبّح في الأخيرتين إخفاتاً كما هو ظاهر مع إطلاق المماثلة بينه وبين ما المعهود منه الإخفات به بلا خلاف وإن كان على وجه الأفضليّة.

ومنها : خبر بكر بن محمّد : عن الصادق عليه السلام : أنه قال إني لأكره لكم أن يصلّي الرجل خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنه حمار.

قلت : فيصنع ماذا؟ قال يسبّح (2).

والتقريب ما تقدّم في أوّل الأخبار ، حيث إنه أثبت صلاة لا جهر فيها أصلاً ، ويحتمل إرادة الأُوليين وإن كان خلاف ظاهره.

ومنها : ما نقله الشيخ حسين عن ( الذكرى ) (3) و ( المعتبر ) (4) و ( المنتهى ) (5) من الخبر النبويّ أن رسول الله صلى الله عليه وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ، ويخفت في ما عدا ذلك. وهو صريح في المطلوب. وتخصيصه بما إذا قرأ دون ما إذا سبّح دعوى بلا دليل مع مخالفته لصريحة ، وخرج ما سوى الأخيرتين وثالثة

ص: 504


1- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6 وفيهما : « كان » بدل : « كانوا ».
2- تهذيب الأحكام 3 : 276 / 806 ، وسائل الشيعة 8 : 360 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1 ، بتفاوتٍ يسير في الجميع.
3- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
4- المعتبر 2 : 176.
5- منتهى المطلب 1 : 277 ( حجري ).

[ المغرب (1) ] بدليل الإجماع والنصّ (2).

ومنها : صحيحة صفوان : قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام ، أيّاماً ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ب- ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ب- ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وأخفى ما سوى ذلك ) (3).

وظاهره بعمومه شامل للتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب ، ولا ريب أنه سبّح في حال (4).

ومنها : ما اشتهر بين الأُمّة من قوله صلى الله عليه وآله صلاة النهار عجماء (5) ، فإن إطلاقه شامل للتسبيح ، ولا فارق بين أخيرتي صلاة النهار والليل.

ومنها : صحيحة الحلبي : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ خلفه (6).

ومثلها حسنته (7) تشعر بأن هناك صلاة لا يجهر فيها بالقراءة مطلقاً ، ولا دليل على الفرق بين التسبيح والقراءة ، ولا بين أخيرتي الإخفاتيّة والجهريّة.

ومنها : صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال إن كنت خلف إمام فلا تقرأن في الأُوليين شيئاً وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين. فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا

ص: 505


1- في المخطوط : ( الظهرين ).
2- انظر وسائل الشيعة 6 : 82 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 25.
3- تهذيب الأحكام 2 : 68 / 246 ، الإستبصار 1 : 310 - 311 / 1154 ، وسائل الشيعة 6 : 57 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 11 ، ح 1.
4- كذا في المخطوط.
5- بحار الأنوار 3 : 133 ، بحار الأنوار 82 : 202.
6- الفقيه 1 : 255 / 1156 ، وفيه : « أو » بدل : « أم » ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 1 ، ولم يرد فيهما : « خلفه ».
7- الكافي 3 : 377 / 2 ، وسائل الشيعة 8 : 358 أبواب صلاة الجماعة ، ب 1 ، ح 12.

قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) (1) الآية والأخيرتان تبع الأُوليين (2).

فقد أمره بالإنصات لقراءته في الأُوليين ، ونهاه عن القراءة في الأخيرتين ، ولم يأمره بالإنصات للإمام ، وهو مشعر بإخفات الإمام ، بلا فرق بين تسبيحه وقراءته فيهما ، وهو يدلّ على أرجحيّة التسبيح للمأموم.

ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ قال أمّا الصلاة التي لا يجهر فيها فإن القراءة جعلت إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت مَنْ خلفه (3).

فقد دلّ على أن هناك صلاة لا جهر فيها أصلاً بتقريب ما سبق ، ولا فارق بين أخيرتي الجهريّة والإخفاتيّة ، والخبر كالفتوى لم يفرّق بين القراءة والتسبيح. ورواها عنه أيضاً في ( العلل ) (4) بطريق صحيح على ما في ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : [ أيقرأ (5) ] الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام (6).

وهو بإطلاقه شامل للأخيرتين ، ولا فرق بينهما وبين أخيرتي غيرهما ، وظاهره أن الإمام يخافت فيهما بالقراءة ، وإنما علم المأموم أنه يقرأ بغير طريق سماعه القراءة ، ولا فرق بين القراءة والتسبيح.

ومنها : صحيح الحلبي (7) : عن أبي عبد الله عليه السلام : أيضاً مثل صحيحه الأوّل (8) ،

ص: 506


1- الأعراف : 204.
2- الفقيه 1 : 256 / 1160 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3.
3- الكافي 3 : 377 / 1 ، تهذيب الأحكام 3 : 32 / 114 ، الإستبصار 1 : 427 - 428 / 1649 ، وسائل الشيعة 8 : 356 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 5.
4- علل الشرائع 2 : 20 / 1.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ما يقرأ ).
6- تهذيب الأحكام 3 : 33 / 119 ، الإستبصار 1 : 428 / 1654 ، وسائل الشيعة 8 : 357 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 8.
7- تهذيب الأحكام 3 : 34 / 121.
8- الفقيه 1 : 255 / 1156 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 1.

وصحيح بكر بن محمّد (1) : أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام : مثل حديثه الأوّل (2) ، وصحيحه أيضاً عنه عليه السلام مثله (3).

ومنها : قويّة أبي بصير : قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام ، فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتّى أسمعنا ، فلمّا انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهّده من خلفه. قال نعم (4).

فإن فحواه ، بل ظاهره أنه عليه السلام أخفت بجميع صلاته ، وإنما جهر بالتشهّد أو بالتشهّد الأخير أو بآخر تشهّده.

قال الشيخ علي المقابي : ( وكيف كان ، فالخبر ظاهر ، بل صريح في أنه عليه السلام قبل تشهّده الأخير أو قبل آخر تشهّد لم يسمعهم شيئاً ، ويلزم من ذلك أنه لم يجهر ، وكون هذا الكلام ممّا يدلّ صريحاً على أنه عليه السلام قبل ذلك لم يسمعهم ممّا لا يحتمله الريب ؛ لأنه أمر جليّ متبادر لمن له أدنى معرفة بأساليب كلام الفصحاء ، فيكون مفاد الخبر أنه عليه السلام قَبلُ لم يُسمعهم شيئاً ، والجهر لازم للإسماع ) ، انتهى.

فهذه الأخبار وأمثالها دليل على وجوب الإخفات للإمام والمنفرد في الأخيرتين ، وحكم المأموم معلوم. وهذا كلّه ، مضافاً إلى أن الإخفات فيهما مطلقاً قرأ أو سبّح المصلّي هو المعروف من المذهب فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع. وهذا كلّه ، مضافاً إلى ما ادّعاه ابن زهرة في ( الغنية ) من الإجماع قال : ( ويجب الجهر بجميع القراءة في أوليي المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة بدليل الإجماع .. ويجب الإخفات في ما عدا ما ذكرناه بدليل الإجماع المشار إليه ) (5).

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ويجب الجهر بالحمد والسورة في

ص: 507


1- الفقيه 1 : 256 / 1161 ، وسائل الشيعة 8 : 360 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 3 : 276 / 806 ، وسائل الشيعة 8 : 360 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1.
3- قرب الإسناد : 37 / 120.
4- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 382 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 3.
5- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 547.

الصبح وفي الأُوليين من المغرب والعشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء ) (1) - : ( هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ في ( الخلاف ) (2) الإجماع ) (3) ، انتهى.

ودعوى الشيخ الإجماع على ذلك في ( الخلاف ) قد استفاض النقل به عنه جدّاً.

وقال الشيخ علي ابن الشيخ محمّد المقابي : في رسالته المعمولة في المسألة : ( المشهور بين علمائنا قديماً وحديثاً وجوب الجهر على المصلّي مطلقاً إماماً كان أو منفرداً في الصبح وأُوليي العشاءين ، والإخفات في البواقي ، فلو عكس عامداً بطلت صلاته ، بل نقل الشيخ في ( الخلاف ) (4) عليه الإجماع. ومثله ابن إدريس في سرائره حيث قال : ( لا خلاف في عدم جواز الجهر في الإخفاتيّة ) (5). وقال في موضع آخر : ( الجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب ) (6) ). ثمّ نقل خلاف المرتضى.

وقال العلّامة : في ( التذكرة ) : ( يجب الجهر في صلاة الصبح وأُوليي المغرب ، وأُوليي العشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب وأخيرتي العشاء عند علمائنا أجمع ) (7) ، انتهى. وهذا ينافي ما سيأتي من نسبة القول بجواز الجهر بالتسبيح للتذكرة في كلام الشيخ حسين : ولابن إدريس أيضاً ، والإجماع المنقول لا يقصر عن الخبر الصحيح إن لم نقل : إنه أرجح منه ؛ لما فيه من تطرّق الاحتمال بخلاف الإجماع.

وممّا يزيدك بياناً المرسل المشهور بين العصابة شهرة أكيدة مع اعتضاده بعمل المشهور قديماً وحديثاً به ، وأورده المحقّق : في ( المعتبر ) (8) والشهيد : في ( الذكرى ) (9) وشرّاح ( الجعفرية ) والعلّامة : في ( المنتهى ) (10) و ( التذكرة ) (11) وغيرهم ، بل استفاض

ص: 508


1- شرائع الإسلام 1 : 72.
2- الخلاف 1 : 331 / المسألة : 83.
3- مدارك الأحكام 3 : 356.
4- الخلاف 1 : 372 / المسألة : 130.
5- السرائر 1 : 218.
6- السرائر 1 : 223.
7- تذكرة الفقهاء 3 : 151 / المسألة : 236 ، وفيها ( عند أكثر علمائنا ).
8- المعتبر 2 : 176.
9- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
10- منتهى المطلب 1 : 277.
11- تذكرة الفقهاء 3 : 151 / المسألة : 236.

نقله ، وكلّ من رواه نقله على سبيل القطع والجزم به.

فهو يدلّ بظاهره على دعوى استفاضته ، بل تواتره ، وهو أن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم كانوا يجهرون في الصبح وأُوليي المغرب والعشاء ، ويسرّون في البواقي ، إلّا إن بعض نقلته يقتصر على نقل ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، وبعضهم ينقله عنه وعن جميع أهل البيت عليهم السلام (1) ، وبعضهم يصرّح بأن ذلك دأبهم في العمل وأنهم مداومون على ذلك مدّة حياتهم ، كبعض شرّاح ( الجعفرية ).

وعن العلّامة : في ( التذكرة ) أنه قال بعد أن نقل عن المرتضى القول بالاستحباب - : ( وهو غلط ؛ لمصادمته الإجماع ، ومداومة النبيّ صلى الله عليه وآله : والصحابة والأئمّة عليهم السلام ، فلو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان ) (2) ، انتهى.

والأخبار المعلّلة للجهر والإخفات تدلّ على أن هذا المرسل حقّ.

وهذه الأخبار مع عمل المشهور به واستفاضة نقل الإجماع تخرج هذا الخبر عن حيّز الإرسال خصوصاً مع جزم ناقلية به ، فهو إذن أقوى من مسند صحيح بلا تأمّل. وهو مع ما استفاض بين الأُمّة أنه صلى الله عليه وآله قال صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (3) ، يدلّ على ما هو المشهور من وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقاً. على أنا لا نحتاج في دلالة الأوّل على الحكم إلى ضمّ الخبر الأخير إليه ؛ لأنه قد نقل جماعة الإجماع على أن الأصل في فعله في العبادات الوجوب خصوصاً في الصلاة ، كما في ( الفوائد الحائرية ) (4) وغيره من كتب الأُصول ، خصوصاً وقد صلّى في محلّ البيان.

وبعد هذا فلا شبهة في وجوب الإخفات فيهما ، مع أنه الأحوط ؛ إذ لم يقل أحد فيما علمنا بوجوب الجهر فيهما مطلقاً ، وإنما حدث القول به من بعض من قارب

ص: 509


1- وسائل الشيعة 6 : 82 - 86 أبواب القراءة ، ب 25.
2- تذكرة الفقهاء 3 : 152 / المسألة : 236 ، وفيه ( للإجماع ) بدل : ( لمصادمته الإجماع ).
3- عوالي اللآلي 1 : 198 / 8 ، السنن الكبرى 2 : 487 / 3856.
4- الفوائد الطوسيّة : 316 / الفائدة : 32.

عصره زماننا جدّاً (1). وبهذا يعلم أنه باطل ؛ إذ لو كان حقّا للزم خلوّ الأرض من قائل بالحقّ ، وهو باطل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل القول بخلوّ الأرض من قائل بالحقّ يؤدّي إلى إنكار وجود الحجّة ، ولسنا مكلّفين إلّا بما علمنا ، فإمكان وجود قائل لا نعلمه ولا يعلمه من وقفنا على كلامه في المسألة مع اختلاف أعصارهم وأمصارهم لا يصادم تحقّق الإجماع على عدم القول بالوجوب ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان.

وقد خصّ بعض المعاصرين المرسل المذكور بالقراءة دون التسبيح ، وهو تخصيص بلا دليل ، بل لا ينبغي الارتياب في وقوع التسبيح من النبيّ صلى الله عليه وآله : والأئمّة عليهم السلام مطلقاً ، سواء كانوا أئمّة أو منفردين ، ولأنه الفرد الأكمل من الفردين.

وممّا يدلّ على أن النبيّ صلى الله عليه وآله : سبّح في أخيرتيه ما جاءت به الأخبار المعلّلة للتسبيح في الأخيرتين من الرباعيّة وثالثة المغرب أنه فعل ذلك لِمَا رأى من عظمة الله تعالى فسبّح (2) ، بل ظاهره مواظبته صلى الله عليه وآله عليه ، بل جزم بعض الأفاضل بمواظبته صلى الله عليه وآله على التسبيح ، مضافاً إلى جزمه بمواظبته على الإخفات في ذلك ، وجعله دليلاً على مساواة التسبيح لحكم القراءة.

وبما قرّرناه يجب ألّا يلتفت إلى إنكار بعض أجلّة أهل البحرين لذلك الخبر قائلاً : ( إنه غير ثابت من طرق الأصحاب ، وإنما هو من طرق العامّة ، فلا ينهض حجّة ). وهذا منه في غاية الغرابة بعد وقوفه عليه في كتب هؤلاء الأفاضل من رؤساء الفرقة جازمين به ، بل استفاض نقله بين العصابة على سبيل البتّ ، واشتهرت روايته بينهم كذلك ، بحيث لا يكاد ينكر ، بل كلّ من بحث في المسألة سلّمه ، والسبر شاهد. وعدم وجوده مسنداً في كتب أصحابنا لا يوجب إنكار روايته من طرقهم واختصاص العامّة بروايته ، بل الظاهر اتّفاق الأُمّة على روايته ، فلا ينبغي الارتياب

ص: 510


1- رياض المسائل 2 : 308 ، مستند الشيعة 5 : 161.
2- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.

فيه بوجه ، وهو من أوضح الأدلّة في المسألة. وعلى ما قرّرناه لا يبقى حديث في المسألة يوهم خلافه يقوى على معارضته ومقاومته.

وما أجاب به الشيخ علي المقابي : عن قوله صلى الله عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلي (1) من منع كون الأمر للوجوب ، ظاهر الضعف. وتحقيق كونه للوجوب في كتب الأُصول ، على أن هذا بناء منه على أن دلالة المرسل المذكور على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا مفتقر إلى ضمّ قوله صلى الله عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أصلي.

وقد نبّهناك على أنه غير مفتقر لذلك ؛ لأن فعله حجّة كقوله ، خصوصاً البياني ، خصوصاً في العبادات ، خصوصاً في الصلاة ، وأن الأصل في فعله فيما علم منه التقرّب به خصوصاً الصلاة الوجوب ، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد.

وقال الشيخ حسن الدمستاني : ( وأمّا الاستدلال على وجوب الجهر والإخفات في محالّهما بأن ذلك واجب على الرسول صلى الله عليه وآله : فيجب علينا لقوله صلّوا كما رأيتموني أصلّي ، فضعيف ). وأطال العبارة في توجيه الضعف بمنع دخول الأقوال وكيفيّاتها في جملة المأمور به في الخبر ، وإن ذلك يلزم منه تكليف ما لا يطاق ؛ لاستحالة الإتيان بمثل كيفيّة ألفاظه من كلّ وجه ، حتّى في الشدّة والضعف ومقدار الجهر والإخفات.

وقد أكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، وأغنانا عن ردّ كلامه بتسليمه أن ذلك واجب على الرسول ؛ إذ لا قائل بأن ذلك من خواصّه صلى الله عليه وآله. والبرهان من السبل الثلاثة قائم على أنه لا يكلّف بالمحال ، وقد فهم منه هذا الشيخ ما لم يفهمه أحد قبله من أرباب النفوس القدسيّة. وناهيك بها أمارة على خطأ فهمه ، عاملنا الله وإيّاه بعفوه.

القول بأن الجهر مع القراءة والإخفات مع التسبيح والدليل عليه

وذهب بعض أجلّة المعاصرين من علماء البحرين إلى أن الإمام والمنفرد والمأموم إن قرؤوا وجب الإخفات ، وإن سبّحوا وجب على الإمام الجهر بالتسبيح ،

ص: 511


1- عوالي اللآلي 1 : 198 / 8 ، السنن الكبرى 2 : 487 / 3856.

وتخيّر المنفرد بين الجهر والإخفات ، ووجب الإخفات على المأموم.

واستدلّ على وجوب الإخفات على مَن قرأ بجملة من الأخبار المتقدّمة ، وخصّها كلّها بعد تسليمه دلالتها عل وجوب الإخفات ، إماماً كان المصلّي أم مأموماً أم منفرداً بما إذا قرأ المصلّي دون ما إذا سبّح ، وهو تخصيص بلا دليل ، وفرق من غير فارق.

قال رحمه الله بعد أن استدلّ على وجوب الإخفات فيما إذا قرأ المصلّي بجملة من الأخبار الدالّة على وجوب الإخفات مطلقاً ، وخصّها من غير مخصّص بمن قرأ دون من سبّح - : بقي الكلام على التسبيح في الأخيرتين حيث لا دخول له في حكم القراءة ؛ لأنه بدل تخييري إلّا إنه من الأذكار ، فحقّه أن يكون المصلّي فيه بالخيار كالقنوت والتشهّد وأذكار الركوع والسجود وإن ترجّح للإمام الجهر به وللمأموم الإخفات به ، والمنفرد فيه باقٍ على الخيار ، إلّا إن هذا الرجحان الثابت فيه للإمام محتمل للوجوب والاستحباب ، فلا تبرأ ذمّة الإمام إلّا بفعله ، كما تدلّ عليه موثّقة أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ينبغي للإمام أن يسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام شيئاً ممّا يقول (1).

وذلك أمارة الوجوب للإمام والمأموم ؛ لأنهما وردا في موثّقة أبي بصير على وتيرة واحدة بعبارة مشتركة بين الوجوب والاستحباب في الإمام ، وبين الكراهة والتحريم في المأموم.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر صحيحة محمّد بن قيس : التي فيها كان عليّ عليه السلام ، يقرأ في أُوليي الظهر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء ، وكان يقرأ في أُوليي العصر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء (2).

فإن ظاهرها أنه عليه السلام كان مستمرّاً على الجهر بالتسبيح في الأخيرتين من الظهرين

ص: 512


1- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 383 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 2 ، باختلاف.
2- تهذيب الأحكام 2 : 97 / 362 ، وسائل الشيعة 6 : 125 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 9. بالمعنى.

كما كان مستمرّاً على الإخفات بالقراءة في كلّ من الأُوليين في الظهر والعصر بقرينة المقابلة ، وإحالة التسبيح فيهما على صلاة العشاء التي هي من الجهريّة ، ولا يمكن نسبة الإخفات إلى صلاة العشاء باعتبار آخريّتها ؛ لأنها من الصلاة الجهريّة ، ولا تحال صلاة الإخفاتيّة عليها ، بل ينبغي العكس.

وكذا ليس المراد بالإحالة عليها في أصل التسبيح في الأخيرتين ؛ إذ لا خصوصيّة للعشاء به ، بل الصلوات كلّها فيه على حدّ سواء ، فلا إحالة على العشاء في هذا الصحيح لأمر سوى الجهر به كما فهمه محمّد تقي : في ( شرح الفقيه ) (1) ، وتبعه ابنه في ( شرح التهذيب ) (2).

ومن العجب ما وقع للشيخ عبد الله بن صالح : في ( أجوبة المسائل المحمّديّة ) (3) ، حيث استدلّ بهذا الصحيح على وجوب الإخفات في التسبيح.

والذي حمل هؤلاء على التزام الإخفات اشتهاره بين الطائفة لبدليّته عن القراءة ، والقراءة إخفاتيّة لما ذكرناه من الأدلّة. وهو من القياس الصرف ، وليس من مذهبنا الاستدلال به ، مع أن هذا الدليل يستلزم كون القراءة هي الأصل في الأخيرتين والتسبيح بدلاً عنها.

وقد قدّمنا لك من الأخبار البالغة حدّ الاشتهار أن التسبيح هو الأصل ؛ للفرق بين ما فرضه الله على العباد وبين ما فرضه رسوله صلى الله عليه وآله لأمرٍ منه ، ولأن التسبيح في الأخيرتين إنما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله ، لِمَا ذكر ممّا أدركه من عظمة ربّه في صلاة المعراج (4) فسبّحه تنزيهاً لذاته ، كما دلّت عليه تلك الصحاح أيضاً.

وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (5) من دلالة بعض العمومات عليه فلم نقف عليه

ص: 513


1- روضة المتقين 2 : 309.
2- ملاذ الأخيار 3 : 584 - 585.
3- عنه في الفرحة الأُنسية 2 : 80.
4- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.
5- الذكرى : 189 ( حجريّ ).

في أخبارنا ؛ فإن أراد به ما جاء عنهم عليهم السلام من أن صلاة النهار عجماء ، وصلاة الليل جهر (1) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالجهر (2) ، فيشمل القراءة والتسبيح ، فليس بنافع ؛ لأن عموم هذه الأخبار إنما يدلّ على أن التسبيح في صلاة الليل جهر ، وفي صلاة النهار إخفات ، وهم لا يلتزمونه. وإن أراد به ما ذكره المحقّق في ( المعتبر ) (3) وعلّامة ( المنتهى ) (4) وهو نفسه في ( الذكرى ) (5) من الخبر النبويّ المتقدّم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ويخفت في ما عداها ، فليس بنافع أيضاً ، لأنه مختصّ بالقراءة ولا يمكن التزام عمومه في سائر الأذكار ؛ لأنه يؤدّي إلى سقوط رجحان الجهر للإمام في أذكار الصلاة كلّها جهريّة وإخفاتيّة ، ومسقط للتخيير للمنفرد لكون الأذكار تابعة للقراءة على التقدير الأوّل ، أو إنها كلّها إخفات لهذا الحديث الثاني ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله : أخفت في ما عدا هذه الركعات الشاملة للقراءة والأذكار ، ولا قائل به.

وقد عرفت أن قوله في صحيح أبي خديجة : كما يسبّح القوم (6) إشارة إلى الكيفيّة ، وهي كون التسبيحات الأربع على هذا النحو المذكور من الترتيب والهيئة المذكورة.

وبالجملة ، فهذه الأخبار لا دلالة فيها على ما ادّعي من الإخفات بالتسبيح في الأخيرتين ، ومن ثمّ عدل عن هذا الحكم ابن إدريس : في سرائره (7) والعلّامة : في ( التذكرة ) (8) وأحمد بن فهد : في مهذّبه (9) ، ومجرّد الشهرة غير كافٍ في الاستدلال.

ص: 514


1- بحار الأنوار 82 : 202 / 15.
2- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.
3- المعتبر 2 : 176.
4- منتهى المطلب 1 : 277.
5- الذكرى : 189.
6- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6 ، وفيهما : « مثل ما » بدل : « كما ».
7- السرائر 1 : 222.
8- تذكرة الفقهاء 3 : 145 / المسألة : 229.
9- المهذّب البارع 1 : 377 - 378 ، وفيه : ( وهل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم. وبعدمه قال ابن إدريس ).

إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط هو أن يكون الإمام في الأخيرتين مرجّحاً للقراءة لتحصل له السلامة والخروج من عهدة هذا الخلاف وإن فاتته فضيلة التسبيح ؛ لما فيه من خطر الجهر والإخفات اللذين هما مظنّة البطلان والوقوع في محذور عدم القطع بصحّة الصلاة ، فهو في تردّد وحرج ؛ لعدم تيقّنه سلامة ذلك المنهج ) ، انتهى كلام خاتمة الحفّاظ المحدّثين الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

ولم يذكر دليلاً على تخيّر المنفرد لو سبّح إلّا أنه ذِكرٌ من الأذكار ، والأذكار يتخيّر فيها. ونحن نمنع كلّيّةً كبراه ، وسنده ما علمت ممّا قدّمناه وغيره ، ونطالبه بدليل كلّيّتها.

ثمّ أقول وبالله المستعان - : أمّا تخصيص إطلاقات تلك الأخبار وعموماتها بمن قرأ دون من سبّح فلا دليل عليه ، ولا ريب في أن المطلق والعامّ حجّة في جميع ما يتناوله من الأفراد. وإذا كان التسبيح بدلاً تخييريّاً من القراءة وقد ثبت وجوب الإخفات بأحد فردي الواجب التخييري ، ولم يظهر نصّ من الشارع على إخراج الفرد الثاني عن حكم مبدله ، وقد ثبت أن العبادات كيفيّات متلقّاة ظهر أن الشارع قد أحال حكمه على حكم بدله.

هذا إن سلّمنا عدم الدلالة على تساويهما في تلك الكيفيّة ، وقد سمعت الدلالة على ذلك. ولو قلنا : إنه لا دلالة فيما ذكرناه على ذلك ، لزم إهمال بيان كيفيّة التسبيح في غير الأُوليين ، مع إيجاب اتّباع الكيفيّة المتلقّاة في العبادات ، خصوصاً الصلاة ، مع أن الشارع بيّن كيفيّة جميع أجزائها واجباً ومندوباً ، فمحال أن يترك هذا الواجب ولم يبيّن وجوب الإخفات به أو الجهر أو التخيير. كيف يمكن أن يقال : لم يبيّن كيفيّته مع أنه بحسب الظاهر أفضل الفردين مطلقاً ، وهو قد استعمله البتّة ، والكيفيّة التي استعمله بها يجب اتّباعها ، ولا يجوز مفارقتها على حال ؛ لأن غيرها لم يأتِ من عند الله عزّ اسمه؟

وبيان كيفيّات الصلاة ممّا يعمّ به البلوى فلا يجوز إهماله في الشريعة ، والكيفيّة التي أتى بها الشارع فعلاً أو قولاً لا بدّ أن يتناقلها الشيعة جيلاً فجيلاً ، فدلّ هذا على أن الكيفيّة التي عليها عمل العصابة جيلاً فجيلاً ، المعروفة بينهم هي التي كان

ص: 515

يستعملها الشارع ، كما أنك تجزم بنسبة ما عليه معظم الشافعيّة في سائر الأعصار والأمصار إلى رئيسهم محمّد بن إدريس.

وبهذا يتبيّن لك أن المنفرد ليس فيه بالخيار كسائر الأذكار ، حتّى يقوم دليل عليه تصدق به كلّيّة الشيخ حسين ، ولم نقف عليه.

وأيضاً إذا سلّم بدليّته عن القراءة لزمه أن يحكم فيه بحكم مبدله ، كما نسبه هو إلى جميع من أوجب الإخفات به ، وهم معظم الفرقة.

وفي حكمه رحمه الله تعالى بوجوب الجهر به على الإمام والإخفات على المأموم إخراجٌ له عن حكم سائر الأذكار ، كأذكار الركوع والسجود والتشهّد وغيرها ، ممّا قام الدليل على جواز الجهر والإخفات به ، فليس هو إذن كأحدها.

وأمّا إنه لا تبرأ ذمّة الإمام بيقين إلّا بالجهر به ولا ذمّة المأموم بيقين إلّا بالإخفات به ؛ لاحتمال الوجوب والاستحباب في حقّ الإمام والكراهية والتحريم في حقّ المأموم ، فبناء منه على ما لا دليل عليه من دوران حكم الإمام بين الاستحباب والوجوب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم.

وغير خفيّ أن يقين البراءة إنما هو في الإخفات لهما ؛ لانحصار الحكم بين الفرقة في سائر الأعصار والأمصار في جواز الجهر به مطلقاً ، ووجوب الإخفات مطلقاً ، واستحبّ بعض القائلين بالجواز الجهر به للإمام (1).

فالاحتياط ويقين البراءة لا [ يحصلان (2) ] إلّا بالإخفات به مطلقاً ، حيث لا نعلم قائلاً بالوجوب قبل حدوث هذا القول من الشيخ المذكور وبعض أعمامه وأبيه الشيخ محمّد ، بل ظاهر كلام الشيخ محمّد : والد الشيخ حسين : المذكور وجوب الجهر للإمام بجميع أذكار الصلاة عدا الستّ الافتتاحيات (3) ؛ لخبر أبي بصير

ص: 516


1- سداد العباد : 170 - 171 ، الفرحة الأُنسية 2 : 79.
2- في المخطوط : ( يحصل ).
3- انظر وسائل الشيعة 6 : 33 ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ب 12.

المذكور (1) ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا الاستدلال على أن حكم الإمام دائر بين الوجوب والاستحباب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم ، بموثّقة أبي بصير المذكورة (2) حيث إنها اشتملت على لفظ ينبغي للإمام .. ولا ينبغي للمأموم ، وهو لفظ مشترك بين الوجوب والندب ، لوروده مستعملا فيهما ، فنفيه مشترك بين الكراهية والتحريم ففيه أن لفظ ينبغي لا نعرف أحداً ممّن علمناه قبل الشيخ عبد علي : عمّ الشيخ حسين : المذكور - [ فهم ] من معنى ينبغي إلّا الرجحان الذي لا يبلغ حدّ الوجوب. واستعمال الشارع له في الوجوب بقرينة لا يدلّ على أنه حقيقة شرعيّة ولا عرفيّة ولا لغويّة فيه ، بل ظاهر اللغة والعرف العامّ أنه حقيقة في الرجحان كما قلنا.

والنقل عنه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، والشارع لا يخاطب الناس إلّا بما يعرفون ، بل أمروا عليهم السلام نوّابهم بأن يخاطبوا الناس بما يعرفون ويذروهم بما لا يعرفون ، فلو أرادوا عليهم سلام الله من لفظ معنى لا يعرفه المخاطب فلا بدّ أن يبيّنوا له المراد ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان. ومتى أطلقوا القول ولم يدلّوا على معنى غير ظاهره وما يفهمه المخاطب منه ، فلا بدّ أن يريدوا منه ما يفهمه المخاطب بمقتضى أدلّة العدل.

ولو سلّمنا أن « ينبغي » مشترك بين الوجوب والاستحباب شرعاً حتّى يكون لا ينبغي مشتركاً بين الكراهة والتحريم ، وأطلق القول كما في هذا الموثّق بلا قرينة تعيّن أحد الحقيقتين وجب حمله على القدر المتيقّن ، وهو المعنى المشترك بين الحقيقتين أعني : مطلق الرجحان وهو لا يدلّ على أكثر من الاستحباب ؛ لأنه المتيقّن ، وإلّا لزم الإغراء بالجهل ، أو التكليف بالمجهول ، وهو تكليف بما لا يطاق.

هذا مع أنه محال أن يطلق الشارع في حال التكليف لفظاً له معنيان حقيقيّان ولا

ص: 517


1- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 383 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 2.
2- المصدر نفسه.

يبيّن المراد منهما مع تباين الحقيقتين ؛ لأن أحدهما غير مراد البتّة. والتكليف قبل البيان محال ، فظهر بطلان قوله بأن يقين البراءة إنما يحصل بالجهر به ؛ لأنه ربّما كان المراد الندب ، فاعتقاد أنه واجب والإفتاء به حينئذٍ مع قيام الاحتمال وإجمال المقال ربّما أدّى إلى الإدخال في الشريعة ما ليس منها.

وبالجملة ، إذا قيل : إنه حقيقة في الوجوب والندب وجب أن يردف بقرينة تعيّن المراد ، ومتى سلّمنا أنه أطلق في مقام بلا قرينة تُعيّن المراد وجب القول بأنه ليس له إلّا حقيقة واحدة يجب صرفه إليها مع الإطلاق ، وإلّا لزم القول بوقوع التكليف قبل البيان ، وهو محال لما يلزمه من التكليف بالمحال.

وإن التزمنا إردافه بقرينة لزم أنه مجاز ، وأنه لا يستعمل إلّا مجازاً ، والشيخ حسين قد سلّم أنه في هذا الموثّق مستعمَل بلا قرينة تُعيّن أحد الأمرين ، فيلزمه أنه ليس حقيقة إلّا في أحدهما ، فأمّا أن يعرف موضوعه فيجب صرفه إليه وإن كان المفروض مستحيلاً لوجوب البيان ، وإلّا وجب صرفه إلى الاستحباب ؛ لأنه القدر المتيقّن.

ولو سلّمنا أنه حقيقة في الوجوب كما ذهب إليه الشيخ محمّد أبو الشيخ حسين ، وعدّى الحكم بوجوب الجهر على الإمام في جميع أذكار الصلاة ، عملاً بهذا الموثّق عدا الستّ الافتتاحيات ففيه بعد المنع بما سمعت أنه يعارض أيّ خبر من الأخبار المتقدّمة ، خصوصاً المرسل [ الذي (1) ] اشتهرت روايته والعمل به بين الفرقة اشتهار الشمس في رابعة النهار ، وقد أُمرنا بالعمل بما اشتهر. [ والإجماع (2) ] المنقول في كلام جمع حتّى كاد أن يستفيض على وجوب الإخفات (3) بالأخيرتين وثالثة العشاء مطلقاً. [ و (4) ] الإجماع المحقّق في سائر الأزمان والأصقاع على عدم وجوب الجهر في ذلك مطلقاً ، حتّى كاد أن يكون ضرورياً بين المسلمين قديماً وحديثاً. ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فهذا الخبر عامّ.

ص: 518


1- في المخطوط : ( التي ).
2- في المخطوط : ( أم إجماع ).
3- شبه الجملة خبر للمبتدإ : ( والإجماع ).
4- في المخطوط : ( أم ).

فإمّا أن نعمل بعمومه فنطرد الحكم بوجوب الجهر على الإمام قرأ أم سبّح ، بل وفي جميع أذكار الصلاة ، أو نعمل بعموم تلك الأدلّة وإطلاقاتها فنوجب الإخفات عليه قرأ أم سبّح.

فإن قلنا : خرج ما سوى ذكر الأخيرتين وثالثة المغرب قراءة وتسبيحاً بدليل.

قلنا : إمّا أن نطرح تلك الأخبار والأدلّة ونعمل بهذا الموثّق قراءة وتسبيحاً ، أو نعمل بتلك الأدلّة ونطرح هذا الموثّق قراءة وتسبيحاً.

أمّا تخصيص تلك الأدلّة بالقراءة ، والموثّق بالتسبيح فحكم بلا دليل وجمع عليل ، وأيّ عليل؟ خصوصاً إذا قلنا بأن الجهر للإمام على سبيل الوجوب بمجرّد هذا الخبر الضعيف.

هذا كلّه مضافاً إلى أن الفقهاء قديماً وحديثاً إنما فهموا منه استحباب جهر الإمام بذكر الركوع والسجود والتشهّد وسائر الأذكار المستحبّة غير الستّ الافتتاحيات والتعوّذ وإخفات المأموم بذلك ، ولم يفهم منه أحد شمول التسبيح في الأخيرتين والثالثة ، ولا اختصاصه بذلك قبل أبناء الشيخ أحمد الدرازي على ما يشهد به التتبع ، وهم أصحاب النفوس القدسيّة ورؤساء الفرقة. ويجب على الباحث عن أحكام الشريعة إذا فهم من حديث معنًى أن يعرض فهمه على فهوم العلماء ورؤساء المذهب ، فإن وافق فهمه فهومهم حمد الله ، وإن خالف فهمه فهو مهم اتّهم نفسه واشتغل بإصلاح وجدانه ، ويستفرغ وسعه في الطلب والبحث ، ويجتهد في الدعاء والاستغفار ، ويسلك في سيره من الطريق التي نهجها له الشارع ، فحينئذ لا بدّ أن يهديه الله السبيل كما وعد ، ولا يبادر إلى تخطئة الوسائط والحكّام ، بل يقف وهو طالب باحث حتّى يأتيه الجواب من صاحب الأمر ، فإنه عليه الهداية لمستحقّها ، فإن زاد المؤمنون ردّهم ، وإن نقصوا أتمّه.

وبالجملة ، فلا دليل على تخصيص الموثّق بالتسبيح ، فما ذكروه بعمومه مدفوع بالنصوص المستفيضة والإجماعات المستفيضة في سائر الأذكار ، ولا على

ص: 519

تخصيص تلك الأخبار المتكثرة بالقراءة ، ومجرّد وجود هذا الموثّق لا يخصص تلك الأدلّة إن عملنا بها ، ولم يعرض عنها ونطرحها. وكما أن مجرّد وجودها لا يوجب تخصيص الموثّق بالتسبيح دون القراءة إن لم نطرحه ؛ فإمّا أن نطرحها أو نطرحه ، أو يوجد دليل يجمعهما. ولا دليل ، فيما علمنا ، وإلّا كان جمعاً وحكماً بمجرّد الرأي بلا دليل ، وهو غير مقبول.

وأمّا صحيح محمّد بن قيس (1) فظاهره الدلالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخافت بالتسبيح في الأخيرتين ؛ لأن التشبيه بصلاة العشاء ؛ إمّا باولييه أو أخيرتيه ، والظاهر أن الأوّل غير مراد ؛ إذ لا تسبيح فيهما لا لإمام ولا مأموم ولا منفرد حتّى يشبّه به تسبيحه في أخيرتي الظهرين.

والقول بأنه أراد تشبيه كيفيّة تسبيحه في أخيرتي الظهرين بكيفيّة قراءته في أوليي العشاء من الجهر خاصّة دون كيفيّة التسبيح لفظاً وعدداً وترتيباً مع إطلاق التشبيه ، فلا دليل عليه ، مع أنه خارج عن عبارات سائر الفصحاء ، فضلاً عن أبلغ البلغاء ، ومع ما قيّد من الإبهام على المخاطب من غير تقيّة في محلّ البيان ووقت الحاجة ، بل إطلاق التشبيه يجب حمله على المشابهة من كلّ وجه ، وذلك يستلزم بطلان إرادة الأوّل.

وأيضاً لو كان هو المراد كنّا نسأل القائل به عن النكتة في تخصيص أُوليي العشاء بالتشبيه دون المغرب والصبح مع تساوي الجميع في كيفيّة الجهر. وحيث لا نكتة ، لا يكون ذلك مراداً ؛ صوناً لكلام ينبوع البلاغة عن الالتحاق بسائر عبارات أضعف العوام ، فتعيّن إرادة الثاني ، وهو تشبيه تسبيحه في أخيرتي كلّ من الظهرين بتسبيحة في أخيرتي العشاء.

والنكتة في تخصيصه بالعشاء المساواة في العدد دون المغرب فهو أجلى

ص: 520


1- تهذيب الأحكام 2 : 97 / 362 ، وسائل الشيعة 6 : 125 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 9.

للمخاطب وأوضح في شمول الحكم لكلّ من الأخيرتين ، وأكمل في التشبيه لتحقّق كمال المطابقة بين المشبّه والمشبّه به. ويجب حمل التشبيه على ظاهره من الإطلاق فيعمّ الكيفيّات المذكورة كلّها. وقد دلّت الأدلّة المذكورة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، خصوصاً الظهرين كما سمعت. فإذن العشاء مثلها لدلالته على المشابهة من كلّ وجه.

ولو سلّمنا عدم دلالته على الإخفات ، قلنا : الاحتمال كافٍ في منع الدلالة ، فكيف والاحتمال ظاهر؟ بل راجح مع الإغضاء عن كونه دالّاً على وجوب الإخفات ، فظهر بهذا سقوط ما وجّه به رحمه الله دلالته على الجهر ، والبيان ظاهر فلا نطيل بذكره.

وأمّا أن الذي حمل الموجبين للإخفات بالتسبيح اشتهاره بين الطائفة ، فالقائل بذلك إن كان يرى حجّية الشهرة خصوصاً إذا كانت بين المتقدّمين والمتأخّرين فقد قال بدليل ، وإلّا وجب أن يعتقد أنه لم يقل إلّا بدليل ظهرت له دلالته ، وإن لم تظهر لغيره ، وهذا تكليفه ولا نكير عليه بعد العلم بأنه من أهل الاستنباط. على أنك قد عرفت [ أن ] الدليل غير الشهرة.

وأمّا أن دليل ما اشتهر بين الطائفة قديماً وحديثاً هو كون التسبيح بدلاً عن القراءة ، والقراءة قد ثبت وجوب الإخفات بها ، فقد علمت أن الدليل غير منحصر في ذلك ، مع أن هذا دلالته تامّة ، فإنه إن أُريد بكون التسبيح بدلاً من القراءة أنه أحد فردي الواجب المخيّر ، كما هو الظاهر من عباراتهم ، ووجد الدليل على كيفيّة أحدهما ، فأمّا أن يظهر دليل على كيفيّة الآخر فتتبّع ، وإلّا حكم بتساويهما في ذلك ، وإلّا لزم التكليف بالمجهول قبل البيان ، وهو تكليف بما لا يطاق.

وإن أريد به أن القراءة أصل والتسبيح فرع كما فهمه الشيخ حسين رحمه الله ، وقد ثبتت كيفيّة الأصل بدليل ، ولم يثبت للفرع حكم يغاير الأصل بدليل وجب إلحاق الفرع بأصله ؛ لأن ما في الفرع من صفات الكمال إنما هي فرع صفات أصله وفاضلها ، كما أن الذات فاضل الذات ، فالفرع يحكي أصله ذاتاً وصفة ذاتيّة ، وإلّا لزم

ص: 521

الإغراء بالجهل ، ولم يتمّ دليل الآن فتيقّظ. على أنك سمعت الدلالة على اتّحاد حكم هذا الفرع مع أصله في ذلك ، فظهر أنه ليس من القياس ، وحاشا نوّاب الله ومن نصبهم حكّاماً في الأرض من العمل بالقياس. وكيف يعملون بما أجمعوا وأطبقوا على بطلانه في كلّ عصر ، وجاهدوا من قال به ، وعلموا على اليقين أنه ليس من دين الله ، ولم تأتِ به شريعة ، وإنما أوّله وعنصره إبليس والجهل؟

وأمّا إن هذا الدليل يستلزم كون القراءة أصلاً والتسبيح فرعاً عليها على ما فهمه من كلامهم فممنوع ، بل أرادوا أنه أحد فردي التخييري اللذين يقوم كلّ منهما مقام الآخر ، على أنا لا نمنع صدق بدليّته بالمعنى الثاني ، وهو الذي فهمه رحمه الله.

والأخبار التي دلّت على أن أصل الصلاة التي فرضها الله ركعتان وزاد رسول الله صلى الله عليه وآله : ما زاد (1) ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما سبّح لِمَا رأى من عظمة الله (2) ، وإنه للفرق بين ما فرضه الله وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما فرضه الله كان فيه القراءة ، وما فرضه الرسول صلى الله عليه وآله : كان فيه التسبيح (3) تدلّ دلالة ظاهرة على أن التسبيح فرع القراءة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله : نائب الله وخليفته ، فلا يكون ما أمر الله به فرعاً لما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله ، فبالضرورة أن السنّة فرع الكتاب وبيانه.

ونستحيله العكس بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً ، على أنه فرض أن القراءة فرع التسبيح ، وقد سلّم هو أن الفرع حكمه الاحتفاف بالدليل ، فإن كان الشارع نصبه دليلاً على حكم الأصل وإلّا حكم عليه بما دلّ على كيفيّة فرعه ؛ لأنه حكاية أصله فصفته حكاية صفته ، فكلّ معلول وفرع دليلٌ على ذات علّته واصلة بذاته وعلى ذاتيّته بذاتيّته.

ص: 522


1- الكافي 3 : 272 / 2 ، 273 / 7 ، وسائل الشيعة 6 : 109 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 42 ، ح 6 ، و: 124 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 6.
2- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.
3- الفقيه 1 : 202 / 924 ، وسائل الشيعة 6 : 124 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 4.

فإن قلتَ : مراده رحمه الله أن التسبيح أصل للقراءة في الأخيرتين وإنما فرض الله القراءة في الأُوليين.

قلتُ : الأخيرتان من حيث هما فرض رسول الله صلى الله عليه وآله : فرع بذاتهما على الأُوليين من حيث هما فرض الله ، فيكون الأصل فيهما ما هو الثابت في أصلهما ، ويشير إلى ذلك ما في صحيحة زرارة : من قول أبي جعفر عليه السلام : والأخيرتان تبع الأُوليين (1).

فإن إطلاقه يشمل القراءة ، ولفظه نصّ في أن الأخيرتين فرع الأُوليين بحكم التبعيّة ، ولا شكّ أن ما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله : فرع وتبع لما فرضه الله.

فأذن الأصل في الأخيرتين القراءة ، وهذا لا ينافي أن التسبيح فيهما أفضل ؛ لأن التسبيح للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله صلى الله عليه وآله ، واستعمال ما يظهر به الفرق أفضل في العمل ؛ لأن الفرق مطلوب للشارع وإن كان ذات الحمد أصلاً لهذا التسبيح وأفضل منه ، كيف لا والفاتحة سرّ القرآن والجامعة لما تفرّق فيه وهي تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وزيادة كما يعلم ذلك من الأخبار (2) ، وهي غير خفيّة على المتتبّع؟

وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (3) من دلالة بعض العمومات عليه فقد سمعت جملة من ذلك ، ومنه ما جاء عنهم عليهم السلام إن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر (4) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات وفي صلاة الليل بالجهر (5) ، فإنه يعمّ التسبيح ، خرج ما خرج بدليل ، ولا فارق بين أخيرتي النهاريّة والليليّة ، ولا قائل بوجوب الجهر بالتسبيح ، ولا دليل عليه ، والمجوّز شاذّ ، على أنه لا يدفع هذه الدلالة.

ومن تلك العمومات أيضاً ذلك المرسل المشتهر بين الأُمّة ، واختصاصه بالقراءة

ص: 523


1- الفقيه 1 : 256 / 1160 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3 ، وفيهما : « تبعاً » بدل : « تبع ». السرائر 1 : 1. و 3 : 585.
2- بحار الأنوار 89 : 223 - 261 / باب 29.
3- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
4- بحار الأنوار 82 : 202.
5- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161 ، الإستبصار 1 : 313 - 314 / 1165 ، وسائل الشيعة 6 : 77 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 22 ، ح 2 ، وفيهما جميعاً : « الإجهار » بدل : « الجهر ».

لا دليل عليه ، وسائر الأذكار خرجت بدليل ، وأمّا أنه مسقط لتخيير المنفرد فحقّ ؛ إذ لا دليل عليه يخرجه عن تلك العمومات والإطلاقات ، ولا نسلّم اختصاص حديث أبي خديجة (1) : بكيفيّة مخصوصة هي ما ذكره رحمه الله. وقد عرفت وجه دلالة تلك الأخبار على ما ادّعى من وجوب الإخفات بالتسبيح والقراءة مطلقاً.

ولم نقف على سرائر ابن إدريس : ولا على عبارة ( التذكرة ) ، وما نقلناه عن الشيخ علي المقابي : من عبارة ( التذكرة ) و ( السرائر ) ينافي القول بالجواز ، وأمّا ابن فهد : فلم نقف له على فتوًى في المسألة في مهذّبه ، وصوره عبارته في الكتاب : ( وهل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم (2). وبعدمه قال ابن إدريس : ) (3) ، انتهى.

وليس له فيها فتوًى ولا كلام في المسألة غير هذا ، وأمّا أن مجرّد الشهرة غير كافٍ في الاستدلال فقد عرفت أن في حجّية الشهرة خلافاً. وعلى القول بحجّيّتها فلو اختلفت شهرة المتقدّمين والمتأخّرين فما المعتبر منهما؟ قولان.

وبالجملة ، فالظاهر أنه إذا اتّفقت شهرة المتقدّمين والمتأخّرين ولم يظهر دليل أقوى منها يخالفها فهي حجّة ، وقد يحصل منها إجماع مشهوري إذا انضمّ لها ما يوجب العلم أو الظنّ المتأكّد جدّاً على الخلاف في انسداد باب العلم وعدمه.

وأمّا قوله : ( إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط ) (4) إلى آخره ، فيلوح منه التوقّف وعدم الجزم بوجوب الجهر به ، بل بجوازه أو إيجاب القراءة لتحصيل يقين البراءة ، فيكون من باب الاحتياط الوجوبي.

وهذا لا دليل عليه ولا قائل به ولا يخلو من اضطراب ، مع أنه لم يخرج بهذا من خلاف من أوجب الإخفات بالبسملة حينئذٍ إن جهر بها ، ولا من خلاف من أوجب الجهر بها إن خافت بها حينئذٍ ، مع أن خلافه ودليله أقوى من قول من أوجب الجهر

ص: 524


1- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.
2- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
3- المهذّب البارع 1 : 377 - 378.
4- انظر : ص 506.

بالتسبيح ؛ لشدّة ندوره وشذوذه وعدم الدليل عليه.

وفيه أيضاً ترك ما هو أفضل الفردين باعترافه على الدوام ، وهجران العمل بسنّة التسبيح أبداً ، والله العاصم.

وفيما ذكرناه كفاية ، ومنه يظهر ضعف القول بوجوب الجهر بجميع أذكار الصلاة ، عدا الستّ الافتتاحيّات كما ذهب إليه والده ، وضعف ما نقله عن عمّه رحمهما الله تعالى. والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله المعصومين.

وقع الفراغ منها ضحى [ اليوم (1) ] السادس والعشرين من شهر ربيع الثاني ، سنة (1240) من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أفضل السلام وأزكى التحيّة.

تمّت على يد الحقير العاصي المخطئ زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع الخطّي ، عفا الله عنهم بمحمّدٍ : وآله الطاهرين ، وعفا الله عمّن ترحّم عليهم ، بمحمّدٍ : وآله الطاهرين.

ص: 525


1- في المخطوط : ( يوم ).

ص: 526

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق... 9

المصنّف في سطور... 16

منهج التحقيق... 17

الرسالة الأُولى ما يكفي المكلَّف من أدلَّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي... 31 - 63

مقدّمة الكتاب... 33

المقدمة... 35

الاولى : في معنى التوحيد... 35

الفائدة الثانية : في معنى الإيمان... 36

الفصل الأول في التوحيد... 39

في كونه تعالى غير مصنوع... 40

في كونه تعالى واحداً... 40

في كونه تعالى حيّاً... 42

الفصل الثاني في العدل... 45

الفصل الثالث في النبوّة... 47

الغرض من بعثة الأنبياء... 47

اشتراط العصمة في النبيّ... 49

صفات النبيّ... 49

الفصل الرابع في الإمامة... 55

أدلَّة عصمة الإمام... 57

الفصل الخامس في المعاد... 59

ص: 527

خاتمة في بيان معنى الشرك با لله والكفر به... 61

الرسالة الثانية موجز في أدلَّة الأُصول الخمسة... 65 - 77

المقدمة... 67

الفصل الأول في بيان معنى التوحيد والدليل عليه... 69

الفصل الثاني في العدل... 71

الفصل الثالث في النبوّة... 73

الفصل الرابع في الإمامة... 75

الفصل الخامس في المعاد... 77

الرسالة الثالثة الرجعة... 79

المقدمة... 81

الأدلَّة النقليّة... 83

الوجوه الاعتباريَّة... 157

الرسالة الرابعة معنى صحيح زرارة المروي في الكافي « إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همَّ بحسنَةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة... »... 163 - 194

المقدمة... 165

أقسام نيّة الطاعة... 166

أقسام نيّة المعصية... 168

الدليل من الأخبار على الإثابة على نيّة الطاعة... 169

الدليل من الأخبار على العقوبة على نيّة المعصية... 170

حقيقة الطاعة والمعصية... 174

شرح الرواية... 177

مناقشة المازندراني في شرحه للخبر... 181

الرسالة الخامسة أحكام التيمّم في بعض صور عدم وجدان الماء... 195 - 204

تنبيه... 204

الرسالة السادسة مختصر الرسالة الصلاتيّة... 205 - 386

المقدمة... 207

ص: 528

كتاب الطهارة... 209

مقدّمة... 209

أقسام المياه وأحكامها... 209

أقسام النجاسات... 219

أحكام النجاسات... 221

المطهّرات... 223

تتمّة في أحكام الخلاء... 227

ختم :... 229

الباب الأول في الوضوء... 231

الفصل الأول في ما يشرع له وأسبابه... 231

موجبات الوضوء... 232

الفصل الثاني في واجباته... 233

شرائط الوضوء... 236

الوضوء الاضطراري... 237

في بعض أحكام الوضوء... 238

الباب الثاني في الأغسال... 239

الفصل الأول في الجنابة... 241

الأوّل في موجباتها... 241

الثاني في أحكام الجنب... 242

الثالث في أقسام الغسل... 243

الفصل الثاني في الحيض... 245

الأوّل في دم الحيض... 245

المبحث الثاني في أحكام الحائض... 249

لحاقة... 251

الفصل الثالث دم الاستحاضة... 253

الفصل الرابع النفاس... 257

ص: 529

الفصل الخامس في غسل الأموات... 259

الأوّل في الوصيّة... 259

الثاني في بعض أحكامه... 259

الثالث : في التكفين... 262

الرابع : في الصلاة عليه... 264

الخامس : في الدفن... 266

الفصل السادس غسل مسّ الميّت... 269

الباب الثالث في التيمّم... 271

الفصل الأول في ما يشرع له... 271

الفصل الثاني في أسباب التيمّم... 273

الفصل الثالث في ما يتيمّم به... 277

الفصل الرابع كيفيّة التيمّم... 279

الفصل الخامس أحكام التيمّم... 281

كتاب الصلاة... 283

مقدمة... 283

مكان المصلَّي... 286

لباس المصلي... 290

تتميم... 293

الباب الأول في كيفيّة الصلاة... 297

الفصل الأول في النيّة... 299

الفصل الثاني في القيام... 303

الفصل الثالث في تكبيرة الإحرام... 307

الفصل الرابع في القراءة... 309

الفصل الخامس الركوع... 315

الفصل السادس في السجود... 317

في سجود السهو... 319

ص: 530

الفصل السابع في التشهّد... 321

تتميم... 323

الباب الثاني في بقيّة الصلوات الواجبة... 325

الفصل الأول في الجمعة... 325

الفصل الثاني صلاة العيدين... 329

الفصل الثالث في الآيات... 331

الفصل الرابع فيما يُلزم به المكلَّف نفسه بنذر وشبهه وبإجارة من الصلوات... 335

الفصل الخامس في قضاء الفوائت... 339

تتمّة في صلاة الطواف... 341

الباب الثالث في حال الصلاة... 343

الفصل الأول يبطل الصلاة ولو نفلًا قول : ( آمين )... 343

الفصل الثاني في مبطلات الصلاة... 347

الفصل الثالث الخلل الواقع في الصلاة... 349

الفصل الرابع في السهو... 351

تنبيه... 353

تتمّة... 353

الفصل الخامس في الشكّ... 357

الباب الرابع في الجماعة... 365

الباب الخامس في صلاة القصر... 373

تنبيه :... 377

الباب السادس باب صلاة الخوف... 381

خاتمة الذكر مقسوم على سبعة أعضاء... 385

الرسالة السابعة تحديد أوّل النهار... 387 - 495

المقدمة... 389

الأدلَّة على أن أوّل النهار طلوع قرص الشمس... 391

تتمّة... 432

ص: 531

لرسالة الثامنة الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة... 497

الدليل على ما يجهر فيه ويخفت من الأخبار... 501

القول بأن الجهر مع القراءة والإخفات مع التسبيح والدليل عليه... 511

فهرس الموضوعات... 527 - 534

ص: 532

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.